حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: «﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ﴾ [البقرة: ٢٤٠] فَكَانَ الرَّجُلُ إِذَا مَاتَ وَتَرَكَ امْرَأَتَهُ، اعْتَدَّتْ سَنَةً فِي بَيْتِهِ، يُنْفِقُ عَلَيْهَا مِنْ مَالِهِ؛ ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ بَعْدَ: ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا﴾ [البقرة: ٢٣٤] فَهَذِهِ عِدَّةُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا، إِلَّا أَنْ تَكُونَ حَامِلًا، فَعِدَّتُهَا أَنْ تَضَعَ مَا فِي بَطْنِهَا، وَقَالَ فِي مِيرَاثِهَا ﴿وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ﴾ [النساء: ١٢] فَبَيَّنَ اللَّهُ مِيرَاثَ الْمَرْأَةِ، وَتَرَكَ الْوَصِيَّةَ، وَالنَّفَقَةَ»
٤ / ٤٠١
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: «﴿وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ﴾ [البقرة: ٢٤٠] كَانَ الرَّجُلُ إِذَا تُوُفِّيَ أَنْفَقَ عَلَى امْرَأَتِهِ فِي عَامِهِ إِلَى الْحَوْلِ، ⦗٤٠٢⦘ وَلَا تَزَوَّجُ حَتَّى تَسْتَكْمِلَ الْحَوْلَ. وَهَذَا مَنْسُوخٌ، نَسَخَ النَّفَقَةَ عَلَيْهَا الرُّبُعَ وَالثُّمُنَ مِنَ الْمِيرَاثِ، وَنَسَخَ الْحَوْلَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا»
٤ / ٤٠١
وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا أَبُو زُهَيْرٍ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ﴾ [البقرة: ٢٤٠] قَالَ: الرَّجُلُ إِذَا تُوُفِّيَ أَنْفَقَ عَلَى امْرَأَتِهِ إِلَى الْحَوْلِ، وَلَا تَزَوَّجُ حَتَّى يَمْضِيَ الْحَوْلُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا﴾ [البقرة: ٢٣٤] فَنَسَخَ الْأَجَلَ الْحَوْلُ، وَنَسَخَ النَّفَقَةَ الْمِيرَاثُ الرُّبُعُ، وَالثُّمُنُ»
٤ / ٤٠٢
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: سَأَلْتُ عَطَاءً عَنْ قَوْلِهِ: «﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ﴾ [البقرة: ٢٤٠] قَالَ: كَانَ مِيرَاثُ الْمَرْأَةِ مِنْ زَوْجِهَا مِنْ رِيَعِهِ أَنْ تَسْكُنَ إِنْ شَاءَتْ مِنْ يَوْمِ يَمُوتُ زَوْجُهَا إِلَى الْحَوْلِ، يَقُولُ: ﴿فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ﴾ [البقرة: ٢٤٠] الْآيَةَ. ثُمَّ نَسَخَهَا مَا فَرَضَ اللَّهُ مِنَ الْمِيرَاثِ»
٤ / ٤٠٢
قَالَ: وَقَالَ مُجَاهِدٌ: «وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ، سُكْنَى الْحَوْلِ، ثُمَّ نَسَخَ هَذِهِ الْآيَةَ بِالْمِيرَاثِ»
٤ / ٤٠٢
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: «كَانَ لِأَزْوَاجِ الْمَوْتَى حِينَ كَانَتِ الْوَصِيَّةُ نَفَقَةَ سَنَةٍ، فَنَسَخَ اللَّهُ ذَلِكَ الَّذِي كُتِبَ لِلزَّوْجَةِ مِنْ ⦗٤٠٣⦘ نَفَقَةِ السُّنَّةِ بِالْمِيرَاثِ، فَجَعَلَ لَهَا الرُّبُعَ أَوِ الثُّمُنَ، وَفِي قَوْلِهِ: ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا﴾ [البقرة: ٢٣٤] قَالَ: هَذِهِ النَّاسِخَةُ»
٤ / ٤٠٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ: كَانَ ذَلِكَ يَكُونُ لَهُنَّ بِوَصِيَّةٍ مِنْ أَزْوَاجِهِنَّ لَهُنَّ بِهِ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: «﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا﴾ [البقرة: ٢٣٤] الْآيَةَ. قَالَ: كَانَتْ هَذِهِ مِنْ قَبْلِ الْفَرَائِضِ، فَكَانَ الرَّجُلُ يُوصِي لِامْرَأَتِهِ وَلِمَنْ شَاءَ، ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بَعْدُ، فَأَلْحَقَ اللَّهُ تَعَالَى بِأَهْلِ الْمَوَارِيثِ مِيرَاثَهُمْ، وَجَعَلَ لِلْمَرْأَةِ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ الثَّمَنَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ فَلَهَا الرُّبُعُ. وَكَانَ يُنْفَقُ عَلَى الْمَرْأَةِ حَوْلًا مِنْ مَالِ زَوْجِهَا، ثُمَّ تُحَوَّلُ مِنْ بَيْتِهِ، فَنَسَخَتْهُ الْعِدَّةُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، وَنَسَخَ الرُّبُعَ أَوِ الثُّمُنَ الْوَصِيَّةُ لَهُنَّ، فَصَارَتِ الْوَصِيَّةُ لِذَوِي الْقَرَابَةِ الَّذِينَ لَا يَرِثُونَ»
٤ / ٤٠٣
حَدَّثَنِي مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: «﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ﴾ [البقرة: ٢٤٠] إِلَى: ﴿فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ﴾ [البقرة: ٢٤٠] يَوْمَ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ كَانَ الرَّجُلُ إِذَا مَاتَ أَوْصَى لِامْرَأَتِهِ بِنَفَقَتِهَا، وَسُكْنَاهَا سَنَةً، وَكَانَتْ عِدَّتُهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، فَإِنْ هِيَ خَرَجَتْ حِينَ تَنْقَضِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ انْقَطَعَتْ عَنْهَا النَّفَقَةُ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿فَإِنْ خَرَجْنَ﴾ [البقرة: ٢٤٠] وَهَذَا قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ آيَةُ الْفَرَائِضِ، فَنَسَخَهُ الرُّبُعُ وَالثُّمُنُ، فَأَخَذَتْ نَصِيبَهَا، وَلَمْ يَكُنْ ⦗٤٠٤⦘ لَهَا سُكْنًى، وَلَا نَفَقَةٌ»
٤ / ٤٠٣
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ الْمِقْدَامِ، قَالَ: ثنا الْمُعْتَمِرُ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي، قَالَ: يَزْعُمُ قَتَادَةُ «أَنَّهُ كَانَ يُوصِي لِلْمَرْأَةِ بِنَفَقَتِهَا إِلَى رَأْسِ الْحَوْلِ»
٤ / ٤٠٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ نَسَخَ ذَلِكَ مَا كَانَ لَهُنَّ مِنَ الْمَتَاعِ إِلَى الْحَوْلِ مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَ ذَلِكَ لَهُنَّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ حَبِيبٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ﴾ [البقرة: ٢٤٠] قَالَ: هِيَ مَنْسُوخَةٌ» حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الزِّبْرِقَانِ، قَالَ: ثنا أُسَامَةُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبَى ثَابِتٍ، قَالَ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ يَقُولُ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ
٤ / ٤٠٤
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ يَزِيدَ النَّحْوِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، قَالَا: «﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ﴾ [البقرة: ٢٤٠] نُسِخَ ذَلِكَ بِآيَةِ الْمِيرَاثِ، وَمَا فُرِضَ لَهُنَّ فِيهَا مِنَ الرُّبُعِ وَالثُّمُنِ، وَنَسَخَ أَجَلَ الْحَوْلِ أَنْ جَعَلَ أَجَلَهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا»
٤ / ٤٠٤
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، «أَنَّهُ قَامَ يَخْطُبُ النَّاسَ هَاهُنَا، فَقَرَأَ لَهُمْ سُورَةَ الْبَقَرَةِ، فَبَيَّنَ لَهُمْ فِيهَا، فَأَتَى عَلَى هَذِهِ الْآيَةِ:»﴿إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ﴾ [البقرة: ١٨٠] قَالَ: فَنُسِخَتْ هَذِهِ. ثُمَّ قَرَأَ حَتَّى أَتَى عَلَى هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا﴾ [البقرة: ٢٣٤] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿غَيْرَ إِخْرَاجٍ﴾ [البقرة: ٢٤٠] فَقَالَ: وَهَذِهِ ” وَقَالَ آخَرُونَ: هَذِهِ الْآيَةُ ثَابِتَةُ الْحُكْمِ لَمْ يُنْسَخْ مِنْهَا شَيْءٌ
٤ / ٤٠٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: «﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا﴾ [البقرة: ٢٣٤] قَالَ: كَانَتْ هَذِهِ لِلْمُعْتَدَّةِ تَعْتَدُّ عِنْدَ أَهْلِ زَوْجِهَا وَاجِبًا ذَلِكَ عَلَيْهَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ﴾ [البقرة: ٢٤٠] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿مِنْ مَعْرُوفٍ﴾ [البقرة: ٢٤٠] قَالَ: جَعَلَ اللَّهُ لَهُمْ تَمَامَ السَّنَةِ سَبْعَةَ أَشْهُرٍ وَعِشْرِينَ لَيْلَةً وَصِيَّةً، إِنْ شَاءَتْ سَكَنَتْ فِي وَصِيَّتِهَا، وَإِنْ شَاءَتْ خَرَجَتْ، وَهُوَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ﴾ [البقرة: ٢٤٠] قَالَ: وَالْعِدَّةُ كَمَا هِيَ وَاجِبَةٌ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
٤ / ٤٠٥
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ: “نَسَخَتْ هَذِهِ الْآيَةُ عِدَّتَهَا عِنْدَ أَهْلِهِ تَعْتَدُّ حَيْثُ شَاءَتْ، وَهُوَ قَوْلُ اللَّهِ: ﴿غَيْرَ إِخْرَاجٍ﴾ [البقرة: ٢٤٠]
٤ / ٤٠٦
قَالَ عَطَاءٌ: «إِنْ شَاءَتِ اعْتَدَّتْ عِنْدَ أَهْلِهِ وَسَكَنَتْ فِي وَصِيَّةٍ، وَإِنْ شَاءَتْ خَرَجَتْ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ﴾ [البقرة: ٢٤٠] قَالَ عَطَاءٌ: جَاءَ الْمِيرَاثُ بِنَسْخِ السُّكْنَى تَعْتَدُّ حَيْثُ شَاءَتْ، وَلَا سُكْنَى لَهَا» وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ عِنْدِي فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ كَانَ جَعَلَ لِأَزْوَاجِ مَنْ مَاتَ مِنَ الرِّجَالِ بَعْدَ مَوْتِهِمْ سُكْنَى حَوْلٍ فِي مَنْزِلِهِ، وَنَفَقَتِهَا فِي مَالِ زَوْجِهَا الْمَيِّتِ إِلَى انْقِضَاءِ السَّنَةِ. وَوَجَبَ عَلَى وَرَثَةِ الْمَيِّتِ أَنْ لَا يُخْرِجُوهُنَّ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ مِنَ الْمَسْكَنِ الَّذِي يَسْكُنُهُ، وَإِنْ هُنَّ تَرَكْنَ حَقَّهُنَّ مِنْ ذَلِكَ وَخَرَجْنَ لَمْ تَكُنْ وَرَثَةُ الْمَيِّتِ مِنْ خُرُوجِهِنَّ فِي حَرَجٍ. ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ نَسَخَ النَّفَقَةَ بِآيَةِ الْمِيرَاثِ، وَأَبْطَلَ مِمَّا كَانَ جَعَلَ لَهُنَّ مِنْ سُكْنَى حَوْلٍ سَبْعَةَ أَشْهُرٍ وَعِشْرِينَ لَيْلَةً، وَرَدَّهُنَّ إِلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ
٤ / ٤٠٦
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، قَالَ: ثنا ⦗٤٠٧⦘ حَجَّاجٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ، عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ، وَأَخْبَرَهُ عَنْ عَمَّتِهِ زَيْنَبِ ابْنَةِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ، عَنْ فُرَيْعَةَ، أُخْتِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: “أَنَّ زَوْجَهَا، خَرَجَ فِي طَلَبِ عَبْدٍ لَهُ، فَلَحِقَهُ بِمَكَانٍ قَرِيبٍ، فَقَاتَلَهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ أَعْبُدٌ مَعَهُ، فَقَتَلُوهُ. فَأَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَقَالَتْ: إِنَّ زَوْجَهَا خَرَجَ فِي طَلَبِ عَبْدٍ لَهُ، فَلَقِيَهُ عُلُوجٌ فَقَتَلُوهُ، وَإِنِّي فِي مَكَانٍ لَيْسَ فِيهِ أَحَدٌ غَيْرِي، وَإِنْ أَجْمَعَ لِأَمْرِي أَنَّ أَنْتَقِلَ إِلَى أَهْلِي. فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «بَلِ امْكُثِي مَكَانَكِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ» وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿مَتَاعًا﴾ [البقرة: ٢٣٦] فَإِنَّ مَعْنَاهُ: جَعَلَ ذَلِكَ لَهُنَّ مَتَاعًا، أَيِ الْوَصِيَّةَ الَّتِي كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُنَّ. وَإِنَّمَا نَصَبَ «الْمَتَاعَ» لِأَنَّ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ﴾ [البقرة: ٢٤٠] مَعْنَى مَتَّعَهُنَّ اللَّهُ، فَقِيلَ: «مَتَاعًا» مَصْدَرٌ مِنْ مَعْنَاهُ، لَا مِنْ لَفْظِهِ. وَقَوْلِهِ: ﴿غَيْرَ إِخْرَاجٍ﴾ [البقرة: ٢٤٠] فَإِنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ جَعَلَ مَا جُعِلَ لَهُنَّ مِنَ الْوَصِيَّةِ مَتَاعًا مِنْهُ لَهُنَّ إِلَى الْحَوْلِ لَا إِخْرَاجًا مِنْ مَسْكَنِ زَوْجِهَا، يَعْنِي لَا إِخْرَاجَ فِيهِ مِنْهُ حَتَّى يَنْقَضِيَ الْحَوْلُ، فَنَصَبَ «غَيْرَ» عَلَى النَّعْتِ لِلْمَتَاعِ كَقَوْلِ الْقَائِلِ: هَذَا قِيَامٌ غَيْرُ قُعُودٍ، بِمَعْنَى: هَذَا قِيَامٌ لَا قُعُودَ مَعَهُ، أَوْ لَا قُعُودَ فِيهِ. ⦗٤٠٨⦘ وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ مَنْصُوبٌ بِمَعْنَى: لَا تُخْرِجُوهُنَّ إِخْرَاجًا. وَذَلِكَ خَطَأٌ مِنَ الْقَوْلِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إِذَا نُصِبَ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ كَانَ نَصْبُهُ مِنْ كَلَامٍ آخَرَ غَيْرِ الْأَوَّلِ، وَإِنَّمَا هُوَ مَنْصُوبٌ بِمَا نَصَبَ الْمَتَاعَ عَلَى النَّعْتِ لَهُ
٤ / ٤٠٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [البقرة: ٢٤٠] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِذَلِكَ: أَنَّ الْمَتَاعَ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ لَهُنَّ إِلَى الْحَوْلِ فِي مَالِ أَزْوَاجِهِنَّ بَعْدَ وَفَاتِهِمْ وَفِي مَسَاكِنِهِمْ وَنَهَى وَرَثَتَهُ عَنْ إِخْرَاجِهِنَّ، إِنَّمَا هُوَ لَهُنَّ مَا أَقَمْنَ فِي مَسَاكِنِ أَزْوَاجِهِنَّ، وَأَنَّ حُقُوقَهُنَّ مِنْ ذَلِكَ تَبْطُلُ بِخُرُوجِهِنَّ إِنْ خَرَجْنَ مِنْ مَنَازِلِ أَزْوَاجِهِنَّ قَبْلَ الْحَوْلِ مِنْ قِبَلِ أَنْفُسِهِنَّ بِغَيْرِ إِخْرَاجٍ مِنْ وَرَثَةِ الْمَيِّتِ. ثُمَّ أَخْبَرَ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَنَّهُ لَا حَرَجَ عَلَى أَوْلِيَاءِ الْمَيِّتِ فِي خُرُوجِهِنَّ وَتَرْكِهِنَّ الْحِدَادَ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ؛ لِأَنَّ الْمُقَامَ حَوْلًا فِي بُيُوتِ أَزْوَاجِهِنَّ وَالْحِدَادَ عَلَيْهِ تَمَامُ حَوْلٍ كَامِلٍ لَمْ يَكُنْ فَرْضًا عَلَيْهِنَّ، وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ إِبَاحَةً مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ لَهُنَّ إِنْ أَقَمْنَ تَمَامَ الْحَوْلِ مُحِدَّاتٍ، فَأَمَّا إِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَى أَوْلِيَاءِ الْمَيِّتِ وَلَا عَلَيْهِنَّ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ، وَذَلِكَ تَرْكُ الْحِدَادِ. يَقُولُ: فَلَا حَرَجَ عَلَيْكُمْ فِي التَّزَيُّنِ إِنْ تَزَيَّنَّ وَتَطَيَّبْنَ وَتَزَوَّجْنَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَهُنَّ. وَإِنَّمَا قُلْنَا: لَا حَرَجَ عَلَيْهِنَّ فِي خُرُوجِهِنَّ، وَإِنْ كَانَ إِنَّمَا قَالَ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ﴾ [البقرة: ٢٣٣] لِأَنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ عَلَيْهِنَّ فِيهِ جُنَاحٌ، لَكَانَ عَلَى أَوْلِيَاءِ الرَّجُلِ فِيهِ جُنَاحٌ بِتَرْكِهِمْ إِيَّاهُنَّ، وَالْخُرُوجَ مَعَ قُدْرَتِهِمْ عَلَى مَنْعِهِنَّ مِنْ ذَلِكَ. وَلَكِنْ لَمَّا لَمْ
٤ / ٤٠٨
يَكُنْ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ فِي خُرُوجِهِنَّ وَتَرْكِ الْحِدَادِ، وَضَعَ عَنْ أَوْلِيَاءِ الْمَيِّتِ وَغَيْرِهِمُ الْحَرَجَ فِيمَا فَعَلْنَ مِنْ مَعْرُوفٍ، وَذَلِكَ فِي أَنْفُسِهِنَّ. وَقَدْ مَضَتِ الرِّوَايَةُ عَنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ بِمَا قُلْنَاهُ. فِي ذَلِكَ قَبْلُ
٤ / ٤٠٩
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [البقرة: ٢٢٨] فَإِنَّهُ يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَاللَّهُ عَزِيزٌ فِي انْتِقَامِهِ مِمَّنْ خَالَفَ أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ وَتَعَدَّى حُدُودَهُ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، فَمَنَعَ مَنْ كَانَ مِنَ الرِّجَالِ نِسَاءَهُمْ وَأَزْوَاجَهُمْ مَا فُرِضَ لَهُنَّ عَلَيْهِمْ فِي الْآيَاتِ الَّتِي مَضَتْ قَبْلُ مِنَ الْمُتْعَةِ، وَالصَّدَاقِ، وَالْوَصِيَّةِ وَإِخْرَاجِهِنَّ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْحَوْلِ وَتَرْكِ الْمُحَافَظَةِ عَلَى الصَّلَوَاتِ وَأَوْقَاتِهَا، وَمَنْعِ مَنْ كَانَ مِنَ النِّسَاءِ مَا أَلْزَمَهُنَّ اللَّهُ مِنَ التَّرَبُّصِ عِنْدَ وَفَاةِ أَزْوَاجِهِنَّ عَنِ الْأَزْوَاجِ وَخَالَفَ أَمْرَهُ فِي الْمُحَافَظَةِ عَلَى أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ ﴿حَكِيمٌ﴾ [البقرة: ٢٠٩] فِيمَا قَضَى بَيْنَ عِبَادِهِ مِنْ قَضَايَاهِ الَّتِي قَدْ تَقَدَّمَتْ فِي الْآيَاتِ قَبْلَ قَوْلِهِ. ﴿وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [البقرة: ٢٢٨] وَفِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَحْكَامِهِ وَأَقْضِيَتِهِ
٤ / ٤٠٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًا عَلَى الْمُتَّقِينَ﴾ [البقرة: ٢٤١] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِذَلِكَ: وَلِمَنْ طَلَّقَ مِنَ النِّسَاءِ عَلَى مُطَلِّقِهَا مِنَ الْأَزْوَاجِ مَتَاعٌ، يَعْنِي بِذَلِكَ. مَا تَسْتَمْتِعُ بِهِ مِنْ ثِيَابٍ، وَكِسْوَةٍ، وَنَفَقَةٍ، أَوْ خَادِمٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُسْتَمْتَعُ بِهِ. وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى قَبْلُ مَعْنَى ذَلِكَ، وَاخْتِلَافُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِيهِ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ مِنْ ذَلِكَ عِنْدَنَا بِمَا فِيهِ الْكِفَايَةُ مِنْ إِعَادَتِهِ. ⦗٤١٠⦘ وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْمَعْنِيَّةِ بِهَذِهِ الْآيَةِ مِنَ الْمُطَلَّقَاتِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَنِّي بِهَا الثَّيِّيَاتِ اللَّوَاتِي قَدْ جُومِعْنَ. قَالُوا: وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ لِأَنَّ غَيْرَ الْمَدْخُولِ بِهِنَّ فِي الْمُتْعَةِ قَدْ بَيَّنَّهَا اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ فِي الْآيَاتِ قَبْلَهَا، فَعَلِمْنَا بِذَلِكَ أَنَّ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بَيَانُ أَمْرِ الْمَدْخُولِ بِهِنَّ فِي ذَلِكَ
٤ / ٤٠٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى بْنُ مَيْمُونٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ عَطَاءٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ﴾ [البقرة: ٢٤١] قَالَ: الْمَرْأَةُ الثَّيِّبُ يُمَتِّعُهَا زَوْجُهَا إِذَا جَامَعَهَا بِالْمَعْرُوفِ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ، وَزَادَ فِيهِ: ذَكَرَهُ شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ عَطَاءٍ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ مُتْعَةٌ. وَإِنَّمَا أَنْزَلَهَا اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ عَلَى نَبِيِّهِ ﷺ لِمَا فِيهَا مِنْ زِيَادَةِ الْمَعْنَى الَّذِي فِيهَا عَلَى مَا سِوَاهَا مِنْ آيِ الْمُتْعَةِ، إِذْ كَانَ مَا سِوَاهَا مِنْ آيِ الْمُتْعَةِ إِنَّمَا فِيهِ بَيَانُ حُكْمِ غَيْرِ الْمَمْسُوسَةِ إِذَا طُلِّقَتْ، وَفِي هَذِهِ بَيَانُ حُكْمِ جَمِيعِ الْمُطَلَّقَاتِ فِي الْمُتْعَةِ
٤ / ٤١٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ، قَالَ: ثنا أَيُّوبُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فِي ⦗٤١١⦘ هَذِهِ الْآيَةِ: «﴿وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ﴾ [البقرة: ٢٤١] قَالَ: لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ»
٤ / ٤١٠
حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا حِبَّانُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ «فِي الْأَمَةِ يُطَلِّقُهَا زَوْجُهَا وَهِيَ حُبْلَى، قَالَ: تَعْتَدُّ فِي بَيْتِهَا، وَقَالَ: لَمْ أَسْمَعْ فِي مُتْعَةِ الْمَمْلُوكَةِ شَيْئًا أَذْكُرَهُ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ﴾ [البقرة: ٢٤١] وَلَهَا الْمُتْعَةُ حَتَّى تَضَعَ»
٤ / ٤١١
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا حِبَّانُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: قُلْتُ لَهُ: أَلِلْأَمَةِ مِنَ الْحُرِّ مُتْعَةٌ؟ قَالَ: لَا. قُلْتُ: فَالْحُرَّةُ عِنْدَ الْعَبْدِ؟ قَالَ: لَا «وَقَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ: نَعَمْ ﴿وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ﴾ [البقرة: ٢٤١]» وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّمَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ لَمَّا أَنْزَلَ قَوْلَهُ: ﴿وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ﴾ [البقرة: ٢٣٦] قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ: فَإِنَّا لَا نَفْعَلُ إِنْ لَمْ نُرِدْ أَنْ نُحْسِنَ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ﴾ [البقرة: ٢٤١] فَوَجَبَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ
٤ / ٤١١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: “﴿وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى
٤ / ٤١١
الْمُحْسِنِينَ﴾ [البقرة: ٢٣٦] فَقَالَ رَجُلٌ: فَإِنْ أَحْسَنْتَ فَعَلْتَ، وَإِنْ لَمْ أُرِدْ ذَلِكَ لَمْ أَفْعَلْ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ﴾ [البقرة: ٢٤١] ” وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ مَا قَالَهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، مِنْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ. أَنْزَلَهَا دَلِيلًا لِعِبَادِهِ عَلَى أَنَّ لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ مُتْعَةً؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ ذَكَرَ فِي سَائِرِ آيِ الْقُرْآنِ الَّتِي فِيهَا ذِكْرُ مُتْعَةِ النِّسَاءِ خُصُوصًا مِنَ النِّسَاءِ، فَبَيَّنَ فِي الْآيَةِ الَّتِي قَالَ فِيهَا: ﴿لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً﴾ [البقرة: ٢٣٦] وَفِي قَوْلِهِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ﴾ [الأحزاب: ٤٩] مَا لَهُنَّ مِنَ الْمُتْعَةِ إِذَا طُلِّقْنَ قَبْلَ الْمَسِيسِ، وَبِقَوْلِهِ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ﴾ [الأحزاب: ٢٨] حُكْمُ الْمَدْخُولِ بِهِنَّ. وَبَقِيَ حُكْمُ الصَّبَايَا إِذَا طُلِّقْنَ بَعْدَ الِابْتِنَاءِ بِهِنَّ، وَحُكْمُ الْكَوَافِرِ، وَالْإِمَاءِ. فَعَمَّ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [البقرة: ٢٤١] ذِكْرُ جَمِيعِهِنَّ، وَأَخْبَرَ بِأَنَّ لَهُنَّ الْمَتَاعَ، كَمَا أَبَانَ الْمُطَلَّقَاتِ الْمَوْصُوفَاتِ بِصِفَاتِهِنَّ فِي سَائِرِ آيِ الْقُرْآنِ، وَلِذَلِكَ كَرَّرَ ذِكْرَ جَمِيعِهِنَّ فِي هَذِهِ الْآيَةِ
٤ / ٤١٢
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ﴾ [البقرة: ١٨٠] فَإِنَّا قَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى قَوْلِهِ «حَقًّا»، وَوَجْهُ نَصْبِهِ، وَالِاخْتِلَافُ مِنْ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ فِي قَوْلِهِ: ﴿حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ﴾ [البقرة: ٢٣٦] فَفِي ذَلِكَ مُسْتَغْنًى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ. فَأَمَّا الْمُتَّقُونِ، فَهُمُ الَّذِينَ اتَّقَوُا اللَّهَ فِي أَمْرِهِ، وَنَهْيِهِ، وَحُدُودِهِ، فَقَامُوا بِهَا عَلَى ⦗٤١٣⦘ مَا كَلَّفَهُمُ الْقِيَامَ بِهِ خَشْيَةً مِنْهُمْ لَهُ، وَوَجَلًا مِنْهُمْ مِنْ عِقَابِهِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ تَأْوِيلِ ذَلِكَ نَصًّا بِالرِّوَايَةِ
٤ / ٤١٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ [البقرة: ٢٤٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: كَمَا بَيَّنْتُ لَكُمْ مَا يَلْزَمُكُمْ لِأَزْوَاجِكُمْ وَيَلْزَمُ أَزْوَاجَكُمْ لَكُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ، وَعَرَّفْتُكُمْ أَحْكَامِي وَالْحَقَّ الْوَاجِبَ لِبَعْضِكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ، فَكَذَلِكَ أُبَيِّنُ لَكُمْ سَائِرَ الْأَحْكَامِ فِي آيَاتِي الَّتِي أَنْزَلْتُهَا عَلَى نَبِيِّي مُحَمَّدٍ ﷺ فِي هَذَا الْكِتَابِ، لِتَعَقَّلُوا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِي وَبِرَسُولِي حُدُودِي، فَتَفْهَمُوا اللَّازِمَ لَكُمْ مِنْ فَرَائِضِي، وَتَعْرِفُوا بِذَلِكَ مَا فِيهِ صَلَاحُ دِينِكُمْ وَدُنْيَاكُمْ، وَعَاجِلِكُمْ وَآجِلِكُمْ، فَتَعْلَمُوا بِهِ، لِيَصْلُحَ ذَاتُ بَيْنِكُمْ، وَتَنَالُوا بِهِ الْجَزِيلَ مِنْ ثَوَابِي فِي مَعَادِكُمْ
٤ / ٤١٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ﴾ يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿أَلَمْ تَرَ﴾ [البقرة: ٢٤٣] أَلَمْ تَعْلَمْ يَا مُحَمَّدُ وَهُوَ مِنْ رُؤْيَةِ الْقَلْبِ لَا رُؤْيَةِ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّ نَبِيِّنَا مُحَمَّدًا ﷺ لَمْ يُدْرِكِ الَّذِينَ أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْهُمْ هَذَا الْخَبَرَ وَرُؤْيَةُ الْقَلْبِ: مَا رَآهُ وَعَلِمَهُ بِهِ. فَمَعْنَى ذَلِكَ: أَلَمْ تَعْلَمْ يَا مُحَمَّدُ الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ. ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: ﴿وَهُمْ أُلُوفٌ﴾ [البقرة: ٢٤٣] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: فِي الْعَدَدِ بِمَعْنَى جِمَاعِ أَلْفٍ
٤ / ٤١٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، وَحَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: ثنا وَكِيعٌ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ مَيْسَرَةَ النَّهْدِيِّ، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ﴾ [البقرة: ٢٤٣] كَانُوا أَرْبَعَةَ آلَافٍ خَرَجُوا فِرَارًا مِنَ الطَّاعُونِ، قَالُوا: نَأْتِي أَرْضًا لَيْسَ فِيهَا مَوْتٌ. حَتَّى إِذَا كَانُوا بِمَوْضِعِ كَذَا وَكَذَا، قَالَ لَهُمُ اللَّهُ: مُوتُوا فَمَرَّ عَلَيْهِمْ نَبِيُّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، فَدَعَا رَبَّهُ أَنْ يُحْيِيَهُمْ، فَأَحْيَاهُمْ. فَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ﴾ [البقرة: ٢٤٣]»
٤ / ٤١٤
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ مَيْسَرَةَ النَّهْدِيِّ، عَنِ الْمِنْهَالِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ﴾ [البقرة: ٢٤٣] قَالَ: كَانُوا أَرْبَعَةَ آلَافٍ خَرَجُوا فِرَارًا مِنَ الطَّاعُونِ، فَأَمَاتَهُمُ اللَّهُ، فَمَرَّ عَلَيْهِمْ نَبِيُّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، فَدَعَا رَبَّهُ أَنْ يُحْيِيَهُمْ حَتَّى يَعْبُدُوهُ، فَأَحْيَاهُمْ»
٤ / ٤١٤
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلِ بْنِ عَسْكَرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ، قَالَ: ثني عَبْدُ الصَّمَدِ أَنَّهُ سَمِعَ وَهْبَ بْنَ مُنَبِّهٍ، يَقُولُ: «أَصَابَ نَاسًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ بَلَاءٌ وَشِدَّةٌ مِنَ الزَّمَانِ، فَشَكَوْا مَا أَصَابَهُمْ، وَقَالُوا: يَا لَيْتَنَا قَدْ مِتْنَا فَاسْتَرَحْنَا مِمَّا نَحْنُ فِيهِ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى حِزْقِيلَ: إِنَّ قَوْمَكَ صَاحُوا مِنَ الْبَلَاءِ، وَزَعَمُوا أَنَّهُمْ وَدُّوا لَوْ مَاتُوا فَاسْتَرَاحُوا، وَأَيُّ رَاحَةٍ لَهُمْ فِي الْمَوْتِ أَيَظُنُّونَ أَنِّي لَا أَقْدِرُ أَنْ أَبْعَثَهُمْ بَعْدَ الْمَوْتِ؟ فَانْطَلِقْ إِلَى جَبَّانَةِ كَذَا وَكَذَا، فَإِنَّ فِيهَا أَرْبَعَةَ آلَافٍ قَالَ وَهْبٌ: وَهُمُ الَّذِينَ قَالَ ⦗٤١٥⦘ اللَّهُ: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ﴾ [البقرة: ٢٤٣] فَقُمْ فِيهِمْ فَنَادِهِمْ وَكَانَتْ عِظَامُهُمْ قَدْ تَفَرَّقَتْ، فَرَّقَتْهَا الطَّيْرُ وَالسِّبَاعُ. فَنَادَاهُمْ حِزْقِيلُ، فَقَالَ: يَا أَيَّتُهَا الْعِظَامُ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكِ أَنْ تَجْتَمِعِيَ فَاجْتَمَعَ عِظَامُ كُلِّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ مَعًا. ثُمَّ نَادَى ثَانِيَةً حِزْقِيلُ، فَقَالَ: أَيَّتُهَا الْعِظَامُ، إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكِ أَنْ تَكْتَسِيَ اللَّحْمَ فَاكْتَسَتِ اللَّحْمَ، وَبَعْدَ اللَّحْمِ جَلْدًا، فَكَانَتْ أَجْسَادًا. ثُمَّ نَادَى حِزْقِيلُ الثَّالِثَةَ فَقَالَ: أَيَّتُهَا الْأَرْوَاحُ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكِ أَنْ تَعُودِي إِلَى أَجْسَادِكِ، فَقَامُوا بِإِذْنِ اللَّهِ، وَكَبَّرُوا تَكْبِيرَةً وَاحِدَةً»
٤ / ٤١٤
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قُلْ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: «﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ﴾ [البقرة: ٢٤٣] يَقُولُ: عَدَدٌ كَثِيرٌ خَرَجُوا فِرَارًا مِنَ الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَأَمَاتَهُمُ اللَّهُ، ثُمَّ أَحْيَاهُمْ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُجَاهِدُوا عَدُوَّهُمْ؛ فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سُمَيْعٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: ٢٤٤]»
٤ / ٤١٥
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ أَشْعَثَ بْنِ أَسْلَمَ الْبَصْرِيِّ، قَالَ: “بَيْنَمَا عُمَرُ يُصَلِّي وَيَهُودِيَّانِ خَلْفَهُ وَكَانَ عُمَرُ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ خَوَّى فَقَالَ أَحَدُهُمْ لِصَاحِبِهِ: أَهُوَ هُوَ؟ فَلَمَّا انْفَتَلَ عُمَرُ قَالَ: رَأَيْتُ قَوْلَ
٤ / ٤١٥
أَحَدِكُمَا لِصَاحِبِهِ أَهُوَ هُوَ فَقَالَا: إِنَّا نَجِدُ فِي كِتَابِنَا قَرْنًا مِنْ حَدِيدٍ يُعْطَى مَا يُعْطَى حِزْقِيلُ الَّذِي أَحْيَا الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ. فَقَالَ عُمَرُ: مَا نَجِدُ فِي كِتَابِ اللَّهِ حِزْقِيلَ، وَلَا أَحْيَا الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ إِلَّا عِيسَى. فَقَالَا: أَمَا تَجِدُ فِي كِتَابِ ﴿وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ﴾ [النساء: ١٦٤] فَقَالَ عُمَرُ: بَلَى. قَالَا: وَأَمَّا إِحْيَاءُ الْمَوْتَى فَسَنُحَدِّثُكَ أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَقَعَ عَلَيْهِمُ الْوَبَاءُ، فَخَرَجَ مِنْهُمْ قَوْمٌ، حَتَّى إِذَا كَانُوا عَلَى رَأْسِ مِيلٍ أَمَاتَهُمُ اللَّهُ، فَبَنَوْا عَلَيْهِمْ حَائِطًا، حَتَّى إِذَا بَلِيتَ عِظَامُهُمْ بَعَثَ اللَّهُ حِزْقِيلَ، فَقَامَ عَلَيْهِمْ مَا شَاءَ اللَّهُ، فَبَعَثَهُمُ اللَّهُ لَهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي ذَلِكَ: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ﴾ [البقرة: ٢٤٣] الْآيَةَ “
٤ / ٤١٦
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَأَةَ، قَالَ: «كَانُوا أَرْبَعَةَ آلَافٍ»
٤ / ٤١٦
حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: “﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ﴾ [البقرة: ٢٤٣] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿ثُمَّ أَحْيَاهُمْ﴾ [البقرة: ٢٤٣] قَالَ: كَانَتْ قَرْيَةٌ يُقَالُ لَهَا دَاوَرْدَانَ قَبْلَ وَاسِطٍ، وَقَعَ بِهَا الطَّاعُونُ، فَهَرَبَ عَامَّةُ أَهْلِهَا، فَنَزَلُوا نَاحِيَةً مِنْهَا، فَهَلَكَ مَنْ بَقِيَ فِي الْقَرْيَةِ وَسَلِمَ الْآخَرُونَ، فَلَمْ يَمُتْ مِنْهُمْ كَبِيرٌ. فَلَمَّا ارْتَفَعَ الطَّاعُونُ رَجَعُوا سَالِمِينَ، فَقَالَ الَّذِينَ بَقُوا: أَصْحَابِنَا هَؤُلَاءِ
٤ / ٤١٦
كَانُوا أَحْزَمَ مِنَّا، لَوْ صَنَعْنَا كَمَا صَنَعُوا بَقِينَا، وَلَئِنْ وَقَعَ الطَّاعُونُ ثَانِيَةً لَنَخْرُجَنَّ مَعَهُمْ فَوَقَعَ فِي قَابِلٍ فَهَرَبُوا، وَهُمْ بَضْعَةٌ وَثَلَاثُونَ أَلْفًا، حَتَّى نَزَلُوا ذَلِكَ الْمَكَانَ، وَهُوَ وَادٍ أَفْيَحُ، فَنَادَاهُمْ مَلَكٌ مِنْ أَسْفَلِ الْوَادِي، وَآخَرُ مِنْ أَعْلَاهُ: أَنْ مُوتُوا فَمَاتُوا، حَتَّى إِذَا هَلَكُوا وَبَلِيَتْ أَجْسَادُهُمْ، مَرَّ بِهِمْ نَبِيُّ يُقَالُ لَهُ حِزْقِيلُ؛ فَلَمَّا رَآهُمْ وَقَفَ عَلَيْهِمْ، فَجَعَلَ يَتَفَكَّرُ فِيهِمْ، وَيَلْوِي شِدْقَيْهِ، وَأَصَابِعَهُ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: يَا حِزْقِيلُ، أَتُرِيدُ أَنْ أُرِيَكَ فِيهِمْ كَيْفَ أُحْيِيهِمْ؟ قَالَ: وَإِنَّمَا كَانَ تَفَكُّرُهُ أَنَّهُ تَعَجَّبَ مِنْ قُدْرَةِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ فَقَالَ: نَعَمْ. فَقِيلَ لَهُ: نَادِ فَنَادَى: يَا أَيَّتُهَا الْعِظَامُ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكِ أَنْ تَجْتَمِعِي فَجَعَلَتْ تَطِيرُ الْعِظَامُ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ حَتَّى كَانَتْ أَجْسَادًا مِنْ عِظَامٍ. ثُمَّ أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَنْ نَادِ يَا أَيَّتُهَا الْعِظَامُ، إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكِ أَنْ تَكْتَسِيَ لَحْمًا فَاكْتَسَتْ لَحْمًا، وَدَمًا، وَثِيَابَهَا الَّتِي مَاتَتْ فِيهَا وَهِيَ عَلَيْهَا. ثُمَّ قِيلَ لَهُ: نَادِ فَنَادَى يَا أَيَّتُهَا الْأَجْسَادُ، إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكِ أَنْ تَقُومِي، فَقَامُوا “
٤ / ٤١٧
حَدَّثَنِي مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، فَزَعَمَ مَنْصُورُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «أَنَّهُمْ قَالُوا حِينَ أُحْيُوا: سُبْحَانَكَ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ فَرَجَعُوا إِلَى قَوْمِهِمْ أَحْيَاءً، يَعْرِفُونَ أَنَّهُمْ كَانُوا مَوْتًى، سِحْنَةُ الْمَوْتِ عَلَى وُجُوهِهِمْ، لَا يَلْبَسُونَ ثَوْبًا إِلَّا عَادَ كَفَنًا دَسْمًا مِثْلَ الْكَفَنِ حَتَّى مَاتُوا لِآجَالِهِمُ ⦗٤١٨⦘ الَّتِي كُتِبَتْ لَهُمْ»
٤ / ٤١٧
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْسَجَةَ، عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ: «﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ﴾ [البقرة: ٢٤٣] قَالَ: كَانُوا ثَلَاثَةَ آلَافٍ أَوْ أَكْثَرَ»
٤ / ٤١٨
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «كَانُوا أَرْبَعِينَ أَلْفًا، أَوْ ثَمَانِيَةَ آلَافٍ حَظَرَ عَلَيْهِمْ حَظَائِرَ، وَقَدْ أَرْوَحَتْ أَجْسَادُهُمْ وَأَنْتَنُوا، فَإِنَّهَا لَتُوجَدُ الْيَوْمَ فِي ذَلِكَ السِّبْطِ مِنَ الْيَهُودِ تِلْكَ الرِّيحُ، وَهُمْ أُلُوفٌ فِرَارًا مِنَ الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَأَمَاتَهُمُ اللَّهُ، ثُمَّ أَحْيَاهُمْ، فَأَمَرَهُمْ بِالْجِهَادِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [البقرة: ١٩٠] الْآيَةَ»
٤ / ٤١٨
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ: «أَنَّ كَالِبَ بْنَ يُوقَنَا، لَمَّا قَبَضَهُ اللَّهُ بَعْدَ يُوشَعَ، خَلَفَ فِيهِمْ يَعْنِي فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ حِزْقِيلَ بْنَ بُوزِيٍّ، وَهُوَ ابْنُ الْعَجُوزِ. وَإِنَّمَا سُمِّيَ ابْنَ الْعَجُوزِ، أَنَّهَا سَأَلْتِ اللَّهَ الْوَلَدَ وَقَدْ كَبِرَتْ وَعَقِمَتْ، فَوَهَبَهُ اللَّهُ لَهَا، فَلِذَلِكَ قِيلَ لَهُ ابْنُ الْعَجُوزِ. وَهُوَ الَّذِي دَعَا لِلْقَوْمِ الَّذِينَ ذَكَرَ اللَّهُ فِي الْكِتَابِ لِمُحَمَّدٍ ﷺ كَمَا بَلَغَنَا: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ ⦗٤١٩⦘ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ﴾ [البقرة: ٢٤٣]»
٤ / ٤١٨
حَدَّثَنِي ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: «بَلَغَنِي أَنَّهُ كَانَ مِنْ حَدِيثِهِمْ أَنَّهُمْ خَرَجُوا فِرَارًا مِنْ بَعْضِ الْأَوْبَاءِ مِنَ الطَّاعُونِ، أَوْ مِنْ سُقْمٍ كَانَ يُصِيبُ النَّاسَ حَذَرًا مِنَ الْمَوْتِ، وَهُمْ أُلُوفٌ. حَتَّى إِذَا نَزَلُوا بِصَعِيدٍ مِنَ الْبِلَادِ، قَالَ لَهُمُ اللَّهُ: مُوتُوا فَمَاتُوا جَمِيعًا، فَعَمَدَ أَهْلُ تِلْكَ الْبِلَادِ فَحَظَرُوا عَلَيْهِمْ حَظِيرَةً دُونَ السِّبَاعِ، ثُمَّ تَرَكُوهُمْ فِيهَا، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَثُرُوا عَنْ أَنْ يُغَيَّبُوا. فَمَرَّتْ بِهِمُ الْأَزْمَانُ، وَالدُّهُورُ، حَتَّى صَارُوا عِظَامًا نَخْرَةً. فَمَرَّ بِهِمْ حِزْقِيلُ بْنُ بُوزِيٍّ، فَوَقَفَ عَلَيْهِمْ، فَتَعَجَّبَ لِأَمْرِهِمْ، وَدَخَلَهُ رَحْمَةً لَهُمْ، فَقِيلَ لَهُ: أَتُحِبُّ أَنْ يُحْيِيَهُمُ اللَّهُ؟ فَقَالَ: نَعَمْ. فَقِيلَ لَهُ: نَادِهِمْ فَقَالَ: أَيُّهَا الْعِظَامُ الرَّمِيمُ الَّتِي قَدْ رَمَّتْ، وَبَلِيَتْ، لِيَرْجِعْ كُلُّ عَظْمٍ إِلَى صَاحِبِهِ فَنَادَاهُمْ بِذَلِكَ، فَنَظَرَ إِلَى الْعِظَامِ تَوَاثَبُ يَأْخُذُ بَعْضُهَا بَعْضًا. ثُمَّ قِيلَ لَهُ: قُلْ أَيُّهَا: اللَّحْمُ، وَالْعَصَبُ، وَالْجَلْدُ اكْسُ الْعِظَامَ بِإِذْنِ رَبِّكَ قَالَ: فَنَظَرَ إِلَيْهَا وَالْعَصَبُ يَأْخُذُ الْعِظَامَ ثُمَّ اللَّحْمَ، وَالْجَلْدَ، وَالْأَشْعَارَ، حَتَّى اسْتَوَوْا خَلْقًا لَيْسَتْ فِيهِمُ الْأَرْوَاحُ، ثُمَّ دَعَا لَهُمْ بِالْحَيَاةِ، فَتَغْشَاهُمْ مِنَ السَّمَاءِ كُدْيَةٌ حَتَّى غُشِيَ عَلَيْهِ مِنْهُ. ثُمَّ أَفَاقَ وَالْقَوْمُ جُلُوسٌ يَقُولُونَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، سُبْحَانَ اللَّهِ قَدْ أَحْيَاهُمُ اللَّهُ»
٤ / ٤١٩
وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى قَوْلِهِ ﴿وَهُمْ أُلُوفٌ﴾ [البقرة: ٢٤٣] وَهُمْ مُؤْتَلِفُونَ
٤ / ٤٢٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: “﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ﴾ [البقرة: ٢٤٣] قَالَ: قَرْيَةٌ كَانَتْ نَزَلَ بِهَا الطَّاعُونُ، فَخَرَجَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ، وَأَقَامَتْ طَائِفَةٌ. فَأَلَحَّ الطَّاعُونُ بِالطَّائِفَةِ الَّتِي أَقَامَتْ، وَالَّتِي خَرَجَتْ لَمْ يُصِبْهَا شَيْءٌ. ثُمَّ ارْتَفَعَ، ثُمَّ نَزَلَ الْعَامَ الْقَابِلَ، فَخَرَجَتْ طَائِفَةٌ أَكْثَرُ مِنَ الَّتِي خَرَجَتْ أَوَّلًا. فَاسْتَحَرَّ الطَّاعُونُ بِالطَّائِفَةِ الَّتِي أَقَامَتْ. فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الثَّالِثُ نَزَلَ، فَخَرَجُوا بِأَجْمَعِهِمْ وَتَرَكُوا دِيَارَهُمْ، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ﴾ [البقرة: ٢٤٣] لَيْسَتِ الْفُرْقَةُ أَخْرَجَتْهُمْ كَمَا يُخْرَجُ لِلْحَرْبِ وَالْقِتَالِ. قُلُوبُهُمْ مُؤْتَلِفَةٌ، إِنَّمَا خَرَجُوا فِرَارًا، فَلَمَّا كَانُوا حَيْثُ ذَهَبُوا يَبْتَغُونَ الْحَيَاةَ، قَالَ لَهُمُ اللَّهُ: مُوتُوا فِي الْمَكَانِ الَّذِي ذَهَبُوا إِلَيْهِ يَبْتَغُونَ فِيهِ الْحَيَاةَ، فَمَاتُوا. ثُمَّ أَحْيَاهُمُ اللَّهُ؛ ﴿إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ﴾ [البقرة: ٢٤٣] قَالَ: وَمَرَّ بِهَا رَجُلٌ وَهِيَ عِظَامٌ تَلُوحُ، فَوَقَفَ يَنْظُرُ، فَقَالَ: ﴿أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ﴾
٤ / ٤٢٠
ذِكْرُ الْأَخْبَارِ عَمَّنْ قَالَ: كَانَ خُرُوجُ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ مِنْ دِيَارِهِمْ فِرَارًا مِنَ الطَّاعُونِ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنِ الْأَشْعَثِ، عَنِ الْحَسَنِ، ⦗٤٢١⦘ فِي قَوْلِهِ: «﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ﴾ [البقرة: ٢٤٣] قَالَ. خَرَجُوا فِرَارًا مِنَ الطَّاعُونِ، فَأَمَاتَهُمْ قَبْلَ آجَالِهِمْ، ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِلَى آجَالِهِمْ»
٤ / ٤٢٠
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: «﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ﴾ [البقرة: ٢٤٣] قَالَ: فَرُّوا مِنَ الطَّاعُونِ، فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ: مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ لِيُكْمِلُوا بَقِيَّةَ آجَالِهِمْ»
٤ / ٤٢١
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ: «﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ﴾ [البقرة: ٢٤٣] قَالَ: وَقَعَ الطَّاعُونُ فِي قَرْيَتِهِمْ، فَخَرَجَ أُنَاسٌ وَبَقِيَ أُنَاسٌ. فَهَلَكَ الَّذِينَ بَقُوا فِي الْقَرْيَةِ وَبَقِيَ الْآخَرُونَ. ثُمَّ وَقَعَ الطَّاعُونُ فِي قَرْيَتِهِمُ الثَّانِيَةَ، فَخَرَجَ أُنَاسٌ، وَبَقِيَ أُنَاسٌ وَمَنْ خَرَجَ أَكْثَرَ مِمَّنْ بَقِيَ، فَنَجَّى اللَّهُ الَّذِينَ خَرَجُوا، وَهَلَكَ الَّذِينَ بَقُوا. فَلَمَّا كَانَتِ الثَّالِثَةُ خَرَجُوا بِأَجْمَعِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا، فَأَمَاتَهُمُ اللَّهُ، وَدَوَابَّهُمْ ثُمَّ أَحْيَاهُمْ فَرَجَعُوا إِلَى بِلَادِهِمْ وَكَثُرُوا بِهَا، حَتَّى يَقُولَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: مَنْ أَنْتُمْ؟» ⦗٤٢٢⦘ حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ دِينَارٍ، يَقُولُ: وَقَعَ الطَّاعُونُ فِي قَرْيَتِهِمْ، ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي عَاصِمٍ
٤ / ٤٢١
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُوَيْدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ﴾ [البقرة: ٢٤٣] الْآيَةَ. مَقَتَهُمُ اللَّهُ عَلَى فِرَارِهِمْ مِنَ الْمَوْتِ، فَأَمَاتَهُمُ اللَّهُ عُقُوبَةً ثُمَّ بَعَثَهُمْ إِلَى بَقِيَّةِ آجَالِهِمْ لِيَسْتَوْفُوهَا، وَلَوْ كَانَتْ آجَالُ الْقَوْمِ جَاءَتْ مَا بَعَثُوا بَعْدَ مَوْتِهِمْ»
٤ / ٤٢٢
حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارِ بْنِ الْحَسَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ هِلَالِ بْنِ يَسَافٍ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: «﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا﴾ [البقرة: ٢٤٣] الْآيَةَ. قَالَ: كَانَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذَا وَقَعَ فِيهِمُ الطَّاعُونُ خَرَجَ أَغْنِيَاؤُهُمْ وَأَشْرَافُهُمْ، وَأَقَامَ فُقَراؤُهُمْ وَسِفْلَتُهُمْ. قَالَ: فَاسْتَحَرَّ الْمَوْتُ عَلَى الْمُقِيمِينَ مِنْهُمْ، وَنَجَا مَنْ خَرَجَ مِنْهُمْ، فَقَالَ الَّذِينَ خَرَجُوا: لَوْ أَقَمْنَا كَمَا أَقَامَ هَؤُلَاءِ لَهَلَكْنَا كَمَا هَلَكُوا وَقَالَ الْمُقِيمُونَ: لَوْ ظَعَنَّا كَمَا ظَعَنَ هَؤُلَاءِ لَنَجَوْنَا كَمَا نَجَوْا فَظَعَنُوا جَمِيعًا فِي عَامٍ وَاحِدٍ، أَغْنِيَاؤُهُمْ وَأَشْرَافُهُمْ، وَفُقَراؤُهُمْ ⦗٤٢٣⦘ وَسِفْلَتُهُمْ، فَأَرْسَلَ عَلَيْهِمُ الْمَوْتَ، فَصَارُوا عِظَامًا تَبْرُقُ. قَالَ: فَجَاءَهُمْ أَهْلُ الْقُرَى فَجَمَعُوهُمْ فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ، فَمَرَّ بِهِمْ نَبِيُّ، فَقَالَ: يَا رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَحْيَيْتَ هَؤُلَاءِ فَعَمَّرُوا بِلَادَكَ وعَبَدُوكَ قَالَ: أَوَ أَحَبُّ إِلَيْكَ أَنْ أَفْعَلَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَقُلْ كَذَا وَكَذَا فَتَكَلَّمَ بِهِ، فَنَظَرَ إِلَى الْعِظَامِ، وَإِنَّ الْعَظْمَ لِيَخْرُجَ مِنْ عِنْدِ الْعَظْمِ الَّذِي لَيْسَ مِنْهُ إِلَى الْعَظْمِ الَّذِي هُوَ مِنْهُ. ثُمَّ تَكَلَّمَ بِمَا أُمِرَ، فَإِذَا الْعِظَامُ تُكْسَى لَحْمًا. ثُمَّ أُمِرَ بِأَمْرٍ فَتَكَلَّمَ بِهِ، فَإِذَا هُمْ قُعُودٌ يُسَبِّحُونَ وَيُكَبِّرُونَ، ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ: ﴿قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: ٢٤٤]»
٤ / ٤٢٢
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ. عَنْ حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنِ الْحَسَنِ، «أَنَّهُ قَالَ فِي الَّذِينَ أَمَاتَهُمُ اللَّهُ ثُمَّ أَحْيَاهُمْ، قَالَ: هُمْ قَوْمٌ فَرُّوا مِنَ الطَّاعُونِ، فَأَمَاتَهُمُ اللَّهُ عُقُوبَةً، وَمَقْتًا، ثُمَّ أَحْيَاهُمْ لِآجَالِهِمْ» وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: ﴿وَهُمْ أُلُوفٌ﴾ [البقرة: ٢٤٣] بِالصَّوَابِ، قَوْلُ مَنْ قَالَ: عَنَى بِالْأُلُوفِ. كَثْرَةَ الْعَدَدِ، دُونَ قَوْلِ مَنْ قَالَ: عَنَى بِهِ الِائْتِلَافَ، بِمَعْنَى ائْتِلَافِ قُلُوبِهِمْ، وَأَنَّهُمْ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ مِنْ غَيْرِ افْتِرَاقٍ كَانَ مِنْهُمْ، وَلَا تَبَاغُضٍ، وَلَكِنْ فِرَارًا، إِمَّا مِنَ الْجِهَادِ، وَإِمَّا مِنَ الطَّاعُونِ. لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ تَأْوِيلُ الْآيَةِ، وَلَا يُعَارَضُ بِالْقَوْلِ الشَّاذِّ مَا اسْتَفَاضَ بِهِ الْقَوْلُ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَالتَّابِعِينَ. وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي مَبْلَغِ عَدَدِ الْقَوْمِ الَّذِينَ وَصَفَ اللَّهُ خُرُوجَهُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ بِالصَّوَابِ، قَوْلُ مَنْ حَدَّ عَدَدَهُمْ بِزِيَادَةٍ عَنْ عَشْرَةِ آلَافٍ دُونَ مَنْ حَدُّهُ بِأَرْبَعَةِ
٤ / ٤٢٣
آلَافٍ وَثَلَاثَةِ آلَافٍ وَثَمَانِيَةِ آلَافٍ. وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَخْبَرَ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا أُلُوفًا، وَمَا دُونَ الْعَشَرَةِ آلَافٍ لَا يُقَالُ لَهُمْ أُلُوفٌ، وَإِنَّمَا يُقَالُ: هُمْ آلَافٌ إِذَا كَانُوا ثَلَاثَةَ آلَافٍ فَصَاعِدًا إِلَى الْعَشَرَةِ آلَافٍ، وَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يُقَالَ: هُمْ خَمْسَةُ أُلُوفٍ، أَوْ عَشَرَةُ أُلُوفٍ. وَإِنَّمَا جُمِعَ قَلِيلُهُ عَلَى أَفْعَالٍ، وَلَمْ يُجْمَعٍ عَلَى أَفْعُلٍ مِثْلَ سَائِرِ الْجَمْعِ الْقَلِيلِ الَّذِي يَكُونُ ثَانِي مُفْرَدِهِ سَاكِنًا لِلْأَلِفِ الَّتِي فِي أَوَّلِهِ، وَشَأْنُ الْعَرَبِ فِي كُلِّ حَرْفٍ كَانَ أَوَّلُهُ يَاءً أَوْ وَاوًا أَوْ أَلِفًا اخْتِيَارُ جَمْعِ قَلِيلِهِ عَلَى أَفْعَالٍ، كَمَا جَمَعُوا الْوَقْتَ أَوْقَاتًا، وَالْيَوْمَ أَيَّامًا، وَالْيُسْرَ أَيْسَارًا؛ لِلْوَاوِ وَالْيَاءِ اللَّتَيْنِ فِي أَوَّلِ ذَلِكَ، وَقَدْ يُجْمَعُ ذَلِكَ أَحْيَانًا عَلَى «أَفْعُلَ»، إِلَّا أَنَّ الْفَصِيحَ مِنْ كَلَامِهِمْ مَا ذَكَرْنَا، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
[البحر الكامل]
[البحر الكامل]
كَانُوا ثَلَاثَةَ آلُفٍ وَكَتِيبَةً … أَلْفَيْنِ أَعْجَمَ مِنْ بَنِي الْفَدَّامِ
٤ / ٤٢٤
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿حَذَرَ الْمَوْتِ﴾ [البقرة: ١٩] فَإِنَّهُ يَعْنِي: أَنَّهُمْ خَرَجُوا مِنْ حَذَرِ الْمَوْتِ فِرَارًا مِنْهُ
٤ / ٤٢٤
كَمَا: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي، قَالَ: حَدَّثَنِي ⦗٤٢٥⦘ أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: «﴿حَذَرَ الْمَوْتِ﴾ [البقرة: ٢٤٣] فِرَارًا مِنْ عَدُوِّهِمْ، حَتَّى ذَاقُوا الْمَوْتَ الَّذِي فَرُّوا مِنْهُ، فَأَمَرَهُمْ فَرَجَعُوا، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ. وَهُمُ الَّذِينَ قَالُوا لِنَبِيِّهِمْ: ﴿ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [البقرة: ٢٤٦]» وَإِنَّمَا حَثَّ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ عِبَادَهُ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى الْمُوَاظَبَةِ عَلَى الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالصَّبْرِ عَلَى قِتَالِ أَعْدَاءِ دِينِهِ، وَشَجَّعَهُمْ بِإِعْلَامِهِ إِيَّاهُمْ وَتَذْكِيرِهِ لَهُمْ أَنَّ الْإِمَاتَةَ وَالْإِحْيَاءَ بِيَدَيْهِ وَإِلَيْهِ دُونَ خَلْقِهِ، وَأَنَّ الْفِرَارَ مِنَ الْقِتَالِ وَالْهَرَبَ مِنَ الْجِهَادِ وَلِقَاءِ الْأَعْدَاءِ إِلَى التَّحَصُّنِ فِي الْحُصُونِ وَالِاخْتِبَاءِ فِي الْمَنَازِلِ وَالدُّورِ غَيْرُ مُنْجٍ أَحَدًا مِنْ قَضَائِهِ إِذَا حَلَّ بِسَاحَتِهِ، وَلَا دَافِعَ عَنْهُ أَسْبَابَ مَنِيَّتِهِ إِذَا نَزَلَ بِعُقُوبَتِهِ، كَمَا لَمْ يَنْفَعُ الْهَارِبِينَ مِنَ الطَّاعُونِ الَّذِينَ وَصَفَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ صِفَتَهُمْ فِي قَوْلِهِ: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ﴾ [البقرة: ٢٤٣] فِرَارُهُمْ مِنْ أَوْطَانِهِمْ، وَانْتِقَالُهُمْ مِنْ مَنَازِلِهِمْ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي أَمَّلُوا بِالْمَصِيرِ إِلَيْهِ السَّلَامَةَ، وَبِالْمَوْئِلِ النَّجَاةَ مِنَ الْمَنِيَّةِ، حَتَّى أَتَاهُمْ أَمْرُ اللَّهِ، فَتَرَكَهُمْ جَمِيعًا خُمُودًا صَرْعَى وَفِي الْأَرْضِ هَلْكَى، وَنَجَا مِمَّا حَلَّ بِهِمُ الَّذِينَ بَاشَرُوا كَرِبَ الْوَبَاءِ، وَخَالَطُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَظِيمَ الْبَلَاءِ
٤ / ٤٢٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ﴾ [البقرة: ٢٤٣] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِذَلِكَ: إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ وَمَنٍّ عَلَى خَلْقِهِ بِتَبْصِيرِهِ إِيَّاهُمْ سَبِيلَ الْهُدَى وَتَحْذِيرِهِ لَهُمْ طُرُقَ الرَّدَى، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ نِعَمِهِ الَّتِي يُنْعِمُهَا عَلَيْهِمْ فِي
٤ / ٤٢٥
دُنْيَاهُمْ وَدِينِهِمْ، وَأَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ. كَمَا أَحْيَا الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ بَعْدَ إِمَاتَتِهِ إِيَّاهُمْ وَجَعْلِهِمْ لِخَلْقِهِ مَثَلًا وَعِظَةً يُعَظُونَ بِهِمْ عِبْرَةً يَعْتَبِرُونَ بِهِمْ. وَلْيَعْلَمُوا أَنَّ الْأُمُورَ كُلَّهَا بِيَدِهِ، فَيَسْتَسْلِمُونَ لِقَضَائِهِ، وَيَصْرِفُونَ الرَّغْبَةَ كُلَّهَا، وَالرَّهْبَةَ إِلَيْهِ. ثُمَّ أَخْبَرَ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَنَّ أَكْثَرَ مَنْ يُنْعِمُ عَلَيْهِ مِنْ عِبَادِهِ بِنِعَمِهِ الْجَلِيلَةِ وَيَمُنُّ عَلَيْهِ بِمِنَنِهِ الْجَسِيمَةِ، يَكْفُرُ بِهِ، وَيَصْرِفُ الرَّغْبَةَ وَالرَّهْبَةَ إِلَى غَيْرِهِ، وَيَتَّخِذُ إِلَهًا مِنْ دُونِهِ، كُفْرَانًا مِنْهُ لِنِعَمِهِ الَّتِي تُوجِبُ أَصْغَرُهَا عَلَيْهِ مِنَ الشُّكْرِ مَا يَفْدَحُهُ وَمَنِ الْحَمْدِ مَا يُثْقِلُهُ، فَقَالَ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ﴾ [البقرة: ٢٤٣] يَقُولُ: لَا يَشْكُرُونَ نِعْمَتِي الَّتِي أَنْعَمْتُهَا عَلَيْهِمْ وَفَضْلِي الَّذِي تَفَضَّلْتُ بِهِ عَلَيْهِمْ، بِعِبَادَتِهِمْ غَيْرِي، وَصَرْفِهِمْ رَغْبَتَهُمْ وَرَهْبَتَهُمْ إِلَى مَنْ دُونِي، مِمَّنْ لَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا، وَلَا يَمْلِكُ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا
٤ / ٤٢٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سُمَيْعٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: ٢٤٤] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِذَلِكَ: ﴿وَقَاتِلُوا﴾ [البقرة: ١٩٠] أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ ﴿فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [البقرة: ١٥٤] يَعْنِي فِي دِينِهِ الَّذِي هَدَاكُمْ لَهُ، لَا فِي طَاعَةِ الشَّيْطَانِ أَعْدَاءَ دِينِكُمْ، الصَّادِينَ عَنْ سَبِيلِ رَبِّكُمْ، وَلَا تَجْبُنُوا عَنْ لِقَائِهِمْ، وَلَا تَقْعُدُوا عَنْ حَرْبِهِمْ، فَإِنَّ بِيَدِي حَيَاتَكُمْ وَمَوْتَكُمْ، وَلَا يَمْنَعَنَّ أَحَدُكُمْ مِنْ لِقَائِهِمْ وَقِتَالِهِمْ حَذَرَ الْمَوْتِ، وَخَوْفَ الْمَنِيَّةِ عَلَى نَفْسِهِ
٤ / ٤٢٦
بِقِتَالِهِمْ، فَيَدَعُوهُ ذَلِكَ إِلَى التَّعْرِيدِ عَنْهُمْ، وَالْفِرَارِ مِنْهُمْ، فَتَذِلُّوا، وَيَأْتِيكُمُ الْمَوْتُ الَّذِي خِفْتُمُوهُ فِي مَأْمَنِكُمُ الَّذِي وَأَلْتُمْ إِلَيْهِ، كَمَا أَتَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ فِرَارًا مِنَ الْمَوْتِ، الَّذِينَ قَصَصْتُ عَلَيْكُمْ قِصَّتَهُمْ، فَلَمْ يُنْجِهِمْ فِرَارُهُمْ مِنْهُ مِنْ نُزُولِهِ بِهِمْ حِينَ جَاءَهُمْ أَمْرِي وَحَلَّ بِهِمْ قَضَائِي، وَلَا ضَرَّ الْمُتَخَلِّفِينَ وَرَاءَهُمْ مَا كَانُوا لَمْ يَحْذَرُوهُ إِذْ دَافَعْتُ عَنْهُمْ مَنَايَاهُمْ، وَصَرَفْتُهَا عَنْ حُوبَائِهِمْ، فَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ أَمَرْتُكُمْ بِقِتَالِهِ مِنْ أَعْدَائِي وَأَعْدَاءِ دِينِي، فَإِنَّ مَنْ حَيِيَ مِنْكُمْ فَأَنَا أُحْيِيهِ، وَمَنْ قُتِلَ مِنْكُمْ فَبِقَضَائِي كَانَ قَتْلُهُ. ثُمَّ قَالَ تَعَالَى ذِكْرُهُ لَهُمْ: وَاعْلَمُوا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ أَنَّ رَبَّكُمْ سُمَيْعٌ لِقَوْلِ مَنْ يَقُولُ مِنْ مُنَافِقِيكُمْ لِمَنْ قُتِلَ مِنْكُمْ فِي سَبِيلِي: لَوْ أَطَاعُونَا فَجَلَسُوا فِي مَنَازِلِهِمْ مَا قُتِلُوا، عَلِيمٌ بِمَا تُخْفِيهِ صُدُورُهُمْ مِنَ النِّفَاقِ وَالْكُفْرِ وَقِلَّةِ الشُّكْرِ لِنِعْمَتِي عَلَيْهِمْ وَآلَائِي لَدَيْهِمْ فِي أَنْفُسِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَلِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أُمُورِهِمْ وَأُمُورِ عِبَادِي. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ: فَاشْكُرُونِي أَنْتُمْ بِطَاعَتِي فِيمَا أَمَرْتُكُمْ مِنْ جِهَادِ عَدُوِّكُمْ فِي سَبِيلِي، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَمْرِي وَنَهْيِي، إِذْ كَفَرَ هَؤُلَاءِ نِعَمِي، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سُمَيْعٌ لِقَوْلِهِمْ وَعَلِيمٌ بِهِمْ وَبِغَيْرِهِمْ وَبِمَا هُمْ عَلَيْهِ مُقِيمُونَ مِنَ الْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ وَالطَّاعَةِ وَالْمَعْصِيَةِ مُحِيطٌ بِذَلِكَ كُلِّهِ، حَتَّى أُجَازِيَ كُلًّا بِعَمَلِهِ، إِنْ خَيْرًا فَخَيْرًا وَإِنْ شَرًّا فَشَرًّا. وَلَا وَجْهَ لِقَوْلِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ قَوْلَهُ: ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [البقرة: ١٩٠] أَمْرٌ مِنَ اللَّهِ الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ بِالْقِتَالِ بَعْدَ مَا أَحْيَاهُمْ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: ﴿وَقَاتِلُوا فِي
٤ / ٤٢٧
سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [البقرة: ١٩٠] لَا يَخْلُو إِنْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا تَأَوَّلُوهُ مِنْ أَحَدِ أُمُورٍ ثَلَاثَةٍ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ: ﴿فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا﴾ [البقرة: ٢٤٣] وَذَلِكَ مِنَ الْمِحَالِ أَنْ يُمِيتَهُمْ وَيَأْمُرُهُمْ وَهُمْ مَوْتَى بِالْقِتَالِ فِي سَبِيلِهِ. أَوْ يَكُونُ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ: ﴿ثُمَّ أَحْيَاهُمْ﴾ [البقرة: ٢٤٣] وَذَلِكَ أَيْضًا مِمَّا لَا مَعْنَى لَهُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [البقرة: ١٩٠] أَمْرٌ مِنَ اللَّهِ بِالْقِتَالِ، وَقَوْلَهُ: ﴿ثُمَّ أَحْيَاهُمْ﴾ [البقرة: ٢٤٣] خَبَرٌ عَنْ فِعْلٍ قَدْ مَضَى. وَغَيْرُ فَصِيحٍ الْعَطْفُ بِخَبَرٍ مُسْتَقْبِلٍ عَلَى خَبَرٍ مَاضٍ لَوْ كَانَا جَمِيعًا خَبَرَيْنِ لِاخْتِلَافِ مَعْنَيَيْهِمَا، فَكَيْفَ عَطَفَ الْأَمْرَ عَلَى خَبَرٍ مَاضٍ؟ أَوْ يَكُونُ مَعْنَاهُ: ثُمَّ أَحْيَاهُمْ، وَقَالَ لَهُمْ: قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، ثُمَّ أَسْقَطَ الْقَوْلَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا﴾ بِمَعْنَى: يَقُولُونَ: رَبَّنَا أَبْصَرَنَا وَسَمِعْنَا وَذَلِكَ أَيْضًا إِنَّمَا يَجُوزُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يَدُلُّ ظَاهِرُ الْكَلَامِ عَلَى حَاجَتِهِ إِلَيْهِ وَيَفْهَمُ السَّامِعُ أَنَّهُ مُرَادٌ بِهِ الْكَلَامُ وَإِنْ لَمْ يُذْكَرْ، فَأَمَّا فِي الْأَمَاكِنِ الَّتِي لَا دَلَالَةَ عَلَى حَاجَةِ الْكَلَامِ إِلَيْهِ، فَلَا وَجْهَ لِدَعْوَى مُدَّعٍ أَنَّهُ مُرَادٌ فِيهَا
٤ / ٤٢٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهُ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [البقرة: ٢٤٥] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِذَلِكَ: مَنْ هَذَا الَّذِي يُنْفِقُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَيُعِينُ مُضْعَفًا، أَوْ يُقَوِّي ذَا فَاقَةٍ أَرَادَ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَيُعْطِي مِنْهُمْ مُقْتِرًا. وَذَلِكَ هُوَ الْقَرْضُ الْحَسَنُ الَّذِي يَقْرِضُ الْعَبْدُ رَبَّهُ. وَإِنَّمَا سَمَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ قَرْضًا؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْقَرْضِ: إِعْطَاءُ الرَّجُلِ غَيْرَهُ مَالَهُ مُمَلِّكًا لَهُ لِيَقْضِيَهُ مِثْلَهُ إِذَا اقْتَضَاهُ. فَلَمَّا كَانَ إِعْطَاءُ مَنْ أَعْطَى أَهْلَ الْحَاجَةِ، وَالْفَاقَةِ فِي
٤ / ٤٢٨
سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّمَا يُعْطِيهِمْ مَا يُعْطِيهِمْ مِنْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَا وَعَدَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنْ جَزِيلِ الثَّوَابِ عِنْدَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، سَمَّاهُ قَرْضًا، إِذْ كَانَ مَعْنَى الْقَرْضِ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ مَا وَصَفْنَا. وَإِنَّمَا جَعَلَهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ حَسَنًا؛ لِأَنَّ الْمُعْطِي يُعْطِي ذَلِكَ عَنْ نَدْبِ اللَّهِ إِيَّاهُ، وَحَثِّهِ لَهُ عَلَيْهِ احْتِسَابًا مِنْهُ، فَهُوَ لِلَّهِ طَاعَةٌ وَلِلشَّيَاطِينِ مَعْصِيَةٌ. وَلَيْسَ ذَلِكَ لِحَاجَةٍ بِاللَّهِ إِلَى أَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ، وَلَكِنَّ ذَلِكَ كَقَوْلِ الْعَرَبِ: «عِنْدِي لَكَ قَرْضُ صِدْقٍ وَقَرْضُ سُوءٍ»: لِلْأَمْرِ يَأْتِي فِيهِ لِلرَّجُلِ مَسَرَّتُهُ أَوْ مَسَاءَتُهُ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر البسيط] كُلُّ امْرِئٍ سَوْفَ يُجْزَى قَرْضَهُ … حَسَنًا أَوْ سَيِّئًا وَمَدِينًا بِالَّذِي دَانَا
فَقَرْضُ الْمَرْءِ: مَا سَلَفَ مِنْ صَالِحِ عَمَلِهِ أَوْ سَيِّئِهِ. وَهَذِهِ الْآيَةُ نَظِيرُةُ الْآيَةِ الَّتِي قَالَ اللَّهُ فِيهَا تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾، وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ كَانَ ابْنُ زَيْدٍ يَقُولُ
[البحر البسيط] كُلُّ امْرِئٍ سَوْفَ يُجْزَى قَرْضَهُ … حَسَنًا أَوْ سَيِّئًا وَمَدِينًا بِالَّذِي دَانَا
فَقَرْضُ الْمَرْءِ: مَا سَلَفَ مِنْ صَالِحِ عَمَلِهِ أَوْ سَيِّئِهِ. وَهَذِهِ الْآيَةُ نَظِيرُةُ الْآيَةِ الَّتِي قَالَ اللَّهُ فِيهَا تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾، وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ كَانَ ابْنُ زَيْدٍ يَقُولُ
٤ / ٤٢٩
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا﴾ [البقرة: ٢٤٥] قَالَ: هَذَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، ﴿فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً﴾ [البقرة: ٢٤٥] قَالَ: بِالْوَاحِدِ سَبْعمِائَةِ ضِعْفٌ»
٤ / ٤٢٩
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: “﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ ⦗٤٣٠⦘ أَضْعَافًا كَثِيرَةً﴾ [البقرة: ٢٤٥] جَاءَ أَبُو الدَّحْدَاحِ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، أَلَا أَرَى رَبَّنَا يَسْتَقْرِضُنَا مِمَّا أَعْطَانَا لِأَنْفُسِنَا؟ وَإِنْ لِي أَرْضِينَ إِحْدَاهُمَا بِالْعَالِيَةِ، وَالْأُخْرَى بِالسَّافِلَةِ، وَإِنِّي قَدْ جَعَلْتُ خَيْرَهُمَا صَدَقَةً قَالَ: فَكَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَقُولُ: «كَمْ مِنْ عِذْقٍ مُذَلَّلٍ لِأَبِي الدَّحْدَاحِ فِي الْجَنَّةِ»
٤ / ٤٢٩
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: «أَنَّ رَجُلًا، عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ ﷺ لَمَّا سَمِعَ بِهَذِهِ الْآيَةِ، قَالَ: أَنَا أُقْرِضُ اللَّهَ فَعَمَدَ إِلَى خَيْرِ حَائِطٍ لَهُ، فَتَصَدَّقَ بِهِ. قَالَ: وَقَالَ قَتَادَةُ: يَسْتَقْرِضُكُمْ رَبُّكُمْ كَمَا تَسْمَعُونَ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ، وَيَسْتَقْرِضُ عِبَادَهُ»
٤ / ٤٣٠
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْأَنْمَاطِيُّ النَّيْسَابُورِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ خَلِيفَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ الْأَعْرَجِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: «لَمَّا نَزَلَتْ: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهُ قَرْضًا حَسَنًا﴾ [البقرة: ٢٤٥] قَالَ أَبُو الدَّحْدَاحِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَوَ إِنَّ اللَّهَ يُرِيدُ مِنَّا الْقَرْضَ؟ قَالَ: «نَعَمْ يَا أَبَا الدَّحْدَاحِ» . قَالَ: يَدُكَ قَبْلُ فَنَاوَلَهُ يَدَهُ. قَالَ: فَإِنِّي قَدْ أَقْرَضْتُ رَبِّي حَائِطِي حَائِطًا فِيهِ سِتُّمِائَةِ نَخْلَةٍ. ثُمَّ جَاءَ يَمْشِي حَتَّى أَتَى الْحَائِطَ وَأُمُّ الدَّحْدَاحِ فِيهِ فِي عِيَالِهَا، فَنَادَاهَا: يَا أُمَّ الدَّحْدَاحِ قَالَتْ: لَبَّيْكَ قَالَ: اخْرُجِي قَدْ أَقْرَضْتُ رَبِّي حَائِطًا فِيهِ سِتُّمِائَةِ نَخْلَةٍ»
٤ / ٤٣٠
أَمَّا قَوْلُهُ: ﴿فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً﴾ [البقرة: ٢٤٥] فَإِنَّهُ عِدَةٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُقْرِضُهُ وَمُنْفِقٌ مَالَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مِنْ أَضْعَافِ الْجَزَاءِ لَهُ عَلَى قَرْضِهِ وَنَفَقَتِهِ مَا لَا حَدَّ لَهُ وَلَا نِهَايةَ
٤ / ٤٣١
كَمَا: حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: «﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً﴾ [البقرة: ٢٤٥] قَالَ: هَذَا التَّضْعِيفُ لَا يَعْلَمُ أَحَدٌ مَا هُوَ»
٤ / ٤٣١
وَقَدْ حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ صَاحِبٍ، لَهُ يَذْكُرُ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ، قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ أَعْطَاكُمُ الدُّنْيَا قَرْضًا وَسَأَلَكُمُوهَا قَرْضًا، فَإِنْ أَعْطَيْتُمُوهَا طَيِّبَةً بِهَا أَنْفُسُكُمْ ضَاعَفَ لَكُمْ مَا بَيْنَ الْحَسَنَةِ إِلَى الْعَشْرِ إِلَى السَّبْعِمِائَةِ إِلَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنْ أَخَذَهَا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ كَارِهُونَ فَصَبَرْتُمْ وَأَحْسَنْتُمْ كَانَتْ لَكُمُ الصَّلَاةُ وَالرَّحْمَةُ وَأَوْجَبَ لَكُمُ الْهُدَى» وَقَدِ اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: (فَيُضَاعِفُهُ) بِالْأَلِفِ وَرَفْعِهِ، بِمَعْنَى: الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفُهُ لَهُ، نَسَقَ «يُضَاعِفُ» عَلَى قَوْلِهِ «يُقْرِضُ» .
٤ / ٤٣١
وَقَرَأَهُ آخَرُونَ بِذَلِكَ الْمَعْنَى (فَيُضَعِّفُهُ) غَيْرَ أَنَّهُمْ قَرَءُوا بِتَشْدِيدِ الْعَيْنِ وَإِسْقَاطِ الْأَلِفِ. وَقَرَأَهُ آخَرُونَ ﴿فَيُضَاعِفَهُ لَهُ﴾ [البقرة: ٢٤٥] بِإِثْبَاتِ الْأَلِفِ فِي يُضَاعِفُ وَنَصْبِهِ بِمَعْنَى الِاسْتِفْهَامِ. فَكَأَنَّهُمْ تَأَوَّلُوا الْكَلَامَ: مَنِ الْمُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ؟ فَجَعَلُوا قَوْلَهُ: ﴿فَيُضَاعِفَهُ﴾ [البقرة: ٢٤٥] جَوَابًا لِلْاسْتِفْهَامِ، وَجَعَلُوا: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا﴾ [البقرة: ٢٤٥] اسْمًا؛ لِأَنَّ الَّذِي وَصَلْتَهُ بِمَنْزِلَةِ عَمْرٍو، وَزَيْدٍ فَكَأَنَّهُمْ وَجَّهُوا تَأْوِيلَ الْكَلَامِ إِلَى قَوْلِ الْقَائِلِ: مَنْ أَخُوكَ فَنُكْرِمَهُ؟ لِأَنَّ الْأَفْصَحَ فِي جَوَابِ الِاسْتِفْهَامِ بِالْفَاءِ، إِذَا لَمْ يَكُنْ قَبْلَهُ مَا يُعْطَفُ بِهِ عَلَيْهِ مِنْ فِعْلٍ مُسْتَقْبَلٍ، نَصْبُهُ. وَأَوْلَى هَذِهِ الْقِرَاءَاتِ عِنْدَنَا بِالصَّوَابِ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ: ﴿فَيُضَاعِفُهُ لَهُ﴾ [البقرة: ٢٤٥] بِإِثْبَاتِ الْأَلِفِ، وَرَفْعِ يُضَاعِفُ؛ لِأَنَّ فِي قَوْلِهِ: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهُ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفُهُ﴾ [البقرة: ٢٤٥] مَعْنَى الْجَزَاءِ، وَالْجَزَاءُ إِذَا دَخَلَ فِي جَوَابِهِ الْفَاءُ لَمْ يَكُنْ جَوَابُهُ بِالْفَاءِ لَا رَفْعًا؛ فَلِذَلِكَ كَانَ الرَّفْعُ فِي «يُضَاعِفُهُ» أَوْلَى بِالصَّوَابِ عِنْدَنَا مِنَ النَّصْبِ. وَإِنَّمَا اخْتَرْنَا الْأَلِفَ فِي «يُضَاعِفُ» مِنْ حِذْفِهَا وَتَشْدِيدِ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَفْصَحُ اللُّغَتَيْنِ وَأَكْثَرُهُمَا عَلَى أَلْسِنَةِ الْعَرَبِ
٤ / ٤٣٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ﴾ [البقرة: ٢٤٥] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِذَلِكَ: أَنَّهُ الَّذِي بِيَدِهِ قَبْضُ أَرْزَاقِ الْعِبَادِ وَبَسْطِهَا دُونَ غَيْرِهِ مِمَّنِ ⦗٤٣٣⦘ ادَّعَى أَهْلُ الشِّرْكِ بِهِ أَنَّهُمْ آلِهَةٌ وَاتَّخَذُوهُ رَبًّا دُونَهُ يَعْبُدُونَهُ. وَذَلِكَ نَظِيرُ الْخَبَرِ الَّذِي رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ
٤ / ٤٣٢
الَّذِي: حَدَّثَنَا بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَا: ثنا حَجَّاجٌ، وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مُحَمَّدٍ الرَّقَاشِيُّ، قَالَ: ثنا حَجَّاجٌ، وَأَبُو رَبِيعَةَ، قَالَا: ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، وَحُمَيْدٍ، وَقَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: “غَلَا السِّعْرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. قَالَ: فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ غَلَا السِّعْرُ، فَأَسْعِرْ لَنَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنَّ اللَّهَ الْبَاسِطُ الْقَابِضُ الرَّزَّاقُ، وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَلْقَى اللَّهَ لَيْسَ أَحَدٌ يَطْلُبُنِي بِمَظْلَمَةٍ فِي نَفْسٍ وَمَالٍ» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي بِذَلِكَ ﷺ: أَنَّ الْغَلَاءَ، وَالرُّخْصُ، وَالسَّعَةُ، وَالضِّيقُ بِيَدِ اللَّهِ دُونَ غَيْرِهِ. فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ﴾ [البقرة: ٢٤٥] يَعْنِي بِقَوْلِهِ: ﴿يَقْبِضُ﴾ [البقرة: ٢٤٥] يَقْتُرُ بِقَبْضِهِ الرِّزْقَ عَمَّنْ يَشَاءُ مِنْ خَلْقِهِ، وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ: ﴿وَيَبْسُطُ﴾ [البقرة: ٢٤٥] يُوَسِّعُ بِبَسْطَةِ الرِّزْقِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْهُمْ. وَإِنَّمَا أَرَادَ تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقِيلِهِ ذَلِكَ حَثَّ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ قَدْ بَسَطَ عَلَيْهِمْ مِنْ فَضْلِهِ، فَوَسَّعَ عَلَيْهِمْ مِنْ رِزْقِهِ عَلَى تَقْوِيَةِ ذَوِي الْإِقْتَارِ مِنْهُمْ بِمَالِهِ، وَمَعُونَتِهِ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ، وَحُمُولَتِهِ عَلَى النُّهُوضِ لِقِتَالِ عَدُوِّهِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فِي سَبِيلِهِ، فَقَالَ تَعَالَى ذِكْرُهُ: مَنْ يُقَدِّمُ لِنَفْسِهِ ذُخْرًا عِنْدِي بِإِعْطَائِهِ ضُعَفَاءَ الْمُؤْمِنِينَ وَأَهْلَ الْحَاجَةِ مِنْهُمْ مَا يَسْتَعِينُ بِهِ عَلَى الْقِتَالِ فِي سَبِيلِي، فَأُضَاعِفُ لَهُ مِنْ ثَوَابِي أَضْعَافًا كَثِيرَةً مِمَّا أَعْطَاهُ وَقَّوَاهُ بِهِ، ⦗٤٣٤⦘ فَإِنِّي أَنَا الْمُوَسِّعُ الَّذِي قَبَضْتُ الرِّزْقَ عَمَّنْ نَدَبْتُكَ إِلَى مَعُونَتِهِ وَإِعْطَائِهِ، لِأَبْتَلِيَهُ بِالصَّبِرِ عَلَى مَا ابْتَلَيْتُهُ بِهِ، وَالَّذِي بَسَطْتُ عَلَيْكَ لِأَمْتَحِنَكَ بِعَمَلِكَ فِيمَا بَسَطْتُ عَلَيْكَ، فَأَنْظُرَ كَيْفَ طَاعَتُكَ إِيَّايَ فِيهِ، فَأُجَازِيَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْكُمَا عَلَى قَدْرِ طَاعَتِكُمَا لِي فِيمَا ابْتَلَيْتُكُمَا فِيهِ، وَامْتَحَنْتُكُمَا بِهِ مِنْ غِنًى وَفَاقَةٍ، وَسَعَةٍ وَضِيقٍ، عِنْدَ رُجُوعِكُمَا إِلَيَّ فِي آخِرَتِكُمَا وَمَصِيرِكُمَا إِلَيَّ فِي مَعَادِكُمَا وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ مَنْ بَلَغَنَا قَوْلُهُ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ
٤ / ٤٣٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهُ قَرْضًا حَسَنًا﴾ [البقرة: ٢٤٥] الْآيَةَ. قَالَ: عَلِمَ أَنَّ فِيمَنْ يُقَاتِلُ فِي سَبِيلِهِ مَنْ لَا يَجِدُ قُوَّةً، وَفِيمَنْ لَا يُقَاتِلُ فِي سَبِيلِهِ مَنْ يَجِدُ غِنًى، فَنَدَبَ هَؤُلَاءِ، فَقَالَ: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ﴾ [البقرة: ٢٤٥] قَالَ: يَبْسُطُ عَلَيْكَ وَأَنْتَ ثَقِيلٌ عَنِ الْخُرُوجِ لَا تُرِيدُهُ، وَقَبَضَ عَنْ هَذَا وَهُوَ يَطِيبُ نَفْسًا بِالْخُرُوجِ وَيَخِفُّ لَهُ، فَقَوِّهِ مِمَّا فِي يَدِكَ يَكُنْ لَكَ فِي ذَلِكَ حَظٌّ “
٤ / ٤٣٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [البقرة: ٢٤٥] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِذَلِكَ: وَإِلَى اللَّهِ مَعَادُكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ، فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي أَنْفُسِكُمْ أَنْ تُضَيِّعُوا فَرَائِضَهُ وَتَتَعَدُّوا حُدُودَهُ، وَأَنْ يَعْمَلَ مَنْ بُسِطَ عَلَيْهِ مِنْكُمْ مِنْ رِزْقِهِ بِغَيْرِ مَا أَذِنَ لَهُ بِالْعَمَلِ فِيهِ رَبُّهُ، وَأَنْ يَحْمِلَ الْمُقْتِرُ مِنْكُمْ. فَقَبَضَ عَنْ رِزْقِهِ إِقْتَارَهُ عَلَى ⦗٤٣٥⦘ مَعْصِيَتِهِ، وَالتَّقَدُّمُ عَلَى مَا نَهَاهُ فَيَسْتَوْجِبُ بِذَلِكَ مِنْهُ بِمَصِيرِهِ إِلَى خَالِقِهِ مَا لَا قِبَلَ لَهُ بِهِ مِنْ أَلِيمِ عِقَابِهِ. وَكَانَ قَتَادَةُ يَتَأَوَّلُ قَوْلَهُ: ﴿وَإِلَيْهِ تَرْجِعُونَ﴾ [البقرة: ٢٤٥] وَإِلَى التُّرَابِ تُرْجَعُونَ
٤ / ٤٣٤
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [البقرة: ٢٤٥] مِنَ التُّرَابِ خَلَقَهُمْ، وَإِلَى التُّرَابِ يَعُودُونَ»
٤ / ٤٣٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ﴾ [البقرة: ٢٤٦] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿أَلَمْ تَرَ﴾ [البقرة: ٢٤٣] أَلَمْ تَرَ يَا مُحَمَّدُ بِقَلْبِكَ، فَتَعْلَمَ بِخَبَرِي إِيَّاكَ يَا مُحَمَّدُ ﴿إِلَى الْمَلَإِ﴾ [البقرة: ٢٤٦] يَعْنِي إِلَى وُجُوهِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَشْرَافِهِمْ وَرُؤَسَائِهِمْ مِنْ بَعْدِ مُوسَى. يَقُولُ: مِنْ بَعْدِ مَا قُبِضَ مُوسَى فَمَاتَ، إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ: ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. فَذَكَرَ لِي أَنَّ النَّبِيَّ الَّذِي قَالَ لَهُمْ ذَلِكَ شَمْوِيلُ بْن بَالِي بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ يَرُحَامَ بْنِ أليهو بْنِ تهو بْنِ صُوفِ بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ مَاحِثَ بْنِ عموصا بْنِ عزريَا بْنِ صَفِيَّةَ بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ أَبِي يَاسِقِ بْنِ قَارُونَ بْنِ يَصْهُرِ بْنِ قَاهِثِ بْنِ لَاوِي بْنِ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ
٤ / ٤٣٥
حَدَّثَنَا بِذَلِكَ ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ ⦗٤٣٦⦘ وَحَدَّثَنِي أَيْضًا الْمُثَنَّى بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ مَعْقِلٍ، أَنَّهُ، سَمِعَ وَهْبَ بْنَ مُنَبِّهٍ، يَقُولُ: «هُوَ شمويل» وَلَمْ يَنْسُبْهُ كَمَا نَسَبَهُ إِسْحَاقُ
٤ / ٤٣٥
وَقَالَ السُّدِّيُّ: «بَلِ اسْمُهُ شمعون، وَقَالَ: إِنَّمَا سُمِّيَ شَمْعَونَ لِأَنَّ أُمَّهُ دَعَتِ اللَّهَ أَنْ يَرْزُقَهَا غُلَامًا، فَاسْتَجَابَ اللَّهُ لَهَا دُعَاءَهَا فَرَزَقَهَا، فَوَلَدَتْ غُلَامًا فَسَمِّتْهُ شَمْعَونَ؛ تَقُولُ: اللَّهُ تَعَالَى سَمِعَ دُعَائِيَ»
٤ / ٤٣٦
حَدَّثَنِي مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرٌو، قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، «فَكَأَنَّ شَمْعَونَ فَعْلُونَ عِنْدَ السُّدِّيِّ، مِنْ قَوْلِهَا: سَمِعَ اللَّهَ دُعَاءَهَا»
٤ / ٤٣٦
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ: «﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمْ﴾ [البقرة: ٢٤٦] قَالَ: شمعون» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلِ الَّذِي سَأَلَهُ قَوْمُهُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يَبْعَثَ لَهُمْ مَلِكًا يُقَاتِلُونَ ⦗٤٣٧⦘ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوشَعَ بْنَ نُونِ بْنِ إِفْرَاثِيمَ بْنِ يُوسُفَ بْنِ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ
٤ / ٤٣٦
حَدَّثَنِي بِذَلِكَ الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهِمْ﴾ [البقرة: ٢٤٧] قَالَ: كَانَ نَبِيِّهُمُ الَّذِي بَعْدَ مُوسَى يُوشَعَ بْنَ نُونٍ. قَالَ: وَهُوَ أَحَدُ الرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا»
٤ / ٤٣٧
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [البقرة: ٢٤٦] فَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي السَّبَبِ الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ سَأَلَ الْمَلَأُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ نَبِيَّهُمْ ذَلِكَ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَ سَبَبُ مَسْأَلَتِهِمْ إِيَّاهُ
٤ / ٤٣٧
مَا: حَدَّثَنَا بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: «خَلَفَ بَعْدَ مُوسَى فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ يُوشَعُ بْنُ نُونٍ، يُقِيمُ فِيهِمُ التَّوْرَاةَ وَأَمْرَ اللَّهِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ. ثُمَّ خَلَفَ فِيهِمْ كَالِبُ بْنُ يُوقَنَّا يُقِيمُ فِيهِمُ التَّوْرَاةَ وَأَمْرَ اللَّهِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ تَعَالَى. ثُمَّ خَلَفَ فِيهِمْ حِزْقِيلُ بْنُ بُوزِيٍّ وَهُوَ ابْنُ الْعَجُوزِ. ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ قَبَضَ حِزْقِيلَ، وَعَظُمَتْ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ الْأَحْدَاثُ، وَنَسَوْا مَا كَانَ مِنْ عَهْدِ اللَّهِ إِلَيْهِمْ، حَتَّى نَصَبُوا الْأَوْثَانَ وَعَبَدُوهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ. فَبَعَثَ اللَّهُ إِلَيْهِمْ إِلْيَاسَ بْنَ يَس بْنِ فِنْحَاصِ بْنِ الْعَيْزَارِ بْنِ هَارُونَ بْنِ عِمْرَانَ نَبِيًّا. وَإِنَّمَا كَانَتِ الْأَنْبِيَاءُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ بَعْدَ مُوسَى يَبْعَثُونَ إِلَيْهِمْ بِتَجْدِيدِ مَا نَسُوا مِنَ التَّوْرَاةِ. وَكَانَ إِلْيَاسُ مَعَ مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ بَنِي إِسْرَائِيلَ يُقَالُ لَهُ ⦗٤٣٨⦘ أَخَابُ، وَكَانَ يَسْمَعُ مِنْهُ وَيُصَدِّقُهُ، فَكَانَ إِلْيَاسُ يُقِيمُ لَهُ أَمْرَهُ. وَكَانَ سَائِرُ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدِ اتَّخَذُوا صَنَمًا يَعْبُدُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ، فَجَعَلَ إِلْيَاسُ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ، وَجَعَلُوا لَا يَسْمَعُونَ مِنْهُ شَيْئًا، إِلَّا مَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ الْمَلِكِ، وَالْمُلُوكُ مُتَفَرِّقَةٌ بِالشَّامِ، كُلُّ مَلِكٍ لَهُ نَاحِيَةٌ مِنْهَا يَأْكُلُهَا. فَقَالَ ذَلِكَ الْمَلِكُ الَّذِي كَانَ إِلْيَاسُ مَعَهُ يُقَوِّمُ لَهُ أَمْرَهُ وَيَرَاهُ عَلَى هُدًى مِنْ بَيْنِ أَصْحَابِهِ يَوْمًا: يَا إِلْيَاسُ وَاللَّهِ مَا أَرَى مَا تَدْعُو إِلَيْهِ النَّاسَ إِلَّا بَاطِلًا وَاللَّهِ مَا أَرَى فُلَانًا وَفُلَانًا يُعَدِّدُ مُلُوكًا مِنْ مُلُوكِ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ عَبَدُوا الْأَوْثَانَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِلَّا عَلَى مِثْلِ مَا نَحْنُ عَلَيْهِ، يَأْكُلُونَ، وَيَشْرَبُونَ، وَيَتَنَعَّمُونَ، مَالِكِينَ مَا يَنْقُصُ مِنْ دُنْيَاهُمْ، وَمَا نَرَى لَنَا عَلَيْهِمْ مِنْ فَضْلٍ وَيَزْعُمُونَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ إِلْيَاسَ اسْتَرْجَعَ، وَقَامَ شَعْرُ رَأْسِهِ وَجِلْدِهِ ثُمَّ رَفَضَهُ وَخَرَجَ عَنْهُ. فَفَعَلَ ذَلِكَ الْمَلِكُ فِعْلَ أَصْحَابِهِ، عَبَدَ الْأَوْثَانَ، وَصَنَعَ مَا يَصْنَعُونَ. ثُمَّ خَلَفَ مِنْ بَعْدِهِ فِيهِمُ الْيَسَعُ، فَكَانَ فِيهِمْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ، ثُمَّ قَبَضَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ. وَخَلَفَتْ فِيهِمُ الْخُلُوفُ، وَعَظُمَتْ فِيهِمُ الْخَطَايَا، وَعِنْدَهُمُ التَّابُوتُ يِتَوَارَثُونَهُ كَابِرًا عَنْ كَابِرٍ، فِيهِ السَّكِينَةُ، وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى، وَآلُ هَارُونَ، وَكَانُوا لَا يِلْقَاهُمْ عَدُوٌّ فَيُقَدِّمُونَ التَّابُوتَ وَيَزْحَفُونَ بِهِ مَعَهُمْ، إِلَّا هَزَمَ اللَّهُ ذَلِكَ الْعَدُوَّ. ثُمَّ خَلَفَ فِيهِمْ مَلِكٌ يُقَالُ لَهُ إِيلَاءُ، وَكَانَ اللَّهُ قَدْ بَارَكَ لَهُمْ فِي جَبَلِهِمْ مِنْ إِيلِيَا لَا يَدْخُلُهُ عَلَيْهِمْ عَدُوٌّ وَلَا يَحْتَاجُونَ مَعَهُ إِلَى غَيْرِهِ. وَكَانَ أَحَدُهُمْ فِيمَا يَذْكُرُونَ يَجْمَعُ التُّرَابَ عَلَى الصَّخْرَةَ، ثُمَّ يَنْبِذُ فِيهِ الْحَبَّ، فَيُخْرِجُ اللَّهُ لَهُ مَا يَأْكُلُ سَنَتَهُ هُوَ وَعِيَالُهُ، وَيَكُونُ لِأَحَدِهِمُ الزَّيْتُونَةُ فَيَعْتَصِرُ مِنْهَا مَا يَأْكُلُ هُوَ وَعِيَالُهُ سَنَتَهِ. فَلَمَّا عَظُمَتُ ⦗٤٣٩⦘ أَحْدَاثُهُمْ وَتَرَكُوا عَهْدَ اللَّهِ إِلَيْهِ، نَزَلَ بِهِمْ عَدُوٌّ، فَخَرَجُوا إِلَيْهِ، وَأَخْرَجُوا مَعَهُمُ التَّابُوتَ كَمَا كَانُوا يُخْرِجُونَهُ، ثُمَّ زَحَفُوا بِهِ، فَقُوتِلُوا حَتَّى اسْتُلِبَ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ. فَأَتَى مَلِكُهُمْ إِيلَاءُ، فَأَخْبَرَ أَنَّ التَّابُوتَ قَدْ أَخِذَ وَاسْتُلِبَ، فَمَالَتْ عُنُقُهُ، فَمَاتَ كَمَدًا عَلَيْهِ. فَمَرَجَ أَمْرُهُمْ عَلَيْهِمْ، وَوَطِئَهُمْ عَدُوُّهُمْ، حَتَّى أُصِيبَ مِنْ أَبْنَائِهِمْ وَنِسَائِهِمْ، وَفِيهِمْ نَبِيُّ لَهُمْ قَدْ كَانَ اللَّهُ بَعَثَهُ إِلَيْهِمْ فَكَانُوا لَا يَقْبَلُونَ مِنْهُ شَيْئًا يُقَالُ لَهُ شمويل، وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [البقرة: ٢٤٦] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا﴾ [البقرة: ٢٤٦] يَقُولُ اللَّهُ: ﴿فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ﴾ [البقرة: ٢٤٦] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [البقرة: ٢٤٨]» قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَكَانَ مِنْ حَدِيثِهِمْ فِيمَا حَدَّثَنِي بِهِ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ: أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَ بِهِمُ الْبَلَاءُ، وَوُطِئَتْ بِلَادُهُمْ، كَلَّمُوا نَبِيَّهُمْ شمويل بْنَ بَالِي، فَقَالُوا: ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَإِنَّمَا كَانَ قِوَامُ بَنِي إِسْرَائِيلَ الِاجْتِمَاعَ عَلَى الْمُلُوكِ، وَطَاعَةِ الْمُلُوكِ أَنْبِيَاءَهُمْ، وَكَانَ الْمَلِكُ هُوَ يَسِيرُ بِالْجُمُوعِ وَالنَّبِيُّ يُقَوِّمُ لَهُ أَمْرَهُ، وَيَأْتِيهِ بِالْخَبَرِ مِنْ رَبِّهِ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ صَلُحَ أَمْرُهُمْ، فَإِذَا عَتَتْ مُلُوكُهُمْ وَتَرَكُوا أَمْرَ أَنْبِيَائِهِمْ فَسَدَ أَمْرُهُمْ. فَكَانَتِ الْمُلُوكُ إِذَا تَابَعَتْهَا الْجَمَاعَةُ عَلَى الضَّلَالَةِ تَرَكُوا أَمْرَ الرُّسُلِ، فَفَرِيقًا يُكَذِّبُونَ فَلَا يَقْبَلُونَ مِنْهُ شَيْئًا، وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ. فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ الْبَلَاءُ بِهِمْ حَتَّى قَالُوا لَهُ: ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَالَ لَهُمْ: إِنَّهُ لَيْسَ عِنْدَكُمْ وَفَاءٌ وَلَا صِدْقٌ وَلَا رَغْبَةٌ فِي الْجِهَادِ. فَقَالُوا: إِنَّمَا كُنَّا نَهَابُ الْجِهَادَ وَنَزْهَدُ فِيهِ إِنَّا كُنَّا مَمْنُوعِينَ فِي بِلَادِنَا لَا يَطَؤُهَا أَحَدٌ فَلَا يَظْهَرُ عَلَيْنَا فِيهَا عَدُوٌّ، فَأَمَّا إِذْ بَلَغَ ⦗٤٤٠⦘ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنَ الْجِهَادِ، فَنُطِيعُ رَبَّنَا فِي جِهَادِ عَدُوِّنَا وَنَمْنَعُ أَبْنَاءَهَا، وَنِسَاءَنَا، وَذَرَارِيَّنَا “
٤ / ٤٣٧
حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارِ بْنِ الْحَسَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، فِي قَوْلِهِ: «﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ [البقرة: ٢٤٦] إِلَى: ﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ﴾ [البقرة: ٩٥] قَالَ الرَّبِيعُ: ذُكِرَ لَنَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ مُوسَى لَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ اسْتَخْلَفَ فَتَاهُ يُوشَعَ بْنَ نُونٍ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَإِنَّ يُوشَعَ بْنَ نُونٍ سَارَ فِيهِمْ بِكِتَابِ اللَّهِ التَّوْرَاةِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ مُوسَى. ثُمَّ إِنَّ يُوشَعَ بْنَ نُونٍ تُوُفِّيَ وَاسْتُخْلِفَ فِيهِمْ آخَرُ، فَسَارَ فِيهِمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ مُوسَى ﷺ. ثُمَّ اسْتَخْلَفَ آخَرَ، فَسَارَ فِيهِمْ بِسِيرَةِ صَاحِبَيْهِ. ثُمَّ اسْتَخْلَفَ آخَرَ فَعَرَفُوا وَأَنْكَرُوا، ثُمَّ اسْتَخْلَفَ آخِرَ فَأَنْكَرُوا عَامَّةَ أَمْرِهِ. ثُمَّ اسْتَخْلَفَ آخَرَ فَأَنْكَرُوا أَمْرَهُ كُلَّهُ. ثُمَّ إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَتَوْا نَبِيًّا مِنْ أَنْبِيَائِهِمْ حِينَ أُوذُوا فِي نُفُوسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ، فَقَالُوا لَهُ: سَلْ رَبَّكَ أَنْ يَكْتُبَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ فَقَالَ لَهُمْ ذَلِكَ النَّبِيُّ: ﴿هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَا تُقَاتِلُوا﴾ [البقرة: ٢٤٦] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: ٢٤٧]»
٤ / ٤٤٠
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ فِي قَوْلِهِ: «﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا﴾ [البقرة: ٢٤٦] قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هَذَا حِينَ رُفِعَتِ التَّوْرَاةُ وَاسْتُخْرِجَ أَهْلُ الْإِيمَانِ، وَكَانَتِ الْجَبَابِرَةُ قَدْ أَخْرَجَتْهُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ، وَأَبْنَائِهِمْ»
٤ / ٤٤٠
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: «﴿إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا﴾ [البقرة: ٢٤٦] قَالَ: هَذَا حِينَ رُفِعَتِ التَّوْرَاةُ وَاسْتُخْرِجَ أَهْلُ الْإِيمَانِ» وَقَالَ آخَرُونَ: كَانَ سَبَبُ مَسْأَلَتِهِمْ نَبِيَّهُمْ ذَلِكَ
٤ / ٤٤١
مَا: حَدَّثَنِي بِهِ مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرٌو، قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: «﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [البقرة: ٢٤٦] قَالَ: كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ يُقَاتِلُونَ الْعَمَالِقَةَ، وَكَانَ مَلِكُ الْعَمَالِقَةِ جَالُوتَ. وَإِنَّهُمْ ظَهَرُوا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَضَرَبُوا عَلَيْهِمُ الْجِزْيَةَ، وَأَخَذُوا تَوْرَاتِهِمْ وَكَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلُ يَسْأَلُونَ اللَّهُ أَنْ يَبْعَثَ لَهُمْ نَبِيًّا يُقَاتِلُونَ مَعَهُ وَكَانَ سِبْطُ النُّبُوَّةِ قَدْ هَلَكُوا، فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ إِلَّا امْرَأَةٌ حُبْلَى، فَأَخَذُوهَا فَحَبَسُوهَا فِي بَيْتٍ رَهْبَةَ أَنْ تَلِدَ جَارِيَةً فَتُبْدِلَهَا بِغُلَامٍ، لِمَا تَرَى مِنْ رَغْبَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي وَلَدِهَا. فَجَعَلَتِ الْمَرْأَةُ تَدْعُو اللَّهَ أَنْ يَرْزُقَهَا غُلَامًا، فَوَلَدَتْ غُلَامًا فَسَمِّتْهُ شمعون. فَكَبِرَ الْغُلَامُ فَأَرْسَلَتْهُ يَتَعَلَّمُ التَّوْرَاةَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَكَفَلَهُ شَيْخٌ مِنْ عُلَمَائِهِمْ وَتَبَنَّاهُ. فَلَمَّا بَلَغَ الْغُلَامُ أَنْ يَبْعَثَهُ اللَّهُ نَبِيًّا أَتَاهُ جِبْرِيلُ وَالْغُلَامُ نَائِمٌ إِلَى جَنْبِ الشَّيْخِ، وَكَانَ لَا يَأْتَمِنُ عَلَيْهِ أَحَدًا غَيْرَهُ، فَدَعَاهُ بِلَحْنِ الشَّيْخِ: يَا شَمَاوِلَ فَقَامَ الْغُلَامُ فَزِعًا إِلَى الشَّيْخِ، فَقَالَ: يَا أَبَتَاهُ دَعَوْتَنِي؟ فَكَرِهَ الشَّيْخُ أَنْ يَقُولَ: لَا فَيَفْزَعُ الْغُلَامُ، فَقَالَ: يَا بُنَيَّ ارْجِعْ فَنَمْ فَرَجَعَ فَنَامَ، ثُمَّ دَعَاهُ الثَّانِيَةَ، فَأَتَاهُ الْغُلَامُ أَيْضًا، فَقَالَ: دَعَوْتَنِي؟ فَقَالَ: ارْجِعْ فَنَمْ، فَإِنَّ دَعَوْتُكَ الثَّالِثَةَ فَلَا تُجِبْنِي فَلَمَّا كَانَتِ الثَّالِثَةُ ظَهَرَ لَهُ جِبْرِيلُ، فَقَالَ: اذْهَبْ إِلَى قَوْمِكَ فَبَلِّغْهُمْ ⦗٤٤٢⦘ رِسَالَةَ رَبِّكَ، فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَكَ فِيهِمْ نَبِيًّا فَلَمَّا أَتَاهُمْ كَذَّبُوهُ وَقَالُوا: اسْتَعْجَلْتَ بِالنُّبُوَّةِ وَلَمْ يَأْنِ لَكَ، وَقَالُوا: إِنْ كُنْتَ صَادِقًا فَابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ آيَةً مِنْ نُبُوَّتِكَ فَقَالَ لَهُمْ شمعون: عَسَى أَنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا» وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَغَيْرُ جَائِزٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [البقرة: ٢٤٦] إِذَا قُرِئَ بِالنُّونِ غَيْرِ الْجَزْمِ عَلَى مَعْنَى الْمُجَازَاةِ وَشَرْطِ الْأَمْرِ. فَإِنْ ظَنَّ ظَانٌّ أَنَّ الرَّفْعَ فِيهِ جَائِزٌ وَقَدْ قُرِئَ بِالنُّونِ بِمَعْنَى الَّذِي نُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ لَا تُضْمِرُ حَرْفَيْنِ. وَلَكِنْ لَوْ كَانَ قُرِئَ ذَلِكَ بِالْيَاءِ لَجَازَ رَفْعُهُ، لِأَنَّهُ يَكُونُ لَوْ قُرِئَ كَذَلِكَ صِلَةً لِلْمَلِكِ، فَيَصِيرُ تَأْوِيلُ الْكَلَامِ حِينَئِذٍ: ابْعَثْ لَنَا الَّذِي يُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ﴾ [البقرة: ١٢٩] لِأَنَّ قَوْلَهُ «يَتْلُو» مِنْ صِلَةِ «الرَّسُولِ»
٤ / ٤٤١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ﴾ [البقرة: ٢٤٦] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِذَلِكَ: قَالَ النَّبِيُّ الَّذِي سَأَلُوهُ أَنْ يَبْعَثَ لَهُمْ مَلِكًا يُقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴿هَلْ عَسَيْتُمْ﴾ [البقرة: ٢٤٦] هَلْ تَعِدُونَ إِنْ كُتِبَ، يَعْنِي إِنْ فُرِضَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا؟ يَعْنِي أَنْ لَا تَفُوا بِمَا تَعِدُونَ اللَّهَ مِنْ أَنْفُسِكُمْ مِنَ
٤ / ٤٤٢
الْجِهَادِ فِي سَبِيلِهِ؟ فَإِنَّكُمْ أَهْلُ نَكَثٍ وَغَدْرٍ، وَقِلَّةِ وَفَاءٍ بِمَا تَعِدُونَ ﴿قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [البقرة: ٢٤٦] يَعْنِي قَالَ الْمَلَأُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ لِنَبِيِّهِمْ ذَلِكَ: وَأَيُّ شَيْءٍ يَمْنَعُنَا أَنْ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَدُوَّنَا وَعَدُوَّ اللَّهِ ﴿وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا﴾ [البقرة: ٢٤٦] بِالْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ؟ فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِلٌ: وَمَا وَجْهُ دُخُولِ «أَنْ» فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [البقرة: ٢٤٦] وَحَذْفُهُ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿وَمَا لَكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ﴾ [الحديد: ٨] قِيلَ: هُمَا لُغَتَانِ فَصِيحَتَانِ لِلْعَرَبِ، تُحْذَفُ «أَنْ» مَرَّةً مَعَ قَوْلِنَا «مَا لَكَ»، فَتَقُولُ: مَا لَكَ لَا تَفْعَلُ كَذَا؟ بِمَعْنَى: مَا لَكَ غَيْرُ فَاعِلِهِ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الرجز] مَا لَكِ تَرْغِينَ وَلَا تَرْغُو الْخَلِفْ وَذَلِكَ هُوَ الْكَلَامُ الَّذِي لَا حَاجَةَ بِالْمُتَكَلِّمِ بِهِ إِلَى الِاسْتِشْهَادِ عَلَى صِحَّتِهِ لِفُشُوِّ ذَلِكَ عَلَى أَلْسُنِ الْعَرَبِ. وَتَثْبُتُ «أَنْ» فِيهِ أُخْرَى، تَوْجِيهًا لِقَوْلِهَا مَا لَكَ إِلَى مَعْنَاهُ، إِذْ كَانَ مَعْنَاهُ: مَا مَنَعَكَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ﴾ [الأعراف: ١٢] ثُمَّ قَالَ فِي سُورَةٍ أُخْرَى فِي نَظِيرِهِ: ﴿مَا لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ﴾ [الحجر: ٣٢] فَوَضَعَ «مَا مَنَعَكَ» مَوْضِعَ «مَا لَكَ»، وَ«مَا لَكَ» مَوْضِعَ «مَا مَنَعَكَ» لِاتِّفَاقِ
[البحر الرجز] مَا لَكِ تَرْغِينَ وَلَا تَرْغُو الْخَلِفْ وَذَلِكَ هُوَ الْكَلَامُ الَّذِي لَا حَاجَةَ بِالْمُتَكَلِّمِ بِهِ إِلَى الِاسْتِشْهَادِ عَلَى صِحَّتِهِ لِفُشُوِّ ذَلِكَ عَلَى أَلْسُنِ الْعَرَبِ. وَتَثْبُتُ «أَنْ» فِيهِ أُخْرَى، تَوْجِيهًا لِقَوْلِهَا مَا لَكَ إِلَى مَعْنَاهُ، إِذْ كَانَ مَعْنَاهُ: مَا مَنَعَكَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ﴾ [الأعراف: ١٢] ثُمَّ قَالَ فِي سُورَةٍ أُخْرَى فِي نَظِيرِهِ: ﴿مَا لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ﴾ [الحجر: ٣٢] فَوَضَعَ «مَا مَنَعَكَ» مَوْضِعَ «مَا لَكَ»، وَ«مَا لَكَ» مَوْضِعَ «مَا مَنَعَكَ» لِاتِّفَاقِ
٤ / ٤٤٣
مَعْنَيَيْهِمَا وَإِنِ اخْتَلَفَتْ أَلْفَاظُهُمَا، كَمَا تَفْعَلُ الْعَرَبُ ذَلِكَ فِي نَظَائِرِهِ مِمَّا تَتَّفِقُ مَعَانِيهِ وَتَخْتَلِفُ أَلْفَاظُهُ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الطويل] يَقُولُ إِذَا اقْلَوْلَى عَلَيْهَا وَأَقْرَدَتْ أَلَا هَلْ أَخُو عَيْشٍ لَذِيذٍ بِدَائِمِ فَأَدْخَلَ فِي «دَائِمٍ» الْبَاءَ «مَعَ» هَلْ «وَهِيَ اسْتِفْهَامٌ، وَإِنَّمَا تَدْخُلُ فِي خَبَرِ» مَا «الَّتِي فِي مَعْنَى الْجَحْدِ لِتَقَارُبِ مَعْنَى الِاسْتِفْهَامِ وَالْجَحْدِ. وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ يَقُولُ: أُدْخِلَتْ «أَنْ» فِي: ﴿أَلَّا تُقَاتِلُوا﴾ [البقرة: ٢٤٦] لِأَنَّهُ بِمَعْنَى قَوْلِ الْقَائِلِ: مَا لَكَ فِي أَلَّا تُقَاتِلَ؟ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا لَجَازَ أَنْ يُقَالَ: مَا لَكَ أَنْ قُمْتَ؟ وَمَا لَكَ أَنَّكَ قَائِمٌ؟ وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ إِنَّمَا يَكُونُ لِلْمُسْتَقْبَلِ مِنَ الْأَفْعَالِ، كَمَا يُقَالُ: مَنَعْتُكَ أَنْ تَقُومَ، وَلَا يُقَالُ: مَنَعْتُكَ أَنْ قُمْتَ؛ فَلِذَلِكَ قِيلَ فِي «مَا لَكَ»: مَا لَكَ أَلَّا تَقُومَ، وَلَمْ يَقُلْ: مَا لَكَ أَنْ قُمْتَ. وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ: «أَنْ» هَاهُنَا زَائِدَةٌ بَعْدَ «مَا» فَلَمَّا «وَلَمَّا» وَلَوْ» وَهِيَ تُزَادُ فِي هَذَا الْمَعْنَى كَثِيرًا قَالَ: وَمَعْنَاهُ: وَمَا لَنَا لَا نُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَأَعْمَلَ «أَنْ» وَهِيَ زَائِدَةٌ، وَقَالَ الْفَرَزْدَقُ:
[البحر البسيط]
[البحر الطويل] يَقُولُ إِذَا اقْلَوْلَى عَلَيْهَا وَأَقْرَدَتْ أَلَا هَلْ أَخُو عَيْشٍ لَذِيذٍ بِدَائِمِ فَأَدْخَلَ فِي «دَائِمٍ» الْبَاءَ «مَعَ» هَلْ «وَهِيَ اسْتِفْهَامٌ، وَإِنَّمَا تَدْخُلُ فِي خَبَرِ» مَا «الَّتِي فِي مَعْنَى الْجَحْدِ لِتَقَارُبِ مَعْنَى الِاسْتِفْهَامِ وَالْجَحْدِ. وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ يَقُولُ: أُدْخِلَتْ «أَنْ» فِي: ﴿أَلَّا تُقَاتِلُوا﴾ [البقرة: ٢٤٦] لِأَنَّهُ بِمَعْنَى قَوْلِ الْقَائِلِ: مَا لَكَ فِي أَلَّا تُقَاتِلَ؟ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا لَجَازَ أَنْ يُقَالَ: مَا لَكَ أَنْ قُمْتَ؟ وَمَا لَكَ أَنَّكَ قَائِمٌ؟ وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ إِنَّمَا يَكُونُ لِلْمُسْتَقْبَلِ مِنَ الْأَفْعَالِ، كَمَا يُقَالُ: مَنَعْتُكَ أَنْ تَقُومَ، وَلَا يُقَالُ: مَنَعْتُكَ أَنْ قُمْتَ؛ فَلِذَلِكَ قِيلَ فِي «مَا لَكَ»: مَا لَكَ أَلَّا تَقُومَ، وَلَمْ يَقُلْ: مَا لَكَ أَنْ قُمْتَ. وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ: «أَنْ» هَاهُنَا زَائِدَةٌ بَعْدَ «مَا» فَلَمَّا «وَلَمَّا» وَلَوْ» وَهِيَ تُزَادُ فِي هَذَا الْمَعْنَى كَثِيرًا قَالَ: وَمَعْنَاهُ: وَمَا لَنَا لَا نُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَأَعْمَلَ «أَنْ» وَهِيَ زَائِدَةٌ، وَقَالَ الْفَرَزْدَقُ:
[البحر البسيط]
٤ / ٤٤٤
لَوْ لَمْ تَكُنْ غَطَفَانُ لَا ذُنُوبَ لَهَا إِذَنْ لَلَامَ ذَوُو أَحْسَابِهَا عُمَرَا وَالْمَعْنَى: لَوْ لَمْ تَكُنْ غَطَفَانُ لَهَا ذُنُوبٌ. «وَلَا» زَائِدَةٌ فَأَعْمَلَهَا وَأَنْكَرَ مَا قَالَ هَذَا الْقَائِلُ مِنْ قَوْلِهِ الَّذِي حَكَيْنَا عَنْهُ آخَرُونَ، وَقَالُوا: غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ تَجْعَلَ «أَنْ» زَائِدَةٌ فِي الْكَلَامِ وَهُوَ صَحِيحٌ فِي الْمَعْنَى وَبِالْكَلَامِ إِلَيْهِ الْحَاجَةٌ، قَالُوا: وَالْمَعْنَى: مَا يَمْنَعُنَا أَلَّا نُقَاتِلَ؟ فَلَا وَجْهَ لِدَعْوَى مُدَّعٍ أَنُ «أَنْ» زَائِدَةٌ، وَلَهُ مَعْنًى مَفْهُومٌ صَحِيحٌ. قَالُوا: وَأَمَّا قَوْلُهُ: «لَوْ لَمْ تَكُنْ غَطَفَانُ لَا ذُنُوبَ لَهَا» فَإِنَّ «لَا» غَيْرُ زَائِدَةٍ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، لِأَنَّهُ جَحْدٌ، وَالْجَحْدُ إذَا جُحِدَ صَارَ إِثْبَاتًا. قَالُوا: فَقَوْلُهُ: «لَوْ لَمْ تَكُنْ غَطَفَانُ لَا ذُنُوبَ لَهَا» إِثْبَاتُ الذُّنُوبِ لَهَا، كَمَا يُقَالُ: مَا أَخُوكَ لَيْسَ يَقُومُ، بِمَعْنَى: هُوَ يَقُومُ. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿مَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ﴾ [البقرة: ٢٤٦] مَا لَنَا وَلَأَنْ لَا نُقَاتِلُ، ثُمَّ حَذَفَتِ الْوَاوُ فَتُرِكَتْ، كَمَا يُقَالُ فِي الْكَلَامِ: مَا لَكَ وَلَأَنْ تَذْهَبَ إِلَى فُلَانٍ؟ فَأُلْقِيَ مِنْهَا الْوَاوُ؛ لِأَنَّ «أَنْ» حَرْفٌ غَيْرُ مُتَمَكِّنٌ فِي الْأَسْمَاءِ، وَقَالُوا: نُجِيزُ أَنْ يُقَالَ: مَا لَكَ أَنْ تَقُومَ؟ وَلَا نُجِيزُ: مَا لَكَ الْقِيَامُ؟ لِأَنَّ الْقِيَامَ اسْمٌ صَحِيحٌ، وَ«أَنْ» اسْمٌ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَقَالُوا: قَدْ تَقُولُ الْعَرَبُ: إِيَّاكَ أَنْ تَتَكَلَّمَ، بِمَعْنَى إِيَّاكَ وَأَنْ تَتَكَلَّمَ.
٤ / ٤٤٥
وَأَنْكَرَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ آخَرُونَ، وَقَالُوا: لَوْ جَازَ أَنْ يُقَالَ ذَلِكَ عَلَى التَّأْوِيلِ الَّذِي تَأَوَّلَهُ قَائِلُ مَنْ حَكَيْنَا قَوْلَهُ، لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ جَائِزًا: «ضَرَبْتُكَ بِالْجَارِيَةِ وَأَنْتَ كَفِيلٌ» بِمَعْنَى: وَأَنْتَ كَفِيلٌ بِالْجَارِيَةِ، وَأَنْ تَقُولَ: «رَأَيْتُكَ أَبَانَا وَيَزِيدَ»، بِمَعْنَى: رَأَيْتُكَ وَأَبَانَا يَزِيدُ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ: إِيَّاكَ بِالْبَاطِلِ أَنْ تَنْطِقَ قَالُوا: فَلَوْ كَانَتِ الْوَاوُ مُضْمَرَةً فِي أَنْ لَجَازَ جَمِيعُ مَا ذَكَرْنَا؛ وَلَكِنَّ ذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ؛ لِأَنَّ مَا بَعْدَ الْوَاوِ مِنَ الْأَفَاعِيلِ غَيْرُ جَائِزٍ لَهُ أَنْ يَقَعَ عَلَى مَا قَبْلَهَا. وَاسْتَشْهَدُوا عَلَى فَسَادِ قَوْلِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْوَاوَ مُضْمَرَةً مَعَ «أَنْ» يَقُولُ الشَّاعِرُ:
[البحر المتقارب] فَبُحْ بِالسَّرَائِرِ فِي أَهْلِهَا … وَإِيَّاكَ فِي غَيْرِهِمْ أَنْ تَبُوحَا
وَأَنَّ «أَنْ تَبُوحَا» لَوْ كَانَ فِيهَا وَاوٌ مُضْمَرَةٌ لَمْ يَجُزْ تَقْدِيمُ غَيْرِهِمْ عَلَيْهَا
[البحر المتقارب] فَبُحْ بِالسَّرَائِرِ فِي أَهْلِهَا … وَإِيَّاكَ فِي غَيْرِهِمْ أَنْ تَبُوحَا
وَأَنَّ «أَنْ تَبُوحَا» لَوْ كَانَ فِيهَا وَاوٌ مُضْمَرَةٌ لَمْ يَجُزْ تَقْدِيمُ غَيْرِهِمْ عَلَيْهَا
٤ / ٤٤٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا﴾ [البقرة: ٢٤٦] فَإِنَّهُ يَعْنِي: وَقَدْ أُخْرِجَ مَنْ غُلِبَ عَلَيْهِ مِنْ رِجَالِنَا وَنِسَائِنَا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَوْلَادِهِمْ وَمَنْ سُبِيَ. وَهَذَا الْكَلَامُ ظَاهِرُهُ الْعُمُومُ، وَبَاطِنُهُ الْخُصُوصُ؛ لِأَنَّ الَّذِينَ قَالُوا لِنَبِيِّهِمْ: ﴿ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [البقرة: ٢٤٦] كَانُوا فِي دِيَارِهِمْ وَأَوْطَانِهِمْ، وَإِنَّمَا كَانَ أُخْرِجَ مِنْ دَارِهِ، وَوَلَدِهِ مَنْ أُسِرَ، وَقُهِرَ مِنْهُمْ
٤ / ٤٤٦
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ﴾ [البقرة: ٢٤٦] يَقُولُ: فَلَمَّا فُرِضَ عَلَيْهِمْ قِتَالُ عَدُوِّهِمْ وَالْجِهَادِ فِي سَبِيلِهِ، ﴿تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ﴾ [البقرة: ٢٤٦]
٤ / ٤٤٦
يَقُولُ: أَدْبَرُوا مُوَلِّينَ عَنِ الْقِتَالِ، وَضَيَّعُوا مَا سَأَلُوهُ نَبِيَّهُمْ مِنْ فَرْضِ الْجِهَادِ. وَالْقَلِيلُ الَّذِي اسْتَثْنَاهُمُ اللَّهُ مِنْهُمْ، هُمُ الَّذِينَ عَبَرُوا النَّهَرَ مَعَ طَالُوتَ وَسَنَذْكُرُ سَبَبَ تَوَلِّي مَنْ تَوَلَّى مِنْهُمْ وَعُبُورَ مَنْ عَبَرَ مِنْهُمُ النَّهَرَ بَعْدُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ إِذَا أَتَيْنَا عَلَيْهِ. يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ﴾ [البقرة: ٩٥] يَعْنِي: وَاللَّهُ ذُو عِلْمٍ بِمَنْ ظَلَمَ مِنْهُمْ نَفْسَهُ، فَأَخْلَفَ اللَّهُ مَا وَعْدَهُ مِنْ نَفْسِهِ وَخَالَفَ أَمْرَ رَبِّهِ فِيمَا سَأَلَهُ ابْتِدَاءً أَنْ يُوجِبَهُ عَلَيْهِ. وَهَذَا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ تَقْرِيعٌ لِلْيَهُودِ الَّذِينَ كَانُوا بَيْنَ ظَهْرَانَيْ مُهَاجَرِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي تَكْذِيبِهِمْ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا ﷺ وَمُخَالَفَتِهِمْ أَمْرَ رَبِّهِمْ. يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لَهُمْ: إِنَّكُمْ يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ عَصَيْتُمُ اللَّهَ وَخَالَفْتُمْ أَمْرَهُ فِيمَا سَأَلْتُمُوهُ أَنْ يَفْرِضَهُ عَلَيْكُمُ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ أَنْ يَبْتَدِئَكُمْ رَبُّكُمْ بِفَرْضِ مَا عَصَيْتُمُوهُ فِيهِ، فَأَنْتُمْ بِمَعْصِيَتِهِ فِيمَا ابْتَدَأَكُمْ بِهِ مِنْ إِلْزَامِ فَرْضِهِ أَحْرَى. وَفِي هَذَا الْكَلَامِ مَتْرُوكٌ قَدِ اسْتُغْنِي بِذِكْرِ مَا ذُكِرَ عَمَّا تُرِكَ مِنْهُ؛ وَذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ: قَالُوا: وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَسَأَلَ نَبِيُّهُمْ رَبَّهُمْ أَنْ يَبْعَثَ لَهُمْ مَلِكًا يُقَاتِلُونَ مَعَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. فَبَعَثَ لَهُمْ مَلِكًا، وَكَتَبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ ﴿فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ﴾ [البقرة: ٢٤٦]
٤ / ٤٤٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: ٢٤٧] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِذَلِكَ: وَقَالَ لِلْمَلَأِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ نَبِيُّهُمْ شمويل: إِنَّ اللَّهَ
٤ / ٤٤٧
قَدْ أَعْطَاكُمْ مَا سَأَلْتُمْ، وَبَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا. فَلَمَّا قَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ شمويل ذَلِكَ، قَالُوا: أَنَّى يَكُونُ لِطَالُوتَ الْمُلْكُ عَلَيْنَا، وَهُوَ مِنْ سِبْطِ بِنْيَامِينَ بْنِ يَعْقُوبَ، وَسِبْطُ بِنْيَامِينَ سِبْطٌ لَا مُلْكَ فِيهِمْ وَلَا نُبُوَّةَ، وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ، لِأَنَّا مِنْ سِبْطِ يَهُوذَا بْنِ يَعْقُوبَ ﴿وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ﴾ [البقرة: ٢٤٧] يَعْنِي: وَلَمْ يُؤْتَ طَالُوتُ كَثِيرًا مِنَ الْمَالِ، لِأَنَّهُ سَقَّاءٌ، وَقِيلَ كَانَ دَبَّاغًا. وَكَانَ سَبَبُ تَمْلِيكِ اللَّهِ طَالُوتَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ وَقَوْلِهِمْ مَا قَالُوا لِنَبِيِّهِمْ شمويل: ﴿أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ﴾ [البقرة: ٢٤٧]
٤ / ٤٤٨
مَا: حَدَّثَنَا بِهِ ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي بَعْضُ، أَهْلِ الْعِلْمِ عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: «لَمَّا قَالَ الْمَلَأُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ لِشَمْوِيلَ بْن بَالِي مَا قَالُوا لَهُ، سَأَلَ اللَّهُ نَبِيِّهِمْ شمويل أَنْ يَبْعَثَ لَهُمْ مَلِكًا، فَقَالَ اللَّهُ لَهُ: انْظُرِ الْقَرْنَ الَّذِي فِيهِ الدُّهْنُ فِي بَيْتِكَ، فَإِذَا دَخَلَ عَلَيْكَ رَجُلٌ فَنَشَّ الدُّهْنُ الَّذِي فِي الْقَرْنِ، فَهُوَ مَلِكُ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَادَّهِنْ رَأْسَهُ مِنْهُ، وَمَلِّكْهُ عَلَيْهِمْ وَأَخْبِرْهُ بِالَّذِي جَاءَهُ. فَأَقَامَ يَنْتَظِرُ مَتَى ذَلِكَ الرَّجُلُ دَاخِلًا عَلَيْهِ. وَكَانَ طَالُوتُ رَجُلًا دَبَّاغًا يَعْمَلُ الْأَدَمَ، وَكَانَ مِنْ سِبْطِ بِنْيَامِينَ بْنِ يَعْقُوبَ، وَكَانَ سَبْطُ بِنْيَامِينَ سِبْطًا لَمْ يَكُنْ فِيهِ نُبُوَّةٌ وَلَا مُلْكٌ. فَخَرَجَ طَالُوتُ فِي طَلَبِ دَابَّةٍ لَهُ أَضَلَّتْهُ وَمَعَهُ غُلَامٌ لَهُ، فَمَرَّا بِبَيْتِ النَّبِيِّ عليه السلام، فَقَالَ غُلَامُ طَالُوتَ لِطَالُوتَ: لَوْ دَخَلْتَ بِنَا عَلَى هَذَا النَّبِيِّ فَسَأَلْنَاهُ عَنْ أَمْرِ دَابَّتِنَا فَيُرْشِدُنَا وَيَدْعُو لَنَا فِيهَا بِخَيْرٍ؟ فَقَالَ طَالُوتُ: مَا بِمَا قُلْتَ مِنْ بَأْسٍ فَدَخَلَا عَلَيْهِ، فَبَيْنَمَا هُمَا عِنْدَهُ يَذْكُرَانِ لَهُ شَأْنَ دَابَّتِهِمَا، وَيَسْأَلَانِهِ أَنْ يَدْعُوَ لَهُمَا فِيهَا، إِذْ نَشَّ الدُّهْنُ الَّذِي فِي الْقَرْنِ، فَقَامَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ عليه السلام فَأَخَذَهُ، ثُمَّ قَالَ لِطَالُوتَ: قَرِّبْ رَأْسَكَ فَقَرَّبَهُ، فَدَهَنَهُ مِنْهُ ثُمَّ قَالَ: أَنْتَ مَلِكُ بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّذِي أَمَرَنِي اللَّهُ أَنْ أُمَلِّكَكَ عَلَيْهِمْ. وَكَانَ اسْمُ طَالُوتَ ⦗٤٤٩⦘ بِالسُّرْيَانِيَّةِ: شَاؤُلَ بْنَ قَيْسِ بْنِ أَبْيَالَ بْنِ صِرَارِ بْنِ يَحْرُبَ بْنِ أَفِيَّحَ بْنِ آيِسَ بْنِ بِنْيَامِينَ بْنِ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ فَجَلَسَ عِنْدَهُ وَقَالَ النَّاسُ: مُلِّكَ طَالُوتُ. فَأَتَتْ عُظَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ نَبِيَّهُمْ وَقَالُوا لَهُ: مَا شَأْنُ طَالُوتَ يُمَلَّكُ عَلَيْنَا وَلَيْسَ فِي بَيْتِ النُّبُوَّةِ وَلَا الْمَمْلَكَةِ؟ قَدْ عَرَفْتُ أَنَّ النُّبُوَّةَ وَالْمُلْكَ فِي آلِ لَاوَيِّ، وَآلِ يَهُوذَا فَقَالَ لَهُمْ: ﴿إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ﴾ [البقرة: ٢٤٧]»
٤ / ٤٤٨
حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنِ عَبْدِ الْكَرِيمِ، عَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ مَعْقِلٍ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: «قَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ لِشَمْوِيلَ: ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ: قَدْ كَفَاكُمُ اللَّهُ الْقِتَالَ قَالُوا: إِنَّا نَتَخَوَّفُ مَنْ حَوْلَنَا فَيَكُونُ لَنَا مَلِكٌ نَفْزَعُ إِلَيْهِ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى شمويل أَنِ ابْعَثْ لَهُمْ طَالُوتَ مَلِكًا، وَادَّهِنْهُ بِدُهْنِ الْقُدْسِ. وَضَلَّتْ حُمُرٌ لِأَبِي طَالُوتَ، فَأَرْسَلَهُ وَغُلَامًا لَهُ يَطْلُبَانِهَا، فجَاءُوا إِلَى شمويل يَسْأَلُونَهُ عَنْهَا، فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَكَ مَلِكًا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ قَالَ: أَنَا؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: وَمَا عَلِمْتَ أَنَّ سِبْطِيَ أَدْنَى أَسْبَاطِ بَنِي إِسْرَائِيلَ؟ قَالَ: بَلَى. قَالَ: أَفَمَا عَلِمْتَ أَنَّ قَبِيلَتِي أَدْنَى قَبَائِلِ سِبْطِي؟ قَالَ: بَلَى. قَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ بَيْتِيَ أَدْنَى بُيُوتِ قَبِيلَتِي؟ قَالَ: بَلَى. قَالَ: فَبِأَيَّةِ آيَةٍ؟ قَالَ: بِآيَةِ أَنَّكَ تَرْجِعُ وَقَدْ وَجَدَ أَبُوكَ حُمُرَهُ، وَإِذَا كُنْتَ بِمَكَانِ كَذَا وَكَذَا نَزَلَ عَلَيْكَ الْوَحْي. فَدَهَنَهُ بِدُهْنِ الْقُدُسِ، فَقَالَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: ﴿إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكِ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ ⦗٤٥٠⦘ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ﴾ [البقرة: ٢٤٧]»
٤ / ٤٤٩
حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: «لَمَّا كَذَّبَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ شمعون، وَقَالُوا لَهُ: إِنْ كُنْتَ صَادِقًا فَابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ آيَةً مِنْ نُبُوَّتِكِ قَالَ لَهُمْ شمعون: عَسَى أَنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا. ﴿قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [البقرة: ٢٤٦] الْآيَةَ. دَعَا اللَّهُ فَأُتِيَ بِعَصًا تَكُونُ مِقْدَارًا عَلَى طُولِ الرَّجُلِ الَّذِي يُبْعَثُ فِيهِمْ مَلِكًا، فَقَالَ: إِنَّ صَاحِبَكُمْ يَكُونُ طُولُهُ طُولَ هَذِهِ الْعَصَا. فَقَاسُوا أَنْفُسَهُمْ بِهَا، فَلَمْ يَكُونُوا مِثْلَهَا. وَكَانَ طَالُوتُ رَجُلًا سِقَّاءً يَسْقِي عَلَى حِمَارٍ لَهُ، فَضَلَّ حِمَارُهُ، فَانْطَلَقَ يَطْلُبُهُ فِي الطَّرِيقِ، فَلَمَّا رَأَوْهُ دَعُوهُ فَقَاسُوهُ بِهَا، فَكَانَ مِثْلَهَا، فَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ: ﴿إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلَكًا﴾ [البقرة: ٢٤٧] قَالَ الْقَوْمُ: مَا كُنْتَ قَطُّ أَكْذَبَ مِنْكَ السَّاعَةَ، وَنَحْنُ مِنْ سِبْطِ الْمُمَلَّكَةِ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ سِبْطِ الْمُمَلَّكَةِ، وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ فَنَتَّبِعُهُ لِذَلِكَ فَقَالَ النَّبِيُّ: ﴿إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ﴾ [البقرة: ٢٤٧]»
٤ / ٤٥٠
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْأَهْوَازِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: «كَانَ طَالُوتُ سِقَّاءً يَبِيعُ الْمَاءَ»
٤ / ٤٥٠
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: «⦗٤٥١⦘ بَعَثَ اللَّهُ طَالُوتَ مَلِكًا، وَكَانَ مِنْ سِبْطِ بِنْيَامِينَ سِبْطٌ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ مَمْلَكَةٌ، وَلَا نُبُوَّةٌ. وَكَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ سِبْطَانِ: سِبْطُ نُبُوَّةٍ، وَسِبْطُ مَمْلَكَةَ، وَكَانَ سِبْطُ النُّبُوَّةِ سِبْطَ لَاوِيِّ إِلَيْهِ مُوسَى، وَسِبْطُ الْمُمَلَّكَةِ يَهُوذَا إِلَيْهِ دَاوُدُ، وَسُلَيْمَانُ. فَلَمَّا بُعِثَ مِنْ غَيْرِ سِبْطِ النُّبُوَّةِ، وَالْمُمَلَّكَةِ أَنْكَرُوا ذَلِكَ وَعَجِبُوا مِنْهُ وَقَالُوا: ﴿أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ﴾ [البقرة: ٢٤٧] قَالُوا: وَكَيْفَ يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا، وَلَيْسَ مِنْ سِبْطِ النُّبُوَّةِ، وَلَا مِنْ سَبْطِ الْمُمَلَّكَةِ فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ﴾ [البقرة: ٢٤٧]»
٤ / ٤٥٠
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: «﴿ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا﴾ [البقرة: ٢٤٦] قَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ: ﴿إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا﴾ [البقرة: ٢٤٧] قَالَ: وَكَانَ مِنْ سِبْطٍ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ مُلْكٌ وَلَا نُبُوَّةٌ، فَقَالَ: ﴿إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ﴾ [البقرة: ٢٤٧]»
٤ / ٤٥١
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو زُهَيْرٍ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا﴾ [البقرة: ٢٤٧] وَكَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ سِبْطَانِ: سِبْطُ نُبُوَّةٍ، وَسِبْطُ خِلَافَةٍ. فَلِذَلِكَ ﴿قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا﴾ [البقرة: ٢٤٧] يَقُولُونَ: وَمَنْ أَيْنَ يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا، وَلَيْسَ مِنْ سِبْطِ النُّبُوَّةِ، وَلَا سَبْطِ الْخِلَافَةِ ﴿قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ﴾ [البقرة: ٢٤٧]» حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ ⦗٤٥٢⦘ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ بْنَ مُزَاحِمٍ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا﴾ [البقرة: ٢٤٧] فَذَكَرَ نَحْوَهُ
٤ / ٤٥١
حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارِ بْنِ الْحَسَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، قَالَ: «لَمَّا قَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ لِنَبِيِّهِمْ: سَلْ رَبَّكَ أَنْ يَكْتُبَ، عَلَيْنَا الْقِتَالَ فَقَالَ لَهُمْ ذَلِكَ النَّبِيُّ: ﴿هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ﴾ [البقرة: ٢٤٦] الْآيَةَ. قَالَ: فَبَعَثَ اللَّهُ طَالُوتَ مَلِكًا. قَالَ: وَكَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ سِبْطَانِ: سَبْطُ نُبُوَّةٍ، وَسِبْطُ مَمْلَكَةٍ، وَلَمْ يَكُنْ طَالُوتُ مِنْ سِبْطِ النُّبُوَّةِ وَلَا مِنْ سِبْطِ الْمَمْلَكَةِ. فَلَمَّا بُعِثَ لَهُمْ مَلِكًا أَنْكَرُوا ذَلِكَ، وَعَجِبُوا وَقَالُوا: ﴿أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ﴾ [البقرة: ٢٤٧] قَالُوا: وَكَيْفَ يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَلَيْسَ مِنْ سِبْطِ النُّبُوَّةِ، وَلَا مِنْ سِبْطِ الْمَمْلَكَةِ فَقَالَ: ﴿إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ﴾ [البقرة: ٢٤٧] الْآيَةَ»
٤ / ٤٥٢
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «أَمَا ذِكْرُ طَالُوتَ إِذْ قَالُوا: ﴿أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ﴾ [البقرة: ٢٤٧] فَإِنَّهُمْ لَمْ يَقُولُوا ذَلِكَ إِلَّا أَنَّهُ كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ سِبْطَانِ، كَانَ فِي أَحَدِهِمَا النُّبُوَّةُ، وَكَانَ فِي الْآخَرِ الْمُلْكُ، فَلَا يُبْعَثُ إِلَّا مَنْ كَانَ مِنْ سِبْطِ النُّبُوَّةِ، وَلَا يُمَلَّكُ عَلَى الْأَرْضِ أَحَدٌ إِلَّا مَنْ كَانَ مِنْ سِبْطِ الْمُلْكِ. وَأَنَّهُ ابْتَعَثَ طَالُوتَ حِينَ ابْتَعَثَهُ وَلَيْسَ مِنْ أَحَدِ السِّبْطَيْنِ وَاخْتَارَهُ عَلَيْهِمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ؛ وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ قَالُوا: ﴿أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ﴾ [البقرة: ٢٤٧] وَلَيْسَ مِنْ وَاحِدٍ مِنَ السِّبْطَيْنِ، قَالَ ⦗٤٥٣⦘: ﴿إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ﴾ [البقرة: ٢٤٧] إِلَى: ﴿وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: ٢٤٧]»
٤ / ٤٥٢
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: “﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى﴾ [البقرة: ٢٤٦] الْآيَةَ. هَذَا حِينَ رُفِعَتِ التَّوْرَاةُ وَاسْتُخْرِجَ أَهْلُ الْإِيمَانِ، وَكَانَتِ الْجَبَابِرَةُ قَدْ أَخْرَجَتْهُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ، وَأَبْنَائِهِمْ؛ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ وَذَلِكَ حِينَ أَتَاهُمُ التَّابُوتُ قَالَ: وَكَانَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ سِبْطَانِ: سِبْطُ نُبُوَّةٍ، وَسِبْطُ خِلَافَةٍ، فَلَا تَكُونُ الْخِلَافَةُ إِلَّا فِي سِبْطِ الْخِلَافَةِ، وَلَا تَكُونُ النُّبُوَّةُ إِلَّا فِي سِبْطِ النُّبُوَّةِ، فَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ: ﴿إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ﴾ [البقرة: ٢٤٧] وَلَيْسَ مِنْ أَحَدِ السِّبْطِينِ، لَا مِنْ سِبْطِ النُّبُوَّةِ، وَلَا سِبْطِ الْخِلَافَةِ. ﴿قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ﴾ [البقرة: ٢٤٧] الْآيَةَ وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ مَعْنَى الْمُلْكِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: الْإِمْرَةُ عَلَى الْجَيْشِ.
٤ / ٤٥٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ مُجَاهِدٌ، قَوْلِهِ: «﴿إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا﴾ [البقرة: ٢٤٧] قَالَ: كَانَ أَمِيرَ الْجَيْشِ» حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ بِمِثْلِهِ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: كَانَ أَمِيرًا عَلَى الْجَيْشِ ⦗٤٥٤⦘ وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى «أَنَّى»، وَمَعْنَى الْمُلْكِ فِيمَا مَضَى، فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ
٤ / ٤٥٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ﴾ [البقرة: ٢٤٧] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ﴾ [البقرة: ٢٤٧] قَالَ نَبِيُّهُمْ شمويل لَهُمْ: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ يَعْنِي اخْتَارَهُ عَلَيْكُمْ
٤ / ٤٥٤
كَمَا: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ، حَدَّثَنِي عَمِّي، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «﴿اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ﴾ [البقرة: ٢٤٧] اخْتَارَهُ»
٤ / ٤٥٤
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو زُهَيْرٍ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ: «﴿إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ﴾ [البقرة: ٢٤٧] قَالَ: اخْتَارَهُ عَلَيْكُمْ»
٤ / ٤٥٤
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: «﴿إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ﴾ [البقرة: ٢٤٧] اخْتَارَهُ»
٤ / ٤٥٤
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ﴾ [البقرة: ٢٤٧] فَإِنَّهُ يَعْنِي بِذَلِكَ: إِنَّ اللَّهَ بَسَطَ لَهُ فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ، وَآتَاهُ مِنَ الْعِلْمِ فَضْلًا عَلَى مَا أَتَى غَيْرَهُ مِنَ الَّذِينَ خُوطِبُوا بِهَذَا الْخِطَابِ. وَذَلِكَ أَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّهُ أَتَاهُ وَحْي مِنَ اللَّهِ وَأَمَّا فِي الْجِسْمِ، فَإِنَّهُ ⦗٤٥٥⦘ أُوتِيَ مِنَ الزِّيَادَةِ فِي طُولِهِ عَلَيْهِ لَمْ يُؤْتَهُ غَيْرُهُ مِنْهُمْ
٤ / ٤٥٤
كَمَا: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ مَعْقِلٍ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: «لَمَّا قَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ: ﴿أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ﴾ [البقرة: ٢٤٧] قَالَ: وَاجْتَمَعَ بَنُو إِسْرَائِيلَ، فَكَانَ طَالُوتُ فَوْقَهُمْ مِنْ مَنْكِبَيْهِ فَصَاعِدًا»
٤ / ٤٥٥
وَقَالَ السُّدِّيُّ: «أَتَى النَّبِيُّ ﷺ بِعَصًا تَكُونُ مِقْدَارًا عَلَى طُولِ الرَّجُلِ الَّذِي يُبْعَثُ فِيهِمْ مَلِكًا فَقَالَ: إِنَّ صَاحِبَكُمْ يَكُونُ طُولُهُ طُولَ هَذِهِ الْعَصَا. فَقَاسُوا أَنْفُسَهُمْ بِهَا فَلَمْ يَكُونُوا مِثْلَهَا، فَقَاسُوا طَالُوتَ بِهَا فَكَانَ مِثْلَهَا» حَدَّثَنِي بِذَلِكَ مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرٌو، قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ مَعَ اصْطِفَائِهِ إِيَّاهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ؛ يَعْنِي بِذَلِكَ: بَسَطَ لَهُ مَعَ ذَلِكَ فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ
٤ / ٤٥٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: «﴿إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ﴾ [البقرة: ٢٤٧] بَعْدَ هَذَا»
٤ / ٤٥٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: ٢٤٧] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِذَلِكَ: أَنَّ الْمُلْكَ لِلَّهِ وَبِيَدِهِ دُونَ غَيْرِهِ يُؤْتِيهِ. يَقُولُ: يُؤْتِي ذَلِكَ مَنْ يَشَاءُ فَيَضَعُهُ عِنْدَهُ، وَيَخُصُّهُ بِهِ، وَيَمْنَحُهُ مَنْ أَحَبَّ مِنْ خَلْقِهِ. يَقُولُ: فَلَا تَسْتَنْكِرُوا يَا مَعْشَرَ الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ طَالُوتَ مَلِكًا عَلَيْكُمْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ الْمَمْلَكَةِ، فَإِنَّ الْمُلْكَ لَيْسَ بِمِيرَاثٍ عَنِ الْآبَاءِ وَالْأَسْلَافِ، وَلَكِنَّهُ بِيَدِ اللَّهِ يُعْطِيهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ خَلْقِهِ، فَلَا تَتَخَيَّرُوا عَلَى اللَّهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ
٤ / ٤٥٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي بَعْضُ، أَهْلِ الْعِلْمِ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ: «﴿وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ﴾ [البقرة: ٢٤٧] الْمُلْكُ بِيَدِ اللَّهِ يَضَعُهُ حَيْثُ شَاءَ، لَيْسَ لَكُمْ أَنْ تَخْتَارُوا فِيهِ»
٤ / ٤٥٦
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ مُجَاهِدٌ: «مُلْكُهُ: سُلْطَانُهُ»
٤ / ٤٥٦
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ﴾ [البقرة: ٢٤٧] سُلْطَانَهُ»
٤ / ٤٥٦
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: ٢٤٧] فَإِنَّهُ يَعْنِي بِذَلِكَ وَاللَّهُ وَاسِعٌ بِفَضْلِهِ، ⦗٤٥٧⦘ فَيُنْعِمُ بِهِ عَلَى مَنْ أَحَبَّ، وَيُرِيدُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ ﴿عَلِيمٌ﴾ [البقرة: ٢٩] بِمَنْ هُوَ أَهْلٌ لِمُلْكِهِ الَّذِي يُؤْتِيهِ، وَفَضْلِهِ الَّذِي يُعْطِيهِ، فَيُعْطِيهِ ذَلِكَ لِعِلْمِهِ بِهِ، وَبِأَنَّهُ لِمَا أَعْطَاهُ أَهْلٌ إِمَّا لِلْإِصْلَاحِ بِهِ وَإِمَّا لِأَنْ يَنْتَفِعَ هُوَ بِهِ
٤ / ٤٥٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [البقرة: ٢٤٨] وَهَذَا الْخَبَرُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ عَنْ نَبِيِّهِ الَّذِي أَخْبَرَ عَنْهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَلَأَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ هَذَا الْقَوْلُ لَمْ يُقِرُّوا بِبَعْثَةِ اللَّهِ طَالُوتَ عَلَيْهِمْ مَلِكًا، إِذْ أَخْبَرَهُمْ نَبِيُّهُمْ بِذَلِكَ وَعَرَّفَهُمْ فَضِيلَتَهُ الَّتِي فَضَّلَهُ اللَّهُ بِهَا؛ وَلَكِنَّهُمْ سَأَلُوهُ الدَّلَالَةَ عَلَى صِدْقِ مَا قَالَ لَهُمْ مِنْ ذَلِكَ وَأَخْبَرَهُمْ بِهِ. فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ إِذْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا وَصَفْنَا: ﴿وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: ٢٤٧] فَقَالُوا لَهُ: ائْتِ بِآيَةٍ عَلَى ذَلِكَ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ قَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ: ﴿إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ﴾ [البقرة: ٢٤٨] هَذِهِ الْقِصَّةُ وَإِنْ كَانَتْ خَبَرًا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ عَنِ الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَنَبِيِّهِمْ وَمَا كَانَ مِنَ ابْتِدَائِهِمْ نَبِيَّهُمْ بِمَا ابْتَدَءُوا بِهِ مِنْ مَسْأَلَتِهِ أَنْ يَسْأَلَ اللَّهَ لَهُمْ أَنْ يَبْعَثَ لَهُمْ مَلِكًا يُقَاتِلُونَ مَعَهُ فِي سَبِيلِهِ، بِنَاءً عَمَّا كَانَ مِنْهُمْ مِنْ تَكْذِيبِهِمْ نَبِيَّهُمْ بَعْدَ عِلْمِهِمْ بِنُبُوَّتِهِ ثُمَّ إِخْلَافِهِمُ الْمَوْعِدَ الَّذِي وَعَدُوا اللَّهَ وَوَعَدُوا رَسُولَهُ مِنَ
٤ / ٤٥٧
الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِالتَّخَلُّفِ عَنْهُ حِينَ اسْتُنْهِضُوا لِحَرْبِ مَنِ اسْتُنْهِضُوا لِحَرْبِهِ، وَفَتَحَ اللَّهُ عَلَى الْقَلِيلِ مِنَ الْفِئَةِ مَعَ تَخْذِيلِ الْكَثِيرِ مِنْهُمْ عَنْ مُلْكِهِمْ وَقُعُودِهِمْ عَنِ الْجِهَادِ مَعَهُ؛ فَإِنَّهُ تَأْدِيبٌ لِمَنْ كَانَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ مُهَاجِرِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِنْ ذَرَارِيِّهِمْ، وَأَبْنَائِهِمْ يَهُودُ قُرَيْظَةَ، وَالنَّضِيرُ، وَأَنَّهُمْ لَنْ يَعُدُوا فِي تَكْذِيبِهِمْ مُحَمَّدًا ﷺ فِيمَا أَمَرَهُمْ بِهِ وَنَهَاهُمْ عَنْهُ، مَعَ عِلْمِهِمْ بِصِدْقِهِ، وَمَعْرِفَتِهِمْ بِحَقِيقَةِ نُبُوَّتِهِ، بَعْدَ مَا كَانُوا يَسْتَنْصِرُونَ اللَّهَ بِهِ عَلَى أَعْدَائِهِمْ قَبْلَ رِسَالَتِهِ، وَقَبْلَ بِعْثَةِ اللَّهِ إِيَّاهُ إِلَيْهِمْ وَإِلَى غَيْرِهِمْ أَنْ يَكُونُوا كَأَسْلَافِهِمْ، وَأَوَائِلِهِمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا نَبِيَّهُمْ شمويل بْن بَالِي، مَعَ عِلْمِهِمْ بِصِدْقِهِ وَمَعْرِفَتِهِمْ بِحَقِيقَةِ نُبُوَّتِهِ، وَامْتِنَاعِهِمْ مِنَ الْجِهَادِ مَعَ طَالُوتَ لَمَّا ابْتَعَثَهُ اللَّهُ مَلِكًا عَلَيْهِمْ بَعْدَ مَسْأَلَتِهِمْ نَبِيَّهُمُ ابْتِعَاثَ مَلَكٍ يُقَاتِلُونَ مَعَهُ عَدُوَّهُمْ، وَيُجَاهِدُونَ مَعَهُ فِي سَبِيلِ رَبِّهِمُ ابْتِدَاءً مِنْهُمْ بِذَلِكَ نَبِيَّهُمْ، وَبَعْدَ مُرَاجَعَةِ نَبِيِّهِمْ شمويل إِيَّاهُمْ فِي ذَلِكَ؛ وَحَضٌّ لِأَهْلِ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ ﷺ عَلَى الْجِهَادِ فِي سَبِيلِهِ، وَتَحْذِيرٌ مِنْهُ لَهُمْ أَنْ يَكُونُوا فِي التَّخَلُّفِ عَنْ نَبِيِّهِمْ مُحَمَّدٍ ﷺ عِنْدَ لِقَائِهِ الْعَدُوَّ، وَمُنَاهَضَتِهِ أَهْلَ الْكُفْرِ بِاللَّهِ وَبِهِ عَلَى مِثْلِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ الْمَلَأُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي تَخَلُّفِهِمْ عَنْ مَلِكِهِمْ طَالُوتَ، إِذْ زَحَفَ لِحَرْبِ عَدُوِّ اللَّهِ جَالُوتَ، وَإِيثَارِهِمُ الدَّعَةَ، وَالْخَفْضَ عَلَى مُبَاشَرَةِ حَرِّ الْجِهَادِ، وَالْقِتَالِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَشَحْذٌ مِنْهُ لَهُمْ عَلَى الْإِقْدَامِ عَلَى مُنَاجَزَةِ أَهْلِ الْكُفْرِ بِهِ الْحَرْبَ، وَتَرْكِ تَهَيُّبِ قِتَالِهِمْ إِنْ قَلَّ عَدَدُهُمْ وَكَثُرَ عَدَدُ أَعْدَائِهِمْ وَاشْتَدَّتْ شَوْكَتُهُمْ، بِقَوْلِهِ: ﴿قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ [البقرة: ٢٤٩] وَإِعْلَامٌ مِنْهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ بِهِ أَنَّ بِيَدِهِ النَّصْرَ وَالظَّفَرَ، وَالْخَيْرَ وَالشَّرَّ.
٤ / ٤٥٨
وَأَمَّا تَأْوِيلُ قَوْلِهِ: ﴿قَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ﴾ [البقرة: ٢٤٧] فَإِنَّهُ يَعْنِي لِلْمَلَأِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ قَالُوا لِنَبِيِّهِمْ: ﴿ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [البقرة: ٢٤٦] وَقَوْلِهِ: ﴿إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ﴾ [البقرة: ٢٤٨] إِنَّ عَلَامَةَ مُلْكِ طَالُوتَ الَّتِي سَأَلْتُمُونِيهَا دَلَالَةٌ عَلَى صِدْقِي فِي قَوْلِي: إِنَّ اللَّهَ بَعَثَهُ عَلَيْكُمْ مَلِكًا، وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ سِبْطِ الْمُمَلَّكَةِ ﴿أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [البقرة: ٢٤٨] وَهُوَ التَّابُوتُ الَّذِي كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ إِذَا لَقُوا عَدُوًّا لَهُمْ قَدَّمُوهُ أَمَامَهُمْ وَزَحَفُوا مَعَهُ، فَلَا يَقُومُ لَهُمْ مَعَهُ عَدُوٌّ وَلَا يَظْهَرُ عَلَيْهِمْ أَحَدٌ نَاوَأَهُمْ، حَتَّى مَنَعُوا أَمْرَ اللَّهِ وَكَثُرَ اخْتِلَافُهُمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، فَسَلَبَهُمُ اللَّهُ إِيَّاهُ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ يَرُدُّهُ إِلَيْهِمْ فِي كُلِّ ذَلِكَ، حَتَّى سَلَبَهُمْ آخِرَ مَرَّةٍ فَلَمْ يَرُدَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَنْ يُرَدَّ إِلَيْهِمْ آخِرَ الْأَبَدِ. ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي سَبَبِ مَجِيءِ التَّابُوتِ الَّذِي جَعَلَ اللَّهُ مَجِيئَهُ إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ آيَةً لِصِدْقِ نَبِيِّهِمْ شمويل عَلَى قَوْلِهِ: ﴿إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا﴾ [البقرة: ٢٤٧] وَهَلْ كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ سَلَبُوهُ قَبْلَ ذَلِكَ فَرَدَّهُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ حِينَ جَعَلَ مَجِيئَهُ آيَةً لِمُلْكِ طَالُوتَ، أَوْ لَمْ يَكُونُوا سَلَبُوهُ قَبْلَ ذَلِكَ وَلَكِنَّ اللَّهَ ابْتَدَأَهُمْ بِهِ ابْتِدَاءً؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ مِنْ عَهْدِ مُوسَى، وَهَارُونَ يَتَوَارَثُونَهُ حَتَّى سَلَبَهُمْ إِيَّاهُ مُلُوكٌ مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ بِهِ، ثُمَّ رَدَّهُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ آيَةً لِمُلْكِ طَالُوتَ وَقَالَ فِي سَبَبِ رَدِّهِ عَلَيْهِمْ مَا أَنَا ذَاكِرُهُ
٤ / ٤٥٩
وَهُوَ مَا: حَدَّثَنِي بِهِ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ، قَالَ: ثني عَبْدُ الصَّمَدِ بْنِ مَعْقِلٍ، أَنَّهُ سَمِعَ وَهْبَ بْنَ مُنَبِّهٍ، قَالَ: «كَانَ لعيلي الَّذِي رَبَّى شمويل ابْنَانِ شَابَّانِ أَحْدَثَا فِي الْقُرْبَانِ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ فِيهِ، كَانَ شَرْطُ الْقُرْبَانِ ⦗٤٦٠⦘ الَّذِي كَانُوا يَشْرُطُونَهُ بِهِ كُلَّابَيْنِ فَمَا أَخْرَجَا كَانَ لِلْكَاهِنِ الَّذِي يَسْتَوْطِنُهُ، فَجَعَلَ ابْنَاهُ كَلَالِيبَ، وَكَانَا إِذَا جَاءَ النِّسَاءُ يُصَلِّينَ فِي الْقُدْسِ يَتَشَبَّثَانِ بِهِنَّ. فَبَيْنَا شمويل نَائِمٌ قِبَلَ الْبَيْتِ الَّذِي كَانَ يَنَامُ فِيهِ عيلي، إِذْ سَمِعَ صَوْتًا يَقُولُ: أشمويل فَوَثَبَ إِلَى عيلي، فَقَالَ: لَبَّيْكَ مَا لَكَ دَعَوْتَنِي؟ فَقَالَ: لَا، ارْجِعْ فَنَمْ فَرَجَعَ فَنَامَ، ثُمَّ سَمِعَ صَوْتًا آخَرَ يَقُولُ: أشمويل فَوَثَبَ إِلَى عيلي أَيْضًا، فَقَالَ: لَبَّيْكَ مَا لَكَ دَعَوْتَنِي؟ فَقَالَ: لَمْ أَفْعَلِ ارْجِعْ فَنَمْ، فَإِنْ سَمِعْتُ شَيْئًا فَقُلْ لَبَّيْكَ مَكَانَكَ مُرْنِي فَأَفْعَلُ فَرَجَعَ فَنَامَ، فَسَمِعَ صَوْتًا أَيْضًا يَقُولُ: أشمويل فَقَالَ: لَبَّيْكَ أَنَا هَذَا مُرْنِي أَفْعَلُ قَالَ: انْطَلِقْ إِلَى عيلي، فَقُلْ لَهُ: مَنَعَهُ حُبُّ الْوَلَدِ أَنْ يَزْجُرَ ابْنَيْهِ أَنْ يُحْدِثَا فِي قُدْسِي، وَقُرْبَانِي وَأَنْ يَعْصِيَانِي، فَلَأَنْزِعَنَّ مِنْهُ الْكِهَانَةَ وَمِنْ وَلَدِهِ، وَلَأَهْلِكَنَّهْ وَإِيَّاهُمَا فَلَمَّا أَصْبَحَ سَأَلَهُ عيلي، فَأَخْبَرَهُ، فَفَزِعَ لِذَلِكَ فَزِعًا شَدِيدًا، فَسَارَ إِلَيْهِمْ عَدُوٌّ مِمَّنْ حَوْلَهُمْ، فَأَمَرَ ابْنَيْهِ أَنْ يَخْرُجَا بِالنَّاسِ فَيُقَاتِلَا ذَلِكَ الْعَدُوَّ فَخَرَجَا وَأَخْرَجَا مَعَهُمَا التَّابُوتَ الَّذِي كَانَ فِيهِ اللَّوْحَانِ وَعَصَا مُوسَى لِيُنْصَرُوا بِهِ. فَلَمَّا تَهَيَّئُوا لِلْقِتَالِ هُمْ وَعَدُوُّهُمْ، جَعَلَ عيلي يِتَوَقَّعُ الْخَبَرَ مَاذَا صَنَعُوا، فَجَاءَهُ رَجُلٌ يُخْبِرُهُ وَهُوَ قَاعِدٌ عَلَى كُرْسِيِّهِ أَنَّ ابْنَيْكَ قَدْ قُتِلَا، وَأَنَّ النَّاسَ قَدِ انْهَزَمُوا. قَالَ: فَمَا فَعَلَ التَّابُوتُ؟ قَالَ: ذَهَبَ بِهِ الْعَدُوُّ. قَالَ: فَشَهِقَ وَوَقَعَ عَلَى قَفَاهُ مِنْ كُرْسِيِّهِ فَمَاتَ وَذَهَبَ الَّذِينَ سَبَوْا التَّابُوتَ حَتَّى وَضَعُوهُ فِي بَيْتِ آلِهَتِهِمْ وَلَهُمْ صَنَمٌ ⦗٤٦١⦘ يَعْبُدُونَهُ، فَوَضَعُوهُ تَحْتَ الصَّنَمِ وَالصَّنَمُ مِنْ فَوْقِهِ، فَأَصْبَحَ مِنَ الْغَدِ وَالصَّنَمُ تَحْتَهُ وَهُوَ فَوْقَ الصَّنَمِ. ثُمَّ أَخَذُوهُ فَوَضَعُوهُ فَوْقَهُ وَسَمَّرُوا قَدَمَيْهِ فِي التَّابُوتِ، فَأَصْبَحَ مِنَ الْغَدِ قَدْ تَقَطَّعَتْ يَدًا الصَّنَمِ وَرِجْلَاهُ، وَأَصْبَحَ مُلْقًى تَحْتَ التَّابُوتِ؛ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: قَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّ إِلَهَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا يَقُومُ لَهُ شَيْءٌ، فَأَخْرِجُوهُ مِنْ بَيْتِ آلِهَتِكُمْ فَأَخْرَجُوا التَّابُوتَ فَوَضَعُوهُ فِي نَاحِيَةٍ مِنْ قَرْيَتِهِمْ، فَأَخَذَ أَهْلُ تِلْكَ النَّاحِيَةِ الَّتِي وَضَعُوا فِيهَا التَّابُوتَ وَجَعٌ فِي أَعْنَاقِهِمْ، فَقَالُوا: مَا هَذَا؟ فَقَالَتْ لَهُمْ جَارِيَةٌ كَانَتْ عِنْدَهُمْ مِنْ سَبْيِ بَنِي إِسْرَائِيلَ: لَا تَزَالُونَ تَرَوْنَ مَا تَكْرَهُونَ مَا كَانَ هَذَا التَّابُوتُ فِيكُمْ، فَأَخْرِجُوهُ مِنْ قَرْيَتِكُمْ قَالُوا: كَذَبْتَ قَالَتْ: إِنَّ آيَةَ ذَلِكَ أَنْ تَأْتُوا بِبَقَرَتَيْنِ لَهُمَا أَوْلَادٌ لَمْ يُوضَعْ عَلَيْهِمَا نِيرٌ قَطُّ، ثُمَّ تَضَعُوا وَرَاءَهُمُ الْعِجْلَ، ثُمَّ تَضَعُوا التَّابُوتَ عَلَى الْعِجْلِ، وَتُسَيِّرُوهُمَا، وَتَحْبِسُوا أَوْلَادَهُمَا فَإِنَّهُمَا تَنْطَلِقَانِ بِهِ مُذْعِنَتَيْنِ، حَتَّى إِذَا خَرَجَتَا مِنْ أَرْضِكُمْ وَوَقَعَتَا فِي أَرْضِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، كَسَرَتَا نِيرَهُمَا، وَأَقْبَلَتَا إِلَى أَوْلَادِهِمَا فَفَعَلُوا ذَلِكَ فَلَمَّا خَرَجَتَا مِنْ أَرْضِهِمْ وَوَقَعَتَا فِي أَدْنَى أَرْضِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، كَسَرَتَا نِيرَهُمَا، وَأَقْبَلَتَا إِلَى أَوْلَادِهِمَا، وَوَضَعَتَاهُ فِي خَرِبَةٍ فِيهَا حُضَّارٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ. فَفَزِعَ إِلَيْهِ بَنُو إِسْرَائِيلُ وَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ، فَجَعَلُ لَا يَدْنُو مِنْهُ أَحَدٌ إِلَّا مَاتَ، فَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ شمويل: اعْتَرَضُوا، فَمَنْ آنَسَ مِنْ نَفْسِهِ قُوَّةً فَلْيَدْنُ مِنْهُ فَعَرَضُوا عَلَيْهِ النَّاسَ، فَلَمْ يَقْدِرْ أَحَدٌ يَدْنُو مِنْهُ، إِلَّا رَجُلَانِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَذِنَ لَهُمَا بِأَنْ يَحْمِلَاهُ إِلَى بَيْتِ أُمِّهِمَا، وَهِيَ أَرْمَلَةٌ، فَكَانَ فِي بَيْتِ أُمِّهِمَا حَتَّى مَلَكَ طَالُوتُ، ⦗٤٦٢⦘ فَصَلُحَ أَمْرُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مَعَ شمويل»
٤ / ٤٥٩
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثني بَعْضُ، أَهْلِ الْعِلْمِ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: «قَالَ شمويل لِبَنِي إِسْرَائِيلَ لَمَّا قَالُوا لَهُ: ﴿أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ﴾ [البقرة: ٢٤٧] وَإِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ: وَإِنَّ تَمْلِيكَهُ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ، فَيُرَدُّ عَلَيْكُمُ الَّذِي فِيهِ مِنَ السَّكِينَةِ، وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى، وَآلُ هَارُونَ، وَهُوَ الَّذِي كُنْتُمْ تَهْزِمُونُ بِهِ مَنْ لَقِيَكُمْ مِنَ الْعَدُوِّ، وَتَظْهَرُونَ بِهِ عَلَيْهِ قَالُوا: فَإِنْ جَاءَنَا: التَّابُوتُ، فَقَدْ رَضِينَا وَسَلَّمْنَا. وَكَانَ الْعَدُوُّ الَّذِينَ أَصَابُوا التَّابُوتَ أَسْفَلَ مِنَ الْجَبَلِ، جَبَلِ إِيلِيَا، فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مِصْرَ، وَكَانُوا أَصْحَابَ أَوْثَانٍ، وَكَانَ فِيهِمْ جَالُوتُ، وَكَانَ جَالُوتُ رَجُلًا قَدْ أُعْطِيَ بَسْطَةً فِي الْجِسْمِ، وَقُوَّةً فِي الْبَطْشِ، وَشِدَّةً فِي الْحَرْبِ، مَذْكُورًا بِذَلِكَ فِي النَّاسِ. وَكَانَ التَّابُوتُ حِينَ اسْتُبِيَ قَدْ جُعِلَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ قُرَى فِلَسْطِينَ، يُقَالُ لَهَا: أَرَدْنَ، فَكَانُوا قَدْ جَعَلُوا التَّابُوتَ فِي كَنِيسَةٍ فِيهَا أَصْنَامُهُمْ. فَلَمَّا كَانَ مِنْ أَمْرِ النَّبِيِّ ﷺ مَا كَانَ مِنْ وَعْدِ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّ التَّابُوتَ سَيَأْتِيهِمْ، جُعِلَتْ أَصْنَامُهُمْ تُصْبِحُ فِي الْكَنِيسَةِ مُنَكَّسَةً عَلَى رُءُوسِهَا، وَبَعَثَ اللَّهُ عَلَى أَهْلِ تِلْكَ الْقَرْيَةِ فَأْرًا، تَثْبُتُ ⦗٤٦٣⦘ الْفَأْرَةُ الرَّجُلَ فَيُصْبِحُ مَيِّتًا قَدْ أَكَلَتْ مَا فِي جَوْفِهِ مِنْ دُبُرِهِ. قَالُوا: تَعْلَمُونَ وَاللَّهِ لَقَدْ أَصَابَكُمْ بَلَاءٌ مَا أَصَابَ أُمَّةً مِنَ الْأُمَمِ قَبْلَكُمْ، وَمَا نَعْلَمُهُ أَصَابَنَا إِلَّا مُذْ كَانَ هَذَا التَّابُوتُ بَيْنَ أَظْهُرِنَا، مَعَ أَنَّكُمْ قَدْ رَأَيْتُمْ أَصْنَامَكُمْ تُصْبِحُ كُلَّ غَدَاةٍ مُنَكِّسَةً، شَيْءٌ لَمْ يَكُنْ يُصْنَعُ بِهَا حَتَّى كَانَ هَذَا التَّابُوتُ مَعَهَا، فَأَخْرِجُوهُ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِكُمْ فَدَعُوا بِعَجَلَةٍ فَحَمَلُوا عَلَيْهَا التَّابُوتَ، ثُمَّ عَلَّقُوهَا بِثَوْرَيْنِ، ثُمَّ ضَرَبُوا عَلَى جُنُوبِهِمَا، وَخَرَجَتِ الْمَلَائِكَةُ بِالثَّوْرَيْنِ تَسُوقُهُمَا، فَلَمْ يَمُرَّ التَّابُوتُ بِشَيْءٍ مِنَ الْأَرْضِ إِلَّا كَانَ قُدُسًا، فَلَمْ يَرْعَهُمْ إِلَّا التَّابُوتُ عَلَى عَجَلِهِ يَجُرُّهَا الثَّوْرَانِ، حَتَّى وَقَفَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَكَبَّرُوا وَحَمِدُوا اللَّهَ، وَجَدُّوا فِي حَرْبِهِمْ، وَاسْتَوْثَقُوا عَلَى طَالُوتَ»
٤ / ٤٦٢
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: “لَمَّا قَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى طَالُوتَ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ، أَبَوْا أَنْ يُسَلِّمُوا لَهُ الرِّيَاسَةَ حَتَّى قَالَ لَهُمْ: ﴿إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [البقرة: ٢٤٨] فَقَالَ لَهُمْ: أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَاءَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى، وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ. وَكَانَ مُوسَى حِينَ أَلْقَى الْأَلْوَاحَ تَكَسَّرَتْ، وَرَفَعَ مِنْهَا، فَنَزَلَ، فَجَمَعَ مَا بَقِيَ، فَجَعَلَهُ فِي ذَلِكَ التَّابُوتِ
٤ / ٤٦٣
قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي يَعْلَى بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، «⦗٤٦٤⦘ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنَ الْأَلْوَاحِ إِلَّا سُدُسُهَا. قَالَ: وَكَانَتِ الْعَمَالِقَةُ قَدْ سَبَتْ ذَلِكَ التَّابُوتَ، وَالْعَمَالِقَةُ فِرْقَةٌ مِنْ عَادٍ كَانُوا بِأَرِيحَاءَ فَجَاءَتِ الْمَلَائِكَةُ بِالتَّابُوتِ تَحْمِلُهُ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَى التَّابُوتِ حَتَّى وَضَعَتْهُ عِنْدَ طَالُوتَ، فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ قَالُوا: نَعَمْ فَسَلَّمُوا لَهُ وَمَلَكُوهُ. قَالَ: وَكَانَ الْأَنْبِيَاءُ إِذَا حَضَرُوا قِتَالًا قَدَّمُوا التَّابُوتَ بَيْنَ يَدَيْهِمْ وَيَقُولُونَ: إِنُّ آدَمَ نَزَلَ بِذَلِكَ التَّابُوتِ وَبِالرُّكْنِ. وَبَلَغَنِي أَنَّ التَّابُوتَ، وَعَصَا مُوسَى فِي بُحَيْرَةٍ طَبَرِيَّةٍ، وَأَنَّهُمَا يَخْرُجَانِ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ»
٤ / ٤٦٣
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ مَعْقِلٍ، أَنَّهُ سَمِعَ وَهْبَ بْنَ مُنَبِّهٍ، يَقُولُ: «إِنَّ أَرْمِيَا لَمَّا خَرَّبَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ وَحَرَّقَ الْكُتُبَ، وَقَفَ فِي نَاحِيَةِ الْجَبَلِ، فَقَالَ: ﴿أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ﴾ ثُمَّ رَدَّ اللَّهُ مَنْ رَدَّ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى رَأْسِ سَبْعِينَ سَنَةً مِنْ حِينَ أَمَاتَهُ، يَعْمُرُونَهَا ثَلَاثِينَ سَنَةً تَمَامَ الْمِائَةِ؛ فَلَمَّا ذَهَبَتِ الْمِائَةُ رَدَّ اللَّهُ إِلَيْهِ رُوحَهُ وَقَدْ عَمَرَتْ، فَهِيَ عَلَى حَالَتِهَا الْأُولَى فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِمُ التَّابُوتَ، أَوْحَى اللَّهُ إِلَى نَبِيٍّ مِنْ أَنْبِيَائِهِمْ، إِمَّا دَانْيَالُ وَإِمَّا غَيْرُهُ، إِنْ كُنْتُمْ تُرِيدُونَ أَنْ يُرْفَعَ عَنْكُمُ ⦗٤٦٥⦘ الْمَرَضُ، فَأَخْرِجُوا عَنْكُمْ هَذَا التَّابُوتَ قَالُوا: بِآيَةِ مَاذَا؟ قَالَ: بِآيَةِ أَنَّكُمْ تَأْتُونَ بِبَقَرَتَيْنِ صَعْبَتَيْنِ لَمْ تَعْمَلَا عَمَلًا قَطُّ، فَإِذَا نَظَرَتَا إِلَيْهِ وَضَعَتَا أَعْنَاقَهُمْ لِلنِّيرِ حَتَّى يُشَدَّ عَلَيْهِمَا، ثُمَّ يَشَدُّ التَّابُوتُ عَلَى عَجَلٍ، ثُمَّ يُعَلَّقُ عَلَى الْبَقَرَتَيْنِ، ثُمَّ تُخَلَّيَانِ فَتَسِيرَانِ حَيْثُ يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُبْلِغَهُمَا فَفَعَلُوا ذَلِكَ. وَوَكَّلَ اللَّهُ بِهِمَا أَرْبَعَةً مِنَ الْمَلَائِكَةِ يَسُوقُونَهُمَا. فَسَارَتِ الْبَقَرَتَانِ سَيْرًا سَرِيعًا، حَتَّى إِذَا بَلَغَتَا طَرَفَ الْقُدْسِ كَسَرَتَا نِيرَهُمَا، وَقَطَعَتَا حِبَالَهُمَا، وَذَهَبَتَا، فَنَزَلَ إِلَيْهِمَا دَاوُدُ وَمَنْ مَعَهُ. فَلَمَّا رَأَى دَاوُدُ التَّابُوتَ، حَجَلِ إِلَيْهِ فَرَحًا بِهِ فَقُلْنَا لِوَهْبٍ: مَا حَجَلِ إِلَيْهِ؟ قَالَ: شَبِيهٌ بِالرَّقْصِ فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ: لَقَدْ خَفَّفْتَ حَتَّى كَادَ النَّاسُ يَمْقُتُونَكَ لِمَا صَنَعْتَ، قَالَ: أَتُبَطِّئِينِي عَنْ طَاعَةِ رَبِّي؟ لَا تَكُونِينَ لِي زَوْجَةً بَعْدَ هَذَا فَفَارَقَهَا» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلِ التَّابُوتُ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ آيَةً لِمُلْكِ طَالُوتَ كَانَ فِي الْبَرِيَّةِ، وَكَانَ مُوسَى ﷺ خَلَّفَهُ عِنْدَ فَتَاهُ يُوشَعَ، فَحَمَلَتْهُ الْمَلَائِكَةُ حَتَّى وَضَعَتْهُ فِي دَارِ طَالُوتَ
٤ / ٤٦٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: «﴿إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [البقرة: ٢٤٨] الْآيَةَ. كَانَ مُوسَى تَرَكَهُ عِنْدَ فَتَاهُ يُوشَعَ بْنَ نُونٍ وَهُوَ بِالْبَرِيَّةِ، وَأَقْبَلَتْ بِهِ الْمَلَائِكَةُ تَحْمِلُهُ حَتَّى وَضَعَتْهُ فِي دَارِ طَالُوتَ، فَأَصْبَحَ فِي دَارِهِ»
٤ / ٤٦٥
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، ⦗٤٦٦⦘ فِي قَوْلِهِ: «﴿إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ﴾ [البقرة: ٢٤٨] الْآيَةَ، قَالَ: كَانَ مُوسَى فِيمَا ذُكِرَ لَنَا تَرَكَ التَّابُوتَ عِنْدَ فَتَاهُ يُوشَعَ بْنَ نُونٍ وَهُوَ فِي الْبَرِيَّةِ، فَذَكَرَ لَنَا أَنَّ الْمَلَائِكَةَ حَمَلَتْهُ مِنَ الْبَرِيَّةِ حَتَّى وَضَعَتْهُ فِي دَارِ طَالُوتَ، فَأَصْبَحَ التَّابُوتُ فِي دَارِهِ» وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ، مَا قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَوَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ مِنْ أَنَّ التَّابُوتَ كَانَ عِنْدَ عَدُوٍّ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَ سَلَبَهُمُوهُ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ قَالَ مُخْبِرًا عَنْ نَبِيِّهِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ قَوْلَهُ لِقَوْمِهِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ: ﴿إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ﴾ [البقرة: ٢٤٨] وَالْأَلِفُ وَاللَّامُ لَا تَدْخُلَانِ فِي مِثْلِ هَذَا مِنَ الْأَسْمَاءِ إِلَّا فِي مَعْرُوفٍ عِنْدَ الْمُتَخَاطَبَيْنِ بِهِ، وَقَدْ عَرَفَهُ الْمُخْبِرُ وَالْمُخْبِرُ. فَقَدْ عَلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ: أَنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ الَّذِي قَدْ عَرَفْتُمُوهُ الَّذِي كُنْتُمْ تَسْتَنْصِرُونَ بِهِ، فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ. وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ تَابُوتًا مِنَ التَّوَابِيتِ غَيْرَ مَعْلُومٍ عِنْدَهُمْ قَدْرُهُ وَمَبْلَغُ نَفْعِهِ قَبْلَ ذَلِكَ لَقِيلَ: إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ تَابُوتٌ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ ” فَإِنْ ظَنَّ ذُو غَفْلَةٍ أَنَّهُمْ كَانُوا قَدْ عَرَفُوا ذَلِكَ التَّابُوتَ وَقَدْرَ نَفْعِهِ وَمَا فِيهِ وَهُوَ عِنْدَ مُوسَى، وَيُوشَعَ، فَإِنَّ ذَلِكَ مَا لَا يَخْفَى خَطَؤُهُ؛ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّ مُوسَى لَاقَى عَدُوًّا قَطُّ بِالتَّابُوتِ، وَلَا فَتَاهُ يُوشَعَ، بَلِ الَّذِي يُعْرَفُ مِنْ أَمْرِ مُوسَى وَأَمْرِ فِرْعَوْنَ مَا قَصَّ اللَّهُ مِنْ شَأْنِهِمَا، وَكَذَلِكَ أَمْرُهُ وَأَمْرُ الْجَبَّارِينَ. وَأَمَّا فَتَاهُ يُوشَعُ، فَإِنَّ الَّذِينَ قَالُوا هَذِهِ الْمَقَالَةَ زَعَمُوا أَنْ يُوشَعَ خَلَفَهُ فِي التِّيهِ حَتَّى رُدَّ عَلَيْهِمْ حِينَ مَلَكَ طَالُوتُ، فَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا وَصَفُوهُ، فَأَيُّ الْأَحْوَالِ لِلتَّابُوتِ الْحَالُ الَّتِي عَرَفُوهُ فِيهَا، فَجَازَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ الَّذِي قَدْ عَرَفْتُمُوهُ، وَعَرَفْتُمْ أَمْرَهُ؟ فَفِي فَسَادِ هَذَا الْقَوْلِ بِالَّذِي ذَكَرْنَا أَبْيَنُ الدَّلَالَةِ عَلَى صِحَّةِ الْقَوْلِ الْآخَرِ، إِذْ لَا قَوْلَ فِي ⦗٤٦٧⦘ ذَلِكَ لِأَهْلِ التَّأْوِيلِ غَيْرَهُمَا. وَكَانَتْ صِفَةُ التَّابُوتِ فِيمَا بَلَغَنَا
٤ / ٤٦٥
كَمَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَسْكَرٍ، وَالْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا بَكَّارُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: «سَأَلْنَا وَهْبَ بْنَ مُنَبِّهٍ عَنْ تَابُوتِ، مُوسَى مَا كَانَ؟ قَالَ: كَانَ نَحْوًا مِنْ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ فِي ذِرَاعَيْنِ»
٤ / ٤٦٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [البقرة: ٢٤٨] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿فِيهِ﴾ [البقرة: ٢] فِي التَّابُوتِ ﴿سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [البقرة: ٢٤٨] وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى السَّكِينَةِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ رِيحٌ هَفَّافَةٌ لَهَا وَجْهٌ كَوَجْهِ الْإِنْسَانِ
٤ / ٤٦٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جُحَادَةَ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: «السَّكِينَةُ: رِيحٌ هَفَّافَةٌ لَهَا وَجْهٌ كَوَجْهِ الْإِنْسَانِ»
٤ / ٤٦٧
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، وَحَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ عَلِيٍّ، «السَّكِينَةُ لَهَا وَجْهٌ كَوَجْهِ الْإِنْسَانِ، ثُمَّ هِيَ رِيحٌ هَفَّافَةٌ»
٤ / ٤٦٧
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، عَنِ الْعَوَّامِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ سَلَمَةَ ⦗٤٦٨⦘ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [البقرة: ٢٤٨] قَالَ: رِيحٌ هَفَّافَةٌ لَهَا صُورَةٌ» وَقَالَ يَعْقُوبُ فِي حَدِيثِهِ: لَهَا وَجْهٌ، وَقَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى: كَوَجْهِ الْإِنْسَانِ “
٤ / ٤٦٧
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، قَالَ: قَالَ عَلِيُّ: «السَّكِينَةُ لَهَا وَجْهٌ كَوَجْهِ الْإِنْسَانِ، وَهِيَ رِيحٌ هَفَّافَةٌ»
٤ / ٤٦٨
حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ، قَالَ: ثنا أَبُو الْأَحْوَصِ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ عَرْعَرَةَ، قَالَ: قَالَ عَلِيُّ: «السَّكِينَةُ: رِيحٌ خَجُوجٌ، وَلَهَا رَأْسَانِ» حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ سِمَاكٍ، قَالَ: سَمِعْتُ خَالِدَ بْنَ عَرْعَرَةَ، يُحَدِّثُ، عَنْ عَلِيٍّ، نَحْوَهُ حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، وَأَبُو الْأَحْوَصِ، كُلُّهُمْ عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ عَرْعَرَةَ، عَنْ عَلِيٍّ، نَحْوَهُ وَقَالَ آخَرُونَ: لَهَا رَأْسٌ كَرَأْسِ الْهِرَّةِ وَجَنَاحَانِ
٤ / ٤٦٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: “﴿فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [البقرة: ٢٤٨] قَالَ: ⦗٤٦٩⦘ أَقْبَلَتِ السَّكِينَةُ. . وَجِبْرِيلُ مَعَ إِبْرَاهِيمَ مِنَ الشَّامِ
٤ / ٤٦٨
قَالَ ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ: سَمِعْتُ مُجَاهِدًا، يَقُولُ: «السَّكِينَةُ لَهَا رَأْسٌ كَرَأْسِ الْهِرَّةِ، وَجَنَاحَانِ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، نَحْوَهُ
٤ / ٤٦٩
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «السَّكِينَةُ لَهَا جَنَاحَانِ وَذَنَبٌ»
٤ / ٤٦٩
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «لَهَا جَنَاحَانِ وَذَنَبٌ مِثْلَ ذَنَبِ الْهِرَّةِ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ هِيَ رَأْسُ هِرَّةٍ مَيِّتَةٍ
٤ / ٤٦٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ بَعْضِ، أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، قَالَ: «السَّكِينَةُ رَأْسُ هِرَّةٍ مَيِّتَةٍ كَانَتِ إِذَا صَرَخَتْ فِي التَّابُوتِ بِصُرَاخِ هِرٍّ أَيْقَنُوا بِالنَّصْرِ وَجَاءَهُمُ الْفَتْحُ» ⦗٤٧٠⦘ وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّمَا هِيَ طَسْتٌ مِنْ ذَهَبٍ مِنَ الْجَنَّةِ كَانَ يُغْسَلُ فِيهِ قُلُوبُ الْأَنْبِيَاءِ
٤ / ٤٦٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: ثنا الْحَكَمُ بْنُ ظُهَيْرٍ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، «﴿فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [البقرة: ٢٤٨] قَالَ: طَسْتٌ مِنْ ذَهَبٍ مِنَ الْجَنَّةِ، كَانَ يُغْسَلُ فِيهِ قُلُوبُ الْأَنْبِيَاءِ»
٤ / ٤٧٠
حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: «﴿فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [البقرة: ٢٤٨] السَّكِينَةَ: طَسْتً مِنْ ذَهَبٍ يُغْسَلُ فِيهَا قُلُوبُ الْأَنْبِيَاءِ، أَعْطَاهَا اللَّهُ مُوسَى، وَفِيهَا وَضَعَ الْأَلْوَاحَ؛ وَكَانَتِ الْأَلْوَاحُ فِيمَا بَلَغَنَا مِنْ دُرٍّ، وَيَاقُوتٍ، وَزَبَرْجَدٍ» وَقَالَ آخَرُونَ: السَّكِينَةُ: رُوحٌ مِنَ اللَّهِ يَتَكَلَّمُ
٤ / ٤٧٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا بَكَّارُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: «سَأَلْنَا وَهْبَ بْنَ مُنَبِّهٍ، فَقُلْنَا لَهُ: السَّكِينَةُ؟ قَالَ: رُوحٌ مِنَ اللَّهِ يَتَكَلَّمُ إِذَا اخْتَلَفُوا فِي شَيْءٍ تَكَلَّمَ، فَأَخْبَرَهُمْ بِبَيَانِ مَا يُرِيدُونَ» ⦗٤٧١⦘ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَسْكَرٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: ثنا بَكَّارُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ سَمِعَ وَهْبَ بْنَ مُنَبِّهٍ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ وَقَالَ آخَرُونَ: السَّكِينَةُ: مَا يَعْرِفُونَ مِنَ الْآيَاتِ فَيَسْكُنُونَ إِلَيْهِ
٤ / ٤٧٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: «سَأَلْتُ عَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ قَوْلِهِ:»﴿فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [البقرة: ٢٤٨] الْآيَةَ. قَالَ: أَمَّا السَّكِينَةُ: فَمَا تَعْرِفُونَ مِنَ الْآيَاتِ تَسْكُنُونَ إِلَيْهَا ” وَقَالَ آخَرُونَ: السَّكِينَةُ: الرَّحْمَةُ
٤ / ٤٧١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارِ بْنِ الْحَسَنِ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ: «﴿فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [البقرة: ٢٤٨] أَيْ رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ» وَقَالَ آخَرُونَ: السَّكِينَةُ: هِيَ الْوَقَارُ
٤ / ٤٧١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: «﴿فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [البقرة: ٢٤٨] أَيْ وَقَارٌ» ⦗٤٧٢⦘ وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ بِالْحَقِّ فِي مَعْنَى السَّكِينَةِ، مَا قَالَهُ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ، مِنَ الشَّيْءِ تَسْكُنُ إِلَيْهِ النُّفُوسُ مِنَ الْآيَاتِ الَّتِي تَعْرِفُونَهَا. وَذَلِكَ أَنَّ السَّكِينَةَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الْفَعِيلَةِ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: سَكَنَ فُلَانٌ إِلَى كَذَا وَكَذَا: إِذَا اطْمَأَنَّ إِلَيْهِ وَهَدَأَتْ عِنْدَهُ نَفْسُهُ، فَهُوَ يَسْكُنُ سُكُونًا وَسَكِينَةً، مِثْلَ قَوْلِكَ: عَزَمَ فُلَانٌ هَذَا الْأَمْرَ عَزْمًا وَعَزِيمَةً، وَقَضَى الْحَاكِمُ بَيْنَ الْقَوْمِ قَضَاءً وَقَضِيَّةً، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
لِلَّهِ قَبْرٌ غَالَهَا مَاذَا يُجِنُّ … لَقَدْ أَجَنَّ سَكِينَةً وَوَقَارَا
وَإِذَا كَانَ مَعْنَى السَّكِينَةِ مَا وَصَفْتُ، فَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَلَى مَا قَالَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَى مَا رُوِّينَا عَنْهُ، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَلَى مَا قَالَهُ مُجَاهِدٌ عَلَى مَا حَكَيْنَا عَنْهُ، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ مَا قَالَهُ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ، وَمَا قَالَهُ السُّدِّيُّ؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ آيَاتٌ كَافِيَاتٌ تَسْكُنُ إِلَيْهِنَّ النُّفُوسُ وَتَثْلُجُ بِهِنَّ الصُّدُورُ. وَإِذَا كَانَ مَعْنَى السَّكِينَةِ مَا وَصَفْنَا، فَقَدِ اتَّضَحَ أَنَّ الْآيَةَ الَّتِي كَانَتْ فِي التَّابُوتِ الَّتِي كَانَتِ النُّفُوسُ تَسْكُنُ إِلَيْهَا لِمَعْرِفَتِهَا بِصِحَّةِ أَمْرِهَا إِنَّمَا هِيَ مُسَمَّاةٌ بِالْفِعْلِ، وَهِيَ غَيْرُهُ لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ
لِلَّهِ قَبْرٌ غَالَهَا مَاذَا يُجِنُّ … لَقَدْ أَجَنَّ سَكِينَةً وَوَقَارَا
وَإِذَا كَانَ مَعْنَى السَّكِينَةِ مَا وَصَفْتُ، فَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَلَى مَا قَالَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَى مَا رُوِّينَا عَنْهُ، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَلَى مَا قَالَهُ مُجَاهِدٌ عَلَى مَا حَكَيْنَا عَنْهُ، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ مَا قَالَهُ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ، وَمَا قَالَهُ السُّدِّيُّ؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ آيَاتٌ كَافِيَاتٌ تَسْكُنُ إِلَيْهِنَّ النُّفُوسُ وَتَثْلُجُ بِهِنَّ الصُّدُورُ. وَإِذَا كَانَ مَعْنَى السَّكِينَةِ مَا وَصَفْنَا، فَقَدِ اتَّضَحَ أَنَّ الْآيَةَ الَّتِي كَانَتْ فِي التَّابُوتِ الَّتِي كَانَتِ النُّفُوسُ تَسْكُنُ إِلَيْهَا لِمَعْرِفَتِهَا بِصِحَّةِ أَمْرِهَا إِنَّمَا هِيَ مُسَمَّاةٌ بِالْفِعْلِ، وَهِيَ غَيْرُهُ لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ
٤ / ٤٧١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ﴾ [البقرة: ٢٤٨] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَبَقِيَّةٌ﴾ [البقرة: ٢٤٨] الشَّيْءَ الْبَاقِيَ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: قَدْ بَقِيَ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ بَقِيَّةٌ، وَهِيَ فَعْلِيَةٌ مِنْهُ، نَظِيرَ السَّكِينَةِ مِنْ سَكَنَ. وَقَوْلُهُ: ﴿مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ﴾ [البقرة: ٢٤٨] يَعْنِي بِهِ: مِنْ تَرِكَةِ آلِ مُوسَى، وَآلِ هَارُونَ. ⦗٤٧٣⦘ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْبَقِيَّةِ الَّتِي كَانَتْ بَقِيَتْ مِنْ تَرِكَتِهِمْ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَتْ تِلْكَ الْبَقِيَّةُ عَصَا مُوسَى، وَرُضَاضُ الْأَلْوَاحِ
٤ / ٤٧٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ، قَالَ: ثنا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا دَاوُدُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: أَحْسَبُهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: «﴿وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ﴾ [البقرة: ٢٤٨] قَالَ: رُضَاضُ الْأَلْوَاحِ» حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَزِيعٍ، قَالَ: ثنا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا دَاوُدُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ دَاوُدُ: وَأَحْسَبُهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، مِثْلَهُ
٤ / ٤٧٣
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو الْوَلِيدِ، قَالَ: ثنا حَمَّادٌ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي هَذِهِ الْآيَةِ: «﴿وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ﴾ [البقرة: ٢٤٨] قَالَ: عَصَا مُوسَى، وَرُضَاضُ الْأَلْوَاحِ»
٤ / ٤٧٣
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ﴾ [البقرة: ٢٤٨] قَالَ: فَكَانَ فِي التَّابُوتِ عَصَا مُوسَى، وَرُضَاضُ الْأَلْوَاحِ، فِيمَا ذُكِرَ لَنَا»
٤ / ٤٧٣
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ﴾ [البقرة: ٢٤٨] قَالَ: الْبَقِيَّةُ: ⦗٤٧٤⦘ عَصَا مُوسَى، وَرُضَاضُ الْأَلْوَاحِ»
٤ / ٤٧٣
حَدَّثَنِي مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: «﴿وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ﴾ [البقرة: ٢٤٨] أَمَا الْبَقِيَّةُ فَإِنَّهَا عَصَا مُوسَى، وَرُضَاضُةُ الْأَلْوَاحِ»
٤ / ٤٧٤
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، «﴿وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ﴾ [البقرة: ٢٤٨] عَصَا مُوسَى، وَأُمُورٌ مِنَ التَّوْرَاةِ»
٤ / ٤٧٤
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، فِي هَذِهِ الْآيَةِ: «﴿وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ﴾ [البقرة: ٢٤٨] قَالَ: التَّوْرَاةُ، وَرُضَاضُ الْأَلْوَاحِ، وَالْعَصَا» قَالَ إِسْحَاقُ: قَالَ وَكِيعٌ: وَرُضَاضُهُ: كِسَرُهُ “
٤ / ٤٧٤
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ﴾ [البقرة: ٢٤٨] قَالَ: رُضَاضُ الْأَلْوَاحِ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ تِلْكَ الْبَقِيَّةُ: عَصَا مُوسَى، وَعَصَا هَارُونَ، وَشَيْءٌ مِنَ الْأَلْوَاحِ
٤ / ٤٧٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا جَابِرُ بْنُ نُوحٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنِ ابْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ: «﴿أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ، فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ﴾ [البقرة: ٢٤٨] قَالَ: كَانَ فِيهِ عَصَا مُوسَى، وَعَصَا هَارُونَ، وَلَوْحَانِ مِنَ التَّوْرَاةِ، وَالْمَنُّ»
٤ / ٤٧٥
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ إِدْرِيسَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي، عَنْ عَطِيَّةَ بْنِ سَعْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ﴾ [البقرة: ٢٤٨] قَالَ: عَصَا مُوسَى، وَعَصَا هَارُونَ، وَثِيَابُ مُوسَى، وَثِيَابُ هَارُونَ، وَرُضَاضُ الْأَلْوَاحِ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ هِيَ الْعَصَا وَالنَّعْلَانِ
٤ / ٤٧٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: «سَأَلْتُ الثَّوْرِيَّ، عَنْ قَوْلِهِ:»﴿وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ﴾ [البقرة: ٢٤٨] قَالَ: مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: الْبَقِيَّةُ: قَفِيزٌ مِنْ مِنِ، وَرُضَاضُ الْأَلْوَاحِ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: الْعَصَا وَالنَّعْلَانِ ” وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ كَانَ ذَلِكَ الْعَصَا وَحْدَهَا
٤ / ٤٧٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا بَكَّارُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قُلْنَا لِوَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ: «مَا كَانَ فِيهِ؟ يَعْنِي فِي التَّابُوتِ. قَالَ: كَانَ فِيهِ عَصَا مُوسَى، وَالسَّكِينَةُ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ كَانَ ذَلِكَ رُضَاضَ الْأَلْوَاحِ وَمَا تَكَسَّرَ مِنْهَا
٤ / ٤٧٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ﴾ [البقرة: ٢٤٨] قَالَ: كَانَ مُوسَى حِينَ أَلْقَى الْأَلْوَاحَ تَكَسَّرَتْ وَرَفَعَ مِنْهَا، فَجَعَلَ الْبَاقِيَ فِي ذَلِكَ التَّابُوتِ»
٤ / ٤٧٦
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: «سَأَلْتُ عَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ قَوْلِهِ:»﴿وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ﴾ [البقرة: ٢٤٨] الْعِلْمُ، وَالتَّوْرَاةُ ” وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ ذَلِكَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
٤ / ٤٧٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: «﴿وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ﴾ [البقرة: ٢٤٨] يَعْنِي بِالْبَقِيَّةِ: الْقِتَالَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَبِذَلِكَ قَاتَلُوا مَعَ طَالُوتَ، وَبِذَلِكَ أُمِرُوا» وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَخْبَرَ عَنِ التَّابُوتِ الَّذِي جَعَلَهُ آيَةً لِصِدْقِ قَوْلِ نَبِيِّهِ ﷺ لِأُمَّتِهِ: ﴿إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا﴾ [البقرة: ٢٤٧] أَنَّ فِيهِ سَكِينَةً مِنْهُ، وَبَقِيَّةً مِمَّا تَرَكَهُ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ. وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ تِلْكَ الْبَقِيَّةُ: الْعَصَا، وَكِسَرَ الْأَلْوَاحِ، وَالتَّوْرَاةَ، أَوْ بَعْضَهَا وَالنَّعْلَيْنِ، وَالثِّيَابَ، وَالْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ ذَلِكَ. وَذَلِكَ أَمْرٌ لَا يُدْرِكُ عِلْمَهُ مِنْ جِهَةِ الِاسْتِخْرَاجِ، وَلَا اللُّغَةِ، وَلَا يُدْرَكُ عِلْمُ ذَلِكَ إِلَّا بِخَبَرٍ يُوجِبُ عَنْهُ الْعِلْمَ، وَلَا خَبَرَ عِنْدَ أَهْلِ الْإِسْلَامِ فِي ذَلِكَ لِلصَّفَةِ الَّتِي وَصَفْنَا. وَإِذْ كَانَ كَذَلِكَ، فَغَيْرُ جَائِزٍ فِيهِ تَصْوِيبُ قَوْلٍ وَتَضْعِيفُ آخَرَ غَيْرَهُ، إِذْ كَانَ جَائِزًا فِيهِ مَا قُلْنَا مِنَ الْقَوْلِ
٤ / ٤٧٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ﴾ [البقرة: ٢٤٨]⦗٤٧٨⦘ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي صِفَةِ حَمْلِ الْمَلَائِكَةِ ذَلِكَ التَّابُوتَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى ذَلِكَ: تَحْمِلُهُ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ حَتَّى تَضَعَهُ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ
٤ / ٤٧٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «جَاءَتِ الْمَلَائِكَةُ بِالتَّابُوتِ تَحْمِلُهُ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، حَتَّى وَضَعَتْهُ عِنْدَ طَالُوتَ»
٤ / ٤٧٨
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: «لَمَّا قَالَ لَهُمْ: يَعْنِي النَّبِيَّ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: ﴿وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ﴾ [البقرة: ٢٤٧] قَالُوا: فَمَنْ لَنَا بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ آتَاهُ هَذَا، مَا هُوَ إِلَّا لِهَوَاكَ فِيهِ؟ قَالَ: إِنْ كُنْتُمْ قَدْ كَذَّبْتُمُونِي وَاتَّهَمْتُمُونِي ﴿إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [البقرة: ٢٤٨] الْآيَةَ. قَالَ: فَنَزَلَتِ الْمَلَائِكَةُ بِالتَّابُوتِ نَهَارًا يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ عَيَانًا، حَتَّى وَضَعُوهُ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ، فَأَقَرُّوا غَيْرَ رَاضِينَ، وَخَرَجُوا سَاخِطِينَ. وَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ: ﴿وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ [البقرة: ٢٤٩]»
٤ / ٤٧٨
حَدَّثَنِي مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرٌو، قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: «لَمَّا قَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ: ﴿إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ﴾ [البقرة: ٢٤٧] قَالُوا: فَإِنْ كُنْتَ صَادِقًا، فَأْتِنَا بِآيَةٍ أَنَّ هَذَا مَلَكٌ قَالَ ﴿إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ﴾ [البقرة: ٢٤٨] وَأَصْبَحَ التَّابُوتُ وَمَا فِيهِ فِي ⦗٤٧٩⦘ دَارِ طَالُوتَ، فَآمَنُوا بِنُبُوَّةِ شمعون، وَسَلَّمُوا مُلْكَ طَالُوتَ»
٤ / ٤٧٨
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: «﴿تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ﴾ [البقرة: ٢٤٨] قَالَ: تَحْمِلُهُ حَتَّى تَضَعَهُ فِي بَيْتِ طَالُوتَ» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: تَسُوقُ الْمَلَائِكَةُ الدَّوَابَّ الَّتِي تَحْمِلُهُ
٤ / ٤٧٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنْ بَعْضِ، أَشْيَاخِهِ، قَالَ: «تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ عَلَى عَجَلَةٍ، عَلَى بَقَرَةٍ»
٤ / ٤٧٩
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ مَعْقِلٍ، أَنَّهُ سَمِعَ وَهْبَ بْنَ مُنَبِّهٍ، يَقُولُ: «وُكِّلَ بِالْبَقَرَتَيْنِ اللَّتَيْنِ سَارَتَا بِالتَّابُوتِ أَرْبَعَةٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ يَسُوقُونَهُمَا، فَسَارَتِ الْبَقَرَتَانِ بِهِمَا سَيْرًا سَرِيعًا حَتَّى إِذَا بَلَغَتَا طَرَفَ الْقُدْسِ ذَهَبَتَا» وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ، قَوْلُ مَنْ قَالَ: حَمَلَتِ التَّابُوتَ الْمَلَائِكَةُ حَتَّى وَضَعَتْهُ فِي دَارِ طَالُوتَ بَيْنَ أَظْهُرِ بَنِي إِسْرَائِيلَ؛ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ
٤ / ٤٧٩
قَالَ: ﴿تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ﴾ [البقرة: ٢٤٨] وَلَمْ يَقُلْ: تَأْتِي بِهِ الْمَلَائِكَةُ وَمَا جَرَّتْهُ الْبَقَرُ عَلَى عَجَلٍ. وَإِنْ كَانَتِ الْمَلَائِكَةُ هِيَ سَائِقَتُهَا، فَهِيَ غَيْرُ حَامِلَتِهِ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ الْمَعْرُوفَ هُوَ مُبَاشَرَةُ الْحَامِلِ بِنَفْسِهِ حَمْلَ مَا حَمَلَ، فَأَمَّا مَا حَمَلَهُ عَلَى غَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ جَائِزًا فِي اللُّغَةِ أَنْ يُقَالَ فِي حَمْلِهِ بِمَعْنَى مَعُونَتِهِ الْحَامِلَ، أَوْ بِأَنَّ حَمْلَهُ كَانَ عَنْ سَبَبِهِ، فَلَيْسَ سَبِيلُهُ سَبِيلَ مَا بَاشَرَ حَمْلَهُ بِنَفْسِهِ فِي تَعَارُفِ النَّاسِ إِيَّاهُ بَيْنَهُمْ؛ وَتَوْجِيهِ تَأْوِيلِ الْقُرْآنِ إِلَى الْأَشْهَرِ مِنَ اللُّغَاتِ أَوْلَى مِنْ تَوْجِيهِهِ إِلَى أَنْ لَا يَكُونَ الْأَشْهُرُ مَا وُجِدَ إِلَى ذَلِكَ سَبِيلٌ
٤ / ٤٨٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [البقرة: ٢٤٨] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِذَلِكَ أَنَّ نَبِيَّهُ أشمويل قَالَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: إِنَّ فِي مَجِيئِكُمُ التَّابُوتَ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ، حَامِلَتُهُ الْمَلَائِكَةُ ﴿لَآيَةً لَكُمْ﴾ [البقرة: ٢٤٨] يَعْنِي لَعَلَامَةً لَكُمْ وَدَلَالَةً أَيُّهَا النَّاسُ عَلَى صِدْقِي فِيمَا أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ اللَّهَ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا إِنْ كُنْتُمْ قَدْ كَذَّبْتُمُونِي فِيمَا أَخْبَرْتُكُمْ بِهِ مِنْ تَمْلِيكِ اللَّهِ إِيَّاهُ عَلَيْكُمْ وَاتَّهَمْتُمُونِي فِي خَبَرِي إِيَّاكُمْ بِذَلِكَ ﴿إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [البقرة: ٩١] يَعْنِي بِذَلِكَ: إِنْ كُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ عِنْدَ مَجِيءِ الْآيَةِ الَّتِي سَأَلْتُمُونِيهَا عَلَى صِدْقِي فِيمَا أَخْبَرْتُكُمْ بِهِ مِنْ أَمْرِ طَالُوتَ وَمُلْكِهِ. وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ مَعْنَاهُ؛ لِأَنَّ الْقَوْمَ قَدْ كَانُوا كَفَرُوا بِاللَّهِ فِي تَكْذِيبِهِمْ نَبِيَّهُمْ، وَرَدَّهُمْ عَلَيْهِ قَوْلَهُ: ﴿إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا﴾ [البقرة: ٢٤٧] بِقَوْلِهِمْ: ﴿أَنَّى
٤ / ٤٨٠
يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ﴾ [البقرة: ٢٤٧] وَفِي مَسْأَلَتِهِمْ إِيَّاهُ الْآيَةَ عَلَى صِدْقِهِ. فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُمْ كُفْرًا، فَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يُقَالَ لَهُمْ وَهُمْ كُفَّارٌ لَكُمْ فِي مَجِيءِ التَّابُوتِ آيَةٌ إِنْ كُنْتُمْ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَلَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَلَا بِرَسُولِهِ، وَلَكِنَّ الْأَمْرَ فِي ذَلِكَ عَلَى مَا وَصَفْنَا مِنْ مَعْنَاهُ، لِأَنَّهُمْ سَأَلُوا الْآيَةَ عَلَى صِدْقِ خَبَرِهِ إِيَّاهُمْ لِيُقِرُّوا بِصِدْقِهِ، فَقَالَ لَهُمْ فِي مَجِيءِ التَّابُوتِ عَلَى مَا وَصَفَهُ لَهُمْ آيَةٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ عِنْدَ مَجِيئِهِ كَذَلِكَ مُصَدِّقِيَّ بِمَا قُلْتُ لَكُمْ وَأَخْبَرْتُكُمْ بِهِ
٤ / ٤٨١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ [البقرة: ٢٤٩] وَفِي هَذَا الْخَبَرِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ مَتْرُوكٌ قَدِ اسْتَغْنَى بِدَلَالَةِ مَا ذُكِرَ عَلَيْهِ عَنْ ذِكْرِهِ. وَمَعْنَى الْكَلَامِ: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ، فَأَتَاهُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ، وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ، فَصَدَّقُوا عِنْدَ ذَلِكَ نَبِيَّهُمْ، وَأَقَرُّوا بِأَنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ طَالُوتَ مَلِكًا عَلَيْهِمْ، وَأَذْعَنُوا لَهُ بِذَلِكَ. يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ﴾ [البقرة: ٢٤٩] وَمَا كَانَ لِيَفْصِلَ بِهِمْ إِلَّا بَعْدَ رِضَاهُمْ بِهِ وَتَسْلِيمِهِمُ الْمُلْكَ لَهُ، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ يَقْدِرُونَ عَلَى إِكْرَاهِهِمْ عَلَى ذَلِكَ فَيَظُنُّ بِهِ أَنَّهُ حَمَلَهُمْ عَلَى ذَلِكَ كَرْهًا. وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿فَصَلَ﴾ [البقرة: ٢٤٩] فَإِنَّهُ يَعْنِي بِهِ شَخَصَ بِالْجُنْدِ وَرَحَلَ بِهِمْ. وَأَصْلُ الْفَصْلِ: الْقَطْعُ، يُقَالُ مِنْهُ: فَصَلَ الرَّجُلُ مِنْ مَوْضِعِ كَذَا وَكَذَا، يَعْنِي
٤ / ٤٨١
بِهِ قَطَعَ ذَلِكَ، فَجَاوَزَهُ شَاخِصًا إِلَى غَيْرِهِ، يَفْصِلُ فُصُولًا؛ وَفَصَلَ الْعَظْمَ وَالْقَوْلَ مِنْ غَيْرِهِ فَهُوَ يَفْصِلُهُ فَصْلًا: إِذَا قَطَعَهُ فَأَبَانَهُ؛ وَفَصَلَ الصَّبِيُّ فِصَالًا: إِذَا قَطَعَهُ عَنِ اللَّبَنِ؛ وَقَوْلٌ فَصْلٌ: يَقْطَعُ فَيُفَرِّقُ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ لَا يُرَدُّ. وَقِيلَ: إِنَّ طَالُوتَ فَصَلَ بِالْجُنُودِ يَوْمَئِذٍ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَهُمْ ثَمَانُونَ أَلْفَ مُقَاتِلٍ، لَمْ يَتَخَلَّفْ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنِ الْفُصُولِ مَعَهُ إِلَّا ذُو عِلَّةٍ لِعِلَّتِهِ، أَوْ كَبِيرٌ لِهَرَمِهِ، أَوْ مَعْذُورٌ لَا طَاقَةَ لَهُ بِالنُّهُوضِ مَعَهُ
٤ / ٤٨٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثني بَعْضُ، أَهْلِ الْعِلْمِ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: «خَرَجَ بِهِمْ طَالُوتُ حِينَ اسْتَوْثَقُوا لَهُ، وَلَمْ يَتَخَلَّفْ عَنْهُ إِلَّا كَبِيرٌ ذُو عِلَّةٍ، أَوْ ضَرِيرٌ مَعْذُورٌ، أَوْ رَجُلٌ فِي ضَيْعَةٍ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ تَخَلُّفٍ فِيهَا»
٤ / ٤٨٢
حَدَّثَنِي مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: «لَمَّا جَاءَهُمُ التَّابُوتُ آمَنُوا بِنُبُوَّةِ شمعون، وَسَلَّمُوا مُلْكَ طَالُوتَ، فَخَرَجُوا مَعَهُ، وَهُمْ ثَمَانُونَ أَلْفًا» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَلَمَّا فَصَلَ بِهِمْ طَالُوتُ عَلَى مَا وَصَفْنَا قَالَ: ﴿إِنَّ اللَّهَ ⦗٤٨٣⦘ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ﴾ [البقرة: ٢٤٩] يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ مُخْتَبِرُكُمْ بِنَهَرٍ، لِيَعْلَمَ كَيْفَ طَاعَتُكُمْ لَهُ ” وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَى أَنَّ مَعْنَى الِابْتِلَاءِ: الِاخْتِبَارُ فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ. وَبِمَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ كَانَ قَتَادَةُ يَقُولُ
٤ / ٤٨٢
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: «﴿إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ﴾ [البقرة: ٢٤٩] قَالَ: إِنَّ اللَّهَ يَبْتَلِي خَلْقَهُ بِمَا يَشَاءُ لِيَعْلَمَ مَنْ يُطِيعُهُ مِمَّنْ يَعْصِيهِ» وَقِيلَ: إِنَّ طَالُوتَ قَالَ: ﴿إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ﴾ [البقرة: ٢٤٩] لِأَنَّهُمْ شَكَوْا إِلَى طَالُوتَ قِلَّةَ الْمِيَاهِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ عَدُوِّهِمْ، وَسَأَلُوهُ أَنْ يَدْعُوَ اللَّهَ لَهُمْ أَنْ يُجْرِيَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ عَدُوِّهِمْ نَهَرًا، فَقَالَ لَهُمْ طَالُوتُ حِينَئِذٍ مَا أَخْبَرَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَهُ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ﴾ [البقرة: ٢٤٩]
٤ / ٤٨٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثني بَعْضُ، أَهْلِ الْعِلْمِ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: «لَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ، قَالُوا: إِنَّ الْمِيَاهَ لَا تَحْمِلُنَا، فَادْعُ اللَّهَ لَنَا يُجْرِي لَنَا نَهَرًا فَقَالَ لَهُمْ طَالُوتُ: ﴿إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ﴾ [البقرة: ٢٤٩] الْآيَةَ» ⦗٤٨٤⦘ وَالنَّهَرُ الَّذِي أَخْبَرَهُمْ طَالُوتُ أَنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيهِمْ بِهِ قِيلَ: هُوَ نَهَرٌ بَيْنَ الْأُرْدُنِّ، وَفِلَسْطِينَ “
٤ / ٤٨٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، قَالَ: «﴿إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ﴾ [البقرة: ٢٤٩] قَالَ الرَّبِيعُ: ذُكِرَ لَنَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ نَهَرٌ بَيْنَ الْأُرْدُنِّ، وَفِلَسْطِينَ»
٤ / ٤٨٤
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ﴾ [البقرة: ٢٤٩] قَالَ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ نَهَرٌ بَيْنَ الْأُرْدُنِّ، وَفِلَسْطِينَ»
٤ / ٤٨٤
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: «﴿إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ﴾ [البقرة: ٢٤٩] قَالَ: هُوَ نَهَرٌ بَيْنَ الْأُرْدُنِّ، وَفِلَسْطِينَ»
٤ / ٤٨٤
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «﴿فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ﴾ [البقرة: ٢٤٩] غَازِيًا إِلَى جَالُوتَ، قَالَ طَالُوتُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: ﴿إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ﴾ [البقرة: ٢٤٩] قَالَ: نَهَرٌ بَيْنَ فِلَسْطِينَ، وَالْأُرْدُنِّ، نَهَرٌ عَذْبُ الْمَاءِ طَيِّبُهُ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ هُوَ نَهَرُ فِلَسْطِينَ
٤ / ٤٨٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ ⦗٤٨٥⦘ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «﴿إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ﴾ [البقرة: ٢٤٩] فَالنَّهَرُ الَّذِي ابْتُلِيَ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ نَهَرُ فِلَسْطِينَ»
٤ / ٤٨٤
حَدَّثَنِي مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: «﴿إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ﴾ [البقرة: ٢٤٩] هُوَ نَهَرُ فِلَسْطِينَ» وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ﴾ [البقرة: ٢٤٩] فَإِنَّهُ خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ عَنْ طَالُوتَ أَنَّهُ قَالَ لِجُنُودِهِ إِذْ شَكَوْا إِلَيْهِ الْعَطَشَ، فَأَخْبَرَ أَنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيهِمْ بِنَهَرٍ، ثُمَّ أَعْلَمَهُمْ أَنَّ الِابْتِلَاءَ الَّذِي أَخْبَرَهُمْ عَنِ اللَّهِ بِهِ مِنْ ذَلِكَ النَّهَرِ، هُوَ أَنَّ مَنْ شَرِبَ مِنْ مَائِهِ فَلَيْسَ هُوَ مِنْهُ، يَعْنِي بِذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ وِلَايَتِهِ وَطَاعَتِهِ، وَلَا مِنِ الْمُؤْمِنِينَ بِاللَّهِ وَبِلِقَائِهِ. وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ﴾ [البقرة: ٢٤٩] فَأَخْرَجَ مَنْ لَمْ يُجَاوِزِ النَّهَرَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا. ثُمَّ أَخْلَصَ ذِكْرَ الْمُؤْمِنِينَ بِاللَّهِ وَلِقَائِهِ عِنْدَ دُنُوِّهِمْ مِنْ جَالُوتَ وَجُنُودِهِ بِقَوْلِهِ: ﴿قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ [البقرة: ٢٤٩] وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ مَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ، يَعْنِي مَنْ لَمْ يَطْعَمِ الْمَاءَ مِنْ ذَلِكَ النَّهَرِ وَالْهَاءُ فِي قَوْلِهِ: ﴿فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ﴾ [البقرة: ٢٤٩] وَفِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ﴾ [البقرة: ٢٤٩] عَائِدَةٌ عَلَى النَّهَرِ، وَالْمَعْنَى لِمَائِهِ. وَإِنَّمَا تَرَكَ ذِكْرَ الْمَاءِ اكْتِفَاءً بِفَهْمِ السَّامِعِ بِذِكْرِ النَّهَرِ لِذَلِكَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْمَاءُ الَّذِي فِيهِ،
٤ / ٤٨٥
وَمَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿لَمْ يَطْعَمْهُ﴾ [البقرة: ٢٤٩] لَمْ يَذُقْهُ، يَعْنِي: وَمَنْ لَمْ يَذُقْ مَاءَ ذَلِكَ النَّهَرِ فَهُوَ مِنِّي، يَقُولُ: هُوَ مِنْ أَهْلِ وِلَايَتِي وَطَاعَتِي وَالْمُؤْمِنِينَ بِاللَّهِ وَبِلِقَائِهِ. ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِ: ﴿وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ﴾ [البقرة: ٢٤٩] الْمُغْتَرِفِينَ بِأَيْدِيهِمْ غُرْفَةً، فَقَالَ: وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْ مَاءَ ذَلِكَ النَّهَرِ إِلَّا غُرْفَةً يَغْتَرِفُهَا بِيَدِهِ فَإِنَّهُ مِنِّي. ثُمَّ اخْتَلَفَتَ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ﴾ [البقرة: ٢٤٩] فَقَرَأَهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَالْبَصْرَةِ: (غَرْفَةً) بِنَصْبِ الْغَيْنِ مِنَ الْغَرْفَةِ، بِمَعْنَى الْغَرْفَةِ الْوَاحِدَةِ، مِنْ قَوْلِكَ: اغْتَرَفْتُ غَرْفَةً، وَالْغَرْفَةُ هِيَ الْفِعْلُ بِعَيْنِهِ مِنَ الِاغْتِرَافِ. وَقَرَأَهُ آخَرُونَ بِالضَّمِ، بِمَعْنَى: الْمَاءِ الَّذِي يَصِيرُ فِي كَفِّ الْمُغْتَرِفِ، فَالْغُرْفَةُ الِاسْمُ، وَالْغَرْفَةُ الْمَصْدَرُ. وَأَعْجَبُ الْقِرَاءَتَيْنِ فِي ذَلِكَ إِلَيَّ ضَمُّ الْغَيْنِ فِي الْغُرْفَةِ بِمَعْنَى: إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ كَفًّا مِنْ مَاءٍ، لِاخْتِلَافِ غَرْفَةٍ إِذَا فُتِحَتْ غَيْنُهَا، وَمَا هِيَ لَهُ مَصْدَرٌ؛ وَذَلِكَ أَنَّ مَصْدَرَ اغْتَرَفَ اغْتَرَافَةً، وَإِنَّمَا غَرْفَةٌ مَصْدَرُ غَرَفْتُ، فَلَمَّا كَانَتْ غَرْفَةٌ مُخَالَفَةً مَصْدَرَ اغْتَرَفَ، كَانَتِ الْغُرْفَةُ الَّتِي بِمَعْنَى الِاسْمِ عَلَى مَا قَدْ وَصَفْنَا أَشْبَهَ مِنْهَا بِالْغُرْفَةِ الَّتِي هِيَ بِمَعْنَى الْفِعْلِ وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ عَامَّتَهُمْ شَرَبُوا مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ، فَكَانَ مَنْ شَرِبَ مِنْهُ عَطِشَ، وَمَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً رُوِيَ
٤ / ٤٨٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ﴾ [البقرة: ٢٤٩] فَشَرِبَ الْقَوْمُ عَلَى قَدْرِ يَقِينِهِمْ. أَمَا الْكُفَّارُ فَجَعَلُوا يَشْرَبُونَ فَلَا يُرْوَوْنَ، وَأَمَّا الْمُؤْمِنُونَ فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَغْتَرِفُ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَتَجْزِيهِ وَتَرْوِيهِ»
٤ / ٤٨٧
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ﴾ [البقرة: ٢٤٩] قَالَ: كَانَ الْكُفَّارُ يَشْرَبُونَ فَلَا يُرْوَوْنَ، وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يَغْتَرِفُونَ غُرْفَةً، فَيَجْزِيهِمْ ذَلِكَ»
٤ / ٤٨٧
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ: «﴿فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ﴾ [البقرة: ٢٤٩] يَعْنِي الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُمْ، وَكَانَ الْقَوْمُ كَثِيرًا فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ، يَعْنِي الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُمْ كَانَ أَحَدُهُمْ يَغْتَرِفُ الْغُرْفَةَ فَيَجْزِيهِ ذَلِكَ، وَيَرْوِيهِ»
٤ / ٤٨٧
حَدَّثَنِي مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: «لَمَّا أَصْبَحَ التَّابُوتُ وَمَا فِيهِ فِي دَارِ طَالُوتَ، آمَنُوا بِنُبُوَّةِ شمعون، وَسَلَّمُوا مُلْكَ طَالُوتَ، ⦗٤٨٨⦘ فَخَرَجُوا مَعَهُ وَهُمْ ثَمَانُونَ أَلْفًا. وَكَانَ جَالُوتُ مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ، وَأَشَدِّهِمْ بَأْسًا، فَخَرَجَ يَسِيرُ بَيْنَ يَدَيِ الْجُنْدِ، وَلَا تَجْتَمِعُ إِلَيْهِ أَصْحَابُهُ حَتَّى يَهْزِمَ هُوَ مِنْ لَقِيَ. فَلَمَّا خَرَجُوا قَالَ لَهُمْ طَالُوتُ: ﴿إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي﴾ [البقرة: ٢٤٩] فَشَرِبُوا مِنْهُ هَيْبَةً مِنْ جَالُوتَ، فَعَبَرَ مِنْهُمْ أَرْبَعَةُ آلَافٍ، وَرَجَعَ سِتَّةٌ وَسَبْعُونَ أَلْفًا. فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ عَطِشَ، وَمَنْ لَمْ يَشْرَبْ مِنْهُ إِلَّا غُرْفَةً رُوِيَ»
٤ / ٤٨٧
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: «أَلْقَى اللَّهُ عَلَى لِسَانِ طَالُوتَ حِينَ فَصَلَ بِالْجُنُودِ، فَقَالَ: لَا يَصْحَبُنِي أَحَدٌ إِلَّا أَحَدٌ لَهُ نِيَّةٌ فِي الْجِهَادِ فَلَمْ يَتَخَلَّفْ عَنْهُ مُؤْمِنٌ، وَلَمْ يَتْبَعْهُ مُنَافِقٌ فَلَمَّا رَأَى قِلَّتَهُمْ، قَالُوا: لَنْ نَمَسَّ مِنْ هَذَا الْمَاءِ غُرْفَةً وَلَا غَيْرَهَا وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ لَهُمْ: ﴿إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ﴾ [البقرة: ٢٤٩] الْآيَةَ. فَقَالُوا: لَنْ نَمَسَّ مِنْ هَذَا غُرْفَةً وَلَا غَيْرَ غُرْفَةٍ قَالَ: وَأَخَذَ الْبَقِيَّةُ الْغُرْفَةَ، فَشَرِبُوا مِنْهَا حَتَّى كَفَتْهُمْ، وَفَضَلَ مِنْهُمْ. قَالَ: وَالَّذِينَ لَمْ يَأْخُذُوا الْغُرْفَةَ أَقْوَى مِنَ الَّذِينَ أَخَذُوهَا»
٤ / ٤٨٨
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ ⦗٤٨٩⦘ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ﴾ [البقرة: ٢٤٩] فَشَرِبَ كُلُّ إِنْسَانٍ كَقَدْرِ الَّذِي فِي قَلْبِهِ، فَمَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً وَأَطَاعَهُ رُوِيَ بِطَاعَتِهِ، وَمَنْ شَرِبَ فَأَكْثَرَ عَصَى فَلَمْ يُرْوَ لِمَعْصِيَتِهِ»
٤ / ٤٨٨
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، فِي حَدِيثٍ ذَكَرَهُ، عَنْ بَعْضِ، أَهْلِ الْعِلْمِ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ﴾ [البقرة: ٢٤٩] يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ﴾ [البقرة: ٢٤٩] وَكَانَ فِيمَا يَزْعُمُونَ مِنْ تَتَابُعٍ مِنْهُمْ فِي الشُّرْبِ الَّذِي نُهِيَ عَنْهُ لَمْ يَرْوِهِ، وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ إِلَّا كَمَا أُمِرَ غُرْفَةً بِيَدِهِ أَجْزَأَهُ، وَكَفَاهُ»
٤ / ٤٨٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ﴾ [البقرة: ٢٤٩] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ﴾ [البقرة: ٢٤٩] فَلَمَّا جَاوَزَ النَّهَرَ طَالُوتُ. وَالْهَاءُ فِي «جَاوَزَهُ» عَائِدَةٌ عَلَى النَّهَرِ، وَهُوَ كِنَايَةُ اسْمِ طَالُوتَ. وَقَوْلُهُ: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ﴾ [البقرة: ٢١٤] يَعْنِي: وَجَاوَزَ النَّهَرَ مَعَهُ الَّذِينَ آمَنُوا. ﴿قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ﴾ [البقرة: ٢٤٩] . ثُمَّ اخْتُلِفَ فِي عِدَّةِ مَنْ جَاوَزَ النَّهَرَ مَعَهُ يَوْمَئِذٍ وَمَنْ قَالَ مِنْهُمْ لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَتْ عِدَّتُهُمْ عِدَّةَ أَهْلِ بَدْرٍ ثَلَثَمِائَةِ رَجُلٍ وَبِضْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا
٤ / ٤٨٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيُّ، قَالَ: ثنا مُصْعَبُ بْنُ الْمِقْدَامِ، وَحَدَّثَنَا ⦗٤٩٠⦘ أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، قَالَا جَمِيعًا: ثنا إِسْرَائِيلُ، قَالَ: ثنا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: «كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّ عِدَّةَ، أَصْحَابِ بَدْرٍ عَلَى عِدَّةِ أَصْحَابِ طَالُوتَ الَّذِينَ جَاوَزُوا النَّهَرَ مَعَهُ، وَلَمْ يَجُزْ مَعَهُ إِلَّا مُؤْمِنٌ، ثَلَثُمِائَةٍ وَبِضْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا»
٤ / ٤٨٩
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: ثنا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ، قَالَ: «كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّ أَصْحَابَ بَدْرٍ يَوْمَ بَدْرٍ كَعِدَّةِ أَصْحَابِ طَالُوتَ ثَلَثُمِائَةِ رَجُلٍ وَثَلَاثَةَ عَشَرَ رَجُلًا الَّذِينَ جَاوَزُوا النَّهَرَ»
٤ / ٤٩٠
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا أَبُو عَامِرٍ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ، قَالَ: «كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّ أَصْحَابَ النَّبِيِّ ﷺ كَانُوا يَوْمَ بَدْرٍ ثَلَثُمِائَةٍ وَبِضْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا عَلَى عِدَّةِ أَصْحَابِ طَالُوتَ مَنْ جَازَ مَعَهُ، وَمَا جَازَ مَعَهُ إِلَّا مُؤْمِنٌ» حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ بِنَحْوِهِ
٤ / ٤٩٠
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا مُؤَمَّلٌ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ، قَالَ: «كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّ أَصْحَابَ النَّبِيِّ ﷺ كَانُوا يَوْمَ بَدْرٍ عَلَى عِدَّةِ أَصْحَابِ طَالُوتَ يَوْمَ جَاوَزُوا النَّهَرَ، وَمَا جَاوَزَ مَعَهُ إِلَّا مُسْلِمٌ» ⦗٤٩١⦘ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا مِسْعَرٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ مِثْلَهُ
٤ / ٤٩٠
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: «ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ قَالَ لِأَصْحَابِهِ يَوْمَ بَدْرٍ: «أَنْتُمْ بِعُدَّةِ أَصْحَابِ طَالُوتَ يَوْمَ لَقِيَ» وَكَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ بَدْرٍ ثَلَثَمِائَةٍ وَبِضْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا»
٤ / ٤٩١
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، قَالَ: «مَحَّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا عِنْدَ النَّهَرِ وَكَانُوا ثَلَثَمِائَةٍ، وَفَوْقَ الْعَشَرَةِ، وَدُونَ الْعِشْرِينَ، فَجَاءَ دَاوُدُ ﷺ فَأَكْمَلَ بِهِ الْعِدَّةَ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ جَاوَزَ مَعَهُ النَّهَرَ أَرْبَعَةُ آلَافٍ، وَإِنَّمَا خَلَصُ، أَهْلُ الْإِيمَانِ مِنْهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ، وَالنِّفَاقِ حِينَ لَقُوا جَالُوتَ
٤ / ٤٩١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: «عَبَرَ مَعَ طَالُوتَ النَّهَرَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَرْبَعَةُ آلَافٍ، فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ فَنَظَرُوا إِلَى جَالُوتَ رَجَعُوا أَيْضًا وَقَالُوا: لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ فَرَجَعَ عَنْهُ أَيْضًا ثَلَاثَةُ آلَافٍ وَسِتُّمِائَةٍ وَبِضْعَةٌ وَثَمَانُونَ، وَخَلَصَ فِي ثَلَثِمِائَةٍ وَبِضْعَةَ عَشَرَ عِدَّةِ أَهْلِ بَدْرٍ»
٤ / ٤٩١
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «لَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ، قَالَ الَّذِينَ شَرِبُوا: ﴿لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ﴾ [البقرة: ٢٤٩]» وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ، مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَالَهُ السُّدِّيُّ؛ وَهُوَ أَنَّهُ جَاوَزَ النَّهَرَ مَعَ طَالُوتَ الْمُؤْمِنُ الَّذِي لَمْ يَشْرَبْ مِنَ النَّهَرِ إِلَّا الْغُرْفَةَ، وَالْكَافِرُ الَّذِي شَرِبَ مِنْهُ الْكَثِيرُ. ثُمَّ وَقَعَ التَّمْيِيزُ بَيْنَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ بِرُؤْيَةِ جَالُوتَ وَلِقَائِهِ، وَانْخَزَلَ عَنْهُ أَهْلُ الشِّرْكِ وَالنِّفَاقِ، وَهُمُ الَّذِينَ قَالُوا: ﴿لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ﴾ [البقرة: ٢٤٩] وَمَضَى أَهْلُ الْبُصَيْرَةِ بِأَمْرِ اللَّهِ عَلَى بَصَائِرِهِمْ، وَهُمْ أَهْلُ الثَّبَاتِ عَلَى الْإِيمَانِ، فَقَالُوا: ﴿كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ [البقرة: ٢٤٩] . فَإِنْ ظَنَّ ذُو غَفْلَةٍ أَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ جَاوَزَ النَّهَرَ مَعَ طَالُوتَ إِلَّا أَهْلُ الْإِيمَانِ الَّذِينَ ثَبَتُوا مَعَهُ عَلَى إِيمَانِهِمْ، وَمَنْ لَمْ يَشْرَبْ مِنَ النَّهَرِ إِلَّا الْغُرْفَةَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ قَالَ: ﴿فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ﴾ [البقرة: ٢٤٩] فَكَانَ مَعْلُومًا أَنَّهُ لَمْ يُجَاوِزْ مَعَهُ إِلَّا أَهْلُ الْإِيمَانِ، عَلَى مَا رُوِيَ بِهِ الْخَبَرُ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، وَلَأَنَّ أَهْلَ الْكُفْرِ لَوْ كَانُوا جَاوَزُوا النَّهَرَ كَمَا جَاوَزَهُ أَهْلُ الْإِيمَانِ لَمَا خَصَّ اللَّهُ بِالذِّكْرِ فِي ذَلِكَ أَهْلَ الْإِيمَانِ؛ فَإِنَّ الْأَمْرَ فِي ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا ظَنَّ. وَذَلِكَ أَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَنْكَرٍ أَنْ يَكُونَ الْفَرِيقَانِ، أَعِنِّي فَرِيقَ الْإِيمَانِ وَفَرِيقَ الْكُفْرِ جَاوَزُوا النَّهَرَ، وَأَخْبَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا ﷺ، عَنِ الْمُؤْمِنِينَ بِالْمُجَاوَزَةِ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا مِنَ الَّذِينَ جَاوَزُوهُ مَعَ مَلِكِهِمْ وَتَرَكَ ذِكْرَ أَهْلِ الْكُفْرِ، وَإِنْ كَانُوا قَدْ جَاوَزُوا النَّهَرَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ.
٤ / ٤٩٢
وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ [البقرة: ٢٤٩] فَأَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَنَّ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ هُمُ الَّذِينَ قَالُوا عِنْدَ مُجَاوَزَةِ النَّهَرِ: ﴿كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ [البقرة: ٢٤٩] دُونَ غَيْرِهِمُ الَّذِينَ لَا يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ، وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ هُمُ الَّذِينَ قَالُوا: ﴿لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ﴾ [البقرة: ٢٤٩] وَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يُضَافَ الْإِيمَانُ إِلَى مَنْ جَحَدَ أَنَّهُ مُلَاقِي اللَّهِ أَوْ شَكَّ فِيهِ
٤ / ٤٩٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ [البقرة: ٢٤٩] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي أَمْرِ هَذَيْنِ الْفَرِيقَيْنِ، أَعِنِّي الْقَائِلِينَ: ﴿لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ﴾ [البقرة: ٢٤٩] ” وَالْقَائِلِينَ: ﴿كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ [البقرة: ٢٤٩] مَنْ هُمَا
٤ / ٤٩٣
فَقَالَ بَعْضُهُمْ: «الْفَرِيقُ الَّذِينَ قَالُوا:»﴿لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ﴾ [البقرة: ٢٤٩] هُمْ أَهْلُ كُفْرٍ بِاللَّهِ، وَنِفَاقٍ، وَلَيْسُوا مِمَّنْ شَهِدَ قِتَالَ جَالُوتَ وَجُنُودِهِ، لِأَنَّهُمُ انْصَرَفُوا عَنْ طَالُوتِ، وَمَنْ ثَبَتَ مَعَهُ لِقِتَالِ عَدُوِّ اللَّهِ جَالُوتَ وَمَنْ مَعَهُ، وَهُمُ الَّذِينَ عَصَوْا أَمْرَ اللَّهِ لِشُرْبِهِمْ مِنَ النَّهَرِ ” ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، بِذَلِكَ؛ وَهُوَ ⦗٤٩٤⦘ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَدْ ذَكَرْنَا الرِّوَايَةَ بِذَلِكَ عَنْهُ آنِفًا
٤ / ٤٩٣
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: «﴿قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ﴾ [البقرة: ٢٤٩] الَّذِينَ اغْتَرَفُوا وَأَطَاعُوا الَّذِينَ مَضَوْا مَعَ طَالُوتَ الْمُؤْمِنُونِ، وَجَلَسَ الَّذِينَ شَكَوْا» وَقَالَ آخَرُونَ: كِلَا الْفَرِيقَيْنِ كَانَ أَهْلَ إِيمَانٍ، وَلَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ أَحَدٌ شَرِبَ مِنَ الْمَاءِ إِلَّا غُرْفَةً، بَلْ كَانُوا جَمِيعًا أَهْلَ طَاعَةٍ، وَلَكِنَّ بَعْضَهُمْ كَانَ أَصَحَّ يَقِينًا مِنْ بَعْضٍ، وَهُمُ الَّذِينَ أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوا: ﴿كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ [البقرة: ٢٤٩] وَالْآخَرُونَ كَانُوا أَضْعَفَ يَقِينًا، وَهُمُ الَّذِينَ قَالُوا: ﴿لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ﴾ [البقرة: ٢٤٩]
٤ / ٤٩٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ [البقرة: ٢٤٩] وَيَكُونُ الْمُؤْمِنُونَ بَعْضُهُمْ أَفْضَلَ جَدًّا، وَعَزْمًا مِنْ بَعْضٍ، وَهُمْ مُؤْمِنُونَ كُلُّهُمْ»
٤ / ٤٩٤
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ ⦗٤٩٥⦘ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: “﴿كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ [البقرة: ٢٤٩] أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ لِأَصْحَابِهِ يَوْمَ بَدْرٍ: «أَنْتُمْ بِعُدَّةِ أَصْحَابِ طَالُوتَ ثَلَثِمِائَةٍ» قَالَ قَتَادَةُ: وَكَانَ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ يَوْمَ بَدْرٍ ثَلَثُمِائَةٍ وَبِضْعَةَ عَشَرَ
٤ / ٤٩٤
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: «الَّذِينَ لَمْ يَأْخُذُوا الْغُرْفَةَ أَقْوَى مِنَ الَّذِينَ أَخَذُوا، وَهُمُ الَّذِينَ قَالُوا: ﴿كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ [البقرة: ٢٤٩]»
٤ / ٤٩٥
وَيَجِبُ عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي رُوِيَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، «أَنَّهُ لَمْ يُجَاوِزِ النَّهَرَ مَعَ طَالُوتَ إِلَّا عِدَّةُ أَصْحَابِ بَدْرٍ أَنْ يَكُونَ كِلَا الْفَرِيقَيْنِ اللَّذَيْنِ وَصَفَهُمَا اللَّهُ بِمَا وَصَفَهُمَا بِهِ أَمَرَهُمَا» عَلَى نَحْوِ مَا قَالَ فِيهِمَا قَتَادَةُ، وَابْنُ زَيْدٍ وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي تَأْوِيلِ الْآيَةِ مَا قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَالسُّدِّيُّ، وَابْنُ جُرَيْجٍ، وَقَدْ ذَكَرْنَا الْحُجَّةَ فِي ذَلِكَ فِيمَا مَضَى قَبْلُ آنِفًا. وَأَمَّا تَأْوِيلُ قَوْلِهِ: ﴿قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ﴾ [البقرة: ٢٤٩] فَإِنَّهُ يَعْنِي: قَالَ الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَيَسْتَيْقِنُونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ
٤ / ٤٩٥
حَدَّثَنِي مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: «﴿قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ﴾ [البقرة: ٢٤٩] الَّذِينَ يَسْتَيْقِنُونَ» فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ: قَالَ الَّذِينَ يُوقِنُونَ بِالْمَعَادِ، وَيُصَدِّقُونَ بِالْمَرْجِعِ إِلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ قَالُوا: ﴿لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ﴾ [البقرة: ٢٤٩]: ﴿كَمْ مِنْ فِئَةٍ
٤ / ٤٩٥
قَلِيلَةٍ﴾ [البقرة: ٢٤٩] يَعْنِي بِكَمْ: كَثِيرًا غَلَبَتْ فِئَةٌ قَلِيلَةٌ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ، يَعْنِي: بِقَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ ﴿وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ [البقرة: ٢٤٩] يَقُولُ: مَعَ الْحَابِسِينَ أَنْفُسَهُمْ عَلَى رِضَاهُ وَطَاعَتِهِ. وَقَدْ أَتَيْنَا عَلَى الْبَيَانِ عَنْ وُجُوهِ الظَّنِّ وَأَنَّ أَحَدَ مَعَانِيهِ الْعِلْمُ الْيَقِينُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ فِيمَا مَضَى، فَكَرِهْنَا إِعَادَتَهُ. وَأَمَّا الْفِئَةُ فَإِنَّهُمُ الْجَمَاعَةُ مِنَ النَّاسِ لَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ، وَهُوَ مِثْلُ الرَّهْطِ، وَالنَّفَرِ جَمْعُهُ فِئَاتٌ وَفِئُونَ فِي الرَّفْعِ وَفِئِينَ فِي النَّصْبِ وَالْخَفْضِ بِفَتْحِ نُونِهَا فِي كُلِّ حَالٍ، وَفِئِينٌ بِالرَّفْعِ بِإِعْرَابِ نُونِهَا بِالرَّفْعِ وَتَرْكِ الْيَاءِ فِيهَا، وَفِي النَّصْبِ فِئِينًا، وَفِي الْخَفْضِ فِئِينِ، فَيَكُونُ الْإِعْرَابُ فِي الْخَفْضِ وَالنَّصْبُ فِي نُونِهَا، وَفِي كُلِّ ذَلِكَ مُقَرَّةٌ فِيهَا الْيَاءُ عَلَى حَالِهَا، فَإِنْ أُضِيفَتْ، قِيلَ: هَؤُلَاءِ فِئِينُكَ بِإِقْرَارِ النُّونِ وَحَذْفِ التَّنْوِينِ، كَمَا قَالَ الَّذِينَ لُغَتُهُمْ هَذِهِ سِنِينٌ فِي جَمْعِ السَّنَةِ هَذِهِ سِنِينُكَ بِإِثْبَاتِ النُّونِ وَإِعْرَابِهَا، وَحَذْفِ التَّنْوِينِ مِنْهَا لِلْإِضَافَةِ، وَكَذَلِكَ الْعَمَلُ فِي كُلِّ مَنْقُوصٍ، مِثْلَ مِائَةٍ وَثِبَةٍ، وَقِلَّةٍ، وَعِزَّةٍ، فَأَمَّا مَا كَانَ نَقْصُهُ مِنْ أَوَّلِهِ؛ فَإِنَّ جَمْعَهُ بِالتَّاءِ مِثْلُ عِدَّةٍ وَعِدَاتٍ وَصِلَةٍ وَصِلَاتٍ
٤ / ٤٩٦
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ [البقرة: ٢٤٩] فَإِنَّهُ يَعْنِي: وَاللَّهُ مَعِينٌ الصَّابِرِينَ عَلَى الْجِهَادِ فِي سَبِيلِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ طَاعَتِهِ، وَظُهُورِهِمْ وَنَصْرِهِمْ عَلَى أَعْدَائِهِ ⦗٤٩٧⦘ الصَّادِينَ عَنْ سَبِيلِهِ، الْمُخَالِفِينَ مِنْهَاجَ دِينِهِ. وَكَذَلِكَ يُقَالُ لِكُلِّ مَعِينٍ رَجُلًا عَلَى غَيْرِهِ هُوَ مَعَهُ بِمَعْنَى هُوَ مَعَهُ بِالْعَوْنِ لَهُ وَالنُّصْرَةِ
٤ / ٤٩٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتِ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾ [البقرة: ٢٥٠]
٤ / ٤٩٧
يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ﴾ [البقرة: ٢٥٠] وَلَمَّا بَرَزَ طَالُوتُ وَجُنُودِهِ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ. وَمَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿بَرَزُوا﴾ [البقرة: ٢٥٠] صَارُوا بِالْبَرَازِ مِنَ الْأَرْضِ، وَهُوَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَاسْتَوَى، وَلِذَلِكَ قِيلَ لِلرَّجُلِ الْقَاضِي حَاجَتَهُ: تَبَرَّزَ؛ لِأَنَّ النَّاسَ قَدِيمًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِنَّمَا كَانُوا يَقْضُونَ حَاجَتَهُمْ فِي الْبَرَازِ مِنَ الْأَرْضِ، فَقِيلَ: قَدْ تَبَرَّزَ فُلَانٌ: إِذَا خَرَجَ إِلَى الْبَرَازِ مِنَ الْأَرْضِ لِذَلِكَ، كَمَا قِيلَ تَغَوَّطَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَقْضُونَ حَاجَتَهُمْ فِي الْغَائِطِ مِنَ الْأَرْضِ وَهُوَ الْمُطْمَئِنُ مِنْهَا، فَقِيلَ لِلرِّجَالِ: تَغَوَّطَ، أَيْ صَارَ إِلَى الْغَائِطِ مِنَ الْأَرْضِ.
٤ / ٤٩٧
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا﴾ [البقرة: ٢٥٠] فَإِنَّهُ يَعْنِي أَنَّ طَالُوتَ وَأَصْحَابَهُ قَالُوا: ﴿رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا﴾ [البقرة: ٢٥٠] يَعْنِي أَنْزِلْ عَلَيْنَا صَبْرًا
٤ / ٤٩٧
وَقَوْلُهُ: ﴿وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا﴾ [البقرة: ٢٥٠] يَعْنِي: وَقَوِّ قُلُوبَنَا عَلَى جِهَادِهِمْ لِتَثْبُتَ أَقْدَامُنَا فَلَا نُهْزَمُ عَنْهُمْ
٤ / ٤٩٧
﴿وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾ [البقرة: ٢٥٠] الَّذِينَ كَفَرُوا بِكَ فَجَحَدُوكَ إِلَهًا وعَبَدُوا غَيْرَكَ وَاتَّخِذُوا الْأَوْثَانَ أَرْبَابًا
٤ / ٤٩٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: فَهَزَمَ طَالُوتُ وَجُنُودُهُ أَصْحَابَ جَالُوتَ، وَقَتَلَ
٤ / ٤٩٧
دَاوُدُ جَالُوتَ. وَفِي هَذَا الْكَلَامِ مَتْرُوكٌ تُرِكَ ذِكْرُهُ اكْتِفَاءً بِدَلَالَةِ مَا ظَهَرَ مِنْهُ عَلَيْهِ. وَذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ: وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ، قَالُوا: رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا، وَثَبِّتِ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ، فَأَفْرَغَ عَلَيْهِمْ صَبْرَهُ، وَثَبَّتَ أَقْدَامَهُمْ وَنَصَرَهُمْ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ، فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ. وَلَكِنَّهُ تَرَكَ ذِكْرَ ذَلِكَ اكْتِفَاءً بِدَلَالَةِ قَوْلِهِ: ﴿فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ [البقرة: ٢٥١] عَلَى أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَجَابَ دُعَاءَهُمُ الَّذِي دَعَوْهُ بِهِ. وَمَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ [البقرة: ٢٥١] قَتَلُوهُمْ بِقَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ، يُقَالُ مِنْهُ: هَزَمَ الْقَوْمُ الْجَيْشَ هَزِيمَةً وَهِزِّيمَى ﴿وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ﴾ وَدَاودُ هَذَا هُوَ دَاوُدُ بْنُ إِيشَا نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ. وَكَانَ سَبَبُ قَتْلِهِ إِيَّاهُ
٤ / ٤٩٨
كَمَا: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا بَكَّارُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: سَمِعْتُ وَهْبَ بْنَ مُنَبِّهٍ، يُحَدِّثُ، قَالَ: «لَمَّا خَرَجَ، أَوْ قَالَ: لَمَّا بَرَزَ طَالُوتُ لِجَالُوتَ، قَالَ جَالُوتُ: أَبْرِزُوا لِي مَنْ يُقَاتِلُنِي، فَإِنْ قَتَلَنِي، فَلَكُمْ مُلْكِي، وَإِنْ قَتَلْتُهُ فَلِي مُلْكُكُمْ فَأُتِيَ بِدَاودَ إِلَى طَالُوتَ، فَقَاضَاهُ إِنْ قَتَلَهُ أَنْ يُنْكِحَهُ ابْنَتَهُ وَأَنْ يُحَكِّمَهُ فِي مَالِهِ. فَأَلْبَسَهُ طَالُوتُ سِلَاحًا، فَكَرِهَ دَاوُدُ أَنْ يُقَاتِلَهُ، وَقَالَ: إِنِ اللَّهَ لَمْ يَنْصُرْنِي عَلَيْهِ لَمْ يُغْنِ السِّلَاحُ. فَخَرَجَ إِلَيْهِ بِالْمِقْلَاعِ، وَبِمِخْلَاةٍ فِيهَا أَحْجَارٌ، ثُمَّ بَرَزَ لَهُ، قَالَ لَهُ جَالُوتُ: أَنْتَ تُقَاتِلُنِي؟ قَالَ دَاوُدُ: نَعَمْ. ⦗٤٩٩⦘ قَالَ: وَيْلَكَ أَمَا تَخْرُجُ إِلَيَّ إِلَّا كَمَا يُخْرَجُ إِلَى الْكَلْبِ بِالْمِقْلَاعِ وَالْحِجَارَةِ؟ لَأْبَدِّدَنَّ لَحْمَكَ، وَلَأُطْعِمَنَّهُ الْيَوْمَ الطَّيْرَ، وَالسِّبَاعَ فَقَالَ لَهُ دَاوُدُ: بَلْ أَنْتَ عَدُوُّ اللَّهِ شَرٌّ مِنَ الْكَلْبِ. فَأَخَذَ دَاوُدُ حَجَرًا وَرَمَاهُ بِالْمِقْلَاعِ، فَأَصَابَتْ بَيْنَ عَيْنَيْهِ حَتَّى نَفَذَتْ فِي دِمَاغِهِ، فَصُرِعَ جَالُوتُ، وَانْهَزَمَ مَنْ مَعَهُ، وَاحْتَزَّ دَاوُدُ رَأْسَهُ. فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَى طَالُوتَ ادَّعَى النَّاسُ قَتْلَ جَالُوتَ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَأْتِي بِالسَّيْفِ وَبِالشَّيْءِ مِنْ سِلَاحِهِ أَوْ جَسَدِهِ، وَخَبَّأَ دَاوُدُ رَأْسَهُ، فَقَالَ طَالُوتُ: مَنْ جَاءَ بِرَأْسِهِ فَهُوَ الَّذِي قَتَلَهُ. فَجَاءَ بِهِ دَاوُدُ. ثُمَّ قَالَ لِطَالُوتَ: أَعْطِنِي مَا وَعَدْتَنِي فَنَدِمَ طَالُوتُ عَلَى مَا كَانَ شَرْطٌ لَهُ، وَقَالَ: إِنَّ بَنَاتِ الْمُلُوكِ لَا بُدَّ لَهُنَّ مِنْ صَدَاقٍ، وَأَنْتَ رَجُلٌ جَرِيءٌ شُجَاعٌ، فَاحْتَمِلْ صَدَاقَهَا ثَلَثَمِائَةِ غَلْفَةٍ مِنْ أَعْدَائِنَا وَكَانَ يَرْجُو بِذَلِكَ أَنْ يُقْتَلَ دَاوُدُ. فَغَزَا دَاوُدُ وَأَسَرَ مِنْهُمْ ثَلَثَمِائَةٍ، وَقَطَعَ غُلَفَهُمْ وَجَاءَ بِهَا، فَلَمْ يَجِدْ طَالُوتُ بُدًّا مِنْ أَنْ يُزَوِّجَهُ. ثُمَّ أَدْرَكَتْهُ النَّدَامَةُ، فَأَرَادَ قَتْلَ دَاوُدَ حَتَّى هَرَبَ مِنْهُ إِلَى الْجَبَلِ، فَنَهَضَ إِلَيْهِ طَالُوتُ فَحَاصَرَهُ. فَلَمَّا كَانَ ذَاتَ لَيْلَةٍ سُلِّطَ النَّوْمُ عَلَى طَالُوتَ وَحَرَسِهِ، فَهَبَطَ إِلَيْهِمْ دَاوُدُ، فَأَخَذَ إِبرِيقَ طَالُوتَ الَّذِي كَانَ يَشْرَبُ مِنْهُ وَيَتَوَضَّأُ، وَقَطَعَ شَعْرَاتٍ مِنْ لِحْيَتِهِ وَشَيْئًا مِنْ هُدْبِ ثِيَابِهِ، ثُمَّ رَجَعَ دَاوُدُ إِلَى مَكَانِهِ، فَنَادَاهُ أَنَّى حَرَسُكَ، فَإِنِّي لَوْ شِئْتُ أَقْتُلُكَ الْبَارِحَةَ فَعَلْتُ، فَإِنَّهُ هَذَا إِبْرِيقُكَ وَشَيْءٌ مِنْ شَعْرِ لِحْيَتِكَ ⦗٥٠٠⦘ وَهُدْبِ ثِيَابِكَ، وَبَعَثَ إِلَيْهِ. فَعَلِمَ طَالُوتُ أَنَّهُ لَوْ شَاءَ قَتَلَهُ، فَعَطَفَهُ ذَلِكَ عَلَيْهِ فَأَمَّنَهُ، وَعَاهَدَهُ بِاللَّهِ لَا يَرَى مِنْهُ بَأْسًا. ثُمَّ انْصَرَفَ. ثُمَّ كَانَ فِي آخِرِ أَمْرِ طَالُوتَ أَنَّهُ كَانَ يَدُسُّ لِقَتْلِهِ، وَكَانَ طَالُوتُ لَا يُقَاتِلُ عَدُوًّا إِلَّا هُزِمَ، حَتَّى مَاتَ» قَالَ بَكَّارٌ: وَسُئِلَ وَهْبٌ وَأَنَا أَسْمَعُ: أَنَبِيًّا كَانَ طَالُوتُ يُوحَى إِلَيْهِ؟ فَقَالَ: لَمْ يَأْتِهِ وَحْي، وَلَكِنْ كَانَ مَعَهُ نَبِيُّ يُقَالُ لَهُ أشمويل يُوحَى إِلَيْهِ، وَهُوَ الَّذِي مَلَّكَ طَالُوتَ “
٤ / ٤٩٨
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: «كَانَ دَاوُدُ النَّبِيَّ وَإِخْوَةٌ لَهُ أَرْبَعَةٌ، مَعَهُمْ أَبُوهُمْ شَيْخٌ كَبِيرٌ، فَتَخَلَّفَ أَبُوهُمْ وَتَخَلَّفَ مَعَهُ دَاوُدُ مِنْ بَيْنِ إِخْوَتِهِ فِي غَنَمِ أَبِيهِ يَرْعَاهَا لَهُ، وَكَانَ مِنْ أَصْغَرِهِمْ وَخَرَجَ إِخْوَتُهُ الْأَرْبَعَةُ مَعَ طَالُوتَ، فَدَعَاهُ أَبُوهُ وَقَدْ تَقَارَبَ النَّاسُ وَدَنَا بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ»
٤ / ٥٠٠
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: «وَكَانَ دَاوُدُ فِيمَا ذَكَرَ لِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، رَجُلًا قَصِيرًا أَزْرَقَ قَلِيلَ شَعْرِ الرَّأْسِ، وَكَانَ طَاهِرَ الْقَلْبِ نَقِيَّهُ، فَقَالَ لَهُ أَبُوهُ: يَا بُنَيَّ إِنَّا قَدْ صَنَعْنَا لِإِخْوَتِكَ زَادًا يَتَقَوَّوْنَ بِهِ عَلَى عَدُوِّهِمْ، فَاخْرُجْ بِهِ إِلَيْهِمْ، فَإِذَا دَفَعْتَهُ إِلَيْهِمْ فَأَقْبِلْ إِلَيَّ سَرِيعًا فَقَالَ: أَفْعَلُ. فَخَرَجَ وَأَخَذَ مَعَهُ مَا حَمَلَ لِإِخْوَتِهِ، وَمَعَهُ مِخْلَاتُهُ الَّتِي يَحْمِلُ فِيهَا الْحِجَارَةَ، وَمِقْلَاعُهُ الَّذِي كَانَ يَرْمِي بِهِ عَنْ غَنَمِهِ. حَتَّى إِذَا فَصَلَ مِنْ عِنْدِ ⦗٥٠١⦘ أَبِيهِ، فَمَرَّ بِحَجَرٍ، فَقَالَ: يَا دَاوُدُ خُذْنِي فَاجْعَلْنِي فِي مِخْلَاتِكَ تَقْتُلُ بِي جَالُوتَ، فَإِنِّي حَجَرُ يَعْقُوبَ فَأَخَذَهُ فَجَعَلَهُ فِي مِخْلَاتِهِ، وَمَشَى. فَبَيْنَا هُوَ يَمْشِي إِذْ مَرَّ بِحَجَرٍ آخَرَ، فَقَالَ: يَا دَاوُدُ خُذْنِي فَاجْعَلْنِي فِي مِخْلَاتِكَ تَقْتُلُ بِي جَالُوتَ، فَإِنِّي حَجَرُ إِسْحَاقَ فَأَخَذَهُ فَجَعَلَهُ فِي مِخْلَاتِهِ، ثُمَّ مَضَى. فَبَيْنَا هُوَ يَمْشِي إِذْ مَرَّ بِحَجَرٍ، فَقَالَ: يَا دَاوُدُ خُذْنِي فَاجْعَلْنِي فِي مِخْلَاتِكَ تَقْتُلُ بِي جَالُوتَ، فَإِنِّي حَجَرُ إِبْرَاهِيمَ فَأَخَذَهُ فَجَعَلَهُ فِي مِخْلَاتِهِ. ثُمَّ مَضَى بِمَا مَعَهُ حَتَّى انْتَهَى إِلَى الْقَوْمِ، فَأَعْطَى إِخْوَتَهُ مَا بُعِثَ إِلَيْهِمْ مَعَهُ. وَسَمِعَ فِيَ الْعَسْكَرِ خَوْضَ النَّاسِ بِذِكْرِ جَالُوتَ، وَعِظَمِ شَأْنِهِ فِيهِمْ، وَبِهَيْبَةِ النَّاسِ إِيَّاهُ، وَمِمَّا يُعَظِّمُونَ مِنْ أَمْرِهِ، فَقَالَ لَهُمْ: وَاللَّهِ إِنَّكُمْ لَتُعَظِّمُونَ مِنْ أَمْرِ هَذَا الْعَدُوِّ شَيْئًا مَا أَدْرِي مَا هُوَ، وَاللَّهِ إِنِّي لَوْ أَرَاهُ لَقَتَلْتُهُ، فَأَدْخِلُونِي عَلَى الْمَلِكِ فَأُدْخِلَ عَلَى الْمَلِكِ طَالُوتَ، فَقَالَ: أَيُّهَا الْمَلِكُ إِنِّي أَرَاكُمْ تُعَظِّمُونَ شَأْنَ هَذَا الْعَدُوِّ، وَاللَّهِ إِنِّي لَوْ أَرَاهُ لَقَتَلْتُهُ فَقَالَ: يَا بُنَيَّ مَا عِنْدَكَ مِنَ الْقُوَّةِ عَلَى ذَلِكَ؟ وَمَا جَرَّبْتَ مِنْ نَفْسِكِ؟ قَالَ: قَدْ كَانَ الْأَسَدُ يَعْدُو عَلَى الشَّاةِ مِنْ غَنَمِي، فَأُدْرِكُهُ فَآخُذُ بِرَأْسِهِ، فَأَفُكُ لَحْيَيْهِ عَنْهَا، فَآخُذُهَا مِنْ فِيهِ، فَادْعُ لِي بِدِرْعٍ حَتَّى أُلْقِيَهَا عَلَيَّ فَأُتِيَ بِدِرْعٍ، فَقَذَفَهَا فِي عُنُقِهِ وَمَثُلَ فِيهَا فَمَلَأَ عَيْنَ طَالُوتَ وَنَفْسَهُ وَمَنْ حَضَرَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَقَالَ طَالُوتُ: وَاللَّهِ لَعَسَى اللَّهُ أَنْ يُهْلِكَهُ بِهِ فَلَمَّا أَصْبَحُوا رَجَعُوا إِلَى جَالُوتَ، فَلَمَّا الْتَقَى النَّاسُ قَالَ دَاوُدُ: أَرُونِي جَالُوتَ فَأَرَوْهُ ⦗٥٠٢⦘ إِيَّاهُ عَلَى فَرَسٍ عَلَيْهِ لِأُمَّتِهِ؛ فَلَمَّا رَآهُ جَعَلَتِ الْأَحْجَارُ الثَّلَاثَةُ تَوَاثَبُ مِنْ مِخْلَاتِهِ، فَيَقُولُ هَذَا: خُذْنِي وَيَقُولُ هَذَا: خُذْنِي وَيَقُولُ هَذَا: خُذْنِي فَأَخَذَ أَحَدُهَا فَجَعَلَهُ فِي مِقْذَافِهِ، ثُمَّ قَتَلَهُ بِهِ، ثُمَّ أَرْسَلَهُ فَصَكَّ بَيْنَ عَيْنَيْ جَالُوتَ فَدَمَغَهُ، وَتَنَكَّسَ عَنْ دَابَّتِهِ فَقَتَلَهُ. ثُمَّ انْهَزَمَ جُنْدُهُ، وَقَالَ النَّاسُ: قَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ، وَخُلِعَ طَالُوتُ. وَأَقْبَلَ النَّاسُ عَلَى دَاوُدَ مَكَانَهُ، حَتَّى لَمْ يُسْمَعْ لِطَالُوتَ بِذِكْرٍ؛ إِلَّا أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ لَمَّا رَأَى انْصِرَافَ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْهُ إِلَى دَاوُدَ، هَمَّ بِأَنْ يَغْتَالَ دَاوُدَ وَأَرَادَ قَتْلَهُ فَصَرَفَ اللَّهُ ذَلِكَ عَنْهُ، وَعَنْ دَاوُدَ وَعَرَفَ خَطِيئَتَهُ، وَالْتَمَسَ التَّوْبَةَ مِنْهَا إِلَى اللَّهِ» وَقَدْ رُوِيَ عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ فِي أَمْرِ طَالُوتَ وَدَاودَ قَوْلٌ خِلَافُ الرِّوَايَتَيْنِ اللَّتَيْنِ ذَكَرْنَا قَبْلُ