الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: ٢٦٨] يَعْنِي بِذَلِكَ تَعَالَى ذِكْرُهُ: الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ بِالصَّدَقَةِ وَأَدَائِكُمُ الزَّكَاةَ الْوَاجِبَةَ عَلَيْكُمْ فِي أَمْوَالِكُمْ أَنْ تَفْتَقِرُوا، ﴿وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ﴾ [البقرة: ٢٦٨] يَعْنِي: وَيَأْمُرُكُمْ بِمَعَاصِي اللَّهِ عز وجل، وَتَرْكِ طَاعَتِهِ ﴿وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ﴾ [البقرة: ٢٦٨] يَعْنِي أَنَّ اللَّهَ عز وجل يَعِدُكُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ أَنْ يَسْتُرَ عَلَيْكُمْ فَحْشَاءَكُمْ بِصَفْحِهِ لَكُمْ عَنْ عُقُوبَتِكُمْ عَلَيْهَا، فَيَغْفِرَ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ بِالصَّدَقَةِ الَّتِي تَتَصَدَّقُونَ ﴿وَفَضْلًا﴾ [البقرة: ٢٦٨] يَعْنِي: وَيَعَدِكُمْ أَنْ يُخْلِفَ عَلَيْكُمْ مِنْ صَدَقَتِكُمْ، فَيَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ عَطَايَاهُ وَيُسْبِغَ عَلَيْكُمْ فِي أَرْزَاقِكُمْ
٥ / ٥
كَمَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ بْنُ وَاقِدٍ، عَنْ يَزِيدَ النَّحْوِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «اثْنَانِ مِنَ اللَّهِ، وَاثْنَانِ مِنَ الشَّيْطَانِ، الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ يَقُولُ: لَا تُنْفِقْ مَالَكَ، وَأَمْسِكْهُ عَلَيْكَ، فَإِنَّكَ تَحْتَاجُ إِلَيْهِ، وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ، وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ عَلَى هَذِهِ الْمَعَاصِي وَفَضْلًا فِي الرِّزْقِ»
٥ / ٥
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا﴾ [البقرة: ٢٦٨] يَقُولُ: «مَغْفِرَةً لَفَحْشَائِكُمْ، وَفَضْلًا لِفَقْرِكُمْ»
٥ / ٦
حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، قَالَ: ثنا أَبُو الْأَحْوَصِ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنَّ لِلشَّيْطَانِ لَمَّةً مِنَ ابْنِ آدَمَ وَلِلْمَلَكِ لَمَّةً: فَأَمَّا لَمَّةُ الشَّيْطَانِ: فَإِيعَادٌ بِالشَّرِّ، وَتَكْذِيبٌ بِالْحَقِّ؛ وَأَمَّا لَمَّةُ الْمَلِكِ: فَإِيعَادٌ بِالْخَيْرِ، وَتَصْدِيقٌ بِالْحَقِّ، فَمَنْ وَجَدَ ذَلِكَ فَلْيَعْلَمْ أَنَّهُ مِنَ اللَّهِ وَلْيَحْمَدِ اللَّهَ، وَمَنْ وَجَدَ الْأُخْرَى فَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ»، ثُمَّ قَرَأَ ﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ﴾ [البقرة: ٢٦٨]
٥ / ٦
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا الْحَكِيمُ بْنُ بَشِيرِ بْنِ سَلْمَانَ، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: «إِنَّ لِلْإِنْسَانِ مِنَ الْمَلَكِ لَمَّةً، وَمَنَ الشَّيْطَانِ لَمَّةً؛ فَاللَّمَّةُ مِنَ الْمَلِكِ: إِيعَادٌ بِالْخَيْرِ، وَتَصْدِيقٌ بِالْحَقِّ، وَاللَّمَّةُ مِنَ الشَّيْطَانِ: إِيعَادٌ بِالشَّرِّ، وَتَكْذِيبٌ بِالْحَقِّ»، وَتَلَا عَبْدُ اللَّهِ: ﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا﴾ [البقرة: ٢٦٨]، قَالَ عَمْرٌو: وَسَمِعْنَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ كَانَ يُقَالُ: «إِذَا أَحَسَّ أَحَدُكُمْ مِنْ لَمَّةِ الْمَلِكِ شَيْئًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ، وَلْيَسْأَلْهُ مِنْ فَضْلِهِ، وَإِذَا أَحَسَّ مِنْ لَمَّةِ الشَّيْطَانِ شَيْئًا، فَلْيَسْتَغْفِرِ اللَّهَ وَلْيَتَعَوَّذْ مِنَ الشَّيْطَانِ»
٥ / ٦
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ: ثنا عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، أَوْ عَنْ مُرَّةَ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: «أَلَا إِنَّ لِلْمَلَكِ لَمَّةً، وَلِلشَّيْطَانِ لَمَّةً؛ فَلَمَّةُ الْمَلِكِ إِيعَادٌ بِالْخَيْرِ وَتَصْدِيقٌ بِالْحَقِّ، وَلَمَّةُ الشَّيْطَانِ إِيعَادٌ بِالشَّرِّ وَتَكْذِيبٌ بِالْحَقِّ؛ وَذَلِكُمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَقُولُ: ﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: ٢٦٨] فَإِذَا وَجَدْتُمْ مِنْ هَذِهِ شَيْئًا فَاحْمَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ، وَإِذَا وَجَدْتُمْ مِنْ هَذِهِ شَيْئًا فَتَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ»
٥ / ٧
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ﴾ [البقرة: ٢٦٨] قَالَ: «إِنَّ لِلْمَلِكِ لَمَّةً، وَلِلشَّيْطَانِ لَمَّةً؛ فَلَمَّةُ الْمَلِكِ؛ إِيعَادٌ بِالْخَيْرِ وَتَصْدِيقٌ بِالْحَقِّ، فَمَنْ وَجَدَهَا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ؛ وَلَمَّةُ الشَّيْطَانِ: إِيعَادٌ بِالشَّرِّ وَتَكْذِيبٌ بِالْحَقِّ، فَمَنْ وَجَدَهَا فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ»
٥ / ٧
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا حَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ، قَالَ: ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ، عَنْ مُرَّةَ الْهَمْدَانِيِّ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَالَ: «إِنَّ لِلْمَلَكِ لَمَّةً، وَلِلشَّيْطَانِ لَمَّةً؛ فَلَمَّةُ الْمَلَكِ: إِيعَادٌ بِالْخَيْرِ وَتَصْدِيقٌ بِالْحَقِّ، وَلَمَّةُ الشَّيْطَانِ إِيعَادٌ بِالشَّرِّ وَتَكْذِيبٌ بِالْحَقِّ، فَمَنْ أَحَسَّ مِنْ لَمَّةِ الْمَلَكِ شَيْئًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ عَلَيْهِ، وَمَنْ أَحَسَّ مِنْ لَمَّةِ الشَّيْطَانِ شَيْئًا فَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْهُ» ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: ٢٦٨] حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ فِطْرٍ، عَنِ ⦗٨⦘ الْمُسَيِّبِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، بِنَحْوِهِ
٥ / ٧
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ مُرَّةَ بْنِ شَرَاحِيلَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: «إِنَّ لِلشَّيْطَانِ لَمَّةً، وَلِلْمَلَكِ لَمَّةً، فَأَمَّا لَمَّةُ الشَّيْطَانِ فَتَكْذِيبٌ بِالْحَقِّ وَإِيعَادٌ بِالشَّرِّ، وَأَمَّا لَمَّةُ الْمَلَكِ فَإِيعَادٌ بِالْخَيْرِ وَتَصْدِيقٌ بِالْحَقِّ، فَمَنْ وَجَدَ ذَلِكَ فَلْيَعْلَمْ أَنَّهُ مِنَ اللَّهِ وَلْيَحْمَدِ اللَّهَ عَلَيْهِ، وَمَنْ وَجَدَ الْأُخْرَى فَلْيَسْتَعِذْ مِنَ الشَّيْطَانِ» ثُمَّ قَرَأَ: ﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا﴾ [البقرة: ٢٦٨]
٥ / ٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: ٢٤٧] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَاللَّهُ وَاسِعُ الْفَضْلِ الَّذِي يَعِدُكُمْ أَنْ يُعْطِيكُمُوهُ مِنْ فَضْلِهِ وَسَعَةِ خَزَائِنِهِ، عَلِيمٌ بِنَفَقَاتِكُمْ وَصَدَقَاتِكُمُ الَّتِي تُنْفِقُونَ وَتَصَدَّقُونَ بِهَا، يُحْصِيهَا لَكُمْ حَتَّى يُجَازِيَكُمْ بِهَا عِنْدَ مَقْدِمُكُمْ عَلَيْهِ فِي آخِرَتِكُمْ
٥ / ٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبَابِ﴾ [البقرة: ٢٦٩] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثناؤُهُ: يُؤْتِي اللَّهُ الْإِصَابَةَ فِي الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ، وَمَنْ يُؤْتَ الْإِصَابَةَ فِي ذَلِكَ مِنْهُمْ، فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمُ: الْحِكْمَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ هِيَ الْقُرْآنُ وَالْفِقْهُ بِهِ
٥ / ٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ⦗٩⦘ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ [البقرة: ٢٦٩] «يَعْنِي الْمَعْرِفَةَ بِالْقُرْآنِ، نَاسِخِهِ وَمَنْسُوخِهِ، وَمُحْكَمِهِ وَمُتَشَابِهِهِ، وَمُقَدَّمِهِ وَمُؤَخِّرِهِ، وَحَلَالِهِ وَحَرَامِهِ، وَأَمْثَالِهِ»
٥ / ٨
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ﴾ [البقرة: ٢٦٩] قَالَ: «الْحِكْمَةُ: الْقُرْآنُ، وَالْفِقْهُ فِي الْقُرْآنِ»
٥ / ٩
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ: ﴿يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ [البقرة: ٢٦٩] «وَالْحِكْمَةُ: الْفِقْهُ فِي الْقُرْآنِ»
٥ / ٩
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْهِلَالِيُّ، قَالَ: ثنا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ، قَالَ: ثنا شُعَيْبُ بْنُ الْحَبْحَابِ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ: ﴿وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ [البقرة: ٢٦٩] قَالَ: «الْكِتَابَ وَالْفَهْمَ فِيهِ»
٥ / ٩
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ. .﴾ [البقرة: ٢٦٩] الْآيَةَ، قَالَ: «لَيْسَتْ بِالنُّبُوَّةِ، وَلَكِنَّهُ الْقُرْآنُ وَالْعِلْمُ وَالْفِقْهُ»
٥ / ٩
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «الْفِقْهُ فِي الْقُرْآنِ» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى الْحِكْمَةِ الْإِصَابَةُ فِي الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ
٥ / ١٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، قَالَ: سَمِعْتُ مُجَاهِدًا، قَالَ: ﴿وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ﴾ [البقرة: ٢٦٩] قَالَ: «الْإِصَابَةَ»
٥ / ١٠
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ عز وجل: ﴿يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ﴾ [البقرة: ٢٦٩] قَالَ: «يُؤْتِي إِصَابَتَهُ مَنْ يَشَاءُ»
٥ / ١٠
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ﴾ [البقرة: ٢٦٩] قَالَ: «الْكِتَابُ يُؤْتِي إِصَابَتَهُ» وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ الْعِلْمُ بِالدِّينِ
٥ / ١٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: ﴿يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ﴾ [البقرة: ٢٦٩] «الْعَقْلُ فِي ⦗١١⦘ الدِّينِ»، وَقَرَأَ: ﴿وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ [البقرة: ٢٦٩]
٥ / ١٠
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: «الْحِكْمَةُ: الْعَقْلُ»
٥ / ١١
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قُلْتُ لِمَالِكٍ: وَمَا الْحِكْمَةُ؟ قَالَ: «الْمَعْرِفَةُ بِالدِّينِ، وَالْفِقْهُ فِيهِ، وَالِاتِّبَاعُ لَهُ» وَقَالَ آخَرُونَ: الْحِكْمَةُ: الْفَهْمُ
٥ / ١١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: «الْحِكْمَةُ: هِيَ الْفَهْمُ» وَقَالَ آخَرُونَ: هِيَ الْخَشْيَةُ
٥ / ١١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ﴾ [البقرة: ٢٦٩] الْآيَةَ، قَالَ: «الْحِكْمَةُ: الْخَشْيَةُ؛ لِأَنَّ رَأْسَ كُلِّ شَيْءٍ خَشْيَةُ اللَّهِ»، وَقَرَأَ: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ [فاطر: ٢٨] وَقَالَ آخَرُونَ: هِيَ النُّبُوَّةُ
٥ / ١١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَوْلُهُ: ﴿يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ﴾ [البقرة: ٢٦٩] الْآيَةَ، قَالَ: «الْحِكْمَةُ هِيَ النُّبُوَّةُ» وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى مَعْنَى الْحِكْمَةِ، وَأَنَّهَا مَأْخُوذَةٌ مِنَ الْحُكْمِ وَفَصْلِ الْقَضَاءِ، وَأَنَّهَا الْإِصَابَةُ بِمَا دَلَّ عَلَى صِحَّتِهِ، فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ تَكْرِيرِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ. فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ مَعْنَاهُ، كَانَ جَمِيعُ الْأَقْوَالِ الَّتِي قَالَهَا الْقَائِلُونَ الَّذِينَ ذَكَرْنَا قَوْلَهُمْ فِي ذَلِكَ دَاخِلًا فِيمَا قُلْنَا مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْإِصَابَةَ فِي الْأُمُورِ إِنَّمَا تَكُونُ عَنْ فَهْمٍ بِهَا وَعِلْمٍ وَمَعْرِفَةٍ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ كَانَ الْمُصِيبُ عَنْ فَهْمٍ مِنْهُ بِمَوَاضِعِ الصَّوَابِ فِي أُمُورِهِ فَهَمًا خَاشِيًا لِلَّهِ فَقِيهًا عَالِمًا، وَكَانَتِ النُّبُوَّةُ مِنْ أَقْسَامِهِ؛ لِأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ مُسَدَّدُونَ مُفَهَّمُونَ، وَمُوَفَّقُونَ لِإِصَابَةِ الصَّوَابِ فِي بَعْضِ الْأُمُورِ، وَالنُّبُوَّةُ بَعْضُ مَعَانِي الْحِكْمَةِ. فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ: يُؤْتِي اللَّهُ إِصَابَةَ الصَّوَابِ فِي الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ مَنْ يَشَاءُ، وَمَنْ يُؤْتِهِ اللَّهُ ذَلِكَ فَقَدْ آتَاهُ خَيْرًا كَثِيرًا
٥ / ١٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثناؤُهُ: وَمَا يَتَّعِظُ بِمَا وَعَظَ بِهِ رَبُّهُ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ الَّتِي وَعَظَ فِيهَا الْمُنْفِقِينَ أَمْوَالَهُمْ بِمَا وَعَظَ بِهِ غَيْرَهُمْ فِيهَا، وَفِي غَيْرِهَا مِنْ آيِ كِتَابِهِ، ⦗١٣⦘ فَيَذْكُرُ وَعْدَهُ وَوَعِيدَهُ فِيهَا، فَيَنْزَجِرُ عَمَّا زَجَرَهُ عَنْهُ رَبُّهُ، وَيُطِيعُهُ فِيمَا أَمَرَهُ بِهِ، ﴿إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ﴾، يَعْنِي: إِلَّا أُولُو الْعُقُولِ الَّذِينَ عَقَلُوا عَنِ اللَّهِ عز وجل أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ، فَأُخْبِرَ جَلَّ ثناؤُهُ أَنَّ الْمَوَاعِظَ غَيْرُ نَافِعَةٍ إِلَّا أُولِي الْحِجَا وَالْحُلُومِ، وَأَنَّ الذِّكْرَى غَيْرُ نَاهِيَةٍ إِلَّا أَهْلَ النُّهَى وَالْعُقُولِ
٥ / ١٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ﴾ [البقرة: ٢٧٠] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثناؤُهُ: وَأَيُّ نَفَقَةٍ أَنْفَقْتُمْ، يَعْنِي أَيَّ صَدَقَةٍ تَصَدَّقْتُمْ، أَوْ أَيَّ نَذْرٍ نَذَرْتُمْ؛ يَعْنِي بِالنَّذْرِ: مَا أَوْجَبُهُ الْمَرْءُ عَلَى نَفْسِهِ تَبَرُّرًا فِي طَاعَةِ اللَّهِ، وَتَقَرُّبًا بِهِ إِلَيْهِ، مِنْ صَدَقَةٍ أَوْ عَمَلِ خَيْرٍ، ﴿فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ﴾ [البقرة: ٢٧٠] أَيْ أَنَّ جَمِيعَ ذَلِكَ بِعِلْمِ اللَّهِ، لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِنْهُ شَيْءٌ، وَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهُ قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ، وَلَكِنَّهُ يُحْصِيهُ أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيْكُمْ حَتَّى يُجَازِيَكُمْ جَمِيعَكُمْ عَلَى جَمِيعِ ذَلِكَ، فَمَنْ كَانَتْ نَفَقَتُهُ مِنْكُمْ وَصَدَقَتُهُ وَنَذْرُهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ نَفْسِهِ، جَازَاهُ بِالَّذِي وَعْدَهُ مِنَ التَّضْعِيفِ؛ وَمَنْ كَانَتْ نَفَقَتُهُ وَصَدَقَتُهُ رِيَاءَ النَّاسِ وَنَذْرُهُ لِلشَّيْطَانِ جَازَاهُ بِالَّذِي أَوْعَدَهُ مِنَ الْعِقَابِ وَأَلِيمِ الْعَذَابِ،
٥ / ١٣
كَالَّذِي: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ عز وجل: ﴿وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ﴾ [البقرة: ٢٧٠] «وَيُحْصِيهِ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ ⦗١٤⦘ ثُمَّ أَوْعَدَ جَلَّ ثناؤُهُ مَنْ كَانَتْ نَفَقَتُهُ رِيَاءً وَنُذُورُهُ طَاعَةً لِلشَّيْطَانِ، فَقَالَ: ﴿وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ﴾ [البقرة: ٢٧٠] يَعْنِي: وَمَا لِمَنْ أَنْفَقَ مَالَهُ رِيَاءَ النَّاسِ وَفِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ، وَكَانَتْ نُذُورُهُ لِلشَّيْطَانِ وَفِي طَاعَتِهِ، ﴿مِنْ أَنْصَارٍ﴾ [البقرة: ٢٧٠] وَهُمْ جَمْعُ نَصِيرٍ، كَمَا الْأَشْرَافُ جَمْعَ شَرِيفٍ، وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ: ﴿مِنْ أَنْصَارٍ﴾ [البقرة: ٢٧٠] مَنْ يُنْصُرُهُمْ مِنَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيَدْفَعُ عَنْهُمْ عِقَابَهُ يَوْمَئِذٍ بِقُوَّةِ وَشِدَّةِ بَطْشٍ وَلَا بِفِدْيَةٍ، وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَى أَنَّ الظَّالِمَ هُوَ الْوَاضِعُ لِلشَّيْءِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ، وَإِنَّمَا سَمَّى اللَّهُ الْمُنْفِقَ رِيَاءَ النَّاسِ، وَالنَّاذِرَ فِي غَيْرِ طَاعَتِهِ ظَالِمًا، لِوَضْعِهِ إِنْفَاقَ مَالِهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ وَنَذْرِهِ فِي غَيْرِ مَالِهِ وَضَعَهُ فِيهِ، فَكَانَ ذَلِكَ ظُلْمَهُ. فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِلٌ: فَكَيْفَ قَالَ: ﴿فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ﴾ [البقرة: ٢٧٠] وَلَمْ يَقُلْ: يَعْلَمُهُمَا، وَقَدْ ذَكَرَ النَّذْرَ وَالنَّفَقَةَ؟ قِيلَ: إِنَّمَا قَالَ: ﴿فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ﴾ [البقرة: ٢٧٠] لِأَنَّهُ أَرَادَ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا أَنْفَقْتُمْ أَوْ نَذَرْتُمْ، فَلِذَلِكَ وَحَّدَ الْكِنَايَةَ
٥ / ١٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ [البقرة: ٢٧١] يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثناؤُهُ ﴿إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ﴾ [البقرة: ٢٧١] إِنْ تُعْلِنُوا الصَّدَقَاتِ فَتُعْطُوهَا مَنْ تَصَدَّقْتُمْ بِهَا عَلَيْهِ، ﴿فَنِعِمَّا هِيَ﴾ [البقرة: ٢٧١] يَقُولُ: فَنِعْمَ الشَّيْءُ هِيَ ﴿وَإِنْ تُخْفُوهَا﴾ [البقرة: ٢٧١] يَقُولُ: وَإِنْ تَسْتُرُوهَا فَلَمْ تُعْلِنُوهَا ﴿وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ﴾ [البقرة: ٢٧١] يَعْنِي: ⦗١٥⦘ وَتُعْطُوهَا الْفُقَرَاءَ فِي السِّرِّ، ﴿فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ﴾ [البقرة: ٢٧١] يَقُولُ: فَإِخْفَاؤُكُمْ إِيَّاهَا خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ إِعْلَانِهَا، وَذَلِكَ فِي صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ
٥ / ١٤
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ﴾ [البقرة: ٢٧١] «كُلٌّ مَقْبُولٌ إِذَا كَانَتِ النِّيَّةُ صَادِقَةً، وَصَدَقَةُ السِّرِّ أَفْضَلُ. وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ الصَّدَقَةَ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ»
٥ / ١٥
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ﴾ [البقرة: ٢٧١] قَالَ: «كُلٌّ مَقْبُولٌ إِذَا كَانَتِ النِّيَّةُ صَادِقَةً، وَالصَّدَقَةُ فِي السِّرِّ أَفْضَلُ»، وَكَانَ يَقُولُ: «إِنَّ الصَّدَقَةَ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ»
٥ / ١٥
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ﴾ [البقرة: ٢٧١] «فَجَعَلَ اللَّهُ صَدَقَةَ السِّرِّ فِي التَّطَوُّعِ تَفْضُلُ عَلَانِيَتَهَا بِسَبْعِينَ ضِعْفًا، وَجَعَلَ صَدَقَةَ الْفَرِيضَةِ عَلَانِيَتَهَا أَفْضَلَ مِنْ سِرَّهَا يُقَالُ بِخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ ضِعْفًا، وَكَذَلِكَ جَمِيعُ الْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ فِي الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا»
٥ / ١٥
حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَنَفِيُّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ، قَالَ: ثنا ⦗١٦⦘ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ﴾ [البقرة: ٢٧١] قَالَ: يَقُولُ: «هُوَ سِوَى الزَّكَاةِ» وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّمَا عَنَى اللَّهُ عز وجل بِقَوْلِهِ: ﴿إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ﴾ [البقرة: ٢٧١] إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا فُقَرَاءَهُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ، قَالُوا: وَأَمَّا مَا أَعْطَى فُقَرَاءَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ زَكَاةٍ وَصَدَقَةِ تَطَوُّعٍ فَإِخْفَاؤُهُ أَفْضَلُ مِنْ عَلَانِيَتِهِ
٥ / ١٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: ثني عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ شُرَيْحٍ، أَنَّهُ سَمِعَ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، يَقُولُ: «إِنَّمَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ﴾ [البقرة: ٢٧١] فِي الصَّدَقَةِ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى»
٥ / ١٦
حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَنَفِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، قَالَ: «كَانَ يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ يَأْمُرُ بِقَسْمِ الزَّكَاةِ فِي السِّرِّ» قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: أُحِبُّ أَنْ تُعْطَى فِي الْعَلَانِيَةِ، يَعْنِي الزَّكَاةَ وَلَمْ يُخَصِّصِ اللَّهُ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ﴾ [البقرة: ٢٧١] فَذَلِكَ عَلَى الْعُمُومِ إِلَّا مَا كَانَ مِنْ زَكَاةٍ وَاجِبَةٍ، ⦗١٧⦘ فَإِنَّ الْوَاجِبَ مِنَ الْفَرَائِضِ قَدْ أَجْمَعَ الْجَمِيعُ عَلَى أَنَّ الْفَضْلَ فِي إِعْلَانِهِ وَإِظْهَارِهِ سِوَى الزَّكَاةِ الَّتِي ذَكَرْنَا اخْتِلَافَ الْمُخْتَلِفِينَ فِيهَا مَعَ إِجْمَاعِ جَمِيعِهِمْ عَلَى أَنَّهَا وَاجِبَةٌ، فَحُكْمُهَا فِي أَنَّ الْفَضْلَ فِي أَدَائِهَا عَلَانِيَةً حُكْمُ سَائِرِ الْفَرَائِضِ غَيْرِهَا
٥ / ١٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ﴾ [البقرة: ٢٧١] اخْتَلَفَ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ. فَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهُ: (وَتُكَفِّرُ عَنْكُمْ) بِالتَّاءِ، وَمَنْ قَرَأَهُ كَذَلِكَ، فَإِنَّهُ يَعْنِي بِهِ: وَتُكَفِّرُ الصَّدَقَاتُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ، وَقَرَأَ آخَرُونَ: ﴿وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ﴾ [البقرة: ٢٧١] بِالْيَاءِ بِمَعْنَى: وَيُكَفِّرُ اللَّهُ عَنْكُمْ بِصَدَقَاتِكُمْ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْآيَةِ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ، وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْدُ عَامَّةُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ: (وَنُكَفِّرْ عَنْكُمْ) بِالنُّونِ وَجَزْمِ الْحَرْفِ، يَعْنِي: وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ، بِمَعْنَى مُجَازَاةِ اللَّهِ عز وجل مُخْفِي الصَّدَقَةِ بِتَكْفِيرِ بَعْضِ سَيِّئَاتِهِ بِصَدَقَتِهِ الَّتِي أَخْفَاهَا. وَأَوْلَى الْقِرَاءَاتِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا بِالصَّوَابِ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ: (وَنُكَفِّرْ عَنْكُمْ) بِالنُّونِ وَجَزْمِ الْحَرْفِ، عَلَى مَعْنَى الْخَبَرِ مِنَ اللَّهِ عَنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ يُجَازَى الْمُخْفِي صَدَقَتَهُ مِنَ التَّطَوُّعِ ابْتِغَاءَ وَجْهِهِ مِنْ صَدَقَتِهِ بِتَكْفِيرِ سَيِّئَاتِهِ، وَإِذَا قُرِئَ كَذَلِكَ فَهُوَ مُجْزُومٌ عَلَى مَوْضِعِ الْفَاءِ فِي قَوْلِهِ: ﴿فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ﴾ [البقرة: ٢٧١] لِأَنَّ الْفَاءَ هُنَالِكَ حَلَّتْ مَحَلَّ جَوَابِ الْجَزَاءِ. فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِلٌ: وَكَيْفَ اخْتَرْتَ الْجَزْمَ عَلَى النَّسَقِ عَلَى مَوْضِعِ الْفَاءِ، وَتَرَكْتَ
٥ / ١٧
اخْتِيَارَ نَسَقِهِ عَلَى مَا بَعْدَ الْفَاءِ، وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ الْأَفْصَحَ مِنَ الْكَلَامِ فِي النَّسَقِ عَلَى جَوَابِ الْجَزَاءِ الرَّفْعُ، وَإِنَّمَا الْجَزْمُ تَجْوِيزٌ؟ قِيلَ: اخْتَرْنَا ذَلِكَ لِيُؤْذِنَ بِجَزْمِهِ أَنَّ التَّكْفِيرَ أَعْنِي تَكْفِيرَ اللَّهِ مِنْ سَيِّئَاتِ الْمُصَّدِّقِ لَا مَحَالَةَ دَاخِلٌ فِيمَا وَعَدَ اللَّهُ الْمُصَّدِّقَ أَنْ يُجَازِيَهُ بِهِ عَلَى صَدَقَتِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إِذَا جُزِمَ مُؤْذِنٌ بِمَا قُلْنَا لَا مَحَالَةَ، وَلَوْ رُفِعَ كَانَ قَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ دَاخِلًا فِيمَا وَعْدَهُ اللَّهُ أَنْ يُجَازِيَهُ بِهِ، وَأَنْ يَكُونَ خَبَرًا مُسْتَأْنَفًا أَنَّهَ يُكَفِّرُ مِنْ سَيِّئَاتِ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى غَيْرِ الْمُجَازَاةِ لَهُمْ بِذَلِكَ عَلَى صَدَقَاتِهِمْ؛ لِأَنَّ مَا بَعْدَ الْفَاءِ فِي جَوَابِ الْجَزَاءِ اسْتِئْنَافٌ، فَالْمَعْطُوفُ عَلَى الْخَبَرِ الْمُسْتَأْنَفِ فِي حُكْمِ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ فِي أَنَّهُ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي الْجَزَاءِ، وَلِذَلِكَ مِنَ الْعِلَّةِ اخْتَرْنَا جَزْمَ (نُكَفِّرْ) عَطْفًا بِهِ عَلَى مَوْضِعِ الْفَاءِ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ﴾ [البقرة: ٢٧١] وَقِرَاءَتَهُ بِالنُّونِ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَمَا وَجْهُ دُخُولِ «مِنْ» فِي قَوْلِهِ: ﴿وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ﴾ [البقرة: ٢٧١]؟ قِيلَ: وَجْهُ دُخُولِهَا فِي ذَلِكَ بِمَعْنَى: ونُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ مَا نَشَاءُ تَكْفِيرَهُ مِنْهَا دُونَ جَمِيعِهَا؛ لِيَكُونَ الْعِبَادُ عَلَى وَجَلٍ مِنَ اللَّهِ فَلَا يَتَّكِلُوا عَلَى وَعْدِهِ مَا وَعَدَ عَلَى الصَّدَقَاتِ الَّتِي يُخْفِيهَا الْمُتَصَدِّقُ فَيَجْتَرِئُوا عَلَى حُدُودِهِ وَمَعَاصِيهِ. وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ: مَعْنَى «مِنَ» الْإِسْقَاطَ مِنْ هَذَا الْمَوْضِعِ، وَيَتَأَوَّلُ مَعْنَى ذَلِكَ: وَنُكَفِّرُ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ
٥ / ١٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ [البقرة: ٢٣٤] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثناؤُهُ: وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ فِي صَدَقَاتِكُمْ مِنْ إِخْفَائِهَا وَإِعْلَانَ وَإِسْرَارٍ بِهَا وَإِجْهَارٍ، وَفِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَعْمَالِكُمْ ﴿خَبِيرٌ﴾ [البقرة: ٢٣٤] يَعْنِي بِذَلِكَ: ذُو خِبْرَةٍ وَعِلْمٍ، لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، فَهُوَ بِجَمِيعِهِ مُحِيطٌ، وَلِكُلِّهِ مُحْصٍ ⦗١٩⦘ عَلَى أَهْلِهِ حَتَّى يُوَفِّيَهُمْ ثَوَابَ جَمِيعِهِ وَجَزَاءَ قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ
٥ / ١٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لَيْسَ عَلَيْكَ هَدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ﴾ [البقرة: ٢٧٢] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِذَلِكَ: لَيْسَ عَلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ هُدَى الْمُشْرِكِينَ إِلَى الْإِسْلَامِ، فَتَمْنَعُهُمْ صَدَقَةَ التَّطَوُّعِ، وَلَا تُعْطِيهِمْ مِنْهَا لِيَدْخُلُوا فِي الْإِسْلَامِ حَاجَةً مِنْهُمْ إِلَيْهَا، وَلَكِنَّ اللَّهَ هُوَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ مِنْ خَلْقِهِ إِلَى الْإِسْلَامِ فَيُوَفِّقُهُمْ لَهُ، فَلَا تَمْنَعْهُمُ الصَّدَقَةَ
٥ / ١٩
كَمَا: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ لَا يَتَصَدَّقُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ، فَنَزَلَتْ: ﴿وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ﴾ [البقرة: ٢٧٢] «فَتَصَدَّقَ عَلَيْهِمْ»
٥ / ١٩
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا أَبُو دَاوُدَ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ إِيَاسَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «كَانُوا لَا يَرْضَخُونَ لَقَرَابَاتِهِمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَنَزَلَتْ: ﴿لَيْسَ عَلَيْكَ هَدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾ [البقرة: ٢٧٢]»
٥ / ١٩
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: «كَانُوا يَتَّقُونَ أَنْ يَرْضَخُوا، لِقَرَابَاتِهِمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ حَتَّى نَزَلَتْ: ﴿لَيْسَ عَلَيْكَ هَدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾ [البقرة: ٢٧٢]»
٥ / ١٩
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، وَأَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَا: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ إِيَاسَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: “كَانُوا لَا يَرْضَخُونَ لِأَنْسِبَائِهِمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَنَزَلَتْ: ﴿لَيْسَ عَلَيْكَ هَدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾ [البقرة: ٢٧٢] «فَرَخَّصَ لَهُمْ»
٥ / ٢٠
حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا سُوَيْدٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ إِيَاسَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «كَانَ أُنَاسٌ مِنَ الْأَنْصَارِ لَهُمْ أَنْسِبَاءُ وَقَرَابَةٌ مِنْ قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ، وَكَانُوا يَتَّقُونَ أَنْ يَتَصَدَّقُوا عَلَيْهِمْ، وَيُرِيدُونَهُمْ أَنْ يُسْلِمُوا، فَنَزَلَتْ: ﴿لَيْسَ عَلَيْكَ هَدَاهُمْ﴾ [البقرة: ٢٧٢]» الْآيَةَ
٥ / ٢٠
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ رِجَالًا، مِنْ أَصْحَابِ نَبِيِّ اللَّهِ ﷺ قَالُوا: أَنَتَصَدَّقُ عَلَى مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ دِينِنَا؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي ذَلِكَ الْقُرْآنَ: ﴿لَيْسَ عَلَيْكَ هَدَاهُمْ﴾ [البقرة: ٢٧٢] “
٥ / ٢٠
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿لَيْسَ عَلَيْكَ هَدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾ [البقرة: ٢٧٢] قَالَ: «كَانَ الرَّجُلُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِذَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرَّجُلِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَرَابَةٌ وَهُوَ مُحْتَاجٌ فَلَا يَتَصَدَّقُ عَلَيْهِ يَقُولُ: لَيْسَ مِنْ أَهْلِ دِينِي، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل: ﴿لَيْسَ عَلَيْكَ هَدَاهُمْ﴾ [البقرة: ٢٧٢]» الْآيَةَ
٥ / ٢٠
حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ ⦗٢١⦘ السُّدِّيِّ، قَوْلُهُ: ﴿لَيْسَ عَلَيْكَ هَدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ، وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ﴾ [البقرة: ٢٧٢] أَمَّا ﴿لَيْسَ عَلَيْكَ هَدَاهُمْ﴾ [البقرة: ٢٧٢] «فَيَعْنِي الْمُشْرِكِينَ، وَأَمَّا النَّفَقَةُ فَبَيْنَ أَهْلِهَا»
٥ / ٢٠
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا الْحِمَّانِيُّ، قَالَ: ثنا يَعْقُوبُ الْقُمِّيُّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي الْمُغِيرَةِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: «كَانُوا يَتَصَدَّقُونَ»
٥ / ٢١
كَمَا حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ﴾ [البقرة: ٢٧٢] قَالَ: «هُوَ مَرْدُودٌ عَلَيْكَ، فَمَا لَكَ وَلِهَذَا تُؤْذِيهِ وَتَمُنُّ عَلَيْهِ؟ إِنَّمَا نَفَقَتُكَ لِنَفْسِكَ وَابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ، وَاللَّهُ يَجْزِيكَ»
٥ / ٢٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: ٢٧٣] أَمَّا قَوْلُهُ: ﴿لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [البقرة: ٢٧٣] فَبَيَانٌ مِنَ اللَّهِ عز وجل عَنْ سَبِيلِ النَّفَقَةِ وَوَجْهِهَا. وَمَعْنَى الْكَلَامِ: وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرَ فَلِأَنْفُسِكُمْ، تُنْفِقُونَ لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَاللَّامُ الَّتِي فِي الْفُقَرَاءِ مَرْدُودَةٌ عَلَى مَوْضِعِ اللَّامِ فِي فَلِأَنْفُسِكُمْ، كَأَنَّهُ قَالَ: ﴿وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ﴾ [البقرة: ٢٧٢] يَعْنِي بِهِ: وَمَا تَتَصَدَّقُوا بِهِ مِنْ مَالَ فَلِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَلَمَّا اعْتَرَضَ فِي الْكَلَامِ بِقَوْلِهِ: ﴿فَلِأَنْفُسِكُمْ﴾ [البقرة: ٢٧٢]، فَأَدْخَلَ الْفَاءَ الَّتِي هِيَ جَوَابُ الْجَزَاءِ فِيهِ تُرِكَتْ إِعَادَتُهَا فِي قَوْلِهِ
٥ / ٢٢
: ﴿لِلْفُقَرَاءِ﴾ [البقرة: ٢٧٣]، إِذْ كَانَ الْكَلَامُ مَفْهُومًا مَعْنَاهُ
٥ / ٢٣
كَمَا: حَدَّثَنِي مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَوْلُهُ: ﴿لَيْسَ عَلَيْكَ هَدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرَ فَلِأَنْفُسِكُمْ﴾ [البقرة: ٢٧٢] «أَمَّا ﴿لَيْسَ عَلَيْكَ هَدَاهُمْ﴾ [البقرة: ٢٧٢] «فَيَعْنِي الْمُشْرِكِينَ، وَأَمَّا النَّفَقَةُ فَبَيَّنَ أَهْلَهَا»، فَقَالَ: ﴿لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [البقرة: ٢٧٣]» وَقِيلَ: إِنَّ هَؤُلَاءِ الْفُقَرَاءَ الَّذِينَ ذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، هُمْ فُقَرَاءُ الْمُهَاجِرِينَ عَامَّةً دُونَ غَيْرِهِمْ مِنَ الْفُقَرَاءِ
٥ / ٢٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [البقرة: ٢٧٣] «مُهَاجِرِي قُرَيْشٍ بِالْمَدِينَةِ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ، أَمَرَ بِالصَّدَقَةِ عَلَيْهِمْ»
٥ / ٢٣
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَوْلُهُ: ﴿لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [البقرة: ٢٧٣] الْآيَةَ، قَالَ: «هُمْ فُقَرَاءُ الْمُهَاجِرِينَ بِالْمَدِينَةِ»
٥ / ٢٣
حَدَّثَنِي مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [البقرة: ٢٧٣] قَالَ: «فُقَرَاءُ الْمُهَاجِرِينَ»
٥ / ٢٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [البقرة: ٢٧٣] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِذَلِكَ: الَّذِينَ جَعَلَهُمْ جِهَادُهُمْ عَدُوَّهُمْ يَحْصُرُونَ أَنْفُسَهُمْ فَيَحْبِسُونَهَا عَنِ التَّصَرُّفِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَصَرُّفًا، وَقَدْ دَلَّلْنَا فِيمَا مَضَى قَبْلُ عَلَى أَنَّ مَعْنَى الْإِحْصَارِ تَصْيِيرُ الرَّجُلِ الْمُحْصَرِ بِمَرَضِهِ أَوْ فَاقَتِهِ أَوْ جِهَادِهِ عَدُوَّهُ، وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ عِلَلِهِ إِلَى حَالَةٍ يَحْبِسُ نَفْسَهُ فِيهَا عَنِ التَّصَرُّفِ فِي أَسْبَابِهِ بِمَا فِيهِ الْكِفَايَةُ فِيمَا مَضَى قَبْلُ. وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي ذَلِكَ بِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِيهِ
٥ / ٢٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [البقرة: ٢٧٣] قَالَ: «حَصَرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لِلْغَزْوِ»
٥ / ٢٤
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [البقرة: ٢٧٣] قَالَ: «كَانَتِ الْأَرْضُ كُلُّهَا كُفْرًا لَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَخْرُجَ يَبْتَغِي مِنْ فَضْلِ اللَّهِ إِذَا خَرَجَ خَرَجَ فِي كُفْرٍ، وَقِيلَ: كَانَتِ الْأَرْضُ كُلُّهَا حَرْبًا عَلَى أَهْلِ هَذَا الْبَلَدِ، وَكَانُوا لَا يَتَوَجَّهُونَ جِهَةً إِلَّا لَهُمْ فِيهَا عَدُوٌّ، فَقَالَ اللَّهُ عز وجل: ﴿لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي ⦗٢٥⦘ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [البقرة: ٢٧٣] الْآيَةَ؛ كَانُوا هَاهُنَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: الَّذِينَ أَحْصَرَهُمُ الْمُشْرِكُونَ فَمَنَعُوهُمُ التَّصَرُّفَ
٥ / ٢٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [البقرة: ٢٧٣] «حَصَرَهُمُ الْمُشْرِكُونَ فِي الْمَدِينَةِ» وَلَوْ كَانَ تَأْوِيلُ الْآيَةِ عَلَى مَا تَأَوَّلَهُ السُّدِّيُّ لَكَانَ الْكَلَامُ: لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ حُصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكِنَّهُ ﴿أُحْصِرُوا﴾ [البقرة: ٢٧٣]، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ خَوْفَهُمْ مِنَ الْعَدُوِّ الَّذِي صَيَّرَ هَؤُلَاءِ الْفُقَرَاءَ إِلَى الْحَالِ الَّتِي حَبَسُوا وَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَنْفُسَهُمْ، لَا أَنَّ الْعَدُوَّ هُمْ كَانُوا الْحَابِسِيهِمْ، وَإِنَّمَا يُقَالُ لِمَنْ حَبَسَهُ الْعَدُوُّ: حَصَرَهُ الْعَدُوُّ، وَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ الْمُحْبَسُ مِنْ خَوْفِ الْعَدُوِّ قِيلَ: أَحْصَرَهُ خَوْفُ الْعَدُوِّ
٥ / ٢٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ﴾ [البقرة: ٢٧٣] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثناؤُهُ: لَا يَسْتَطِيعُونَ تَقَلُّبًا فِي الْأَرْضِ، وَسَفَرًا فِي الْبِلَادِ، ابْتِغَاءَ الْمَعَاشِ وَطَلَبَ الْمَكَاسِبِ، فَيَسْتَغْنُوا عَنِ الصَّدَقَاتِ رَهْبَةَ الْعَدُوِّ، وَخَوْفًا عَلَى أَنْفُسِهِمْ مِنْهُمْ
٥ / ٢٥
كَمَا: حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ﴾ [البقرة: ٢٧٣] «حَبَسُوا أَنْفُسَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لِلْعَدُوٍّ، فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تِجَارَةً»
٥ / ٢٦
حَدَّثَنِي مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ﴾ [البقرة: ٢٧٣] «يَعْنِي التِّجَارَةَ»
٥ / ٢٦
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ قَوْلُهُ: ﴿لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ﴾ [البقرة: ٢٧٣] «كَانَ أَحَدُهُمْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَخْرُجَ يَبْتَغِي مِنْ فَضْلِ اللَّهِ»
٥ / ٢٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ﴾ [البقرة: ٢٧٣] يَعْنِي بِذَلِكَ: يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ بِأَمْرِهِمْ وَحَالِهِمْ أَغْنِيَاءَ مِنْ تَعَفُّفِهِمْ عَنِ الْمَسْأَلَةِ وَتَرْكِهِمُ التَّعَرُّضَ لِمَا فِي أَيْدِي النَّاسِ صَبْرًا مِنْهُمْ عَلَى الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ
٥ / ٢٦
كَمَا: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ﴾ [البقرة: ٢٧٣] يَقُولُ: «يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ بِأَمْرِهِمْ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ» ⦗٢٧⦘ وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ: ﴿مِنَ التَّعَفُّفِ﴾ [البقرة: ٢٧٣] مِنْ تَرْكِ مَسْأَلَةِ النَّاسِ، وَهُوَ التَّفَعُّلُ مِنَ الْعِفَّةِ عَنِ الشَّيْءِ، وَالْعِفَّةُ عَنِ الشَّيْءِ تَرْكُهُ، كَمَا قَالَ رُؤْبَةُ: فَعَفَّ عَنْ أَسْرَارِهَا بَعْدَ الْعَسْقِ يَعْنِي بَرِئَ وَتَجَنَّبَ
٥ / ٢٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ﴾ [البقرة: ٢٧٣] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثناؤُهُ: تَعْرِفُهُمْ يَا مُحَمَّدُ بِسِيمَاهُمْ، يَعْنِي بِعَلَامَتِهِمْ وَآثَارِهِمْ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ عز وجل: ﴿سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ﴾ [الفتح: ٢٩] هَذِهِ لُغَةُ قُرَيْشٍ، وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَقُولُ: «بِسِيمَائِهِمْ» فَيَمُدُّهَا، وَأَمَّا ثَقِيفٌ وَبَعْضُ أَسَدٍ، فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ: «بِسِيمِيَائِهِمْ»؛ وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
[البحر الطويل] غُلَامٌ رَمَاهُ اللَّهُ بِالْحُسْنِ يَافِعًا … لَهُ سِيمِيَاءُ لَا تَشُقُّ عَلَى الْبَصَرْ
وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي السِّيمَا الَّتِي أَخْبَرَ اللَّهُ جَلَّ ثناؤُهُ أَنَّهَا لِهَؤُلَاءِ الْفُقَرَاءِ الَّذِينَ وُصِفَتْ صِفَتُهُمْ وَأَنَّهُمْ يُعْرَفُونَ بِهَا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ التَّخَشُّعُ وَالتَّوَاضُعُ
[البحر الطويل] غُلَامٌ رَمَاهُ اللَّهُ بِالْحُسْنِ يَافِعًا … لَهُ سِيمِيَاءُ لَا تَشُقُّ عَلَى الْبَصَرْ
وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي السِّيمَا الَّتِي أَخْبَرَ اللَّهُ جَلَّ ثناؤُهُ أَنَّهَا لِهَؤُلَاءِ الْفُقَرَاءِ الَّذِينَ وُصِفَتْ صِفَتُهُمْ وَأَنَّهُمْ يُعْرَفُونَ بِهَا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ التَّخَشُّعُ وَالتَّوَاضُعُ
٥ / ٢٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، ⦗٢٨⦘ عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ﴾ [البقرة: ٢٧٣] قَالَ: «التَّخَشُّعُ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ لَيْثٍ، قَالَ: كَانَ مُجَاهِدٌ يَقُولُ: «هُوَ التَّخَشُّعُ» وَقَالَ آخَرُونَ يَعْنِي بِذَلِكَ: تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَا الْفَقْرِ وَجَهْدِ الْحَاجَةِ فِي وُجُوهِهِمْ
٥ / ٢٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ﴾ [البقرة: ٢٧٣] «بِسِيمَا الْفَقْرِ عَلَيْهِمْ»
٥ / ٢٨
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، فِي قَوْلِهِ: «﴿تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ﴾ [البقرة: ٢٧٣] يَقُولُ: تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمُ الْجَهْدَ مِنَ الْحَاجَةِ» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: تَعْرِفُهُمْ بِرَثَاثَةِ ثِيَابِهِمْ، وَقَالُوا: الْجُوعُ خَفِيُّ
٥ / ٢٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: ﴿تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ﴾ [البقرة: ٢٧٣] قَالَ: «السِّيمَا رَثَاثَةُ ثِيَابِهِمْ، وَالْجُوعُ خَفِيُّ عَلَى النَّاسِ، وَلَمْ تَسْتَطِعِ الثِّيَابُ الَّتِي يَخْرُجُونَ فِيهَا تَخْفَى عَلَى النَّاسِ» وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ: أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ عز وجل أَخْبَرَ نَبِيَّهُ ﷺ أَنَّهُ يَعْرِفُهُمْ بِعَلَامَاتِهِمْ وَآثَارِ الْحَاجَةِ فِيهِمْ، وَإِنَّمَا كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يُدْرِكُ تِلْكَ الْعَلَامَاتِ وَالْآثَارِ مِنْهُمْ عِنْدَ الْمُشَاهَدَةِ بِالْعِيَانِ، فَيَعْرِفُهُمْ وَأَصْحَابُهُ بِهَا، كَمَا يُدْرَكُ الْمَرِيضُ فَيُعْلَمُ أَنَّهُ مَرِيضٌ بِالْمُعَايَنَةِ. وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ تِلْكَ السِّيمَا كَانَتْ تَخَشُّعًا مِنْهُمْ، وَأَنْ تَكُونَ كَانَتْ أَثَرَ الْحَاجَةِ وَالضُّرِّ، وَأَنْ تَكُونَ كَانَتْ رَثَاثَةَ الثِّيَابِ، وَأَنْ تَكُونَ كَانَتْ جَمِيعَ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا تُدْرَكُ عَلَامَاتُ الْحَاجَةِ وَآثَارُ الضُّرِّ فِي الْإِنْسَانِ، وَيُعْلَمُ أَنَّهَا مِنَ الْحَاجَةِ وَالضُّرِّ بِالْمُعَايَنَةِ دُونَ الْوَصْفِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمَرِيضَ قَدْ يَصِيرُ بِهِ فِي بَعْضِ أَحْوَالِ مَرَضِهِ مِنَ الْمَرَضِ نَظَرُ آثَارِ الْمَجْهُودِ مِنَ الْفَاقَةِ وَالْحَاجَةِ، وَقَدْ يَلْبَسُ الْغَنِيُّ ذُو الْمَالِ الْكَثِيرِ الثِّيَابَ الرَّثَّةَ، فَيَتَزَيَّا بِزِيِّ أَهْلِ الْحَاجَةِ، فَلَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ دَلَالَةٌ بِالصِّفَةِ عَلَى أَنَّ الْمَوْصُوفَ بِهِ مُخْتَلٌّ ذُو فَاقَةٍ، وَإِنَّمَا يَدْرِي ذَلِكَ عِنْدَ الْمُعَايَنَةِ بِسِيمَاهُ، كَمَا وَصَفَهُمُ اللَّهُ نَظِيرَ مَا يُعْرَفُ أَنَّهُ مَرِيضٌ عِنْدَ الْمُعَايَنَةِ دُونَ وَصْفِهِ بِصِفَتِهِ
٥ / ٢٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا﴾ [البقرة: ٢٧٣] يُقَالُ: قَدْ أَلْحَفَ السَّائِلُ ⦗٣٠⦘ فِي مَسْأَلَتِهِ إِذَا أَلَحَّ فَهُوَ يُلْحِفُ فِيهَا إِلْحَافًا. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: أَفَكَانَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ يَسْأَلُونَ النَّاسَ غَيْرَ إِلْحَافٍ؟ قِيلَ: غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ كَانُوا يَسْأَلُونَ النَّاسَ شَيْئًا عَلَى وَجْهِ الصَّدَقَةِ إِلْحَافًا أَوْ غَيْرَ إِلْحَافٍ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ عز وجل وَصَفَهُمْ بِأَنَّهُمْ كَانُوا أَهْلَ تَعَفُّفٍ، وَأَنَّهُمْ إِنَّمَا كَانُوا يُعْرَفُونَ بِسِيمَاهُمْ، فَلَوْ كَانَتِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ شَأْنِهِمْ لَمْ تَكُنْ صِفَتُهُمُ التَّعَفُّفَ، وَلَمْ يَكُنْ بِالنَّبِيِّ ﷺ إِلَى عِلْمِ مَعْرِفَتِهِمِ بِالْأَدِلَّةِ وَالْعَلَامَةِ حَاجَةٌ، وَكَانَتِ الْمَسْأَلَةُ الظَّاهِرَةُ تُنْبِئُ عَنْ حَالِهِمْ وَأَمْرِهِمْ
٥ / ٢٩
وَفِي الْخَبَرِ الَّذِي: حَدَّثَنَا بِهِ بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ هِلَالِ بْنِ حِصْنٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: أَعْوَزْنَا مَرَّةٌ فَقِيلَ لِي: لَوْ أَتَيْتَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَسَأَلْتَهُ، فَانْطَلَقْتُ إِلَيْهِ مُعْنِقًا، فَكَانَ أَوَّلُ مَا وَاجَهَنِي بِهِ: «مِنِ اسْتَعَفَّ أَعَفَّهُ اللَّهُ، وَمَنِ اسْتَغْنَى أَغْنَاهُ اللَّهُ، وَمَنْ سَأَلَنَا لَمْ نَدَّخِرْ عَنْهُ شَيْئًا نَجِدُهُ»، قَالَ: فَرَجَعْتُ إِلَى نَفْسِي، فَقُلْتُ: أَلَا اسْتَعَفَّ فَيُعِفَّنِي اللَّهُ، فَرَجَعْتُ فَمَا سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ شَيْئًا بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ أَمْرِ حَاجَةٍ حَتَّى مَالَتْ عَلَيْنَا الدُّنْيَا فَغَرَّقَتْنَا إِلَّا مَنْ عَصَمَ اللَّهُ الدَّلَالَةُ الْوَاضِحَةُ عَلَى أَنَّ التَّعَفُّفَ مَعْنًى يَنْفِي مَعْنَى الْمَسْأَلَةِ مِنَ الشَّخْصِ الْوَاحِدِ وَأَنَّ مَنْ كَانَ مَوْصُوفًا بِالتَّعَفُّفِ فَغَيْرُ مَوْصُوفٍ بِالْمَسْأَلَةِ إِلْحَافًا أَوْ غَيْرَ إِلْحَافٍ ⦗٣١⦘ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا وَصَفْتُ، فَمَا وَجْهُ قَوْلِهِ: ﴿لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا﴾ [البقرة: ٢٧٣] وَهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا أَوْ غَيْرَ إِلْحَافٍ؟ قِيلَ لَهُ: وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ لَمَّا وَصَفَهُمْ بِالتَّعَفُّفِ وَعَرَّفَ عِبَادَهُ أَنَّهُمْ لَيْسُوا أَهْلَ مَسْأَلَةٍ بِحَالٍ بِقَوْلِهِ: ﴿يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ﴾ [البقرة: ٢٧٣] وَأَنَّهُمْ إِنَّمَا يُعْرَفُونَ بِالسِّيمَا، زَادَ عِبَادَهُ إِبَانَةً لَأَمْرِهِمْ، وَحُسْنِ ثَنَاءٍ عَلَيْهِمْ بِنَفْيِ الشَّرَهِ وَالضَّرَاعَةِ الَّتِي تَكُونُ فِي الْمُلِحِّينَ مِنَ السُّؤَالِ عَنْهُمْ، وَقَالَ: كَانَ بَعْضُ الْقَائِلِينَ يَقُولُ فِي ذَلِكَ نَظِيرَ قَوْلِ الْقَائِلِ: فَلَمَّا رَأَيْتُ مِثْلَ فُلَانٍ، وَلَعَلَّهُ لَمْ يَرَهُ مِثْلَهُ أَحَدًا وَلَا نَظِيرًا وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي مَعْنَى الْإِلْحَافِ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٥ / ٣٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا﴾ [البقرة: ٢٧٣] قَالَ: «لَا يُلْحِفُونَ فِي الْمَسْأَلَةِ»
٥ / ٣١
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا﴾ [البقرة: ٢٧٣] قَالَ: «هُوَ الَّذِي يُلِحُّ فِي الْمَسْأَلَةِ»
٥ / ٣١
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا﴾ [البقرة: ٢٧٣] ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ كَانَ يَقُولُ: «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْحَلِيمَ ⦗٣٢⦘ الْغَنِيَّ الْمُتَعَفِّفَ، وَيَبْغَضُ الْغَنِيَّ الْفَاحِشَ الْبَذِيَّ السَّائِلَ الْمُلْحِفَ» قَالَ: وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ كَانَ يَقُولُ: «إِنَّ اللَّهَ عز وجل كَرِهَ لَكُمْ ثَلَاثًا، قِيلَ وَقَالَ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ فَإِذَا شِئْتَ رَأَيْتَهُ فِي قِيلَ وَقَالَ يَوْمَهُ أَجْمَعَ وَصَدْرَ لَيْلَتِهِ، حَتَّى يُلْقَى جِيفَةً عَلَى فِرَاشِهِ، لَا يَجْعَلُ اللَّهُ لَهُ مِنْ نَهَارِهِ وَلَا لَيْلَتِهِ نَصِيبًا، وَإِذَا شِئْتَ رَأَيْتَهُ ذَا مَالٍ فِي شَهْوَتِهِ وَلَذَّاتِهِ وَمَلَاعِبِهِ، وَيُعْدِلُهُ عَنْ حَقِّ اللَّهِ، فَذَلِكَ إِضَاعَةُ الْمَالِ، وَإِذَا شِئْتَ رَأَيْتَهُ بَاسِطًا ذِرَاعَيْهِ، يَسْأَلُ النَّاسَ فِي كَفَّيْهِ، فَإِذَا أُعْطِيَ أَفْرَطَ فِي مَدْحِهِمْ، وَإِنْ مُنِعَ أَفْرَطَ فِي ذَمِّهِمْ»
٥ / ٣١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [البقرة: ٢٧٤]
٥ / ٣٣
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا مُعْتَمِرٌ، عَنْ أَيْمَنَ بْنِ نَابِلٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي شَيْخٌ، مِنْ غَافِقٍ: أَن أَبَا الدَّرْدَاءِ، كَانَ يَنْظُرُ إِلَى الْخَيْلِ مَرْبُوطَةً بَيْنَ ⦗٣٦⦘ الْبَرَاذِينَ وَالْهُجُنِ، فَيَقُولُ: أَهْلُ هَذِهِ يَعْنِي الْخَيْلَ مِنَ ﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً، فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ، وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [البقرة: ٢٧٤] ” وَقَالَ آخَرُونَ: عَنَى بِذَلِكَ قَوْمًا أَنْفَقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فِي غَيْرِ إِسْرَافٍ وَلَا تَقْتِيرٍ
٥ / ٣٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ﴾ [البقرة: ٢٦١] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [البقرة: ٢٧٤] «هَؤُلَاءِ أَهْلُ الْجَنَّةِ» ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ كَانَ يَقُولُ: «الْمُكْثِرُونَ هُمُ الْأَسْفَلُونَ» . قَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِلَّا مَنْ؟ قَالَ: «الْمُكْثِرُونَ هُمُ الْأَسْفَلُونَ»، قَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِلَّا مَنْ؟ قَالَ: «الْمُكْثِرُونَ هُمُ الْأَسْفَلُونَ»، قَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِلَّا مَنْ؟ حَتَّى خَشُوا أَنْ تَكُونَ قَدْ مَضَتْ فَلَيْسَ لَهَا رَدٌّ، حَتَّى قَالَ: «إِلَّا مَنْ قَالَ بِالْمَالِ هَكَذَا وَهَكَذَا» عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ، «وَهَكَذَا» بَيْنَ يَدَيْهِ «وَهَكَذَا» خَلْفَهُ، «وَقَلِيلٌ مَا هُمْ، هَؤُلَاءِ قَوْمٌ أَنْفَقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّتِي افْتَرَضَ وَارْتَضَى فِي غَيْرِ سَرَفٍ وَلَا إِمْلَاقٍ وَلَا تَبْذِيرٍ وَلَا فَسَادٍ» وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ هَذِهِ الْآيَاتُ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ﴾ [البقرة: ٢٧١] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [البقرة: ٦٢] كَانَ مِمَّا يُعْمَلُ بِهِ قَبْلَ ⦗٣٧⦘ نُزُولِ مَا فِي سُورَةِ بَرَاءَةَ مِنْ تَفْصِيلِ الزَّكَوَاتِ، فَلَمَّا نَزَلَتْ بَرَاءَةُ قَصَرُوا عَلَيْهَا
٥ / ٣٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ﴾ [البقرة: ٢٧١] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [البقرة: ٦٢] «فَكَانَ هَذَا يُعْمَلُ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ بَرَاءَةُ، فَلَمَّا نَزَلَتْ بَرَاءَةُ بِفَرَائِضِ الصَّدَقَاتِ وَتَفْصِيلِهَا انْتَهَتِ الصَّدَقَاتُ إِلَيْهَا»
٥ / ٣٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُه إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [البقرة: ٢٧٥] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثناؤُهُ: الَّذِينَ يُرْبُونَ، وَالْإِرْبَاءُ: الزِّيَادَةُ عَلَى الشَّيْءِ، يُقَالُ مِنْهُ: أَرْبَى فُلَانٌ عَلَى فُلَانٍ إِذَا زَادَ عَلَيْهِ يُرْبِي إِرْبَاءً وَالزِّيَادَةُ هِيَ الرِّبَا، وَرَبَا الشَّيْءُ: إِذَا زَادَ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ فَعَظُمَ فَهُوَ يَرْبُو رَبْوًا، وَإِنَّمَا قِيلَ لِلرَّابِيَةِ لِزِيَادَتِهَا فِي الْعِظَمِ وَالْإِشْرَافِ عَلَى مَا اسْتَوَى مِنَ الْأَرْضِ مِمَّا حَوْلَهَا مِنْ قَوْلِهِمْ رَبَا يَرْبُو وَمِنْ ذَلِكَ قِيلَ: فُلَانٌ فِي رِبَا قَوْمِهِ يُرَادُ أَنَّهُ فِي رِفْعَةٍ وَشَرَفٍ مِنْهُمْ، فَأَصْلُ الرِّبَا الْإِنَافَةُ وَالزِّيَادَةُ، ثُمَّ يُقَالُ: أَرْبَى فُلَانٌ: أَيْ أَنَافَ صَيَّرَهِ زَائِدًا، وَإِنَّمَا قِيلَ لِلْمُرْبِي مُرْبٍ لِتَضْعِيفِهِ الْمَالَ
٥ / ٣٧
الَّذِي كَانَ لَهُ عَلَى غَرِيمِهِ حَالًا، أَوْ لِزِيَادَتِهِ عَلَيْهِ فِيهِ، لِسَبَبِ الْأَجَلِ الَّذِي يُؤَخِّرُهُ إِلَيْهِ، فَيَزِيدُهُ إِلَى أَجَلِهِ الَّذِي كَانَ لَهُ قَبْلَ حَلِّ دِينِهِ عَلَيْهِ، وَلِذَلِكَ قَالَ جَلَّ ثناؤُهُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً﴾ [آل عمران: ١٣٠] وَبِمِثْلِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ:
٥ / ٣٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ فِي الرِّبَا الَّذِي نَهَى اللَّهُ عَنْهُ: «كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَكُونُ لِلرَّجُلِ عَلَى الرَّجُلِ الدَّيْنُ، فَيَقُولُ: لَكَ كَذَا وَكَذَا وَتُؤَخِّرُ عَنِي فَيُؤَخِّرُ عَنْهُ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
٥ / ٣٨
حَدَّثَنِي بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ «أَنَّ رِبَا الْجَاهِلِيَّةِ، يَبِيعُ الرَّجُلُ الْبَيْعَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى، فَإِذَا حَلَّ الْأَجَلُ وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَ صَاحِبِهِ قَضَاءٌ زَادَهُ وَأَخَّرَ عَنْهُ» فَقَالَ جَلَّ ثناؤُهُ لِلَّذِينَ يُرْبُونَ الرِّبَا الَّذِي وَصَفْنَا صِفَتَهُ فِي الدُّنْيَا، لَا يَقُومُونَ فِي الْآخِرَةِ مِنْ قُبُورِهِمْ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ؛ يَعْنِي بِذَلِكَ: يَتَخَبَّلُهُ الشَّيْطَانُ فِي الدُّنْيَا، وَهُوَ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ ⦗٣٩⦘ فَيَصْرَعُهُ مِنَ الْمَسِّ، يَعْنِي مِنَ الْجُنُونِ، وَبِمِثْلِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٥ / ٣٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ عز وجل: «﴿الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ﴾ [البقرة: ٢٧٥] يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي أَكْلِ الرِّبَا فِي الدُّنْيَا» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
٥ / ٣٩
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ، قَالَ: ثنا رَبِيعَةُ بْنُ كُلْثُومٍ، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ﴾ [البقرة: ٢٧٥] قَالَ: «ذَلِكَ حِينَ يُبْعَثُ مِنْ قَبْرِهِ»
٥ / ٣٩
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا رَبِيعَةُ بْنُ كُلْثُومٍ، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «يُقَالُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِآكِلِ الرِّبَا: خُذْ سِلَاحَكَ لِلْحَرْبِ»، وَقَرَأَ: ﴿لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ﴾ [البقرة: ٢٧٥] قَالَ: «ذَلِكَ حِينَ يُبْعَثُ مِنْ قَبْرِهِ»
٥ / ٣٩
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: ﴿الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ﴾ [البقرة: ٢٧٥] الْآيَةَ، قَالَ: «يُبْعَثُ آكِلُ الرِّبَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَجْنُونًا يَخْنُقُ»
٥ / ٤٠
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ﴾ [البقرة: ٢٧٥] الْآيَةَ، «وَتِلْكَ عَلَامَةُ أَهْلِ الرِّبَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، بُعِثُوا وَبِهِمْ خَبَلٌ مِنَ الشَّيْطَانِ»
٥ / ٤٠
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: ﴿لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ﴾ [البقرة: ٢٧٥] قَالَ: «هُوَ التَّخَبُّلُ الَّذِي يَتَخَبَّلُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْجُنُونِ»
٥ / ٤٠
حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ﴾ [البقرة: ٢٧٥] قَالَ: «يُبْعَثُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبِهِمْ خَبَلٌ مِنَ الشَّيْطَانِ» وَهِيَ فِي بَعْضِ الْقِرَاءَةِ «لَا يَقُومُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»
٥ / ٤٠
حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا أَبُو زُهَيْرٍ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ﴾ [البقرة: ٢٧٥] قَالَ: «مَنْ مَاتَ وَهُوَ يَأْكُلُ الرِّبَا بُعِثَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُتَخَبِّطًا كَالَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ»
٥ / ٤٠
حَدَّثَنِي مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ﴾ [البقرة: ٢٧٥] «يَعْنِي مِنَ الْجُنُونِ»
٥ / ٤١
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ﴾ [البقرة: ٢٧٥] قَالَ: «هَذَا مَثَلُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يَقُومُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ النَّاسِ، إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يُخْنَقُ مَعَ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُ خُنِقَ كَأَنَّهُ مَجْنُونٌ» وَمَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ﴾ [البقرة: ٢٧٥] يَتَخَبَّلُهُ مِنْ مَسِّهِ إِيَّاهُ، يُقَالُ مِنْهُ: قَدْ مُسَّ الرَّجُلُ وَأُلِقَ فَهُوَ مَمْسُوسٌ وَمَأْلُوقٌ، كُلُّ ذَلِكَ إِذَا أَلَمَّ بِهِ اللَّمُمُ فَجُنَّ، وَمِنْهُ قَوْلُ اللَّهِ عز وجل: ﴿إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا﴾ [الأعراف: ٢٠١]، وَمِنْهُ قَوْلُ الْأَعْشَى:
[البحر الطويل] وَتُصْبِحُ عَنْ غِبِّ السُّرَى وَكَأَنَّمَا … أَلَمَّ بِهَا مِنْ طَائِفِ الْجِنِّ أَوْلَقُ
فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِلٌ: أَفَرَأَيْتَ مَنْ عَمِلَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ مِنَ الرِّبَا فِي تِجَارَتِهِ وَلَمْ يَأْكُلْهُ أَيَسْتَحِقُّ هَذَا الْوَعِيدَ مِنَ اللَّهِ؟
[البحر الطويل] وَتُصْبِحُ عَنْ غِبِّ السُّرَى وَكَأَنَّمَا … أَلَمَّ بِهَا مِنْ طَائِفِ الْجِنِّ أَوْلَقُ
فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِلٌ: أَفَرَأَيْتَ مَنْ عَمِلَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ مِنَ الرِّبَا فِي تِجَارَتِهِ وَلَمْ يَأْكُلْهُ أَيَسْتَحِقُّ هَذَا الْوَعِيدَ مِنَ اللَّهِ؟
٥ / ٤١
قِيلَ: نَعَمْ، وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنَ الرِّبَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْأَكْلَ إِلَّا أَنَّ الَّذِينَ نَزَلَتْ فِيهِمْ هَذِهِ الْآيَاتُ يَوْمَ نَزَلَتْ كَانَتْ طُعْمَتُهُمْ وَمَأْكَلُهُمْ مِنَ الرِّبَا، فَذَكَرَهُمْ بِصِفَتِهِمْ مُعَظِّمًا بِذَلِكَ عَلَيْهِمْ أَمْرَ الرِّبَا، وَمُقَبِّحًا إِلَيْهِمُ الْحَالَ الَّتِي هُمْ عَلَيْهَا فِي مَطَاعِمِهِمْ، وَفِي قَوْلِهِ جَلَّ ثناؤُهُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ [البقرة: ٢٧٩] الْآيَةَ مَا يُنْبِئُ عَنْ صِحَّةِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ وَأَنَّ التَّحْرِيمَ مِنَ اللَّهِ فِي ذَلِكَ كَانَ لِكُلِّ مَعَانِي الرِّبَا وَأَنَّ سَوَاءً الْعَمَلُ بِهِ وَأَكْلُهُ وَأَخْذُهُ وَإِعْطَاؤُهُ، كَالَّذِي تَظَاهَرَتْ بِهِ الْأَخْبَارُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِنْ قَوْلِهِ: «لَعَنَ اللَّهُ آكِلَ الرِّبَا، وَمُؤْكِلَهُ، وَكَاتِبَهُ، وَشَاهِدَيْهِ إِذَا عَلِمُوا بِهِ»
٥ / ٤٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا﴾ [البقرة: ٢٧٥] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثناؤُهُ: ذَلِكَ الَّذِي وَصَفَهُمْ بِهِ مِنْ قِيَامِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ قُبُورِهِمْ كَقِيَامِ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ مِنَ الْجُنُونِ، فَقَالَ تَعَالَى ذِكْرُهُ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا أَنَّهُ
٥ / ٤٢
يُصِيبُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ قُبْحِ حَالِهِمْ وَوَحْشَةِ قِيَامِهِمْ مِنْ قُبُورِهِمْ وَسُوءِ مَا حَلَّ بِهِمْ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمْ كَانُوا فِي الدُّنْيَا يَكْذِبُونَ وَيَفْتَرُونَ وَيَقُولُونَ إِنَّمَا الْبَيْعُ الَّذِي أَحَلَّهُ اللَّهُ لِعِبَادِهِ مِثْلُ الرِّبَا، وَذَلِكَ أَنَّ الَّذِينَ كَانُوا يَأْكُلُونَ مِنَ الرِّبَا مِنْ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ، كَانَ إِذَا حَلَّ مَالُ أَحَدُهِمْ عَلَى غَرِيمِهِ يَقُولُ الْغَرِيمُ لِغَرِيمِ الْحَقِّ: زِدْنِي فِي الْأَجَلِ وَأَزِيدُكَ فِي مَالِكَ، فَكَانَ يُقَالُ لَهُمَا إِذَا فَعَلَا ذَلِكَ: هَذَا رِبًا لَا يَحِلُّ، فَإِذَا قِيلَ لَهُمَا ذَلِكَ، قَالَا: سَوَاءٌ عَلَيْنَا زِدْنَا فِي أَوَّلِ الْبَيْعِ أَوْ عِنْدَ مَحَلِّ الْمَالِ فَكَذَّبَهُمُ اللَّهُ فِي قِيلِهِمْ، فَقَالَ: ﴿وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ﴾ [البقرة: ٢٧٥]
٥ / ٤٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [البقرة: ٢٧٥] يَعْنِي جَلَّ ثناؤُهُ: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْأَرْبَاحَ فِي التِّجَارَةِ وَالشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ، وَحَرَّمَ الرِّبَا يَعْنِي الزِّيَادَةَ الَّتِي يُزَادُ رَبُّ الْمَالِ بِسَبَبِ زِيَادَتِهِ غَرِيمَهُ فِي الْأَجَلِ، وَتَأْخِيرِهِ دَيْنَهُ عَلَيْهِ، يَقُولُ عز وجل: وَلَيْسَتِ الزِّيَادَتَانِ اللَّتَانِ إِحْدَاهُمَا مِنْ وَجْهِ الْبَيْعِ، وَالْأُخْرَى مِنْ وَجْهِ تَأْخِيرِ الْمَالِ وَالزِّيَادَةُ فِي الْأَجَلِ سَوَاءً، وَذَلِكَ أَنِّي حَرَّمْتُ إِحْدَى الزِّيَادَتَيْنِ، وَهِيَ الَّتِي مِنْ وَجْهٍ تَأْخِيرُ الْمَالِ وَالزِّيَادَةُ فِي الْأَجَلِ؛ وَأَحْلَلْتُ الْأُخْرَى مِنْهُمَا، وَهِيَ الَّتِي مِنْ وَجْهٍ الزِّيَادَةُ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ الَّذِي ابْتَاعَ بِهِ الْبَائِعُ سِلْعَتَهُ الَّتِي يَبِيعُهَا فَيَسْتَفْضِلُ فَضْلَهَا، فَقَالَ اللَّهُ عز وجل لَيْسَتِ الزِّيَادَةُ مِنْ وَجْهِ الْبَيْعِ نَظِيرَ الزِّيَادَةِ مِنْ وَجْهِ الرِّبَا؛ لِأَنِّي أَحْلَلْتُ الْبَيْعَ، وَحَرَّمْتُ الرِّبَا،
٥ / ٤٣
وَالْأَمْرُ أَمْرِي وَالْخَلْقُ خَلْقِي، أَقْضِي فِيهِمْ مَا أَشَاءُ، وَأَسْتَعْبِدُهُمْ بِمَا أُرِيدُ، لَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ أَنْ يَعْتَرِضَ فِي حُكْمِي، وَلَا أَنْ يُخَالِفَ فِي أَمْرِي، وَإِنَّمَا عَلَيْهِمْ طَاعَتِي وَالتَّسْلِيمُ لِحُكْمِي. ثُمَّ قَالَ جَلَّ ثناؤُهُ: ﴿فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى﴾ [البقرة: ٢٧٥] يَعْنِي بِالْمَوْعِظَةِ التَّذْكِيرَ وَالتَّخْوِيفَ الَّذِي ذَكَّرَهُمْ وَخَوَّفَهُمْ بِهِ فِي آيِ الْقُرْآنِ، وَأَوْعَدَهُمْ عَلَى أَكْلِهِمُ الرِّبَا مِنَ الْعِقَابِ، يَقُولُ جَلَّ ثناؤُهُ: فَمَنْ جَاءَهُ ذَلِكَ فَانْتَهَى عَنْ أَكْلِ الرِّبَا، وَارْتَدَعَ عَنِ الْعَمَلِ بِهِ، وَانْزَجَرَ عَنْهُ ﴿فَلَهُ مَا سَلَفَ﴾ [البقرة: ٢٧٥] يَعْنِي مَا أَكَلَ وَأَخَذَ فَمَضَى قَبْلَ مَجِيءِ الْمَوْعِظَةِ وَالتَّحْرِيمِ مِنْ رَبِّهِ فِي ذَلِكَ ﴿وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ﴾ [البقرة: ٢٧٥] يَعْنِي وَأَمْرُ آكِلِهِ بَعْدَ مَجِيئِهِ الْمَوْعِظَةُ مِنْ رَبِّهِ وَالتَّحْرِيمُ، وَبَعْدَ انْتِهَاءِ آكِلِهِ عَنْ أَكْلِهِ إِلَى اللَّهِ فِي عِصْمَتِهِ وَتَوْفِيقِهِ إِنْ شَاءَ عَصَمَهُ عَنْ أَكْلِهِ وَثَبَّتَهُ فِي انْتِهَائِهِ عَنْهُ، وَإِنْ شَاءَ خَذَلَهُ عَنْ ذَلِكَ ﴿وَمَنْ عَادَ﴾ [البقرة: ٢٧٥] يَقُولُ وَمَنْ عَادَ لِأَكْلِ الرِّبَا بَعْدَ التَّحْرِيمِ وَقَالَ مَا كَانَ يَقُولُهُ قَبْلَ مَجِيءِ الْمَوْعِظَةِ مِنَ اللَّهِ بِالتَّحْرِيمِ مِنْ قَوْلِهِ ﴿إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا﴾ [البقرة: ٢٧٥] ﴿فَأُولَئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [البقرة: ٨١] يَعْنِي فَفَاعِلُو ذَلِكَ وَقَائِلُوهُ هُمْ أَهْلُ النَّارِ يَعْنِي نَارَ جَهَنَّمَ فِيهَا خَالِدُونَ وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٥ / ٤٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ؛ ثنا ⦗٤٥⦘ أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ﴾ [البقرة: ٢٧٥] «أَمَّا الْمَوْعِظَةُ فَالْقُرْآنُ، وَأَمَّا مَا سَلَفَ فَلَهُ مَا أَكَلَ مِنَ الرِّبَا»
٥ / ٤٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ﴾ [البقرة: ٢٧٦] يَعْنِي عز وجل بِقَوْلِهِ: ﴿يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا﴾ [البقرة: ٢٧٦] يُنْقِصُ اللَّهُ الرِّبَا فَيُذْهِبُهُ
٥ / ٤٥
كَمَا: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ﴿يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا﴾ [البقرة: ٢٧٦] قَالَ: «يُنْقِصُ» وَهَذَا نَظِيرُ الْخَبَرِ الَّذِي رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «الرِّبَا وَإِنْ كَثُرَ فَإِلَى قُلٍّ» وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ﴾ [البقرة: ٢٧٦] فَإِنَّهُ جَلَّ ثناؤُهُ يَعْنِي أَنَّهُ يُضَاعِفُ أَجْرَهَا لِرَبِّهَا، وَيُنَمِّيهَا لَهُ وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الرِّبَا قَبْلُ وَالْإِرْبَاءِ وَمَا أَصْلُهُ، بِمَا فِيهِ الْكِفَايَةُ مِنْ إِعَادَتِهِ. فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِلٌ: وَكَيْفَ إِرْبَاءُ اللَّهِ الصَّدَقَاتِ؟ قِيلَ: إِضْعَافُهُ الْأَجْرَ لِرَبِّهَا، كَمَا قَالَ جَلَّ ثناؤُهُ: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ﴾ ⦗٤٦⦘ وَكَمَا قَالَ: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً﴾ [البقرة: ٢٤٥]
٥ / ٤٥
وَكَمَا: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا وَكِيعٌ، قَالَ: ثنا عَبَّادُ بْنُ مَنْصُورٍ، عَنِ الْقَاسِمِ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنَّ اللَّهَ عز وجل يَقْبَلُ الصَّدَقَةَ وَيَأْخُذُهَا بِيَمِينِهِ، فَيُرَبِّيهَا لِأَحَدِكُمْ كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ مُهْرَهُ، حَتَّى إِنَّ اللُّقْمَةَ لَتَصِيرُ مِثْلَ أُحُدٍ» وَتَصْدِيقُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عز وجل: ﴿أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ﴾ [التوبة: ١٠٤] وَ﴿يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ﴾ [البقرة: ٢٧٦]
٥ / ٤٦
حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ عُمَرَ بْنِ خَالِدٍ الْأَقْطَعُ، قَالَ: ثنا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ مَنْصُورٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَلَا أَرَاهُ إِلَّا قَدْ رَفَعَهُ، قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ عز وجل يَقْبَلُ الصَّدَقَةَ، وَلَا يَقْبَلُ إِلَّا الطَّيِّبَ»
٥ / ٤٦
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَلِيٍّ الْمُقَدَّمِيُّ، قَالَ: ثنا رَيْحَانُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: ثنا عَبَّادٌ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى يَقْبَلُ الصَّدَقَةَ وَلَا يَقْبَلُ مِنْهَا إِلَّا الطَّيِّبَ، وَيُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهَا كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ مُهْرَهُ أَوْ فَصِيلَهُ، حَتَّى إِنَّ اللُّقْمَةَ لَتَصِيرُ مِثْلَ أُحُدٍ» وَتَصْدِيقُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عز وجل: ﴿يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ﴾ [البقرة: ٢٧٦]
٥ / ٤٧
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: ثنا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا تَصَدَّقَ مِنْ طَيِّبٍ تَقَبَّلَهَا اللَّهُ مِنْهُ، وَيَأْخُذُهَا بِيَمِينِهِ وَيُرَبِّيهَا كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ مُهْرَهُ أَوْ فَصِيلَهُ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَصَدَّقُ بِاللُّقْمَةِ فَتَرْبُو فِي يَدِ اللَّهِ»، أَوْ قَالَ: «فِي كَفِّ اللَّهِ عز وجل حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ أُحُدٍ؛ فَتَصَدَّقُوا»
٥ / ٤٧
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ يُونُسَ، عَنْ صَاحِبٍ لَهُ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنَّ اللَّهَ عز وجل يَقْبَلُ الصَّدَقَةَ بِيَمِينِهِ، وَلَا يَقْبَلُ مِنْهَا إِلَّا مَا كَانَ طَيِّبًا، وَاللَّهُ يُرَبِّي لِأَحَدِكُمْ لُقْمَتَهُ كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ مُهْرَهُ وَفَصِيلَهُ، حَتَّى يُوَافِيَ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَهِيَ أَعْظَمُ مِنْ أُحُدٍ» ⦗٤٨⦘ وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كُفَّارٍ أَثِيمٍ﴾ [البقرة: ٢٧٦] فَإِنَّهُ يَعْنِي بِهِ: وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُصِرٍّ عَلَى كُفْرٍ بِرَبِّهِ، مُقِيمٍ عَلَيْهِ، مُسْتَحِلٍّ أَكَلَ الرِّبَا وَإِطْعَامَهُ، أَثِيمٍ مُتَمَادٍ فِي الْإِثْمِ فِيمَا نَهَاهُ عَنْهُ مِنْ أَكْلِ الرِّبَا وَالْحَرَامِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَعَاصِيهِ، لَا يَنْزَجِرُ عَنْ ذَلِكَ، وَلَا يَرْعَوِي عَنْهُ، وَلَا يَتَّعِظُ بِمَوْعِظَةِ رَبِّهِ الَّتِي وَعَظَهُ بِهَا فِي تَنْزِيلِهِ وَآيِ كِتَابِهِ
٥ / ٤٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [البقرة: ٢٧٧] وَهَذَا خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ عز وجل بِأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا، يَعْنِي الَّذِينَ صَدَّقُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ، وَبِمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِمْ مِنْ تَحْرِيمِ الرِّبَا وَأَكْلِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ سَائِرِ شَرَائِعِ دِينِهِ، وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ الَّتِي أَمَرَهُمُ اللَّهُ عز وجل بِهَا، وَالَّتِي نَدَبَهُمْ إِلَيْهَا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ الْمَفْرُوضَةَ بِحُدُودِهَا، وَأَدَّوْهَا بِسُنَنِهَا، وَآتَوُا الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ عَلَيْهِمْ فِي أَمْوَالِهِمْ، بَعْدَ الَّذِي سَلَفَ مِنْهُمْ مِنْ أَكَلِ الرِّبَا، قَبْلَ مَجِيءِ الْمَوْعِظَةِ فِيهِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِمْ، لَهُمْ أَجْرُهُمْ، يَعْنِي ثَوَابَ ذَلِكَ مِنْ أَعْمَالِهِمْ وَإِيمَانِهِمْ وَصَدَقَتِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَوْمَ حَاجَتِهِمْ إِلَيْهِ فِي مَعَادِهِمْ، وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ يَوْمَئِذٍ مِنْ عِقَابِهِ عَلَى مَا كَانَ سَلَفَ مِنْهُمْ فِي جَاهِلِيَّتِهِمْ وَكُفْرِهِمْ قَبْلَ مَجِيئِهِمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ مِنْ أَكْلِ مَا كَانُوا أَكَلُوا مِنَ الرِّبَا بِمَا كَانَ مِنْ إِنَابَتِهِمْ، وَتَوْبَتِهِمْ إِلَى اللَّهِ عز وجل مِنْ ذَلِكَ عِنْدَ مَجِيئِهِمُ الْمَوْعِظَةُ مِنْ رَبِّهِمْ، وَتَصْدِيقِهِمْ بِوَعْدِ اللَّهِ وَوَعِيدِهِ، وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ عَلَى تَرْكِهِمْ مَا كَانُوا تَرَكُوا فِي الدُّنْيَا مِنْ أَكْلِ
٥ / ٤٨
الرِّبَا وَالْعَمَلِ بِهِ إِذَا عَايَنُوا جَزِيلَ ثَوَابِ اللَّهِ تبارك وتعالى، وَهُمْ عَلَى تَرْكِهِمْ مَا تَرَكُوا مِنْ ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِهِ فِي الْآخِرَةِ، فَوَصَلُوا إِلَى مَا وُعِدُوا عَلَى تَرْكِهِ
٥ / ٤٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [البقرة: ٢٧٨] يَعْنِي جَلَّ ثناؤُهُ بِذَلِكَ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَدِّقُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ، اتَّقُوا اللَّهَ، يَقُولُ: خَافُوا اللَّهَ عَلَى أَنْفُسِكُمْ فَاتَّقُوهُ بِطَاعَتِهِ فِيمَا أَمَرَكُمْ بِهِ، وَالِانْتِهَاءِ عَمَّا نَهَاكُمْ عَنْهُ، وَذَرُوا يَعْنِي وَدَعُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا، يَقُولُ: اتْرُكُوا طَلَبَ مَا بَقِيَ لَكُمْ مِنْ فَضْلٍ عَلَى رُءُوسِ أَمْوَالِكُمُ الَّتِي كَانَتْ لَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُرْبُوا عَلَيْهَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ، يَقُولُ: إِنْ كُنْتُمْ مُحَقِّقِينَ إِيمَانَكُمْ قَوْلًا، وَتَصْدِيقَكُمْ بِأَلْسِنَتِكُمْ بِأَفْعَالِكُمْ، وَذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ أَسْلَمُوا، وَلَهُمْ عَلَى قَوْمٍ أَمْوَالٌ مِنْ رِبًا كَانُوا أَرْبَوْهُ عَلَيْهِمْ، فَكَانُوا قَدْ قَبَضُوا بَعْضَهُ مِنْهُمْ، وَبَقِيَ بَعْضٌ، فَعَفَا اللَّهُ جَلَّ ثناؤُهُ لَهُمْ عَمَّا كَانُوا قَدْ قَبَضُوهُ قَبْلَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ، وَحَرَّمَ عَلَيْهِمُ اقْتِضَاءَ مَا بَقِيَ مِنْهُ
٥ / ٤٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا﴾ [البقرة: ٢٧٨] مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِلَى: ﴿وَلَا تُظْلَمُونَ﴾ [البقرة: ٢٧٩] قَالَ: «نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَرَجُلٍ مِنْ بَنِي الْمُغِيرَةِ كَانَا شَرِيكَيْنِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، سَلَّفَا فِي الرِّبَا إِلَى أُنَاسٍ مِنْ ⦗٥٠⦘ ثَقِيفٍ مِنْ بَنِي عَمْرٍو، وَهُمْ بَنُو عَمْرِو بْنِ عُمَيْرٍ فَجَاءَ الْإِسْلَامُ وَلَهُمَا أَمْوَالٌ عَظِيمَةٌ فِي الرِّبَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿ذَرُوا مَا بَقِيَ﴾ [البقرة: ٢٧٨] مِنْ فَضْلٍ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ﴿مِنَ الرِّبَا﴾ [البقرة: ٢٧٨]»
٥ / ٤٩
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَوْلُهُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [البقرة: ٢٧٨] قَالَ: “كَانَتْ ثَقِيفٌ قَدْ صَالَحَتِ النَّبِيَّ ﷺ عَلَى أَنَّ مَا لَهُمْ مِنْ رِبًا عَلَى النَّاسِ، وَمَا كَانَ لِلنَّاسِ عَلَيْهِمْ مِنْ رِبًا فَهُوَ مَوْضُوعٌ، فَلَمَّا كَانَ الْفَتْحُ، اسْتُعْمِلَ عَتَّابُ بْنُ أُسَيْدٍ عَلَى مَكَّةَ، وَكَانَتْ بَنُو عَمْرِو بْنِ عُمَيْرِ بْنِ عَوْفٍ يَأْخُذُونَ الرِّبَا مِنْ بَنِي الْمُغِيرَةِ وَكَانَتْ بَنُو الْمُغِيرَةِ يُرْبُونَ لَهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَجَاءَ الْإِسْلَامُ وَلَهُمْ عَلَيْهِمْ مَالٌ كَثِيرٌ، فَأَتَاهُمْ بَنُو عَمْرٍو يَطْلُبُونَ رِبَاهُمْ، فَأَبَى بَنُو الْمُغِيرَةِ أَنْ يُعْطُوهُمُ فِي الْإِسْلَامِ، وَرَفَعُوا ذَلِكَ إِلَى عَتَّابِ بْنِ أُسَيْدٍ، فَكَتَبَ عَتَّابٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَنَزَلَتْ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ [البقرة: ٢٧٩] إِلَى: ﴿وَلَا تُظْلَمُونَ﴾ [البقرة: ٢٧٩]، فَكَتَبَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِلَى عَتَّابٍ وَقَالَ: «إِنْ رَضُوا وَإِلَّا فَآذِنْهُمْ بِحَرْبٍ» قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ قَوْلُهُ: ﴿اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا﴾ [البقرة: ٢٧٨] قَالَ: كَانُوا يَأْخُذُونَ الرِّبَا عَلَى بَنِي الْمُغِيرَةِ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ مَسْعُودٌ وَعَبْدُ يَالِيلَ وَحَبِيبٌ وَرَبِيعَةُ بَنُو عَمْرِو بْنِ عُمَيْرٍ، فَهُمُ الَّذِينَ كَانَ لَهُمُ الرِّبَا عَلَى بَنِي الْمُغِيرَةِ، فَأَسْلَمَ عَبْدُ يَالِيلَ وَحَبِيبٌ وَرَبِيعَةُ وَهِلَالٌ وَمَسْعُودٌ
٥ / ٥٠
حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا جُوَيْبِرٌ، عَنِ الضَّحَّاكِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [البقرة: ٢٧٨] قَالَ: «كَانَ رِبًا يَتَبَايَعُونَ بِهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَلَمَّا أَسْلَمُوا أُمِرُوا أَنْ يَأْخُذُوا رُءُوسَ أَمْوَالِهِمْ»
٥ / ٥١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ﴾ يَعْنِي جَلَّ ثناؤُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا﴾ [البقرة: ٢٤] فَإِنْ لَمْ تَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا. وَاخْتَلَفَ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ [البقرة: ٢٧٩] فَقَرَأْتُهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ: ﴿فَأْذَنُوا﴾ [البقرة: ٢٧٩] بِقَصْرِ الْأَلْفِ مِنْ «فَأْذَنُوا» وَفَتْحِ ذَالِهَا، بِمَعْنَى وَكُونُوا عَلَى عِلْمٍ وَإِذْنٍ، وَقَرَأَهُ آخَرُونَ وَهِيَ قِرَاءَةُ عَامَّةِ قُرَّاءِ الْكُوفِيِّينَ: (فَآذِنُوا) بِمُدِّ الْأَلْفِ مِنْ قَوْلِهِ: «فَأْذَنُوا» وَكَسْرِ ذَالِهَا، بِمَعْنَى: فَآذِنُوا غَيْرَكُمْ، أَعْلِمُوهُمْ وَأَخْبِرُوهُمْ بِأَنَّكُمْ عَلَى حَرْبِهِمْ. وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ: ﴿فَأْذَنُوا﴾ [البقرة: ٢٧٩] بِقَصْرِ أَلِفِهَا وَفَتْحِ ذَالِهَا، بِمَعْنَى: اعْلَمُوا ذَلِكَ وَاسْتَيْقِنُوهُ، وَكُونُوا عَلَى إِذْنٍ مِنَ اللَّهِ عز وجل لَكُمْ بِذَلِكَ، وَإِنَّمَا اخْتَرْنَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل أَمَرَ نَبِيَّهُ ﷺ أَنْ يَنْبِذَ إِلَى مَنْ أَقَامَ عَلَى
٥ / ٥١
شِرْكِهِ الَّذِي لَا يُقَرُّ عَلَى الْمُقَامِ عَلَيْهِ، وَأَنْ يَقْتُلَ الْمُرْتَدَّ عَنِ الْإِسْلَامِ مِنْهُمْ بِكُلِّ حَالٍ إِلَّا أَنْ يُرَاجِعَ الْإِسْلَامَ، أَذِنَهُ الْمُشْرِكُونَ بِأَنَّهُمْ عَلَى حَرْبِهِ أَوْ لَمْ يَأْذَنُوهُ، فَإِذْا كَانَ الْمَأْمُورُ بِذَلِكَ لَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ، إِمَّا أَنْ يَكُونَ كَانَ مُشْرِكًا مُقِيمًا عَلَى شِرْكِهِ الَّذِي لَا يُقَرُّ عَلَيْهِ، أَوْ يَكُونَ كَانَ مُسْلِمًا فَارْتَدَّ وَأُذِنَ بِحَرْبٍ، فَأَيُّ الْأَمْرَيْنِ كَانَ، فَإِنَّمَا نُبِذَ إِلَيْهِ بِحَرْبٍ، لَا أَنَّهُ أَمْرٌ بِالْإِيذَانِ بِهَا إِنْ عَزَمَ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ إِنْ كَانَ إِلَيْهِ فَأَقَامَ عَلَى أَكْلِ الرِّبَا مُسْتَحِلًّا لَهُ، وَلَمْ يُؤَذِّنِ الْمُسْلِمُونَ بِالْحَرْبِ، لَمْ يَلْزَمْهُمْ حَرْبُهُ، وَلَيْسَ ذَلِكَ حُكْمَهُ فِي وَاحِدَةٍ مِنَ الْحَالَيْنِ، فَقَدْ عُلِمَ أَنَّهُ الْمَأْذُونُ بِالْحَرْبِ لَا الْآذِنُ بِهَا. وَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ تَأَوَّلَهُ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٥ / ٥٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا﴾ [البقرة: ٢٧٨] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ [البقرة: ٢٧٩] «فَمَنْ كَانَ مُقِيمًا عَلَى الرِّبَا لَا يَنْزِعُ عَنْهُ، فَحَقَّ عَلَى إِمَامِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَسْتَتِيبَهُ، فَإِنْ نَزَعَ وَإِلَّا ضَرَبَ عُنُقَهُ»
٥ / ٥٢
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا رَبِيعَةُ بْنُ كُلْثُومٍ، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «يُقَالُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِآكِلِ الرِّبَا: خُذْ سِلَاحَكَ لِلْحَرْبِ» ⦗٥٣⦘ حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا الْحَجَّاجُ، قَالَ: ثنا رَبِيعَةُ بْنُ كُلْثُومٍ، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، مِثْلَهُ
٥ / ٥٢
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ [البقرة: ٢٧٩] «أَوْعَدَهُمُ اللَّهُ بِالْقَتْلِ كَمَا تَسْمَعُونَ، فَجَعَلَهُمْ بَهْرَجًا أَيْنَمَا ثُقِفُوا» حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، مِثْلَهُ
٥ / ٥٣
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ: ﴿فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ [البقرة: ٢٧٩] «أَوْعَدَ لِآكِلِ الرِّبَا بِالْقَتْلِ»
٥ / ٥٣
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: ﴿فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ [البقرة: ٢٧٩] «فَاسْتَيْقِنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ» وَهَذِهِ الْأَخْبَارُ كُلُّهَا تُنْبِئُ عَنْ أَنَّ قَوْلَهُ: ﴿فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ﴾ [البقرة: ٢٧٩] إِيذَانٌ مِنَ اللَّهِ عز وجل لَهُمْ بِالْحَرْبِ وَالْقَتْلِ، لَا أَمْرٌ لَهُمْ بِإِيذَانِ غَيْرِهِمْ
٥ / ٥٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ﴾ ⦗٥٤⦘ يَعْنِي جَلَّ ثناؤُهُ بِذَلِكَ: إِنْ تُبْتُمْ فَتَرَكْتُمْ أَكْلَ الرِّبَا، وَأَنَبْتُمْ إِلَى اللَّهِ عز وجل، فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ مِنَ الدُّيُونِ الَّتِي لَكُمْ عَلَى النَّاسِ دُونَ الزِّيَادَةِ الَّتِي أَحْدَثْتُمُوهَا عَلَى ذَلِكَ رِبًا مِنْكُمْ
٥ / ٥٣
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ﴾ «الْمَالُ الَّذِي لَهُمْ عَلَى ظُهُورِ الرِّجَالِ جَعَلَ لَهُمْ رُءُوسَ أَمْوَالِهِمْ حِينَ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، فَأَمَّا الرِّبْحُ وَالْفَضْلُ فَلَيْسَ لَهُمْ، وَلَا يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا»
٥ / ٥٤
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، قَالَ: «وَضَعَ اللَّهُ الرِّبَا، وَجَعَلَ لَهُمْ رُءُوسَ أَمْوَالِهِمْ»
٥ / ٥٤
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ﴾ قَالَ: «مَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دَيْنٍ، فَجَعَلَ لَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا رُءُوسَ أَمْوَالِهِمْ، وَلَا يَزْدَادُوا عَلَيْهِ شَيْئًا»
٥ / ٥٤
حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ﴾ «الَّذِي أَسْلَفْتُمْ وَسَقَطَ الرِّبَا»
٥ / ٥٤
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ ⦗٥٥⦘ اللَّهِ ﷺ قَالَ فِي خُطْبَتِهِ يَوْمَ الْفَتْحِ: «أَلَا إِنَّ رِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ كُلُّهُ، وَأَوَّلُ رِبًا أَبْتَدِئُ بِهِ رِبَا الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ»
٥ / ٥٤
حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ فِي خُطْبَتِهِ: «إِنَّ كُلَّ رِبًا مَوْضُوعٌ، وَأَوَّلُ رِبًا يُوضَعُ رِبَا الْعَبَّاسِ»
٥ / ٥٥
الْقَوْلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: ﴿لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ﴾ [البقرة: ٢٧٩] يَعْنِي بِقَوْلِهِ: ﴿لَا تَظْلِمُونَ﴾ [البقرة: ٢٧٢] بِأَخْذِكُمْ رُءُوسِ أَمْوَالِكُمُ الَّتِي كَانَتْ لَكُمْ قَبْلَ الْإِرْبَاءِ عَلَى غُرَمَائِكُمْ مِنْهُمْ دُونَ أَرْبَاحِهَا الَّتِي زِدْتُمُوهَا رِبًا عَلَى مَنْ أَخَذْتُمْ ذَلِكَ مِنْهُ مِنْ غُرَمَائِكُمْ، فَتَأْخُذُوا مِنْهُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ أَخْذُهُ، أَوْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ قَبْلُ ﴿وَلَا تُظْلَمُونَ﴾ [البقرة: ٢٧٩] يَقُولُ: وَلَا الْغَرِيمُ الَّذِي يُعْطِيكُمْ ذَلِكَ دُونَ الرِّبَا الَّذِي كُنْتُمْ أَلْزَمْتُمُوهُ مِنْ أَجْلِ الزِّيَادَةِ فِي الْأَجَلِ يَبْخَسُكُمْ حَقًّا لَكُمْ عَلَيْهِ فَيَمْنُعُكُمُوهُ؛ لِأَنَّ مَا زَادَ عَلَى رُءُوسِ أَمْوَالِكُمْ، لَمْ يَكُنْ حَقًّا لَكُمْ عَلَيْهِ، فَيَكُونُ بِمَنْعِهِ إِيَّاكُمْ ذَلِكَ ظَالِمًا لَكُمْ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ
٥ / ٥٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ﴾ «فَتُرْبُونَ»، ﴿وَلَا تُظْلَمُونَ﴾ [البقرة: ٢٧٩] «فَتُنْقَصُونَ»
٥ / ٥٦
وَحَدَّثني يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ﴾ قَالَ: «لَا تُنْقَصُونَ مِنْ أَمْوَالِكُمْ، وَلَا تَأْخُذُونَ بَاطِلًا لَا يَحِلُّ لَكُمْ»
٥ / ٥٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُم تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: ٢٨٠] يَعْنِي جَلَّ ثناؤُهُ بِذَلِكَ: وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ تَقْبِضُونَ مِنْهُ مِنْ غُرَمَائِكُمْ رُءُوسَ أَمْوَالِكُمْ ذُو عُسْرَةٍ، يَعْنِي مُعْسِرًا بِرُءُوسِ أَمْوَالِكُمُ الَّتِي كَانَتْ لَكُمْ عَلَيْهِمْ قَبْلَ الْإِرْبَاءِ، فَأَنْظِرُوهُمْ إِلَى مَيْسَرَتِهِمْ، وَقَوْلُهُ: ﴿ذُو عُسْرَةٍ﴾ [البقرة: ٢٨٠] مَرْفُوعٌ بِكَانَ، فَالْخَبَرُ مَتْرُوكٌ، وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا، وَإِنَّمَا صَلُحَ تَرْكُ خَبَرِهَا مِنْ أَجْلِ أَنَّ النَّكِرَاتِ تُضْمِرُ لَهَا الْعَرَبُ أَخْبَارَهَا، وَلَوْ وُجِّهَتْ كَانَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ إِلَى أَنَّهَا بِمَعْنَى الْفِعْلِ الْمُكْتَفِي بِنَفْسِهِ التَّامِّ، لَكَانَ وَجْهًا صَحِيحًا، وَلَمْ يَكُنْ بِهَا حَاجَةٌ حِينَئِذٍ إِلَى خَبَرٍ، فَيَكُونُ تَأْوِيلُ الْكَلَامِ عِنْدَ ذَلِكَ: وَإِنْ وُجِدَ ذُو عُسْرَةٍ مِنْ غُرَمَائِكُمْ بِرُءُوسِ أَمْوَالِكُمْ، فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ. وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي قِرَاءَةِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: «وَإِنْ كَانَ ذَا عُسْرَةٍ» بِمَعْنَى: وَإِنْ
٥ / ٥٦
كَانَ الْغَرِيمُ ذَا عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ، وَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ فِي الْعَرَبِيَّةِ جَائِزًا فَغَيْرُ جَائِزَةٍ الْقِرَاءَةُ بِهِ عِنْدَنَا لِخِلَافِهِ خُطُوطَ مَصَاحِفِ الْمُسْلِمِينَ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ﴾ [البقرة: ٢٨٠] فَإِنَّهُ يَعْنِي: فَعَلَيْكُمْ أَنْ تُنْظِرُوهُ إِلَى مَيْسَرَةٍ، كَمَا قَالَ: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ﴾ [البقرة: ١٩٦] وَقَدْ ذَكَرْنَا وَجْهَ رَفْعِ مَا كَانَ مِنْ نَظَائِرِهَا فِيمَا مَضَى قَبْلُ، فَأَغْنَى عَنْ تَكْرِيرِهِ، وَالْمَيْسُرَةُ: الْمَفْعَلَةُ مِنَ الْيُسْرِ، مِثْلَ الْمَرْحَمَةِ وَالْمَشْأَمَةِ. وَمَعْنَى الْكَلَامِ: وَإِنْ كَانَ مِنْ غُرَمَائِكُمْ ذُو عُسْرَةٍ، فَعَلَيْكُمْ أَنْ تُنْظِرُوهُ حَتَّى يُوسِرَ بِمَا لَيْسَ لَكُمْ، فَيَصِيرُ مِنْ أَهْلِ الْيُسْرِ بِهِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٥ / ٥٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي وَاصِلُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ﴾ [البقرة: ٢٨٠] قَالَ: «نَزَلَتْ فِي الرِّبَا»
٥ / ٥٧
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: ثنا هِشَامٌ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، أَنَّ رَجُلًا، خَاصَمَ رَجُلًا إِلَى شُرَيْحٍ قَالَ: فَقَضَى عَلَيْهِ، وَأَمَرَ بَحَبْسِهِ، قَالَ: ⦗٥٨⦘ فَقَالَ رَجُلٌ عِنْدَ شُرَيْحٍ: إِنَّهُ مُعْسِرٌ، وَاللَّهُ يَقُولُ فِي كِتَابِهِ: ﴿وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ﴾ [البقرة: ٢٨٠] قَالَ: فَقَالَ شُرَيْحٌ: «إِنَّمَا ذَلِكَ فِي الرِّبَا، وَإِنَّ اللَّهَ قَالَ فِي كِتَابِهِ: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ﴾ [النساء: ٥٨] وَلَا يَأْمُرُنَا اللَّهُ بِشَيْءٍ ثُمَّ يُعَذِّبُنَا عَلَيْهِ»
٥ / ٥٧
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُغِيرَةُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ﴾ [البقرة: ٢٨٠] قَالَ: «ذَلِكَ فِي الرِّبَا»
٥ / ٥٨
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُغِيرَةُ، عَنِ الْحَسَنِ: أَنَّ الرَّبِيعَ بْنَ خُثَيْمٍ، كَانَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ حَقٌّ، فَكَانَ يَأْتِيِهِ وَيَقُومُ عَلَى بَابِهِ وَيَقُولُ: «أَيْ فُلَانٌ إِنْ كُنْتَ مُوسِرًا فَأَدِّ، وَإِنْ كُنْتَ مُعْسِرًا فَإِلَى مَيْسَرَةٍ»
٥ / ٥٨
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى شُرَيْحٍ، فَكَلَّمَهُ، فَجَعَلَ يَقُولُ: إِنَّهُ مُعْسِرٌ، إِنَّهُ مُعْسِرٌ، قَالَ: فَظَنَنْتُ أَنَّهُ يُكَلِّمُهُ فِي مَحْبُوسٍ، فَقَالَ شُرَيْحٌ: «إِنَّ الرِّبَا كَانَ فِي هَذَا الْحَيِّ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل: ﴿وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ﴾ [البقرة: ٢٨٠] وَقَالَ اللَّهُ عز وجل: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا ⦗٥٩⦘ الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا﴾ [النساء: ٥٨] فَمَا كَانَ اللَّهُ عز وجل يَأْمُرُنَا بِأَمْرٍ ثُمَّ يُعَذِّبُنَا عَلَيْهِ، أَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا»
٥ / ٥٨
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ﴾ [البقرة: ٢٨٠] قَالَ: «فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ بِرَأْسِ مَالِهِ»
٥ / ٥٩
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ﴾ [البقرة: ٢٨٠] «إِنَّمَا أَمَرَ فِي الرِّبَا أَنْ يُنْظَرَ الْمُعْسِرُ، وَلَيْسَتِ النَّظِرَةُ فِي الْأَمَانَةِ، وَلَكِنْ يُؤَدِّي الْأَمَانَةَ إِلَى أَهْلِهَا»
٥ / ٥٩
حَدَّثَنِي مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرِو بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ﴾ [البقرة: ٢٨٠] «بِرَأْسِ الْمَالِ»، ﴿إِلَى مَيْسَرَةٍ﴾ [البقرة: ٢٨٠] يَقُولُ: «إِلَى غِنًى»
٥ / ٥٩
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ﴿وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ﴾ [البقرة: ٢٨٠] «هَذَا فِي شَأْنِ الرِّبَا»
٥ / ٥٩
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ بْنُ سَلْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ﴾ [البقرة: ٢٨٠] «هَذَا فِي شَأْنِ الرِّبَا، وَكَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ بِهَا يَتَبَايَعُونَ، فَلَمَّا أَسْلَمَ مَنْ أَسْلَمَ ⦗٦٠⦘ مِنْهُمْ، أُمِرُوا أَنْ يَأْخُذُوا رُءُوسَ أَمْوَالِهِمْ»
٥ / ٥٩
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ﴾ [البقرة: ٢٨٠] «يَعْنِي الْمَطْلُوبَ»
٥ / ٦٠
حَدَّثَنِي ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ﴾ [البقرة: ٢٨٠] قَالَ: «الْمَوْتُ» حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، مِثْلَهُ
٥ / ٦٠
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ: ﴿وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ﴾ [البقرة: ٢٨٠] قَالَ: «هَذَا فِي الرِّبَا»
٥ / ٦٠
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا شَرِيكٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، فِي الرَّجُلِ يَتَزَوَّجُ إِلَى الْمَيْسَرَةِ، قَالَ: «إِلَى الْمَوْتِ أَوْ إِلَى فُرْقَةٍ»
٥ / ٦٠
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ: ﴿فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ﴾ [البقرة: ٢٨٠] قَالَ: «ذَلِكَ فِي الرِّبَا»
٥ / ٦٠
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا مِنْدَلٌ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿⦗٦١⦘ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ﴾ [البقرة: ٢٨٠] قَالَ: «يُؤَخِّرْهُ وَلَا يَزِدْ عَلَيْهِ، وَكَانَ إِذَا حَلَّ دَيْنُ أَحَدِهِمْ فَلَمْ يَجِدْ مَا يُعْطِيهِ زَادَ عَلَيْهِ وَأَخَّرَهُ»
٥ / ٦٠
وَحَدَّثنا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمٍ، قَالَ: ثنا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: ثنا مِنْدَلٌ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ﴾ [البقرة: ٢٨٠] قَالَ: «يُؤَخِّرْهُ وَلَا يَزِدْ عَلَيْهِ» وَقَالَ آخَرُونَ: هَذِهِ الْآيَةُ عَامَّةٌ فِي كُلِّ مَنْ كَانَ لَهُ قِبَلَ رَجُلٍ مُعْسِرٍ حَقٌّ مِنْ أَيْ وِجْهَةٍ كَانَ ذَلِكَ الْحَقُّ مِنْ دَينٍ حَلَالٍ أَوْ رِبًا
٥ / ٦١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا جُوَيْبِرٌ، عَنِ الضَّحَّاكِ، قَالَ: «مَنْ كَانَ ذَا عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ، وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ؛ قَالَ: وَكَذَلِكَ كُلُّ دَيْنٍ عَلَى مُسْلِمٍ، فَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ لَهُ دَيْنٌ عَلَى أَخِيهِ يَعْلَمُ مِنْهُ عُسْرَةً أَنْ يَسْجِنَهُ وَلَا يَطْلُبَهُ حَتَّى يُيَسِّرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا جَعَلَ النَّظِرَةَ فِي الْحَلَالِ فَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَانَتِ الدُّيُونُ عَلَى ذَلِكَ»
٥ / ٦١
حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ
٥ / ٦١
مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ﴾ [البقرة: ٢٨٠] قَالَ «: نَزَلَتْ فِي الدَّيْنِ» وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ﴾ [البقرة: ٢٨٠] أَنَّهُ مَعْنِيُّ بِهِ غُرَمَاءُ الَّذِينَ كَانُوا أَسْلَمُوا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَلَهُمْ عَلَيْهِمْ دُيُونٌ قَدْ أَرْبَوْا فِيهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَأَدْرَكَهُمُ الْإِسْلَامُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضُوهَا مِنْهُمْ، فَأَمَرَ اللَّهُ بِوَضْعِ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا بَعْدَ مَا أَسْلَمُوا، وَبِقَبْضِ رُءُوسِ أَمْوَالِهِمْ، مِمَّنْ كَانَ مِنْهُمْ مِنْ غُرَمَائِهِمْ مُوسِرًا، وَإِنْظَارِ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ مُعْسِرًا بِرُءُوسِ أَمْوَالِهِمْ إِلَى مَيْسَرَتِهِمْ، فَذَلِكَ حُكْمُ كُلِّ مَنْ أَسْلَمَ وَلَهُ رِبًا قَدْ أَرْبَى عَلَى غَرِيمٍ لَهُ، فَإِنَّ الْإِسْلَامَ يُبْطِلُ عَنْ غَرِيمِهِ مَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ مِنْ قِبَلِ الرِّبَا، وَيُلْزِمُهُ أَدَاءَ رَأْسِ مَالِهِ الَّذِي كَانَ أَخَذَ مِنْهُ، أَوْ لَزِمَهُ مِنْ قَبْلِ الْإِرْبَاءِ إِلَيْهِ إِنْ كَانَ مُوسِرًا، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا كَانَ مُنْظَرًا بِرَأْسِ مَالِ صَاحِبِهِ إِلَى مَيْسَرَتِهِ، وَكَانَ الْفَضْلُ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ مُبْطَلًا عَنْهُ، غَيْرَ أَنَّ الْآيَةَ وَإِنْ كَانَتْ نَزَلَتْ فِيمَنْ ذَكَرْنَا وَإِيَّاهُمْ عَنَى بِهَا، فَإِنَّ الْحُكْمَ الَّذِي حَكَمَ اللَّهُ بِهِ مِنْ إِنْظَارِهِ الْمُعْسِرَ بِرَأْسِ مَالِ الْمُرْبِي بَعْدَ بِطُولِ الرِّبَا عَنْهُ حُكْمٌ وَاجِبٌ لِكُلِّ مَنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ لِرَجُلٍ قَدْ حَلَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ بِقَضَائِهِ مُعْسِرٌ فِي أَنَّهُ مَنْظَرٌ إِلَى مَيْسَرَتِهِ، لِأَنَّ دَيْنَ كُلِّ ذِي دَيْنٍ فِي مَالِ غَرِيمِهِ وَعَلَى غَرِيمِهِ قَضَاؤُهُ مِنْهُ لَا فِي رَقَبَتِهِ، فَإِذَا عَدِمَ مَالَهُ، فَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَى رَقَبَتِهِ بَحَبْسٍ وَلَا بَيْعٍ، وَذَلِكَ أَنَّ مَالَ رَبِّ الدَّيْنِ لَنْ يَخْلُوَ مِنْ أَحَدِ وُجُوهٍ ثَلَاثَةٍ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ فِي رَقَبَةِ غَرِيمِهِ، أَوْ فِي ذِمَّتِهِ يَقْضِيهِ مِنْ مَالِهِ، أَوْ فِي مَالٍ لَهُ بِعَيْنِهِ؛ فَإِنْ يَكُنْ فِي مَالٍ
٥ / ٦٢
لَهُ بِعَيْنِهِ، فَمَتَى بَطَلَ ذَلِكَ الْمَالُ وَعُدِمَ، فَقَدْ بَطَلَ دَيْنُ رَبِّ الْمَالِ، وَذَلِكَ مَا لَا يَقُولُهُ أَحَدٌ وَيَكُونُ فِي رَقَبَتِهِ، فَإِنْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَمَتَى عُدِمَتْ نَفْسُهُ، فَقَدْ بَطَلَ دَيْنُ رَبِّ الدَّيْنِ، وَإِنْ خَلَفَ الْغَرِيمُ وَفَاءً بِحَقِّهِ وَأَضْعَافَ ذَلِكَ، وَذَلِكَ أَيْضًا لَا يَقُولُهُ أَحَدٌ، فَقَدْ تَبَيَّنَ إِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ أَنَّ دَيْنَ رَبِّ الْمَالِ فِي ذِمَّةِ غَرِيمِهِ يَقْضِيهِ مِنْ مَالِهِ، فَإِذَا عَدِمَ مَالَهُ فَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَى رَقَبَتِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ عَدِمَ مَا كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَ مِنْهُ حَقَّ صَاحِبِهِ لَوْ كَانَ مَوْجُودًا، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى رَقَبَتِهِ سَبِيلٌ لَمْ يَكُنْ إِلَى حَبْسِهِ بِحَقِّهِ وَهُوَ مَعْدُومٌ سَبِيلٌ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَانِعِهِ حَقًّا لَهُ إِلَى قَضَائِهِ سَبِيلٌ، فَيُعَاقَبُ بِظُلْمِهِ إِيَّاهُ بِالْحَبْسِ
٥ / ٦٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: ٢٨٠] يَعْنِي جَلَّ وَعَزَّ بِذَلِكَ: وَأَنْ تَتَصَدَّقُوا بِرُءُوسِ أَمْوَالِكُمْ عَلَى هَذَا الْمُعْسِرِ خَيْرٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْقَوْمُ مِنْ أَنْ تُنْظِرُوهُ إِلَى مَيْسَرَتِهِ لِتَقْبِضُوا رُءُوسَ أَمْوَالِكُمْ مِنْهُ إِذَا أَيْسَرَ، ﴿إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: ١٨٤] مَوْضِعَ الْفَضْلِ فِي الصَّدَقَةِ، وَمَا أَوْجَبَ اللَّهُ مِنَ الثَّوَابِ لِمَنْ وَضَعَ عَنْ غَرِيمِهِ الْمُعْسِرِ دَيْنَهُ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَأَنْ تَصَدَّقُوا بِرُءُوسِ أَمْوَالِكُمْ عَلَى الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ مِنْهُمْ خَيْرٌ لَكُمْ
٥ / ٦٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ﴾ «وَالْمَالُ الَّذِي لَهُمْ عَلَى ظُهُورِ الرِّجَالِ ⦗٦٤⦘ جُعِلَ لَهُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِهِمْ حِينَ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ؛ فَأَمَّا الرِّبْحُ وَالْفَضْلُ فَلَيْسَ لَهُمْ، وَلَا يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا» ﴿وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ﴾ [البقرة: ٢٨٠] «يَقُولُ وَإِنْ تَصَدَّقُوا بِأَصْلِ الْمَالِ، خَيْرٌ لَكُمْ»
٥ / ٦٣
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿وَأَنْ تَصَدَّقُوا﴾ [البقرة: ٢٨٠] «أَيْ بِرَأْسِ الْمَالِ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ»
٥ / ٦٤
وَحَدَّثنا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ: ﴿وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ﴾ [البقرة: ٢٨٠] قَالَ: «مِنْ رُءُوسِ أَمْوَالِكُمْ» حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بِمِثْلِهِ
٥ / ٦٤
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ: ﴿وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ﴾ [البقرة: ٢٨٠] قَالَ: «أَنْ تَصَدَّقُوا بِرُءُوسِ أَمْوَالِكُمْ» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَأَنْ تَصَدَّقُوا بِهِ عَلَى الْمُعْسِرِ خَيْرٌ لَكُمْ؛ نَحْوَ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ
٥ / ٦٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ ⦗٦٥⦘: ﴿وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ﴾ [البقرة: ٢٨٠] قَالَ: «وَأَنْ تَصَدَّقُوا بِرُءُوسِ أَمْوَالِكُمْ عَلَى الْفَقِيرِ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ، فَتَصَدَّقَ بِهِ الْعَبَّاسُ»
٥ / ٦٤
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ: ﴿وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ﴾ [البقرة: ٢٨٠] يَقُولُ: «وَإِنْ تَصَدَّقْتَ عَلَيْهِ بِرَأْسِ مَالِكَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ»
٥ / ٦٥
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، قَالَ أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ﴾ [البقرة: ٢٨٠] «يَعْنِي عَلَى الْمُعْسِرِ، فَأَمَّا الْمُوسِرُ فَلَا، وَلَكِنْ يُؤْخَذُ مِنْهُ رَأْسُ الْمَالِ، وَالْمُعْسِرُ الْأَخْذُ مِنْهُ حَلَالٌ وَالصَّدَقَةُ عَلَيْهِ أَفْضَلُ»
٥ / ٦٥
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ: «وَأَنْ تَصَدَّقُوا بِرُءُوسِ أَمْوَالِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ نَظِرَةٍ إِلَى مَيْسَرَةٍ، فَاخْتَارَ اللَّهُ عز وجل الصَّدَقَةَ عَلَى النِّظَارَةِ»
٥ / ٦٥
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ، وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ﴾ [البقرة: ٢٨٠] قَالَ: «مِنَ النَّظِرَةِ ﴿إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: ١٨٤]»
٥ / ٦٥
حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا جُوَيْبِرٌ، عَنِ الضَّحَّاكِ: ﴿فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ﴾ [البقرة: ٢٨٠] «وَالنَّظِرَةُ وَاجِبَةٌ، ⦗٦٦⦘ وَخَيَّرَ اللَّهُ عز وجل الصَّدَقَةَ عَلَى النَّظِرَةِ، وَالصَّدَقَةُ لِكُلِّ مُعْسِرٍ؛ فَأَمَّا الْمُوسِرُ فَلَا» وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ بِالصَّوَابِ، تَأْوِيلُ مَنْ قَالَ مَعْنَاهُ: وَأَنْ تَصَدَّقُوا عَلَى الْمُعْسِرِ بِرُءُوسِ أَمْوَالِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ؛ لِأَنَّهُ يَلِي ذِكْرَ حُكْمِهِ فِي الْمَعْنَيَيْنِ، وَإِلْحَاقُهُ بِالَّذِي يَلِيهِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ إِلْحَاقِهِ بِالَّذِي بَعْدَ مِنْهُ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ هَذِهِ الْآيَاتِ فِي أَحْكَامِ الرِّبَا هُنَّ آخِرُ آيَاتٍ نَزَلَتْ مِنَ الْقُرْآنِ
٥ / ٦٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ سَعِيدٍ، وَحَدَّثني يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، قَالَ: «كَانَ آخِرُ مَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ آيَةُ الرِّبَا، وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ قُبِضَ قَبْلَ أَنْ يُفَسِّرَهَا، فَدَعُوا الرِّبَا وَالرِّيبَةَ»
٥ / ٦٦
حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ، قَالَ: ثنا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا دَاوُدُ، عَنْ عَامِرٍ، أَنَّ عُمَرَ، رضي الله عنه قَامَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ: «فَإِنَّهُ وَاللَّهِ مَا أَدْرِي، لَعَلَّنَا نَأْمُرُكُمْ بِأَمْرٍ لَا يَصْلُحُ لَكُمْ، وَمَا أَدْرِي لَعَلَّنَا نَنْهَاكُمْ عَنْ أَمْرٍ يَصْلُحُ لَكُمْ؛ وَإِنَّهُ كَانَ مِنْ آخِرِ آيَاتِ الْقُرْآنِ تَنْزِيلًا آيَاتُ الرِّبَا، فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قَبْلَ أَنْ يُبَيِّنَهُ لَنَا، فَدَعُوا مَا يَرِيبُكُمْ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكُمْ»
٥ / ٦٦
حَدَّثَنِي أَبُو زَيْدٍ عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ، قَالَ: ثنا قَبِيصَةُ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنِ الْأَحْوَلِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «آخِرُ مَا أُنْزِلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ آيَةُ الرِّبَا، وَإِنَّا لَنَأْمُرُ بِالشَّيْءِ لَا نَدْرِي لَعَلَّ بِهِ بَأْسًا، وَنَنْهَى عَنِ الشَّيْءِ لَعَلَّهُ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ»
٥ / ٦٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تَوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ [البقرة: ٢٨١] وَقِيلَ: هَذِهِ الْآيَةُ أَيْضًا آخِرُ آيَةٍ نَزَلَتْ مِنَ الْقُرْآنِ
٥ / ٦٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا أَبُو تُمَيْلَةَ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ بْنُ وَاقِدٍ، عَنْ يَزِيدَ النَّحْوِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «آخِرُ آيَةٍ نَزَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ: ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ﴾ [البقرة: ٢٨١]»
٥ / ٦٧
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ﴾ [البقرة: ٢٨١] الْآيَةَ «فَهِيَ آخِرُ آيَةٍ مِنَ الْكِتَابِ أُنْزِلَتْ»
٥ / ٦٧
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُمَارَةَ، قَالَ: ثنا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: ثنا مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ، عَنْ عَطِيَّةَ، قَالَ: «آخِرُ آيَةٍ نَزَلَتْ: ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ [البقرة: ٢٨١]»
٥ / ٦٨
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: «آخِرُ آيَةٍ نَزَلَتْ ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ﴾ [البقرة: ٢٨١]»
٥ / ٦٨
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا أَبُو تُمَيْلَةَ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَحَجَّاجٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «آخِرُ آيَةٍ نَزَلَتْ مِنَ الْقُرْآنِ: ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ [البقرة: ٢٨١]» قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: يَقُولُونَ: إِنَّ النَّبِيَّ ﷺ مَكَثَ بَعْدَهَا تِسْعَ لَيَالٍ، وَبَدَا يَوْمَ السَّبْتِ، وَمَاتَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ
٥ / ٦٨
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: ثني سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، أَنَّهُ بَلَغَهُ «أَنَّ أَحْدَثَ الْقُرْآنِ، بِالْعَرْشِ آيَةُ الدَّيْنِ» يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثناؤُهُ: وَاحْذَرُوا أَيُّهَا النَّاسُ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ فَتَلْقَوْنَهُ
٥ / ٦٨
فِيهِ أَنْ تَرِدُوا عَلَيْهِ بِسَيِّئَاتٍ تُهْلِكُكُمْ، أَوْ بِمُخْزِيَاتٍ تُخْزِيكُمْ، أَوْ بِفَضِيحَاتٍ تَفْضَحُكُمْ، فَتَهْتِكَ أَسْتَارَكُمْ، أَوْ بِمُوبِقَاتٍ تُوبِقُكُمْ، فَتُوجِبُ لَكُمْ مِنْ عِقَابِ اللَّهِ مَا لَا قِبَلَ لَكُمْ بِهِ، وَإِنَّهُ يَوْمُ مُجَازَاةِ الْأَعْمَالِ لَا يَوْمَ اسْتِعْتَابٍ، وَلَا يَوْمَ اسْتِقَالَةٍ وَتَوْبَةٍ وَإِنَابَةٍ، وَلَكِنَّهُ يَوْمُ جَزَاءٍ وَثَوَابٍ وَمُحَاسَبَةٍ، تُوَفَّى فِيهِ كُلُّ نَفْسٍ أَجْرَهَا عَلَى مَا قَدَّمَتْ وَاكْتَسَبَتْ مِنْ سَيِّئٍ وَصَالِحٍ، لَا يُغَادَرُ فِيهِ صَغِيرَةٌ وَلَا كَبِيرَةٌ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ إِلَّا أُحْضِرَتْ، فَتُوفَّى جَزَاءَهَا بِالْعَدْلِ مِنْ رَبِّهَا، وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ، وَكَيْفَ يُظْلَمُ مِنْ جُوزِيَ بِالْإِسَاءَةِ مِثْلَهَا وَبِالْحَسَنَةِ عَشْرَ أَمْثَالِهَا، كَلَّا بَلْ عَدَلَ عَلَيْكَ أَيُّهَا الْمُسِيءُ، وَتَكَرَّمَ عَلَيْكَ فَأَفْضَلَ وَأَسْبَغَ أَيُّهَا الْمُحْسِنُ، فَاتَّقَى امْرُؤٌ رَبَّهُ فَأَخَذَ مِنْهُ حِذْرَهُ وَرَاقَبَهُ أَنْ يَهْجِمَ عَلَيْهِ يَوْمَهُ، وَهُوَ مِنَ الْأَوْزَارِ ظَهْرُهُ ثَقِيلٌ، وَمِنْ صَالِحَاتِ الْأَعْمَالِ خَفِيفٌ، فَإِنَّهُ عز وجل حَذَّرَ فَأَعْذَرَ، وَوَعَظَ فَأَبْلَغَ
٥ / ٦٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللُّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: ٢٨٢] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثناؤُهُ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ صَدَقُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴿إِذَا تَدَايَنْتُمْ﴾ [البقرة: ٢٨٢] يَعْنِي إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِدَيْنٍ أَوِ اشْتَرَيْتُمْ بِهِ، أَوْ تَعَاطَيْتُمْ، أَوْ أَخَذْتُمْ بِهِ ﴿إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾ [البقرة: ٢٨٢] يَقُولُ: إِلَى وَقْتٍ مَعْلُومٍ وَقَّتُّمُوهُ بَيْنَكُمْ، وَقَدْ يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الْقَرْضُ
٥ / ٦٩
وَالسَّلَمُ فِي كُلِّ مَا جَازَ، السَّلَمُ شَرًى أُجِّلَ بَيْعُهُ يَصِيرُ دَيْنًا عَلَى بَائِعِ مَا أَسْلَمَ إِلَيْهِ فِيهِ، وَيُحْتَمَلُ بَيْعُ الْحَاضِرِ الْجَائِزِ بَيْعُهُ مِنَ الْأَمْلَاكِ بِالْأَثْمَانِ الْمُؤَجَّلَةِ، كُلُّ ذَلِكَ مِنَ الدُّيُونِ الْمُؤَجَّلَةِ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِذَا كَانَتْ آجَالُهَا مَعْلُومَةً بِحَدٍّ مَوْقُوفٍ عَلَيْهِ، وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي السَّلَمِ خَاصَّةً
٥ / ٧٠
ذِكْرُ الرِّوَايَةِ عَنْهُ بِذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ عِيسَى الرَّمْلِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾ [البقرة: ٢٨٢] قَالَ: «السَّلَمُ فِي الْحِنْطَةِ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ»
٥ / ٧٠
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُخَرِّمِيُّ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ الصَّامِتِ، قَالَ: ثنا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي حَيَّانَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ﴾ [البقرة: ٢٨٢] قَالَ: «نَزَلَتْ فِي السَّلَمِ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ»
٥ / ٧٠
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: ثنا زَيْدُ بْنُ أَبِي الزَّرْقَاءِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي ⦗٧١⦘ حَيَّانَ، عَنْ رَجُلٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ﴾ [البقرة: ٢٨٢] فِي السَّلَمِ فِي الْحِنْطَةِ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ»
٥ / ٧٠
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَبَّبٍ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي حَيَّانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ رَجُلٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾ [البقرة: ٢٨٢] فِي السَّلَفِ فِي الْحِنْطَةِ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ»
٥ / ٧١
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي حَيَّانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «أَشْهَدُ أَنَّ السَّلَفَ الْمَضْمُونَ، إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى أَنَّ اللَّهَ عز وجل قَدْ أَحَلَّهُ، وَأَذِنَ فِيهِ، وَيَتْلُو هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾ [البقرة: ٢٨٢]» فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَمَا وَجْهُ قَوْلِهِ: ﴿بِدَيْنٍ﴾ [البقرة: ٢٨٢] وَقَدْ دَلَّ بِقَوْلِهِ: ﴿إِذَا تَدَايَنْتُمْ﴾ [البقرة: ٢٨٢] عَلَيْهِ؟ وَهَلْ تَكُونُ مُدَايَنَةٌ بِغَيْرِ دَيْنٍ فَاحْتِيجَ إِلَى أَنْ يُقَالَ بِدَيْنٍ؟ قِيلَ: إِنَّ الْعَرَبَ لَمَّا كَانَ مَقُولًا عِنْدَهَا تَدَايَنَّا بِمَعْنَى تَجَازَيْنَا وَبِمَعْنَى تَعَاطَيْنَا الْأَخْذَ وَالْإِعْطَاءَ بِدَيْنٍ، أَبَانَ اللَّهُ بِقَوْلِهِ ﴿بِدَيْنٍ﴾ [البقرة: ٢٨٢] الْمَعْنَى الَّذِي قَصَدَ تَعْرِيفَهُ مِنْ قَوْلِهِ ﴿تَدَايَنْتُمْ﴾ [البقرة: ٢٨٢] حُكْمَهُ، وَأَعْلَمَهُمْ أَنَّهُ ⦗٧٢⦘ حُكْمُ الدَّيْنِ دُونَ حُكْمِ الْمُجَازَاةِ وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ ذَلِكَ تَأْكِيدٌ كَقَوْلِهِ: ﴿فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ﴾ [الحجر: ٣٠] وَلَا مَعْنَى لِمَا قَالَ مِنْ ذَلِكَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ
٥ / ٧١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَاكْتُبُوهُ﴾ [البقرة: ٢٨٢] يَعْنِي جَلَّ ثناؤُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿فَاكْتُبُوهُ﴾ [البقرة: ٢٨٢] فَاكْتُبُوا الدَّيْنَ الَّذِي تَدَايَنْتُمُوهُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى مِنْ بَيْعٍ كَانَ ذَلِكَ أَوْ قَرْضٍ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي اكْتِتَابِ الْكِتَابِ بِذَلِكَ عَلَى مَنْ هُوَ عَلَيْهِ، هَلْ هُوَ وَاجِبٌ أَوْ هُوَ نَدْبٌ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ حَقٌّ وَاجِبٌ، وَفَرْضٌ لَازِمٌ
٥ / ٧٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا أَبُو زُهَيْرٍ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ﴾ [البقرة: ٢٨٢] قَالَ: «مَنْ بَاعَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى أُمِرَ أَنْ يَكْتُبَ صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى»
٥ / ٧٢
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَوْلُهُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ﴾ [البقرة: ٢٨٢] قَالَ: «فَمَنِ ادَّانَ دَيْنًا فَلْيَكْتُبْ، وَمَنْ بَاعَ فَلْيُشْهِدْ»
٥ / ٧٢
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، فِي قَوْلِهِ: «﴿إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ﴾ [البقرة: ٢٨٢] فَكَانَ هَذَا وَاجِبًا» وَحُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، بِمِثْلِهِ، وَزَادَ فِيهِ: قَالَ: ثُمَّ قَامَتِ الرُّخْصَةُ وَالسَّعَةُ، قَالَ: ﴿فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ﴾ [البقرة: ٢٨٣]
٥ / ٧٣
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ أَبَا سُلَيْمَانَ الْمَرْعَشِيَّ، كَانَ رَجُلًا صَحِبَ كَعْبًا فَقَالَ ذَاتَ يَوْمٍ لِأَصْحَابِهِ: «هَلْ تَعْلَمُونَ مَظْلُومًا دَعَا رَبَّهُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لَهُ؟» قَالُوا: وَكَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ؟ قَالَ: «رَجُلٌ بَاعَ شَيْئًا فَلَمْ يَكْتُبْ وَلَمْ يُشْهِدْ، فَلَمَّا حَلَّ مَالُهُ جَحْدُهُ صَاحِبُهُ، فَدَعَا رَبَّهُ، فَلَمْ يُسْتَجَبْ لَهُ، لِأَنَّهُ قَدْ عَصَى رَبَّهُ» وَقَالَ آخَرُونَ: كَانَ اكْتِتَابُ الْكِتَابِ بِالدَّيْنِ فَرْضًا، فَنَسَخَهُ قَوْلُهُ: ﴿فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ﴾ [البقرة: ٢٨٣]
٥ / ٧٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنِ ابْنِ شُبْرُمَةَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: «لَا بَأْسَ إِذَا أَمِنْتَهُ أَنْ لَا تُكْتَبَ، وَلَا تُشْهِدَ؛ لِقَوْلِهِ: ﴿فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا﴾ [البقرة: ٢٨٣]» قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: قَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ عَنِ ⦗٧٤⦘ الشَّعْبِيِّ: إِلَى هَذَا انْتَهَى
٥ / ٧٣
حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ، قَالَ: ثنا دَاوُدُ، عَنْ عَامِرٍ، فِي هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ﴾ [البقرة: ٢٨٢] حَتَّى بَلَغَ هَذَا الْمَكَانَ: ﴿فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ﴾ [البقرة: ٢٨٣] قَالَ: «رَخَّصَ فِي ذَلِكَ، فَمَنْ شَاءَ أَنْ يَأْتَمِنَ صَاحِبَهُ فَلْيَأْتَمِنْهُ»
٥ / ٧٤
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا هَارُونُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عَاصِمٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: «إِنِ ائْتَمَنَهُ فَلَا يُشْهِدْ عَلَيْهِ وَلَا يَكْتُبْ»
٥ / ٧٤
حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: «فَكَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ هَذِهِ، الْآيَةَ: ﴿فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا﴾ [البقرة: ٢٨٣] نَسَخَتْ مَا قَبْلَهَا مِنَ الْكِتَابَةِ وَالشُّهُودِ رُخْصَةً وَرَحْمَةً مِنَ اللَّهِ»
٥ / ٧٤
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ غَيْرُ عَطَاءٍ: «نَسَخَتِ الْكِتَابَ وَالشَّهَادَةَ: ﴿فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا﴾ [البقرة: ٢٨٣]»
٥ / ٧٤
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: «نَسَخَ ذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ﴾ [البقرة: ٢٨٣]» قَالَ: «فَلَوْلَا هَذَا الْحَرْفُ لَمْ يُبَحْ لِأَحَدٍ أَنْ يَدَّانَ بِدَيْنٍ إِلَّا بِكِتَابٍ وَشُهَدَاءَ، أَوْ بِرَهْنٍ، فَلَمَّا جَاءَتْ هَذِهِ ⦗٧٥⦘ نَسَخَتْ هَذَا كُلَّهُ، صَارَ إِلَى الْأَمَانَةِ»
٥ / ٧٤
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا حَجَّاجٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، قَالَ: سَأَلْتُ الْحَسَنَ قُلْتُ: كُلُّ مَنْ بَاعَ بَيْعًا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُشْهِدَ؟ قَالَ: «أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ عز وجل يَقُولُ: ﴿فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ﴾ [البقرة: ٢٨٣]»
٥ / ٧٥
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ، قَالَ: ثنا دَاوُدُ، عَنْ عَامِرٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ﴾ [البقرة: ٢٨٢] حَتَّى بَلَغَ هَذَا الْمَكَانَ: ﴿فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ﴾ [البقرة: ٢٨٣] قَالَ: «رَخَّصَ فِي ذَلِكَ، فَمَنْ شَاءَ أَنْ يَأْتَمِنَ صَاحِبَهُ فَلْيَأْتَمِنْهُ»
٥ / ٧٥
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ دَاوُدَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، فِي قَوْلِهِ: ﴿فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا﴾ [البقرة: ٢٨٣] قَالَ: «إِنْ أَشْهَدْتَ فَحَزْمٌ، وَإِنْ لَمْ تُشْهِدْ فَفِي حِلٍّ وَسَعَةٍ»
٥ / ٧٥
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، قَالَ: قُلْتُ لِلشَّعْبِيِّ: أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَسْتَدِينُ مِنَ الرَّجُلِ الشَّيْءَ، أَحَتْمٌ عَلَيْهِ أَنْ يُشْهِدَ؟ قَالَ: فَقَرَأَ إِلَى قَوْلِهِ: ﴿فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا﴾ [البقرة: ٢٨٣] «قَدْ نَسَخَ مَا كَانَ قَبْلَهُ»
٥ / ٧٥
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مَرْوَانَ الْعُقَيْلِيُّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْمَلِكِ ⦗٧٦⦘ بْنُ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: أَنَّهُ قَرَأَ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾ [البقرة: ٢٨٢] قَالَ: فَقَرَأَ إِلَى: ﴿فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا﴾ [البقرة: ٢٨٣] قَالَ: «هَذِهِ نَسَخَتْ مَا قَبْلَهَا»
٥ / ٧٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ﴾ [البقرة: ٢٨٢] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثناؤُهُ: ﴿وَلْيَكْتُبْ﴾ [البقرة: ٢٨٢] كِتَابُ الدَّيْنِ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى بَيْنَ الدَّائِنِ وَالْمَدِينِ ﴿كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ﴾ [البقرة: ٢٨٢] يَعْنِي بِالْحَقِّ وَالْإِنْصَافِ فِي الْكِتَابِ الَّذِي يَكْتُبُهُ بَيْنَهُمَا، بِمَا لَا يَحِيفُ ذَا الْحَقِّ حَقَّهُ، وَلَا يَبْخَسُهُ، وَلَا يُوجِبُ لَهُ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ عَلَيْهِ دَيْنُهُ فِيهِ بِبَاطِلٍ، وَلَا يُلْزِمُهُ مَا لَيْسَ عَلَيْهِ
٥ / ٧٦
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ﴾ [البقرة: ٢٨٢] قَالَ: «اتَّقَى اللَّهَ كَاتِبٌ فِي كِتَابِهِ، فَلَا يَدَعَنَّ مِنْهُ حَقًّا، وَلَا يَزِيدَنَّ فِيهِ بَاطِلًا» وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَمَّهُ اللَّهُ﴾ [البقرة: ٢٨٢] فَإِنَّهُ يَعْنِي: وَلَا يَأْبَيَنَّ كَاتِبٌ اسْتُكْتِبَ ذَلِكَ أَنْ يَكْتُبَ بَيْنَهُمْ كِتَابَ الدَّيْنِ، كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ كِتَابَتَهُ فَخَصَّهُ بِعِلْمِ ذَلِكَ، وَحَرَمَهُ كَثِيرًا مِنْ خَلْقِهِ وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي وُجُوبِ الْكِتَابِ عَلَى الْكَاتِبِ إِذَا ⦗٧٧⦘ اسْتُكْتِبَ ذَلِكَ نَظِيرَ اخْتِلَافِهِمْ فِي وُجُوبِ الْكِتَابِ عَلَى الَّذِي لَهُ الْحَقُّ
٥ / ٧٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ عز وجل: ﴿وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ﴾ [البقرة: ٢٨٢] قَالَ: «وَاجِبٌ عَلَى الْكَاتِبِ أَنْ يَكْتُبَ»
٥ / ٧٧
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ: قَوْلُهُ: ﴿وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ﴾ [البقرة: ٢٨٢] أَوَاجِبٌ أَنْ لَا يَأْبَى أَنْ يَكْتُبَ؟ قَالَ: «نَعَمْ» قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَقَالَ مُجَاهِدٌ: وَاجِبٌ عَلَى الْكَاتِبِ أَنْ يَكْتُبَ ” حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ﴾ [البقرة: ٢٨٢] بِمِثْلِهِ
٥ / ٧٧
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ عَامِرٍ، وَعَطَاءٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ﴾ [البقرة: ٢٨٢] قَالَا: «إِذَا لَمْ يَجِدُوا كَاتِبًا فَدُعِيتَ فَلَا تَأْبَ أَنْ تُكْتَبَ لَهُمْ» ذِكْرُ مَنْ قَالَ: هِيَ مَنْسُوخَةٌ. قَدْ ذَكَرْنَا جَمَاعَةً مِمَّنْ قَالَ: كُلُّ مَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ مِنَ الْأَمْرِ بِالْكِتَابَةِ وَالْإِشْهَادِ وَالرَّهْنِ ⦗٧٨⦘ مَنْسُوخٌ بِالْآيَةَ الَّتِي فِي آخِرِهَا، وَأَذْكُرُ قَوْلَ مَنْ تَرَكْنَا ذِكْرَهُ هُنَالِكَ بِبَعْضِ الْمَعَانِي:
٥ / ٧٧
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا أَبُو زُهَيْرٍ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ: ﴿وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ﴾ [البقرة: ٢٨٢] قَالَ: «كَانَتْ عَزِيمَةً فَنَسَخَتْهَا: ﴿وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ﴾ [البقرة: ٢٨٢]»
٥ / ٧٨
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ: ﴿وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ﴾ [البقرة: ٢٨٢] «فَكَانَ هَذَا وَاجِبًا عَلَى الْكُتَّابِ» وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ عَلَى الْوُجُوبِ، وَلَكِنَّهُ وَاجِبٌ عَلَى الْكَاتِبِ فِي حَالِ فَرَاغِهِ
٥ / ٧٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَوْلُهُ: ﴿وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ﴾ [البقرة: ٢٨٢] يَقُولُ: «لَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ إِنْ كَانَ فَارِغًا» وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا أَنَّ اللَّهَ عز وجل أَمَرَ الْمُتَدَايِنِينَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى بِاكْتِتَابِ كُتُبِ الدَّيْنِ بَيْنَهُمْ، وَأَمَرَ الْكَاتِبَ أَنْ يَكْتُبَ ذَلِكَ بَيْنَهُمْ بِالْعَدْلِ، وَأَمْرُ اللَّهِ فَرْضٌ لَازِمٌ، إِلَّا أَنْ تَقُومَ حُجَّةٌ بِأَنَّهُ إِرْشَادٌ وَنَدْبٌ، وَلَا دَلَالَةَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَمْرَهُ جَلَّ ثناؤُهُ بِاكْتِتَابِ الْكُتُبِ فِي ذَلِكَ، وَأَنَّ تَقَدُّمَهُ إِلَى الْكَاتِبِ أَنْ لَا يَأْبَى كِتَابَةَ ذَلِكَ ⦗٧٩⦘ نَدْبٌ وَإِرْشَادٌ، فَذَلِكَ فَرْضٌ عَلَيْهِمْ لَا يَسَعُهُمْ تَضْيِيعُهُ، وَمَنْ ضَيَّعَهُ مِنْهُمْ كَانَ حَرِجًا بِتَضْيِيعِهِ وَلَا وَجْهَ لِاعْتِلَالِ مَنِ اعْتَلَّ بِأَنَّ الْأَمْرَ بِذَلِكَ مَنْسُوخٌ بِقَوْلِهِ: ﴿فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ﴾ [البقرة: ٢٨٣] لِأَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا أَذِنَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ بِهِ، حَيْثُ لَا سَبِيلَ إِلَى الْكِتَابِ، أَوْ إِلَى الْكَاتِبِ فَأَمَّا وَالْكِتَابُ وَالْكَاتِبُ مَوْجُودَانِ، فَالْفَرْضُ إِذَا كَانَ الدَّيْنُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى مَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ بِهِ فِي قَوْلِهِ: ﴿فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ﴾ [البقرة: ٢٨٢] وَإِنَّمَا يَكُونُ النَّاسِخُ مَا لَمْ يَجُزِ اجْتِمَاعُ حُكْمِهِ وَحُكْمِ الْمَنْسُوخِ فِي حَالٍ وَاحِدَةٍ عَلَى السَّبِيلِ الَّتِي قَدْ بَيَّنَّاهَا، فَأَمَّا مَا كَانَ أَحَدُهُمَا غَيْرَ نَافٍ حُكْمَ الْآخَرِ، فَلَيْسَ مِنَ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ فِي شَيْءٍ، وَلَوْ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ﴾ [البقرة: ٢٨٣] نَاسِخًا قَوْلَهُ: ﴿إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ﴾ [البقرة: ٢٨٢] لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا﴾ [النساء: ٤٣] نَاسِخًا الْوضُوءَ بِالْمَاءِ فِي الْحَضَرِ عِنْدَ وُجُودِ الْمَاءِ فِيهِ، وَفِي السَّفَرِ الَّذِي فَرَضَهُ اللَّهُ عز وجل بِقَوْلِهِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ﴾ [المائدة: ٦] وَأَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ: ﴿فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ﴾ [النساء: ٩٢] نَاسِخًا قَوْلَهُ: ﴿فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا﴾ [المجادلة: ٣] فَيَسْأَلُ الْقَائِلُ إِنَّ قَوْلَ اللَّهِ عز وجل: ﴿فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ﴾ [البقرة: ٢٨٣] نَاسِخٌ قَوْلَهُ ⦗٨٠⦘: ﴿إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ﴾ [البقرة: ٢٨٢] مَا الْفَرَقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقَائِلِ فِي التَّيَمُّمِ وَمَا ذَكَرْنَا قَوْلَهُ، فَزَعَمَ أَنَّ كُلَّ مَا أُبِيحَ فِي حَالِ الضَّرُورَةِ لِعِلَّةِ الضَّرُورَةِ نَاسِخٌ حُكْمُهُ فِي حَالِ الضَّرُورَةِ حُكْمَهُ فِي كُلِّ أَحْوَالِهِ نَظِيرَ قَوْلِهِ فِي أَنَّ الْأَمْرَ بِاكْتِتَابِ كُتُبِ الدُّيُونِ وَالْحُقُوقِ مَنْسُوخٌ بِقَوْلِهِ: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ﴾ [البقرة: ٢٨٣]؟ فَإِنْ قَالَ: الْفَرَقُ بَيْنِي وَبَيْنَهُ أَنَّ قَوْلَهُ: ﴿فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا﴾ [البقرة: ٢٨٣] كَلَامٌ مُنْقَطِعٌ عَنْ قَوْلِهِ: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ﴾ [البقرة: ٢٨٣] وَقَدِ انْتَهَى الْحُكْمُ فِي السَّفَرِ إِذَا عُدِمَ فِيهِ الْكَاتِبُ بِقَوْلِهِ: ﴿فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ﴾ [البقرة: ٢٨٣] وَإِنَّمَا عَنَى بِقَوْلِهِ: ﴿فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا﴾ [البقرة: ٢٨٣] إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى، فَأَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ، قِيلَ لَهُ: وَمَا الْبُرْهَانُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ أَصْلٍ أَوْ قِيَاسٍ وَقَدِ انْقَضَى الْحُكْمُ فِي الدَّيْنِ الَّذِي فِيهِ إِلَى الْكَاتِبِ وَالْكِتَابِ سَبِيلٌ بِقَوْلِهِ: ﴿وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: ٢٨٢]؟ وَأَمَّا الَّذِينَ زَعَمُوا أَنَّ قَوْلَهُ: ﴿فَاكْتُبُوهُ﴾ [البقرة: ٢٨٢] وَقَوْلَهُ: ﴿وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ﴾ [البقرة: ٢٨٢] عَلَى وَجْهِ النَّدْبِ وَالْإِرْشَادِ، فَإِنَّهُمْ يَسْأَلُونَ الْبُرْهَانَ عَلَى دَعْوَاهُمْ فِي ذَلِكَ، ثُمَّ يُعَارِضُونَ بِسَائِرِ أَمْرِ اللَّهِ عز وجل الَّذِي أَمَرَ فِي كِتَابِهِ، وَيَسْأَلُونَ الْفَرْقَ بَيْنَ مَا ادَّعَوْا فِي ذَلِكَ وَأَنْكَرُوهُ فِي غَيْرِهِ، فَلَنْ يَقُولُوا فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ قَوْلًا إِلَّا أُلْزِمُوا بِالْآخَرِ مِثْلَهُ. ⦗٨١⦘ ذِكْرُ مَنْ قَالَ: الْعَدْلُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ﴾ [البقرة: ٢٨٢] الْحَقُّ
٥ / ٧٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا﴾ [البقرة: ٢٨٢] يَعْنِي بِذَلِكَ: فَلْيَكْتُبِ الْكَاتِبُ، وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ، وَهُوَ الْغَرِيمُ الْمَدِينُ، يَقُولُ: لِيَتَوَلَّ الْمَدِينُ إِمْلَالَ كِتَابِ مَا عَلَيْهِ مِنْ دَيْنِ رَبِّ الْمَالِ عَلَى الْكَاتِبِ، وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ الْمُمْلِي الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ، فَلْيَحْذَرْ عِقَابَهُ فِي بَخْسِ الَّذِي لَهُ الْحَقُّ مِنْ حَقِّهِ شَيْئًا، أَنْ يُنْقِصَهُ مِنْهُ ظُلْمًا، أَوْ يَذْهَبَ بِهِ مِنْهُ تَعَدِّيًا، فَيُؤْخَذَ بِهِ حَيْثُ لَا يَقْدِرُ عَلَى قَضَائِهِ إِلَّا مِنْ حَسَنَاتِهِ، أَوْ أَنْ يَتَحَمَّلَ مِنْ سَيِّئَاتِهِ
٥ / ٨١
كَمَا حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ: ﴿فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ﴾ [البقرة: ٢٨٢] فَكَانَ هَذَا وَاجِبًا، ﴿وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا﴾ [البقرة: ٢٨٢] يَقُولُ: «لَا يَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا»
٥ / ٨١
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا﴾ [البقرة: ٢٨٢] قَالَ: «لَا يُنْقِصْ مِنْ حَقِّ هَذَا الرَّجُلِ شَيْئًا إِذَا أَمْلَى»
٥ / ٨١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ﴾ [البقرة: ٢٨٢] يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثناؤُهُ: ﴿فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا﴾ [البقرة: ٢٨٢] فَإِنْ كَانَ الْمَدِينُ الَّذِي عَلَيْهِ الْمَالُ سَفِيهًا، يَعْنِي جَاهِلًا بِالصَّوَابِ فِي الَّذِي عَلَيْهِ أَنْ يُمِلَّهُ عَلَى الْكَاتِبِ
٥ / ٨٢
كَمَا: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا﴾ [البقرة: ٢٨٢] «أَمَّا السَّفِيهُ: فَالْجَاهِلُ بِالْإِمْلَاءِ وَالْأُمُورِ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلِ السَّفِيهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ الَّذِي عَنَاهُ اللَّهُ: الطِّفْلُ الصَّغِيرُ
٥ / ٨٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا﴾ [البقرة: ٢٨٢] «أَمَّا السَّفِيهُ: فَهُوَ الصَّغِيرُ»
٥ / ٨٢
حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا جُوَيْبِرٌ، عَنِ الضَّحَّاكِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا﴾ [البقرة: ٢٨٢] قَالَ: «هُوَ الصَّبِيُّ الصَّغِيرُ، ﴿فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ﴾ [البقرة: ٢٨٢]» وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ بِالْآيَةِ، تَأْوِيلُ مَنْ قَالَ: السَّفِيهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: الْجَاهِلُ بِالْإِمْلَاءِ وَمَوْضِعِ صَوَابِ ذَلِكَ مِنْ خَطَئِهِ، لِمَا قَدْ بَيَّنَّا قَبْلُ مِنْ أَنَّ مَعْنَى السَّفَهِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ:
٥ / ٨٢
الْجَهْلُ. وَقَدْ يَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ: ﴿فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا﴾ [البقرة: ٢٨٢] كُلُّ جَاهِلٍ بِصَوَابِ مَا يُمِلُّ مِنْ خَطَئِهِ مِنْ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ، وَذَكَرٍ وَأُنْثَى، غَيْرَ أَنَّ الَّذِيَ هُوَ أَوْلَى بِظَاهِرِ الْآيَةِ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا بِهَا كُلُّ جَاهِلٍ بِمَوْضِعِ خَطَأِ مَا يُمِلُّ وَصَوَابِهِ مِنْ بِالِغِي الرِّجَالِ الَّذِينَ لَا يُوَلَّى عَلَيْهِمْ، وَالنِّسَاءِ؛ لِأَنَّهُ أَجَّلَ ذِكْرَهُ ابْتَدَأَ الْآيَةَ بِقَوْلِهِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾ [البقرة: ٢٨٢] وَالصَّبِيُّ وَمَنْ يُوَلَّى عَلَيْهِ لَا يَجُوزُ مُدَايَنَتُهُ، وَأَنَّ اللَّهَ عز وجل قَدِ اسْتَثْنَى مِنَ الَّذِينَ أَمَرَهُمْ بِإِمْلَالِ كِتَابِ الدَّيْنِ مَعَ السَّفِيهِ الضَّعِيفَ وَمَنْ لَا يَسْتَطِيعُ إِمْلَالَهُ، فَفِي فَصْلِهِ جَلَّ ثناؤُهُ الضَّعِيفَ مِنَ السَّفِيهِ وَمَنْ لَا يَسْتَطِيعُ إِمْلَاءَ الْكِتَابِ فِي الصِّفَةِ الَّتِي وَصَفَ بِهَا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَا أَنْبَأَ عَنْ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَصْنَافِ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ بَيَّنَ اللَّهُ صَفَاتِهِمْ غَيْرُ الصَّنْفَيْنِ الْآخَرَيْنِ. وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، كَانَ مَعْلُومًا أَنَّ الْمَوْصُوفَ بِالسَّفَهِ مِنْهُمْ دُونَ الضَّعْفِ هُوَ ذُو الْقُوَّةِ عَلَى الْإِمْلَالِ، غَيْرَ أَنَّهُ وُضِعَ عَنْهُ فَرْضُ الْإِمْلَالِ بِجَهْلِهِ بِمَوْضِعِ صَوَابِ ذَلِكَ مِنْ خَطَئِهِ، وَأَنَّ الْمَوْصُوفَ بِالضَّعْفِ مِنْهُمْ هُوَ الْعَاجِرُ عَنْ إِمْلَالِهِ وَإِنْ كَانَ شَدِيدًا رَشِيدًا إِمَّا لِعِيِّ لِسَانِهِ أَوْ خَرَسٍ بِهِ، وَأَنَّ الْمَوْصُوفَ بِأَنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ الْمَمْنُوعُ مِنْ إِمْلَالِهِ، إِمَّا بِالْحَبْسِ الَّذِي لَا يَقْدِرُ مَعَهُ عَلَى حُضُورِ الْكَاتِبِ الَّذِي يَكْتُبُ الْكِتَابَ فَيُمِلَّ عَلَيْهِ، وَإِمَّا لِغَيْبَتِهِ عَنْ مَوْضِعِ الْإِمْلَالِ فَهُوَ غَيْرُ قَادِرٍ مِنْ أَجْلِ غَيْبَتِهِ عَنْ إِمْلَالِ الْكِتَابِ. فَوَضَعَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَرْضَ إِمْلَالِ ذَلِكَ لِلْعِلَلِ الَّتِي وَصَفْنَا إِذَا كَانَتْ بِهِمْ، وَعَذَرَهُمْ بِتَرْكِ الِإْمِلَالِ مِنْ أَجْلِهَا، وَأَمَرَ عِنْدَ سُقُوطِ فَرْضِ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَلِيَّ الْحَقِّ بِإِمْلَالِهِ فَقَالَ: ﴿فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ
٥ / ٨٣
ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ﴾ [البقرة: ٢٨٢] يَعْنِي وَلِيَّ الْحَقِّ. وَلَا وَجْهَ لِقَوْلِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ السَّفِيهَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ هُوَ الصَّغِيرُ، وَأَنَّ الضَّعِيفَ هُوَ الْكَبِيرُ الْأَحْمَقُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إِنْ كَانَ كَمَا قَالَ يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: ﴿أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ﴾ [البقرة: ٢٨٢] هُوَ الْعَاجِزُ مِنَ الرِّجَالِ الْعُقَلَاءِ الْجَائِزِي الْأَمْرِ فِي أَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَنِ الْإِمْلَالِ، إِمَّا لِعِلَّةٍ بِلِسَانِهِ مِنْ خَرَسٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنَ الْعِلَلِ، وَإِمَّا لِغَيْبَتِهِ عَنْ مَوْضِعِ الْكِتَابِ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ مَعْنَاهُ بَطَلَ مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ﴾ [البقرة: ٢٨٢] لِأَنَّ الْعَاقِلَ الرَّشِيدَ لَا يُوَلَّى عَلَيْهِ فِي مَالِهِ وَإِنْ كَانَ أَخْرَسَ أَوْ غَائِبًا، وَلَا يَجُوزُ حُكْمُ أَحَدٍ فِي مَالِهِ إِلَّا بِأَمْرِهِ، وَفِي صِحَّةِ مَعْنَى ذَلِكَ مَا يَقْضِي عَلَى فَسَادِ قَوْلِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ السَّفِيهَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ هُوَ الطِّفْلُ الصَّغِيرُ أَوِ الْكَبِيرُ الْأَحْمَقُ
٥ / ٨٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ: ﴿فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ﴾ [البقرة: ٢٨٢] يَقُولُ: «وَلِيُّ الْحَقِّ»
٥ / ٨٤
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ﴾ [البقرة: ٢٨٢] قَالَ: يَقُولُ: «إِنْ كَانَ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ أَمَلَّ ⦗٨٥⦘ صَاحِبُ الدَّيْنِ بِالْعَدْلِ» ذِكْرُ الرِّوَايَةِ عَمَّنْ قَالَ: عَنَى بِالضَّعِيفِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: الْأَحْمَقَ، وَبِقَوْلِهِ: ﴿فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ﴾ [البقرة: ٢٨٢] وَلِيُّ السَّفِيهِ وَالضَّعِيفِ
٥ / ٨٤
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا أَبُو زُهَيْرٍ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ: ﴿فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ﴾ [البقرة: ٢٨٢] قَالَ: «أَمَرَ وَلِيَّ السَّفِيهِ أَوِ الضَّعِيفِ أَنْ يُمِلَّ بِالْعَدْلِ»
٥ / ٨٥
حَدَّثَنِي مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: «أَمَّا الضَّعِيفُ، فَهُوَ الْأَحْمَقُ»
٥ / ٨٥
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «أَمَّا الضَّعِيفُ فَالْأَحْمَقُ»
٥ / ٨٥
حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: ﴿فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا﴾ [البقرة: ٢٨٢] «لَا يَعْرِفُ فَيُثْبِتُ لِهَذَا حَقَّهُ وَيَجْهَلُ ذَلِكَ، فَوَلِيُّهُ بِمَنْزِلَتِهِ حَتَّى يَضَعَ لِهَذَا حَقَّهُ» وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَى أَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ﴾ [البقرة: ٢٨٢] فَإِنَّهُ يَعْنِي بِالْحَقِّ
٥ / ٨٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ﴾ [البقرة: ٢٨٢] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثناؤُهُ: وَاسْتَشْهِدُوا عَلَى حُقُوقِكُمْ شَاهِدَيْنِ، يُقَالُ: فُلَانٌ شَهِيدِي عَلَى هَذَا الْمَالِ وَشَاهِدِي عَلَيْهِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿مِنْ رِجَالِكُمْ﴾ [البقرة: ٢٨٢] فَإِنَّهُ يَعْنِي مِنْ أَحْرَارِكُمُ الْمُسْلِمِينَ دُونَ عَبِيدِكُمْ، وَدُونَ أَحْرَارِكُمُ الْكُفَّارِ
٥ / ٨٦
كَمَا: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ﴾ [البقرة: ٢٨٢] قَالَ: «الْأَحْرَارُ» حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ هُشَيْمٍ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
٥ / ٨٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ﴾ [البقرة: ٢٨٢] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثناؤُهُ: فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ، فَلْيَكُنْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ عَلَى الشَّهَادَةِ، وَرُفِعَ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَتَانِ بِالرَّدِّ عَلَى الْكَوْنِ، وَإِنْ شِئْتَ قُلْتَ: فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَلْيَشْهَدْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنْ شِئْتَ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ يَشْهَدُونَ عَلَيْهِ؛ وَإِنْ قُلْتَ: فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ ⦗٨٧⦘ وَامْرَأَتَانِ كَانَ صَوَابًا كُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ، وَلَوْ كَانَ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ نَصَبًا كَانَ جَائِزًا عَلَى تَأْوِيلِ: فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنٍ، فَاسْتَشْهِدُوا رَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ، وَقَوْلُهُ: ﴿مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ﴾ [البقرة: ٢٨٢] يَعْنِي مِنَ الْعُدُولِ الْمُرْتَضَى دِينُهُمْ وَصُلَاحُهُمْ
٥ / ٨٦
كَمَا: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ﴾ [البقرة: ٢٨٢] «يَقُولُ فِي الدَّيْنِ»، ﴿فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ﴾ [البقرة: ٢٨٢] «وَذَلِكَ فِي الدَّيْنِ» ﴿مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ﴾ [البقرة: ٢٨٢] يَقُولُ: «عُدُولٌ»
٥ / ٨٧
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا أَبُو زُهَيْرٍ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ: ﴿وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ﴾ [البقرة: ٢٨٢] «أَمَرَ اللَّهُ عز وجل أَنْ يُشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْ رِجَالِهِمْ» ﴿فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ﴾ [البقرة: ٢٨٢]
٥ / ٨٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى﴾ [البقرة: ٢٨٢] اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَ عَامَّةُ أَهْلِ الْحِجَازِ وَالْمَدِينَةِ وَبَعْضُ أَهْلِ
٥ / ٨٧
الْعِرَاقِ: ﴿أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتَذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى﴾ [البقرة: ٢٨٢] بِفَتْحِ الْأَلْفِ مِنْ «أَنْ» وَنَصِبْ «تَضِلَّ» وَ«تُذَكِّرَ»، بِمَعْنَى: فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ كَيْ تُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى إِنْ ضَلَّتْ، وَهُوَ عِنْدَهُمْ مِنَ الْمُقَدَّمِ الَّذِي مَعْنَاهُ التَّأْخِيرُ؛ لِأَنَّ التَّذْكِيرَ عِنْدَهُمْ هُوَ الَّذِي يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَكَانَ «تَضِلَّ» لِأَنَّ الْمَعْنَى مَا وَصَفْنَا فِي قَوْلِهِمْ. وَقَالُوا: إِنَّمَا نَصَبْنَا «تُذَكِّرَ»، لِأَنَّ الْجَزَاءَ لَمَّا تَقَدَّمَ اتَّصَلَ بِمَا قَبْلَهُ فَصَارَ جَوَابُهُ مَرْدُودًا عَلَيْهِ، كَمَا تَقُولُ فِي الْكَلَامِ: إِنَّهُ لَيُعْجِبُنِي أَنْ يَسْأَلَ السَّائِلُ فَيُعْطَى، بِمَعْنَى أَنَّهُ لَيُعْجِبُنِي أَنْ يُعْطَى السَّائِلُ إِنْ سَأَلَ أَوْ إِذَا سَأَلَ، فَالَّذِي يُعْجِبُكَ هُوَ الْإِعْطَاءُ دُونَ الْمَسْأَلَةِ، وَلَكِنَّ قَوْلَهُ: أَنْ يَسْأَلَ، لَمَّا تَقَدَّمَ اتَّصَلَ بِمَا قَبْلَهُ، وَهُوَ قَوْلُهُ: لَيُعْجِبُنِي، فَتَحَ «أَنْ» وَنَصَبَ بِهَا، ثُمَّ أَتْبَعَ ذَلِكَ قَوْلَهُ: «يُعْطَى»، فَنَصَبَهُ بِنَصْبِ قَوْلِهِ: «لَيُعْجِبُنِي أَنْ يَسْأَلَ»، نَسَقًا عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ فِي مَعْنَى الْجَزَاءِ. وَقَرَأَ ذَلِكَ آخَرُونَ كَذَلِكَ، غَيْرَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقْرَءُونَهُ بِتَسْكِينِ الذَّالِ مِنْ «تُذَكِّرَ» وَتَخْفِيفِ كَافِهَا، وَقَارِئُو ذَلِكَ كَذَلِكَ مُخْتَلِفُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ فِي تَأْوِيلِ قِرَاءَتِهِمْ إِيَّاهُ كَذَلِكَ، وَكَانَ بَعْضُهُمْ يُوَجِّهُهُ إِلَى أَنَّ مَعْنَاهُ: فَتُصَيِّرُ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى ذَكَرًا بِاجْتِمَاعِهِمَا، بِمَعْنَى أَنَّ شَهَادَتَهَا إِذَا اجْتَمَعَتْ وَشَهَادَةُ صَاحِبَتِهَا جَازَتْ، كَمَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْوَاحِدِ مِنَ الذُّكُورِ فِي الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ شَهَادَةَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مُنْفَرِدَةً غَيْرُ جَائِزَةٍ فِيمَا جَازَتْ فِيهِ مِنَ الدُّيُونِ إِلَّا بِاجْتِمَاعِ اثْنَتَيْنِ عَلَى شَهَادَةِ وَاحِدٍ، فَتَصِيرَ شَهَادَتُهُمَا حِينَئِذٍ مَنْزِلَةَ
٥ / ٨٨
شَهَادَةِ وَاحِدٍ مِنَ الذُّكُورِ، فَكَأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فِي قَوْلِ مُتَأَوِّلِي ذَلِكَ بِهَذَا الْمَعْنَى صَيَّرَتْ صَاحِبَتَهَا مَعَهَا ذَكَرًا؛ وَذَهَبَ إِلَى قَوْلِ الْعَرَبِ: لَقَدْ أَذْكَرَتْ بِفُلَانٍ أُمُّهُ، أَيْ وَلَدَتْهُ ذَكَرًا، فَهِيَ تُذْكِرُ بِهِ، وَهِيَ امْرَأَةٌ مُذْكِرَةٌ إِذَا كَانَتْ تَلِدُ الذُّكُورَ مِنَ الْأَوْلَادِ وَهَذَا قَوْلٌ يُرْوَى عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُهُ
٥ / ٨٩
حُدِّثْتُ بِذَلِكَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدِ الْقَاسِمِ بْنِ سَلَّامٍ، أَنَّهُ قَالَ: حُدِّثْتُ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، أَنَّهُ قَالَ: «لَيْسَ تَأْوِيلُ قَوْلِهِ: ﴿فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى﴾ [البقرة: ٢٨٢] مِنَ الذِّكْرِ بَعْدَ النِّسْيَانِ إِنَّمَا هُوَ مِنَ الذِّكْرِ، بِمَعْنَى أَنَّهَا إِذَا شَهِدَتْ مَعَ الْأُخْرَى صَارَتْ شَهَادَتُهُمَا كَشَهَادَةِ الذَّكَرِ» وَكَانَ آخَرُونَ مِنْهُمْ يُوَجِّهُونَهُ إِلَى أَنَّهُ بِمَعْنَى الذِّكْرِ بَعْدَ النِّسْيَانِ وَقَرَأَ ذَلِكَ آخَرُونَ: (إِنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرُ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى) بِكَسْرِ «إِنْ» مِنْ قَوْلِهِ: (إِنْ تَضِلَّ) وَرَفْعِ «تُذَكِّرُ» وَتَشْدِيدِهِ، كَأَنَّهُ بِمَعْنَى ابْتِدَاءِ الْخَبَرِ عَمَّا تَفْعَلُ الْمَرْأَتَانِ، إِنْ نَسِيَتْ إِحْدَاهُمَا شَهَادَتَهَا تُذَكِّرُهَا الْأُخْرَى مِنْ تَثْبِيتِ الذَّاكِرَةِ النَّاسِيَةِ وَتَذْكِيرِهَا ذَلِكَ، وَانْقِطَاعِ ذَلِكَ عَمَّا قَبْلَهُ. وَمَعْنَى الْكَلَامِ عِنْدَ قَارِئِ ذَلِكَ كَذَلِكَ: وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ،
٥ / ٨٩
فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ، فَإِنَّ إِحْدَاهُمَا إِنْ ضَلَّتْ ذَكَّرَتْهَا الْأُخْرَى؛ عَلَى اسْتِئْنَافِ الْخَبَرِ عَنْ فِعْلِهَا إِنْ نَسِيَتْ إِحْدَاهُمَا شَهَادَتَهَا مِنْ تَذْكِيرِ الْأُخْرَى مِنْهُمَا صَاحِبَتَهَا النَّاسِيَةِ، وَهَذِهِ قِرَاءَةٌ كَانَ الْأَعْمَشُ يَقْرَؤُهَا وَمَنْ أَخَذَهَا عَنْهُ، وَإِنَّمَا نَصَبَ الْأَعْمَشُ ﴿تَضِلَّ﴾ [البقرة: ٢٨٢] لِأَنَّهَا فِي مَحَلِّ جَزْمٍ بِحَرْفِ الْجَزَاءِ، وَهُوَ «إِنْ» وَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ عَلَى قِرَاءَتِهِ: إِنْ تَضْلِلْ، فَلَمَّا أُدْغِمَتْ إِحْدَى اللَّامَيْنِ فِي الْأُخْرَى حَرَّكَهَا إِلَى أَخَفِّ الْحَرَكَاتِ وَرَفَعَ «تُذَكِّرُ» بِالْفَاءِ، لِأَنَّهُ جَوَابُ الْجَزَاءِ، وَالصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَةِ عِنْدَنَا فِي ذَلِكَ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَهُ بِفَتْحِ «أَنْ» مِنْ قَوْلِهِ: ﴿أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا﴾ [البقرة: ٢٨٢] وَبِتَشْدِيدِ الْكَافِ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى﴾ [البقرة: ٢٨٢] وَنَصْبِ الرَّاءِ مِنْهُ، بِمَعْنَى: فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَلْيَشْهَدْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ كَي إِنْ ضَلَّتْ إِحْدَاهُمَا ذَكَّرَتْهَا الْأُخْرَى، وَأَمَّا نَصْبُ «فَتُذَكِّرَ» فَبِالْعَطْفِ عَلَى «تَضِلَّ»، وَفُتِحَتْ «أَنْ» بِحُلُولِهَا مَحَلِّ «كَيْ»، وَهِيَ فِي مَوْضِعِ جَزَاءٍ، وَالْجَوَابُ بَعْدَهُ اكْتِفَاءً بِفَتْحِهَا، أَعْنِي بِفَتْحِ «أَنْ» مِنْ «كَيْ» وَنَسَقَ الثَّانِي، أَعْنِي ﴿فَتُذَكِّرَ﴾ [البقرة: ٢٨٢] عَلَى
٥ / ٩٠
﴿تَضِلَّ﴾ [البقرة: ٢٨٢]، لِيُعْلَمَ أَنَّ الَّذِيَ قَامَ مَقَامَ مَا كَانَ يَعْمَلُ فِيهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ قَدْ دَلَّ عَلَيْهِ وَأَدَّى عَنْ مَعْنَاهُ وَعَمَلِهِ، أَيْ عَنْ «كَيْ»، وَإِنَّمَا اخْتَرْنَا ذَلِكَ فِي الْقِرَاءَةِ لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنْ قُدَمَاءِ الْقُرَّاءِ وَالْمُتَأَخِّرِينَ عَلَى ذَلِكَ، وَانْفِرَادُ الْأَعْمَشِ وَمَنْ قَرَأَ قِرَاءَتَهُ فِي ذَلِكَ بِمَا انْفَرَدَ بِهِ عَنْهُمْ، وَلَا يَجُوزُ تَرْكُ قِرَاءَةٍ جَاءَ بِهَا الْمُسْلِمُونَ مُسْتَفِيضَةٍ بَيْنَهُمْ إِلَى غَيْرِهَا، وَأَمَّا اخْتِيَارُنَا ﴿فَتُذَكِّرَ﴾ [البقرة: ٢٨٢] بِتَشْدِيدِ الْكَافِ، فَإِنَّهُ بِمَعْنَى تَأْدِيَةِ الذِّكْرِ مِنْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى وَتَعْرِيفِهَا بِإِنْهَاءِ ذَلِكَ لِتَذَّكُّرَ، فَالتَّشْدِيدُ بِهِ أَوْلَى مِنَ التَّخْفِيفِ. وَأَمَّا مَا حُكِيَ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ مِنَ التَّأْوِيلِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، فَتَأْوِيلٌ خَطَأٌ لَا مَعْنًى لَهُ لِوُجُوهٍ شَتَّى: أَحَدُهَا: أَنَّهُ خِلَافٌ لِقَوْلِ جَمِيعِ أَهْلِ التَّأْوِيلِ، وَالثَّانِي: أَنَّهُ مَعْلُومٌ بِأَنَّ ضَلَالَ إِحْدَى الْمَرْأَتَيْنِ فِي الشَّهَادَةِ الَّتِي شَهِدَتْ عَلَيْهَا إِنَّمَا هُوَ خَطْوُهَاعَنْهَا بِنِسْيَانِهَا إِيَّاهَا كَضَلَالِ الرَّجُلِ فِي دَيْنِهِ إِذَا تَحَيَّرَ فِيهِ فَعَدَلَ عَنِ الْحَقِّ، وَإِذَا صَارَتْ إِحْدَاهُمَا بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ تُصَيِّرَ الْأُخْرَى ذَكَرًا مَعَهَا مَعَ نِسْيَانِهَا شَهَادَتَهَا وَضَلَالِهَا فِيهَا؟ فَالضَّالَّةُ مِنْهُمَا فِي شَهَادَتِهَا حِينَئِذٍ لَا شَكَّ أَنَّهَا إِلَى التَّذْكِيرِ أَحْوَجُ مِنْهَا إِلَى الْإِذْكَارِ، إِلَّا إِنْ أَرَادَ أَنَّ الذَّاكِرَةَ إِذَا ضَعُفَتْ صَاحِبَتُهَا عَنْ ذِكْرِ شَهَادَتِهَا سَتُجَرِّئُهَا عَلَى ذِكْرِ مَا ضَعُفَتْ عَنْ ذِكْرِهِ فَنَسِيَتْهُ،
٥ / ٩١
فَقَوَّتْهَا بِالذِّكْرِ حَتَّى صَيَّرَتْهَا كَالرَّجُلِ فِي قُوَّتِهَا فِي ذِكْرِ مَا ضَعُفَتْ عَنْ ذِكْرِهِ مِنْ ذَلِكَ، كَمَا يُقَالُ لِلشَّيْءِ الْقَوِيِّ فِي عَمَلِهِ: ذَكَرٌ، وَكَمَا يُقَالُ لِلسَّيْفِ الْمَاضِي فِي ضَرْبِهِ: سَيْفٌ ذَكَرٌ، وَرَجُلٌ ذَكَرٌ، يُرَادُ بِهِ: مَاضٍ فِي عَمَلِهِ، قَوِيُّ الْبَطْشِ، صَحِيحُ الْعَزْمِ، فَإِنْ كَانَ ابْنُ عُيَيْنَةَ هَذَا أَرَادَ، فَهُوَ مَذْهَبٌ مِنْ مَذَاهِبِ تَأْوِيلِ ذَلِكَ؟ إِلَّا أَنَّهُ إِذَا تَأَوَّلَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، صَارَ تَأْوِيلُهُ إِلَى نَحْوِ تَأْوِيلِنَا الَّذِي تَأَوَّلْنَاهُ فِيهِ، وَإِنْ خَالَفَتِ الْقِرَاءَةُ بِذَلِكَ الْمَعْنَى الْقِرَاءَةَ الَّتِي اخْتَرِنَاهَا بِأَنْ تُغَيَّرَ الْقِرَاءَةُ حِينَئِذٍ الصَّحِيحَةُ بِالَّذِي اخْتَارَ قِرَاءَتَهُ مِنْ تَخْفِيفِ الْكَافِ مِنْ قَوْلِهِ: فَتُذَكِّرَ، وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا تَأَوَّلَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَيُسْتَحَبُّ قِرَاءَتُهُ كَذَلِكَ بِذَلِكَ الْمَعْنَى، فَالصَّوَابُ فِي قَوْلِهِ إِذْ كَانَ الْأَمْرُ عَامًا عَلَى مَا وَصَفْنَا مَا اخْتَرْنَا. ذِكْرُ مَنْ تَأَوَّلَ قَوْلَهُ: ﴿أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى﴾ [البقرة: ٢٨٢] نَحْوَ تَأْوِيلِنَا الَّذِي قُلْنَا فِيهِ
٥ / ٩٢
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى﴾ [البقرة: ٢٨٢] «عَلِمَ اللَّهُ أَنْ سَتَكُونُ حُقُوقٌ، فَأَخَذَ لِبَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ الثِّقَةَ، فَخُذُوا بِثِقَةِ اللَّهِ، فَإِنَّهُ أَطْوَعُ لِرَبِّكُمْ، ⦗٩٣⦘ وَأَدْرَكَ لِأَمْوَالِكُمْ، وَلَعَمْرِي لَئِنْ كَانَ تَقِيًّا لَا يَزِيدُهُ الْكِتَابُ إِلَّا خَيْرًا، وَإِنْ كَانَ فَاجِرًا فَبِالْحَرِيِّ أَنْ يُؤَدِّيَ إِذَا عَلِمَ أَنَّ عَلَيْهِ شُهُودًا»
٥ / ٩٢
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ: ﴿أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى﴾ [البقرة: ٢٨٢] يَقُولُ: «أَنْ تَنْسَى إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَهَا الْأُخْرَى»
٥ / ٩٣
حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، «﴿أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا﴾ [البقرة: ٢٨٢] يَقُولُ: تَنْسَى إِحْدَاهُمَا الشَّهَادَةَ فَتُذَكِّرُهَا الْأُخْرَى»
٥ / ٩٣
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا أَبُو زُهَيْرٍ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ: ﴿أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا﴾ [البقرة: ٢٨٢] يَقُولُ: «إِنْ تنسَ إِحْدَاهُمَا تُذَكِّرْهَا الْأُخْرَى»
٥ / ٩٣
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى﴾ [البقرة: ٢٨٢] قَالَ: «كِلَاهُمَا لُغَةٌ وَهُمَا سَوَاءٌ، وَنَحْنُ نَقْرَأُ: ﴿فَتُذَكِّرَ﴾ [البقرة: ٢٨٢]»
٥ / ٩٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا﴾ [البقرة: ٢٨٢] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْحَالِ الَّتِي نَهَى اللَّهُ الشُّهَدَاءَ عَنْ إِبَاءِ الْإِجَابَةِ إِذَا دُعُوا ⦗٩٤⦘ بِهَذِهِ الْآيَةِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: لَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ أَنْ يُجِيبُوا إِذَا دُعُوا لِيَشْهَدُوا عَلَى الْكِتَابِ وَالْحُقُوقِ
٥ / ٩٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ تَعَالَى: «﴿وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا﴾ [البقرة: ٢٨٢] كَانَ الرَّجُلُ يَطُوفُ فِي الْحِوَاءِ الْعَظِيمِ فِيهِ الْقَوْمُ، فَيَدْعُوهُمْ إِلَى الشَّهَادَةِ فَلَا يَتْبَعُهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ» قَالَ: وَكَانَ قَتَادَةُ يَتَأَوَّلُ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا﴾ [البقرة: ٢٨٢] لِيَشْهَدُوا لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ
٥ / ٩٤
حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا﴾ [البقرة: ٢٨٢] قَالَ: «كَانَ الرَّجُلُ يَطُوفُ فِي الْقَوْمِ الْكَثِيرِ يَدْعُوهُمْ لِيَشْهَدُوا، فَلَا يَتْبَعُهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل: ﴿وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا﴾ [البقرة: ٢٨٢]»
٥ / ٩٤
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا﴾ [البقرة: ٢٨٢] قَالَ: «لَا تَأْبَ أَنْ تَشْهَدَ إِذَا مَا دُعِيتَ إِلَى شَهَادَةٍ» وَقَالَ آخَرُونَ بِمِثْلِ مَعْنَى هَؤُلَاءِ، إِلَّا أَنَّهُمْ قَالُوا: يَجِبُ فَرْضُ ذَلِكَ عَلَى مَنْ دُعِيَ لِلْإِشْهَادِ عَلَى الْحُقُوقِ إِذَا لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُ، فَأَمَّا إِذَا وُجِدَ غَيْرُهُ فَهُوَ فِي الْإِجَابَةِ إِلَى ⦗٩٥⦘ ذَلِكَ مُخَيَّرٌ إِنْ شَاءَ أَجَابَ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يُجِبْ
٥ / ٩٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: ﴿لَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا﴾ [البقرة: ٢٨٢] قَالَ: «إِنْ شَاءَ شَهِدَ، وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَشْهَدْ، فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُ شَهِدَ» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا لِلشَّهَادَةِ عَلَى مَنْ أَرَادَ الدَّاعِي إِشْهَادَهُ عَلَيْهِ، وَالْقِيَامَ بِمَا عِنْدَهُ مِنَ الشَّهَادَةِ مِنَ الْإِجَابَةِ
٥ / ٩٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا أَبُو عَامِرٍ، عَنِ الْحَسَنِ: ﴿وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا﴾ [البقرة: ٢٨٢] قَالَ: قَالَ الْحَسَنُ: «الْإِقَامَةُ وَالشَّهَادَةُ»
٥ / ٩٥
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا﴾ [البقرة: ٢٨٢] قَالَ: كَانَ الْحَسَنُ يَقُولُ: «جَمَعَتْ أَمْرَيْنِ لَا تَأْبَ إِذَا كَانَتْ عِنْدَكَ شَهَادَةٌ أَنْ تَشْهَدَ، وَلَا تَأْبَ إِذَا دُعِيتَ إِلَى شَهَادَةٍ»
٥ / ٩٥
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا﴾ [البقرة: ٢٨٢] «يَعْنِي مَنِ احْتِيجَ إِلَيْهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ شَهِدَ عَلَى شَهَادَةٍ إِنْ كَانَتْ عِنْدَهُ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ ⦗٩٦⦘ يَأْبَى إِذَا مَا دُعِيَ»
٥ / ٩٥
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ: ﴿وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا﴾ [البقرة: ٢٨٢] قَالَ: «لِإِقَامَتِهَا، وَلَا يَبْذَأْ بِهَا إِذَا دَعَاهُ لِيُشْهِدَهُ، وَإِذَا دَعَاهُ لِيُقِيمَهَا» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا لِلْقِيَامِ بِالشَّهَادَةِ الَّتِي عِنْدَهُمْ لِلدَّاعِي مِنْ إِجَابَتِهِ إِلَى الْقِيَامِ بِهَا
٥ / ٩٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا﴾ [البقرة: ٢٨٢] قَالَ: «إِذَا شَهِدَ»
٥ / ٩٦
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا﴾ [البقرة: ٢٨٢] قَالَ: «إِذَا كَانُوا قَدْ شَهِدُوا قَبْلَ ذَلِكَ»
٥ / ٩٦
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ﴿وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا﴾ [البقرة: ٢٨٢] يَقُولُ: «إِذَا كَانُوا قَدْ أُشْهِدُوا»
٥ / ٩٦
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا﴾ [البقرة: ٢٨٢] قَالَ: «إِذَا كَانَتْ عِنْدَكَ شَهَادَةٌ فَدُعِيتَ»
٥ / ٩٧
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ: ثنا لَيْثٌ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا﴾ [البقرة: ٢٨٢] قَالَ: «إِذَا كَانَتْ شَهَادَةٌ فَأَقِمْهَا، فَإِذَا دُعِيتَ لِتَشْهَدَ، فَإِنْ شِئْتَ فَاذْهَبْ، وَإِنْ شِئْتَ فَلَا تَذْهَبْ»
٥ / ٩٧
حَدَّثَنَا سِوَارُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الصَّبَّاحِ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُدَيْرٍ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي مِجْلَزٍ: نَاسٌ يَدْعُونَنِي لَأَشْهَدَ بَيْنَهُمْ، وَأَنَا أَكْرَهُ أَنْ أَشْهَدَ بَيْنَهُمْ؟ قَالَ: «دَعْ مَا تَكْرَهُ، فَإِذَا شَهِدْتَ فَأَجِبْ إِذَا دُعِيتَ»
٥ / ٩٧
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ عَامِرٍ، قَالَ: «الشَّاهِدُ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَشْهَدْ»
٥ / ٩٧
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، عَنْ يُونُسَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا﴾ [البقرة: ٢٨٢] قَالَ: «لِإِقَامَةِ الشَّهَادَةِ»
٥ / ٩٧
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ أَبِي ⦗٩٨⦘ عَامِرٍ، عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: «فِي إِقَامَةِ الشَّهَادَةِ» حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: ثنا أَبُو عَامِرٍ الْمُزَنِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ عَطَاءً، يَقُولُ: «ذَلِكَ فِي إِقَامَةِ الشَّهَادَةِ»، يَعْنِي قَوْلَهُ: ﴿وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا﴾ [البقرة: ٢٨٢] “
٥ / ٩٧
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو حُرَّةَ، أَخْبَرَنَا عَنِ الْحَسَنِ: أَنَّهُ سَأَلَهُ سَائِلٌ قَالَ: أُدْعَى إِلَى الشَّهَادَةِ وَأَنَا أَكْرَهُ أَنْ أَشْهَدَ عَلَيْهَا، قَالَ: «فَلَا تَجِبْ إِنْ شِئْتَ»
٥ / ٩٨
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، قَالَ: سَأَلْتُ إِبْرَاهِيمَ قُلْتُ: أُدْعَى إِلَى الشَّهَادَةِ وَأَنَا أَخَافُ أَنْ أَنْسَى، قَالَ: «فَلَا تَشْهَدْ إِنْ شِئْتَ»
٥ / ٩٨
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا أَبُو عَامِرٍ، عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: «لِلْإِقَامَةِ»
٥ / ٩٨
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ سَالِمٍ الْأَفْطَسِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: ﴿وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا﴾ [البقرة: ٢٨٢] قَالَ: «إِذَا كَانُوا قَدْ شَهِدُوا»
٥ / ٩٨
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ سَعِيدٍ: ﴿وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا﴾ [البقرة: ٢٨٢] قَالَ: «هُوَ الَّذِي عِنْدَهُ ⦗٩٩⦘ الشَّهَادَةُ»
٥ / ٩٨
حَدَّثَنِي مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَوْلُهُ: ﴿وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا﴾ [البقرة: ٢٨٢] يَقُولُ: «لَا يَأْبَ الشَّاهِدُ أَنْ يَتَقَدَّمَ فَيَشْهَدَ إِذَا كَانَ فَارِغًا»
٥ / ٩٩
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ: ﴿وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا﴾ [البقرة: ٢٨٢] قَالَ: «هُمُ الَّذِينَ قَدْ شَهِدُوا» قَالَ: “وَلَا يَضُرُّ إِنْسَانًا أَنْ يَأْبَى أَنْ يَشْهَدَ إِنْ شَاءَ. قُلْتُ لِعَطَاءٍ: مَا شَأْنُهُ إِذَا دُعِيَ أَنْ يَكْتُبَ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَأْبَى، وَإِذَا دُعِيَ أَنْ يَشْهَدَ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ أَنْ يَشْهَدَ إِنْ شَاءَ؟ قَالَ: «كَذَلِكَ يَجِبُ عَلَى الْكَاتِبِ أَنْ يَكْتُبَ، وَلَا يَجِبُ عَلَى الشَّاهِدِ أَنْ يَشْهَدَ إِنْ شَاءَ؛ الشُّهَدَاءُ كَثِيرٌ»
٥ / ٩٩
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا﴾ [البقرة: ٢٨٢] قَالَ: «إِذَا شَهِدَ فَلَا يَأْبَ إِذَا دُعِيَ أَنْ يَأْتِيَ يُؤَدِّي شَهَادَةً وَيُقِيمُهَا»
٥ / ٩٩
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ﴾ [البقرة: ٢٨٢] قَالَ: «كَانَ الْحَسَنُ يَتَأَوَّلُهَا إِذَا كَانَتْ عِنْدَهُ شَهَادَةٌ فَدُعِيَ لِيُقِيمَهَا»
٥ / ٩٩
حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا جُوَيْبِرٌ، عَنِ الضَّحَّاكِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا﴾ [البقرة: ٢٨٢] قَالَ: «إِذَا كَتَبَ الرَّجُلُ شَهَادَتَهُ، ⦗١٠٠⦘ أَوْ أَشْهَدَ لِرَجُلٍ فَشَهِدَ، وَالْكَاتِبُ الَّذِي يَكْتُبُ الْكِتَابَ؛ دُعُوا إِلَى مَقْطَعِ الْحَقِّ، فَعَلَيْهِمْ أَنْ يُجِيبُوا، وَأَنْ يَشْهَدُوا بِمَا أُشْهِدُوا عَلَيْهِ» وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ أَمْرٌ مِنَ اللَّهِ عز وجل الرَّجُلَ وَالْمَرْأَةَ بِالْإِجَابَةِ إِذَا دُعِيَ لِيَشْهَدَ عَلَى مَا لَمْ يَشْهَدْ عَلَيْهِ مِنَ الْحُقُوقِ ابْتِدَاءً لَا إِقَامَةَ الشَّهَادَةِ، وَلَكِنَّهُ أَمْرُ نَدْبٍ لَا فَرْضٍ
٥ / ٩٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي أَبُو الْعَالِيَةِ الْعَبْدِيُّ إِسْمَاعِيلُ بْنُ الْهَيْثَمِ، قَالَ: ثنا أَبُو قُتَيْبَةَ، عَنْ فُضَيْلِ بْنِ مَرْزُوقٍ، عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا﴾ [البقرة: ٢٨٢] قَالَ: «أُمِرْتَ أَنْ تَشْهَدَ، فَإِنْ شِئْتَ فَاشْهَدْ، وَإِنْ شِئْتَ فَلَا تَشْهَدْ» حَدَّثَنِي أَبُو الْعَالِيَةِ، قَالَ: ثنا أَبُو قُتَيْبَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ ثَابِتٍ الْعَصَرِيِّ، عَنْ عَطَاءٍ، بِمِثْلِهِ وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ مِنَ الْإِجَابَةِ إِذَا دُعُوا لِإِقَامَةِ الشَّهَادَةِ وَأَدَائِهَا عِنْدَ ذِي سُلْطَانٍ أَوْ حَاكِمٍ يَأْخُذُ مِنَ الَّذِي عَلَيْهِ مَا عَلَيْهِ لِلَّذِي هُوَ لَهُ. وَإِنَّمَا قُلْنَا هَذَا الْقَوْلَ بِالصَّوَابِ أَوْلَى فِي ذَلِكَ مِنْ سَائِرِ الْأَقْوَالِ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل قَالَ: ﴿وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا﴾ [البقرة: ٢٨٢] فَإِنَّمَا أَمَرَهُمْ بِالْإِجَابَةِ لِلدُّعَاءِ
٥ / ١٠٠
لِلشَّهَادَةِ وَقَدْ أَلْزَمُهُمُ اسْمَ الشُّهَدَاءِ، وَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَلْزَمَهُمُ اسْمُ الشُّهَدَاءِ إِلَّا وَقَدِ اسْتُشْهِدُوا قَبْلَ ذَلِكَ، فَشَهِدُوا عَلَى مَا أَلْزَمَهُمْ شَهَادَتَهُمْ عَلَيْهِ اسْمُ الشُّهَدَاءِ، فَأَمَّا قَبْلَ أَنْ يُسْتَشْهَدُوا عَلَى شَيْءٍ فَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يُقَالَ لَهُمْ شُهَدَاءُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الِاسْمَ لَوْ كَانَ يَلْزَمُهُمْ وَلَمَّا يُسْتَشْهَدُوا عَلَى شَيْءٍ يَسْتَوْجُبَونَ بِشَهَادَتِهُمْ عَلَيْهِ هَذَا الِاسْمَ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْأَرْضِ أَحَدٌ لَهُ عَقْلٌ صَحِيحٌ إِلَّا وَهُوَ مُسْتَحِقٌّ أَنْ يُقَالَ لَهُ شَاهِدٌ، بِمَعْنَى أَنَّهُ سَيَشْهَدُ، أَوْ أَنَّهُ يَصْلُحُ لِأَنْ يَشْهَدَ وَإِنْ كَانَ خَطَأً أَنْ يُسَمَّى بِذَلِكَ الِاسْمِ إِلَّا مَنْ عِنْدَهُ شَهَادَةٌ لِغَيْرِهِ، أَوْ مَنْ قَدْ قَامَ بِشَهَادَتِهِ، فَلَزِمَهُ لِذَلِكَ هَذَا الِاسْمُ؛ كَانَ مَعْلُومًا أَنَّ الْمَعْنِيَّ بِقَوْلِهِ: ﴿وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا﴾ [البقرة: ٢٨٢] مَنْ وَصَفْنَا صِفَتَهُ مِمَّنْ قَدِ اسْتُرْعِيَ شَهَادَةً أَوْ شَهِدَ، فَدُعِيَ إِلَى الْقِيَامِ بِهَا؛ لِأَنَّ الَّذِي لَمْ يُسْتَشْهَدْ وَلَمْ يُسْتَرْعَ شَهَادَةً قَبْلَ الْإِشْهَادِ غَيْرُ مُسْتَحِقٍّ اسْمَ شَهِيدٍ وَلَا شَاهِدٍ، لِمَا قَدْ وَصَفْنَا قَبْلُ مَعَ أَنَّ فِيَ دُخُولِ الْأَلِفِ وَاللَّامِ فِي «الشُّهَدَاءِ» دَلَالَةً وَاضِحَةً عَلَى أَنَّ الْمُسَمَّى بِالنَّهْيِ عَنْ تَرْكِ الْإِجَابَةِ لِلشَّهَادَةِ أَشْخَاصٌ مَعْلُومُونَ قَدْ عُرِفُوا بِالشَّهَادَةِ، وَأَنَّهُمُ الَّذِينَ أَمَرَ اللَّهُ عز وجل أَهْلَ الْحُقُوقِ بِاسْتِشْهَادِهِمْ بِقَوْلِهِ: ﴿وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ﴾ [البقرة: ٢٨٢] وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، كَانَ مَعْلُومًا أَنَّهُمْ إِنَّمَا أُمِرُوا بِإِجَابَةِ دَاعِيهِمْ لِإِقَامَةِ شَهَادَتِهِمْ بَعْدَ مَا اسْتُشْهِدُوا فَشَهِدُوا؛ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ أَمْرًا لِمَنْ أَعْرَضَ مِنَ النَّاسِ فَدُعِيَ إِلَى الشَّهَادَةِ يَشْهَدُ عَلَيْهَا لَقِيلَ: وَلَا يَأْبَ شَاهِدٌ إِذَا مَا دُعِيَ،
٥ / ١٠١
غَيْرَ أَنَّ الْأَمْرَ وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ الَّذِي نَقُولُ بِهِ فِي الَّذِي يُدْعَى لِشَهَادَةٍ لِيَشْهَدَ عَلَيْهَا إِذَا كَانَ بِمَوْضِعٍ لَيْسَ بِهِ سِوَاهُ مِمَّنْ يَصْلُحُ لِلشَّهَادَةِ، فَإِنَّ الْفَرْضَ عَلَيْهِ إِجَابَةُ دَاعِيهِ إِلَيْهَا كَمَا فُرِضَ عَلَى الْكَاتِبِ إِذَا اسْتُكْتِبَ بِمَوْضِعٍ لَا كَاتِبَ بِهِ سِوَاهُ، فَفُرِضَ عَلَيْهِ أَنْ يَكْتُبَ، كَمَا فُرِضَ عَلَى مَنْ كَانَ بِمَوْضِعٍ لَا أَحَدَ بِهِ سِوَاهُ يَعْرِفُ الْإِيمَانَ وَشَرَائِعَ الْإِسْلَامِ، فَحَضَرَهُ جَاهِلٌ بِالْإِيمَانِ وَبِفَرَائِضِ اللَّهِ فَسَأَلَهُ تَعْلِيمَهُ وَبَيَانَ ذَلِكَ لَهُ أَنْ يُعَلِّمَهُ وَيُبَيِّنَهُ لَهُ، وَلَمْ نُوجِبْ مَا أَوْجَبْنَا عَلَى الرَّجُلِ مِنَ الْإِجَابَةِ لِلشَّهَادَةِ إِذَا دُعِيَ ابْتِدَاءً لِيَشْهَدَ عَلَى مَا أُشْهِدَ عَلَيْهِ بِهَذِهِ الْآيَةِ، وَلَكِنْ بِأَدِلَّةٍ سِوَاهَا، وَهِيَ مَا ذَكَرْنَا، وَقَدْ فَرَضْنَا عَلَى الرَّجُلِ إِحْيَاءَ مَا قَدَرَ عَلَى إِحْيَائِهِ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ، وَالشُّهَدَاءُ جَمْعُ شَهِيدٍ
٥ / ١٠٢