مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فِي حَالِ وَقْفٍ أَوْ وَصْلٍ لِإِثْبَاتِهِ وَجْهٌ مَعْرُوفٌ فِي كَلَامِهَا، فَإِنِ اعْتَلَّ مُعْتَلٌّ بِأَنَّ الْمُصْحَفَ قَدْ أُلْحِقَتْ فِيهِ حُرُوفٌ هُنَّ زَوَائدُ عَلَى نِيَّةِ الْوَقْفِ، وَالْوَجْهُ فِي الْأَصْلِ عِنْدَ الْقِرَاءَةِ حَذْفُهُنَّ، وَذَلِكَ كَقَوْلِهِ: ﴿فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ﴾ [الأنعام: ٩٠] وَقَوْلِهِ: ﴿يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ﴾ [الحاقة: ٢٥] فَإِنَّ ذَلِكَ هُوَ مِمَّا لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَكٌّ أَنَّهُ مِنَ الزَّوَائِدِ، وَأَنَّهُ أُلْحِقَ عَلَى نِيَّةِ الْوَقْفِ، فَأَمَّا مَا كَانَ مُحْتَمِلًا أَنْ يَكُونَ أَصْلًا لِلْحَرْفِ غَيْرَ زَائِدٍ فَغَيْرُ جَائِزٍ، وَهُوَ فِي مُصْحَفِ الْمُسْلِمِينَ مُثْبُتٌ، صَرَفَهُ إِلَى أَنَّهُ مِنَ الزَّوَائِدِ وَالصِّلَاتِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ زَائِدًا فِيمَا لَا شَكَّ أَنَّهُ مِنَ الزَّوَائِدِ، فَإِنَّ الْعَرَبَ قَدْ تَصِلُ الْكَلَامَ بِزَائِدٍ، فَتَنْطِقُ بِهِ عَلَى نَحْوِ مَنْطِقِهَا بِهِ فِي حَالِ الْقَطْعِ، فَيَكُونُ وَصْلُهَا إِيَّاهُ وَقَطْعُهَا سَوَاءً، وَذَلِكَ مِنْ فِعْلِهَا دَلَالَةٌ عَلَى صِحَّةِ قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ جَمِيعَ ذَلِكَ بِإِثْبَاتِ الْهَاءِ فِي الْوَصْلِ وَالْوَقْفِ، غَيْرَ أَنَّ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَلِقَوْلِهِ: ﴿لَمْ يَتَسَنَّهْ﴾ [البقرة: ٢٥٩] حُكْمٌ مَفَارِقٌ حُكْمَ مَا كَانَ هَاؤُهُ زَائِدًا لَا شَكَّ فِي زِيَادَتِهِ فِيهِ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ مَا قُلْنَا، مِنْ أَنَّ الْهَاءَ فِي ﴿يَتَسَنَّهْ﴾ [البقرة: ٢٥٩] مِنْ لُغَةِ مَنْ قَالَ: قَدْ أَسْنَهْتُ، وَالْمُسَانَهَةُ
٤ / ٦٠١
مَا: حُدِّثْتُ بِهِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ سَلَامٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ أَبِي الْجَرَّاحِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ عُمَيْرٍ، قَالَ: ثني هَانِئٌ مَوْلَى عُثْمَانَ، قَالَ: كُنْتُ الرَّسُولَ بَيْنَ عُثْمَانَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، فَقَالَ زَيْدٌ: سَلْهُ عَنْ قَوْلِهِ: لَمْ يَتَسَنْ، أَوْ ⦗٦٠٢⦘ لَمْ يَتَسَنَّهْ؟ فَقَالَ عُثْمَانُ: «اجْعَلُوا فِيهَا هَاءً»
٤ / ٦٠١
حُدِّثْتُ عَنِ الْقَاسِمِ، وَحَدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَطَّارُ، عَنِ الْقَاسِمِ، وَحَدَّثنا أَحْمَدُ، وَالْعَطَّارُ، جَمِيعًا، عَنِ الْقَاسِمِ، قَالَ: ثنا ابْنُ مَهْدِيٍّ، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، قَالَ: ثني أَبُو وَائِلٍ شَيْخٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ، عَنْ هَانِئٍ الْبَرْبَرِيِّ، قَالَ: «كُنْتُ عِنْدَ عُثْمَانَ وَهُمْ يَعْرِضُونَ الْمَصَاحِفَ، فَأَرْسَلَنِي بِكَتِفِ شَاةٍ إِلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فِيهَا: لَمْ يَتَسَنْ وَفَأَمْهِلِ الْكَافِرِينَ، وَلَا تَبْدِيلَ لِلْخَلْقِ، قَالَ: فَدَعَا بِالدَّوَاةِ، فَمَحَا إِحْدَى اللَّامَيْنِ وَكَتَبَ: ﴿لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ﴾ [الروم: ٣٠] وَمَحَا فَأَمْهِلْ وَكَتَبَ: ﴿فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ﴾ [الطارق: ١٧] وَكَتَبَ: ﴿لَمْ يَتَسَنَّهْ﴾ [البقرة: ٢٥٩] أَلْحَقَ فِيهَا الْهَاءَ «وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ» يَتَسَنَّى «أَوْ» يَتَسَنَّنُ» لَمَا أَلْحَقَ فِيهِ أُبَيُّ هَاءً لَا مَوْضِعَ لَهَا فِيهِ، وَلَا أَمَرَ عُثْمَانُ بِإِلْحَاقِهَا فِيهَا وَقَدْ رُوِيَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فِي ذَلِكَ نَحْوُ الَّذِي رُوِيَ فِيهِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ ⦗٦٠٣⦘ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلَ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ ﴿لَمْ يَتَسَنَّهْ﴾ [البقرة: ٢٥٩] فَقَالَ بَعْضُهُمْ بِمِثْلِ الَّذِي قُلْنَا فِيهِ مِنْ أَنَّ مَعْنَاهُ لَمْ يَتَغَيَّرْ
٤ / ٦٠٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَمَّنْ لَا يُتَّهَمُ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ: ﴿لَمْ يَتَسَنَّهْ﴾ [البقرة: ٢٥٩] «لَمْ يَتَغَيَّرْ»
٤ / ٦٠٣
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿لَمْ يَتَسَنَّهْ﴾ [البقرة: ٢٥٩] «لَمْ يَتَغَيَّرْ» حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، مِثْلَهُ
٤ / ٦٠٣
حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ﴾ [البقرة: ٢٥٩] يَقُولُ: «فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ مِنَ التِّينِ وَالْعِنَبِ، وَشَرَابِكَ مِنَ الْعَصِيرِ لَمْ يَتَسَنَّهْ، يَقُولُ: لَمْ يَتَغَيَّرْ فَيَحْمَضُ التِّينُ وَالْعِنَبُ، وَلَمْ يَخْتَمِرِ الْعَصِيرُ هُمَا حُلْوَانِ كَمَا هُمَا وَذَلِكَ أَنَّهُ مَرَّ جَائِيًا مِنَ الشَّامِ عَلَى حِمَارٍ لَهُ مَعَهُ عَصِيرٌ وَعِنَبٌ وَتِينٌ، فَأَمَاتَهُ اللَّهُ، وَأَمَاتَ حِمَارَهُ، وَمَرَّ عَلَيْهِمَا مِائَةُ سَنَةٍ»
٤ / ٦٠٣
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ﴾ [البقرة: ٢٥٩] يَقُولُ: «لَمْ يَتَغَيَّرْ، وَقَدْ أَتَى عَلَيْهِ مِائَةُ عَامٍ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا أَبُو زُهَيْرٍ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، بِنَحْوِهِ
٤ / ٦٠٤
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿لَمْ يَتَسَنَّهْ﴾ [البقرة: ٢٥٩] «لَمْ يَتَغَيَّرْ»
٤ / ٦٠٤
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنِ النَّضْرِ، عَنْ عِكْرِمَةَ: ﴿لَمْ يَتَسَنَّهْ﴾ [البقرة: ٢٥٩] «لَمْ يَتَغَيَّرْ»
٤ / ٦٠٤
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: ﴿لَمْ يَتَسَنَّهْ﴾ [البقرة: ٢٥٩] «لَمْ يَتَغَيَّرْ فِي مِائَةِ سَنَةٍ»
٤ / ٦٠٤
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي بَكْرُ بْنُ مُضَرَ، قَالَ: «يَزْعُمُونَ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ أَنَّ إِرْمَيَا كَانَ بِإِيلِيَّا حِينَ خَرَّبَهَا بُخْتَنَصَّرُ، فَخَرَجَ مِنْهَا إِلَى مِصْرَ فَكَانَ بِهَا، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَنِ اخْرُجْ مِنْهَا إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَأَتَاهَا فَإِذَا هِيَ خَرِبَةٌ، فَنَظَرَ إِلَيْهَا فَقَالَ: ﴿أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ﴾، فَإِذَا ⦗٦٠٥⦘ حِمَارُهُ حَيُّ قَائِمٌ عَلَى رِبَاطِهِ، وَإِذَا طَعَامُهُ سَلُّ عِنَبٍ وَسَلُّ تِينٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ عَنْ حَالِهِ» قَالَ يُونُسُ: قَالَ لَنَا سَلْمٌ الْخَوَّاصُ: كَانَ طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ سَلَّ عِنَبٍ وَسَلَّ تِينٍ وَزِقَّ عَصِيرٍ وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: لَمْ يُنْتِنْ
٤ / ٦٠٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿لَمْ يَتَسَنَّهْ﴾ [البقرة: ٢٥٩] «لَمْ يُنْتِنْ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
٤ / ٦٠٥
حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ مُجَاهِدٌ: قَوْلُهُ: ﴿إِلَى طَعَامِكَ﴾ [البقرة: ٢٥٩] قَالَ: «سَلُّ تِينٍ»، ﴿وَشَرَابِكَ﴾ [البقرة: ٢٥٩] «دَنُّ خَمْرٍ»، ﴿لَمْ يَتَسَنَّهْ﴾ [البقرة: ٢٥٩] يَقُولُ: «لَمْ يُنْتِنْ»
٤ / ٦٠٥
وَأَحْسَبُ أَنَّ مُجَاهِدًا وَالرَّبِيعَ وَمَنْ قَالَ فِي ذَلِكَ بِقَوْلِهِمَا رَأَوْا أَنَّ قَوْلَهُ: ﴿لَمْ يَتَسَنَّهْ﴾ [البقرة: ٢٥٩] مِنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿مِنْ حَمَإِ مَسْنُونٍ﴾ [الحجر: ٢٦] بِمَعْنَى الْمُتَغَيِّرِ الرِّيحِ بِالنَّتْنِ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: تَسَنَّنَ، وَقَدْ بَيَّنْتُ الدَّلَالَةَ فِيمَا مَضَى عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ كَذَلِكَ. فَإِنْ ظَنَّ ظَانٌّ أَنَّهُ مِنَ الْآسِنِ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: أَسِنَ هَذَا الْمَاءُ يَأْسَنُ أَسَنًا، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ﴾ [محمد: ١٥] فَإِنَّهُ ذَلِكَ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ الْكَلَامُ: فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَأَسَّنْ، وَلَمْ يَكُنْ يَتَسَنَّهْ، فَإِنَّهُ مِنْهُ، غَيْرَ أَنَّهُ تَرَكَ هَمْزَهُ، قِيلَ: فَإِنَّهُ وَإِنْ تَرَكَ هَمْزَهُ فَغَيْرُ جَائِزٍ تَشْدِيدُ نُونِهِ؛ لِأَنَّ النُّونَ غَيْرُ مُشَدَّدَةٍ، وَهِيَ فِي يَتَسَنَّهْ مُشَدَّدَةٌ، وَلَوْ نُطِقَ مِنْ يَتَأَسَّنُ بِتَرْكِ الْهَمْزَةِ لَقِيلَ يَتَسَنْ بِتَخْفِيفِ نُونِهِ بِغَيْرِ هَاءٍ تَلْحَقُ فِيهِ، فَفِي ذَلِكَ بَيَانٌ وَاضِحٌ أَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْأَسَنِ
٤ / ٦٠٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ﴾ [البقرة: ٢٥٩] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: ﴿وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ﴾ [البقرة: ٢٥٩] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَانْظُرْ إِلَى إِحْيَائِي حِمَارَكَ، وَإِلَى عِظَامِهِ كَيْفَ أُنْشِزُهَا ثُمَّ أَكْسُوهَا لَحْمًا ثُمَّ اخْتَلَفَ مُتَأَوِّلُو ذَلِكَ فِي هَذَا التَّأْوِيلِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ ذَلِكَ لَهُ ⦗٦٠٧⦘ بَعْدَ أَنْ أَحْيَاهُ خَلْقًا سَوِيًّا، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُحْيِيَ حِمَارَهُ؛ تَعْرِيفًا مِنْهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لَهُ كَيْفِيَّةَ إِحْيَائِهِ الْقَرْيَةَ الَّتِي رَآهَا خَاوِيَةً عَلَى عُرُوشِهَا، فَقَالَ: ﴿أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا﴾ [البقرة: ٢٥٩] مُسْتَنْكِرًا إِحْيَاءَ اللَّهِ إِيَّاهَا
٤ / ٦٠٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَمَّنْ لَا يُتَّهَمُ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: «بَعَثَهُ اللَّهُ فَقَالَ»: ﴿كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ﴾ [البقرة: ٢٥٩] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا﴾ [البقرة: ٢٥٩] قَالَ: «فَنَظَرَ إِلَى حِمَارِهِ يَتَّصِلُ بَعْضٌ إِلَى بَعْضٍ، وَقَدْ كَانَ مَاتَ مَعَهُ بِالْعُرُوقِ وَالْعَصَبِ، ثُمَّ كَسَا ذَلِكَ مِنْهُ اللَّحْمَ حَتَّى اسْتَوَى ثُمَّ جَرَى فِيهِ الرُّوحُ، فَقَامَ يَنْهَقُ، وَنَظَرَ إِلَى عَصِيرِهِ وَتِينِهِ، فَإِذَا هُوَ عَلَى هَيْئَتِهِ حِينَ وَضَعَهُ لَمْ يَتَغَيَّرْ، فَلَمَّا عَايَنَ مِنْ قُدْرَةِ اللَّهِ مَا عَايَنَ»، قَالَ: ﴿أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [البقرة: ٢٥٩]
٤ / ٦٠٧
حَدَّثَنِي مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: «ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ أَحْيَا عُزَيْرًا، فَقَالَ: كَمْ لَبِثْتَ؟ قَالَ: لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ، قَالَ: بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ، فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ، وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ قَدْ هَلَكَ وَبَلِيَتْ عِظَامُهُ، وَانْظُرْ إِلَى عِظَامِهِ كَيْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا، فَبَعَثَ اللَّهُ رِيحًا، فَجَاءَتْ بِعِظَامِ الْحِمَارِ مِنْ كُلِّ سَهْلٍ وَجَبَلٍ ذَهَبَتْ بِهِ الطَّيْرُ وَالسِّبَاعُ، فَاجْتَمَعَتْ، فَرُكِّبَ بَعْضُهَا فِي بَعْضٍ وَهُوَ يَنْظُرُ، فَصَارَ حِمَارًا مِنْ ⦗٦٠٨⦘ عِظَامٍ لَيْسَ لَهُ لَحْمٌ وَلَا دَمٌ، ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ كَسَا الْعِظَامَ لَحْمًا وَدَمًا، فَقَامَ حِمَارًا مِنْ لَحْمٍ وَدَمٍ وَلَيْسَ فِيهِ رَوْحٌ، ثُمَّ أَقْبَلَ مَلَكٌ يَمْشِي حَتَّى أَخَذَ بِمُنْخَرِ الْحِمَارِ، فَنَفَخَ فِيهِ فَنَهَقَ الْحِمَارُ، فَقَالَ: أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» فَتَأْوِيِلُ الْكَلَامِ عَلَى مَا تَأَوَّلَهُ قَائِلُ هَذَا الْقَوْلِ: وَانْظُرْ إِلَى إِحْيَائِنَا حِمَارَكَ، وَإِلَى عِظَامِهِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا، وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ، فَيَكُونُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ﴾ [البقرة: ٢٥٩] مَتْرُوكٌ مِنَ الْكَلَامِ، اسْتَغْنَى بِدَلَالَةٍ ظَاهِرَةٍ عَلَيْهِ مِنْ ذِكْرِهِ، وَتَكُونُ الْأَلْفُ وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ﴾ [البقرة: ٢٥٩] بَدَلًا مِنَ الْهَاءِ الْمُرَادَةِ فِي الْمَعْنَى؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ: وَانْظُرْ إِلَى عِظَامِهِ: يَعْنِي إِلَى عِظَامِ الْحِمَارِ. وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ: بَلْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ ذَلِكَ لَهُ بَعْدَ أَنْ نَفَخَ فِيهِ الرُّوحَ فِي عَيْنِهِ، قَالُوا: وَهِيَ أَوَّلُ عُضْو مِنْ أَعْضَائِهِ نَفَخَ اللَّهُ فِيهِ الرُّوحَ، وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ سِوَّاهُ خَلْقًا سَوِيًّا، وَقَبْلَ أَنْ يَحْيَىَ حِمَارَهُ
٤ / ٦٠٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «كَانَ هَذَا رَجُلًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ نَفَخَ الرُّوحَ فِي عَيْنَيْهِ، فَنَظَرَ إِلَى خَلْقِهِ كُلِّهِ حِينَ يُحْيِيهِ اللَّهُ، وَإِلَى حِمَارِهِ حِينَ يُحْيِيهِ اللَّهُ» ⦗٦٠٩⦘ حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ
٤ / ٦٠٨
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: «بَدَأَ بِعَيْنَيْهِ فَنَفَخَ فِيهِمَا الرُّوحَ، ثُمَّ بِعِظَامِهِ فَأَنْشَزَهَا، ثُمَّ وَصَّلَ بَعْضَهَا إِلَى بَعْضٍ، ثُمَّ كَسَاهَا الْعَصْبَ، ثُمَّ الْعُرُوقَ، ثُمَّ اللَّحْمَ. ثُمَّ نَظَرَ إِلَى حِمَارِهِ، فَإِذَا حِمَارُهُ قَدْ بَلِيَ وَابْيَضَّتْ عِظَامُهُ فِي الْمَكَانِ الَّذِي رَبَطَهُ فِيهِ، فَنُودِيَ: يَا عِظَامُ اجْتَمِعِي، فَإِنَّ اللَّهَ مَنْزِلٌ عَلَيْكِ رُوحًا، فَسَعَى كُلُّ عَظْمٍ إِلَى صَاحِبِهِ، فَوَصَّلَ الْعِظَامَ، ثُمَّ الْعَصْبَ، ثُمَّ الْعُرُوقَ، ثُمَّ اللَّحْمَ، ثُمَّ الْجِلْدَ، ثُمَّ الشَّعْرَ، وَكَانَ حِمَارُهُ جَذَعًا، فَأَحْيَاهُ اللَّهُ كَبِيرًا قَدْ تَشَنَّنَ، فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُ إِلَّا الْجِلْدُ مِنْ طُولِ الزَّمَنِ، وَكَانَ طَعَامُهُ سَلَّ عِنَبٍ وَشَرَابُهُ دَنَّ خَمْرٍ» قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ مُجَاهِدٍ: “نَفَخَ الرُّوحَ فِي عَيْنَيْهِ، ثُمَّ نَظَرَ بِهِمَا إِلَى خَلْقِهِ كُلِّهِ حِينَ نَشَرَهُ اللَّهُ، وَإِلَى حِمَارِهِ حِينَ يُحْيِيهِ اللَّهُ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ جَعَلَ اللَّهُ الرُّوحَ فِي رَأْسِهِ وَبَصَرِهِ وَجَسَدُهُ مَيِّتًا، فَرَأَى حِمَارَهُ قَائِمًا كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ رَبَطَهُ وَطَعَامَهُ وَشَرَابَهُ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ حَلَّ الْبُقْعَةَ، ثُمَّ قَالَ اللَّهُ لَهُ: انْظُرْ إِلَى عِظَامِ نَفْسِكَ كَيْفَ نُنْشِزُهَا
٤ / ٦٠٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلِ بْنِ عَسْكَرٍ، قَالَ: ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ، قَالَ: ثني عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ مَعْقِلٍ أَنَّهُ سَمِعَ وَهْبَ بْنَ مُنَبِّهٍ، يَقُولُ: «رَدَّ اللَّهُ رَوْحَ الْحَيَاةِ فِي عَيْنِ إِرْمِيَا وَآخِرُ جَسَدِهِ مَيِّتٌ، فَنَظَرَ إِلَى طَعَامِهِ وَشَرَابِهِ لَمْ يَتَسَنَّهْ، وَنَظَرَ إِلَى حِمَارِهِ وَاقِفًا كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ رَبَطَهُ، لَمْ يَطْعَمْ وَلَمْ يَشْرَبْ، وَنَظَرَ إِلَى الرُّمَّةِ فِي عُنُقِ الْحِمَارِ لَمْ تَتَغَيَّرْ جَدِيدَةً»
٤ / ٦١٠
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ﴾ «فَنَظَرَ إِلَى حِمَارِهِ قَائِمًا قَدْ مَكَثَ مِائَةَ عَامٍ، وَإِلَى طَعَامِهِ لَمْ يَتَغَيَّرْ قَدْ أَتَى عَلَيْهِ مِائَةُ عَامٍ، ﴿وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا﴾ [البقرة: ٢٥٩] فَكَانَ أَوَّلُ شَيْءٍ أَحْيَا اللَّهُ مِنْهُ رَأْسَهُ، فَجَعَلَ يَنْظُرُ إِلَى سَائِرِ خَلْقِهِ يُخْلَقُ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا أَبُو زُهَيْرٍ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ فِي قَوْلِهِ: ﴿فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ﴾ «فَنَظَرَ إِلَى حِمَارِهِ قَائِمًا، وَإِلَى طَعَامِهِ وَشَرَابِهِ لَمْ يَتَغَيَّرْ، فَكَانَ أَوَّلُ شَيْءٍ خُلِقَ مِنْهُ رَأْسَهُ، فَجَعَلَ يَنْظُرُ إِلَى كُلِّ شَيْءٍ مِنْهُ يُوصَلُ بَعْضُهُ إِلَى بَعْضٍ»، ﴿فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ، قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [البقرة: ٢٥٩]
٤ / ٦١٠
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: «⦗٦١١⦘ ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ أَوَّلُ مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْهُ رَأْسُهُ، ثُمَّ رُكِّبَتْ فِيهِ عَيْنَاهُ، ثُمَّ قِيلَ لَهُ: انْظُرْ، فَجَعَلَ يَنْظُرُ، فَجَعَلَتْ عِظَامُهُ تَوَاصَلُ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ، وَبِعَيْنِ نَبِيِّ اللَّهِ عليه السلام كَانَ ذَلِكَ»، فَقَالَ: «أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ»
٤ / ٦١٠
حَدِّثْتُ عَنْ عَمَّارٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ: ﴿فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ﴾ [البقرة: ٢٥٩] «وَكَانَ حِمَارُهُ عِنْدَهُ كَمَا هُوَ»، ﴿وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا﴾ [البقرة: ٢٥٩] قَالَ الرَّبِيعُ: «ذُكِرَ لَنَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ أَوَّلُ مَا خَلَقَ مِنْهُ عَيْنَاهُ، ثُمَّ قِيلَ: انْظُرْ، فَجَعَلَ يَنْظُرُ إِلَى الْعِظَامِ يَتَوَاصَلُ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ وَذَلِكَ بِعَيْنَيْهِ، فَقِيلَ: أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ»
٤ / ٦١١
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ زَيْدٍ، قَالَ قَوْلِهِ: ﴿فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ﴾ [البقرة: ٢٥٩] «وَاقِفًا عَلَيْكَ مُنْذُ مِائَةِ سَنَةٍ»، ﴿وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ﴾ [البقرة: ٢٥٩] يَقُولُ: “وَانْظُرْ إِلَى عِظَامِكَ كَيْفَ نُحْيِيهَا حِينَ سَأَلْتَنَا كَيْفَ نُحْيِي هَذِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا؟ قَالَ: فَجَعَلَ اللَّهُ الرُّوحَ فِي بَصَرِهِ وَفِي لِسَانِهِ، ثُمَّ قَالَ: ادْعُ الْآنَ بِلِسَانِكَ الَّذِي جَعَلَ اللَّهُ فِيهِ الرُّوحَ، وَانْظُرْ بِبَصَرِكَ، قَالَ: فَكَانَ يَنْظُرُ إِلَى الْجُمْجُمَةِ، قَالَ: فَنَادَى: لِيَلْحَقْ كُلُّ عَظْمٍ بِأَلِيفِهِ، قَالَ: فَجَاءَ كُلُّ عَظْمٍ إِلَى صَاحِبِهِ، حَتَّى اتَّصَلَتْ وَهُوَ يَرَاهَا، حَتَّى إِنَّ ⦗٦١٢⦘ الْكِسْرَةَ مِنَ الْعَظْمِ لَتَأْتِي إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي انْكَسَرَتْ مِنْهُ، فَتُلْصَقُ بِهِ حَتَّى وَصَلَ إِلَى جُمْجُمَتِهِ، وَهُوَ يَرَى ذَلِكَ، فَلَمَّا اتَّصَلَتْ شَدَّهَا بِالْعَصَبِ وَالْعُرُوقِ، وَأَجْرَى عَلَيْهَا اللَّحْمَ وَالْجِلْدَ، ثُمَّ نَفَخَ فِيهَا الرُّوحَ، ثُمَّ قَالَ: ﴿انْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ﴾ [البقرة: ٢٥٩] ذَلِكَ ﴿قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [البقرة: ٢٥٩] قَالَ: «ثُمَّ أُمِرَ فَنَادَى تِلْكَ الْعِظَامَ الَّتِي» قَالَ: ﴿أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا﴾ [البقرة: ٢٥٩] «كَمَا نَادَى عِظَامَ نَفْسِهِ، ثُمَّ أَحْيَاهَا اللَّهُ كَمَا أَحْيَاهُ»
٤ / ٦١١
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي بَكْرُ بْنُ مُضَرَ، قَالَ: «يَزْعُمُونَ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ أَنَّ اللَّهَ أَمَاتَ إِرْمِيَا مِائَةَ عَامٍ، ثُمَّ بَعَثَهُ، فَإِذَا حِمَارُهُ حَيُّ قَائِمٌ عَلَى رِبَاطِهِ، قَالَ: وَرَدَّ اللَّهُ إِلَيْهِ بَصَرَهُ وَجَعَلَ الرُّوحَ فِيهِ قَبْلَ أَنْ يُبْعَثَ بِثَلَاثِينَ سَنَةً، ثُمَّ نَظَرَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَكَيْفَ عُمِّرَ وَمَا حَوْلَهُ، قَالَ: فَيَقُولُونَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ: إِنَّهُ الَّذِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ﴾ [البقرة: ٢٥٩] الْآيَةَ» وَمَعْنَى الْآيَةِ عَلَى تَأْوِيلِ هَؤُلَاءِ: وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ، وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسٍ، وَانْظُرْ إِلَى عِظَامِكَ كَيْفَ نُنْشِزُهَا بَعْدَ بِلَاهًا، ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا، فَنُحْيِيهَا بِحَيَاتِكَ، فَتَعْلَمُ كَيْفَ يُحْيِي اللَّهُ الْقُرَى وَأَهْلَهَا بَعْدَ مَمَاتِهَا. ⦗٦١٣⦘ وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ بَعَثَ قَائِلَ ﴿أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا﴾ [البقرة: ٢٥٩] مِنْ مَمَاتِهِ، ثُمَّ أَرَاهَ نَظِيرَ مَا اسْتَنْكَرَ مِنْ إِحْيَاءِ اللَّهِ الْقَرْيَةَ الَّتِي مَرَّ بِهَا بَعْدَ مَمَاتِهَا عِيَانًا مِنْ نَفْسِهِ وَطَعَامِهِ وَحِمَارِهِ، فَحَمَلَ تَعَالَى ذِكْرُهُ مَا أَرَاهُ مِنْ إِحْيَائِهِ نَفْسَهُ وَحِمَارَهُ مَثَلًا لِمَا اسْتَنْكَرَ مِنْ إِحْيَائِهِ أَهْلَ الْقَرْيَةِ الَّتِي مَرَّ بِهَا خَاوِيَةً عَلَى عُرُوشِهَا، وَجَعَلَ مَا أَرَاهُ مِنَ الْعَبْرَةِ فِي طَعَامِهِ وَشَرَابِهِ عِبْرَةً لَهُ وَحُجَّةً عَلَيْهِ فِي كَيْفِيَّةِ إِحْيَائِهِ مَنَازِلَ الْقَرْيَةِ وَجِنَانَهَا، وَذَلِكَ هُوَ مَعْنَى قَوْلِ مُجَاهِدٍ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ. وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: ﴿وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ﴾ [البقرة: ٢٥٩] إِنَّمَا هُوَ بِمَعْنَى: وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ الَّتِي تَرَاهَا بِبَصَرِكَ كَيْفَ نُنْشِزُهَا، ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا، وَقَدْ كَانَ حِمَارُهُ أَدْرَكَهُ مِنَ الْبِلَى فِي قَوْلِ أَهْلِ التَّأْوِيلِ جَمِيعًا نَظِيرُ الَّذِي لَحِقَ عِظَامَ مَنْ خُوطِبَ بِهَذَا الْخَطَّابِ، فَلَمْ يُمْكِنْ صَرْفُ مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ﴾ [البقرة: ٢٥٩] إِلَى أَنَّهُ أَمْرٌ لَهُ بِالنَّظَرِ إِلَى عِظَامِ الْحِمَارِ دُونَ عِظَامِ الْمَأْمُورِ بِالنَّظَرِ إِلَيْهَا، وَلَا إِلَى أَنَّهُ أَمْرٌ لَهُ بِالنَّطَرِ إِلَى عِظَامِ نَفْسِهِ دُونَ عِظَامِ الْحِمَارِ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَكَانَ الْبِلَى قَدْ لَحِقَ عِظَامَهُ وَعِظَامَ حِمَارِهِ، كَانَ الْأُولَى بِالتَّأْوِيلِ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ بِالنَّظَرِ إِلَى كُلِّ مَا أَدْرَكَهُ طَرْفُهُ مِمَّا قَدْ كَانَ الْبِلَى لَحِقَهُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ جَعَلَ جَمِيعَ ذَلِكَ عَلَيْهِ حُجَّةً وَلَهُ عِبْرَةً وَعِظَةً
٤ / ٦١٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ﴾ [البقرة: ٢٥٩] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِذَلِكَ: ﴿وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ﴾ [البقرة: ٢٥٩] أَمَتْنَاكَ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثْنَاكَ، وَإِنَّمَا أُدْخِلَتِ الْوَاوُ مَعَ اللَّامِ الَّتِي فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ﴾ [البقرة: ٢٥٩]
٤ / ٦١٣
وَهُوَ بِمَعْنَى «كَيْ»؛ لِأَنَّ فِي دُخُولِهَا فِي كَيْ وَأَخَوَاتِهَا دَلَالَةً عَلَى أَنَّهَا شَرْطٌ لِفِعْلٍ بَعْدَهَا، بِمَعْنى: وَلِنَجْعَلَكَ كَذَا وَكَذَا فَعَلْنَا ذَلِكَ، وَلَوْ لَمْ تَكُنْ قَبْلَ اللَّامِ أَعْنِي لَامَ «كَيْ» وَاوٌ كَانَتِ اللَّامُ شَرْطًا لِلْفِعْلِ الَّذِي قَبْلَهَا، وَكَانَ يَكُونُ مَعْنَاهُ: وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ، لِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ، وَإِنَّمَا عَنَى بِقَوْلِهِ: ﴿وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً﴾ [البقرة: ٢٥٩] وَلِنَجْعَلَكَ حُجَّةً عَلَى مَنْ جَهِلَ قُدْرَتِي، وَشَكَّ فِي عَظَمَتِي، وَأَنَا الْقَادِرُ عَلَى فِعْلِ مَا أَشَاءُ مِنْ إِمَاتَةٍ وَإِحْيَاءٍ، وَإِفْنَاءٍ، وَإِنْشَاءٍ، وَإِنْعَامٍ، وَإِذْلَالٍ، وَإِقْتَارٍ، وَإِغْنَاءٍ، بِيَدِي ذَلِكَ كُلُّهُ، لَا يَمْلِكُهُ أَحَدٌ دُونِي، وَلَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ غَيْرِي وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ التَّأْوِيلِ يَقُولُ: كَانَ آيَةً لِلنَّاسِ بِأَنَّهُ جَاءَ بَعْدَ مِائَةِ عَامٍ إِلَى وَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ شَابًّا وَهُمْ شُيُوخٌ
٤ / ٦١٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الْأَعْمَشَ، يَقُولُ: ﴿وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ﴾ [البقرة: ٢٥٩] قَالَ: «جَاءَ شَابًّا وَوَلَدُهُ شُيُوخٌ» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ جَاءَ وَقَدْ هَلَكَ مَنْ يَعْرِفُهُ، فَكَانَ آيَةً لِمَنْ قَدِمَ عَلَيْهِ مِنْ قَوْمِهِ
٤ / ٦١٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُوسَى، قَالَ، ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: «رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ، فَوَجَدَ دَارَهُ قَدْ بِيعَتْ وَبُنِيَتْ، وَهَلَكَ مَنْ كَانَ يَعْرِفُهُ، فَقَالَ: اخْرُجُوا مِنْ دَارِي، قَالُوا: وَمَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا عُزَيْرٌ، قَالُوا: أَلَيْسَ قَدْ هَلَكَ عُزَيْرٌ مُنْذُ كَذَا وَكَذَا؟ قَالَ: فَإِنَّ عُزَيْرًا أَنَا هُوَ، كَانَ مِنْ حَالِي وَكَانَ، فَلَمَّا عَرَفُوا ذَلِكَ، خَرَجُوا لَهُ مِنَ الدَّارِ وَدَفَعُوهَا إِلَيْهِ» وَالَّذِي هُوَ أَوْلَى بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ مِنَ الْقَوْلِ، أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَخْبَرَ أَنَّهُ جَعَلَ الَّذِي وَصَفَ صِفَتَهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ حُجَّةً لِلنَّاسِ، فَكَانَ ذَلِكَ حُجَّةً عَلَى مَنْ عَرَفَهُ مِنْ وَلَدِهِ وَقَوْمِهِ مِمَّنْ عَلِمَ مَوْتَهُ، وَإِحْيَاءَ اللَّهِ إِيَّاهُ بَعْدَ مَمَاتِهِ، وَعَلَى مَنْ بُعِثَ إِلَيْهِ مِنْهُمْ
٤ / ٦١٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا﴾ [البقرة: ٢٥٩] قَدْ دَلَّلْنَا فِيمَا مَضَى قَبْلُ عَلَى أَنَّ الْعِظَامَ الَّتِي أُمِرَ بِالنَّظَرِ إِلَيْهَا هِيَ عِظَامُ نَفْسِهِ وَحِمَارِهِ، وَذَكَرْنَا اخْتِلَافَ الْمُخْتَلِفِينَ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ وَمَا يَعْنِي كُلُّ قَائِلٍ بِمَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿كَيْفَ نُنْشِزُهَا﴾ [البقرة: ٢٥٩] فَإِنَّ الْقُرَّاءَ اخْتَلَفَتْ فِي قِرَاءَتِهِ، فَقَرَأَ بَعْضُهُمْ: ﴿وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا﴾ [البقرة: ٢٥٩] بِضَمِّ
٤ / ٦١٥
النُّونِ وَبِالزَّايِ، وَذَلِكَ قِرَاءَةُ عَامَّةِ قِرَاءَةِ الْكُوفِيِّينَ، بِمَعْنَى: وَانْظُرْ كَيْفَ نُرَكِّبُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، وَنَنْقُلُ ذَلِكَ إِلَى مَوَاضِعَ مِنَ الْجِسْمِ، وَأَصْلُ النَّشْزِ الِارْتِفَاعُ، وَمِنْهُ قِيلَ: قَدْ نَشَزَ الْغُلَامُ إِذَا ارْتَفَعَ طُولُهُ وَشَبَّ، وَمِنْهُ نُشُوزُ الْمَرْأَةِ عَلَى زَوْجِهَا، وَمِنْ ذَلِكَ قِيلَ لِلْمَكَانِ الْمُرْتَفِعِ مِنَ الْأَرْضِ: نَشَزٌ وَنَشْزٌ وَنَشَازٌ، فَإِذَا أَرَدْتَ أَنَّكَ رَفَعْتَهُ، قُلْتَ: أَنْشَزْتُهُ إِنْشَازًا، وَنَشَزَ هُوَ: إِذَا ارْتَفَعَ فَمَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا﴾ [البقرة: ٢٥٩] فِي قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ بِالزَّايِ: كَيْفَ نَرْفَعُهَا مِنْ أَمَاكِنِهَا مِنَ الْأَرْضِ فَنَرُدُّهَا إِلَى أَمَاكِنِهَا مِنَ الْجِسْمِ وَمِمَّنْ تَأَوَّلَ ذَلِكَ هَذَا التَّأْوِيلَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ
٤ / ٦١٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿كَيْفَ نُنْشِزُهَا﴾ [البقرة: ٢٥٩] «كَيْفَ نُخْرِجُهَا»؟
٤ / ٦١٦
حَدَّثَنِي مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿كَيْفَ نُنْشِزُهَا﴾ [البقرة: ٢٥٩] قَالَ: «نُحَرِّكُهَا» وَقَرَأَ ذَلِكَ آخَرُونَ: (وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِرُهَا) بِضَمِّ النُّونِ، ⦗٦١٧⦘ قَالُوا مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: أَنْشَرَ اللَّهُ الْمَوْتَى فَهُوَ يُنْشِرُهُمْ إِنْشَارًا، وَذَلِكَ قِرَاءَةُ عَامَّةِ قُرَّاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، بِمَعْنَى: وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُحْيِيهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا
٤ / ٦١٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: (كَيْفَ نُنْشِرُهَا) قَالَ: «انْظُرْ إِلَيْهَا حِينَ يُحْيِيهَا اللَّهُ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، مِثْلَهُ
٤ / ٦١٧
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: (وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِرُهَا) قَالَ: «كَيْفَ نُحْيِيهَا»؟ وَاحْتَجَّ بَعْضُ قُرَّاءِ ذَلِكَ بِالرَّاءِ وَضَمِّ نُونِ أَوَّلِهِ بِقَوْلِهِ: ﴿ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ﴾ [عبس: ٢٢] فَرَأَى أَنَّ مِنَ الصَّوَابِ إِلْحَاقَ قَوْلِهِ: (وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِرُهَا) بِهِ، وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ: (وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نَنْشُرُهَا) بِفَتْحِ النُّونِ مِنْ أَوَّلِهِ ⦗٦١٨⦘ وَبِالرَّاءِ كَأَنَّهُ وَجَّهَ ذَلِكَ إِلَى مِثْلِ مَعْنَى نَشْرِ الشَّيْءَ وَطَيِّهِ، وَذَلِكَ قِرَاءَةٌ غَيْرُ مَحْمُودَةٍ، لِأَنَّ الْعَرَبَ لَا تَقُولُ: نَشَرَ الْمَوْتَى، وَإِنَّمَا تَقُولُ: أَنْشَرَ اللَّهُ الْمَوْتَى، فَنَشَرُوا هُمْ بِمَعْنَى: أَحْيَاهُمْ فَحَيُوا هُمْ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرهُ﴾ [عبس: ٢٢] وَقَوْلُهُ: ﴿آلِهَةٌ مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشَرُونَ﴾ [الأنبياء: ٢١]، وَعَلَى أَنَّهُ إِذَا أُرِيدَ بِهِ حَيِيَ الْمَيِّتُ وَعَاشَ بَعْدَ مَمَاتِهِ، قِيلَ: نَشَرَ، وَمِنْهُ قَوْلُ أَعْشَى بَنِي ثَعْلَبَةَ:
[البحر السريع] حَتَّى يَقُولَ النَّاسُ مِمَّا رَأَوْا … يَا عَجَبًا لِلْمَيِّتِ النَّاشِرِ
وَرُوِيَ سَمَاعًا مِنَ الْعَرَبِ: كَانَ بِهِ جَرَبٌ فَنَشَرَ، إِذَا عَادَ وَحَيِيَ. وَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّ مَعْنَى الْإِنْشَارِ وَمَعْنَى الْإِنْشَازِ مُتَقَارِبَانِ، لِأَنَّ مَعْنَى الْإِنْشَازِ التَّرْكِيبُ وَالْإِثْبَاتُ وَرَدُّ الْعِظَامِ مِنَ الْعِظَامِ وَإِعَادَتُهَا لَا شَكَّ أَنَّهُ رَدَّهَا إِلَى أَمَاكِنِهَا وَمَوَاضِعِهَا مِنَ الْجَسَدِ بَعْدَ مُفَارَقَتِهَا إِيَّاهَا، فَهُمَا وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي اللَّفْظِ فَمُتَقَارِبَا الْمَعْنَى، وَقَدْ جَاءَتْ بِالْقِرَاءَةِ بِهِمَا الْأُمَّةُ مَجِيئًا يَقْطَعُ الْعُذْرَ وَيُوجِبُ الْحُجَّةَ، فَبِأَيِّهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ لِانْقِيَادِ مَعْنَيَيْهِمَا، وَلَا حُجَّةَ تُوجِبُ لِإِحْدَاهُمَا مِنَ الْقَضَاءِ بِالصَّوَابِ عَلَى الْأُخْرَى، فَإِنْ ظَنَّ ظَانٌّ أَنَّ الْإِنْشَارَ إِذَا كَانَ إِحْيَاءً فَهُوَ بِالصَّوَابِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِالنَّظَرِ ⦗٦١٩⦘ إِلَى الْعِظَامِ وَهِيَ تُنْشَرُ إِنَّمَا أُمِرَ بِهِ لِيَرَى عِيَانًا مَا أَنْكَرَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا﴾ [البقرة: ٢٥٩] فَإِنَّ إِحْيَاءَ الْعِظَامِ لَا شَكَّ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ إِنَّمَا عَنَى بِهِ رَدَّهَا إِلَى أَمَاكِنِهَا مِنْ جَسَدِ الْمَنْظُورِ إِلَيْهِ، وَهُوَ يَحْيَا، لَا إِعَادَةَ الرُّوحِ الَّتِي كَانَتْ فَارَقَتْهَا عِنْدَ الْمَمَاتِ، وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا﴾ [البقرة: ٢٥٩] وَلَا شَكَّ أَنَّ الرُّوحَ إِنَّمَا نُفِخَتْ فِي الْعِظَامِ الَّتِي أُنْشِرَتْ بَعْدَ أَنْ كُسِيَتِ اللَّحْمَ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَكَانَ مَعْنَى الْإِنْشَازِ تَرْكِيبَ الْعِظَامِ وَرَدَّهَا إِلَى أَمَاكِنِهَا مِنَ الْجَسَدِ، وَكَانَ ذَلِكَ مَعْنَى الْإِنْشَارِ، وَكَانَ مَعْلُومًا اسْتِوَاءُ مَعْنَيَيْهِمَا، وَأَنَّهُمَا مُتَّفِقَا الْمَعْنَى لَا مُخْتَلِفَاهُ، فَفِي ذَلِكَ إِبَانَةٌ عَنْ صِحَّةِ مَا قُلْنَا فِيهِ، وَأَمَّا الْقِرَاءَةُ الثَّالِثَةُ فَغَيْرُ جَائِزَةٍ الْقِرَاءَةُ بِهَا عِنْدِي، وَهِيَ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ: (كَيْفَ نَنْشُرَهَا) بِفَتْحِ النُّونِ وَبِالرَّاءِ، لِشُذُوذِهَا عَنْ قِرَاءَةِ الْمُسْلِمِينَ وَخُرُوجِهَا عَنِ الصَّحِيحِ الْفَصِيحِ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ
[البحر السريع] حَتَّى يَقُولَ النَّاسُ مِمَّا رَأَوْا … يَا عَجَبًا لِلْمَيِّتِ النَّاشِرِ
وَرُوِيَ سَمَاعًا مِنَ الْعَرَبِ: كَانَ بِهِ جَرَبٌ فَنَشَرَ، إِذَا عَادَ وَحَيِيَ. وَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّ مَعْنَى الْإِنْشَارِ وَمَعْنَى الْإِنْشَازِ مُتَقَارِبَانِ، لِأَنَّ مَعْنَى الْإِنْشَازِ التَّرْكِيبُ وَالْإِثْبَاتُ وَرَدُّ الْعِظَامِ مِنَ الْعِظَامِ وَإِعَادَتُهَا لَا شَكَّ أَنَّهُ رَدَّهَا إِلَى أَمَاكِنِهَا وَمَوَاضِعِهَا مِنَ الْجَسَدِ بَعْدَ مُفَارَقَتِهَا إِيَّاهَا، فَهُمَا وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي اللَّفْظِ فَمُتَقَارِبَا الْمَعْنَى، وَقَدْ جَاءَتْ بِالْقِرَاءَةِ بِهِمَا الْأُمَّةُ مَجِيئًا يَقْطَعُ الْعُذْرَ وَيُوجِبُ الْحُجَّةَ، فَبِأَيِّهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ لِانْقِيَادِ مَعْنَيَيْهِمَا، وَلَا حُجَّةَ تُوجِبُ لِإِحْدَاهُمَا مِنَ الْقَضَاءِ بِالصَّوَابِ عَلَى الْأُخْرَى، فَإِنْ ظَنَّ ظَانٌّ أَنَّ الْإِنْشَارَ إِذَا كَانَ إِحْيَاءً فَهُوَ بِالصَّوَابِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِالنَّظَرِ ⦗٦١٩⦘ إِلَى الْعِظَامِ وَهِيَ تُنْشَرُ إِنَّمَا أُمِرَ بِهِ لِيَرَى عِيَانًا مَا أَنْكَرَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا﴾ [البقرة: ٢٥٩] فَإِنَّ إِحْيَاءَ الْعِظَامِ لَا شَكَّ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ إِنَّمَا عَنَى بِهِ رَدَّهَا إِلَى أَمَاكِنِهَا مِنْ جَسَدِ الْمَنْظُورِ إِلَيْهِ، وَهُوَ يَحْيَا، لَا إِعَادَةَ الرُّوحِ الَّتِي كَانَتْ فَارَقَتْهَا عِنْدَ الْمَمَاتِ، وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا﴾ [البقرة: ٢٥٩] وَلَا شَكَّ أَنَّ الرُّوحَ إِنَّمَا نُفِخَتْ فِي الْعِظَامِ الَّتِي أُنْشِرَتْ بَعْدَ أَنْ كُسِيَتِ اللَّحْمَ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَكَانَ مَعْنَى الْإِنْشَازِ تَرْكِيبَ الْعِظَامِ وَرَدَّهَا إِلَى أَمَاكِنِهَا مِنَ الْجَسَدِ، وَكَانَ ذَلِكَ مَعْنَى الْإِنْشَارِ، وَكَانَ مَعْلُومًا اسْتِوَاءُ مَعْنَيَيْهِمَا، وَأَنَّهُمَا مُتَّفِقَا الْمَعْنَى لَا مُخْتَلِفَاهُ، فَفِي ذَلِكَ إِبَانَةٌ عَنْ صِحَّةِ مَا قُلْنَا فِيهِ، وَأَمَّا الْقِرَاءَةُ الثَّالِثَةُ فَغَيْرُ جَائِزَةٍ الْقِرَاءَةُ بِهَا عِنْدِي، وَهِيَ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ: (كَيْفَ نَنْشُرَهَا) بِفَتْحِ النُّونِ وَبِالرَّاءِ، لِشُذُوذِهَا عَنْ قِرَاءَةِ الْمُسْلِمِينَ وَخُرُوجِهَا عَنِ الصَّحِيحِ الْفَصِيحِ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ
٤ / ٦١٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا﴾ [البقرة: ٢٥٩] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِذَلِكَ: ﴿ثُمَّ نَكْسُوهَا﴾ [البقرة: ٢٥٩] أَيِ الْعِظَامَ لَحْمًا، وَالْهَاءُ الَّتِي فِي قَوْلِهِ: ﴿ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا﴾ [البقرة: ٢٥٩] مِنْ ذِكْرِ الْعِظَامِ، وَمَعْنَى نَكْسُوهَا: نُلْبِسُهَا وَنُوَارِيهَا بِهِ كَمَا يُوَارِي جَسَدَ الْإِنْسَانِ كِسْوَتُهُ الَّتِي يَلْبَسُهَا، وَكَذَلِكَ تَفْعَلُ الْعَرَبُ، تَجْعَلُ كُلَّ شَيْءٍ غَطَّى شَيْئًا وَوَارَاهُ لِبَاسًا لَهُ وَكِسْوَةً، وَمِنْهُ قَوْلُ النَّابِغَةِ الْجَعْدِيِّ:
[البحر البسيط] ⦗٦٢٠⦘ فَالْحَمْدُ لِلَّهِ إِذْ لَمْ يَأْتِنِي أَجَلِي … حَتَّى اكْتَسَيْتُ مِنَ الْإِسْلَامِ سِرْبَالَا
فَجَعَلَ الْإِسْلَامَ إِذْ غَطَّى الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ فَوَارَاهُ وَأَذْهَبَهُ كِسْوَةً لَهُ وَسِرْبَالًا
[البحر البسيط] ⦗٦٢٠⦘ فَالْحَمْدُ لِلَّهِ إِذْ لَمْ يَأْتِنِي أَجَلِي … حَتَّى اكْتَسَيْتُ مِنَ الْإِسْلَامِ سِرْبَالَا
فَجَعَلَ الْإِسْلَامَ إِذْ غَطَّى الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ فَوَارَاهُ وَأَذْهَبَهُ كِسْوَةً لَهُ وَسِرْبَالًا
٤ / ٦١٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [البقرة: ٢٥٩] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ﴾ [البقرة: ٢٥٩] فَلَمَّا اتَّضَحَ لَهُ عِيَانًا مَا كَانَ مُسْتَنْكِرًا مِنْ قُدْرَةِ اللَّهِ وَعَظَمَتِهِ عِنْدَهُ قَبْلَ عِيَانِهِ ذَلِكَ، قَالَ: أَعْلَمُ الْآنَ بَعْدَ الْمُعَايَنَةِ وَالْإِيضَاحِ وَالْبَيَانِ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. ثُمَّ اخْتَلَفَتِ الْقِرَاءَةُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ﴾ [البقرة: ٢٥٩] فَقَرَأَهُ بَعْضُهُمْ: ﴿قَالَ أَعْلَمُ﴾ [البقرة: ٢٥٩] عَلَى مَعْنَى الْأَمْرِ بِوَصْلِ الْأَلْفِ مِنْ «أَعْلَمُ»، وَجْزِمِ الْمِيمِ مِنْهَا. وَهِيَ قِرَاءَةُ عَامَّةِ قُرَّاءِ أَهْلِ الْكُوفَةِ، وَيَذْكُرُونَ أَنَّهَا فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ: (قِيلَ اعْلَمْ) عَلَى وَجْهِ الْأَمْرِ مِنَ اللَّهِ لِلَّذِي أُحْيِيَ بَعْدَ مَمَاتِهِ، فَأُمِرَ بِالنَّظَرِ إِلَى مَا يُحْيِيهِ اللَّهُ بَعْدَ مَمَاتِهِ وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ
٤ / ٦٢٠
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ التَّغْلِبِيُّ، قَالَ: ثنا الْقَاسِمُ بْنُ سَلَامٍ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنْ هَارُونَ، قَالَ: «هِيَ فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ: (قِيلَ اعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ) عَلَى وَجْهِ الْأَمْرِ»
٤ / ٦٢٠
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ ⦗٦٢١⦘ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ – أَحْسَبُهُ، شَكَّ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّبَرِيُّ – سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، يَقْرَأُ: (فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ اعْلَمْ) قَالَ: «إِنَّمَا قِيلَ ذَلِكَ لَهُ»
٤ / ٦٢٠
حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، قَالَ: «ذُكِرَ لَنَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ: انْظُرْ، فَجَعَلَ يَنْظُرُ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ يَتَوَاصَلُ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ، وَذَلِكَ بِعَيْنَيْهِ، فَقِيلَ: اعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ تَأْوِيلُ ذَلِكَ: فَلَمَّا تَبَيَّنَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ، قَالَ اللَّهُ لَهُ: اعْلَمْ الْآنَ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَلَوْ صَرَفَ مُتَأَوِّلٌ قَوْلَهُ: قَالَ اعْلَمْ، وَقَدْ قَرَأَهُ عَلَى وَجْهِ الْأَمْرِ إِلَى أَنَّهُ مِنْ قِبَلِ الْمُخْبَرِ عَنْهُ بِمَا اقْتَصَّ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مِنْ قِصَّتِهِ كَانَ وَجْهًا صَحِيحًا، وَكَانَ ذَلِكَ كَمَا يَقُولُ الْقَائِلُ: اعْلَمْ أَنْ قَدْ كَانَ كَذَا وَكَذَا، عَلَى وَجْهِ الْأَمْرِ مِنْهُ لِغَيْرِهِ وَهُوَ يَعْنِي بِهِ نَفْسَهِ، وَقَرَأَ ذَلِكَ آخَرُونَ: ﴿قَالَ أَعْلَمُ﴾ [البقرة: ٢٥٩] عَلَى وَجْهِ الْخَبَرِ عَنْ نَفْسِهِ لِلْمُتَكَلِّمِ بِهِ بِهَمْزِ أَلْفِ ﴿أَعْلَمُ﴾ [البقرة: ٢٥٩] وَقَطْعِهَا وَرَفْعِ الْمِيمِ، بِمَعْنَى: فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ مِنْ قُدْرَةِ اللَّهِ وَعَظِيمِ سُلْطَانِهِ بِمُعَايَنَتِهِ مَا عَايَنَهُ، قَالَ: أَلَيْسَ ذَلِكَ، أَعْلَمُ الْآنَ أَنَا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ؟ وَبِذَلِكَ قَرَأَ عَامَّةُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَبَعْضُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْعِرَاقِ، وَبِذَلِكَ مِنَ التَّأْوِيلِ تَأَوَّلَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ
٤ / ٦٢١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَمَّنْ لَا يُتَّهَمُ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: «لَمَّا عَايَنَ مِنْ قُدْرَةِ اللَّهِ مَا عَايَنَ، قَالَ: ﴿أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [البقرة: ٢٥٩]»
٤ / ٦٢٢
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ مَعْقِلٍ، أَنَّهُ سَمِعَ وَهْبَ بْنَ مُنَبِّهٍ، يَقُولُ: ﴿فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [البقرة: ٢٥٩]
٤ / ٦٢٢
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: «يَعْنِي نَبِيَّ اللَّهِ عليه السلام، يَعْنِي إِنْشَازَ الْعِظَامِ، فَقَالَ: ﴿أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [البقرة: ٢٥٩]»
٤ / ٦٢٢
حَدَّثَنِي مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: «قَالَ عُزَيْرٍ عِنْدَ ذَلِكَ يَعْنِي عِنْدَ مُعَايَنَةِ إِحْيَاءِ اللَّهِ حِمَارَهُ ﴿أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [البقرة: ٢٥٩]»
٤ / ٦٢٢
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا أَبُو زُهَيْرٍ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، قَالَ: «جَعَلَ يَنْظُرُ إِلَى كُلِّ شَيْءٍ مِنْهُ يُوصَلُ بَعْضُهُ إِلَى بَعْضٍ»، ﴿فَلَمَّا
٤ / ٦٢٢
تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [البقرة: ٢٥٩] حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، نَحْوَهُ وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ قِرَاءَةُ مِنْ قَرَأَ: (اعْلَمْ) بِوَصْلِ الْأَلْفِ وَجَزْمِ الْمِيمِ عَلَى وَجْهِ الْأَمْرِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِلَّذِي قَدْ أَحْيَاهُ بَعْدَ مَمَاتِهِ بِالْأَمْرِ بِأَنْ يَعْلَمَ أَنَّ اللَّهَ الَّذِي أَرَاهُ بِعَيْنَيْهِ مَا أَرَاهُ مِنْ عَظِيمِ قُدْرَتِهِ وَسُلْطَانِهِ مِنْ إِحْيَائِهِ إِيَّاهُ وَحِمَارَهُ بَعْدَ مَوْتِ مِائَةِ عَامٍ وَبَلَائِهِ حَتَّى عَادَا كَهَيْئَتِهِمَا يَوْمَ قَبَضَ أَرْوَاحَهُمَا، وَحَفِظَ عَلَيْهِ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ مِائَةَ عَامٍ حَتَّى رَدَّهُ عَلَيْهِ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ وَضَعَهُ غَيْرَ مُتَغَيِّرٍ عَلَى كُلِّ شَيْءِ قَادِرٌ كَذَلِكَ. وَإِنَّمَا اخْتَرْنَا قِرَاءَةَ ذَلِكَ كَذَلِكَ وَحَكَمْنَا لَهُ بِالصَّوَابِ دُونَ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ مَا قَبْلَهُ مِنَ الْكَلَامِ أَمْرٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ قَوْلًا لِلَّذِي أَحْيَاهُ اللَّهُ بَعْدَ مَمَاتِهِ وَخِطَابًا لَهُ بِهِ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ﴾ [البقرة: ٢٥٩]، ﴿وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا﴾ [البقرة: ٢٥٩] فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ ذَلِكَ جَوَابًا عَنْ مَسْأَلَتِهِ رَبَّهُ: ﴿أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا﴾ [البقرة: ٢٥٩]؟ قَالَ اللَّهُ لَهُ: اعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ الَّذِي فَعَلَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ عَلَى مَا رَأَيْتَ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَشْيَاءِ قَدِيرٌ كَقُدْرَتِهِ عَلَى مَا رَأَيْتَ وَأَمْثَالِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِخَلِيلِهِ إِبْرَاهِيمَ ﷺ، بَعْدَ أَنْ أَجَابَهُ عَنْ مَسْأَلَتِهِ إِيَّاهُ فِي قَوْلِهِ: ﴿رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى﴾ [البقرة: ٢٦٠] ﴿وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [البقرة: ٢٦٠] فَأَمَرَ إِبْرَاهِيمَ بِأَنْ يَعْلَمَ بَعْدَ أَنْ أَرَاهُ كَيْفِيَّةَ إِحْيَائِهِ الْمَوْتَى أَنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ، فَكَذَلِكَ أَمَرَ الَّذِي سَأَلَ فَقَالَ: ﴿أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا﴾ [البقرة: ٢٥٩] بَعْدَ أَنْ أَرَاهُ كَيْفِيَّةَ إِحْيَائِهِ إِيَّاهَا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
٤ / ٦٢٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي
٤ / ٦٢٣
الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [البقرة: ٢٦٠] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِذَلِكَ: أَلَمْ تَرَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ: رَبِّ أَرِنِي، وَإِنَّمَا صَلُحَ أَنْ يَعْطِفَ بِقَوْلِهِ: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ﴾ [البقرة: ١٢٦] عَلَى قَوْلِهِ: ﴿أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ﴾ [البقرة: ٢٥٩] وَقَوْلِهِ: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ﴾ [البقرة: ٢٥٨] لِأَنَّ قَوْلَهُ: ﴿أَلَمْ تَرَ﴾ [البقرة: ٢٤٣] لَيْسَ مَعْنَاهُ: أَلَمْ تَرَ بِعَيْنَيْكَ، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ: أَلَمْ تَرَ بِقَلْبِكَ، فَمَعْنَاهُ: أَلَمْ تَعْلَمْ فَتَذْكُرْ، فَهُوَ وَإِنْ كَانَ لَفْظُهُ لَفْظَ الرُّؤْيَةِ فَيُعْطَفُ عَلَيْهِ أَحْيَانًا بِمَا يُوَافِقُ لَفْظَهُ مِنَ الْكَلَامِ، وَأَحْيَانًا بِمَا يُوَافِقُ مَعْنَاهُ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلَ فِي سَبَبِ مَسْأَلَةِ إِبْرَاهِيمَ رَبَّهُ أَنْ يُرِيَهُ كَيْفَ يُحْيِي الْمَوْتَى؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَتْ مَسْأَلَتُهُ ذَلِكَ رَبَّهُ أَنَّهُ رَأَى دَابَّةً قَدْ تَقَسَّمَتْهَا السِّبَاعُ وَالطَّيْرُ، فَسَأَلَ رَبَّهُ أَنْ يُرِيَهُ كَيْفِيَّةَ إِحْيَائِهِ إِيَّاهَا مَعَ تَفَرُّقِ لُحُومِهَا فِي بُطُونِ طَيْرِ الْهَوَاءِ وَسِبَاعِ الْأَرْضِ لِيَرَى ذَلِكَ عِيَانًا، فَيَزْدَادَ يَقِينًا بِرُؤْيَتِهِ ذَلِكَ عِيَانًا إِلَى عِلْمِهِ بِهِ خَبَرًا، فَأَرَاهُ اللَّهُ ذَلِكَ مَثَلًا بِمَا أَخْبَرَ أَنَّهُ أَمَرَهُ بِهِ
٤ / ٦٢٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى﴾ [البقرة: ٢٦٠] «ذُكِرَ لَنَا أَنَّ خَلِيلَ اللَّهِ إِبْرَاهِيمَ ﷺ أَتَى عَلَى دَابَّةٍ تَوَزَّعَتْهَا الدَّوَابُّ وَالسِّبَاعُ، فَقَالَ: ﴿رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾ [البقرة: ٢٦٠]»
٤ / ٦٢٤
حَدِّثْتُ عَنِ الحَسَنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى﴾ [البقرة: ٢٦٠] قَالَ: «مَرَّ إِبْرَاهِيمُ عَلَى دَابَّةٍ مَيْتٍ قَدْ بَلِيَ وَتَقَسَّمَتْهُ الرِّيَاحُ وَالسِّبَاعُ، فَقَامَ يَنْظُرُ، فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، كَيْفَ يُحْيِي اللَّهُ هَذَا؟ وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى ذَلِكَ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى﴾ [البقرة: ٢٦٠]»
٤ / ٦٢٥
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: «بَلَغَنِي أَنَّ إِبْرَاهِيمَ، بَيْنَا هُوَ يَسِيرُ عَلَى الطَّرِيقِ، إِذَا هُوَ بِجِيفَةِ حِمَارٍ عَلَيْهَا السِّبَاعُ وَالطَّيْرُ قَدْ تَمَزَّعَتْ لَحْمُهَا وَبَقِيَ عِظَامُهَا. فَلَمَّا ذَهَبَتِ السِّبَاعُ، وَطَارَتِ الطَّيْرُ عَلَى الْجِبَالِ وَالْآكَامِ، فَوَقَفَ وَتَعَجَّبَ ثُمَّ قَالَ: رَبِّ قَدْ عَلِمْتُ لَتَجْمَعَنَّهَا مِنْ بُطُونِ هَذِهِ السِّبَاعِ وَالطَّيْرِ ﴿رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى﴾ [البقرة: ٢٦٠]» وَلَكِنْ لَيْسَ الْخَبَرُ كَالْمُعَايَنَةِ
٤ / ٦٢٥
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: «مَرَّ إِبْرَاهِيمُ بِحُوتٍ نِصْفُهُ فِي الْبَرِّ، وَنِصْفُهُ فِي الْبَحْرِ، فَمَا كَانَ مِنْهُ فِي الْبَحْرِ فَدَوَابُّ الْبَحْرِ تَأْكُلُهُ، وَمَا كَانَ مِنْهُ فِي الْبَرِّ فَالسِّبَاعُ وَدَوَابُّ الْبَرِّ تَأْكُلُهُ، فَقَالَ لَهُ الْخَبِيثُ: يَا إِبْرَاهِيمُ، مَتَى ⦗٦٢٦⦘ يَجْمَعُ اللَّهُ هَذَا مِنْ بُطُونِ هَؤُلَاءِ؟ فَقَالَ: «يَا رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى»، قَالَ: ﴿أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾ [البقرة: ٢٦٠]» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ كَانَ سَبَبُ مَسْأَلَتِهِ رَبَّهُ ذَلِكَ، الْمُنَاظَرَةَ وَالْمُحَاجَّةَ الَّتِي جَرَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نُمْرُوذَ فِي ذَلِكَ
٤ / ٦٢٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، قَالَ: ثني مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: «لَمَّا جَرَى بَيْنَ إِبْرَاهِيمَ وَبَيْنَ قَوْمِهِ مَا جَرَى مِمَّا قَصَّهُ اللَّهُ فِي سُورَةِ الْأَنْبِيَاءِ، قَالَ نُمْرُوذُ فِيمَا يَذْكُرُونَ لِإِبْرَاهِيمَ: أَرَأَيْتَ إِلَهَكَ هَذَا الَّذِي تَعْبُدُ وَتَدْعُو إِلَى عِبَادَتِهِ وَتَذْكُرُ مِنْ قُدْرَتِهِ الَّتِي تُعَظِّمُهُ بِهَا عَلَى غَيْرِهِ مَا هُوَ؟ قَالَ لَهُ إِبْرَاهِيمُ: رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ، قَالَ نُمْرُوذُ: أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ، فَقَالَ لَهُ إِبْرَاهِيمُ: كَيْفَ تُحْيِي وَتُمِيتُ؟ ثُمَّ ذَكَرَ مَا قَصَّ اللَّهُ مِنْ مُحَاجَّتِهِ إِيَّاهُ، قَالَ: فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ عِنْدَ ذَلِكَ: ﴿رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾ [البقرة: ٢٦٠] مِنْ غَيْرِ شَكٍّ فِي اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ وَلَا فِي قُدْرَتِهِ، وَلَكِنَّهُ أَحَبَّ أَنْ يَعْلَمَ ذَلِكَ وَتَاقَ إِلَيْهِ قَلْبُهُ، فَقَالَ: لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي، أَيْ مَا تَاقَ إِلَيْهِ إِذَا هُوَ عَلِمَهُ» وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ، أَعِنِّي الْأَوَّلَ وَهَذَا الْآخَرَ مُتَقَارِبَا الْمَعْنَى فِي أَنَّ مَسْأَلَةَ إِبْرَاهِيمَ رَبَّهُ أَنْ يُرِيَهُ كَيْفَ يُحْيِي الْمَوْتَى، كَانَتْ لِيَرَى عِيَانًا مَا كَانَ عِنْدَهُ مِنْ عِلْمِ ذَلِكَ خَبَرًا وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ كَانَتْ مَسْأَلَتُهُ ذَلِكَ رَبَّهُ عِنْدَ الْبِشَارَةِ الَّتِي أَتَتْهُ مِنَ اللَّهِ
٤ / ٦٢٦
بِأَنَّهُ اتَّخَذَهُ خَلِيلًا، فَسَأَلَ رَبَّهُ أَنْ يُرِيَهُ عَاجِلًا مِنَ الْعَلَامَةِ لَهُ عَلَى ذَلِكَ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبُهُ بِأَنَّهُ قَدِ اصْطَفَاهُ لِنَفْسِهِ خَلِيلًا، وَيَكُونُ ذَلِكَ لِمَا عِنْدَهُ مِنَ الْيَقِينِ مُؤَيِّدًا
٤ / ٦٢٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: «لَمَّا اتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا سَأَلَ مَلَكُ الْمَوْتِ رَبَّهُ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ أَنْ يُبَشِّرَ إِبْرَاهِيمَ بِذَلِكَ، فَأَذِنَ لَهُ، فَأَتَى إِبْرَاهِيمَ وَلَيْسَ فِي الْبَيْتِ فَدَخَلَ دَارِهِ، وَكَانَ إِبْرَاهِيمُ أَغْيَرَ النَّاسِ، إِنْ خَرَجَ أَغْلَقَ الْبَابَ؛ فَلَمَّا جَاءَ وَجَدَ فِي دَارِهِ رَجُلًا، فَثَارَ إِلَيْهِ لِيَأْخُذَهُ، قَالَ: مَنْ أَذِنَ لَكَ أَنْ تَدْخُلَ دَارِي؟ قَالَ مَلَكُ الْمَوْتِ: أَذِنَ لِي رَبُّ هَذِهِ الدَّارِ، قَالَ إِبْرَاهِيمُ: صَدَقْتَ وَعَرَفَ أَنَّهُ مَلَكُ الْمَوْتِ، قَالَ: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا مَلَكُ الْمَوْتِ جِئْتُكَ أُبَشِّرُكَ بِأَنَّ اللَّهَ قَدِ اتَّخَذَكَ خَلِيلًا، فَحَمِدَ اللَّهَ وَقَالَ: يَا مَلَكَ الْمَوْتِ أَرِنِي الصُّورَةَ الَّتِي تَقْبِضُ فِيهَا أَنْفَاسَ الْكُفَّارِ، قَالَ: يَا إِبْرَاهِيمُ لَا تُطِيقُ ذَلِكَ، قَالَ: بَلَى. قَالَ: فَأَعْرِضْ، فَأَعْرَضَ إِبْرَاهِيمُ ثُمَّ نَظَرَ إِلَيْهِ، فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ أَسْوَدَ تَنَالُ رَأْسُهُ السَّمَاءَ يَخْرُجُ مِنْ فِيهِ لَهَبُ النَّارِ، لَيْسَ مِنْ شَعْرَةٍ فِي جَسَدِهِ إِلَّا فِي صُورَةِ رَجُلٍ أَسْوَدَ يَخْرُجُ مِنْ فِيهِ وَمَسَامِعِهِ لَهَبُ النَّارِ، فَغُشِيَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، ثُمَّ أَفَاقَ وَقَدْ تَحَوَّلَ مَلَكُ الْمَوْتِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى، فَقَالَ: يَا مَلَكَ الْمَوْتِ لَوْ لَمْ يَلْقَ الْكَافِرُ عِنْدَ الْمَوْتِ مِنَ الْبَلَاءِ وَالْحُزْنِ إِلَّا صُورَتَكَ لَكَفَاهُ، فَأَرِنِي كَيْفَ تَقْبِضُ أَنْفَاسَ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ: فَأَعْرِضْ، فَأَعْرَضَ إِبْرَاهِيمُ ثُمَّ الْتَفَتَ، فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ شَابٍّ أَحْسَنَ النَّاسِ وَجْهًا وَأَطْيَبَهُ رِيحًا، فِي ثِيَابٍ بِيضٍ، فَقَالَ: يَا مَلَكَ الْمَوْتِ، لَوْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُؤْمِنِ عِنْدَ رَبِّهِ مِنْ قُرَّةِ الْعَيْنِ ⦗٦٢٨⦘ وَالْكَرَامَةِ إِلَّا صُورَتَكَ هَذِهِ لَكَانَ يَكْفِيهِ، فَانْطَلَقَ مَلَكُ الْمَوْتِ، وَقَامَ إِبْرَاهِيمُ يَدْعُو رَبَّهُ يَقُولُ: ﴿رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى﴾ [البقرة: ٢٦٠] حَتَّى أَعْلَمَ أَنِّي خَلِيلُكَ ﴿قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ﴾ [البقرة: ٢٦٠] بِأَنِّي خَلِيلُكَ، يَقُولُ تُصَدِّقُ، ﴿قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾ [البقرة: ٢٦٠] بِخُلُولَتِكَ»
٤ / ٦٢٧
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: ﴿وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾ [البقرة: ٢٦٠] قَالَ: «بِالْخُلَّةِ» وَقَالَ آخَرُونَ: قَالَ ذَلِكَ لِرَبِّهِ؛ لِأَنَّهُ شَكَّ فِي قُدْرَةِ اللَّهِ عَلَى إِحْيَاءِ الْمَوْتَى
٤ / ٦٢٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾ [البقرة: ٢٦٠] قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «مَا فِي الْقُرْآنِ آيَةٌ أَرْجَى عِنْدِي مِنْهَا»
٤ / ٦٢٨
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، قَالَ: سَمِعْتُ زَيْدَ بْنَ عَلِيٍّ، يُحَدِّثُ عَنْ رَجُلٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: «اتَّعَدَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو أَنْ يَجْتَمِعَا، قَالَ: وَنَحْنُ يَوْمَئِذٍ شَبَبَةٌ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: أَيُّ آيَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ أَرْجَى لِهَذِهِ الْأُمَّةِ؟ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو ﴿يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ﴾ [الزمر: ٥٣] حَتَّى خَتَمَ الْآيَةَ، فَقَالَ ابْنُ ⦗٦٢٩⦘ عَبَّاسٍ: أَمَا إِنْ كُنْتَ تَقُولُ إِنَّهَا، وَإِنَّ أَرْجَى مِنْهَا لِهَذِهِ الْأُمَّةِ قَوْلُ إِبْرَاهِيمَ ﷺ ﴿رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾ [البقرة: ٢٦٠]»
٤ / ٦٢٨
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثني الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: سَأَلْتُ عَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ قَوْلِهِ: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾ [البقرة: ٢٦٠] قَالَ: «دَخَلَ قَلْبَ إِبْرَاهِيمَ بَعْضُ مَا يَدْخُلُ قُلُوبَ النَّاسِ، فَقَالَ: ﴿رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى﴾ [البقرة: ٢٦٠]، ﴿قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ﴾ [البقرة: ٢٦٠] لِيُرِيَهُ»
٤ / ٦٢٩
حَدَّثَنِي زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى بْنِ أَبَانَ الْمِصْرِيُّ، قَالَا: ثنا سَعِيدُ بْنُ تَلِيدٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ، قَالَ: ثني بَكْرُ بْنُ مُضَرَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «نَحْنُ أَحَقُّ بِالشَّكِّ مِنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ﴿رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى، قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾ [البقرة: ٢٦٠]» حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ ⦗٦٣٠⦘ شِهَابٍ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: فَذَكَرَ نَحْوَهُ وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ، مَا صَحَّ بِهِ الْخَبَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ، وَهُوَ قَوْلُهُ: «نَحْنُ أَحَقُّ بِالشَّكِّ مِنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى، قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ» وَأَنْ تَكُونَ مَسْأَلَتُهُ رَبَّهُ مَا سَأَلَهُ أَنْ يُرِيَهُ مِنْ إِحْيَاءِ الْمَوْتَى لِعَارِضٍ مِنَ الشَّيْطَانِ عَرَضَ فِي قَلْبِهِ
٤ / ٦٢٩
كَالَّذِي ذَكَرْنَا عَنِ ابْنِ زَيْدٍ آنِفًا «مِنْ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ لَمَّا رَأَى الْحُوتَ الَّذِي بَعْضُهُ فِي الْبَرِّ وَبَعْضُهُ فِي الْبَحْرِ قَدْ تَعَاوَرَهُ دَوَابُّ الْبَرِّ وَدَوَابُّ الْبَحْرِ وَطَيْرُ الْهَوَاءِ، أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي نَفْسِهِ فَقَالَ: مَتَى يَجْمَعُ اللَّهُ هَذَا مِنْ بُطُونِ هَؤُلَاءِ؟ فَسَأَلَ إِبْرَاهِيمُ حِينَئِذٍ رَبَّهُ أَنْ يُرِيَهُ كَيْفَ يُحْيِي الْمَوْتَى لِيُعَايِنَ ذَلِكَ عِيَانًا، فَلَا يَقْدِرَ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّيْطَانُ أَنْ يُلْقِيَ فِي قَلْبِهِ مِثْلَ الَّذِي أَلْقَى فِيهِ عِنْدَ رُؤْيَتِهِ مَا رَأَى مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ رَبُّهُ: ﴿أَوَلَمْ تُؤْمِنْ﴾ [البقرة: ٢٦٠] يَقُولُ: أَوَلَمْ تُصَدِّقْ يَا إِبْرَاهِيمُ بِأَنِّي عَلَى ذَلِكَ قَادِرٌ؟ قَالَ: بَلَى يَا رَبِّ، لَكِنْ سَأَلْتُكَ أَنْ تُرِيَنِي ذَلِكَ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي، فَلَا يَقْدِرَ الشَّيْطَانُ أَنْ يُلْقِيَ فِي قَلْبِي مِثْلَ الَّذِي فَعَلَ عِنْدَ رُؤْيَتِي هَذَا الْحُوتَ» حَدَّثَنِي بِذَلِكَ، يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنِ ابْنِ زَيْدٍ وَمَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾ [البقرة: ٢٦٠] لِيَسْكُنَ وَيَهْدَأَ بِالْيَقِينِ الَّذِي يَسْتَيْقِنُهُ، وَهَذَا التَّأْوِيلُ الَّذِي قُلْنَاهُ فِي ذَلِكَ هُوَ تَأْوِيلُ الَّذِينَ وَجَّهُوا مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾ [البقرة: ٢٦٠] إِلَى أَنَّهُ لِيَزْدَادَ إِيمَانًا، أَوْ إِلَى أَنَّهُ لِيُوَفَّقَ
٤ / ٦٣٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: لِيُوَفَّقَ، أَوْ لِيَزْدَادَ يَقِينًا أَوْ إِيمَانًا
٤ / ٦٣١
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا أَبُو نُعَيْمٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: ﴿لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾ [البقرة: ٢٦٠] قَالَ: «لِيُوَفَّقَ»
٤ / ٦٣١
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، وَحَدَّثنا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: ﴿لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾ [البقرة: ٢٦٠] قَالَ: «لِيَزْدَادَ يَقِينِي»
٤ / ٦٣١
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا أَبُو زُهَيْرٍ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ: ﴿وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾ [البقرة: ٢٦٠] يَقُولُ: «لِيَزْدَادَ يَقِينًا»
٤ / ٦٣١
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾ [البقرة: ٢٦٠] قَالَ: «وَأَرَادَ نَبِيُّ اللَّهِ إِبْرَاهِيمُ لِيَزْدَادَ يَقِينًا إِلَى يَقِينِهِ» حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: قَالَ مَعْمَرٌ وَقَالَ قَتَادَةُ: «لِيَزْدَادَ يَقِينًا»
٤ / ٦٣١
حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ: ﴿وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾ [البقرة: ٢٦٠] قَالَ: «أَرَادَ إِبْرَاهِيمُ أَنْ يَزْدَادَ يَقِينًا»
٤ / ٦٣١
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ الْبَصْرِيُّ، قَالَ: ثنا إِسْرَائِيلُ، قَالَ: ثنا أَبُو الْهَيْثَمِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: ﴿لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾ [البقرة: ٢٦٠] قَالَ: «لِيَزْدَادَ يَقِينِي» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: ﴿وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾ [البقرة: ٢٦٠] قَالَ: «لِيَزْدَادَ يَقِينًا»
٤ / ٦٣٢
حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ مِسْمَارٍ، قَالَ: ثنا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، قَالَ: ثنا خَلَفُ بْنُ خَلِيفَةَ، قَالَ: ثنا لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، وَإِبْرَاهِيمَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾ [البقرة: ٢٦٠] قَالَ: «لِأَزْدَادَ إِيمَانًا مَعَ إِيِمَانِي»
٤ / ٦٣٢
حَدَّثَنَا صَالِحٌ، قَالَ: ثنا زَيْدٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا زِيَادٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الْعَامِرِيِّ، قَالَ: ثنا لَيْثٌ، عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾ [البقرة: ٢٦٠] قَالَ: «لِأَزْدَادَ إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِي» وَقَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا مَضَى قَوْلَ مَنْ قَالَ: مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾ [البقرة: ٢٦٠] بِأَنِّي خَلِيلُكَ. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾ [البقرة: ٢٦٠] لَأَعْلَمَ أَنَّكَ تُجِيبُنِي إِذَا دَعَوْتُكَ وَتُعْطِينِي إِذَا سَأَلْتُكَ
٤ / ٦٣٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾ [البقرة: ٢٦٠] قَالَ: «أَعْلَمُ أَنَّكَ تُجِيبُنِي إِذَا دَعَوْتُكَ، وَتُعْطِينِي إِذَا سَأَلْتُكَ» وَأَمَّا تَأْوِيلُ قَوْلِهِ: ﴿قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ﴾ [البقرة: ٢٦٠] فَإِنَّهُ: أَوَ لَمْ تُصَدِّقْ؟
٤ / ٦٣٣
كَمَا: حَدَّثَنِي مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، وَحَدَّثنا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَوْلُهُ: ﴿أَوَلَمْ تُؤْمِنْ﴾ [البقرة: ٢٦٠] قَالَ: «أَوَلَمْ تُوقِنْ بِأَنِّي خَلِيلُكَ»؟
٤ / ٦٣٣
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿أَوَلَمْ تُؤْمِنْ﴾ [البقرة: ٢٦٠] قَالَ: «أَوَلَمْ تُوقِنْ»؟
٤ / ٦٣٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ﴾ [البقرة: ٢٦٠] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِذَلِكَ: قَالَ اللَّهُ لَهُ: فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ، فَذُكِرَ أَنَّ الْأَرْبَعَةَ مِنَ الطَّيْرِ: الدِّيكُ، وَالطَّاوُوسُ، وَالْغُرَابُ، وَالْحَمَامُ
٤ / ٦٣٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، قَالَ: ثَنَّى مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ بَعْضِ، أَهْلِ الْعِلْمِ «أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ، الْأَوَّلِ يَذْكُرُونَ أَنَّهُ أَخَذَ طَاوُوسًا، وَدِيكًا، وَغُرَابًا، وَحَمَامًا»
٤ / ٦٣٤
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «الْأَرْبَعَةُ مِنَ الطَّيْرِ: الدِّيكُ، وَالطَّاوُوسُ، وَالْغُرَابُ، وَالْحَمَامُ»
٤ / ٦٣٤
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ: ﴿قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ﴾ [البقرة: ٢٦٠] قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: «زَعَمُوا أَنَّهُ دِيكٌ، وَغُرَابٌ، وَطَاوُوسٌ، وَحَمَامَةٌ»
٤ / ٦٣٤
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنَ زَيْدٍ: ﴿قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ﴾ [البقرة: ٢٦٠] قَالَ: «فَأَخَذَ طَاوُوسًا، وَحَمَامًا، وَغُرَابًا، وَدِيكًا؛ مُخَالَفَةً أَجْنَاسُهَا وَأَلْوَانُهَا»
٤ / ٦٣٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ﴾ [البقرة: ٢٦٠] اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْحِجَازِ وَالْبَصْرَةِ: ﴿فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ﴾ [البقرة: ٢٦٠] بِضَمِّ الصَّادِّ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: صِرْتُ إِلَى هَذَا الْأَمْرِ: إِذَا مِلْتُ إِلَيْهِ أَصُورُ صَوْرًا، وَيُقَالُ: إِنِّي إِلَيْكُمْ لَأَصْوَرُ أَيْ مُشْتَاقٌ مَائِلٌ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
[البحر البسيط]
[البحر البسيط]
٤ / ٦٣٤
اللَّهُ يَعْلَمُ أَنَّا فِي تَلَفُّتِنَا … يَوْمَ الْفِرَاقِ إِلَى أَحَبَابِنَا صُورُ
وَهُوَ جَمْعٌ، أَصْوُرُ وَصَوْرَاءُ وَصُورٌ، مِثْلُ أَسْوَدَ وَسَوْدَاءَ وَسُودٍ، وَمِنْهُ قَوْلُ الطِّرِمَّاحِ:
[البحر الطويل] عَفَائِفُ إِلَّا ذَاكَ أَوْ أَنْ يَصُورَهَا … هَوًى وَالْهَوَى لِلْعَاشِقِينَ صَرُوعُ
يَعْنِي بِقَوْلِهِ: «أَوْ أَنْ يَصُورَهَا هَوًى»: يِمِيلُهَا. فَمَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ﴾ [البقرة: ٢٦٠] اضْمُمْهُنَّ إِلَيْكَ وَوَجِّهْهُنَّ نَحْوَكَ، كَمَا يُقَالُ: صُرْ وَجْهَكَ إِلَيَّ، أَيْ أَقْبِلْ بِهِ إِلَيَّ، وَمِنْ وَجْهِ قَوْلِهِ: ﴿فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ﴾ [البقرة: ٢٦٠] إِلَى هَذَا التَّأْوِيلِ كَانَ فِي الْكَلَامِ عِنْدَهُ مَتْرُوكٌ قَدْ تَرَكَ ذَكَرَهُ اسْتِغْنَاءً بِدَلَالَةِ الظَّاهِرِ عَلَيْهِ، وَيَكُونُ مَعْنَاهُ حِينَئِذٍ عِنْدَهُ، قَالَ: فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ، ثُمَّ قَطِّعْهُنَّ، ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا. وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى ذَلِكَ إِذَا قُرِئَ كَذَلِكَ بِضَمِّ الصَّادِ: قَطِّعْهُنَّ كَمَا قَالَ تَوْبَةُ بْنُ الْحُمَيِّرِ:
[البحر الطويل] فَلَمَّا جَذَبْتُ الْحَبْلَ أَطَّتْ نُسُوعُهُ … بِأَطْرَافِ عِيدَانٍ شَدِيدٍ أُسُورُهَا
فَأَدْنَتْ لِي الْأَسْبَابَ حَتَّى بَلَغْتُهَا … بِنَهْضِي وَقَدْ كَانَ ارْتَقَائِي يَصُورُهَا
وَهُوَ جَمْعٌ، أَصْوُرُ وَصَوْرَاءُ وَصُورٌ، مِثْلُ أَسْوَدَ وَسَوْدَاءَ وَسُودٍ، وَمِنْهُ قَوْلُ الطِّرِمَّاحِ:
[البحر الطويل] عَفَائِفُ إِلَّا ذَاكَ أَوْ أَنْ يَصُورَهَا … هَوًى وَالْهَوَى لِلْعَاشِقِينَ صَرُوعُ
يَعْنِي بِقَوْلِهِ: «أَوْ أَنْ يَصُورَهَا هَوًى»: يِمِيلُهَا. فَمَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ﴾ [البقرة: ٢٦٠] اضْمُمْهُنَّ إِلَيْكَ وَوَجِّهْهُنَّ نَحْوَكَ، كَمَا يُقَالُ: صُرْ وَجْهَكَ إِلَيَّ، أَيْ أَقْبِلْ بِهِ إِلَيَّ، وَمِنْ وَجْهِ قَوْلِهِ: ﴿فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ﴾ [البقرة: ٢٦٠] إِلَى هَذَا التَّأْوِيلِ كَانَ فِي الْكَلَامِ عِنْدَهُ مَتْرُوكٌ قَدْ تَرَكَ ذَكَرَهُ اسْتِغْنَاءً بِدَلَالَةِ الظَّاهِرِ عَلَيْهِ، وَيَكُونُ مَعْنَاهُ حِينَئِذٍ عِنْدَهُ، قَالَ: فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ، ثُمَّ قَطِّعْهُنَّ، ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا. وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى ذَلِكَ إِذَا قُرِئَ كَذَلِكَ بِضَمِّ الصَّادِ: قَطِّعْهُنَّ كَمَا قَالَ تَوْبَةُ بْنُ الْحُمَيِّرِ:
[البحر الطويل] فَلَمَّا جَذَبْتُ الْحَبْلَ أَطَّتْ نُسُوعُهُ … بِأَطْرَافِ عِيدَانٍ شَدِيدٍ أُسُورُهَا
فَأَدْنَتْ لِي الْأَسْبَابَ حَتَّى بَلَغْتُهَا … بِنَهْضِي وَقَدْ كَانَ ارْتَقَائِي يَصُورُهَا
٤ / ٦٣٥
يَعْنِي يَقْطَعُهَا، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ تَأْوِيلَ قَوْلِهِ: ﴿فَصُرْهُنَّ إليك﴾ [البقرة: ٢٦٠]، كان في الكلام تقديم وتأخير، ويكون معناه فخذ أربعة من الطير إليك فصرهن وَيَكُونُ ﴿إِلَيْكَ﴾ [البقرة: ٤] مِنْ صِلَةِ ﴿خُذْ﴾ [الأعراف: ١٩٩] وَقَرَأَ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ: (فَصِرْهُنَّ إِلَيْكَ) بِالْكَسْرِ، بِمَعْنَى قَطِّعْهُنَّ. وَقَدْ زَعَمَ جَمَاعَةٌ مِنْ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ أَنَّهُمْ لَا يَعْرِفُونَ فَصُرْهُنَّ وَلَا فَصِرْهُنَّ، بِمَعْنَى قَطِّعْهُنَّ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، وَأَنَّهُمْ لَا يَعْرِفُونَ كَسْرَ الصَّادِ وَضَمِّهَا فِي ذَلِكَ إِلَّا بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَأَنَّهُمَا جَمِيعًا لُغَتَانِ بِمَعْنَى الْإِمَالَةِ، وَأَنَّ كَسْرَ الصَّادِ مِنْهَا لُغَةٌ فِي هُذَيْلٍ وَسُلَيْمٍ، وَأَنْشَدُوا لِبَعْضِ بَنِي سُلَيْمٍ:
[البحر الطويل] وَفَرْعٍ يَصِيرُ الْجِيدَ وَحْفٍ كَأَنَّهُ … عَلَى اللَّيْتِ قِنْوَانُ الْكُرُومِ الدَّوَالِحُ
يَعْنِي بِقَوْلِهِ يَصِيرُ: يَمِيلُ، وَأَنَّ أَهْلَ هَذِهِ اللُّغَةِ يَقُولُونَ: صَارَهُ وَهُوَ يَصِيرُهُ صَيْرًا، وَصِرْ وَجْهَكَ إِلَيَّ: أَيْ أَمِلْهُ، كَمَا تَقُولُ: صُرْهُ. وَزَعَمَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ أَنَّهُ لَا يُعْرَفُ لِقَوْلِهِ: ﴿فَصُرْهُنَّ﴾ [البقرة: ٢٦٠] وَلَا لِقِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ: ﴿فَصُرْهُنَّ﴾ [البقرة: ٢٦٠] بِضَمِّ الصَّادِ وَكَسْرِهَا وَجْهًا فِي التَّقْطِيعِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ ﴿فَصُرْهُنَّ﴾ [البقرة: ٢٦٠] إِلَيْكَ فِي قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَهُ بِكَسْرِ الصَّادِ مِنَ الْمَقْلُوبِ، وَذَلِكَ أَنْ تَكُونَ لَامُ فِعْلِهِ جُعِلَتْ مَكَانَ عَيْنِهِ، وَعَيْنُهُ مَكَانَ لَامِهِ، فَيَكُونُ مِنْ صَرَى يَصْرِي صَرْيًا،
[البحر الطويل] وَفَرْعٍ يَصِيرُ الْجِيدَ وَحْفٍ كَأَنَّهُ … عَلَى اللَّيْتِ قِنْوَانُ الْكُرُومِ الدَّوَالِحُ
يَعْنِي بِقَوْلِهِ يَصِيرُ: يَمِيلُ، وَأَنَّ أَهْلَ هَذِهِ اللُّغَةِ يَقُولُونَ: صَارَهُ وَهُوَ يَصِيرُهُ صَيْرًا، وَصِرْ وَجْهَكَ إِلَيَّ: أَيْ أَمِلْهُ، كَمَا تَقُولُ: صُرْهُ. وَزَعَمَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ أَنَّهُ لَا يُعْرَفُ لِقَوْلِهِ: ﴿فَصُرْهُنَّ﴾ [البقرة: ٢٦٠] وَلَا لِقِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ: ﴿فَصُرْهُنَّ﴾ [البقرة: ٢٦٠] بِضَمِّ الصَّادِ وَكَسْرِهَا وَجْهًا فِي التَّقْطِيعِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ ﴿فَصُرْهُنَّ﴾ [البقرة: ٢٦٠] إِلَيْكَ فِي قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَهُ بِكَسْرِ الصَّادِ مِنَ الْمَقْلُوبِ، وَذَلِكَ أَنْ تَكُونَ لَامُ فِعْلِهِ جُعِلَتْ مَكَانَ عَيْنِهِ، وَعَيْنُهُ مَكَانَ لَامِهِ، فَيَكُونُ مِنْ صَرَى يَصْرِي صَرْيًا،
٤ / ٦٣٦
فَإِنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ: بَاتَ يُصْرِي فِي حَوْضِهِ: إِذَا اسْتَقَى، ثُمَّ قَطَعَ وَاسْتَقَى، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
[البحر الطويل] صَرَتْ نَطْرَةً لَوْ صَادَفَتْ جَوْزَ دَارِعٍ … غَدَا وَالْعَوَاصِي مِنْ دَمِ الْجَوْفِ تَنْعَرُ
صَرَتْ: قَطَعَتْ نَظْرَةً، وَمِنْهُ قَوْلُ الْآخَرِ:
يَقُولُونَ إِنَّ الشَّامَ يَقْتُلُ أَهْلَهُ … فَمَنْ لِي إِذَا لَمْ آتِهِ بِخُلُودِ
تَعَرَّبَ آبَائِي فَهَلَّا صَرَاهُمُ … مِنَ الْمَوْتِ أَنْ لَمْ يَذْهَبُوا وَجُدُودِي
يَعْنِي قَطَعَهُمْ، ثُمَّ نُقِلَتْ يَاؤُهَا الَّتِي هِيَ لَامُ الْفِعْلِ فَجُعِلَتْ عَيْنًا لِلْفِعْلِ، وَحُوِّلَتْ عَيْنُهَا فَجُعِلَتْ لَامَهَا، فَقِيلَ صَارَ يَصِيرُ، كَمَا قِيلَ: عَثِيَ يَعْثَى عَثًا، ثُمَّ حُوِّلَتْ لَامُهَا، فَجُعِلَتْ عَيْنَهَا، فَقِيلَ عَاثَ يَعِيثُ. فَأَمَّا نَحْوِيُّو الْبَصْرَةِ فَإِنَّهُمْ قَالُوا: ﴿فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ﴾ [البقرة: ٢٦٠] سَوَاءٌ مَعْنَاهُ إِذَا قُرِئَ بِالضَّمِّ مِنَ الصَّادِ وَبِالْكَسْرِ فِي أَنَّهُ مَعْنِيُّ بِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ التَّقْطِيعُ، قَالُوا: وَهُمَا لُغَتَانِ: إِحْدَاهُمَا صَارَ يَصُورُ، وَالْأُخْرَى صَارَ يَصِيرُ، وَاسْتَشْهَدُوا عَلَى ذَلِكَ بِبَيْتِ تَوْبَةَ بْنِ الْحُمَيِّرِ الَّذِي ذَكَرْنَا قَبْلُ، وَبِبَيْتِ الْمُعَلَّى بْنِ جَمَّالٍ الْعَبْدِيِّ:
[البحر الوافر] وَجَاءَتْ خِلْعَةٌ دُهْسٌ صَفَايَا … يَصُورُ عُنُوقَهَا أَحْوَى زَنِيمُ
[البحر الطويل] صَرَتْ نَطْرَةً لَوْ صَادَفَتْ جَوْزَ دَارِعٍ … غَدَا وَالْعَوَاصِي مِنْ دَمِ الْجَوْفِ تَنْعَرُ
صَرَتْ: قَطَعَتْ نَظْرَةً، وَمِنْهُ قَوْلُ الْآخَرِ:
يَقُولُونَ إِنَّ الشَّامَ يَقْتُلُ أَهْلَهُ … فَمَنْ لِي إِذَا لَمْ آتِهِ بِخُلُودِ
تَعَرَّبَ آبَائِي فَهَلَّا صَرَاهُمُ … مِنَ الْمَوْتِ أَنْ لَمْ يَذْهَبُوا وَجُدُودِي
يَعْنِي قَطَعَهُمْ، ثُمَّ نُقِلَتْ يَاؤُهَا الَّتِي هِيَ لَامُ الْفِعْلِ فَجُعِلَتْ عَيْنًا لِلْفِعْلِ، وَحُوِّلَتْ عَيْنُهَا فَجُعِلَتْ لَامَهَا، فَقِيلَ صَارَ يَصِيرُ، كَمَا قِيلَ: عَثِيَ يَعْثَى عَثًا، ثُمَّ حُوِّلَتْ لَامُهَا، فَجُعِلَتْ عَيْنَهَا، فَقِيلَ عَاثَ يَعِيثُ. فَأَمَّا نَحْوِيُّو الْبَصْرَةِ فَإِنَّهُمْ قَالُوا: ﴿فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ﴾ [البقرة: ٢٦٠] سَوَاءٌ مَعْنَاهُ إِذَا قُرِئَ بِالضَّمِّ مِنَ الصَّادِ وَبِالْكَسْرِ فِي أَنَّهُ مَعْنِيُّ بِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ التَّقْطِيعُ، قَالُوا: وَهُمَا لُغَتَانِ: إِحْدَاهُمَا صَارَ يَصُورُ، وَالْأُخْرَى صَارَ يَصِيرُ، وَاسْتَشْهَدُوا عَلَى ذَلِكَ بِبَيْتِ تَوْبَةَ بْنِ الْحُمَيِّرِ الَّذِي ذَكَرْنَا قَبْلُ، وَبِبَيْتِ الْمُعَلَّى بْنِ جَمَّالٍ الْعَبْدِيِّ:
[البحر الوافر] وَجَاءَتْ خِلْعَةٌ دُهْسٌ صَفَايَا … يَصُورُ عُنُوقَهَا أَحْوَى زَنِيمُ
٤ / ٦٣٧
بِمَعْنَى يُفَرَّقُ عُنُوقَهَا وَيَقْطَعُهَا، وَبِبَيْتِ خَنْسَاءَ:
[البحر البسيط] لَظَلَّتِ الشُّمُّ مِنْهَا وَهِيَ تَنْصَارُ
يَعْنِي بِالشُّمِّ: الْجِبَالَ أَنَّهَا تَتَصَدَّعُ وَتَتَفَرَّقُ، وَبِبَيْتِ أَبِي ذُؤَيْبٍ:
[البحر الكامل] فَانْصَرْنَ مِنْ فَزَعٍ وَسَدَّ فُرُوجَهَ … غُبْرٌ ضَوَارٍ وَافِيَانِ وَأَجْدُعُ
قَالُوا: فَلِقَوْلِ الْقَائِلِ: صُرْتُ الشَّيْءَ مَعْنَيَانِ: أَمَلْتُهُ وَقَطَعْتُهُ، وَحَكَوْا سَمَاعًا: صُرْنَا بِهِ الْحُكْمَ: فَصَلْنَا بِهِ الْحُكْمَ. وَهَذَا الْقَوْلُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنِ الْبَصْرِيِّينَ مِنْ أَنَّ مَعْنَى الضَّمِّ فِي الصَّادِّ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ﴾ [البقرة: ٢٦٠] وَالْكَسْرِ سَوَاءٌ بِمَعْنًى وَاحِدٌ، وَأَنَّهُمَا لُغَتَانِ مَعْنَاهُمَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ فَقَطِّعْهُنَّ، وَأَنَّ مَعْنَى ﴿إِلَيْكَ﴾ [البقرة: ٤] تَقْدِيمَهَا قَبْلَ ﴿فَصُرْهُنَّ﴾ [البقرة: ٢٦٠] مِنْ أَجْلِ أَنَّهَا صِلَةُ قَوْلِهِ: ﴿فَخُذْ﴾ [البقرة: ٢٦٠]، أَوْلَى بِالصَّوَابِ مِنْ قَوْلِ الَّذِينَ حَكَيْنَا قَوْلَهُمْ مِنْ نَحْوِيِّيِ الْكُوفِيِّينَ الَّذِي أَنْكَرُوا أَنْ يَكُونَ لِلتَّقْطِيعِ فِي ذَلِكَ وَجْهٌ مَفْهُومٌ إِلَّا عَلَى مَعْنَى الْقَلْبِ الَّذِي ذَكَرْتُ لِإِجْمَاعِ أَهْلِ التَّأْوِيلِ عَلَى أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿فَصُرْهُنَّ﴾ [البقرة: ٢٦٠] غَيْرُ خَارِجٍ مِنْ أَحَدِ مَعْنَيَيْنِ: إِمَّا قَطِّعْهُنَّ، وَإِمَّا اضْمُمْهُنَّ إِلَيْكَ، بِالْكَسْرِ قُرِئَ ذَلِكَ أَوْ بِالضَّمِّ، فَفِي إِجْمَاعِ جَمِيعِهِمْ عَلَى ذَلِكَ عَلَى غَيْرِ مُرَاعَاةٍ مِنْهُمْ كَسْرُ
[البحر البسيط] لَظَلَّتِ الشُّمُّ مِنْهَا وَهِيَ تَنْصَارُ
يَعْنِي بِالشُّمِّ: الْجِبَالَ أَنَّهَا تَتَصَدَّعُ وَتَتَفَرَّقُ، وَبِبَيْتِ أَبِي ذُؤَيْبٍ:
[البحر الكامل] فَانْصَرْنَ مِنْ فَزَعٍ وَسَدَّ فُرُوجَهَ … غُبْرٌ ضَوَارٍ وَافِيَانِ وَأَجْدُعُ
قَالُوا: فَلِقَوْلِ الْقَائِلِ: صُرْتُ الشَّيْءَ مَعْنَيَانِ: أَمَلْتُهُ وَقَطَعْتُهُ، وَحَكَوْا سَمَاعًا: صُرْنَا بِهِ الْحُكْمَ: فَصَلْنَا بِهِ الْحُكْمَ. وَهَذَا الْقَوْلُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنِ الْبَصْرِيِّينَ مِنْ أَنَّ مَعْنَى الضَّمِّ فِي الصَّادِّ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ﴾ [البقرة: ٢٦٠] وَالْكَسْرِ سَوَاءٌ بِمَعْنًى وَاحِدٌ، وَأَنَّهُمَا لُغَتَانِ مَعْنَاهُمَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ فَقَطِّعْهُنَّ، وَأَنَّ مَعْنَى ﴿إِلَيْكَ﴾ [البقرة: ٤] تَقْدِيمَهَا قَبْلَ ﴿فَصُرْهُنَّ﴾ [البقرة: ٢٦٠] مِنْ أَجْلِ أَنَّهَا صِلَةُ قَوْلِهِ: ﴿فَخُذْ﴾ [البقرة: ٢٦٠]، أَوْلَى بِالصَّوَابِ مِنْ قَوْلِ الَّذِينَ حَكَيْنَا قَوْلَهُمْ مِنْ نَحْوِيِّيِ الْكُوفِيِّينَ الَّذِي أَنْكَرُوا أَنْ يَكُونَ لِلتَّقْطِيعِ فِي ذَلِكَ وَجْهٌ مَفْهُومٌ إِلَّا عَلَى مَعْنَى الْقَلْبِ الَّذِي ذَكَرْتُ لِإِجْمَاعِ أَهْلِ التَّأْوِيلِ عَلَى أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿فَصُرْهُنَّ﴾ [البقرة: ٢٦٠] غَيْرُ خَارِجٍ مِنْ أَحَدِ مَعْنَيَيْنِ: إِمَّا قَطِّعْهُنَّ، وَإِمَّا اضْمُمْهُنَّ إِلَيْكَ، بِالْكَسْرِ قُرِئَ ذَلِكَ أَوْ بِالضَّمِّ، فَفِي إِجْمَاعِ جَمِيعِهِمْ عَلَى ذَلِكَ عَلَى غَيْرِ مُرَاعَاةٍ مِنْهُمْ كَسْرُ
٤ / ٦٣٨
الصَّادِّ وَضَمُّهَا، وَلَا تَفْرِيقَ مِنْهُمْ بَيْنَ مَعْنَيَيِ الْقِرَاءَتَيْنِ أَعْنِي الْكَسْرَ وَالضَّمَّ، أَوْضَحُ الدَّلِيلِ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِ الْقَائِلِينَ مِنْ نَحْوِيِّي أَهْلِ الْبَصْرَةِ فِي ذَلِكَ مَا حَكَيْنَا عَنْهُمْ مِنَ الْقَوْلِ، وَخَطَأٌ قَوْلُ نَحْوِيِّيِ الْكُوفِيِّينَ؛ لِأَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا إِنَّمَا تَأَوَّلُوا قَوْلَهُ: ﴿فَصُرْهُنَّ﴾ [البقرة: ٢٦٠] بِمَعْنَى فَقَطِّعْهُنَّ، عَلَى أَنَّ أَصْلَ الْكَلَامِ فَاصَرِّهُنَّ، ثُمَّ قُلِبَتْ فَقِيلَ فَصِرْهُنَّ بِكَسْرِ الصَّادِ لَتَحُولُ يَاءُ فَاصَرِّهُنَّ مَكَانَ رَائِهِ، وَانْتِقَالُ رَائِهِ مَكَانَ يَائِهِ، لَكَانَ لَا شَكَّ مَعَ مَعْرِفَتِهِمْ بَلَغَتِهِمْ وَعِلْمِهِمْ بِمَنْطِقِهِمْ، قَدْ فَصَلُوا بَيْنَ مَعْنَى ذَلِكَ إِذَا قُرِئَ بِكَسْرِ صَادِهِ، وَبَيْنَهُ إِذَا قُرِئَ بِضَمِّهَا، إِذْ كَانَ غَيْرُ جَائِزٍ لِمَنْ قَلَبَ فَاصَرِّهُنَّ إِلَى فَصِرْهُنَّ أَنْ يَقْرَأْهُ فَصُرْهُنَّ بِضَمِّ الصَّادِ، وَهُمْ مَعَ اخْتِلَافِ قِرَاءَتِهِمْ ذَلِكَ قَدْ تَأَوَّلُوهُ تَأْوِيلًا وَاحِدًا عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرْنَا، فَفِي ذَلِكَ أَوْضَحُ الدَّلِيلِ عَلَى خَطَأِ قَوْلِ مَنْ قَالَ: إِنَّ ذَلِكَ إِذَا قُرِئَ بِكَسْرِ الصَّادِ بِتَأْوِيلِ التَّقْطِيعِ مَقْلُوبًا مِنْ صَرَّى يُصَرِّي إِلَى صَارَ يَصِيرُ، وَجَهَلَ مَنْ زَعَمَ أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ صَارَ يَصُورُ وَصَارَ يَصِيرُ غَيْرُ مَعْرُوفٍ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ بِمَعْنَى قَطَعَ. ذَكَرَ مَنْ حَضَرْنَا قَوْلَهُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿فَصُرْهُنَّ﴾ [البقرة: ٢٦٠] أَنَّهُ بِمَعْنَى فَقَطِّعْهُنَّ
٤ / ٦٣٩
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّلْتِ، قَالَ: ثنا أَبُو كُدَيْنَةَ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿فَصُرْهُنَّ﴾ [البقرة: ٢٦٠] قَالَ: «هِيَ نَبَطِيَّةٌ فَشَقِّقْهُنَّ»
٤ / ٦٣٩
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي جَمْرَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ ⦗٦٤٠⦘ إِلَيْكَ﴾ [البقرة: ٢٦٠] قَالَ: «إِنَّمَا هُوَ مِثْلُ»، قَالَ: «قَطِّعْهُنَّ ثُمَّ اجْعَلْهُنَّ فِي أَرْبَاعِ الدُّنْيَا، رُبْعًا هَا هُنَا، وَرُبْعًا هَاهُنَا، ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا»
٤ / ٦٣٩
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿فَصُرْهُنَّ﴾ [البقرة: ٢٦٠] قَالَ: «قَطَّعْهُنَّ»
٤ / ٦٤٠
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حُصَيْنٌ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ﴾ [البقرة: ٢٦٠] يَقُولُ: «قَطِّعْهُنَّ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ، مِثْلَهُ
٤ / ٦٤٠
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدٍ: ﴿فَصُرْهُنَّ﴾ [البقرة: ٢٦٠] قَالَ: «قَالَ جُنَاحُ ذِهِ عِنْدَ رَأْسِ ذِهِ، وَرَأْسُ ذِهِ عِنْدَ جُنَاحِ ذِهِ»
٤ / ٦٤٠
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: زَعَمَ أَبُو عَمْرٍو، عَنْ عِكْرِمَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ﴾ [البقرة: ٢٦٠] قَالَ: قَالَ عِكْرِمَةُ «بِالنَّبَطِيَّةِ: قَطِّعْهُنَّ»
٤ / ٦٤٠
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ يَحْيَى، ⦗٦٤١⦘ عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ﴾ [البقرة: ٢٦٠] قَالَ: «قَطِّعْهُنَّ»
٤ / ٦٤٠
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ﴾ [البقرة: ٢٦٠] «انْتِفْهُنَّ بِرِيشِهِنَّ وَلُحُومِهِنَّ تَمْزِيقًا، ثُمَّ اخْلِطْ لُحُومَهُنَّ بِرِيشِهِنِّ»
٤ / ٦٤١
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ﴾ [البقرة: ٢٦٠] قَالَ: «انْتِفْهُنَّ بِرِيشِهِنَّ وَلُحُومِهِنَّ تَمْزِيقًا»
٤ / ٦٤١
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ﴾ [البقرة: ٢٦٠] «أُمِرَ نَبِيُّ اللَّهِ عليه السلام أَنْ يَأْخُذَ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَيَذْبَحَهُنَّ، ثُمَّ يَخْلِطَ بَيْنَ لُحُومِهِنَّ وَرِيشِهِنَّ وَدِمَائِهِنَّ»
٤ / ٦٤١
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ﴾ [البقرة: ٢٦٠] قَالَ: «فَمَزِّقْهُنَّ»، قَالَ: «أُمِرَ أَنْ يَخْلِطَ الدِّمَاءَ بِالدِّمَاءِ، وَالرِّيشَ بِالرِّيشِ»، ﴿ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا﴾ [البقرة: ٢٦٠]
٤ / ٦٤١
حُدِّثْتُ عَنِ الحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، ⦗٦٤٢⦘ قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ: ﴿فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ﴾ [البقرة: ٢٦٠] يَقُولُ: «فَشَقِّقْهُنَّ وَهُوَ بِالنَّبَطِيَّةِ صَرَّى، وَهُوَ التَّشْقِيقِ»
٤ / ٦٤١
حَدَّثَنِي مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ﴾ [البقرة: ٢٦٠] يَقُولُ «قَطِّعْهُنَّ»
٤ / ٦٤٢
حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ﴾ [البقرة: ٢٦٠] يَقُولُ «قَطِّعْهُنَّ إِلَيْكَ وَمَزِّقْهُنَّ تَمْزِيقًا»
٤ / ٦٤٢
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: ﴿فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ﴾ [البقرة: ٢٦٠] «أَيْ قَطِّعْهُنَّ، وَهُوَ الصَّوْرُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ» فَفِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَقْوَالِ مَنْ رَوَيْنَا فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: ﴿فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ﴾ [البقرة: ٢٦٠] أَنَّهُ بِمَعْنَى فَقَطِّعْهُنَّ إِلَيْكَ دَلَالَةٌ وَاضِحَةٌ عَلَى صِحَّةِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ، وَفَسَادِ قَوْلِ مَنْ خَالَفَنَا فِيهِ، وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَسَوَاءٌ قَرَأَ الْقَارِئُ ذَلِكَ بِضَمِّ الصَّادِ ﴿فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ﴾ [البقرة: ٢٦٠] أَوْ كَسْرِهَا (فَصِرْهُنَّ) إِذْ كَانَتِ اللُّغَتَانِ مَعْرُوفَتَيْنِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، غَيْرَ أَنَّ الْأَمْرَ وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ أَحَبَّهُمَا إِلَيَّ أَنْ أَقْرَأَ بِهِ ﴿فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ﴾ [البقرة: ٢٦٠] بِضَمِّ الصَّادِ؛ لِأَنَّهَا أَعْلَى اللُّغَتَيْنِ وَأَشْهَرُهُمَا وَأَكْثَرُهُمَا فِي أَحْيَاءِ الْعَرَبِ وَعِنْدَ نَفَرٍ قَلِيلٍ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ أَنَّهَا بِمَعْنَى: أَوْثِقْ
٤ / ٦٤٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ﴾ [البقرة: ٢٦٠] «صُرْهُنَّ: أَوْثِقْهُنَّ»
٤ / ٦٤٣
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ قَوْلُهُ: ﴿فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ﴾ [البقرة: ٢٦٠] قَالَ: «اضْمُمْهُنَّ إِلَيْكَ»
٤ / ٦٤٣
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: ﴿فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ﴾ [البقرة: ٢٦٠] قَالَ: «اجْمَعْهُنَّ»
٤ / ٦٤٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا﴾ [البقرة: ٢٦٠] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: ﴿ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا﴾ [البقرة: ٢٦٠] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَعْنِي بِذَلِكَ عَلَى كُلِّ رُبْعٍ مِنْ أَرْبَاعِ الدُّنْيَا جُزْءًا مِنْهُنَّ
٤ / ٦٤٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي جَمْرَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا﴾ [البقرة: ٢٦٠] قَالَ: «اجْعَلْهُنَّ فِي أَرْبَاعِ الدُّنْيَا: رُبْعًا هَاهُنَا، وَرُبْعًا هَاهُنَا، وَرُبْعًا هَاهُنَا، وَرُبْعًا هَاهُنَا، ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا» ⦗٦٤٤⦘ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا﴾ [البقرة: ٢٦٠] قَالَ: «لَمَّا أَوْثَقَهُنَّ ذَبَحَهُنَّ، ثُمَّ جَعَلَ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا»
٤ / ٦٤٣
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: قَالَ: «أُمِرَ نَبِيُّ اللَّهِ أَنْ يَأْخُذَ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَيَذْبَحَهُنَّ، ثُمَّ يَخْلِطَ بَيْنَ لُحُومِهِنَّ وَرِيشِهِنَّ وَدِمَائِهِنَّ، ثُمَّ يُجَزِّئَهُنَّ عَلَى أَرْبَعَةِ أَجْبُلٍ، فَذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ شَكَلَ عَلَى أَجْنِحَتِهِنَّ، وَأَمْسَكَ بِرُءُوسِهِنَّ بِيَدِهِ، فَجَعَلَ الْعَظْمُ يَذْهَبُ إِلَى الْعَظْمِ، وَالرِّيشَةُ إِلَى الرِّيشَةِ، وَالْبَضْعَةُ إِلَى الْبَضْعَةَ، وَذَلِكَ بِعَيْنِ خَلِيلِ اللَّهِ إِبْرَاهِيمَ ﷺ، ثُمَّ دَعَاهُنَّ فَأَتَيْنَهُ سَعْيًا عَلَى أَرْجُلِهِنَّ، وَيُلْقِي كُلُّ طَيْرٍ بِرَأْسِهِ، وَهَذَا مَثَلٌ آتَاهُ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ، يَقُولُ: كَمَا بَعَثَ هَذِهِ الْأَطْيَارَ مِنْ هَذِهِ الْأَجْبُلِ الْأَرْبَعَةِ، كَذَلِكَ يَبْعَثُ اللَّهُ النَّاسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ أَرْبَاعِ الْأَرْضِ وَنَوَاحِيهَا»
٤ / ٦٤٤
حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، قَالَ: «ذَبَحَهُنَّ، ثُمَّ قَطَّعَهُنَّ، ثُمَّ خَلَطَ بَيْنَ لُحُومِهِنَّ وَرِيشِهِنَّ، ثُمَّ قَسَمَهُنَّ عَلَى أَرْبَعَةِ أَجْزَاءٍ، فَجَعَلَ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا، فَجَعَلَ الْعَظْمُ يَذْهَبُ إِلَى الْعَظْمِ، وَالرِّيشَةَ إِلَى الرِّيشَةِ، وَالْبَضْعَةُ إِلَى الْبَضْعَةِ، وَذَلِكَ بِعَيْنِ خَلِيلِ اللَّهِ إِبْرَاهِيمَ، ثُمَّ دَعَاهُنَّ فَأَتَيْنَهُ سَعْيًا، يَقُولُ: شَدًّا عَلَى أَرْجُلِهِنَّ. وَهَذَا مَثَلٌ أُرَاهُ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ، يَقُولُ: كَمَا بَعَثْتُ ⦗٦٤٥⦘ هَذِهِ الْأَطْيَارَ مِنْ هَذِهِ الْأَجْبُلِ الْأَرْبَعَةِ، كَذَلِكَ يَبْعَثُ اللَّهُ النَّاسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ أَرْبَاعِ الْأَرْضِ وَنَوَاحِيهَا»
٤ / ٦٤٤
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، قَالَ: ثنا ابْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ بَعْضِ، أَهْلِ الْعِلْمِ «أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ، يَذْكُرُونَ أَنَّهُ أَخَذَ الْأَطْيَارَ الْأَرْبَعَةَ، ثُمَّ قَطَّعَ كُلَّ طَيْرٍ بِأَرْبَعَةِ أَجْزَاءٍ، ثُمَّ عَمَدَ إِلَى أَرْبَعَةِ أَجْبَالٍ، فَجَعَلَ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ رُبْعًا مِنْ كُلِّ طَائِرٍ، فَكَانَ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ رُبْعٌ مِنَ الطَّاوُوسِ، وَرُبْعٌ مِنَ الدِّيكِ، وَرُبْعٌ مِنَ الْغُرَابِ وَرُبْعٌ مِنَ الْحَمَامِ، ثُمَّ دَعَاهُنَّ فَقَالَ: تَعَالَيْنَ بِإِذْنِ اللَّهِ كَمَا كُنْتُمْ، فَوَثَبَ كُلُّ رُبْعٍ مِنْهَا إِلَى صَاحِبِهِ حَتَّى اجْتَمَعْنَ، فَكَانَ كُلُّ طَائِرٍ كَمَا كَانَ قَبْلَ أَنْ يَقْطَعُهُ، ثُمَّ أَقْبَلْنَ إِلَيْهِ سَعْيًا، كَمَا قَالَ اللَّهُ، وَقِيلَ: يَا إِبْرَاهِيمُ، هَكَذَا يَجْمَعُ اللَّهُ الْعِبَادَ، وَيُحْيِي الْمَوْتَى لِلْبَعْثِ مِنْ مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا، وَشَامِهَا وَيَمَنِهَا، فَأَرَاهُ اللَّهُ إِحْيَاءَ الْمَوْتَى بِقُدْرَتِهِ، حَتَّى عَرَفَ ذَلِكَ بِغَيْرِ مَا قَالَ نُمْرُوذُ مِنَ الْكَذِبِ وَالْبَاطِلِ»
٤ / ٦٤٥
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: ﴿ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا﴾ [البقرة: ٢٦٠] قَالَ: «فَأَخَذَ طَاوُوسًا، وَحَمَامَةً، وَغُرَابًا، وَدِيكًا»، ثُمَّ قَالَ: «فَرِّقْهُنَّ، اجْعَلْ رَأْسَ كُلِّ وَاحِدٍ وَجُؤْشُوشَ الْآخَرِ وَجَنَاحَيِ الْآخَرِ وَرِجْلَيِ الْآخَرِ مَعَهُ فَقَطَّعَهُنَّ وَفَرَّقَهُنَ أَرْبَاعًا عَلَى الْجِبَالِ، ثُمَّ دَعَاهُنَّ فَجِئْنَهُ جَمِيعًا، فَقَالَ اللَّهُ: كَمَا نَادَيْتَهُنَّ فَجِئْنَكَ، فَكَمَا أُحْيَيْتُ هَؤُلَاءِ وَجَمَعْتُهُنَّ بَعْدَ هَذَا، فَكَذَلِكَ أَجْمَعُ هَؤُلَاءِ أَيْضًا؛ يَعْنِي الْمَوْتَى» ⦗٦٤٦⦘ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنَ الْأَجْبَالِ الَّتِي كَانَتِ الْأَطْيَارُ وَالسِّبَاعُ الَّتِي كَانَتْ تَأْكُلُ مِنْ لَحْمِ الدَّابَّةِ الَّتِي رَآهَا إِبْرَاهِيمُ مَيْتَةً، فَسَأَلَ إِبْرَاهِيمُ عِنْدَ رُؤْيَتِهِ إِيَّاهَا أَنْ يُرِيَهَ كَيْفَ يُحْيِيهَا وَسَائِرَ الْأَمْوَاتِ غَيْرَهَا، وَقَالُوا: كَانَتْ سَبْعَةَ أَجْبَالٍ
٤ / ٦٤٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: «لَمَّا قَالَ إِبْرَاهِيمُ مَا قَالَ عِنْدَ رُؤْيَتِهِ الدَّابَّةَ الَّتِي تَفَرَّقَتِ الطَّيْرُ وَالسِّبَاعُ عَنْهَا حِينَ دَنَا مِنْهَا، وَسَأَلَ رَبَّهُ مَا سَأَلَ، قَالَ: ﴿فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ﴾ [البقرة: ٢٦٠]» قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: «فَذَبَحَهَا ثُمَّ اخْلِطْ بَيْنَ دَمَائِهِنَّ وَرِيشِهِنَّ وَلُحُومِهِنَّ، ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا حَيْثُ رَأَيْتَ الطَّيْرَ ذَهَبَتْ وَالسِّبَاعُ، قَالَ: فَجَعَلَهُنَّ سَبْعَةَ أَجْزَاءٍ، وَأَمْسَكَ رُءُوسَهُنَّ عِنْدَهُ، ثُمَّ دَعَاهُنَّ بِإِذْنِ اللَّهِ، فَنَظَرَ إِلَى كُلِّ قَطْرَةٍ مِنْ دَمٍ تَطِيرُ إِلَى الْقَطْرَةِ الْأُخْرَى، وَكُلِّ رِيشَةٍ تَطِيرُ إِلَى الرِّيشَةِ الْأُخْرَى، وَكُلِّ بَضْعَةٍ وَكُلِّ عَظْمٍ يَطِيرُ بَعْضُهُ إِلَى بَعْضٍ مِنْ رُءُوسِ الْجِبَالِ، حَتَّى لَقِيَتْ كُلُّ جُثَّةٍ بَعْضُهَا بَعْضًا فِي السَّمَاءِ، ثُمَّ أَقْبَلْنَ يَسْعَيْنَ حَتَّى وَصَلَتْ رَأْسَهَا»
٤ / ٦٤٦
حَدَّثَنِي مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: «فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ، ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى سَبْعَةِ أَجْبَالٍ، فَاجْعَلْ عَلَى كُلُّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا، ثُمَّ أَدَعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا، فَأَخَذَ إِبْرَاهِيمُ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ، فَقَطَّعَهُنَّ أَعْضَاءً، لَمْ يَجْعَلْ عُضْوًا مِنْ طَيْرٍ مَعَ صَاحِبِهِ، ثُمَّ جَعَلَ رَأْسَ هَذَا مَعَ رِجْلِ هَذَا، وَصَدْرَ هَذَا مَعَ جَنَاحِ هَذَا، وَقَسَّمَهُنَّ عَلَى سَبْعَةِ أَجْبَالٍ، ثُمَّ دَعَاهُنَّ فَطَارَ ⦗٦٤٧⦘ كُلُّ عُضْو إِلَى صَاحِبِهِ، ثُمَّ أَقْبَلْنَ إِلَيْهِ جَمِيعًا» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ أَمَرَهُ اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ
٤ / ٦٤٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا﴾ [البقرة: ٢٦٠] قَالَ: «ثُمَّ بَدِّدْهُنَّ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ يَأْتِينَكَ سَعْيًا، وَكَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى»
٤ / ٦٤٧
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «ثُمَّ اجْعَلْهُنَّ أَجْزَاءً عَلَى كُلِّ جَبَلٍ، ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا، كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى؛ هُوَ مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِإِبْرَاهِيمَ»
٤ / ٦٤٧
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا حَجَّاجٌ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ مُجَاهِدٌ: ﴿ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا﴾ [البقرة: ٢٦٠] «ثُمَّ بَدِّدْهُنَّ أَجْزَاءً عَلَى كُلِّ جَبَلٍ ﴿ثُمَّ ادْعُهُنَّ﴾ [البقرة: ٢٦٠]: تَعَالَينَ بِإِذْنِ اللَّهِ، فَكَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى؛ مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِإِبْرَاهِيمَ ﷺ»
٤ / ٦٤٧
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثني إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا أَبُو زُهَيْرٍ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، قَالَ: «أَمَرَهُ أَنْ يُخَالِفَ بَيْنَ قَوَائِمِهِنَّ وَرُءُوسِهِنَّ وَأَجْنِحَتِهِنَّ، ثُمَّ يَجْعَلَ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا» حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ
٤ / ٦٤٧
جُزْءًا﴾ [البقرة: ٢٦٠] «فَخَالَفَ إِبْرَاهِيمُ بَيْنَ قَوَائِمِهِنَّ وَأَجْنِحَتِهِنَّ» وَأَوْلَى التَّأْوِيلَاتِ بِالْآيَةِ مَا قَالَهُ مُجَاهِدٌ، وَهُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَمَرَ إِبْرَاهِيمَ بَتَفْرِيقِ أَعْضَاءِ الْأَطْيَارِ الْأَرْبَعَةِ بَعْدَ تَقْطِيعِهِ إِيَّاهُنَّ عَلَى جَمِيعِ الْأَجْبَالِ الَّتِي كَانَ يَصِلُ إِبْرَاهِيمُ فِي وَقْتِ تَكْلِيفِ اللَّهِ إِيَّاهُ تَفْرِيقَ ذَلِكَ وَتَبْدِيدَهَا عَلَيْهَا أَجْزَاءً، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ قَالَ لَهُ: ﴿ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا﴾ [البقرة: ٢٦٠] وَالْكُلُّ حَرْفٌ يَدُلُّ عَلَى الْإِحَاطَةِ بِمَا أُضِيفَ إِلَيْهِ لَفْظُهُ وَاحِدٌ وَمَعْنَاهُ الْجَمْعُ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلَنْ يَجُوزَ أَنْ تَكُونَ الْجِبَالُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ بِتَفْرِيقِ أَجْزَاءِ الْأَطْيَارِ الْأَرْبَعَةِ عَلَيْهَا خَارِجَةً مِنْ أَحَدِ مَعْنَيَيْنِ: إِمَّا أَنْ تَكُونَ بَعْضًا أَوْ جَمِيعًا؛ فَإِنْ كَانَتْ بَعْضًا فَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْبَعْضُ إِلَّا مَا كَانَ لِإِبْرَاهِيمَ السَّبِيلُ إِلَى تَفْرِيقِ أَعْضَاءِ الْأَطْيَارِ الْأَرْبَعَةِ عَلَيْهِ، أَوْ يَكُونَ جَمِيعًا، فَيَكُونَ أَيْضًا كَذَلِكَ، وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَنَّهُ أَمَرَهُ بِأَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ، وَذَلِكَ إِمَّا كُلُّ جَبَلٍ وَقَدْ عَرَفَهُنَّ إِبْرَاهِيمُ بِأَعْيَانِهِنَّ، وَإِمَّا مَا فِي الْأَرْضِ مِنَ الْجِبَالِ. فَأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ: إِنَّ ذَلِكَ أَرْبَعَةُ أَجْبُلٍ، وَقَوْلُ مَنْ قَالَ: هُنَّ سَبْعَةٌ؛ فَلَا دَلَالَةَ عِنْدَنَا عَلَى صِحَّةِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَنَسْتَجِيزُ الْقَوْلَ بِهِ، وَإِنَّمَا أَمَرَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ ﷺ أَنْ يَجْعَلَ الْأَطْيَارَ الْأَرْبَعَةَ أَجْزَاءً مُتَفَرِّقَةً عَلَى كُلِّ جَبَلٍ لِيُرِيَ إِبْرَاهِيمَ قُدْرَتَهُ عَلَى جَمْعِ أَجْزَائِهِنَّ وَهُنَّ مُتَفَرِّقَاتٍ مُتَبَدِّدَاتٍ فِي أَمَاكِنَ مُخْتَلِفَةٍ شَتَّى، حَتَّى يُؤَلِّفَ بَعْضَهُنَّ إِلَى بَعْضٍ، فَيَعُدْنَ كَهَيْئَتِهِنَّ قَبْلَ تَقْطِيعِهِنَّ وَتَمْزِيقِهِنَّ وَقَبْلَ تَفْرِيقِ أَجْزَائِهِنَّ عَلَى الْجِبَالِ أَطْيَارًا أَحْيَاءً يَطِرْنَ، فَيَطْمَئِّنَ قَلْبُ إِبْرَاهِيمَ وَيَعْلَمَ
٤ / ٦٤٨
أَنَّ كَذَلِكَ يَجْمَعُ اللَّهُ أَوْصَالَ الْمَوْتَى لَبَعْثِ الْقِيَامَةِ، وَتَأْلِيفَهُ أَجْزَاءَهُمْ بَعْدَ الْبِلَى وَرَدَّ كُلِّ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِمْ إِلَى مَوْضِعِهِ كَالَّذِي كَانَ قَبْلَ الرَّدِّ. وَالْجُزْءُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ هُوَ الْبَعْضُ مِنْهُ كَانَ مُنْقَسِمًا جَمِيعُهُ عَلَيْهِ عَلَى صِحَّةٍ أَوْ غَيْرَ مُنْقَسِمٍ، فَهُوَ بِذَلِكَ مِنْ مَعْنَاهُ مُخَالِفٌ مَعْنَى السَّهْمِ؛ لِأَنَّ السَّهْمَ مِنَ الشَّيْءِ: هُوَ الْبَعْضُ الْمُنْقَسِمُ عَلَيْهِ جَمِيعُهُ عَلَى صِحَّةٍ، وَلِذَلِكَ كَثُرَ اسْتِعْمَالُ النَّاسِ فِي كَلَامِهِمْ عِنْدَ ذِكْرِهِمْ أَنْصِبَاءَهُمْ مِنَ الْمَوَارِيثِ السِّهَامَ دُونَ الْأَجْزَاءِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿ثُمَّ ادْعُهُنَّ﴾ [البقرة: ٢٦٠] فَإِنَّ مَعْنَاهُ مَا ذَكَرْتُ آنِفًا عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قَالَ: هُوَ أَنَّهُ أُمِرَ أَنْ يَقُولَ لِأَجْزَاءِ الْأَطْيَارِ بَعْدَ تَفْرِيقِهِنَّ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ تَعَالَيْنَ بِإِذْنِ اللَّهِ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: أُمِرَ إِبْرَاهِيمُ أَنْ يَدَعُوَهُنَّ وَهُنَّ مُمَزَّقَاتٌ أَجْزَاءً عَلَى رُءُوسِ الْجِبَالِ أَمْوَاتًا، أَمْ بَعْدَ مَا أُحْيِينَ؟ فَإِنْ كَانَ أُمِرَ أَنْ يَدَعُوَهُنَّ وَهُنَّ مُمَزَّقَاتٌ لَا أَرْوَاحَ فِيهِنَّ، فَمَا وَجْهُ أَمْرِ مَنْ لَا حَيَاةَ فِيهِ بِالْإِقْبَالِ؟ وَإِنْ كَانَ أُمِرَ بِدُعَائِهِنَّ بَعْدَ مَا أُحْيِينَ، فَمَا كَانَتْ حَاجَةُ إِبْرَاهِيمَ إِلَى دُعَائِهِنَّ وَقَدْ أَبْصَرَهُنَّ يُنْشَرْنَ عَلَى رُءُوسِ الْجِبَالِ؟ قِيلَ: إِنَّ أَمْرَ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ إِبْرَاهِيمَ ﷺ بِدُعَائِهِنَّ وَهُنَّ أَجْزَاءٌ مُتَفَرِّقَاتٌ إِنَّمَا هُوَ أَمْرُ تَكْوِينٍ، كَقَوْلِ اللَّهِ لِلَّذِينَ مَسَخَهُمْ قِرَدَةً بَعْدَ مَا كَانُوا إِنْسًا: ﴿كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ﴾ [البقرة: ٦٥] لَا أَمْرَ عِبَادَةٍ، فَيَكُونُ مُحَالًا إِلَّا بَعْدَ وُجُودِ الْمَأْمُورِ الْمُتَعَبِّدِ
٤ / ٦٤٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [البقرة: ٢٦٠] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِذَلِكَ: وَاعْلَمْ يَا إِبْرَاهِيمُ أَنَّ الَّذِيَ أَحْيَا هَذِهِ الْأَطْيَارَ بَعْدَ تَمْزِيقِكَ إِيَّاهُنَّ، وَتَفْرِيقِكَ أَجْزَاءَهُنَّ عَلَى الْجِبَالِ، فَجَمَعَهُنَّ وَرَدَّ إِلَيْهِنَّ الرُّوحَ، حَتَّى ⦗٦٥٠⦘ أَعَادَهُنَّ كَهَيْئَتِهِنَّ قَبْلَ تَفْرِيقِهِنَّ، ﴿عَزِيزٌ﴾ [البقرة: ٢٠٩] فِي بَطْشِهِ إِذَا بَطَشَ بِمَنْ بَطَشَ مِنَ الْجَبَابِرَةِ وَالْمُتَكَبِّرَةِ الَّذِينَ خَالِفُوا أَمَرَهُ، وَعَصَوْا رُسُلَهُ، وعَبَدُوا غَيْرَهُ، وَفِي نِقْمَتِهِ حَتَّى يَنْتَقِمَ مِنْهُمْ، ﴿حَكِيمٌ﴾ [البقرة: ٢٠٩] فِي أَمْرِهِ
٤ / ٦٤٩
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، قَالَ: ثنا ابْنُ إِسْحَاقَ: ﴿وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ، عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [البقرة: ٢٦٠] قَالَ: «عَزِيزٌ فِي بْطَشِهِ حَكِيمٌ فِي أَمْرِهِ»
٤ / ٦٥٠
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ: ﴿وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ﴾ [البقرة: ٢٦٠] «فِي نِقْمَتِهِ» ﴿حَكِيمٌ﴾ [البقرة: ٢٦٠] «فِي أَمْرِهِ»
٤ / ٦٥٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمُ﴾ وَهَذِهِ الْآيَةُ مَرْدُودَةٌ إِلَى قَوْلِهِ: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [البقرة: ٢٤٥]، وَالْآيَاتُ الَّتِي بَعْدَهَا إِلَى قَوْلِهِ: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [البقرة: ٢٦١] مِنْ قَصَصِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَخَبَرِهِمْ مَعَ طَالُوتَ وَجَالُوتَ، وَمَا بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ نَبَإِ الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ مَعَ إِبْرَاهِيمَ، وَأَمْرِ الَّذِي مَرَّ عَلَى الْقَرْيَةِ الْخَاوِيَةِ عَلَى عُرُوشِهَا، وَقِصَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَمَسْأَلَتِهِ رَبَّهُ مَا سَأَلَ مِمَّا قَدْ ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ، اعْتِرَاضٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ بِمَا اعْتَرَضَ بِهِ مِنْ قَصَصِهِمْ بَيْنَ ذَلِكَ احْتِجَاجًا مِنْهُ بِبَعْضِهِ عَلَى الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ كَانُوا يُكَذِّبُونَ بِالْبَعْثِ وَقِيَامِ السَّاعَةِ، وَحَضًّا مِنْهُ بِبَعْضِهِ لِلْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْجِهَادِ فِي سَبِيلِهِ الَّذِي أَمَرَهُمْ بِهِ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سُمَيْعٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: ٢٤٤] يُعَرِّفُهُمْ فِيهِ أَنَّهُ نَاصِرُهُمْ وَإِنْ قَلَّ عَدَدُهُمْ وَكَثُرَ عَدَدُ عَدُوِّهِمْ، وَيَعِدُهُمُ
٤ / ٦٥٠
النُّصْرَةَ عَلَيْهِمْ، وَيُعَلِّمُهُمْ سُنَّتَهُ فِيمَنْ كَانَ عَلَى مِنْهَاجِهِمْ مِنَ ابْتِغَاءِ رِضْوَانِ اللَّهِ أَنَّهُ مُؤَيِّدُهُمْ، وَفِيمَنْ كَانَ عَلَى سَبِيلِ أَعْدَائِهِمْ مِنَ الْكُفَّارِ بِأَنَّهُ خَاذِلُهُمْ وَمُفَرِّقُ جَمَعِهِمْ وَمُوهِنُ كَيْدِهِمْ، وَقْطَعًا مِنْهُ بِبَعْضِ عُذْرِ الْيَهُودِ الَّذِينَ كَانُوا بَيْنَ ظَهْرَانَيْ مُهَاجَرِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، بِمَا أَطْلَعَ نَبِيَّهُ عَلَيْهِ مِنْ خَفِيِّ أُمُورِهِمْ، وَمَكْتُومِ أَسْرَارِ أَوَائِلِهِمْ وَأَسْلَافِهِمِ الَّتِي لَمْ يَعْلَمْهَا سِوَاهُمْ، لِيَعْلَمُوا أَنَّ مَا آتَاهُمْ بِهِ مُحَمَّدٌ ﷺ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ بِتَخَرُّصٍ وَلَا اخْتِلَاقٍ، وَإِعْذَارًا مِنْهُ بِهِ إِلَى أَهْلِ النِّفَاقِ مِنْهُمْ، لِيَحْذَرُوا بِشَكِّهِمْ فِي أَمْرِ مُحَمَّدٍ ﷺ أَنْ يَحِلَّ بِهِمْ مِنْ بَأْسِهِ وَسَطْوَتِهِ مِثْلُ الَّذِي أَحَلَّهُمَا بِأَسْلَافِهِمُ الَّذِينَ كَانُوا فِي الْقَرْيَةِ الَّتِي أَهْلَكَهَا، فَتَرَكَهَا خَاوِيَةً عَلَى عُرُوشِهَا، ثُمَّ عَادَ تَعَالَى ذِكْرُهُ إِلَى الْخَبَرِ عَنِ الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا، وَمَا عِنْدَهُ لَهُ مِنَ الثَّوَابِ عَلَى قَرْضِهِ، فَقَالَ: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [البقرة: ٢٦١] يَعْنِي بِذَلِكَ مَثَلَ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ فِي جِهَادِ أَعْدَاءِ اللَّهِ بِأَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ، ﴿كَمَثَلِ حَبَّةٍ﴾ [البقرة: ٢٦١] مِنْ حَبَّاتِ الْحِنْطَةِ أَوِ الشَّعِيرِ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ نَبَاتِ الْأَرْضِ الَّتِي تُسَنْبِلُ سُنْبُلَةً بَذَرَهَا زَارِعٌ، «فَأَنْبَتَتْ»، يَعْنِي فَأَخْرَجَتْ ﴿سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ﴾، يَقُولُ: فَكَذَلِكَ الْمُنْفِقُ مَالَهُ عَلَى نَفْسِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، لَهُ أَجْرُهُ سَبْعُمِائَةِ ضِعْفٍ عَلَى الْوَاحِدِ مِنْ نَفَقَتِهِ
٤ / ٦٥١
كَمَا: حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ﴾ «فَهَذَا ⦗٦٥٢⦘ لِمَنْ أَنْفَقَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَلَهُ أَجْرُهُ سَبْعُمِائَةٍ»
٤ / ٦٥١
حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعَفُ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ قَالَ: «هَذَا الَّذِي يُنْفِقُ عَلَى نَفْسِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَيَخْرُجُ»
٤ / ٦٥٢
حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، قَوْلُهُ: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ﴾، الْآيَةَ، «فَكَانَ مَنْ بَايَعَ النَّبِيَّ ﷺ عَلَى الْهِجْرَةِ، وَرَابَطَ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ بِالْمَدِينَةِ، وَلَمْ يَلْقَ وَجْهًا إِلَّا بِإِذْنِهِ، كَانَتِ الْحَسَنَةُ لَهُ بِسَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ، وَمَنْ بَايَعَ عَلَى الْإِسْلَامِ كَانَتِ الْحَسَنَةُ لَهُ عَشْرَ أَمْثَالِهَا» فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَهَلْ رَأَيْتَ سُنْبُلَةً فِيهَا مِائَةُ حَبَّةٍ أَوْ بَلَغَتْكَ فَضُرِبَ بِهَا الْمَثَلُ الْمُنْفِقُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَالَهُ؟ قِيلَ: إِنْ يَكُنْ ذَلِكَ مَوْجُودًا فَهُوَ ذَاكَ، وَإِلَّا فَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ: كَمَثَلِ سُنْبُلَةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ، إِنْ جَعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ فِيهَا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ: فِي كُلِّ سُنْبُلَةَ مِائَةُ حَبَّ؛ يَعْنِي أَنَّهَا إِذَا هِيَ بُذِرَتْ أَنْبَتَتْ مِائَةَ حَبَّةٍ، فَيَكُونُ مَا حَدَثَ عَنِ الْبَذْرِ الَّذِي كَانَ مِنْهَا مِنَ الْمِائَةِ الْحَبَّةِ مُضَافًا
٤ / ٦٥٢
إِلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ كَانَ عَنْهَا، وَقَدْ تَأَوَّلَ ذَلِكَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ بَعْضُ أَهْلِ التَّأْوِيلِ
٤ / ٦٥٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا أَبُو زُهَيْرٍ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، قَوْلُهُ: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ﴾ قَالَ: «كُلُّ سُنْبُلَةٍ أَنْبَتَتْ مِائَةَ حَبَّةٍ، فَهَذَا لِمَنْ أَنْفَقَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ»، ﴿وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: ٢٦١]
٤ / ٦٥٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ [البقرة: ٢٦١] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: ﴿وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ [البقرة: ٢٦١]، فَقَالَ بَعْضُهُمُ: اللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَجْرَ حَسَنَاتِهِ بَعْدَ الَّذِي أَعْطَى الْمُنْفِقَ فِي سَبِيلِهِ مِنَ التَّضْعِيفِ الْوَاحِدَةَ سَبْعَمِائَةٍ. فَأَمَّا الْمُنْفِقُ فِي غَيْرِ سَبِيلِهِ، فَلَا نَفَقَةَ مَا وَعْدَهُ مِنْ تَضْعِيفِ السَّبْعِمِائَةِ بِالْوَاحِدَةِ
٤ / ٦٥٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا أَبُو زُهَيْرٍ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، قَالَ: «هَذَا يُضَاعَفُ لِمَنْ أَنْفَقَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، يَعْنِي السَّبْعَمِائَةِ» ﴿وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: ٢٦١] «يَعْنِي لِغَيْرِ الْمُنْفِقِ فِي سَبِيلِهِ» ⦗٦٥٤⦘ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ مِنَ الْمُنْفِقِينَ فِي سَبِيلِهِ عَلَى السَّبْعِمِائَةِ إِلَى أَلْفَيْ أَلْفِ ضِعْفٍ، وَهَذَا قَوْلٌ ذُكِرَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ وَجْهٍ لَمْ أَجِدْ إِسْنَادَهُ فَتَرَكْتُ ذِكْرَهُ. وَالَّذِي هُوَ أَوْلَى بِتَأْوِيلِ قَوْلِهِ: ﴿وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ [البقرة: ٢٦١] وَاللَّهُ يُضَاعِفُ عَلَى السَّبْعِمِائَةِ إِلَى مَا يَشَاءُ مِنَ التَّضْعِيفِ لِمَنْ يَشَاءُ مِنَ الْمُنْفِقِينَ فِي سَبِيلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْرِ ذِكْرُ الثَّوَابِ وَالتَّضْعِيفِ لِغَيْرِ الْمُنْفِقِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَجُوزُ لَنَا تَوْجِيهُ مَا وَعَدَ تَعَالَى ذِكْرُهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مِنَ التَّضْعِيفِ إِلَى أَنَّهُ عِدَةٌ مِنْهُ عَلَى الْعَمَلِ عَلَى غَيْرِ النَّفَقَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
٤ / ٦٥٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: ٢٤٧] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِذَلِكَ: وَاللَّهُ وَاسِعٌ أَنْ يَزِيدَ مَنْ يَشَاءُ مِنْ خَلْقِهِ الْمُنْفِقِينَ فِي سَبِيلِهِ عَلَى أَضْعَافِ السَّبْعِمِائَةِ الَّتِي وَعْدَهُ أَنْ يَزِيدَهُ، عَلِيمٌ مَنْ يَسْتَحِقُّ مِنْهُمُ الزِّيَادَةَ
٤ / ٦٥٤
كَمَا: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: ٢٦١] قَالَ: «وَاسِعٌ أَنْ يَزِيدَ مِنْ سَعَتِهِ، عَلِيمٌ عَالِمٌ بِمَنْ يَزِيدُهُ» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَاللَّهُ وَاسِعٌ لِتِلْكَ الْأَضْعَافِ، عَلِيمٌ بِمَا يُنْفِقُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي طَاعَةِ اللَّهِ
٤ / ٦٥٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [البقرة: ٢٦٢] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِذَلِكَ: الْمُعْطِي مَالَهُ الْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَعُونَةً لَهُمْ عَلَى جِهَادِ أَعْدَاءِ اللَّهِ، يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: الَّذِينَ يُعِينُونَ الْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِمْ وَفِي حُمُولَاتِهِمْ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مُؤَنِهِمْ، ثُمَّ لَمْ يُتْبِعْ نَفَقَتَهُ الَّتِي أَنْفَقَهَا عَلَيْهِمْ مَنًّا عَلَيْهِمْ بِإِنْفَاقِ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَلَا أَذًى لَهُمْ؛ فَامْتِنَانُهُ بِهِ عَلَيْهِمْ بِأَنْ يُظْهِرَ لَهُمْ أَنَّهُ قَدِ اصْطَنَعَ إِلَيْهِمْ بِفِعْلِهِ، وَعَطَائِهِ الَّذِي أَعْطَاهُمُوهُ، تَقْوِيَةً لَهُمْ عَلَى جِهَادِ عَدُوِّهِمْ مَعْرُوفًا، وَيُبْدِي ذَلِكَ إِمَّا بِلِسَانٍ أَوْ فِعْلٍ. وَأَمَّا الْأَذَى فَهُوَ شِكَايَتُهُ إِيَّاهُمْ بِسَبَبِ مَا أَعْطَاهُمْ وَقَوَّاهُمْ مِنَ النَّفَقَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَنَّهُمْ لَمْ يَقُومُوا بِالْوَاجِبِ عَلَيْهِمْ فِي الْجِهَادِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْقَوْلِ الَّذِي يُؤْذِي بِهِ مَنْ أَنْفَقَ عَلَيْهِ. وَإِنَّمَا شَرَطَ ذَلِكَ فِي الْمُنْفِقِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَأَوْجَبَ الْأَجْرَ لِمَنْ كَانَ غَيْرَ مَانٍّ وَلَا مُؤْذٍ مَنْ أَنْفَقَ عَلَيْهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، لِأَنَّ النَّفَقَةَ الَّتِي هِيَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مِمَّا ابْتُغِيَ بِهِ وَجْهُ اللَّهِ، وَطُلِبَ بِهِ مَا عِنْدَهُ، فَإِذَا كَانَ مَعْنَى النَّفَقَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ هُوَ مَا وَصَفْنَا، فَلَا وَجْهَ لِمَنِّ الْمُنْفِقِ عَلَى مَنْ أَنْفَقَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدَ لَهُ قِبَلَهُ وَلَا صَنِيعَهَ يَسْتَحِقُّ بِهَا عَلَيْهِ إِنْ لَمْ يُكَافِئَهُ عَلَيْهَا الْمَنَّ وَالْأَذَى، إِذْ كَانَتْ نَفَقَتُهُ مَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ احْتِسَابًا وَابْتِغَاءَ ثَوَابِ اللَّهِ وَطَلَبَ مَرْضَاتِهِ وَعَلَى اللَّهِ مَثُوبَتُهُ دُونَ مَنْ أَنْفَقَ ذَلِكَ عَلَيْهِ.
٤ / ٦٥٥
وَبِنَحْوِ الْمَعْنَى الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ
٤ / ٦٥٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [البقرة: ٢٦٢] «عَلِمَ اللَّهُ أَنَّ أُنَاسًا يَمُنُّونَ بِعَطِيَّتِهِمْ، فَكَرِهَ ذَلِكَ وَقَدَّمَ فِيهِ فَقَالَ»: ﴿قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيُّ حَلِيمٌ﴾ [البقرة: ٢٦٣]
٤ / ٦٥٦
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: قَالَ لِلْآخَرِينَ يَعْنِي: قَالَ اللَّهُ لِلْآخَرِينَ، وَهُمُ الَّذِينَ لَا يَخْرُجُونَ فِي جِهَادِ عَدُوِّهِمْ: الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى، قَالَ: «فَشَرَطَ عَلَيْهِمْ قَالَ:»وَالْخَارِجُ لَمْ يَشْرُطْ عَلَيْهِ قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا، يَعْنِي بِالْخَارِجِ الْخَارِجَ فِي الْجِهَادِ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ فِي قَوْلِهِ: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ﴾ [البقرة: ٢٦١] «الْآيَةَ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: وَكَانَ أَبِي يَقُولُ: «إِنْ أُذِنَ لَكَ أَنْ تُعْطِيَ مِنْ هَذَا شَيْئًا، أَوْ تَقْوَى فَقَوَّيْتَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَظَنَنْتَ أَنَّهُ يَثْقُلُ عَلَيْهِ سَلَامُكَ فَكُفَّ سَلَامَكَ عَنْهُ» قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: «فَهُوَ خَيْرٌ مِنَ السَّلَامِ» قَالَ:»وَقَالَتِ امْرَأَةٌ لِأُبَيٍّ: يَا أَبَا أُسَامَةَ، تَدُلُّنِي عَلَى رَجُلٍ يَخْرُجُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَقًّا، فَإِنَّهُمْ لَا يَخْرُجُونَ إِلَّا لِيَأْكُلُوا الْفَوَاكِهَ، عِنْدِي جَعْبَةٌ وَأَسْهُمٌ فِيهَا، فَقَالَ لَهَا: لَا بَارَكَ اللَّهُ لَكِ فِي جَعْبَتِكِ، وَلَا فِي
٤ / ٦٥٦
أَسْهُمِكِ، فَقَدْ آذَيْتِيهِمْ قَبْلَ أَنْ تُعْطِيهِمْ، قَالَ: وَكَانَ رَجُلٌ يَقُولُ لَهُمُ: اخْرُجُوا وَكُلُوا الْفَوَاكِهَ “
٤ / ٦٥٧
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا أَبُو زُهَيْرٍ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، قَوْلُهُ: ﴿لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى﴾ [البقرة: ٢٦٢] قَالَ: «أَنْ لَا يُنْفِقَ الرَّجُلُ مَالَهُ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يُنْفِقَهُ ثُمَّ يُتْبِعَهُ مَنًّا وَأَذًى» وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ [البقرة: ٢٦٢] فَإِنَّهُ يَعْنِي لِلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَلَى مَا بَيَّنَ وَالْهَاءُ وَالْمِيمُ فِي «لَهُمْ» عَائِدَةٌ عَلَى «الَّذِينَ» . وَمَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ [البقرة: ٢٦٢] لَهُمْ ثَوَابُهُمْ وَجَزَاؤُهُمْ عَلَى نَفَقَتِهِمُ الَّتِي أَنْفَقُوهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَهَا مَنًّا وَلَا أَذًى وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [البقرة: ٦٢] يَقُولُ: وَهُمْ مَعَ مَا لَهُمْ مِنَ الْجَزَاءِ وَالثَّوَابِ عَلَى نَفَقَتِهِمُ الَّتِي أَنْفَقُوهَا عَلَى مَا شَرَطْنَا، لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ عِنْدَ مَقْدِمِهِمْ عَلَى اللَّهِ، وَفِرَاقِهِمُ الدُّنْيَا، وَلَا فِي أَهْوَالِ الْقِيَامَةِ، وَأَنْ يَنَالَهُمْ مِنْ مَكَارِهِهَا، أَوْ يُصِيبَهُمْ فِيهَا مِنْ عِقَابِ اللَّهِ، وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ عَلَى مَا خَلَّفُوا وَرَاءَهُمْ فِي الدُّنْيَا
٤ / ٦٥٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ﴾ [البقرة: ٢٦٣]⦗٦٥٨⦘ يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿قَوْلٌ مَعْرُوفٌ﴾ [البقرة: ٢٦٣]: قَوْلٌ جَمِيلً، وَدُعَاءُ الرَّجُلِ لِأَخِيهِ الْمُسْلِمِ. ﴿وَمَغْفِرَةٌ﴾ [البقرة: ٢٦٣] يَعْنِي: وَسَتْرٌ مِنْهُ عَلَيْهِ لِمَا عَلِمَ مِنْ خُلَّتِهِ وَسُوءِ حَالَتِهِ خَيْرٌ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ صَدَقَةٍ يَتَصَدَّقُهَا عَلَيْهِ يُتْبِعُهَا أَذًى، يَعْنِي يَشْتَكِيهِ عَلَيْهَا وَيُؤْذِيهِ بِسَبَبِهَا
٤ / ٦٥٧
كَمَا: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا أَبُو زُهَيْرٍ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ: ﴿قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى﴾ [البقرة: ٢٦٣] يَقُولُ: «أَنْ يُمْسِكَ مَالَهُ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يُنْفِقَ مَالَهُ ثُمَّ يُتْبِعُهُ مَنًّا وَأَذًى» وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿غَنِيُّ حَلِيمٌ﴾ [البقرة: ٢٦٣] فَإِنَّهُ يَعْنِي: وَاللَّهُ غَنِيُّ عَمَّا يَتَصَدَّقُونَ بِهِ، حَلِيمٌ حِينَ لَا يُعَجِّلُ بِالْعُقُوبَةِ عَلَى مَنْ يَمُنُّ بِصَدَقَتِهِ مِنْكُمْ، وَيُؤْذِي فِيهَا مَنْ يَتَصَدَّقُ بِهَا عَلَيْهِ وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي ذَلِكَ مَا:
٤ / ٦٥٨
حَدَّثَنَا بِهِ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «الْغَنِيُّ: الَّذِي كَمُلَ فِي غِنَاهُ، وَالْحَلِيمُ: الَّذِي قَدْ كَمُلَ فِي حِلْمِهِ»
٤ / ٦٥٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانَ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾ [البقرة: ٢٦٤] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِذَلِكَ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [البقرة: ١٠٤] صَدِّقُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ، ﴿لَا تُبْطِلُوا
٤ / ٦٥٨
صَدَقَاتِكُمْ﴾ [البقرة: ٢٦٤]، يَقُولُ: لَا تُبْطِلُوا أُجُورَ صَدَقَاتِكُمْ ﴿بِالْمَنِّ وَالْأَذَى﴾ [البقرة: ٢٦٤]، كَمَا أَبْطَلَ كُفْرُ الَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ ﴿رِئَاءَ النَّاسِ﴾ [البقرة: ٢٦٤]، وَهُوَ مُرَاءَاتُهُ إِيَّاهُمْ بِعَمَلِهِ؛ وَذَلِكَ أَنْ يُنْفِقَ مَالَهُ فِيمَا يَرَى النَّاسُ فِي الظَّاهِرِ أَنَّهُ يُرِيدُ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ فَيَحْمَدُونَهُ عَلَيْهِ وَهُوَ مَرِيدٌ بِهِ غَيْرَ اللَّهِ وَلَا طَالِبٌ مِنْهُ الثَّوَابَ وَإِنَّمَا يُنْفِقُهُ كَذَلِكَ ظَاهِرًا لِيَحْمَدَهُ النَّاسُ عَلَيْهِ فَيَقُولُوا: هُوَ سَخِيُّ كَرِيمٌ، وَهُوَ رَجُلٌ صَالِحٌ، فَيُحْسِنُوا عَلَيْهِ بِهِ الثَّنَاءَ وَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ مَا هُوَ مُسْتَبْطِنٌ مِنَ النِّيَّةِ فِي إِنْفَاقِهِ مَا أَنْفَقَ، فَلَا يَدْرُونَ مَا هُوَ عَلَيْهِ مِنَ التَّكْذِيبِ بِاللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ [البقرة: ٢٦٤] فَإِنَّ مَعْنَاهُ: وَلَا يُصَدِّقُ بِوَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ وَرُبُوبِيَّتِهِ، وَلَا بِأَنَّهُ مَبْعُوثٌ بَعْدَ مَمَاتِهِ فَمُجَازًى عَلَى عَمَلِهِ، فَيَجْعَلُ عَمَلَهُ لِوَجْهِ اللَّهِ وَطَلَبِ ثَوَابِهِ وَمَا عِنْدَهُ فِي مَعَادِهِ، وَهَذِهِ صِفَةُ الْمُنَافِقِ؛ وَإِنَّمَا قُلْنَا إِنَّهُ مُنَافِقٌ، لِأَنَّ الْمُظْهِرَ كَفَرَهُ وْالْمُعْلِنَ شِرْكَهَ مَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يَكُونُ بِشَيْءٍ مِنْ أَعْمَالِهِ مُرَائِيًا، لِأَنَّ الْمَرَائِيَّ هُوَ الَّذِي يُرَائِي النَّاسَ بِالْعَمَلِ الَّذِي هُوَ فِي الظَّاهِرِ لِلَّهِ وَفِي الْبَاطِنِ عَامِلُهُ مُرَادُهُ بِهِ حَمْدُ النَّاسِ عَلَيْهِ، وَالْكَافِرُ لَا يَخِيلُ عَلَى أَحَدٍ أَمْرُهُ أَنَّ أَفْعَالَهُ كُلَّهَا إِنَّمَا هِيَ لِلشَّيْطَانِ إِذَا كَانَ مُعْلِنًا كُفْرَهُ لَا لِلَّهِ، وَمَنْ كَانَ كَذَلِكَ فَغَيْرُ كَائِنٍ مُرَائِيًا بِأَعْمَالِهِ. وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٤ / ٦٥٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو هَانِئٍ الْخَوْلَانِيُّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ، قَالَ: «إِنَّ الرَّجُلَ يَغْزُو، لَا يَسْرِقُ وَلَا يَزْنِي، وَلَا يَغُلُّ، لَا يَرْجِعُ بِالْكَفَافِ، فَقِيلَ لَهُ: لِمَ ذَاكَ؟ قَالَ: فَإِنَّ الرَّجُلَ لِيَخْرُجُ فَإِذَا أَصَابَهُ مِنْ بَلَاءِ اللَّهِ الَّذِي قَدْ حَكَمَ عَلَيْهِ سَبَّ وَلَعَنَ إِمَامَهُ، وَلَعَنَ سَاعَةَ غَزَا، وَقَالَ: لَا أَعُودُ لِغَزْوَةٍ مَعَهُ أَبَدًا، فَهَذَا عَلَيْهِ، وَلَيْسَ لَهُ مِثْلُ النَّفَقَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُتْبِعُهَا مَنًّا وَأَذًى، فَقَدْ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلَهَا فِي الْقُرْآنِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى﴾ [البقرة: ٢٦٤] حَتَّى خَتَمَ الْآيَةَ»
٤ / ٦٦٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانَ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾ [البقرة: ٢٦٤] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِذَلِكَ: فَمَثَلُ هَذَا الَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ، وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَالْهَاءُ فِي قَوْلِهِ: ﴿فَمَثَلُهُ﴾ [البقرة: ٢٦٤] عَائِدَةٌ عَلَى «الَّذِي» ﴿كَمَثَلِ صَفْوَانٍ﴾ [البقرة: ٢٦٤] وَالصَّفْوَانُ وَاحِدٌ وَجَمْعٌ، فَمَنْ جَعَلَهُ جَمْعًا فَالْوَاحِدَةُ صَفْوَانَةٌ بِمَنْزِلَةِ تَمْرَةٍ وَتَمْرٍ وَنَخْلَةٍ وَنَخْلٍ، وَمَنْ جَعَلَهُ وَاحِدًا جَمَعَهُ صَفْوَانَ وَصِفِيٍّ وَصُفِيٍّ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
٤ / ٦٦٠
مَوَاقِعُ الطَّيْرِ عَلَى الصُّفِيِّ وَالصَّفْوَانُ هُوَ الصَّفَا، وَهِيَ الْحِجَارَةُ الْمُلْسُ وَقَوْلُهُ: ﴿عَلَيْهِ تُرَابٌ﴾ [البقرة: ٢٦٤] يَعْنِي عَلَى الصَّفْوَانِ تُرَابٌ ﴿فَأَصَابَهُ﴾ [البقرة: ٢٦٤] يَعْنِي أَصَابَ الصَّفْوَانَ ﴿وَابِلٌ﴾ [البقرة: ٢٦٤] وَهُوَ الْمَطَرُ الشَّدِيدُ الْعَظِيمُ، كَمَا قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:
[البحر الرمل] سَاعَةً ثُمَّ انْتَحَاهَا وَابِلٌ … سَاقِطُ الْأَكْنَافِ وَاهٍ مُنْهَمِرْ
يُقَالُ مِنْهُ: وَبُلَتِ السَّمَاءُ فَهِيَ تَبِلُ وَبْلًا، وَقَدْ وُبِلَتِ الْأَرْضُ فَهِيَ تُوبَلُ، وَقَوْلُهُ: ﴿فَتَرَكَهُ صَلْدًا﴾ [البقرة: ٢٦٤] يَقُولُ: فَتَرَكَ الْوَابِلُ الصَّفْوَانَ صَلْدًا؛ وَالصَّلْدُ مِنَ الْحِجَارَةِ الصُّلْبُ الَّذِي لَا شَيْءَ عَلَيْهِ مِنْ نَبَاتٍ وَلَا غَيْرِهِ، وَهُوَ مِنَ الْأَرَضِينَ مَا لَا يَنْبُتُ فِيهِ شَيْءٌ، وَكَذَلِكَ مِنَ الرُّءُوسِ كَمَا قَالَ رُؤْبَةُ:
[البحر الرجز] لَمَّا رَأَتْنِي خَلَقَ الْمُمَوَّهِ … بَرَّاقَ أَصْلَادِ الْجَبِينِ الْأَجْلَهِ
وَمِنْ ذَلِكَ يُقَالُ لِلْقِدْرِ الثَّخِينَةِ الْبَطِيئَةِ الْغَلْيِ: قِدْرٌ صَلُودٌ، وَقَدْ صَلَدَتْ تَصْلُدُ صُلُودًا، وَمِنْهُ قَوْلُ تَأَبَّطَ شَرًّا
[البحر الرمل] سَاعَةً ثُمَّ انْتَحَاهَا وَابِلٌ … سَاقِطُ الْأَكْنَافِ وَاهٍ مُنْهَمِرْ
يُقَالُ مِنْهُ: وَبُلَتِ السَّمَاءُ فَهِيَ تَبِلُ وَبْلًا، وَقَدْ وُبِلَتِ الْأَرْضُ فَهِيَ تُوبَلُ، وَقَوْلُهُ: ﴿فَتَرَكَهُ صَلْدًا﴾ [البقرة: ٢٦٤] يَقُولُ: فَتَرَكَ الْوَابِلُ الصَّفْوَانَ صَلْدًا؛ وَالصَّلْدُ مِنَ الْحِجَارَةِ الصُّلْبُ الَّذِي لَا شَيْءَ عَلَيْهِ مِنْ نَبَاتٍ وَلَا غَيْرِهِ، وَهُوَ مِنَ الْأَرَضِينَ مَا لَا يَنْبُتُ فِيهِ شَيْءٌ، وَكَذَلِكَ مِنَ الرُّءُوسِ كَمَا قَالَ رُؤْبَةُ:
[البحر الرجز] لَمَّا رَأَتْنِي خَلَقَ الْمُمَوَّهِ … بَرَّاقَ أَصْلَادِ الْجَبِينِ الْأَجْلَهِ
وَمِنْ ذَلِكَ يُقَالُ لِلْقِدْرِ الثَّخِينَةِ الْبَطِيئَةِ الْغَلْيِ: قِدْرٌ صَلُودٌ، وَقَدْ صَلَدَتْ تَصْلُدُ صُلُودًا، وَمِنْهُ قَوْلُ تَأَبَّطَ شَرًّا
٤ / ٦٦١
:
[البحر الطويل] وَلَسْتُ بِجِلْبِ جِلْبِ لَيْلٍ وَقِرَّةٍ … وَلَا بِصَفَا صَلْدٍ عَنِ الْخَيْرِ مَعْزِلِ
ثُمَّ رَجَعَ تَعَالَى ذِكْرُهُ إِلَى ذِكْرِ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ ضَرَبَ الْمَثَلَ لِأَعْمَالِهِمْ، فَقَالَ: فَكَذَلِكَ أَعْمَالُهُمْ بِمَنْزِلَةِ الصَّفْوَانِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ تُرَابٌ، فَأَصَابَهُ الْوَابِلُ مِنَ الْمَطَرِ، فَذَهَبَ بِمَا عَلَيْهِ مِنَ التُّرَابِ، فَتَرَكَهُ نَقِيًّا لَا تُرَابَ عَلَيْهِ وَلَا شَيْءَ، يَرَاهُمُ الْمُسْلِمُونَ فِي الظَّاهِرِ أَنَّ لَهُمُ أَعْمَالًا كَمَا يُرَى التُّرَابُ عَلَى هَذَا الصَّفْوَانِ بِمَا يُرَاءُونَهُمْ بِهِ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ وَصَارُوا إِلَى اللَّهِ اضْمَحَلَّ ذَلِكَ كُلُّهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِلَّهِ كَمَا ذَهَبَ الْوَابِلُ مِنَ الْمَطَرِ بِمَا كَانَ عَلَى الصَّفْوَانِ مِنَ التُّرَابِ، فَتَرَكَهُ أَمْلَسَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿لَا يَقْدِرُونَ﴾ [البقرة: ٢٦٤]، يَعْنِي بِهِ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ، وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ، يَقُولُ: لَا يَقْدِرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى ثَوَابِ شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا فِي الدُّنْيَا؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَعْمَلُوا لِمَعَادِهِمْ وَلَا لِطَلَبِ مَا عِنْدَ اللَّهِ فِي الْآخِرَةِ، وَلَكِنَّهُمْ عَمِلُوهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَطَلَبَ حَمْدِهِمْ، وَإِنَّمَا حَظُّهُمْ مِنْ أَعْمَالِهِمْ مَا أَرَادُوهُ وَطَلَبُوهُ بِهَا. ثُمَّ أَخْبَرَ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَنَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ، يَقُولُ: لَا يُسَدِّدُهُمْ لِإِصَابَةِ الْحَقِّ فِي نَفَقَاتِهِمْ وَغَيْرِهَا فَيُوَفِّقُهُمْ لَهَا، وَهُمْ لِلْبَاطِلِ عَلَيْهَا مُؤْثِرُونَ، وَلَكِنَّهُ تَرَكَهُمْ فِي ضَلَالَتِهِمْ يَعْمَهُونَ، فَقَالَ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِلْمُؤْمِنِينَ: لَا تَكُونُوا كَالْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ هَذَا الْمَثَلُ صِفَةُ أَعْمَالِهِمْ، فَتُبْطِلُوا أُجُورَ صَدَقَاتِكُمْ بِمَنِّكُمْ
[البحر الطويل] وَلَسْتُ بِجِلْبِ جِلْبِ لَيْلٍ وَقِرَّةٍ … وَلَا بِصَفَا صَلْدٍ عَنِ الْخَيْرِ مَعْزِلِ
ثُمَّ رَجَعَ تَعَالَى ذِكْرُهُ إِلَى ذِكْرِ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ ضَرَبَ الْمَثَلَ لِأَعْمَالِهِمْ، فَقَالَ: فَكَذَلِكَ أَعْمَالُهُمْ بِمَنْزِلَةِ الصَّفْوَانِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ تُرَابٌ، فَأَصَابَهُ الْوَابِلُ مِنَ الْمَطَرِ، فَذَهَبَ بِمَا عَلَيْهِ مِنَ التُّرَابِ، فَتَرَكَهُ نَقِيًّا لَا تُرَابَ عَلَيْهِ وَلَا شَيْءَ، يَرَاهُمُ الْمُسْلِمُونَ فِي الظَّاهِرِ أَنَّ لَهُمُ أَعْمَالًا كَمَا يُرَى التُّرَابُ عَلَى هَذَا الصَّفْوَانِ بِمَا يُرَاءُونَهُمْ بِهِ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ وَصَارُوا إِلَى اللَّهِ اضْمَحَلَّ ذَلِكَ كُلُّهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِلَّهِ كَمَا ذَهَبَ الْوَابِلُ مِنَ الْمَطَرِ بِمَا كَانَ عَلَى الصَّفْوَانِ مِنَ التُّرَابِ، فَتَرَكَهُ أَمْلَسَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿لَا يَقْدِرُونَ﴾ [البقرة: ٢٦٤]، يَعْنِي بِهِ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ، وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ، يَقُولُ: لَا يَقْدِرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى ثَوَابِ شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا فِي الدُّنْيَا؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَعْمَلُوا لِمَعَادِهِمْ وَلَا لِطَلَبِ مَا عِنْدَ اللَّهِ فِي الْآخِرَةِ، وَلَكِنَّهُمْ عَمِلُوهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَطَلَبَ حَمْدِهِمْ، وَإِنَّمَا حَظُّهُمْ مِنْ أَعْمَالِهِمْ مَا أَرَادُوهُ وَطَلَبُوهُ بِهَا. ثُمَّ أَخْبَرَ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَنَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ، يَقُولُ: لَا يُسَدِّدُهُمْ لِإِصَابَةِ الْحَقِّ فِي نَفَقَاتِهِمْ وَغَيْرِهَا فَيُوَفِّقُهُمْ لَهَا، وَهُمْ لِلْبَاطِلِ عَلَيْهَا مُؤْثِرُونَ، وَلَكِنَّهُ تَرَكَهُمْ فِي ضَلَالَتِهِمْ يَعْمَهُونَ، فَقَالَ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِلْمُؤْمِنِينَ: لَا تَكُونُوا كَالْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ هَذَا الْمَثَلُ صِفَةُ أَعْمَالِهِمْ، فَتُبْطِلُوا أُجُورَ صَدَقَاتِكُمْ بِمَنِّكُمْ
٤ / ٦٦٢
عَلَى مَنْ تَصَدَّقْتُمْ بِهَا عَلَيْهِ وَأَذَاكُمْ لَهُمْ، كَمَا أَبْطَلَ أَجْرَ نَفَقَةِ الْمُنَافِقِ الَّذِي أَنْفَقَ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ، وَهُوَ غَيْرُ مُؤْمِنٍ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ عِنْدَ اللَّهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٤ / ٦٦٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى﴾ [البقرة: ٢٦٤] فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ: ﴿عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا﴾ [البقرة: ٢٦٤] فَهَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِأَعْمَالِ الْكُفَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَقُولُ: «لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا يَوْمَئِذٍ، كَمَا تَرَكَ هَذَا الْمَطَرُ الصَّفَاةَ الْحَجَرَ لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ أَنْقَى مَا كَانَ»
٤ / ٦٦٣
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ: ﴿لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ﴾ [البقرة: ٢٦٤] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾ [البقرة: ٢٦٤] «هَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِأَعْمَالِ الْكَافِرِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَقُولُ: لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا يَوْمَئِذٍ، كَمَا تَرَكَ هَذَا الْمَطَرُ الصَّفَا نَقِيًّا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ»
٤ / ٦٦٣
حَدَّثَنِي مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى﴾ [البقرة: ٢٦٤] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا﴾ [البقرة: ٢٦٤] «أَمَّا الصَّفْوَانُ الَّذِي عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ الْمَطَرُ، فَذَهَبَ تُرَابُهُ فَتَرَكَهُ صَلْدًا، فَكَذَا هَذَا الَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ ذَهَبَ الرِّيَاءُ بِنَفَقَتِهِ، كَمَا ذَهَبَ هَذَا الْمَطَرُ بِتُرَابِ هَذَا الصَّفَا فَتَرَكَهُ نَقِيًّا، فَكَذَلِكَ تَرَكَهُ الرِّيَاءُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا قَدَّمَ؛ فَقَالَ لِلْمُؤْمِنِينَ: ﴿لَا ⦗٦٦٤⦘ تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى﴾ [البقرة: ٢٦٤] فَتَبْطُلَ كَمَا بَطُلَتْ صَدَقَةُ الرِّيَاءِ»
٤ / ٦٦٣
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا أَبُو زُهَيْرٍ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، قَالَ: «أَنْ لَا، يُنْفِقَ الرَّجُلُ مَالَهُ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يُنْفِقَهُ ثُمَّ يُتْبِعَهُ مَنًّا وَأَذًى، فَضَرَبَ اللَّهُ مِثَلَهُ كَمَثَلِ كَافِرٍ أَنْفَقَ مَالَهُ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ، فَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلَهُمَا جَمِيعًا ﴿كَمَثَلِ صَفْوَانَ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا﴾ [البقرة: ٢٦٤] فَكَذَلِكَ مَنْ أَنْفَقَ مَالَهُ ثُمَّ أَتْبَعَهُ مَنًّا وَأَذًى»
٤ / ٦٦٤
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنَّى أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى﴾ [البقرة: ٢٦٤] إِلَى: ﴿كَمَثَلِ صَفْوَانَ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا﴾ [البقرة: ٢٦٤] «لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَكَذَلِكَ الْمُنَافِقُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبَ»
٤ / ٦٦٤
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى﴾ [البقرة: ٢٦٤] قَالَ: «يَمُنُّ بِصَدَقَتِهِ وَيُؤْذِيهِ فِيهَا حَتَّى يُبْطِلَهَا»
٤ / ٦٦٤
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى﴾ [البقرة: ٢٦٢]، فَقَرَأَ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى﴾ [البقرة: ٢٦٤] حَتَّى بَلَغَ: ﴿لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا﴾ [البقرة: ٢٦٤] ثُمَّ قَالَ: «أَتَرَى الْوَابِلَ يَدَعُ مِنَ التُّرَابِ عَلَى الصَّفْوَانِ شَيْئًا؟ فَكَذَلِكَ مَنُّكَ وَأَذَاكَ لَمْ يَدَعْ مِمَّا أَنْفَقْتَ شَيْئًا، وَقَرَأَ قَوْلَهُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ ⦗٦٦٥⦘ وَالْأَذَى﴾ [البقرة: ٢٦٤] وَقَرَأَ: ﴿وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ﴾ [البقرة: ٢٧٠]، فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ: ﴿وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ﴾ [البقرة: ٢٧٢]»
٤ / ٦٦٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿صَفْوَانَ﴾ [البقرة: ٢٦٤] قَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الصَّفْوَانِ بِمَا فِيهِ الْكِفَايَةُ، غَيْرَ أَنَّا أَرَدْنَا ذِكْرَ مَنْ قَالَ مِثْلَ قَوْلِنَا فِي ذَلِكَ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ
٤ / ٦٦٥
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿كَمَثَلِ صَفْوَانٍ﴾ [البقرة: ٢٦٤] «كَمَثَلِ الصَّفَاةِ»
٤ / ٦٦٥
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا أَبُو زُهَيْرٍ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ: «﴿كَمَثَلِ صَفْوَانٍ﴾ [البقرة: ٢٦٤] وَالصَّفْوَانُ: الصَّفَا» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، مِثْلَهُ
٤ / ٦٦٥
حَدَّثَنِي مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: «أَمَّا صَفْوَانُ، فَهُوَ الْحَجَرُ الَّذِي يُسَمَّى الصَّفَاةَ» حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، مِثْلَهُ
٤ / ٦٦٥
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، ⦗٦٦٦⦘ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿صَفْوَانَ﴾ [البقرة: ٢٦٤] «يَعْنِي الْحَجَرَ»
٤ / ٦٦٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَأَصَابَهُ وَابِلٌ﴾ [البقرة: ٢٦٤] قَدْ مَضَى الْبَيَانُ عَنْهُ
٤ / ٦٦٦
وَهَذَا ذِكْرُ مَنْ قَالَ قَوْلَنَا فِيهِ: حَدَّثَنِي مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: «أَمَّا وَابِلٌ: فَمَطَرٌ شَدِيدٌ»
٤ / ٦٦٦
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا أَبُو زُهَيْرٍ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ: ﴿فَأَصَابَهُ وَابِلٌ﴾ [البقرة: ٢٦٤] «وَالْوَابِلُ: الْمَطَرُ الشَّدِيدُ» حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، مِثْلَهُ. حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، مِثْلَهُ
٤ / ٦٦٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَتَرَكَهُ صَلْدًا﴾ [البقرة: ٢٦٤]
٤ / ٦٦٦
ذَكَرَ مَنْ قَالَ نَحْوَ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿فَتَرَكَهُ صَلْدًا﴾ [البقرة: ٢٦٤] يَقُولُ «نَقِيًّا»
٤ / ٦٦٦
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿فَتَرَكَهُ صَلْدًا﴾ [البقرة: ٢٦٤] قَالَ: «تَرَكَهَا نَقِيَّةً لَيْسَ عَلَيْهَا ⦗٦٦٧⦘ شَيْءٌ»
٤ / ٦٦٦
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، قَالَ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَوْلُهُ: ﴿فَتَرَكَهُ صَلْدًا﴾ [البقرة: ٢٦٤] قَالَ: «لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ»
٤ / ٦٦٧
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا أَبُو زُهَيْرٍ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ: ﴿صَلْدًا﴾ [البقرة: ٢٦٤] «فَتَرَكَهُ جُرْدًا»
٤ / ٦٦٧
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿فَتَرَكَهُ صَلْدًا﴾ [البقرة: ٢٦٤] «لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ»
٤ / ٦٦٧
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿فَتَرَكَهُ صَلْدًا﴾ [البقرة: ٢٦٤] «لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ»
٤ / ٦٦٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثناؤُهُ: وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فَيَصَّدَّقُونَ بِهَا وَيَحْمِلُونَ عَلَيْهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَيُقَوُّونَ بِهَا أَهْلَ الْحَاجَةِ مِنَ الْغُزَاةِ وَالْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَفِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ طَاعَاتِ اللَّهِ طَلَبَ مَرْضَاتِهِ. ﴿وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ﴾ [البقرة: ٢٦٥] يَعْنِي بِذَلِكَ: وَتَثْبِيتًا لَهُمْ عَلَى إِنْفَاقِ ذَلِكَ فِي طَاعَةِ اللَّهِ وَتَحْقِيقًا، مِنْ
٤ / ٦٦٧
قَوْلِ الْقَائِلِ: ثَبَّتُّ فُلَانًا فِي هَذَا الْأَمْرِ: إِذْ صَحَّحْتُ عَزْمَهُ وَحَقَّقْتُهُ وَقَوَّيْتُ فِيهِ رَأْيَهُ أَثْبَتُّهُ تَثْبِيتًا، كَمَا قَالَ ابْنُ رَوَاحَةَ:
[البحر البسيط] فَثَبَّتَ اللَّهُ مَا آتَاكَ مِنْ حَسَنٍ … تَثْبِيتَ مُوسَى وَنَصْرًا كَالَّذِي نُصِرُوا
وَإِنَّمَا عَنَى اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ بِذَلِكَ أَنَّ أَنْفُسَهُمْ كَانَتْ مُوقِنَةً مُصَدِّقَةً بُوعِدِ اللَّهِ إِيَّاهَا فِيمَا أَنْفَقَتْ فِي طَاعَتِهِ بِغَيْرِ مَنٍّ وَلَا أَذًى، فَثَبَّتَهُمْ فِي إِنْفَاقِ أَمْوَالِهِمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ، وَصَحَّحَ عَزْمَهُمْ وَآرَاءَهُمْ يَقِينًا مِنْهَا بِذَلِكَ، وَتَصْدِيقًا بُوعِدِ اللَّهِ إِيَّاهَا مَا وَعَدَهَا، وَلِذَلِكَ قَالَ مَنْ قَالَ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلَ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَتَثْبِيتًا﴾ [البقرة: ٢٦٥] وَتَصْدِيقًا، وَمَنْ قَالَ مِنْهُمْ: وَيَقِينًا؛ لِأَنَّ تَثْبِيتَ أَنْفُسِ الْمُنْفِقِينَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ إِيَّاهُمْ، إِنَّمَا كَانَ عَنْ يَقِينٍ مِنْهَا وَتَصْدِيقٍ بِوَعْدِ اللَّهِ
[البحر البسيط] فَثَبَّتَ اللَّهُ مَا آتَاكَ مِنْ حَسَنٍ … تَثْبِيتَ مُوسَى وَنَصْرًا كَالَّذِي نُصِرُوا
وَإِنَّمَا عَنَى اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ بِذَلِكَ أَنَّ أَنْفُسَهُمْ كَانَتْ مُوقِنَةً مُصَدِّقَةً بُوعِدِ اللَّهِ إِيَّاهَا فِيمَا أَنْفَقَتْ فِي طَاعَتِهِ بِغَيْرِ مَنٍّ وَلَا أَذًى، فَثَبَّتَهُمْ فِي إِنْفَاقِ أَمْوَالِهِمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ، وَصَحَّحَ عَزْمَهُمْ وَآرَاءَهُمْ يَقِينًا مِنْهَا بِذَلِكَ، وَتَصْدِيقًا بُوعِدِ اللَّهِ إِيَّاهَا مَا وَعَدَهَا، وَلِذَلِكَ قَالَ مَنْ قَالَ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلَ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَتَثْبِيتًا﴾ [البقرة: ٢٦٥] وَتَصْدِيقًا، وَمَنْ قَالَ مِنْهُمْ: وَيَقِينًا؛ لِأَنَّ تَثْبِيتَ أَنْفُسِ الْمُنْفِقِينَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ إِيَّاهُمْ، إِنَّمَا كَانَ عَنْ يَقِينٍ مِنْهَا وَتَصْدِيقٍ بِوَعْدِ اللَّهِ
٤ / ٦٦٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ الشَّعْبِيِّ: ﴿وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ﴾ [البقرة: ٢٦٥] قَالَ: «تَصْدِيقًا وَيَقِينًا» حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْأَهْوَازِيُّ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ الشَّعْبِيِّ: ﴿وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ﴾ [البقرة: ٢٦٥] قَالَ: «وَتَصْدِيقًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ ثَبَاتٌ وَنُصْرَةٌ»
٤ / ٦٦٨
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ﴾ [البقرة: ٢٦٥] قَالَ: «يَقِينًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ» قَالَ: «التَّثْبِيتُ الْيَقِينُ»
٤ / ٦٦٩
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: ثنا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ﴾ [البقرة: ٢٦٥] يَقُولُ: «يَقِينًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ﴾ [البقرة: ٢٦٥] أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَثَبَّتُونَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يَضَعُونَ فِيهِ صَدَقَاتِهِمْ
٤ / ٦٦٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا مُؤَمَّلٌ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ﴾ [البقرة: ٢٦٥] قَالَ «: يَتَثَبَّتُونَ أَيْنَ يَضَعُونَ أَمْوَالَهُمْ»
٤ / ٦٦٩
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ﴾ [البقرة: ٢٦٥] فَقُلْتُ لَهُ: مَا ذَلِكَ التَّثْبِيتُ؟ ⦗٦٧٠⦘ قَالَ: «يَتَثَبَّتُونَ أَيْنَ يَضَعُونَ أَمْوَالَهُمْ»
٤ / ٦٦٩
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ﴾ [البقرة: ٢٦٥] قَالَ: «كَانُوا يَتَثَبَّتُونَ أَيْنَ يَضَعُونَهَا»
٤ / ٦٧٠
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَلِيِّ بْنِ رِفَاعَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ﴾ [البقرة: ٢٦٥] قَالَ: «كَانُوا يَتَثَبَّتُونَ أَيْنَ يَضَعُونَ أَمْوَالَهُمْ، يَعْنِي زَكَاتَهُمْ»
٤ / ٦٧٠
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا سُوَيْدٌ، قَالَ: ثنا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَلِيٍّ، قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ، قَرَأَ: ﴿ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ﴾ قَالَ: «كَانَ الرَّجُلُ إِذَا هَمَّ بِصَدَقَةٍ تَثَبَّتَ، فَإِنْ كَانَ لِلَّهِ مَضَى، وَإِنْ خَالَطَهُ شَكٌّ أَمْسَكَ» وَهَذَا التَّأْوِيلُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ مُجَاهِدٍ وَالْحَسَنِ تَأْوِيلٌ بَعِيدُ الْمَعْنَى مِمَّا يَدُلُّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ التِّلَاوَةِ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ تَأَوَّلُوا قَوْلَهُ: ﴿وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ﴾ [البقرة: ٢٦٥] بِمَعْنَى: وَتَثَبُّتًا فَزَعَمُوا أَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا قِيلَ كَذَلِكَ، لِأَنَّ الْقَوْمَ كَانُوا يَتَثَبَّتُونَ أَيْنَ يَضَعُونَ أَمْوَالَهُمْ، وَلَوْ كَانَ التَّأْوِيلُ كَذَلِكَ، لَكَانَ: وَتَثَبُّتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ؛ لِأَنَّ الْمَصْدَرَ مِنَ الْكَلَامِ إِنْ كَانَ عَلَى تَفَعَّلْتُ التَّفَعُّلَ، فَيُقَالُ: تَكَرَّمْتُ تَكَرُّمًا، وَتَكَلَّمْتُ تَكَلُّمًا، وَكَمَا قَالَ جَلَّ ثناؤُهُ: ﴿أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ﴾ [النحل: ٤٧] مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: تَخَوَّفَ فُلَانٌ هَذَا الْأَمْرَ تَخَوُّفًا، فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ﴾ [البقرة: ٢٦٥] لَوْ كَانَ مِنْ تَثَبُّتِ الْقَوْمِ فِي وَضْعِ
٤ / ٦٧٠
صَدَقَاتِهُمْ مَوَاضِعَهَا لَكَانَ الْكَلَامُ: «وَتَثَبُّتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ» لَا «وَتَثْبِيتًا» وَلَكِنْ مَعْنَى ذَلِكَ مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّهُ: وَتَثْبِيتٌ مِنْ أَنْفُسِ الْقَوْمِ إِيَّاهُمْ بِصِحَّةِ الْعَزْمِ وَالْيَقِينِ بِوَعْدِ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَمَا تُنْكِرُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ نَظِيرَ قَوْلِ اللَّهِ عز وجل: ﴿وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا﴾ [المزمل: ٨] وَلَمْ يَقُلْ: تَبَتُّلًا؟ قِيلَ: إِنَّ هَذَا مُخَالِفُ لِذَلِكَ، وَذَلِكَ أَنَّ هَذَا إِنَّمَا جَازَ أَنْ يُقَالَ فِيهِ: ﴿تُبْتِيلًا﴾ [المزمل: ٨] لِظُهُورِ ﴿وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ﴾ [المزمل: ٨]، فَكَانَ فِي ظُهُورِهِ دَلَالَةٌ عَلَى مَتْرُوكٍ مِنَ الْكَلَامِ الَّذِي مِنْهُ قِيلَ: تَبْتِيلًا، وَذَلِكَ أَنَّ الْمَتْرُوكَ هُوَ: «تَبَتَّلْ فَيُبَتِّلَكَ اللَّهُ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا» وَقَدْ تَفْعَلُ الْعَرَبُ مِثْلَ ذَلِكَ أَحْيَانًا تُخْرِجُ الْمَصَادِرَ عَلَى غَيْرِ أَلْفَاظِ الْأَفْعَالِ الَّتِي تَقَدَّمَتْهَا إِذَا كَانَتِ الْأَفْعَالُ الْمُتَقَدِّمَةُ تَدُلُّ عَلَى مَا أُخْرِجَتْ مِنْهُ، كَمَا قَالَ جَلَّ وَعَزَّ: ﴿وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا﴾ [نوح: ١٧] وَقَالَ: ﴿وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا﴾ [آل عمران: ٣٧] وَالنَّبَاتُ: مَصْدَرُ نَبَتَ وَإِنَّمَا جَازَ ذَلِكَ؛ لِمَجِيءِ أَنْبَتَ قَبْلَهُ، فَدَلَّ عَلَى الْمَتْرُوكِ الَّذِي مِنْهُ قِيلَ نَبَاتًا، وَالْمَعْنَى: وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ فَنَبَتُّمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا، وَلَيْسَ قَوْلُهُ: ﴿وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ﴾ [البقرة: ٢٦٥] كَلَامًا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُتَوَهَّمًا بِهِ أَنَّهُ مَعْدُولٌ عَنْ بِنَائِهِ، وَمَعْنَى الْكَلَامِ: وَيَتَثَبَّتُونَ فِي وَضْعِ الصَّدَقَاتِ مَوَاضِعَهَا، فَيُصْرَفُ إِلَى الْمَعَانِي الَّتِي صُرِفَ إِلَيْهَا قَوْلُهُ: ﴿وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا﴾ [المزمل: ٨] وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْمَصَادِرِ الْمَعْدُولَةِ عَنِ الْأَفْعَالِ الَّتِي هِيَ ظَاهِرَةٌ قَبْلَهَا.
٤ / ٦٧١
وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ﴾ [البقرة: ٢٦٥] احْتِسَابًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ
٤ / ٦٧٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ﴾ [البقرة: ٢٦٥] يَقُولُ: «احْتِسَابًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ» وَهَذَا الْقَوْلُ أَيْضًا بَعِيدُ الْمَعْنَى مِنْ مَعْنَى التَّثْبِيتِ، لِأَنَّ التَّثْبِيتَ لَا يُعْرَفُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْكَلَامِ بِمَعْنَى الِاحْتِسَابِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ أَرَادَ مُفَسِّرُهُ كَذَلِكَ أَنَّ أَنْفُسَ الْمُنْفِقِينَ كَانَتْ مُحْتَسِبَةً فِي تَثْبِيتِهَا أَصْحَابَهَا، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ كَانَ عِنْدَهُ مَعْنَى الْكَلَامِ، فَلَيْسَ الِاحْتِسَابُ بِمَعْنًى حِينَئِذٍ لِلتَّثْبِيتِ فَيُتَرْجَمُ عَنْهُ بِهِ
٤ / ٦٧٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ﴾ [البقرة: ٢٦٥] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ وَعَزَّ: وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ، فَيَتَصَدَّقُونَ بِهَا، وَيُسْبِلُونَهَا فِي طَاعَةِ اللَّهِ بِغَيْرِ مَنٍّ عَلَى مَنْ تَصَدَّقُوا بِهَا عَلَيْهِ وَلَا أَذًى مِنْهُمْ لَهُمْ بِهَا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ وَتَصْدِيقًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ بِوَعْدِهِ، ﴿كَمَثَلِ جَنَّةٍ﴾ [البقرة: ٢٦٥] وَالْجَنَّةُ: الْبُسْتَانُ، وَقَدْ دَلَّلْنَا فِيمَا مَضَى عَلَى أَنَّ الْجَنَّةَ الْبُسْتَانُ بِمَا فِيهِ الْكِفَايَةُ مِنْ إِعَادَتِهِ ﴿بِرَبْوَةٍ﴾ [البقرة: ٢٦٥] وَالرَّبْوَةَ مِنَ الْأَرْضِ: مَا نَشَزَ مِنْهَا فَارْتَفَعَ عَنِ السَّيْلِ، وَإِنَّمَا وَصَفَهَا
٤ / ٦٧٢
بِذَلِكَ جَلَّ ثناؤُهُ؛ لِأَنَّ مَا ارْتَفَعَ عَنِ الْمَسَايِلِ وَالْأَوْدِيَةِ أَغْلَظُ، وَجِنَانُ مَا غَلُظَ مِنَ الْأَرْضِ أَحْسَنُ وَأَزْكَى ثَمَرًا وَغَرْسًا وَزَرْعًا مِمَّا رَقَّ مِنْهَا، وَلِذَلِكَ قَالَ أَعْشَى بَنِي ثَعْلَبَةَ فِي وَصْفِ رَوْضَةٍ:
[البحر البسيط] مَا رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْحُزْنِ مُعْشِبَةٌ … خَضْرَاءُ جَادَ عَلَيْهَا مُسْبِلٌ هَطِلُ
فَوَصَفَهَا بِأَنَّهَا مِنْ رِيَاضِ الْحُزْنِ؛ لِأَنَّ الْحَزُونَ غَرْسُهَا وَنَبَاتُهَا أَحْسَنُ وَأَقْوَى مِنْ غُرُوسِ الْأَوْدِيَةِ وَالتِّلَاعِ وَزُرُوعِهَا، وَفِي الرَّبْوَةِ لِغَاتٌ ثَلَاثٌ، وَقَدْ قَرَأَ بِكُلِّ لُغَةٍ مِنْهُنَّ جَمَاعَةٌ مِنَ الْقُرَّاءِ، وَهِيَ رُبْوَةٌ بِضَمِّ الرَّاءِ، وَبِهَا قَرَأَتْ عَامَّةُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ. وَرَبْوَةٌ بِفَتْحِ الرَّاءِ، وَبِهَا قَرَأَ بَعْضُ أَهْلِ الشَّامِ، وَبَعْضُ أَهْلِ الْكُوفَةِ، وَيُقَالُ: إِنَّهَا لُغَةٌ لِتَمِيمٍ، وَرِبْوَةٌ بِكَسْرِ الرَّاءِ، وَبِهَا قَرَأَ فِيمَا ذُكِرَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَغَيْرُ جَائِزٍ عِنْدِي أَنْ يُقْرَأَ ذَلِكَ إِلَّا بِإِحْدَى اللُّغَتَيْنِ: إِمَّا بِفَتْحِ الرَّاءِ، وَإِمَّا بِضَمِّهَا؛ لِأَنَّ قِرَاءَةَ النَّاسِ فِي أَمْصَارِهِمْ بِإِحْدَاهُمَا. وَأَنَا لِقِرَاءَتِهَا بِضَمِّهَا أَشَدُّ إِيثَارًا مِنِّي بِفَتْحِهَا؛ لِأَنَّهَا أَشْهُرُ اللُّغَتَيْنِ فِي الْعَرَبِ؛ فَأَمَّا الْكَسْرُ فَإِنَّ فِي رَفْضِ الْقِرَاءَةِ بِهِ دَلَالَةٌ وَاضِحَةٌ عَلَى أَنَّ الْقِرَاءَةَ بِهِ غَيْرُ جَائِزَةٍ، وَإِنَّمَا سُمِّيَتِ الرَّبْوَةَ؛ لِأَنَّهَا رَبَتْ فَغَلُظَتْ وَعَلَتْ، مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: رَبَا
[البحر البسيط] مَا رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْحُزْنِ مُعْشِبَةٌ … خَضْرَاءُ جَادَ عَلَيْهَا مُسْبِلٌ هَطِلُ
فَوَصَفَهَا بِأَنَّهَا مِنْ رِيَاضِ الْحُزْنِ؛ لِأَنَّ الْحَزُونَ غَرْسُهَا وَنَبَاتُهَا أَحْسَنُ وَأَقْوَى مِنْ غُرُوسِ الْأَوْدِيَةِ وَالتِّلَاعِ وَزُرُوعِهَا، وَفِي الرَّبْوَةِ لِغَاتٌ ثَلَاثٌ، وَقَدْ قَرَأَ بِكُلِّ لُغَةٍ مِنْهُنَّ جَمَاعَةٌ مِنَ الْقُرَّاءِ، وَهِيَ رُبْوَةٌ بِضَمِّ الرَّاءِ، وَبِهَا قَرَأَتْ عَامَّةُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ. وَرَبْوَةٌ بِفَتْحِ الرَّاءِ، وَبِهَا قَرَأَ بَعْضُ أَهْلِ الشَّامِ، وَبَعْضُ أَهْلِ الْكُوفَةِ، وَيُقَالُ: إِنَّهَا لُغَةٌ لِتَمِيمٍ، وَرِبْوَةٌ بِكَسْرِ الرَّاءِ، وَبِهَا قَرَأَ فِيمَا ذُكِرَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَغَيْرُ جَائِزٍ عِنْدِي أَنْ يُقْرَأَ ذَلِكَ إِلَّا بِإِحْدَى اللُّغَتَيْنِ: إِمَّا بِفَتْحِ الرَّاءِ، وَإِمَّا بِضَمِّهَا؛ لِأَنَّ قِرَاءَةَ النَّاسِ فِي أَمْصَارِهِمْ بِإِحْدَاهُمَا. وَأَنَا لِقِرَاءَتِهَا بِضَمِّهَا أَشَدُّ إِيثَارًا مِنِّي بِفَتْحِهَا؛ لِأَنَّهَا أَشْهُرُ اللُّغَتَيْنِ فِي الْعَرَبِ؛ فَأَمَّا الْكَسْرُ فَإِنَّ فِي رَفْضِ الْقِرَاءَةِ بِهِ دَلَالَةٌ وَاضِحَةٌ عَلَى أَنَّ الْقِرَاءَةَ بِهِ غَيْرُ جَائِزَةٍ، وَإِنَّمَا سُمِّيَتِ الرَّبْوَةَ؛ لِأَنَّهَا رَبَتْ فَغَلُظَتْ وَعَلَتْ، مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: رَبَا
٤ / ٦٧٣
هَذَا الشَّيْءُ يَرْبُو: إِذَا انْفَتَحَ فَعَظُمَ. وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٤ / ٦٧٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ﴾ [البقرة: ٢٦٥] قَالَ: «الرَّبْوَةُ: الْمَكَانُ الظَّاهِرُ الْمُسْتَوِي»
٤ / ٦٧٤
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، قَالَ: قَالَ مُجَاهِدٌ: «هِيَ الْأَرْضُ الْمُسْتَوِيَةُ الْمُرْتَفِعَةُ»
٤ / ٦٧٤
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةِ﴾ [البقرة: ٢٦٥] يَقُولُ: «بِنَشَزٍ مِنَ الْأَرْضِ»
٤ / ٦٧٤
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا أَبُو زُهَيْرٍ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ: ﴿كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ﴾ [البقرة: ٢٦٥] «وَالرَّبْوَةُ: الْمَكَانُ الْمُرْتَفِعُ الَّذِي لَا تَجْرِي فِيهِ الْأَنْهَارُ وَالَّذِي فِيهِ الْجِنَانُ»
٤ / ٦٧٤
حَدَّثَنِي مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَوْلُهُ: ﴿بِرَبْوَةٍ﴾ [البقرة: ٢٦٥] «بِرَابِيَةٍ مِنَ الْأَرْضِ»
٤ / ٦٧٤
حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ: ﴿كَمَثَلِ جِنَّةٍ بِرَبْوَةٍ﴾ [البقرة: ٢٦٥] «وَالرَّبْوَةُ النَّشَزُ مِنَ الْأَرْضِ»
٤ / ٦٧٥
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ﴿كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ﴾ [البقرة: ٢٦٥] قَالَ: «الْمَكَانُ الْمُرْتَفِعُ الَّذِي لَا تَجْرِي فِيهِ الْأَنْهَارُ» وَكَانَ آخَرُونَ يَقُولُونَ: هِيَ الْمُسْتَوِيَةُ
٤ / ٦٧٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ﴾ [البقرة: ٢٦٥] قَالَ: «هِيَ الْأَرْضُ الْمُسْتَوِيَةُ الَّتِي تَعْلُو فَوْقَ الْمِيَاهِ» وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿أَصَابَهَا وَابِلٌ﴾ [البقرة: ٢٦٥] فَإِنَّهُ يَعْنِي جَلَّ ثناؤُهُ أَصَابَ الْجَنَّةَ الَّتِي بِالرَّبْوَةِ مِنَ الْأَرْضِ وَابِلٌ مِنَ الْمَطَرِ، وَهُوَ الشَّدِيدُ الْعَظِيمُ الْقَطْرِ مِنْهُ، وَقَوْلُهُ: ﴿فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ﴾ [البقرة: ٢٦٥] فَإِنَّهُ يَعْنِي الْجَنَّةَ أَنَّهَا أُضْعِفَ ثَمَرُهَا ضِعْفَيْنِ حِينَ أَصَابَهَا الْوَابِلُ مِنَ الْمَطَرِ، وَالْأُكُلُ: هُوَ الشَّيْءُ الْمَأْكُولُ، وَهُوَ مِثْلُ الرُّعْبِ وَالْهَزْءِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْأَسْمَاءِ الَّتِي تَأْتِي عَلَى فَعَلَ؛ وَأَمَّا الْأَكْلُ بِفَتْحِ الْأَلْفِ وَتَسْكِينِ الْكَافِ، فَهُوَ فِعْلُ الْآكِلِ، يُقَالُ مِنْهُ: أَكَلْتُ أَكْلًا، وَأَكَلْتُ أُكْلَةً وَاحِدَةً، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الطويل] وَمَا أَكْلَةٌ أَكَلْتُهَا بِغَنِيمَةٍ … وَلَا جَوْعَةٌ إِنْ جُعْتُهَا بِغَرَامِ
فَفَتَحَ الْأَلِفَ؛ لِأَنَّهَا بِمَعْنَى الْفِعْلِ، وَيَدُلْكُ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ قَوْلُهُ: «وَلَا جَوْعَةٌ»، وَإِنْ ضُمَّتِ الْأَلْفُ مِنَ «الْأُكْلَةِ» كَانَ مَعْنَاهُ: الطَّعَامُ الَّذِي أَكَلْتَهُ، فَيَكُونُ مَعْنَى ذَلِكَ حِينَئِذٍ: مَا طَعَامٌ أَكَلْتُهُ بِغَنِيمَةٍ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ﴾ [البقرة: ٢٦٥] فَإِنَّ الطَّلَّ: هُوَ النَّدَى وَاللَّيِّنُ مِنَ الْمَطَرِ
[البحر الطويل] وَمَا أَكْلَةٌ أَكَلْتُهَا بِغَنِيمَةٍ … وَلَا جَوْعَةٌ إِنْ جُعْتُهَا بِغَرَامِ
فَفَتَحَ الْأَلِفَ؛ لِأَنَّهَا بِمَعْنَى الْفِعْلِ، وَيَدُلْكُ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ قَوْلُهُ: «وَلَا جَوْعَةٌ»، وَإِنْ ضُمَّتِ الْأَلْفُ مِنَ «الْأُكْلَةِ» كَانَ مَعْنَاهُ: الطَّعَامُ الَّذِي أَكَلْتَهُ، فَيَكُونُ مَعْنَى ذَلِكَ حِينَئِذٍ: مَا طَعَامٌ أَكَلْتُهُ بِغَنِيمَةٍ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ﴾ [البقرة: ٢٦٥] فَإِنَّ الطَّلَّ: هُوَ النَّدَى وَاللَّيِّنُ مِنَ الْمَطَرِ
٤ / ٦٧٥
كَمَا: حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: ثنا حَجَّاجٌ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: ﴿فَطَلٌّ﴾ [البقرة: ٢٦٥] «نَدَى» عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ
٤ / ٦٧٦
حَدَّثَنِي مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: أَمَا الطَّلُّ: فَالنَّدَى “
٤ / ٦٧٦
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ﴾ [البقرة: ٢٦٥] «أَيْ طَشٌّ»
٤ / ٦٧٧
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا أَبُو زُهَيْرٍ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ: ﴿فَطَلٌّ﴾ [البقرة: ٢٦٥] قَالَ: «الطَّلُّ: الرَّذَاذُ مِنَ الْمَطَرِ، يَعْنِي اللَّيِّنَ مِنْهُ»
٤ / ٦٧٧
حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ: ﴿فَطَلٌّ﴾ [البقرة: ٢٦٥] «أَيْ طَشٌّ» وَإِنَّمَا يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِهَذَا الْمَثَلِ كَمَا ضُعِّفَتْ ثَمَرَةُ هَذِهِ الْجَنَّةِ الَّتِي وُصِفَتْ صِفَتُهَا حِينَ جَادَ الْوَابِلُ فَإِنْ أَخْطَأَ هَذَا الْوَابِلُ فَالطَّلُّ، كَذَلِكَ يُضَعِّفُ اللَّهُ صَدَقَةَ الْمُتَصَدِّقِ وَالْمُنْفِقِ مَالِهِ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ مَنٍّ وَلَا أَذًى، قَلَّتْ نَفَقَتُهُ أَوْ كَثُرَتْ لَا تَخِيبُ وَلَا تُخَلَّفُ نَفَقَتُهُ، كَمَا تُضَعَّفُ الْجَنَّةُ الَّتِي وَصَفَ جَلَّ ثناؤُهُ صِفَتَهَا قَلَّ مَا أَصَابَهَا مِنَ الْمَطَرِ أَوْ كَثُرَ لَا يُخَلَّفُ خَيْرُهَا بِحَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ، وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ جَمَاعَةُ أَهْلِ التَّأْوِيلِ
٤ / ٦٧٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، ⦗٦٧٨⦘ قَوْلُهُ: ﴿فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ﴾ [البقرة: ٢٦٥] يَقُولُ: «كَمَا أَضْعَفْتُ ثَمَرَةَ تِلْكَ الْجَنَّةِ، فَكَذَلِكَ تُضَاعَفُ ثَمَرَةُ هَذَا الْمُنْفِقِ ضِعْفَيْنِ»
٤ / ٦٧٧
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلُّ﴾ [البقرة: ٢٦٥] «هَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِعَمَلِ الْمُؤْمِنِ، يَقُولُ: لَيْسَ لِخَيْرِهِ خُلْفٌ، كَمَا لَيْسَ لَخَيْرِ هَذِهِ الْجَنَّةِ خُلْفٌ عَلَى أَيِّ حَالٍ، إِمَّا وَابِلٌ، وَإِمَّا طَلٌّ»
٤ / ٦٧٨
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا أَبُو زُهَيْرٍ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، قَالَ: «هَذَا مَثَلُ مَنْ أَنْفَقَ مَالَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ»
٤ / ٦٧٨
حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، قَوْلُهُ: ﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ﴾ الْآيَةَ، قَالَ: «هَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِعَمَلِ الْمُؤْمِنِ» فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَكَيْفَ قِيلَ: ﴿فَإنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ﴾ [البقرة: ٢٦٥] وَهَذَا خَبَرٌ عَنْ أَمْرٍ قَدْ مَضَى؟ قِيلَ: يُرَادُ فِيهِ: كَانَ، وَمَعْنَى الْكَلَامِ: فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْوَابِلُ أَصَابَهَا، أَصَابَهَا طَلٌّ، وَذَلِكَ فِي الْكَلَامِ نَحْوُ قَوْلِ الْقَائِلِ: حَبَسْتُ فَرَسَيْنِ، فَإِنْ لَمْ أَحْبِسِ اثْنَيْنِ فَوَاحِدًا بِقِيمَتِهِ، بِمَعْنَى: إِلَّا أَكُنْ، لَا بُدُّ مِنْ إِضْمَارِ «كَانَ»؛ ⦗٦٧٩⦘ لِأَنَّهُ خَبَرٌ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
[البحر الطويل] إِذَا مَا انْتَسَبْنَا لَمْ تَلِدْنِي لَئِيمَةٌ … وَلَمْ تَجِدِي مِنْ أَنْ تُقِرِّي بِهَا بُدَّا
[البحر الطويل] إِذَا مَا انْتَسَبْنَا لَمْ تَلِدْنِي لَئِيمَةٌ … وَلَمْ تَجِدِي مِنْ أَنْ تُقِرِّي بِهَا بُدَّا
٤ / ٦٧٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ [البقرة: ٢٦٥] يَعْنِي بِذَلِكَ: وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ أَيُّهَا النَّاسُ فِي نَفَقَاتِكُمُ الَّتِي تُنْفِقُونَهَا بَصِيرٌ، لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهَا وَلَا مِنْ أَعْمَالِكُمْ فِيهَا وَفِي غَيْرِهَا شَيْءٌ يَعْلَمُ مَنِ الْمُنْفِقُ مِنْكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى وَالْمُنَفِّقُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ، وَتَثْبِيتًا مِنْ نَفْسِهِ، فَيُحْصِي عَلَيْكُمْ حَتَّى يُجَازِيَ جَمِيعَكُمْ جَزَاءَهُ عَلَى عَمَلِهِ، إِنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ، وَإِنْ شَرًّا فَشَرٌّ. وَإِنَّمَا يَعْنِي بِهَذَا الْقَوْلِ جَلَّ ذِكْرُهُ التَّحْذِيرَ مِنْ عِقَابِهِ فِي النَّفَقَاتِ الَّتِي يُنْفِقُهَا عِبَادُهُ، وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الْأَعْمَالِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِهِ مَا قَدْ تَقَدَّمَ فِيهِ بِالنَّهْيِ عَنْهُ، أَوْ يُفَرِّطُ فِيمَا قَدْ أُمِرَ بِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ بِمَرْأًى مِنَ اللَّهِ وَمَسْمَعٍ، يَعْلَمُهُ وَيُحْصِيهُ عَلَيْهِمْ، وَهُوَ لِخَلْقِهِ بِالْمِرْصَادِ
٤ / ٦٧٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلِ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ﴾ [البقرة: ٢٦٦] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا﴾ [البقرة: ٢٦٤] ﴿أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلِ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ. . .﴾ [البقرة: ٢٦٦] الْآيَةَ
٤ / ٦٧٩
وَمَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ﴾ [البقرة: ٢٦٦] أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ يَعْنِي بُسْتَانًا مِنْ نَخِيلِ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَعْنِي مِنْ تَحْتِ الْجَنَّةِ وَلَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ، وَالْهَاءُ فِي قَوْلِهِ: ﴿لَهُ﴾ [البقرة: ١٠٢] عَائِدَةٌ عَلَى أَحَدٍ، وَالْهَاءُ وَالْأَلِفُ فِي: ﴿فِيهَا﴾ [البقرة: ٢٥] عَلَى الْجَنَّةِ، ﴿وَأَصَابَهُ﴾ [البقرة: ٢٦٦] يَعْنِي وَأَصَابَ أَحَدَكُمُ الْكِبَرُ، ﴿وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ﴾ [البقرة: ٢٦٦] وَإِنَّمَا جَعَلَ جَلَّ ثناؤُهُ الْبُسْتَانَ مِنَ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ، الَّذِي قَالَ جَلَّ ثناؤُهُ لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ: أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ مَثَلًا لِنَفَقَةِ الْمُنَافِقِ الَّتِي يُنْفِقُهَا رِيَاءَ النَّاسِ، لَا ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ، فَالنَّاسُ بِمَا يَظْهَرُ لَهُمْ مِنْ صَدَقَتِهِ، وَإِعْطَائِهِ لِمَا يُعْطَى وَعَمَلِهِ الظَّاهِرِ، يُثْنُونَ عَلَيْهِ وَيَحْمَدُونَهُ بِعَمَلِهِ ذَلِكَ أَيَّامَ حَيَاتِهِ فِي حُسْنِهِ كَحُسْنِ الْبُسْتَانِ وَهِيَ الْجَنَّةُ الَّتِي ضَرَبَهَا اللَّهُ عز وجل لِعَمَلِهِ مَثَلًا مِنْ نَخِيلِ وَأَعْنَابٍ، لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ؛ لِأَنَّ عَمَلَهُ ذَلِكَ الَّذِي يَعْمَلُهُ فِي الظَّاهِرِ فِي الدُّنْيَا لَهُ فِيهِ مِنْ كُلِّ خَيْرٍ مِنْ عَاجِلِ الدُّنْيَا، يَدْفَعُ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ وَدَمِهِ وَمَالِهِ وَذُرِّيَّتِهِ، وَيَكْتَسِبُ بِهِ الْمَحْمَدَةَ وَحُسْنَ الثَّنَاءِ عِنْدَ النَّاسِ، وَيَأْخُذُ بِهِ سَهْمَهُ مِنَ الْمَغْنَمِ مَعَ أَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ يَكْثُرُ إِحْصَاؤُهَا، فَلَهُ فِي ذَلِكَ مِنْ كُلِّ خَيْرٍ فِي الدُّنْيَا، كَمَا وَصَفَ جَلَّ ثناؤُهُ الْجَنَّةَ الَّتِي وَصَفَ مَثَلًا بِعَمَلِهِ، بِأَنَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ، ثُمَّ قَالَ جَلَّ ثناؤُهُ: ﴿وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ﴾ [البقرة: ٢٦٦] يَعْنِي أَنَّ صَاحِبَ الْجَنَّةِ أَصَابَهُ
٤ / ٦٨٠
الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ صِغَارٌ أَطْفَالٌ، ﴿فَأَصَابَهَا﴾ [البقرة: ٢٦٦] يَعْنِي فَأَصَابَ الْجَنَّةَ إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ ﴿فَاحْتَرَقَتْ﴾ [البقرة: ٢٦٦] يَعْنِي بِذَلِكَ أَنَّ جَنَّتَهُ تِلْكَ أَحْرَقَتْهَا الرِّيحُ الَّتِي فِيهَا النَّارُ فِي حَالِ حَاجَتِهِ إِلَيْهَا، وَضَرُورَتِهِ إِلَى ثَمَرَتِهَا بِكِبْرِهِ وَضَعْفِهِ عَنْ عِمَارَتِهَا، وَفِي حَالِ صِغَرِ وَلَدِهِ وَعَجُزِهِ عَنْ إِحْيَائِهَا وَالْقِيَامِ عَلَيْهَا، فَبَقِيَ لَا شَيْءَ لَهُ، أَحْوَجَ مَا كَانَ إِلَى جَنَّتِهِ وَثِمَارِهَا بِالْآفَةِ الَّتِي أَصَابَتْهَا مِنَ الْإِعْصَارِ الَّذِي فِيهِ النَّارُ، يَقُولُ: فَكَذَلِكَ الْمُنْفِقُ مَالَهُ رِيَاءَ النَّاسِ، أَطْفَأَ اللَّهُ نُورَهُ، وَأَذْهَبَ بَهَاءَ عَمَلِهِ، وَأَحْبَطَ أَجْرَهُ حَتَّى لَقِيَهُ، وَعَادَ إِلَيْهِ أَحْوَجَ مَا كَانَ إِلَى عَمَلِهِ، حِينَ لَا مُسْتَعْتَبَ لَهُ وَلَا إِقَالَةَ مِنْ ذُنُوبِهِ وَلَا تَوْبَةَ، وَاضْمَحَلَّ عَمَلُهُ كَمَا احْتَرَقَتِ الْجَنَّةُ الَّتِي وَصَفَ جَلَّ ثناؤُهُ صِفَتَهَا عِنْدَ كِبَرِ صَاحِبِهَا وَطُفُولَةِ ذُرِّيَّةِ أَحْوَجَ مَا كَانَ إِلَيْهَا فَبَطُلَتْ مَنَافِعُهَا عَنْهُ. وَهَذَا الْمَثَلُ الَّذِي ضَرَبَهُ اللَّهُ لِلْمُنْفِقِينَ أَمْوَالَهُمْ رِيَاءَ النَّاسِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ نَظِيرُ الْمَثَلِ الْآخَرِ الَّذِي ضَرَبَهُ لَهُمْ بِقَوْلِهِ: ﴿فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانَ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا﴾ [البقرة: ٢٦٤] وَقَدْ تَنَازَعَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ هَذِهِ الْآيَةِ، إِلَّا أَنَّ مَعَانِيَ قَوْلِهِمْ فِي ذَلِكَ وَإِنِ اخْتَلَفَتْ تَصَارِيفُهُمْ فِيهَا عَائِدَةٌ إِلَى الْمَعْنَى الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، وَأَحْسَنُهُمْ إِبَانَةً لِمَعْنَاهَا وَأَقْرَبُهُمْ إِلَى الصَّوَابِ قَوْلًا فِيهَا السُّدِّيُّ
٤ / ٦٨١
حَدَّثَنِي مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، ﴿أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ﴾ [البقرة: ٢٦٦] «هَذَا مَثَلٌ آخَرُ لَنَفَقَةِ الرِّيَاءِ، أَنَّهُ يُنْفِقُ مَالَهُ يُرَائِي ⦗٦٨٢⦘ النَّاسَ بِهِ، فَيَذْهَبُ مَالُهُ مِنْهُ وَهُوَ يُرَائِي، فَلَا يَأْجُرْهُ اللَّهُ فِيهِ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ وَاحْتَاجَ إِلَى نَفَقَتِهِ، وَجَدَهَا قَدْ أَحْرَقَهَا الرِّيَاءُ، فَذَهَبَتْ كَمَا أَنْفَقَ هَذَا الرَّجُلُ عَلَى جَنَّتِهِ، حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ وَكَثُرَ عِيَالُهُ وَاحْتَاجَ إِلَى جَنَّتِهِ جَاءَتْ رِيحٌ فِيهَا سُمُومٌ فَأَحْرَقَتْ جَنَّتَهُ، فَلَمْ يَجِدْ مِنْهَا شَيْئًا، فَكَذَلِكَ الْمُنْفِقُ رِيَاءً»
٤ / ٦٨١
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ عز وجل: ﴿أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلِ وَأَعْنَابٍ﴾ [البقرة: ٢٦٦] «كَمَثَلِ الْمُفَرِّطِ فِي طَاعَةِ اللَّهِ حَتَّى يَمُوتَ، قَالَ:»يَقُولُ: أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَكُونَ لَهُ دُنْيَا لَا يَعْمَلُ فِيهَا بِطَاعَةِ اللَّهِ، كَمَثَلِ هَذَا الَّذِي لَهُ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ، وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ، وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ، فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ، فَمَثَلُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ كَمَثَلِ هَذَا حِينَ أُحْرِقَتْ جَنَّتُهُ وَهُوَ كَبِيرٌ، لَا يُغْنِي عَنْهَا شَيْئًا، وَوَلَدُهُ صِغَارٌ لَا يُغْنُونَ عَنْهَا شَيْئًا، وَكَذَلِكَ الْمُفَرِّطُ بَعْدَ الْمَوْتِ كُلُّ شَيْءٍ عَلَيْهِ حَسْرَةٌ ” حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ
٤ / ٦٨٢
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: سَأَلَ عُمَرُ النَّاسَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ، فَمَا وَجَدَ أَحَدًا يَشْفِيهِ، حَتَّى قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَهُوَ خَلْفَهُ: «يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ⦗٦٨٣⦘ إِنِّي أَجِدُ فِي نَفْسِي مِنْهَا شَيْئًا»، قَالَ: فَتَلَفَّتَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: تَحَوَّلْ هَاهُنَا، لِمَ تَحْقِرُ نَفْسَكُ؟ قَالَ: «هَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ عز وجل فَقَالَ: أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَعْمَلَ عُمْرَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْخَيْرِ وَأَهْلِ السَّعَادَةِ، حَتَّى إِذَا كَانَ أَحْوَجَ مَا يَكُونُ إِلَى أَنْ يَخْتِمَهُ بِخَيْرٍ حِينَ فَنِيَ عُمْرُهُ، وَاقْتَرَبَ أَجَلُهُ، خَتَمَ ذَلِكَ بِعَمَلٍ مِنْ عَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاءِ فَأَفْسَدَهُ كُلَّهُ فَحَرَقَهُ أَحْوَجَ مَا كَانَ إِلَيْهِ»
٤ / ٦٨٢
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، أَنَّ عُمَرَ، تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلِ وَأَعْنَابٍ﴾ [البقرة: ٢٦٦] قَالَ: «هَذَا مَثَلٌ ضُرِبَ لِإِنْسَانٍ يَعْمَلُ عَمَلًا صَالِحًا، حَتَّى إِذَا كَانَ عِنْدَهُ آخِرُ عُمْرِهِ أَحْوَجَ مَا يَكُونُ إِلَيْهِ، عَمِلَ عَمَلَ السُّوءِ»
٤ / ٦٨٣
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا سُوَيْدٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرِ بْنَ أَبِي مُلَيْكَةَ، يُخْبِرُ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: سَأَلَ عُمَرُ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: «فِيمَ تَرَوْنَ أُنْزِلَتْ ﴿أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلِ وَأَعْنَابٍ﴾ [البقرة: ٢٦٦]»؟ فَقَالُوا: اللَّهُ أَعْلَمُ، فَغَضِبَ عُمَرُ، فَقَالَ: «قُولُوا نَعْلَمُ أَوْ لَا نَعْلَمُ» فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «فِي نَفْسِي مِنْهَا شَيْءٌ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ»، فَقَالَ عُمَرُ: «قُلْ يَا ابْنَ أَخِي وَلَا تَحْقِرْ نَفْسَكَ»، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «ضُرِبَتْ مَثَلًا لِعَمَلٍ»، قَالَ عُمَرُ: «أَيُّ عَمَلٍ»؟ قَالَ: «لِعَمَلٍ»، فَقَالَ عُمَرُ: «رَجُلٌ عُنِيَ بِعَمَلِ الْحَسَنَاتِ، ثُمَّ بَعَثَ اللَّهُ لَهُ الشَّيْطَانَ، ⦗٦٨٤⦘ فَعَمِلَ بِالْمَعَاصِي حَتَّى أَغْرَقَ أَعْمَالَهُ كُلَّهَا» قَالَ: وَسَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي مُلَيْكَةَ يُحَدِّثَ نَحْوَ هَذَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، سَمِعَهُ مِنْهُ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرِ بْنَ أَبِي مُلَيْكَةَ يُخْبِرُ أَنَّهُ سَمِعَ عُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ، قَالَ: ابْنُ جُرَيْجٍ: وَسَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي مُلَيْكَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، قَالَا جَمِيعًا: إِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ سَأَلَ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَذَكَرَ نَحْوَهُ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ عُمَرُ: لِلرَّجُلِ يَعْمَلُ بِالْحَسَنَاتِ، ثُمَّ يَبْعَثُ لَهُ الشَّيْطَانَ فَيَعْمَلُ بِالْمَعَاصِي
٤ / ٦٨٣
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: سَأَلْتُ عَطَاءً عَنْهَا. ثُمَّ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَأَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَثِيرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَا: «ضُرِبَتْ مَثَلًا لِلْأَعْمَالِ» قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «ضُرِبَتْ مَثَلًا لِلْعَمَلِ يَبْدَأُ فَيَعْمَلُ عَمَلًا
٤ / ٦٨٤
صَالِحًا، فَيَكُونُ مَثَلًا لِلْجَنَّةِ الَّتِي مِنْ نَخِيلِ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ، لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ، ثُمَّ يُسِيءُ فِي آخِرِ عُمْرِهِ، فَيَتَمَادَى عَلَى الْإِسَاءَةِ حَتَّى يَمُوتَ عَلَى ذَلِكَ، فَيَكُونُ الْإِعْصَارُ الَّذِي فِيهِ النَّارُ الَّتِي أَحْرَقَتِ الْجَنَّةَ، مَثَلًا لِإِسَاءَتِهِ الَّتِي مَاتَ وَهُوَ عَلَيْهَا» قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «الْجَنَّةُ عَيْشُهُ وَعَيْشُ وَلَدِهِ فَاحْتَرَقَتْ، فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَدْفَعَ عَنْ جَنَّتِهِ مِنْ أَجْلِ كِبَرِهِ، وَلَمْ يَسْتَطِعْ ذُرِّيَّتُهُ أَنْ يَدْفَعُوا عَنْ جَنَّتِهِمْ مِنْ أَجْلِ صِغَرِهِمْ حَتَّى احْتَرَقَتْ، يَقُولُ: هَذَا مَثَلُهُ تَلَقَّاهُ وَهُوَ أَفْقَرُ مَا كَانَ إِلَيَّ، فَلَا يَجِدُ لَهُ عِنْدِي شَيْئًا، وَلَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَدْفَعَ عَنْ نَفْسِهِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ شَيْئًا، وَلَا يَسْتَطِيعُ مِنْ كِبَرِهِ وَصِغَرِ أَوْلَادِهِ أَنْ يَعْمَلُوا جَنَّةً، كَذَلِكَ لَا تَوْبَةَ إِذَا انْقَطَعَ الْعَمَلُ حِينَ مَاتَ»، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: «هُوَ مَثَلُ الْمُفَرِّطِ فِي طَاعَةِ اللَّهِ حَتَّى يَمُوتُ»
٤ / ٦٨٥
قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَقَالَ مُجَاهِدٌ: «أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ دُنْيَا لَا يَعْمَلُ فِيهَا بِطَاعَةِ اللَّهِ، كَمَثَلِ هَذَا الَّذِي لَهُ جَنَّةٌ، فَمَثَلُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ كَمَثَلِ هَذَا حِينَ أُحْرِقَتْ جَنَّتُهُ وَهُوَ كَبِيرٌ لَا يُغْنِي عَنْهَا شَيْئًا وَأَوْلَادُهُ صِغَارٌ وَلَا يُغْنُونَ عَنْهُ شَيْئًا، وَكَذَلِكَ الْمُفَرِّطُ بَعْدَ الْمَوْتِ كُلُّ شَيْءٍ عَلَيْهِ حَسْرَةٌ»
٤ / ٦٨٥
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلِ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾ [البقرة: ٢٦٦]، الْآيَةَ، يَقُولُ: «أَصَابَهَا رِيحٌ فِيهَا سُمُومٌ شَدِيدَةٌ، كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ، فَهَذَا مَثَلٌ، فَاعْقِلُوا عَنِ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ أَمْثَالَهُ، فَإِنَّهُ قَالَ: ﴿وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ﴾ [العنكبوت: ٤٣] هَذَا رَجُلٌ كَبِرَتْ سِنُّهُ وَدَقَّ عَظْمُهُ وَكَثُرَ عِيَالُهُ، ثُمَّ احْتَرَقَتْ جَنَّتُهُ عَلَى بَقِيَّةِ ذَلِكَ كَأَحْوَجِ مَا يَكُونُ إِلَيْهِ، يَقُولُ: أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَضِلَّ عَنْهُ عَمَلُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَحْوَجِ مَا يَكُونُ إِلَيْهِ؟»
٤ / ٦٨٦
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ﴾ [البقرة: ٢٦٦] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿فَاحْتَرَقَتْ﴾ [البقرة: ٢٦٦] يَقُولُ: «فَذَهَبَتْ جَنَّتُهُ كَأَحْوَجِ مَا كَانَ إِلَيْهَا حِينَ كَبِرَتْ سِنُّهُ وَضَعُفَ عَنِ الْكَسْبِ، وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ لَا يَنْفَعُونَهُ» قَالَ: وَكَانَ الْحَسَنُ يَقُولُ: “فَاحْتَرَقَتْ فَذَهَبَتْ أَحْوَجَ مَا كَانَ إِلَيْهَا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَذْهَبَ عَمَلُهُ أَحْوَجَ مَا كَانَ إِلَيْهِ؟
٤ / ٦٨٦
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا حَسَنًا، وَكُلُّ أَمْثَالِهِ حَسَنٌ تبارك وتعالى، ⦗٦٨٧⦘ وَقَالَ: قَالَ أَيُّوبُ ﴿أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلِ﴾ [البقرة: ٢٦٦] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ﴾ [البقرة: ٢٦٦] يَقُولُ: صَنَعَهُ فِي شَبِيبَتِهِ فَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ عِنْدَ آخِرِ عُمْرِهِ، فَجَاءَهُ إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ، فَأَحْرَقَ بُسْتَانَهُ، فَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ قُوَّةٌ أَنْ يَغْرِسَ مِثْلَهُ، وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَ نَسْلِهِ خَيْرٌ يَعُودُونَ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ الْكَافِرُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِذَا رُدَّ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى لَيْسَ لَهُ خَيْرٌ فَيُسْتَعْتَبَ كَمَا لَيْسَ لَهُ قُوَّةٌ فَيَغْرِسُ مِثْلَ بُسْتَانِهِ، وَلَا يَجِدُ خَيْرًا قَدَّمَ لِنَفْسِهِ يَعُودُ عَلَيْهِ، كَمَا لَمْ يُغْنِ عَنْ هَذَا وَلَدُهُ وَحُرِمَ أَجْرَهُ عِنْدَ أَفْقَرِ مَا كَانَ إِلَيْهِ كَمَا حُرِمَ هَذَا جَنَّتَهُ عِنْدَ أَفْقَرِ مَا كَانَ إِلَيْهَا عِنْدَ كِبَرِهِ وَضَعْفِ ذُرِّيَّتِهِ، وَهُوَ مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِلْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ فِيمَا أُوتِيَا فِي الدُّنْيَا، كَيْفَ نَجَّى الْمُؤْمِنَ فِي الْآخِرَةِ، وَذَخَرَ لَهُ مِنَ الْكَرَامَةِ وَالنَّعِيمِ، وَخَزَنَ عَنْهُ الْمَالَ فِي الدُّنْيَا، وَبَسَطَ لِلْكَافِرِ فِي الدُّنْيَا مِنَ الْمَالِ مَا هُوَ مُنْقَطِعٌ، وَخَزَنَ لَهُ مِنَ الشَّرِّ مَا لَيْسَ بِمُفَارِقِهِ أَبَدًا وَيَخْلُدُ فِيهَا مُهَانًا، مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ فَخَرَ عَلَى صَاحِبِهِ وَوَثِقَ بِمَا عِنْدَهُ وَلَمْ يَسْتَيْقِنْ أَنَّهُ مُلَاقٍ رَبَّهُ»
٤ / ٦٨٦
حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ: ﴿أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ، لَهُ جَنَّةٌ﴾ [البقرة: ٢٦٦]، الْآيَةَ، قَالَ: «هَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ ﴿أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ﴾ [البقرة: ٢٦٦]، ﴿فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ﴾ [البقرة: ٢٦٦] وَالرَّجُلُ قَدْ كَبِرَ سِنُّهُ وَضَعُفَ وَلَهُ أَوْلَادٌ ⦗٦٨٨⦘ صِغَارٌ، وَابْتَلَاهُمُ اللَّهُ فِي جَنَّتِهِمْ، فَبَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهَا إِعْصَارًا فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ، فَلَمْ يَسْتَطِعِ الرَّجُلُ أَنْ يَدْفَعَ عَنْ جَنَّتِهِ مِنَ الْكِبَرِ، وَلَا وَلَدُهُ لِصِغَرِهِمْ، فَذَهَبَتْ جَنَّتُهُ أَحْوَجَ مَا كَانَ إِلَيْهَا، يَقُولُ: أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَعِيشَ فِي الضَّلَالَةِ وَالْمَعَاصِي حَتَّى يَأْتِيَهُ الْمَوْتُ، فَيَجِيءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَدْ ضَلَّ عَنْهُ عَمَلُهُ أَحْوَجَ مَا كَانَ إِلَيْهِ؟ فَيَقُولُ ابْنَ آدَمَ: أَتَيْتَنِي أَحْوَجَ مَا كُنْتَ قَطُّ إِلَى خَيْرٍ، فَأَيْنَ مَا قَدَّمْتَ لِنَفْسِكَ؟»
٤ / ٦٨٧
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: وَقَرَأَ قَوْلَ اللَّهِ عز وجل ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى﴾ [البقرة: ٢٦٤] ثُمَّ ضَرَبَ ذَلِكَ مَثَلًا، فَقَالَ: ﴿أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلِ وَأَعْنَابٍ﴾ [البقرة: ٢٦٦] حَتَّى بَلَغَ ﴿فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ﴾ [البقرة: ٢٦٦] قَالَ: «جَرَتْ أَنْهَارُهَا وَثِمَارُهَا، وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ، فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ، أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ هَذَا؟ فَمَا يَحْمِلُ أَحَدُكُمْ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ صَدَقَتِهِ وَنَفَقَتِهِ حَتَّى إِذَا كَانَ لَهُ عِنْدِي جَنَّةٌ وَجَرَتْ أَنْهَارُهَا وَثِمَارُهَا، وَكَانَتْ لِوَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ أَصَابَهَا رِيحُ إِعْصَارٍ فَحَرَّقَهَا»
٤ / ٦٨٨
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا زُهَيْرٌ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، فِي قَوْلِهِ: “﴿أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلِ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾ [البقرة: ٢٦٦] رَجُلٌ غَرَسَ بُسْتَانًا فِيهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ، فَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ
٤ / ٦٨٨
ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ، فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ، فَلَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَدْفَعَ عَنْ بُسْتَانِهِ مِنْ كِبَرِهِ، وَلَمْ يَسْتَطِعْ ذُرِّيَّتُهُ أَنْ يَدْفَعُوا عَنْ بُسْتَانِهِ، فَذَهَبَتْ مَعِيشَتُهُ وَمَعِيشَةُ ذُرِّيَّتِهِ، فَهَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِلْكَافِرٍ، يَقُولُ: يَلْقَانِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَهُوَ أَحْوَجُ مَا يَكُونُ إِلَى خَيْرٍ يُصِيبُهُ، فَلَا يَجِدُ لَهُ عِنْدِي خَيْرًا وَلَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَدْفَعَ عَنْ نَفْسِهِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ شَيْئًا ” وَإِنَّمَا دَلَّلْنَا أَنَّ الَّذِيَ هُوَ أَوْلَى بِتَأْوِيلِ ذَلِكَ مَا ذَكَرْنَاهُ، لِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثناؤُهُ تَقَدَّمَ إِلَى عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ بِالنَّهْيِ عَنِ الْمَنِّ وَالْأَذَى فِي صَدَقَاتِهِمْ، ثُمَّ ضَرَبَ مَثَلًا لِمَنْ مَنَّ وَآذَى مَنَّ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ بِصَدَقَةٍ، فَمَثَلُهُ بِالْمُرَائِي مِنَ الْمُنَافِقِينَ، الْمُنْفِقِينَ أَمْوَالَهُمْ رِيَاءَ النَّاسِ، وَكَانَتْ قِصَّةُ هَذِهِ الْآيَةِ وَمَا قَبْلَهَا مِنَ الْمَثَلِ نَظِيرَةَ مَا ضُرِبَ لَهُمْ مِنَ الْمَثَلِ قَبْلَهَا، فَكَانَ إِلْحَاقُهَا بِنَظِيرِتَهَا أَوْلَى مِنْ حَمْلِ تَأْوِيلِهَا عَلَى أَنَّهُ مَثَلٌ مَا لَمْ يَجْرُ لَهُ ذِكْرٌ قَبْلَهَا وَلَا مَعَهَا. فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِلٌ: وَكَيْفَ قِيلَ: ﴿وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ﴾ [البقرة: ٢٦٦] وَهُوَ فِعْلٌ مَاضٍ فَعُطِفَ بِهِ عَلَى قَوْلِهِ ﴿أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ﴾ [البقرة: ٢٦٦]؟ قِيلَ: إِنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: ﴿أَيَوَدُّ﴾ [البقرة: ٢٦٦] يَصِحُّ أَنْ يُوضَعَ فِيهِ «لَوْ» مَكَانَ «أَنْ» فَلَمَّا صَلُحَتْ «بِلَوْ» وَأَنَّ وَمَعْنَاهُمَا جَمِيعًا الِاسْتِقْبَالُ، اسْتَجَازَتِ الْعَرَبُ أَنْ يَرُدُّوا «فَعَلَ» بِتَأْوِيلِ «لَوْ» عَلَى «يَفْعَلُ» مَعَ «أَنْ» فَلِذَلِكَ قَالَ: فَأَصَابَهَا، وَهُوَ فِي مَذْهَبِهِ بِمَنْزِلَةِ «لَوْ» إِذَا ضَارَعَتْ «أَنْ» فِي مَعْنَى
٤ / ٦٨٩
الْجَزَاءِ، فَوُضِعَتْ فِي مَوَاضِعِهَا، وَأُجِيبَتْ «أَنْ» بِجَوَابِ «لَوْ» وَ«لَوْ» بِجَوَابِ «أَنْ»، فَكَأَنَّهُ قِيلَ: أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ لَوْ كَانَتْ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلِ وَأَعْنَابٍ، تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ، لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ. فَإِنْ قَالَ: وَكَيْفَ قِيلَ هَاهُنَا: وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ وَقَالَ فِي النِّسَاءِ: ﴿وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا﴾ [النساء: ٩]؟ قِيلَ: لِأَنَّ «فِعِيلًا» يُجْمَعُ عَلَى «فُعَلَاءَ» وَ«فِعَالٍ» فَيُقَالَ: رَجُلٌ ظَرِيفٌ مِنْ قَوْمٍ ظُرَفَاءَ وَظِرَافٍ، وَأَمَّا الْإِعْصَارُ: فَإِنَّهُ الرِّيحُ الْعَاصِفُ، تَهُبُّ مِنَ الْأَرْضِ إِلَى السَّمَاءِ كَأَنَّهَا عَمُودٌ، تَجْمَعُ أَعَاصِيرَ، وَمِنْهُ قَوْلُ يَزِيدَ بْنِ مُفَرِّغِ الْحِمْيَرِيِّ:
[البحر الطويل]
[البحر الطويل]
أُنَاسٌ أَجَارُونَا فَكَانَ جِوَارُهُمْ … أَعَاصِيرَ مِنْ سُوءِ الْعِرَاقِ الْمُنَذَّرِ
وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: ﴿إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ﴾ [البقرة: ٢٦٦] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى ذَلِكَ: رِيحٌ فِيهَا سُمُومٌ شَدِيدَةٌ
٤ / ٦٩٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَزِيعٍ، قَالَ: ثنا يُوسُفُ بْنُ خَالِدٍ السَّمْتِيُّ، قَالَ: ثنا نَافِعُ بْنُ مَالِكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ﴾ [البقرة: ٢٦٦] «⦗٦٩١⦘ رِيحٌ فِيهَا سُمُومٌ شَدِيدَةٌ»
٤ / ٦٩٠
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ عَطِيَّةَ، قَالَ: ثنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ التَّمِيمِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي: ﴿إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ﴾ [البقرة: ٢٦٦] قَالَ: «السُّمُومُ الْحَارَّةُ الَّتِي خُلِقَ مِنْهَا الْجَانُّ الَّتِي تُحْرِقُ»
٤ / ٦٩١
حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا شَرِيكٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ التَّمِيمِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ﴿فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ﴾ [البقرة: ٢٦٦] قَالَ: «هِيَ السُّمُومُ الْحَارَّةُ»
٤ / ٦٩١
حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا الْحِمَّانِيُّ، قَالَ: ثنا شَرِيكٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ التَّمِيمِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ﴾ [البقرة: ٢٦٦] «الَّتِي تُقْتَلُ»
٤ / ٦٩١
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَمَّنْ ذَكَرَهُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «إِنَّ السُّمُوُمَ الَّتِي خُلِقَ مِنْهَا الْجَانُّ جُزْءٌ ⦗٦٩٢⦘ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنَ النَّارِ»
٤ / ٦٩١
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «﴿إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ﴾ [البقرة: ٢٦٦] هِيَ رِيحٌ فِيهَا سَمَومٌ شَدِيدَةٌ»
٤ / ٦٩٢
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «﴿إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ﴾ [البقرة: ٢٦٦] قَالَ: سَمَومٌ شَدِيدٌ»
٤ / ٦٩٢
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ﴾ [البقرة: ٢٦٦] يَقُولُ: «أَصَابَهَا رِيحٌ فِيهَا سُمُومٌ شَدِيدَةٌ» حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، نَحْوَهُ
٤ / ٦٩٢
حَدَّثَنِي مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ﴾ [البقرة: ٢٦٦] «أَمَّا الْإِعْصَارُ فَالرِّيحُ، وَأَمَّا النَّارُ فَالسَّمَوْمُ»
٤ / ٦٩٢
حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ: ﴿إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ﴾ [البقرة: ٢٦٦] يَقُولُ: «رِيحٌ فِيهَا سَمَومٌ شَدِيدٌ» ⦗٦٩٣⦘ وَقَالَ آخَرُونَ: هِيَ رِيحٌ فِيهَا بَرْدٌ شَدِيدٌ
٤ / ٦٩٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، قَالَ: كَانَ الْحَسَنُ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ﴾ [البقرة: ٢٦٦]: «فِيهَا صِرٌّ وَبَرْدٌ»
٤ / ٦٩٣
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا أَبُو زُهَيْرٍ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ: ﴿إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ﴾ [البقرة: ٢٦٦] «يَعْنِي بِالْإِعْصَارِ رِيحًا فِيهَا بَرْدٌ»
٤ / ٦٩٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ﴾ [البقرة: ٢١٩] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثناؤُهُ: كَمَا بَيَّنَ لَكُمْ رَبُّكُمْ تبارك وتعالى أَمْرَ النَّفَقَةِ فِي سَبِيلِهِ، وَكَيْفَ وَجْهُهَا، وَمَا لَكُمْ وَمَا لَيْسَ لَكُمْ فِعْلُهُ فِيهَا، كَذَلِكَ يُبَيِّنُ لَكُمُ الْآيَاتِ سِوَى ذَلِكَ، فَيُعَرِّفُكُمْ أَحْكَامَهَا وَحَلَالَهَا وَحَرَامَهَا، وَيُوَضِّحُ لَكُمْ حُجَجَهَا، إِنْعَامًا مِنْهُ بِذَلِكَ عَلَيْكُمْ ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ﴾ [البقرة: ٢١٩] يَقُولُ: لِتَتَفَكَّرُوا بِعُقُولِكُمْ فَتَتَدَبَّرُوا وَتَعْتَبِرُوا بِحُجَجِ اللَّهِ فِيهَا، وَتَعْمَلُوا بِمَا فِيهَا مِنْ أَحَكَامِهَا، فَتُطِيعُوا اللَّهَ بِهِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٤ / ٦٩٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، قَالَ: قَالَ مُجَاهِدٌ: ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ﴾ [البقرة: ٢٦٦] قَالَ: «تُطِيعُونَ»
٤ / ٦٩٤
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ﴾ [البقرة: ٢١٩] «يَعْنِي فِي زَوَالِ الدُّنْيَا وَفَنَائِهَا، وَإِقْبَالِ الْآخِرَةِ وَبَقَائِهَا»
٤ / ٦٩٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيْهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ﴾ [البقرة: ٢٦٧] يَعْنِي جَلَّ ثناؤُهُ بِقَوْلِهِ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَدِّقُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَآيِ كِتَابِهِ، وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ: ﴿أَنْفِقُوا﴾ [البقرة: ٢٥٤] زَكُّوا وَتَصَدَّقُوا
٤ / ٦٩٤
كَمَا: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ﴾ [البقرة: ٢٦٧] يَقُولُ: «تَصَدَّقُوا»
٤ / ٦٩٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ﴾ [البقرة: ٢٦٧] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثناؤُهُ: زَكُّوا مِنْ طَيِّبِ مَا كَسَبْتُمْ بِتَصَرُّفِكُمْ إِمَّا بِتِجَارَةٍ، وَإِمَّا ⦗٦٩٥⦘ بِصِنَاعَةٍ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَيَعْنِي بِالطَّيِّبَاتِ الْجِيَادَ، يَقُولُ: زَكُّوا أَمْوَالَكُمُ الَّتِي اكْتِسَبْتُمُوهَا حَلَالًا، وَأَعْطُوا فِي زَكَاتِكُمُ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ الْجِيَادَ مِنْهَا دُونَ الرَّدِيءِ
٤ / ٦٩٤
كَمَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ﴾ [البقرة: ٢٦٧] قَالَ: «مِنَ التِّجَارَةِ» حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، قَالَ: وَأَخْبَرَنِي شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنِي حَاتِمُ بْنُ بَكْرٍ الضَّبِّيُّ، قَالَ: ثنا وَهْبٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ
٤ / ٦٩٥
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا آدَمُ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ﴾ [البقرة: ٢٦٧] قَالَ: «التِّجَارَةُ الْحَلَالُ»
٤ / ٦٩٥
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْقِلٍ: ﴿أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ﴾ [البقرة: ٢٦٧] قَالَ: «لَيْسَ فِي مَالِ الْمُؤْمِنِ مِنْ خَبِيثٍ، وَلَكِنْ لَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ»
٤ / ٦٩٥
حَدَّثَنِي عِصَامُ بْنُ رَوَّادِ بْنِ الْجَرَّاحِ، قَالَ: ثنا أَبِي، قَالَ: ثنا أَبُو بَكْرٍ الْهُذَلِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ عُبَيْدَةَ، قَالَ: سَأَلْتُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ عَنْ قَوْلِهِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ﴾ [البقرة: ٢٦٧] قَالَ: «مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ»
٤ / ٦٩٦
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ﴾ [البقرة: ٢٦٧] قَالَ: «التِّجَارَةُ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
٤ / ٦٩٦
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ﴾ [البقرة: ٢٦٧] يَقُولُ: «مِنْ أَطْيَبِ أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفَسِهِ»
٤ / ٦٩٦
حَدَّثَنِي مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ﴾ [البقرة: ٢٦٧] قَالَ: «مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ»
٤ / ٦٩٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ﴾ [البقرة: ٢٦٧] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثناؤُهُ: وَأَنْفِقُوا أَيْضًا مِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ، فَتَصَدَّقُوا ⦗٦٩٧⦘ وَزَكُّوا مِنَ النَّخْلِ وَالْكَرْمِ وَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ، وَمَا أَوْجَبْتُ فِيهِ الصَّدَقَةِ مِنْ نَبَاتِ الْأَرْضِ
٤ / ٦٩٦
كَمَا: حَدَّثَنِي عِصَامُ بْنُ رَوَّادٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثنا أَبُو بَكْرٍ الْهُذَلِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ عُبَيْدَةَ، قَالَ: سَأَلْتُ عَلِيًّا صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عز وجل: ﴿وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ﴾ [البقرة: ٢٦٧] قَالَ: «يَعْنِي مِنَ الْحَبِّ وَالثَّمَرِ وَكُلِّ شَيْءٍ عَلَيْهِ زَكَاةٌ»
٤ / ٦٩٧
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ﴾ [البقرة: ٢٦٧] قَالَ: «النَّخْلُ»
٤ / ٦٩٧
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ﴾ [البقرة: ٢٦٧] قَالَ: «مِنْ ثَمَرِ النَّخْلِ»
٤ / ٦٩٧
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ﴾ [البقرة: ٢٦٧] قَالَ: «مِنَ التِّجَارَةِ»، ﴿وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ﴾ [البقرة: ٢٦٧] «مِنَ الثِّمَارِ»
٤ / ٦٩٧
حَدَّثَنِي مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ﴾ [البقرة: ٢٦٧] قَالَ: «هَذَا فِي التَّمْرِ وَالْحَبِّ»
٤ / ٦٩٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ﴾ [البقرة: ٢٦٧] يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثناؤُهُ ﴿وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ﴾ [البقرة: ٢٦٧] وَلَا تَعَمَّدُوا وَلَا تَقْصِدُوا. وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ: «وَلَا تَأَمَّمُوا» مِنْ أَمَمْتُ، وَهَذِهِ مِنْ تَيَمَّمْتُ، وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ وَإِنِ اخْتَلَفَتِ الْأَلْفَاظُ، يُقَالُ: تَأَمَّمْتُ فُلَانًا وَتَيَمَّمْتُهُ وَأَمَمْتُهُ، بِمَعْنَى: قَصَدْتُهُ وَتَعَمَّدْتُهُ كَمَا قَالَ مَيْمُونُ بْنُ قَيْسٍ الْأَعْشَى:
[البحر المتقارب] تَيَمَّمْتُ قَيْسًا وَكَمْ دُونَهُ … مِنَ الْأَرْضِ مِنْ مَهْمَهٍ ذِي شَزَنْ
[البحر المتقارب] تَيَمَّمْتُ قَيْسًا وَكَمْ دُونَهُ … مِنَ الْأَرْضِ مِنْ مَهْمَهٍ ذِي شَزَنْ
٤ / ٦٩٨
وَكَمَا حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ﴾ [البقرة: ٢٦٧] «وَلَا تَعَمَّدُوا»
٤ / ٦٩٨
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿وَلَا تَيَمَّمُوا﴾ [البقرة: ٢٦٧] «ولَا تَعَمَّدُوا» حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ قَتَادَةَ، مِثْلَهُ الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ﴾ [البقرة: ٢٦٧]⦗٦٩٩⦘ يَعْنِي جَلَّ ثناؤُهُ بِالْخَبِيثِ الرَّدِيءَ غَيْرَ الْجَيِّدِ، يَقُولُ: لَا تَعَمَّدُوا الرَّدِيءَ مِنْ أَمْوَالِكُمْ فِي صَدَقَاتِكُمْ، فَتَصَدَّقُوا مِنْهُ، وَلَكِنْ تَصَدَّقُوا مِنَ الطِّيِّبِ الْجَيِّدِ، وَذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي سَبَبِ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ عَلَّقَ قِنْوًا مِنْ حَشَفٍ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي كَانَ الْمُسْلِمُونَ يُعَلِّقُونَ صَدَقَةَ ثِمَارِهِمْ صَدَقَةً مِنْ تَمْرِهِ
٤ / ٦٩٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَمْرِو بْنِ مُحَمَّدٍ الْعَنْقَزِيُّ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ أَسْبَاطٍ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ عز وجل ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ﴾ [البقرة: ٢٦٧] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَاللَّهُ غَنِيُّ حُمَيْدٌ﴾ [التغابن: ٦] قَالَ: «نَزَلَتْ فِي الْأَنْصَارِ، كَانَتِ الْأَنْصَارُ إِذَا كَانَ أَيَّامُ جُذَاذِ النَّخْلِ أَخْرَجَتْ مِنْ حِيطَانِهَا أَقْنَاءَ الْبُسْرِ، فَعَلَّقُوهُ عَلَى حَبْلٍ بَيْنَ الْأُسْطُوَانَتَيْنِ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَيَأْكُلُ فُقَرَاءُ الْمُهَاجِرِينَ مِنْهُ، فَيَعْمِدُ الرَّجُلُ مِنْهُمْ إِلَى الْحَشَفِ فَيُدْخِلُهُ مَعَ أَقْنَاءِ الْبُسْرِ يَظُنُّ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل فِيمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ: ﴿وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ﴾ [البقرة: ٢٦٧] قَالَ «لَا تَيَمَّمُوا الْحَشَفَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ» حَدَّثَنِي مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، زَعَمَ السُّدِّيُّ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ بِنَحْوِهِ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ:»فَكَانَ يَعْمِدُ بَعْضُهُمْ، ⦗٧٠٠⦘ فَيُدْخِلُ قِنْوَ الْحَشَفِ وَيَظُنُّ أَنَّهُ جَائِزٌ عَنْهُ فِي كَثْرَةِ مَا يُوضَعُ مِنَ الْأَقْنَاءِ، فَنَزَلَ فِيمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ: ﴿وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ﴾ [البقرة: ٢٦٧] الْقِنْوَ الَّذِي قَدْ حَشَفَ، وَلَوْ أُهْدِيَ إِلَيْكُمْ مَا قَبِلْتُمُوهُ “
٤ / ٦٩٩
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا مُؤَمَّلٌ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: «كَانُوا يَجِيئُونَ فِي الصَّدَقَةِ بِأَرْدَأِ تَمْرِهِمْ وَأَرْدَأِ طَعَامِهِمْ، فَنَزَلَتْ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ﴾ [البقرة: ٢٦٧] الْآيَةَ»
٤ / ٧٠٠
حَدَّثَنِي عِصَامُ بْنُ رَوَّادٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، قَالَ: ثنا أَبُو بَكْرٍ الْهُذَلِيُّ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ عَبِيدَةَ السَّلْمَانِيِّ، قَالَ: سَأَلْتُ عَلِيًّا عَنْ قَوْلِ اللَّهِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ﴾ [البقرة: ٢٦٧] قَالَ: فَقَالَ عَلِيٌّ: «نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةَ فِي الزَّكَاةِ الْمَفْرُوضَةِ، كَانَ الرَّجُلُ يَعْمِدُ إِلَى التَّمْرِ فَيَصْرِمُهُ، فَيَعْزِلُ الْجَيِّدَ نَاحِيَةً، فَإِذَا جَاءَ صَاحِبُ الصَّدَقَةِ أَعْطَاهُ مِنَ الرَّدِيءِ»، فَقَالَ عز وجل: ﴿وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ﴾ [البقرة: ٢٦٧]
٤ / ٧٠٠
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: ثني عَبْدُ الْجَلِيلِ بْنُ حُمَيْدٍ الْيَحْصِبِيُّ، أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ، حَدَّثَهُ قَالَ: ثني أَبُو أُمَامَةَ بْنُ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ فِي الْآيَةِ الَّتِي قَالَ اللَّهُ عز وجل: ﴿وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ﴾ [البقرة: ٢٦٧] قَالَ: «هُوَ الْجُعْرُورُ، ⦗٧٠١⦘ وَلَوْنُ حُبَيْقٍ، فَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ يُؤْخَذَ فِي الصَّدَقَةِ»