حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا سَالِمُ بْنُ نُوحٍ، قَالَ: ثنا عُمَرُ بْنُ عَامِرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: «خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ لِثَمَانَ عَشْرَةَ مَضَتْ مِنْ رَمَضَانَ، فَمِنَّا الصَّائِمُ، وَمِنَّا الْمُفْطِرُ، فَلَمْ يَعِبِ الْمُفْطِرُ عَلَى الصَّائِمِ، وَلَا الصَّائِمُ عَلَى الْمُفْطِرِ» فَإِذَا كَانَا فَاسِدَيْنِ هَذَانِ التَّأْوِيلَانِ بِمَا عَلَيْهِ دَلَّلْنَا مِنْ فَسَادِهِمَا، فَتَبَيَّنَ أَنَّ الصَّحِيحَ مِنَ التَّأْوِيلِ هُوَ الثَّالِثُ، وَهُوَ قَوْلُ مَنْ قَالَ: ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾ [البقرة: ١٨٥] جَمِيعَ مَا شَهِدَ مِنْهُ مُقِيمًا، وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ
٣ / ٢٠١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ [البقرة: ١٨٥] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِذَلِكَ: وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فِي الشَّهْرِ فَأَفْطَرَ فَعَلَيْهِ صِيَامُ عِدَّةِ الْأَيَّامِ الَّتِي أَفْطَرَهَا مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ غَيْرِ أَيَّامِ شَهْرِ رَمَضَانَ. ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْمَرَضِ الَّذِي أَبَاحَ اللَّهُ مَعَهُ الْإِفْطَارَ وَأَوْجَبَ مَعَهُ عِدَّةَ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ الْمَرَضُ الَّذِي لَا يُطِيقُ صَاحِبُهُ مَعَهُ الْقِيَامَ لِصَلَاتِهِ. ⦗٢٠٢⦘ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
٣ / ٢٠١
حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ شُعْبَةَ الْبَصْرِيُّ، قَالَ: ثنا شَرِيكٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنِ الْحَسَنِ، أَنَّهُ قَالَ «إِذَا لَمْ يَسْتَطِعِ الْمَرِيضُ أَنْ يُصَلِّيَ قَائِمًا أَفْطَرَ»
٣ / ٢٠٢
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، عَنْ مُغِيرَةَ أَوْ عُبَيْدَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ «فِي الْمَرِيضِ إِذَا لَمْ يَسْتَطِعِ الصَّلَاةَ قَائِمًا: فَلْيُفْطِرْ يَعْنِي فِي رَمَضَانَ»
٣ / ٢٠٢
حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، قَالَ: ثنا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: سَأَلْتُ الْحَسَنَ، مَتَى يُفْطِرُ الصَّائِمُ؟ قَالَ «إِذَا جَهَدَهُ الصَّوْمُ، قَالَ: إِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُصَلِّيَ الْفَرَائِضَ كَمَا أُمِرَ» وَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَهُوَ كُلُّ مَرَضٍ كَانَ الْأَغْلَبُ مِنْ أَمْرِ صَاحِبِهِ بِالصَّوْمِ الزِّيَادَةَ فِي عِلَّتِهِ زِيَادَةً غَيْرَ مُحْتَمِلَةٍ وَذَلِكَ هُوَ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيِّ، حَدَّثَنَا بِذَلِكَ عَنْهُ الرَّبِيعُ. وَقَالَ آخَرُونَ: وَهُوَ كُلُّ مَرَضٍ يُسَمَّى مَرَضًا
٣ / ٢٠٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ بْنُ خَالِدٍ الرَّبَعِيُّ، قَالَ: ثنا طَرِيفُ بْنُ
٣ / ٢٠٢
تَمَّامٍ الْعُطَارِدِيُّ، «أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، فِي رَمَضَانَ وَهُوَ يَأْكُلُ فَلَمْ يَسْأَلْهُ، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ: إِنَّهُ وَجِعَتْ إِصْبَعِي هَذِهِ» وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا، أَنَّ الْمَرَضَ الَّذِي أَذِنَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ بِالْإِفْطَارِ مَعَهُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ مَنْ كَانَ الصَّوْمُ جَاهَدَهُ جَهْدًا غَيْرَ مُحْتَمَلٍ، فَكُلُّ مَنْ كَانَ كَذَلِكَ فَلَهُ الْإِفْطَارُ وَقَضَاءُ عِدَّةٍ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ، وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا بَلَغَ ذَلِكَ الْأَمْرَ، فَإِنَّ لَمْ يَكُنْ مَأْذُونًا لَهُ فِي الْإِفْطَارِ فَقَدْ كُلِّفَ عُسْرًا وَمُنِعَ يُسْرًا، وَذَلِكَ غَيْرُ الَّذِي أَخْبَرَ اللَّهُ أَنَّهُ أَرَادَهُ بِخَلْقِهِ بِقَوْلِهِ: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ [البقرة: ١٨٥] وَأَمَّا مَنْ كَانَ الصَّوْمُ غَيْرَ جَاهِدِهِ، فَهُوَ بِمَعْنَى الصَّحِيحِ الَّذِي يُطِيقُ الصَّوْمَ، فَعَلَيْهِ أَدَاءُ فَرْضِهِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ [البقرة: ١٨٤] فَإِنَّ مَعْنَاهَا: أَيَّامٌ مَعْدُودَةٌ سِوَى هَذِهِ الْأَيَّامِ. وَأَمَّا الْأُخَرُ فَإِنَّهَا جَمْعُ أُخْرَى بِجَمْعِهِمُ الْكُبْرَى عَلَى الْكُبَرِ، وَالْقُرْبَى عَلَى الْقُرَبِ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: أَوَلَيْسَتِ الْأُخَرُ مِنْ صِفَةِ الْأَيَّامِ؟ قِيلَ: بَلَى، فَإِنْ قَالَ: أَوَلَيْسَ وَاحِدَ الْأَيَّامِ يَوْمٌ وَهُوَ مُذَكَّرٌ؟ قِيلَ: بَلَى.
٣ / ٢٠٣
فَإِنْ قَالَ: فَكَيْفَ يَكُونُ وَاحِدُ الْأُخَرِ أُخْرَى وَهِيَ صِفَةٌ لِلْيَوْمِ وَلَمْ يَكُنْ آخَرُ؟ قِيلَ: إِنَّ وَاحِدَ الْأَيَّامِ وَإِنْ كَانَ إِذَا نُعِتَ بِوَاحِدِ الْأُخَرِ فَهُوَ آخَرُ، فَإِنَّ الْأَيَّامَ فِي الْجَمْعِ تَصِيرُ إِلَى التَّأْنِيثِ، فَتَصِيرُ نُعُوتُهَا وَصِفَاتُهَا كَهَيْئَةِ صِفَاتِ الْمُؤَنَّثِ، كَمَا يُقَالُ: مَضَتِ الْأَيَّامُ جَمْعٌ، وَلَا يُقَالُ: أَجْمَعُونَ، وَلَا أَيَّامٌ آخَرُونَ. فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِلٌ: فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ [البقرة: ١٨٤] وَمَعْنَى ذَلِكَ عِنْدَكَ: فَعَلَيْهِ عِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ كَمَا قَدْ وَصَفْتُ فِيمَا مَضَى. فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ تَأْوِيلَهُ، فَمَا قَوْلُكَ فِيمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَصَامَ الشَّهْرَ وَهُوَ مِمَّنْ لَهُ الْإِفْطَارُ، أَيَجْزِيهِ ذَلِكَ مِنْ صِيَامِ عِدَّةٍ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ، أَوْ غَيْرِ مُجْزِيهِ ذَلِكَ؟ وَفَرْضُ صَوْمِ عِدَّةٍ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ثَابِتٌ عَلَيْهِ بِهِيئَتِهِ وَإِنْ صَامَ الشَّهْرَ كُلَّهُ، وَهَلْ لِمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ صِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ، أَمْ ذَلِكَ مَحْظُورٌ عَلَيْهِ، وَغَيْرُ جَائِزٍ لَهُ صَوْمُهُ، وَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ الْإِفْطَارُ فِيهِ حَتَّى يُقِيمَ هَذَا وَيَبْرَأَ هَذَا؟ قِيلَ: قَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي كُلِّ ذَلِكَ، وَنَحْنُ ذَاكِرُو اخْتِلَافِهِمْ فِي ذَلِكَ، وَمُخْبِرُونَ بِأَوْلَاهُ بِالصَّوَابِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. فَقَالَ بَعْضُهُمُ: الْإِفْطَارُ فِي الْمَرَضِ عَزْمَةٌ مِنَ اللَّهِ وَاجِبَةٌ، وَلَيْسَ بِتَرْخِيصٍ
٣ / ٢٠٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، وَحَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، جَمِيعًا، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ «الْإِفْطَارُ فِي السَّفَرِ عَزْمَةٌ»
٣ / ٢٠٥
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ، عَنْ يَعْلَى، عَنْ يُوسُفَ بْنِ الْحَكَمِ، قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ، أَوْ سُئِلَ عَنِ الصَّوْمِ فِي السَّفَرِ، فَقَالَ «أَرَأَيْتَ لَوْ تَصَدَّقْتَ عَلَى رَجُلٍ بِصَدَقَةٍ فَرَدَّهَا عَلَيْكَ أَلَمْ تَغْضَبْ؟ فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ مِنَ اللَّهِ تَصَدَّقَ بِهَا عَلَيْكُمْ»
٣ / ٢٠٥
حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَزْدِيُّ، قَالَ: ثنا الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ حُمَيْدٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ «كَانَ أَبِي لَا يَصُومُ فِي السَّفَرِ وَيَنْهَى عَنْهُ»
٣ / ٢٠٥
وَحَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثنا عُبَيْدٌ، عَنِ الضَّحَّاكِ «أَنَّهُ كَرِهَ الصَّوْمَ فِي السَّفَرِ» وَقَالَ أَهْلُ هَذِهِ الْمَقَالَةِ: مَنْ صَامَ فِي السَّفَرِ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ إِذَا قَامَ. ⦗٢٠٦⦘ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
٣ / ٢٠٥
حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْخَثْعَمِيُّ، قَالَ: ثنا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا رَبِيعَةُ بْنُ كُلْثُومٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رَجُلٍ، أَنَّ عُمَرَ، «أَمَرَ الَّذِي صَامَ فِي السَّفَرِ أَنْ يُعِيدَ»
٣ / ٢٠٦
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ «أَمَرَ عُمَرُ رَجُلًا صَامَ فِي السَّفَرِ أَنْ يُعِيدَ صَوْمَهُ»
٣ / ٢٠٦
حَدَّثَنِي ابْنُ حُمَيْدٍ الْحِمْصِيُّ، قَالَ: ثنا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ الْمُحَرَّرِ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ «كُنْتُ مَعَ أَبِي فِي سَفَرٍ فِي رَمَضَانَ، فَكُنْتُ أَصُومُ، وَيُفْطِرُ، فَقَالَ لِي أَبِي: أَمَا إِنَّكَ إِذَا أَقَمْتَ قَضَيْتَ»
٣ / ٢٠٦
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ عَاصِمٍ، مَوْلَى قُرَيْبَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ عُرْوَةَ، «يَأْمُرُ رَجُلًا صَامَ فِي السَّفَرِ أَنْ يَقْضِيَ»
٣ / ٢٠٦
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ الصَّمَدِ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ عَاصِمٍ مَوْلَى قُرَيْبَةَ، «أَنَّ رَجُلًا صَامَ فِي السَّفَرِ فَأَمَرَهُ عُرْوَةُ أَنْ يَقْضِيَ»
٣ / ٢٠٧
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ صُبَيْحٍ، قَالَ: ثنا رَبِيعَةُ بْنُ كُلْثُومٍ، عَنْ أَبِيهِ كُلْثُومٍ، أَنَّ قَوْمًا قَدِمُوا عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَقَدْ صَامُوا رَمَضَانَ فِي سَفَرٍ، فَقَالَ لَهُمْ «وَاللَّهِ لَكَأَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَصُومُونَ فَقَالُوا: وَاللَّهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَقَدْ صُمْنَا، قَالَ: فَأَطْقَتْمُوهُ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: فَاقْضُوهُ فَاقْضُوهُ فَاقْضُوهُ» وَعِلَّةُ مَنْ قَالَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ فَرَضَ بِقَوْلِهِ: ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾ [البقرة: ١٨٥] صَوْمَ شَهْرِ رَمَضَانَ عَلَى مَنْ شَهِدَهُ مُقِيمًا غَيْرَ مُسَافِرٍ، وَجَعَلَ عَلَى مَنْ كَانَ مَرِيضًا، أَوْ مُسَافِرًا صَوْمَ عِدَّةٍ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ غَيْرَ أَيَّامِ شَهْرِ رَمَضَانَ بِقَوْلِهِ: ﴿وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ [البقرة: ١٨٥] قَالُوا: فَكَمَا غَيْرُ جَائِزٍ لِلْمُقِيمِ إِفْطَارُ أَيَّامِ شَهْرِ رَمَضَانَ وَصَوْمُ عِدَّةِ أَيَّامٍ أُخَرَ مَكَانَهَا؛ لِأَنَّ الَّذِي فَرَضَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ بِشُهُودِهِ الشَّهْرَ صَوْمُ الشَّهْرِ دُونَ غَيْرِهِ، فَكَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ لِمَنْ لَمْ يَشْهَدْهُ مِنَ الْمُسَافِرِينَ مُقِيمًا صَوْمُهُ؛ لِأَنَّ الَّذِي فَرَضَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عِدَّةً مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ، وَاعْتَلُّوا أَيْضًا مِنَ الْخَبَرِ
٣ / ٢٠٧
بِمَا حَدَّثَنَا بِهِ، مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ الْوَاسِطِيُّ، قَالَ: ثنا يَعْقُوبُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزُّهْرِيُّ، قَالَ: ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، قَالَ: “قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «الصَّائِمُ فِي السَّفَرِ كَالْمُفْطِرِ فِي الْحَضَرِ» ⦗٢٠٨⦘ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «الصَّائِمُ فِي السَّفَرِ كَالْمُفْطِرِ فِي الْحَضَرِ» وَقَالَ آخَرُونَ: إِبَاحَةُ الْإِفْطَارِ فِي السَّفَرِ رُخْصَةٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ رَخَّصَهَا لِعِبَادِهِ، وَالْفَرْضُ الصَّوْمُ، فَمَنْ صَامَ فَرْضَهُ أَدَّى، وَمَنْ أَفْطَرَ فَبِرُخْصَةِ اللَّهِ لَهُ أَفْطَرَ، قَالُوا: وَإِنْ صَامَ فِي سَفَرٍ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ إِذَا أَقَامَ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
٣ / ٢٠٧
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، قَالَ: ثنا أَيُّوبُ، قَالَ: ثنا عُرْوَةُ، وَسَالِمٌ، أَنَّهُمَا كَانَا عِنْدَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، إِذْ هُوَ أَمِيرٌ عَلَى الْمَدِينَةِ فَتَذَاكَرُوا الصَّوْمَ فِي السَّفَرِ، قَالَ سَالِمٌ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ لَا يَصُومُ فِي السَّفَرِ، وَقَالَ عُرْوَةُ: وَكَانَتْ عَائِشَةُ تَصُومُ، فَقَالَ سَالِمٌ: إِنَّمَا أَخَذْتُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَقَالَ عُرْوَةُ: إِنَّمَا أَخَذْتُ عَنْ ⦗٢٠٩⦘ عَائِشَةَ حَتَّى ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ «اللَّهُمَّ عَفْوًا إِذَا كَانَ يُسْرًا فَصُومُوا، وَإِذَا كَانَ عُسْرًا فَأَفْطِرُوا» حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَيُّوبَ، قَالَ: حَدَّثَنِي رَجُلٌ، قَالَ: ذِكْرُ الصَّوْمِ فِي السَّفَرِ عِنْدَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، ثُمَّ ذِكْرُ نَحْوِ حَدِيثِ ابْنِ بَشَّارٍ
٣ / ٢٠٨
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ إِدْرِيسَ، ثنا ابْنُ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: «خَرَجَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ فِي لَيَالٍ بَقِيَتْ مِنْ رَمَضَانَ، فَقَالَ» إِنَّ الشَّهْرَ قَدْ تَشَعْشَعَ قَالَ أَبُو كُرَيْبٍ فِي حَدِيثِهِ أَوْ تَسَعْسَعَ، وَلَمْ يَشُكَّ يَعْقُوبُ فَلَوْ صُمْنَا فَصَامَ وَصَامَ النَّاسُ مَعَهُ، ثُمَّ أَقْبَلَ مَرَّةً قَافِلًا حَتَّى إِذَا كَانَ بِالرَّوْحَاءِ أَهَلَّ هِلَالُ شَهْرِ رَمَضَانَ، فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ قَضَى السَّفَرَ، فَلَوْ صُمْنَا وَلَمْ نَثْلِمْ شَهْرَنَا قَالَ: فَصَامَ وَصَامَ النَّاسُ مَعَهُ “
٣ / ٢٠٩
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا الْحَكَمُ بْنُ بَشِيرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، وَحَدَّثَنَا ⦗٢١٠⦘ مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا بَشِيرُ بْنُ سَلْمَانَ، عَنْ خَيْثَمَةَ، قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، عَنِ الصَّوْمِ فِي السَّفَرِ، قَالَ «قَدِ أَمَرْتُ غُلَامِي أَنْ يَصُومَ فَأَبَى. قُلْتُ: فَأَيْنَ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ [البقرة: ١٨٥] قَالَ: نَزَلَتْ وَنَحْنُ يَوْمَئِذٍ نَرْتَحِلُ جِيَاعًا وَنَنْزِلُ عَلَى غَيْرِ شَبِعٍ، وَإِنَا الْيَوْمَ نَرْتَحِلُ شِبَاعًا وَنَنْزِلُ عَلَى شَبِعٍ» حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، قَالَ: ثنا وَكِيعٌ: عَنْ بَشِيرِ بْنِ سَلْمَانَ، عَنْ خَيْثَمَةَ، عَنْ أَنَسٍ، نَحْوَهُ
٣ / ٢٠٩
حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، وَأَبُو السَّائِبِ، قَالَا: ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الصَّوْمِ فِي السَّفَرِ فَقَالَ «مَنْ أَفْطَرَ فَبِرُخْصَةِ اللَّهِ، وَمَنْ صَامَ فَالصَّوْمُ أَفْضَلُ»
٣ / ٢١٠
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ أَشْعَثَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ، قَالَ «الْفِطْرُ فِي السَّفَرِ رُخْصَةٌ، وَالصَّوْمُ أَفْضَلُ»
٣ / ٢١٠
حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ الصَّمَدِ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، قَالَ: ثنا أَبُو الْفَيْضِ، قَالَ: «كَانَ عَلِيٌّ عَلَيْنَا أَمِيرًا بِالشَّامِ، فَنَهَانَا عَنِ الصَّوْمِ فِي السَّفَرِ، فَسَأَلْتُ أَبَا قِرْصَافَةَ ⦗٢١١⦘ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ مِنْ بَنِي لَيْثٍ قَالَ عَبْدُ الصَّمَدِ: سَمِعْتُ رَجُلًا مِنْ قَوْمِهِ يَقُولُ: إِنَّهُ وَاثِلَةُ بْنُ الْأَسْقَعِ قَالَ لَوْ صُمْتُ فِي السَّفَرِ مَا قَضَيْتُ»
٣ / ٢١٠
حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، قَالَ: ثنا وَكِيعٌ، عَنْ بِسْطَامِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ «إِنْ صُمْتُمْ أَجْزَأَ عَنْكُمْ، وَإِنْ أَفْطَرْتُمْ فَرُخْصَةٌ»
٣ / ٢١١
حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، قَالَ: ثنا وَكِيعٌ، عَنْ كَهْمَسٍ، قَالَ: سَأَلْتُ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الصَّوْمِ فِي السَّفَرِ، فَقَالَ «إِنْ صُمْتُمْ أَجْزَأَ عَنْكُمْ، وَإِنْ أَفْطَرْتُمْ فَرُخْصَةٌ»
٣ / ٢١١
حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحِيمِ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ «مَنْ صَامَ فَحَقٌّ أَدَّاهُ، وَمَنْ أَفْطَرَ فَرُخْصَةٌ أَخَذَ بِهَا»
٣ / ٢١١
حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، قَالَ: ثنا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ «الْفِطْرُ فِي السَّفَرِ رُخْصَةٌ، وَالصَّوْمُ أَفْضَلُ»
٣ / ٢١١
حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، قَالَ: ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ حَجَّاجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ «هُوَ تَعْلِيمٌ وَلَيْسَ بِعَزْمٍ، يَعْنِي قَوْلَ اللَّهِ: ﴿وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ [البقرة: ١٨٥] إِنْ شَاءَ صَامَ، وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَصُمْ»
٣ / ٢١١
حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، قَالَ: ثنا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنِ الْحَسَنِ، «فِي الرَّجُلِ يُسَافَرُ فِي ⦗٢١٢⦘ رَمَضَانَ، قَالَ» إِنْ شَاءَ صَامَ، وَإِنْ شَاءَ أَفْطَرَ “
٣ / ٢١١
حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ بْنُ حَبِيبٍ، قَالَ: ثنا الْعَوَّامُ بْنُ حَوْشَبٍ، قَالَ: قُلْتُ لِمُجَاهِدٍ: الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ؟ قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَصُومُ فِيهِ وَيُفْطِرُ، قَالَ: قُلْتُ: فَأَيُّهُمَا أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: إِنَّمَا هِيَ رُخْصَةٌ، وَأَنْ تَصُومَ رَمَضَانَ أَحَبُّ إِلَيَّ»
٣ / ٢١٢
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَإِبْرَاهِيمَ، وَمُجَاهِدٍ، أَنَّهُمْ قَالُوا «الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ، إِنْ شَاءَ صَامَ، وَإِنْ شَاءَ أَفْطَرَ، وَالصَّوْمُ أَحَبُّ إِلَيْهِمْ»
٣ / ٢١٢
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: قَالَ لِي مُجَاهِدٌ، فِي الصَّوْمِ فِي السَّفَرِ، يَعْنِي صَوْمَ رَمَضَانَ «وَاللَّهِ مَا مِنْهُمَا إِلَّا حَلَالُ الصَّوْمِ، وَالْإِفْطَارِ، وَمَا أَرَادَ اللَّهُ بِالْإِفْطَارِ إِلَّا التَّيْسِيرَ لِعِبَادِهِ»
٣ / ٢١٢
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنِ الْأَشْعَثِ بْنِ سُلَيْمٍ، قَالَ «صَحِبْتُ أَبِي، وَالْأَسْوَدَ بْنَ يَزِيدَ، وَعَمْرَو بْنَ مَيْمُونٍ، وَأَبَا وَائِلٍ، إِلَى ⦗٢١٣⦘ مَكَّةَ،» وَكَانُوا يَصُومُونَ رَمَضَانَ وَغَيْرَهُ فِي السَّفَرِ “
٣ / ٢١٢
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَسَنٍ الْأَزْدِيُّ. قَالَ: ثنا مُعَافًى بْنُ عِمْرَانَ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، «الْفِطْرُ فِي السَّفَرِ رُخْصَةٌ، وَالصَّوْمُ أَفْضَلُ»
٣ / ٢١٣
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ الْوَاسِطِيُّ، قَالَ: ثنا يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا صَالِحُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قُلْتُ لِلْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، إِنَّا نُسَافِرُ فِي الشِّتَاءِ فِي رَمَضَانَ، فَإِنْ صُمْتَ فِيهِ كَانَ أَهْوَنَ عَلَيَّ مِنْ أَنْ أَقْضِيَهُ فِي الْحَرِّ. فَقَالَ «قَالَ اللَّهُ: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ [البقرة: ١٨٥] مَا كَانَ أَيْسَرَ عَلَيْكَ فَافْعَلْ» وَهَذَا الْقَوْلُ عِنْدَنَا أَوْلَى بِالصَّوَابِ لِإِجْمَاعِ الْجَمِيعِ عَلَى أَنَّ مَرِيضًا لَوْ صَامَ شَهْرَ رَمَضَانَ وَهُوَ مِمَّنْ لَهُ الْإِفْطَارُ لِمَرَضِهِ أَنَّ صَوْمَهُ ذَلِكَ مُجْزِئٌ عَنْهُ، وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ إِذَا بَرَأَ مِنْ مَرَضِهِ بِعِدَّةٍ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ، فَكَانَ مَعْلُومًا بِذَلِكَ أَنَّ حُكْمَ الْمُسَافِرِ حُكْمًهُ فِي أَنْ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ إِنْ صَامَهُ فِي سَفَرِهِ؛ لِأَنَّ الَّذِي جُعِلَ لِلْمُسَافِرِ مِنَ الْإِفْطَارِ وَأُمِرَ بِهِ مِنْ قَضَاءِ عِدَّةٍ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ مِثْلُ الَّذِي جُعِلَ مِنْ ذَلِكَ لِلْمَرِيضِ، وَأُمِرَ بِهِ مِنَ الْقَضَاءِ. ثُمَّ فِي دَلَالَةِ الْآيَةِ كِفَايَةٌ مُغْنِيَةٌ عَنِ اسْتِشْهَادِ شَاهِدٍ عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ بِغَيْرِهَا، وَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ ⦗٢١٤⦘ الْعُسْرَ﴾ [البقرة: ١٨٥] وَلَا عُسْرَ أَعْظَمَ مِنْ أَنْ يَلْزَمَ مَنْ صَامَهُ فِي سَفَرِهِ عِدَّةً مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ، وَقَدْ تَكَلَّفَ أَدَاءَ فَرْضِهِ فِي أَثْقَلِ الْحَالَيْنِ عَلَيْهِ حَتَّى قَضَاهُ وَأَدَّاهُ. فَإِنْ ظَنَّ ذُو غَبَاوَةٍ أَنَّ الَّذِي صَامَهُ لَمْ يَكُنْ فَرْضُهُ الْوَاجِبَ، فَإِنَّ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ﴾ [البقرة: ١٨٣]، ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ﴾ [البقرة: ١٨٥] مَا يُنْبِئُ أَنَّ الْمَكْتُوبَ صَوْمُهُ مِنَ الشُّهُورِ عَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ هُوَ شَهْرُ رَمَضَانَ مُسَافِرًا كَانَ أَوْ مُقِيمًا، لِعُمُومِ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ الْمُؤْمِنِينَ بِذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ﴾ [البقرة: ١٨٣] ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ﴾ [البقرة: ١٨٥] وَأَنَّ قَوْلَهُ: ﴿وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ [البقرة: ١٨٥] مَعْنَاهُ: وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَأَفْطَرَ بِرُخْصَةِ اللَّهِ فَعَلَيْهِ صَوْمُ عِدَّةِ أَيَّامٍ أُخَرَ مَكَانَ الْأَيَّامِ الَّتِي أَفْطَرَ فِي سَفَرِهِ أَوْ مَرَضِهِ. ثُمَّ فِي تَظَاهُرِ الْأَخْبَارِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِقَوْلِهِ إِذَا سُئِلَ عَنِ الصَّوْمِ فِي السَّفَرِ: «إِنْ شِئْتَ فَصُمْ، وَإِنْ شِئْتَ فَأَفْطَرَ» الْكِفَايَةُ الْكَافِيَةُ عَنِ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى صِحَّةِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ بِغَيْرِهِ
٣ / ٢١٣
حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحِيمِ، وَوَكِيعٌ، وَعَبْدَةُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ حَمْزَةَ، سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنِ الصَّوْمِ فِي السَّفَرِ، وَكَانَ يَسْرِدُ الصَّوْمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنْ شِئْتَ فَصُمْ، وَإِنْ شِئْتَ فَأَفْطَرَ» ⦗٢١٥⦘ حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، وَعُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْهَبَّارِيُّ، قَالَا: ثنا ابْنُ إِدْرِيسَ، قَالَ: ثنا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ حَمْزَةَ، سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ
٣ / ٢١٤
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، قَالَ: ثنا أَبُو زُرْعَةَ وَهْبُ اللَّهِ بْنُ رَاشِدٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْأَسْوَدِ، أَنَّهُ سَمِعَ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ، يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي مُرَاوِحٍ، عَنْ حَمْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ، صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ «يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَسْرِدُ الصَّوْمَ فَأَصُومُ فِي السَّفَرِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ» إِنَّمَا هِيَ رُخْصَةٌ مِنَ اللَّهِ لِعِبَادِهِ، فَمَنْ فَعَلَهَا فَحَسَنٌ جَمِيلٌ، وَمَنْ تَرَكَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ ” فَكَانَ حَمْزَةُ يَصُومُ الدَّهْرَ، فَيَصُومُ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ؛ وَكَانَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ يَصُومُ الدَّهْرَ، فَيَصُومُ فِي السَّفَرِ، وَالْحَضَرِ، حَتَّى إِنْ كَانَ لَيَمْرَضُ فَلَا يُفْطِرُ؛ وَكَانَ أَبُو مُرَاوِحٍ يَصُومُ الدَّهْرَ، فَيَصُومُ فِي السَّفَرِ، وَالْحَضَرِ فَفِي هَذَا مَعَ نَظَائِرِهِ مِنَ الْأَخْبَارِ الَّتِي يَطُولُ بِاسْتِيعَابِهَا الْكِتَابُ الدَّلَالَةُ الدَّالَّةُ عَلَى صِحَّةِ مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ الْإِفْطَارَ رُخْصَةٌ لَا عَزْمَ، وَالْبَيَانُ الْوَاضِحُ عَلَى صِحَّةِ مَا قُلْنَا ⦗٢١٦⦘ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: ﴿وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ [البقرة: ١٨٥] فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَإِنَّ الْأَخْبَارَ بِمَا قُلْتُ وَإِنْ كَانَتْ مُتَظَاهِرَةً، فَقَدْ تَظَاهَرَتْ أَيْضًا بِقَوْلِهِ: «لَيْسَ مِنَ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ»؟ قِيلَ: إِنَّ ذَلِكَ إِذَا كَانَ صِيَامٌ فِي مِثْلِ الْحَالِ الَّتِي جَاءَ الْأَثَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ فِي ذَلِكَ لِمَنْ قَالَ لَهُ
٣ / ٢١٥
حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ يَزِيدَ السَّبِيعِيُّ، قَالَ: ثنا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْحَسَنِ، عَنْ جَابِرٍ، ” أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ رَأَى رَجُلًا فِي سَفَرِهِ قَدْ ظُلِّلَ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ جَمَاعَةٌ، فَقَالَ: «مَنْ هَذَا؟» قَالُوا: صَائِمٌ، قَالَ: «لَيْسَ مِنَ الْبِرِّ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: أَخْشَى أَنْ يَكُونَ هَذَا الشَّيْخُ غَلِطَ وَبَيْنَ ابْنِ إِدْرِيسَ وَمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ شُعْبَةُ
٣ / ٢١٦
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعْدِ بْنِ زُرَارَةَ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، ⦗٢١٧⦘ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: «رَأَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ رَجُلًا قَدِ اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ، وَقَدْ ظُلِّلَ عَلَيْهِ، فَقَالُوا: هَذَا رَجُلٌ صَائِمٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لَيْسَ مِنَ الْبِرِّ أَنْ تَصُومُوا فِي السَّفَرِ» فَمَنْ بَلَغَ مِنْهُ الصَّوْمُ مَا بَلَغَ مِنَ الَّذِي قَالَ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ، ذَلِكَ، فَلَيْسَ مِنَ الْبِرِّ صَوْمُهُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ قَدْ حَرَّمَ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ تَعْرِيضَ نَفْسِهِ لِمَا فِيهِ هَلَاكُهَا، وَلَهُ إِلَى نَجَاتِهَا سَبِيلٌ، وَإِنَّمَا يُطْلَبُ الْبِرُّ بِمَا نَدَبَ اللَّهُ إِلَيْهِ وَحَضَّ عَلَيْهِ مِنَ الْأَعْمَالِ لَا بِمَا نَهَى عَنْهُ. وَأَمَّا الْأَخْبَارُ الَّتِي رُوِيَتْ عَنْهُ ﷺ مِنْ قَوْلِهِ: «الصَّائِمُ فِي السَّفَرِ كَالْمُفْطِرِ فِي الْحَضَرِ» فَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونُ قِيلَ لِمَنْ بَلَغَ مِنْهُ الصَّوْمُ مَا بَلَغَ مِنْ هَذَا الَّذِي ظُلِّلَ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ، وَغَيْرُ جَائِزٍ عَلَيْهِ أَنْ يُضَافَ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ قِيلَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْأَخْبَارَ الَّتِي جَاءَتْ بِذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَاهِيَةُ الْأَسَانِيدِ لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهَا فِي الدِّينِ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَكَيْفَ عَطَفَ عَلَى الْمَرِيضِ وَهُوَ اسْمٌ بِقَوْلِهِ: ﴿أَوْ عَلَى سَفَرٍ﴾ [البقرة: ١٨٤] وَعَلَى» صِفَةٍ لَا اسْمٍ؟ قِيلَ: جَازَ أَنْ يَنْسَقَ بِعَلَى عَلَى الْمَرِيضِ؛ لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى الْفِعْلِ، ⦗٢١٨⦘ وَتَأْوِيلُ ذَلِكَ: أَوْ مُسَافِرًا، كَمَا قَالَ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا﴾ [يونس: ١٢] فَعَطَفَ بِالْقَاعِدِ وَالْقَائِمِ عَلَى اللَّامِ الَّتِي فِي لِجَنْبِهِ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهَا الْفِعْلُ، كَأَنَّهُ قَالَ: دَعَانَا مُضْطَجِعًا أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا
٣ / ٢١٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ [البقرة: ١٨٥] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِذَلِكَ: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِتَرْخِيصِهِ لَكُمْ فِي حَالِ مَرَضِكُمْ وَسَفَرِكُمْ فِي الْإِفْطَارِ، وَقَضَاءِ عِدَّةِ أَيَّامٍ أُخَرَ مِنَ الْأَيَّامِ الَّتِي أَفْطَرْتُمُوهَا بَعْدُ إِقَامَتِكُمْ وَبَعْدَ بُرْئِكُمْ مِنْ مَرَضِكُمُ التَّخْفِيفَ عَلَيْكُمْ، وَالتَّسْهِيلَ عَلَيْكُمْ لِعِلْمِهِ بِمَشَقَّةِ ذَلِكَ عَلَيْكُمْ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ. ﴿وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ [البقرة: ١٨٥] يَقُولُ: وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الشِّدَّةَ، وَالْمَشَقَّةَ عَلَيْكُمْ، فَيُكَلِّفُكُمْ صَوْمَ الشَّهْرِ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ، مَعَ عِلْمِهِ شِدَّةَ ذَلِكَ عَلَيْكُمْ وَثِقَلَ حَمْلِهِ عَلَيْكُمْ لَوْ حَمَّلَكُمْ صَوْمَهُ
٣ / ٢١٨
كَمَا حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثنا مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ [البقرة: ١٨٥] قَالَ «الْيُسْرُ: الْإِفْطَارُ فِي السَّفَرِ، وَالْعُسْرُ: الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ»
٣ / ٢١٨
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، عَنِ الصَّوْمِ فِي السَّفَرِ، فَقَالَ «يُسْرٌ، وَعُسْرٌ، فَخُذْ بِيُسْرِ اللَّهِ»
٣ / ٢١٨
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ ⦗٢١٩⦘ شِبْلٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ﴾ [البقرة: ١٨٥] قَالَ «هُوَ الْإِفْطَارُ فِي السَّفَرِ، وَجُعِلَ عِدَّةً مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ﴿وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ [البقرة: ١٨٥]»
٣ / ٢١٨
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلِهِ ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ [البقرة: ١٨٥] فَأَرِيدُوا لِأَنْفُسِكُمُ الَّذِي أَرَادَ اللَّهُ لَكُمْ “
٣ / ٢١٩
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا سُوَيْدٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ «لَا تَعِبْ عَلَى مَنْ صَامَ، وَلَا عَلَى مَنْ أَفْطَرَ، يَعْنِي فِي السَّفَرِ فِي رَمَضَانَ ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ [البقرة: ١٨٥]»
٣ / ٢١٩
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: ثنا الْفُضَيْلُ بْنُ خَالِدٍ، قَالَ: ثنا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ بْنَ مُزَاحِمٍ، فِي قَوْلِهِ ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ﴾ [البقرة: ١٨٥] الْإِفْطَارَ فِي السَّفَرِ، ﴿وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ [البقرة: ١٨٥] الصِّيَامَ فِي السَّفَرِ “
٣ / ٢١٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ﴾ [البقرة: ١٨٥] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِذَلِكَ: ﴿وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ﴾ [البقرة: ١٨٥] عِدَّةَ مَا أَفْطَرْتُمْ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ أَوْجَبَتْ عَلَيْكُمْ قَضَاءَ عِدَّةٍ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ بَعْدَ بُرْئِكُمْ مِنْ مَرَضِكُمْ، أَوْ إِقَامَتِكُمْ مِنْ سَفَرِكُمْ
٣ / ٢١٩
كَمَا حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ ⦗٢٢٠⦘ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ﴾ [البقرة: ١٨٥] قَالَ «عِدَّةَ مَا أَفْطَرَ الْمَرِيضُ وَالْمُسَافِرُ»
٣ / ٢١٩
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ﴾ [البقرة: ١٨٥] قَالَ «إِكْمَالُ الْعِدَّةِ: أَنْ يَصُومَ مَا أَفْطَرَ مِنْ رَمَضَانَ فِي سَفَرٍ أَوْ مَرَضٍ إِلَى أَنْ يُتِمَّهُ، فَإِذَا أَتَمَّهُ فَقَدْ أَكْمَلَ الْعِدَّةَ» فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: مَا الَّذِي عَلَيْهِ بِهَذِهِ الْوَاوِ الَّتِي فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ﴾ [البقرة: ١٨٥] عَطَفَتْ؟ قِيلَ: اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ عَاطِفَةٌ عَلَى مَا قَبْلَهَا كَأَنَّهُ قِيلَ: وَيُرِيدُ لِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ. وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ: وَهَذِهِ اللَّامُ الَّتِي فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلِتُكْمِلُوا﴾ [البقرة: ١٨٥] لَامُ كَيْ، لَوْ أُلْقِيَتْ كَانَ صَوَابًا. قَالَ: وَالْعَرَبُ تُدْخِلُهَا فِي كَلَامِهَا عَلَى إِضْمَارِ فِعْلٍ بَعْدَهَا، وَلَا تَكُونُ شَرْطًا لِلْفِعْلِ الَّذِي قَبْلَهَا، وَفِيهَا الْوَاوُ؛ أَلَا تَرَى أَنَّكَ تَقُولُ: جِئْتُكَ لِتُحْسِنَ إِلَيَّ، وَلَا تَقُولُ: جِئْتُكَ وَلِتُحْسِنَ إِلَيَّ؛ فَإِذَا قُلْتَهُ فَأَنْتَ تُرِيدُ: وَلِتُحْسِنَ جِئْتُكَ. قَالَ: وَهَذَا فِي الْقُرْآنِ كَثِيرٌ، مِنْهُ قَوْلِهِ: ﴿وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةٌ﴾ [الأنعام: ١١٣] وَقَوْلُهُ: ﴿وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ﴾ وَلَوْ لَمْ تَكُنْ فِيهِ الْوَاوُ كَانَ شَرْطًا عَلَى قَوْلِكَ: أَرَيْنَاهُ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ لِيَكُونَ، فَإِذَا كَانَتِ الْوَاوُ فِيهَا فَلَهَا فِعْلٌ مُضْمَرٌ بَعْدَهَا، وَ«لِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ» أَرَيْنَاهُ.
٣ / ٢٢٠
وَهَذَا الْقَوْلُ أَوْلَى بِالصَّوَابِ فِي الْعَرَبِيَّةِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: ﴿وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ﴾ [البقرة: ١٨٥] لَيْسَ قَبْلَهُ لَامٌ بِمَعْنَى الَّتِي فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ﴾ [البقرة: ١٨٥] فَتَعْطِفُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ﴾ [البقرة: ١٨٥] عَلَيْهَا، وَإِنَّ دُخُولَ الْوَاوِ مَعَهَا يُؤْذِنُ بِأَنَّهَا شَرْطٌ لِفِعْلٍ بَعْدَهَا، إِذْ كَانَتِ الْوَاوُ لَوْ حُذِفَتْ كَانَتْ شَرْطًا لِمَا قَبْلَهَا مِنَ الْفِعْلِ
٣ / ٢٢١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ﴾ [البقرة: ١٨٥] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلِتُعَظِّمُوا اللَّهَ بِالذِّكْرِ لَهُ بِمَا أَنْعَمَ عَلَيْكُمْ بِهِ مِنَ الْهِدَايَةِ الَّتِي خَذَلَ عَنْهَا غَيْرَكُمْ مِنْ أَهْلِ الْمِلَلِ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمْ مِنْ صَوْمِ شَهْرِ رَمَضَانَ مِثْلُ الَّذِي كُتِبَ عَلَيْكُمْ فِيهِ، فَضَلُّوا عَنْهُ بِإِضْلَالِ اللَّهِ إِيَّاهُمْ، وَخَصَّكُمْ بِكَرَامَتِهِ فَهَدَاكُمْ لَهُ، وَوَفَّقَكُمْ لِأَدَاءِ مَا كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ مِنْ صَوْمَهِ، وَتَشْكُرُوهُ عَلَى ذَلِكَ بِالْعِبَادَةِ لَهُ. وَالذِّكْرُ الَّذِي خَصَّهُمُ اللَّهُ عَلَى تَعْظِيمِهِ بِهِ التَّكْبِيرَ يَوْمَ الْفِطْرِ فِيمَا تَأَوَّلَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ
٣ / ٢٢١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ قَيْسٍ، قَالَ: سَمِعْتُ زَيْدَ بْنَ أَسْلَمَ، يَقُولُ: ﴿وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ﴾ [البقرة: ١٨٥] قَالَ «إِذَا رَأَى الْهِلَالَ، فَالتَّكْبِيرُ مِنْ حِينَ يَرَى الْهِلَالَ حَتَّى يَنْصَرِفَ الْإِمَامُ فِي الطَّرِيقِ وَالْمَسْجِدِ إلَّا أَنَّهُ إِذَا حَضَرَ الْإِمَامُ كُفَّ فَلَا يُكَبَّرُ إِلَّا بِتَكْبِيرِهِ»
٣ / ٢٢١
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا سُوَيْدٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ، يَقُولُ: ﴿وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ﴾ [البقرة: ١٨٥] قَالَ «بَلَغَنَا أَنَّهُ التَّكْبِيرُ يَوْمَ الْفِطْرِ»
٣ / ٢٢٢
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ «حَقٌّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ إِذَا نَظَرُوا إِلَى هِلَالِ شَوَّالٍ أَنْ يُكَبِّرُوا اللَّهَ حَتَّى يَفْرُغُوا مِنْ عِيدِهِمْ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ يَقُولُ: ﴿وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ﴾ [البقرة: ١٨٥]» قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: يَنْبَغِي لَهُمْ إِذَا غَدَوْا إِلَى الْمُصَلَّى كَبَّرُوا، فَإِذَا جَلَسُوا كَبَّرُوا، فَإِذَا جَاءَ الْإِمَامُ صَمَتُوا، فَإِذَا كَبَّرَ الْإِمَامُ كَبَّرُوا، وَلَا يُكَبِّرُونَ إِذَا جَاءَ الْإِمَامُ إِلَّا بِتَكْبِيرِهِ، حَتَّى إِذَا فَرَغَ وَانْقَضَتِ الصَّلَاةُ فَقَدِ انْقَضَى الْعِيدُ قَالَ يُونُسُ، قَالَ ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدٍ «وَالْجَمَاعَةُ عِنْدَنَا عَلَى أَنْ يَغْدُوا بِالتَّكْبِيرِ إِلَى الْمُصَلَّى»
٣ / ٢٢٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [البقرة: ١٨٥] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِذَلِكَ: وَلِتَشْكُرُوا اللَّهَ عَلَى مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْكُمْ مِنَ الْهِدَايَةِ وَالتَّوْفِيقِ. وَتَيْسِيرِ مَا لَوْ شَاءَ عُسِّرَ عَلَيْكُمْ. وَ«لَعَلَّ» فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بِمَعْنَى «كَيْ»، وَلِذَلِكَ عُطِفَ بِهِ عَلَى قَوْلِهِ: ﴿وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [البقرة: ١٨٥]
٣ / ٢٢٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ [البقرة: ١٨٦] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِذَلِكَ: وَإِذَا سَأَلَكَ يَا مُحَمَّدُ عِبَادِي عَنِّي أَيْنَ أَنَا؟ فَإِنِّي قَرِيبٌ مِنْهُمْ أَسْمَعُ دُعَاءَهُمْ، وَأُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِيَ مِنْهُمْ. وَقَدِ اخْتَلَفُوا فِيمَا أُنْزِلَتْ فِيهِ هَذِهِ الْآيَةُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: نَزَلَتْ فِي سَائِلٍ سَأَلَ ⦗٢٢٣⦘ النَّبِيَّ ﷺ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَقَرِيبٌ رَبُّنَا فَنُنَاجِيهِ، أَمْ بَعِيدٌ فَنُنَادِيهِ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ﴾ [البقرة: ١٨٦] الْآيَةَ
٣ / ٢٢٢
حَدَّثَنَا بِذَلِكَ ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ عَبْدَةَ السِّجِسْتَانِيِّ، عَنِ الصَّلْتِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ عَوْفٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ «سَأَلَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ ﷺ النَّبِيَّ ﷺ: أَيْنَ رَبُّنَا؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ. .﴾ [البقرة: ١٨٦] الْآيَةَ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ نَزَلَتْ جَوَابًا لِمَسْأَلَةِ قَوْمٍ سَأَلُوا النَّبِيَّ ﷺ: أَيُّ سَاعَةٍ يَدْعُونَ اللَّهَ فِيهَا؟
٣ / ٢٢٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ «لَمَّا نَزَلَتْ ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ [غافر: ٦٠] قَالُوا فِي أَيِّ سَاعَةٍ؟ قَالَ: فَنَزَلَتْ: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ﴾ [البقرة: ١٨٦] إِلَى ⦗٢٢٤⦘ قَوْلِهِ: ﴿لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ [البقرة: ١٨٦]»
٣ / ٢٢٣
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْأَهْوَازِيُّ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، فِي قَوْلِهِ «﴿أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾ [البقرة: ١٨٦] قَالُوا: لَوْ عَلِمْنَا أَيَّ سَاعَةٍ نَدْعُو؟ فَنَزَلَتْ ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ﴾ [البقرة: ١٨٦] الْآيَةُ»
٣ / ٢٢٤
حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: زَعَمَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ، أَنَّهُ بَلَغَهُ لَمَّا نَزَلَتْ ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ [غافر: ٦٠] قَالَ النَّاسُ: لَوْ نَعْلَمُ أَيَّ سَاعَةٍ نَدْعُو؟ فَنَزَلَتْ: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ [البقرة: ١٨٦] “
٣ / ٢٢٤
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ ثنا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ صَالِحٍ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ أَنَّهُ، بَلَغَهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ:»مَا أُعْطِيَ أَحَدٌ الدُّعَاءَ ⦗٢٢٥⦘ وَمُنِعَ الْإِجَابَةَ، لِأَنَّ اللَّهَ يَقُولُ: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ” وَمَعْنَى مُتَأَوِّلِي هَذَا التَّأْوِيلِ: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي أَيُّ سَاعَةٍ يَدْعُونَنِي فَإِنِّي مِنْهُمْ قَرِيبٌ فِي كُلِّ وَقْتٍ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ نَزَلَتْ جَوَابًا لِقَوْلِ قَوْمٍ قَالُوا إِذْ قَالَ اللَّهُ لَهُمْ: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ [غافر: ٦٠] إِلَى أَيْنَ نَدْعُوهُ؟
٣ / ٢٢٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ مُجَاهِدٌ، ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ [غافر: ٦٠] قَالُوا: إِلَى أَيْنَ؟ فَنَزَلَتْ: ﴿أَيْنَ مَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ ” وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ نَزَلَتْ جَوَابًا لِقَوْمٍ قَالُوا: كَيْفَ نَدْعُو؟
٣ / ٢٢٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ «ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ [غافر: ٦٠] قَالَ رِجَالٌ: كَيْفَ نَدْعُو يَا نَبِيَّ اللَّهِ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ﴾ [البقرة: ١٨٦] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿يَرْشُدُونَ﴾ [البقرة: ١٨٦]» وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي﴾ [البقرة: ١٨٦] فَإِنَّهُ يَعْنِي: فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي بِالطَّاعَةِ، يُقَالُ مِنْهُ: اسْتَجَبْتُ لَهُ وَاسْتَجَبْتُهُ بِمَعْنَى أَجَبْتُهُ، كَمَا قَالَ كَعْبُ بْنُ سَعْدٍ ⦗٢٢٦⦘ الْغَنَوِيُّ:
[البحر الطويل] وَدَاعٍ دَعَا يَا مَنْ يُجِيبُ إِلَى … النَّدَى فَلَمْ يَسْتَجِبْهُ عِنْدَ ذَاكَ مُجِيبُ
يُرِيدُ: فَلَمْ يُجِبْهُ. وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ مُجَاهِدٌ وَجَمَاعَةٌ غَيْرُهُ
[البحر الطويل] وَدَاعٍ دَعَا يَا مَنْ يُجِيبُ إِلَى … النَّدَى فَلَمْ يَسْتَجِبْهُ عِنْدَ ذَاكَ مُجِيبُ
يُرِيدُ: فَلَمْ يُجِبْهُ. وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ مُجَاهِدٌ وَجَمَاعَةٌ غَيْرُهُ
٣ / ٢٢٥
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْحَجَّاجُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ مُجَاهِدٌ قَوْلِهِ ﴿فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي﴾ [البقرة: ١٨٦] قَالَ: فَلْيُطِيعُوا لِي، قَالَ: الِاسْتِجَابَةُ: الطَّاعَةُ “
٣ / ٢٢٦
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا حَبَّانُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْمُبَارَكِ، عَنْ قَوْلِهِ ﴿فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي﴾ [البقرة: ١٨٦] قَالَ: طَاعَةَ اللَّهِ ” وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى ﴿فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي﴾ [البقرة: ١٨٦] فَلْيَدْعُونِي
٣ / ٢٢٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْصُورُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، قَالَ ﴿فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي﴾ [البقرة: ١٨٦] فَلْيَدْعُونِي ” وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَلْيُؤْمِنُوا بِي﴾ [البقرة: ١٨٦] فَإِنَّهُ يَعْنِي: وَلْيُصَدِّقُوا، أَيْ وَلْيُؤْمِنُوا بِي إِذَا هُمُ اسْتَجَابُوا لِي بِالطَّاعَةِ أَنِّي لَهُمْ مِنْ وَرَاءِ طَاعَتِهِمْ لِي فِي الثَّوَابِ عَلَيْهَا وَإِجْزَالِي الْكَرَامَةَ لَهُمْ عَلَيْهَا وَأَمَّا الَّذِي تَأَوَّلَ قَوْلِهِ: ﴿فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي﴾ [البقرة: ١٨٦] أَيْ بِمَعْنَى فَلْيَدْعُونِي، فَإِنَّهُ كَانَ يَتَأَوَّلُ ⦗٢٢٧⦘ قَوْلَهُ: ﴿وَلْيُؤْمِنُوا بِي﴾ [البقرة: ١٨٦] وَلْيُؤْمِنُوا بِي أَنِّي أَسْتَجِيبُ لَهُمْ
٣ / ٢٢٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْصُورُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ ﴿وَلْيُؤْمِنُوا بِي﴾ [البقرة: ١٨٦] يَقُولُ: إِنِّي أَسْتَجِيبُ لَهُمْ ” وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ [البقرة: ١٨٦] فَإِنَّهُ يَعْنِي: فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي بِالطَّاعَةِ، وَلْيُؤْمِنُوا بِي فَيُصَدِّقُوا عَلَى طَاعَتِهِمْ إِيَّايَ بِالثَّوَابِ مِنِّي لَهُمْ وَلْيَهْتَدُوا بِذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِمْ فَيَرْشُدُوا كَمَا
٣ / ٢٢٧
حَدَّثَنِي بِهِ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ ثنا أَبُو جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ، فِي قَوْلِهِ ﴿لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ [البقرة: ١٨٦] يَقُولُ: لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ ” فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِلٌ: وَمَا مَعْنَى هَذَا الْقَوْلِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ؟ فَأَنْتَ تَرَى كَثِيرًا مِنَ الْبَشَرِ يَدْعُونَ اللَّهَ فَلَا يُجَابُ لَهُمْ دُعَاءٌ وَقَدْ قَالَ: ﴿أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾ [البقرة: ١٨٦] قِيلَ: إِنَّ لِذَلِكَ وَجْهَيْنِ مِنَ الْمَعْنَى: أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونُ مَعْنِيًّا بِالدَّعْوَةِ الْعَمَلَ بِمَا نَدَبَ اللَّهُ إِلَيْهِ وَأَمَرَ بِهِ، فَيَكُونُ تَأْوِيلُ الْكَلَامِ: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ مِمَّنْ أَطَاعَنِي وَعَمِلَ بِمَا أَمَرْتُهُ بِهِ أُجِيبُهُ بِالثَّوَابِ عَلَى طَاعَتِهِ إِيَّايَ إِذَا أَطَاعَنِي. فَيَكُونُ مَعْنَى الدُّعَاءِ مَسْأَلَةَ الْعَبْدِ رَبَّهُ وَمَا وَعَدَ أَوْلِيَاؤَهُ عَلَى طَاعَتِهِمْ بِعِلْمِهِمْ بِطَاعَتِهِ، وَمَعْنَى الْإِجَابَةِ
٣ / ٢٢٧
مِنَ اللَّهِ الَّتِي ضَمِنَهَا لَهُ الْوَفَاءُ لَهُ بِمَا وَعَدَ الْعَامِلِينَ لَهُ بِمَا أَمَرَهُمْ بِهِ، كَمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ مِنْ قَوْلِهِ: «إِنَّ الدُّعَاءَ هُوَ الْعِبَادَةُ»
٣ / ٢٢٨
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جُوَيْبِرٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ ذَرٍّ، عَنْ يُسَيْعٍ الْحَضْرَمِيِّ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنَّ الدُّعَاءَ هُوَ الْعِبَادَةُ» ثُمَّ قَرَأَ: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾ [غافر: ٦٠] ” فَأُخْبِرَ ﷺ أَنَّ دُعَاءَ اللَّهِ إِنَّمَا هُوَ عِبَادَتُهُ وَمَسْأَلَتُهُ بِالْعَمَلِ لَهُ وَالطَّاعَةُ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، ذُكِرَ أَنَّ الْحَسَنَ كَانَ يَقُولُ
٣ / ٢٢٨
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْصُورُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، عَنِ الْحَسَنِ، أَنَّهُ قَالَ فِيهَا: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ [غافر: ٦٠] قَالَ «اعْمَلُوا وَأَبْشِرُوا فَإِنَّهُ حَقٌّ عَلَى اللَّهِ أَنْ يَسْتَجِيبَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ» وَالْوَجْهُ الْآخَرُ: أَنْ يَكُونُ مَعْنَاهُ: أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ إِنْ شِئْتَ. فَيَكُونُ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ عَامًّا، مَخْرَجُهُ فِي التِّلَاوَةِ خَاصًّا مَعْنَاهُ
٣ / ٢٢٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾ [البقرة: ١٨٧]
٣ / ٢٢٩
يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ﴾ [البقرة: ١٨٧] أُطْلِقَ لَكُمْ وَأُبِيحَ. وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ: ﴿لَيْلَةَ الصِّيَامِ﴾ [البقرة: ١٨٧] فِي لَيْلَةِ الصِّيَامِ. فَأَمَّا الرَّفَثُ فَإِنَّهُ كِنَايَةٌ عَنِ الْجِمَاعِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، يُقَالُ: هُوَ الرَّفَثُ وَالرُّفُوثُ. وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهَا فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ﴾ [البقرة: ١٨٧] وَبِمِثْلِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيلِ الرَّفَثِ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٣ / ٢٢٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ الْمِصْرِيُّ، قَالَ: ثنا أَيُّوبُ بْنُ سُوَيْدٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ بَكْرٍ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: الرَّفَثُ: الْجِمَاعُ، وَلَكِنَّ اللَّهَ كَرِيمٌ يُكَنِّي ” حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ بَكْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، مِثْلَهُ
٣ / ٢٢٩
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ «الرَّفَثُ: النِّكَاحُ»
٣ / ٢٢٩
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ «الرَّفَثُ: غَشَيَانُ النِّسَاءِ»
٣ / ٢٣٠
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ «﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ﴾ [البقرة: ١٨٧] قَالَ: الْجِمَاعُ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
٣ / ٢٣٠
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ «الرَّفَثُ: هُوَ النِّكَاحُ»
٣ / ٢٣٠
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ ثنا عَبْدُ الْكَبِيرِ الْبَصْرِيُّ، قَالَ: ثنا الضَّحَّاكُ بْنُ عُثْمَانَ، قَالَ: سَأَلْتُ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ قَوْلِهِ ﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ﴾ [البقرة: ١٨٧] قَالَ: هُوَ الْجِمَاعُ “
٣ / ٢٣٠
حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، ﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ﴾ [البقرة: ١٨٧] يَقُولُ: الْجِمَاعُ ” وَالرَّفَثُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ الْإِفْحَاشُ فِي الْمِنْطِقِ كَمَا قَالَ الْعَجَّاجُ:
[البحر الرجز] عَنِ اللَّغَا، وَرَفَثِ التَّكَلُّمِ
[البحر الرجز] عَنِ اللَّغَا، وَرَفَثِ التَّكَلُّمِ
٣ / ٢٣٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ﴾ [البقرة: ١٨٧] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِذَلِكَ: نِسَاؤُكُمْ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَكَيْفَ يَكُونُ نِسَاؤُنَا لِبَاسًا لَنَا وَنَحْنُ لَهُنَّ لِبَاسًا وَاللِّبَاسُ إِنَّمَا هُوَ مَا لُبِسَ؟ قِيلَ: لِذَلِكَ وَجْهَانِ مِنَ الْمَعَانِي: أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جُعِلَ لِصَاحِبِهِ لِبَاسًا لَتَخَرُّجِهِمَا عِنْدَ النَّوْمِ وَاجْتِمَاعِهِمَا فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ وَانْضِمَامِ جَسَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ بِمَنْزِلَةِ مَا يَلْبَسُهُ عَلَى جَسَدِهِ مِنْ ثِيَابِهِ، فَقِيلَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا هُوَ لِبَاسٌ لِصَاحِبِهِ، كَمَا قَالَ نَابِغَةُ بَنِي جَعْدَةَ:
[البحر المتقارب] إِذَا مَا الضَّجِيعُ ثَنَى عِطْفَهَا … تَدَاعَتْ فَكَانَتْ عَلَيْهِ لِبَاسَا
وَيُرْوَى «تَثَنَّتْ» فَكَنَّى عَنِ اجْتِمَاعِهِمَا مُتَجَرِّدَيْنِ فِي فِرَاشٍ وَاحِدٍ بِاللِّبَاسِ كَمَا يُكَنَّى بِالثِّيَابِ عَنْ جَسَدِ الْإِنْسَانِ، كَمَا قَالَتْ لَيْلَى وَهِيَ تَصِفُ إِبِلًا رَكِبَهَا قَوْمٌ:
[البحر الطويل] رَمَوْهَا بِأَثْوَابٍ خِفَافٍ فَلَا تَرَى … لَهَا شَبَهًا إِلَّا النَّعَامَ الْمُنَفَّرَا
يَعْنِي رَمَوْهَا بِأَنْفُسِهِمْ فَرَكِبُوهَا. وَكَمَا قَالَ الْهُذَلِيُّ.
[البحر الطويل] تَبَرَّأُ مِنْ دَمِ الْقَتِيلِ وَوِتْرِهِ … وَقَدْ عَلِقَتْ دَمَ الْقَتِيلِ إِزَارُهَا
[البحر المتقارب] إِذَا مَا الضَّجِيعُ ثَنَى عِطْفَهَا … تَدَاعَتْ فَكَانَتْ عَلَيْهِ لِبَاسَا
وَيُرْوَى «تَثَنَّتْ» فَكَنَّى عَنِ اجْتِمَاعِهِمَا مُتَجَرِّدَيْنِ فِي فِرَاشٍ وَاحِدٍ بِاللِّبَاسِ كَمَا يُكَنَّى بِالثِّيَابِ عَنْ جَسَدِ الْإِنْسَانِ، كَمَا قَالَتْ لَيْلَى وَهِيَ تَصِفُ إِبِلًا رَكِبَهَا قَوْمٌ:
[البحر الطويل] رَمَوْهَا بِأَثْوَابٍ خِفَافٍ فَلَا تَرَى … لَهَا شَبَهًا إِلَّا النَّعَامَ الْمُنَفَّرَا
يَعْنِي رَمَوْهَا بِأَنْفُسِهِمْ فَرَكِبُوهَا. وَكَمَا قَالَ الْهُذَلِيُّ.
[البحر الطويل] تَبَرَّأُ مِنْ دَمِ الْقَتِيلِ وَوِتْرِهِ … وَقَدْ عَلِقَتْ دَمَ الْقَتِيلِ إِزَارُهَا
٣ / ٢٣١
يَعْنِي بِإِزَارِهَا نَفْسَهَا. وَبِذَلِكَ كَانَ الرَّبِيعُ يَقُولُ
٣ / ٢٣٢
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: ثنا أَبُو جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ ﴿هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ﴾ [البقرة: ١٨٧] يَقُولُ «هُنَّ لِحَافٌ لَكُمْ، وَأَنْتُمْ لِحَافٌ لَهُنَّ» وَالْوَجْهُ الْآخَرُ أَنْ يَكُونَ جَعَلَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ لِبَاسًا لِأَنَّهُ سَكَنَ لَهُ، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا﴾ [الفرقان: ٤٧] يَعْنِي بِذَلِكَ سَكَنًا تَسْكُنُونَ فِيهِ. وَكَذَلِكَ زَوْجَةُ الرَّجُلِ سَكَنُهُ يَسْكُنُ إِلَيْهَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا﴾ [الأعراف: ١٨٩] فَيَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِبَاسًا لِصَاحِبِهِ، بِمَعْنَى سُكُونِهِ إِلَيْهِ، وَبِذَلِكَ كَانَ مُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُ يَقُولُونَ فِي ذَلِكَ. وَقَدْ يُقَالُ لِمَا سَتَرَ الشَّيْءَ وَوَارَاهُ عَنْ أَبْصَارِ النَّاظِرينَ إِلَيْهِ هُوَ لِبَاسُهُ، وَغِشَاؤُهُ، فَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ قِيلَ: هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ، وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ، بِمَعْنَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ سِتْرٌ لِصَاحِبِهِ فِيمَا يَكُونُ بَيْنَكُمْ مِنَ الْجِمَاعِ عَنْ أَبْصَارِ سَائِرِ النَّاسِ. وَكَانَ مُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُ يَقُولُونَ فِي ذَلِكَ
٣ / ٢٣٢
بِمَا حَدَّثَنَا بِهِ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ﴿هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ﴾ [البقرة: ١٨٧] يَقُولُ: سَكَنٌ لَهُنَّ “
٣ / ٢٣٢
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ﴾ [البقرة: ١٨٧] قَالَ قَتَادَةُ «هُنَّ سَكَنٌ لَكُمْ، وَأَنْتُمْ سَكَنٌ لَهُنَّ»
٣ / ٢٣٢
حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ ⦗٢٣٣⦘ السُّدِّيِّ، «﴿هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ﴾ [البقرة: ١٨٧] يَقُولُ: سَكَنٌ لَكُمْ ﴿وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ﴾ [البقرة: ١٨٧] يَقُولُ: سَكَنٌ لَهُنَّ»
٣ / ٢٣٢
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ «﴿هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ﴾ [البقرة: ١٨٧] قَالَ: الْمُوَاقَعَةٌ»
٣ / ٢٣٣
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْأَهْوَازِيُّ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا إِبْرَاهِيمُ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: ﴿هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ﴾ [البقرة: ١٨٧] قَالَ: «هُنَّ سَكَنٌ لَكُمْ، وَأَنْتُمْ سَكَنٌ لَهُنَّ»
٣ / ٢٣٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللهُ لَكُمْ﴾ [البقرة: ١٨٧] إِنْ قَالَ لَنَا قَائِلٌ: وَمَا هَذِهِ الْخِيَانَةُ الَّتِي كَانَ الْقَوْمُ يَخْتَانُونَهَا أَنْفُسَهُمُ الَّتِي تَابَ اللَّهُ مِنْهَا عَلَيْهِمْ فَعَفَا عَنْهُمْ؟ قِيلَ: كَانَتْ خَيَانَتُهُمْ أَنْفُسَهُمُ الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّهُ فِي شَيْئَيْنِ: أَحَدُهُمَا جِمَاعُ النِّسَاءِ، وَالْآخَرُ: الْمَطْعَمُ، وَالْمَشْرَبُ فِي الْوَقْتِ الَّذِي كَانَ حَرَامًا ذَلِكَ عَلَيْهِمْ
٣ / ٢٣٣
كَمَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي لَيْلَى، «أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ إِذَا أَفْطَرَ فَنَامَ لَمْ يَأْتِهَا، وَإِذَا نَامَ لَمْ يَطْعَمْ، حَتَّى جَاءَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يُرِيدُ امْرَأَتَهُ فَقَالَتِ امْرَأَتًهُ: قَدْ كُنْتَ نِمْتَ فَظَنَّ ⦗٢٣٤⦘ أَنَّهَا تَعْتَلُّ فَوَقَعَ بِهَا قَالَ: وَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَأَرَادَ أَنْ يَطْعَمَ فَقَالُوا: نُسَخِّنُ لَكَ شَيْئًا؟ قَالَ: ثُمَّ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ﴾ [البقرة: ١٨٧] الْآيَةَ»
٣ / ٢٣٣
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ إِدْرِيسَ، قَالَ: ثنا حُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، قَالَ «كَانُوا يَصُومُونَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، فَلَمَّا دَخَلَ رَمَضَانُ كَانُوا يَصُومُونَ، فَإِذَا لَمْ يَأْكُلِ الرَّجُلُ عِنْدَ فِطْرِهِ حَتَّى يَنَامَ لَمْ يَأْكُلْ إِلَى مِثْلِهَا، وَإِنْ نَامَ، أَوْ نَامَتِ امْرَأَتُهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَأْتِيهَا إِلَى مِثْلَهَا. فَجَاءَ شَيْخٌ مِنَ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ صِرْمَةُ بْنُ مَالِكٍ، فَقَالَ لِأَهْلِهِ: أَطْعِمُونِي فَقَالَتْ: حَتَّى أَجْعَلَ لَكَ شَيْئًا سُخْنًا، قَالَ: فَغَلَبَتْهُ عَيْنُهُ فَنَامَ. ثُمَّ جَاءَ عُمَرُ، فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ: إِنِّي قَدْ نِمْتُ فَلَمْ يَعْذُرْهَا، وَظَنَّ أَنَّهَا تَعْتَلُّ فَوَاقَعَهَا. فَبَاتَ هَذَا وَهَذَا يَتَقَلَّبَانِ لَيْلَتَهُمَا ظَهْرًا، وَبَطْنًا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي ذَلِكَ: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ﴾ [البقرة: ١٨٧] وَقَالَ: ﴿فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ﴾ [البقرة: ١٨٧] فَعَفَا اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ. وَكَانَتْ سُنَّةً»
٣ / ٢٣٤
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ «كَانُوا يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ وَيَأْتُونَ النِّسَاءَ مَا لَمْ يَنَامُوا، فَإِذَا نَامُوا تَرَكُوا الطَّعَامَ، وَالشَّرَابَ، وَإِتْيَانَ النِّسَاءِ، فَكَانَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ يُدْعَى أَبَا صِرْمَةَ، يَعْمَلُ فِي أَرْضٍ لَهُ، قَالَ: فَلَمَّا كَانَ عِنْدَ فِطْرِهِ نَامَ، فَأَصْبَحَ صَائِمًا قَدْ جُهِدَ، فَلَمَّا رَآهُ النَّبِيُّ ﷺ قَالَ: «مَا لِي أَرَى بِكَ ⦗٢٣٥⦘ جَهْدًا»؟ فَأَخْبَرَهُ بِمَا كَانَ مِنْ أَمْرِهِ. وَاخْتَانَ رَجُلٌ نَفْسَهُ فِي شَأْنِ النِّسَاءِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ ﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ﴾ [البقرة: ١٨٧] . . إِلَى آخِرِ الْآيَةِ»
٣ / ٢٣٤
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ، نَحْوَ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى الَّذِي حَدَّثَ بِهِ، عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ «كَانُوا إِذَا صَامُوا وَنَامَ أَحَدُهُمْ لَمْ يَأْكُلْ شَيْئًا حَتَّى يَكُونَ مِنَ الْغَدِ، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَقَدْ عَمِلَ فِي أَرْضٍ لَهُ وَقَدِ أَعْيَا، وَكَلَّ، فَغَلَبَتْهُ عَيْنُهُ وَنَامَ، وَأَصْبَحَ مِنَ الْغَدِ مَجْهُودًا، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ﴾ [البقرة: ١٨٧]»
٣ / ٢٣٥
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ الْبَصْرِيُّ، قَالَ: ثنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ، قَالَ «كَانَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ ﷺ إِذَا كَانَ الرَّجُلُ صَائِمًا فَنَامَ قَبْلَ أَنْ يُفْطِرَ لَمْ يَأْكُلْ إِلَى مِثْلِهَا، وَإِنَّ قَيْسَ بْنَ صِرْمَةَ الْأَنْصَارِيَّ كَانَ صَائِمًا، وَكَانَ تَوَجَّهَ ذَلِكَ الْيَوْمَ فَعَمِلَ فِي أَرْضِهِ، فَلَمَّا حَضَرَ الْإِفْطَارُ أَتَى امْرَأَتَهُ فَقَالَ: هَلْ عِنْدَكُمْ طَعَامٌ؟ قَالَتْ: لَا، وَلَكِنْ أَنْطَلِقُ فَأَطْلُبُ لَكَ. فَغَلَبَتْهُ عَيْنُهُ فَنَامَ، وَجَاءَتِ امْرَأَتُهُ قَالَتْ: قَدْ نِمْتَ فَلَمْ يَنْتَصِفِ النَّهَارُ حَتَّى غُشِيَ عَلَيْهِ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ ﷺ، فَنَزَلَتْ فِيهِ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ﴾ [البقرة: ١٨٧] إِلَى: ﴿مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ﴾ [البقرة: ١٨٧] فَفَرِحُوا بِهَا فَرَحًا شَدِيدًا»
٣ / ٢٣٥
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثنا مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي ⦗٢٣٦⦘ طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ ﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ﴾ [البقرة: ١٨٧] وَذَلِكَ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ إِذَا صَلُّو الْعِشَاءَ حُرِّمَ عَلَيْهِمُ النِّسَاءُ وَالطَّعَامُ إِلَى مِثْلِهَا مِنَ الْقَابِلَةِ، ثُمَّ إِنَّ نَاسًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَصَابُوا الطَّعَامَ، وَالنِّسَاءَ فِي رَمَضَانَ بَعْدَ الْعِشَاءِ، مِنْهُمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَشَكَوْا ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ﴾ [البقرة: ١٨٧] يَعْنِي انْكِحُوهُنَّ ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ﴾ [البقرة: ١٨٧] “
٣ / ٢٣٥
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا سُوَيْدٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ جُبَيْرٍ، مَوْلَى بَنِي سَلَمَةَ، أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ «كَانَ النَّاسُ فِي رَمَضَانَ إِذَا صَامَ الرَّجُلُ فَأَمْسَى فَنَامَ حُرِّمَ عَلَيْهِ الطَّعَامُ، وَالشَّرَابُ، وَالنِّسَاءُ حَتَّى يُفْطِرَ مِنَ الْغَدِ. فَرَجَعَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ مِنْ عِنْدِ النَّبِيِّ ﷺ ذَاتَ لَيْلَةٍ وَقَدْ سَمَرَ عِنْدَهُ، فَوَجَدَ امْرَأَتَهُ قَدْ نَامَتْ فَأَرَادَهَا، فَقَالَتْ: إِنِّي قَدْ نِمْتُ فَقَالَ: مَا نِمْتِ ثُمَّ وَقَعَ بِهَا، وَصَنَعَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ مِثْلَ ذَلِكَ. فَغَدَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَأَخْبَرَهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ﴾ [البقرة: ١٨٧] . . الْآيَةَ»
٣ / ٢٣٦
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا الْحَجَّاجُ، قَالَ: ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: ثنا ثَابِتٌ، «أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، وَاقَعَ، أَهْلَهُ لَيْلَةً فِي رَمَضَانَ، فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿أُحِلَّ ⦗٢٣٧⦘ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ﴾ [البقرة: ١٨٧]»
٣ / ٢٣٦
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلِهِ «﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ﴾ [البقرة: ١٨٧] إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ إِلَى: ﴿وَعَفَا عَنْكُمْ﴾ [البقرة: ١٨٧] كَانَ النَّاسُ أَوَّلَ مَا أَسْلَمُوا إِذَا صَامَ أَحَدُهُمْ يَصُومُ يَوْمَهُ، حَتَّى إِذَا أَمْسَى طَعِمَ مِنَ الطَّعَامِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَتَمَةِ، حَتَّى إِذَا صُلِّيَتْ حُرِّمَ عَلَيْهِمُ الطَّعَامُ حَتَّى يُمْسِيَ مِنَ اللَّيْلَةِ الْقَابِلَةِ. وَإِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ بَيْنَمَا هُوَ نَائِمٌ، إِذْ سَوَّلَتْ لَهُ نَفْسُهُ، فَأَتَى أَهْلَهُ لِبَعْضِ حَاجَتِهِ، فَلَمَّا اغْتَسَلَ أَخَذَ يَبْكِي، وَيَلُومُ نَفْسَهُ كَأَشَدِّ مَا رَأَيْتُ مِنَ الْمَلَامَةِ. ثُمَّ أَتَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّى أَعْتَذِرُ إِلَى اللَّهِ وَإِلَيْكَ مِنْ نَفْسِي هَذِهِ الْخَاطِئَةِ، فَإِنَّهَا زَيَّنَتْ لِي فَوَاقَعْتُ أَهْلِي، هَلْ تَجِدُ لِي مِنْ رُخْصَةٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «لَمْ تَكُنْ حَقِيقًا بِذَلِكَ يَا عُمَرُ»، فَلَمَّا بَلَغَ بَيْتَهُ، أَرْسَلَ إِلَيْهِ، فَأَنْبَأَهُ بِعُذْرِهِ فِي آيَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ، وَأَمَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ أَنْ يَضَعَهَا فِي الْمِائَةِ الْوسْطَى مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، فَقَالَ: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ﴾ [البقرة: ١٨٧] إِلَى ﴿عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ﴾ [البقرة: ١٨٧] يَعْنِي بِذَلِكَ الَّذِي فَعَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَفْوَهُ، فَقَالَ: ﴿فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ﴾ [البقرة: ١٨٧] إِلَى: ﴿مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ﴾ [البقرة: ١٨٧] فَأَحَلَّ لَهُمُ الْمُجَامَعَةِ، وَالْأَكْلَ، وَالشُّرْبَ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمُ الصُّبْحُ»
٣ / ٢٣٧
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ﴾ [البقرة: ١٨٧] قَالَ «⦗٢٣٨⦘ كَانَ الرَّجُلُ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ ﷺ يَصُومُ الصِّيَامَ بِالنَّهَارِ، فَإِذَا أَمْسَى أَكَلَ، وَشَرِبَ، وَجَامَعَ النِّسَاءَ، فَإِذَا رَقَدَ حُرِّمَ ذَلِكَ كُلُّهُ عَلَيْهِ إِلَى مِثْلِهَا مِنَ الْقَابِلَةِ. وَكَانَ مِنْهُمْ رِجَالٌ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ فِي ذَلِكَ، فَعَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ، وَأَحَلَّ ذَلِكَ لَهُمْ بَعْدَ الرُّقَادِ، وَقَبْلَهُ فِي اللَّيْلِ كُلِّهِ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ ” كَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ ﷺ يَصُومُ الصَّائِمُ فِي رَمَضَانَ، فَإِذَا أَمْسَى، ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو وَزَادَ فِيهِ: وَكَانَ مِنْهُمْ رِجَالٌ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ، وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ مِمَّنِ اخْتَانَ نَفْسَهُ، فَعَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ، وَأَحَلَّ ذَلِكَ لَهُمْ بَعْدَ الرُّقَادِ وَقَبْلَهُ، وَفِي اللَّيْلِ كُلِّهِ
٣ / ٢٣٧
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، قَالَ: أَخْبَرَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ شَرُوسٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ «رَجُلًا، قَدْ سَمَّاهُ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِنَ الْأَنْصَارِ جَاءَ لَيْلَةً وَهُوَ صَائِمٌ، فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ: لَا تَنَمْ حَتَّى نَصْنَعَ لَكَ طَعَامًا فَنَامَ، فَجَاءَتْ فَقَالَتْ: نِمْتَ وَاللَّهِ فَقَالَ: لَا وَاللَّهِ قَالَتْ: بَلَى وَاللَّهِ فَلَمْ يَأْكُلْ تِلْكَ اللَّيْلَةَ وَأَصْبَحَ صَائِمًا، فَغُشِيَ عَلَيْهِ؛ فَأُنْزِلَتِ الرُّخْصَةُ فِيهِ»
٣ / ٢٣٨
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ ⦗٢٣٩⦘ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ﴾ [البقرة: ١٨٧] «وَكَانَ بَدْءُ الصِّيَامِ أُمِرُوا بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ رَكْعَتَيْنِ غُدْوَةً، وَرَكْعَتَيْنِ عَشِيَّةً، فَأَحَلَّ اللَّهُ لَهُمْ فِي صِيَامِهِمْ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَفِي أَوَّلِ مَا افْتُرِضَ عَلَيْهِمْ فِي رَمَضَانَ إِذَا أَفْطَرُوا وَكَانَ الطَّعَامُ، وَالشَّرَابُ، وَغَشَيَانُ النِّسَاءِ لَهُمْ حَلَالًا مَا لَمْ يَرْقُدُوا، فَإِذَا رَقَدُوا حُرِّمَ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ إِلَى مِثْلَهَا مِنَ الْقَابِلَةِ. وَكَانَتْ خِيَانَةُ الْقَوْمِ أَنَّهُمْ كَانُوا يُصِيبُونَ أَوْ يَنَالُونَ مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَغَشَيَانِ النِّسَاءِ بَعْدَ الرُّقَادِ، وَكَانَتْ تِلْكَ خِيَانَةَ الْقَوْمِ أَنْفُسَهُمْ، ثُمَّ أَحَلَّ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ، وَغَشَيَانَ النِّسَاءِ إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ»
٣ / ٢٣٨
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ﴾ [البقرة: ١٨٧] قَالَ «كَانَ النَّاسُ قَبْلَ هَذِهِ الْآيَةِ إِذَا رَقَدَ أَحَدُهُمْ مِنَ اللَّيْلِ رَقْدَةً، لَمْ يَحِلَّ لَهُ طَعَامٌ، وَلَا شَرَابٌ، وَلَا أَنْ يَأْتِيَ امْرَأَتَهُ إِلَى اللَّيْلَةِ الْمُقْبِلَةِ، فَوَقَعَ بِذَلِكَ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ، فَمِنْهُمْ مَنْ أَكَلَ بَعْدَ هَجْعَتِهِ، أَوْ شَرِبَ، وَمِنْهُمْ مَنْ وَقَعَ عَلَى امْرَأَتِهِ، فَرَخَّصَ اللَّهُ ذَلِكَ لَهُمْ»
٣ / ٢٣٩
حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ «كُتِبَ عَلَى النَّصَارَى رَمَضَانُ، وَكُتِبَ عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يَأْكُلُوا، وَلَا يَشْرَبُوا بَعْدَ النَّوْمِ وَلَا يَنْكِحُوا النِّسَاءَ شَهْرَ رَمَضَانَ، فَكُتِبَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كَمَا كُتِبَ عَلَيْهِمْ، فَلَمْ يَزَلِ الْمُسْلِمُونَ عَلَى ذَلِكَ يَصْنَعُونَ كَمَا تَصْنَعُ النَّصَارَى، حَتَّى أَقْبَلْ رَجُلٌ مِنَ ⦗٢٤٠⦘ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ أَبُو قَيْسِ بْنُ صِرْمَةَ، وَكَانَ يَعْمَلُ فِي حِيطَانِ الْمَدِينَةِ بِالْأَجْرِ، فَأَتَى أَهْلَهُ بِتَمْرٍ، فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ: اسْتَبْدِلِي بِهَذَا التَّمْرِ طَحِينًا فَاجْعَلِيهِ سَخِينَةً لَعَلِّي أَنْ آكُلَهُ، فَإِنَّ التَّمْرَ قَدْ أَحْرَقَ جَوْفِي، فَانْطَلَقْتُ فَاسْتَبْدَلْتُ لَهُ، ثُمَّ صَنَعْتُ، فَأَبْطَأْتُ عَلَيْهِ فَنَامَ، فَأَيْقَظْتُهُ، فَكَرِهَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ، وَرَسُولَهُ، وَأَبَى أَنْ يَأْكُلَ، وَأَصْبَحَ صَائِمًا؛ فَرَآهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِالْعَشِيِّ، فَقَالَ: «مَا لَكَ يَا أَبَا قَيْسٍ أَمْسَيْتَ طَلِيحًا»، فَقَصَّ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ. وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَقَعَ عَلَى جَارِيَةٍ لَهُ فِي نَاسٍ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَمْ يَمْلِكُوا أَنْفُسَهُمْ؛ فَلَمَّا سَمِعَ عُمَرُ كَلَامَ أَبِي قَيْسٍ رَهِبَ أَنْ يَنْزِلَ فِي أَبِي قَيْسٍ شَيْءٌ، فَتَذَكَّرَ هُوَ، فَقَامَ فَاعْتَذَرَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَعُوذُ بِاللَّهِ إِنِّي وَقَعْتُ عَلَى جَارِيَتِي، وَلَمْ أَمْلِكْ نَفْسِي الْبَارِحَةَ فَلَمَّا تَكَلَّمَ عُمَرُ تَكَلَّمَ أُولَئِكَ النَّاسُ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «مَا كُنْتَ جَدِيرًا بِذَلِكَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ»، فَنُسِخَ ذَلِكَ عَنْهُمْ، فَقَالَ: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ، عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ﴾ [البقرة: ١٨٧] يَقُولُ: إِنَّكُمْ تَقَعُونَ عَلَيْهِنَّ خِيَانَةً ﴿فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ﴾ [البقرة: ١٨٧] يَقُولُ: جَامِعُوهُنَّ؛ وَرَجَعَ إِلَى أَبِي قَيْسٍ، فَقَالَ: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ﴾ [البقرة: ١٨٧]»
٣ / ٢٣٩
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ ﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ﴾ [البقرة: ١٨٧] قَالَ «كَانُوا فِي ⦗٢٤١⦘ رَمَضَانَ لَا يَمَسُّونَ النِّسَاءَ، وَلَا يَطْعَمُونَ، وَلَا يَشْرَبُونَ بَعْدَ أَنْ يَنَامُوا حَتَّى اللَّيْلِ مِنَ الْقَابِلَةِ، فَإِنْ مَسُّوهُنَّ قَبْلَ أَنْ يَنَامُوا لَمْ يَرَوْا بِذَلِكَ بَأْسًا. فَأَصَابَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ امْرَأَتَهُ بَعْدَ أنْ نَامَ، فَقَالَ: قَدِ اخْتَنْتُ نَفْسِي فَنَزَلَ الْقُرْآنُ، فَأَحَلَّ لَهُمُ النِّسَاءَ، وَالطَّعَامَ، وَالشَّرَابَ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ»
٣ / ٢٤٠
قَالَ: وَقَالَ مُجَاهِدٌ، «كَانَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ ﷺ يَصُومُ الصَّائِمُ مِنْهُمْ فِي رَمَضَانَ، فَإِذَا أَمْسَى أَكَلَ، وَشَرِبَ وَجَامَعَ النِّسَاءَ، فَإِذَا رَقَدَ حُرِّمَ عَلَيْهِ ذَلِكَ كُلُّهُ حَتَّى كَمِثْلِهَا مِنَ الْقَابِلَةِ، وَكَانَ مِنْهُمْ رِجَالُهُ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ فِي ذَلِكَ. فَعَفَا عَنْهُمْ وَأُحِلَّ لَهُمْ بَعْدَ الرُّقَادِ، وَقَبْلَهُ فِي اللَّيْلِ، فَقَالَ: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ﴾ [البقرة: ١٨٧] . . الْآيَةَ»
٣ / ٢٤١
حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ﴾ [البقرة: ١٨٧] مِثْلَ قَوْلِ مُجَاهِدٍ، وَزَادَ فِيهِ «أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: لَا تَرْقُدِي حَتَّى أَرْجِعَ مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَرَقَدَتْ قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ، فَقَالَ لَهَا: مَا أَنْتِ بِرَاقِدَةٍ ثُمَّ أَصَابَهَا حَتَّى جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ. قَالَ عِكْرِمَةُ: نَزَلَتْ ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا﴾ [البقرة: ١٨٧] الْآيَةَ فِي أَبِي قَيْسِ بْنِ صِرْمَةَ مِنْ بَنِي الْخَزْرَجِ أَكَلَ بَعْدَ الرُّقَادِ»
٣ / ٢٤١
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا الْحَجَّاجُ، قَالَ: ثنا حَمَّادٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ، ” أَنَّ صِرْمَةَ بْنَ أَنَسٍ، أَتَى أَهْلَهُ ذَاتَ لَيْلَةٍ وَهُوَ
٣ / ٢٤١
شَيْخٌ كَبِيرٌ، وَهُوَ صَائِمٌ، فَلَمْ يَهَيِّئُوا لَهُ طَعَامًا، فَوَضَعَ رَأْسَهُ فَأَغْفَى، وَجَاءَتْهُ امْرَأَتْهُ بِطَعَامِهِ، فَقَالَتْ لَهُ: كُلْ فَقَالَ: إِنِّي قَدْ نِمْتُ، قَالَتْ: إِنَّكَ لَمْ تَنَمْ، فَأَصْبَحَ جَائِعًا مَجْهُودًا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ﴾ [البقرة: ١٨٧] ” فَأَمَّا الْمُبَاشَرَةُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ: فَإِنَّهُ مُلَاقَاةُ بَشَرَةٍ بِبَشَرَةٍ، وَبَشَرَةُ الرَّجُلِ: جِلِدَتُهُ الظَّاهِرَةُ. وَإِنَّمَا كَنَّى اللَّهُ بِقَوْلِهِ: ﴿فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ﴾ [البقرة: ١٨٧] عَنِ الْجِمَاعِ: يَقُولُ: فَالْآنَ إِذَا أَحْلَلْتُ لَكُمُ الرَّفَثَ إِلَى نِسَائِكُمْ فَجَامِعُوهُنَّ فِي لَيَالِي شَهْرِ رَمَضَانَ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ، وَهِيَ تَبَيُّنُ الْخَيْطِ الْأَبْيَضِ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ، وَبِالَّذِي قُلْنَا فِي الْمُبَاشَرَةِ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ
٣ / ٢٤٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ بَيانٍ، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، عَنْ سُفْيَانَ، وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، قَالَ: ثنا أَيُّوبُ بْنُ سُوَيْدٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ «الْمُبَاشَرَةُ: الْجِمَاعُ، وَلَكِنَّ اللَّهَ كَرِيمٌ يُكَنِّي» حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ نَحْوَهُ
٣ / ٢٤٢
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، ثنا مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ﴿فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ﴾ [البقرة: ١٨٧] انْكِحُوهُنَّ “
٣ / ٢٤٣
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ «الْمُبَاشَرَةُ: النِّكَاحُ»
٣ / ٢٤٣
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ، قَوْلُهُ ﴿فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ﴾ [البقرة: ١٨٧] قَالَ: الْجِمَاعُ، وَكُلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ مِنْ ذِكْرِ الْمُبَاشَرَةِ فَهُوَ الْجِمَاعُ نَفْسُهُ “، وَقَالَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَثِيرٍ مِثْلَ قَوْلِ عَطَاءٍ فِي الطَّعَامِ، وَالشَّرَابِ، وَالنِّسَاءِ
٣ / ٢٤٣
حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعِ قَالَ: وَحَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ «الْمُبَاشَرَةُ الْجِمَاعُ، وَلَكِنَّ اللَّهَ يُكَنِّي مَا شَاءَ بِمَا شَاءَ» حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ أَبُو بِشْرٍ: أَخْبَرَنَا، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، مِثْلَهُ
٣ / ٢٤٣
حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، «﴿فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ﴾ [البقرة: ١٨٧] يَقُولُ: جَامِعُوهُنَّ»
٣ / ٢٤٣
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ ⦗٢٤٤⦘ مُجَاهِدٍ، قَالَ الْمُبَاشَرَةُ: الْجِمَاعُ ” حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا سُوَيْدٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، مِثْلَهُ
٣ / ٢٤٣
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا سُوَيْدٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدَةُ بْنُ أَبِي لُبَابَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ مُجَاهِدًا، يَقُولُ الْمُبَاشَرَةُ فِي كِتَابِ اللَّهِ: الْجِمَاعُ “
٣ / ٢٤٤
حَدَّثَنَا ابْنُ الْبَرْقِيِّ، ثنا عَمْرُو بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، قَالَ: قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: ثنا مَنْ سَمِعَ، مُجَاهِدًا يَقُولُ الْمُبَاشَرَةُ فِي كِتَابِ اللَّهِ الْجِمَاعُ ” وَاخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ ﴿وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ﴾ [البقرة: ١٨٧] فَقَالَ بَعْضُهُمُ: الْوَلَدُ
٣ / ٢٤٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي عَبْدَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّفَّارُ الْبَصْرِيُّ، قَالَ: ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ زِيَادٍ الْكَاتِبُ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ﴿وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ﴾ [البقرة: ١٨٧] قَالَ: الْوَلَدُ “
٣ / ٢٤٤
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا سَهْلُ بْنُ يُوسُفَ، وَأَبُو دَاوُدَ، عَنْ شُعْبَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ الْحَكَمَ، «﴿وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ﴾ [البقرة: ١٨٧] قَالَ: الْوَلَدُ»
٣ / ٢٤٤
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا أَبُو تُمَيْلَةَ، قَالَ: ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَوْلَهُ «﴿وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ﴾ [البقرة: ١٨٧] قَالَ: الْوَلَدُ»
٣ / ٢٤٥
حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: ثنا مُؤَمَّلٌ، ثنا أَبُو مَرْدُودٍ بَحْرُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ بْنَ أَبِي الْحَسَنِ، يَقُولُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ «﴿وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ﴾ [البقرة: ١٨٧] قَالَ: الْوَلَدُ»
٣ / ٢٤٥
حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، «﴿وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ﴾ [البقرة: ١٨٧] فَهُوَ الْوَلَدُ»
٣ / ٢٤٥
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثنا أَبِي قَالَ: ثنا عَمِّي، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، «﴿وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ﴾ [البقرة: ١٨٧] يَعْنِي الْوَلَدَ»
٣ / ٢٤٥
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثني عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «﴿وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ﴾ [البقرة: ١٨٧] قَالَ: الْوَلَدُ، فَإِنْ لَمْ تَلِدْ هَذِهِ فَهَذِهِ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، بِنَحْوِهِ
٣ / ٢٤٥
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَمَّنْ، سَمِعَ الْحَسَنَ، فِي قَوْلِهِ «﴿وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ﴾ [البقرة: ١٨٧] قَالَ: هُوَ الْوَلَدُ»
٣ / ٢٤٥
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، فِي قَوْلِهِ ﴿وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ﴾ [البقرة: ١٨٧] قَالَ: مَا كُتِبَ لَكُمْ مِنَ الْوَلَدِ “
٣ / ٢٤٦
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ «﴿وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ﴾ [البقرة: ١٨٧] قَالَ: الْجِمَاعُ»
٣ / ٢٤٦
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: ثنا الْفَضْلُ بْنُ خَالِدٍ، قَالَ: ثنا عُبَيْدُ بْنُ سَلْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ بْنَ مُزَاحِمٍ، قَوْلِهِ «﴿وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ﴾ [البقرة: ١٨٧] قَالَ: الْوَلَدُ» وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى ذَلِكَ لَيْلَةُ الْقَدْرِ
٣ / ٢٤٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا أَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ، قَالَ: ثنا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الْجَوْزَاءِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، «﴿وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ﴾ [البقرة: ١٨٧] قَالَ: لَيْلَةُ الْقَدْرِ» قَالَ أَبُو هِشَامٍ: هَكَذَا قَرَأَهَا مُعَاذٌ
٣ / ٢٤٦
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الْجَوْزَاءِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ «﴿وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ﴾ [البقرة: ١٨٧] قَالَ: لَيْلَةُ الْقَدْرِ» ⦗٢٤٧⦘ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَاهُ: مَا أَحَلَّهُ اللَّهُ لَكُمْ، وَرَخَّصَهُ لَكُمْ
٣ / ٢٤٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ﴾ [البقرة: ١٨٧] يَقُولُ: مَا أَحَلَّهُ اللَّهُ لَكُمْ»
٣ / ٢٤٧
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، قَالَ: قَالَ قَتَادَةُ، فِي ذَلِكَ «ابْتَغُوا الرُّخْصَةَ الَّتِي كُتِبَتْ لَكُمْ» وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ: «وَاتَّبَعُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ»
٣ / ٢٤٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ، كَيْفَ تَقْرَأُ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿وَابْتَغُوا﴾ [البقرة: ١٨٧] أَوْ «وَاتَّبِعُوا»؟ قَالَ «أَيَّتُهُمَا شِئْتَ. قَالَ: عَلَيْكَ بِالْقِرَاءَةِ الْأُولَى» وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يُقَالُ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ قَالَ: ﴿وَابْتَغُوا﴾ [البقرة: ١٨٧] بِمَعْنَى: اطْلُبُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ، يَعْنِي الَّذِي قَضَى اللَّهُ تَعَالَى لَكُمْ. وَإِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: اطْلُبُوا الَّذِي كَتَبْتُ لَكُمْ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ أَنَّهُ يُبَاحُ فَيُطْلَقُ لَكُمْ، وَطَلَبُ الْوَلَدِ إنْ طَلَبَهُ الرَّجُلُ بِجَمَاعِهِ الْمَرْأَةَ مِمَّا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ، ⦗٢٤٨⦘ وَكَذَلِكَ إِنْ طَلَبَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ، فَهُوَ مِمَّا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ، وَكَذَلِكَ إِنْ طَلَبَ مَا أَحَلَّ اللَّهُ وَأَبَاحَهُ، فَهُوَ مِمَّا كَتَبَهُ لَهُ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ. وَقَدْ يَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ﴾ [البقرة: ١٨٧] جَمِيعُ مَعَانِي الْخَيْرِ الْمَطْلُوبَةِ، غَيْرَ أَنَّ أَشْبَهَ الْمَعَانِي بِظَاهِرِ الْآيَةِ قَوْلُ مَنْ قَالَ مَعْنَاهُ: وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ مِنَ الْوَلَدِ لِأَنَّهُ عُقَيْبُ قَوْلِهِ: ﴿فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ﴾ [البقرة: ١٨٧] بِمَعْنَى: جَامِعُوهُنَّ؛ فَلَأَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: ﴿وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ﴾ [البقرة: ١٨٧] بِمَعْنَى: وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ فِي مُبَاشَرَتِكُمْ إِيَّاهُنَّ مِنَ الْوُدِّ، وَالنَّسْلِ أَشْبَهُ بِالْآيَةِ مِنْ غَيْرِهِ مِنَ التَّأْوِيلَاتِ الَّتِي لَيْسَ عَلَى صِحَّتِهَا دَلَالَةٌ مِنْ ظَاهِرِ التَّنْزِيلِ، وَلَا خَبَرَ عَنِ الرَّسُولِ ﷺ
٣ / ٢٤٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ﴾ [البقرة: ١٨٧] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: ﴿حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ﴾ [البقرة: ١٨٧] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَعْنِي بِقَوْلِهِ: الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ: ضَوْءُ النَّهَارِ. وَبِقَوْلِهِ: الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ: سَوَّادُ اللَّيْلِ. فَتَأْوِيلُهُ عَلَى قَوْلِ قَائِلِ هَذِهِ الْمَقَالَةَ: وَكُلُوا بِاللَّيْلِ فِي شَهْرِ صَوْمِكُمْ، وَاشْرَبُوا، وَبَاشِرُوا نِسَاءَكُمْ. مُبْتَغِينَ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ مِنَ الْوَلَدِ، مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ إِلَى أَنْ يَقَعَ لَكُمْ ضَوْءُ النَّهَارِ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ ظُلْمَةِ اللَّيْلِ وَسَوَادِهِ
٣ / ٢٤٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ، قَالَ: ثنا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، قَالَ: ثنا أَشْعَثُ، عَنِ الْحَسَنِ، ⦗٢٤٩⦘ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ «﴿حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ﴾ [البقرة: ١٨٧] قَالَ: اللَّيْلُ مِنَ النَّهَارِ»
٣ / ٢٤٨
حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ﴾ [البقرة: ١٨٧] قَالَ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ النَّهَارُ مِنَ اللَّيْلِ. ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ “
٣ / ٢٤٩
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلِهِ: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ﴾ [البقرة: ١٨٧] «فَهُمَا عَلَمَانِ وَحَدَّانِ بَيِّنَانِ فَلَا يَمْنَعُكُمْ أَذَانُ مُؤَذِّنٍ مُرَاءً، أَوْ قَلِيلُ الْعَقْلِ مِنْ سُحُورِكُمْ، فَإِنَّهُمْ يُؤَذِّنُونَ بِهَجِيعٍ مِنَ اللَّيْلِ طَوِيلٍ. وَقَدْ يُرَى بَيَاضُ مَا عَلَى السَّحَرِ يُقَالُ لَهُ الصُّبْحُ الْكَاذِبُ كَانَتْ تُسَمِّيهِ الْعَرَبُ، فَلَا يَمْنَعُكُمْ ذَلِكَ مِنْ سُحُورِكُمْ، فَإِنَّ الصُّبْحَ لَا خِفَاءَ بِهِ: طَرِيقَةٌ مُعْتَرِضَةٌ فِي الْأُفُقِ، وَكُلُوا، وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الصُّبْحُ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَأَمْسِكُوا»
٣ / ٢٤٩
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي ” أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ﴾ [البقرة: ١٨٧] «يَعْنِي اللَّيْلَ مِنَ النَّهَارِ. فَأَحَلَّ لَكُمُ الْمُجَامَعَةَ، وَالْأَكْلَ، وَالشُّرْبَ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الصُّبْحُ، فَإِذَا تَبَيَّنَ الصُّبْحُ حَرُمَ عَلَيْهِمُ الْمُجَامَعَةُ، وَالْأَكْلُ، وَالشُّرْبُ حَتَّى يُتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ. فَأَمَرَ بِصَوْمِ النَّهَارِ إِلَى اللَّيْلِ، وَأَمَرَ بِالْإِفْطَارِ بِاللَّيْلِ»
٣ / ٢٤٩
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، وَقِيلَ، لَهُ: أَرَأَيْتَ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ﴾ [البقرة: ١٨٧] قَالَ: «إِنَّكَ لَعَرِيضُ الْقَفَا»، قَالَ: هَذَا ذَهَابُ اللَّيْلِ وَمَجِيءُ النَّهَارِ ” قِيلَ لَهُ: الشَّعْبِيُّ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، حَدَّثَنَا حُصَيْنٌ وَعِلَّةُ مَنْ قَالَ هَذِهِ الْمَقَالَةِ وَتَأَوَّلَ الْآيَةَ هَذَا التَّأْوِيلَ
٣ / ٢٥٠
مَا حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنْ مُجَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَوْلُ اللَّهِ: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ﴾ [البقرة: ١٨٧] مِنَ الْفَجْرِ قَالَ: «هُوَ بَيَاضُ النَّهَارِ، وَسَوَادُ اللَّيْلِ»
٣ / ٢٥٠
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ نُمَيْرٍ، وَعَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ مُجَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، قَالَ «أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَعَلَّمَنِي الْإِسْلَامَ، وَنَعَتَ لِي الصَّلَوَاتِ، كَيْفَ أُصَلِّي كُلَّ صَلَاةٍ لِوَقْتِهَا، ثُمَّ قَالَ: «إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فَكُلْ، وَاشْرَبْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ، ثُمَّ أَتِمَّ الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ» وَلَمْ أَدْرِ مَا هُوَ، فَفَعَلْتُ خَيْطَيْنِ مِنْ أَبْيَضٍ وَأَسْوَدَ، فَنَظَرْتُ فِيهِمَا عِنْدَ الْفَجْرِ، فَرَأَيْتُهُمَا سَوَاءً فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كُلُّ شَيْءٍ أَوْصَيْتَنِي قَدْ حَفِظْتُ غَيْرَ الْخَيْطِ الْأَبْيَضِ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ، قَالَ: «وَمَا مَنَعَكَ يَا ابْنَ حَاتِمٍ؟» وَتَبَسَّمَ كَأَنَّهُ قَدْ عَلِمَ مَا فَعَلْتُ. قُلْتُ: فَتَلْتُ خَيْطَيْنِ مِنْ أَبْيَضَ، وَأَسْوَدَ ⦗٢٥١⦘ فَنَظَرْتُ فِيهِمَا مِنَ اللَّيْلِ فَوَجَدْتُهُمَا سَوَاءً. فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حَتَّى رُئِيَ نَوَاجِذُهُ، ثُمَّ قَالَ:»أَلَمْ أَقُلْ لَكَ: مِنَ الْفَجْرِ؟ إِنَّمَا هُوَ ضَوْءُ النَّهَارِ وَظُلْمَةُ اللَّيْلِ “
٣ / ٢٥٠
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: ثنا ذَوَّادُ بْنُ عَلْبَةَ جَمِيعًا، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، قَالَ ” قُلْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ: مَا الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ، أَهُمَا خَيْطَانِ أَبْيَضُ، وَأَسْوَدُ؟ فَقَالَ «إِنَّكَ لَعَرِيضُ الْقَفَا إِنْ أَبْصَرْتَ الْخَيْطَيْنِ»، ثُمَّ قَالَ: «لَا وَلَكِنَّهُ سَوَّادُ اللَّيْلِ، وَبَيَاضُ النَّهَارِ»
٣ / ٢٥١
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْبَرْقِيُّ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبَى مَرْيَمَ، قَالَ: ثنا أَبُو غَسَّانَ، قَالَ: ثنا أَبُو حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ﴾ [البقرة: ١٨٧] فَلَمْ يَنْزِلْ ﴿مِنَ الْفَجْرِ﴾ [البقرة: ١٨٧] قَالَ «فَكَانَ رِجَالٌ إِذَا أَرَادُوا الصَّوْمَ رَبَطَ أَحَدُهُمْ فِي رِجْلَيْهِ الْخَيْطَ الْأَسْوَدَ، وَالْخَيْطَ الْأَبْيَضَ، فَلَا يَزَالُ يَأْكُلُ، وَيَشْرَبُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُ؛ فَأَنْزَلَ اللَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ: ﴿مِنَ الْفَجْرِ﴾ [البقرة: ١٨٧] فَعَلِمُوا إِنَّمَا يَعْنِي بِذَلِكَ: اللَّيْلَ، وَالنَّهَارَ» وَقَالَ مُتَأَوِّلُو قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ﴾ [البقرة: ١٨٧] أَنَّهُ بَيَاضُ النَّهَارِ وَسَوَادُ اللَّيْلِ، صِفَةُ ذَلِكَ الْبَيَاضِ أَنْ يَكُونُ مُنْتَشِرًا مُسْتَفِيضًا فِي السَّمَاءِ يَمْلَأُ بَيَاضُهُ، وَضَوْءُهُ الطُّرُقَ، فَأَمَّا الضَّوْءُ السَّاطِعُ فِي السَّمَاءِ ⦗٢٥٢⦘ فَإِنَّ ذَلِكَ غَيْرُ الَّذِي عَنَاهُ اللَّهُ بِقَوْلِهِ: ﴿الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ﴾ [البقرة: ١٨٧] ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
٣ / ٢٥١
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى الصَّنْعَانِيُّ، قَالَ: ثنا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ عِمْرَانَ بْنَ حُدَيْرٍ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ، «الضَّوْءُ السَّاطِعُ فِي السَّمَاءِ لَيْسَ بِالصُّبْحِ، وَلَكِنْ ذَاكَ الصُّبْحُ الْكَذَّابُ، إِنَّمَا الصُّبْحُ إِذَا انْفَضَحَ الْأُفُقُ»
٣ / ٢٥٢
حَدَّثَنِي سَلْمُ بْنُ جُنَادَةَ السُّوَائِيُّ، قَالَ: ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ، قَالَ «لَمْ يَكُونُوا يَعُدُّونَ الْفَجْرَ فَجْرَكُمْ هَذَا، كَانُوا يَعُدُّونَ الْفَجْرَ الَّذِي يَمْلَأُ الْبُيُوتَ، وَالطُّرُقَ»
٣ / ٢٥٢
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا عَثَّامٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ، «مَا كَانُوا يَرَوْنَ إِلَّا أَنَّ الْفَجْرَ الَّذِي يَسْتَفِيضُ فِي السَّمَاءِ»
٣ / ٢٥٢
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ، قَالَ: ثنا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، قَالَ: ثنا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ، أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ، يَقُولُ «هُمَا فَجْرَانِ، فَأَمَّا الَّذِي يَسْطَعُ فِي السَّمَاءِ فَلَيْسَ يُحِلُّ، وَلَا يُحَرِّمُ شَيْئًا، وَلَكِنَّ الْفَجْرَ الَّذِي يَسْتَبِينُ عَلَى رُءُوسِ الْجِبَالِ هُوَ الَّذِي يُحَرِّمُ الشَّرَابَ»
٣ / ٢٥٢
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الزِّبْرِقَانِ النَّخَعِيُّ، قَالَ: ثنا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ الْحَرْثِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ، قَالَ: «⦗٢٥٣⦘ الْفَجْرُ فَجْرَانِ، فَالَّذِي كَأَنَّهُ ذَنَبُ السِّرْحَانِ لَا يُحَرِّمُ شَيْئًا، وَأَمَّا الْمُسْتَطِيرُ الَّذِي يَأْخُذُ الْأُفُقَ فَإِنَّهُ يُحِلُّ الصَّلَاةَ، وَيُحَرِّمُ الصَّوْمَ»
٣ / ٢٥٢
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا وَكِيعٌ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ صُبَيْحٍ، وَأَبُو أُسَامَةَ، عَنْ أَبِي هِلَالٍ، عَنْ سَوَادَةَ بْنِ حَنْظَلَةَ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لَا يَمْنَعُكُمْ مِنْ سُحُورِكُمْ أَذَانُ بِلَالٍ وَلَا الْفَجْرُ الْمُسْتَطِيلُ، وَلَكِنَّ الْفَجْرَ الْمُسْتَطِيرُ فِي الْأُفُقِ»
٣ / ٢٥٣
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ الْأَسَدِيُّ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ سَوَادَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ سَمُرَةَ بْنَ جُنْدُبٍ، يَذْكُرُ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ سَمِعَهُ وَهُوَ، يَقُولُ: «لَا يَغُرَّنَّكُمْ نِدَاءُ بِلَالٍ، وَلَا هَذَا الْبَيَاضُ حَتَّى يَبْدُوَ الْفَجْرُ، وَيُنْفَجِرُ» وَقَالَ آخَرُونَ: الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ: هُوَ ضَوْءُ الشَّمْسِ، وَالْخَيْطُ الْأَسْوَدُ: هُوَ سَوَّادُ اللَّيْلِ
٣ / ٢٥٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ، قَالَ: ثنا عُبَادَةُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، قَالَ: «سَافَرَ أَبِي، مَعَ حُذَيْفَةَ، قَالَ: فَسَارَ حَتَّى إِذَا خَشِينَا أَنْ يَفْجَأَنَا الْفَجْرُ، قَالَ: هَلْ مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ آكِلٌ أَوْ شَارِبٌ؟ قَالَ: قُلْتُ لَهُ: أَمَّا مَنْ يُرِيدُ الصَّوْمَ فَلَا. قَالَ: بَلَى قَالَ: ثُمَّ سَارَ حَتَّى إِذَا اسْتَبْطَأْنَا الصَّلَاةَ نَزَلَ فَتَسَحَّرَ»
٣ / ٢٥٤
حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، وَأَبُو السَّائِبِ، قَالَا: ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «خَرَجْتُ مَعَ حُذَيْفَةَ، إِلَى الْمَدَائِنِ فِي رَمَضَانَ، فَلَمَّا طَلَعَ الْفَجْرُ، قَالَ: هَلْ مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ آكِلٍ، أَوْ شَارِبٍ؟ قُلْنَا: أَمَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُومَ فَلَا. قَالَ: لَكِنِّي قَالَ: ثُمَّ سِرْنَا حَتَّى اسْتَبْطَأْنَا الصَّلَاةَ، قَالَ: هَلْ مِنْكُمْ أَحَدٌ يُرِيدُ أنْ يَتَسَحَّرَ؟ قَالَ: قُلْنَا أَمَّا مَنْ يُرِيدُ الصَّوْمَ فَلَا. قَالَ: لَكِنِّي ثُمَّ نَزَلَ فَتَسَحَّرَ، ثُمَّ صَلَّى»
٣ / ٢٥٤
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: رُبَّمَا شَرِبْتُ بَعْدَ قَوْلِ الْمُؤَذِّنِ يَعْنِي فِي رَمَضَانَ قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ. قَالَ: وَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا كَانَ أَفْعَلَ لَهُ مِنَ الْأَعْمَشِ، وَذَلِكَ لَمَّا سَمِعَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «كُنَّا مَعَ حُذَيْفَةَ، نَسِيرُ لَيْلًا، فَقَالَ: هَلْ مِنْكُمْ مُتَسَحِّرٌ السَّاعَةَ؟ قَالَ: ثُمَّ سَارَ، ثُمَّ قَالَ حُذَيْفَةُ: هَلْ مِنْكُمْ مُتَسَحِّرٌ السَّاعَةَ؟ قَالَ: ثُمَّ سَارَ حَتَّى اسْتَبْطَأْنَا الصَّلَاةَ، قَالَ: فَنَزَلَ فَتَسَحَّرَ»
٣ / ٢٥٤
حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيُّ، قَالَ: ثنا مُصْعَبُ بْنُ الْمِقْدَامِ، قَالَ: ثنا إِسْرَائِيلُ، قَالَ: ثنا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ هُبَيْرَةَ، عَنْ عَلِيٍّ، أَنَّهُ لَمَّا صَلَّى الْفَجْرَ، قَالَ «هَذَا ⦗٢٥٥⦘ حِينَ يَتَبَيَّنُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ»
٣ / ٢٥٤
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ الصَّلْتِ، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ بْنُ حُذَيْفَةَ الْعَطَّارُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْبَرَاءِ، قَالَ: «تَسَحَّرْتُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، ثُمَّ خَرَجْتُ، فَأَتَيْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ، فَقَالَ: اشْرَبْ فَقُلْتُ: إِنِّي قَدْ تَسَحَّرْتُ. فَقَالَ: اشْرَبْ فَشَرِبْنَا ثُمَّ خَرَجْنَا، وَالنَّاسُ فِي الصَّلَاةِ»
٣ / ٢٥٥
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ جَبَلَةَ بْنِ سُحَيْمٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ مَطَرٍ، قَالَ «أَتَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ، فِي دَارِهِ، فَأَخْرَجَ فَضْلًا مِنْ سَحُورِهِ، فَأَكَلْنَا مَعَهُ، ثُمَّ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَخَرَجْنَا فَصَلَّيْنَا»
٣ / ٢٥٥
حَدَّثَنَا خَلَّادُ بْنُ أَسْلَمَ، قَالَ: ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْقِلٍ، عَنْ سَالِمٍ، مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ قَالَ، كُنْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، فَوْقَ سَطْحٍ وَاحِدٍ فِي رَمَضَانَ، فَأَتَيْتُ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَقُلْتُ «أَلَا تَأْكُلُ يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ؟ فَأَوْمَأَ بِيَدِهِ أَنْ كُفَّ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ مَرَّةً أُخْرَى، فَقُلْتُ لَهُ: أَلَا تَأْكُلُ يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ؟ فَأَوْمَأَ بِيَدِهِ أَنْ كُفَّ. ثُمَّ أَتَيْتُهُ مَرَّةً أُخْرَى، فَقُلْتُ: أَلَا تَأْكُلُ يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ؟ فَنَظَرَ إِلَى الْفَجْرِ ثُمَّ أَوْمَأَ بِيَدِهِ أَنْ كُفَّ. ثُمَّ أَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: أَلَا تَأْكُلُ يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ؟ قَالَ، هَاتِ غَذَاءَكَ قَالَ: فَأَتَيْتُهُ بِهِ فَأَكَلَ ثُمَّ صَلَّى ⦗٢٥٦⦘ رَكْعَتَيْنٍ، ثُمَّ قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ»
٣ / ٢٥٥
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ «الْوِتْرُ بِاللَّيْلِ، وَالسَّحُورُ بِالنَّهَارِ» وَقَدْ رُوِيَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ غَيْرُ ذَلِكَ
٣ / ٢٥٦
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ «السَّحُورُ بِلَيْلٍ، وَالْوِتْرُ بِلَيْلٍ»
٣ / ٢٥٦
حَدَّثَنَا حَكَّامٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ «السَّحُورُ، وَالْوِتْرُ مَا بَيْنَ التَّثْوِيبِ، وَالْإِقَامَةِ»
٣ / ٢٥٦
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ شَبِيبِ بْنِ غَرْقَدَةَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ حَبَّانَ، قَالَ: «تَسَحَّرْنَا مَعَ عَلِيٍّ، ثُمَّ خَرَجْنَا وَقَدِ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَصَلَّيْنَا»
٣ / ٢٥٦
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا مُؤَمَّلٌ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ شَبِيبٍ، عَنْ حَبَّانَ بْنِ الْحَارِثِ، قَالَ «مَرَرْتُ بِعَلِيٍّ، وَهُوَ فِي دَارِ أَبِي مُوسَى، وَهُوَ يَتَسَحَّرُ، فَلَمَّا انْتَهَيْتُ ⦗٢٥٧⦘ إِلَى الْمَسْجِدِ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ»
٣ / ٢٥٦
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي السَّفَرِ، قَالَ «صَلَّى عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، الْفَجْرَ، ثُمَّ قَالَ: هَذَا حِينَ يَتَبَيَّنُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ، مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ» وَعِلَّةُ مَنْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ أَنَّ الْقَوْلَ إِنَّمَا هُوَ النَّهَارُ دُونَ اللَّيْلِ. قَالُوا: وَأَوَّلُ النَّهَارِ طُلُوعُ الشَّمْسِ، كَمَا أَنَّ آخِرَهُ غُرُوبُهَا. قَالُوا: وَلَوْ كَانَ أَوَّلُهُ طُلُوعَ الْفَجْرِ لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ آخِرُهُ غُرُوبَ الشَّفَقِ قَالُوا: وَفِي إِجْمَاعِ الْحُجَّةِ عَلَى أَنَّ آخِرَ النَّهَارِ غُرُوبُ الشَّمْسِ دَلِيلٌ وَاضِحٌ، عَلَى أَنَّ أَوَّلَهُ طُلُوعُهَا. قَالُوا: وَفِي الْخَبَرِ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ تَسَحَّرَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَوْضَحُ الدَّلِيلِ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِنَا. ذِكْرُ الْأَخْبَارِ الَّتِي رُوِيَتْ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ فِي ذَلِكَ
٣ / ٢٥٧
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا أَبُو بَكْرٍ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ، عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: قُلْتُ: تَسَحَّرْتُ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ لَوْ أَشَاءُ لَأَقُولُ هُوَ النَّهَارُ إِلَّا أَنَّ الشَّمْسَ لَمْ تَطْلُعْ “
٣ / ٢٥٧
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: مَا كَذَبَ عَاصِمٌ، عَلَى زِرٍّ، وَلَا زِرٌّ، عَلَى حُذَيْفَةَ، قَالَ: قُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ «تَسَحَّرْتَ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ؟ قَالَ» نَعَمْ هُوَ النَّهَارُ إِلَّا أَنَّ الشَّمْسَ لَمْ تَطْلُعْ “
٣ / ٢٥٧
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا مُؤَمَّلٌ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ، عَنْ ⦗٢٥٨⦘ حُذَيْفَةَ، قَالَ «كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَتَسَحَّرُ وَأَمَّا أَرَى مَوَاقِعَ النَّبْلِ. قَالَ: قُلْتُ أَبْعَدَ الصُّبْحِ؟ قَالَ: هُوَ الصُّبْحُ إِلَّا أَنَّهُ لَمْ تَطْلُعِ الشَّمْسُ»
٣ / ٢٥٧
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ بَشِيرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ قَيْسٍ، وَخَلَّادٌ الصَّفَّارُ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، قَالَ: أَصْبَحْتُ ذَاتَ يَوْمٍ فَغَدَوْتُ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَقُلْتُ: لَوْ مَرَرْتُ عَلَى بَابِ حُذَيْفَةَ، فَفَتَحَ لِي فَدَخَلْتُ، فَإِذَا هُوَ يُسَخَّنُ لَهُ طَعَامٌ، فَقَالَ: اجْلِسْ حَتَّى تَطْعَمَ فَقُلْتُ: إِنِّي أُرِيدُ الصَّوْمَ. فَقَرَّبَ طَعَامَهُ فَأَكَلَ وَأَكَلْتُ مَعَهُ، ثُمَّ قَامَ إِلَى لِقْحَةٍ فِي الدَّارِ، فَأَخَذَ يَطْلُبُ مِنْ جَانِبٍ، وَأَحْلُبُ أَنَا مِنْ جَانِبٍ، فَنَاوَلَنِي، فَقُلْتُ: أَلَا تَرَى الصُّبْحَ؟ فَقَالَ: اشْرَبْ فَشَرِبْتُ، ثُمَّ جِئْتُ إِلَى بَابِ الْمَسْجِدِ فَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ، فَقُلْتُ لَهُ: أَخْبِرْنِي بِآخِرِ سَحُورٍ تَسَحَّرْتَهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ «هُوَ الصُّبْحُ إِلَّا أَنَّهُ لَمْ تَطْلُعِ الشَّمْسُ»
٣ / ٢٥٨
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْأَهْوَازِيُّ، قَالَ: ثنا رَوْحُ بْنُ جُنَادَةَ، قَالَ: ثنا حَمَّادٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «إِذَا سَمِعَ أَحَدُكُمُ النِّدَاءَ وَالْإِنَاءُ عَلَى يَدِهِ فَلَا يَضَعُهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ مِنْهُ» ⦗٢٥٩⦘ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثنا رَوْحُ بْنُ جُنَادَةَ، قَالَ: ثنا حَمَّادٌ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ مِثْلَهُ، وَزَادَ فِيهِ: وَكَانَ الْمُؤَذِّنُ يُؤَذِّنُ إِذَا بَزَغَ الْفَجْرُ
٣ / ٢٥٨
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ وَاقِدٍ، قَالَا جَمِيعًا، عَنْ أَبِي غَالِبٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ «أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ وَالْإِنَاءُ فِي يَدِ عُمَرَ، قَالَ: أَشْرَبُهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «نَعَمْ»، فَشَرِبَهَا»
٣ / ٢٥٩
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثنا يُونُسُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ بِلَالٌ، «أَتَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ أُؤْذِنُهُ بِالصَّلَاةِ وَهُوَ يُرِيدُ الصَّوْمَ، فَدَعَا بِإِنَاءٍ فَشَرِبَ، ثُمَّ نَاوَلَنِي فَشَرِبْتُ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ»
٣ / ٢٥٩
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، قَالَ: ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ، عَنْ بِلَالٍ، قَالَ: «أَتَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ أُوذِنُهُ بِصَلَاةِ الْفَجْرِ وَهُوَ يُرِيدُ الصِّيَامَ، فَدَعَا بِإِنَاءٍ فَشَرِبَ، ثُمَّ نَاوِلْنِي فَشَرِبْتُ، ثُمَّ خَرَجْنَا إِلَى الصَّلَاةِ» ⦗٢٦٠⦘ وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ بِالْآيَةِ، التَّأْوِيلُ الَّذِي رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ «الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ: بَيَاضُ النَّهَارِ، وَالْخَيْطُ الْأَسْوَدُ سَوَّادُ اللَّيْلِ» وَهُوَ الْمَعْرُوفُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، قَالَ أَبُو دُؤَادٍ الْإِيَادِيُّ:
[البحر المتقارب] فَلَمَّا أَضَاءَتْ لَنَا سُدْفَةٌ … وَلَاحَ مِنَ الصُّبْحِ خَيْطٌ أَنَارَا
وَأَمَّا الْأَخْبَارُ الَّتِي رُوِيَتْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ شَرِبَ أَوْ تَسَحَّرَ ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ، فَإِنَّهُ غَيْرُ دَافِعٍ صِحَّةَ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَنْكِرٍ أَنْ يَكُونَ ﷺ شَرِبَ قَبْلَ الْفَجْرِ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ، إِذْ كَانَتِ الصَّلَاةُ صَلَاةَ الْفَجْرِ هِيَ عَلَى عَهْدِهِ كَانَتْ تُصَلَّى بَعْدَ مَا يَطْلُعُ الْفَجْرُ وَيَتَبَيَّنُ طُلُوعُهُ وَيُؤَذَّنُ لَهَا قَبْلَ طُلُوعِهِ. وَأَمَّا الْخَبَرُ الَّذِي رُوِيَ عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَتَسَحَّرُ وَأَنَا أَرَى مَوَاقِعَ النَّبْلِ، فَإِنَّهُ قَدِ اسْتَثْبَتَ فِيهِ، فَقِيلَ لَهُ: أَبْعَدَ الصُّبْحِ؟ فَلَمْ يُجِبْ فِي ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَانَ بَعْدَ الصُّبْحِ، وَلَكِنَّهُ قَالَ: هُوَ الصُّبْحُ. وَذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ هُوَ الصُّبْحُ لِقُرْبِهِ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُوَ بِعَيْنِهِ، كَمَا تَقُولُ الْعَرَبُ: «هَذَا فُلَانٌ شَبَهًا»، وَهِيَ تُشِيرُ إِلَى غَيْرِ الَّذِي سَمَّتْهُ، فَتَقُولُ: «هُوَ هُوَ» تَشْبِيهًا مِنْهَا لَهُ بِهِ، فَكَذَلِكَ قَوْلُ حُذَيْفَةَ: هُوَ الصُّبْحُ، مَعْنَاهُ: هُوَ الصُّبْحُ شَبَهًا بِهِ وَقُرْبًا مِنْهُ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي مَعْنَى الْخَيْطِ الْأَبْيَضِ وَالْأَسْوَدِ
[البحر المتقارب] فَلَمَّا أَضَاءَتْ لَنَا سُدْفَةٌ … وَلَاحَ مِنَ الصُّبْحِ خَيْطٌ أَنَارَا
وَأَمَّا الْأَخْبَارُ الَّتِي رُوِيَتْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ شَرِبَ أَوْ تَسَحَّرَ ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ، فَإِنَّهُ غَيْرُ دَافِعٍ صِحَّةَ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَنْكِرٍ أَنْ يَكُونَ ﷺ شَرِبَ قَبْلَ الْفَجْرِ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ، إِذْ كَانَتِ الصَّلَاةُ صَلَاةَ الْفَجْرِ هِيَ عَلَى عَهْدِهِ كَانَتْ تُصَلَّى بَعْدَ مَا يَطْلُعُ الْفَجْرُ وَيَتَبَيَّنُ طُلُوعُهُ وَيُؤَذَّنُ لَهَا قَبْلَ طُلُوعِهِ. وَأَمَّا الْخَبَرُ الَّذِي رُوِيَ عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَتَسَحَّرُ وَأَنَا أَرَى مَوَاقِعَ النَّبْلِ، فَإِنَّهُ قَدِ اسْتَثْبَتَ فِيهِ، فَقِيلَ لَهُ: أَبْعَدَ الصُّبْحِ؟ فَلَمْ يُجِبْ فِي ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَانَ بَعْدَ الصُّبْحِ، وَلَكِنَّهُ قَالَ: هُوَ الصُّبْحُ. وَذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ هُوَ الصُّبْحُ لِقُرْبِهِ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُوَ بِعَيْنِهِ، كَمَا تَقُولُ الْعَرَبُ: «هَذَا فُلَانٌ شَبَهًا»، وَهِيَ تُشِيرُ إِلَى غَيْرِ الَّذِي سَمَّتْهُ، فَتَقُولُ: «هُوَ هُوَ» تَشْبِيهًا مِنْهَا لَهُ بِهِ، فَكَذَلِكَ قَوْلُ حُذَيْفَةَ: هُوَ الصُّبْحُ، مَعْنَاهُ: هُوَ الصُّبْحُ شَبَهًا بِهِ وَقُرْبًا مِنْهُ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي مَعْنَى الْخَيْطِ الْأَبْيَضِ وَالْأَسْوَدِ
٣ / ٢٥٩
مَا حَدَّثَنِي بِهِ يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: ﴿حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ ⦗٢٦١⦘ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ﴾ [البقرة: ١٨٧] قَالَ «الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ الَّذِي يَكُونُ مِنْ تَحْتِ اللَّيْلِ يَكْشِفُ اللَّيْلَ، وَالْأَسْوَدُ: مَا فَوْقَهُ»
٣ / ٢٦٠
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿مِنَ الْفَجْرِ﴾ [البقرة: ١٨٧] فَإِنَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ يَعْنِي: حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ الَّذِي هُوَ مِنَ الْفَجْرِ. وَلَيْسَ ذَلِكَ هُوَ جَمِيعُ الْفَجْرِ، وَلَكِنَّهُ إِذَا تَبَيَّنَ لَكُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ مِنَ الْفَجْرِ ذَلِكَ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ الَّذِي يَكُونُ مِنْ تَحْتِ اللَّيْلِ الَّذِي فَوْقَهُ سَوَّادُ اللَّيْلِ، فَمَنْ حِينَئِذٍ فَصُومُوا، ثُمَّ أَتِمُّوا صِيَامَكُمْ مِنْ ذَلِكَ إِلَى اللَّيْلِ. وَبِمِثْلِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ كَانَ ابْنُ زَيْدٍ يَقُولُ
٣ / ٢٦١
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿مِنَ الْفَجْرِ﴾ [البقرة: ١٨٧] قَالَ «ذَلِكَ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ هُوَ مِنَ الْفَجْرِ نِسْبَةً إِلَيْهِ، وَلَيْسَ الْفَجْرَ كُلَّهُ، فَإِذَا جَاءَ هَذَا الْخَيْطُ وَهُوَ أَوَّلُهُ فَقَدْ حَلَّتِ الصَّلَاةُ وَحَرُمَ الطَّعَامُ، وَالشَّرَابُ عَلَى الصَّائِمِ» وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ﴾ [البقرة: ١٨٧] أَوْضَحُ الدَّلَالَةِ عَلَى خَطَأِ قَوْلِ مَنْ قَالَ: حَلَالٌ الْأَكْلُ، وَالشُّرْبُ لِمَنْ أَرَادَ الصَّوْمَ إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ؛ لِأَنَّ الْخَيْطَ الْأَبْيَضَ مِنَ الْفَجْرِ يَتَبَيَّنُ عِنْدَ ابْتِدَاءِ طُلُوعِ أَوَائِلِ الْفَجْرِ، وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ ذَلِكَ حَدًّا لِمَنْ لَزِمَهُ الصَّوْمُ فِي الْوَقْتِ الَّذِي أَبَاحَ إِلَيْهِ الْأَكْلَ، وَالشُّرْبَ، وَالْمُبَاشَرَةَ. فَمَنْ زَعَمَ أَنَّ لَهُ أَنْ يَتَجَاوَزَ ذَلِكَ الْحَدَّ، قِيلَ لَهُ: أَرَأَيْتَ إِنْ أَجَازَ لَهُ آخِرَ ذَلِكَ ضَحْوَةً أَوْ نِصْفَ النَّهَارِ؟ فَإِنْ قَالَ: إِنَّ قَائِلَ ذَلِكَ مُخَالِفٌ لِلْأُمَّةَ قِيلَ لَهُ: وَأَنْتَ لِمَا دَلَّ عَلَيْهِ كِتَابُ اللَّهِ وَنَقْلُ
٣ / ٢٦١
الْأُمَّةِ مُخَالِفٌ، فَمَا الْفَرَقُ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ مِنْ أَصْلٍ أَوْ قِيَاسٍ؟ فَإِنْ قَالَ: الْفَرَقُ بَيْنِي وَبَيْنَهُ أَنَّ اللَّهَ أَمَرَ بِصَوْمِ النَّهَارِ دُونَ اللَّيْلِ، وَالنَّهَارُ مِنْ طُلُوعِ. الشَّمْسِ. قِيلَ لَهُ: كَذَلِكَ يَقُولُ مُخَالِفُوكَ: وَالنَّهَارُ عِنْدَهُمْ أَوَّلُهُ طُلُوعُ الْفَجْرِ، وَذَلِكَ هُوَ ضَوْءُ الشَّمْسِ وَابْتِدَاءُ طُلُوعِهَا دُونَ أَنْ يَتَتَامَّ طُلُوعُهَا، كَمَا أَنَّ آخِرَ النَّهَارِ ابْتِدَاءُ غُرُوبِهَا دُونَ أَنْ يَتَتَامَّ غُرُوبُهَا. وَيُقَالُ لِقَائِلِي ذَلِكَ: إِنْ كَانَ النَّهَارُ عِنْدَكُمْ كَمَا وَصَفْتُمْ هُوَ ارْتِفَاعُ الشَّمْسِ، وَتَكَامُلُ طُلُوعِهَا، وَذَهَابُ جَمِيعِ سُدْفَةُ اللَّيْلِ، وَغَبَسُ سَوَادِهِ، فَكَذَلِكَ عِنْدَكُمُ اللَّيْلُ هُوَ تَتَامُّ غُرُوبِ الشَّمْسِ وَذَهَابُ ضِيَائِهَا وَتَكَامُلُ سَوَّادِ اللَّيْلِ وَظَلَامُهُ. فَإِنْ قَالُوا: ذَلِكَ كَذَلِكَ. قِيلَ لَهُمْ: فَقَدْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الصَّوْمُ إِلَى مَغِيبِ الشَّفَقِ وَذَهَابِ ضَوْءِ الشَّمْسِ وَبَيَاضِهَا مِنْ أُفُقِ السَّمَاءِ. فَإِنْ قَالُوا: ذَلِكَ كَذَلِكَ، أَوْجَبُوا الصَّوْمَ إِلَى مَغِيبِ الشَّفَقِ الَّذِي هُوَ بَيَاضٌ. وَذَلِكَ قَوْلٌ إِنْ قَالُوهُ مَدْفُوعٌ بِنَقْلِ الْحُجَّةِ الَّتِي لَا يَجُوزُ فِيمَا نَقَلْتُهُ مُجْمِعَةً عَلَيْهِ الْخَطَأُ وَالسَّهْوُ عَلَى تَخْطِئَتِهِ. وَإِنْ قَالُوا: بَلْ أَوَّلُ اللَّيْلِ ابْتِدَاءُ سُدْفَتُهُ، وَظَلَامُهُ، وَمَغِيبُ عَيْنِ الشَّمْسِ عَنَّا. قِيلَ لَهُمْ: وَكَذَلِكَ أَوَّلُ النَّهَارِ: طُلُوعُ أَوَّلِ ضِيَاءِ الشَّمْسِ، وَمَغِيبُ أَوَائِلِ سُدْفَةِ اللَّيْلِ. ثُمَّ يُعْكَسُ عَلَيْهِ الْقَوْلُ فِي ذَلِكَ، وَيُسْأَلُ الْفَرْقَ بَيْنَ ذَلِكَ، فَلَنْ يَقُولَ فِي أَحَدِهِمَا قَوْلًا إِلَّا أُلْزِمَ فِي الْآخَرِ مِثْلَهُ. وَأَمَّا الْفَجْرُ، فَإِنَّهُ مَصْدَرٌ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: تَفَجَّرَ الْمَاءُ يَتَفَجَّرُ فَجْرًا: إِذَا انْبَعَثَ،
٣ / ٢٦٢
وَجَرَى، فَقِيلَ لِلطَّالِعِ مِنْ تَبَاشِيرِ ضِيَاءِ الشَّمْسِ مِنْ مَطْلَعِ الشَّمْسِ فَجَرٌ، لِانْبِعَاثِ ضَوْئِهِ عَلَيْهِمْ وَتَوَرُّدِهِ عَلِيمٌ بِطُرُقِهِمْ وَمَحَاجِّهِمْ تَفَجَّرَ الْمَاءِ الْمُنْفَجِرِ مِنْ مَنْبَعِهِ
٣ / ٢٦٣
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ﴾ [البقرة: ١٨٧] فَإِنَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ حَدَّ الصَّوْمَ بِأَنَّ آخِرَ وَقْتِهِ إِقْبَالُ اللَّيْلِ، كَمَا حَدَّ الْإِفْطَارَ وَإِبَاحَةَ الْأَكْلِ، وَالشُّرْبِ، وَالْجِمَاعِ وَأَوَّلَ الصَّوْمِ بِمَجِيءِ أَوَّلِ النَّهَارِ، وَأَوَّلِ إِدْبَارِ آخِرِ اللَّيْلِ، فَدَلَّ بِذَلِكَ عَلَى أَنْ لَا صَوْمَ بِاللَّيْلِ كَمَا لَا فِطْرَ بِالنَّهَارِ فِي أَيَّامِ الصَّوْمِ، وَعَلَى أَنَّ الْمُوَاصِلَ مُجَوِّعٌ نَفْسَهُ فِي غَيْرِ طَاعَةِ رَبِّهِ
٣ / ٢٦٣
كَمَا حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، قَالَ: ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، وَوَكِيعٌ، وَعَبْدَةُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ عُمَرَ، قَالَا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ، وَأَدْبَرَ النَّهَارُ، وَغَابَتِ الشَّمْسُ فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ»
٣ / ٢٦٣
حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، قَالَ: ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، قَالَ: ثنا أَبُو إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيُّ، وَحَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ، قَالَ: ثنا أَبُو عُبَيْدَةَ، وَأَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ شَيْبَانَ، وَحَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، وَحَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ، قَالَ: ثنا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنِ ⦗٢٦٤⦘ الشَّيْبَانِيِّ، قَالُوا جَمِيعًا فِي حَدِيثِهِمْ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى، قَالَ ” كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ فِي مَسِيرٍ وَهُوَ صَائِمٌ، فَلَمَّا غَرَبَتِ الشَّمْسُ قَالَ لِرَجُلٍ: «انْزِلْ فَاجْدَحْ لِي» قَالُوا: لَوْ أَمْسَيْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ: «انْزِلْ فَاجْدَحْ لِي» فَقَالَ الرَّجُلُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ أَمْسَيْتَ قَالَ: «انْزِلْ فَاجْدَحْ لِي» قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ عَلَيْنَا نَهَارًا فَقَالَ لَهُ الثَّالِثَةَ، فَنَزَلَ فَجَدَحَ لَهُ. ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَاهُنَا» وَضَرَبَ بِيَدِهِ نَحْوَ الْمَشْرِقِ «فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ»
٣ / ٢٦٣
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ، قَالَ: ثنا دَاوُدُ، عَنْ رُفَيْعٍ، قَالَ «فَرَضَ اللَّهُ الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ، فَإِذَا جَاءَ اللَّيْلُ فَأَنْتَ مُفْطِرٌ إِنْ شِئْتَ فَكُلْ، وَإِنْ شِئْتَ فَلَا تَأْكُلْ»
٣ / ٢٦٤
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا دَاوُدُ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْوِصَالِ فِي الصَّوْمِ فَقَالَ «افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ صَوْمَ النَّهَارِ، فَإِذَا جَاءَ اللَّيْلُ فَإِنْ شَاءَ أَكَلَ، وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَأْكُلْ»
٣ / ٢٦٤
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ، فِي الْوِصَالِ فِي الصَّوْمِ، قَالَ: «قَالَ اللَّهُ: ﴿ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ﴾ [البقرة: ١٨٧] فَإِذَا جَاءَ اللَّيْلُ فَهُوَ مُفْطِرٌ، فَإِنْ شَاءَ أَكَلَ، وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَأْكُلْ»
٣ / ٢٦٤
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا ابْنُ دُكَيْنٍ، عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ، ﴿أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ﴾ [البقرة: ١٨٧] يَعْنِي أَنَّهَا كَرِهْتِ الْوِصَالَ ” ⦗٢٦٥⦘ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَمَا وَجْهُ وِصَالِ مَنْ وَاصَلَ؟ فَقَدْ عَلِمْتَ
٣ / ٢٦٤
بِمَا حَدَّثَكُمْ بِهِ أَبُو السَّائِبِ، قَالَ: ثنا حَفْصٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، قَالَ «كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، يُوَاصِلُ سَبْعَةَ أَيَّامٍ، فَلَمَّا كَبَّرَ جَعَلَهَا خَمْسًا، فَلَمَّا كَبَّرَ جِدًّا جَعَلَهَا ثَلَاثًا»
٣ / ٢٦٥
حَدَّثَنَا أَبُو السَّائِبِ، قَالَ: ثنا حَفْصٌ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، قَالَ «كَانَ ابْنُ أَبِي يَعْمَرَ يُفْطِرُ فِي كُلِّ شَهْرٍ مَرَّةً»
٣ / ٢٦٥
حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ، قَالَ: ثنا الْفَرْوِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكًا، يَقُولُ: «كَانَ عَامِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ يُوَاصِلُ لَيْلَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَلَيْلَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ مِنْ رَمَضَانَ لَا يُفْطِرُ بَيْنَهُمَا، فَلَقِيتُهُ فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا الْحَرْثِ مَاذَا تَجِدُهُ يُقَوِّيكَ فِي وِصَالِكَ؟ قَالَ: السَّمْنُ أَشْرَبُهُ أَجِدُهُ يَبُلُّ عُرُوقِي، فَأَمَّا الْمَاءُ فَإِنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ جَسَدِي» وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّنْ فَعَلَ ذَلِكَ، مِمَّنْ يَطُولُ بِذِكْرِهِمُ الْكِتَابُ. قِيلَ: وَجْهُ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى طَلَبِ الْخُمُوصَةِ لِنَفْسِهِ، وَالْقُوَّةِ، لَا عَلَى طَلَبِ الْبِرِّ بِفِعْلِهِ. وَفِعْلُهُمْ ذَلِكَ نَظِيرَ مَا كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَأْمُرُهُمْ بِهِ بِقَوْلِهِ: «اخْشَوْشِنُوا، وَتَمَعْدَدُوا، وَانْزُوا عَلَى الْخَيْلِ نَزْوًا، وَاقْطَعُوا
٣ / ٢٦٥
الرُّكُبَ، وَامْشُوا حُفَاةً» يَأْمُرَهُمْ فِي ذَلِكَ بِالتَّخَشُّنِ فِي عَيْشِهِمْ لِئَلَّا يَتَنَعَّمُوا فَيَرْكَنُوا إِلَى خَفْضِ الْعَيْشِ وَيَمِيلُوا إِلَى الدَّعَةِ فَيَجْبُنُوا، وَيَحْتَمُوا عَنْ أَعْدَائِهِمْ، وَقَدْ رَغِبَ لِمَنْ وَاصَلَ عَنِ الْوِصَالِ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْفَضْلِ
٣ / ٢٦٦
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ: أَنَّ ابْنَ أَبِي نُعَيْمٍ، كَانَ يُوَاصِلُ مِنَ الْأَيَّامِ حَتَّى لَا يَسْتَطِيعَ أَنْ يَقُومَ، فَقَالَ عَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ «لَوْ أَدْرَكَ هَذَا أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ ﷺ رَجَمُوهُ» ثُمَّ فِي الْأَخْبَارِ الْمُتَوَاتِرَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِالنَّهْيِ عَنِ الْوِصَالِ الَّتِي يَطُولُ بِإِحْصَائِهَا الْكِتَابُ تَرَكْنَا ذِكْرَ أَكْثَرُهَا اسْتِغْنَاءً بِذِكْرِ بَعْضِهَا، إِذْ كَانَ فِي ذِكْرِ مَا ذَكَرْنَا مُكْتَفًى عَنِ الِاسْتِشْهَادِ عَلَى كَرَاهَةِ الْوِصَالِ بِغَيْرِهِ
٣ / ٢٦٦
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، ” أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ نَهَى عَنِ الْوِصَالِ، قَالُوا: إِنَّكَ تُوَاصِلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «إِنِّي لَسْتُ كَأَحَدٍ مِنْكُمْ، إِنِّي أَبِيتُ أُطْعَمُ، وَأُسْقَى» وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ الْإِذْنَ بِالْوِصَالِ مِنَ السَّحَرِ إِلَى السَّحَرِ
٣ / ٢٦٦
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ الْمِصْرِيُّ، قَالَ: ثنا أَبُو شُعَيْبٍ، عَنِ ⦗٢٦٧⦘ اللَّيْثِ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْهَادِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَبَّابٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، ” أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «لَا تُوَاصِلُوا فَأَيُّكُمْ أَرَادَ أَنْ يُوَاصِلَ فَلْيُوَاصِلْ حَتَّى السَّحَرِ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ تُوَاصِلُ، قَالَ: «إِنِّي لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ إِنِّي أَبِيتُ لِي مُطْعِمٌ يُطْعِمُنِي، وَسَاقٍ يَسْقِيَنِي»
٣ / ٢٦٦
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: ثنا أَبُو إِسْرَائِيلَ الْعَبْسِيُّ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَفْصٍ، عَنْ أُمِّ وَلَدِ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ، أَنَّهَا ” مَرَّتْ بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَهُوَ يَتَسَحَّرُ، فَدَعَاهَا إِلَى الطَّعَامِ فَقَالَتْ: إِنِّي صَائِمَةٌ، قَالَ: «وَكَيْفَ تَصُومِينَ»؟ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ ﷺ، فَقَالَ: «أَيْنَ أَنْتِ مِنْ وِصَالِ آلِ مُحَمَّدٍ ﷺ مِنَ السَّحَرِ إِلَى السَّحَرِ»؟ فَتَأْوِيلُ الْآيَةِ إِذَنْ: ثُمَّ أَتِمُّوا الْكَفَّ عَمَّا أَمَرَكُمُ اللَّهُ بِالْكَفِّ عَنْهُ، مِنْ حِينَ يَتَبَيَّنُ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ إِلَى اللَّيْلِ، ثُمَّ حَلَّ لَكُمْ ذَلِكَ بَعْدَهُ إِلَى مِثْلِ ذَلِكَ الْوَقْتِ
٣ / ٢٦٧
كَمَا حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ «﴿ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ﴾ [البقرة: ١٨٧] قَالَ: مِنْ هَذِهِ الْحُدُودِ الْأَرْبَعَةِ، فَقَرَأَ: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ﴾ [البقرة: ١٨٧] إِلَى نِسَائِكُمْ فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ: ﴿ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ﴾ [البقرة: ١٨٧]» وَكَانَ أَبِي وَغَيْرُهُ مِنْ مَشْيَخَتِنَا يَقُولُونَ هَذَا وَيَتْلُونَهُ عَلَيْنَا
٣ / ٢٦٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ﴾ [البقرة: ١٨٧]⦗٢٦٨⦘ يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ﴾ [البقرة: ١٨٧] لَا تُجَامِعُوا نِسَاءَكُمْ، وَبِقَوْلِهِ: ﴿وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ﴾ [البقرة: ١٨٧] يَقُولُ: فِي حَالِ عُكُوفِكُمْ فِي الْمَسَاجِدِ، وَتِلْكَ حَالُ حَبْسِهِمْ أَنْفُسَهُمْ عَلَى عُبَادَةِ اللَّهِ فِي مَسَاجِدِهِمْ. وَالْعُكُوفُ أَصْلُهُ الْمُقَامُ، وَحَبْسُ النَّفْسِ عَلَى الشَّيْءِ، كَمَا قَالَ الطِّرِمَّاحُ بْنُ حَكِيمٍ:
[البحر الطويل] فَبَاتَ بَنَاتُ اللَّيْلِ حَوْلِيَ عُكَّفًا … عُكُوفَ الْبَوَاكِي بَيْنَهُنَّ صَرِيعُ
يَعْنِي بِقَوْلِهِ عُكَّفًا: مُقِيمَةً. وَكَمَا قَالَ الْفَرَزْدَقُ:
[البحر الطويل] تَرَى حَوْلَهُنَّ الْمُعْتَفِينَ كَأَنَّهُمْ … عَلَى صَنَمٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ عُكَّفُ
وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى الْمُبَاشَرَةِ الَّتِي عَنَى اللَّهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ﴾ [البقرة: ١٨٧] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى ذَلِكَ الْجِمَاعُ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ مَعَانِي الْمُبَاشَرَةِ
[البحر الطويل] فَبَاتَ بَنَاتُ اللَّيْلِ حَوْلِيَ عُكَّفًا … عُكُوفَ الْبَوَاكِي بَيْنَهُنَّ صَرِيعُ
يَعْنِي بِقَوْلِهِ عُكَّفًا: مُقِيمَةً. وَكَمَا قَالَ الْفَرَزْدَقُ:
[البحر الطويل] تَرَى حَوْلَهُنَّ الْمُعْتَفِينَ كَأَنَّهُمْ … عَلَى صَنَمٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ عُكَّفُ
وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى الْمُبَاشَرَةِ الَّتِي عَنَى اللَّهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ﴾ [البقرة: ١٨٧] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى ذَلِكَ الْجِمَاعُ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ مَعَانِي الْمُبَاشَرَةِ
٣ / ٢٦٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثني مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلَى بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ ﴿وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ﴾ [البقرة: ١٨٧] فِي رَمَضَانَ أَوْ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ، فَحَرَّمَ اللَّهُ أَنْ يَنْكِحَ النِّسَاءَ لَيْلًا وَنَهَارًا حَتَّى يَقْضِيَ اعْتِكَافَهُ “
٣ / ٢٦٨
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا سُوَيْدٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: ⦗٢٦٩⦘ قَالَ لِي عَطَاءٌ، ﴿وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ﴾ [البقرة: ١٨٧] قَالَ: الْجِمَاعُ “
٣ / ٢٦٨
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، قَالَ «كَانُوا يُجَامِعُونَ وَهُمْ مُعْتَكِفُونَ، حَتَّى نَزَلَتْ: ﴿وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ﴾ [البقرة: ١٨٧]»
٣ / ٢٦٩
حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا سُوَيْدٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ﴾ [البقرة: ١٨٧] قَالَ «كَانَ الرَّجُلُ إِذَا اعْتَكَفَ فَخَرَجَ مِنَ الْمَسْجِدِ جَامَعَ إِنْ شَاءَ، فَقَالَ اللَّهُ ﴿وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ﴾ [البقرة: ١٨٧] يَقُولُ: لَا تَقْرَبُوهُنَّ مَا دُمْتُمْ عَاكِفِينَ فِي مَسْجِدٍ أَوْ غَيْرِهِ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا سُوَيْدٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ جُوَيْبِرِ، عَنِ الضَّحَّاكِ، نَحْوَهُ
٣ / ٢٦٩
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، قَالَ «كَانَ أُنَاسٌ يُصِيبُونَ نِسَاءَهُمْ وَهُمْ عَاكِفُونَ فِيهَا فَنَهَاهُمُ اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ»
٣ / ٢٦٩
وَحَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلِهِ: ﴿وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ﴾ [البقرة: ١٨٧] قَالَ «كَانَ الرَّجُلُ إِذَا خَرَجَ مِنَ الْمَسْجِدِ وَهُوَ مُعْتَكِفٌ وَلَقِيَ امْرَأَتَهُ بَاشَرَهَا إِنْ شَاءَ، فَنَهَاهُمُ اللَّهُ عز وجل عَنْ ذَلِكَ، وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَصْلُحُ حَتَّى يَقْضِيَ اعْتِكَافَهُ»
٣ / ٢٧٠
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ حمادةَ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ﴾ [البقرة: ١٨٧] يَقُولُ «مَنِ اعْتَكَفَ فَإِنَّهُ يَصُومُ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ النِّسَاءُ مَا دَامَ مُعْتَكِفًا»
٣ / ٢٧٠
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ﴾ [البقرة: ١٨٧] قَالَ «الْجِوَارُ، فَإِذَا خَرَجَ أَحَدُكُمْ مِنْ بَيْتِهِ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ فَلَا يَقْرَبُ النِّسَاءَ»
٣ / ٢٧٠
حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ، يَقُولُ «مَنْ خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ فَلَا يَقْرَبُ النِّسَاءَ»
٣ / ٢٧٠
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ﴾ [البقرة: ١٨٧] قَالَ «كَانَ النَّاسُ إِذَا اعْتَكَفُوا يَخْرُجُ الرَّجُلُ فَيُبَاشِرُ أَهْلَهُ ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَنَهَاهُمُ اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ»
٣ / ٢٧٠
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، «كَانُوا إِذَا اعْتَكَفُوا فَخَرَجَ الرَّجُلُ إِلَى الْغَائِطِ جَامَعَ امْرَأَتَهُ، ثُمَّ اغْتَسَلَ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى اعْتِكَافِهِ، فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ»
٣ / ٢٧١
قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قَالَ مُجَاهِدٌ، «نُهُوا عَنْ جِمَاعِ النِّسَاءِ فِي الْمَسَاجِدِ حَيْثُ كَانَتِ الْأَنْصَارُ تُجَامِعُ، فَقَالَ: ﴿وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ﴾ [البقرة: ١٨٧] قَالَ: عَاكِفُونَ: الْجِوَارُ» قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: فَقُلْتُ لِعَطَاءٍ، الْجِمَاعُ الْمُبَاشَرَةُ؟ قَالَ: الْجِمَاعُ نَفْسُهُ، فَقُلْتُ لَهُ: فَالْقُبْلَةُ فِي الْمَسْجِدِ، وَالْمَسَّةُ؟ فَقَالَ: أَمَا مَا حُرِّمَ فَالْجِمَاعُ، وَأَنَا أَكْرَهُ كُلَّ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فِي الْمَسْجِدِ “
٣ / ٢٧١
حُدِّثْتُ عَنْ حُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: ثنا الْفَضْلُ بْنُ خَالِدٍ، قَالَ: ثنا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنِ الضَّحَّاكِ، «﴿وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ﴾ [البقرة: ١٨٧] يَعْنِي الْجِمَاعَ» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ عَلَى جَمِيعِ مَعَانِي الْمُبَاشَرَةِ مَنْ لَمْسٍ، وَقِبْلَةٍ، وَجِمَاعٍ
٣ / ٢٧١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، «لَا يَمَسُّ الْمُعْتَكِفُ امْرَأَتَهُ وَلَا يُبَاشِرُهَا، وَلَا يَتَلَذَّذُ مِنْهَا بِشَيْءٍ، قِبْلَةً، وَلَا غَيْرَهَا»
٣ / ٢٧١
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ﴾ [البقرة: ١٨٧] قَالَ «الْمُبَاشَرَةُ: الْجِمَاعُ، وَغَيْرُ الْجِمَاعِ كُلُّهُ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ، قَالَ: الْمُبَاشَرَةُ بِغَيْرِ جِمَاعٍ: إِلْصَاقُ الْجِلْدِ بِالْجِلْدِ» وَعِلَّةُ مَنْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ، أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ عَمَّ بِالنَّهْيِ عَنِ الْمُبَاشَرَةِ وَلَمْ يُخَصِّصْ مِنْهَا شَيْئًا دُونَ شَيْءٍ فَذَلِكَ عَلَى مَا عَمَّهُ حَتَّى تَأْتِيَ حُجَّةٌ يَجِبٌ التَّسْلِيمٌ لَهَا بِأَنَّهُ عَنَى بِهِ مُبَاشَرَةً دُونَ مُبَاشَرَةٍ. وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ عِنْدِي بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَى ذَلِكَ الْجِمَاعُ أَوْ مَا قَامَ مَقَامَ الْجِمَاعِ مِمَّا أَوْجَبَ غُسْلًا إِيجَابَهُ؛ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا قَوْلَ فِي ذَلِكَ إِلَّا أَحَدُ قَوْلَيْنِ: أَمَّا مَنْ جَعَلَ حُكْمَ الْآيَةِ عَامًّا، أَوْ جَعَلَ حُكْمَهَا فِي خَاصٍّ مِنْ مَعَانِي الْمُبَاشَرَةِ. وَقَدْ تَظَاهَرَتِ الْأَخْبَارُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّ نِسَاءَهُ كُنَّ يُرَجِّلْنَهُ وَهُوَ مُعْتَكِفٌ، فَلَمَّا صَحَّ ذَلِكَ عَنْهُ، عُلِمَ أَنَّ الَّذِي عُنِيَ بِهِ مِنْ مَعَانِي الْمُبَاشَرَةِ الْبَعْضُ دُونَ الْجَمِيعِ
٣ / ٢٧٢
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ شُعَيْبٍ، قَالَ: ثنا مَعْنُ بْنُ عِيسَى الْقَزَّازُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ إِذَا اعْتَكَفَ يُدْنِي إِلَيَّ رَأْسَهُ فَأُرَجِّلُهُ»
٣ / ٢٧٢
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَعُمْرَةَ، أَنَّ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لَمْ يَكُنْ يَدْخُلُ الْبَيْتَ إِلَّا لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ، وَكَانَ يُدْخِلُ عَلَيَّ رَأْسَهُ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ ⦗٢٧٣⦘ فَأُرَجِّلُهُ»
٣ / ٢٧٢
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يُدْنِي إِلَيَّ رَأْسَهُ وَهُوَ مُجَاوِرٌ فِي الْمَسْجِدِ وَأَنَا فِي حُجْرَتِي، وَأَنَا حَائِضٌ، فَأَغْسِلُهُ، وَأُرَجِّلُهُ»
٣ / ٢٧٣
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: ثنا ابْنُ فُضَيْلٍ، وَيَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ تَمِيمِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَعْتَكِفُ فَيُخْرِجُ إِلَيَّ رَأْسَهُ مِنَ الْمَسْجِدِ وَهُوَ عَاكِفٌ فَأَغْسِلُهُ، وَأَنَا حَائِضٌ»
٣ / ٢٧٣
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرٍ، قَالَ: ثنا حَمَّادُ بْنُ مَسْعَدَةَ، قَالَ: ثنا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَهِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ جَمِيعًا، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يُخْرِجُ رَأْسَهُ فَأُرَجِّلُهُ وَهُوَ مُعْتَكِفٌ» ⦗٢٧٤⦘ فَإِذَا كَانَ صَحِيحًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مَا ذَكَرْنَا مِنْ غَسْلِ عَائِشَةَ رَأْسَهُ وَهُوَ مُعْتَكِفٌ، فَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ: ﴿وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ﴾ [البقرة: ١٨٧] غَيْرُ جَمِيعِ مَا لَزِمَهُ اسْمُ الْمُبَاشَرَةِ وَأَنَّهُ مَعْنِيُّ بِهِ الْبَعْضُ مِنْ مَعَانِي الْمُبَاشَرَةِ دُونَ الْجَمِيعِ. فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَكَانَ مُجْمَعًا عَلَى أَنَّ الْجِمَاعَ مِمَّا عُنِيَ بِهِ، كَانَ وَاجِبًا تَحْرِيمُ الْجِمَاعِ عَلَى الْمُعْتَكِفِ وَمَا أَشْبَهَهُ، وَذَلِكَ كُلُّ مَا قَامَ فِي الِالْتِذَاذِ مَقَامَهُ مِنَ الْمُبَاشَرَةِ
٣ / ٢٧٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا﴾ [البقرة: ١٨٧] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِذَلِكَ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ الَّتِي بَيَّنْتُهَا مِنَ الْأَكْلِ، وَالشُّرْبِ، وَالْجِمَاعِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ نَهَارًا فِي غَيْرِ عُذْرٍ، وَجِمَاعِ النِّسَاءِ فِي الِاعْتِكَافِ فِي الْمَسَاجِدِ. يَقُولُ: هَذِهِ الْأَشْيَاءُ حَدَّدْتُهَا لَكُمْ، وَأَمَرْتُكُمْ أَنْ تَجْتَنِبُوهَا فِي الْأَوْقَاتِ الَّتِي أَمَرْتُكُمْ أَنْ تَجْتَنِبُوهَا وَحَرَّمْتُهَا فِيهَا عَلَيْكُمْ، فَلَا تَقْرَبُوهَا وَابْعُدُوا مِنْهَا أَنْ تَرْكَبُوهَا، فَتَسْتَحِقُّوا بِهَا مِنَ الْعُقُوبَةِ مَا يَسْتَحِقُّهُ مَنْ تَعَدَّى حُدُودِي وَخَالَفَ أَمْرِي وَرَكِبَ مَعَاصِيَّ. وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ التَّأْوِيلِ يَقُولُ: حُدُودُ اللَّهِ: شُرُوطُهُ. وَذَلِكَ مَعْنًى قَرِيبٌ مِنَ الْمَعْنَى الَّذِي قُلْنَا، غَيْرَ أَنَّ الَّذِيَ قُلْنَا فِي ذَلِكَ أَشْبَهُ بِتَأْوِيلِ الْكَلِمَةِ، وَذَلِكَ أَنَّ حَدَّ كُلِّ شَيْءٍ مَا حَصَرَهُ مِنَ الْمَعَانِي وَمَيَّزَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ، فَقَوْلُهُ: ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ﴾ [البقرة: ١٨٧] مِنْ ذَلِكَ، يَعْنِي بِهِ الْمَحَارِمَ الَّتِي مَيَّزَهَا مِنَ الْحَلَالِ الْمُطْلَقِ فَحَدَّدَهَا بِنُعُوتِهَا وَصِفَاتِهَا وَعَرَّفَهَا عِبَادَهُ
٣ / ٢٧٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ إِنَّ ذَلِكَ بِمَعْنَى الشُّرُوطِ حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ ⦗٢٧٥⦘ السُّدِّيِّ، قَالَ «أَمَّا حُدُودُ اللَّهِ فَشُرُوطُهُ» وَقَالَ بَعْضُهُمْ: حُدُودُ اللَّهِ: مَعَاصِيهِ
٣ / ٢٧٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ الْفَضْلَ بْنَ خَالِدٍ، قَالَ: ثنا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنِ الضَّحَّاكِ، ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ﴾ [البقرة: ١٨٧] يَقُولُ: مَعْصِيَةُ اللَّهِ، يَعْنِي الْمُبَاشَرَةَ فِي الِاعْتِكَافِ “
٣ / ٢٧٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾ [البقرة: ١٨٧] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِذَلِكَ: كَمَا بَيَّنْتُ لَكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَاجِبَ فَرَائِضِي عَلَيْكُمْ مِنَ الصَّوْمِ، وَعَرَّفْتُكُمْ حُدُودَهُ، وَأَوْقَاتَهُ، وَمَا عَلَيْكُمْ مِنْهُ فِي الْحَضَرِ، وَمَا لَكُمْ فِيهِ فِي السَّفَرِ، وَالْمَرَضِ، وَمَا اللَّازِمُ لَكُمْ تَجَنُّبُهُ فِي حَالِ اعْتِكَافِكُمْ فِي مَسَاجِدِكُمْ، فَأَوْضَحْتُ جَمِيعَ ذَلِكَ لَكُمْ، فَكَذَلِكَ أُبَيِّنُ أَحْكَامِي، وَحَلَالِي، وَحَرَامِي، وَحُدُودِي، وَأَمْرِي، وَنَهْيِي فِي كِتَابِي، وَتَنْزِيلِي، وَعَلَى لِسَانِ رَسُولِي ﷺ لِلنَّاسِ. ويعني بِقَوْلِهِ: ﴿لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾ [البقرة: ١٨٧] يَقُولُ: أُبَيِّنُ ذَلِكَ لَهُمْ لِيَتَّقُوا مَحَارِمِي، وَمَعَاصِيَّ، وَيَتَجَنَّبُوا سَخَطِي، وَغَضَبِي بِتَرْكِهِمْ رُكُوبَ مَا أُبَيِّنُ لَهُمْ فِي آيَاتِي أَنِّي قَدْ حَرَّمْتُهُ عَلَيْهِمْ، وَأَمَرْتُهُمْ بِهَجْرِهِ وَتَرْكِهِ
٣ / ٢٧٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى
٣ / ٢٧٥
الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: ١٨٨] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِذَلِكَ: وَلَا يَأْكُلُ بَعْضُكُمْ مَالَ بَعْضٍ بِالْبَاطِلِ. فَجَعَلَ تَعَالَى ذِكْرُهُ بِذَلِكَ أَكْلَ مَالِ أَخِيهِ بِالْبَاطِلِ كَالْآكِلِ مَالِ نَفْسِهِ بِالْبَاطِلِ، وَنَظِيرُ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ [الحجرات: ١١] وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ [النساء: ٢٩] بِمَعْنَى: لَا يَلْمِزُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، وَلَا يَقْتُلُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ جَعَلَ الْمُؤْمِنِينَ إِخْوَةً، فَقَاتِلُ أَخِيهِ كَقَاتِلِ نَفْسِهِ، وَلَامِزُهُ كَلَامِزِ نَفْسِهِ، وَكَذَلِكَ تَفْعَلُ الْعَرَبُ تُكَنِّي عَنْ أَنْفُسِهَا بِأَخَوَاتِهَا، وَعَنْ أَخَوَاتِهَا بِأَنْفُسِهَا، فَتَقُولُ: أَخِي، وَأَخُوكَ أَيُّنَا أَبْطِشُ، تَعْنِي أَنَا، وَأَنْتَ نَصْطَرِعُ فَنَنْظُرُ أَيُّنَا أَشَدُّ، فَيُكَنِّي الْمُتَكَلِّمُ عَنْ نَفْسِهِ بِأَخِيهِ، لِأَنَّ أَخَا الرَّجُلِ عِنْدَهَا كَنَفْسِهِ؛ وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
[البحر المتقارب] أَخِي وَأَخُوكَ بِبَطْنِ النُّسَيْرِ … لَيْسَ لَنَا مِنْ مَعَدٍّ عَرِيبُ
فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ: وَلَا يَأْكُلُ بَعْضُكُمْ أَمْوَالَ بَعْضٍ فِيمَا بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ، وَأَكْلُهُ بِالْبَاطِلِ أَكْلُهُ مِنْ غَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي أَبَاحَهُ اللَّهُ لِآكِلِيهِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ﴾ [البقرة: ١٨٨] فَإِنَّهُ يَعْنِي: وَتُخَاصِمُوا بِهَا، يَعْنِي بِأَمْوَالِكُمْ إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا، طَائِفَةً مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ.
[البحر المتقارب] أَخِي وَأَخُوكَ بِبَطْنِ النُّسَيْرِ … لَيْسَ لَنَا مِنْ مَعَدٍّ عَرِيبُ
فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ: وَلَا يَأْكُلُ بَعْضُكُمْ أَمْوَالَ بَعْضٍ فِيمَا بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ، وَأَكْلُهُ بِالْبَاطِلِ أَكْلُهُ مِنْ غَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي أَبَاحَهُ اللَّهُ لِآكِلِيهِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ﴾ [البقرة: ١٨٨] فَإِنَّهُ يَعْنِي: وَتُخَاصِمُوا بِهَا، يَعْنِي بِأَمْوَالِكُمْ إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا، طَائِفَةً مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ.
٣ / ٢٧٦
ويعني بِقَوْلِهِ: ﴿بِالْإِثْمِ﴾ [البقرة: ٨٥] بِالْحَرَامِ الَّذِي قَدْ حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ﴿وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: ٢٢] أَيْ وَأَنْتُمْ تَتَعَمَّدُونَ أَكْلَ ذَلِكَ بِالْإِثْمِ عَلَى قَصْدٍ مِنْكُمْ إِلَى مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ مِنْهُ، وَمَعْرِفَةٌ بِأَنَّ فِعْلَكُمْ ذَلِكَ مَعْصِيَةٌ لِلَّهِ وَإِثْمٌ
٣ / ٢٧٧
كَمَا حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ﴾ [البقرة: ١٨٨] فَهَذَا فِي الرَّجُلِ يَكُونُ عَلَيْهِ مَالٌ وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِيهِ بَيِّنَةٌ فَيَجْحَدُ الْمَالَ فَيُخَاصِمُهُمْ إِلَى الْحُكَّامِ وَهُوَ يَعْرِفُ أَنَّ الْحَقَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ آثَمٌ آكُلٌ حَرَامًا “
٣ / ٢٧٧
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ «﴿وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ﴾ [البقرة: ١٨٨] قَالَ: لَا تُخَاصِمُ وَأَنْتَ ظَالِمٌ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
٣ / ٢٧٧
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلِهِ: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ﴾ [البقرة: ١٨٨] وَكَانَ يُقَالُ «مَنْ مَشَى مَعَ خَصْمِهِ وَهُوَ لَهُ ظَالِمٌ فَهُوَ آثَمٌ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى الْحَقِّ. وَاعْلَمْ يَا ابْنَ آدَمَ، أَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي لَا يُحِلُّ لَكَ حَرَامًا، وَلَا يُحِقُّ لَكَ بَاطِلًا، وَإِنَّمَا يَقْضِي الْقَاضِي بِنَحْوِ مَا يَرَى، وَيَشْهَدُ بِهِ ⦗٢٧٨⦘ الشُّهُودُ، وَالْقَاضِي بَشَرٌ يُخْطِئُ وَيُصِيبُ. وَاعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ قَدْ قُضِيَ لَهُ بِالْبَاطِلِ، فَإِنَّ خُصُومَتَهُ لَمْ تَنْقَضِ حَتَّى يَجْمَعَ اللَّهُ بَيْنَهُمَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيَقْضِي عَلَى الْمُبْطَلِ لِلْمُحِقِّ، وَيَأْخُذُ مِمَّا قُضِيَ بِهِ لِلْمُبْطِلِ عَلَى الْمُحِقِّ فِي الدُّنْيَا»
٣ / ٢٧٧
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ﴾ [البقرة: ١٨٨] قَالَ «لَا تُدْلِ بِمَالِ أَخِيكَ إِلَى الْحَاكِمِ وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّكَ ظَالِمٌ، فَإِنَّ قَضَاءَهُ لَا يُحِلُّ لَكَ شَيْئًا كَانَ حَرَامًا عَلَيْكَ»
٣ / ٢٧٨
حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: ١٨٨] أَمَّا الْبَاطِلُ، يَقُولُ «يَظْلِمُ الرَّجُلُ مِنْكُمْ صَاحِبَهُ، ثُمَّ يُخَاصِمُهُ لِيَقْطَعَ مَالَهُ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ ظَالِمٌ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ﴾ [البقرة: ١٨٨]»
٣ / ٢٧٨
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي خَالِدٌ الْوَاسِطِيُّ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَوْلَهُ: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ﴾ [البقرة: ١٨٨] قَالَ «هُوَ الرَّجُلُ يَشْتَرِي السِّلْعَةَ فَيَرُدُّهَا وَيَرُدُّ مَعَهَا دَرَاهِمَ»
٣ / ٢٧٨
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ﴾ [البقرة: ١٨٨] يَقُولُ ” يَكُونُ
٣ / ٢٧٨
أَجْدَلَ مِنْهُ وَأَعْرَفَ بِالْحُجَّةِ، فَيُخَاصِمُهُ فِي مَالِهِ بِالْبَاطِلِ لِيَأْكُلَ مَالَهُ بِالْبَاطِلِ. وَقَرَأَ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضِ مِنْكُمْ﴾ [النساء: ٢٩] قَالَ: هَذَا الْقِمَارُ الَّذِي كَانَ يَعْمَلُ بِهِ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ ” وَأَصْلُ الْإِدْلَاءِ: إِرْسَالُ الرَّجُلِ الدَّلْوَ فِي سَبَبٍ مُتَعَلِّقًا بِهِ فِي الْبِئْرِ، فَقِيلَ لِلْمُحَتَجِّ بِدَعْوَاهُ أَدْلَى بِحُجَّةِ كَيْتَ، وَكَيْتَ إِذْ كَانَ حُجَّتُهُ الَّتِي يَحْتَجُّ بِهَا سَبَبًا لَهُ هُوَ بِهِ مُتَعَلِّقٌ فِي خُصُومَتِهِ كَتَعَلُّقِ الْمُسْتَقَى مِنْ بِئْرٍ بِدَلْو قَدْ أرْسَلَهَا فِيهَا بِسَبِبِهَا الَّذِي الدَّلْوُ بِهِ مُتَعَلِّقَةٌ، يُقَالُ فِيهِمَا جَمِيعًا، أَعِنِّي مِنَ الِاحْتِجَاجِ، وَمِنْ إِرْسَالِ الدَّلْوِ فِي الْبِئْرِ بِسَبَبٍ: أَدْلَى فُلَانٌ بِحُجَّتِهِ فَهُوَ يُدْلِي بِهَا إِدْلَاءً، وَأَدْلَى دَلْوَهُ فِي الْبِئْرِ فَهُوَ يُدْلِيهَا إِدْلَاءً. فَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ﴾ [البقرة: ١٨٨] فَإِنَّ فِيهِ وَجْهَيْنِ مِنَ الْإِعْرَابِ، أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ قَوْلِهِ: ﴿وَتُدْلُوا﴾ [البقرة: ١٨٨] جَزْمًا عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ﴾ [البقرة: ١٨٨] أَيْ وَلَا تُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ، وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ فِي قِرَاءَةِ أَبِي بِتَكْرِيرِ حَرْفِ النَّهْيِ، وَلَا تُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ. وَالْآخَرُ مِنْهُمَا النَّصْبُ عَلَى الظَّرْفِ، فَيَكُونُ مَعْنَاهُ حِينَئِذٍ: لَا تَأْكُلُوا
٣ / ٢٧٩
أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَأَنْتُمْ تَدْلُونَ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الكامل] لَا تَنْهَ عَنْ خُلُقٍ وَتَأْتِيَ مِثْلَهُ … عَارٌ عَلَيْكَ إِذَا فَعَلْتَ عَظِيمُ
يَعْنِي: لَا تَنْهَ عَنْ خُلُقٍ وَأَنْتَ تَأْتِي مِثْلَهُ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ جَزْمٍ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي قِرَاءَةِ أَبِي أَحْسَنَ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ نَصَبًا
[البحر الكامل] لَا تَنْهَ عَنْ خُلُقٍ وَتَأْتِيَ مِثْلَهُ … عَارٌ عَلَيْكَ إِذَا فَعَلْتَ عَظِيمُ
يَعْنِي: لَا تَنْهَ عَنْ خُلُقٍ وَأَنْتَ تَأْتِي مِثْلَهُ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ جَزْمٍ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي قِرَاءَةِ أَبِي أَحْسَنَ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ نَصَبًا
٣ / ٢٨٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [البقرة: ١٨٩] ذُكِرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ سُئِلَ عَنْ زِيَادَةِ الْأَهِلَّةِ، وَنُقْصَانِهَا، وَاخْتِلَافُ أَحْوَالِهَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ هَذِهِ الْآيَةَ جَوَابًا لَهُمْ فِيمَا سَأَلُوا عَنْهُ
٣ / ٢٨٠
ذِكْرُ الْأَخْبَارِ بِذَلِكَ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلِهِ: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ﴾ [البقرة: ١٨٩] قَالَ قَتَادَةُ: سَأَلُوا نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ عَنْ ذَلِكَ: لِمَ جَعَلْتَ هَذِهِ الْأَهِلَّةَ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهَا مَا تَسْمَعُونَ: ﴿هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ﴾ [البقرة: ١٨٩] فَجَعَلَهَا لِصَوْمِ الْمُسْلِمِينَ، وَلِإِفْطَارِهِمْ، وَلِمَنَاسِكِهِمْ، وَحَجِّهِمْ، وَلِعِدَّةِ نِسَائِهِمْ، وَمَحَلِّ دَيْنَهِمْ فِي أَشْيَاءَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُصْلِحُ خَلْقَهُ “
٣ / ٢٨٠
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، ⦗٢٨١⦘ قَالَ «ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُمْ قَالُوا لِلنَّبِيِّ ﷺ: لِمَ خَلَقْتَ الْأَهِلَّةَ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ﴾ [البقرة: ١٨٩] جَعَلَهَا اللَّهُ مَوَاقِيتَ لِصَوْمِ الْمُسْلِمِينَ، وَإِفْطَارِهِمْ، وَلِحَجِّهِمْ، وَمَنَاسِكِهِمْ، وَعِدَّةِ نِسَائِهِمْ، وَحَلِّ دُيُونِهِمْ»
٣ / ٢٨٠
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ﴾ [البقرة: ١٨٩] قَالَ «هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ فِي حَجِّهِمْ، وَصَوْمِهِمْ، وَفِطْرِهِمْ، وَنُسُكِهِمْ»
٣ / ٢٨١
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ النَّاسُ «لِمَ خُلِقَتِ الْأَهِلَّةُ؟ فَنَزَلَتْ: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ﴾ [البقرة: ١٨٩] لِصَوْمِهِمْ وَإِفْطَارِهِمْ وَحَجِّهِمْ وَمَنَاسِكِهِمْ. قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَوَقْتِ حَجِّهِمْ، وَعِدَّةِ نِسَائِهِمْ، وَحَلِّ دَيْنِهِمْ»
٣ / ٢٨١
حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ، قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ﴾ [البقرة: ١٨٩] «فَهِيَ مَوَاقِيتُ الطَّلَاقِ، وَالْحَيْضِ، وَالْحَجِّ»
٣ / ٢٨١
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: ثنا الْفَضْلُ بْنُ خَالِدٍ، قَالَ: ثنا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنِ الضَّحَّاكِ، ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ، قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ﴾ [البقرة: ١٨٩] يَعْنِي ⦗٢٨٢⦘ حَلَّ دَيْنِهِمْ، وَوَقْتَ حَجِّهِمْ، وَعِدَّةَ نِسَائِهِمْ “
٣ / ٢٨١
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ «سَأَلَ النَّاسُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنِ الْأَهِلَّةِ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ﴾ [البقرة: ١٨٩] يَعْلَمُونَ بِهَا حَلَّ دَيْنِهِمْ، وَعِدَّةَ نِسَائِهِمْ، وَوَقْتَ حَجِّهِمْ»
٣ / ٢٨٢
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُجَيٍ، عَنْ عَلِيٍّ، ” أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ: ﴿مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ﴾ [البقرة: ١٨٩] قَالَ «هِيَ مَوَاقِيتُ الشَّهْرِ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا، وَقَبَضَ إِبْهَامَهُ فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَصُومُوا، وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَتِمُّوا ثَلَاثِينَ» فَتَأْوِيلُ الْآيَةِ إِذَا كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا عَمَّنْ ذَكَرْنَا عَنْهُ قَوْلَهُ فِي ذَلِكَ: يَسْأَلُونَكَ يَا مُحَمَّدُ عَنِ الْأَهِلَّةِ، وَمِحَاقِهَا، وَسِرَارِهَا، وَتَمَامِهَا، وَاسْتِوَائِهَا، وَتَغَيُّرِ أَحْوَالِهَا بِزِيَادَةٍ، وَنُقْصَانٍ، وَمِحَاقٍ، وَاسْتِسْرَارٍ، وَمَا الْمَعْنَى الَّذِي خَالَفَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّمْسِ الَّتِي هِيَ دَائِمَةٌ أَبَدًا عَلَى حَالٍ وَاحِدَةٍ لَا تَتَغَيَّرُ بِزِيَادَةٍ، وَلَا نُقْصَانٍ، فَقُلْ يَا مُحَمَّدُ خَالَفَ بَيْنَ ذَلِكَ رَبُّكُمْ لِتَصْيِيرِهِ الْأَهِلَّةَ الَّتِي سَأَلْتُمْ عَنْ أَمْرِهَا وَمَخَالَفَةِ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ غَيْرِهَا فِيمَا خَالَفَ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ مَوَاقِيتُ لَكُمْ وَلِغَيْرِكُمٍ مِنْ بَنِي آدَمَ، فِي مَعَايِشِهِمْ، تَرْقُبُونَ بِزِيَادَتِهَا، وَنُقْصَانِهَا، وَمَحَاقِهَا، وَاسْتِسْرَارِهَا، وَإِهْلَالِكُمْ ⦗٢٨٣⦘ إِيَّاهَا أَوْقَاتَ حَلِّ دُيُونِكُمْ، وَانْقِضَاءَ مُدَّةِ إِجَارَةِ مَنِ اسْتَأْجَرْتُمُوهُ، وَتَصَرُّمَ عِدَّةِ نِسَائِكُمْ، وَوَقْتَ صَوْمِكُمْ، وَإِفْطَارِكُمْ، فَجَعَلَهَا مَوَاقِيتَ لِلنَّاسِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَالْحَجِّ﴾ [البقرة: ١٨٩] فَإِنَّهُ يَعْنِي وَلِلْحَجِّ، يَقُولُ: وَجَعَلَهَا أَيْضًا مِيقَاتًا لِحَجِّكُمْ تَعْرِفُونَ بِهَا وَقْتَ مَنَاسِكِكُمْ، وَحَجِّكُمْ
٣ / ٢٨٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [البقرة: ١٨٩] قِيلَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي قَوْمٍ كَانُوا لَا يَدْخُلُونَ إِذَا أَحْرَمُوا بُيُوتَهُمْ مِنْ قِبَلِ أَبْوَابِهَا
٣ / ٢٨٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ، يَقُولُ «كَانَتِ الْأَنْصَارُ إِذَا حَجُّوا وَرَجَعُوا لَمْ يَدْخُلُوا الْبُيُوتَ إِلَّا مِنْ ظُهُورِهَا. قَالَ: فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَدَخَلَ مِنْ بَابِهِ، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا﴾ [البقرة: ١٨٩]»
٣ / ٢٨٣
حَدَّثَنِي سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ، قَالَ «كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا أَحْرَمُوا أَتَوْا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا، وَلَمْ يَأْتُوا مِنْ ⦗٢٨٤⦘ أَبْوَابِهَا، فَنَزَلَتْ: ﴿وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا﴾ [البقرة: ١٨٩] . . الْآيَةَ»
٣ / ٢٨٣
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ دَاوُدَ، عَنْ قَيْسِ بْنِ حَبْتَرٍ، «أَنَّ نَاسًا، كَانُوا إِذَا أَحْرَمُوا لَمْ يَدْخُلُوا حَائِطًا مِنْ بَابِهِ، وَلَا دَارًا مِنْ بَابِهَا، أَوْ بَيْتًا، فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَأَصْحَابُهُ دَارًا. وَكَانَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ رِفَاعَةُ بْنُ تَابُوتَ، فَجَاءَ فَتَسَوَّرَ الْحَائِطَ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَلَمَّا خَرَجَ مِنْ بَابِ الدَّارِ أَوْ قَالَ مِنْ بَابِ الْبَيْتِ خَرَجَ مَعَهُ رِفَاعَةُ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَا حَمَلَكَ عَلَى ذَلِكَ؟» قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ رَأَيْتُكَ خَرَجْتَ مِنْهُ، فَخَرَجْتُ مِنْهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنِّي رَجُلٌ أَحْمَسُ»، فَقَالَ: إِنْ تَكُنْ رَجُلًا أَحْمَسَ فَإِنَّ دِينَنَا وَاحِدٌ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا﴾ [البقرة: ١٨٩]»
٣ / ٢٨٤
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا﴾ [البقرة: ١٨٩] يَقُولُ «لَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ كَوَّاتٍ فِي ظُهُورِ الْبُيُوتِ، وَأَبْوَابٍ فِي جُنُوبِهَا تَجْعَلُهَا أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ. فَنُهُوا أَنْ يَدْخُلُوا مِنْهَا وَأُمِرُوا أَنْ يَدْخُلُوا مِنْ أَبْوَابِهَا» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
٣ / ٢٨٥
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ «كَانَ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ إِذَا أَحْرَمُوا لَمْ يَدْخُلُوا مِنْ أَبْوَابِ بُيُوتِهِمْ وَدَخَلُوا مِنْ ظُهُورِهَا، فَنَزَلَتْ: ﴿وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى﴾ [البقرة: ١٨٩] الْآيَةَ»
٣ / ٢٨٥
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَيْسَ الْبِرُّ﴾ [البقرة: ١٨٩] بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا قَالَ ” كَانَ الْمُشْرِكُونَ إِذَا أَحْرَمَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ نَقَبَ كَوَّةً فِي ظَهْرِ بَيْتِهِ فَجَعَلَ سُلَّمًا فَجَعَلَ يَدْخُلُ مِنْهَا. قَالَ فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ذَاتَ يَوْمٍ وَمَعَهُ رَجُلٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، قَالَ: فَأَتَى الْبَابَ لِيَدْخُلَ، فَدَخَلَ مِنْهُ. قَالَ: فَانْطَلَقَ الرَّجُلُ لِيَدْخُلَ مِنَ الْكُوَّةِ. قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَا شَأْنُكَ؟» فَقَالَ: إِنِّي أَحْمَسُ، فَقَالَ ⦗٢٨٦⦘ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «وَأَنَا أَحْمَسُ»
٣ / ٢٨٥
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ «كَانَ نَاسٌ مِنَ الْأَنْصَارِ إِذَا أَهَلُّوا بِالْعُمْرَةِ لَمْ يَحُلْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ السَّمَاءِ شَيْءٌ يَتَحَرَّجُونَ مِنْ ذَلِكَ، وَكَانَ الرَّجُلُ يَخْرُجُ مُهِلًّا بِالْعُمْرَةِ فَتَبْدُو لَهُ الْحَاجَةُ بَعْدَ مَا يَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهِ فَيَرْجِعُ وَلَا يَدْخُلُ مِنْ بَابِ الْحُجْرَةِ مِنْ أَجْلِ سَقْفِ الْبَابِ أَنْ يَحُولَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّمَاءِ، فَيُفْتَحُ الْجِدَارُ مِنْ وَرَائِهِ، ثُمَّ يَقُومُ فِي حُجْرَتِهِ فَيَأْمُرُ بِحَاجَتِهِ فَتَخْرُجُ إِلَيْهِ مِنْ بَيْتِهِ. حَتَّى بَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَهَلَّ زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ بِالْعُمْرَةِ، فَدَخَلَ حُجْرَةً، فَدَخَلَ رَجُلٌ عَلَى أَثَرِهِ مِنَ الْأَنْصَارِ مِنْ بَنِي سَلَمَةَ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ: «إِنِّي أَحْمَسُ» قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَكَانَتِ الْحُمْسُ لَا يُبَالُونَ ذَلِكَ. فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ: وَأَنَا أَحْمَسُ، يَقُولُ: وَأَنَا عَلَى دِينِكَ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا﴾ [البقرة: ١٨٩]»
٣ / ٢٨٦
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلِهِ: ﴿وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ﴾ [البقرة: ١٨٩] الْآيَةَ كُلَّهَا. قَالَ قَتَادَةُ «كَانَ هَذَا الْحَيُّ مِنَ الْأَنْصَارِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا أَهَلَّ أَحَدُهُمْ بِحَجٍّ، أَوْ عَمْرَةٍ لَا يَدْخُلُ دَارًا مِنْ بَابِهَا إِلَّا أَنَّ يَتَسَوَّرَ حَائِطًا تَسَوُّرًا، وَأَسْلَمُوا وَهُمْ كَذَلِكَ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ فِي ذَلِكَ مَا تَسْمَعُونَ، وَنَهَاهُمْ عَنْ صَنِيعِهِمْ ذَلِكَ، وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ لَيْسَ مِنَ الْبِرِّ صَنِيعُهُمْ ذَلِكَ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا»
٣ / ٢٨٦
حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ ⦗٢٨٧⦘ السُّدِّيِّ، قَوْلِهِ «﴿وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا﴾ [البقرة: ١٨٩] فَإِنَّ نَاسًا مِنَ الْعَرَبِ كَانُوا إِذَا حَجُّوا لَمْ يَدْخُلُوا بُيُوتَهُمْ مِنْ أَبْوَابِهَا كَانُوا يَنْقُبُونَ فِي أَدْبَارِهَا، فَلَمَّا حَجَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حُجَّةَ الْوَدَاعِ أَقْبَلَ يَمْشِي وَمَعَهُ رَجُلٌ مِنْ أُولَئِكَ وَهُوَ مُسْلِمٌ. فَلَمَّا بَلَغَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بَابَ الْبَيْتِ احْتَبَسَ الرَّجُلُ خَلْفَهُ وَأَبَى أَنْ يَدْخُلَ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَحْمَسُ يَقُولُ: إِنِّي مُحْرِمٌ وَكَانَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ يُسَمَّوْنَ الْحُمْسُ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «وَأَنَا أَيْضًا أَحْمَسُ فَادْخُلْ» فَدَخَلَ الرَّجُلُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا﴾ [البقرة: ١٨٩]»
٣ / ٢٨٦
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا﴾ [البقرة: ١٨٩] «وَإِنَّ رِجَالًا مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ كَانُوا إِذَا خَافَ أَحَدُهُمْ مِنْ عَدُوِّهِ شَيْئًا أَحْرَمَ فَأَمِنَ، فَإِذَا أَحْرَمَ لَمْ يَلِجْ مِنْ بَابِ بَيْتِهِ وَاتَّخَذَ نَقْبًا مِنْ ظَهْرِ بَيْتِهِ. فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الْمَدِينَةَ كَانَ بِهَا رَجُلٌ مُحْرِمٌ كَذَلِكَ، وَأَنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ كَانُوا يُسَمُّونَ الْبُسْتَانَ: الْحَشَّ. وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ دَخَلَ بُسْتَانًا، فَدَخَلَهُ مِنْ بَابِهِ، وَدَخَلَ مَعَهُ ذَلِكَ الْمُحْرِمُ، فَنَادَاهُ رَجُلٌ مِنْ وَرَائِهِ: يَا فُلَانُ إِنَّكَ مُحْرِمٌ وَقَدْ دَخَلْتُ فَقَالَ: «أَنَا أَحْمَسُ»، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مُحْرِمًا فَأَنَا مُحْرِمٌ، وَإِنَّ كُنْتَ أَحْمَسَ فَأَنَا أَحْمَسُ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا﴾ [البقرة: ١٨٩] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ. فَأَحَلَّ اللَّهُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَدْخُلُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا»
٣ / ٢٨٧
حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارِ بْنِ الْحَسَنِ، قَالَ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، قَوْلَهُ: ﴿وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا﴾ [البقرة: ١٨٩] قَالَ «كَانَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَغَيْرُهُمْ إِذَا أَحْرَمُوا لَمْ يَدْخُلُوا الْبُيُوتَ إِلَّا مِنْ ظُهُورِهَا، وَذَلِكَ أَنَّ يَتَسَوَّرُوهَا، فَكَانَ إِذَا أَحْرَمَ أَحَدُهُمْ لَا يَدْخُلُ الْبَيْتَ إِلَّا أَنْ يَتَسَوَّرَهُ مِنْ قِبَلِ ظَهْرِهِ. وَإِنَّ النَّبِيَّ ﷺ دَخَلَ ذَاتَ يَوْمٍ بَيْتًا لِبَعْضِ الْأَنْصَارِ، فَدَخَلَ رَجُلٌ عَلَى أَثَرِهِ مِمَّنْ قَدْ أَحْرَمَ، فَأَنْكَرُوا ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَقَالُوا: هَذَا رَجُلٌ فَاجِرٌ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ: «لِمَ دَخَلْتَ مِنَ الْبَابِ وَقَدِ أَحْرَمْتَ؟» فَقَالَ: رَأَيْتُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ دَخَلْتَ فَدَخَلْتُ عَلَى أَثَرِكَ. فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «إِنِّي أَحْمَسُ» وَقُرَيْشٌ يَوْمَئِذٍ تُدْعَى الْحُمْسَ؛ فَلَمَّا أَنْ قَالَ ذَلِكَ النَّبِيُّ ﷺ قَالَ الْأَنْصَارِيُّ: إِنَّ دِينِي دِينُكَ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا﴾ [البقرة: ١٨٩] . . الْآيَةَ»
٣ / ٢٨٨
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، قُلْتُ لِعَطَاءٍ، قَوْلَهُ: ﴿وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا﴾ [البقرة: ١٨٩] قَالَ «كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَأْتُونَ الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَيَرَوْنَهُ بِرًّا، فَقَالَ» الْبِرُّ، ثُمَّ نَعَتَ الْبِرَّ، وَأَمَرَ بِأَنْ يَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا “
٣ / ٢٨٨
قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَأَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَثِيرٍ، أَنَّهُ سَمِعَ مُجَاهِدًا يَقُولُ «كَانَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي الْأَنْصَارِ يَأْتُونَ الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا يَتَبَرَّرُونَ بِذَلِكَ» فَتَأْوِيلُ الْآيَةِ إِذًا: وَلَيْسَ الْبِرُّ أَيُّهَا النَّاسُ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ فِي حَالِ إِحْرَامِكُمْ مِنْ ظُهُورِهَا، وَلَكِنُّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى اللَّهَ فَخَافَهُ، وَتَجَنَّبَ مَحَارِمَهُ، وَأَطَاعَهُ بِأَدَاءِ فَرَائِضِهِ الَّتِي أَمَرَهُ بِهَا، فَأَمَّا إِتْيَانُ الْبُيُوتِ مِنْ ظُهُورِهَا فَلَا بِرَّ لِلَّهِ فِيهِ، فَأْتُوهَا مِنْ حَيْثِ ⦗٢٨٩⦘ شِئْتُمْ مِنْ أَبْوَابِهَا وَغَيْرِ أَبْوَابِهَا، مَا لَمْ تَعْتَقِدُوا تَحْرِيمَ إِتْيَانِهَا مِنْ أَبْوَابِهَا فِي حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ، فَإِنَّ ذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ لَكُمُ اعْتِقَادُهُ، لِأَنَّهُ مِمَّا لَمْ أُحَرِّمْهُ عَلَيْكُمْ
٣ / ٢٨٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [البقرة: ١٨٩] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِذَلِكَ: وَاتَّقُوا اللَّهَ أَيُّهَا النَّاسُ فَاحْذَرُوهُ، وَارْهَبُوهُ بِطَاعَتِهِ فِيمَا أَمَرَكُمْ مِنْ فَرَائِضِهِ، وَاجْتِنَابِ مَا نَهَاكُمْ عَنْهُ لِتُفْلِحُوا فَتَنْجَحُوا فِي طَلَبَاتِكُمْ لَدَيْهِ وَتُدْرِكُوا بِهِ الْبَقَاءَ فِي جَنَّاتِهِ، وَالْخُلُودَ فِي نَعِيمِهِ. وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْفَلَاحِ فِيمَا مَضَى قَبْلُ بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ
٣ / ٢٨٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ [البقرة: ١٩٠] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ هَذِهِ الْآيَةِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هَذِهِ الْآيَةُ هِيَ أَوَّلُ آيَةٍ نَزَلَتْ فِي أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ بِقِتَالِ أَهْلِ الشِّرْكِ. وَقَالُوا: أُمِرَ فِيهَا الْمُسْلِمُونَ بِقِتَالِ مَنْ قَاتَلَهُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وَالْكَفِّ عَمَّنْ كَفَّ عَنْهُمْ، ثُمَّ نُسِخَتْ بِبَرَاءَةَ
٣ / ٢٨٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَعْدٍ، وَابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ [البقرة: ١٩٠] قَالَ «هَذِهِ أَوَّلُ آيَةٍ نَزَلَتْ فِي الْقِتَالِ بِالْمَدِينَةِ، فَلَمَّا نَزَلَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُقَاتِلُ مُنْ يُقَاتِلُهُ وَيَكُفُّ ⦗٢٩٠⦘ عَمَّنْ كَفَّ عَنْهُ حَتَّى نَزَلَتْ بَرَاءَةُ» وَلَمْ يَذْكُرْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ «الْمَدِينَةَ»
٣ / ٢٨٩
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ ” ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ﴾ [البقرة: ١٩٠] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ. قَالَ: قَدْ نُسِخَ هَذَا، وَقَرَأَ قَوْلَ اللَّهِ: ﴿قَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً﴾ [التوبة: ٣٦] وَهَذِهِ النَّاسِخَةُ، وَقَرَأَ: ﴿بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ [التوبة: ١] حَتَّى بَلَغَ: ﴿فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ﴾ [التوبة: ٥] إِلَى: ﴿إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [البقرة: ١٧٣] وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ ذَلِكَ أَمْرٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِلْمُسْلِمِينَ بِقِتَالِ الْكُفَّارِ لَمْ يُنْسَخْ، وَإِنَّمَا الِاعْتِدَاءُ الَّذِي نَهَاهُمُ اللَّهُ عَنْهُ هُوَ نَهْيِهِ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ، وَالذَّرَارِيِّ. قَالُوا: وَالنَّهْي عَنْ قَتْلِهِمْ ثَابِتٌ حُكْمُهُ الْيَوْمَ. قَالُوا: فَلَا شَيْءَ نُسِخَ مِنْ حُكْمِ هَذِهِ الْآيَةِ
٣ / ٢٩٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ صَدَقَةَ الدِّمَشْقِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى الْغَسَّانِيِّ، قَالَ «كَتَبْتُ إِلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَسْأَلُهُ عَنْ قَوْلِهِ: ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ [البقرة: ١٩٠] قَالَ: فَكَتَبَ إِلَيَّ أَنَّ ذَلِكَ فِي النِّسَاءِ، وَالذُّرِّيَّةِ وَمَنْ لَمْ يَنْصُبْ لَكَ الْحَرْبَ مِنْهُمْ»
٣ / ٢٩٠
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ «﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ﴾ [البقرة: ١٩٠] لِأَصْحَابِ مُحَمَّدٍ ﷺ أُمِرُوا بِقِتَالِ الْكُفَّارِ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
٣ / ٢٩١
حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ [البقرة: ١٩٠] يَقُولُ «لَا تَقْتُلُوا النِّسَاءَ، وَلَا الصِّبْيَانَ، وَلَا الشَّيْخَ الْكَبِيرَ، وَلَا مَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَكَفَّ يَدَهُ، فَإِنْ فَعَلْتُمْ هَذَا فَقَدِ اعْتَدَيْتُمْ»
٣ / ٢٩١
حَدَّثَنِي ابْنُ الْبَرْقِيِّ، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، إِلَى عَدِيِّ بْنِ أَرْطَأَةَ «إِنِّي وَجَدْتُ آيَةً فِي كِتَابِ اللَّهِ: ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ [البقرة: ١٩٠] أَيْ لَا تُقَاتِلْ مَنْ لَا يُقَاتِلُكَ، يَعْنِي النِّسَاءَ، وَالصِّبْيَانَ، وَالرُّهْبَانَ» وَأَوْلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ بِالصَّوَابِ، الْقَوْلُ الَّذِي قَالَهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ؛ لِأَنَّ دَعْوَى الْمُدَّعِيَ نَسْخَ آيَةٍ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ غَيْرَ مَنْسُوخَةٍ بِغَيْرِ دَلَالَةٍ عَلَى صِحَّةِ دَعْوَاهُ تَحَكُّمٌ، وَالتَّحَكُّمُ لَا يَعْجِزُ عَنْهُ أَحَدٌ. ⦗٢٩٢⦘ وَقَدْ دَلَلْنَا عَلَى مَعْنَى النَّسْخِ، وَالْمَعْنَى الَّذِي مِنْ قَبْلِهِ يُثْبِتُ صِحَّةَ النَّسْخِ بِمَا قَدْ أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذِهِ الْمَوْضِعِ. فَتَأْوِيلُ الْآيَةِ إِذَا كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا وَصَفْنَا: وَقَاتِلُوا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَسَبِيلُهُ: طَرِيقُهُ الَّذِي أَوْضَحَهُ وَدِينُهُ الَّذِي شَرَعَهُ لِعِبَادِهِ. يَقُولُ لَهُمْ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَاتِلُوا فِي طَاعَتِي، وَعَلَى مَا شَرَعْتُ لَكُمْ مِنْ دِينِي، وَادْعُوا إِلَيْهِ مَنْ وَلَّى عَنْهُ، وَاسْتَكْبَرَ بِالْأَيْدِي، وَالْأَلْسُنِ، حَتَّى يُنِيبُوا إِلَى طَاعَتِي، أَوْ يُعْطُوكُمُ الْجِزْيَةَ صِغَارًا إِنْ كَانُوا أَهْلَ كِتَابٍ. وَأَمَرَهُمْ تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقِتَالِ مَنْ كَانَ مِنْهُ قِتَالٌ مِنْ مُقَاتَلَةِ أَهْلِ الْكُفْرِ دُونَ مَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ قِتَالٌ مِنْ نِسَائِهِمْ، وَذَرَارِيِّهِمْ، فَإِنَّهُمْ أَمْوَالٌ وَخُوِّلَ لَهُمْ إِذَا غَلَبَ الْمُقَاتِلُونَ مِنْهُمْ فَقَهَرُوا، فَذَلِكَ مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ﴾ [البقرة: ١٩٠] لِأَنَّهُ أَبَاحَ الْكَفَّ عَمَّنْ كَفَّ، فَلَمْ يُقَاتِلْ مِنْ مُشْرِكِي أَهْلِ الْأَوْثَانِ، وَالْكَافِّينَ عَنْ قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُفَّارِ أَهْلِ الْكِتَابِ عَلَى إِعْطَاءِ الْجِزْيَةِ صِغَارًا. فَمَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿وَلَا تَعْتَدُوا﴾ [البقرة: ١٩٠] لَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا وَلَا امْرَأَةً وَلَا مَنْ أَعْطَاكُمُ الْجِزْيَةَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ ” وَالْمَجُوسِ ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ [البقرة: ١٩٠] الَّذِينَ يُجَاوِزُونَ حُدُودَهُ، فَيَسْتَحِلُّونَ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ قَتْلِ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ حَرَّمَ قَتْلَهُمْ مِنْ نِسَاءِ الْمُشْرِكِينَ وَذَرَارِيِّهِمْ
٣ / ٢٩١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ﴾ [البقرة: ١٩١]⦗٢٩٣⦘ يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَاقْتُلُوا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ أَصَبْتُمْ مُقَاتِلَهُمْ وَأَمْكَنَكُمْ قَتْلَهُمْ، وَذَلِكَ هُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ﴾ [البقرة: ١٩١] وَمَعْنَى الثَّقَفَةِ بِالْأَمْرِ: الْحَذْقُ بِهِ وَالْبَصَرُ، يُقَالُ: إِنَّهُ لَثَقِفٌ لَقِفٌ إِذَا كَانَ جَيِّدَ الْحَذَرِ فِي الْقِتَالِ بَصِيرًا بِمَوَاقِعِ الْقَتْلِ. وَأَمَّا التَّثْقَيفُ فَمَعْنًى غَيْرِ هَذَا وَهُوَ التَّقْوِيمُ؛ فَمَعْنَى: ﴿وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ﴾ [البقرة: ١٩١] اقْتُلُوهُمْ فِي أَيِّ مَكَانٍ تَمَكَّنْتُمْ مِنْ قَتْلِهِمِ وَأَبْصَرْتُمْ مُقَاتِلَهُمْ
٣ / ٢٩٢
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثِ أَخْرَجُوكُمْ﴾ [البقرة: ١٩١] فَإِنَّهُ يَعْنِي بِذَلِكَ الْمُهَاجِرِينُ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَمَنَازِلِهِمْ بِمَكَّةَ، فَقَالَ لَهُمْ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَخْرِجُوا هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَقَدِ أَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِكُمْ وَدِيَارِهِمْ كَمَا أَخْرَجُوكُمْ مِنْهَا
٣ / ٢٩٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ﴾ [البقرة: ١٩١] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ﴾ [البقرة: ١٩١] وَالشِّرْكِ بِاللَّهِ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ. وَقَدْ بَيَّنْتُ فِيمَا مَضَى أَنَّ أَصْلَ الْفِتْنَةِ الِابْتِلَاءُ، وَالِاخْتِبَارُ فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ: وَابْتِلَاءُ الْمُؤْمِنِ فِي دِينِهِ حَتَّى يَرْجِعَ عَنْهُ فَيَصِيرُ مُشْرِكًا بِاللَّهِ مِنْ ⦗٢٩٤⦘ بَعْدِ إِسْلَامِهِ أَشَدُّ عَلَيْهِ وَأَضَرُّ مِنْ أَنْ يُقْتَلَ مُقِيمًا عَلَى دِينِهِ مُتَمَسِّكًا عَلَيْهِ مُحِقًّا فِيهِ
٣ / ٢٩٣
كَمَا حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ﴾ [البقرة: ١٩١] قَالَ «ارْتِدَادُ الْمُؤْمِنِ إِلَى الْوَثَنِ أَشَدُّ عَلَيْهِ مِنَ الْقَتْلِ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
٣ / ٢٩٤
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلِهِ: ﴿وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ﴾ [البقرة: ١٩١] يَقُولُ «الشِّرْكُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ» حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، مِثْلَهُ
٣ / ٢٩٤
حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارِ بْنِ الْحَسَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ: ﴿وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ﴾ [البقرة: ١٩١] يَقُولُ «الشِّرْكُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ»
٣ / ٢٩٤
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا أَبُو زُهَيْرٍ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، ﴿وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ﴾ [البقرة: ١٩١] قَالَ: الشِّرْكُ “
٣ / ٢٩٤
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا حَجَّاجٌ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَثِيرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ﴾ [البقرة: ١٩١] قَالَ «الْفِتْنَةُ: الشِّرْكُ»
٣ / ٢٩٥
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ الْفَضْلَ بْنَ خَالِدٍ، قَالَ: ثنا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنِ الضَّحَّاكِ: ﴿وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ﴾ [البقرة: ١٩١] قَالَ «الشِّرْكُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ»
٣ / ٢٩٥
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ «﴿وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ﴾ [البقرة: ١٩١] قَالَ: فِتْنَةُ الْكُفْرِ»
٣ / ٢٩٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ﴾ [البقرة: ١٩١] وَالْقُرَّاءُ مُخْتَلِفَةٌ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ: ﴿وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ﴾ [البقرة: ١٩١] بِمَعْنَى: وَلَا تَبْتَدِئُوا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْمُشْرِكِينَ بِالْقِتَالِ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يَبْدَءُوكُمْ بِهِ، فَإِنْ بَدَءُوكُمْ بِهِ هُنَالِكَ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فِي الْحَرَمِ فَاقْتُلُوهُمْ، فَإِنَّ اللَّهَ جَعَلَ ثَوَابَ الْكَافِرِينَ عَلَى كُفْرِهِمْ، وَأَعْمَالِهِمُ السَّيِّئَةَ الْقَتْلَ فِي الدُّنْيَا، وَالْخِزْيَ الطَّوِيلَ فِي الْآخِرَةِ
٣ / ٢٩٥
كَمَا حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلِهِ ﴿وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ﴾ [البقرة: ١٩١] كَانُوا لَا يُقَاتِلُونَ فِيهِ حَتَّى يَبْدَءُوا بِالْقِتَالِ. ثُمَّ نُسِخَ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَالَ: ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ﴾ [البقرة: ١٩٣] حَتَّى لَا يَكُونَ ⦗٢٩٦⦘ شِرْكٌ ﴿وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ﴾ [البقرة: ١٩٣] أَنْ يُقَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، عَلَيْهَا قَاتَلَ نَبِيُّ اللَّهِ وَإِلَيْهَا دَعَا “
٣ / ٢٩٥
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ، قَالَ: ثنا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ﴾ [البقرة: ١٩١] فَأَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ ﷺ أَنْ لَا يُقَاتِلَهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَّا أَنْ يَبْدَءُوا فِيهِ بِقِتَالٍ، ثُمَّ نَسَخَ اللَّهُ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ﴿فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ﴾ [التوبة: ٥] فَأَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ إِذَا انْقَضَى الْأَجَلُ أَنْ يُقَاتِلَهُمْ فِي الْحِلِّ، وَالْحَرَمِ وَعِنْدَ الْبَيْتِ، حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ “
٣ / ٢٩٦
حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارِ بْنِ الْحَسَنِ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، قَوْلَهُ ﴿وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ﴾ [البقرة: ١٩١] فَكَانُوا لَا يُقَاتِلُونَهُمْ فِيهِ، ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بَعْدُ، فَقَالَ: ﴿قَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ﴾ [البقرة: ١٩٣] ” وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هَذِهِ آيَةٌ مُحْكَمَةٌ غَيْرُ مَنْسُوخَةٍ
٣ / ٢٩٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ ⦗٢٩٧⦘ مُجَاهِدٍ، ﴿فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ﴾ [البقرة: ١٩١] فِي الْحَرَمِ ﴿فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ﴾ [البقرة: ١٩١] لَا تُقَاتِلْ أَحَدًا فِيهِ أَبَدًا، فَمَنْ عَدَا عَلَيْكَ فَقَاتَلَكَ فَقَاتِلْهُ كَمَا يُقَاتِلُكَ ” وَقَرَأَ ذَلِكَ عُظْمُ قُرَّاءِ الْكُوفِيِّينَ: (وَلَا تَقْتُلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ) بِمَعْنَى: وَلَا تَبْدَءُوهُمْ بِقَتْلٍ حَتَّى يَبْدَءُوكُمْ بِهِ
٣ / ٢٩٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَمَّادٍ، عَنْ أَبِي حَمَّادٍ، عَنْ حَمْزَةَ الزَّيَّاتِ، قَالَ: قُلْتُ لِلْأَعْمَشِ: أَرَأَيْتَ قِرَاءَتَكَ: ﴿وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [البقرة: ١٩٢] إِذَا قَتَلُوهُمْ كَيْفَ يَقْتُلُونَهُمْ؟ قَالَ «إِنَّ الْعَرَبَ إِذَا قُتِلَ مِنْهُمْ رَجُلٌ، قَالُوا: قُتِلْنَا، وَإِذَا ضُرِبَ مِنْهُمْ رَجُلٌ قَالُوا: ضُرِبْنَا» وَأَوْلَى هَاتَيْنِ الْقِرَاءَتَيْنِ بِالصَّوَابِ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ: ﴿وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ﴾ [البقرة: ١٩١] لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ لَمْ يَأْمُرْ نَبِيَّهُ ﷺ وَأَصْحَابَهُ فِي حَالِ إِذَا قَاتَلَهُمُ الْمُشْرِكُونَ بِالِاسْتِسْلَامِ لَهُمْ حَتَّى يَقْتُلُوا مِنْهُمْ قَتِيلًا بَعْدَ مَا أُذِنَ لَهُ وَلَهُمْ بِقِتَالِهِمْ، فَتَكُونُ الْقِرَاءَةُ بِالْإِذْنِ بِقَتْلِهِمْ بَعْدَ أَنْ يَقْتُلُوا مِنْهُمْ أَوْلَى مِنَ الْقِرَاءَةِ بِمَا
٣ / ٢٩٧
اخْتَرْنَا. وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَمَعْلُومٌ أَنَّهُ قَدْ كَانَ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَذِنَ لَهُمْ بِقِتَالِهِمْ إِذَا كَانَ ابْتِدَاءُ الْقِتَالِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَبْلَ أَنْ يَقْتُلُوا مِنْهُمْ قَتِيلًا، وَبَعْدَ أَنْ يَقْتُلُوا مِنْهُمْ قَتِيلًا. وَقَدْ نَسَخَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ هَذِهِ الْآيَةَ بِقَوْلِهِ: ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ﴾ [البقرة: ١٩٣] وَقَوْلِهِ: ﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ﴾ [التوبة: ٥] وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ. وَقَدْ ذَكَرْنَا بَعْضَ قَوْلِ مَنْ قَالَ هِيَ مَنْسُوخَةٌ، وَسَنَذْكُرُ قَوْلَ مَنْ حَضَرَنَا ذِكْرُهُ مِمَّنْ لَمْ يُذْكَرْ
٣ / ٢٩٨
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ﴾ [البقرة: ١٩١] قَالَ: نَسَخَهَا قَوْلُهُ: ﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ﴾ [التوبة: ٥] “
٣ / ٢٩٨
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ﴾ [البقرة: ١٩١] قَالَ «حَتَّى يَبْدَءُوكُمْ كَانَ هَذَا قَدْ حُرِّمَ، فَأَحَلَّ اللَّهُ ذَلِكَ لَهُ، فَلَمْ يَزَلْ ثَابِتًا حَتَّى أَمَرَهُ اللَّهُ بِقِتَالِهِمْ بَعْدُ»
٣ / ٢٩٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [البقرة: ١٩٢] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِذَلِكَ: فَإِنِ انْتَهَى الْكَافِرُونَ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ عَنْ قِتَالِكُمْ وَكُفْرِهِمْ بِاللَّهِ، فَتَرَكُوا ذَلِكَ وَتَابُوا، فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ لِذُنُوبِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ وَتَابَ مِنْ شِرْكِهِ، وَأَنَابَ إِلَى اللَّهِ مِنْ مَعَاصِيهِ الَّتِي سَلَفَتْ مِنْهُ وَأَيَّامِهِ الَّتِي ⦗٢٩٩⦘ مَضَتْ، رَحِيمٌ بِهِ فِي آخِرَتِهِ بِفَضْلِهِ عَلَيْهِ، وَإِعْطَائِهِ مَا يُعْطي أَهْلَ طَاعَتِهِ مِنَ الثَّوَابِ بِإِنَابَتِهِ إِلَى مَحَبَّتِهِ مِنْ مَعْصِيَتِهِ
٣ / ٢٩٨
كَمَا حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنْ تَابُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ “
٣ / ٢٩٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوا فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾ [البقرة: ١٩٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ ﴿حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ﴾ [البقرة: ١٩٣] يَعْنِي: حَتَّى لَا يَكُونَ شِرْكٌ بِاللَّهِ، وَحَتَّى لَا يُعْبَدُ دُونَهُ أَحَدٌ، وَتَضْمَحِلَّ عِبَادَةُ الْأَوْثَانِ، وَالْآلِهَةِ، وَالْأَنْدَادِ، وَتَكُونَ الْعِبَادَةُ، وَالطَّاعَةُ لِلَّهِ وَحْدَهُ دُونَ غَيْرِهِ مِنَ الْأَصْنَامِ، وَالْأَوْثَانِ؛ كَمَا قَالَ قَتَادَةُ
٣ / ٢٩٩
فِيمَا حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلِهِ: ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ﴾ [البقرة: ١٩٣] قَالَ «حَتَّى لَا يَكُونَ شِرْكٌ»
٣ / ٢٩٩
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ﴾ [البقرة: ١٩٣] قَالَ «حَتَّى لَا يَكُونَ شِرْكٌ»
٣ / ٢٩٩
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ﴾ [البقرة: ١٩٣] قَالَ: الشِّرْكُ ﴿وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ ⦗٣٠٠⦘﴾ [البقرة: ١٩٣] ” حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
٣ / ٢٩٩
حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ ثنا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ﴾ [البقرة: ١٩٣] قَالَ «أَمَّا الْفِتْنَةُ: فَالشِّرْكُ»
٣ / ٣٠٠
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ﴾ [البقرة: ١٩٣] يَقُولُ «قَاتِلُوا حَتَّى لَا يَكُونَ شِرْكٌ»
٣ / ٣٠٠
حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارِ بْنِ الْحَسَنِ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، «﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ﴾ [البقرة: ١٩٣] أَيْ شِرْكٌ»
٣ / ٣٠٠
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ «﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ﴾ [البقرة: ١٩٣] قَالَ» حَتَّى لَا يَكُونَ كُفْرٌ، وَقَرَأَ: ﴿تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ﴾ [الفتح: ١٦] “
٣ / ٣٠٠
حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثني مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ﴾ [البقرة: ١٩٣] يَقُولُ: شِرْكٌ ” وَأَمَّا الدِّينُ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ فَهُوَ الْعِبَادَةُ وَالطَّاعَةُ لِلَّهِ فِي ⦗٣٠١⦘ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ، مِنْ ذَلِكَ قَوْلُ الْأَعْشَى:
[البحر الخفيف] هُوَ دَانَ الرِّبَابَ إِذْ كَرِهُوا الدِّيـ … نَ دِرَاكًا بِغَزْوَةٍ، وَصِيَالِ
يَعْنِي بِقَوْلِهِ: إِذْ كَرِهُوا الدِّينَ: إِذْ كَرِهُوا الطَّاعَةَ وَأَبَوْهَا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
[البحر الخفيف] هُوَ دَانَ الرِّبَابَ إِذْ كَرِهُوا الدِّيـ … نَ دِرَاكًا بِغَزْوَةٍ، وَصِيَالِ
يَعْنِي بِقَوْلِهِ: إِذْ كَرِهُوا الدِّينَ: إِذْ كَرِهُوا الطَّاعَةَ وَأَبَوْهَا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ