حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ﴿فِي هَذِهِ أَعْمَى﴾ [الإسراء: ٧٢] قَالَ: الدُّنْيَا
١٥ / ١٠
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى﴾ [الإسراء: ٧٢] يَقُولُ: مَنْ كَانَ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا أَعْمَى عَمَّا عَايَنَ فِيهَا مِنْ نِعَمِ اللَّهِ وَخَلْقِهِ وَعَجَائِبِهِ ﴿فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا﴾ [الإسراء: ٧٢] فِيمَا يَغِيبُ عَنْهُ مِنْ أَمْرِ الْآخِرَةِ وَأَعْمَى
١٥ / ١٠
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿وَمَنْ كَانَ فِي ⦗١١⦘ هَذِهِ أَعْمَى﴾ [الإسراء: ٧٢] فِي الدُّنْيَا فِيمَا أَرَاهُ اللَّهُ مِنْ آيَاتِهِ مِنْ خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ وَالنُّجُومِ ﴿فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ﴾ [الإسراء: ٧٢] الْغَائِبَةُ الَّتِي لَمْ يَرَهَا ﴿أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا﴾ [الإسراء: ٧٢]
١٥ / ١٠
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، وَسُئِلَ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ، تَعَالَى ﴿وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا﴾ [الإسراء: ٧٢] فَقَرَأَ: ﴿إِنَّ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ ﴿وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ﴾ [الذاريات: ٢١] وَقَرَأَ: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ﴾ [الروم: ٢٠] وَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ: ﴿وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ﴾ قَالَ: كُلٌّ لَهُ مُطِيعُونَ، إِلَّا ابْنَ آدَمَ قَالَ: فَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ الَّتِي يَعْرِفُ أَنَّهَا مِنَّا وَيَشْهَدُ عَلَيْهَا وَهُوَ يَرَى قُدْرَتَنَا وَنِعْمَتَنَا أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ الَّتِي لَمْ يَرَهَا أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ، قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَمَنَ كَانَ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا أَعْمَى عَنْ حُجَجِ اللَّهِ عَلَى أَنَّهُ الْمُنْفَرِدُ بِخَلْقِهَا وَتَدْبِيرِهَا، وَتَصْرِيفِ مَا فِيهَا، فَهُوَ فِي أَمْرِ الْآخِرَةِ الَّتِي لَمْ يَرَهَا وَلَمْ يُعَايِنْهَا، وَفِيمَا هُوَ كَائِنٌ فِيهَا أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا: يَقُولُ: وَأَضَلُّ طَرِيقًا مِنْهُ فِي أَمْرِ الدُّنْيَا الَّتِي قَدْ عَايَنَهَا وَرَآهَا وَإِنَّمَا قُلْنَا: ذَلِكَ أَوْلَى تَأْوِيلَاتِهِ بِالصَّوَابِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ لَمْ يُخَصِّصْ فِي قَوْلِهِ ﴿وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ﴾ [الإسراء: ٧٢] الدُّنْيَا ﴿أَعْمَى﴾ [الإسراء: ٧٢] عَمَى الْكَافِرُ بِهِ عَنْ بَعْضِ حُجَجِهِ عَلَيْهِ فِيهَا دُونَ بَعْضٍ، فَيُوَجَّهُ ذَلِكَ إِلَى عَمَّاهُ عَنْ نِعَمِهِ بِمَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِ مِنْ تَكْرِيمِهِ بَنِي آدَمَ، وَحَمْلِهِ إِيَّاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ، وَمَا عَدَّدَ فِي الْآيَةِ الَّتِي ذَكَرَ فِيهَا نِعَمَهُ عَلَيْهِمْ، بَلْ
١٥ / ١١
عَمَّ بِالْخَبَرِ عَنْ عَمَاهُ فِي الدُّنْيَا، فَهُمْ كَمَا عَمَّ تَعَالَى ذِكْرُهُ. وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ ﴿فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى﴾ [الإسراء: ٧٢] فَكَسَرَتِ الْقِرأةُ جَمِيعًا أَعْنِي الْحَرْفَ الْأَوَّلَ قَوْلَهُ ﴿وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى﴾ [الإسراء: ٧٢] وَأَمَّا قَوْلُهُ ﴿فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى﴾ [الإسراء: ٧٢] فَإِنَّ عَامَّةِ قُرَّاءِ الْكُوفِيِّينَ أَمَالَتْ أَيْضًا قَوْلَهَ: ﴿فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى﴾ [الإسراء: ٧٢] وَأَمَّا بَعْضُ قُرَّاءِ الْبَصْرَةِ فَإِنَّهُ فَتَحَهُ، وَتَأَوَّلَهُ بِمَعْنَى: فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَشَدُّ عَمًى. وَاسْتَشْهَدَ لِصِحَّةِ قِرَاءَتِهِ بِقَوْلِهِ: ﴿وَأَضَلُّ سَبِيلًا﴾ [الإسراء: ٧٢] وَهَذِهِ الْقِرَاءَةُ هِيَ أَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ لِلشَّاهِدِ الَّذِي ذَكَرْنَا عَنْ قَارِئهِ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا كَرِهَ مَنْ كَرِهَ قِرَاءَتَهُ كَذَلِكَ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّ ذَلِكَ مَقْصُودٌ بِهِ قَصْدَ عَمَى الْعَيْنَيْنِ الَّذِي لَا يُوصَفُ أَحَدٌ بِأَنَّهُ أَعْمَى مِنْ آخَرَ أَعْمَى، إِذْ كَانَ عَمَى الْبَصَرِ لَا يَتَفَاوَتُ فَيَكُونَ أَحَدُهُمَا أَزْيَدَ عَمًى مِنَ الْآخَرِ، إِلَّا بِإِدْخَالِ أَشَدَّ أَوْ أَبْيَنَ، فَلَيْسَ الْأَمْرُ فِي ذَلِكَ كَذَلِكَ. وَإِنَّمَا قُلْنَا: ذَلِكَ مِنْ عَمَى الْقَلْبِ الَّذِي يَقَعُ فِيهِ التَّفَاوتُ، فَإِنَّمَا عَنَى بِهِ عَمَى قُلُوبِ الْكُفَّارِ عَنْ حُجَجِ اللَّهِ الَّتِي قَدْ عَايَنَتْهَا أَبْصَارُهُمْ، فَلِذَلِكَ جَازَ ذَلِكَ وَحَسُنَ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٥ / ١٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ⦗١٣⦘ سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ﴿فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى﴾ [الإسراء: ٧٢] قَالَ: أَعْمَى عَنْ حُجَّتِهِ فِي الْآخِرَةِ
١٥ / ١٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لاَتَّخَذُوكَ خَلِيلًا﴾ [الإسراء: ٧٣] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْفِتْنَةِ الَّتِي كَادَ الْمُشْرِكُونَ أَنْ يَفْتِنُوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ بِهَا عَنِ الَّذِي أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ إِلَى غَيْرِهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: ذَلِكَ الْإِلْمَامُ بِالْآلِهَةِ، لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ دَعَوْهُ إِلَى ذَلِكَ، فَهَمَّ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ
١٥ / ١٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَعْقُوبُ الْقُمِّيُّ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَسْتَلِمُ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ، فَمَنَعَتْهُ قُرَيْشٌ، وَقَالُوا: لَا نَدَعُهُ حَتَّى يُلِمَّ بِآلِهَتِنَا، فَحَدَّثَ نَفْسَهُ، وَقَالَ: «مَا عَلَيَّ أَنْ أُلِمَّ بِهَا بَعْدَ أَنْ يَدَعُونِي أسْتَلَمُ الْحَجَرَ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي لَهَا كَارِهٌ» فَأَبَى اللَّهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لَتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ﴾ [الإسراء: ٧٣] الْآيَةَ
١٥ / ١٣
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ، لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا﴾ [الإسراء: ٧٤] ذَكَرَ لَنَا أَنَّ قُرَيْشًا خَلَوْا بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ ⦗١٤⦘ ذَاتَ لَيْلَةٍ إِلَى الصُّبْحِ يُكَلِّمُونَهُ وَيُفَخِّمُونَهُ وَيُسَوِّدُونَهُ وَيُقَارِبُونَهُ، وَكَانَ فِي قَوْلِهِمْ أَنْ قَالُوا: إِنَّكَ تَأْتِي بِشَيْءٍ لَا يَأْتِي بِهِ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ، وَأَنْتَ سَيِّدُنَا وَابْنُ سَيِّدَنَا، فَمَا زَالُوا يُكَلِّمُونَهُ حَتَّى كَادَ أَنْ يُقَارِفَهُمْ ثُمَّ مَنَعَهُ اللَّهُ وَعَصَمَهُ مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: ﴿وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا﴾ [الإسراء: ٧٤]
١٥ / ١٣
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ﴾ [الإسراء: ٧٣] قَالَ: أَطَافُوا بِهِ لَيْلَةَ، فَقَالُوا: أَنْتَ سَيِّدُنَا وَابْنُ سَيِّدِنَا، فَأَرَادُوهُ عَلَى بَعْضِ مَا يُرِيدُونَ فَهَمَّ أَنْ يُقَارِفَهُمْ فِي بَعْضِ مَا يُرِيدُونَ، ثُمَّ عَصَمَهُ اللَّهُ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا﴾ [الإسراء: ٧٤] الَّذِي أَرَادُوا فَهَمَّ أَنْ يُقَارِفَهُمْ فِيهِ
١٥ / ١٤
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: قَالُوا لَهُ: ائْتِ آلِهَتَنَا فَامْسِسْهَا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿شَيْئًا قَلِيلًا﴾ [الإسراء: ٧٤] وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ هَمَّ أَنْ يُنْظِرَ قَوْمًا بِإِسْلَامِهِمْ إِلَى مُدَّةٍ سَأَلُوهُ الْإِنْظَارَ إِلَيْهَا
١٥ / ١٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي، أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ
١٥ / ١٤
لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا﴾ [الإسراء: ٧٣] وَذَلِكَ أَنَّ ثَقِيفًا كَانُوا قَالُوا لِلنَّبِيِّ ﷺ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَجِّلْنَا سَنَةً حَتَّى يُهْدَى لِآلِهَتِنَا، فَإِذَا قَبَضْنَا الَّذِي يُهْدَى لِآلِهَتِنَا أَخَذْنَاهُ، ثُمَّ أَسْلَمْنَا وَكَسَرْنَا الْآلِهَةَ، فَهَمَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ يُعْطِيَهُمْ، وَأَنْ يُؤَجِّلَهُمْ، فَقَالَ اللَّهُ: ﴿وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكُنَ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا﴾ [الإسراء: ٧٤] وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَخْبَرَ عَنْ نَبِيِّهِ ﷺ، أَنَّ الْمُشْرِكِينَ كَادُوا أَنْ يَفْتِنُوهُ عَمَّا أَوْحَاهُ اللَّهُ إِلَيْهِ لِيَعْمَلَ بِغَيْرِهِ، وَذَلِكَ هُوَ الِافْتِرَاءُ عَلَى اللَّهِ، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ كَانَ مَا ذُكِرَ عَنْهُمْ مِنْ ذِكْرِ أَنَّهُمْ دَعَوْهُ أَنْ يَمَسَّ آلِهَتَهُمْ وَيُلِمَّ بِهَا، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ كَانَ ذَلِكَ مَا ذُكِرَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ أَمْرِ ثَقِيفٍ، وَمَسْأَلَتِهِمْ إِيَّاهُ مَا سَأَلُوهُ مِمَّا ذَكَرْنَا، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ غَيْرُ ذَلِكَ، وَلَا بَيَانَ فِي الْكِتَابِ وَلَا فِي خَبَرٍ يَقْطَعُ الْعُذْرَ أَيُّ ذَلِكَ كَانَ، وَالِاخْتِلَافُ فِيهِ مَوْجُودٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، فَلَا شَيْءَ فِيهِ أَصَوْبُ مِنَ الْإِيمَانِ بِظَاهِرِهِ، حَتَّى يَأْتِيَ خَبَرٌ يَجُبُّ التَّسْلِيمَ لَهُ بِبَيَانِ مَا عَنَى بِذَلِكَ مِنْهُ
١٥ / ١٥
وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا﴾ [الإسراء: ٧٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَوْ فَعَلْتَ مَا دَعَوْكَ إِلَيْهِ مِنَ الْفِتْنَةِ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لَاتَّخَذُوكَ إِذًا لِأَنْفُسِهِمْ خَلِيلًا، وَكُنْتَ لَهُمْ وَكَانُوا لَكَ أَوْلِيَاءَ
١٥ / ١٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا﴾ [الإسراء: ٧٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ يَا مُحَمَّدُ بِعِصْمَتِنَا إِيَّاكَ عَمَّا دَعَاكَ إِلَيْهِ ⦗١٦⦘ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ مِنَ الْفِتْنَةِ ﴿لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا﴾ [الإسراء: ٧٤] يَقُولُ: لَقَدْ كِدْتَ تَمِيلُ إِلَيْهِمْ وَتَطْمَئِنُّ شَيْئًا قَلِيلًا، وَذَلِكَ مَا كَانَ ﷺ هَمَّ بِهِ مِنْ أَنْ يَفْعَلَ بَعْضَ الَّذِي كَانُوا سَأَلُوهُ فِعْلَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِيمَا ذُكِرَ حِينَ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، مَا:
١٥ / ١٥
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا سُلَيْمَانُ، قَالَ: ثنا أَبُو هِلَالٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ ﴿وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا﴾ [الإسراء: ٧٤] فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ»
١٥ / ١٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا﴾ [الإسراء: ٧٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: لَوْ رَكَنْتَ إِلَى هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ يَا مُحَمَّدُ شَيْئًا قَلِيلًا فِيمَا سَأَلُوكَ إِذَنْ لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ عَذَابِ الْحَيَاةِ، وَضِعْفَ عَذَابِ الْمَمَاتِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٥ / ١٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ﴾ [الإسراء: ٧٥] يَعْنِي: ضِعْفَ عَذَابِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ
١٥ / ١٦
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي ⦗١٧⦘ نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿ضِعْفَ الْحَيَاةِ﴾ [الإسراء: ٧٥] قَالَ: عَذَابُهَا ﴿وَضِعْفَ الْمَمَاتِ﴾ [الإسراء: ٧٥] قَالَ: عَذَابُ الْآخِرَةِ حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٥ / ١٦
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ﴾ [الإسراء: ٧٥] أَيْ عَذَابَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ
١٥ / ١٧
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ﴾ [الإسراء: ٧٥] قَالَ: عَذَابُ الدُّنْيَا وَعَذَابُ الْآخِرَةِ
١٥ / ١٧
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ ﴿ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ﴾ [الإسراء: ٧٥] يَعْنِي عَذَابَ الدُّنْيَا وَعَذَابَ الْآخِرَةِ وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ﴾ [الإسراء: ٧٥] مُخْتَصَرٌ، كَقَوْلِكَ: ضِعْفَ عَذَابِ الْحَيَاةِ ﴿وَضِعْفَ الْمَمَاتِ﴾ [الإسراء: ٧٥]⦗١٨⦘ فَهُمَا عَذَابَانِ: عَذَابُ الْمَمَاتِ بِهِ ضُوعِفَ عَذَابُ الْحَيَاةِ
١٥ / ١٧
وَقَوْلُهُ ﴿ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا﴾ [الإسراء: ٧٥] يَقُولُ: ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ يَا مُحَمَّدُ إِنْ نَحْنُ أَذَقْنَاكَ لِرُكُونِكَ إِلَى هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ لَوْ رَكَنْتَ إِلَيْهِمْ عَذَابَ الْحَيَاةِ وَعَذَابَ الْمَمَاتِ عَلَيْنَا نَصِيرًا يَنْصُرُكَ عَلَيْنَا، وَيَمْنَعُكَ مِنْ عَذَابِكَ، وَيُنْقِذُكَ مِمَّا نَالَكَ مِنَّا مِنْ عُقُوبَةٍ
١٥ / ١٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [الإسراء: ٧٦] يَقُولُ عز وجل: وَإِنْ كَادَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ: يَقُولُ: لَيَسْتَخِفُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ الَّتِي أَنْتَ بِهَا لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا ﴿وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [الإسراء: ٧٦] يَقُولُ: وَلَوْ أَخْرَجُوكَ مِنْهَا لَمْ يَلْبَثُوا بَعْدَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا، حَتَّى أَهْلَكُهُمْ بِعَذَابٍ عَاجِلٍ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الَّذِينَ كَادُوا أَنْ يَسْتَفِزُّوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لِيُخْرِجُوهُ مِنَ الْأَرْضِ وَفِي الْأَرْضِ الَّتِي أَرَادُوا أَنْ يُخْرِجُوهُ مِنْهَا، فَقَالَ بَعْضُهُمُ: الَّذِينَ كَادُوا أَنْ يَسْتَفِزُّوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ مِنْ ذَلِكَ الْيَهُودُ، وَالْأَرْضُ الَّتِي أَرَادُوا أَنْ يُخْرِجُوهُ مِنْهَا الْمَدِينَةُ
١٥ / ١٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: زَعَمَ حَضْرَمِيُّ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ بَعْضَ الْيَهُودِ قَالَ لِلنَّبِيِّ ﷺ: إِنَّ أَرْضَ الْأَنْبِيَاءِ أَرْضُ الشَّامِ، ⦗١٩⦘ وَإِنَّ هَذِهِ لَيْسَتْ بِأَرْضِ الْأَنْبِيَاءِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ ﴿وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا﴾ [الإسراء: ٧٦] وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ كَانَ الْقَوْمُ الَّذِينَ فَعَلُوا ذَلِكَ قُرَيْشًا، وَالْأَرْضُ مَكَّةُ
١٥ / ١٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ ﴿وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [الإسراء: ٧٦] وَقَدْ هَمَّ أَهْلُ مَكَّةَ بِإِخْرَاجِ النَّبِيِّ ﷺ مِنْ مَكَّةَ، وَلَوْ فَعَلُوا ذَلِكَ لَمَا تَوَطَّنُوا، وَلَكِنَّ اللَّهَ كَفَّهُمْ عَنْ إِخْرَاجِهِ حَتَّى أَمَرَهُ، وَلَقَلَّمَا مَعَ ذَلِكَ لَبِثُوا بَعْدَ خُرُوجِ نَبِيِّ اللَّهِ ﷺ مِنْ مَكَّةَ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْقَتْلَ يَوْمَ بَدْرٍ
١٥ / ١٩
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ﴾ [الإسراء: ٧٦] قَالَ: قَدْ فَعَلُوا بَعْدَ ذَلِكَ، فَأَهْلَكَهُمُ اللَّهُ يَوْمَ بَدْرٍ، وَلَمْ يَلْبَثُوا بَعْدَهُ إِلَّا قَلِيلًا حَتَّى أَهْلَكَهُمُ اللَّهُ يَوْمَ بَدْرٍ وَكَذَلِكَ كَانَتْ سُنَّةُ اللَّهِ فِي الرُّسُلِ إِذَا فَعَلَ بِهِمْ قَوْمَهُمْ مِثْلَ ذَلِكَ
١٥ / ١٩
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ﴿⦗٢٠⦘ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [الإسراء: ٧٦] قَالَ: لَوْ أَخْرَجَتْ قُرَيْشٌ مُحَمَّدًا لَعُذِّبُوا بِذَلِكَ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ، قَوْلُ قَتَادَةَ وَمُجَاهِدٍ، وَذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ: ﴿وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ﴾ [الإسراء: ٧٦] فِي سِيَاقِ خَبَرِ اللَّهِ عز وجل عَنْ قُرَيْشٍ وَذِكْرِهِ إِيَّاهُمْ، وَلَمْ يَجْرِ لِلْيَهُودِ قَبْلَ ذَلِكَ ذِكْرٌ، فَيُوَجَّهُ قَوْلُهُ ﴿وَإِنْ كَادُوا﴾ [الإسراء: ٧٣] إِلَى أَنَّهُ خَبَرٌ عَنْهُمْ، فَهُوَ بِأَنْ يَكُونَ خَبَرًا عَمَّنْ جَرَى لَهُ ذِكْرٌ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ. وَأَمَّا الْقَلِيلُ الَّذِي اسْتَثْنَاهُ اللَّهُ جَلَّ ذِكْرُهُ فِي قَوْلِهِ (وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خَلْفَكَ إِلَّا قَلِيلًا) فَإِنَّهُ فِيمَا قِيلَ، مَا بَيْنَ خُرُوجِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِنْ مَكَّةَ إِلَى أَنْ قَتَلَ اللَّهُ مَنْ قَتَلَ مِنْ مُشْرِكِيهِمْ بِبَدْرٍ
١٥ / ١٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: (وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خَلْفَكَ إِلَّا قَلِيلًا) يَعْنِي بِالْقَلِيلِ يَوْمَ أَخْذِهِمْ بِبَدْرٍ، فَكَانَ ذَلِكَ هُوَ الْقَلِيلُ الَّذِي لَبِثُوا بَعْدُ
١٥ / ٢٠
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: ثنا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: (وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خَلْفَكَ إِلَّا قَلِيلًا) كَانَ الْقَلِيلُ الَّذِي لَبِثُوا بَعْدَ خُرُوجِ النَّبِيِّ ﷺ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِهِمْ إِلَى بَدْرٍ، فَأَخَذَهُمْ بِالْعَذَابِ يَوْمَ بَدْرٍ وَعَنَى بِقَوْلِهِ خِلَافَكَ: بَعْدَكَ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الكامل] عَقِبَ الرَّذَاذُ خِلَافَهَا فَكَأَنَّمَا … بَسَطَ الشَّوَاطِبُ بَيْنَهُنَّ حَصِيرَا
يَعْنِي بِقَوْلِهِ: خِلَافَهَا: بَعْدَهَا. وَقَدْ حُكِيَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهَا: (خَلْفَكَ) . وَمَعْنَى ذَلِكَ، وَمَعْنَى الْخِلَافِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَاحِدٌ
[البحر الكامل] عَقِبَ الرَّذَاذُ خِلَافَهَا فَكَأَنَّمَا … بَسَطَ الشَّوَاطِبُ بَيْنَهُنَّ حَصِيرَا
يَعْنِي بِقَوْلِهِ: خِلَافَهَا: بَعْدَهَا. وَقَدْ حُكِيَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهَا: (خَلْفَكَ) . وَمَعْنَى ذَلِكَ، وَمَعْنَى الْخِلَافِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَاحِدٌ
١٥ / ٢١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلًا﴾ [الإسراء: ٧٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: لَوْ أَخْرَجُوكَ لَمْ يَلْبَثُوا خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا، وَلَأَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِنَا، سُنَّتُنَا فِيمَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا، فَإِنَّا كَذَلِكَ كُنَّا نَفْعَلُ بِالْأُمَمِ إِذَا أَخْرَجَتْ رُسُلَهَا مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِهِمْ، وَنُصِبَتِ السُّنَّةُ عَلَى الْخُرُوجِ مِنْ مَعْنَى قَوْلِهِ ﴿لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا ⦗٢٢⦘ قَلِيلًا﴾ [الإسراء: ٧٦] لِأَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ: لَعَذَّبْنَاهُمْ بَعْدَ قَلِيلٍ كَسُنَّتِنَا فِي أُمَمِ مَنْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا، وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلًا عَمَّا جَرَتْ بِهِ. كَمَا:
١٥ / ٢١
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلًا﴾ [الإسراء: ٧٧] أَيْ سُنَّةُ الْأُمَمِ وَالرُّسُلِ كَانَتْ قَبْلَكَ كَذَلِكَ إِذَا كَذَبُوا رُسُلَهُمْ وَأَخْرَجُوهُمْ، لَمْ يُنَاظَرُوا أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ عَلَيْهِمْ عَذَابَهُ
١٥ / ٢٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْل وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا﴾ [الإسراء: ٧٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: ﴿أَقِمِ الصَّلَاةَ﴾ [الإسراء: ٧٨] يَا مُحَمَّدُ ﴿لِدُلُوكِ الشَّمْسِ﴾ [الإسراء: ٧٨] وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي عَنَاهُ اللَّهُ بِدُلُوكِ الشَّمْسِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ وَقْتُ غُرُوبِهَا، وَالصَّلَاةُ الَّتِي أَمَرَ بِإِقَامَتِهَا حِينَئِذٍ: صَلَاةُ الْمَغْرِبِ
١٥ / ٢٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي وَاصِلُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى الْأَسَدِيُّ، قَالَ: ثنا ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، يَعْنِي الشَّيْبَانِيَّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ كَانَ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَلَى سَطْحٍ حِينَ غَرَبَتِ الشَّمْسُ، فَقَرَأَ: ﴿أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ﴾ [الإسراء: ٧٨] حَتَّى فَرَغَ مِنَ الْآيَةِ، ثُمَّ قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ هَذَا لَحِينُ دَلَكَتِ الشَّمْسُ وَأَفْطَرَ الصَّائِمُ وَوَقْتُ الصَّلَاةِ
١٥ / ٢٢
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَبْدِ الْغَافِرِ، أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ كَتَبَ إِلَيْهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ كَانَ إِذَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ صَلَّى الْمَغْرِبَ وَيُفْطِرُ عِنْدَهَا إِنْ كَانَ صَائِمًا، وَيُقْسِمُ عَلَيْهَا يَمِينًا مَا يُقْسِمُهُ عَلَى شَيْءٍ مِنَ الصَّلَوَاتِ بِاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، إِنَّ هَذِهِ السَّاعَةَ لَمِيقَاتُ هَذِهِ الصَّلَاةِ، وَيَقْرَأُ فِيهَا تَفْسِيرَهَا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ ﴿أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ﴾ [الإسراء: ٧٨]
١٥ / ٢٣
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: هَذَا دُلُوكُ الشَّمْسِ، وَهَذَا غَسَقُ اللَّيْلِ، وَأَشَارَ إِلَى الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ
١٥ / ٢٣
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: دُلُوكُ الشَّمْسِ: غُرُوبُهَا، يَقُولُ: دَلَكَتْ بِرَاحٍ
١٥ / ٢٣
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّهُ قَالَ: حِينَ غَرَبَتِ الشَّمْسُ دَلَكَتْ، يَعْنِي بَرَاحٍ مَكَانًا
١٥ / ٢٣
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنْ ⦗٢٤⦘ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: دُلُوكُهَا: غُرُوبُهَا
١٥ / ٢٣
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: قَدْ ذُكِرَ لَنَا أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يُصَلِّيهَا إِذَا وَجَبَتْ وَعِنْدَهَا يُفْطِرُ إِذَا كَانَ صَائِمًا، ثُمَّ يُقْسِمُ عَلَيْهَا قَسَمًا لَا يُقْسِمُهُ عَلَى شَيْءٍ مِنَ الصَّلَوَاتِ بِاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، إِنَّ هَذِهِ السَّاعَةَ لَمِيقَاتُ هَذِهِ الصَّلَاةِ، ثُمَّ يَقْرَأُ وَيُصَلِّيهَا وَتَصْدِيقُهَا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ: ﴿أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ﴾ [الإسراء: ٧٨]
١٥ / ٢٤
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ ﴿أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ﴾ [الإسراء: ٧٨] قَالَ: كَانَ أَبِي يَقُولُ: دُلُوكُهَا: حِينَ تُرِيدُ الشَّمْسَ تَغْرُبُ إِلَى أَنْ يَغْسَقَ اللَّيْلُ، قَالَ: هِيَ الْمَغْرِبُ حِينَ يَغْسَقُ اللَّيْلُ، وَتَدْلُكُ الشَّمْسُ لِلْغُرُوبِ
١٥ / ٢٤
حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ الرَّبِيعِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، سَمِعَ عَمْرَو بْنَ دِينَارٍ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ يَقُولُ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ يُصَلِّي الْمَغْرِبَ حِينَ يَغْرُبُ حَاجِبُ الشَّمْسِ، وَيَحْلِفُ أَنَّهُ الْوَقْتُ الَّذِي قَالَ اللَّهُ ﴿أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ﴾ [الإسراء: ٧٨]
١٥ / ٢٤
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ حِينَ غَرَبَتِ الشَّمْسُ: هَذَا وَاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ وَقْتُ هَذِهِ الصَّلَاةِ وَقَالَ: ⦗٢٥⦘ دُلُوكُهَا: غُرُوبُهَا وَقَالَ آخَرُونَ: دُلُوكُ الشَّمْسِ: مَيْلُهَا لِلزَّوَالِ، وَالصَّلَاةُ الَّتِي أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِإِقَامَتِهَا عِنْدَ دُلُوكِهَا: الظُّهْرُ
١٥ / ٢٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: دُلُوكُهَا: مَيْلُهَا، يَعْنِي الشَّمْسُ
١٥ / ٢٥
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ فِي قَوْلِهِ ﴿أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ﴾ [الإسراء: ٧٨] قَالَ: دُلُوكُهَا: زَوَالُهَا
١٥ / ٢٥
حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، فِي قَوْلِهِ ﴿أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ﴾ [الإسراء: ٧٨] قَالَ: دُلُوكُهَا: مَيْلُهَا
١٥ / ٢٥
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ بْنُ وَاقِدٍ، عَنْ ⦗٢٦⦘ سَيَّارِ بْنِ سَلَامَةَ، عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ، قَوْلُهُ ﴿أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ﴾ [الإسراء: ٧٨] قَالَ: إِذَا زَالَتْ
١٥ / ٢٥
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ مَرَّةً أُخْرَى، قَالَ: ثنا أَبُو تُمَيْلَةَ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ بْنُ وَاقِدٍ، قَالَ: ثنا سَيَّارُ بْنُ سَلَامَةَ الرِّيَاحِيُّ، قَالَ: أَتَيْتُ أَبَا بَرْزَةَ فَسَأَلَهُ وَالِدِي عَنْ مَوَاقِيتِ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُصَلِّي الظُّهْرَ إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ تَلَا: ﴿أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ﴾ [الإسراء: ٧٨]
١٥ / ٢٦
حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الصُّدَائِيُّ، قَالَ: ثنا أَبِي، قَالَ: ثنا مُبَارَكٌ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: قَالَ اللَّهُ عز وجل لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ ﴿أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ﴾ [الإسراء: ٧٨] قَالَ: الظُّهْرُ دُلُوكُهَا، إِذَا زَالَتْ عَنْ بَطْنِ السَّمَاءِ، وَكَانَ لَهَا فِي الْأَرْضِ فَيْءٌ
١٥ / ٢٦
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ ﴿أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ﴾ [الإسراء: ٧٨] قَالَ: دُلُوكُهَا: زَوَالُهَا حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، مِثْلَ ذَلِكَ
١٥ / ٢٦
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، فِي ﴿أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ﴾ [الإسراء: ٧٨] قَالَ: لَزَوَالُ الشَّمْسِ
١٥ / ٢٦
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: دُلُوكُ الشَّمْسِ: زَيْغُهَا بَعْدَ نِصْفِ النَّهَارِ، يَعْنِي الظِّلَّ
١٥ / ٢٧
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: دُلُوكُ الشَّمْسِ، قَالَ: حِينَ تَزِيغُ عَنْ بَطْنِ السَّمَاءِ،
١٥ / ٢٧
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ ﴿أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ﴾ [الإسراء: ٧٨] أَيْ إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ عَنْ بَطْنِ السَّمَاءِ لِصَلَاةِ الظُّهْرِ
١٥ / ٢٧
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ﴿لِدُلُوكِ الشَّمْسِ﴾ [الإسراء: ٧٨] قَالَ: حِينَ تَزِيغُ
١٥ / ٢٧
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: دُلُوكُ الشَّمْسِ: حِينَ تَزِيغُ وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: عَنَى بِقَوْلِهِ ﴿أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ﴾ [الإسراء: ٧٨] صَلَاةَ الظُّهْرِ، وَذَلِكَ أَنَّ الدُّلُوكَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ: الْمَيْلُ، يُقَالُ مِنْهُ: دَلَكَ فُلَانٌ إِلَى كَذَا: إِذَا مَالَ إِلَيْهِ. وَمِنْهُ الْخَبَرُ الَّذِي رُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لَهُ: أَيُدَالِكُ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ؟ يَعْنِي بِذَلِكَ: أَيَمِيلُ بِهَا إِلَى الْمُمَاطَلَةِ بِحَقِّهَا. وَمِنْهُ
١٥ / ٢٧
قَوْلُ الرَّاجِزِ:
[البحر الرجز]هَذَا مَقَامُ قَدَمَيْ رَبَاحِ
غُدْوَةَ حَتَّى دَلَكَتْ بِرَاحِ
وَيُرْوَى: بَرَاحِ بِفَتْحِ الْبَاءِ، فَمَنْ رَوَى ذَلِكَ: بِرَاحٍ، بِكَسْرِ الْبَاءِ، فَإِنَّهُ يَعْنِي: أَنَّهُ يَضَعُ النَّاظِرُ كَفَّهُ عَلَى حَاجِبِهِ مِنْ شُعَاعِهَا، لِيَنْظُرَ مَا لَقِيَ مِنْ غَيَارِهَا. وَهَذَا تَفْسِيرُ أَهْلِ الْغَرِيبِ أَبِي عُبَيْدَةَ وَالْأَصْمَعِيِّ وَأَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ وَغَيْرِهِمْ. وَقَدْ ذَكَرْتُ فِي الْخَبَرِ الَّذِي رَوَيْتُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّهُ قَالَ حِينَ غَرَبَتِ الشَّمْسُ: دَلَكَتْ بِرَاحٍ، يَعْنِي: بِرَاحٍ مَكَانًا، وَلَسْتُ أَدْرِي هَذَا التَّفْسِيرَ، أَعَنَي قَوْلَهُ: بِرَاحٍ مَكَانًا مِنْ كَلَامِ مَنْ هُوَ مِمَّنْ فِي الْإِسْنَادِ، أَوْ مِنْ كَلَامِ عَبْدِ اللَّهِ، فَإِنْ يَكُنْ مِنْ كَلَامِ عَبْدِ اللَّهِ، فَلَا شَكَّ أَنَّهُ كَانَ أَعْلَمَ بِذَلِكَ مِنْ أَهْلِ الْغَرِيبِ الَّذِينَ ذَكَرْتُ قَوْلَهُمْ، وَأَنَّ الصَّوَابَ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ دُونَ قَوْلِهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ كَلَامِ عَبْدِ اللَّهِ، فَإِنَّ أَهْلَ الْعَرَبِيَّةِ كَانُوا أَعْلَمَ بِذَلِكَ مِنْهُ، وَلَمَّا قَالَ أَهْلُ الْغَرِيبِ فِي ذَلِكَ شَاهِدٌ مِنْ قَوْلِ الْعَجَّاجِ، وَهُوَ قَوْلُهُ:
[البحر الرجز]
[البحر الرجز]هَذَا مَقَامُ قَدَمَيْ رَبَاحِ
غُدْوَةَ حَتَّى دَلَكَتْ بِرَاحِ
وَيُرْوَى: بَرَاحِ بِفَتْحِ الْبَاءِ، فَمَنْ رَوَى ذَلِكَ: بِرَاحٍ، بِكَسْرِ الْبَاءِ، فَإِنَّهُ يَعْنِي: أَنَّهُ يَضَعُ النَّاظِرُ كَفَّهُ عَلَى حَاجِبِهِ مِنْ شُعَاعِهَا، لِيَنْظُرَ مَا لَقِيَ مِنْ غَيَارِهَا. وَهَذَا تَفْسِيرُ أَهْلِ الْغَرِيبِ أَبِي عُبَيْدَةَ وَالْأَصْمَعِيِّ وَأَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ وَغَيْرِهِمْ. وَقَدْ ذَكَرْتُ فِي الْخَبَرِ الَّذِي رَوَيْتُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّهُ قَالَ حِينَ غَرَبَتِ الشَّمْسُ: دَلَكَتْ بِرَاحٍ، يَعْنِي: بِرَاحٍ مَكَانًا، وَلَسْتُ أَدْرِي هَذَا التَّفْسِيرَ، أَعَنَي قَوْلَهُ: بِرَاحٍ مَكَانًا مِنْ كَلَامِ مَنْ هُوَ مِمَّنْ فِي الْإِسْنَادِ، أَوْ مِنْ كَلَامِ عَبْدِ اللَّهِ، فَإِنْ يَكُنْ مِنْ كَلَامِ عَبْدِ اللَّهِ، فَلَا شَكَّ أَنَّهُ كَانَ أَعْلَمَ بِذَلِكَ مِنْ أَهْلِ الْغَرِيبِ الَّذِينَ ذَكَرْتُ قَوْلَهُمْ، وَأَنَّ الصَّوَابَ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ دُونَ قَوْلِهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ كَلَامِ عَبْدِ اللَّهِ، فَإِنَّ أَهْلَ الْعَرَبِيَّةِ كَانُوا أَعْلَمَ بِذَلِكَ مِنْهُ، وَلَمَّا قَالَ أَهْلُ الْغَرِيبِ فِي ذَلِكَ شَاهِدٌ مِنْ قَوْلِ الْعَجَّاجِ، وَهُوَ قَوْلُهُ:
[البحر الرجز]
وَالشَّمْسُ قَدْ كَادَتْ تَكُونُ دَنَفًا …
١٥ / ٢٨
أَدْفَعُهَا بِالرَّاحِ كَيْ تَزَحْلَفَا
فَأَخْبَرَ أَنَّهُ يَدْفَعُ شُعَاعَهَا لِيَنْظُرَ إِلَى مَغِيبِهَا بِرَاحَةٍ. وَمَنْ رَوَى ذَلِكَ بِفَتْحِ الْبَاءِ، فَإِنَّهُ جَعَلَهُ اسْمًا لِلشَّمْسِ وَكَسَرَ الْحَاءَ لِإِخْرَاجِهِ إِيَّاهُ عَلَى تَقْدِيرِ قَطَامِ وَحَذَامِ وَرَقَاشِ، فَإِذَا كَانَ مَعْنَى الدُّلُوكِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ هُوَ الْمَيْلُ، فَلَا شَكَّ أَنَّ الشَّمْسَ إِذَا زَالَتْ عَنْ كَبِدِ السَّمَاءِ، فَقَدْ مَالَتْ لِلْغُرُوبٍ، وَذَلِكَ وَقْتُ صَلَاةِ الظُّهْرِ، وَبِذَلِكَ وَرَدَ الْخَبَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَإِنْ كَانَ فِي إِسْنَادِ بَعْضِهِ بَعْضُ النَّظَرِ
فَأَخْبَرَ أَنَّهُ يَدْفَعُ شُعَاعَهَا لِيَنْظُرَ إِلَى مَغِيبِهَا بِرَاحَةٍ. وَمَنْ رَوَى ذَلِكَ بِفَتْحِ الْبَاءِ، فَإِنَّهُ جَعَلَهُ اسْمًا لِلشَّمْسِ وَكَسَرَ الْحَاءَ لِإِخْرَاجِهِ إِيَّاهُ عَلَى تَقْدِيرِ قَطَامِ وَحَذَامِ وَرَقَاشِ، فَإِذَا كَانَ مَعْنَى الدُّلُوكِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ هُوَ الْمَيْلُ، فَلَا شَكَّ أَنَّ الشَّمْسَ إِذَا زَالَتْ عَنْ كَبِدِ السَّمَاءِ، فَقَدْ مَالَتْ لِلْغُرُوبٍ، وَذَلِكَ وَقْتُ صَلَاةِ الظُّهْرِ، وَبِذَلِكَ وَرَدَ الْخَبَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَإِنْ كَانَ فِي إِسْنَادِ بَعْضِهِ بَعْضُ النَّظَرِ
١٥ / ٢٩
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، قَالَ: ثني مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثني يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: ثني أَبُو بَكْرِ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ الْأَنْصَارِيُّ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ عُقْبَةَ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «أَتَانِي جَبْرَائِيلُ عليه السلام لِدُلُوكِ الشَّمْسِ حِينَ زَالَتْ فَصَلَّى بِيَ الظُّهْرَ»
١٥ / ٢٩
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا أَبُو تُمَيْلَةَ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ بْنُ وَاقِدٍ، قَالَ: ثني سَيَّارُ بْنُ سَلَامَةَ الرِّيَاحِيُّ، قَالَ: قَالَ أَبُو بَرْزَةَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُصَلِّي الظُّهْرَ إِذَا ⦗٣٠⦘ زَالَتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ تَلَا ﴿أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ﴾ [الإسراء: ٧٨]
١٥ / ٢٩
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا الْحَكَمُ بْنُ بَشِيرٍ، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ قَيْسٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: دَعَوْتُ نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ وَمَنْ شَاءَ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَطَعِمُوا عِنْدِي، ثُمَّ خَرَجُوا حِينَ زَالَتِ الشَّمْسُ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ ﷺ فَقَالَ: «اخْرُجْ يَا أَبَا بَكْرٍ قَدْ دَلَكَتِ الشَّمْسُ» حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ الرَّازِيُّ، قَالَ: ثنا سَهْلُ بْنُ بَكَّارٍ، قَالَ: ثنا أَبُو عَوَانَةَ، عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ نُبَيْحِ الْعَنَزِيِّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، نَحْوَ حَدِيثِ ابْنِ حُمَيْدٍ فَإِذَا كَانَ صَحِيحًا مَا قُلْنَا بِالَّذِي بِهِ اسْتَشْهَدْنَا، فَبَيَّنَ إِذَنْ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ﴾ [الإسراء: ٧٨] أَنَّ صَلَاةَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِحُدُودِهِمَا مِمَّا أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَيْكَ فِيهِمَا لِأَنَّهُمَا الصَّلَاتَانِ اللَّتَانِ فَرَضَهُمَا اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ مِنْ وَقْتِ دَلْوِكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ، وَغَسَقُ اللَّيْلِ: هُوَ إِقْبَالُهُ وَدُنُوُّهُ بِظَلَامِهِ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر المديد]آبَ هَذَا اللَّيْلُ إِذْ غَسَقَا
[البحر المديد]آبَ هَذَا اللَّيْلُ إِذْ غَسَقَا
١٥ / ٣٠
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ عَلَى اخْتِلَافٍ مِنْهُمْ فِي الصَّلَاةِ الَّتِي أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِإِقَامَتِهَا عِنْدَهُ، فَقَالَ بَعْضُهُمُ: الصَّلَاةُ الَّتِي أَمَرَ بِإِقَامَتِهَا عِنْدَهُ صَلَاةُ الْمَغْرِبِ
١٥ / ٣١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ ﴿أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ﴾ [الإسراء: ٧٨] قَالَ: غَسَقُ اللَّيْلِ: بُدُوُّ اللَّيْلِ
١٥ / ٣١
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ، سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ﴾ [الإسراء: ٧٨] قَالَ: بُدُوُّ اللَّيْلِ
١٥ / ٣١
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: غَسَقُ اللَّيْلِ: غُرُوبُ الشَّمْسِ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٥ / ٣١
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدٌ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿غَسَقِ اللَّيْلِ﴾ [الإسراء: ٧٨] صَلَاةُ الْمَغْرِبِ
١٥ / ٣١
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ﴾ [الإسراء: ٧٨]⦗٣٢⦘ بُدُوُّ اللَّيْلِ لِصَلَاةِ الْمَغْرِبِ وَقَدْ ذَكَرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ كَانَ يَقُولُ: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْفِطْرَةِ مَا صَلَّوْا صَلَاةَ الْمَغْرِبِ قَبْلَ أَنْ تَبْدُوَ النُّجُومُ»
١٥ / ٣١
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: ثنا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ ﴿إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ﴾ [الإسراء: ٧٨] يَعْنِي ظَلَامَ اللَّيْلِ
١٥ / ٣٢
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: كَانَ أَبِي يَقُولُ: ﴿غَسَقِ اللَّيْلِ﴾ [الإسراء: ٧٨] ظُلْمَةُ اللَّيْلِ وَقَالَ آخَرُونَ: هِيَ صَلَاةُ الْعَصْرِ
١٥ / ٣٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، ﴿إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ﴾ [الإسراء: ٧٨] قَالَ: صَلَاةُ الْعَصْرِ وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ، قَوْلُ مَنْ قَالَ: الصَّلَاةُ الَّتِي أَمَرَ النَّبِيُّ ﷺ بِإِقَامَتِهَا عِنْدَ غَسَقِ اللَّيْلِ هِيَ صَلَاةُ الْمَغْرِبِ دُونَ غَيْرِهَا، لِأَنَّ غَسَقَ اللَّيْلِ هُوَ مَا وَصَفْنَا مِنْ إِقْبَالِ اللَّيْلِ وَظَلَامِهِ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا بَعْدَ مَغِيبِ الشَّمْسِ. فَأَمَّا صَلَاةُ الْعَصْرِ، فَإِنَّهَا مِمَّا تُقَامُ بَيْنَ ابْتِدَاءِ دُلُوِكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ، لَا ⦗٣٣⦘ عِنْدَ غَسَقِ اللَّيْلِ
١٥ / ٣٢
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَقُرْآنَ الْفَجْرِ﴾ [الإسراء: ٧٨] فَإِنَّ مَعْنَاهُ وَأَقِمْ قُرْآنَ الْفَجْرِ: أَيْ مَا تَقْرَأُ بِهِ صَلَاةَ الْفَجْرِ مِنَ الْقُرْآنِ، وَالْقُرْآنُ مَعْطُوفٌ عَلَى الصَّلَاةِ فِي قَوْلِهِ: ﴿أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ﴾ [الإسراء: ٧٨] وَكَانَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ يَقُولُ: نُصِبَ قَوْلُهُ ﴿وَقُرْآنَ الْفَجْرِ﴾ [الإسراء: ٧٨] عَلَى الْإِغْرَاءِ، كَأَنَّهُ قَالَ: وَعَلَيْكَ قُرْآنَ الْفَجْرِ ﴿إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا﴾ [الإسراء: ٧٨] يَقُولُ: إِنَّ مَا تَقْرَأُ بِهِ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ مِنَ الْقُرْآنِ كَانَ مَشْهُودًا، يَشْهَدُهُ فِيمَا ذُكِرَ مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ وَمَلَائِكَةُ النَّهَارِ. وَبِالَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ: وَجَاءَتِ الْآثَارُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ
١٥ / ٣٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عُبَيْدُ بْنُ أَسْبَاطِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْقُرَشِيُّ، قَالَ: ثني أَبِي، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ﴿وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا﴾ [الإسراء: ٧٨] قَالَ: «تَشْهَدُهُ مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ وَمَلَائِكَةُ النَّهَارِ»
١٥ / ٣٣
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: ثنا آدَمٌ، قَالَ: ثنا لَيْثُ بْنُ سَعْدٍ، وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلِ بْنِ عَسْكَرٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ: ثنا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ زِيَادَةَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبِ الْقُرَظِيِّ، عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: “إِنَّ اللَّهَ يَفْتَحُ الذِّكْرَ فِي ثَلَاثِ سَاعَاتٍ يَبْقَيْنَ مِنَ اللَّيْلِ: فِي السَّاعَةِ الْأُولَى مِنْهُنَّ يَنْظُرُ فِي الْكِتَابِ الَّذِي لَا يَنْظُرُ فِيهِ أَحَدٌ غَيْرُهُ فَيَمْحُو مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ، ثُمَّ يَنْزِلُ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ إِلَى جَنَّةِ عَدْنٍ، وَهِيَ دَارُهُ الَّتِي لَمْ تَرَهَا عَيْنٌ، وَلَا تَخْطُرُ عَلَى قَلْبِ بِشْرٍ، وَهِيَ مَسْكَنُهُ، وَلَا يَسْكُنُ مَعَهُ مِنْ بَنِي آدَمَ غَيْرُ ثَلَاثَةٍ: النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءُ، ثُمَّ يَقُولُ: طُوبَى لِمَنْ دَخَلَكِ، ثُمَّ يَنْزِلُ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا بِرُوحِهِ وَمَلَائِكَتِهِ فَتَنْتَفِضُ، فَيَقُولُ: قُومِي بِعَوْنِي، لَمْ يَطْلُعْ إِلَى عِبَادِهِ، فَيَقُولُ: مَنْ يَسْتَغْفِرْنِي أَغْفِرْ لَهُ، مَنْ يَسْأَلْنِي أُعْطِهِ، مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ، فَذَلِكَ حِينَ يَقُولُ ﴿وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا﴾ [الإسراء: ٧٨] قَالَ مُوسَى فِي حَدِيثِهِ: شَهِدَهُ اللَّهُ وَمَلَائِكَةُ اللَّيْلِ وَمَلَائِكَةُ النَّهَارِ وَقَالَ ابْنُ عَسْكَرٍ فِي حَدِيثِهِ: فَيَشْهَدُهُ اللَّهُ وَمَلَائِكَةُ اللَّيْلِ وَمَلَائِكَةُ النَّهَارِ
١٥ / ٣٤
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَبْدِ الْغَافِرِ، قَالَ: قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ يُحَدِّثُ أَنَّ صَلَاةَ الْفَجْرِ عِنْدَهَا يَجْتَمِعُ الْحَرَسَانِ مِنْ مَلَائِكَةِ اللَّهِ، وَيَقْرَأُ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿وَقُرْآنَ الْفَجْرِ ⦗٣٥⦘ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا﴾ [الإسراء: ٧٨]
١٥ / ٣٤
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا﴾ [الإسراء: ٧٨] وَقُرْآنُ الْفَجْرِ: صَلَاةُ الصُّبْحِ، كُنَّا نُحَدِّثُ أَنَّ عِنْدَهَا يَجْتَمِعُ الْحَرَسَانِ مِنْ مَلَائِكَةِ اللَّهِ: حَرَسُ اللَّيْلِ، وَحَرَسُ النَّهَارِ
١٥ / ٣٥
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿وَقُرْآنَ الْفَجْرِ﴾ [الإسراء: ٧٨] صَلَاةُ الْفَجْرِ
١٥ / ٣٥
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿كَانَ مَشْهُودًا﴾ [الإسراء: ٧٨] فَإِنَّهُ يَقُولُ: مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ وَمَلَائِكَةُ النَّهَارِ يَشْهَدُونَ تِلْكَ الصَّلَاةَ
١٥ / ٣٥
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا﴾ [الإسراء: ٧٨] قَالَ: تَنْزِلُ مَلَائِكَةُ النَّهَارِ وَتَصْعَدُ مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ
١٥ / ٣٥
حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ، قَالَ: ثنا ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ ضِرَارِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الْهُذَيْلِ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا﴾ [الإسراء: ٧٨] قَالَ: يَشْهَدُهُ حَرَسُ اللَّيْلِ وَحَرَسُ النَّهَارِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ
١٥ / ٣٥
حَدَّثَنَا أَبُو السَّائِبِ، قَالَ: ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، فِي قَوْلِهِ ⦗٣٦⦘: ﴿وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا﴾ [الإسراء: ٧٨] قَالَ: كَانُوا يَقُولُونَ تَجْتَمِعُ مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ وَمَلَائِكَةُ النَّهَارِ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ فَتَشْهَدُ فِيهَا جَمِيعًا، ثُمَّ يَصْعَدُ هَؤُلَاءِ وَيُقِيمُ هَؤُلَاءِ
١٥ / ٣٥
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ﴿وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا﴾ [الإسراء: ٧٨] يَعْنِي صَلَاةَ الصُّبْحِ
١٥ / ٣٦
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ﴿وَقُرْآنَ الْفَجْرِ﴾ [الإسراء: ٧٨] قَالَ: صَلَاةُ الصُّبْحِ
١٥ / ٣٦
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ﴿وَقُرْآنَ الْفَجْرِ﴾ [الإسراء: ٧٨] صَلَاةُ الصُّبْحِ ﴿إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا﴾ [الإسراء: ٧٨] قَالَ: تَجْتَمِعُ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ وَمَلَائِكَةُ النَّهَارِ
١٥ / ٣٦
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: ثنا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ ﴿وَقُرْآنَ الْفَجْرِ﴾ [الإسراء: ٧٨] يَعْنِي صَلَاةَ الْغَدَاةِ
١٥ / ٣٦
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: ﴿وَقُرْآنَ الْفَجْرِ﴾ [الإسراء: ٧٨] قَالَ: صَلَاةُ الْفَجْرِ ﴿إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا﴾ [الإسراء: ٧٨] قَالَ: مَشْهُودًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ فِيمَا يَذْكُرُونَ
١٥ / ٣٦
قَالَ: وَكَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ يَقُولَانِ: الصَّلَاةُ الْوسْطَى الَّتِي حَضَّ اللَّهُ عَلَيْهَا: صَلَاةُ الصُّبْحِ قَالَ: ⦗٣٧⦘ وَذَلِكَ أَنَّ صَلَاةَ الظُّهْرِ وَصَلَاةَ الْعَصْرِ: صَلَاتَا النَّهَارِ، وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ: صَلَاتَا اللَّيْلِ، وَهِيَ بَيْنَهَا، وَهِيَ صَلَاةُ نَوْمٍ، مَا نَعْلَمُ صَلَاةً يُغْفَلُ عَنْهَا مِثْلَهَا
١٥ / ٣٦
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنِ الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ أَبِي الْوَرْدِ بْنِ ثُمَامَةَ، عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ الْحَضْرَمِيُّ، قَالَ: ثنا كَعْبٌ، فِي هَذَا الْمَسْجِدِ، قَالَ: وَالَّذِي نَفْسُ كَعْبٍ بِيَدِهِ، إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ ﴿وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا﴾ [الإسراء: ٧٨] إِنَّهَا لِصَلَاةُ الْفَجْرِ إِنَّهَا لَمَشْهُودَةٌ
١٥ / ٣٧
حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: ثنا بِشْرُ بْنُ شُعَيْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: ثني سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «تَجْتَمِعُ مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ وَمَلَائِكَةُ النَّهَارِ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ» ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ: اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ ﴿وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا﴾ [الإسراء: ٧٨]
١٥ / ٣٧
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ ﴿وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا﴾ [الإسراء: ٧٨] قَالَ: صَلَاةُ الْفَجْرِ تَجْتَمِعُ فِيهَا مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ وَمَلَائِكَةُ النَّهَارِ
١٥ / ٣٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا﴾ [الإسراء: ٧٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْهَرْ بَعْدَ نَوْمَةٍ يَا مُحَمَّدُ بِالْقُرْآنِ نَافِلَةً لَكَ خَالِصَةً دُونَ أُمَّتِكَ وَالتَّهَجُّدُ: التَّيَقُّظُ وَالسَّهَرُ بَعْدَ نَوْمَةٍ مِنَ اللَّيْلِ. وَأَمَّا الْهُجُودُ نَفْسُهُ: فَالنَّوْمُ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الطويل] أَلَا طَرَقَتْنَا وَالرِّفَاقُ هُجُودُ … فَبَاتَتْ بِعُلَّاتِ النَّوَالِ تَجُودُ
وَقَالَ الْحُطَيْئَةُ:
[البحر الطويل] أَلَا طَرَقْتُ هِنْدُ الْهُنُودِ وَصُحْبَتِي … بِحَوْرَانَ حَوْرَانِ الْجُنُودِ هُجُودُ
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
[البحر الطويل] أَلَا طَرَقَتْنَا وَالرِّفَاقُ هُجُودُ … فَبَاتَتْ بِعُلَّاتِ النَّوَالِ تَجُودُ
وَقَالَ الْحُطَيْئَةُ:
[البحر الطويل] أَلَا طَرَقْتُ هِنْدُ الْهُنُودِ وَصُحْبَتِي … بِحَوْرَانَ حَوْرَانِ الْجُنُودِ هُجُودُ
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٥ / ٣٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، قَالَ: ثنا أَبِي وَشُعَيْبُ بْنُ اللَّيْثِ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ مُجَاهِدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي هِلَالٍ، عَنِ الْأَعْرَجِ، أَنَّهُ قَالَ: أَخْبَرَنِي حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ رَجُلٍ، مِنَ الْأَنْصَارِ، أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي سَفَرٍ، فَقَالَ: لَأَنْظُرَنَّ كَيْفَ يُصَلِّي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، قَالَ: فَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، ثُمَّ ⦗٣٩⦘ اسْتَيْقَظَ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ، فَتَلَا أَرْبَعَ آيَاتٍ مِنْ آخِرِ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ﴾ حَتَّى مَرَّ بِالْأَرْبَعِ، ثُمَّ أَهْوَى إِلَى الْقِرْبَةِ، فَأَخَذَ سِوَاكًا فَاسْتَنَّ بِهِ، ثُمَّ تَوَضَّأَ، ثُمَّ صَلَّى، ثُمَّ نَامَ، ثُمَّ اسْتَيْقَظَ فَصَنَعَ كِصُنْعِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ، وَيَزْعُمُونَ أَنَّهُ التَّهَجُّدُ الَّذِي أَمَرَهُ اللَّهُ
١٥ / ٣٨
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَا: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَلْقَمَةَ، وَالْأَسْوَدِ، أَنَّهُمَا قَالَا: التَّهَجُّدُ بَعْدَ نَوْمَةٍ
١٥ / ٣٩
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا أَبُو عَامِرٍ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ، قَالَ: التَّهَجُّدُ: بَعْدَ نَوْمَةٍ حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى ثنا قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ شُعْبَةَ، قَالَ: ثني أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، وَالْأَسْوَدِ، بِمِثْلِهِ
١٥ / ٣٩
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، قَالَ: التَّهَجُّدُ: بَعْدَ النَّوْمِ
١٥ / ٣٩
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنِ الْحَسَنِ، ⦗٤٠⦘ قَالَ: التَّهَجُّدُ: مَا كَانَ بَعْدَ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ
١٥ / ٣٩
حُدِّثْتُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ الْعَبَّاسِ، عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: إِنَّمَا التَّهَجُّدُ بَعْدَ رَقْدَةٍ وَأَمَّا قَوْلُهُ ﴿نَافِلَةً لَكَ﴾ [الإسراء: ٧٩] فَإِنَّهُ يَقُولُ: نَفْلًا لَكَ عَنْ فَرَائِضِكَ الَّتِي فَرَضْتُهَا عَلَيْكَ وَاخْتُلِفَ فِي الْمَعْنَى الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ خُصَّ بِذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، مَعَ كَوْنِ صَلَاةِ كُلِّ مُصَلٍّ بَعْدَ هُجُودِهِ، إِذَا كَانَ قَبْلَ هُجُودِهِ قَدْ كَانَ أَدَّى فَرَائِضَهُ نَافِلَةً نَفْلًا، إِذْ كَانَتْ غَيْرَ وَاجِبَةٍ عَلَيْهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى خُصُوصِهِ بِذَلِكَ: هُوَ أَنَّهَا كَانَتْ فَرِيضَةً عَلَيْهِ، وَهِيَ لِغَيْرِهِ تَطَوَّعٌ، وَقِيلَ لَهُ: أَقِمْهَا نَافِلَةً لَكَ: أَيْ فَضْلًا لَكَ مِنَ الْفَرَائِضِ الَّتِي فَرَضْتُهَا عَلَيْكَ عَمَّا فَرَضْتُ عَلَى غَيْرِكَ
١٥ / ٤٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ﴾ [الإسراء: ٧٩] يَعْنِي بِالنَّافِلَةِ أَنَّهَا لِلنَّبِيِّ ﷺ خَاصَّةً، أُمِرَ بِقِيَامِ اللَّيْلِ وَكُتِبَ عَلَيْهِ ⦗٤١⦘ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ قِيلَ ذَلِكَ لَهُ ﷺ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِعْلُهُ ذَلِكَ يُكَفِّرُ عَنْهُ شَيْئًا مِنَ الذُّنُوبِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَانَ قَدْ غَفَرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، فَكَانَ لَهُ نَافِلَةَ فَضْلٍ، فَأَمَّا غَيْرُهُ فَهُوَ لَهُ كَفَّارَةٌ، وَلَيْسَ هُوَ لَهُ نَافِلَةً
١٥ / ٤٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: النَّافِلَةُ لِلنَّبِيِّ ﷺ خَاصَّةً مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، فَمَا عَمِلَ مِنْ عَمَلٍ سِوَى الْمَكْتُوبَةِ، فَهُوَ نَافِلَةٌ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ لَا يَعْمَلُ ذَلِكَ فِي كَفَّارَةِ الذُّنُوبِ، فَهِيَ نَوَافِلُ وَزِيَادَةٌ، وَالنَّاسُ يَعْمَلُونَ مَا سِوَى الْمَكْتُوبَةِ لِذُنُوبِهِمْ فِي كَفَّارَتُهَا، فَلَيْسَتْ لِلنَّاسِ نَوَافِلُ وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ، الْقَوْلُ الَّذِي ذَكَرْنَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ اللَّهُ تَعَالَى قَدْ خَصَّهُ بِمَا فَرَضَ عَلَيْهِ مِنْ قِيَامِ اللَّيْلِ، دُونَ سَائِرِ أُمَّتِهِ. فَأَمَّا مَا ذُكِرَ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي ذَلِكَ، فَقَوْلٌ لَا مَعْنًى لَهُ، لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فِيمَا ذُكِرَ عَنْهُ أَكْثَرُ مَا كَانَ اسْتِغْفَارًا لِذُنُوبِهِ بَعْدَ نُزُولِ قَوْلِ اللَّهِ عز وجل عَلَيْهِ ﴿لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ﴾ [الفتح: ٢] وَذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ السُّورَةَ أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ بَعْدَ مُنْصَرَفِهِ مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَأُنْزِلَ عَلَيْهِ ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ﴾ [النصر: ١] عَامَ قُبِضَ. وَقِيلَ لَهُ فِيهَا ﴿فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا﴾ [النصر: ٣] فَكَانَ يُعَدُّ لَهُ ﷺ فِي الْمَجْلِسِ الْوَاحِدِ اسْتِغْفَارَ مِائَةِ ⦗٤٢⦘ مَرَّةٍ وَمَعْلُومٌ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَأْمُرْهُ أَنْ يَسْتَغْفِرَ إِلَّا لِمَا يُغْفَرُ لَهُ بِاسْتِغْفَارِهِ ذَلِكَ، فَبَيِّنٌ إِذَنْ وَجْهُ فَسَادِ مَا قَالَهُ مُجَاهِدٌ
١٥ / ٤١
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ شِمْرِ بْنِ عَطِيَّةَ، عَنْ شَهْرٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: إِنَّمَا كَانَتِ النَّافِلَةُ لِلنَّبِيِّ ﷺ خَاصَّةً
١٥ / ٤٢
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿نَافِلَةً لَكَ﴾ [الإسراء: ٧٩] قَالَ: تَطَوُّعًا وَفَضِيلَةً لَكَ وَقَوْلُهُ: ﴿عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا﴾ [الإسراء: ٧٩] وَعَسَى مِنَ اللَّهِ وَاجِبَةٌ، وَإِنَّمَا وَجْهُ قَوْلِ أَهْلِ الْعِلْمِ: عَسَى مِنَ اللَّهِ وَاجِبَةٌ، لَعِلْمِ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ اللَّهَ لَا يَدَعُ أَنْ يَفْعَلَ بِعِبَادِهِ مَا أَطْمَعَهُمْ فِيهِ مِنَ الْجَزَاءِ عَلَى أَعْمَالِهِمْ وَالْعِوَضِ عَلَى طَاعَتِهِمْ إِيَّاهُ لَيْسَ مِنْ صِفَتِهِ الْغُرُورُ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ قَدْ أَطْمَعَ مَنْ قَالَ ذَلِكَ لَهُ فِي نَفْعِهِ، إِذَا هُوَ تَعَاهَدَهُ وَلَزِمَهُ، فَإِنْ لَزِمَ الْمَقُولُ لَهُ ذَلِكَ وَتَعَاهَدَهُ ثُمَّ لَمْ يَنْفَعْهُ، وَلَا سَبَبَ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَفْعِهِ إِيَّاهُ مَعَ الْإِطْمَاعِ الَّذِي تَقَدَّمَ مِنْهُ لِصَاحِبِهِ عَلَى تَعَاهُدِهِ إِيَّاهُ وَلُزُومِهِ، فَإِنَّهُ لِصَاحِبِهِ غَارٌّ بِمَا كَانَ مِنْ إِخْلَافِهِ إِيَّاهُ فِيمَا كَانَ أَطْمَعَهُ فِيهِ بِقَوْلِهِ الَّذِي قَالَ لَهُ. وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ
١٥ / ٤٢
كَذَلِكَ، وَكَانَ غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ مِنْ صِفَتِهِ الْغُرُورُ لِعِبَادِهِ صَحَّ وَوَجَبَ أَنَّ كُلَّ مَا أَطْمَعَهُمْ فِيهِ مِنْ طَمَعٍ عَلَى طَاعَتِهِ، أَوْ عَلَى فِعْلٍ مِنَ الْأَفْعَالِ، أَوْ أَمْرٍ أَوْ نَهْي أَمَرَهُمْ بِهِ، أَوْ نَهَاهُمْ عَنْهُ، فَإِنَّهُ مُوفٍ لَهُمْ بِهِ، وَإِنَّهُمْ مِنْهُ كَالْعِدَةِ الَّتِي لَا يُخْلَفُ الْوَفَاءُ بِهَا، قَالُوا: عَسَى وَلَعَلَّ مِنَ اللَّهِ وَاجِبَةٌ. وَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ: أَقِمِ الصَّلَاةَ الْمَفْرُوضَةَ يَا مُحَمَّدُ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ الَّتِي أَمَرْتُكَ بِإِقَامَتِهَا فِيهَا، وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ فَرْضًا فَرَضْتُهُ عَلَيْكَ، لَعَلَّ رَبَّكَ يَبْعَثُكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَقَامًا تَقُومُ فِيهِ مَحْمُودًا تَحْمَدُهُ، وَتُغْبَطُ فِيهِ. ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى ذَلِكَ الْمَقَامِ الْمَحْمُودِ، فَقَالَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمُ: ذَلِكَ هُوَ الْمَقَامُ الَّذِي هُوَ يَقُومُهُ ﷺ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِلشَّفَاعَةِ لِلنَّاسِ لِيُرِيحَهُمْ رَبُّهُمْ مِنْ عَظِيمِ مَا هُمْ فِيهِ مِنْ شِدَّةِ ذَلِكَ الْيَوْمِ
١٥ / ٤٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ صِلَةَ بْنِ زُفَرَ، عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: يُجْمَعُ النَّاسُ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، فَيُسْمِعُهُمُ الدَّاعِي، وَيُنْفِذُهُمُ الْبَصَرَ، حُفَاةً عُرَاةً كَمَا خُلِقُوا، قِيَامًا لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ، يُنَادَى: يَا مُحَمَّدُ، فَيَقُولُ: “لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ، وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ، وَالْمَهْدِيُّ مَنْ هَدَيْتَ، عَبْدُكَ بَيْنَ يَدَيْكَ، وَبِكَ وَإِلَيْكَ، لَا مَلْجَأَ وَلَا مَنْجَا مِنْكَ إِلَّا إِلَيْكَ، تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيتَ، سُبْحَانَكَ رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ، فَهَذَا الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى
١٥ / ٤٣
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ صِلَةَ بْنِ زُفَرَ، عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: يُجْمَعُ النَّاسُ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، فَلَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ، فَأَوَّلُ مَا يَدْعُو مُحَمَّدٌ النَّبِيُّ ﷺ، فَيَقُومُ مُحَمَّدٌ النَّبِيُّ ﷺ، فَيَقُولُ: «لَبَّيْكَ»، ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ
١٥ / ٤٤
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عُمَرَ بْنِ خَالِدٍ الرَّقِّيُّ، قَالَ: ثنا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنْ رِشْدِينَ بْنِ كُرَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ، رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا﴾ [الإسراء: ٧٩] قَالَ: الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ: مَقَامُ الشَّفَاعَةِ
١٥ / ٤٤
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، قَالَ: ثنا أَبُو الزَّعْرَاءِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، فِي قِصَّةٍ ذَكَرَهَا، قَالَ: ثُمَّ يُؤْمَرُ بِالصِّرَاطِ فَيُضْرَبُ عَلَى جِسْرِ جَهَنَّمَ، فَيَمُرُّ النَّاسُ بِقَدْرِ أَعْمَالِهِمْ، يَمُرُّ أَوَّلُهُمْ كَالْبَرْقِ، وَكَمَرِّ الرِّيحِ، وَكَمَرِّ الطَّيْرِ، وَكَأَسْرَعِ الْبَهَائِمِ، ثُمَّ كَذَلِكَ حَتَّى يَمُرُّ الرَّجُلُ سَعْيًا، ثُمَّ مَشْيًا، حَتَّى يَجِيءَ آخِرُهُمْ يَتَلَبَّطُ عَلَى بَطْنِهِ، فَيَقُولُ: رَبِّ لِمَا أَبْطَأْتَ بِي؟ فَيَقُولُ: إِنِّي لَمْ أُبْطِئْ بِكَ، إِنَّمَا أَبْطَأَ بِكَ عَمَلُكَ، قَالَ: ثُمَّ يَأْذَنُ اللَّهُ فِي الشَّفَاعَةِ، فَيَكُونُ أَوَّلَ شَافِعٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ جِبْرَئِيلُ عليه السلام، رُوحُ الْقُدُسِ، ثُمَّ إِبْرَاهِيمُ خَلِيلُ الرَّحْمَنِ، ثُمَّ ⦗٤٥⦘ مُوسَى، أَوْ عِيسَى، قَالَ أَبُو الزَّعْرَاءِ: لَا أَدْرِي أَيُّهُمَا قَالَ، قَالَ: ثُمَّ يَقُومُ نَبِيُّكُمْ ﷺ رَابِعًا، فَلَا يَشْفَعُ أَحَدٌ بَعْدَهُ فِيمَا يَشْفَعُ فِيهِ، وَهُوَ الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ ﴿عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا﴾ [الإسراء: ٧٩]
١٥ / ٤٤
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ عَوْفٍ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا﴾ [الإسراء: ٧٩] قَالَ: الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ: مَقَامُ الشَّفَاعَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
١٥ / ٤٥
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿مَقَامًا مَحْمُودًا﴾ [الإسراء: ٧٩] قَالَ: شَفَاعَةُ مُحَمَّدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٥ / ٤٥
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ سُلَيْمَانَ، قَالَ: هُوَ الشَّفَاعَةُ، يُشَفِّعُهُ اللَّهُ فِي أُمَّتِهِ، فَهُوَ الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ
١٥ / ٤٥
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿عَسَى أَنْ ⦗٤٦⦘ يَبْعَثَكَ، رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا﴾ [الإسراء: ٧٩] وَقَدْ ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ خُيِّرَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ نَبِيًّا عَبْدًا، أَوْ مَلَكًا نَبِيًّا، فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ جِبْرَئِيلُ عليه السلام: أَنْ تَوَاضَعَ، فَاخْتَارَ نَبِيُّ اللَّهِ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا نَبِيًّا، فَأُعْطِيَ بِهِ نَبِيُّ اللَّهِ ثِنْتَيْنِ: أَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ، وَأَوَّلُ شَافِعٍ وَكَانَ أَهْلُ الْعِلْمِ يَرَوْنَ أَنَّهُ الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ الَّذِي قَالَ اللَّهُ تبارك وتعالى ﴿عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا﴾ [الإسراء: ٧٩] شَفَاعَةُ يَوْمِ الْقِيَامَةِ
١٥ / ٤٥
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿مَقَامًا مَحْمُودًا﴾ [الإسراء: ٧٩] قَالَ: هِيَ الشَّفَاعَةُ، يُشَفِّعُهُ اللَّهُ فِي أُمَّتِهِ
١٥ / ٤٦
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ وَالثَّوْرِيُّ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ صِلَةَ بْنِ زُفَرَ، قَالَ: سَمِعْتُ حُذَيْفَةَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا﴾ [الإسراء: ٧٩] قَالَ: يَجْمَعُ اللَّهُ النَّاسَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ حَيْثُ يُسْمِعُهُمُ الدَّاعِي، فَيُنْفُذِهُمُ الْبَصَرَ حُفَاةً عُرَاةً، كَمَا خُلِقُوا سُكُوتًا لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ، قَالَ: فَيُنَادَى مُحَمَّدٌ، فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ، وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ، وَالْمَهْدِيُّ مَنْ هَدَيْتَ، وَعَبْدُكَ بَيْنَ يَدَيْكَ، وَلَكَ وَإِلَيْكَ، لَا مَلْجَأَ وَلَا مَنْجَى مِنْكَ إِلَّا إِلَيْكَ، تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ، سُبْحَانَكَ رَبَّ الْبَيْتِ، قَالَ: فَذَلِكَ الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ ﴿عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا﴾ [الإسراء: ٧٩]
١٥ / ٤٦
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ صِلَةَ بْنِ زُفَرَ، قَالَ حُذَيْفَةُ: يَجْمَعُ اللَّهُ النَّاسَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، ⦗٤٧⦘ حَيْثُ يُنْفُذِهُمُ الْبَصَرَ، وَيُسْمِعُهُمُ الدَّاعِيَ، حُفَاةً عُرَاةً كَمَا خُلِقُوا أَوَّلَ مَرَّةٍ، ثُمَّ يَقُومُ النَّبِيُّ ﷺ فَيَقُولُ: «لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ» ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَهُ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: هُوَ الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ ذَلِكَ الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ الَّذِي وَعَدَ اللَّهُ نَبِيَّهُ ﷺ أَنْ يَبْعَثَهُ إِيَّاهُ، هُوَ أَنْ يُقَاعِدَهُ مَعَهُ عَلَى عَرْشِهِ
١٥ / ٤٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَسَدِيُّ، قَالَ: ثنا ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا﴾ [الإسراء: ٧٩] قَالَ: يُجْلِسْهُ مَعَهُ عَلَى عَرْشِهِ وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ مَا صَحَّ بِهِ الْخَبَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. وَذَلِكَ مَا:
١٥ / ٤٧
حَدَّثَنَا بِهِ أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا وَكِيعٌ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ﴿عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا﴾ [الإسراء: ٧٩] سُئِلَ عَنْهَا، قَالَ: «هِيَ الشَّفَاعَةُ»
١٥ / ٤٧
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: ثنا مَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا دَاوُدُ بْنُ يَزِيدَ ⦗٤٨⦘ الْأَوْدِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ فِي قَوْلِهِ: ﴿عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا﴾ [الإسراء: ٧٩] قَالَ: «هُوَ الْمَقَامُ الَّذِي أَشْفَعُ فِيهِ لِأُمَّتِي»
١٥ / ٤٧
حَدَّثَنَا أَبُو عُتْبَةَ الْحِمْصِيُّ أَحْمَدُ بْنُ الْفَرَجِ، قَالَ: ثنا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ، عَنِ الزُّبَيْدِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَأَكُونُ أَنَا وَأُمَّتِي عَلَى تَلٍّ، فَيَكْسُونِي رَبِّي حُلَّةً خَضْرَاءَ، ثُمَّ يُؤْذَنُ لِي، فَأَقُولُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ أَقُولَ، فَذَلِكَ الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ»
١٥ / ٤٨
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، قَالَ: ثنا شُعَيْبُ بْنُ اللَّيْثِ، قَالَ: ثني اللَّيْثُ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ، أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنَّ الشَّمْسَ لَتَدْنُو حَتَّى يَبْلُغَ الْعَرَقُ نِصْفَ الْأُذُنِ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ اسْتَغَاثُوا بِآدَمَ عليه السلام، فَيَقُولُ: لَسْتُ صَاحِبَ ذَلِكَ، ثُمَّ بِمُوسَى عليه السلام، فَيَقُولُ كَذَلِكَ، ثُمَّ بِمُحَمَّدٍ فَيَشْفَعُ بَيْنَ الْخَلْقِ فَيَمْشِي حَتَّى يَأْخُذَ بِحَلْقَةِ الْجَنَّةِ، فَيَوْمَئِذٍ يَبْعَثُهُ اللَّهُ مَقَامًا مَحْمُودًا»
١٥ / ٤٨
حَدَّثَنِي أَبُو زَيْدٍ عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ، قَالَ: ثنا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: ثنا سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ، قَالَ: ثني عُثْمَانُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْأَسْوَدِ، وَعَلْقَمَةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنِّي لَأَقُومُ الْمَقَامَ الْمَحْمُودَ» فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا ذَلِكَ الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «ذَاكَ إِذَا جِيءَ بِكُمْ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا فَيَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُكْسَى إِبْرَاهِيمُ عليه السلام، فَيُؤْتَى بِرَيْطَتَيْنِ بَيْضَاوَيْنِ، فَيَلْبَسُهُمَا، ثُمَّ يَقْعُدُ مُسْتَقْبِلَ الْعَرْشِ، ثُمَّ أُوتَى بِكِسْوَتِي فَأَلْبَسُهَا، فَأَقُومُ عَنْ يَمِينِهِ مَقَامًا لَا يَقُومُهُ غَيْرِي يَغْبِطُنِي فِيهِ الْأَوَّلُونَ وَالْآخِرُونَ، ثُمَّ يُفْتَحُ نَهْرٌ مِنَ الْكَوْثَرِ إِلَى الْحَوْضِ»
١٥ / ٤٩
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ مَدَّ اللَّهُ الْأَرْضَ مَدَّ الْأَدِيمِ حَتَّى لَا يَكُونَ لِبَشَرٍ مِنَ النَّاسِ إِلَّا مَوْضِعُ قَدَمَيْهِ»، قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُدْعَى وَجِبْرَئِيلُ عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ، وَاللَّهِ مَا رَآهُ قَبْلَهَا، فَأَقُولُ: أَيْ رَبِّ إِنَّ هَذَا أَخْبَرَنِي أَنَّكَ أَرْسَلْتَهُ إِلَيَّ، فَيَقُولُ اللَّهُ عز وجل: صَدَقَ، ثُمَّ أَشْفَعُ، قَالَ: فَهُوَ الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ»
١٥ / ٤٩
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ» فَذَكَرَ ⦗٥٠⦘ نَحْوَهُ، وَزَادَ فِيهِ: «ثُمَّ أَشْفَعُ فَأَقُولُ: يَا رَبِّ عِبَادُكَ عَبَدُوكَ فِي أَطْرَافِ الْأَرْضِ، وَهُوَ الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ»
١٥ / ٤٩
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا أَبُو عَامِرٍ، قَالَ: ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ، عَنْ آدَمَ بِنِ عَلِيٍّ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ، يَقُولُ: إِنَّ النَّاسَ يُحْشَرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيَجِيءُ مَعَ كُلِّ نَبِيٍّ أُمَّتُهُ، ثُمَّ يَجِيءُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي آخِرِ الْأُمَمِ هُوَ وَأُمَّتُهُ، فَيَرْقَى هُوَ وَأُمَّتُهُ عَلَى كَوْمٍ فَوْقَ النَّاسِ، فَيَقُولُ: يَا فُلَانُ اشْفَعْ، وَيَا فُلَانُ اشْفَعْ، وَيَا فُلَانُ اشْفَعْ، فَمَا زَالَ يَرُدُّهَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَرْجِعُ ذَلِكَ إِلَيْهِ، وَهُوَ الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ الَّذِي وَعَدَهُ اللَّهُ إِيَّاهُ
١٥ / ٥٠
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَوْفٍ، قَالَ: ثنا حَيْوَةُ وَرَبِيعٌ، قَالَا: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ، عَنِ الزُّبَيْدِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَكُونُ أَنَا وَأُمَّتِي عَلَى تَلٍّ، فَيَكْسُونِي رَبِّي عز وجل حُلَّةً خَضْرَاءَ، ثُمَّ يُؤْذَنُ لِي فَأَقُولُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ أَقُولَ، فَذَلِكَ الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ» وَهَذَا وَإِنْ كَانَ هُوَ الصَّحِيحُ مِنَ الْقَوْلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ ﴿عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا﴾ [الإسراء: ٧٩] لِمَا ذَكَرْنَا مِنَ الرِّوَايَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَأَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِينَ، فَإِنَّ مَا قَالَهُ مُجَاهِدٌ مِنْ أَنَّ اللَّهَ يُقْعِدُ مُحَمَّدًا ﷺ عَلَى عَرْشِهِ، قَوْلٌ غَيْرُ مَدْفُوعٍ صِحَّتُهُ، لَا مِنْ جِهَةِ خَبَرٍ وَلَا نَظَرٍ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا خَبَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَلَا عَنِ التَّابِعِينَ بِإِحَالَةِ ذَلِكَ. فَأَمَّا مِنْ جِهَةَ النَّظَرِ، فَإِنَّ جَمِيعَ مَنْ يَنْتَحِلُ الْإِسْلَامَ إِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى ذَلِكَ عَلَى أَوْجُهٍ ثَلَاثَةٍ: فَقَالَتْ فِرْقَةٌ مِنْهُمُ: اللَّهُ عز وجل بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ كَانَ قَبْلَ خَلْقِهِ الْأَشْيَاءَ، ثُمَّ خَلَقَ الْأَشْيَاءَ فَلَمْ يُمَاسَّهَا، وَهُوَ كَمَا لَمْ يَزَلْ غَيْرَ أَنَّ الْأَشْيَاءَ الَّتِي خَلَقَهَا إِذْ لَمْ يَكُنْ هُوَ لَهَا مُمَاسًّا وَجَبَ أَنْ يَكُونَ لَهَا مُبَايِنًا، إِذْ لَا فِعَالَ لِلْأَشْيَاءِ إِلَّا وَهُوَ مُمَاسٌّ لِلْأَجْسَامِ أَوْ مُبَايِنٌ لَهَا. قَالُوا: فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَكَانَ اللَّهُ عز وجل فَاعِلُ الْأَشْيَاءِ، وَلَمْ يَجُزْ فِي قَوْلِهِمْ أَنَّهُ يُوصَفُ بِأَنَّهُ مُمَاسٌّ لِلْأَشْيَاءِ، وَجَبَ بِزَعْمِهِمْ أَنَّهُ لَهَا مُبَايِنٌ، فَعَلَى مَذْهَبِ هَؤُلَاءِ سَوَاءً أَقْعَدَ مُحَمَّدًا ﷺ عَلَى عَرْشِهِ أَوْ عَلَى الْأَرْضِ إِذْ ⦗٥٢⦘ كَانَ مِنْ قَوْلِهِمْ إِنَّ بَيْنُونَتَهُ مِنْ عَرْشِهِ، وَبَيْنُونَتَهُ مِنْ أَرْضِهِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ فِي أَنَّهُ بَائِنٌ مِنْهُمَا كِلَيْهِمَا، غَيْرُ مُمَاسٍّ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا. وَقَالَتْ فِرْقَةٌ أُخْرَى: كَانَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ قَبْلَ خَلْقِهِ الْأَشْيَاءِ، لَا شَيْءُ يُمَاسُّهُ، وَلَا شَيْءَ يُبَايِنُهُ، ثُمَّ خَلَقَ الْأَشْيَاءَ فَأَقَامَهَا بِقُدْرَتِهِ، وَهُوَ كَمَا لَمْ يَزَلْ قَبْلَ الْأَشْيَاءِ خَلْقِهِ لَا شَيْءَ يُمَاسُّهُ وَلَا شَيْءَ يُبَايِنُهُ، فَعَلَى قَوْلِ هَؤُلَاءِ أَيْضًا سَوَاءً أَقْعَدَ مُحَمَّدًا ﷺ عَلَى عَرْشِهِ، أَوْ عَلَى أَرْضِهِ، إِذْ كَانَ سَوَاءً عَلَى قَوْلِهِمْ عَرْشُهُ وَأَرْضُهُ فِي أَنَّهُ لَا مُمَاسَّ وَلَا مُبَايِنَ لِهَذَا، كَمَا أَنَّهُ لَا مُمَاسَّ وَلَا مُبَايِنَ لِهَذِهِ. وَقَالَتْ فِرْقَةٌ أُخْرَى: كَانَ اللَّهُ عَزَّ ذِكْرُهُ قَبْلَ خَلْقِهِ الْأَشْيَاءَ لَا شَيْءَ يُمَاسُّهُ، وَلَا شَيْءَ يُبَايِنُهُ، ثُمَّ أَحْدَثَ الْأَشْيَاءَ وَخَلَقَهَا، فَخَلَقَ لِنَفْسِهِ عَرْشًا اسْتَوَى عَلَيْهِ جَالِسًا، وَصَارَ لَهُ مُمَاسًّا، كَمَا أَنَّهُ قَدْ كَانَ قَبْلَ خَلْقِهِ الْأَشْيَاءِ لَا شَيْءَ يَرْزُقُهُ رِزْقًا، وَلَا شَيْءَ يَحْرِمُهُ ذَلِكَ، ثُمَّ خَلَقَ الْأَشْيَاءَ فَرَزَقَ هَذَا وَحَرَمَ هَذَا، وَأَعْطَى هَذَا، وَمَنَعَ هَذَا، قَالُوا: فَكَذَلِكَ كَانَ قَبْلَ خَلْقِهِ الْأَشْيَاءَ يُمَاسُّهُ وَلَا يُبَايِنُهُ، وَخَلَقَ الْأَشْيَاءَ فَمَاسَّ الْعَرْشَ بِجُلُوسِهِ عَلَيْهِ دُونَ سَائِرِ خَلْقِهِ، فَهُوَ مُمَاسٌّ مَا شَاءَ مِنْ خَلْقِهِ، وَمُبَايِنٌ مَا شَاءَ مِنْهُ، فَعَلَى مَذْهَبِ هَؤُلَاءِ أَيْضًا سَوَاءً أَقْعَدَ مُحَمَّدًا عَلَى عَرْشِهِ، أَوْ أَقْعَدَهُ عَلَى مِنْبَرٍ مِنْ نُورٍ، إِذْ كَانَ مِنْ قَوْلِهمْ: إِنَّ جُلُوسَ الرَّبِّ عَلَى عَرْشِهِ، لَيْسَ بِجُلُوسٍ يَشْغَلُ جَمِيعَ الْعَرْشِ، وَلَا فِي إِقْعَادِ مُحَمَّدٍ ﷺ مُوجِبًا لَهُ صِفَةَ الرُّبُوبِيَّةِ، وَلَا مُخْرِجُهُ مِنْ ⦗٥٣⦘ صِفَةِ الْعُبُودِيَّةِ لِرَبِّهِ، كَمَا أَنَّ مُبَايَنَةَ مُحَمَّدٍ ﷺ مَا كَانَ مُبَايِنًا لَهُ مِنَ الْأَشْيَاءِ غَيْرُ مُوجِبَةٍ لَهُ صِفَةَ الرُّبُوبِيَّةِ، وَلَا مُخْرِجَتُهُ مِنْ صِفَةِ الْعُبُودِيَّةِ لِرَبِّهِ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ مَوْصُوفٌ بِأَنَّهُ لَهُ مُبَايِنٌ، كَمَا أَنَّ اللَّهَ عز وجل مَوْصُوفٌ عَلَى قَوْلِ قَائِلِ هَذِهِ الْمَقَالَةِ بِأَنَّهُ مُبَايِنٌ لَهَا، هُوَ مُبَايِنٌ لَهُ. قَالُوا: فَإِذَا كَانَ مَعْنَى مُبَايِنٍ وَمُبَايِنٌ لَا يُوجِبُ لِمُحَمَّدٍ ﷺ الْخُرُوجَ مِنْ صِفَةِ الْعُبُودَةِ وَالدُّخُولَ فِي مَعْنَى الرُّبُوبِيَّةِ، فَكَذَلِكَ لَا يُوجِبُ لَهُ ذَلِكَ قُعُودَهُ عَلَى عَرْشِ الرَّحْمَنِ، فَقَدْ تَبَيَّنَ إِذًا بِمَا قُلْنَا أَنَّهُ غَيْرُ مُحَالٍ فِي قَوْلِ أَحَدٍ مِمَّنْ يَنْتَحِلُ الْإِسْلَامَ مَا قَالَهُ مُجَاهِدٌ مِنْ أَنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى يُقْعِدُ مُحَمَّدًا عَلَى عَرْشِهِ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَإِنَّا لَا نُنْكِرُ إِقْعَادَ اللَّهِ مُحَمَّدًا عَلَى عَرْشِهِ، وَإِنَّمَا نُنْكِرُ إِقْعَادَهُ إِيَّاهُ مَعَهُ
١٥ / ٥١
حَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْعَظِيمِ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ كَثِيرٍ، عَنِ الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ سَيْفٍ السَّدُوسِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ، قَالَ: إِنَّ مُحَمَّدًا ﷺ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى كُرْسِيِّ الرَّبِّ بَيْنَ يَدَيِ الرَّبِّ تبارك وتعالى، وَإِنَّمَا يُنْكَرُ إِقْعَادَهُ إِيَّاهُ مَعَهُ. قِيلَ: أَفَجَائِزٌ عِنْدَكَ أَنْ يُقْعِدَهُ عَلَيْهِ لَا مَعَهُ، فَإِنْ أَجَازَ ذَلِكَ صَارَ إِلَى الْإِقْرَارِ بِأَنَّهُ إِمَّا مَعَهُ أَوْ إِلَى أَنَّهُ يُقْعِدُهُ، وَاللَّهُ لِلْعَرْشِ مُبَايِنٌ، أَوْ لَا مُمَاسَّ وَلَا مُبَايِنٌ، وَبِأَيِّ ذَلِكَ قَالَ ⦗٥٤⦘ كَانَ مِنْهُ دُخُولًا فِي بَعْضِ مَا كَانَ يُنْكِرُهُ، وَإِنْ قَالَ: ذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ كَانَ مِنْهُ خُرُوجًا مِنْ قَوْلِ جَمِيعِ الْفِرَقِ الَّتِي حَكَيْنَا قَوْلَهُمْ، وَذَلِكَ فِرَاقٌ لِقَوْلِ جَمِيعِ مَنْ يَنْتَحِلُ الْإِسْلَامَ، إِذْ كَانَ لَا قَوْلَ فِي ذَلِكَ إِلَّا الْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ الَّتِي حَكَيْنَاهَا، وَغَيْرُ مُحَالٍ فِي قَوْلٍ مِنْهَا مَا قَالَ مُجَاهِدٌ فِي ذَلِكَ
١٥ / ٥٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنَكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا﴾ [الإسراء: ٨٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ: وَقُلْ يَا مُحَمَّدُ يَا رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى مُدْخَلَ الصِّدْقِ الَّذِي أَمَرَهُ اللَّهُ نَبِيَّهُ ﷺ أَنْ يَرْغَبَ إِلَيْهِ فِي أَنْ يُدْخِلَهُ إِيَّاهُ، وَفِي مُخْرَجِ الصِّدْقِ الَّذِي أَمَرَهُ أَنْ يَرْغَبَ إِلَيْهِ فِي أَنْ يُخْرِجَهُ إِيَّاهُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَنَى بِمُدْخَلِ الصِّدْقِ: مُدْخَلَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ الْمَدِينَةَ، حِينَ هَاجَرَ إِلَيْهَا، وَمُخْرَجَ الصِّدْقِ: مَخْرَجَهُ مِنْ مَكَّةَ، حِينَ خَرَجَ مِنْهَا مُهَاجِرًا إِلَى الْمَدِينَةِ
١٥ / ٥٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، وَابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَا: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ قَابُوسِ بْنِ أَبِي ظَبْيَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ بِمَكَّةَ، ثُمَّ أُمِرَ بِالْهِجْرَةِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تبارك وتعالى اسْمُهُ ﴿وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا﴾ [الإسراء: ٨٠]
١٥ / ٥٤
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَزِيعٍ، قَالَ: ثنا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، عَنْ عَوْفٍ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ﴾ [الإسراء: ٨٠] قَالَ: كُفَّارُ أَهْلِ مَكَّةَ لَمَّا ائْتَمَرُوا بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ لِيَقْتُلُوهُ، أَوْ يَطْرُدُوهُ، أَوْ يُوثِقُوهُ، وَأَرَادَ اللَّهُ قِتَالَ أَهْلِ مَكَّةَ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَهُوَ الَّذِي قَالَ اللَّهُ ﴿أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ﴾ [الإسراء: ٨٠]
١٥ / ٥٥
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿مُدْخَلَ صِدْقٍ﴾ [الإسراء: ٨٠] قَالَ: الْمَدِينَةُ ﴿وَمُخْرَجَ صِدْقٍ﴾ قَالَ: مَكَّةُ
١٥ / ٥٥
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ﴾ [الإسراء: ٨٠] أَخْرَجَهُ اللَّهُ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْهِجْرَةِ بِالْمَدِينَةِ
١٥ / ٥٥
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ﴾ [الإسراء: ٨٠] قَالَ: الْمَدِينَةُ حِينَ هَاجَرَ إِلَيْهَا، وَمُخْرَجَ صِدْقٍ: مَكَّةُ حِينَ خَرَجَ مِنْهَا مُخْرَجَ صِدْقٍ، قَالَ ذَلِكَ حِينَ خَرَجَ مُهَاجِرًا وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: وَقُلْ رَبِّ أَمِتْنِي إِمَاتَةَ صِدْقٍ، وَأَخْرِجْنِي بَعْدَ الْمَمَاتِ مِنْ قَبْرِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُخْرَجَ صِدْقٍ
١٥ / ٥٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ﴿وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ﴾ [الإسراء: ٨٠] . . الْآيَةَ، قَالَ: يَعْنِي بِالْإِدْخَالِ: الْمَوْتَ، وَالْإِخْرَاجِ: الْحَيَاةَ بَعْدَ الْمَمَاتِ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عَنَى بِذَلِكَ: أَدْخِلْنِي فِي أَمْرِكَ الَّذِي أَرْسَلَتْنِي مِنَ النُّبُوَّةِ مُدْخَلَ صِدْقٍ، وَأَخْرِجْنِي مِنْهُ مُخْرَجَ صِدْقٍ
١٥ / ٥٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ﴿أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ﴾ [الإسراء: ٨٠] قَالَ: فِيمَا أَرْسَلَتْنِي بِهِ مِنْ أَمْرِكَ ﴿وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ﴾ [الإسراء: ٨٠] قَالَ: كَذَلِكَ أَيْضًا حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، بِنَحْوِهِ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ: الْجَنَّةَ، وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ: مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ
١٥ / ٥٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: قَالَ الْحَسَنُ: ﴿أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ﴾ [الإسراء: ٨٠] الْجَنَّةَ، وَ﴿مُخْرَجَ صِدْقٍ﴾ [الإسراء: ٨٠] مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: أَدْخِلْنِي فِي الْإِسْلَامِ مُدْخَلَ صِدْقٍ
١٥ / ٥٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ مُوسَى الرَّازِيُّ، قَالَ: ثنا ابْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ﴾ [الإسراء: ٨٠] قَالَ: أَدْخِلْنِي فِي الْإِسْلَامِ مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مِنْهُ مُخْرَجَ صِدْقٍ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: أَدْخِلْنِي مَكَّةَ آمِنًا، وَأَخْرِجْنِي مِنْهَا آمِنًا
١٥ / ٥٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: ثنا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، قَالَ فِي قَوْلِهِ: ﴿رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ﴾ [الإسراء: ٨٠] يَعْنِي مَكَّةَ، دَخَلَ فِيهَا آمِنًا، وَخَرَجَ مِنْهَا آمِنًا وَأَشْبَهُ هَذِهِ الْأَقْوَالِ بِالصَّوَابِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَأَدْخِلْنِي الْمَدِينَةَ مُدْخَلَ صِدْقٍ، وَأَخْرِجْنِي مِنْ مَكَّةَ مُخْرَجَ صِدْقٍ.
١٥ / ٥٧
وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ، لِأَنَّ ذَلِكَ عَقِيبَ قَوْلِهِ: ﴿وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [الإسراء: ٧٦] وَقَدْ دَلَّلْنَا فِيمَا مَضَى عَلَى أَنَّهُ عَنَى بِذَلِكَ أَهْلَ مَكَّةَ، فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ عَقِيبَ خَبَرِ اللَّهِ عَمَّا كَانَ الْمُشْرِكُونَ أَرَادُوا مِنِ اسْتِفْزَازِهِمْ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، لِيُخْرِجُوهُ عَنْ مَكَّةَ، كَانَ بَيِّنًا، إِذْ كَانَ اللَّهُ قَدْ أَخْرَجَهُ مِنْهَا، أَنَّ قَوْلَهُ: ﴿وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ﴾ [الإسراء: ٨٠] أَمْرٌ مِنْهُ لَهُ بِالرَّغْبَةِ إِلَيْهِ فِي أَنْ يُخْرِجَهُ مِنَ الْبَلْدَةِ الَّتِي هَمَّ الْمُشْرِكُونَ بِإِخْرَاجِهِ مِنْهَا مُخْرَجَ صِدْقٍ، وَأَنْ يُدْخِلَهُ الْبَلْدَةَ الَّتِي نَقَلَهُ اللَّهُ إِلَيْهَا مُدْخَلَ صِدْقٍ
١٥ / ٥٨
وَقَوْلُهُ: ﴿وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا﴾ [الإسراء: ٨٠] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَاجْعَلْ لِي مُلْكًا نَاصِرًا يَنْصُرُنِي عَلَى مَنْ نَاوَأَنِي، وَعِزًّا أُقِيمُ بِهِ دِينَكَ، وَأَدْفَعُ بِهِ عَنْهُ مَنْ أَرَادَهُ بِسُوءٍ
١٥ / ٥٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَزِيعٍ، قَالَ: ثنا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، عَنْ عَوْفٍ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِ اللَّهِ عز وجل: ﴿وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا﴾ [الإسراء: ٨٠] يُوعِدُهُ لَيَنْزِعَنَّ مُلْكَ فَارِسَ، وَعِزَّ فَارِسَ، وَلَيَجْعَلَنَّهُ لَهُ. وَعِزَّ الرُّومِ، وَمُلْكَ الرُّومِ، وَلَيَجْعَلَنَّهُ لَهُ
١٥ / ٥٨
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا﴾ [الإسراء: ٨٠] وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ عَلِمَ أَنْ لَا طَاقَةَ لَهُ بِهَذَا الْأَمْرِ إِلَّا بِسُلْطَانٍ، فَسَأَلَ سُلْطَانًا نَصِيرًا لِكِتَابِ اللَّهِ عز وجل، وَلِحُدُودِ اللَّهِ، وَلِفَرَائِضِ اللَّهِ، وَلِإِقَامَةِ دِينِ اللَّهِ، وَإِنَّ السُّلْطَانَ رَحْمَةٌ مِنَ اللَّهِ جَعَلَهَا بَيْنَ أَظْهُرِ عِبَادِهِ، لَوْلَا ذَلِكَ لَأَغَارَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، فَأَكَلَ شَدِيدُهُمْ ضَعِيفَهُمْ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عَنَى بِذَلِكَ حُجَّةً بَيِّنَةً
١٥ / ٥٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ عز وجل ﴿سُلْطَانًا نَصِيرًا﴾ [الإسراء: ٨٠] قَالَ: حُجَّةً بَيِّنَةً حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: ذَلِكَ أَمْرٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى نَبِيَّهُ بِالرَّغْبَةِ إِلَيْهِ فِي أَنْ يُؤْتِيَهُ سُلْطَانًا نَصِيرًا لَهُ عَلَى مَنْ بَغَاهُ وَكَادَهُ، وَحَاوَلَ مَنْعَهُ مِنْ إِقَامَتِهِ فَرَائِضَ اللَّهِ فِي نَفْسِهِ وَعِبَادِهِ. وَإِنَّمَا قُلْتُ ذَلِكَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ، لِأَنَّ ذَلِكَ عَقِيبَ خَبَرِ اللَّهِ عَمَّا كَانَ الْمُشْرِكُونَ هَمُّوا بِهِ مِنْ إِخْرَاجِهِ مِنْ مَكَّةَ، فَأَعْلَمَهُ اللَّهُ عز وجل أَنَّهُمْ لَوْ فَعَلُوا ذَلِكَ
١٥ / ٥٩
عُوجِلُوا بِالْعَذَابِ عَنْ قَرِيبٍ، ثُمَّ أَمَرَهُ بِالرَّغْبَةِ إِلَيْهِ فِي إِخْرَاجِهِ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِهِمْ إِخْرَاجَ صِدْقٍ يُحَاوِلُهُ عَلَيْهِمْ، وَيُدْخِلُهُ بَلْدَةً غَيْرَهَا، بِمُدْخَلِ صِدْقٍ يُحَاوِلُهُ عَلَيْهِمْ وَلِأَهْلِهَا فِي دُخُولِهَا إِلَيْهَا، وَأَنْ يَجْعَلَ لَهُ سُلْطَانًا نَصِيرًا عَلَى أَهْلِ الْبَلْدَةِ الَّتِي أَخْرَجَهُ أَهْلُهَا مِنْهَا، وَعَلَى كُلِّ مَنْ كَانَ لَهُمْ شَبِيهًا، وَإِذَا أُوتِيَ ذَلِكَ، فَقَدْ أُوتِيَ لَا شَكَّ حُجَّةً بَيِّنَةً
١٥ / ٦٠
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿نَصِيرًا﴾ [النساء: ٤٥] فَإِنَّ ابْنَ زَيْدٍ كَانَ يَقُولُ فِيهِ، نَحْوَ قَوْلِنَا الَّذِي قُلْنَا فِيهِ
١٥ / ٦٠
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا﴾ [الإسراء: ٨٠] قَالَ: يَنْصُرُنِي وَقَدْ قَالَ اللَّهُ لِمُوسَى ﴿سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا﴾ [القصص: ٣٥] هَذَا مُقَدَّمٌ وَمُؤَخَّرٌ، إِنَّمَا هُوَ سُلْطَانٌ بِآيَاتِنَا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا
١٥ / ٦٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسَارًا﴾ [الإسراء: ٨٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَقُلْ يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ كَادُوا أَنْ يَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا: ﴿جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ﴾ [الإسراء: ٨١] وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى الْحَقِّ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ ﷺ أَنْ يُعْلِمَ الْمُشْرِكِينَ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ، وَالْبَاطِلِ الَّذِي أَمَرَهُ أَنْ يُعْلِمَهُمْ أَنَّهُ قَدْ زَهَقَ، فَقَالَ بَعْضُهُمُ: الْحَقُّ: هُوَ الْقُرْآنُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، وَالْبَاطِلُ: هُوَ الشَّيْطَانُ
١٥ / ٦٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ﴾ [الإسراء: ٨١] قَالَ: الْحَقُّ: الْقُرْآنُ ﴿وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا﴾ [الإسراء: ٨١]
١٥ / ٦١
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ﴾ [الإسراء: ٨١] قَالَ: الْقُرْآنُ: ﴿وَزَهَقَ الْبَاطِلُ﴾ [الإسراء: ٨١] قَالَ: هَلَكَ الْبَاطِلُ وَهُوَ الشَّيْطَانُ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عَنَى بِالْحَقِّ جِهَادَ الْمُشْرِكِينَ وَبِالْبَاطِلِ الشِّرْكَ
١٥ / ٦١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ﴾ [الإسراء: ٨١] قَالَ: دَنَا الْقِتَالُ ﴿وَزَهَقَ الْبَاطِلُ﴾ [الإسراء: ٨١] قَالَ: الشِّرْكُ وَمَا هُمْ فِيهِ
١٥ / ٦١
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مَكَّةَ، وَحَوْلَ الْبَيْتِ ثَلَاثُمِائَةٍ وَسِتُّونَ صَنَمًا، فَجَعَلَ يَطْعَنُهَا وَيَقُولُ: ﴿جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا﴾ [الإسراء: ٨١]⦗٦٢⦘ وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَالَ: أَمْرُ اللَّهِ تبارك وتعالى نَبِيَّهُ ﷺ أَنْ يُخْبِرَ الْمُشْرِكِينَ أَنَّ الْحَقَّ قَدْ جَاءَ، وَهُوَ كُلُّ مَا كَانَ لِلَّهِ فِيهِ رِضًا وَطَاعَةٌ، وَأَنَّ الْبَاطِلَ قَدْ زَهَقَ: يَقُولُ: وَذَهَبَ كُلُّ مَا كَانَ لَا رِضًا لِلَّهِ فِيهِ وَلَا طَاعَةٌ مِمَّا هُوَ لَهُ مَعْصِيَةٌ وَلِلشَّيْطَانِ طَاعَةٌ، وَذَلِكَ أَنَّ الْحَقَّ هُوَ كُلُّ مَا خَالَفَ طَاعَةَ إِبْلِيسَ، وَأَنَّ الْبَاطِلَ: هُوَ كُلُّ مَا وَافَقَ طَاعَتَهُ، وَلَمْ يُخَصِّصِ اللَّهُ عَزَّ ذِكْرَهُ بِالْخَبَرِ عَنْ بَعْضِ طَاعَاتِهِ، وَلَا ذَهَابِ بَعْضِ مَعَاصِيهِ، بَلْ عَمَّ الْخَبَرَ عَنْ مَجِيءِ جَمِيعِ الْحَقِّ، وَذَهَابِ جَمِيعِ الْبَاطِلِ، وَبِذَلِكَ جَاءَ الْقُرْآنُ وَالتَّنْزِيلُ، وَعَلَى ذَلِكَ قَاتَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَهْلَ الشِّرْكِ بِاللَّهِ، أَعِنِّي عَلَى إِقَامَةِ جَمِيعِ الْحَقِّ، وَإِبْطَالِ جَمِيعِ الْبَاطِلِ
١٥ / ٦١
وَأَمَّا قَوْلُهُ عز وجل: ﴿وَزَهَقَ الْبَاطِلُ﴾ [الإسراء: ٨١] فَإِنَّ مَعْنَاهُ: ذَهَبَ الْبَاطِلُ، مِنْ قَوْلِهِمْ: زَهَقَتْ نَفْسُهُ: إِذَا خَرَجَتْ وَأَزْهَقْتُهَا أَنَا، وَمِنْ قَوْلِهِمْ: أَزْهَقَ السَّهْمُ: إِذَا جَاوَزَ الْغَرَضَ فَاسْتَمَرَّ عَلَى جِهَتِهِ، يُقَالُ مِنْهُ: زَهَقَ الْبَاطِلُ، يَزْهَقُ زُهُوقًا، وَأَزْهَقَهُ اللَّهُ: أَيْ أَذْهَبَهُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٥ / ٦٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ﴿إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا﴾ [الإسراء: ٨١] يَقُولُ: ذَاهِبًا
١٥ / ٦٢
وَقَوْلُهُ عز وجل: ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [الإسراء: ٨٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَنُنَزِّلُ عَلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ يُسْتَشْفَى بِهِ مِنَ الْجَهْلِ
١٥ / ٦٢
مِنَ الضَّلَالَةِ، وَيُبَصَّرُ بِهِ مِنَ الْعَمَى لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لَهُمْ دُونَ الْكَافِرِينَ بِهِ، لِأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ يَعْمَلُونَ بِمَا فِيهِ مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ، وَيُحِلُّونَ حَلَالَهُ، وَيُحَرِّمُونَ حَرَامَهُ فَيُدْخِلُهُمْ بِذَلِكَ الْجَنَّةَ، وَيُنَجِّيهِمْ مِنْ عَذَابِهِ، فَهُوَ لَهُمْ رَحْمَةٌ وَنِعْمَةٌ مِنَ اللَّهِ، أَنْعَمَ بِهَا عَلَيْهِمْ ﴿وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا﴾ [الإسراء: ٨٢] يَقُولُ: وَلَا يَزِيدُ هَذَا الَّذِي نُنَزِّلُ عَلَيْكَ مِنَ الْقُرْآنِ الْكَافِرِينَ بِهِ إِلَّا خَسَارًا: يَقُولُ: إِهْلَاكًا، لِأَنَّهُمْ كُلَّمَا نَزَلَ فِيهِ أَمْرٌ مِنَ اللَّهِ بِشَيْءٍ أَوْ نَهْي عَنْ شَيْءٍ كَفَرُوا بِهِ، فَلَمْ يَأْتَمِرُوا لِأَمْرِهِ، وَلَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا نَهَاهُمْ عَنْهُ، فَزَادَهُمْ ذَلِكَ خَسَارًا إِلَى مَا كَانُوا فِيهِ قَبْلَ ذَلِكَ مِنَ الْخَسَارِ، وَرِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ قَبْلُ، كَمَا:
١٥ / ٦٣
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [الإسراء: ٨٢] إِذَا سَمِعَهُ الْمُؤْمِنُ انْتَفَعَ بِهِ وَحَفِظَهُ وَوَعَاهُ ﴿وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ﴾ [الإسراء: ٨٢] بِهِ ﴿إِلَّا خَسَارًا﴾ [الإسراء: ٨٢] أَنَّهُ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ وَلَا يَحْفَظُهُ وَلَا يَعِيهِ، وَإِنَّ اللَّهَ جَعَلَ هَذَا الْقُرْآنَ شِفَاءً وَرَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ
١٥ / ٦٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِذَا أَنْعَمَنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا﴾ يَقُولُ تبارك وتعالى: وَإِذَا أَنْعَمَنَا عَلَى الْإِنْسَانِ، فَنَجَّيْنَاهُ مِنْ رَبِّ مَا هُوَ فِيهِ فِي الْبَحْرِ، وَهُوَ مَا قَدْ أَشْرَفَ فِيهِ عَلَيْهِ مِنَ الْهَلَاكِ بِعُصُوفِ الرِّيحِ عَلَيْهِ إِلَى الْبَرِّ، ⦗٦٤⦘ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ نِعَمِنَا، أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِنَا، وَقَدْ كَانَ بِنَا مُسْتَغِيثًا دُونَ كُلِّ أَحَدٍ سِوَانَا فِي حَالِ الشِّدَّةِ الَّتِي كَانَ فِيهَا ﴿وَنَأَى بِجَانِبِهِ﴾ [الإسراء: ٨٣] يَقُولُ: وَبَعُدَ مِنَّا بِجَانِبِهِ، يَعْنِي بِنَفْسِهِ، كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ قَبْلَ ذَلِكَ، كَمَا:
١٥ / ٦٣
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَنَأَى بِجَانِبِهِ﴾ [الإسراء: ٨٣] قَالَ: تَبَاعَدَ مِنَّا حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ وَالْقِرَاءَةُ عَلَى تَصْيِيرِ الْهَمْزَةِ فِي نَأَى قَبْلَ الْأَلِفِ، وَهِيَ اللُّغَةُ الْفَصِيحَةُ، وَبِهَا نَقْرَأُ. وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ يَقْرَأُ ذَلِكَ (وَنَاءَ) فَيَصِيرُ الْهَمْزَةُ بَعْدَ الْأَلِفِ، وَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ لُغَةً جَائِزَةً قَدْ جَاءَتْ عَنِ الْعَرَبِ بِتَقْدِيمِهِمْ فِي نَظَائِرِ ذَلِكَ الْهَمْزَ فِي مَوْضِعٍ هُوَ فِيهِ مُؤَخَّرٌ، وَتَأْخِيرِهِمُوهُ فِي مَوْضِعٍ هُوَ مُقَدَّمٌ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الخفيف] أَعْلَامٌ يُقَلِّلُ رَاءَ رُؤْيَا … فَهْوَ يَهْذِي بِمَا رَأَى فِي الْمَنَامِ
⦗٦٥⦘ وَكَمَا قَالَ آبَارٌ وَهِيَ أَبَآرٌ، فَقَدَّمُوا الْهَمْزَةَ، فَلَيْسَ ذَلِكَ هُوَ اللُّغَةُ الْجُودَى، بَلِ الْأُخْرَى هِيَ الْفَصِيحَةُ
[البحر الخفيف] أَعْلَامٌ يُقَلِّلُ رَاءَ رُؤْيَا … فَهْوَ يَهْذِي بِمَا رَأَى فِي الْمَنَامِ
⦗٦٥⦘ وَكَمَا قَالَ آبَارٌ وَهِيَ أَبَآرٌ، فَقَدَّمُوا الْهَمْزَةَ، فَلَيْسَ ذَلِكَ هُوَ اللُّغَةُ الْجُودَى، بَلِ الْأُخْرَى هِيَ الْفَصِيحَةُ
١٥ / ٦٤
وَقَوْلُهُ عز وجل: ﴿وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا﴾ يَقُولُ: وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ وَالشِّدَّةُ كَانَ قَنُوطًا مِنَ الْفَرَجِ وَالرَّوْحِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي الْيُئُوسِ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٥ / ٦٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا﴾ يَقُولُ: قَنُوطًا
١٥ / ٦٥
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا﴾ يَقُولُ: إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ أَيِسَ وَقَنَطَ
١٥ / ٦٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلًا﴾ [الإسراء: ٨٤] يَقُولُ عز وجل لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِلنَّاسِ: كُلُّكُمْ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ: عَلَى نَاحِيَتِهِ وَطَرِيقَتِهِ ﴿فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ﴾ [الإسراء: ٨٤] مِنْكُمْ ﴿أَهْدَى سَبِيلًا﴾ [الإسراء: ٨٤] يَقُولُ: رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ مِنْكُمْ أَهْدَى طَرِيقًا إِلَى الْحَقِّ مِنْ غَيْرِهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٥ / ٦٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ﴾ [الإسراء: ٨٤] يَقُولُ: عَلَى نَاحِيَتِهِ
١٥ / ٦٦
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثِ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿عَلَى شَاكِلَتِهِ﴾ [الإسراء: ٨٤] قَالَ: عَلَى نَاحِيَتِهِ
١٥ / ٦٦
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ﴿قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ﴾ [الإسراء: ٨٤] قَالَ: عَلَى طَبِيعَتِهِ عَلَى حِدَتِهِ
١٥ / ٦٦
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ﴾ [الإسراء: ٨٤] يَقُولُ: عَلَى نَاحِيَتِهِ وَعَلَى مَا يَنْوِي وَقَالَ آخَرُونَ: الشَّاكِلَةُ: الدِّينُ
١٥ / ٦٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ﴾ [الإسراء: ٨٤] قَالَ: عَلَى دِينِهِ، الشَّاكِلَةُ: الدِّينُ
١٥ / ٦٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا ⦗٦٧⦘ أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلًا﴾ [الإسراء: ٨٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: وَيَسْأَلُكَ الْكُفَّارُ بِاللَّهِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ عَنِ الرُّوحِ مَا هِيَ؟ قُلْ لَهُمُ: الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي، وَمَا أُوتِيتُمْ أَنْتُمْ وَجَمِيعُ النَّاسِ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا. وَذَكَرَ أَنَّ الَّذِينَ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنِ الرُّوحِ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ بِمَسْأَلَتِهِمْ إِيَّاهُ عَنْهَا، كَانُوا قَوْمًا مِنَ الْيَهُودِ
١٥ / ٦٦
ذِكْرُ الرِّوَايَةِ بِذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو هِشَامٍ، قَالَ: ثنا وَكِيعٌ، قَالَ: ثنا الْأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ فِي حَرْثٍ بِالْمَدِينَةِ، وَمَعَهُ عَسِيبٌ يَتَوَكَّأُ عَلَيْهِ، فَمَرَّ بِقَوْمٍ مِنَ الْيَهُودِ، فَقَالَ بَعْضُهُمُ: اسْأَلُوهُ عَنِ الرُّوحِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا تَسْأَلُوهُ، فَقَامَ مُتَوَكِّئًا عَلَى عَسِيبِهِ، فَقُمْتُ خَلْفَهُ، فَظَنَنْتُ أَنَّهُ يُوحَى إِلَيْهِ، فَقَالَ: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [الإسراء: ٨٥] فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: أَلَمْ نَقُلْ لَكُمْ لَا تَسْأَلُوهُ
١٥ / ٦٧
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمَسْعُودِيُّ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: بَيْنَا أَنَا أَمْشِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي حَرَّةٍ بِالْمَدِينَةِ، إِذْ مَرَرْنَا عَلَى يَهُودَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: سَلُوهُ عَنِ الرُّوحِ، فَقَالُوا: مَا رَابَكُمْ إِلَى أَنْ تَسْمَعُوا مَا تَكْرَهُونَ، فَقَامُوا إِلَيْهِ، فَسَأَلُوهُ، فَقَامَ فَعَرَفْتُ أَنَّهُ يُوحَى إِلَيْهِ، فَقُمْتُ مَكَانِي، ثُمَّ قَرَأَ: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [الإسراء: ٨٥] فَقَالُوا: أَلَمْ نَنْهَكُمْ أَنْ تَسْأَلُوهُ
١٥ / ٦٨
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا دَاوُدُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: سَأَلَ أَهْلُ الْكِتَابِ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنِ الرُّوحِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [الإسراء: ٨٥] فَقَالُوا: أَتَزْعُمُ أَنَّا لَمْ نُؤْتَ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا، وَقَدْ أُوتِينَا التَّوْرَاةَ، وَهِيَ الْحِكْمَةُ ﴿وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ [البقرة: ٢٦٩] قَالَ: فَنَزَلَتْ: ﴿وَلَوْ أَنَّ مَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ﴾ قَالَ: مَا أُوتِيتُمْ مِنْ عِلْمٍ، فَنَجَّاكُمُ اللَّهُ بِهِ مِنَ النَّارِ، فَهُوَ كَثِيرٌ طَيِّبٌ، وَهُوَ فِي عِلْمِ اللَّهِ قَلِيلٌ
١٥ / ٦٨
حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ، قَالَ: ثنا الْأَشْجَعِيُّ أَبُو عَاصِمٍ الْحِمْصِيُّ، قَالَ: ثنا ⦗٦٩⦘ إِسْحَاقُ بْنُ عِيسَى أَبُو يَعْقُوبَ، قَالَ: ثنا الْقَاسِمُ بْنُ مَعْنٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: إِنِّي لَمَعَ النَّبِيِّ ﷺ فِي حَرْثٍ بِالْمَدِينَةِ، إِذْ أَتَاهُ يَهُودِيُّ، قَالَ: يَا أَبَا الْقَاسِمِ، مَا الرُّوحُ؟ فَسَكَتَ النَّبِيُّ ﷺ، وَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي﴾ [الإسراء: ٨٥]
١٥ / ٦٨
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ﴾ [الإسراء: ٨٥] لَقِيَتِ الْيَهُودُ نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ، فَتَغَشَّوْهُ وَسَأَلُوهُ وَقَالُوا: إِنْ كَانَ نَبِيًّا عُلِّمَ فَسَيَعْلَمُ ذَلِكَ، فَسَأَلُوهُ عَنِ الرُّوحِ، وَعَنْ أَصْحَابِ الْكَهْفِ، وَعَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ ذَلِكَ كُلَّهُ ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [الإسراء: ٨٥] يَعْنِي الْيَهُودَ
١٥ / ٦٩
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ،﴾ [الإسراء: ٨٥] قَالَ: يَهُودُ تَسْأَلُ عَنْهُ
١٥ / ٦٩
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ،﴾ [الإسراء: ٨٥] قَالَ: يَهُودُ تَسْأَلُهُ
١٥ / ٦٩
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ،﴾ [الإسراء: ٨٥] . . الْآيَةُ: وَذَلِكَ أَنَّ الْيَهُودَ ⦗٧٠⦘ قَالُوا لِلنَّبِيِّ ﷺ: أَخْبِرْنَا مَا الرُّوحُ، وَكَيْفَ تُعَذَّبُ الرُّوحُ الَّتِي فِي الْجَسَدِ، وَإِنَّمَا الرُّوحُ مِنَ اللَّهِ عز وجل، وَلَمْ يَكُنْ نَزَلَ عَلَيْهِ فِيهِ شَيْءٌ، فَلَمْ يُحِرْ إِلَيْهِمْ شَيْئًا، فَأَتَاهُ جِبْرَئِيلَ عليه السلام، فَقَالَ لَهُ: ﴿قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [الإسراء: ٨٥] فَأَخْبَرَهُمُ النَّبِيُّ ﷺ بِذَلِكَ، قَالُوا لَهُ: مَنْ جَاءَكَ بِهَذَا؟ فَقَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ ﷺ: «جَاءَنِي بِهِ جِبْرِيلُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ»، فَقَالُوا: وَاللَّهِ مَا قَالَهُ لَكَ إِلَّا عَدُوٌّ لَنَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ اسْمُهُ: ﴿قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ﴾ [البقرة: ٩٧] الْآيَةَ
١٥ / ٦٩
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: كُنْتُ أَمْشِي مَعَ النَّبِيِّ ﷺ ذَاتَ يَوْمٍ، فَمَرَرْنَا بِأُنَاسٍ مِنَ الْيَهُودِ، فَقَالُوا: يَا أَبَا الْقَاسِمِ مَا الرُّوحُ؟ فَأُسْكِتَ، فَرَأَيْتُ أَنَّهُ يُوحَى إِلَيْهِ، قَالَ: فَتَنَحَّيْتُ عَنْهُ إِلَى سُبَاطَةٍ، فَنَزَلَتْ عَلَيْهِ: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ﴾ [الإسراء: ٨٥] . . الْآيَةَ، فَقَالَتِ الْيَهُودُ: هَكَذَا نَجِدُهُ عِنْدَنَا وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الرُّوحِ الَّذِي ذُكِرَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مَا هِيَ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ جِبْرَئِيلُ عليه السلام
١٥ / ٧٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿⦗٧١⦘ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ،﴾ [الإسراء: ٨٥] قَالَ: هُوَ جَبْرَائِيلُ، قَالَ قَتَادَةُ: وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَكْتُمُهُ وَقَالَ آخَرُونَ: هِيَ مَلَكٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ
١٥ / ٧٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ. حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ،﴾ [الإسراء: ٨٥] قَالَ: الرُّوحُ: مَلَكٌ
١٥ / ٧١
حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني أَبُو مَرْوَانَ يَزِيدُ بْنُ سَمُرَةَ صَاحِبُ قَيْسَارِيَّةَ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ﴾ [الإسراء: ٨٥] قَالَ: هُوَ مَلَكٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ لَهُ سَبْعُونَ أَلْفَ وَجْهٍ، لِكُلِّ وَجْهٍ مِنْهَا سَبْعُونَ أَلْفَ لِسَانٍ، لِكُلِّ لِسَانٍ مِنْهَا سَبْعُونَ أَلْفَ لُغَةٍ يُسَبِّحُ اللَّهَ عز وجل بِتِلْكَ اللُّغَاتِ كُلِّهَا، يَخْلُقُ اللَّهُ مِنْ كُلِّ تَسْبِيحَةٍ مَلَكًا يَطِيرُ مَعَ الْمَلَائِكَةِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الرُّوحِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ مِنْ كِتَابِنَا، بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ
١٥ / ٧١
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿مِنْ أَمْرِ رَبِّي﴾ [الإسراء: ٨٥] فَإِنَّهُ يَعْنِي: أَنَّهُ مِنَ الْأَمْرِ الَّذِي يَعْلَمُهُ اللَّهُ عَزَّ ⦗٧٢⦘ وَجَلَّ دُونَكُمْ، فَلَا تَعْلَمُونَهُ وَيَعْلَمُ مَا هُوَ
١٥ / ٧١
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [الإسراء: ٨٥] فَإِنَّ أَهْلَ التَّأْوِيلِ اخْتَلَفُوا فِي الْمَعْنِيِّ بِقَوْلِهِ ﴿وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [الإسراء: ٨٥] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَنَى بِذَلِكَ: الَّذِينَ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنِ الرُّوحِ وَجَمِيعِ النَّاسِ غَيْرِهِمْ، وَلَكِنْ لَمَّا ضَمَّ غَيْرَ الْمُخَاطَبِ إِلَى الْمُخَاطَبِ، خَرَجَ الْكَلَامُ عَلَى الْمُخَاطَبَةِ، لِأَنَّ الْعَرَبَ كَذَلِكَ تَفْعَلُ إِذَا اجْتَمَعَ فِي الْكَلَامِ مُخْبَرٌ عَنْهُ غَائِبٌ وَمُخَاطَبٌ أَخْرَجُوا الْكَلَامَ خِطَابًا لِلْجَمْعِ
١٥ / ٧٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: نَزَلَتْ بِمَكَّةَ ﴿وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [الإسراء: ٨٥] فَلَمَّا هَاجَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِلَى الْمَدِينَةِ أَتَاهُ أَحْبَارُ يَهُودَ، فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ أَلَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّكَ تَقُولُ ﴿وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [الإسراء: ٨٥] أَفَعَنَيْتَنَا أَمْ قَوْمَكَ؟ قَالَ: «كُلًّا قَدْ عَنَيْتُ» قَالُوا: فَإِنَّكَ تَتْلُو أَنَّا أُوتِينَا التَّوْرَاةَ وَفِيهَا تِبْيَانُ كُلِّ شَيْءٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «هِيَ فِي عِلْمِ اللَّهِ قَلِيلٌ، وَقَدْ آتَاكُمْ مَا إِنْ عَمِلْتُمْ بِهِ انْتَفَعْتُمْ» فَأَنْزَلَ اللَّهُ ﴿وَلَوْ أَنَّ مَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ﴾ . . إِلَى قَوْلِهِ ﴿إِنَّ اللَّهَ سُمَيْعٌ بَصِيرٌ﴾ [الحج: ٧٥]
١٥ / ٧٢
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَوْلُهُ عز وجل ﴿وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [الإسراء: ٨٥] قَالَ: يَا مُحَمَّدُ وَالنَّاسُ أَجْمَعُونَ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عَنَى بِذَلِكَ الَّذِينَ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنِ الرُّوحِ خَاصَّةً دُونَ غَيْرِهِمْ
١٥ / ٧٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [الإسراء: ٨٥] يَعْنِي: الْيَهُودَ وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَالَ: خَرَجَ الْكَلَامُ خِطَابًا لِمَنْ خُوطِبَ بِهِ، وَالْمُرَادُ بِهِ جَمِيعُ الْخَلْقِ، لِأَنَّ عِلْمَ كُلِّ أَحَدٍ سِوَى اللَّهِ، وَإِنْ كَثُرَ فِي عِلْمِ اللَّهِ قَلِيلٌ. وَإِنَّمَا مَعْنَى الْكَلَامِ: وَمَا أُوتِيتُمْ أَيُّهَا النَّاسُ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا مِنْ كَثِيرٍ مِمَّا يَعْلَمُ اللَّهُ
١٥ / ٧٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلًا﴾ [الإسراء: ٨٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي آتَيْنَاكَ مِنَ الْعِلْمِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنْ هَذَا الْقُرْآنِ لَنَذْهَبَنَّ بِهِ، فَلَا تَعْلَمُهُ، ثُمَّ لَا تَجِدُ لِنَفْسِكَ بِمَا نَفْعَلُ بِكَ مِنْ ذَلِكَ وَكِيلًا، يَعْنِي: قَيِّمًا يَقُومُ لَكَ، فَيَمْنَعُنَا مِنْ فِعْلِ ذَلِكَ بِكَ، وَلَا نَاصِرًا يَنْصُرُكَ، ⦗٧٤⦘ فَيَحُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَا نُرِيدُ بِكَ، قَالَا: وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ يَتَأَوَّلُ مَعْنَى ذَهَابِ اللَّهِ عز وجل بِهِ رَفَعَهُ مِنْ صُدُورِ قَارِئِيهِ
١٥ / ٧٣
ذِكْرُ الرِّوَايَةِ بِذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ، عَنْ بُنْدَارٍ، عَنْ مَعْقِلٍ، قَالَ: قُلْتُ لِعَبْدِ اللَّهِ، وَذَكَرَ أَنَّهُ يُسْرَى عَلَى الْقُرْآنِ: كَيْفَ وَقَدْ أَثْبَتْنَاهُ فِي صُدُورِنَا وَمَصَاحِفِنَا؟ قَالَ: يُسْرَى عَلَيْهِ لَيْلًا، فَلَا يَبْقَى مِنْهُ فِي مُصْحَفٍ وَلَا فِي صَدْرِ رَجُلٍ، ثُمَّ قَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ: ﴿وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ﴾ [الإسراء: ٨٦]
١٥ / ٧٤
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَحْيَى، عَنِ الْمُسَيَّبِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: تَطْرُقُ النَّاسَ رِيحٌ حَمْرَاءُ مِنْ نَحْوِ الشَّامِ، فَلَا يَبْقَى فِي مُصْحَفِ رَجُلٍ وَلَا قَلْبِهِ آيَةٌ. قَالَ رَجُلٌ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، إِنِّي قَدْ جَمَعْتُ الْقُرْآنَ، قَالَ: لَا يَبْقَى فِي صَدْرِكَ مِنْهُ شَيْءٌ. ثُمَّ قَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ: ﴿وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ﴾ [الإسراء: ٨٦]
١٥ / ٧٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيرًا﴾ [الإسراء: ٨٧] يَقُولُ عز وجل: ﴿وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ﴾ [الإسراء: ٨٦] يَا مُحَمَّدُ ﴿بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ﴾ [الإسراء: ٨٦] وَلَكِنَّهُ لَا يَشَاءُ ذَلِكَ، رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَتَفَضُّلًا مِنْهُ عَلَيْكَ ﴿إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيرًا﴾ [الإسراء: ٨٧] بِاصْطِفَائِهِ إِيَّاكَ لِرِسَالَتِهِ، وَإِنْزَالِهِ عَلَيْكَ كِتَابَهُ، وَسَائِرَ نِعَمِهِ عَلَيْكَ الَّتِي لَا تُحْصَى
١٥ / ٧٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا﴾ [الإسراء: ٨٨] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِلَّذِينَ قَالُوا لَكَ: إِنَّا نَأْتِي بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ: لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِهِ، لَا يَأْتُونَ أَبَدًا بِمِثْلِهِ، وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَوْنًا وَظَهْرًا. وَذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِسَبَبِ قَوْمٍ مِنَ الْيَهُودِ جَادَلُوهُ فِي الْقُرْآنِ، وَسَأَلُوهُ أَنْ يَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ غَيْرِهِ شَاهِدَةٍ لَهُ عَلَى نُبُوَّتِهِ، لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا الْقُرْآنِ بِهِمْ قُدْرَةٌ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِهِ
١٥ / ٧٥
ذِكْرُ الرِّوَايَةِ بِذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مُحَمَّدٍ، مَوْلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: ثني سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ أَوْ عِكْرِمَةَ،
١٥ / ٧٥
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَتَى رَسُولَ اللَّهِ ﷺ مَحْمُودُ بْنُ سَيْحَانَ، وَعُمَرُ بْنُ أَصَانَ، وَبَحْرِيُّ بْنُ عَمْرٍو، وَعُزَيْزُ بْنُ أَبِي عُزَيْزٍ، وَسَلَّامُ بْنُ مِشْكَمٍ، فَقَالُوا: أَخْبِرْنَا يَا مُحَمَّدُ بِهَذَا الَّذِي جِئْتَنَا بِهِ حَقٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ عز وجل، فَإِنَّا لَا نَرَاهُ مُتَنَاسِقًا كَمَا تَنَاسَقُ التَّوْرَاةُ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «أَمَا وَاللَّهِ إِنَّكُمْ لَتَعْرِفُونَ أَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَكُمْ، وَلَوِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِهِ مَا جَاءُوا بِهِ» فَقَالَ عِنْدَ ذَلِكَ، وَهُمْ جَمِيعًا: فِنْحَاصٌ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ صُورِيَا، وَكِنَانَةُ بْنُ أَبِي الْحُقَيْقِ، وَأَشِيعُ، وَكَعْبُ بْنُ أَسَدٍ، وَسَمَوْأَلُ بْنُ زَيْدٍ، وَجَبَلُ بْنُ عَمْرٍو: يَا مُحَمَّدُ مَا يُعَلِّمُكَ هَذَا إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ «أَمَا وَاللَّهِ إِنَّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَكُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ» فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ اللَّهَ يَصْنَعُ لِرَسُولِهِ إِذَا بَعَثَهُ مَا شَاءَ، وَيَقْدِرُ مِنْهُ عَلَى مَا أَرَادَ، فَأَنْزَلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ وَنَعْرِفُهُ، وَإِلَّا جِئْنَاكَ بِمِثْلِ مَا تَأْتِي بِهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل فِيهِمْ وَفِيمَا قَالُوا: ﴿قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا﴾ [الإسراء: ٨٨]
١٥ / ٧٦
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَوْلُهُ ﴿لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ﴾ [الإسراء: ٨٨] . . إِلَى قَوْلِهِ ﴿وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا﴾ [الإسراء: ٨٨] قَالَ: مُعِينًا، قَالَ: يَقُولُ: لَوْ بَرَزَتِ الْجِنُّ وَأَعَانَهُمُ الْإِنْسُ، فَتَظَاهَرُوا لَمْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ
١٥ / ٧٧
وَقَوْلُهُ عز وجل ﴿لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ﴾ [الإسراء: ٨٨] رَفْعٌ، وَهُوَ جَوَابٌ لِقَوْلِهِ «لَئِنْ»، لِأَنَّ الْعَرَبَ إِذَا أَجَابَتْ لَئِنْ بِلَا رَفَعُوا مَا بَعْدَهَا، لِأَنَّ «لَئِنْ» كَالْيَمِينِ وَجَوَابُ الْيَمِينِ بِلَا مَرْفُوعٌ، وَرُبَّمَا جُزِمَ لِأَنَّ الَّتِي يُجَابُ بِهَا زِيدَتْ عَلَيْهِ لَامٌ، كَمَا قَالَ الْأَعْشَى:
[البحر البسيط] لَئِنْ مُنِيتَ بِنَا عَنْ غِبِّ مَعْرَكَةٍ … لَا تُلْفِنَا عَنْ دِمَاءِ الْقَوْمِ نَنْتَفِلُ
[البحر البسيط] لَئِنْ مُنِيتَ بِنَا عَنْ غِبِّ مَعْرَكَةٍ … لَا تُلْفِنَا عَنْ دِمَاءِ الْقَوْمِ نَنْتَفِلُ
١٥ / ٧٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا﴾ [الإسراء: ٨٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَقَدْ بَيَّنَّا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ احْتِجَاجًا بِذَلِكَ كُلِّهِ عَلَيْهِمْ، وَتَذْكِيرًا لَهُمْ، وَتَنْبِيهًا عَلَى الْحَقِّ لِيَتَّبِعُوهُ وَيَعْمَلُوا بِهِ ﴿فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا﴾ [الإسراء: ٨٩] يَقُولُ: فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا جُحُودًا لِلْحَقٍّ، وَإِنْكَارًا لِحُجَجِ اللَّهِ وَأَدِلَّتِهِ
١٥ / ٧٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ ⦗٧٨⦘ يَنْبُوعًا﴾ [الإسراء: ٩٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَقَالَ يَا مُحَمَّدُ الْمُشْرِكُونَ بِاللَّهِ مِنْ قَوْمِكَ لَكَ: لَنْ نُصَدِّقَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنْ أَرْضِنَا هَذِهِ عَيْنًا تَنْبُعُ لَنَا بِالْمَاءِ. وَقَوْلُهُ ﴿يَنْبُوعًا﴾ [الإسراء: ٩٠] يَفْعُولٌ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: نَبَعَ الْمَاءُ: إِذَا ظَهَرَ وَفَارَ، يَنْبُعُ وَيَنْبَعُ، وَهُوَ مَا نَبَعَ. كَمَا:
١٥ / ٧٧
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ ﴿حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا﴾ [الإسراء: ٩٠] أَيْ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ عُيُونًا: أَيْ بِبَلَدِنَا هَذَا
١٥ / ٧٨
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ ﴿حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا﴾ [الإسراء: ٩٠] قَالَ: عُيُونًا حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، مِثْلَهُ
١٥ / ٧٨
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ﴿يَنْبُوعًا﴾ [الإسراء: ٩٠] قَالَ: عُيُونًا حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٥ / ٧٨
وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ ﴿تَفْجُرَ﴾ [الإسراء: ٩٠] فَرُوِيَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ قَرَأَ ﴿حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا﴾ [الإسراء: ٩٠] خَفِيفَةً وَقَوْلُهُ ﴿فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا﴾ [الإسراء: ٩١] بِالتَّشْدِيدِ، وَكَذَلِكَ كَانَتْ قُرَّاءُ الْكُوفِيِّينَ يَقْرَءُونَهَا، فَكَأَنَّهُمْ ذَهَبُوا بِتَخْفِيفِهِمُ الْأُولَى إِلَى مَعْنَى: حَتَّى تُفَجِّرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ مَاءً مَرَّةً وَاحِدَةً. وَبَتْشِدِيدِهِمُ الثَّانِيَةَ إِلَى أَنَّهَا «تَفَجَّرُ» فِي أَمَاكِنَ شَتَّى، مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى، إِذَا كَانَ ذَلِكَ تَفَجَّرُ أَنْهَارٍ لَا نَهْرٌ وَاحِدٌ، وَالتَّخْفِيفِ فِي الْأُولَى وَالتَّشْدِيدُ فِي الثَّانِيَةِ عَلَى مَا ذَكَرْتُ مِنْ قِرَاءَةِ الْكُوفِيِّينَ أَعْجَبُ إِلَيَّ لِمَا ذَكَرْتُ مِنِ افْتِرَاقِ مَعْنَيَيْهِمَا، وَإِنْ لَمْ تَكُنِ الْأُولَى مَدْفُوعَةً صِحَّتُهَا
١٥ / ٧٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلِ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا﴾ [الإسراء: ٩١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: وَقَالَ لَكَ يَا مُحَمَّدُ مُشْرِكُو قَوْمِكَ: لَنْ نُصَدِّقُكَ حَتَّى تَسْتَنْبِطَ لَنَا عَيْنًا مِنْ أَرْضِنَا، تَدَفَّقُ بِالْمَاءِ أَوْ تَفُورُ، أَوْ يَكُونَ لَكَ بُسْتَانٌ، وَهُوَ الْجَنَّةُ، مِنْ نَخِيلِ وَعِنَبٍ، فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا بِأَرْضِنَا هَذِهِ الَّتِي نَحْنُ بِهَا خِلَالَهَا، يَعْنِي: خِلَالَ النَّخِيلِ وَالْكُرُومِ، وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ: ﴿خِلَالَهَا تَفْجِيرًا﴾ [الإسراء: ٩١] بَيْنَهَا فِي أُصُولِهَا تَفْجِيرًا بِسَبَبِ أَبْنِيَتِهَا
١٥ / ٧٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلاَئِكَةِ قَبِيلًا﴾ [الإسراء: ٩٢]
١٥ / ٧٩
اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿كِسَفًا﴾ [الإسراء: ٩٢] فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ بِسُكُونِ السِّينِ، بِمَعْنِى: (أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسْفًا)، وَذَلِكَ أَنَّ الْكِسَفَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ: جَمْعُ كِسْفَةٍ، وَهُوَ جَمْعُ الْكَثِيرِ مِنَ الْعَدَدِ لِلْجِنْسِ، كَمَا تُجْمَعُ السِّدْرَةُ بِسِدْرٍ، وَالتَّمْرَةُ بِتَمْرٍ، فَحُكِيَ عَنِ الْعَرَبِ سَمَاعًا: أَعْطِنِي كِسْفَةً مِنْ هَذَا الثَّوْبِ: أَيْ قِطْعَةً مِنْهُ، يُقَالُ مِنْهُ: جَاءَنَا بِثَرِيدٍ كِسَفٍ: أَيْ قِطَعِ خُبْزٍ. وَقَدْ يَحْتَمِلُ إِذَا قُرِئَ كَذَلِكَ «كِسْفًا» بِسُكُونِ السِّينِ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا بِهِ الْمَصْدَرُ مِنْ كَسَفَ. فَأَمَّا الْكَسْفُ بِفَتْحِ السِّينِ، فَإِنَّهُ جَمْعُ مَا بَيْنَ الثَّلَاثِ إِلَى الْعَشْرِ، يُقَالُ: كِسْفَةٌ وَاحِدَةٌ، وَثَلَاثُ كِسَفٍ، وَكَذَلِكَ إِلَى الْعَشْرِ وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَبَعْضُ الْكُوفِيِّينَ ﴿كِسْفًا﴾ [الإسراء: ٩٢] بِفَتْحِ السِّينِ بِمَعْنَى: جَمْعِ الْكِسْفَةِ الْوَاحِدَةِ مِنَ الثَّلَاثِ إِلَى الْعَشْرِ، يَعْنِي بِذَلِكَ قِطَعًا: مَا بَيْنَ الثَّلَاثِ إِلَى الْعَشْرِ. وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ عِنْدِي قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَهُ بِسُكُونِ السِّينِ، لِأَنَّ الَّذِينَ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ ذَلِكَ، لَمْ يَقْصِدُوا فِي مَسْأَلَتِهِمْ إِيَّاهُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ بِحَدٍّ مَعْلُومٍ مِنَ الْقِطَعِ، إِنَّمَا سَأَلُوا أَنْ يُسْقِطَ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ قِطَعًا، وَبِذَلِكَ جَاءَ التَّأْوِيلُ أَيْضًا عَنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ
١٥ / ٨٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ ﴿كِسَفًا﴾ [الإسراء: ٩٢] قَالَ: السَّمَاءُ جَمِيعًا حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٥ / ٨١
قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَثِيرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ ﴿كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا﴾ [الإسراء: ٩٢] قَالَ: مَرَّةً وَاحِدَةً، وَالَّتِي فِي الرُّومِ ﴿وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا﴾ [الروم: ٤٨] قَالَ: قِطَعًا، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: كِسْفًا لِقَوْلِ اللَّهِ: ﴿إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ﴾ [سبأ: ٩]
١٥ / ٨١
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا﴾ [الإسراء: ٩٢] قَالَ: أَيْ قِطَعًا
١٥ / ٨١
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿كِسَفًا﴾ [الإسراء: ٩٢] قَالَ: قِطَعًا
١٥ / ٨١
حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿كِسَفًا﴾ [الإسراء: ٩٢] يَقُولُ: قِطَعًا
١٥ / ٨١
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ ﴿أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا﴾ [الإسراء: ٩٢] يَعْنِي قِطَعًا
١٥ / ٨٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: ﴿أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا﴾ [الإسراء: ٩٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ عَنْ قِيلِ الْمُشْرِكِينَ لِنَبِيِّ اللَّهِ ﷺ: أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ يَا مُحَمَّدُ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى الْقَبِيلِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ وَالْمَلَائِكَةُ كُلَّ قَبِيلَةٍ مِنَّا قَبِيلَةً قَبِيلَةً، فَيُعَايِنُونَهُمْ
١٥ / ٨٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا﴾ [الإسراء: ٩٢] قَالَ: عَلَى حِدَتِنَا، كُلَّ قَبِيلَةٍ
١٥ / ٨٢
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ ﴿أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا﴾ [الإسراء: ٩٢] قَالَ: قَبَائِلُ عَلَى حِدَتِهَا كُلَّ قَبِيلَةٍ وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ عِيَانًا نُقَابِلُهُمْ مُقَابَلَةً، فَنُعَايِنُهُمْ مُعَايَنَةً
١٥ / ٨٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا﴾ [الإسراء: ٩٢] نُعَايِنُهُمْ مُعَايَنَةً
١٥ / ٨٣
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، ﴿أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا﴾ [الإسراء: ٩٢] فَنُعَايِنُهُمْ وَوَجَّهَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ إِلَى أَنَّهُ بِمَعْنَى الْكَفِيلِ مِنْ قَوْلِهِمْ: هُوَ قَبِيلُ فُلَانٍ بِمَا لِفُلَانٍ عَلَيْهِ وَزَعِيمُهُ. وَأَشْبَهُ الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ، الْقَوْلُ الَّذِي قَالَهُ قَتَادَةُ مِنْ أَنَّهِ بِمَعْنَى الْمُعَايَنَةِ، مِنْ قَوْلِهِمْ: قَابَلْتُ فُلَانًا مُقَابَلَةً، وَفُلَانُ قَبِيلُ فُلَانٍ، بِمَعْنَى قُبَالَتُهُ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الطويل] نُصَالِحُكُمْ حَتَّى تَبُوءُوا بِمِثْلِهَا … كَصَرْخَةِ حُبْلَى يَسَّرَتْهَا قَبِيلُهَا
يَعْنِي قَابِلَتُهَا. وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِكَلَامِ الْعَرَبِ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ يَقُولُ: إِذَا وَصَفُوا بِتَقْدِيرِ فَعِيلٍ مِنْ قَوْلِهِمْ قَابَلْتُ وَنَحْوَهَا، جَعَلُوا لَفْظَ صِفَةِ الِاثْنَيْنِ وَالْجَمِيعِ مِنَ الْمُؤَنَّثِ وَالْمُذَكَّرِ عَلَى لَفْظٍ وَاحِدٍ، نَحْوَ قَوْلِهِمْ: هَذِهِ قَبِيلِي، وَهُمَا قَبِيلِي، وَهُمْ ⦗٨٤⦘ قَبِيلِي، وَهُنَّ قَبِيلِي
[البحر الطويل] نُصَالِحُكُمْ حَتَّى تَبُوءُوا بِمِثْلِهَا … كَصَرْخَةِ حُبْلَى يَسَّرَتْهَا قَبِيلُهَا
يَعْنِي قَابِلَتُهَا. وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِكَلَامِ الْعَرَبِ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ يَقُولُ: إِذَا وَصَفُوا بِتَقْدِيرِ فَعِيلٍ مِنْ قَوْلِهِمْ قَابَلْتُ وَنَحْوَهَا، جَعَلُوا لَفْظَ صِفَةِ الِاثْنَيْنِ وَالْجَمِيعِ مِنَ الْمُؤَنَّثِ وَالْمُذَكَّرِ عَلَى لَفْظٍ وَاحِدٍ، نَحْوَ قَوْلِهِمْ: هَذِهِ قَبِيلِي، وَهُمَا قَبِيلِي، وَهُمْ ⦗٨٤⦘ قَبِيلِي، وَهُنَّ قَبِيلِي
١٥ / ٨٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنْزِلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا﴾ [الإسراء: ٩٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُخْبِرًا عَنِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ ذَكَرْنَا أَمْرَهُمْ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ: أَوْ يَكُونَ لَكَ يَا مُحَمَّدُ بَيْتٌ مِنْ ذَهَبٍ، وَهُوَ الزُّخْرُفُ. كَمَا:
١٥ / ٨٤
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ﴿أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ﴾ [الإسراء: ٩٣] يَقُولُ: بَيْتٌ مِنْ ذَهَبٍ
١٥ / ٨٤
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ ﴿مِنْ زُخْرُفٍ﴾ [الإسراء: ٩٣] قَالَ: مِنْ ذَهَبٍ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٥ / ٨٤
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ﴾ [الإسراء: ٩٣] وَالزُّخْرُفُ هُنَا: الذَّهَبُ
١٥ / ٨٤
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ ﴿أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ﴾ [الإسراء: ٩٣] قَالَ: مِنْ ذَهَبٍ
١٥ / ٨٥
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنْ رَجُلٍ، عَنِ الْحَكَمِ، قَالَ: قَالَ مُجَاهِدٌ: كُنَّا لَا نَدْرِي مَا الزُّخْرُفُ حَتَّى رَأَيْنَاهُ فِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ: «أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ ذَهَبٍ»
١٥ / ٨٥
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَّنَى ثنا قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: لَمْ أَدْرِ مَا الزُّخْرُفُ، حَتَّى سَمِعْنَا فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: «بَيْتٌ مِنْ ذَهَبٍ»
١٥ / ٨٥
وَقَوْلُهُ ﴿أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ﴾ [الإسراء: ٩٣] يَعْنِي: أَوْ تَصْعَدُ فِي دَرَجٍ إِلَى السَّمَاءِ، وَإِنَّمَا قِيلَ فِي السَّمَاءِ، وَإِنَّمَا يَرْقَى إِلَيْهَا لَا فِيهَا، لِأَنَّ الْقَوْمَ قَالُوا: أَوْ تَرْقَى فِي سُلَّمٍ إِلَى السَّمَاءِ، فَأُدْخِلَتْ «فِي» فِي الْكَلَامِ لِيَدُلَّ عَلَى مَعْنَى الْكَلَامِ، يُقَالُ: رَقِيتُ فِي السُّلَمِ، فَأَنَا أَرْقَى رَقْيًا وَرُقِيًّا وَرُقْيًا، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الرجز] أَنْتَ الَّذِي كَلَّفْتَنِي رَقْيَ الدَّرَجْ … عَلَى الْكَلَالِ وَالْمَشِيبِ وَالْعَرَجْ
[البحر الرجز] أَنْتَ الَّذِي كَلَّفْتَنِي رَقْيَ الدَّرَجْ … عَلَى الْكَلَالِ وَالْمَشِيبِ وَالْعَرَجْ
١٥ / ٨٥
وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ﴾ [الإسراء: ٩٣] يَقُولُ: وَلَنْ نُصَدِّقَكَ مِنْ أَجْلِ رُقِيِّكَ إِلَى السَّمَاءِ ﴿حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا﴾ [الإسراء: ٩٣] مَنْشُورًا ﴿نَقْرَؤُهُ﴾ [الإسراء: ٩٣] فِيهِ أَمْرُنَا بِاتِّبَاعِكَ وَالْإِيمَانِ بِكَ، كَمَا:
١٥ / ٨٦
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَا: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ ﴿كِتَابًا نَقْرَؤُهُ﴾ [الإسراء: ٩٣] قَالَ: مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ إِلَى فُلَانٍ، عِنْدَ كُلِّ رَجُلٍ صَحِيفَةٌ تُصْبِحُ عِنْدَ رَأْسِهِ يَقْرَؤُهَا
١٥ / ٨٦
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ بِنَحْوِهِ، إِلَّا أَنَّهُ، قَالَ: كِتَابًا نَقْرَؤُهُ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَقَالَ أَيْضًا: تُصْبِحُ عِنْدَ رَأْسِهِ مَوْضُوعَةً يَقْرَؤُهَا
١٥ / ٨٦
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ ﴿حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ﴾ [الإسراء: ٩٣] أَيْ كِتَابًا خَاصًّا نُؤْمَرُ فِيهِ بِاتِّبَاعِكَ
١٥ / ٨٦
وَقَوْلُهُ: ﴿قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي﴾ [الإسراء: ٩٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ قَوْمِكَ الْقَائِلِينَ لَكَ هَذِهِ الْأَقْوَالَ، تَنْزِيهًا لِلَّهِ عَمَّا يَصِفُونَهُ بِهِ، وَتَعْظِيمًا لَهُ مِنْ أَنْ يُؤْتَى بِهِ وَمَلَائِكَتِهِ، أَوْ يَكُونَ لِي سَبِيلٌ إِلَى شَيْءٍ مِمَّا
١٥ / ٨٦
تَسْأَلُونِيهِ: ﴿هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا﴾ [الإسراء: ٩٣] يَقُولُ: هَلْ أَنَا إِلَّا عَبْدٌ مِنِ عَبِيدِهِ مِنْ بَنِي آدَمَ، فَكَيْفَ أَقْدِرُ أَنْ أَفْعَلَ مَا سَأَلْتُمُونِي مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ، وَإِنَّمَا يَقْدِرُ عَلَيْهَا خَالِقِي وَخَالِقُكُمْ، وَإِنَّمَا أَنَا رَسُولُ أُبْلِغُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ، وَالَّذِي سَأَلْتُمُونِي أَنْ أَفْعَلَهُ بِيَدِ اللَّهِ الَّذِي أَنَا وَأَنْتُمْ عَبِيدٌ لَهُ، لَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ غَيْرُهُ. وَهَذَا الْكَلَامُ الَّذِي أَخْبَرَ اللَّهُ أَنَّهُ كُلِّمَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِيمَا ذَكَرَ كَانَ مِنْ مَلَإٍ مِنْ قُرَيْشٍ اجْتَمَعُوا لِمُنَاظَرَةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَمُحَاجَّتِهِ، فَكَلَّمُوهُ بِمَا أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ. ذِكْرُ تَسْمِيَةِ الَّذِينَ نَاظَرُوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ بِذَلِكَ مِنْهُمْ وَالسَّبَبُ الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ نَاظَرُوهُ بِهِ
١٥ / ٨٧
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثني شَيْخٌ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ، قَدِمَ مُنْذُ بِضْعٍ وَأَرْبَعِينَ سَنَةً، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ عُتْبَةَ وَشَيْبَةَ ابْنَيْ رَبِيعَةَ، وَأَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ وَرَجُلًا مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ، وَأَبَا الْبَخْتَرِيِّ أَخَا بَنِي أَسَدٍ، وَالْأَسْوَدَ بْنَ الْمُطَّلِبِ، وَزَمْعَةَ بْنَ الْأَسْوَدِ، وَالْوَلِيدَ بْنَ الْمُغِيرَةِ، وَأَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أُمَيَّةَ، وَأُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ، وَالْعَاصَ بْنَ وَائِلٍ، وَنُبَيْهًا وَمُنْبِهًا ابْنَيِ الْحَجَّاجِ السَّهْمِيَّيْنِ اجْتَمَعُوا، أَوْ مَنِ اجْتَمَعَ مِنْهُمْ، بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ عِنْدَ ظَهْرِ الْكَعْبَةِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: ابْعَثُوا إِلَى مُحَمَّدٍ فَكَلِّمُوهُ وَخَاصِمُوهُ حَتَّى تُعْذِرُوا فِيهِ، فَبَعَثُوا إِلَيْهِ: إِنَّ أَشْرَافَ قَوْمِكَ قَدِ اجْتَمَعُوا إِلَيْكَ لِيُكَلِّمُوكَ، فَجَاءَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ سَرِيعًا، وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ بَدَا لَهُمْ فِي أَمْرِهِ بَدَاءٌ، وَكَانَ عَلَيْهِمْ حَرِيصًا، يُحِبُّ رُشْدَهُمْ وَيَعِزُّ عَلَيْهِ عَنَتُهُمْ، حَتَّى جَلَسَ إِلَيْهِمْ، فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ إِنَّا قَدْ بَعَثَنَا إِلَيْكَ لِنُعْذِرَ فِيكَ، وَإِنَّا وَاللَّهِ مَا نَعْلَمُ رَجُلًا مِنَ الْعَرَبِ أَدْخَلَ عَلَى ⦗٨٨⦘ قَوْمِهِ مَا أَدْخَلْتَ عَلَى قَوْمِكَ، لَقَدْ شَتَمْتَ الْآبَاءَ، وَعِبْتَ الدِّينَ، وَسَفَّهْتَ الْأَحْلَامَ، وَشَتَمْتَ الْآلِهَةَ، وَفَرَّقْتَ الْجَمَاعَةَ، فَمَا بَقِيَ أَمْرٌ قَبِيحٌ إِلَّا وَقَدْ جِئْتُهُ فِيمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ، فَإِنْ كُنْتَ إِنَّمَا جِئْتَ بِهَذَا الْحَدِيثِ تَطْلُبُ مَالًا، جَمَعْنَا لَكَ مِنْ أَمْوَالِنَا حَتَّى تَكُونَ أَكْثَرَنَا مَالًا، وَإِنْ كُنْتَ إِنَّمَا تَطْلُبُ الشُّرَفَ فِينَا سَوَّدْنَاكَ عَلَيْنَا، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ بِهِ مُلْكًا مَلَّكْنَاكَ عَلَيْنَا، وَإِنْ كَانَ هَذَا الَّذِي يَأْتِيكَ بِمَا يَأْتِيكَ بِهِ رِئْيًا تَرَاهُ قَدْ غَلَبَ عَلَيْكَ وَكَانُوا يُسَمُّونَ التَّابِعَ مِنَ الْجِنِّ: الرِّئْيَ فَرُبَّمَا كَانَ ذَلِكَ، بَذَلْنَا أَمْوَالَنَا فِي طَلَبِ الطِّبِّ لَكَ حَتَّى نُبَرِّئَكَ مِنْهُ، أَوْ نُعْذِرَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَا بِي مَا تَقُولُونَ، مَا جِئْتُكُمْ بِمَا جِئْتُكُمْ بِهِ أَطْلُبُ أَمْوَالَكُمْ، وَلَا الشَّرَفِ فِيكُمْ وَلَا الْمُلْكَ عَلَيْكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ بَعَثَنِي إِلَيْكُمْ رَسُولًا، وَأَنْزَلَ عَلَيَّ كِتَابًا، وَأَمَرَنِي أَنْ أَكُونَ لَكُمْ بَشِيرًا وَنَذِيرًا، فَبَلَّغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ، فَإِنْ تَقْبَلُوا مِنِّي مَا جِئْتُكُمْ بِهِ فَهُوَ حَظُّكُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَإِنْ تَرُدُّوهُ عَلَيَّ أَصْبِرُ لِأَمْرِ اللَّهِ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ» أَوْ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ، فَإِنْ كُنْتَ غَيْرَ قَابِلٍ مِنَّا مَا عَرَضْنَا عَلَيْكَ، فَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ أَضْيَقَ بِلَادًا، وَلَا أَقَلَّ مَالًا، وَلَا أَشَد عَيْشًا مِنَّا، فَسَلْ رَبَّكَ الَّذِي بَعَثَكَ بِمَا بَعَثَكَ بِهِ، فَلْيُسَيِّرْ عَنَّا هَذِهِ الْجِبَالَ الَّتِي قَدْ ضُيِّقَتْ عَلَيْنَا، وَيَبْسُطْ لَنَا بِلَادِنَا، وَلْيُفَجِّرْ لَنَا فِيهَا أَنْهَارًا كَأَنْهَارِ الشَّامِ وَالْعِرَاقِ، وَلْيَبْعَثْ لَنَا مَنْ مَضَى مِنْ آبَائِنَا، وَلْيَكُنْ فِيمَنْ يَبْعَثُ لَنَا مِنْهُمْ قُصَيُّ بْنُ كِلَابٍ، فَإِنَّهُ كَانَ شَيْخًا صَدُوقًا، فَنَسْأَلُهُمْ عَمَّا تَقُولُ، حَقٌّ هُوَ أَمْ بَاطِلٌ؟ فَإِنْ صَنَعْتَ مَا سَأَلْنَاكَ، ⦗٨٩⦘ وَصَدَّقُوكَ صَدَّقْنَاكَ، وَعَرَفْنَا بِهِ مَنْزِلَتَكَ عِنْدَ اللَّهِ، وَأَنَّهُ بَعَثَكَ بِالْحَقِّ رَسُولًا، كَمَا فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «وَمَا بِهَذَا بُعِثْتُ، إِنَّمَا جِئْتُكُمْ مِنَ اللَّهِ بِمَا بَعَثَنِي بِهِ، فَقَدْ بَلَّغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ، فَإِنْ تَقْبَلُوهُ فَهُوَ حَظُّكُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَإِنْ تَرُدُّوهُ عَلَيَّ أَصْبِرُ لِأَمْرِ اللَّهِ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ» قَالُوا: فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ لَنَا هَذَا، فَخُذْ لِنَفْسِكَ، فَسَلْ رَبَّكَ أَنْ يَبْعَثَ مَلَكًا يُصَدِّقُكَ بِمَا تَقُولُ، وَيُرَاجِعُنَا عَنْكَ، وَاسْأَلْهُ فَلْيَجْعَلْ لَكَ جِنَانًا وَكُنُوزًا وَقُصُورًا مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ، وَيُغْنِيكَ بِهَا عَمَّا نَرَاكَ تَبْتَغِي، فَإِنَّكَ تَقُومُ بِالْأَسْوَاقِ، وَتَلْتَمِسُ الْمَعَاشَ كَمَا نَلْتِمُسُهُ، حَتَّى نَعْرِفَ فَضْلَ مَنْزِلَتِكَ مِنْ رَبِّكَ إِنْ كُنْتَ رَسُولًا كَمَا تَزْعُمُ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَا أَنَا بِفَاعِلٍ، مَا أَنَا بِالَّذِي يَسْأَلُ رَبَّهُ هَذَا، وَمَا بُعِثْتُ إِلَيْكُمْ بِهَذَا، وَلَكِنَّ اللَّهَ بَعَثَنِي بَشِيرًا وَنَذِيرًا، فَإِنْ تَقْبَلُوا مَا جِئْتُكُمْ بِهِ فَهُوَ حَظُّكُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَإِنْ تَرُدُّوهُ عَلَيَّ أَصْبِرُ لِأَمْرِ اللَّهِ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ» قَالُوا: فَأَسْقِطِ السَّمَاءَ عَلَيْنَا كِسَفًا كَمَا زَعَمْتَ أَنَّ رَبَّكَ إِنْ شَاءَ فَعَلَ، فَإِنَّا لَا نُؤْمِنُ لَكَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «ذَلِكَ إِلَى اللَّهِ إِنْ شَاءَ فَعَلَ بِكُمْ ذَلِكَ» فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ، فَمَا عِلْمُ رَبِّكَ أَنَّا سَنَجْلِسُ مَعَكَ وَنَسْأَلُكَ عَمَّا سَأَلْنَاكَ عَنْهُ، وَنَطْلُبُ مِنْكَ مَا نَطْلُبُ، فَيَتَقَدَّمُ إِلَيْكَ، وَيُعَلِّمُكَ مَا تُرَاجِعُنَا بِهِ، وَيُخْبِرُكَ مَا هُوَ صَانِعٌ فِي ذَلِكَ بِنَا إِذْ لَمْ نَقْبَلْ مِنْكَ مَا جِئْتَنَا بِهِ، فَقَدْ بَلَغَنَا أَنَّهُ إِنَّمَا يُعَلِّمُكَ هَذَا رَجُلٌ بِالْيَمَامَةِ يُقَالُ لَهُ الرَّحْمَنُ، وَإِنَّا وَاللَّهِ مَا نُؤْمِنُ بِالرَّحْمَنِ أَبَدًا، أَعْذَرْنَا إِلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ، أَمَا وَاللَّهِ لَا نَتْرُكُكَ وَمَا بَلَغْتَ مِنَّا حَتَّى نُهْلِكَكَ أَوْ تُهْلِكَنَا. وَقَالَ قَائِلُهُمْ: نَحْنُ نَعْبُدُ الْمَلَائِكَةَ، وَهُنَّ بَنَاتُ اللَّهِ، وَقَالَ قَائِلُهُمْ: لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَأْتِيَنَا بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا. فَلَمَّا قَالُوا ذَلِكَ، قَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْهُمْ، وَقَامَ مَعَهُ ⦗٩٠⦘ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَخْزُومٍ، وَهُوَ ابْنُ عَمَّتِهِ هُوَ لِعَاتِكَةَ بِنْتِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَقَالَ لَهُ: يَا مُحَمَّدُ عَرَضَ عَلَيْكَ قَوْمُكَ مَا عَرَضُوا فَلَمْ تَقْبَلْهُ مِنْهُمْ، ثُمَّ سَأَلُوكَ لِأَنْفُسِهِمْ أُمُورًا، لِيَعْرِفُوا مَنْزِلَتَكَ مِنَ اللَّهِ فَلَمْ تَفْعَلْ ذَلِكَ، ثُمَّ سَأَلُوكَ أَنْ تُعَجِّلَ مَا تُخَوِّفُهُمْ بِهِ مِنَ الْعَذَابِ، فَوَاللَّهِ لَا أُومِنُ لَكَ أَبَدًا، حَتَّى تَتَّخِذَ إِلَى السَّمَاءِ سُلَّمًا تَرْقَى فِيهِ، وَأَنَا أَنْظُرُ حَتَّى تَأْتِيَهَا، وَتَأْتِيَ مَعَكَ بِنُسْخَةٍ مَنْشُورَةٍ مَعَكَ أَرْبَعَةٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ يَشْهَدُونَ لَكَ أَنَّكَ كَمَا تَقُولُ، وَايْمُ اللَّهِ لَوْ فَعَلْتَ ذَلِكَ لَظَنَنْتُ أَلَّا أُصَدِّقُكَ، ثُمَّ انْصَرَفَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَانْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِلَى أَهْلِهِ حَزِينًا أَسِيفًا لِمَا فَاتَهُ مِمَّا كَانَ يَطْمَعُ فِيهِ مِنْ قَوْمِهِ حِينَ دَعَوْهُ، وَلِمَا رَأَى مِنْ مُبَاعَدَتِهِمْ إِيَّاهُ، فَلَمَّا قَامَ عَنْهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، قَالَ أَبُو جَهْلٍ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ أَبَى إِلَّا مَا تَرَوْنَ مِنْ عَيْبِ دِينِنَا، وَشَتْمِ آبَائِنَا، وَتَسْفِيهِ أَحْلَامِنَا، وَسَبِّ آلِهَتِنَا، وَإِنِّي أُعَاهِدُ اللَّهَ لَأَجْلِسَنَّ لَهُ غَدًا بِحَجَرٍ قَدْرَ مَا أُطِيقُ حَمْلَهُ، فَإِذَا سَجَدَ فِي صَلَاتِهِ فَضَخْتُ رَأْسَهُ بِهِ
١٥ / ٨٧
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، قَالَ: ثنا ابْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثني مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مُحَمَّدٍ مَوْلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَوْ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، بِنَحْوِهِ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: وَأَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ، وَالنَّضْرَ بْنَ الْحَارِثِ أَبْنَاءَ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ، وَأَبَا الْبَخْتَرِيِّ بْنَ هِشَامٍ
١٥ / ٩٠
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدٍ، قَالَ: ⦗٩١⦘ قُلْتُ لَهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا﴾ [الإسراء: ٩٠] قَالَ: قُلْتُ لَهُ: نَزَلَتْ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ، قَالَ: قَدْ زَعَمُوا ذَلِكَ
١٥ / ٩٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا﴾ [الإسراء: ٩٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمَا مَنَعَ يَا مُحَمَّدُ مُشْرِكِي قَوْمِكَ الْإِيمَانَ بِاللَّهِ، وَبِمَا جِئْتَهُمْ بِهِ مِنَ الْحَقِّ ﴿إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى﴾ [الإسراء: ٩٤] يَقُولُ: إِذْ جَاءَهُمُ الْبَيَانُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ بِحَقِيقَةِ مَا تَدْعُوهُمْ وَصِحَّةِ مَا جِئْتَهُمْ بِهِ، إِلَّا قَوْلُهُمْ جَهْلًا مِنْهُمْ ﴿أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا﴾ [الإسراء: ٩٤] فَأَنِ الْأُولَى فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِوُقُوعِ مَنَعَ عَلَيْهَا، وَالثَّانِيَةُ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ، لِأَنَّ الْفِعْلَ لَهَا
١٥ / ٩١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا﴾ [الإسراء: ٩٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَبَوُا الْإِيمَانَ بِكَ وَتَصْدِيقَكَ فِيمَا جِئْتَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِي، اسْتِنْكَارًا لِأَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ رَسُولًا مِنَ الْبَشَرِ: لَوْ كَانَ أَيُّهَا النَّاسُ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ، لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا، لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ إِنَّمَا تَرَاهُمْ أَمْثَالَهُمْ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، وَمَنْ خَصَّهُ اللَّهُ مِنْ بَنِي آدَمَ بِرُؤْيَتِهَا، فَأَمَّا غَيْرُهُمْ فَلَا يَقْدِرُونَ عَلَى رُؤْيَتِهَا فَكَيْفَ يَبْعَثُ إِلَيْهِمْ مِنَ الْمَلَائِكَةِ الرُّسُلَ، وَهُمْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى رُؤْيَتِهِمْ وَهُمْ بِهَيْئَاتِهِمُ الَّتِي خَلَقَهُمُ اللَّهُ بِهَا،
١٥ / ٩١
وَإِنَّمَا يُرْسِلُ إِلَى الْبَشَرِ الرَّسُولَ مِنْهُمْ، كَمَا لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ، ثُمَّ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رَسُولًا أَرْسَلْنَاهُ مِنْهُمْ مَلَكًا مِثْلَهُمْ
١٥ / ٩٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا﴾ [الإسراء: ٩٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِلْقَائِلِينَ لَكَ: ﴿أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا﴾ [الإسراء: ٩٤] ﴿كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ﴾ [الرعد: ٤٣] فَإِنَّهُ نِعْمَ الْكَافِي وَالْحَاكِمُ ﴿إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا﴾ [الإسراء: ٣٠] يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ ذُو خِبْرَةٍ وَعِلْمٍ بِأُمُورِهِمْ وَأَفْعَالِهِمْ، وَالْمُحِقُّ مِنْهُمْ وَالْمُبْطِلُ، وَالْمَهْدِيُّ وَالضَّالُّ ﴿بَصِيرًا﴾ [النساء: ٥٨] بِتَدْبِيرِهِمْ وَسِيَاسَتِهِمْ وَتَصْرِيفِهِمْ فِيمَا شَاءَ، وَكَيْفَ شَاءَ وَأَحَبَّ، لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ أُمُورِهِمْ، وَهُوَ مُجَازِ جَمِيعَهُمْ بِمَا قَدَّمَ عِنْدَ وُرُودِهِمْ عَلَيْهِ
١٥ / ٩٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ يَا مُحَمَّدُ لِلْإِيمَانِ بِهِ وَلِتَصْدِيقِكَ وَتَصْدِيقِ مَا جِئْتَ بِهِ مِنْ عِنْدِ رَبِّكَ، فَوَفَّقَهُ لِذَلِكَ فَهُوَ الْمُهْتَدِ الرَّشِيدُ الْمُصِيبُ الْحَقَّ، لَا مَنْ هَدَاهُ غَيْرُهُ، فَإِنَّ الْهِدَايَةَ بِيَدِهِ. ﴿وَمَنْ يُضْلِلْ﴾ [النساء: ٨٨] يَقُولُ: وَمَنْ يُضْلِلْهُ اللَّهُ عَنِ الْحَقِّ، فَيَخْذُلْهُ عَنْ إِصَابَتِهِ، وَلَمْ يُوَفِّقْهُ لِلْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَتَصْدِيقِ رَسُولِهِ، فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ يَا مُحَمَّدُ أَوْلِيَاءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ، إِذَا أَرَادَ اللَّهُ عُقُوبَتَهُمْ وَالِاسْتِنْقَاذَ مِنْهُمْ. ﴿وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ﴾ [الإسراء: ٩٧] يَقُولُ: وَنَجْمَعُهُمْ بِمَوْقِفِ الْقِيَامَةِ مِنْ بَعْدَ
١٥ / ٩٢
تَفَرُّقِهِمْ فِي الْقُبُورِ عِنْدَ قِيَامِ السَّاعَةِ ﴿عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا﴾ [الإسراء: ٩٧] وَهُوَ جَمْعُ أَبْكَمَ، وَيَعْنِي بِالْبَكَمِ: الْخَرَسَ، كَمَا:
١٥ / ٩٣
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَبُكْمًا﴾ [الإسراء: ٩٧] قَالَ: الْخَرَسُ ﴿وَصُمًّا﴾ [الإسراء: ٩٧] وَهُوَ جَمْعُ أَصَمَّ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَكَيْفَ وَصَفَ اللَّهُ هَؤُلَاءِ بِأَنَّهُمْ يُحْشَرُونَ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا، وَقَدْ قَالَ ﴿وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظُنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا﴾ [الكهف: ٥٣] فَأَخْبَرَ أَنَّهُمْ يَرَوْنَ، وَقَالَ: ﴿إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا﴾ [الفرقان: ١٣] فَأَخْبَرَ أَنَّهُمْ، يَسْمَعُونَ وَيَنْطِقُونَ؟ قِيلَ: جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ مَا وَصَفَهُمُ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْعَمَى وَالْبَكَمِ وَالصَّمَمِ يَكُونُ صِفَتَهُمْ فِي حَالِ حَشْرِهِمْ إِلَى مَوْقِفِ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ يُجْعَلُ لَهُمْ أَسْمَاعٌ وَأَبْصَارٌ وَمَنْطِقٌ فِي أَحْوَالٍ أُخَرَ غَيْرِ حَالِ الْحَشْرِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ، كَمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْخَبَرِ الَّذِي:
١٥ / ٩٣
حَدَّثَنِيهِ عَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ ﴿وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا﴾ [الإسراء: ٩٧] ثُمَّ قَالَ: ﴿وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا﴾ [الكهف: ٥٣] وَقَالَ: ﴿سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا﴾ [الفرقان: ١٢] وَقَالَ ﴿دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا﴾ [الفرقان: ١٣]
١٥ / ٩٣
أَمَا قَوْلُهُ: ﴿عُمْيًا﴾ [الإسراء: ٩٧] فَلَا يَرَوْنَ شَيْئًا ⦗٩٤⦘ يَسُرُّهُمْ. وَقَوْلُهُ: ﴿بُكْمًا﴾ [الإسراء: ٩٧] لَا يَنْطِقُونَ بِحُجَّةٍ. وَقَوْلُهُ: ﴿صُمًّا﴾ [الفرقان: ٧٣] لَا يَسْمَعُونَ شَيْئًا يَسُرُّهُمْ. وَقَوْلُهُ: ﴿مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ﴾ [آل عمران: ١٩٧] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَمَصِيرُهُمْ إِلَى جَهَنَّمَ، وَفِيهَا مَسَاكِنُهُمْ، وَهُمْ وَقُودُهَا، كَمَا
١٥ / ٩٣
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ﴾ [الإسراء: ٩٧] يَعْنِي إِنَّهُمْ وَقُودُهَا
١٥ / ٩٤
وَقَوْلُهُ: كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا يَعْنِي بِقَوْلِهِ خَبَتْ: لَانَتْ وَسَكَنَتْ، كَمَا قَالَ عَدِيُّ بْنُ زَيْدٍ الْعِبَادِيُّ فِي وَصْفِ مُزْنَةٍ: وَسْطُهُ كَالْيَرَاعِ أَوْ سُرُجِ الْمِجْدَلِ حِينًا يَخْبُو وَحِينًا يُنِيرُ يَعْنِي بِقَوْلِهِ: يَخْبُو السُّرُجُ: أَنَّهَا تَلِينُ وَتَضْعُفُ أَحْيَانًا، وَتَقْوَى وَتُنِيرُ أُخْرَى، وَمِنْهُ قَوْلُ الْقُطَامِيِّ: فَيَخْبُو سَاعَةً وَيَهُبُّ سَاعَا وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ عَلَى اخْتِلَافٍ مِنْهُمْ فِي الْعِبَارَةِ عَنْ تَأْوِيلِهِ
١٥ / ٩٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿كُلَّمَا خَبَتْ﴾ [الإسراء: ٩٧] قَالَ: سَكَنَتْ
١٥ / ٩٥
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ﴿كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا﴾ [الإسراء: ٩٧] يَقُولُ: كُلَّمَا أَحْرَقَتْهُمْ تُسَعَّرُ بِهِمْ حَطَبًا، فَإِذَا أَحْرَقَتْهُمْ فَلَمْ تُبْقِ مِنْهُمْ شَيْئًا صَارَتْ جَمْرًا تَتَوَهَّجُ، فَذَلِكَ خَبْوُهَا، فَإِذَا بُدِّلُوا خَلْقًا جَدِيدًا عَاوَدَتْهُمْ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنْ مُجَاهِدٍ، حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٥ / ٩٥
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ﴿كُلَّمَا خَبَتْ﴾ [الإسراء: ٩٧] قَالَ: خُبُوُّهَا أَنَّهَا تُسَعَّرُ بِهِمْ حَطَبًا، فَإِذَا أَحْرَقَتْهُمْ فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ شَيْءٌ صَارَتْ جَمْرًا تَتَوَهَّجُ، فَإِذَا بُدِّلُوا خَلْقًا جَدِيدًا عَاوَدَتْهُمْ
١٥ / ٩٦
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا﴾ [الإسراء: ٩٧] يَقُولُ: كُلَّمَا احْتَرَقَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلُوا جُلُودًا غَيْرَهَا، لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ
١٥ / ٩٦
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا﴾ [الإسراء: ٩٧] قَالَ: كُلَّمَا لَانَ مِنْهَا شَيْءٌ
١٥ / ٩٦
حُدِّثْتُ عَنْ مَرْوَانَ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، ﴿كُلَّمَا خَبَتْ﴾ [الإسراء: ٩٧] قَالَ: سَكَنَتْ. وَقَوْلُهُ: ﴿زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا﴾ [الإسراء: ٩٧] يَقُولُ: زِدْنَا هَؤُلَاءِ الْكُفَّارَ سَعِيرًا، وَذَلِكَ إِسْعَارُ النَّارِ عَلَيْهِمْ وَالْتِهَابُهَا فِيهِمْ وَتَأَجُّجُهَا بَعْدَ خُبُوِّهَا، فِي أَجْسَامِهِمْ
١٥ / ٩٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا وَقَالُوا أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: هَذَا الَّذِي وَصَفْنَا مِنْ فِعْلِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ، مَا
١٥ / ٩٦
ذَكَرْتُ أَنَّا نَفْعَلُ بِهِمْ مِنْ حَشْرِهِمْ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا، وَإِصْلَائِنَا إِيَّاهُمُ النَّارَ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ حَالَتِهِمْ فِيهَا ثَوَابَهُمْ بِكُفْرِهِمْ فِي الدُّنْيَا بِآيَاتِنَا، يَعْنِي بِأَدِلَّتِهِ وَحُجَجِهِ، وَهُمْ رُسُلُهُ الَّذِينَ دَعَوْهُمْ إِلَى عِبَادَتِهِ وَإِفْرَادِهِمْ إِيَّاهُ بِالْأُلُوهَةِ دُونَ الْأَوْثَانِ وَالْأَصْنَامِ، وَبِقَوْلِهِمْ إِذَا أُمِرُوا بِالْإِيمَانِ بِالْمِيعَادِ، وَبِثَوَابِ اللَّهِ وَعِقَابِهِ فِي الْآخِرَةِ ﴿أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا﴾ [الإسراء: ٤٩] بَالِيَةً ﴿وَرُفَاتًا﴾ [الإسراء: ٤٩] قَدْ صِرْنَا تُرَابًا ﴿أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا﴾ يَقُولُونَ: نَبْعَثُ بَعْدَ ذَلِكَ خَلْقًا جَدِيدًا كَمَا ابْتَدَأْنَاهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ فِي الدُّنْيَا اسْتِنْكَارًا مِنْهُمْ لِذَلِكَ، وَاسْتِعْظَامًا وَتَعَجُّبًا مِنْ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ
١٥ / ٩٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا لَا رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُورًا﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: أَوْ لَمْ يَنْظُرْ هَؤُلَاءِ الْقَائِلُونَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴿أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا﴾ بِعُيونِ قُلُوبِهِمْ، فَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ، فَابْتَدَعَهَا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ، وَأَقَامَهَا بِقُدْرَتِهِ، قَادِرٌ بِتِلْكَ الْقُدْرَةِ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ أَشْكَالَهُمْ وَأَمْثَالَهُمْ مِنَ الْخَلْقِ بَعْدَ فَنَائِهِمْ، وَقَبْلَ ذَلِكَ وَأَنَّ مَنْ قَدَرَ عَلَى ذَلِكَ فَلَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ إِعَادَتُهُمْ خَلْقًا جَدِيدًا، بَعْدَ أَنْ يَصِيرُوا عِظَامًا وَرُفَاتًا
١٥ / ٩٧
وَقَوْلُهُ ﴿وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا لَا رَيْبَ فِيهِ﴾ [الإسراء: ٩٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَجَعَلَ اللَّهُ ⦗٩٨⦘ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ أَجَلًا لِهَلَاكِهِمْ، وَوَقْتًا لِعَذَابِهِمْ لَا رَيْبَ فِيهِ. يَقُولُ: لَا شَكَّ فِيهِ أَنَّهُ آتِيهِمْ ذَلِكَ الْأَجَلُ. ﴿فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُورًا﴾ [الإسراء: ٩٩] يَقُولُ: فَأَبَى الْكَافِرُونَ إِلَّا جُحُودًا بِحَقِيقَةِ وَعِيدِهِ الَّذِي أَوْعَدَهُمْ وَتَكْذِيبًا بِهِ
١٥ / ٩٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا﴾ [الإسراء: ١٠٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ: لَوْ أَنْتُمْ أَيُّهَا النَّاسُ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ أَمْلَاكِ رَبِّي مِنَ الْأَمْوَالِ، وَعَنَى بِالرَّحْمَةِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: الْمَالَ ﴿إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ﴾ [الإسراء: ١٠٠] يَقُولُ: إِذَنْ لَبَخِلْتُمْ بِهِ، فَلَمْ تَجُودُوا بِهَا عَلَى غَيْرِكُمْ خَشْيَةً مِنَ الْإِنْفَاقِ وَالْإِقْتَارِ، كَمَا:
١٥ / ٩٨
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ﴿إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ﴾ [الإسراء: ١٠٠] قَالَ: الْفَقْرُ
١٥ / ٩٨
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ﴾ [الإسراء: ١٠٠] أَيْ خَشْيَةَ الْفَاقَةِ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، مِثْلَهُ
١٥ / ٩٨
وَقَوْلُهُ: ﴿وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا﴾ [الإسراء: ١٠٠] يَقُولُ: وَكَانَ الْإِنْسَانُ بَخِيلًا مُمْسِكًا، كَمَا:
١٥ / ٩٨
حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ ⦗٩٩⦘ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا﴾ [الإسراء: ١٠٠] يَقُولُ: بَخِيلًا
١٥ / ٩٨
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا﴾ [الإسراء: ١٠٠] قَالَ: بَخِيلًا
١٥ / ٩٩
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا﴾ [الإسراء: ١٠٠] قَالَ: بَخِيلًا مُمْسِكًا وَفِي الْقُتُورِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ لُغَاتٌ أَرْبَعُ، يُقَالُ: قَتَرَ فُلَانٌ يَقْتُرُ وَيَقْتِرُ، وَقَتَّرَ يُقَتِّرُ، وَأَقْتَرَ يُقْتِرُ، مَا قَالَ أَبُو دُؤَادٍ:
[البحر الخفيف] لَا أَعُدُّ الْإِقْتَارَ عُدْمًا وَلَكِنْ … فَقْدُ مَنْ قَدْ رُزِيتُهُ الْإِعْدَامُ
[البحر الخفيف] لَا أَعُدُّ الْإِقْتَارَ عُدْمًا وَلَكِنْ … فَقْدُ مَنْ قَدْ رُزِيتُهُ الْإِعْدَامُ
١٥ / ٩٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَونُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا﴾ [الإسراء: ١٠١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى بْنَ عِمْرَانَ تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ تَبِينُ لِمَنْ رَآهَا أَنَّهَا حُجَجٌ لِمُوسَى شَاهِدَةٌ عَلَى صِدْقِهِ وَحَقِيقَةِ نُبُوَّتِهِ. وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِيهِنَّ وَمَا هُنَّ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي ذَلِكَ مَا:
١٥ / ٩٩
حَدَّثَنِي بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ﴾ [الإسراء: ١٠١] قَالَ: التِّسْعُ الْآيَاتِ الْبَيِّنَاتِ: يَدُهُ، وَعَصَاهُ، وَلِسَانُهُ، وَالْبَحْرُ، وَالطُّوفَانُ، وَالْجَرَادُ، وَالْقُمَّلُ، وَالضَّفَادِعُ، وَالدَّمُ آيَاتٌ مُفَصَّلَاتٌ
١٥ / ٩٩
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ ⦗١٠٠⦘ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ﴾ [الإسراء: ١٠١] إِلْقَاءُ الْعَصَا مَرَّتَيْنِ عِنْدَ فِرْعَوْنَ، وَنَزْعُ يَدِهِ، وَالْعُقْدَةُ الَّتِي كَانَتْ بِلِسَانِهِ، وَخَمْسً آيَاتٍ فِي الْأَعْرَافِ: الطُّوفَانُ، وَالْجَرَادُ، وَالْقُمَّلُ، وَالضَّفَادِعُ، وَالدَّمُ وَقَالَ آخَرُونَ: نَحْوًا مِنْ هَذَا الْقَوْلِ، غَيْرَ أَنَّهُمْ جَعَلُوا آيَتَيْنِ مِنْهُنَّ: إِحْدَاهُمَا الطَّمْسَةُ وَالْأُخْرَى الْحَجَرُ
١٥ / ٩٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ بُرَيْدَةَ بْنِ سُفْيَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، قَالَ: سَأَلَنِي عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ قَوْلِهِ: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ﴾ [الإسراء: ١٠١] فَقُلْتُ لَهُ: هِيَ الطُّوفَانُ وَالْجَرَادُ، وَالْقُمَّلُ، وَالضَّفَادِعُ، وَالدَّمُ، وَالْبَحْرُ، وَعَصَاهُ، وَالطَّمْسَةُ، وَالْحَجَرُ، فَقَالَ: وَمَا الطَّمْسَةُ؟ فَقُلْتُ: دَعَا مُوسَى وَأَمَّنَ هَارُونُ، فَقَالَ: قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا، وَقَالَ عُمَرُ: كَيْفَ يَكُونُ الْفِقْهُ إِلَّا هَكَذَا. فَدَعَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بِخَرِيطَةٍ كَانَتْ لِعَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مَرْوَانَ أُصِيبَتْ بِمِصْرَ، فَإِذَا فِيهَا الْجَوْزَةُ وَالْبَيْضَةُ وَالْعَدَسَةُ مَا تُنْكِرُ مُسِخَتْ حِجَارَةً كَانَتْ مِنْ أَمْوَالِ فِرْعَوْنَ أُصِيبَتْ بِمِصْرَ ⦗١٠١⦘ وَقَالَ آخَرُونَ: نَحْوًا مِنْ ذَلِكَ إِلَّا أَنَّهُمْ جَعَلُوا اثْنَتَيْنِ مِنْهُنَّ: إِحْدَاهُمَا السِّنِينَ، وَالْأُخْرَى النَّقْصَ مِنَ الثَّمَرَاتِ
١٥ / ١٠٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ بْنُ وَاقِدٍ، عَنْ يَزِيدَ النَّحْوِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، وَمَطَرٍ الْوَرَّاقِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿تِسْعَ آيَاتٍ﴾ [الإسراء: ١٠١] قَالَا: الطُّوفَانُ، وَالْجَرَادُ، وَالْقُمَّلُ، وَالضَّفَادِعُ، وَالدَّمُ، وَالْعَصَا، وَالْيَدُ، وَالسُّنُونُ، وَنَقْصٌ مِنَ الثَّمَرَاتِ
١٥ / ١٠١
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، فِي قَوْلِهِ: ﴿تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ﴾ [الإسراء: ١٠١] قَالَ: الطُّوفَانُ، وَالْجَرَادُ، وَالْقُمَّلُ، وَالضَّفَادِعُ، وَالدَّمُ، وَالسِّنِينَ، وَنَقْصٌ مِنَ الثَّمَرَاتِ، وَعَصَاهُ، وَيَدُهُ
١٥ / ١٠١
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: سُئِلَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ قَوْلِهِ: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ﴾ [الإسراء: ١٠١] مَا هِيَ؟ قَالَ: الطُّوفَانُ، وَالْجَرَادُ، وَالْقُمَّلُ، وَالضَّفَادِعُ، وَالدَّمُ، وَعَصَى مُوسَى، وَيَدُهُ
١٥ / ١٠١
قَالَ: ابْنُ جُرَيْجٍ: وَقَالَ مُجَاهِدٌ مِثْلَ قَوْلِ عَطَاءٍ، وَزَادَ: ﴿أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ﴾ [الأعراف: ١٣٠] قَالَ: هُمَا التَّاسِعَتَانِ، وَيَقُولُونَ: التَّاسِعَتَانِ: السِّنِينَ، وَذَهَابُ عُجْمَةِ لِسَانِ مُوسَى
١٥ / ١٠١
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ ⦗١٠٢⦘ قَتَادَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ﴾ [الإسراء: ١٠١] وَهِيَ مُتَتَابِعَاتٌ، وَهِيَ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ ﴿وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ﴾ [الأعراف: ١٣٠] قَالَ: السِّنِينَ فِي أَهْلِ الْبَوَادِي، وَنَقْصٌ مِنَ الثَّمَرَاتِ لِأَهْلِ الْقُرَى، فَهَاتَانِ آيَتَانِ، وَالطُّوفَانُ، وَالْجَرَادُ، وَالْقُمَّلُ، وَالضَّفَادِعُ، وَالدَّمُ، هَذِهِ خَمْسٌ، وَيَدُ مُوسَى إِذْ أَخْرَجَهَا بَيْضَاءَ لِلنَّاظِرِينَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ: الْبَرَصُ، وَعَصَاهُ إِذْ أَلْقَاهَا، فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ
١٥ / ١٠١
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ﴾ [الإسراء: ١٠١] قَالَ: يَدُ مُوسَى، وَعَصَاهُ، وَالطُّوفَانُ، وَالْجَرَادُ، وَالْقُمَّلُ، وَالضَّفَادِعُ، وَالدَّمُ وَالسِّنِينَ، وَنَقْصٌ مِنَ الثَّمَرَاتِ وَقَالَ آخَرُونَ نَحْوًا مِنْ ذَلِكَ إِلَّا أَنَّهُمْ جَعَلُوا السِّنِينَ وَالنَّقْصَ مِنَ الثَّمَرَاتِ آيَةً وَاحِدَةً، وَجَعَلُوا التَّاسِعَةَ: تَلَقُّفُ الْعَصَا مَا يَأْفِكُونَ
١٥ / ١٠٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، قَالَ: قَالَ الْحَسَنُ، فِي قَوْلِهِ: ﴿تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ﴾ [الإسراء: ١٠١] ﴿وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ﴾ [الأعراف: ١٣٠] قَالَ: هَذِهِ آيَةٌ وَاحِدَةٌ، وَالطُّوفَانُ، وَالْجَرَادُ، وَالْقُمَّلُ، وَالضَّفَادِعُ، وَالدَّمُ، وَيَدُ مُوسَى، وَعَصَاهُ إِذْ أَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ، وَإِذْ أَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ
١٥ / ١٠٢
وَقَالَ آخَرُونَ فِي ذَلِكَ مَا: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثني مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَمَةَ، يُحَدِّثُ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالِ، قَالَ: قَالَ يَهُودِيُّ لِصَاحِبِهِ: اذْهَبْ بِنَا إِلَى النَّبِيِّ حَتَّى نَسْأَلَهُ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ، ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ﴾ [الإسراء: ١٠١] قَالَ: لَا تَقُلْ لَهُ نَبِيُّ، فَإِنَّهُ إِنْ سَمِعَكَ صَارَتْ لَهُ أَرْبَعَةُ أَعْيُنٍ، قَالَ: فَسَأَلَا، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «لَا تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا، وَلَا تَسْرِقُوا، وَلَا تَزْنُوا، وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ، وَلَا تَسْحَرُوا، وَلَا تَأْكُلُوا الرِّبَا، وَلَا تَمْشُوا بِبَرِيءٍ إِلَى ذِي سُلْطَانٍ لِيَقْتُلَهُ، وَلَا تَقْذِفُوا مُحْصَنَةً، أَوْ قَالَ: لَا تَفِرُّوا مِنَ الزَّحْفِ «شُعْبَةُ الشَّاكُّ» وَأَنْتُمْ يَا يَهُودُ عَلَيْكُمْ خَاصَّةً لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ» فَقَبَّلَا يَدَهُ وَرِجْلَهُ، وَقَالَا: نَشْهَدُ أَنَّكَ نَبِيُّ، قَالَ: «فَمَا يَمْنَعُكُمَا أَنْ تُسْلِمَا؟» قَالَا: إِنَّ دَاوُدَ دَعَا أَنْ لَا يَزَالَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ نَبِيُّ، وَإِنَّا نَخْشَى أَنْ تَقْتُلَنَا يَهُودُ
١٥ / ١٠٣
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا سَهْلُ بْنُ يُوسُفَ وَأَبُو دَاوُدَ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرٍو، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَمَةَ يُحَدِّثُ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالِ الْمُرَادِيُّ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ بِنَحْوِهِ، إِلَّا أَنَّ ابْنَ مَهْدِيٍّ قَالَ: «لَا تَمْشُوا إِلَى ذِي سُلْطَانٍ» وَقَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ: أُرَاهُ قَالَ: «بِبَرِيءٍ»
١٥ / ١٠٤