حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ: «﴿فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ﴾ [البقرة: ١٣٧] يَعْنِي فِرَاقٍ»
٢ / ٦٠١
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: «﴿وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا ⦗٦٠٢⦘ هُمْ فِي شِقَاقٍ﴾ [البقرة: ١٣٧]، قَالَ: الشِّقَاقُ: الْفِرَاقُ وَالْمُحَارَبَةُ، إِذَا شَاقَّ فَقَدْ حَارَبَ، وَإِذَا حَارَبَ فَقَدْ شَاقَّ، وَهُمَا وَاحِدٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ. وَقَرَأَ: ﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ﴾ [النساء: ١١٥]» وَأَصْلُ الشِّقَاقِ عِنْدَنَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: شَقَّ عَلَيْهِ هَذَا الْأَمْرُ إِذَا كَرَبَهُ وَآذَاهُ، ثُمَّ قِيلَ: شَاقَّ فُلَانٌ فُلَانًا بِمَعْنَى: نَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ مَا كَرَبَهُ وَآذَاهُ وَأَثْقَلَتْهُ مَسَاءَتُهُ، وَمِنْهُ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا﴾ [النساء: ٣٥] بِمَعْنَى فِرَاقَ بَيْنِهِمَا
٢ / ٦٠١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [البقرة: ١٣٧] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ﴾ [البقرة: ١٣٧] فَسَيَكْفِيكَ اللَّهُ يَا مُحَمَّدُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ قَالُوا لَكَ وَلِأَصْحَابِكَ: ﴿كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا﴾ [البقرة: ١٣٥] مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، إِنْ هُمْ تَوَلَّوْا عَنْ أَنْ يُؤْمِنُوا بِمِثْلِ إِيمَانِ أَصْحَابِكَ بِاللَّهِ، وَبِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ، وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَسَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ غَيْرِهِمْ، وَفَرَّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ، إِمَّا بِقَتْلِ السَّيْفِ، وَإِمَّا بِجَلَاءٍ عَنْ جِوَارِكَ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْعُقُوبَاتِ، فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ لِمَا يَقُولُونَ لَكَ بِأَلْسِنَتِهِمْ وَيُبْدُونَ لَكَ بِأَفْوَاهِهِمْ مِنَ الْجَهْلِ وَالدُّعَاءِ إِلَى الْكُفْرِ وَالْمِلَلِ الضَّالَّةِ، الْعَلِيمُ بِمَا يُبْطِنُونَ لَكَ وَلِأَصْحَابِكَ الْمُؤْمِنِينَ فِي أَنْفُسِهِمْ مِنَ الْحَسَدِ وَالْبَغْضَاءِ. فَفَعَلَ اللَّهُ بِهِمْ ذَلِكَ عَاجِلًا وَأَنْجَزَ وَعْدَهُ، فَكَفَى نَبِيَّهُ ﷺ بِتَسْلِيطِهِ إِيَّاهُ عَلَيْهِمْ حَتَّى قَتَلَ بَعْضَهُمْ وَأَجْلَى بَعْضًا وَأَذَلَّ بَعْضًا وَأَخْزَاهُ بِالْجِزْيَةِ وَالصَّغَارِ
٢ / ٦٠٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ﴾ [البقرة: ١٣٨] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِالصِّبْغَةِ: صَبْغَةَ الْإِسْلَامِ، وَذَلِكَ أَنَّ النَّصَارَىَ إِذَا أَرَادَتْ أَنْ تُنَصِّرَ أَطْفَالَهُمْ جَعَلَتْهُمْ فِي مَاءٍ لَهُمْ تَزْعُمُ أَنَّ ذَلِكَ لَهَا تَقْدِيسٌ بِمَنْزِلَةِ غَسْلِ الْجَنَابَةِ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ، وَأَنَّهُ صِبْغَةٌ لَهُمْ فِي النَّصْرَانِيَّةِ، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ إِذْ قَالُوا لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ وَأَصْحَابِهِ الْمُؤْمِنِينَ بِهِ: ﴿كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا﴾ [البقرة: ١٣٥] قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّدُ: أَيُّهَا الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، بَلِ اتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ صِبْغَةَ اللَّهِ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ الصِّبَغِ، فَإِنَّهَا هِيَ الْحَنِيفِيَّةُ الْمُسْلِمَةُ، وَدَعُوا الشِّرْكَ بِاللَّهِ وَالضَّلَالَ عَنْ مَحَجَّةِ هَدَاهُ. وَنَصَبَ الصِّبْغَةَ مَنْ قَرَأَهَا نَصَبًا عَلَى الرَّدِّ عَلَى الْمِلَّةِ، وَكَذَلِكَ رَفَعَ الصِّبْغَةَ مَنْ رَفَعَ الْمِلَّةَ عَلَى رَدِّهَا عَلَيْهَا. وَقَدْ يَجُوزُ رَفْعُهَا عَلَى غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ، وَذَلِكَ عَلَى الِابْتِدَاءِ، بِمَعْنَى: هِيَ صِبْغَةُ اللَّهِ. وَقَدْ يَجُوزُ نَصْبُهَا عَلَى غَيْرِ وَجْهِ الرَّدِّ عَلَى الْمِلَّةِ، وَلَكِنْ عَلَى قَوْلِهِ: ﴿قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ﴾ [البقرة: ١٣٦] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ [البقرة: ١٣٣] صِبْغَةَ اللَّهِ، بِمَعْنَى: آمَنَّا هَذَا الْإِيمَانَ، فَيَكُونُ الْإِيمَانُ حِينَئِذٍ هُوَ صِبْغَةُ اللَّهِ. وَبِمِثْلِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيلِ الصِّبْغَةِ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ
٢ / ٦٠٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: «قَوْلَهُ: ﴿صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً﴾ [البقرة: ١٣٨] إِنَّ الْيَهُودَ تَصْبُغُ أَبْنَاءَهَا يَهُودَ، وَالنَّصَارَى تَصْبُغُ أَبْنَاءَهَا نَصَارَى، وَإِنَّ صِبْغَةَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ، فَلَا صِبْغَةَ أَحْسَنَ مِنَ الْإِسْلَامِ وَلَا أَطْهَرَ، وَهُوَ دِينُ اللَّهِ بَعَثَ بِهِ نُوحًا وَالْأَنْبِيَاءَ بَعْدَهُ»
٢ / ٦٠٣
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ عَطَاءٌ: «﴿صِبْغَةَ اللَّهِ﴾ [البقرة: ١٣٨] صَبَغَتِ الْيَهُودُ أَبْنَاءَهُمْ خَالَفُوا الْفِطْرَةَ» وَاخْتَلَفُوا أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ ﴿صِبْغَةَ اللَّهِ﴾ [البقرة: ١٣٨] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: دِينُ اللَّهِ
٢ / ٦٠٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿صِبْغَةَ اللَّهِ﴾ [البقرة: ١٣٨]، قَالَ: دِينُ اللَّهِ»
٢ / ٦٠٤
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ: «فِي قَوْلِهِ: ﴿صِبْغَةَ اللَّهِ﴾ [البقرة: ١٣٨]، قَالَ: دِينُ اللَّهِ. ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً﴾ [البقرة: ١٣٨] وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ دِينًا» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، مِثْلَهُ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْأَهْوَازِيُّ، قَالَ: ثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ ⦗٦٠٥⦘ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
٢ / ٦٠٤
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثَنَا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثَنَا فُضَيْلُ بْنُ مَرْزُوقٍ، عَنْ عَطِيَّةَ: «قَوْلَهُ: ﴿صِبْغَةَ اللَّهِ﴾ [البقرة: ١٣٨]، قَالَ: دِينُ اللَّهِ»
٢ / ٦٠٥
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثَنَا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: «﴿صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً﴾ [البقرة: ١٣٨] يَقُولُ: دِينُ اللَّهِ، وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ دِينًا»
٢ / ٦٠٥
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «﴿صِبْغَةَ اللَّهِ﴾ [البقرة: ١٣٨]، قَالَ: دِينُ اللَّهِ»
٢ / ٦٠٥
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: «فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿صِبْغَةَ اللَّهِ﴾ [البقرة: ١٣٨]، قَالَ: دِينُ اللَّهِ» حَدَّثَنِي ابْنُ الْبَرْقِيِّ، قَالَ: ثَنَا عَمْرُو بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ زَيْدٍ: عَنْ قَوْلِ اللَّهِ: ﴿صِبْغَةَ اللَّهِ﴾ [البقرة: ١٣٨] فَذَكَرَ مِثْلَهُ وَقَالَ آخَرُونَ: ﴿صِبْغَةَ اللَّهِ﴾ [البقرة: ١٣٨] فِطْرَةُ اللَّهِ
٢ / ٦٠٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، ⦗٦٠٦⦘ عَنْ مُجَاهِدٍ: «فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿صِبْغَةَ اللَّهِ﴾ [البقرة: ١٣٨]، قَالَ: فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا»
٢ / ٦٠٥
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً﴾ [البقرة: ١٣٨]، قَالَ: الصِّبْغَةُ: الْفِطْرَةُ»
٢ / ٦٠٦
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «﴿صِبْغَةَ اللَّهِ﴾ [البقرة: ١٣٨] الْإِسْلَامُ، فِطْرَةُ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا»
٢ / ٦٠٦
قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قَالَ لِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَثِيرٍ: «﴿صِبْغَةَ اللَّهِ﴾ [البقرة: ١٣٨]، قَالَ: دِينُ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ دِينًا، قَالَ: هِيَ فِطْرَةُ اللَّهِ» وَمَنْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ، فَوَجَّهَ الصِّبْغَةَ إِلَى الْفِطْرَةِ، فَمَعْنَاهُ: بَلْ نَتَّبِعُ فِطْرَةَ اللَّهِ وَمِلَّتَهُ الَّتِي خَلَقَ عَلَيْهَا خَلْقَهُ، وَذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ. مِنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ مَعْنَى خَالِقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ
٢ / ٦٠٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ﴾ [البقرة: ١٣٨] وَقَوْلُهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ﴾ [البقرة: ١٣٨] أَمْرُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ نَبِيَّهُ ﷺ أَنْ يَقُولَهُ لِلْيَهُودِ وَالنَّصَارَى الَّذِينَ قَالُوا لَهُ وَلِمَنْ تَبِعَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ: ﴿كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى﴾ [البقرة: ١٣٥] فَقَالَ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: قُلْ بَلْ نَتَّبِعُ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا، صِبْغَةَ اللَّهِ، وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ. يَعْنِي مِلَّةَ الْخَاضِعِينَ لِلَّهِ الْمُسْتَكِينِينَ لَهُ فِي اتِّبَاعِنَا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ وَدَيْنُونَتِنَا لَهُ بِذَلِكَ، غَيْرَ مُسْتَكْبِرِينَ فِي اتِّبَاعِ أَمْرِهِ وَالْإِقْرَارِ بِرِسَالَتِهِ ⦗٦٠٧⦘ رُسُلَهُ، كَمَا اسْتَكْبَرَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، فَكَفَرُوا بِمُحَمَّدٍ ﷺ اسْتِكْبَارًا وَبَغْيًا وَحَسَدًا
٢ / ٦٠٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ﴾ [البقرة: ١٣٩]
٢ / ٦٠٧
يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ﴾ [البقرة: ١٣٩] قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِمَعَاشِرِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى الَّذِينَ قَالُوا لَكَ وَلِأَصْحَابِكَ كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا، وَزَعَمُوا أَنَّ دِينَهُمُ خَيْرٌ مِنْ دِينِكُمْ، وَكِتَابَهُمْ خَيْرٌ مِنْ كِتَابِكُمْ لِأَنَّهُ كَانَ قَبْلَ كِتَابِكُمْ، وَزَعَمُوا أَنَّهُمْ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ أَوْلَى بِاللَّهِ مِنْكَ: أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ، وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ، بِيَدِهِ الْخَيْرَاتِ، وَإِلَيْهِ الثَّوَابُ وَالْعِقَابُ، وَالْجَزَاءُ عَلَى الْأَعْمَالِ الْحَسَنَاتِ مِنْهَا وَالسَّيِّئَاتِ، فَتَزْعُمُونَ أَنَّكُمْ بِاللَّهِ أَوْلَى مِنَّا مِنْ أَجْلِ أَنَّ نَبِيَّكُمْ قَبْلَ نَبِيِّنَا، وَكِتَابَكُمْ قَبْلَ كِتَابِنَا، وَرَبُّكُمْ وَرَبُّنَا وَاحِدٌ، وَأَنَّ لِكُلِّ فَرِيقٍ مِنَّا مَا عَمِلَ وَاكْتَسَبَ مِنْ صَالِحِ الْأَعْمَالِ وَسَيِّئِهَا، وَيُجَازَى فَيُثَابُ أَوْ يُعَاقَبُ لَا عَلَى الْأَنْسَابِ وَقَدِمَ الدِّينِ وَالْكِتَابِ
٢ / ٦٠٧
وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ: ﴿قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا﴾ [البقرة: ١٣٩] قُلْ أَتُخَاصِمُونَنَا وَتُجَادِلُونَنَا
٢ / ٦٠٧
كَمَا حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ﴾ [البقرة: ١٣٩] قُلْ أَتُخَاصِمُونَنَا»
٢ / ٦٠٧
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: «﴿قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا﴾ [البقرة: ١٣٩] أَتُخَاصِمُونَنَا»
٢ / ٦٠٧
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي، قَالَ: حَدَّثَنِي ⦗٦٠٨⦘ أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «﴿أَتُحَاجُّونَنَا﴾ [البقرة: ١٣٩] أَتُجَادِلُونَنَا»
٢ / ٦٠٧
فَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ﴾ [البقرة: ١٣٩] فَإِنَّهُ يَعْنِي: وَنَحْنُ لِلَّهِ مُخْلِصُو الْعِبَادَةِ وَالطَّاعَةِ لَا نُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَلَا نَعْبُدُ غَيْرَهُ أَحَدًا، كَمَا عَبَدَ أَهْلُ الْأَوْثَانِ مَعَهُ الْأَوْثَانَ، وَأَصْحَابُ الْعِجْلِ مَعَهُ الْعِجْلَ. وَهَذَا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ تَوْبِيخٌ لِلْيَهُودِ وَاحْتِجَاجٌ لِأَهْلِ الْإِيمَانِ، بِقَوْلِهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِلْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ ﷺ: قُولُوا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لِلْيَهُودِ وَالنَّصَارَى الَّذِينَ قَالُوا لَكُمْ: ﴿كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا﴾ [البقرة: ١٣٥]: ﴿أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ﴾ [البقرة: ١٣٩] يَعْنِي بِقَوْلِهِ: ﴿فِي اللَّهِ﴾ [البقرة: ١٣٩] فِي دِينِ اللَّهِ الَّذِي أَمَرَنَا أَنْ نَدِينَهُ بِهِ، وَرَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَاحِدٌ عَدْلٌ لَا يَجُورُ، وَإِنَّمَا يُجَازَى الْعِبَادُ عَلَى مَا اكْتَسَبُوا. وَتَزْعُمُونَ أَنَّكُمْ أَوْلَى بِاللَّهِ مِنَّا لِقِدَمِ دِينِكُمْ وَكِتَابِكُمْ وَنَبِيِّكُمْ، وَنَحْنُ مُخْلِصُونَ لَهُ الْعِبَادَةَ لَمْ نُشْرِكْ بِهِ شَيْئًا، وَقَدْ أَشْرَكْتُمْ فِي عِبَادَتِكُمْ إِيَّاهُ، فَعَبَدَ بَعْضُكُمُ الْعِجْلَ وَبَعْضُكُمُ الْمَسِيحَ. فَأَنَّى تَكُونُوا خَيْرًا مِنَّا، وَأَوْلَى بِاللَّهِ مِنَّا
٢ / ٦٠٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا: ﴿أَمْ تَقُولُونَ﴾ [البقرة: ٨٠] بِالتَّاءِ، فَمَنْ قَرَأَ كَذَلِكَ فَتَأْوِيلُهُ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِلْقَائِلِينَ لَكَ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى ﴿كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا﴾ [البقرة: ١٣٥] أَتُجَادِلُونَنَا فِي اللَّهِ أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ؟
٢ / ٦٠٨
فَيَكُونُ ذَلِكَ مَعْطُوفًا عَلَى قَوْلِهِ: ﴿أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ﴾ [البقرة: ١٣٩] . وَالْوَجْهُ الْآخَرُ مِنْهُمَا (أَمْ يَقُولُونَ) بِالْيَاءِ. وَمَنْ قَرَأَ ذَلِكَ كَذَلِكَ وُجِّهَ قَوْلُهُ: (أَمْ يَقُولُونَ) إِلَى أَنَّهُ اسْتِفْهَامٌ مُسْتَأْنَفٌ، كَقَوْلِهِ: ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ﴾ [يونس: ٣٨] وَكَمَا يُقَالُ: إِنَّهَا لَإِبِلٌ أَمْ شَاءٌ. وَإِنَّمَا جَعَلَهُ اسْتِفْهَامًا مُسْتَأَنَفًا لِمَجِيءِ خَبَرٍ مُسْتَأْنَفٍ، كَمَا يُقَالُ: أَتَقُومُ أَمْ يَقُومُ أَخُوكَ؟ فَيَصِيرُ قَوْلُهُ: أَمْ يَقُومُ أَخُوكَ خَبَرًا مُسْتَأْنَفًا لِجُمْلَةٍ لَيْسَتْ مِنَ الْأَوَّلِ وَاسْتِفْهَامًا مُبْتَدَأً. وَلَوْ كَانَ نَسَقًا عَلَى الِاسْتِفْهَامِ الْأَوَّلِ لَكَانَ خَبَرًا عَنِ الْأَوَّلِ، فَقِيلَ: أَتَقُومُ أَمْ تَقْعُدُ. وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ أَنَّ ذَلِكَ إِذَا قُرِئَ كَذَلِكَ بِالْيَاءِ، فَإِنْ كَانَ الَّذِي بَعْدَ أَمْ جُمْلَةً تَامَّةً فَهُوَ عَطْفٌ عَلَى الِاسْتِفْهَامِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ: قِيلَ أَيُّ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ كَائِنٌ، هَذَا أَمْ هَذَا؟ . وَالصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَةِ عِنْدَنَا فِي ذَلِكَ: ﴿أَمْ تَقُولُونَ﴾ [البقرة: ٨٠] بِالتَّاءِ دُونَ الْيَاءِ عَطْفَا عَلَى قَوْلِهِ: ﴿قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا﴾ [البقرة: ١٣٩] بِمَعْنَى: أَيَّ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ تَفْعَلُونَ؟ أَتُجَادِلُونَنَا فِي دِينِ اللَّهِ، فَتَزْعُمُونَ أَنَّكُمْ أَوْلَى مِنَّا، وَأَهْدَى مِنَّا سَبِيلًا، وَأَمْرُنَا وَأَمْرُكُمْ مَا وَصَفْنَا عَلَى مَا قَدْ بَيَّنَّاهُ آنِفًا، أَمْ تَزْعُمُونَ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَمَنْ سَمَّى اللَّهُ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى عَلَى مِلَّتِكُمْ، فَيَصِحُّ لِلنَّاسِ بَهْتُكُمْ وَكَذِبُكُمْ؛ لِأَنَّ الْيَهُودِيَّةَ وَالنَّصْرَانِيَّةَ حَدَثَتْ بَعْدَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ سَمَّاهُمُ اللَّهُ مِنْ أَنْبِيَائِهِ، وَغَيْرُ جَائِزَةٍ قِرَاءَةُ ذَلِكَ بِالْيَاءِ لِشُذُوذِهَا عَنْ قِرَاءَةِ الْقُرَّاءِ.
٢ / ٦٠٩
وَهَذِهِ الْآيَةُ أَيْضًا احْتِجَاجٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ ﷺ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى الَّذِينَ ذَكَرَ اللَّهُ قِصَصَهُمْ. يَقُولُ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلَاءِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى: أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ، وَتَزْعُمُونَ أَنَّ دِينَكُمْ أَفْضَلَ مِنْ دِينِنَا، وَأَنَّكُمْ عَلَى هُدًى وَنَحْنُ عَلَى ضَلَالَةٍ بِبُرْهَانٍ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ فَتَدْعُونَنَا إِلَى دِينِكُمْ؟ فَهَاتُوا بُرْهَانَكُمْ عَلَى ذَلِكَ فَنَتَّبِعَكُمْ عَلَيْهِ. أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى عَلَى دِينِكُمْ؟ فَهَاتُوا عَلَى دَعْوَاكُمْ مَا ادَّعَيْتُمْ مِنْ ذَلِكَ بُرْهَانًا فَنُصَدِّقَكُمْ. فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ جَعَلَهُمْ أَئِمَّةً يُقْتَدَى بِهِمْ. ثُمَّ قَالَ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ ﷺ: قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّدُ إِنِ ادَّعَوْا أَنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى: أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ وَبِمَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنَ الْأَدْيَانِ أَمِ اللَّهُ؟
٢ / ٦١٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ﴾ [البقرة: ١٤٠] يَعْنِي: فَإِنْ زَعَمَتْ يَا مُحَمَّدُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى الَّذِينَ قَالُوا لَكَ وَلِأَصْحَابِكَ كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى، أَنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى، فَمَنْ أَظْلَمُ مِنْهُمْ؟ يَقُولُ: وَأَيُّ امْرِئٍ أَظْلِمُ مِنْهُمْ وَقَدْ كَتَمُوا شَهَادَةً عِنْدَهُمْ مِنَ اللَّهِ بِأَنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا مُسْلِمِينَ. فَكَتَمُوا ذَلِكَ وَنَحَلُوهُمُ الْيَهُودِيَّةَ وَالنَّصْرَانِيَّةَ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ
٢ / ٦١٠
فَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ﴾ [البقرة: ١٤٠]، قَالَ: فِي قَوْلِ يَهُودَ لِإِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَمَنْ ذَكَرَ مَعَهُمَا إِنَّهُمْ كَانُوا يَهُودًا أَوْ نَصَارَى. فَيَقُولُ اللَّهُ: لَا تَكْتُمُوا مِنِّي شَهَادَةً إِنْ كَانَتْ عِنْدَكُمْ فِيهِمْ. وَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُمْ كَاذِبُونَ»
٢ / ٦١٠
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿وَمَنْ أَظْلِمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ﴾ [البقرة: ١٤٠] فِي قَوْلِ الْيَهُودِ لِإِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَمَنْ ذَكَرَ مَعَهُمَا إِنَّهُمْ كَانُوا يَهُودًا أَوْ نَصَارَى. فَقَالَ اللَّهُ لَهُمْ: لَا تَكْتُمُوا مِنِّي الشَّهَادَةَ فِيهِمْ إِنْ كَانَتْ عِنْدَكُمْ فِيهِمْ. وَقَدْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ»
٢ / ٦١١
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ، عَنْ أَبِي الْأَشْهَبِ، عَنِ الْحَسَنِ: «أَنَّهُ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ. . .﴾ [البقرة: ١٤٠] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلِمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ﴾ [البقرة: ١٤٠] قَالَ الْحَسَنُ: وَاللَّهِ لَقَدْ كَانَ عِنْدَ الْقَوْمِ مِنَ اللَّهِ شَهَادَةٌ أَنَّ أَنْبِيَاءَهُ بُرَآءُ مِنَ الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ، كَمَا أَنَّ عِنْدَ الْقَوْمِ مِنَ اللَّهِ شَهَادَةً أَنَّ أَمْوَالَكُمَ وَدِمَاءَكُمْ بَيْنَكُمْ حَرَامٌ، فَبِمَ اسْتَحَلُّوهَا؟»
٢ / ٦١١
حُدِّثْنَا عَنْ عَمَّارٍ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ: “قَوْلَهُ: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ﴾ [البقرة: ١٤٠] أَهْلُ الْكِتَابِ، كَتَمُوا الْإِسْلَامَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ دِينُ اللَّهِ، وَهُمْ يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ: أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَهُودَ وَلَا نَصَارَى، وَكَانَتِ الْيَهُودِيَّةُ وَالنَّصْرَانِيَّةُ بَعْدَ هَؤُلَاءِ بِزَمَانٍ. وَأَنَّهُ عَنَى تَعَالَى ذِكْرُهُ بِذَلِكَ أَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى إِنِ ادَّعَوْا أَنَّ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ سُمِّيَ مَعَهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى، تَبَيَّنَ لِأَهْلِ الشِّرْكِ الَّذِينَ هُمْ نُصَرَاؤُهُمْ كَذِبُهُمْ وَادِّعَاؤُهُمْ عَلَى أَنْبِيَاءِ اللَّهِ الْبَاطِلَ؛ لِأَنَّ الْيَهُودِيَّةَ وَالنَّصْرَانِيَّةَ حَدَثَتْ
٢ / ٦١١
بَعْدَهُمْ، وَإِنْ هُمْ نَفَوْا عَنْهُمُ الْيَهُودِيَّةَ وَالنَّصْرَانِيَّةَ، قِيلَ لَهُمْ: فَهَلُمُّوا إِلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنَ الدِّينِ، فَإِنَّا وَأَنْتُمْ مُقِرُّونَ جَمِيعًا بِأَنَّهُمْ كَانُوا عَلَى حَقٍّ، وَنَحْنُ مُخْتَلِفُونَ فِيمَا خَالَفَ الدِّينَ الَّذِي كَانُوا عَلَيْهِ ” وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عَنَى تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ﴾ [البقرة: ١٤٠] الْيَهُودَ فِي كِتْمَانِهِمْ أَمْرَ مُحَمَّدٍ ﷺ وَنُبُوَّتَهُ، وَهُمْ يَعْلَمُونَ ذَلِكَ وَيَجِدُونَهُ فِي كُتُبِهِمْ
٢ / ٦١٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى﴾ أُولَئِكَ أَهْلُ الْكِتَابِ كَتَمُوا الْإِسْلَامَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ دِينُ اللَّهِ، وَاتَّخَذُوا الْيَهُودِيَّةَ وَالنَّصْرَانِيَّةَ، وَكَتَمُوا مُحَمَّدًا وَهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ»
٢ / ٦١٢
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ: «قَوْلَهُ: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ﴾ [البقرة: ١٤٠]، قَالَ: الشَّهَادَةُ النَّبِيُّ ﷺ مَكْتُوبٌ عِنْدَهُمْ، وَهُوَ الَّذِي كَتَمُوا» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثَنَا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، نَحْوُ حَدِيثِ بِشْرِ بْنِ مُعَاذٍ عَنْ يَزِيدَ
٢ / ٦١٢
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: «فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ﴾ [البقرة: ١٤٠]، قَالَ: هُمْ يَهُودٌ يُسْأَلُونَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ وَعَنْ صِفَتِهِ فِي كِتَابِ اللَّهِ عِنْدَهُمْ، فَيَكْتُمُونَ الصِّفَةَ» وَإِنَّمَا اخْتَرْنَا الْقَوْلَ الَّذِي قُلْنَاهُ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ﴾ [البقرة: ١٤٠] فِي أَثَرِ قِصَّةِ مِنْ سَمَّى اللَّهُ مِنْ أَنْبِيَائِهِ، وَأَمَامِ قِصَّتِهِ لَهُمْ. فَأَوْلَى بِالَّذِي هُوَ بَيْنَ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مِنْ قَصَصِهِمِ دُونَ غَيْرِهِ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَأَيَّةُ شَهَادَةٍ عِنْدَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى مِنَ اللَّهِ فِي أَمْرِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ؟ قِيلَ: الشَّهَادَةُ الَّتِي عِنْدَهُمْ مِنَ اللَّهِ فِي أَمْرِهِمْ، مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْهِمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، وَأَمَرَهُمْ فِيهَا بِالِاسْتِنَانِ بِسُنَّتِهِمْ وَاتِّبَاعِ مِلَّتِهِمْ، وَأَنَّهُمْ كَانُوا حُنَفَاءَ مُسْلِمِينَ. وَهِيَ الشَّهَادَةُ الَّتِي عِنْدَهُمْ مِنَ اللَّهِ الَّتِي كَتَمُوهَا حِينَ دَعَاهُمْ نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ إِلَى الْإِسْلَامِ، فَقَالُوا لَهُ: ﴿لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى﴾ [البقرة: ١١١] وَقَالُوا لَهُ وَلِأَصْحَابِهِ: ﴿كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا﴾ [البقرة: ١٣٥] . فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمْ هَذِهِ الْآيَاتِ فِي تَكْذِيبِهِمْ وَكِتْمَانِهِمُ الْحَقَّ، وَافْتِرَائِهِمْ عَلَى أَنْبِيَاءِ اللَّهِ الْبَاطِلَ وَالزُّورَ
٢ / ٦١٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ [البقرة: ٧٤] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِذَلِكَ: وَقُلْ لِهَؤُلَاءِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى الَّذِينَ يُحَاجُّونَكَ يَا مُحَمَّدُ: ﴿وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ [البقرة: ٧٤] مِنْ كِتْمَانِكُمُ الْحَقَّ فِيمَا أَلْزَمَكُمْ فِي كِتَابِهِ بَيَانَهُ لِلنَّاسِ، مِنْ أَمْرِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ⦗٦١٤⦘ وَالْأَسْبَاطِ فِي أَمْرِ الْإِسْلَامِ، وَأَنَّهُمْ كَانُوا مُسْلِمِينَ، وَأَنَّ الْحَنِيفِيَّةَ الْمُسْلِمَةَ دِينُ اللَّهِ الَّذِي عَلَى جَمِيعِ الْخَلْقِ الدَّيْنُونَةُ بِهِ دُونَ الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ وَغَيْرِهِمَا مِنَ الْمِلَلِ. وَلَا هُوَ سَاهٍ عَنْ عِقَابِكُمْ عَلَى فِعْلِكُمْ ذَلِكَ، بَلْ هُوَ مُحْصٍ عَلَيْكُمْ حَتَّى يُجَازِيَكُمْ بِهِ مِنَ الْجَزَاءِ مَا أَنْتُمْ لَهُ أَهْلٌ فِي عَاجِلِ الدُّنْيَا وَآجِلِ الْآخِرَةِ. فَجَازَاهُمْ عَاجِلًا فِي الدُّنْيَا بِقَتْلِ بَعْضِهِمْ وَإِجْلَائِهِ عَنْ وَطَنِهِ وَدَارِهِ، وَهُوَ مُجَازِيهِمْ فِي الْآخِرَةِ الْعَذَابَ الْمُهِينَ
٢ / ٦١٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [البقرة: ١٣٤]
٢ / ٦١٤
يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿تِلْكَ أُمَّةٌ﴾ [البقرة: ١٣٤] إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ
٢ / ٦١٤
كَمَا حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ: «قَوْلَهُ تَعَالَى: ﴿تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ﴾ [البقرة: ١٣٤]، يَعْنِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، بِمِثْلِهِ وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى أَنَّ الْأُمَّةَ: الْجَمَاعَةُ. فَمَعْنَى الْآيَةِ إِذًا: قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُجَادِلُونَكَ فِي اللَّهِ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى أَنْ كَتَمُوا مَا عِنْدَهُمْ مِنَ الشَّهَادَةِ فِي أَمْرِ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ سَمَّيْنَا مَعَهُ، وَأَنَّهُمْ
٢ / ٦١٤
كَانُوا مُسْلِمِينَ، وَزَعَمُوا أَنَّهُمْ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى فَكَذَبُوا: إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ؛ أَيْ مَضَتْ لِسَبِيلِهَا، فَصَارَتْ إِلَى رَبِّهَا، وَخَلَتْ بِأَعْمَالِهَا وَآمَالِهَا، لَهَا عِنْدَ اللَّهِ مَا كَسَبَتْ مِنْ خَيْرٍ فِي أَيَّامِ حَيَاتِهَا، وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ مِنْ شَرٍّ، لَا يَنْفَعُهَا غَيْرُ صَالِحِ أَعْمَالِهَا، وَلَا يَضُرُّهَا إِلَّا سَيِّئُهَا. فَاعْلَمُوا أَيُّهَا الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى ذَلِكَ، فَإِنَّكُمْ إِنْ كَانَ هَؤُلَاءِ هُمُ الَّذِينَ بِهِمْ تَفْتَخِرُونَ وَتَزْعُمُونَ أَنَّ بِهِمْ تَرْجُونَ النَّجَاةَ مِنْ عَذَابِ رَبِّكُمْ مَعَ سَيِّئَاتِكُمْ، وَعَظِيمِ خَطِيئَاتِكُمْ، لَا يَنْفَعُهُمُ عِنْدَ اللَّهِ غَيْرُ مَا قَدَّمُوا مِنْ صَالِحِ الْأَعْمَالِ، وَلَا يَضُرُّهُمْ غَيْرُ سَيِّئِهَا؛ فَأَنْتُمْ كَذَلِكَ أَحْرَى أَنْ لَا يَنْفَعَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ غَيْرُ مَا قَدَّمْتُمْ مِنْ صَالِحِ الْأَعْمَالِ، وَلَا يَضُرُّكُمْ غَيْرُ سَيِّئِهَا. فَاحْذَرُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ وَبَادِرُوا خُرُوجَهَا بِالتَّوْبَةِ وَالْإِنَابَةِ إِلَى اللَّهِ مِمَّا أَنْتُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْكُفْرِ وَالضَّلَالَةِ وَالْفِرْيَةِ عَلَى اللَّهِ وَعَلَى أَنْبِيَائِهِ وَرُسُلِهِ، وَدَعُوا الْأَنْكَالَ عَلَى فَضَائِلِ الْآبَاءِ وَالْأَجْدَادِ، فَإِنَّمَا لَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ، وَعَلَيْكُمْ مَا اكْتَسَبْتُمْ، وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانَ إِبْرَاهِيمُ وَإِسْمَاعِيلُ وَإِسْحَاقُ وَيَعْقُوبُ وَالْأَسْبَاطُ يَعْمَلُونَ مِنَ الْأَعْمَالِ، لِأَنَّ كُلَّ نَفْسٍ قَدَمَتْ عَلَى اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَإِنَّمَا تُسْأَلُ عَمَّا كَسَبَتْ وَأَسْلَفَتْ دُونَ مَا أَسْلَفَ غَيْرُهَا
٢ / ٦١٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: «﴿سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [البقرة: ١٤٢]»
٢ / ٦١٥
يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ﴿سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ﴾ [البقرة: ١٤٢] سَيَقُولُ الْجُهَّالُ مِنَ النَّاسِ وَهُمُ الْيَهُودُ، وَأَهْلُ النِّفَاقِ وَإِنَّمَا سَمَّاهُمُ اللَّهُ عز وجل سُفَهَاءً، لِأَنَّهُمْ سَفِهُوا الْحَقَّ ⦗٦١٦⦘ فَتَجَاهَلَتْ أَحْبَارُ الْيَهُودِ وَتَعَاظَمَتْ جُهَالَهُمْ وَأَهْلُ الْغَبَاءِ مِنْهُمْ عَنْ اتِّبَاعِ مُحَمَّدٍ ﷺ إِذَا كَانَ مِنَ الْعَرَبِ وَلَمْ يَكُنْ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَتَحَيَّرَ الْمُنَافِقُونَ فَتَبَلَّدُوا، وَبِمَا قُلْنَا فِي السُّفَهَاءِ إِنَّهُمْ هُمُ الْيَهُودُ، أَهْلُ نِفَاقٍ قَالَ أَهْلُ التَّأَوْيلِ
٢ / ٦١٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ: هُمُ الْيَهُودُ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ عز وجل: «﴿سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ﴾ [البقرة: ١٤٢] مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ قَالَ: الْيَهُودُ تَقُولُهُ حِينَ تَرَكَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
٢ / ٦١٦
حُدِّثْتُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ، عَنْ زُهَيْرٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ، «﴿سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ﴾ [البقرة: ١٤٢] قَالَ: الْيَهُودُ»
٢ / ٦١٦
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: ثنا وَكِيعٌ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ، «﴿سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ﴾ [البقرة: ١٤٢] قَالَ: الْيَهُودُ»
٢ / ٦١٦
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا الْحِمَّانِيُّ، قَالَ: ثنا شَرِيكٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ، فِي قَوْلِهِ: «﴿سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ﴾ [البقرة: ١٤٢] قَالَ: أَهْلُ الْكِتَابِ»
٢ / ٦١٧
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «الْيَهُودُ» وَقَالَ آخَرُونَ: السُّفَهَاءُ: الْمُنَافِقُونَ
٢ / ٦١٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: «نَزَلَتْ ﴿سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ﴾ [البقرة: ١٤٢] فِي الْمُنَافِقِينَ»
٢ / ٦١٧
«الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى:»﴿مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا﴾ [البقرة: ١٤٢] ” يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿مَا وَلَّاهُمْ﴾ [البقرة: ١٤٢] أَيُّ شَيْءٍ صَرَفَهُمْ عَنْ قِبَلِهِمْ؟ وَهُوَ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: وَلَّانِي فُلَانٌ دُبُرَهُ: إِذَا حَوَّلَ وَجْهَهُ عَنْهُ وَاسْتَدْبَرَهُ فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿مَا وَلَّاهُمْ﴾ [البقرة: ١٤٢] أَيُّ شَيْءٍ حَوَّلَ وُجُوهَهُمْ؟ وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿عَنْ قِبْلَتِهِمُ﴾ [البقرة: ١٤٢] فَإِنَّ قِبْلَةَ كُلِّ شَيْءٍ مَا قَابَلَ وَجْهَهُ، وَإِنَّمَا هِيَ «فِعْلَةٌ» بِمَنْزِلَةِ الْجِلْسَةِ وَالْقِعْدَةِ؛ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: قَابَلْتُ فُلَانًا: إِذَا صِرْتُ قِبَالَتَهُ أُقَابِلُهُ، فَهُوَ لِي قِبْلَةٌ، وَأَنَا لَهُ قِبْلَةٌ، إِذَا قَابَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِوَجْهِهِ وَجْهَ صَاحِبِهِ.
٢ / ٦١٧
قَالَ: فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ إِذَنْ إِذْ كَانَ ذَلِكَ مَعْنَاهُ سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ لَكُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ (بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ)، إِذَا حَوَّلْتُمْ وُجُوهَكُمْ عَنْ قِبْلَةِ الْيَهُودِ الَّتِي كَانَتْ لَكُمْ قِبْلَةً قَبْلَ أَمْرِي إِيَّاكُمْ بِتَحْوِيلِ وُجُوهِكُمْ عَنْهَا شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ: أَيُّ شَيْءٍ حَوَّلَ وُجُوهَ هَؤُلَاءِ فَصَرَفَهَا عَنِ الْمَوْضِعِ الَّذِي كَانُوا يَسْتَقْبِلُونَهُ بِوُجُوهِهِمْ فِي صَلَاتِهِمْ؟ فَأَعْلَمَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ نَبِيَّهُ ﷺ مَا الْيَهُودُ وَالْمُنَافِقُونَ قَائِلُونَ مِنَ الْقَوْلِ عِنْدَ تَحْوِيلِ قِبْلَتِهِ وَقِبْلَةِ أَصْحَابِهِ عَنِ الشَّامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَعَلَّمَهُ مَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِنْ رَدِّهِ عَلَيْهِمْ مِنَ الْجَوَّابِ، فَقَالَ لَهُ: إِذَا قَالُوا ذَلِكَ لَكَ يَا مُحَمَّدُ، فَقُلْ لَهُمْ ﴿لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [البقرة: ١٤٢] وَكَانَ سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ صَلَّى نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ مُدَّةً سَنَذْكُرُ مَبْلَغَهَا فِيمَا بَعْدُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى صَرْفَ قِبْلَةِ نَبِيِّهِ ﷺ إِلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، فَأَخْبَرَهُ عَمَّا الْيَهُودُ قَائِلُوهُ مِنَ الْقَوْلِ عِنْدَ صَرْفِهِ وَجْهَهُ وَوَجْهَ أَصْحَابِهِ شَطْرَهُ، وَمَا الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِنْ رَدِّهِ عَلَيْهِمْ مِنَ الْجَوَّابِ “
٢ / ٦١٨
ذِكْرُ الْمُدَّةِ الَّتِي صَلَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَأَصْحَابُهُ نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَمَا كَانَ سَبَبُ صَلَاتِهِ نَحْوَهُ؟ وَمَا الَّذِي دَعَا الْيَهُودَ وَالْمُنَافِقِينَ إِلَى قِيلِ مَا قَالُوا عِنْدَ تَحْوِيلِ اللَّهِ قِبْلَةَ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ إِلَى الْكَعْبَةِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي صَلَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ بَعْدَ الْهِجْرَةِ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ بِمَا:
٢ / ٦١٨
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، وَحَدَّثَنَا ابْنُ ⦗٦١٩⦘ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، قَالَا جَمِيعًا: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مُحَمَّدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ أَوْ عِكْرِمَةُ، شَكَّ مُحَمَّدٌ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «لَمَّا صُرِفَتِ الْقِبْلَةُ عَنِ الشَّامِ، إِلَى الْكَعْبَةِ، وَصُرِفَتْ فِي رَجَبٍ عَلَى رَأْسِ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا مِنْ مَقَدَمِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ الْمَدِينَةَ، أَتَى رَسُولَ اللَّهِ ﷺ رِفَاعَةُ بْنُ قَيْسٍ، وَقَرْدَمُ بْنُ عَمْرٍو، وَكَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ، وَنَافِعُ بْنُ أَبِي نَافِعٍ هَكَذَا قَالَ ابْنُ حُمَيْدٍ، وَقَالَ أَبُو كُرَيْبٍ، وَرَافِعُ بْنُ أَبِي رَافِعٍ، وَالْحَجَّاجُ بْنُ عَمْرٍو حَلِيفُ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ، وَالرَّبِيعُ بْنُ الرَّبِيعِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ، وَكِنَانَةُ بْنُ الرَّبِيعِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ، فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ مَا وَلَّاكَ عَنْ قَبْلَتِكَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا وَأَنْتَ تَزْعُمُ أَنَّكَ عَلَى مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَدِينِهِ؟ ارْجِعْ إِلَى قَبْلَتِكَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا نَتَّبِعْكَ وَنُصَدِّقْكَ وَإِنَّمَا يُرِيدُونَ فِتْنَتَهُ عَنْ دِينِهِ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمْ:»﴿سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا﴾ [البقرة: ١٤٢] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ﴾ [البقرة: ١٤٣] “
٢ / ٦١٨
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، قَالَ الْبَرَاءُ، «صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا، وَكَانَ يَشْتَهِي أَنْ يُصْرَفَ إِلَى الْكَعْبَةِ. قَالَ: فَبَيْنَا نَحْنُ نُصَلِّي ذَاتَ يَوْمٍ، فَمَرَّ بِنَا مَارٌّ، فَقَالَ: أَلَا هَلْ عَلِمْتُمْ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَدْ صُرِفَ إِلَى الْكَعْبَةِ؟ قَالَ: وَقَدْ صَلَّيْنَا رَكْعَتَيْنِ إِلَى هَا هُنَا، وَصَلَّيْنَا رَكْعَتَيْنِ إِلَى هَا هُنَا» ⦗٦٢٠⦘ قَالَ أَبُو كُرَيْبٍ: فَقِيلَ لَهُ: فِيهِ أَبُو إِسْحَاقَ؟ فَسَكَتَ
٢ / ٦١٩
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ، قَالَ: «صَلَّيْنَا بَعْدَ قَدُومِ النَّبِيِّ ﷺ الْمَدِينَةَ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ»
٢ / ٦٢٠
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: ثنا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: «صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا» شَكَّ سُفْيَانُ ثُمَّ صُرِفْنَا إِلَى الْكَعْبَةِ “
٢ / ٦٢٠
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا النُّفَيْلِيُّ، قَالَ: ثنا زُهَيْرٌ، قَالَ: ثنا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ أَوَّلَ مَا قَدِمَ الْمَدِينَةَ نَزَلَ عَلَى أَجْدَادِهِ أَوْ أَخْوَالِهِ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَأَنَّهُ صَلَّى قِبَلَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا، وَكَانَ يُعْجِبُهُ أَنْ تَكُونَ قِبْلَتُهُ قِبَلَ الْبَيْتِ، وَأَنَّهُ صَلَّى صَلَاةَ الْعَصْرِ، وَمَعَهُ قَوْمٌ فَخَرَجَ رَجُلٌ مِمَّنْ صَلَّى مَعَهُ، فَمَرَّ عَلَى أَهْلِ الْمَسْجِدِ وَهُمْ رُكُوعٌ، فَقَالَ: أَشْهَدُ لَقَدْ صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قِبَلَ مَكَّةَ. فَدَارُوا كَمَا هُمْ قِبَلَ الْبَيْتِ، وَكَانَ يُعْجِبُهُ أَنْ يُحَوَّلَ قِبَلَ الْبَيْتِ. وَكَانَ الْيَهُودُ أَعْجَبُهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ ⦗٦٢١⦘ يُصَلِّي قِبَلَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأَهْلَ الْكِتَابِ، فَلَمَّا وَلَّى وَجْهَهُ قِبَلَ الْبَيْتِ أَنْكَرُوا ذَلِكَ»
٢ / ٦٢٠
حَدَّثَنِي عِمْرَانُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْوَارِثِ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: «صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ بَعْدَ أَنْ قَدِمَ الْمَدِينَةَ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا، ثُمَّ وُجِّهَ نَحْوَ الْكَعْبَةِ قَبْلَ بَدْرٍ، بِشَهْرَيْنِ»
٢ / ٦٢١
وَقَالَ آخَرُونَ بِمَا حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عُثْمَانُ بْنُ سَعْدٍ الْكَاتِبُ، قَالَ: ثنا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، قَالَ: «صَلَّى نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ أَوْ عَشْرَةَ أَشْهُرٍ، فَبَيْنَمَا هُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي الظُّهْرَ بِالْمَدِينَةِ، وَقَدْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، انْصَرَفَ بِوَجْهِهِ إِلَى الْكَعْبَةِ، فَقَالَ السُّفَهَاءُ: ﴿مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا﴾ [البقرة: ١٤٢]»
٢ / ٦٢١
وَقَالَ آخَرُونَ بِمَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: ثنا الْمَسْعُودِيُّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَدِمَ الْمَدِينَةَ، فَصَلَّى نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ شَهْرًا»
٢ / ٦٢١
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمِقْدَامِ الْعِجْلِيُّ، قَالَ: ثنا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي، قَالَ، ثنا قَتَادَةُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ «أَنَّ الْأَنْصَارَ، صَلَّتِ لِلْقِبْلَةِ الْأُولَى قَبْلَ قَدُومِ النَّبِيِّ ﷺ بِثَلَاثِ حِجَجٍ، وَأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ صَلَّى لِلْقِبْلَةِ الْأُولَى بَعْدَ قُدُومِهِ الْمَدِينَةَ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا» أَوْ كَمَا قَالَ. وَكِلَا الْحَدِيثَيْنِ يُحَدِّثُ قَتَادَةُ عَنْ سَعِيدٍ
٢ / ٦٢٢
ذِكْرُ السَّبَبِ الَّذِي كَانَ مِنْ أَجْلِهِ يُصَلِّي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ عَلَيْهِ التَّوَجُّهُ شَطْرَ الْكَعْبَةِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَ ذَلِكَ بِاخْتِيَارٍ مِنَ النَّبِيِّ ﷺ
٢ / ٦٢٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ أَبُو تُمَيْلَةَ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ بْنُ وَاقِدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، وَعَنْ يَزِيدَ النَّحْوِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، قَالَا: «أَوَّلُ مَا نُسِخَ مِنَ الْقُرْآنِ الْقِبْلَةُ، وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَسْتَقْبِلُ صَخْرَةَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَهِيَ قِبْلَةُ الْيَهُودِ، فَاسْتَقْبَلَهَا النَّبِيُّ ﷺ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا لِيُؤْمِنُوا بِهِ وَيَتَّبِعُوهُ، وَيَدَعُوا بِذَلِكَ الْأُمِّيِّينَ مِنَ الْعَرَبِ، فَقَالَ اللَّهُ عز وجل: ﴿وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: ١١٥]»
٢ / ٦٢٢
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، فِي قَوْلِهِ: «﴿سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا﴾ [البقرة: ١٤٢] يَعْنُونَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ»
٢ / ٦٢٣
قَالَ الرَّبِيعُ، قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ، «إِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ خُيِّرَ أَنْ يُوَجِّهَ وَجْهَهُ حَيْثُ شَاءَ، فَاخْتَارَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ لِكَيْ يَتَأَلَّفَ أَهْلُ الْكِتَابِ، فَكَانَتْ قِبْلَتُهُ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا، وَهُوَ فِي ذَلِكَ يُقَلِّبُ وَجْهَهُ فِي السَّمَاءِ ثُمَّ وَجَّهَهُ اللَّهُ إِلَى الْبَيْتِ الْحَرَامِ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ كَانَ فِعْلُ ذَلِكَ مِنَ النَّبِيِّ ﷺ وَأَصْحَابِهِ بِفَرْضِ اللَّهِ عَزَّ ذِكْرُهُ عَلَيْهِمْ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
٢ / ٦٢٣
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثنا مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «لَمَّا هَاجَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَكَانَ أَكْثَرَ أَهْلِهَا الْيَهُودُ، أَمَرَهُ اللَّهُ أَنْ يَسْتَقْبِلَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، فَفَرِحَتِ الْيَهُودُ فَاسْتَقْبَلَهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بَضْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُحِبُّ قِبْلَةَ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام، وَكَانَ يَدْعُو وَيَنْظُرُ إِلَى السَّمَاءِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل: ﴿قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ﴾ [البقرة: ١٤٤] الْآيَةَ، فَارْتَابَ مِنْ ذَلِكَ الْيَهُودُ، وَقَالُوا: ﴿مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهُمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا﴾ [البقرة: ١٤٢] فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل: ﴿قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ﴾ [البقرة: ١٤٢]»
٢ / ٦٢٣
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، قَالَ: قَالَ ابْنُ ⦗٦٢٤⦘ جُرَيْجٍ «صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَوَّلَ مَا صَلَّى إِلَى الْكَعْبَةِ، ثُمَّ صُرِفَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَصَلَّتِ الْأَنْصَارُ نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ قَبْلَ قُدُومِهِ ثَلَاثَ حِجَجٍ، وَصَلَّى بَعْدَ قُدُومِهِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا، ثُمَّ وَلَّاهُ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ إِلَى الْكَعْبَةِ»
٢ / ٦٢٣
ذِكْرُ السَّبَبِ الَّذِي مِنْ أَجَلِهِ قَالَ مَنْ قَالَ ﴿مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا﴾ [البقرة: ١٤٢] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي ذَلِكَ، فَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسِ فِيهِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا مَا
٢ / ٦٢٤
حَدَّثَنَا بِهِ ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، قَالَ: ثنا ابْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مُحَمَّدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، أَوْ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «قَالَ ذَلِكَ قَوْمٌ مِنَ الْيَهُودِ لِلنَّبِيِّ ﷺ، فَقَالُوا لَهُ: ارْجِعْ إِلَى قِبْلَتِكَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا نَتَّبِعْكَ وَنُصَدِّقْكَ، يُرِيدُونَ فِتْنَتَهُ عَنْ دِينِهِ» وَالْقَوْلُ الْآخَرُ: مَا ذَكَرْتُ مِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْهُ الَّذِي مَضَى قَبْلُ
٢ / ٦٢٤
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلِهِ: «﴿سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا﴾ [البقرة: ١٤٢]» قَالَ: «صَلَّتِ الْأَنْصَارُ نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ حَوْلَيْنِ قَبْلَ قَدُومِ النَّبِيِّ ﷺ الْمَدِينَةَ وَصَلَّى نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ بَعْدَ قُدُومِهِ الْمَدِينَةَ مُهَاجِرًا نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا ثُمَّ وَجَّهَهُ اللَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى الْكَعْبَةِ الْبَيْتِ الْحَرَامِ. فَقَالَ فِي ذَلِكَ قَائِلُونَ مِنَ النَّاسِ:»﴿مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا﴾ [البقرة: ١٤٢] «لَقَدِ اشْتَاقَ الرَّجُلُ إِلَى مَوْلِدِهِ. فَقَالَ اللَّهُ عز وجل:»﴿قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ ⦗٦٢٥⦘ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [البقرة: ١٤٢] «وَقِيلَ: قَائِلُ هَذِهِ الْمَقَالَةِ الْمُنَافِقُونِ، وَإِنَّمَا قَالُوا: ذَلِكَ اسْتِهْزَاءً بِالْإِسْلَامِ»
٢ / ٦٢٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: «لَمَّا وُجِّهَ النَّبِيُّ ﷺ قِبَلَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهَا، فَكَانُوا أَصْنَافًا، فَقَالَ الْمُنَافِقُونَ: مَا بَالُهُمْ كَانُوا عَلَى قِبْلَةٍ زَمَانًا، ثُمَّ تَرَكُوهَا وَتَوَجَّهُوا إِلَى غَيْرِهَا؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي الْمُنَافِقِينَ: ﴿سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ﴾ [البقرة: ١٤٢] الْآيَةَ كُلُّهَا»
٢ / ٦٢٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [البقرة: ١٤٢] يَعْنِي بِذَلِكَ عز وجل: قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ قَالُوا لَكَ وَلِأَصْحَابِكَ:: مَا وَلَّاكُمْ عَنْ قِبْلَتَكُمْ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ الَّتِي كُنْتُمْ عَلَى التَّوَجُّهِ إِلَيْهَا إِلَى التَّوَجُّهِ إِلَى شَطْرِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ: لِلَّهِ مُلْكُ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ؛ يَعْنِي بِذَلِكَ مُلْكَ مَا بَيْنَ قُطَرَيْ مَشْرِقِ الشَّمْسِ، وَقُطْرَيْ مَغْرِبِهَا، وَمَا بَيْنَهُمَا مِنَ الْعَالَمِ، يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ مِنْ خَلْقِهِ فَيُسَدِّدْهُ، وَيُوَفِّقْهُ إِلَى الطَّرِيقِ الْقَوِيمِ، وَهُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ. وَيَعْنِي بِذَلِكَ إِلَى قِبْلَةِ إِبْرَاهِيمَ الَّذِي جَعَلَهُ لِلنَّاسِ إِمَامًا. وَيَخْذُلُ مَنْ يَشَاءُ مِنْهُمْ فَيُضِلُّهُ عَنْ سَبِيلِ الْحَقِّ. وَإِنَّمَا عَنَى جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [البقرة: ١٤٢] قُلْ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّ اللَّهَ هَدَانَا بِالتَّوَجُّهِ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ لِقِبْلَةِ إِبْرَاهِيمَ وَأَضَلَّكُمْ أَيُّهَا
٢ / ٦٢٥
الْيَهُودُ، وَالْمُنَافِقُونَ، وَجَمَاعَةُ الشِّرْكِ بِاللَّهِ، فَخَذَلَكُمْ عَمَّا هَدَانَا لَهُ مِنْ ذَلِكَ
٢ / ٦٢٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾
٢ / ٦٢٦
يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا﴾ [البقرة: ١٤٣] كَمَا هَدَيْنَاكُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِمُحَمَّدٍ عليه الصلاة والسلام، وَبِمَا جَاءَكُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، فَخَصَصْنَاكُمُ بِالتَّوْفِيقِ لِقِبْلَةِ إِبْرَاهِيمَ وَمِلَّتِهِ، وَفَضَّلْنَاكُمْ بِذَلِكَ عَلَى مَنْ سِوَاكُمْ مِنْ أَهْلِ الْمِلَلِ؛ كَذَلِكَ خَصَصْنَاكُمْ فَفَضَّلْنَاكُمْ عَلَى غَيْرِكُمْ مِنْ أَهْلِ الْأَدْيَانِ بِأَنْ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا. وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْأُمَّةَ هِيَ الْقَرْنُ مِنَ النَّاسِ، وَالصِّنْفُ مِنْهُمْ وَغَيْرِهِمْ. وَأَمَّا الْوَسَطُ فَإِنَّهُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ: الْخِيَارُ، يُقَالُ مِنْهُ: فُلَانُ وَسَطُ الْحَسَبِ فِي قَوْمِهِ: أَيْ مُتَوَسِّطُ الْحَسَبِ، إِذَا أَرَادُوا بِذَلِكَ الرَّفْعَ فِي حَسَبِهِ، وَهُوَ وَسَطٌ فِي قَوْمِهِ، وَوَاسِطٌ، كَمَا يُقَالُ: شَاةٌ يَابِسَةُ اللَّبَنِ، وَيَبْسَةُ اللَّبَنِ، وَكَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا﴾ [طه: ٧٧] وَقَالَ زُهَيْرُ بْنُ أَبِي سُلْمَى، فِي الْوَسَطِ:
[البحر الطويل] هُمُ وَسَطٌ يَرْضَى الْأَنَامُ بِحُكْمِهِمْ … إِذْ نَزَلَتْ إِحْدَى اللَّيَالِي بِمُعْظَمِ
قَالَ: وَأَنَا أَرَى أَنَّ الْوَسَطَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ هُوَ الْوَسَطُ الَّذِي بِمَعْنَى الْجُزْءِ الَّذِي هُوَ بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ، مِثْلَ «وَسَطُ الدَّارِ» مُحَرَّكُ الْوَسَطِ مُثَقَّلَهُ، غَيْرُ جَائِزٍ فِي سِينِهِ التَّخْفِيفُ. وَأَرَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ إِنَّمَا وَصَفَهُمْ بِأَنَّهُمْ
[البحر الطويل] هُمُ وَسَطٌ يَرْضَى الْأَنَامُ بِحُكْمِهِمْ … إِذْ نَزَلَتْ إِحْدَى اللَّيَالِي بِمُعْظَمِ
قَالَ: وَأَنَا أَرَى أَنَّ الْوَسَطَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ هُوَ الْوَسَطُ الَّذِي بِمَعْنَى الْجُزْءِ الَّذِي هُوَ بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ، مِثْلَ «وَسَطُ الدَّارِ» مُحَرَّكُ الْوَسَطِ مُثَقَّلَهُ، غَيْرُ جَائِزٍ فِي سِينِهِ التَّخْفِيفُ. وَأَرَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ إِنَّمَا وَصَفَهُمْ بِأَنَّهُمْ
٢ / ٦٢٦
وَسَطُ لِتَوَسُّطِهِمْ فِي الدِّينِ، فَلَا هُمْ أَهْلُ غُلُوٍّ فِيهِ، غُلُوُّ النَّصَارَى الَّذِينَ غَلَوْا بِالتَّرَهُّبِ وَقِيلُهُمْ فِي عِيسَى مَا قَالُوا فِيهِ، وَلَا هُمْ أَهْلُ تَقْصِيرٍ فِيهِ تَقْصِيرُ الْيَهُودِ الَّذِينَ بَدَّلُوا كِتَابَ اللَّهِ وَقَتَلُوا أَنْبِيَاءَهُمْ وَكَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ وَكَفَرُوا بِهِ؛ وَلَكِنَّهُمْ أَهْلُ تَوَسُّطٍ وَاعْتِدَالٍ فِيهِ، فَوَصَفَهُمُ اللَّهُ بِذَلِكَ، إِذْ كَانَ أَحَبُّ الْأُمُورِ إِلَى اللَّهِ أَوْسَطَهَا. وَأَمَّا التَّأْوِيلُ فَإِنَّهُ جَاءَ بِأَنَّ الْوَسَطَ الْعَدْلُ، وَذَلِكَ مَعْنَى الخِيَارِ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ مِنَ النَّاسِ عُدُولُهُمْ
٢ / ٦٢٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ: الْوَسَطُ: الْعَدْلُ
٢ / ٦٢٧
حَدَّثَنَا سَالِمُ بْنُ جُنَادَةَ، وَيَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَا: ثنا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ فِي قَوْلِهِ: “﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا﴾ [البقرة: ١٤٣] قَالَ: «عُدُولًا» حَدَّثَنَا مُجَاهِدُ بْنُ مُوسَى، وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَا: ثنا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، مِثْلَهُ
٢ / ٦٢٧
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا مُؤَمَّلٌ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: «﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً ⦗٦٢٨⦘ وَسَطًا﴾ [البقرة: ١٤٣] قَالَ: عُدُولًا»
٢ / ٦٢٧
حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ عِيسَى، قَالَ: ثنا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، «عَنِ النَّبِيِّ ﷺ فِي قَوْلِهِ:»﴿جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا﴾ [البقرة: ١٤٣] قَالَ: عُدُولًا “
٢ / ٦٢٨
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدٍ: «﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا﴾ [البقرة: ١٤٣] قَالَ: عُدُولًا»
٢ / ٦٢٨
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «فِي قَوْلِ اللَّهِ عز وجل: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا﴾ [البقرة: ١٤٣] قَالَ: عُدُولًا» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا حُذَيْفَةُ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدِ مِثْلَهُ
٢ / ٦٢٨
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلِهِ: «﴿أُمَّةً وَسَطًا﴾ [البقرة: ١٤٣] قَالَ: عُدُولًا»
٢ / ٦٢٨
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: «﴿أُمَّةً وَسَطًا﴾ [البقرة: ١٤٣] قَالَ: عُدُولًا»
٢ / ٦٢٨
حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، ⦗٦٢٩⦘ عَنِ الرَّبِيعِ، فِي قَوْلِهِ: «﴿أُمَّةً وَسَطًا﴾ [البقرة: ١٤٣] قَالَ: عُدُولًا»
٢ / ٦٢٨
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، «﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا﴾ [البقرة: ١٤٣] يَقُولُ: جَعَلَكُمْ أُمَّةً عُدُولًا»
٢ / ٦٢٩
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ أَنْعَمٍ الْمَعَافِرِيُّ، عَنْ حَبَّانَ بْنِ أَبِي جَبَلَةَ، بِسَنَدِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: «﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا﴾ [البقرة: ١٤٣] قَالَ:»الْوَسَطُ: الْعَدْلُ “
٢ / ٦٢٩
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَثِيرٍ، ” ﴿أُمَّةً وَسَطًا﴾ [البقرة: ١٤٣] قَالُوا: عُدُولًا، قَالَ مُجَاهِدٌ، عُدُولًا
٢ / ٦٢٩
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ «﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا﴾ [البقرة: ١٤٣] قَالَ: هُمْ وَسَطٌ بَيْنَ النَّبِيِّ ﷺ وَبَيْنَ الْأُمَمِ»
٢ / ٦٢٩
” الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾ [البقرة: ١٤٣] وَالشُّهَدَاءُ جَمْعُ شَهِيدٍ. فَمَعْنَى ذَلِكَ: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا عُدُولًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ لِأَنْبِيَائِي وَرُسُلِي ⦗٦٣٠⦘ عَلَى أُمَمِهَا بِالْبَلَاغِ أَنَّهَا قَدْ بَلَّغَتْ مَا أُمِرَتْ بِبَلَاغِهِ مِنْ رِسَالَاتِي إِلَى أُمَمِهَا، وَيَكُونُ رَسُولِي مُحَمَّدٌ ﷺ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ بِإِيمَانِكُمْ بِهِ، وَبِمَا جَاءَكُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِي كَمَا
٢ / ٦٢٩
حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ، قَالَ: ثنا حَفْصٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:»يُدْعَى بِنُوحٍ عليه السلام يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُقَالُ لَهُ: هَلْ بَلَّغْتَ مَا أُرْسِلْتَ بِهِ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، فَيُقَالُ لِقَوْمِهِ: هَلْ بَلَّغَكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: مَا جَاءَنَا مِنْ نَذِيرٍ، فَيُقَالُ لَهُ: مَنْ يَعْلَمُ ذَاكَ؟ فَيَقُولُ: مُحَمَّدٌ وَأُمَّتُهُ فَهُوَ قَوْلُهُ ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾ [البقرة: ١٤٣] ” حَدَّثَنَا مُجَاهِدُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: ثنا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، قَالَ، ثنا الْأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ بِنَحْوِهِ، إِلَّا أَنَّهُ زَادَ فِيهِ: «فَيُدْعَوْنَ وَيَشْهَدُونَ أَنَّهُ قَدْ بَلَّغَ»
٢ / ٦٣٠
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا مُؤَمَّلٌ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ: «﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ﴾ [البقرة: ١٤٣] بِأَنَّ الرُّسُلَ قَدْ بَلَّغُوا ﴿وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾ [البقرة: ١٤٣] بِمَا عَمِلْتُمْ أَوْ فَعَلْتُمْ»
٢ / ٦٣١
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عُيَيْنَةَ بْنِ النَّهَّاسِ، أَنَّ مُكَاتَبًا لَهُمْ حَدَّثَهُمْ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «إِنِّي وَأُمَّتِي لَعَلَى كَوْمٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُشْرِفِينَ عَلَى الْخَلَائِقِ مَا أَحَدٌ مِنَ الْأُمَمِ إِلَّا وَدَّ أَنَّهُ مِنْهَا أَيَّتُهَا الْأُمَّةُ، وَمَا مِنْ نَبِيٍّ كَذَّبَهُ قَوْمُهُ إِلَّا نَحْنُ شُهَدَاؤُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَّهُ قَدْ بَلَّغَ رِسَالَاتِ رَبِّهِ وَنَصَحَ لَهُمْ» قَالَ: ﴿وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾ [البقرة: ١٤٣]»
٢ / ٦٣١
حَدَّثَنِي عِصَامُ بْنُ رَوَّادِ بْنِ الْجَرَّاحِ الْعَسْقَلَانِيُّ، قَالَ: ثنا أَبِي قَالَ: ⦗٦٣٢⦘ ثنا الْأَوْزَاعِيُّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «خَرَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ فِي جِنَازَةٍ، فَلَمَّا صَلَّى عَلَى الْمَيِّتِ، قَالَ النَّاسُ: نِعْمَ الرَّجُلُ فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ. «وَجَبَتْ» . ثُمَّ خَرَجْتُ مَعَهُ فِي جِنَازَةٍ أُخْرَى، فَلَمَّا صَلُّوا عَلَى الْمَيِّتِ، قَالَ النَّاسُ: بِئْسُ الرَّجُلُ فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «وَجَبَتْ» . فَقَامَ إِلَيْهِ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا قَوْلُكَ وَجَبَتْ؟ قَالَ:»قَوْلُ اللَّهِ عز وجل: ﴿لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ﴾ [البقرة: ١٤٣] ” حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ الرَّمْلِيُّ، قَالَ: ثنا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عَمْرٍو عَنْ يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الْفَضْلِ الْمَدِينِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِجِنَازَةٍ، فَقَالَ النَّاسُ: نِعْمَ الرَّجُلُ. ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ عِصَامٍ، عَنْ أَبِيهِ
٢ / ٦٣١
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا زَيْدُ بْنُ حُبَابٍ، قَالَ: ثنا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي إِيَاسُ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ، فَمَرَّ ⦗٦٣٣⦘ عَلَيْهِ بِجِنَازَةٍ فَأَثْنَى عَلَيْهَا بِثَنَاءٍ حَسَنٍ، فَقَالَ: «وَجَبَتْ»، وَمَرَّ عَلَيْهِ بِجِنَازَةٍ أُخْرَى، فَأَثْنَى عَلَيْهَا دُونَ ذَلِكَ، فَقَالَ: «وَجَبَتْ»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا وَجَبَتْ؟ قَالَ: «الْمَلَائِكَةُ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي السَّمَاءِ وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ فَمَا شَهِدْتُمْ عَلَيْهِ وَجَبَ» ثُمَّ قَرَأَ: ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾ [التوبة: ١٠٥] . الْآيَةَ»
٢ / ٦٣٢
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ﴾ [البقرة: ١٤٣] تَكُونُوا شُهَدَاءَ لِمُحَمَّدٍ عليه الصلاة والسلام عَلَى الْأُمَمِ الْيَهُودِ، وَالنَّصَارَى، وَالْمَجُوسِ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
٢ / ٦٣٣
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، قَالَ: «يَأْتِي النَّبِيُّ ﷺ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِإِذْنِهِ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ، فَتَشْهَدُ لَهُ أُمَّةُ مُحَمَّدٍ ﷺ أَنَّهُ قَدْ بَلَّغَهُمْ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ عُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ، مِثْلَهُ. ⦗٦٣٤⦘ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: يَأْتِي النَّبِيُّ ﷺ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَذَكَرَ مِثْلَهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ عُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ مِثْلَهُ
٢ / ٦٣٣
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ﴾ [البقرة: ١٤٣] أَيْ إِنَّ رُسُلَهُمْ قَدْ بَلَّغَتْ قَوْمَهَا عَنْ رَبِّهَا ﴿وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾ [البقرة: ١٤٣] عَلَى أَنَّهُ قَدْ بَلَّغَ رِسَالَاتِ رَبِّهِ إِلَى أُمَّتِهِ»
٢ / ٦٣٤
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: «أَنَّ قَوْمَ، نُوحٍ يَقُولُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: لَمْ يُبَلِّغْنَا نُوحٌ. فَيُدْعَى نُوحٌ عليه السلام فَيُسْأَلُ: هَلْ بَلَّغْتَهُمْ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، فَيُقَالُ: مَنْ شُهُودُكَ؟ فَيَقُولُ: أَحْمَدُ ﷺ وَأُمَّتُهُ. فَتُدْعَوْنَ فَتُسْأَلُونَ، فَتَقُولُونَ: نَعَمْ، قَدْ بَلَّغَهُمْ. فَتَقُولُ قَوْمُ نُوحٍ عليه السلام: كَيْفَ تَشْهَدُونَ عَلَيْنَا وَلَمْ تُدْرِكُونَا؟ قَالُوا: قَدْ جَاءَ نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ فَأَخْبَرَنَا أَنَّهُ قَدْ بَلَّغَكُمْ، وَأُنْزِلَ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَدْ بَلَّغَكُمْ، فَصَدَّقْنَاهُ. قَالَ: فَيُصَدَّقُ نُوحٌ عليه السلام وَيُكَذِّبُونَهُمْ. قَالَ: ﴿لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾ [البقرة: ١٤٣]»
٢ / ٦٣٤
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ﴾ [البقرة: ١٤٣] لِتَكُونَ هَذِهِ الْأُمَّةُ شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ أَنَّ الرُّسُلَ قَدْ بَلَّغَتْهُمْ، وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ شَهِيدًا، أَنْ قَدْ بَلَّغَ مَا أُرْسِلَ بِهِ»
٢ / ٦٣٥
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: «أَنَّ الْأُمَمَ، يَقُولُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: وَاللَّهِ لَقَدْ كَادَتْ هَذِهِ الْأُمَّةُ أَنْ تَكُونَ أَنْبِيَاءَ كُلَّهُمْ لِمَا يَرَوْنَ اللَّهَ أَعْطَاهُمْ»
٢ / ٦٣٥
حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ أَنْعَمَ الْمَعَافِرِيُّ، عَنْ حَبَّانَ بْنِ أَبِي جَبَلَةَ، بِسَنَدِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «إِذَا جَمَعَ اللَّهُ عِبَادَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، كَانَ أَوَّلَ مَنْ يَدْعَى إِسْرَافِيلُ، فَيَقُولُ لَهُ رَبُّهُ: مَا فَعَلْتَ فِي عَهْدِي هَلْ بَلَّغْتَ عَهْدِي؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ رَبِّ قَدْ بِلَّغْتُهُ جِبْرِيلَ عليهما السلام، فَيُدْعَى جِبْرِيلُ، فَيُقَالُ لَهُ: هَلْ بَلَّغْتَ إِسْرَافِيلَ عَهْدِي؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ رَبِّ قَدْ بَلَّغَنِي. فَيُخَلَّى عَنْ إِسْرَافِيلَ، وَيُقَالُ لِجِبْرِيلَ: هَلْ بَلَّغْتَ عَهْدِي؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، قَدْ بَلَّغْتُ الرُّسُلَ فَتُدْعَى الرُّسُلُ فَيُقَالُ لَهُمْ: هَلْ بَلَّغَكُمْ جِبْرِيلُ عَهْدِي» فَيَقُولُونَ: نَعَمْ رَبَّنَا، فَيُخَلَّى عَنْ جِبْرِيلَ، ثُمَّ يُقَالُ لِلرُّسُلِ: مَا فَعَلْتُمْ بِعَهْدِي؟ فَيَقُولُ: بَلَّغْنَا أُمَمَنَا. فَتُدْعَى الْأُمَمُ فَيُقَالُ: هَلْ بَلَّغَكُمُ الرُّسُلُ عَهْدِي؟ فَمِنْهُمُ الْمُكَذِّبُ وَمِنْهُمُ الْمُصَدِّقُ، فَتَقُولُ الرُّسُلُ: إِنَّ لَنَا عَلَيْهِمْ شُهُودًا يَشْهَدُونَ أَنْ قَدْ بَلَّغْنَا مَعَ شَهَادَتِكَ. فَيَقُولُ: مَنْ يَشْهَدُ لَكُمْ؟ فَيَقُولُ: أُمَّةُ مُحَمَّدٍ. فَتُدْعَى أُمَّةُ مُحَمَّدٍ ﷺ، فَيَقُولُ: أَتَشْهَدُونَ أَنَّ رُسُلِيَ هَؤُلَاءِ قَدْ بَلَّغُوا عَهْدِي إِلَى مَنْ أُرْسِلُوا إِلَيْهِ؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ رَبَّنَا، شَهِدْنَا أَنْ قَدْ بَلَّغُوا، فَتَقُولُ تِلْكَ الْأُمَمُ: كَيْفَ يَشْهَدُ عَلَيْنَا مَنْ لَمْ يُدْرِكْنَا؟ فَيَقُولُ لَهُمُ الرَّبُّ تبارك وتعالى: كَيْفَ يَشْهَدُونَ عَلَى مَنْ لَمْ يُدْرِكُوا؟ ⦗٦٣٦⦘ فَيَقُولُونَ: رَبَّنَا بَعَثْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا، وَأَنْزَلْتَ إِلَيْنَا عَهْدَكَ وَكِتَابَكَ، وَقَصَصْتَ عَلَيْنَا أَنَّهُمْ قَدْ بَلَّغُوا، فَشَهِدْنَا بِمَا عَهِدْتَ إِلَيْنَا. فَيَقُولُ الرَّبُّ: صَدَقُوا فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا﴾ [البقرة: ١٤٣] وَالْوَسَطُ: الْعَدْلُ ﴿لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾ [البقرة: ١٤٣] «قَالَ ابْنُ أَنْعَمَ، فَبَلَغَنِي أَنَّهُ يَشْهَدُ يَوْمَئِذٍ أُمَّةُ مُحَمَّدٍ ﷺ إِلَّا مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ حِنَةٌ عَلَى أَخِيهِ»
٢ / ٦٣٥
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، ثنا أَبُو زُهَيْرٍ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ﴾ [البقرة: ١٤٣] يَعْنِي بِذَلِكَ الَّذِينَ اسْتَقَامُوا عَلَى الْهُدَى، فَهُمُ الَّذِينَ يَكُونُونَ شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِتَكْذِيبِهِمْ رُسُلَ اللَّهِ، وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ “
٢ / ٦٣٦
حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، قَوْلِهِ: ﴿لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ﴾ [البقرة: ١٤٣] يَقُولُ: «لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى الْأُمَمِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ بِمَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ، وَبِمَا كَذَّبُوهُمْ، فَقَالُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَعَجِبُوا: أنَّ أُمَّةً لَمْ يَكُونُوا فِي زَمَانِنَا، فَآمَنُوا بِمَا جَاءَتْ بِهِ رُسُلُنَا، وَكَذَّبْنَا نَحْنُ بِمَا جَاءُوا بِهِ. فَعَجِبُوا كُلَّ الْعَجَبِ»
٢ / ٦٣٦
قَوْلِهِ: ﴿وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾ [البقرة: ١٤٣] يَعْنِي بِإِيمَانِهِمْ بِهِ، وَبِمَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ
٢ / ٦٣٦
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «﴿لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ﴾ [البقرة: ١٤٣] يَعْنِي أَنَّهُمْ شَهِدُوا عَلَى الْقُرُونِ بِمَا سَمَّى اللَّهُ عز وجل لَهُمْ»
٢ / ٦٣٧
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، قُلْتُ لِعَطَاءٍ، مَا قَوْلُهُ: “﴿لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ﴾ [البقرة: ١٤٣] قَالَ: «أُمَّةُ مُحَمَّدٍ شَهِدُوا عَلَى مَنْ تَرَكَ الْحَقَّ حِينَ جَاءَهُ الْإِيمَانُ وَالْهُدَى مِمَّنْ كَانَ قَبْلِنَا» – قَالَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَثِيرٍ قَالَ -: وَقَالَ عَطَاءٌ: شُهَدَاءُ عَلَى مَنْ تَرَكَ الْحَقَّ مِمَّنْ تَرَكَهُ مِنَ النَّاسِ أَجْمَعِينَ، جَاءَ ذَلِكَ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ ﷺ فِي كِتَابِهِمْ: ﴿وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾ [البقرة: ١٤٣] عَلَى أَنَّهُمْ قَدْ آمَنُوا بِالْحَقِّ حِينَ جَاءَهُمْ وَصَدَّقُوا بِهِ
٢ / ٦٣٧
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾ [البقرة: ١٤٣] قَالَ «رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: شَاهِدٌ عَلَى أُمَّتِهِ، وَهُمْ شُهَدَاءُ عَلَى الْأُمَمِ، وَهُمْ أَحَدُ الْأَشْهَادِ الَّذِي قَالَ اللَّهُ عز وجل: ﴿وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ﴾ [غافر: ٥١] الْأَرْبَعَةُ الْمَلَائِكَةُ الَّذِينَ يُحْصُونَ أَعْمَالَنَا لَنَا وَعَلَيْنَا. وَقَرَأَ قَوْلَهُ: ﴿وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ﴾ [ق: ٢١] وَقَالَ: هَذَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ: وَالنَّبِيُّونَ شُهَدَاءُ عَلَى أُمَمِهِمْ» قَالَ: وَأُمَّةُ مُحَمَّدٍ ﷺ شُهَدَاءُ ⦗٦٣٨⦘ عَلَى الْأُمَمِ. قَالَ: وَالْأَطْوَارُ: الْأَجْسَادُ وَالْجُلُودُ “
٢ / ٦٣٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ﴾ [البقرة: ١٤٣] يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا﴾ [البقرة: ١٤٣] وَلَمْ نَجْعَلْ صَرْفَكَ عَنِ الْقِبْلَةِ الَّتِي كُنْتَ عَلَى التَّوَجُّهِ إِلَيْهَا يَا مُحَمَّدُ فَصَرَفْنَاكَ عَنْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُكَ مِمَّنْ لَا يَتَّبِعُكَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ. وَالْقِبْلَةُ الَّتِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلَيْهَا الَّتِي عَنَاهَا اللَّهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا﴾ [البقرة: ١٤٣] هِيَ الْقِبْلَةُ الَّتِي كُنْتَ تَتَوَجَّهُ إِلَيْهَا قَبْلَ أَنْ يَصْرِفَكَ إِلَى الْكَعْبَةِ. كَمَا
٢ / ٦٣٨
حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطُ، عَنِ السُّدِّيِّ: «﴿وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا﴾ [البقرة: ١٤٣] يَعْنِي بَيْتَ الْمَقْدِسِ»
٢ / ٦٣٨
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ، «﴿وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا﴾ [البقرة: ١٤٣] قَالَ: الْقِبْلَةُ: بَيْتُ الْمَقْدِسِ» وَإِنَّمَا تَرَكَ ذِكْرَ الصَّرْفِ عَنْهَا اكْتِفَاءٍ بِدَلَالَةِ مَا قَدْ ذُكِرَ مِنَ الْكَلَامِ عَلَى مَعْنَاهُ
٢ / ٦٣٨
كَسَائِرِ مَا قَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا مَضَى مِنْ نَظَائِرِهِ. وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ مَعْنَاهُ؛ لِأَنَّ مِحْنَةَ اللَّهِ أَصْحَابَ رَسُولِهِ فِي الْقِبْلَةِ إِنَّمَا كَانَتْ فِيمَا تَظَاهَرَتْ بِهِ الْأَخْبَارُ عِنْدِ التَّحْوِيلِ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ إِلَى الْكَعْبَةِ، حَتَّى ارْتَدَّ فِيمَا ذُكِرَ رِجَالٌ مِمَّنْ كَانَ قَدْ أَسْلَمَ وَاتَّبَعَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، وَأَظْهَرَ كَثِيرٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ نِفَاقَهُمْ، وَقَالُوا: مَا بَالُ مُحَمَّدٍ يُحَوِّلُنَا مَرَّةً إِلَى هَا هُنَا، وَمَرَّةً إِلَى هَا هُنَا؟ وَقَالَ الْمُسْلِمُونَ فِيمَا مَضَى مِنْ إِخْوَانِهِمُ الْمُسْلِمِينِ، وَهُمْ يُصَلُّونَ نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ: بَطَلَتْ أَعْمَالُنَا وَأَعْمَالُهُمْ وَضَاعَتْ. وَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: تَحَيَّرَ مُحَمَّدٌ ﷺ فِي دِينِهِ. فَكَانَ ذَلِكَ فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَتَمْحِيصًا لِلْمُؤْمِنِينَ، فَلِذَلِكَ قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ﴾ [البقرة: ١٤٣] أَيْ: وَمَا جَعَلْنَا صَرْفَكَ عَنِ الْقِبْلَةِ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا، وَتَحْوِيلَكَ إِلَى غَيْرِهَا، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ﴾ [الإسراء: ٦٠] بِمَعْنَى: وَمَا جَعَلْنَا خَبَرَكَ عَنِ الرُّؤْيَا الَّتِي، أَرَيْنَاكَ؛ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ أَخْبَرَ الْقَوْمَ بِمَا كَانَ أُرِيَ لَمْ يَكُنْ فِيهِ عَلَى أَحَدٍ فِتْنَةٌ، وَكَذَلِكَ الْقِبْلَةُ الْأُولَى الَّتِي كَانَتْ نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، لَوْ لَمْ يَكُنْ صُرِفَ عَنْهَا إِلَى الْكَعْبَةِ لَمْ يَكُنْ فِيهَا عَلَى أَحَدٍ فِتْنَةٌ وَلَا مِحْنَةٌ. ذِكْرُ الْأَخْبَارِ الَّتِي رُوِيَتْ فِي ذَلِكَ بِمَعْنَى مَا قُلْنَا
٢ / ٦٣٩
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: «⦗٦٤٠⦘ كَانَتِ الْقِبْلَةُ فِيهَا بَلَاءٌ وَتَمْحِيصٌ صَلَّتِ الْأَنْصَارُ نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ حَوْلَيْنِ قَبْلَ قَدُومِ نَبِيِّ اللَّهِ ﷺ، وَصَلَّى نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ بَعْدَ قُدُومِهِ الْمَدِينَةَ مُهَاجِرًا نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا، ثُمَّ وَجَّهَهُ اللَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى الْكَعْبَةِ الْبَيْتِ الْحَرَامِ، فَقَالَ فِي ذَلِكَ قَائِلُونَ مِنَ النَّاسِ: ﴿مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا﴾ [البقرة: ١٤٢] لَقَدِ اشْتَاقَ الرَّجُلُ إِلَى مَوْلِدِهِ قَالَ اللَّهُ عز وجل: ﴿قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [البقرة: ١٤٢] فَقَالَ أُنَاسٌ لَمَّا صُرِفَتِ الْقِبْلَةُ نَحْوَ الْبَيْتِ الْحَرَامِ: كَيْفَ بِأَعْمَالِنَا الَّتِي كُنَّا نَعْمَلُ فِي قِبْلَتِنَا الْأُولَى؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ﴾ [البقرة: ١٤٣] وَقَدْ يَبْتَلِي اللَّهُ الْعِبَادَ بِمَا شَاءَ مِنْ أَمْرِهِ الْأَمْرَ بَعْدَ الْأَمْرِ، لِيَعْلَمَ مَنْ يُطِيعُهُ مِمَّنْ يَعْصِيَهُ. وَكُلُّ ذَلِكَ مَقْبُولٌ إِذَا كَانَ فِي إِيمَانٍ بِاللَّهِ، وَإِخْلَاصٍ لَهُ، وَتَسْلِيمٍ لِقَضَائِهِ»
٢ / ٦٣٩
حَدَّثَنِي مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يُصَلِّي قِبَلَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَنَسَخَتْهَا الْكَعْبَةُ. فَلَمَّا وُجِّهَ قِبَلَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهَا، فَكَانُوا أَصْنَافًا؛ فَقَالَ الْمُنَافِقُونَ: مَا بَالُهُمْ كَانُوا عَلَى قِبْلَةٍ زَمَانًا، ثُمَّ تَرَكُوهَا وَتَوَجَّهُوا إِلَى غَيْرِهَا؟ وَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: لَيْتَ شِعْرَنَا عَنْ إِخْوَانِنَا الَّذِينَ مَاتُوا وَهُمْ يُصَلُّونَ قِبَلَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، هَلْ تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنَّا وَمِنْهُمْ أَوْ لَا؟ وَقَالَتِ الْيَهُودُ: إِنَّ مُحَمَّدًا اشْتَاقَ إِلَى بَلَدِ أَبِيهِ وَمَوْلِدِهِ، وَلَوْ ثَبَتَ عَلَى قِبْلَتِنَا لَكِنَّا نَرْجُو أَنْ يَكُونَ هُوَ صَاحِبَنَا الَّذِي نَنْتَظِرُ. وَقَالَ الْمُشْرِكُونَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، تَحَيَّرَ عَلَى مُحَمَّدٍ دِينُهُ، ⦗٦٤١⦘ فَتَوَجَّهَ بِقِبْلَتِهِ إِلَيْكُمْ، وَعَلِمَ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ أَهْدَى مِنْهُ، وَيُوشِكُ أَنْ يَدْخُلَ فِي دِينِكُمْ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي الْمُنَافِقِينَ: ﴿سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا﴾ [البقرة: ١٤٢] إِلَى قَوْلِهِ ﴿وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ﴾ [البقرة: ١٤٣] وَأَنْزَلَ فِي الْآخَرِينَ الْآيَاتِ بَعْدَهَا»
٢ / ٦٤٠
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ، ﴿إِلَّا لِنَعْلَمَ مِنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ﴾ [البقرة: ١٤٣] فَقَالَ عَطَاءٌ «يَبْتَلِيهُمْ لِيَعْلَمَ مَنْ يُسَلِّمُ لَأَمْرِهِ» قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: بَلَغَنِي أَنَّ نَاسًا مِمَّنْ أَسْلَمَ رَجَعُوا فَقَالُوا مَرَّةً: هَاهُنَا وَمَرَّةً هَاهُنَا فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِلٌ: أَوَمَا كَانَ اللَّهُ عَالِمًا بِمَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ إِلَّا بَعْدَ اتِّبَاعِ الْمُتَّبِعِ، وَانْقِلَابِ الْمُنْقَلِبِ عَلَى عَقِبَيْهِ، حَتَّى قَالَ: مَا فَعَلْنَا الَّذِي فَعَلْنَا مِنْ تَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ إِلَّا لِنَعْلَمَ الْمُتَّبِعَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ مِنَ الْمُنْقَلَبِ عَلَى عَقِبَيْهِ؟ قِيلَ: إِنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ هُوَ الْعَالِمُ بِالْأَشْيَاءِ كُلِّهَا قَبْلَ كَوْنِهَا وَلَيْسَ قَوْلُهُ: ﴿وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ﴾ [البقرة: ١٤٣] يُخْبِرُ أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ إِلَّا بَعْدَ وُجُودِهِ. فَإِنْ قَالَ: فَمَا مَعْنَى ذَلِكَ؟ قِيلَ لَهُ: أَمَا مَعْنَاهُ عِنْدَنَا فَإِنَّهُ: وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِيَعْلَمَ رَسُولِي وَحِزْبِي وَأَوْلِيَائِي مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ. فَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿إِلَّا
٢ / ٦٤١
لِنَعْلَمَ﴾ [البقرة: ١٤٣] وَمَعْنَاهُ: لِيَعْلَمَ رَسُولِي وَأَوْلِيَائِي، إِذْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَأَوْلِيَاؤُهُ مِنْ حِزْبِهِ، وَكَانَ مِنْ شَأْنِ الْعَرَبِ إِضَافَةُ مَا فَعَلَتْهُ أَتْبَاعُ الرَّئِيسِ إِلَى الرَّئِيسِ، وَمَا فُعِلَ بِهِمْ إِلَيْهِ نَحْوَ قَوْلِهِمْ: فَتْحَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ سَوَادَ الْعِرَاقِ، وَجَبَى خَرَاجَهَا، وَإِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ أَصْحَابُهُ عَنْ سَبَبٍ كَانَ مِنْهُ فِي ذَلِكَ. وَكَالَّذِي رُوِيَ فِي نَظِيرِهِ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «يَقُولُ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: مَرِضْتُ فَلَمْ يَعُدْنِي عَبْدِي، وَاسْتَقْرَضْتُهُ فَلَمْ يُقْرِضْنِي، وَشَتَمَنِي وَلَمْ يَنْبَغِ لَهُ أَنْ يَشْتُمَنِي»
٢ / ٦٤٢
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا خَالِدٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: قَالَ اللَّهُ:»اسْتَقْرَضْتُ عَبْدِي فَلَمْ يُقْرِضْنِي، وَشَتَمَنِي وَلَمْ يَنْبَغِ لَهُ أَنْ يَشْتُمَنِيَ يَقُولُ: «وَادَهْرَاهُ، وَأَنَا الدَّهْرُ، أَنَا الدَّهْرُ» حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ بِنَحْوِهِ فَأَضَافَ تَعَالَى ذِكْرُهُ الِاسْتِقْرَاضَ، وَالْعِيَادَةَ إِلَى نَفْسِهِ، وَقَدْ كَانَ ذَلِكَ بِغَيْرِهِ إِذْ كَانَ ذَلِكَ عَنْ سَبَبِهِ وَقَدْ حُكِيَ عَنِ الْعَرَبِ سَمَاعًا: أَجُوعُ فِي غَيْرِ بَطْنِي، وَأَعْرَى فِي غَيْرِ ظَهْرِي، بِمَعْنَى جُوعُ أَهْلِهِ، وَعِيَالِهِ وَعُرْي ظُهُورِهِمْ، فَكَذَلِكَ قَوْلِهِ: ﴿إِلَّا لِنَعْلَمَ﴾ [البقرة: ١٤٣] بِمَعْنَى ⦗٦٤٣⦘ يَعْلَمُ أَوْلِيَائِي وَحِزْبِي. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
٢ / ٦٤٢
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﴿وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ﴾ [البقرة: ١٤٣] «قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ،» لِنُمَيِّزَ أَهْلَ الْيَقِينِ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ وَالرِّيبَةِ ” وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّمَا قِيلَ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ أَنَّ الْعَرَبَ تَضَعُ الْعِلْمَ مَكَانَ الرُّؤْيَةِ، وَالرُّؤْيَةَ مَكَانَ الْعِلْمِ، كَمَا قَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ﴾ [الفيل: ١] فَزَعَمَ أَنَّ مَعْنَى: ﴿أَلَمْ تَرَ﴾ [الفيل: ١] أَلَمْ تَعْلَمْ، وَزَعَمَ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿إِلَّا لِنَعْلَمَ﴾ [البقرة: ١٤٣] بِمَعْنَى: إِلَّا لَنَرَى مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ. وَزَعَمَ أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ: رَأَيْتُ وَعَلِمْتُ وَشَهِدْتُ حُرُوفٌ تَتَعَاقَبُ فَيُوضَعُ بَعْضُهَا مَوْضِعَ بَعْضٍ، كَمَا قَالَ جَرِيرُ بْنُ عَطِيَّةَ: كَأَنَّكَ لَمْ تَشْهَدْ لَقِيطًا، وَحَاجِبًا، وَعَمْرَو بْنَ عَمْرٍو إِذَا دَعَا يَالَ دَارِمِ بِمَعْنَى: كَأَنَّكَ لَمْ تَعْلَمْ لَقِيطًا؛ لِأَنَّ بَيْنَ هَلْكِ لَقِيطٍ، وَحَاجِبٍ وَزَمانِ جَرِيرٍ مَا لَا يَخْفَى بَعْدُهُ مِنَ الْمُدَّةِ؛ وَذَلِكَ أَنَّ الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ هَلَكُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَجَرِيرٌ كَانَ بَعْدَ
٢ / ٦٤٣
بُرْهَةٍ مَضَتْ مِنْ مَجِيءِ الْإِسْلَامِ، وَهَذَا تَأْوِيلٌ بَعِيدٌ، مِنْ أَجْلِ أَنَّ الرُّؤْيَةِ، وَإِنِ اسْتُعْمِلَتْ فِي مَوْضِعِ الْعِلْمِ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ مُسْتَحِيلٌ أَنْ يَرَى أَحَدٌ شَيْئًا، فَلَا تُوجِبُ رُؤْيَتُهُ إِيَّاهُ عِلْمًا بِأَنَّهُ قَدْ رَآهُ إِذَا كَانَ صَحِيحَ الْفِطْرَةِ، فَجَازَ مِنَ الْوَجْهِ الَّذِي أُثْبِتُهُ رُؤْيَةُ أَنْ يُضَافَ إِلَيْهِ إِثْبَاتُهُ إِيَّاهُ عِلْمًا، وَصَحَّ أَنْ يَدُلَّ بِذِكْرِ الرُّؤْيَةِ عَلَى مَعْنَى الْعِلْمِ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ. فَلَيْسَ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ فِي الرُّؤْيَةِ لِمَا وَصَفْنَا بِجَائِزٍ فِي الْعِلْمِ، فَيَدُلُّ بِذِكْرِ الْخَبَرِ عَنِ الْعِلْمِ عَلَى الرُّؤْيَةِ؛ لِأَنَّ الْمَرْءَ قَدْ يَعْلَمُ أَشْيَاءَ كَثِيرَةً لَمْ يَرَهَا، وَلَا يَرَاهَا وَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَرَى شَيْئًا إِلَّا عَلِمَهُ، كَمَا قَدْ قَدَّمْنَا الْبَيَانَ، مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ: مَوْجُودٍ فِي شَيْءٍ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ أَنْ يُقَالَ: عَلِمْتُ كَذَا بِمَعْنَى رَأَيْتُهُ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ تَوْجِيهُ مَعَانِي مَا فِي كِتَابِ اللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَى مُحَمَّدٍ ﷺ مِنَ الْكَلَامِ إِلَى مَا كَانَ مَوْجُودًا مِثْلُهُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ دُونَ مَا لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا فِي كَلَامِهَا، فَمَوْجُودٌ فِي كَلَامِهَا «رَأَيْتُ» بِمَعْنَى «عَلِمْتُ»، وَغَيْرُ مَوْجُودٍ فِي كَلَامِهَا «عَلِمْتُ» بِمَعْنَى «رَأَيْتُ»، فَيَجُوزُ تَوْجِيهُ ﴿إِلَّا لِنَعْلَمَ﴾ [البقرة: ١٤٣] إِلَى مَعْنَى: إِلَّا لَنَرَى. وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّمَا قِيلَ: ﴿إِلَّا لِنَعْلَمَ﴾ [البقرة: ١٤٣] مِنْ أَجْلِ أَنَّ الْمُنَافِقِينَ وَالْيَهُودَ وَأَهْلَ الْكُفْرِ بِاللَّهِ أَنْكَرُوا أَنْ يَكُونَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ يَعْلَمُ الشَّيْءَ قَبْلَ كَوْنِهِ، وَقَالُوا: إِذْ قِيلَ لَهُمْ: إِنَّ قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ سَيَرْتَدُّونَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ، إِذَا حُوِّلَتْ قِبْلَةُ مُحَمَّدٍ ﷺ إِلَى الْكَعْبَةِ: ذَلِكَ غَيْرُ كَائِنٍ، أَوْ قَالُوا: ذَلِكَ بَاطِلٌ. فَلَمَّا فَعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ، وَحَوَّلَ الْقِبْلَةَ، وَكَفَرَ مِنْ أَجْلِ
٢ / ٦٤٤
ذَلِكَ مَنْ كَفَرَ، قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: مَا فَعَلْتُ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَا عِنْدَكُمْ أَيُّهَا الْمُشْرِكُونَ الْمُنْكِرُونَ عِلْمِي بِمَا هُوَ كَائِنٌ مِنَ الْأَشْيَاءِ قَبْلَ كَوْنِهِ، أَنِّي عَالِمٌ بِمَا هُوَ كَائِنٌ مِمَّا لَمْ يَكُنْ بَعْدُ.
٢ / ٦٤٥
فَكَأَنَّ مَعْنَى قَائِلِ هَذَا الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: ﴿إِلَّا لِنَعْلَمَ﴾ [البقرة: ١٤٣] إِلَّا لِنُبَيِّنَ لَكُمْ أَنَّا نَعْلَمُ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ. وَهَذَا، وَإِنْ كَانَ وَجْهًا لَهُ مَخْرَجٌ، فَبِعِيدٌ مِنَ الْمَفْهُومِ. وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّمَا قِيلَ: ﴿إِلَّا لِنَعْلَمَ﴾ [البقرة: ١٤٣] وَهُوَ بِذَلِكَ عَالِمٌ قَبْلَ كَوْنِهِ وَفِي كُلِّ حَالٍ عَلَى وَجْهِ التَّرَفُّقِ بِعِبَادِهِ، وَاسْتِمَالَتِهِمْ إِلَى طَاعَتِهِ، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ [سبأ: ٢٤] وَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُ عَلَى هُدًى وَأَنَّهُمْ عَلَى ضَلَالٍ مُبِينٍ، وَلَكِنَّهُ رَفَقَ بِهِمْ فِي الْخَطَّابِ، فَلَمْ يَقُلْ: إِنَّا عَلَى هُدًى، وَأَنْتُمْ عَلَى ضَلَالٍ. فَكَذَلِكَ قَوْلِهِ: ﴿إِلَّا لِنَعْلَمَ﴾ [البقرة: ١٤٣] مَعْنَاهُ عِنْدَهُمْ: إِلَّا لِتَعْلَمُوا أَنْتُمْ إِذْ كُنْتُمْ جُهَّالًا بِهِ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ؛ فَأَضَافَ الْعِلْمَ إِلَى نَفْسِهِ رِفْقًا بِخِطَابِهِمْ. وَقَدْ بَيَّنَّا الْقَوْلَ الَّذِي هُوَ أَوْلَى فِي ذَلِكَ بِالْحَقِّ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ﴾ [البقرة: ١٤٣] فَإِنَّهُ يَعْنِي: الَّذِي يَتَّبِعُ مُحَمَّدًا ﷺ فِيمَا يَأْمُرُهُ اللَّهُ بِهِ، فَيُوَجَّهُ نَحْوَ الْوَجْهِ الَّذِي يَتَوَجَّهُ نَحْوَهُ مُحَمَّدٌ ﷺ.
٢ / ٦٤٥
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ﴾ [البقرة: ١٤٣] فَإِنَّهُ يَعْنِي: مَنِ الَّذِي يَرْتَدُّ عَنْ دِينِهِ، فَيُنَافِقُ، أَوْ يَكْفُرُ، أَوْ يُخَالِفُ مُحَمَّدًا ﷺ فِي ذَلِكَ مِمَّنْ يُظْهِرُ اتِّبَاعُهُ كَمَا
٢ / ٦٤٦
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ﴾ [البقرة: ١٤٣] قَالَ: «مَنْ إِذَا دَخَلَتْهُ شُبْهَةٌ رَجَعَ عَنِ اللَّهِ، وَانْقَلَبَ كَافِرًا عَلَى عَقِبَيْهِ» وَأَصْلُ الْمُرْتَدِّ عَلَى عَقِبَيْهِ: هُوَ الْمُنْقَلَبُ عَلَى عَقِبَيْهِ الرَّاجِعُ مُسْتَدْبِرًا فِي الطَّرِيقِ الَّذِي قَدْ كَانَ قَطَعَهُ مُنْصَرِفًا عَنْهُ، فَقِيلَ ذَلِكَ لِكُلِّ رَاجِعٍ عَنْ أَمْرٍ كَانَ فِيهِ مِنْ دِينٍ أَوْ خَيْرٍ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلِهِ: ﴿فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا﴾ [الكهف: ٦٤] بِمَعْنَى رَجَعَا فِي الطَّرِيقِ الَّذِي كَانَا سَلَكَاهُ. وَإِنَّمَا قِيلَ لِلْمُرْتَدِّ: مُرْتَدُّ لِرُجُوعِهِ عَنْ دِينِهِ وَمِلَّتِهِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا. وَإِنَّمَا قِيلَ رَجَعَ عَلَى عَقِبَيْهِ لِرُجُوعِهِ دُبُرًا عَلَى عَقِبِهِ إِلَى الْوَجْهِ الَّذِي كَانَ فِيهِ بَدْءُ سَيْرِهِ قَبْلَ رَجْعِهِ عَنْهُ، فَيُجْعَلُ ذَلِكَ مَثَلًا لِكُلِّ تَارِكٍ أَمْرًا وَآخِذٍ آخِرَ غَيْرَهُ إِذَا انْصَرَفَ عَمَّا كَانَ فِيهِ إِلَى الَّذِي كَانَ لَهُ تَارِكًا فَأَخَذَهُ، فَقِيلَ ارْتَدَّ فُلَانٌ عَلَى عَقِبِهِ، وَانْقَلَبَ عَلَى عَقِبَيْهِ
٢ / ٦٤٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ﴾ [البقرة: ١٤٣]⦗٦٤٧⦘ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الَّتِي وَصَفَهَا اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ بِأَنَّهَا كَانَتْ كَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَنَى جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِالْكَبِيرَةِ: التَّوْلِيَةَ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالتَّحْوِيلَ، وَإِنَّمَا أَنَّثَ الْكَبِيرَةُ لِتَأْنِيثِ التَّوْلِيَةِ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
٢ / ٦٤٦
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: قَالَ اللَّهُ: «﴿وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ﴾ [البقرة: ١٤٣] يَعْنِي تَحْوِيلَهَا»
٢ / ٦٤٧
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى بْنُ مَيْمُونٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ” فِي قَوْلِ اللَّهِ عز وجل: ﴿وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ﴾ [البقرة: ١٤٣] قَالَ: «مَا أُمِرُوا بِهِ مِنَ التَّحَوُّلِ إِلَى الْكَعْبَةِ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
٢ / ٦٤٧
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ﴾ [البقرة: ١٤٣] قَالَ: «كَبِيرَةً حِينَ حُوِّلَتِ الْقِبْلَةُ إِلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، فَكَانَتْ كَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلِ الْكَبِيرَةُ هِيَ الْقِبْلَةُ بِعَيْنِهَا الَّتِي كَانَ ﷺ يَتَوَجَّهُ إِلَيْهَا مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ قَبْلَ التَّحْوِيلِ
٢ / ٦٤٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارِ بْنِ الْحَسَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ: ﴿وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً﴾ [البقرة: ١٤٣] أَيْ قِبْلَةَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ ﴿إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ﴾ [البقرة: ١٤٣] ” وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلِ الْكَبِيرَةُ: هِيَ الصَّلَاةُ الَّتِي كَانُوا يُصَلُّونَهَا إِلَى الْقِبْلَةِ الْأُولَى
٢ / ٦٤٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ ﴿وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ﴾ [البقرة: ١٤٣] قَالَ: «صَلَاتُكُمْ حَتَّى يَهْدِيَكُمْ اللَّهُ عز وجل الْقِبْلَةَ»
٢ / ٦٤٨
وَقَدْ حَدَّثَنِي بِهِ، يُونُسُ مَرَّةً أُخْرَى قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، ﴿⦗٦٤٩⦘ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً﴾ [البقرة: ١٤٣] قَالَ: صَلَاتُكَ هَا هُنَا يَعْنِي إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا وَانْحِرَافُكَ هَا هُنَا ” وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ: أُنِّثَتِ الْكَبِيرَةُ لِتَأْنِيثِ الْقِبْلَةِ، وَإِيَّاهَا عَنَى جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً﴾ [البقرة: ١٤٣] وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ: بَلْ أُنِّثَتِ الْكَبِيرَةُ لِتَأْنِيثِ التَّوْلِيَةِ وَالتَّحْوِيلَةِ، فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ عَلَى مَا تَأَوَّلَهُ قَائِلُو هَذِهِ الْمَقَالَةِ: وَمَا جَعَلْنَا تَحْوِيلَتَنَا إِيَّاكَ عَنِ الْقِبْلَةِ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا، وَتَوْلِيَتِنَاكَ عَنْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ، وَإِنْ كَانَتْ تَحْوِيلَتُنَا إِيَّاكَ عَنْهَا وَتَوْلِيتُنَاكَ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ. وَهَذَا التَّأْوِيلَ أَوْلَى التَّأْوِيلَاتِ عِنْدِي بِالصَّوَابِ، لِأَنَّ الْقَوْمَ إِنَّمَا كَبُرَ عَلَيْهِمْ تَحْوِيلُ النَّبِيِّ ﷺ وَجْهَهُ عَنِ الْقِبْلَةِ الْأُولَى إِلَى الْأُخْرَى لَا عَيْنِ الْقِبْلَةِ وَلَا الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ الْقِبْلَةَ الْأُولَى وَالصَّلَاةَ قَدْ كَانَتْ وَهَى غَيْرُ كَبِيرَةٍ عَلَيْهِمْ إِلَّا أَنْ يُوَجِّهَ مُوَجِّهٌ تَأْنِيثَ الْكَبِيرَةِ إِلَى الْقِبْلَةِ، وَيَقُولُ: اجْتُزِئَ بِذِكْرِ الْقِبْلَةِ مِنْ ذِكْرِ التَّوْلِيَةِ وَالتَّحْوِيلَةِ لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَى مَعْنَى ذَلِكَ، كَمَا قَدْ وَصَفْنَا لَكَ فِي نَظَائِرِهِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ وَجْهًا صَحِيحًا وَمَذْهَبًا مَفْهُومًا
٢ / ٦٤٨
وَمَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿لَكَبِيرَةً﴾ [البقرة: ٤٥] عَظِيمَةً، ⦗٦٥٠⦘ كَمَا حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ ﴿وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ﴾ [البقرة: ١٤٣] قَالَ: «كَبِيرَةٌ فِي صُدُورِ النَّاسِ فِيمَا يَدْخُلُ الشَّيْطَانُ بِهِ ابْنُ آدَمَ. قَالَهُ: مَا لَهُمْ صَلُّوا إِلَى هَا هُنَا سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا ثُمَّ انْحَرفُوا فَكَبُرَ ذَلِكَ فِي صُدُورِ مَنْ لَا يَعْرِفُ وَلَا يَعْقِلُ وَالْمُنَافِقِينَ. فَقَالُوا: أَيُّ شَيْءٍ هَذَا الدِّينُ؟ وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَثَبَّتَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ذَلِكَ فِي قُلُوبِهِمْ. وَقَرَأَ قَوْلَ اللَّهِ ﴿وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ﴾ [البقرة: ١٤٣] قَالَ: صَلَاتُكُمْ حَتَّى يَهْدِيَكُمْ إِلَى الْقِبْلَةِ» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ﴾ [البقرة: ١٤٣] فَإِنَّهُ يُعْنَى بِهِ: وَإِنْ كَانَ تَقْلِيبَتُنَاكَ عَنِ الْقِبْلَةِ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا لَعَظِيمةً إِلَّا عَلَى مَنْ وَفَقَّهُ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فَهَداهُ لِتَصْدِيقِكَ، وَالْإِيمَانِ بِكَ وَبِذَلِكَ، وَاتِّبَاعِكَ فِيهِ وَفِيمَا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ عَلَيْكَ
٢ / ٦٤٩
كَمَا حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﴿وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ﴾ [البقرة: ١٤٣] يَقُولُ: إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ، يَعْنِي الْمُصَدِّقِينَ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ تبارك وتعالى “
٢ / ٦٥٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ﴾ [البقرة: ١٤٣] قِيلَ: عَنَى بِالْإِيمَانِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ الصَّلَاةَ. ذِكْرُ الْأَخْبَارِ الَّتِي رُوِيَتْ بِذَلِكَ
٢ / ٦٥٠
وَذِكْرُ قَوْلِ مَنْ قَالَهُ حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا وَكِيعٌ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ، وَحَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، جَمِيعًا عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ⦗٦٥١⦘ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «لَمَّا وُجِّهَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِلَى الْكَعْبَةِ قَالُوا: كَيْفَ بِمَنْ مَاتَ مِنْ إِخْوَانِنَا قَبْلَ ذَلِكَ وَهُمْ يُصَلُّونَ نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ﴾ [البقرة: ١٤٣]»
٢ / ٦٥٠
حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا شَرِيكٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ «فِي قَوْلِ اللَّهِ عز وجل:»﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ﴾ [البقرة: ١٤٣] قَالَ: صَلَاتُكُمْ نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ ” حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْأَهْوَازِيُّ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، قَالَ: ثنا شَرِيكٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ نَحْوَهُ
٢ / ٦٥١
وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نُفَيْلٍ، عَنِ الْحَرَّانِيِّ، قَالَ: ثنا زُهَيْرٌ، قَالَ: ثنا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ، قَالَ: «مَاتَ عَلَى الْقِبْلَةِ قَبْلَ أَنْ تَحَوَّلَ إِلَى الْبَيْتِ رِجَالٌ وَقَتَلُوا، فَلَمْ نَدْرِ مَا نَقُولُ فِيهِمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ﴾ [البقرة: ١٤٣]»
٢ / ٦٥١
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ الْعَقَدِيُّ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ⦗٦٥٢⦘ قَالَ: قَالَ أُنَاسٌ مِنَ النَّاسِ لَمَّا صُرِفَتِ الْقِبْلَةُ نَحْوَ الْبَيْتِ الْحَرَامِ: كَيْفَ بِأَعْمَالِنَا الَّتِي كُنَّا نَعْمَلُ فِي قِبْلَتِنَا؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ﴾ [البقرة: ١٤٣] “
٢ / ٦٥١
حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: «لَمَّا تَوَجَّهَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قِبَلَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، قَالَ الْمُسْلِمُونَ: لَيْتَ شِعْرَنَا عَنْ إِخْوَانِنَا الَّذِينَ مَاتُوا وَهُمْ يُصَلُّونَ قِبَلَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، هَلْ تَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَّا وَمِنْهُمْ أَمْ لَا؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِيهِمْ: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ﴾ [البقرة: ١٤٣] قَالَ: صَلَاتُكُمْ قِبَلَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، يَقُولُ: إِنَّ تِلْكَ طَاعَةٌ، وَهَذِهِ طَاعَةٌ»
٢ / ٦٥٢
حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارِ بْنِ الْحَسَنِ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، قَالَ: «قَالَ نَاسٌ لَمَّا صُرِفَتِ الْقِبْلَةُ إِلَى الْبَيْتِ الْحَرَامِ:»كَيْفَ بِأَعْمَالِنَا الَّتِي كُنَّا نَعْمَلُ فِي قِبْلَتِنَا الْأُولَى؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ﴾ [البقرة: ١٤٣] الْآيَةَ “
٢ / ٦٥٢
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي دَاوُدُ بْنُ أَبِي عَاصِمِ، قَالَ: «لَمَّا صُرِفَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِلَى الْكَعْبَةِ، قَالَ الْمُسْلِمُونَ: هَلَكَ أَصْحَابُنَا الَّذِينَ كَانُوا يُصَلُّونَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَنَزَلَتْ: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ﴾ [البقرة: ١٤٣]»
٢ / ٦٥٢
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ﴾ [البقرة: ١٤٣] ” يَقُولُ: «صَلَاتُكُمُ الَّتِي صَلَّيْتُمُوهَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَكُونَ الْقِبْلَةُ فَكَانَ الْمُؤْمِنُونَ قَدْ أَشْفَقُوا عَلَى مَنْ ⦗٦٥٣⦘ صَلَّى مِنْهُمْ أَنْ لَا تُقْبَلَ صَلَاتُهُمْ»
٢ / ٦٥٢
حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، «﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ﴾ [البقرة: ١٤٣] صَلَاتَكُمْ»
٢ / ٦٥٣
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْفَزَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْمُؤَمَّلُ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، فِي هَذِهِ الْآيَةِ: «﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ﴾ [البقرة: ١٤٣] قَالَ: صَلَاتُكُمْ نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ» قَدْ دَلَّلْنَا فِيمَا مَضَى عَلَى أَنَّ الْإِيمَانَ التَّصْدِيقُ، وَأَنَّ التَّصْدِيقَ قَدْ يَكُونُ بِالْقَوْلِ وَحْدَهُ وَبِالْفِعْلِ وَحْدَهُ وَبِهِمَا جَمِيعًا؛ فَمَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ﴾ [البقرة: ١٤٣] عَلَى مَا تَظَاهَرْتُ بِهِ الرِّوَايَةُ مِنْ أَنَّهُ الصَّلَاةُ: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ تَصْدِيقَ رَسُولِهِ عليه الصلاة والسلام بِصَلَاتِكُمُ الَّتِي صَلَّيْتُمُوهَا نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ عَنْ أَمْرِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ مِنْكُمْ تَصْدِيقًا لِرَسُولِي، وَاتِّبَاعًا لِأَمْرِي، وَطَاعَةً مِنْكُمْ لِي. قَالَ: وَإِضَاعَتُهُ إِيَّاهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَوْ أَضَاعَهُ تَرْكُ إِثَابَةِ أَصْحَابِهِ وَعَامِلِيهِ عَلَيْهِ، فَيَذْهَبُ ضَيَاعًا وَيَصِيرُ بَاطِلًا كَهَيْئَةِ إِضَاعَةِ الرَّجُلِ مَالَهُ، وَذَلِكَ إِهْلَاكُهُ إِيَّاهُ فِيمَا لَا يَعْتَاضُ مِنْهُ عِوَضًا فِي عَاجِلٍ وَلَا آجِلٍ، فَأَخْبَرَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَبْطُلُ عَمَلُ عَامَلٍ عَمِلَ لَهُ عَمَلًا، وَهُوَ لَهُ طَاعَةٌ فَلَا يُثِيبُهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ نُسِخَ ذَلِكَ الْفَرْضُ بَعْدَ عَمَلِ الْعَامِلِ إِيَّاهُ عَلَى مَا كَلَّفَهُ مِنْ عَمَلِهِ. ⦗٦٥٤⦘ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَكَيْفَ قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ﴾ [البقرة: ١٤٣] فَأَضَافَ الْإِيمَانَ إِلَى الْأَحْيَاءِ الْمُخَاطَبِينَ، وَالْقَوْمُ الْمُخَاطَبُونَ بِذَلِكَ إِنَّمَا كَانُوا أَشْفَقُوا عَلَى إِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَانُوا مَاتُوا وَهُمْ يُصَلُّونَ نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَفِي ذَلِكَ مِنْ أَمْرِهِمْ أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ؟ قِيلَ: إِنَّ الْقَوْمَ، وَإِنْ كَانُوا أَشْفَقُوا مِنْ ذَلِكَ، فَإِنَّهُمْ أَيْضًا قَدْ كَانُوا مُشْفِقِينَ مِنْ حُبُوطِ ثَوَابِ صَلَاتِهِمُ الَّتِي صَلُّوهَا إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ قَبْلَ التَّحْوِيلِ إِلَى الْكَعْبَةِ، وَظَنُّوا أَنَّ عَمَلَهُمْ ذَلِكَ قَدْ بَطَلَ وَذَهَبَ ضَيَاعًا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ هَذِهِ الْآيَةَ حِينَئِذٍ، فَوَجَّهَ الْخِطَابَ بِهَا إِلَى الْأَحْيَاءِ، وَدَخَلَ فِيهِمُ الْمَوْتَى مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ مِنْ شَأْنِ الْعَرَبِ إِذَا اجْتَمَعَ فِي الْخَبَرِ الْمُخَاطَبِ وَالْغَائِبِ أَنْ يُغَلِّبُوا الْمُخَاطَبَ، فَيَدْخُلُ الْغَائِبُ فِي الْخَطَّابِ، فَيَقُولُوا لِرَجُلٍ خَاطِبُوهُ عَلَى وَجْهِ الْخَبَرِ عَنْهُ، وَعَنْ آخَرَ غَائِبٍ غَيْرِ حَاضِرٍ: فَعَلْنَا بِكُمَا وَصَنَعْنَا بِكُمَا كَهَيْئَةِ خِطَابِهِمْ لَهُمَا وَهُمَا حَاضِرَانِ، وَلَا يَسْتَجِيزُونَ أَنْ يَقُولُوا: فَعَلْنَا بِهِمَا وَهُمْ يُخَاطِبُونَ أَحَدَهُمَا فَيَرُدُّوا الْمُخَاطَبَ إِلَى عِدَادِ الْغَيْبِ
٢ / ٦٥٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ إِنَّ اللَّهَ بِجَمِيعِ عِبَادِهِ ذُو رَأْفَةٍ. وَالرَّأْفَةُ أَعْلَى مَعَانِي الرَّحْمَةِ، وَهِيَ عَامَّةٌ لِجَمِيعِ الْخَلْقِ فِي الدُّنْيَا وَلِبَعْضِهِمْ فِي الْآخِرَةِ. وَأَمَّا الرَّحِيمُ، فَإِنَّهُ ذُو الرَّحْمَةِ لِلْمُؤْمِنِينَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ عَلَى مَا قَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى قَبْلُ.
٢ / ٦٥٤
وَإِنَّمَا أَرَادَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ عز وجل أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ أَنْ يُضَيِّعَ لَهُمْ طَاعَةً أَطَاعُوهُ بِهَا فَلَا يُثِيبُهُمْ عَلَيْهَا، وَأَرْأَفُ بِهِمْ مِنْ أَنْ يُؤَاخِذَهُمْ بِتَرْكِ مَا لَمْ يَفْرِضْهُ عَلَيْهِمْ. أَيْ وَلَا تَأْسَوْا عَلَى مَوْتَاكُمُ الَّذِينَ مَاتُوا وَهُمْ يُصَلُّونَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَإِنِّي لَهُمْ عَلَى طَاعَتِهِمْ إِيَّايَ بِصَلَاتِهِمُ الَّتِي صَلُّوهَا كَذَلِكَ مُثِيبٌ، لِأَنِّي أَرْحَمٌ بِهِمْ مِنْ أَنْ أُضَيِّعَ لَهُمْ عَمَلًا عَمِلُوهُ لِي، وَلَا تَحْزَنُوا عَلَيْهِمْ، فَإِنِّي غَيْرُ مُؤَاخِذُهُمْ بِتَرْكِهِمُ الصَّلَاةَ إِلَى الْكَعْبَةِ؛ لِأَنِّي لَمْ أَكُنْ فَرَضْتُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، وَأَنَا أَرْأَفُ بِخُلُقِي مِنْ أَنْ أُعَاقِبَهُمْ عَلَى تَرْكِهِمْ مَا لَمْ آمُرُهُمْ بِعَمَلِهِ. وَفِي الرَّءُوفِ لُغَاتٌ: إِحْدَاهَا «رَؤُفٌ» عَلَى مِثَالِ «فَعُلٌ» كَمَا قَالَ الْوَلِيدُ بْنُ عُقْبَةَ:
[البحر الوافر] وَشَرُّ الطَّالِبِينَ وَلَا تَكُنْهُ … بِقَاتِلِ عَمِّهِ الرَّؤُفِ الرَّحِيمُ
وَهِيَ قِرَاءَةُ عَامَّةِ قُرَّاءِ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَالْأُخْرَى «رَءُوفٌ» عَلَى مِثَالِ «فَعُولٌ»، وَهِيَ قِرَاءَةُ عَامَّةِ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ. وَ«رَئِفٌ» وَهِيَ لُغَةُ غَطَفَانَ، عَلَى مِثَالِ «فَعِلٌ» مِثْلَ «حَذِرٌ» . وَ«رَأْفٌ» عَلَى مِثَالِ «فَعْلٌ» بَجَزْمِ الْعَيْنِ، وَهِيَ لُغَةٌ لِبَنِي أَسَدٍ،
[البحر الوافر] وَشَرُّ الطَّالِبِينَ وَلَا تَكُنْهُ … بِقَاتِلِ عَمِّهِ الرَّؤُفِ الرَّحِيمُ
وَهِيَ قِرَاءَةُ عَامَّةِ قُرَّاءِ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَالْأُخْرَى «رَءُوفٌ» عَلَى مِثَالِ «فَعُولٌ»، وَهِيَ قِرَاءَةُ عَامَّةِ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ. وَ«رَئِفٌ» وَهِيَ لُغَةُ غَطَفَانَ، عَلَى مِثَالِ «فَعِلٌ» مِثْلَ «حَذِرٌ» . وَ«رَأْفٌ» عَلَى مِثَالِ «فَعْلٌ» بَجَزْمِ الْعَيْنِ، وَهِيَ لُغَةٌ لِبَنِي أَسَدٍ،
٢ / ٦٥٥
وَالْقِرَاءَةُ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ الْأَوَّلِينَ
٢ / ٦٥٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ﴾ [البقرة: ١٤٤] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: قَدْ نَرَى يَا مُحَمَّدُ نَحْنُ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ. وَيَعْنِي بِالتَّقَلُّبِ: التَّحَوُّلِ وَالتَّصَرُّفِ. وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ: ﴿فِي السَّمَاءِ﴾ [البقرة: ١٤٤] نَحْوَ السَّمَاءِ وَقِبَلِهَا. وَإِنَّمَا قِيلَ لَهُ ذَلِكَ ﷺ فِيمَا بَلَغَنَا، لِأَنَّهُ كَانَ قَبْلَ تَحْوِيلِ قِبْلَتِهِ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ إِلَى الْكَعْبَةِ يَرْفَعُ بَصَرَهُ إِلَى السَّمَاءِ يَنْتَظِرُ مِنَ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَمْرَهُ بِالتَّحْوِيلِ نَحْوَ الْكَعْبَةِ
٢ / ٦٥٦
كَمَا حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ﴾ [البقرة: ١٤٤] قَالَ: «كَانَ ﷺ يُقَلِّبُ وَجْهَهُ فِي السَّمَاءِ يُحِبُّ أَنْ يَصْرِفَهُ اللَّهُ عز وجل إِلَى الْكَعْبَةِ حَتَّى صَرَفَهُ اللَّهُ إِلَيْهَا»
٢ / ٦٥٦
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلِهِ: ﴿قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ﴾ [البقرة: ١٤٤] «فَكَانَ نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ يُصَلِّي نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، يَهْوَى وَيَشْتَهِي الْقِبْلَةَ نَحْوَ الْبَيْتِ الْحَرَامِ، فَوَجَّهَهُ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِقَبْلَةٍ كَانَ يَهْوَاهَا وَيَشْتَهِيهَا»
٢ / ٦٥٦
حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، ⦗٦٥٧⦘ عَنِ الرَّبِيعِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ﴾ [البقرة: ١٤٤] يَقُولُ: نَظَرَكَ فِي السَّمَاءِ. «وَكَانَ النَّبِيُّ ﷺ يُقَلِّبُ وَجْهَهُ فِي الصَّلَاةِ وَهُوَ يُصَلِّي نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَكَانَ يَهْوَى قِبْلَةَ الْبَيْتِ الْحَرَامِ، فَوَلَّاهُ اللَّهُ قِبْلَةً كَانَ يَهْوَاهَا»
٢ / ٦٥٦
حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: “كَانَ النَّاسُ يُصَلُّونَ قِبَلَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَلَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ ﷺ الْمَدِينَةَ عَلَى رَأْسِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ شَهْرًا مِنْ مُهَاجَرِهِ، كَانَ إِذَا صَلَّى رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ يَنْظُرُ مَا يُؤْمَرُ، وَكَانَ يُصَلِّي قِبَلَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ. فَنَسَخَتْهَا الْكَعْبَةُ. فَكَانَ النَّبِيُّ ﷺ يُحِبُّ أَنْ يُصَلِّيَ قِبَلَ الْكَعْبَةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ﴾ [البقرة: ١٤٤] الْآيَةَ «ثُمَّ اخْتَلَفَ فِي السَّبَبِ الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ كَانَ ﷺ يَهْوَى قِبْلَةَ الْكَعْبَةِ» قَالَ بَعْضُهُمْ: كَرِهَ قِبْلَةَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، مِنْ أَجْلِ أَنَّ الْيَهُودَ قَالُوا. يَتَّبِعُ قِبْلَتَنَا وَيُخَالِفُنَا فِي دِينِنَا
٢ / ٦٥٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «قَالَتِ الْيَهُودُ: يُخَالِفُنَا مُحَمَّدٌ، وَيَتَّبِعُ قِبْلَتَنَا فَكَانَ يَدْعُو اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ، وَيَسْتَفْرِضُ لِلْقِبْلَةِ، فَنَزَلَتْ: ﴿قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ [البقرة: ١٤٤] وَانْقَطَعَ قَوْلُ يَهُودَ: ⦗٦٥٨⦘ يُخَالِفُنَا وَيَتَّبِعُ قِبْلَتَنَا فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ. فَجَعَلَ الرِّجَالَ مَكَانَ النِّسَاءِ، وَالنِّسَاءَ مَكَانَ الرِّجَالِ»
٢ / ٦٥٧
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: سَمِعْتُهُ يَعْنِي ابْنَ زَيْدٍ، يَقُولُ: «قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ. ﴿فَأَيْنَمَا تُوَلَّوْا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ﴾ [البقرة: ١١٥] قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «هَؤُلَاءِ قَوْمٌ يَهُودُ يَسْتَقْبِلُونَ بَيْتًا مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ» لَبَيْتِ الْمَقْدِسِ «لَوْ أَنَّا اسْتَقْبَلْنَاهُ»، فَاسْتَقْبَلَهُ النَّبِيُّ ﷺ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا، فَبَلَغَهُ أَنْ يَهُودَ تَقُولُ: وَاللَّهِ مَا دَرَى مُحَمَّدٌ ﷺ وَأَصْحَابُهُ أَيْنَ قِبْلَتُهُمْ حَتَّى هَدَيْنَاهُمْ. فَكَرِهَ ذَلِكَ النَّبِيُّ ﷺ، وَرَفَعَ وَجْهَهُ إِلَى السَّمَاءِ، فَقَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ [البقرة: ١٤٤] الْآيَةَ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ كَانَ يَهْوَى ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ كَانَ قِبْلَةَ أَبِيهِ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام
٢ / ٦٥٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثنا مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لَمَّا هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَكَانَ أَكْثَرَ أَهْلِهَا الْيَهُودُ أَمَرَهُ اللَّهُ عز وجل أَنْ يَسْتَقْبِلَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، فَفَرِحَتِ الْيَهُودُ، فَاسْتَقْبَلَهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُحِبُّ قِبْلَةَ إِبْرَاهِيمَ، فَكَانَ يَدْعُو وَيَنْظُرُ إِلَى السَّمَاءِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل: ﴿قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي ⦗٦٥٩⦘ السَّمَاءِ﴾ [البقرة: ١٤٤] الْآيَةَ “
٢ / ٦٥٨
فَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا﴾ [البقرة: ١٤٤] فَإِنَّهُ يَعْنِي: فَلَنَصْرِفَنَّكَ عَنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ إِلَى قِبْلَةٍ تَرْضَاهَا تَهْوَاهَا وَتُحِبُّهَا
٢ / ٦٥٩
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿فَوَلِّ وَجْهَكَ﴾ [البقرة: ١٤٤] يَعْنِي اصْرِفْ وَجْهَكَ وَحَوِّلْهُ
٢ / ٦٥٩
وَقَوْلُهُ: ﴿شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ [البقرة: ١٤٤] يَعْنِي بِالشَّطْرِ: النَّحْوَ وَالْقَصْدَ وَالتَّلْقَاءَ، كَمَا قَالَ الْهُذَلِيُّ:
[البحر البسيط] إِنَّ الْعَسِيرَ بِهَا دَاءٌ مُخَامِرُهَا … فَشَطْرَهَا نَظَرُ الْعَيْنَيْنِ مَحْسُورُ
يَعْنِي بِقَوْلِهِ شَطْرَهَا: نَحْوَهَا. وَكَمَا قَالَ ابْنُ أَحْمَرَ:
[البحر البسيط] تَعْدُو بِنَا شَطْرَ جَمْعٍ وَهْيَ عَاقِدَةٌ … قَدْ كَارَبَ الْعَقْدُ مِنْ إِيفَادِهَا الْحَقَبَا
⦗٦٦٠⦘ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
[البحر البسيط] إِنَّ الْعَسِيرَ بِهَا دَاءٌ مُخَامِرُهَا … فَشَطْرَهَا نَظَرُ الْعَيْنَيْنِ مَحْسُورُ
يَعْنِي بِقَوْلِهِ شَطْرَهَا: نَحْوَهَا. وَكَمَا قَالَ ابْنُ أَحْمَرَ:
[البحر البسيط] تَعْدُو بِنَا شَطْرَ جَمْعٍ وَهْيَ عَاقِدَةٌ … قَدْ كَارَبَ الْعَقْدُ مِنْ إِيفَادِهَا الْحَقَبَا
⦗٦٦٠⦘ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢ / ٦٥٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي الْعَالِيَةِ ﴿شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ [البقرة: ١٤٤] يَعْنِي تِلْقَاءَهُ ” وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ [البقرة: ١٤٤] نَحْوَهُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلِهِ: ﴿فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ [البقرة: ١٤٤] نَحْوَهُ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
٢ / ٦٦٠
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿⦗٦٦١⦘ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ [البقرة: ١٤٤] أَيْ تِلْقَاءَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ “
٢ / ٦٦٠
حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: ﴿فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ [البقرة: ١٤٤] قَالَ: نَحْوَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ “
٢ / ٦٦١
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ: ﴿فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ [البقرة: ١٤٤] أَيْ تِلْقَاءَهُ ” حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: شَطْرَهُ: نَحْوَهُ
٢ / ٦٦١
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا الْحِمَّانِيُّ، قَالَ: ثنا شَرِيكٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ، «﴿فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ﴾ [البقرة: ١٤٤] قَالَ: قِبَلَهُ»
٢ / ٦٦١
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، ﴿شَطْرَهُ﴾ [البقرة: ١٤٤] نَاحِيَتَهُ جَانِبَهُ، قَالَ: وَجَوَانِبُهُ: شُطُورُهُ ” ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي الْمَكَانِ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ ﷺ أَنْ يُوَلِّيَ وَجْهَهُ إِلَيْهِ مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ. فَقَالَ بَعْضُهُمُ: الْقِبْلَةُ الَّتِي حُوِّلَ إِلَيْهَا النَّبِيُّ ﷺ وَعَنَاهَا اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا﴾ [البقرة: ١٤٤] حِيَالَ مِيزَابِ الْكَعْبَةِ
٢ / ٦٦١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي زِيَادٍ، قَالَ: ثنا عُثْمَانُ، قَالَ: أنا شُعْبَةُ، عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ قَمْطَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، «﴿فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا﴾ [البقرة: ١٤٤] حِيَالَ مِيزَابِ الْكَعْبَةِ»
٢ / ٦٦٢
وَحَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ قَمْطَةَ، قَالَ: «رَأَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو» جَالِسًا فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بِإِزَاءِ الْمِيزَابِ، وَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا﴾ [البقرة: ١٤٤] قَالَ: هَذِهِ الْقِبْلَةُ هِيَ هَذِهِ الْقِبْلَةُ «حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، نَحْوَهُ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ» اسْتَقْبَلَ الْمِيزَابَ فَقَالَ: هَذَا الْقِبْلَةُ الَّتِي قَالَ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ: ﴿فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا﴾ [البقرة: ١٤٤] ” وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ ذَلِكَ الْبَيْتُ كُلُّهُ قِبْلَةَ، وَقِبْلَةُ الْبَيْتِ الْبَابُ
٢ / ٦٦٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ «الْبَيْتُ كُلُّهُ قِبْلَةٌ، وَهَذِهِ قِبْلَةُ الْبَيْتِ، يَعْنِي الَّتِي فِيهَا الْبَابُ» وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي مَا قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ [البقرة: ١٤٤] فَالْمُوَلِّي وَجْهَهُ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ هُوَ الْمُصِيبُ الْقِبْلَةَ. وَإِنَّمَا عَلَى مَنْ تَوَجَّهَ إِلَيْهِ النِّيَّةُ بِقَلْبِهِ أَنَّهُ إِلَيْهِ مُتَوَجِّهٌ، كَمَا أَنَّ عَلَى مَنِ ائْتَمَّ بِإِمَامٍ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ الِائْتِمَامُ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُحَاذِيًا بَدَنُهُ بَدَنُهُ، وَإِنْ كَانَ فِي طَرَفِ الصَّفِّ وَالْإِمَامُ فِي طَرَفٍ آخَرَ عَنْ يَمِينِهِ أَوْ عَنْ يَسَارِهِ، بَعْدَ أَنْ يَكُونَ مَنْ خَلْفَهُ مُؤْتَمًّا بِهِ مُصَلِّيًا إِلَى الْوَجْهِ الَّذِي يُصَلِّي إِلَيْهِ الْإِمَامُ. فَكَذَلِكَ حُكْمُ الْقِبْلَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ يُحَاذِيهَا كُلُّ مُصَلٍّ وَمُتَوَجِّهٌ إِلَيْهَا بِبَدَنِهِ غَيْرَ أَنَّهُ مُتَوَجِّهٌ إِلَيْهَا، فَإِنْ كَانَ عَنْ يَمِينِهَا أَوْ عَنْ يَسَارِهَا مُقَابِلَهَا فَهُوَ مُسْتَقْبِلُهَا بَعْدَ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا، أَوْ قَرُبَ مِنْ عَنِ يَمِينِهَا أَوْ عَنْ يَسَارِهَا بَعْدَ أنْ يَكُونَ ⦗٦٦٤⦘ غَيْرَ مُسْتَدْبِرِهَا، وَلَا مُنْحَرِفٍ عَنْهَا بِبَدَنِهِ وَوَجْهِهِ
٢ / ٦٦٣
كَمَا حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْأَهْوَازِيُّ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَمِيرَةَ بْنِ زِيَادٍ الْكِنْدِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ، ﴿فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ [البقرة: ١٤٤] قَالَ: شَطْرَهُ قِبَلَهُ ” قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَقِبْلَةُ الْبَيْتِ: بَابُهُ
٢ / ٦٦٤
كَمَا حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، وَالْفَضْلُ بْنُ الصَّبَّاحِ، قَالَا: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ، عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: قَالَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ ” رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ حِينَ خَرَجَ مِنَ الْبَيْتِ أَقْبَلَ بِوَجْهِهِ إِلَى الْبَابِ فَقَالَ: «هَذِهِ الْقِبْلَةُ، هَذِهِ الْقِبْلَةُ»
٢ / ٦٦٤
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، وَسُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ، قَالَا: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، قَالَ: «خَرَجَ النَّبِيُّ ﷺ مِنَ الْبَيْتِ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ مُسْتَقْبِلًا بِوَجْهِهِ الْكَعْبَةَ، فَقَالَ: «هَذِهِ الْقِبْلَةُ» مَرَّتَيْنِ» حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ نَحْوَهُ
٢ / ٦٦٤
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى الْأُمَوِيُّ، قَالَ: ثنا أَبِي قَالَ: ثنا ابْنُ جُرَيْجٍ، ⦗٦٦٥⦘ قَالَ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ، سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، يَقُولُ: «إِنَّمَا أُمِرْتُمْ بِالطَّوَافِ، وَلَمْ تُؤْمَرُوا بِدُخُولِهِ. قَالَ: لَمْ يَكُنْ يَنْهَى عَنْ دُخُولِهِ، وَلَكِنِّي سَمِعْتُهُ يَقُولُ: أَخْبَرَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ،» أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لَمَّا دَخَلَ الْبَيْتَ دَعَا فِي نَوَاحِيهِ كُلِّهَا، وَلَمْ يُصَلِّ حَتَّى خَرَجَ، فَلَمَّا خَرَجَ رَكَعَ فِي قِبَلِ الْقِبْلَةِ رَكْعَتَيْنِ وَقَالَ: «هَذِهِ الْقِبْلَةُ» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَأُخْبِرَ ﷺ أَنَّ الْبَيْتَ هُوَ الْقِبْلَةُ، وَأَنَّ قِبْلَةَ الْبَيْتِ بَابُهُ
٢ / ٦٦٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَحَيْثُمَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ﴾ يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِذَلِكَ: فَأَيْنَمَا كُنْتُمْ مِنَ الْأَرْضِ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ فَحَوِّلُوا وُجُوهَكُمْ فِي صَلَاتِكُمْ نَحْوَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَتِلْقَاءَهُ. وَالْهَاءُ الَّتِي فِي «شَطْرِهِ» عَائِدَةٌ إِلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَأَوْجَبَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فَرْضُ التَّوَجُّهِ نَحْوَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فِي صَلَاتِهِمْ حَيْثُ كَانُوا مِنْ أَرْضِ اللَّهِ تبارك وتعالى. وَأُدْخِلَتِ الْفَاءُ فِي قَوْلِهِ: ﴿فَوَلُّوا﴾ [البقرة: ١٤٤] جَوَابًا لِلْجَزَاءِ، وَذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ: ﴿حَيْثُمَا كُنْتُمْ﴾ جَزَاءً، وَمَعْنَاهُ: حَيْثُمَا تَكُونُوا فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ. الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ﴾ [البقرة: ١٤٤] . يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ أَحْبَارُ الْيَهُودِ وَعُلَمَاءُ النَّصَارَى. وَقَدْ قِيلَ إِنَّمَا عَنَى بِذَلِكَ الْيَهُودَ خَاصَّةً
٢ / ٦٦٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿وَإِنَّ ⦗٦٦٦⦘ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ﴾ [البقرة: ١٤٤] أُنْزِلَ ذَلِكَ فِي الْيَهُودِ. وَقَوْلُهُ: ﴿لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ﴾ [البقرة: ١٤٤] يَعْنِي هَؤُلَاءِ الْأَحْبَارِ، وَالْعُلَمَاءِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، يَعْلَمُونَ أَنَّ التَّوَجُّهَ نَحْوَ الْمَسْجِدِ الْحَقُّ الَّذِي فَرَضَهُ اللَّهُ عز وجل عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَذُرِّيَّتِهِ، وَسَائِرِ عِبَادِهِ بَعْدَهُ ” وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ: ﴿مِنْ رَبِّهِمْ﴾ [البقرة: ٥] أَنَّهُ الْفَرْضُ الْوَاجِبُ عَلَى عِبَادِ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ، وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِمْ فَرَضَهُ عَلَيْهِمْ
٢ / ٦٦٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ [البقرة: ٧٤] يَعْنِي بِذَلِكَ تبارك وتعالى: وَلَيْسَ اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ فِي اتَّبَاعِكُمُ أَمْرَهُ وَانْتَهَائِكُمْ إِلَى طَاعَتِهِ فِيمَا أَلَزَمَكُمْ مِنْ فَرَائِضِهِ وَإِيمَانِكُمْ بِهِ فِي صَلَاتِكُمْ نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ ثُمَّ صَلَاتِكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَلَا هُوَ سَاهٍ عَنْهُ، وَلَكِنَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ يُحْصِيَهُ لَكُمْ وَيَدَّخِرُهُ لَكُمْ عِنْدَهُ حَتَّى يُجَازِيَكُمْ بِهِ أَحْسَنَ جَزَاءٍ، وَيُثِيبُكُمْ عَلَيْهِ أَفْضَلَ ثَوَابٍ
٢ / ٦٦٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَّمِنَ الظَّالِمِينَ﴾ [البقرة: ١٤٥] يَعْنِي بِذَلِكَ تَبَارَكَ اسْمُهُ: وَلَئِنْ جِئْتَ يَا مُحَمَّدُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى بِكُلِّ بُرْهَانٍ، وَحُجَّةٍ وَهِيَ الْآيَةُ بِأَنَّ الْحَقَّ هُوَ مَا جِئْتَهُمْ بِهِ مِنْ فَرْضِ التَّحَوُّلِ مِنْ قِبْلَةِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ
٢ / ٦٦٦
فِي الصَّلَاةِ إِلَى قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، مَا صَدَّقُوا بِهِ وَلَا اتَّبَعُوا مَعَ قِيَامِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ قِبْلَتَكَ الَّتِي حَوَّلْتُكَ إِلَيْهَا وَهِيَ التَّوَجُّهُ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ. وَأُجِيبَتْ «لَئِنْ» بِالْمَاضِي مِنَ الْفِعْلِ وَحُكْمُهَا الْجَوَّابُ بِالْمُسْتَقْبَلِ تَشْبِيهًا لَهَا بِ «لَوْ» فَأُجِيبْتَ بِمَا تُجَابُ بِهِ لَوْ لِتَقَارُبِ مَعْنَيْيِهِمَا؛ وَقَدْ مَضَى الْبَيَانُ عَنْ نَظِيرِ ذَلِكَ فِيمَا مَضَى. وَأُجِيبَتْ «لَوْ» بِجَوَابِ الْأَيْمَانِ، وَلَا تَفْعَلُ الْعَرَبُ ذَلِكَ إِلَّا فِي الْجَزَاءِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ الْجَزَاءَ مُشَابِهِ الْيَمِينَ فِي أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا يَتِمُّ أَوَّلُهُ إِلَّا بِآخِرِهِ، وَلَا يَتِمُّ وَحْدَهُ، وَلَا يَصِحُّ إِلَّا بِمَا يُؤَكَّدُ بِهِ بَعْدَهُ، فَلَمَّا بَدَأَ بِالْيَمِينِ فَأُدْخِلَتْ عَلَى الْجَزَاءِ صَارَتِ اللَّامُ الْأُولَى بِمَنْزِلَةِ يَمِينٍ، وَالثَّانِيَةُ بِمَنْزِلَةِ جَوَابٍ لَهَا، كَمَا قِيلَ: لَعَمْرُكَ لَتَقُومَنَّ إِذْ كَثُرَتِ اللَّامُ مِنْ لَعَمْرُكَ ” حَتَّى صَارَتْ كَحَرْفٍ مِنْ حُرُوفِهِ، فَأُجِيبَ بِمَا يُجَابُ بِهِ الْأَيْمَانُ، إِذْ كَانَتِ اللَّامُ تَنُوبُ فِي الْأَيْمَانِ عَنِ الْأَيْمَانِ دُونَ سَائِرِ الْحُرُوفِ غَيْرِ الَّتِي هِيَ أَحَقُّ بِهِ الْأَيْمَانُ، فَتَدُلُّ عَلَى الْأَيْمَانِ، وَتَعْمَلُ عَمَلَ الْأَجْوِبَةِ، وَلَا تَدُلُّ سَائِرُ أَجْوِبَةِ الْأَيْمَانِ لَنَا عَلَى الْأَيْمَانِ؛ فَشُبِّهَتِ اللَّامُ الَّتِي فِي جَوَابِ الْأَيْمَانِ بِالْأَيْمَانِ لِمَا وَصَفْنَا، فَأُجِيبَتْ بِأَجْوِبَتِهَا. فَكَانَ مَعْنَى الْكَلَامِ إِذْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا وَصَفْنَا: «لَوْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قَبْلَتَكَ»
٢ / ٦٦٧
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ﴾ [البقرة: ١٤٥] يَقُولُ: وَمَا لَكَ مِنْ سَبِيلٍ يَا مُحَمَّدُ إِلَى ⦗٦٦٨⦘ اتِّبَاعِ قِبْلَتِهِمْ، وَذَلِكَ أَنَّ الْيَهُودَ تَسْتَقْبِلُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ بِصَلَاتِهَا، وَأَنَّ النَّصَارَى تَسْتَقْبِلُ الْمَشْرِقَ، فَأَنَّى يَكُونُ لَكَ السَّبِيلُ إِلَى اتِّبَاعِ قِبْلَتِهِمْ مَعَ اخْتِلَافِ وجُوهِهَا. يَقُولُ: فَالْزَمْ قِبْلَتَكَ الَّتِي أُمِرْتَ بِالتَّوَجُّهِ إِلَيْهَا، وَدَعْ عَنْكَ مَا تَقُولُهُ الْيَهُودُ، وَالنَّصَارَى وَتَدْعُوكَ إِلَيْهِ مِنْ قِبْلَتِهِمْ وَاسْتِقْبَالِهَا
٢ / ٦٦٧
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ﴾ [البقرة: ١٤٥] فَإِنَّهُ يَعْنِي بِقَوْلِهِ: وَمَا الْيَهُودُ بِتَابِعَةٍ قِبْلَةَ النَّصَارَى، وَلَا النَّصَارَى بِتَابِعَةٍ قِبْلَةَ الْيَهُودِ فَمُتَوَجِّهَةٌ نَحْوَهَا
٢ / ٦٦٨
كَمَا حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، ﴿وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعْ قِبْلَةٍ بَعْضٍ﴾ [البقرة: ١٤٥] «يَقُولُ:»مَا الْيَهُودُ بِتَابِعِي قِبْلَةِ النَّصَارَى، وَلَا النَّصَارَى بِتَابِعِي قِبْلَةَ الْيَهُودِ. قَالَ: وَإِنَّمَا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ مِنْ أَجْلِ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَمَّا حُوِّلَ إِلَى الْكَعْبَةِ، قَالَتِ الْيَهُودُ: إِنَّ مُحَمَّدًا اشْتَاقَ إِلَى بَلَدِ أَبِيهِ وَمَوْلِدِهِ، وَلَوْ ثَبَتَ عَلَى قِبْلَتِنَا لَكُنَّا نَرْجُو أَنْ يَكُونَ هُوَ صَاحِبَنَا الَّذِي نَنْتَظِرُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل فِيهِمْ: ﴿وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ﴾ [البقرة: ١٤٤] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: ١٤٦] ” حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ﴾ [البقرة: ١٤٥] مِثْلَ ذَلِكَ وَإِنَّمَا يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِذَلِكَ أَنَّ الْيَهُودَ، وَالنَّصَارَى لَا تَجْتَمِعُ عَلَى قِبْلَةٍ وَاحِدَةٍ مَعَ إِقَامَةِ كُلِّ حِزْبٍ مِنْهُمْ عَلَى مِلَّتِهِمْ، فَقَالَ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: يَا مُحَمَّدُ لَا تُشْعِرُ نَفْسَكَ رِضَا هَؤُلَاءِ الْيَهُودِ، وَالنَّصَارَى، فَإِنَّهُ أَمْرٌ لَا سَبِيلَ إِلَيْهِ؛ لِأَنَّهُمْ ⦗٦٦٩⦘ مَعَ اخْتِلَافِ مِلَلِهِمْ لَا سَبِيلَ لَكَ إِلَى إِرْضَاءِ كُلِّ حِزْبٍ مِنْهُمْ، مِنْ أَجْلِ أَنَّكَ إِنِ اتَّبَعْتَ قِبْلَةَ الْيَهُودِ أَسْخَطْتَ النَّصَارَى، وَإِنِ اتَّبَعْتَ قِبْلَةَ النَّصَارَى أَسْخَطْتَ الْيَهُودَ، فَدَعْ مَا لَا سَبِيلَ إِلَيْهِ، وَادْعُهُمْ إِلَى مَا لَهُمُ السَّبِيلُ إِلَيْهِ مِنَ الِاجْتِمَاعِ عَلَى مِلَّتِكَ الْحَنِيفِيَّةِ الْمُسْلِمَةِ، وَقِبْلَتِكَ قِبْلَةِ إِبْرَاهِيمَ، وَالْأَنْبِيَاءِ مِنْ بَعْدِهِ
٢ / ٦٦٨
الْقَوْلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَي: ﴿وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ﴾ [البقرة: ١٤٥] يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ﴾ [البقرة: ١٢٠] وَلَئِنِ الْتَمَسْتَ يَا مُحَمَّدُ رِضَا هَؤُلَاءِ الْيَهُودِ، وَالنَّصَارَى الَّذِينَ قَالُوا لَكَ وَلِأَصْحَابِكَ: ﴿كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا﴾ [البقرة: ١٣٥]، فَاتَّبَعْتَ قِبْلَتَهُمْ يَعْنِي فَرَجَعْتَ إِلَى قِبْلَتِهِمْ. ويعني بِقَوْلِهِ: ﴿مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ﴾ [البقرة: ١٤٥] مِنْ بَعْدِ مَا وَصَلَ إِلَيْكَ مِنَ الْعِلْمِ بِإِعْلَامِي إِيَّاكَ أَنَّهُمْ مُقِيمُونَ عَلَى بَاطِلٍ وَعَلَى عِنَادٍ مِنْهُمْ لِلْحَقِّ وَمَعْرِفَةٍ مِنْهُمْ أَنَّ الْقِبْلَةَ الَّتِي وَجَّهْتُكَ إِلَيْهَا هِيَ الْقِبْلَةُ الَّتِي فَرَضْتُ عَلَى أَبِيكَ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام، وَسَائِرِ وَلَدِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنَ الرُّسُلِ التَّوَجُّهَ نَحْوَهَا؛ ﴿إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ﴾ [البقرة: ١٤٥] يَعْنِي أَنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ مِنْ عِبَادِي الظَّلَمَةِ أَنْفُسَهُمُ الْمُخَالِفِينَ أَمْرِي، وَالتَّارِكِينَ طَاعَتِي، وَأَحَدُهُمْ، وَفِي عِدَادِهِمْ
٢ / ٦٦٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: ١٤٦]
٢ / ٦٦٩
يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ﴾ [البقرة: ١٤٦] أَحْبَارَ الْيَهُودِ، وَعُلَمَاءَ النَّصَارَى. يَقُولُ: يَعْرِفُ هَؤُلَاءِ الْأَحْبَارُ مِنَ الْيَهُودِ، وَالْعُلَمَاءِ مِنَ النَّصَارَى أَنَّ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِبْلَتُهُمْ، وَقِبْلَةُ إِبْرَاهِيمَ، وَقِبْلَةُ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلَكَ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ
٢ / ٦٧٠
كَمَا حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلِهِ: ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ﴾ [البقرة: ١٤٦] يَقُولُ: يَعْرِفُونَ أَنَّ الْبَيْتَ الْحَرَامَ هُوَ الْقِبْلَةُ “
٢ / ٦٧٠
حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، فِي قَوْلِ اللَّهِ عز وجل: ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ﴾ [البقرة: ١٤٦] يَعْنِي الْقِبْلَةَ “
٢ / ٦٧٠
حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارِ بْنِ الْحَسَنِ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، قَوْلِهِ: ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ﴾ [البقرة: ١٤٦] عَرَفُوا أَنَّ قِبْلَةَ الْبَيْتِ الْحَرَامِ هِيَ قِبْلَتُهُمُ الَّتِي أُمِرُوا بِهَا، كَمَا عَرَفُوا أَبْنَاءَهُمْ “
٢ / ٦٧٠
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلِهِ: ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ﴾ [البقرة: ١٤٦] يَعْنِي بِذَلِكَ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ “
٢ / ٦٧٠
حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ﴾ [البقرة: ١٤٦] يَعْرِفُونَ الْكَعْبَةَ مِنْ قِبْلَةِ الْأَنْبِيَاءِ، كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ “
٢ / ٦٧١
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ﴾ [البقرة: ١٤٦] قَالَ: الْيَهُودُ يَعْرِفُونَ أَنَّهَا هِيَ الْقِبْلَةُ مَكَّةَ “
٢ / ٦٧١
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ﴾ [البقرة: ١٤٦] قَالَ: الْقِبْلَةُ، وَالْبَيْتُ “
٢ / ٦٧١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: ١٤٦] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَإِنْ طَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَهُمُ الْيَهُودُ، وَالنَّصَارَى
٢ / ٦٧١
وَكَانَ مُجَاهِدٌ، يَقُولُ: “هُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو يَعْنِي الْبَاهِلِيَّ، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، بِذَلِكَ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، مِثْلَهُ حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي
٢ / ٦٧١
نَجِيحٍ، مِثْلَهُ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَقَوْلِهِ: ﴿لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ﴾ [البقرة: ١٤٦] وَذَلِكَ الْحَقُّ هُوَ الْقِبْلَةُ الَّتِي وَجَّهَ اللَّهُ عز وجل إِلَيْهَا نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا ﷺ، يَقُولُ: فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّتِي كَانَتِ الْأَنْبِيَاءُ مِنْ قَبْلِ مُحَمَّدٍ ﷺ يَتَوَجَّهُونَ إِلَيْهَا. فَكَتَمَتْهَا الْيَهُودُ، وَالنَّصَارَى، فَتَوَجَّهُ بَعْضُهُمْ شَرْقًا وَبَعْضُهُمْ نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَرَفَضُوا مَا أَمَرَهُمُ اللَّهُ بِهِ، وَكَتَمُوا مَعَ ذَلِكَ أَمْرَ مُحَمَّدٍ ﷺ، وَهُمْ يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ. فَأَطْلَعَ اللَّهُ عز وجل مُحَمَّدًا ﷺ وَأُمَّتَهُ عَلَى خِيَانَتِهِمُ اللَّهَ تبارك وتعالى، وَخِيَانَتِهِمْ عِبَادَهُ، وَكِتْمَانِهِمْ ذَلِكَ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُمْ يَفْعَلُونَ مَا يَفْعَلُونَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى عِلْمٍ مِنْهُمْ بِأَنَّ الْحَقَّ غَيْرُهُ، وَأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِمْ مِنَ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ خِلَافُهُ، فَقَالَ: لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّ لَيْسَ لَهُمْ كِتْمَانَهُ، فَيَتَعَمَّدُونَ مَعْصِيَةَ اللَّهِ تبارك وتعالى كَمَا
٢ / ٦٧٢
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: ﴿وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: ١٤٦] فَكَتَمُوا مُحَمَّدًا ﷺ “
٢ / ٦٧٢
حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: ١٤٦] قَالَ: «يَكْتُمُونَ مُحَمَّدًا ﷺ وَهُمْ يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ، وَالْإِنْجِيلِ»
٢ / ٦٧٢
حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ بْنُ الْحَجَّاجِ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، ﴿وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: ١٤٦] يَعْنِي الْقِبْلَةَ “
٢ / ٦٧٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿الْحَقُّ مِنْ رَبِّكِ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ﴾ [البقرة: ١٤٧] يَقُولُ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: اعْلَمْ يَا مُحَمَّدُ أَنَّ الْحَقَّ مَا أَعْلَمَكَ رَبُّكَ وَأَتَاكَ مِنْ عِنْدِهِ، لَا مَا يَقُولُ لَكَ الْيَهُودُ، وَالنَّصَارَى. وَهَذَا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ خَبَرٌ لِنَبِيِّهِ عليه الصلاة والسلام عَنْ أَنِّ الْقِبْلَةَ الَّتِي وَجَّهَهُ نَحْوَهَا هِيَ الْقِبْلَةُ الْحَقُّ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا إِبْرَاهِيمُ خَلِيلُ الرَّحْمَنِ، وَمِنْ بَعْدَهُ مِنْ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ عز وجل. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لَهُ: فَاعْمَلْ بِالْحَقِّ الَّذِي أَتَاكَ مِنْ رَبِّكَ يَا مُحَمَّدُ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ، يَعْنِي بِقَوْلِهِ ﴿فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ﴾ [البقرة: ١٤٧] أَيْ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِّينَ فِي أَنَّ الْقِبْلَةَ الَّتِي وَجَّهْتُكَ نَحْوَهَا قِبْلَةُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِي عليه السلام وَقِبْلَةَ الْأَنْبِيَاءِ غَيْرَهُ
٢ / ٦٧٣
كَمَا حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، قَالَ: “قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ عليه الصلاة والسلام: ﴿الْحَقُّ مِنْ رَبِّكِ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ﴾ [البقرة: ١٤٧] يَقُولُ: «لَا تَكُنْ فِي شَكٍّ أَنَّهَا قِبْلَتُكَ، وَقِبْلَةُ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِكَ»
٢ / ٦٧٣
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، «﴿فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ﴾ [البقرة: ١٤٧] قَالَ: مِنَ الشَّاكِّينَ؛ قَالَ: لَا تَشُكَّنَّ فِي ذَلِكَ» وَالْمُمْتَرِي: مُفْتَعِلُ مِنَ الْمَرَيَّةِ، وَالْمَرِيَّةُ: هِيَ الشَّكُّ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْأَعْشَى:
[البحر المتقارب] ⦗٦٧٤⦘ تَدُرُّ عَلَى أَسْؤُقِ الْمُمْتَرِينَ … رَكْضًا إِذَا مَا السَّرَابُ ارْجَحَنَّ
فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِلٌ: أَوَكَانَ النَّبِيُّ ﷺ شَاكًّا فِي أَنَّ الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِ، أَوْ فِي أَنَّ الْقِبْلَةَ الَّتِي وَجَّهَهُ اللَّهُ إِلَيْهَا حَقٌّ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ حَتَّى نُهِيَ عَنِ الشَّكِّ فِي ذَلِكَ فَقِيلَ لَهُ: ﴿فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ﴾ [البقرة: ١٤٧] قِيلَ: ذَلِكَ مِنَ الْكَلَامِ الَّذِي تُخْرِجُهُ الْعَرَبُ مَخْرَجَ الْأَمْرِ أَوِ النَّهْيِ لِلْمُخَاطَبِ بِهِ، وَالْمُرَادُ بِهِ غَيْرُهُ، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ﴾ [الأحزاب: ١] ثُمَّ قَالَ: ﴿وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا﴾ [الأحزاب: ٢] فَخَرَجَ الْكَلَامُ مَخْرَجَ الْأَمْرِ لِلنَّبِيِّ ﷺ وَالنَّهْيِ لَهُ، وَالْمُرَادُ بِهِ أَصْحَابُهُ الْمُؤْمِنُونَ بِهِ. وَقَدْ بَيَّنَّا نَظِيرَ ذَلِكَ فِيمَا مَضَى قَبْلُ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ
[البحر المتقارب] ⦗٦٧٤⦘ تَدُرُّ عَلَى أَسْؤُقِ الْمُمْتَرِينَ … رَكْضًا إِذَا مَا السَّرَابُ ارْجَحَنَّ
فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِلٌ: أَوَكَانَ النَّبِيُّ ﷺ شَاكًّا فِي أَنَّ الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِ، أَوْ فِي أَنَّ الْقِبْلَةَ الَّتِي وَجَّهَهُ اللَّهُ إِلَيْهَا حَقٌّ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ حَتَّى نُهِيَ عَنِ الشَّكِّ فِي ذَلِكَ فَقِيلَ لَهُ: ﴿فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ﴾ [البقرة: ١٤٧] قِيلَ: ذَلِكَ مِنَ الْكَلَامِ الَّذِي تُخْرِجُهُ الْعَرَبُ مَخْرَجَ الْأَمْرِ أَوِ النَّهْيِ لِلْمُخَاطَبِ بِهِ، وَالْمُرَادُ بِهِ غَيْرُهُ، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ﴾ [الأحزاب: ١] ثُمَّ قَالَ: ﴿وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا﴾ [الأحزاب: ٢] فَخَرَجَ الْكَلَامُ مَخْرَجَ الْأَمْرِ لِلنَّبِيِّ ﷺ وَالنَّهْيِ لَهُ، وَالْمُرَادُ بِهِ أَصْحَابُهُ الْمُؤْمِنُونَ بِهِ. وَقَدْ بَيَّنَّا نَظِيرَ ذَلِكَ فِيمَا مَضَى قَبْلُ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ
٢ / ٦٧٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [البقرة: ١٤٨]
٢ / ٦٧٤
يَعْنِي بِقَوْلِهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَلِكُلٍّ﴾ [البقرة: ١٤٨] وَلِكُلِّ أَهْلِ مِلَّةٍ، فَحَذَفَ أَهْلَ الْمِلَّةِ وَاكْتَفَى بِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ
٢ / ٦٧٤
كَمَا حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى، ⦗٦٧٥⦘ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ عز وجل: ﴿وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ﴾ [البقرة: ١٤٨] قَالَ: لِكُلِّ صَاحِبِ مِلَّةٍ “
٢ / ٦٧٤
حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، ﴿وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا﴾ [البقرة: ١٤٨] فَلِلْيَهُودِ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا وَلِلنَّصَارَى وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا، وَهَدَاكُمُ اللَّهُ عز وجل أَنْتُمْ أَيَّتُهَا الْأُمَّةُ لِلْقِبْلَةِ الَّتِي هِيَ قِبْلَتُهُ “
٢ / ٦٧٥
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا﴾ [البقرة: ١٤٨] قَالَ: لِكُلِّ أَهْلِ دَيْنٍ الْيَهُودِ، وَالنَّصَارَى ” قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ. قَالَ مُجَاهِدٌ: «لِكُلِّ صَاحِبِ مِلَّةٍ»
٢ / ٦٧٥
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا﴾ [البقرة: ١٤٨] قَالَ لِلْيَهُودِ قِبْلَةٌ، وَلِلنَّصَارَى قِبْلَةٌ، وَلَكُمْ قِبْلَةٌ. يُرِيدُ الْمُسْلِمِينَ “
٢ / ٦٧٥
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلِهِ: «﴿وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا﴾ [البقرة: ١٤٨] يَعْنِي بِذَلِكَ أَهْلَ الْأَدْيَانِ، يَقُولُ: لِكُلٍّ قِبْلَةٌ يَرْضَوْنَهَا، وَوَجْهُ اللَّهِ تبارك وتعالى اسْمُهُ حَيْثُ تَوَجَّهَ الْمُؤْمِنُونَ؛ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ قَالَ ⦗٦٧٦⦘: ﴿فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: ١١٥]»
٢ / ٦٧٥
حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، «﴿وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا﴾ [البقرة: ١٤٨] يَقُولُ: لِكُلِّ قَوْمٍ قِبْلَةٌ قَدْ وُلُّوهَا» فَتَأْوِيلُ أَهْلِ هَذِهِ الْمَقَالَةِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: وَلِكُلِّ أَهْلِ مِلَّةٍ قِبْلَةٌ هُوَ مُسْتَقْبِلُهَا وَمُوَلٍّ وَجْهُهُ إِلَيْهَا. وَقَالَ آخَرُونَ بِمَا
٢ / ٦٧٦
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا﴾ [البقرة: ١٤٨] قَالَ: هِيَ صَلَاتُهُمْ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَصَلَاتُهُمْ إِلَى الْكَعْبَةِ ” وَتَأْوِيلُ قَائِلِ هَذِهِ الْمَقَالَةِ: وَلِكُلِّ نَاحِيَةٍ وَجَّهَكَ إِلَيْهَا رَبُّكَ يَا مُحَمَّدُ قِبْلَةُ اللَّهِ عز وجل مُوَلِّيهَا عِبَادَهُ. وَأَمَّا الْوِجْهَةُ فَإِنَّهَا مَصْدَرٌ مِثْلَ الْقَعْدَةِ وَالْمَشْيَةِ مِنَ التَّوَجُّهِ، وَتَأْوِيلُهَا: مُتَوَجِّهٌ يَتَوَجَّهُ إِلَيْهَا بِوَجْهِهِ فِي صَلَاتِهِ
٢ / ٦٧٦
كَمَا حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، ⦗٦٧٧⦘ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «وِجْهَةٌ: قِبْلَةٌ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
٢ / ٦٧٦
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، «﴿وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ﴾ [البقرة: ١٤٨] قَالَ: وَجْهٌ»
٢ / ٦٧٧
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ «وِجْهَةٌ: قِبْلَةٌ»
٢ / ٦٧٧
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، قَالَ: قُلْتُ لِمَنْصُورٍ، ﴿وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا﴾ [البقرة: ١٤٨] قَالَ: نَحْنُ نَقْرَؤُهَا: وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا قِبْلَةً يَرْضَوْنَهَا “
٢ / ٦٧٧
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿هُوَ مُوَلِّيهَا﴾ [البقرة: ١٤٨] فَإِنَّهُ يَعْنِي: هُوَ مُوَلٍّ وَجْهَهُ إِلَيْهَا مُسْتَقْبِلُهَا
٢ / ٦٧٧
كَمَا حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «﴿هُوَ مُوَلِّيهَا﴾ [البقرة: ١٤٨] قَالَ: هُوَ مُسْتَقْبِلُهَا» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ وَمَعْنَى التَّوْلِيَةِ هَا هُنَا الْإِقْبَالُ، كَمَا يَقُولُ الْقَائِلُ لِغَيْرِهِ: انْصَرَفَ إِلَيَّ، بِمَعْنَى أَقْبَلَ إِلَيَّ، وَالِانْصِرَافُ الْمُسْتَعْمَلُ إِنَّمَا هُوَ الِانْصِرَافُ عَنِ الشَّيْءِ، ثُمَّ يُقَالَ: انْصَرَفَ إِلَى الشَّيْءِ بِمَعْنَى أَقْبَلَ إِلَيْهِ مُنْصَرِفًا عَنْ غَيْرِهِ. وَكَذَلِكَ يُقَالَ: وَلَّيْتُ عَنْهُ: إِذَا
٢ / ٦٧٧
أَدْبَرْتَ عَنْهُ، ثُمَّ يُقَالَ: وَلَّيْتُ إِلَيْهِ بِمَعْنَى أَقْبَلْتُ إِلَيْهِ مُوَلِّيًا عَنْ غَيْرِهِ. وَالْفِعْلُ، أَعِنِّي التَّوْلِيَةَ فِي قَوْلِهِ: ﴿هُوَ مُوَلِّيهَا﴾ [البقرة: ١٤٨] لِلْكُلِّ «وَ» هُوَ «الَّتِي مَعَ» مُوَلِّيهَا «هُوَ» الْكَلُّ «وَحُدَّتْ لِلْفَظِ» الْكُلِّ». فَمَعْنَى الْكَلَامِ إِذًا: وَلِكُلِّ أَهْلِ مِلَّةٍ وِجْهَةٌ، الْكُلُّ مِنْهُمْ مُوَلُّوهَا وُجُوهَهُمْ. وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ أَنَّهُمْ قَرَءُوا: «هُوَ مُوَلَّاهَا» بِمَعْنَى أَنَّهُ مُوَجَّهٌ نَحْوَهَا وَيَكُونُ الْكَلَامُ حِينَئِذٍ غَيْرُ مُسَمًّى فَاعِلُهُ، وَلَوْ سُمِّيَ فَاعِلُهُ لَكَانَ الْكَلَامُ: وَلِكُلِّ ذِي مِلَّةٍ وِجْهَةٌ اللَّهُ مُوَلِّيِهِ إِيَّاهَا، بِمَعْنَى مُوَجِّهُهُ إِلَيْهَا. وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ بَعْضُهُمِ أَنَّهُ قَرَأَ ذَلِكَ: «وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ» بِتَرْكِ التَّنْوِينِ وَالْإِضَافَةِ. وَذَلِكَ لَحْنٌ، وَلَا تَجُوزُ الْقِرَاءَةُ بِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إِذَا قُرِئَ كَذَلِكَ كَانَ الْخَبَرُ غَيْرَ تَامٍّ، وَكَانَ كَلَامًا لَا مَعْنَى لَهُ، وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ مِنَ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ.
٢ / ٦٧٨
وَالصَّوَابُ عِنْدَنَا مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي ذَلِكَ: ﴿وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا﴾ [البقرة: ١٤٨] بِمَعْنَى: وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ وَقِبْلَةٌ ذَلِكَ الْكَلُّ مُوَلٍّ وَجْهَهُ نَحْوَهَا، لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَى قِرَاءَةِ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَتَصْوِيبِهَا إِيَّاهَا، وَشُذُوذِ مَنْ خَالَفَ ذَلِكَ إِلَى غَيْرِهِ. وَمَا جَاءَ بِهِ النَّقْلُ مُسْتَفِيضًا فَحُجَّةٌ، وَمَا انْفَرَدَ بِهِ مَنْ كَانَ جَائِزًا عَلَيْهِ السَّهْوُ وَالْخَطَأُ فَغَيْرُ جَائِزِ الِاعْتِرَاضِ بِهِ عَلَى الْحُجَّةِ
٢ / ٦٧٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ﴾ [البقرة: ١٤٨] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿فَاسْتَبِقُوا﴾ [البقرة: ١٤٨] فَبَادِرُوا وَسَارِعُوا مِنَ «الِاسْتِبَاقِ»، وَهُوَ الْمُبَادَرَةُ وَالْإِسْرَاعِ
٢ / ٦٧٩
كَمَا حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، قَوْلِهِ: ﴿فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ﴾ [البقرة: ١٤٨] يَعْنِي فَسَارِعُوا فِي الْخَيْرَاتِ ” وَإِنَّمَا يَعْنِي بِقَوْلِهِ: ﴿فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ﴾ [البقرة: ١٤٨] أَيْ قَدْ بَيَّنْتُ لَكُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْحَقَّ وَهَدَيْتُكُمُ لِلْقِبْلَةِ الَّتِي ضَلَّتْ عَنْهَا الْيَهُودُ، وَالنَّصَارَى وَسَائِرُ أَهْلِ الْمِلَلِ غَيْرُكُمْ، فَبَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ شُكْرًا لِرَبِّكُمْ، وَتَزَوَّدُوا فِي دُنْيَاكُمْ لِأُخَرَاكُمْ، فَإِنِّي قَدْ بَيَّنْتُ لَكُمْ سَبِيلَ النَّجَاةِ فَلَا عُذْرَ لَكُمْ فِي التَّفْرِيطِ، وَحَافِظُوا عَلَى قِبْلَتِكُمْ، وَلَا تُضَيِّعُوهَا كَمَا ضَيَّعَهَا الْأُمَمُ قَبْلَكُمْ فَتَضِلُّوا كَمَا ضَلَّتْ
٢ / ٦٧٩
كَالَّذِي حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ﴾ [البقرة: ١٤٨] يَقُولُ: لَا تُغْلَبُنَّ عَلَى قِبْلَتِكُمْ “
٢ / ٦٨٠
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ «﴿فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ﴾ [البقرة: ١٤٨] قَالَ: الْأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ»
٢ / ٦٨٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَيْنَمَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ وَمَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿أَيْنَمَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا﴾ فِي أَيِّ مَكَانٍ وَبُقْعَةٍ تَهْلَكُونَ فِيهِ يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴿إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [البقرة: ٢٠]
٢ / ٦٨٠
كَمَا حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارِ بْنِ الْحَسَنِ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ: ﴿أَيْنَمَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا﴾ ” يَقُولُ: «أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ»
٢ / ٦٨٠
حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، ﴿أَيْنَمَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا﴾ يَعْنِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ «وَإِنَّمَا حَضَّ اللَّهُ عز وجل الْمُؤْمِنِينَ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى طَاعَتِهِ وَالتَّزَوُّدِ فِي الدُّنْيَا لِلْآخِرَةِ، فَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَهُمْ:»اسْتَبِقُوا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ إِلَى الْعَمَلِ بِطَاعَةِ رَبِّكُمْ، وَلُزُومِ مَا هَدَاكُمْ لَهُ مِنْ قِبْلَةِ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِهِ وَشَرَائِعِ دِينِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ يَأْتِي بِكُمْ وَبِمَنْ خَالَفَ قَبْلَكُمْ وَدِينَكُمْ
٢ / ٦٨٠
وَشَرِيعَتَكُمْ جَمِيعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ حَيْثِ كُنْتُمْ مِنْ بِقَاعِ الْأَرْضِ، حَتَّى يُوَفَّى الْمُحْسِنُ مِنْكُمْ جَزَاءَهُ بِإِحْسَانِهِ، وَالْمُسِيءُ عِقَابَهُ بِإِسَاءَتِهِ، أَوْ يَتَفَضَّلُ فَيُصْفِحُ وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [البقرة: ١٤٨] فَإِنَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ يَعْنِي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَلَى جَمْعِكُمْ بَعْدَ مَمَاتِكُمْ مِنْ قُبُورِكُمْ مِنْ حَيْثُ كُنْتُمْ وَعَلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَشَاءُ قَدِيرٌ، فَبَادِرُوا خُرُوجَ أَنْفُسِكُمْ بِالصَّالِحَاتِ مِنَ الْأَعْمَالِ قَبْلَ مَمَاتِكُمْ لِيَوْمِ بَعْثِكُمْ وَحَشْرِكُمْ
٢ / ٦٨١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللًّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ [البقرة: ١٤٩]
٢ / ٦٨١
يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ﴾ [البقرة: ١٤٩] وَمَنْ أَيِّ مَوْضِعٍ خَرَجْتَ إِلَى أَيِّ مَوْضِعٍ وُجِّهْتَ فَوَلِّ يَا مُحَمَّدُ وَجْهَكَ يَقُولُ: حَوِّلْ وَجْهَكَ. وَقَدْ دَلْلَنَا عَلَى أَنَّ التَّوْلِيَةَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، إِنَّمَا هِيَ الْإِقْبَالُ بِالْوَجْهِ نَحْوَهُ؛ وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الشَّطْرِ فِيمَا مَضَى
٢ / ٦٨١
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ﴾ [البقرة: ١٤٩] فَإِنَّهُ يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَإِنَّ التَّوَجُّهَ شَطْرَهُ لِلْحَقِّ ” الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ مِنْ عِنْدِ رَبِّكَ، فَحَافِظُوا عَلَيْهِ، وَأَطِيعُوا اللَّهَ فِي تَوَجُّهِكُمْ قِبَلَهُ
٢ / ٦٨١
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ [البقرة: ٧٤] فَإِنَّهُ يَقُولُ: فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ لَيْسَ بِسَاهٍ عَنْ أَعْمَالِكُمْ وَلَا بِغَافِلٍ عَنْهَا، وَلَكِنَّهُ مُحْصِيهَا لَكُمْ حَتَّى يُجَازِيَكُمْ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ
٢ / ٦٨٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ [البقرة: ١٥٠]
٢ / ٦٨٢
يَعْنِي بِقَوْلِهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ [البقرة: ١٤٩] مِنْ أَيِّ مَكَانٍ وَبُقْعَةٍ شَخَصْتَ فَخَرَجْتَ يَا مُحَمَّدُ، فَوَلِّ وَجْهَكَ تِلْقَاءَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ؛ وَهُوَ شَطْرَهُ
٢ / ٦٨٢
وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ: ﴿وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ﴾ [البقرة: ١٤٤] وَأَيْنَمَا كُنْتُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ مِنْ أَرْضِ اللَّهِ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ فِي صَلَاتِكُمْ تِجَاهَهُ وَقِبَلَهُ وَقَصْدَهُ
٢ / ٦٨٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي﴾ [البقرة: ١٥٠] فَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلَ: عَنَى اللَّهُ تَعَالَى بِالنَّاسِ فِي قَوْلِهِ: ﴿لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ﴾ [البقرة: ١٥٠] أَهْلِ الْكِتَابِ
٢ / ٦٨٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلِهِ ﴿لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ﴾ [البقرة: ١٥٠] يَعْنِي بِذَلِكَ أَهْلَ الْكِتَابِ، قَالُوا حِينَ صُرِفَ نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ إِلَى الْكَعْبَةِ الْبَيْتِ الْحَرَامِ: اشْتَاقَ الرَّجُلُ إِلَى بَيْتِ أَبِيهِ وَدِينِ قَوْمِهِ “
٢ / ٦٨٢
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، فِي قَوْلِهِ ﴿لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ﴾ [البقرة: ١٥٠] «يَعْنِي بِذَلِكَ أَهْلَ الْكِتَابِ، قَالُوا حِينَ صُرِفَ نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ إِلَى الْكَعْبَةِ اشْتَاقَ الرَّجُلُ إِلَى بَيْتِ أَبِيهِ وَدِينِ قَوْمِهِ» فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَأَيَّةُ حُجَّةٍ كَانَتْ لِأَهْلِ الْكِتَابِ بِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَأَصْحَابِهِ نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَأَصْحَابِهِ؟ قِيلَ: قَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا مَضَى مَا رُوِيَ فِي ذَلِكَ، قِيلَ إِنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ: مَا دَرَى مُحَمَّدٌ وَأَصْحَابُهُ أَيْنَ قِبْلَتُهُمْ حَتَّى هَدَيْنَاهُمْ نَحْنُ، وَقَوْلُهُمْ: يُخَالِفُنَا مُحَمَّدٌ فِي دِينِنَا وَيَتَّبِعُ قِبْلَتَنَا فَهِيَ الْحُجَّةُ الَّتِي كَانُوا يَحْتَجُّونَ بِهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَأَصْحَابِهِ عَلَى وَجْهِ الْخُصُومَةِ مِنْهُمْ لَهُمْ وَالتَّمْوِيهِ مِنْهُمْ بِهَا عَلَى الْجُهَّالِ وَأَهْلِ الْعِنَادِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ. وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى أَنَّ مَعْنَى حِجَاجِ الْقَوْمِ إِيَّاهُ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ فِي كِتَابِهِ إِنَّمَا هِيَ الْخُصُومَاتُ وَالْجِدَالُ، فَقَطَعَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ذَلِكَ مِنْ حُجَّتِهِمْ وَحَسْمِهِ بِتَحْوِيلِ قِبْلَةِ نَبِيِّهِ ﷺ وَالْمُؤْمِنِينَ بِهِ مِنْ قِبْلَةِ الْيَهُودِ إِلَى قِبْلَةِ خَلِيلِهِ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام، وَذَلِكَ هُوَ مَعْنَى قَوْلِ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ﴾ [البقرة: ١٥٠] يَعْنِي بِالنَّاسِ: الَّذِينَ كَانُوا يَحْتَجُّونَ عَلَيْهِمْ بِمَا وَصَفْتُ
٢ / ٦٨٣
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ﴾ [البقرة: ١٥٠] فَإِنَّهُمْ مُشْرِكُو الْعَرَبِ مِنْ قُرَيْشٍ فِيمَا تَأَوَّلَهُ أَهْلُ التَّأْوِيلِ. ⦗٦٨٤⦘ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
٢ / ٦٨٣
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ﴿إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ﴾ [البقرة: ١٥٠] قَوْمُ مُحَمَّدٍ ﷺ “
٢ / ٦٨٤
حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ «هُمُ الْمُشْرِكُونَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ»
٢ / ٦٨٤
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، ﴿إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ﴾ [البقرة: ١٥٠] يَعْنِي مُشْرِكِي قُرَيْشٍ “
٢ / ٦٨٤
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، وَابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ «﴿إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ﴾ [البقرة: ١٥٠] قَالَ: هُمْ مُشْرِكُو الْعَرَبِ»
٢ / ٦٨٤
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلِهِ «﴿إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ﴾ [البقرة: ١٥٠] وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مُشْرِكُو قُرَيْشٍ»
٢ / ٦٨٤
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ عَطَاءٌ، «هُمْ مُشْرِكُو قُرَيْشٍ» قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَأَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَثِيرٍ، أَنَّهُ سَمِعَ مُجَاهِدًا يَقُولُ مِثْلَ قَوْلِ عَطَاءٍ
٢ / ٦٨٤
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَأَيَّةُ حُجَّةٍ كَانَتْ لِمُشْرِكِي قُرَيْشٍ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَأَصْحَابِهِ فِي تَوَجُّهِهِمْ فِي صَلَاتِهِمْ إِلَى الْكَعْبَةِ؟ وَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِلْمُشْرِكِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حُجَّةٌ فِيمَا أَمَرَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ بِهِ أَوْ نَهَاهُمْ عَنْهُ؟ قِيلَ: إِنَّ مَعْنَى ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا تَوَهَّمْتُ وَذَهَبْتُ إِلَيْهِ، وَإِنَّمَا الْحُجَّةُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ الْخُصُومَةُ وَالْجِدَالُ. وَمَعْنَى الْكَلَامِ: لِئَلَّا يَكُونَ لِأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ عَلَيْكُمْ خُصُومَةٌ وَدَعْوَى بَاطِلَةٌ غَيْرَ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ، فَإِنَّ لَهُمْ عَلَيْكُمْ دَعْوَى بَاطِلَةً وَخُصُومَةً بِغَيْرِ حَقٍّ بِقِيلِهِمْ لَكُمْ: رَجَعَ مُحَمَّدٌ إِلَى قِبْلَتِنَا وَسَيَرْجُعُ إِلَى دِينِنَا. فَذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ، وَأَمَانِيهِمُ الْبَاطِلَةُ هِيَ الْحُجَّةُ الَّتِي كَانَتْ لِقُرَيْشٍ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَأَصْحَابِهِ؛ وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ اسْتَثْنَى اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ قُرَيْشٍ مِنْ سَائِرِ النَّاسِ غَيْرِهِمْ، إِذْ نَفَى أَنْ يَكُونَ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ فِي قِبْلَتِهِمُ الَّتِي وَجَّهَهُمْ إِلَيْهَا حُجَّةٌ وَبِمِثْلِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢ / ٦٨٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ ﴿لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ﴾ [البقرة: ١٥٠] قَوْمُ مُحَمَّدٍ ﷺ «، قَالَ مُجَاهِدٌ، يَقُولُ» حُجَّتُهُمْ قَوْلُهُمْ: قَدْ رَاجَعْتَ قِبْلَتَنَا» ⦗٦٨٦⦘ حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ؛ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ قَوْلَهُمْ: قَدْ رَجَعْتَ إِلَى قِبْلَتِنَا “
٢ / ٦٨٥
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: ثنا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، وَابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ﴾ [البقرة: ١٥٠] قَالَا «هُمْ مُشْرِكُو الْعَرَبِ، قَالُوا حِينَ صُرِفَتِ الْقِبْلَةُ إِلَى الْكَعْبَةِ: قَدْ رَجَعَ إِلَى قِبْلَتِكُمْ فَيُوشِكُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى دِينِكُمْ. قَالَ اللَّهُ عز وجل: ﴿فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي﴾ [البقرة: ١٥٠]»
٢ / ٦٨٦
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلِهِ ﴿إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ﴾ [البقرة: ١٥٠] وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مُشْرِكُو قُرَيْشٍ، يَقُولُ: إِنَّهُمْ سَيَحْتَجُّونَ عَلَيْكُمْ بِذَلِكَ فَكَانَتْ حُجَّتُهُمْ عَلَى نَبِيِّ اللَّهِ ﷺ بِانْصِرَافِهِ إِلَى الْبَيْتِ الْحَرَامِ أَنَّهُمْ قَالُوا: سَيَرْجِعُ إِلَى دِينِنَا كَمَا رَجَعَ إِلَى قِبْلَتِنَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ ” حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، مِثْلَهُ
٢ / ٦٨٦
حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، فِيمَا ⦗٦٨٧⦘ يَذْكُرُ عَنْ أَبِي مَالِكٍ، وَعَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَنْ مُرَّةَ الْهَمْدَانِيِّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَعَنْ نَاسٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ، ﷺ قَالُوا «لَمَّا صُرِفَ نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ نَحْوَ الْكَعْبَةِ بَعْدَ صَلَاتِهِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ قَالَ الْمُشْرِكُونَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ: تَحَيَّرَ عَلَى مُحَمَّدٍ دِينُهُ، فَتَوَجَّهَ بِقِبْلَتِهِ إِلَيْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ أَهْدَى مِنْهُ سَبِيلًا، وَيُوشِكُ أَنْ يَدْخُلَ فِي دِينِكُمْ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِيهِمْ: ﴿لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي﴾ [البقرة: ١٥٠]»
٢ / ٦٨٦
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ، قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ، قَوْلِهِ ﴿لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ﴾ [البقرة: ١٥٠] «قَالَ:»قَالَتْ قُرَيْشٌ لَمَّا رَجَعَ إِلَى الْكَعْبَةِ وَأُمِرَ بِهَا: مَا كَانَ يَسْتَغْنِي عَنَّا قَدِ اسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا. فَهِيَ حُجَّتُهُمْ، وَهُمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا “
٢ / ٦٨٧
قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، وَأَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَثِيرٍ، أَنَّهُ سَمِعَ مُجَاهِدًا، يَقُولُ مِثْلَ قَوْلِ عَطَاءٍ، فَقَالَ مُجَاهِدٌ، «حُجَّتُهُمْ: قَوْلُهُمْ رَجَعْتَ إِلَى قِبْلَتِنَا» فَقَدْ أَبَانَ تَأْوِيلُ مَنْ ذَكَرْنَا تَأْوِيلَهُ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ قَوْلَهُ: ﴿إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ﴾ [البقرة: ١٥٠] عَنْ صِحَّةِ مَا قُلْنَا فِي تَأْوِيلِهِ، وَأَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ عَلَى مَعْنَى الِاسْتِثْنَاءِ الْمَعْرُوفِ الَّذِي يَثْبُتُ فِيهِمْ لِمَا بَعْدَ حَرْفِ الِاسْتِثْنَاءِ مَا كَانَ مَنْفِيًّا عَمَّا قَبْلَهُمْ، كَمَا أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ: مَا سَارَ مِنَ النَّاسِ أَحَدٌ إِلَّا أَخُوكَ ” إِثْبَاتٌ لِلْأَخِ مِنَ السَّيْرِ مَا هُوَ ⦗٦٨٨⦘ مَنْفِيٌّ عَنْ كُلِّ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ، فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ﴾ [البقرة: ١٥٠] نَفْيٌ عَنْ أَنْ يَكُونَ لِأَحَدٍ خُصُومَةٌ وَجَدَلٌ قَبْلَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَدَعْوَى بَاطِلَةٌ عَلَيْهِ وَعَلَى أَصْحَابِهِ بِسَبَبِ تَوَجُّهِهِمْ فِي صَلَاتِهِمْ قِبَلَ الْكَعْبَةِ، إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ، فَإِنَّ لَهُمْ قَبْلَهُمْ خُصُومَةً وَدَعْوَى بَاطِلَةً بِأَنْ يَقُولُوا: إِنَّمَا تَوَجُّهْتُمْ إِلَيْنَا وَإِلَى قِبْلَتِنَا؛ لِأَنَّا كُنَّا أَهْدَى مِنْكُمْ سَبِيلًا، وَأَنَّكُمْ كُنْتُمْ بِتَوَجُّهِكُمْ نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ عَلَى ضَلَالٍ وَبَاطِلٍ. وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ مَعْنَى الْآيَةِ بِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ، فَبَيَّنَ خَطَأَ قَوْلِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ﴾ [البقرة: ١٥٠] وَلَا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ، وَأَنَّ «إِلَّا» بِمَعْنَى الْوَاوِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ مَعْنَاهُ لَكَانَ النَّفْي الْأَوَّلُ عَنْ جَمِيعِ النَّاسِ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ حُجَّةٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَأَصْحَابِهِ فِي تَحَوُّلِهِمْ نَحْوَ الْكَعْبَةِ بِوُجُوهِهِمْ مُبَيِّنًا عَنِ الْمَعْنَى الْمُرَادِ، وَلَمْ يَكُنْ فِي ذِكْرِ قَوْلِهِ بَعْدَ ذَلِكَ: ﴿إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ﴾ [البقرة: ١٥٠] إِلَّا التَّلْبِيسَ الَّذِي يَتَعَالَى عَنْ أَنْ يُضَافَ إِلَيْهِ، أَوْ يُوصَفَ بِهِ. هَذَا مَعَ خُرُوجِ مَعْنَى الْكَلَامِ إِذَا وَجَّهْتَ «إِلَّا» إِلَى مَعْنَى الْوَاوِ، وَمَعْنَى الْعَطْفِ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ غَيْرُ مَوْجُودَةٍ إِلَّا فِي شَيْءٍ مِنْ كَلَامِهَا بِمَعْنَى الْوَاوِ إِلَّا مَعَ اسْتِثْنَاءٍ سَابِقٍ قَدْ تَقَدَّمَهَا، كَقَوْلِ الْقَائِلِ: سَارَ الْقَوْمُ إِلَّا عَمْرًا إِلَّا أَخَاكَ، بِمَعْنَى: إِلَّا عَمْرًا وَأَخَاكَ، فَتَكُونُ «إِلَّا» حِينَئِذٍ مُؤَدِّيةً عَمَّا تُؤَدِّي عَنْهُ الْوَاوُ لِتَعَلُّقِ «إِلَّا» ⦗٦٨٩⦘ الثَّانِيَةِ بِـ «إِلَّا» الْأُولَى، وَيُجْمَعُ فِيهَا أَيْضًا بَيْنَ «إِلَّا» وَالْوَاوِ، فَيُقَالُ: سَارَ الْقَوْمُ إِلَّا عَمْرًا وَإِلَّا أَخَاكَ، فَتُحْذَفُ إِحْدَاهُمَا فَتَنُوبُ الْأُخْرَى عَنْهَا، فَيُقَالُ: سَارَ الْقَوْمُ إِلَّا عَمْرًا وَأَخَاكَ، أَوْ إِلَّا عَمْرًا إِلَّا أَخَاكَ، لِمَا وَصَفْنَا قَبْلُ. وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَغَيْرُ جَائِزٍ لِمُدَّعٍ مِنَ النَّاسِ أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّ «إِلَّا» فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بِمَعْنَى الْوَاوِ الَّتِي تَأْتِي بِمَعْنَى الْعَطْفِ. وَوَاضِحٌ فَسَادُ قَوْلِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ: إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَإِنَّهُمْ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ، كَقَوْلِ الْقَائِلِ فِي كَلَامِهِ: النَّاسُ كُلُّهُمْ لَكَ حَامِدُونَ إِلَّا الظَّالِمَ الْمُعْتَدِيَ عَلَيْكَ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُعْتَدُّ بِعَدَاوَتِهِ وَلَا بِتَرْكِهِ الْحَمْدَ لِمَوْضِعِ الْعَدَاوَةِ. وَكَذَلِكَ الظَّالِمُ لَا حَجَّةَ لَهُ، وَقَدْ سُمِّيَ ظَالِمًا؛ لِإِجْمَاعِ جَمِيعِ أَهْلِ التَّأْوِيلِ عَلَى تَخْطِئَةِ مَا ادَّعَى مِنَ التَّأْوِيلِ فِي ذَلِكَ. وَكَفَى شَاهِدًا عَلَى خَطَأِ مَقَالَتِهِ إِجْمَاعُهُمْ عَلَى تَخْطِئَتِهَا. وَظَاهِرٌ بُطْلَانُ قَوْلِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا هَا هُنَا نَاسٌ مِنَ الْعَرَبِ كَانُوا يَهُودًا، وَنَصَارَى، فَكَانُوا يَحْتَجُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَأَمَّا سَائِرُ الْعَرَبِ فَلَمْ تَكُنْ لَهُمْ حُجَّةٌ، وَكَانَتْ حُجَّةُ مَنْ يَحْتَجُّ مُنْكَسِرَةً؛ لِأَنَّكَ تَقُولُ لِمَنْ تُرِيدُ أَنْ تَكْسِرَ عَلَيْهِ حُجَّتَهُ: إِنَّ لَكَ ⦗٦٩٠⦘ عَلَيَّ حُجَّةً، وَلَكِنَّهَا مُنْكَسِرَةٌ، وَإِنَّكَ لَتَحْتَجُّ بِلَا حُجَّةٍ، وَحُجَّتُكَ ضَعِيفَةٌ. وَوَجْهُ مَعْنَى: ﴿إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ﴾ [البقرة: ١٥٠] إِلَى مَعْنَى: إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَإِنَّ لَهُمْ عَلَيْكُمْ حُجَّةً وَاهِيَةً أَوْ حُجَّةً ضَعِيفَةً. وَهِيَ قَوْلُ مَنْ قَالَ: «إِلَّا» فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بِمَعْنَى «لَكِنْ»، وَضَعْفُ قَوْلِ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ ابْتِدَاءٌ بِمَعْنَى: إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ؛ لِأَنَّ تَأْوِيلَ أَهْلِ التَّأْوِيلِ جَاءَ فِي ذَلِكَ بِأَنَّ ذَلِكَ مِنَ اللَّهِ عز وجل خَبَرٌ عَنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ أَنَّهُمْ يَحْتَجُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ وَأَصْحَابِهِ بِمَا قَدْ ذَكَرْنَا، وَلَمْ يَقْصِدْ فِي ذَلِكَ إِلَى الْخَبَرِ عَنْ صِفَةِ حُجَّتِهِمْ بِالضَّعْفِ وَلَا بِالْقُوَّةِ وَإِنْ كَانَتْ ضَعِيفَةً؛ لِأَنَّهَا بَاطِلَةٌ، وَإِنَّمَا قَصَدَ فِيهِ الْإِثْبَاتَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا قَدْ نُفِيَ عَنِ الَّذِينَ قَبْلَ حَرْفِ الِاسْتِثْنَاءِ مِنَ الصِّفَةِ
٢ / ٦٨٧
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ الرَّبِيعُ، «إِنَّ يَهُودِيًّا خَاصَمَ أَبَا الْعَالِيَةِ فَقَالَ» إِنَّ مُوسَى عليه السلام كَانَ يُصَلِّي إِلَى صَخْرَةِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: كَانَ يُصَلِّي عِنْدَ الصَّخْرَةِ إِلَى الْبَيْتِ الْحَرَامِ. قَالَ: قَالَ: فَبَيْنِي وَبَيْنَكَ مَسْجِدٌ صَالِحٌ فَإِنَّهُ نَحَتَهُ مِنَ الْجَبَلِ. قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: قَدْ صَلَّيْتُ فِيهِ وَقَبِلْتُهُ إِلَى الْبَيْتِ الْحَرَامِ “
٢ / ٦٩٠
قَالَ الرَّبِيعُ، وَأَخْبَرَنِي أَبُو الْعَالِيَةِ، «أَنَّهُ مَرَّ عَلَى مَسْجِدِ ذِي الْقَرْنَيْنِ وَقِبْلَتُهُ إِلَى الْكَعْبَةِ»
٢ / ٦٩٠
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي﴾ [البقرة: ١٥٠] يَعْنِي فَلَا تَخْشَوْا هَؤُلَاءِ الَّذِينَ وَصَفْتُ لَكُمْ أَمْرَهُمْ مِنَ الظَّلَمَةِ فِي حُجَّتِهِمْ وَجِدَالِهِمْ، وَقَوْلُهُمْ مَا يَقُولُونَ مِنْ أَنِّ مُحَمَّدًا ﷺ ⦗٦٩١⦘ قَدْ رَجَعَ إِلَى قِبْلَتِنَا وَسَيَرْجِعُ إِلَى دِينِنَا أَوْ أَنْ يَقْدِرُوا لَكُمْ عَلَى ضُرٍّ فِي دِينِكُمْ أَوْ صَدِّكُمْ عَمَّا هَدَاكُمُ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لَهُ مِنَ الْحَقِّ؛ وَلَكِنِ اخْشَوْنِي، فَخَافُوا عِقَابِي فِي خِلَافِكُمْ أَمْرِي إِنْ خَالَفْتُمُوهُ. وَذَلِكَ مِنَ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ تَقَدَّمَ إِلَى عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ بِالْحَضِّ عَلَى لُزُومِ قِبْلَتِهِمْ وَالصَّلَاةِ إِلَيْهَا، وَبِالنَّهْيِ عَنِ التَّوَجُّهِ إِلَى غَيْرِهَا. يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَاخْشَوْنِي أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ فِي تَرْكِ طَاعَتِي فِيمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ مِنَ الصَّلَاةِ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ. وَقَدْ حُكِيَ عَنِ السُّدِّيِّ فِي ذَلِكَ
٢ / ٦٩٠
مَا حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، «﴿فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي﴾ [البقرة: ١٥٠] يَقُولُ: لَا تَخْشَوْا أَنْ أَرُدَّكُمْ فِي دِينِهِمْ»
٢ / ٦٩١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ [البقرة: ١٥٠]
٢ / ٦٩١
يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ﴾ [البقرة: ١٥٠] وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ مِنَ الْبِلَادِ وَالْأَرْضِ إِلَى أَيِّ بُقْعَةٍ شَخَصْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَحَيْثُ كُنْتَ يَا مُحَمَّدُ وَالْمُؤْمِنُونَ، فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ فِي صَلَاتِكُمْ شَطْرَهُ، وَاتَّخِذُوهُ قِبْلَةً لَكُمْ، كَيْلًا يَكُونَ لِأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ سِوَى مُشْرِكِي قُرَيْشٍ حُجَّةٌ، وَلِأُتِمَّ بِذَلِكَ مِنْ هِدَايَتِي لَكُمْ إِلَى قِبْلَةِ خَلِيلِي إِبْرَاهِيمَ عليه السلام الَّذِي جَعَلْتَهُ إِمَامًا لِلنَّاسِ نِعْمَتِي فَأَكْمَلَ لَكُمْ بِهِ فَضْلِي عَلَيْكُمْ، وَأَتْمَمَ بِهِ شَرَائِعَ مِلَّتِكُمُ الْحَنِيفِيَّةِ الْمُسْلِمَةِ الَّتِي وَصَّيْتُ بِهَا نُوحًا، وَإِبْرَاهِيمَ، وَمُوسَى، وَعِيسَى وَسَائِرَ الْأَنْبِيَاءِ غَيْرَهُمْ ⦗٦٩٢⦘ وَذَلِكَ هُوَ نِعْمَتُهُ الَّتِي أَخْبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّهُ مُتِمُّهَا عَلَى رَسُولِهِ ﷺ وَالْمُؤْمِنِينَ بِهِ مِنْ أَصْحَابِهِ
٢ / ٦٩١
وَقَوْلِهِ: ﴿وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ [البقرة: ١٥٠] يَعْنِي: وَكَيْ تَرْشُدُوا لِلصَّوَابِ مِنَ الْقِبْلَةِ. ﴿وَلَعَلَّكُمْ﴾ [البقرة: ١٥٠] عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ: ﴿وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ﴾ [البقرة: ١٥٠]، ﴿وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ﴾ [البقرة: ١٥٠] عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ ﴿لِئَلَّا يَكُونَ﴾ [البقرة: ١٥٠]
٢ / ٦٩٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: ١٥١]
٢ / ٦٩٢
يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا﴾ [البقرة: ١٥١] وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ بِبَيَانِ شَرَائِعِ مِلَّتِكُمُ الْحَنِيفِيَّةِ، وَأَهْدِيَكُمْ لِدِينِ خَلِيلِي إِبْرَاهِيمَ عليه السلام، وَأَجْعَلُ لَكُمْ دَعْوَتَهُ الَّتِي دَعَانِي بِهَا وَمَسْأَلَتَهُ الَّتِي سَأَلْنِيهَا فَقَالَ: ﴿رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مَسْلَمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾ [البقرة: ١٢٨] كَمَا جَعَلْتُ لَكُمْ دَعْوَتَهُ الَّتِي دَعَانِي بِهَا وَمَسْأَلَتَهُ الَّتِي سَأَلْنِيهَا، فَقَالَ: ﴿رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [البقرة: ١٢٩]، فَابْتَعَثْتُ مِنْكُمْ رَسُولِي الَّذِي سَأَلَنِي إِبْرَاهِيمُ خَلِيلِي وَابْنُهُ إِسْمَاعِيلُ أَنْ أَبْعَثَهُ مِنْ ذُرِّيتِهِمَا. فَـ «كَمَا» إِذْ كَانَ ذَلِكَ مَعْنَى الْكَلَامِ صِلَةً لِقَوْلِ اللَّهِ عز وجل: ﴿وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ﴾ [البقرة: ١٥٠] وَلَا يَكُونُ قَوْلُهُ: ﴿كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ
٢ / ٦٩٢
﴾ [البقرة: ١٥١] مُتَعَلِّقًا بِقَوْلِهِ: ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ﴾ [البقرة: ١٥٢] وَقَدْ قَالَ قَوْمٌ: إِنَّ مَعْنَى ذَلِكَ: فَاذْكُرُونِي كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ أَذْكُرْكُمْ. وَزَعَمُوا أَنَّ ذَلِكَ مِنَ الْمُقَدَّمِ الَّذِي مَعْنَاهُ التَّأْخِيرُ، فَأَغْرَقُوا النَّزْعَ، وَبَعُدُوا مِنَ الْإِصَابَةِ، وَحَمَلُوا الْكَلَامَ عَلَى غَيْرِ مَعْنَاهُ الْمَعْرُوفِ وَسَوِيِّ وَجْهِهِ الْمَفْهُومِ. وَذَلِكَ أَنَّ الْجَارِيَ مِنَ الْكَلَامِ عَلَى أَلْسُنِ الْعَرَبِ الْمَفْهُومِ فِي خِطَابِهِمْ بَيْنَهُمْ إِذَا قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: «كَمَا أَحْسَنْتُ إِلَيْكَ يَا فُلَانُ فَأَحْسِنْ» أَنْ لَا يَشْتَرِطُوا لِلْآخَرَ، لِأَنَّ الْكَافَ فِي «كَمَا» شَرْطٌ مَعْنَاهُ: افْعَلْ كَمَا فَعَلْتُ، فَفِي مَجِيءِ جَوَابِ: ﴿فَاذْكُرُونِي﴾ [البقرة: ١٥٢] بَعْدَهُ وَهُوَ قَوْلُهُ: ﴿أَذْكُرْكُمْ﴾ [البقرة: ١٥٢] أَوْضَحُ دَلِيلٍ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ: ﴿كَمَا أَرْسَلْنَا﴾ [البقرة: ١٥١] مِنْ صِلَةِ الْفِعْلِ الَّذِي قَبْلَهُ، وَأَنَّ قَوْلَهُ: ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ﴾ [البقرة: ١٥٢] خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مُنْقَطِعٌ عَنِ الْأَوَّلِ، وَأَنَّهُ مِنْ سَبَبِ قَوْلِهِ: ﴿كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ﴾ [البقرة: ١٥١] بِمَعْزَلٍ. وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ النَّحْوِيِّينَ أَنَّ قَوْلَهُ: ﴿فَاذْكُرُونِي﴾ [البقرة: ١٥٢] إِذَا جَعَلَ قَوْلَهُ: ﴿كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ﴾ [البقرة: ١٥١] جَوَابًا لَهُ مَعَ قَوْلِهِ: ﴿أَذْكُرْكُمْ﴾ [البقرة: ١٥٢] نَظِيرَ الْجَزَاءِ الَّذِي يُجَابُ بِجَوَابَيْنِ، كَقَوْلِ الْقَائِلِ: إِذَا أَتَاكَ فُلَانٌ فَأْتِهِ تَرْضَهُ، فَيَصِيرُ قَوْلُهُ «فَأْتِهِ» وَ«تَرْضَهَ» جَوَابَيْنِ لِقَوْلِهِ: إِذَا أَتَاكَ، وَكَقَوْلِهِ: إِنْ تَأْتِنِي أُحْسِنْ إِلَيْكَ أُكْرِمْكَ. وَهَذَا الْقَوْلُ وَإِنْ كَانَ مَذْهَبًا مِنَ الْمَذَاهِبِ، فَلَيْسَ بِالْأَسْهَلِ الْأَفْصَحِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ. وَالَّذِي هُوَ أَوْلَى بِكِتَابِ اللَّهِ عز وجل أَنْ يُوَجَّهَ إِلَيْهِ مِنَ اللُّغَاتِ الْأَفْصَحِ الْأَعْرَفِ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ دُونَ الْأَنْكَرِ الْأَجْهَلِ مِنْ مَنْطِقِهَا هَذَا مَعَ بُعْدِ وَجْهِهِ مِنَ الْمَفْهُومِ فِي التَّأْوِيلِ
٢ / ٦٩٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ: إِنَّ قَوْلَهُ: ﴿كَمَا أَرْسَلْنَا﴾ [البقرة: ١٥١] جَوَابُ قَوْلِهِ: ﴿فَاذْكُرُونِي﴾ [البقرة: ١٥٢]
٢ / ٦٩٤
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي نَجِيحٍ، «يَقُولُ فِي قَوْلِ اللَّهِ عز وجل» ﴿كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ﴾ [البقرة: ١٥١] كَمَا فَعَلْتُ فَاذْكُرُونِي ” حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
٢ / ٦٩٤
قَوْلِهِ: ﴿كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ﴾ [البقرة: ١٥١] فَإِنَّهُ يَعْنِي بِذَلِكَ الْعَرَبَ، قَالَ لَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: الْزَمُوا أَيُّهَا الْعَرَبُ طَاعَتِي، وَتَوَجَّهُوا إِلَى الْقِبْلَةِ الَّتِي أَمَرْتُكُمْ بِالتَّوَجُّهِ إِلَيْهَا، لِتَنْقَطِعَ حُجَّةُ الْيَهُودِ عَنْكُمْ، فَلَا تَكُونُ لَهُمْ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ، وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَتَهْتَدُوا، كَمَا ابْتَدَأْتُكُمْ بِنِعْمَتِي فَأَرْسَلْتُ فِيكُمْ رَسُولًا إِلَيْكُمْ مِنْكُمْ، وَذَلِكَ الرَّسُولُ الَّذِي أَرْسَلَهُ إِلَيْهِمْ مِنْهُمْ مُحَمَّدٌ ﷺ
٢ / ٦٩٤
كَمَا حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، فِي قَوْلِهِ ﴿كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ﴾ [البقرة: ١٥١] يَعْنِي مُحَمَّدًا ﷺ “
٢ / ٦٩٤
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا﴾ [البقرة: ١٥١] فَإِنَّهُ يَعْنِي آيَاتِ الْقُرْآنِ، وَبِقَوْلِهِ: ﴿وَيُزَكِّيكُمْ﴾ [البقرة: ١٥١] وَيُطَهِّرُكُمْ مِنْ دَنَسِ الذُّنُوبِ، ﴿وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ﴾ [البقرة: ١٥١] وَهُوَ ⦗٦٩٥⦘ الْفُرْقَانُ، يَعْنِي أَنَّهُ يُعَلِّمُهُمْ أَحْكَامَهُ، وَيَعْنِي بِالْحِكْمَةِ: السُّنَنَ وَالْفِقْهَ فِي الدِّينِ. وَقَدْ بَيَّنَّا جَمِيعَ ذَلِكَ فِيمَا مَضَى قَبْلُ بِشَوَاهِدِهِ
٢ / ٦٩٤
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: ١٥١] فَإِنَّهُ يَعْنِي: وَيُعَلِّمُكُمْ مِنْ أَخْبَارِ الْأَنْبِيَاءِ، وَقَصَصِ الْأُمَمِ الْخَالِيَةِ، وَالْخَبَرُ عَمَّا هُوَ حَادِثٌ وَكَائِنٌ مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي لَمْ تَكُنِ الْعَرَبُ تَعْلَمُهَا فَعَلِمُوهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. فَأَخْبَرَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ إِنَّمَا يُدْرِكُونَهُ بِرَسُولِهِ ﷺ
٢ / ٦٩٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونَ﴾ [البقرة: ١٥٢] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِذَلِكَ: فَاذْكُرُونِي أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِطَاعَتِكُمْ إِيَّايَ فِيمَا آمُرُكُمْ بِهِ وَفِيمَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ، أَذْكُرْكُمْ بِرَحْمَتِي إِيَّاكُمْ وَمَغْفِرَتِي لَكُمْ
٢ / ٦٩٥
كَمَا حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ﴾ [البقرة: ١٥٢] قَالَ: اذْكُرُونِي بِطَاعَتِي، أَذْكُرْكُمْ بِمَغْفِرَتِي ” وَقَدْ كَانَ بَعْضُهُمْ يَتَأَوَّلُ ذَلِكَ أَنَّهُ مِنَ الذِّكْرِ بِالثَّنَاءِ وَالْمَدْحِ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
٢ / ٦٩٥
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ⦗٦٩٦⦘ الرَّبِيعِ، فِي قَوْلِهِ ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ﴾ [البقرة: ١٥٢] «إِنَّ اللَّهَ ذَاكِرٌ مَنْ ذَكَرَهُ، وَزَائِدٌ مَنْ شَكَرَهُ وَمُعَذِّبٌ مَنْ كَفَرَهُ»
٢ / ٦٩٥
حَدَّثَنِي مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ﴾ [البقرة: ١٥٢] «قَالَ» لَيْسَ مِنْ عَبْدٍ يَذْكُرُ اللَّهَ إِلَّا ذَكَرَهُ اللَّهُ، لَا يَذْكُرُهُ مُؤْمِنٌ إِلَّا ذَكَرَهُ بِرَحْمَةٍ، وَلَا يَذْكُرُهُ كَافِرٌ إِلَّا ذَكَرَهُ بِعَذَابٍ “
٢ / ٦٩٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ﴾ [البقرة: ١٥٢] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِذَلِكَ: اشْكُرُوا لِي أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ فِيمَا أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ مِنَ الْإِسْلَامِ وَالْهِدَايَةِ لِلَّذِينَ الَّذِي شَرَعْتُهُ لِأَنْبِيَائِي وَأَصْفِيَائِي ﴿وَلَا تَكْفُرُونِ﴾ [البقرة: ١٥٢] يَقُولُ: وَلَا تَجْحَدُوا إِحْسَانِي إِلَيْكُمْ، فَأَسْلُبَكُمْ نِعْمَتِي الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ، وَلَكِنِ اشْكُرُوا لِي عَلَيْهَا وَأَزِيدَكُمْ فَأُتَمِّمَ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ، وَأَهْدِيَكُمْ لِمَا هَدَيْتُ لَهُ مَنْ رَضِيتُ عَنْهُ مِنْ عِبَادِي، فَإِنِّي وَعَدْتُ خَلْقِي أَنَّ مَنْ شَكَرَ لِي زِدْتُهُ، وَمَنْ كَفَرَنِي حَرَمْتُهُ وَسَلَبْتُهُ مَا أَعْطَيْتُهُ. وَالْعَرَبُ تَقُولُ: نَصَحْتُ لَكَ وَشَكَرْتُ لَكَ، وَلَا تَكَادُ تَقُولُ نَصَحْتُكَ، وَرُبَّمَا قَالَتْ شَكَرْتُكَ وَنَصَحْتُكَ، مِنْ ذَلِكَ قَوْلِ الشَّاعِرِ:
هُمُ جَمَعُوا بُؤْسَى وَنُعْمَى عَلَيْكُمُ … فَهَلَّا شَكَرْتَ الْقَوْمَ إِنْ لَمْ تُقَاتِلِ
هُمُ جَمَعُوا بُؤْسَى وَنُعْمَى عَلَيْكُمُ … فَهَلَّا شَكَرْتَ الْقَوْمَ إِنْ لَمْ تُقَاتِلِ
٢ / ٦٩٦
وَقَالَ النَّابِغَةُ فِي «نَصَحْتُكَ»:
[البحر الطويل] نَصَحْتُ بَنِي عَوْفٍ فَلَمْ يَتَقَبَّلُوا … رَسُولِي وَلَمْ تَنْجَحْ لَدَيْهِمْ وَسَائِلِي
وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَى أَنَّ مَعْنَى الشُّكْرِ: الثَّنَاءُ عَلَى الرَّجُلِ بِأَفْعَالِهِ الْمَحْمُودَةِ، وَأَنَّ مَعْنَى الْكُفْرِ تَغْطِيَةُ الشَّيْءِ، فِيمَا مَضَى قَبْلُ فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إِعَادَتِهِ هَاهُنَا
[البحر الطويل] نَصَحْتُ بَنِي عَوْفٍ فَلَمْ يَتَقَبَّلُوا … رَسُولِي وَلَمْ تَنْجَحْ لَدَيْهِمْ وَسَائِلِي
وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَى أَنَّ مَعْنَى الشُّكْرِ: الثَّنَاءُ عَلَى الرَّجُلِ بِأَفْعَالِهِ الْمَحْمُودَةِ، وَأَنَّ مَعْنَى الْكُفْرِ تَغْطِيَةُ الشَّيْءِ، فِيمَا مَضَى قَبْلُ فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إِعَادَتِهِ هَاهُنَا
٢ / ٦٩٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبِرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ [البقرة: ١٥٣] وَهَذِهِ الْآيَةُ حَضٌّ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ عَلَى طَاعَتِهِ وَاحْتِمَالِ مَكْرُوهِهَا عَلَى الْأَبْدَانِ وَالْأَمْوَالِ، فَقَالَ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبِرِ وَالصَّلَاةِ عَلَى الْقِيَامِ بِطَاعَتِي وَأَدَاءِ فَرَائِضِي فِي نَاسِخِ أَحْكَامِي وَالِانْصِرَافِ عَمَّا أَنْسِخُهُ مِنْهَا إِلَى الَّذِي أُحْدِثُهُ لَكُمْ مِنْ فَرَائِضِي وَأَنْقُلُكُمْ إِلَيْهِ مِنْ أَحْكَامِي وَالتَّسْلِيمِ لِأَمْرِي فِيمَا آمُرُكُمْ بِهِ فِي حِينِ إِلْزَامِكُمْ حُكْمَهُ وَالتَّحَوُّلِ عَنْهُ بَعْدَ تَحْوِيلِي إِيَّاكُمْ عَنْهُ، وَإِنْ لَحِقَكُمْ فِي ذَلِكَ مَكْرُوهٌ مِنْ مَقَالَةِ أَعْدَائِكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ بِقَذْفِهِمْ لَكُمُ الْبَاطِلَ، أَوْ مَشَقَّةٍ عَلَى أَبْدَانِكُمْ فِي قِيَامِكُمْ بِهِ أَوْ نَقْصٍ فِي أَمْوَالِكُمْ وَعَلَى جِهَادِ أَعْدَائِكُمْ وَحَرْبِهِمْ فِي سَبِيلِي بِالصَّبِرِ مِنْكُمْ لِي عَلَى مَكْرُوهِ ذَلِكَ وَمَشَقَّتِهِ عَلَيْكُمْ، وَاحْتِمَالِ عَنَائِهِ
٢ / ٦٩٧
وَثِقَلِهِ، ثُمَّ بِالْفَزَعِ مِنْكُمْ فِيمَا يَنُوبُكُمْ مِنْ مُفَظَّعَاتِ الْأُمُورِ إِلَى الصَّلَاةِ لِي، فَإِنَّكُمْ بِالصَّبِرِ عَلَى الْمَكَارِهِ تُدْرِكُونَ مَرْضَاتِي، وَبِالصَّلَاةِ لِي تَسْتَنْجِحُونَ طَلَبَاتِكُمْ قَبْلِي وَتُدْرِكُونَ حَاجَاتِكُمْ عِنْدِي، فَإِنِّي مَعَ الصَّابِرِينَ عَلَى الْقِيَامِ بِأَدَاءِ فَرَائِضِي وَتَرْكِ مَعَاصِي أَنْصُرُهُمْ وَأَرْعَاهُمْ، وَأَكْلَؤُهُمْ حَتَّى يَظْفَرُوا بِمَا طَلَبُوا وَأَمِّلُوا قِبَلِي؛ وَقَدْ بَيَّنْتُ مَعْنَى الصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ فِيمَا مَضَى قَبْلُ فَكَرِهْنَا إِعَادَتَهُ
٢ / ٦٩٨
كَمَا حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا آدَمُ، قَالَ: ثنا أَبُو جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، فِي قَوْلِهِ ﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبِرِ وَالصَّلَاةِ﴾ [البقرة: ٤٥] «يَقُولُ» اسْتَعِينُوا بِالصَّبِرِ وَالصَّلَاةِ عَلَى مَرْضَاةِ اللَّهِ، وَاعْلَمُوا أَنَّهُمَا مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ “
٢ / ٦٩٨
حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، قَوْلِهِ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبِرِ وَالصَّلَاةِ﴾ [البقرة: ١٥٣] اعْلَمُوا أَنَّهُمَا عَوْنٌ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ “
٢ / ٦٩٨
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ [البقرة: ١٥٣] فَإِنَّ تَأْوِيلَهُ: فَإِنَّ اللَّهَ نَاصِرُهُ وَظَهِيرُهُ وَرَاضٍ بِفِعْلِهِ، كَقَوْلِ الْقَائِلِ: افْعَلْ يَا فُلَانُ كَذَا وَأَنَا مَعَكَ، يَعْنِي إِنِّي نَاصِرُكَ عَلَى فِعْلِكَ ذَلِكَ وَمُعِينُكَ عَلَيْهِ
٢ / ٦٩٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ﴾ [البقرة: ١٥٤] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبِرِ عَلَى طَاعَتِي فِي جِهَادِ ⦗٦٩٩⦘ عَدُوِّكُمْ وَتَرْكِ مَعَاصِي وَأَدَاءِ سَائِرِ فَرَائِضِي عَلَيْكُمْ، وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ هُوَ مَيِّتٌ، فَإِنَّ الْمَيِّتَ مِنْ خَلْقِي مَنْ سَلَبْتُهُ حَيَاتَهُ وَأَعْدَمْتُهُ حَوَاسَّهُ، فَلَا يَلْتَذُّ لَذَّةً وَلَا يُدْرِكُ نَعِيمًا؛ فَإِنَّ مَنْ قُتِلَ مِنْكُمْ وَمِنْ سَائِرِ خَلْقِي فِي سَبِيلِي أَحْيَاءٌ عِنْدِي فِي حَيَاةٍ وَنُعَيْمٍ وَعَيْشٍ هَنِيٍّ وَرُزِقٍ سَنِيٍّ، فَرِحِينَ بِمَا آتَيْتُهُمْ مِنْ فَضْلِي وَحَبَوْتُهُمْ بِهِ مِنْ كَرَامَتِي
٢ / ٦٩٨
كَمَا حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ ﴿بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾ [آل عمران: ١٦٩] مِنْ ثَمَرِ الْجَنَّةِ وَيَجِدُونَ رِيحَهَا وَلَيْسُوا فِيهَا ” حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
٢ / ٦٩٩
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلِهِ ﴿وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ﴾ [البقرة: ١٥٤] «كُنَّا نُحَدِّثُ أَنَّ أَرْوَاحَ الشُّهَدَاءِ تَعَارَفَ فِي طَيْرِ بِيضٍ يَأْكُلْنَ مِنْ ثِمَارِ الْجَنَّةِ، وَأَنَّ مَسَاكِنَهُمْ سِدْرَةُ الْمُنْتَهَى، وَأَنَّ لِلْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثَلَاثَ خِصَالٍ مِنَ الْخَيْرِ: مَنْ قُتِلَ فِي ⦗٧٠٠⦘ سَبِيلِ اللَّهِ مِنْهُمْ صَارَ حَيًّا مَرْزُوقًا، وَمَنْ غُلِبَ آتَاهُ اللَّهُ أَجْرًا عَظِيمًا، وَمَنْ مَاتَ رَزَقَهُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا»
٢ / ٦٩٩
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ ﴿وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ﴾ [البقرة: ١٥٤] قَالَ: أَرْوَاحُ الشُّهَدَاءِ فِي صِوَرِ طَيْرِ بِيضٍ “
٢ / ٧٠٠
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، فِي قَوْلِهِ ﴿وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ﴾ [البقرة: ١٥٤] «فِي صِوَرِ طَيْرٍ خُضْرٍ يَطِيرُونَ فِي الْجَنَّةِ حَيْثُ شَاءُوا مِنْهَا يَأْكُلُونَ مِنْ حَيْثِ شَاءُوا»
٢ / ٧٠٠
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا عُثْمَانُ بْنُ غِيَاثٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ ﴿وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ﴾ [البقرة: ١٥٤] «قَالَ» أَرْوَاحُ الشُّهَدَاءِ فِي طَيْرٍ خُضْرٍ فِي الْجَنَّةِ ” فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِلٌ: وَمَا فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ⦗٧٠١⦘ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ﴾ [البقرة: ١٥٤] مِنْ خُصُوصِيَّةِ الْخَبَرِ عَنِ الْمَقْتُولِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِي لَمْ يَعُمَّ بِهِ غَيْرَهُ؟ وَقَدْ عَلِمْتَ تَظَاهُرَ الْأَخْبَارِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ وَصَفَ حَالَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ بَعْدَ وَفَاتِهِمْ، فَأَخْبَرَ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهُمْ يُفْتَحُ لَهُمْ مِنْ قُبُورِهِمْ أَبْوَابٌ إِلَى الْجَنَّةِ يَشُمُّونَ مِنْهَا رُوحَهَا، وَيَسْتَعْجِلُونَ اللَّهَ قِيَامَ السَّاعَةِ لِيَصْيرُوا إِلَى مَسَاكِنِهِمْ مِنْهَا وَيَجْمَعُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَهَالِيهِمْ وَأَوْلَادِهِمْ فِيهَا، وَعَنِ الْكَافِرِينَ أَنَّهُمْ يُفْتَحُ لَهُمْ مِنْ قُبُورِهِمْ أَبْوَابٌ إِلَى النَّارِ يَنْظُرُونَ إِلَيْهَا وَيُصِيبُهُمْ مِنْ نَتْنِهَا وَمَكْرُوهِهَا، وَيُسَلَّطُ عَلَيْهِمْ فِيهَا إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ مَنْ يَقْمَعُهُمْ فِيهَا وَيَسْأَلُونَ اللَّهَ فِيهَا تَأْخِيرَ قِيَامِ السَّاعَةِ حِذَارًا مِنَ الْمَصِيرِ إِلَى مَا أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ فِيهَا مَعَ أَشْبَاهِ ذَلِكَ مِنَ الْأَخْبَارِ. وَإِذَا كَانَتِ الْأَخْبَارُ بِذَلِكَ مُتَظَاهِرَةً عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَمَا الَّذِي خُصَّ بِهِ الْقَتِيلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مِمَّا لَمْ يَعُمَّ بِهِ سَائِرَ الْبَشَرِ غَيْرَهُ مِنَ الْحَيَاةِ وَسَائِرَ الْكُفَّارِ وَالْمُؤْمِنِينَ غَيْرَهُ أَحْيَاءٌ فِي الْبَرْزَخِ، أَمَا الْكُفَّارُ فَمُعَذَّبُونَ فِيهِ بِالْمَعِيشَةِ الضَّنْكِ، وَأَمَّا الْمُؤْمِنُونَ فَمُنَعَّمُونَ بِالرَّوْحِ وَالرَّيْحَانِ وَنَسِيمِ الْجِنَانِ؟ قِيلَ: إِنَّ الَّذِي خَصَّ اللَّهُ بِهِ الشُّهَدَاءَ فِي ذَلِكَ وَأَفَادَ الْمُؤْمِنِينَ بِخَبَرِهِ عَنْهُمْ تَعَالَى ذِكْرُهُ إِعْلَامَهُ إِيَّاهُمْ أَنَّهُمْ مَرْزُوقُونَ مِنْ مَآكِلِ الْجَنَّةِ وَمَطَاعِمِهَا فِي بَرْزَخِهِمْ قَبْلَ بَعْثِهِمْ، وَمُنَعَّمُونَ بِالَّذِي يَنْعَمُ بِهِ دَاخِلُوها بَعْدِ الْبَعْثِ مِنْ سَائِرِ الْبَشَرِ مِنْ لَذِيذِ مَطَاعِمِهَا الَّذِي لَمْ يُطْعِمْهَا اللَّهُ أَحَدًا غَيْرَهُمْ فِي بَرْزَخِهِ قَبْلَ بَعْثِهِ. فَذَلِكَ هُوَ ⦗٧٠٢⦘ الْفَضِيلَةُ الَّتِي فَضَلَّهُمْ بِهَا وَخَصَّهُمْ بِهَا مِنْ غَيْرِهِمْ، وَالْفَائِدَةُ الَّتِي أَفَادَ الْمُؤْمِنِينَ بِالْخَبَرِ عَنْهُمْ، فَقَالَ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾ [آل عمران: ١٧٠] وَبِمِثْلِ الَّذِي قُلْنَا جَاءَ الْخَبَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ
٢ / ٧٠٠