حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ: ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ [الأنعام: ١٤١] قَالَ: «مِنَ النَّخْلِ وَالْعِنَبِ وَالْحَبِّ كُلِّهِ»
٩ / ٦٠١
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ: “أَرَأَيْتَ مَا حَصَدْتُ مِنَ الْفَوَاكِهِ؟ قَالَ: وَمِنْهَا أَيْضًا تُؤْتِي، وَقَالَ: مِنْ كُلِّ شَيْءٍ حَصَدْتَ تُؤْتِي مِنْهُ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ، مِنْ نَخْلٍ أَوْ عِنَبٍ أَوْ حَبٍّ أَوْ فَوَاكِهَ أَوْ خَضِرٍ أَوْ قَصَبٍ، مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. قُلْتُ لِعَطَاءٍ: أَوَاجِبٌ عَلَى النَّاسِ ذَلِكَ كُلُّهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، ثُمَّ تَلَا: ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ [الأنعام: ١٤١]، قَالَ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ: ﴿وَآتَوْا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ [الأنعام: ١٤١]، هَلْ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ مُؤَقَّتٌ مَعْلُومٌ؟ قَالَ: لَا
٩ / ٦٠١
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا سُوَيْدٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ عَطَاءٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ [الأنعام: ١٤١] قَالَ: «يُعْطِي مِنْ حَصَادِهِ يَوْمَئِذٍ مَا تَيَسَّرَ، وَلَيْسَ بِالزَّكَاةِ»
٩ / ٦٠١
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: ثنا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ عَطَاءٍ: ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ [الأنعام: ١٤١] قَالَ: «لَيْسَ بِالزَّكَاةِ، وَلَكِنْ يُطْعِمُ مَنْ حَضَرَهُ سَاعَتَئِذْ حَصَدَهُ»
٩ / ٦٠١
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ حَمَّادٍ: ﴿وَآتُوا ⦗٦٠٢⦘ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ [الأنعام: ١٤١] قَالَ: «كَانُوا يُعْطُونَ رُطَبًا»
٩ / ٦٠١
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ وَكِيعٍ، قَالَا: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ [الأنعام: ١٤١] قَالَ: «إِذَا حَضَرَكَ الْمَسَاكِينُ طَرَحْتَ لَهُمْ مِنْهُ، وَإِذَا أَنْقَيْتَهُ وَأَخَذْتَ فِي كَيْلِهِ حَثَوْتَ لَهُمْ مِنْهُ، وَإِذَا عَلِمْتَ كَيْلَهُ عَزَلْتَ زَكَاتَهُ، وَإِذَا أَخَذْتَ فِي جِدَادِ النَّخْلِ طَرَحْتَ لَهُمْ مِنَ الثَّفَارِيقِ، وَإِذَا أَخَذْتَ فِي كَيْلِهِ حَثَوْتَ لَهُمْ مِنْهُ، وَإِذَا عَلِمْتَ كَيْلَهُ عَزَلْتَ زَكَاتَهُ»
٩ / ٦٠٢
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ [الأنعام: ١٤١] قَالَ: «سِوَى الْفَرِيضَةِ»
٩ / ٦٠٢
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ [الأنعام: ١٤١] قَالَ: «يُلْقِي إِلَى السُّؤَّالِ عِنْدَ الْحَصَادِ مِنَ السُّنْبُلِ، فَإِذَا طَبِنَ أَوْ طَيَّنَ الشَّكُّ مِنْ أَبِي جَعْفَرٍ أَلْقَى إِلَيْهِمْ. فَإِذَا حَمَلَهُ فَأَرَادَ أَنْ يَجْعَلَهُ ⦗٦٠٣⦘ كُدْسًا أَلْقَى إِلَيْهِمْ، وَإِذَا دَاسَ أَطْعَمْ مِنْهُ، وَإِذَا فَرَغَ وَعَلِمَ كَمْ كَيْلُهُ عَزَلَ زَكَاتَهُ. وَقَالَ: فِي النَّخْلِ عِنْدَ الْجِدَادِ يُطْعِمُ مِنَ الثَّمَرَةِ وَالشَّمَارِيخِ، فَإِذَا كَانَ عِنْدَ كَيْلِهِ أَطْعَمَ مِنَ التَّمْرِ، فَإِذَا فَرَغَ عَزَلَ زَكَاتَهُ»
٩ / ٦٠٢
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَا: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ [الأنعام: ١٤١] قَالَ: «إِذَا حَصَدَ الزَّرْعَ أَلْقَى مِنَ السُّنْبُلِ، وَإِذَا جَدَّ النَّخْلَ أَلْقَى مِنَ الشَّمَارِيخِ، فَإِذَا كَالَهُ زَكَّاهُ»
٩ / ٦٠٣
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: «عِنْدَ الْحَصَادِ، وَعِنْدَ الدِّيَاسِ، وَعِنْدَ الصِّرَامِ يَقْبِضُ لَهُمْ مِنْهُ، فَإِذَا كَالَهُ عَزَلَ زَكَاتَهُ» وَبِهِ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: سِوَى الزَّكَاةِ
٩ / ٦٠٣
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ [الأنعام: ١٤١] قَالَ: «شَيْءٌ سِوَى الزَّكَاةِ فِي ⦗٦٠٤⦘ الْحَصَادِ وَالْجِدَادِ، إِذَا حَصَدُوا وَإِذَا جَدُّوا»
٩ / ٦٠٣
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ [الأنعام: ١٤١] قَالَ: «وَاجِبٌ حِينَ يُصْرَمُ»
٩ / ٦٠٤
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ [الأنعام: ١٤١] قَالَ: «إِذَا حَصَدَ أَطْعَمْ، وَإِذَا أَدْخَلَهُ الْبَيْدَرَ، وَإِذَا دَاسَهُ أَطْعَمَ مِنْهُ»
٩ / ٦٠٤
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «يُطْعِمُ الْمُعْتَرَّ سِوَى مَا يُعْطِي مِنَ الْعُشْرِ وِنِصْفِ الْعُشْرِ»
٩ / ٦٠٤
وَبِهِ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: «قَبْضَةٌ عِنْدَ الْحَصَادِ، وَقَبْضَةٌ عِنْدَ الْجِدَادِ»
٩ / ٦٠٤
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا حَفْصٌ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، قَالَ: «كَانُوا يُعْطُونَ مَنِ اعْتَرَّ بِهِمُ الشَّيْءَ»
٩ / ٦٠٤
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: «الضِّغْثُ»
٩ / ٦٠٥
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: «يُعْطِي مِثْلَ الضِّغْثِ»
٩ / ٦٠٥
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، قَالَ: ثنا حَمَّادٌ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ: ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ [الأنعام: ١٤١] قَالَ: «مِثْلُ هَذَا مِنَ الضِّغْثِ» وَوَضَعَ يَحْيَى إِصْبَعَهُ الْإِبْهَامَ عَلَى الْمِفْصَلِ الثَّانِي مِنَ السَّبَّابَةِ
٩ / ٦٠٥
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: «نَحْوُ الضِّغْثِ»
٩ / ٦٠٥
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: «يُعْطِي ضِغْثًا»
٩ / ٦٠٥
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: ثنا كَثِيرُ بْنُ هِشَامٍ، قَالَ: ثنا جَعْفَرُ بْنُ بُرْقَانَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ، قَالَ: “كَانَ النَّخْلُ إِذَا صُرِمَ يَجِيءُ الرَّجُلُ بِالْعِذْقِ مِنْ نَخْلِهِ ⦗٦٠٦⦘ فَيُعَلِّقُهُ فِي جَانِبِ الْمَسْجِدِ، فَيَجِيءُ الْمِسْكِينُ فَيَضْرِبُهُ بِعَصَاهُ، فَإِذَا تَنَاثَرَ أَكَلَ مِنْهُ فَدَخَلَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَمَعَهُ حَسَنٌ أَوْ حُسَيْنٌ، فَتَنَاوَلَ تَمْرَةً، فَانْتَزَعَهَا مَنْ فِيهِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لَا يَأْكُلُ الصَّدَقَةَ، وَلَا أَهْلُ بَيْتِهِ. فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ [الأنعام: ١٤١]
٩ / ٦٠٥
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا خَالِدُ بْنُ حَيَّانَ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ، وَيَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ، قَالَا: “كَانَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ إِذَا صَرَمُوا يَجِيئُونَ بِالْعِذْقِ فَيَضَعُونَهُ فِي الْمَسْجِدِ، ثُمَّ يَجِيءُ السَّائِلُ فَيَضْرِبُهُ بِعَصَاهُ، فَيُسْقِطُ مِنْهُ، وَهُوَ قَوْلُهُ: ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ [الأنعام: ١٤١]
٩ / ٦٠٦
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ قَالَ: ثنا زَيْدُ بْنُ أَبِي الزَّرْقَاءِ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ يَزِيدَ وَمَيْمُونٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ [الأنعام: ١٤١]، قَالَا: «كَانَ الرَّجُلُ إِذَا جَدَّ النَّخْلَ يَجِيءُ بِالْعِذْقِ فَيُعَلِّقُهُ فِي جَانِبِ الْمَسْجِدِ، فَيَأْتِيهِ الْمِسْكِينُ فَيَضْرِبُهُ بِعَصَاهُ، فَيَأْكُلُ مَا يَتَنَاثَرُ مِنْهُ»
٩ / ٦٠٦
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيِّ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ: ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ [الأنعام: ١٤١] قَالَ: «لَقْطُ السُّنْبُلِ»
٩ / ٦٠٦
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «كَانُوا يُعَلِّقُونَ الْعِذْقَ فِي الْمَسْجِدِ عِنْدَ الصِّرَامِ، فَيَأْكُلُ مِنْهُ الضَّعِيفُ»
٩ / ٦٠٧
وَبِهِ عَنْ مَعْمَرٍ قَالَ: قَالَ مُجَاهِدٌ: ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ [الأنعام: ١٤١] «يُطْعِمُ الشَّيْءَ عِنْدَ صِرَامِهِ»
٩ / ٦٠٧
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا الْحِمَّانِيُّ، قَالَ: ثنا شَرِيكٌ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ [الأنعام: ١٤١] قَالَ: الضِّغْثُ، وَمَا يَقَعُ مِنَ السُّنْبُلِ “
٩ / ٦٠٧
وَبِهِ عَنْ سَالِمٍ، عَنْ سَعِيدٍ: ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ [الأنعام: ١٤١] قَالَ: «الْعَلَفُ»
٩ / ٦٠٧
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا سُوَيْدٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ سَعِيدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ [الأنعام: ١٤١] قَالَ: «كَانَ هَذَا قَبْلَ الزَّكَاةِ لِلْمَسَاكِينِ، الْقَبْضَةُ وَالضِّغْثُ لِعَلَفِ دَابَّتِهِ»
٩ / ٦٠٧
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ رِفَاعَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ [الأنعام: ١٤١] قَالَ: «مَا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ»
٩ / ٦٠٧
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ: ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ [الأنعام: ١٤١] قَالَ: «عِنْدَ الزَّرْعِ ⦗٦٠٨⦘ يُعْطِي الْقَبْضَ، وَعِنْدَ الصِّرَامِ يُعْطِي الْقَبْضَ، وَيَتْرُكُهُمْ فَيَتَتَبَّعُونَ آثَارَ الصِّرَامِ» وَقَالَ آخَرُونَ: كَانَ هَذَا شَيْئًا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ الْمُؤْمِنِينَ قَبْلَ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْهِمُ الصَّدَقَةُ الْمُؤَقَّتَةُ، ثُمَّ نَسَخَتْهُ الصَّدَقَةُ الْمَعْلُومَةُ، فَلَا فَرْضَ فِي مَالٍ كَائِنًا مَا كَانَ، زَرْعًا كَانَ أَوْ غَرْسًا، إِلَّا الصَّدَقَةَ الَّتِي فَرَضَهَا اللَّهُ فِيهِ
٩ / ٦٠٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ حَجَّاجٍ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «نَسَخَهَا الْعُشْرُ وَنِصْفُ الْعُشْرِ»
٩ / ٦٠٨
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا حَفْصٌ، عَنِ الْحَجَّاجِ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «نَسَخَهَا الْعُشْرُ وَنِصْفُ الْعُشْرِ»
٩ / ٦٠٨
وَبِهِ عَنْ حَجَّاجٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ، قَالَ: «نَسَخَهَا الْعُشْرُ وَنِصْفُ الْعُشْرِ»
٩ / ٦٠٨
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ سَعِيدِ ⦗٦٠٩⦘ بْنِ جُبَيْرٍ: ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ [الأنعام: ١٤١] قَالَ: «هَذَا قَبْلَ الزَّكَاةِ، فَلَمَّا نَزَلَتِ الزَّكَاةُ نَسَخَتْهَا، فَكَانُوا يُعْطُونَ الضِّغْثَ»
٩ / ٦٠٨
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ وَكِيعٍ، قَالَا: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ شِبَاكٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ: ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ [الأنعام: ١٤١] قَالَ: «كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ حَتَّى سُنَّ الْعُشْرُ وَنِصْفُ الْعُشْرِ، فَلَمَّا سُنَّ الْعُشْرُ وَنِصْفُ الْعُشْرِ تُرِكَ»
٩ / ٦٠٩
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ شِبَاكٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ: ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ [الأنعام: ١٤١] قَالَ: «هِيَ مَنْسُوخَةٌ، نَسَخَتْهَا الْعُشْرُ وَنِصْفُ الْعُشْرِ»
٩ / ٦٠٩
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: ثنا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ: ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ [الأنعام: ١٤١] قَالَ: «نَسَخَتْهَا الْعُشْرُ وَنِصْفُ الْعُشْرِ»
٩ / ٦٠٩
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: ثنا ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ شِبَاكٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: «نَسَخَتْهَا الْعُشْرُ وَنِصْفُ الْعُشْرِ»
٩ / ٦٠٩
وَبِهِ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: «نَسَخَتْهَا الزَّكَاةُ»
٩ / ٦٠٩
وَبِهِ عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: “نَسَخَتْهَا الزَّكَاةُ: ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ [الأنعام: ١٤١]
٩ / ٦١٠
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُغِيرَةُ، عَنْ شِبَاكٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ [الأنعام: ١٤١] قَالَ: «هَذِهِ السُّورَةُ مَكِّيَّةٌ نَسَخَتْهَا الْعُشْرُ وَنِصْفُ الْعُشْرِ، قُلْتُ: عَمَّنْ؟ قَالَ: عَنِ الْعُلَمَاءِ»
٩ / ٦١٠
وَبِهِ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ شِبَاكٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: «نَسَخَتْهَا الْعُشْرُ وَنِصْفُ الْعُشْرِ»
٩ / ٦١٠
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، أَمَّا: ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ [الأنعام: ١٤١] «فَكَانُوا إِذَا مَرَّ بِهِمْ أَحَدٌ يَوْمَ الْحَصَادِ أَوِ الْجِدَادِ أَطْعَمُوهُ مِنْهُ، فَنَسَخَهَا اللَّهُ عَنْهُمْ بِالزَّكَاةِ، وَكَانَ فِيمَا أَنْبَتَتِ الْأَرْضُ الْعُشْرُ وَنِصْفُ الْعُشْرِ»
٩ / ٦١٠
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْأَعْلَى، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: «كَانُوا يَرْضَخُونَ لِقَرَابَتِهِمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ»
٩ / ٦١٠
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَطِيَّةَ: ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ [الأنعام: ١٤١] قَالَ: «نَسَخَهُ الْعُشْرُ وَنِصْفُ الْعُشْرِ، كَانُوا يُعْطُونَ إِذَا حَصَدُوا وَإِذَا ⦗٦١١⦘ ذَرَّوْا، فَنَسَخَتْهَا الْعُشْرُ وَنِصْفُ الْعُشْرِ» وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ، قَوْلُ مَنْ قَالَ: كَانَ ذَلِكَ فَرْضًا فَرَضَهُ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فِي طَعَامِهِمْ وَثِمَارِهِمُ الَّتِي تُخْرِجُهَا زُرُوعُهُمْ وَغُرُوسُهُمْ، ثُمَّ نَسَخَهُ اللَّهُ بِالصَّدَقَةِ الْمَفْرُوضَةِ، وَالْوَظِيفَةِ الْمَعْلُومَةِ مِنَ الْعُشْرِ وَنِصْفِ الْعُشْرِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْجَمِيعَ مُجْمِعُونَ لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ أَنَّ صَدَقَةَ الْحَرْثِ لَا تُؤْخَذُ إِلَّا بَعْدَ الدِّيَاسِ وَالتَّنْقِيَةِ وَالتَّذْرِيَةِ، وَأَنَّ صَدَقَةَ التَّمْرِ لَا تُؤْخَذُ إِلَّا بَعْدَ الْجَفَافِ. فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَكَانَ قَوْلُهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ [الأنعام: ١٤١] يُنْبِئُ عَنْ أَنَّهُ أَمْرٌ مِنَ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِإِيتَاءِ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ، وَكَانَ يَوْمُ حَصَادِهِ هُوَ يَوْمَ جَدِّهِ وَقَطْعِهِ، وَالْحَبُّ لَا شَكَّ أَنَّهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ فِي سُنْبُلِهِ، وَالثَّمَرُ وَإِنْ كَانَ ثَمَرَ نَخْلٍ أَوْ كَرْمٍ غَيْرُ مُسْتَحْكِمٌ جُفَوفَهُ وَيُبْسَهُ، وَكَانَتِ الصَّدَقَةُ مِنَ الْحَبِّ إِنَّمَا تُؤْخَذُ بَعْدَ دِيَاسِهِ وَتَذْرِيَتِهِ وَتَنْقِيَتِهِ كَيْلًا، وَالتَّمْرُ إِنَّمَا تُؤْخَذُ صَدَقَتُهُ بَعْدَ اسْتِحْكَامِ يُبْسِهِ وَجُفُوفِهِ كَيْلًا، عُلِمَ أَنَّ مَا يُؤْخَذُ صَدَقَةً بَعْدَ حِينِ حَصْدِهِ غَيْرُ الَّذِي يَجِبُ إِيتَاؤُهُ الْمَسَاكِينَ يَوْمَ حَصَادِهِ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَمَا تُنْكِرُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ إِيجَابًا مِنَ اللَّهِ فِي الْمَالِ حَقًّا سِوَى الصَّدَقَةِ الْمَفْرُوضَةِ؟ قِيلَ: لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فَرْضًا وَاجِبًا أَوْ نَفْلًا، ⦗٦١٢⦘ فَإِنْ يَكُنْ فَرْضًا وَاجِبًا فَقَدْ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ سَبِيلُهُ سَبِيلَ الصَّدَقَاتِ الْمَفْرُوضَاتِ الَّتِي مَنْ فَرَّطَ فِي أَدَائِهَا إِلَى أَهْلِهَا كَانَ بِرَبِّهِ آثِمًا وَلِأَمْرِهِ مُخَالِفًا، وَفِي قِيَامِ الْحُجَّةِ بِأَنَّ لَا فَرْضَ لِلَّهِ فِي الْمَالِ بَعْدَ الزَّكَاةِ يَجِبُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ سِوَى مَا يَجِبُ مِنَ النَّفَقَةِ لِمَنْ يَلْزَمُ الْمَرْءَ نَفَقَتُهُ مَا يُنْبِئُ عَنْ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ كَذَلِكَ. أَوْ يَكُونَ ذَلِكَ نَفْلًا، فَإِنْ يَكُنْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَقَدْ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْخِيَارُ فِي إِعْطَاءِ ذَلِكَ إِلَى رَبِّ الْحَرْثِ وَالثَّمَرِ، وَفِي إِيجَابِ الْقَائِلِينَ بِوُجُوبِ ذَلِكَ مَا يُنْبِئُ عَنْ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ كَذَلِكَ. وَإِذَا خَرَجَتِ الْآيَةُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا بِهَا النَّدْبُ، وَكَانَ غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ لَهَا مَخْرَجٌ فِي وجُوبِ الْفَرْضِ بِهَا فِي هَذَا الْوَقْتِ، عُلِمَ أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ. وَمِمَّا يُؤَيِّدُ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ مِنَ الْقَوْلِ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَنَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَتْبَعَ قَوْلَهُ: ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ [الأنعام: ١٤١] ﴿وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾ [الأنعام: ١٤١]، وَمَعْلُومٌ أَنَّ مِنْ حُكْمِ اللَّهِ فِي عِبَادِهِ مُذْ فَرَضَ فِي أَمْوَالِهِمُ الصَّدَقَةَ الْمَفْرُوضَةَ الْمُؤَقَّتَةَ الْقَدْرُ، أَنَّ الْقَائِمَ بِأَخْذِ ذَلِكَ سَاسَتُهُمْ وَرُعَاتُهُمْ. وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَمَا وَجْهُ نَهْيِ رَبِّ الْمَالِ عَنِ الْإِسْرَافِ فِي إِيتَاءِ ذَلِكَ، وَالْآخِذُ مُجْبِرٌ، وَإِنَّمَا يَأْخُذُ الْحَقَّ الَّذِي فَرَضَ اللَّهُ فِيهِ؟ فَإِنْ ظَنَّ ظَانٌّ أَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ نَهْيٌ مِنَ اللَّهِ الْقَيِّمِ بِأَخْذِ ذَلِكَ مِنَ الرُّعَاةِ عَنِ التَّعَدِّي فِي مَالِ رَبِّ الْمَالِ وَالتَّجَاوِزِ إِلَى أَخْذِ مَا لَمْ يُبَحْ لَهُ أَخْذُهُ، فَإِنَّ آخِرَ الْآيَةِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: ﴿وَلَا تُسْرِفُوا﴾ [الأنعام: ١٤١] مَعْطُوفٌ عَلَى أَوَّلِهِ وَهُوَ قَوْلُهُ: ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ [الأنعام: ١٤١]، فَإِنْ كَانَ الْمَنْهِيُّ عَنِ الْإِسْرَافِ الْقَيِّمُ بِقَبْضِ ذَلِكَ، فَقَدْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْمَأْمُورُ بِإِتْيَانِهِ الْمَنْهِيَّ عَنِ الْإِسْرَافِ فِيهِ، وَهُوَ السُّلْطَانُ. ⦗٦١٣⦘ وَذَلِكَ قَوْلٌ إِنْ قَالَهُ قَائِلٌ، كَانَ خَارِجًا مِنْ قَوْلِ جَمِيعِ أَهْلِ التَّأْوِيلِ وَمُخَالِفًا الْمَعْهُودَ مِنَ الْخِطَابِ، وَكَفَى بِذَلِكَ شَاهِدًا عَلَى خَطَئِهِ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَمَا تُنْكِرُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ [الأنعام: ١٤١]: وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ كَيْلِهِ، لَا يَوْمَ قَصْلِهِ وَقَطْعِهِ، وَلَا يَوْمَ جِدَادِهِ وَقِطَافِهِ، فَقَدْ عَلِمْتَ مَنْ قَالَ ذَلِكَ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ؟ وَذَلِكَ مَا
٩ / ٦١٠
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا جُوَيْبِرٌ، عَنِ الضَّحَّاكِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ [الأنعام: ١٤١] قَالَ: «يَوْمَ كَيْلِهِ»
٩ / ٦١٣
وَحَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنِ الْحَجَّاجِ، عَنْ سَالِمٍ الْمَكِّيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ، قَوْلُهُ: ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ [الأنعام: ١٤١] قَالَ: «يَوْمَ كَيْلِهِ يُعْطِي الْعُشْرَ وَنِصْفَ الْعُشْرِ» مَعَ آخَرِينَ، قَدْ ذُكِرَتِ الرِّوَايَةُ فِيمَا مَضَى عَنْهُمْ بِذَلِكَ؟ قِيلَ: لِأَنَّ يَوْمَ كَيْلِهِ غَيْرُ يَوْمَ حَصَادِهِ. وَلَنْ يَخْلُو مَعْنَى قَائِلِي هَذَا الْقَوْلِ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ: إِمَّا أَنْ يَكُونُوا وَجَّهُوا مَعْنَى الْحَصَادِ إِلَى مَعْنَى الْكَيْلِ، فَذَلِكَ مَا لَا يُعْقَلُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، لِأَنَّ الْحَصَادَ وَالْحَصْدَ فِي كَلَامِهِمُ الْجَدُّ وَالْقَطْعُ، لَا الْكَيْلُ. أَوْ يَكُونُوا وَجَّهُوا تَأْوِيلَ قَوْلِهِ: ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ [الأنعام: ١٤١] إِلَى وَآتُوا حَقَّهُ بَعْدَ ⦗٦١٤⦘ يَوْمِ حَصَادِهِ إِذَا كِلْتُمُوهُ. فَذَلِكَ خِلَافُ ظَاهِرِ التَّنْزِيلِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْأَمْرَ فِي ظَاهِرِ التَّنْزِيلِ بِإِيتَاءِ الْحَقِّ مِنْهُ يَوْمَ حَصَادِهِ لَا بَعْدَ يَوْمِ حَصَادِهِ. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ قَائِلِ: إِنَّمَا عَنَى اللَّهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ [الأنعام: ١٤١] بَعْدَ يَوْمِ حَصَادِهِ، وَآخَرَ قَالَ: عَنَى بِذَلِكَ قَبْلَ يَوْمِ حَصَادِهِ، لِأَنَّهُمَا جَمِيعًا قَائِلَانِ قَوْلًا دَلِيلُ ظَاهِرِ التَّنْزِيلِ بِخِلَافِهِ
٩ / ٦١٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾ [الأنعام: ١٤١] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْإِسْرَافِ الَّذِي نَهَى اللَّهُ عَنْهُ بِهَذِهِ الْآيَةِ، وَمَنِ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ. فَقَالَ بَعْضُهُمُ: الْمَنْهِيُّ عَنْهُ: رَبُّ النَّخْلِ وَالزَّرْعِ وَالثَّمَرِ، وَالسَّرَفُ الَّذِي نَهَى اللَّهُ عَنْهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، مُجَاوَزَةُ الْقَدْرِ فِي الْعَطِيَّةِ إِلَى مَا يُجْحِفُ بِرَبِّ الْمَالِ
٩ / ٦١٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: ثنا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: ثنا عَاصِمٌ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا﴾ [الأنعام: ١٤١] الْآيَةَ، قَالَ: “كَانُوا يُعْطُونَ شَيْئًا سِوَى الزَّكَاةِ، ثُمَّ تَسَارَفُوا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾ [الأنعام: ١٤١]
٩ / ٦١٤
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثنا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ: ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ [الأنعام: ١٤١] قَالَ: “كَانُوا يُعْطُونَ يَوْمَ ⦗٦١٥⦘ الْحَصَادِ شَيْئًا سِوَى الزَّكَاةِ، ثُمَّ تَبَارَوْا فِيهِ وَأَسْرَفُوا، فَقَالَ اللَّهُ: ﴿وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾ [الأنعام: ١٤١]
٩ / ٦١٤
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثنا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ: ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ [الأنعام: ١٤١] قَالَ: “كَانُوا يُعْطُونَ يَوْمَ الْحَصَادِ شَيْئًا، ثُمَّ تَسَارَفُوا، فَقَالَ اللَّهُ: ﴿وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾ [الأنعام: ١٤١]
٩ / ٦١٥
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: “نَزَلَتْ فِي ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ، جَدَّ نَخْلًا فَقَالَ: لَا يَأْتِيَنَّ الْيَوْمَ أَحَدٌ إِلَّا أَطْعَمْتُهُ، فَأَطْعِمْ حَتَّى أَمْسَى وَلَيْسَتْ لَهُ ثَمَرَةٌ، فَقَالَ اللَّهُ: ﴿وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾ [الأنعام: ١٤١]
٩ / ٦١٥
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ: ﴿وَلَا تُسْرِفُوا﴾ [الأنعام: ١٤١] يَقُولُ: “لَا تُسْرِفُوا فِيمَا يُؤْتَى يَوْمَ الْحَصَادِ، أَمْ فِي كُلِّ شَيْءٍ؟ قَالَ: بَلَى فِي كُلِّ شَيْءٍ، يَنْهَى عَنِ السَّرَفِ. قَالَ: ثُمَّ عَاوَدْتُهُ بَعْدَ حِينٍ، فَقُلْتُ: مَا قَوْلُهُ: ﴿وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾ [الأنعام: ١٤١]؟ قَالَ: يَنْهَى عَنِ السَّرَفِ فِي كُلِّ شَيْءٍ. ثُمَّ تَلَا: ﴿لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا﴾ [الفرقان: ٦٧]
٩ / ٦١٥
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، قَالَ: أَطَافَ النَّاسُ بِإِيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بِالْكُوفَةِ، فَسَأَلُوهُ: مَا ⦗٦١٦⦘ السَّرَفُ؟ فَقَالَ: «مَا تَجَاوَزَ أَمْرَ اللَّهِ فَهُوَ سَرَفٌ»
٩ / ٦١٥
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿وَلَا تُسْرِفُوا﴾ [الأنعام: ١٤١]: «لَا تُعْطُوا أَمْوَالَكُمْ فَتَغْدُوا فُقَرَاءَ» وَقَالَ آخَرُونَ: الْإِسْرَافُ الَّذِي نَهَى اللَّهُ عَنْهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: مَنْعُ الصَّدَقَةِ وَالْحَقِّ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ رَبَّ الْمَالِ بِإِيتَائِهِ أَهْلَهُ، بِقَوْلِهِ: ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ [الأنعام: ١٤١]
٩ / ٦١٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ، وَغَيْرِهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَا تُسْرِفُوا﴾ [الأنعام: ١٤١] قَالَ: «لَا تَمْنَعُوا الصَّدَقَةَ فَتَعْصُوا»
٩ / ٦١٦
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الزِّبْرِقَانِ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ: ﴿وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾ [الأنعام: ١٤١]، «وَالسَّرَفُ: أَنْ لَا يُعْطِي فِي حَقٍّ» ⦗٦١٧⦘ وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّمَا خُوطِبَ بِهَذَا السُّلْطَانِ: نُهِيَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ رَبِّ الْمَالِ فَوْقَ الَّذِي أَلْزَمَ اللَّهُ مَالَهُ
٩ / ٦١٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَا تُسْرِفُوا﴾ [الأنعام: ١٤١]، قَالَ: قَالَ لِلسُّلْطَانِ: لَا تُسْرِفُوا، لَا تَأْخُذُوا بِغَيْرِ حَقٍّ، فَكَانَتْ هَذِهِ الْآيَةُ بَيْنَ السُّلْطَانِ وَبَيْنَ النَّاسِ، يَعْنِي قَوْلَهُ: ﴿كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ﴾ [الأنعام: ١٤١] الْآيَةَ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ نَهَى بِقَوْلِهِ: ﴿وَلَا تُسْرفُوا﴾ [الأنعام: ١٤١] عَنْ جَمِيعِ مَعَانِي الْإِسْرَافِ، وَلَمْ يُخَصِّصْ مِنْهَا مَعْنًى دُونَ مَعْنًى. وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَكَانَ الْإِسْرَافُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ: الْإِخْطَاءُ بِإِصَابَةِ الْحَقِّ فِي الْعَطِيَّةِ، إِمَّا بِتَجَاوُزِ حَدِّهِ فِي الزِّيَادَةِ وَإِمَّا بِتَقْصِيرٍ عَنْ حَدِّهِ الْوَاجِبِ، كَانَ مَعْلُومًا أَنَّ الْمُفَرِّقَ مَالَهُ مُبَارَاةً، وَالْبَاذِلَهُ لِلنَّاسِ حَتَّى أَجْحَفَتْ بِهِ عَطِيَّتُهُ، مُسْرِفٌ بِتَجَاوُزِهِ حَدَّ اللَّهِ إِلَى مَا كَيْفَتُهُ لَهُ، وَكَذَلِكَ الْمُقَصِّرُ فِي بَذْلِهِ فِيمَا أَلْزَمَهُ اللَّهُ بَذْلَهُ فِيهِ، وَذَلِكَ كَمَنْعِهِ مَا أَلْزَمَهُ إِيتَاءَهُ مِنْهُ أَهْلَ سِهْمَانِ الصَّدَقَةِ إِذَا وَجَبَتْ فِيهِ، أَوْ مَنْعِهِ مَنْ أَلْزَمَهُ اللَّهُ نَفَقَتُهُ مِنْ أَهْلِهِ وَعِيَالِهِ مَا أَلْزَمَهُ مِنْهَا، وَكَذَلِكَ السُّلْطَانُ فِي أَخْذِهِ مِنْ رَعِيَّتِهِ مَا لَمْ يَأْذَنِ اللَّهُ بِأَخْذِهِ. كُلُّ هَؤُلَاءِ فِيمَا فَعَلُوا مِنْ ذَلِكَ مُسْرِفُونَ، دَاخِلُونَ فِي مَعْنَى مَنْ أَتَى مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ مِنَ الْإِسْرَافِ بِقَوْلِهِ: ﴿وَلَا تُسْرِفُوا﴾ [الأنعام: ١٤١] فِي عَطِيَّتِكُمْ
٩ / ٦١٧
مِنْ أَمْوَالِكُمْ مَا يُجْحِفُ بِكُمْ، إِذْ كَانَ مَا قَبْلَهُ مِنَ الْكَلَامِ أَمْرًا مِنَ اللَّهِ بِإِيتَاءِ الْوَاجِبِ فِيهِ أَهْلَهُ يَوْمَ حَصَادِهِ، فَإِنَّ الْآيَةَ قَدْ كَانَتْ تَنْزِلُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِسَبَبٍ خَاصٍّ مِنَ الْأُمُورِ وَالْحُكْمُ بِهَا عَلَى الْعَامِّ، بَلْ عَامَّةُ آيِ الْقُرْآنِ كَذَلِكَ، فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾ [الأنعام: ١٤١]، وَمِنَ الدَّلِيلِ عَلَى صِحَّةِ مَا قُلْنَا مِنْ مَعْنَى الْإِسْرَافِ أَنَّهُ عَلَى مَا قُلْنَا، قَوْلُ الشَّاعِرِ:
[البحر البسيط] أَعْطَوْا هُنَيْدَةَ يَحْدُوهَا ثَمَانِيَةٌ … مَا فِي عَطَائِهِمُ مَنٌّ وَلَا سَرَفُ
يَعْنِي بِالسَّرَفِ: الْخَطَأَ فِي الْعَطِيَّةِ
[البحر البسيط] أَعْطَوْا هُنَيْدَةَ يَحْدُوهَا ثَمَانِيَةٌ … مَا فِي عَطَائِهِمُ مَنٌّ وَلَا سَرَفُ
يَعْنِي بِالسَّرَفِ: الْخَطَأَ فِي الْعَطِيَّةِ
٩ / ٦١٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمِنَ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾ [الأنعام: ١٤٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَأَنْشَأَ مِنَ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا، مَعَ مَا أَنْشَأَ مِنَ الْجَنَّاتِ الْمَعْرُوشَاتِ وَغَيْرِ الْمَعْرُوشَاتِ. وَالْحَمُولَةُ: مَا حُمِلَ عَلَيْهِ مِنَ الْإِبِلِ وَغَيْرِهَا، وَالْفَرْشُ: صِغَارُ الْإِبِلِ الَّتِي لَمْ تُدْرِكْ أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهَا. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمُ: الْحَمُولَةُ: مَا حُمِلَ عَلَيْهِ مِنْ كِبَارِ الْإِبِلِ وَمَسَانِّهَا، وَالْفَرْشُ: صِغَارُهَا الَّتِي لَا يُحْمَلُ عَلَيْهَا لِصِغَرِهَا
٩ / ٦١٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿حَمُولَةً وَفَرْشًا﴾ [الأنعام: ١٤٢] قَالَ: «الْحَمُولَةُ: الْكِبَارُ مِنَ الْإِبِلِ، وَفَرْشًا: الصِّغَارُ مِنَ الْإِبِلِ»
٩ / ٦١٩
وَقَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْهُذَلِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «الْحَمُولَةُ هِيَ الْكِبَارُ، وَالْفَرْشُ: الصِّغَارُ مِنَ الْإِبِلِ»
٩ / ٦١٩
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي يَحْيَى، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «الْحَمُولَةُ: مَا حُمِّلَ مِنَ الْإِبِلِ، وَالْفَرْشُ: مَا لَمْ يُحَمَّلْ»
٩ / ٦١٩
وَبِهِ عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «الْحَمُولَةُ: مَا حُمِّلَ مِنَ الْإِبِلِ، وَالْفَرْشُ: مَا لَمْ يُحَمَّلْ»
٩ / ٦١٩
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿وَفَرْشًا﴾ [الأنعام: ١٤٢] قَالَ: «صِغَارُ الْإِبِلِ»
٩ / ٦١٩
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿حَمُولَةً وَفَرْشًا﴾ [الأنعام: ١٤٢] قَالَ: «الْحَمُولَةُ: الْكِبَارُ، وَالْفَرْشُ: الصِّغَارُ»
٩ / ٦١٩
حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿حَمُولَةً وَفَرْشًا﴾ [الأنعام: ١٤٢] «الْحَمُولَةُ: مَا حُمِّلَ مِنَ الْإِبِلِ، وَالْفَرْشُ: هُنَّ الصِّغَارُ»
٩ / ٦٢٠
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿حَمُولَةً وَفَرْشًا﴾ [الأنعام: ١٤٢] قَالَ: «الْحَمُولَةُ: مَا حُمِلَ عَلَيْهِ مِنَ الْإِبِلِ، وَالْفَرْشُ: الصِّغَارُ» قَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى: قَالَ مُحَمَّدٌ: قَالَ شُعْبَةُ: إِنَّمَا كَانَ حَدَّثَنِي سُفْيَانُ عَنِ أَبِي إِسْحَاقَ
٩ / ٦٢٠
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ الْحَسَنُ: «الْحَمُولَةُ مِنَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ» وَقَالَ بَعْضُهُمُ: الْحَمُولَةُ مِنَ الْإِبِلِ، وَمَا لَمْ يَكُنْ مِنَ الْحَمُولَةِ فَهُوَ الْفَرْشُ
٩ / ٦٢٠
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ: ﴿حَمُولَةً وَفَرْشًا﴾ [الأنعام: ١٤٢] قَالَ: «الْحَمُولَةُ: مَا حُمِلَ عَلَيْهِ، وَالْفَرْشُ: حَوَاشِيهَا، يَعْنِي صِغَارَهَا»
٩ / ٦٢٠
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثنا عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَمِنَ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا﴾ [الأنعام: ١٤٢]: «فَالْحَمُولَةُ مَا حُمِّلَ مِنَ الْإِبِلِ، وَالْفَرْشُ: صِغَارُ الْإِبِلِ، الْفَصِيلُ وَمَا دُونَ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُحَمَّلُ» ⦗٦٢١⦘ وَيُقَالُ: الْحَمُولَةُ: مِنَ الْبَقَرِ وَالْإِبِلِ، وَالْفَرْشُ: الْغَنَمُ. وَقَالَ آخَرُونَ: الْحَمُولَةُ: مَا حُمِلَ عَلَيْهِ مِنَ الْإِبِلِ وَالْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَالْفَرْشُ: الْغَنَمُ
٩ / ٦٢٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَمِنَ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا﴾ [الأنعام: ١٤٢]: «فَأَمَّا الْحَمُولَةُ: فَالْإِبِلُ وَالْخَيْلُ وَالْبِغَالُ وَالْحَمِيرُ، وَكُلُّ شَيْءٍ يُحْمَلُ عَلَيْهِ، وَأَمَّا الْفَرْشُ: فَالْغَنَمُ»
٩ / ٦٢١
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ: «الْحَمُولَةُ مِنَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ، وَفَرْشًا: الْمَعْزُ وَالضَّأْنُ»
٩ / ٦٢١
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَمِنَ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا﴾ [الأنعام: ١٤٢] قَالَ: «أَمَّا الْحَمُولَةُ: فَالْإِبِلُ وَالْبَقَرُ. قَالَ: وَأَمَّا الْفَرْشُ: فَالْغَنَمُ»
٩ / ٦٢١
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ «كَانَ غَيْرُ الْحَسَنِ يَقُولُ: الْحَمُولَةُ: الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ، وَالْفَرْشُ: الْغَنَمُ»
٩ / ٦٢١
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿وَمِنَ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا﴾ [الأنعام: ١٤٢] «أَمَّا الْحَمُولَةُ: فَالْإِبِلُ. وَأَمَّا الْفَرْشُ: فَالْفُصْلَانِ وَالْعَجَاجِيلُ وَالْغَنَمُ، وَمَا حُمِلَ عَلَيْهِ فَهُوَ حَمُولَةٌ»
٩ / ٦٢٢
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿حَمُولَةً وَفَرْشًا﴾ [الأنعام: ١٤٢] «الْحَمُولَةُ: الْإِبِلُ، وَالْفَرْشُ: الْغَنَمُ»
٩ / ٦٢٢
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْهُذَلِيِّ، عَنِ الْحَسَنِ: ﴿وَفَرْشًا﴾ [الأنعام: ١٤٢] قَالَ: «الْفَرْشُ: الْغَنَمُ»
٩ / ٦٢٢
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿حَمُولَةً وَفَرْشًا﴾ [الأنعام: ١٤٢] قَالَ: «الْحَمُولَةُ: مَا تَرْكَبُونَ، وَالْفَرْشُ: مَا تَأْكُلُونَ وَتَحْلِبُونَ، شَاةٌ لَا تُحَمَّلُ، تَأْكُلُونَ لَحْمَهَا، وَتَتَّخِذُونَ مِنْ أَصْوَافِهَا لِحَافًا وَفَرْشًا» وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يُقَالَ: إِنَّ الْحَمُولَةَ هِيَ مَا حُمِّلَ مِنَ الْأَنْعَامِ، لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ صِفَتِهَا إِذَا حُمِّلَتْ، لَا أَنَّهُ اسْمٌ لَهَا كَالْإِبِلِ وَالْخَيْلِ وَالْبِغَالِ، فَإِذَا كَانَتْ إِنَّمَا سُمِّيَتْ حَمُولَةً لِأَنَّهَا تُحَمَّلُ، فَالْوَاجِبُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ مَا حُمِّلَ عَلَى ظَهْرِهِ مِنَ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً، وَهِيَ جَمْعٌ لَا وَاحِدَ لَهَا مِنْ لَفْظِهَا، كَالرَّكُوبَةِ وَالْجَزُورَةِ. وَكَذَلِكَ الْفَرْشُ إِنَّمَا هُوَ صِفَةٌ لِمَا لَطُفَ فَقَرُبَ مِنَ الْأَرْضِ جِسْمُهُ، فَيُقَالُ لَهُ الْفَرْشُ. وَأَحْسَبُهَا سُمِّيَتْ بِذَلِكَ تَمْثِيلًا لَهَا فِي اسْتِوَاءِ أَسْنَانِهَا وَلُطْفِهَا بِالْفَرْشِ مِنَ الْأَرْضِ،
٩ / ٦٢٢
وَهِيَ الْأَرْضُ الْمُسْتَوِيَةُ الَّتِي يَتَوَطَّؤُهَا النَّاسُ. فَأَمَّا الْحَمُولَةُ بِضَمِّ الْحَاءِ: فَإِنَّهَا الْأَحْمَالُ، وَهِيَ الْحُمُولُ أَيْضًا بِضَمِّ الْحَاءِ
٩ / ٦٢٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾ [الأنعام: ١٤٢] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ، فَأَحَلَّ لَكُمْ ثَمَرَاتِ حُرُوثِكُمْ وَغُرُوسِكُمْ وَلُحُومَ أَنْعَامِكُمْ، إِذْ حَرَّمَ بَعْضَ ذَلِكَ عَلَى أَنْفُسِهِمُ الْمُشْرِكُونَ بِاللَّهِ، فَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا، وَلِلشَّيْطَانِ مِثْلَهُ، فَقَالُوا: هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ، وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا. ﴿وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ﴾ [البقرة: ١٦٨] كَمَا اتَّبَعَهَا بَاحِرُو الْبَحِيرَةِ وَمُسَيِّبُو السَّوَائِبِ، فَتُحَرِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ مِنْ طِيبِ رِزْقِ اللَّهِ الَّذِي رَزَقَكُمْ مَا حَرَّمُوهُ، فَتُطِيعُوا بِذَلِكَ الشَّيْطَانَ وَتَعْصَوْا بِهِ الرَّحْمَنَ
٩ / ٦٢٣
كَمَا حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانَ﴾ [البقرة: ١٦٨]: «لَا تَتَّبِعُوا طَاعَتَهُ، هِيَ ذُنُوبٌ لَكُمْ، وَهِيَ طَاعَةٌ لِلْخَبِيثِ» إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ يَبْغِي هَلَاكَكُمْ وَصَدَّكُمْ عَنْ سَبِيلِ رَبِّكُمْ، ﴿مُبِينٌ﴾ [البقرة: ١٦٨] قَدْ أَبَانَ لَكُمْ عُدْوَانَهُ بِمُنَاصَبَتِهِ أَبَاكُمْ بِالْعَدَاوَةِ، حَتَّى أَخْرَجَهُ مِنَ الْجَنَّةِ بِكَيْدِهِ وَخَدْعِهِ، وَحَسَدًا مِنْهُ لَهُ وَبَغْيًا عَلَيْهِ
٩ / ٦٢٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾
٩ / ٦٢٣
وَهَذَا تَقْرِيعٌ مِنَ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ الْعَادِلِينَ بِهِ الْأَوْثَانَ مِنْ عَبَدَةِ الْأَصْنَامِ الَّذِينَ بَحَرُوا الْبَحَائِرَ وَسَيَّبُوا السَّوَائِبَ وَوَصَلُوا الْوَصَائِلَ، وَتَعْلِيمٌ مِنْهُ نَبِيَّهُ ﷺ وَالْمُؤْمِنِينَ بِهِ الْحُجَّةَ عَلَيْهِمْ فِي تَحْرِيمِهِمْ مَا حَرَّمُوا مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَ لِلْمُؤْمِنِينَ بِهِ وَبِرَسُولِهِ: ﴿وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ﴾ [الأنعام: ١٤١] وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَنْشَأَ حَمُولَةً وَفَرْشًا. ثُمَّ بَيَّنَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ الْحَمُولَةَ وَالْفَرْشَ، فَقَالَ: ﴿ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ﴾ [الأنعام: ١٤٣]، وَإِنَّمَا نَصَبَ الثَّمَانِيَةَ، لِأَنَّهَا تَرْجَمَةٌ عَنِ الْحَمُولَةِ وَالْفَرْشِ وَبَدَلٌ مِنْهَا، كَأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ: وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَنْشَأَ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ، فَلَمَّا قَدَّمَ قَبْلَ الثَّمَانِيَةِ الْحَمُولَةَ وَالْفَرْشَ بَيَّنَ ذَلِكَ بَعْدُ، فَقَالَ: ﴿ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ﴾ [الأنعام: ١٤٣] عَلَى ذَلِكَ الْمَعْنَى، ﴿مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ﴾ [الأنعام: ١٤٣] فَذَلِكَ أَرْبَعَةٌ، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الْأُنْثَيَيْنِ مِنَ الضَّأْنِ زَوْجٌ، فَالْأُنْثَى مِنْهُ زَوْجُ الذَّكَرِ، وَالذَّكَرُ مِنْهُ زَوْجُ الْأُنْثَى، وَكَذَلِكَ ذَلِكَ مِنَ الْمَعْزِ وَمِنْ سَائِرِ الْحَيَوَانِ، فَلِذَلِكَ قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ﴾ [الأنعام: ١٤٣] كَمَا قَالَ: ﴿وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ﴾ [الذاريات: ٤٩]، لِأَنَّ الذَّكَرَ زَوْجُ الْأُنْثَى، وَالْأُنْثَى زَوْجُ الذَّكَرِ، فَهُمَا وَإِنْ كَانَا اثْنَيْنِ فَهُمَا زَوْجَانِ، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا﴾ [الأعراف: ١٨٩]، وَكَمَا قَالَ: ﴿أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ﴾ [الأحزاب: ٣٧]
٩ / ٦٢٤
وَكَمَا حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ: ﴿مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ﴾ [الأنعام: ١٤٣] «ذَكَرٌ وَأُنْثَى»، ﴿وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ﴾ [الأنعام: ١٤٤] «ذَكَرٌ وَأُنْثَى»، ﴿وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ﴾ [الأنعام: ١٤٤] «ذَكَرٌ وَأُنْثَى» وَيُقَالُ لِلِاثْنَيْنِ: هُمَا زَوْجٌ، كَمَا قَالَ لَبِيدٌ:
[البحر الكامل]
[البحر الكامل]
٩ / ٦٢٤
مِنْ كُلِّ مَحْفُوفٍ يُظِلُّ عِصِيَّهُ … زَوْجٌ عَلَيْهِ كِلَّةٌ وَقِرَامُهَا
ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ مِنْ هَذِهِ الثِّمَارِ وَاللُّحُومِ، وَارْكَبُوا هَذِهِ الْحَمُولَةَ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ، فَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فِي تَحْرِيمِ مَا حَرَّمَ هَؤُلَاءِ الْجَهَلَةُ بِغَيْرِ أَمْرِي إِيَّاهُمْ بِذَلِكَ. قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ حَرَّمُوا مَا حَرَّمُوا مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ، اتِّبَاعًا لِلشَّيْطَانِ مِنْ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ وَالْأَصْنَامِ الَّذِينَ زَعَمُوا أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ مُحَرِّمُونَ مِنْ ذَلِكَ: ﴿آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ﴾ [الأنعام: ١٤٣] رَبُّكُمْ أَيُّهَا الْكُذُبَةُ عَلَى اللَّهِ مِنَ الضَّأْنِ وَالْمَعْزِ، فَإِنَّهُمْ إِنِ ادَّعَوْا ذَلِكَ وَأَقَرُّوا بِهِ، كَذَّبُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَبَانُوا جَهْلَهُمْ، لِأَنَّهُمْ إِذَا قَالُوا: يُحَرِّمُ الذَّكَرَيْنِ مِنْ ذَلِكَ، أَوْجَبُوا تَحْرِيمَ كُلِّ ذَكَرَيْنِ مِنْ وَلَدِ الضَّأْنِ وَالْمَعْزِ، وَهُمْ يَسْتَمْتِعُونَ بِلُحُومِ الذُّكْرَانِ مِنْهَا وَظُهُورِهَا، وَفِي ذَلِكَ فَسَادُ دَعْوَاهُمْ وَتَكْذِيبُ قَوْلِهِمْ. ﴿أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ﴾ [الأنعام: ١٤٣] فَإِنَّهُمْ إِنْ قَالُوا: حَرَّمَ رَبُّنَا الْأُنْثَيَيْنِ، أَوْجَبُوا تَحْرِيمَ لُحُومِ كُلِّ أُنْثَى مِنْ وَلَدِ الضَّأْنِ وَالْمَعْزِ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَظُهُورِهَا، وَفِي ذَلِكَ أَيْضًا تَكْذِيبٌ لَهُمْ، وَدَحْضُ دَعْوَاهُمْ أَنَّ رَبَّهُمْ حَرَّمَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، إِذْ كَانُوا يَسْتَمْتِعُونَ بِلُحُومِ بَعْضِ ذَلِكَ وَظُهُورِهِ. ﴿أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ﴾ [الأنعام: ١٤٣] يَقُولُ: أَمْ حَرَّمَ مَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ، يَعْنِي أَرْحَامَ أُنْثَى الضَّأْنِ وَأُنْثَى الْمَعْزِ، فَلِذَلِكَ قَالَ: ﴿أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ﴾ [الأنعام: ١٤٣] . وَفِي ذَلِكَ أَيْضًا لَوْ أَقَرُّوا بِهِ فَقَالُوا: حَرَّمَ عَلَيْنَا مَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ، بُطُولُ قَوْلِهِمْ وَبَيَانُ كَذِبِهِمْ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُقِرُّونَ بِإِقْرَارِهِمْ بِذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْهِمْ ذُكُورَ الضَّأْنِ وَالْمَعْزِ وَإِنَاثَهَا أَنْ يَأْكُلُوا لُحُومَهَا أَوْ يَرْكَبُوا ظُهُورَهَا، وَقَدْ كَانُوا يَسْتَمْتِعُونَ بِبَعْضِ ذُكُورِهَا وَإِنَاثِهَا. وَ(مَا) الَّتِي فِي قَوْلِهِ: ﴿أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ﴾ [الأنعام: ١٤٣] نُصِبَ
ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ مِنْ هَذِهِ الثِّمَارِ وَاللُّحُومِ، وَارْكَبُوا هَذِهِ الْحَمُولَةَ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ، فَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فِي تَحْرِيمِ مَا حَرَّمَ هَؤُلَاءِ الْجَهَلَةُ بِغَيْرِ أَمْرِي إِيَّاهُمْ بِذَلِكَ. قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ حَرَّمُوا مَا حَرَّمُوا مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ، اتِّبَاعًا لِلشَّيْطَانِ مِنْ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ وَالْأَصْنَامِ الَّذِينَ زَعَمُوا أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ مُحَرِّمُونَ مِنْ ذَلِكَ: ﴿آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ﴾ [الأنعام: ١٤٣] رَبُّكُمْ أَيُّهَا الْكُذُبَةُ عَلَى اللَّهِ مِنَ الضَّأْنِ وَالْمَعْزِ، فَإِنَّهُمْ إِنِ ادَّعَوْا ذَلِكَ وَأَقَرُّوا بِهِ، كَذَّبُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَبَانُوا جَهْلَهُمْ، لِأَنَّهُمْ إِذَا قَالُوا: يُحَرِّمُ الذَّكَرَيْنِ مِنْ ذَلِكَ، أَوْجَبُوا تَحْرِيمَ كُلِّ ذَكَرَيْنِ مِنْ وَلَدِ الضَّأْنِ وَالْمَعْزِ، وَهُمْ يَسْتَمْتِعُونَ بِلُحُومِ الذُّكْرَانِ مِنْهَا وَظُهُورِهَا، وَفِي ذَلِكَ فَسَادُ دَعْوَاهُمْ وَتَكْذِيبُ قَوْلِهِمْ. ﴿أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ﴾ [الأنعام: ١٤٣] فَإِنَّهُمْ إِنْ قَالُوا: حَرَّمَ رَبُّنَا الْأُنْثَيَيْنِ، أَوْجَبُوا تَحْرِيمَ لُحُومِ كُلِّ أُنْثَى مِنْ وَلَدِ الضَّأْنِ وَالْمَعْزِ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَظُهُورِهَا، وَفِي ذَلِكَ أَيْضًا تَكْذِيبٌ لَهُمْ، وَدَحْضُ دَعْوَاهُمْ أَنَّ رَبَّهُمْ حَرَّمَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، إِذْ كَانُوا يَسْتَمْتِعُونَ بِلُحُومِ بَعْضِ ذَلِكَ وَظُهُورِهِ. ﴿أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ﴾ [الأنعام: ١٤٣] يَقُولُ: أَمْ حَرَّمَ مَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ، يَعْنِي أَرْحَامَ أُنْثَى الضَّأْنِ وَأُنْثَى الْمَعْزِ، فَلِذَلِكَ قَالَ: ﴿أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ﴾ [الأنعام: ١٤٣] . وَفِي ذَلِكَ أَيْضًا لَوْ أَقَرُّوا بِهِ فَقَالُوا: حَرَّمَ عَلَيْنَا مَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ، بُطُولُ قَوْلِهِمْ وَبَيَانُ كَذِبِهِمْ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُقِرُّونَ بِإِقْرَارِهِمْ بِذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْهِمْ ذُكُورَ الضَّأْنِ وَالْمَعْزِ وَإِنَاثَهَا أَنْ يَأْكُلُوا لُحُومَهَا أَوْ يَرْكَبُوا ظُهُورَهَا، وَقَدْ كَانُوا يَسْتَمْتِعُونَ بِبَعْضِ ذُكُورِهَا وَإِنَاثِهَا. وَ(مَا) الَّتِي فِي قَوْلِهِ: ﴿أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ﴾ [الأنعام: ١٤٣] نُصِبَ
٩ / ٦٢٥
عَطْفًا بِهَا عَلَى (الْأُنْثَيَيْنِ) . ﴿نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ﴾ يَقُولُ: قُلْ لَهُمْ: خَبِّرُونِي بِعِلْمِ ذَلِكَ عَلَى صِحَّتِهِ، أَيَّ ذَلِكَ حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ وَكَيْفَ حَرَّمَ، ﴿إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [البقرة: ٢٣] فِيمَا تَنْحِلُونَهُ رَبَّكُمْ مِنْ دَعْوَاكُمْ وَتُضِيفُونَهُ إِلَيْهِ مِنْ تَحْرِيمِكُمْ. وَإِنَّمَا هَذَا إِعْلَامٌ مِنَ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ نَبِيَّهُ أَنَّ كُلَّ مَا قَالَهُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ فِي ذَلِكَ وَأَضَافُوهُ إِلَى اللَّهِ، فَهُوَ كَذِبٌ عَلَى اللَّهِ، وَأَنَّهُ لَمْ يُحَرِّمْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، وَأَنَّهُمْ إِنَّمَا اتَّبَعُوا فِي ذَلِكَ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ، وَخَالَفُوا أَمْرَهُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٩ / ٦٢٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ﴾ [الأنعام: ١٤٣] اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ الْآيَةَ، «إِنَّ كُلَّ هَذَا لَمْ أُحَرِّمْ مِنْهُ قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا، ذَكَرًا وَلَا أُنْثَى»
٩ / ٦٢٦
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿مِنَ الضَّأْنِ﴾ [الأنعام: ١٤٣] اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قَالَ: سَلْهُمْ ﴿آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ﴾ [الأنعام: ١٤٣]؟ أَيْ لَمْ أُحَرِّمْ مِنْ هَذَا شَيْئًا. ﴿بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [الأنعام: ١٤٣] فَذَكَرَ مِنَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ نَحْوَ ذَلِكَ “
٩ / ٦٢٦
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ﴾ [الأنعام: ١٤٣] ” فِي شَأْنِ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ مِنَ الْبَحِيرَةِ
٩ / ٦٢٧
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ﴾ [الأنعام: ١٤٣] قَالَ: “هَذَا فِي شَأْنِ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ مِنَ الْبَحَائِرِ وَالسُّيَّبِ
٩ / ٦٢٧
قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: يَقُولُ: «مِنْ أَيْنَ حَرَّمْتُ هَذَا مِنْ قِبَلِ الذَّكَرَيْنِ أَمِ مِنْ قِبَلِ الْأُنْثَيَيْنِ، أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ؟ وَإِنَّهَا لَا تَشْتَمِلُ إِلَّا عَلَى ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، فَمِنْ أَيْنَ جَاءَ التَّحْرِيمُ؟ فَأَجَابُوا هُمْ: وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ»
٩ / ٦٢٧
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ﴾ [الأنعام: ١٤٣]، ﴿وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ﴾ [الأنعام: ١٤٤]، يَقُولُ: «أَنْزَلْتُ لَكُمْ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنْ هَذَا الَّذِي عَدَدْتُ ذَكَرًا وَأُنْثَى، فَالذَّكَرَيْنِ حَرَّمْتُ عَلَيْكُمْ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ؟ يَقُولُ: أَيْ مَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ مَا تَشْتَمِلُ إِلَّا عَلَى ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، فَمَا حَرَّمْتُ عَلَيْكُمْ ذَكَرًا وَلَا أُنْثَى مِنَ الثَّمَانِيَةِ، إِنَّمَا ذَكَرَ هَذَا مِنْ أَجْلِ مَا حَرَّمُوا مِنَ الْأَنْعَامِ»
٩ / ٦٢٧
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، عَنِ الْحَسَنِ: ﴿أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ﴾ [الأنعام: ١٤٣] قَالَ: «مَا حَمَلَتِ الرَّحِمُ»
٩ / ٦٢٧
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ﴾ [الأنعام: ١٤٣] قَالَ: هَذَا لِقَوْلِهِمْ: ﴿مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامُ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا﴾ [الأنعام: ١٣٩]، قَالَ: وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ﴾ [الأنعام: ١٤٣] اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قَالَ: الْأَنْعَامُ: هِيَ الْإِبِلُ وَالضَّأْنُ وَالْمَعْزُ، هَذِهِ الْأَنْعَامُ الَّتِي قَالَ اللَّهُ: ﴿ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ﴾ [الأنعام: ١٤٣] . قَالَ: وَقَالَ فِي قَوْلِهِ: ﴿هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ﴾ [الأنعام: ١٣٨] نَحْتَجِرُهَا عَلَى مَنْ نُرِيدُ وَعَمَّنْ نُرِيدُ، وَقَوْلُهُ: ﴿وَانْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا﴾ قَالَ: لَا يَرْكَبُهَا أَحَدٌ، ﴿وَأَنْعَامٌ لَا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا﴾ [الأنعام: ١٣٨] فَقَالَ: ﴿آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ﴾ [الأنعام: ١٤٣] أَيُّ هَذَيْنِ حَرَّمَ عَلَى هَؤُلَاءِ، أَيْ أَنْ تَكُونَ لِهَؤُلَاءِ حِلًّا وَعَلَى هَؤُلَاءِ حَرَامًا
٩ / ٦٢٨
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ﴾ [الأنعام: ١٤٣] يَعْنِي: «هَلْ تَشْتَمِلُ الرَّحِمُ إِلَّا عَلَى ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، فَهُمْ يُحَرِّمُونَ بَعْضًا وَيُحِلُّونَ بَعْضًا؟»
٩ / ٦٢٨
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ﴾ [الأنعام: ١٤٣] فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ أَزْوَاجٍ، ﴿وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ ⦗٦٢٩⦘ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ﴾ [الأنعام: ١٤٤] يَقُولُ: لَمْ أُحَرِّمْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ. ﴿نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ يَقُولُ: «كُلُّهُ حَلَالٌ» وَالضَّأْنُ: جَمْعٌ لَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ، وَقَدْ يُجْمَعُ الضَّأْنُ: الضَّئِينَ وَالضِّئِينَ، مِثْلُ الشَّعِيرِ وَالشِّعِيرِ، كَمَا يُجْمَعُ الْعَبْدُ عَلَى عَبِيدٍ وَعِبِيدٍ. وَأَمَّا الْوَاحِدُ مِنْ ذُكُورِهِ فَضَائِنٌ، وَالْأُنْثَى ضَائِنَةٌ، وجَمْعُ الضَّائِنَةِ: ضَوَائِنُ، وَكَذَلِكَ الْمَعْزُ جَمْعٌ عَلَى غَيْرِ وَاحِدٍ، وَكَذَلِكَ الْمِعْزَى، وَأَمَّا الْمَاعِزُ، فَجَمْعُهُ مَوَاعِزُ
٩ / ٦٢٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهَذَا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ [الأنعام: ١٤٤] وَتَأْوِيلُ قَوْلِهِ: ﴿وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ﴾ [الأنعام: ١٤٤] نَحْوُ تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: ﴿مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ﴾ [الأنعام: ١٤٣]، وَهَذِهِ أَرْبَعَةُ أَزْوَاجٍ، عَلَى نَحْوِ مَا بَيَّنَّا مِنَ الْأَزْوَاجِ الْأَرْبَعَةِ قَبْلُ مِنَ الضَّأْنِ وَالْمَعْزِ، فَذَلِكَ ثَمَانِيَةُ أَزْوَاجٍ كَمَا وَصَفَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ
٩ / ٦٢٩
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهَذَا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ [الأنعام: ١٤٤] فَإِنَّهُ أَمْرٌ مِنَ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ
٩ / ٦٢٩
نَبِيَّهُ ﷺ أَنْ يَقُولَ لِهَؤُلَاءِ الْجَهَلَةِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ قَصَّ قَصَصَهُمْ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ الَّتِي مَضَتْ، يَقُولُ لَهُ عَزَّ ذِكْرُهُ: قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّدُ، أَيُّ هَذِهِ سَأَلْتُكُمْ عَنْ تَحْرِيمِهِ حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ مِنْ هَذِهِ الْأَزْوَاجِ الثَّمَانِيَةِ؟ فَإِنْ أَجَابُوكَ عَنْ شَيْءٍ مِمَّا سَأَلْتَهُمْ عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ، فَقُلْ لَهُمْ: أَخَبَرًا قُلْتُمْ إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هَذَا عَلَيْكُمْ أَخْبَرَكُمْ بِهِ رَسُولٌ عَنْ رَبِّكُمْ، أَمْ شَهِدْتُمْ رَبَّكُمْ فَرَأَيْتُمُوهُ فَوَصَّاكُمْ بِهَذَا الَّذِي تَقُولُونَ وَتَرُدُّونَ عَلَى اللَّهِ؟ فَإِنَّ هَذَا الَّذِي تَقُولُونَ مِنْ إِخْبَارِكُمْ عَنِ اللَّهِ أَنَّهُ حَرَامٌ بِمَا تَزْعُمُونَ عَلَى مَا تَزْعُمُونَ، لَا يُعْلَمُ إِلَّا بِوَحْي مِنْ عِنْدِهِ مَعَ رَسُولٍ يُرْسِلُهُ إِلَى خَلْقِهِ، أَوْ بِسَمَاعٍ مِنْهُ، فَبِأَيِّ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ عَلِمْتُمْ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ ذَلِكَ كَذَلِكَ بِرَسُولٍ أَرْسَلَهُ إِلَيْكُمْ؟ فَأَنْبِئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ، أَمْ شَهِدْتُمْ رَبَّكُمْ، فَأَوْصَاكُمْ بِذَلِكَ وَقَالَ لَكُمْ: حَرَّمْتُ ذَلِكَ عَلَيْكُمْ، فَسَمِعْتُمْ تَحْرِيمَهُ مِنْهُ وَعَهْدَهُ إِلَيْكُمْ بِذَلِكَ؟ فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ وَاحِدٌ مِنْ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ. يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا﴾ [الأنعام: ١٤٤] يَقُولُ: فَمَنْ أَشَدُّ ظُلْمًا لِنَفْسِهِ، وَأَبْعَدُ عَنِ الْحَقِّ، مِمَّنْ تَخَرَّصَ عَلَى اللَّهِ قِيلَ الْكَذِبِ وَأَضَافَ إِلَيْهِ تَحْرِيمَ مَا لَمْ يُحَرِّمْ وَتَحْلِيلَ مَا لَمْ يُحَلِّلْ. ﴿لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ [الأنعام: ١٤٤] يَقُولُ: لِيَصُدَّهُمْ عَنْ سَبِيلِهِ: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ [المائدة: ٥١] يَقُولُ: لَا يُوَفِّقُ اللَّهُ لِلرُّشْدِ مَنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ وَقَالَ عَلَيْهِ الزُّورَ وَالْكَذِبَ وَأَضَافَ إِلَيْهِ تَحْرِيمَ مَا لَمْ يُحَرِّمْ كُفْرًا بِاللَّهِ وَجُحُودًا لِنُبُوَّةِ نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ
٩ / ٦٣٠
كَالَّذِي حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهَذَا﴾ [الأنعام: ١٤٤] «الَّذِي تَقُولُونَ»
٩ / ٦٣٠
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: كَانُوا يَقُولُونَ يَعْنِي الَّذِينَ كَانُوا يَتَّخِذُونَ الْبَحَائِرَ وَالسَّوَائِبَ: إِنَّ اللَّهَ أَمَرَ بِهَذَا. فَقَالَ اللَّهُ: ﴿فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ [الأنعام: ١٤٤]
٩ / ٦٣١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [الأنعام: ١٤٥] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ جَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا، ولِشُرَكَائِهِمْ مِنَ الْآلِهَةِ وَالْأَنْدَادِ مِثْلَهُ، وَالْقَائِلِينَ ﴿هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لَا يَطْعَمُهَا إِلَّا مَنْ نَشَاءُ بِزَعْمِهِمْ﴾ [الأنعام: ١٣٨]، وَالْمُحَرِّمِينَ مِنْ أَنْعَامٍ أُخَرَ ظُهُورَهَا، وَالتَّارِكِينَ ذِكْرَ اسْمِ اللَّهِ عَلَى أُخَرَ مِنْهَا، وَالْمُحَرِّمِينَ بَعْضَ مَا فِي بُطُونِ بَعْضِ أَنْعَامِهِمْ عَلَى إِنَاثِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَمُحِلِّيهِ لِذُكُورِهِمْ، الْمُحَرِّمِينَ مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ، وَإِضَافَةً مِنْهُمْ مَا يُحَرِّمُونَ مِنْ ذَلِكَ إِلَى أَنَّ اللَّهَ هُوَ الَّذِي حَرَّمَهُ عَلَيْهِمْ: أَجَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ رَسُولٌ بِتَحْرِيمِهِ ذَلِكَ عَلَيْكُمْ، فَأَنْبِئُونَا بِهِ، أَمْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِتَحْرِيمِهِ مُشَاهَدَةً مِنْكُمْ لَهُ، فَسَمِعْتُمْ مِنْهُ تَحْرِيمَهُ ذَلِكَ عَلَيْكُمْ فَحَرَّمْتُمُوهُ؟ فَإِنَّكُمْ كُذُبَةٌ إِنِ ادَّعَيْتُمْ ذَلِكَ وَلَا يُمْكِنُكُمْ دَعْوَاهُ، لِأَنَّكُمْ إِذَا ادَّعَيْتُمُوهُ عَلِمَ النَّاسُ كَذِبَكُمْ، فَإِنِّي لَا أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إِلَيَّ مِنْ كِتَابِهِ وآيِ تَنْزِيلِهِ شَيْئًا مُحَرَّمًا عَلَى آكِلٍ يَأْكُلُهُ مِمَّا تَذْكُرُونَ أَنَّهُ حَرَّمَهُ مِنْ هَذِهِ الْأَنْعَامِ الَّتِي تَصِفُونَ، تَحْرِيمَ مَا حُرِّمَ عَلَيْكُمْ مِنْهَا بِزَعْمِكُمْ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً قَدْ مَاتَتْ بِغَيْرِ تَذْكِيَةٍ أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا وَهُوَ الْمُنْصَبُّ أَوْ إِلَّا أَنْ يَكُونَ لَحْمَ خِنْزِيرٍ. ﴿فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا﴾ [الأنعام: ١٤٥] يَقُولُ: أَوْ إِلَّا أَنْ
٩ / ٦٣١
يَكُونَ فِسْقًا، يَعْنِي بِذَلِكَ: أَوْ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَذْبُوحًا ذَبَحَهُ ذَابِحٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنْ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ لِصَنَمِهِ وَآلِهَتِهِ فَذَكَرَ عَلَيْهِ اسْمَ وَثَنِهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ الذَّبْحَ فِسْقٌ نَهَى اللَّهُ عَنْهُ وَحَرَّمَهُ، وَنَهَى مَنْ آمَنَ بِهِ عَنْ أَكْلِ مَا ذُبِحَ كَذَلِكَ، لِأَنَّهُ مَيْتَةٌ. وَهَذَا إِعْلَامٌ مِنَ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ جَادَلُوا نَبِيَّ اللَّهِ وَأَصْحَابَهُ فِي تَحْرِيمِ الْمَيْتَةِ بِمَا جَادَلُوهُمْ بِهِ أَنَّ الَّذِيَ جَادَلُوهُمْ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ هُوَ الْحَرَامُ الَّذِي حَرَّمَهُ اللَّهُ، وَأَنَّ الَّذِي زَعَمُوا أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُ حَلَالٌ قَدْ أَحَلَّهُ اللَّهُ، وَأَنَّهُمْ كُذُبَةٌ فِي إِضَافَتِهِمْ تَحْرِيمَهُ إِلَى اللَّهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٩ / ٦٣٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا﴾ [الأنعام: ١٤٥] قَالَ: “كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يُحَرِّمُونَ أَشْيَاءَ وَيُحِلُّونَ أَشْيَاءَ، فَقَالَ: قُلْ لَا أَجِدُ مِمَّا كُنْتُمْ تُحَرِّمُونَ وَتَسْتَحِلُّونَ إِلَّا هَذَا ﴿إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ﴾ [الأنعام: ١٤٥]
٩ / ٦٣٢
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا سُوَيْدٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا﴾ [الأنعام: ١٤٥] الْآيَةَ، قَالَ: «كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَسْتَحِلُّونَ أَشْيَاءَ وَيُحَرِّمُونَ أَشْيَاءَ، فَقَالَ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ: ﴿قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا﴾ [الأنعام: ١٤٥] مِمَّا كُنْتُمْ تَسْتَحِلُّونَ إِلَّا هَذَا، وَكَانَتْ أَشْيَاءُ يُحَرِّمُونَهَا فَهِيَ حَرَامٌ الْآنَ»
٩ / ٦٣٢
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ: ﴿قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ﴾ [الأنعام: ١٤٥] قَالَ: “مَا يُؤْكَلُ. قُلْتُ: فِي الْجَاهِلِيَّةِ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَكَذَلِكَ كَانَ يَقُولُ: ﴿إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا﴾ [الأنعام: ١٤٥]
٩ / ٦٣٣
قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَأَخْبَرَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا﴾ [الأنعام: ١٤٥] قَالَ: «مِمَّا كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَأْكُلُونَ، لَا أَجِدُ مُحَرَّمًا مِنْ ذَلِكَ عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا»
٩ / ٦٣٣
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا﴾ [الأنعام: ١٤٥] فَإِنَّ مَعْنَاهُ: أَوْ دَمًا مُسَالًا مُهْرَاقًا، يُقَالُ مِنْهُ: سَفَحْتُ دَمَهُ: إِذَا أَرَقْتُهُ، أَسْفَحُهُ سَفْحًا، فَهُوَ دَمٌ مَسْفُوحٌ، كَمَا قَالَ طَرَفَةُ بْنُ الْعَبْدِ:
[البحر الكامل] إِنِّي وَجَدِّكَ مَا هَجَوْتُكَ وَالْـ … أَنْصَابِ يُسْفَحُ فَوْقَهُنَّ دَمُ
وَكَمَا قَالَ عَبِيدُ بْنُ الْأَبْرَصِ:
[البحر الوافر] إِذَا مَا عَادَهُ مِنَّا نِسَاءٌ … سَفَحْنَ الدَّمْعَ مِنْ بَعْدِ الرَّنِينِ
يَعْنِي: صَبَبْنَ، وَأَسَلْنَ الدَّمْعَ. وَفِي اشْتِرَاطِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي الدَّمِ عِنْدَ إِعْلَامِهِ عِبَادَهُ تَحْرِيمَهُ إِيَّاهُ الْمَسْفُوحَ مِنْهُ دُونَ غَيْرِهِ، الدَّلِيلُ الْوَاضِحُ أَنَّ مَا لَمْ يَكُنْ مِنْهُ مَسْفُوحًا فَحَلَالٌ غَيْرُ نَجِسٍ
[البحر الكامل] إِنِّي وَجَدِّكَ مَا هَجَوْتُكَ وَالْـ … أَنْصَابِ يُسْفَحُ فَوْقَهُنَّ دَمُ
وَكَمَا قَالَ عَبِيدُ بْنُ الْأَبْرَصِ:
[البحر الوافر] إِذَا مَا عَادَهُ مِنَّا نِسَاءٌ … سَفَحْنَ الدَّمْعَ مِنْ بَعْدِ الرَّنِينِ
يَعْنِي: صَبَبْنَ، وَأَسَلْنَ الدَّمْعَ. وَفِي اشْتِرَاطِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي الدَّمِ عِنْدَ إِعْلَامِهِ عِبَادَهُ تَحْرِيمَهُ إِيَّاهُ الْمَسْفُوحَ مِنْهُ دُونَ غَيْرِهِ، الدَّلِيلُ الْوَاضِحُ أَنَّ مَا لَمْ يَكُنْ مِنْهُ مَسْفُوحًا فَحَلَالٌ غَيْرُ نَجِسٍ
٩ / ٦٣٣
وَذَلِكَ كَالَّذِي حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عِكْرِمَةَ: ﴿أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا﴾ [الأنعام: ١٤٥] قَالَ: «لَوْلَا هَذِهِ الْآيَةُ لِتَتَبَّعَ الْمُسْلِمُونَ مِنَ الْعُرُوقِ مَا تَتَبَّعَتِ الْيَهُودُ» ⦗٦٣٤⦘ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ بِنَحْوِهِ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: لَاتَّبَعَ الْمُسْلِمُونَ حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا سُوَيْدٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ بِنَحْوِهِ
٩ / ٦٣٣
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُدَيْرٍ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ، «فِي الْقِدْرِ يَعْلُوهَا الْحُمْرَةُ مِنَ الدَّمِ قَالَ: إِنَّمَا حَرَّمَ اللَّهُ الدَّمَ الْمَسْفُوحَ»
٩ / ٦٣٤
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ قَالَ: ثنا حَمَّادٌ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُدَيْرٍ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ قَالَ: “سَأَلْتُهُ عَنِ الدَّمِ، وَمَا يَتَلَطَّخُ بِالْمَذْبَحِ مِنَ الرَّأْسِ، وَعَنِ الْقِدْرِ يُرَى فِيهَا الْحُمْرَةُ، قَالَ: «إِنَّمَا نَهَى اللَّهُ عَنِ الدَّمِ الْمَسْفُوحِ»
٩ / ٦٣٤
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا﴾ [الأنعام: ١٤٥] قَالَ: «حَرَّمَ الدَّمَ مَا كَانَ مَسْفُوحًا، وَأَمَّا لَحْمٌ خَالَطَهُ دَمٌ فَلَا بَأْسَ بِهِ»
٩ / ٦٣٤
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا﴾ [الأنعام: ١٤٥]: «يَعْنِي مُهْرَاقًا»
٩ / ٦٣٤
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، أَخْبَرَنِي ابْنُ دِينَارٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ: ﴿أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا﴾ [الأنعام: ١٤٥] قَالَ: لَوْلَا هَذِهِ الْآيَةُ لَتَتَبَّعَ الْمُسْلِمُونَ عُرُوقَ اللَّحْمِ مَا تَتَبَّعَهَا الْيَهُودُ “
٩ / ٦٣٥
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا الْحَجَّاجُّ بْنُ الْمِنْهَالِ، قَالَ: ثنا حَمَّادٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّهَا كَانَتْ لَا تَرَى بِلُحُومِ السِّبَاعِ بَأْسًا، وَالْحُمْرَةِ وَالدَّمِ يَكُونَانِ عَلَى الْقِدْرِ بَأْسًا. وَقَرَأَتْ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ﴾ [الأنعام: ١٤٥] الْآيَةَ»
٩ / ٦٣٥
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا سُوَيْدٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، ثني الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ، وَذَكَرَتْ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا﴾ [الأنعام: ١٤٥] قُلْتُ: «وَإِنَّ الْبُرْمَةَ لِيُرَى فِي مَائِهَا الصُّفْرَةُ» وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الرِّجْسِ فِيمَا مَضَى مِنْ كِتَابِنَا هَذَا، وَأَنَّهُ النَّجَسُ وَالنَّتْنُ، وَمَا يُعْصَى اللَّهُ بِهِ، بِشَوَاهِدِهِ، فَأَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ. وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي مَعْنَى الْفِسْقِ، وَفِي قَوْلِهِ: ﴿أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ﴾ [المائدة: ٣] قَدْ مَضَى ذَلِكَ كُلُّهُ بِشَوَاهِدِهِ الْكَافِيَةِ مِنْ وُفِّقَ لِفَهْمِهِ عَنْ تِكْرَارِهِ وَإِعَادَتِهِ. ⦗٦٣٦⦘ وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً﴾ [الأنعام: ١٤٥] فَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ: ﴿إِلَّا أَنْ يَكُونَ﴾ [الأنعام: ١٤٥] بِالْيَاءِ ﴿(مَيْتَةً)﴾ مُخَفَّفَةَ الْيَاءِ مَنْصُوبَةً عَلَى أَنَّ فِي (يَكُونَ) مَجْهُولًا، وَالْمَيْتَةُ فِعْلٌ لَهُ فَنُصِبَتْ عَلَى أَنَّهَا فِعْلُ (يَكُونَ)، وَذَكَّرُوا (يَكُونَ) لِتَذْكِيرِ الْمُضْمَرِ فِي (يَكُونَ) . وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ قُرَّاءِ أَهْلِ مَكَّةَ وَالْكُوفَةِ: (إِلَّا أَنْ تَكُونَ) بِالتَّاءِ (مَيْتَةً) بِتَخْفِيفِ الْيَاءِ مِنَ الْمَيْتَةِ وَنَصْبِهَا. وَكَأَنَّ مَعْنَى نَصْبِهِمُ الْمَيْتَةَ مَعْنَى الْأَوَّلِينَ، وَأَنَّثُوا (تَكُونَ) لِتَأْنِيثِ الْمَيْتَةِ، كَمَا يُقَالُ: إِنَّهَا قَائِمَةٌ جَارِيَتُكَ، وَإِنَّهُ قَائِمٌ جَارِيَتُكَ، فَيُذَكَّرُ الْمَجْهُولُ مَرَّةً، وَيُؤَنَّثُ أُخْرَى لِتَأْنِيثِ الِاسْمِ الَّذِي بَعْدَهُ. وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ الْمَدَنِيِّينَ: (إِلَّا أَنْ تَكُونَ مَيِّتَةٌ) بِالتَّاءِ فِي (تَكُونَ)، وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ مِنْ (مَيِّتَةٌ) وَرَفْعِهَا، فَجَعَلَ (الْمَيِّتَةَ) اسْمَ (تَكُونَ)، وَأَنَّثَ (تَكُونَ) لِتَأْنِيثِ (الْمَيِّتَةِ)، وَجَعَلَ (تَكُونَ) مُكْتَفِيَةً بِالِاسْمِ دُونَ الْفِعْلِ، لِأَنَّ قَوْلَهُ: (إِلَّا أَنْ تَكُونَ مَيِّتَةً) اسْتِثْنَاءٌ، وَالْعَرَبُ تَكْتَفِي فِي الِاسْتِثْنَاءِ بِالْأَسْمَاءِ عَنِ الْأَفْعَالِ، فَيَقُولُونَ: قَامَ النَّاسُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ أَخَاكَ، وَإِلَّا أَنْ يَكُونَ أَخُوكَ، فَلَا تَأْتِي ⦗٦٣٧⦘ لِيَكُونَ بِفِعْلٍ، وَتَجْعَلَهَا مُسْتَغْنِيَةً بِالِاسْمِ، كَمَا يُقَالُ: قَامَ الْقَوْمُ إِلَّا أَخَاكَ وَإِلَّا أَخُوكَ، فَلَا يُعْتَدُّ الِاسْمُ الَّذِي بَعْدَ حَرْفِ الِاسْتِثْنَاءِ نَفْلًا. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي: ﴿إِلَّا أَنْ يَكُونَ﴾ [الأنعام: ١٤٥] بِالْيَاءِ ﴿مَيْتَةً﴾ [الأنعام: ١٣٩] بِتَخْفِيفِ الْيَاءِ وَنَصْبِ الْمَيْتَةِ، لِأَنَّ الَّذِي فِي (يَكُونَ) مِنَ الْمُكَنَّى مِنْ ذِكْرِ الْمُذَكَّرِ، وَإِنَّمَا هُوَ: قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا. فَأَمَّا قِرَاءَةُ (مَيْتَةٌ) بِالرَّفْعِ، فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ فِي الْعَرَبِيَّةِ غَيْرَ خَطَأٍ فَإِنَّهُ فِي الْقِرَاءَةِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ غَيْرُ صَوَابٍ، لِأَنَّ اللَّهَ يَقُولُ: ﴿أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا﴾ [الأنعام: ١٤٥]، فَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْجَمِيعِ فِي قِرَاءَةِ الدَّمِ بِالنَّصْبِ، وَكَذَلِكَ هُوَ فِي مَصَاحِفِ الْمُسْلِمِينَ، وَهُوَ عَطْفٌ عَلَى (الْمَيْتَةِ) . فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمَيْتَةَ لَوْ كَانَتْ مَرْفُوعَةً لَكَانَ الدَّمُ وَقَوْلُهُ ﴿أَوْ فِسْقًا﴾ [الأنعام: ١٤٥] مَرْفُوعَيْنِ، وَلَكِنَّهَا مَنْصُوبَةٌ فَيُعْطَفُ بِهِمَا عَلَيْهَا بِالنَّصْبِ
٩ / ٦٣٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [الأنعام: ١٤٥] وَقَدْ ذَكَرْنَا اخْتِلَافَ أَهْلِ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: ﴿فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ﴾ [البقرة: ١٧٣] وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِيهِ عِنْدَنَا فِيمَا مَضَى مِنْ كِتَابِنَا هَذَا فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، وَأَنَّ مَعْنَاهُ: فَمَنِ اضْطُرَّ إِلَى أَكْلِ مَا حَرَّمَ اللَّهُ
٩ / ٦٣٧
مِنْ أَكْلِ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ الْمَسْفُوحِ أَوْ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ، أَوْ مَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ، غَيْرَ بَاغٍ فِي أَكْلِهِ إِيَّاهُ تَلَذُّذًا، لَا لِضَرُورَةِ حَالَةٍ مِنَ الْجُوعِ، وَلَا عَادٍ فِي أَكْلِهِ بِتَجَاوُزِهِ مَا حَدَّهُ اللَّهُ وَأَبَاحَهُ لَهُ مِنْ أَكْلِهِ، وَذَلِكَ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ مَا يَدْفَعُ عَنْهُ الْخَوْفَ عَلَى نَفْسِهِ بِتَرْكِ أَكْلِهِ مِنَ الْهَلَاكِ لَمْ يَتَجَاوَزْ ذَلِكَ إِلَى أَكْثَرَ مِنْهُ، فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ فِي أَكْلِهِ مَا أَكَلَ مِنْ ذَلِكَ. ﴿فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ﴾ [الأنعام: ١٤٥] فِيمَا فَعَلَ مِنْ ذَلِكَ، فَسَاتِرٌ عَلَيْهِ بِتَرْكِهِ عُقُوبَتَهُ عَلَيْهِ، وَلَوْ شَاءَ عَاقَبَهُ عَلَيْهِ. ﴿رَحِيمٌ﴾ [البقرة: ١٤٣] بِإِبَاحَتِهِ إِيَّاهُ أَكْلَ ذَلِكَ عِنْدَ حَاجَتِهِ إِلَيْهِ، وَلَوْ شَاءَ حَرَّمَهُ عَلَيْهِ وَمَنْعَهُ مِنْهُ
٩ / ٦٣٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وِإِنَّا لَصَادِقُونَ﴾ [الأنعام: ١٤٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَحَرَّمْنَا عَلَى الْيَهُودِ كُلَّ ذِي ظُفُرٍ، وَهُوَ مِنَ الْبَهَائِمِ وَالطَّيْرِ مَا لَمْ يَكُنْ مَشْقُوقَ الْأَصَابِعِ كَالْإِبِلِ وَالْأَنْعَامِ وَالْإِوَزِّ وَالْبَطِّ. وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٩ / ٦٣٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، وَعَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ، قَالَا: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ﴾ [الأنعام: ١٤٦] «وَهُوَ الْبَعِيرُ وَالنَّعَامَةُ»
٩ / ٦٣٨
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ﴾ [الأنعام: ١٤٦] قَالَ: «⦗٦٣٩⦘ الْبَعِيرُ وَالنَّعَامَةُ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنَ الدَّوَابِّ»
٩ / ٦٣٨
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدٍ: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ﴾ [الأنعام: ١٤٦] قَالَ: «هُوَ لَيْسَ الَّذِي بِمُنْفَرِجِ الْأَصَابِعِ»
٩ / ٦٣٩
حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ الْأَزْدِيُّ قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ﴾ [الأنعام: ١٤٦] قَالَ: «كُلُّ شَيْءٍ مُتَفَرِّقُ الْأَصَابِعِ، وَمِنْهُ الدِّيكُ»
٩ / ٦٣٩
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: ﴿كُلَّ ذِي ظُفُرٍ﴾ [الأنعام: ١٤٦]: «النَّعَامَةُ وَالْبَعِيرُ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، مِثْلَهُ
٩ / ٦٣٩
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ﴾ [الأنعام: ١٤٦] فَكَانَ يُقَالُ: «الْبَعِيرُ وَالنَّعَامَةُ وَأَشْبَاهُهُ مِنَ الطَّيْرِ وَالْحِيتَانِ»
٩ / ٦٣٩
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، قَالَ: ثنا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿كُلَّ ذِي ظُفُرٍ﴾ [الأنعام: ١٤٦] قَالَ: «الْإِبِلُ وَالنَّعَامُ، ظُفُرُ يَدِ الْبَعِيرِ وَرِجْلُهُ، وَالنَّعَامُ ⦗٦٤٠⦘ أَيْضًا كَذَلِكَ، وَحَرَّمَ عَلَيْهِمْ أَيْضًا مِنَ الطَّيْرِ الْبَطَّ وَشِبْهَهُ، وَكُلَّ شَيْءٍ لَيْسَ بِمَشْقُوقِ الْأَصَابِعِ»
٩ / ٦٣٩
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: «أَمَّا كُلُّ ذِي ظُفُرٍ: فَالْإِبِلُ وَالنَّعَامُ»
٩ / ٦٤٠
حَدَّثَنِي الْحَرْثُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: ثنا شَيْخٌ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ﴾ [الأنعام: ١٤٦] قَالَ: «النَّعَامَةُ وَالْبَعِيرُ شَقًّا شَقًّا، قَالَ: قُلْتُ: مَا شَقًّا شَقًّا؟ قَالَ: كُلُّ مَا لَمْ تُفَرَّجْ قَوَائِمُهُ لَمْ يَأْكُلْهُ الْيَهُودُ، الْبَعِيرُ وَالنَّعَامَةُ، وَالدَّجَاجُ وَالْعَصَافِيرُ تَأْكُلُهَا الْيَهُودُ لِأَنَّهَا قَدْ فُرِّجَتْ»
٩ / ٦٤٠
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿كُلَّ ذِي ظُفُرٍ﴾ [الأنعام: ١٤٦] قَالَ: «النَّعَامَةُ وَالْبَعِيرُ شَقًّا شَقًّا» قُلْتُ لِلْقَاسِمِ بْنِ أَبَى بَزَّةَ وَحَدَّثَنِيهِ: مَا شَقًّا شَقًّا؟ قَالَ: كُلُّ شَيْءٍ لَمْ يُفَرَّجْ مِنْ قَوَائِمِ الْبَهَائِمِ، قَالَ: وَمَا انْفَرَجَ أَكَلَتْهُ الْيَهُودُ، قَالَ: انْفَرَجَتْ قَوَائِمُ الدَّجَاجِ وَالْعَصَافِيرِ، فَيَهُودُ تَأْكُلُهَا. قَالَ: وَلَمْ تَنْفَرِجْ قَائِمَةُ الْبَعِيرِ خُفُّهُ وَلَا خُفُّ النَّعَامَةِ وَلَا قَائِمَةُ الْوَزِّينِ، فَلَا تَأْكُلُ الْيَهُودُ الْإِبِلَ وَلَا النَّعَامَ وَلَا الْوَزِّينَ وَلَا كُلَّ شَيْءٍ لَمْ تَنْفَرِجْ قَائِمَتُهُ، وَكَذَلِكَ لَا تَأْكُلُ حِمَارَ وَحْشٍ، وَكَانَ ابْنُ زَيْدٍ يَقُولُ فِي ذَلِكَ
٩ / ٦٤٠
بِمَا حَدَّثَنِي بِهِ، يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، ⦗٦٤١⦘ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ﴾ [الأنعام: ١٤٦]: «الْإِبِلَ فَقَطْ» وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ، الْقَوْلُ الَّذِي ذَكَرْنَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمَنْ قَالَ بِمِثْلِ مَقَالَتِهِ، لِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَخْبَرَ أَنَّهُ حَرَّمَ عَلَى الْيَهُودِ كُلَّ ذِي ظُفُرٍ، فَغَيْرُ جَائِزٍ إِخْرَاجُ شَيْءٍ مِنْ عُمُومِ هَذَا الْخَبَرِ إِلَّا مَا أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ أَنَّهُ خَارِجٌ مِنْهُ. وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَكَانَ النَّعَامُ وَكُلُّ مَا لَمْ يَكُنْ مِنَ الْبَهَائِمِ وَالطَّيْرِ مِمَّا لَهُ ظُفُرٌ غَيْرُ مُنْفَرِجِ الْأَصَابِعِ دَاخِلًا فِي ظَاهِرِ التَّنْزِيلِ، وَجَبَ أَنْ يُحْكَمَ لَهُ بِأَنَّهُ دَاخِلٌ فِي الْخَبَرِ، إِذْ لَمْ يَأْتِ بِأَنَّ بَعْضَ ذَلِكَ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي الْآيَةِ خَبَرٌ عَنِ اللَّهِ، وَلَا عَنْ رَسُولِهِ، وَكَانَتِ الْأُمَّةُ أَكْثَرُهَا مُجَمِّعٌ عَلَى أَنَّهُ فِيهِ دَاخِلٌ
٩ / ٦٤٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا﴾ [الأنعام: ١٤٦] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الشُّحُومِ الَّتِي أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ حَرَّمَهَا عَلَى الْيَهُودِ مِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ شُحُومُ الثُّرُوبُ خَاصَّةً
٩ / ٦٤١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا﴾ [الأنعام: ١٤٦]: “الثُّرُوبُ. ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ كَانَ يَقُولُ: «قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ، حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الثُّرُوبَ، ثُمَّ أَكَلُوا أَثْمَانَهَا» ⦗٦٤٢⦘ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ ذَلِكَ كَانَ كُلُّ شَحْمٍ لَمْ يَكُنْ مُخْتَلِطًا بِعَظْمٍ وَلَا عَلَى عَظْمٍ
٩ / ٦٤١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، قَوْلُهُ: ﴿حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا﴾ [الأنعام: ١٤٦] قَالَ: «إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْهِمُ الثَّرْبَ، وَكُلَّ شَحْمٍ كَدْنٍ كَذَلِكَ لَيْسَ فِي عَظْمٍ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ ذَلِكَ شَحْمُ الثَّرْبِ وَالْكُلَى
٩ / ٦٤٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَوْلُهُ: ﴿حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا﴾ [الأنعام: ١٤٦] قَالَ: «الثَّرْبُ وَشَحْمُ الْكُلْيَتَيْنِ. وَكَانَتِ الْيَهُودُ تَقُولُ: إِنَّمَا حَرَّمَهُ إِسْرَائِيلُ فَنَحْنُ نُحَرِّمُهُ»
٩ / ٦٤٢
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا﴾ [الأنعام: ١٤٦] قَالَ: «إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْهِمُ الثُّرُوبُ وَالْكُلْيَتَيْنِ» هَكَذَا هُوَ فِي كِتَابِي عَنْ يُونُسَ، وَأَنَا أَحْسَبُ أَنَّهُ الْكُلَى وَالصَّوَابُ فِي ذَلِكَ مِنَ الْقَوْلِ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ أَخْبَرَ أَنَّهُ كَانَ حَرَّمَ عَلَى الْيَهُودِ مِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ شُحُومَهُمَا، إِلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ مِنْهَا مِمَّا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ، فَكُلُّ شَحْمٍ سِوَى مَا اسْتَثْنَاهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ مِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ، فَإِنَّهُ كَانَ مُحَرَّمًا عَلَيْهِمْ. وَبِنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْقَوْلِ تَظَاهَرَتِ الْأَخْبَارُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ: «⦗٦٤٣⦘ قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمُ الشُّحُومُ فَجَمَلُوهَا ثُمَّ بَاعُوهَا وَأَكَلُوا أَثْمَانَهَا»
٩ / ٦٤٢
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا﴾ [الأنعام: ١٤٦] فَإِنَّهُ يَعْنِي: إِلَّا شُحُومَ الْجَنْبِ وَمَا عَلِقَ بِالظَّهْرِ، فَإِنَّهَا لَمْ تُحَرَّمْ عَلَيْهِمْ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٩ / ٦٤٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا﴾ [الأنعام: ١٤٦] يَعْنِي: «مَا عَلِقَ بِالظَّهْرِ مِنَ الشُّحُومِ»
٩ / ٦٤٣
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: «أَمَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا: فَالْأَلْيَاتُ»
٩ / ٦٤٣
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، قَالَ: «الْأَلْيَةُ مِمَّا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا»
٩ / ٦٤٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَوِ الْحَوَايَا﴾ [الأنعام: ١٤٦] قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالْحَوَايَا جَمْعٌ، وَاحِدُهَا حَاوِيَاءُ وَحَاوِيَةٌ وَحَوِيَّةٌ: وَهِيَ مَا تَحَوَّى ⦗٦٤٤⦘ مِنَ الْبَطْنِ فَاجْتَمَعَ وَاسْتَدَارَ، وَهِيَ بَنَاتُ اللَّبَنِ، وَهِيَ الْمَبَاعِرُ، وَتُسَمَّى الْمَرَابِضُ، وَفِيهَا الْأَمْعَاءُ. وَمَعْنَى الْكَلَامِ: وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوْ مَا حَمَلَتِ الْحَوَايَا، فَالْحَوَايَا رُفِعَ عَطْفًا عَلَى الظُّهُورِ، وَ(مَا) الَّتِي بَعْدَ (إِلَّا)، نُصِبَ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ مِنَ الشُّحُومِ. وَبِمِثْلِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٩ / ٦٤٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿أَوِ الْحَوَايَا﴾ [الأنعام: ١٤٦] «وَهِيَ الْمَبْعَرُ»
٩ / ٦٤٤
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿أَوِ الْحَوَايَا﴾ [الأنعام: ١٤٦] قَالَ: «الْمَبْعَرُ»
٩ / ٦٤٤
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «الْحَوَايَا: الْمَبْعَرُ وَالْمَرْبَضُ»
٩ / ٦٤٤
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: ثنا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ شِبْلٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿أَوِ الْحَوَايَا﴾ [الأنعام: ١٤٦] قَالَ: «الْمَبْعَرُ» .
٩ / ٦٤٤
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: ﴿أَوِ الْحَوَايَا﴾ [الأنعام: ١٤٦] قَالَ: «الْمَبَاعِرُ»
٩ / ٦٤٥
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: ﴿أَوِ الْحَوَايَا﴾ [الأنعام: ١٤٦] قَالَ: «الْمَبَاعِرُ»
٩ / ٦٤٥
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿أَوِ الْحَوَايَا﴾ [الأنعام: ١٤٦] قَالَ: «الْمَبْعَرُ»
٩ / ٦٤٥
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿أَوِ الْحَوَايَا﴾ [الأنعام: ١٤٦] قَالَ: «الْمَبْعَرُ»
٩ / ٦٤٥
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبُو أُسَامَةَ، وَالْمُحَارِبِيُّ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، قَالَ: «الْمَبْعَرُ»
٩ / ٦٤٥
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿أَوِ الْحَوَايَا﴾ [الأنعام: ١٤٦] يَعْنِي: «الْبُطُونَ غَيْرَ الثُّرُوبِ»
٩ / ٦٤٥
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿أَوِ الْحَوَايَا﴾ [الأنعام: ١٤٦] «هُوَ الْمَبْعَرُ»
٩ / ٦٤٥
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ ⦗٦٤٦⦘ السُّدِّيِّ: ﴿أَوِ الْحَوَايَا﴾ [الأنعام: ١٤٦] قَالَ: «الْمَبَاعِرُ» وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي ذَلِكَ
٩ / ٦٤٥
مَا حَدَّثَنِي بِهِ، يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿أَوِ الْحَوَايَا﴾ [الأنعام: ١٤٦] قَالَ: «الْحَوَايَا: الْمَرَابِضُ الَّتِي تَكُونُ فِيهَا الْأَمْعَاءُ تَكُونُ وَسَطَهَا، وَهِيَ بَنَاتُ اللَّبَنِ، وَهِيَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ تُدْعَى الْمَرَابِضَ»
٩ / ٦٤٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ﴾ [الأنعام: ١٤٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَى الَّذِينَ هَادُوا شُحُومَهُمَا سِوَى مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا، أَوْ مَا حَمَلَتْ حَوَايَاهُمَا، فَإِنَّا أَحْلَلْنَا ذَلِكَ لَهُمْ، وَإِلَّا مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ فَهُوَ لَهُمْ أَيْضًا حَلَالٌ. فَرَدَّ قَوْلُهُ: ﴿أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ﴾ [الأنعام: ١٤٦] عَلَى قَوْلِهِ: ﴿إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا﴾ [الأنعام: ١٤٦] فَـ (مَا) الَّتِي فِي قَوْلِهِ: ﴿أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ﴾ [الأنعام: ١٤٦] فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَطْفًا عَلَى (مَا) الَّتِي فِي قَوْلِهِ: ﴿إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا﴾ [الأنعام: ١٤٦] وَعَنَى بِقَوْلِهِ: ﴿أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ﴾ [الأنعام: ١٤٦]: شَحْمُ الْأَلْيَةِ وَالْجَنْبِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ
٩ / ٦٤٦
كَمَا حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: ﴿أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ﴾ [الأنعام: ١٤٦] قَالَ: «شَحْمُ الْأَلْيَةِ بِالْعُصْعُصِ، فَهُوَ حَلَالٌ، وَكُلُّ شَيْءٍ فِي الْقَوَائِمِ وَالْجَنْبِ وَالرَّأْسِ وَالْعَيْنِ قَدِ اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ، فَهُوَ حَلَالٌ»
٩ / ٦٤٦
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ ⦗٦٤٧⦘ السُّدِّيِّ: ﴿أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ﴾ [الأنعام: ١٤٦] «مِمَّا كَانَ مِنْ شَحْمٍ عَلَى عَظْمٍ»
٩ / ٦٤٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ﴾ [الأنعام: ١٤٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَهَذَا الَّذِي حَرَّمْنَا عَلَى الَّذِينَ هَادُوا مِنَ الْأَنْعَامِ وَالطَّيْرِ، ذَوَاتِ الْأَظَافِيرِ غَيْرِ الْمُنْفَرِجَةِ، وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ، مَا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ مِنْ شُحُومِهِمَا الَّذِي ذَكَرْنَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ، حَرَّمْنَاهُ عَلَيْهِمْ عُقُوبَةً مِنَّا لَهُمْ، وَثَوَابًا عَلَى أَعْمَالِهِمُ السَّيِّئَةِ وَبَغْيِهِمْ عَلَى رَبِّهِمْ
٩ / ٦٤٧
كَمَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ﴾ [الأنعام: ١٤٦] «إِنَّمَا حَرَّمَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ عُقُوبَةً بِبَغْيهِمْ»
٩ / ٦٤٧
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ﴾ [الأنعام: ١٤٦]: «فَعَلْنَا ذَلِكَ بِهِمْ بِبَغْيهِمْ» وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِنَّا لَصَادِقُونَ﴾ [الأنعام: ١٤٦] يَقُولُ: وَإِنَّا لَصَادِقُونَ فِي خَبَرِنَا هَذَا عَنْ هَؤُلَاءِ الْيَهُودِ عَمَّا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ الشُّحُومِ وَلُحُومِ الْأَنْعَامِ وَالطَّيْرِ الَّتِي ذَكَرْنَا أَنَّا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ، وَفِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَخْبَارِنَا، وَهُمُ الْكَاذِبُونَ فِي زَعْمِهِمْ أَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا حَرَّمَهُ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ، وَأَنَّهُمْ إِنَّمَا حَرَّمُوهُ لِتَحْرِيمِ إِسْرَائِيلَ إِيَّاهُ عَلَى نَفْسِهِ
٩ / ٦٤٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ﴾ [الأنعام: ١٤٧]
٩ / ٦٤٧
يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: فَإِنْ كَذَّبُوكَ يَا مُحَمَّدُ هَؤُلَاءِ الْيَهُودُ فِيمَا أَخْبَرْنَاكَ أَنَّا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ وَحَلَّلْنَا لَهُمْ كَمَا بَيَّنَّا فِي هَذِهِ الْآيَةِ، فَقُلْ: رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ بِنَا وَبِمَنْ كَانَ بِهِ مُؤْمِنًا مِنْ عِبَادِهِ وَبِغَيْرِهِمْ مِنْ خَلْقِهِ، وَاسِعَةٍ، تَسَعُ جَمِيعَ خَلْقِهِ الْمُحْسِنَ وَالْمُسِيءَ، لَا يُعَاجِلُ مَنْ كَفَرَ بِهِ بِالْعُقُوبَةِ وَلَا مَنْ عَصَاهُ بِالنِّقْمَةِ، وَلَا يَدَعُ كَرَامَةَ مَنْ آمَنِ بِهِ وَأَطَاعَهُ وَلَا يَحْرِمُهُ ثَوَابَ عَمَلِهِ، رَحْمَةً مِنْهُ بِكِلَا الْفَرِيقَيْنِ، وَلَكِنَّ بَأْسَهُ، وَذَلِكَ سَطْوَتُهُ وَعَذَابُهُ، لَا يَرُدُّهُ إِذَا أَحَلَّهُ عِنْدَ غَضَبِهِ عَلَى الْمُجْرِمِينَ بِهِمْ عَنْهُمْ شَيْءٌ. وَالْمُحَرِّمُونَ هُمُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا فَاكْتَسَبُوا الذُّنُوبَ وَاجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٩ / ٦٤٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿فَإِنْ كَذَّبُوكَ﴾ [آل عمران: ١٨٤]: «الْيَهُودُ»
٩ / ٦٤٨
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿فَإِنْ كَذَّبُوكَ﴾ [آل عمران: ١٨٤]: «الْيَهُودُ» ﴿فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ﴾ [الأنعام: ١٤٧] “
٩ / ٦٤٨
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: “كَانَتِ الْيَهُودُ يَقُولُونَ: إِنَّمَا حَرَّمَهُ إِسْرَائِيلُ يَعْنِي: الثَّرْبَ وَشَحْمَ الْكُلْيَتَيْنِ فَنَحْنُ نُحَرِّمُهُ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ ⦗٦٤٩⦘ وَاسِعَةٍ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ﴾ [الأنعام: ١٤٧]
٩ / ٦٤٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إَلَّا تَخْرُصُونَ﴾ [الأنعام: ١٤٨] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا﴾ [الأنعام: ١٤٨] وَهُمُ الْعَادِلُونَ بِاللَّهِ الْأَوْثَانَ وَالْأَصْنَامَ مِنْ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ: ﴿لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا﴾ [الأنعام: ١٤٨] يَقُولُ: قَالُوا احْتِجَازًا مِنَ الْإِذْعَانِ لِلْحَقِّ بِالْبَاطِلِ مِنَ الْحُجَّةِ لَمَّا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ، وَعَلِمُوا بَاطِلَ مَا كَانُوا عَلَيْهِ مُقِيمِينَ مِنْ شِرْكِهِمْ وَتَحْرِيمِهِمْ مَا كَانُوا يُحَرِّمُونَ مِنَ الْحُرُوثِ وَالْأَنْعَامِ، عَلَى مَا قَدْ بَيَّنَ تَعَالَى ذِكْرُهُ فِي الْآيَاتِ الْمَاضِيَةِ قَبْلَ ذَلِكَ: ﴿وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا﴾ [الأنعام: ١٣٦] وَمَا بَعْدَ ذَلِكَ: لَوْ أَرَادَ اللَّهُ مِنَّا الْإِيمَانَ بِهِ وَإِفْرَادَهُ بِالْعِبَادَةِ دُونَ الْأَوْثَانِ وَالْآلِهَةِ وَتَحْلِيلِ مَا حَرَّمَ مِنَ الْبَحَائِرِ وَالسَّوَائِبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَمْوَالِنَا، مَا جَعَلْنَا لِلَّهِ شَرِيكًا، وَلَا جَعَلَ ذَلِكَ لَهُ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلِنَا، وَلَا حَرَّمْنَا مَا نُحَرِّمُهُ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي نَحْنُ عَلَى تَحْرِيمِهَا مُقِيمُونَ، لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَحُولَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ ذَلِكَ، حَتَّى لَا يَكُونَ لَنَا إِلَى فِعْلِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ سَبِيلٌ، إِمَّا بِأَنْ يَضْطَرَّنَا إِلَى الْإِيمَانِ وَتَرْكِ الشِّرْكِ بِهِ وَإِلَى الْقَوْلِ بِتَحْلِيلِ مَا حَرَّمْنَا، وَإِمَّا بِأَنْ يَلْطُفَ بِنَا بِتَوْفِيقِهِ فَنَصِيرَ إِلَى الْإِقْرَارِ بِوَحْدَانِيَّتِهِ وَتَرْكِ عِبَادَةِ مَا دُونَهُ مِنَ الْأَنْدَادِ وَالْأَصْنَامِ، وَإِلَى تَحْلِيلِ مَا حَرَّمْنَا، وَلَكِنَّهُ رَضِيَ مِنَّا مَا نَحْنُ عَلَيْهِ مِنْ عِبَادَةَ الْأَوْثَانِ وَالْأَصْنَامِ، وَاتِّخَاذِ الشَّرِيكِ لَهُ فِي الْعِبَادَةِ وَالْأَنْدَادِ، وَأَرَادَ مَا نُحَرِّمُ مِنَ الْحُرُوثِ
٩ / ٦٤٩
وَالْأَنْعَامِ، فَلَمْ يَحُلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَا نَحْنُ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ اللَّهُ مُكَذِّبًا لَهُمْ فِي قِيلِهِمْ: إِنَّ اللَّهَ رَضِيَ مِنَّا مَا نَحْنُ عَلَيْهِ مِنَ الشِّرْكِ وَتَحْرِيمِ مَا نُحَرِّمُ، وَرَّادًا عَلَيْهِمْ بَاطِلَ مَا احْتَجُّوا بِهِ مِنْ حُجَّتِهِمْ فِي ذَلِكَ: ﴿كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾ [الأنعام: ١٤٨] يَقُولُ: كَمَا كَذَّبَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ يَا مُحَمَّدُ مَا جِئْتَهُمْ بِهِ مِنَ الْحَقِّ وَالْبَيَانِ، كَذَّبَ مَنْ قَبْلَهُمْ مِنْ فَسَقَةِ الْأُمَمِ الَّذِينَ طَغَوْا عَلَى رَبِّهِمْ مَا جَاءَتْهُمْ بِهِ أَنْبِيَاؤُهُمْ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَوَاضِحِ حُجَجِهِ، وَرَدُّوا عَلَيْهِمْ نَصَائِحَهُمْ. ﴿حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا﴾ [الأنعام: ١٤٨] يَقُولُ: حَتَّى أَسْخَطُونَا فَغَضِبْنَا عَلَيْهِمْ، فَأَحْلَلْنَا بِهِمْ بَأْسَنَا فَذَاقُوهُ، فَعَطَبُوا بِذَوْقِهِمْ إِيَّاهُ، فَخَابُوا وَخَسِرُوا الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ، يَقُولُ: وَهَؤُلَاءِ الْآخَرُونَ مَسْلُوكٌ بِهِمْ سَبِيلَهُمْ إِنْ هُمْ لَمْ يُنِيبُوا فَيُؤْمِنُوا وَيُصَدِّقُوا بِمَا جِئْتَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِمْ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٩ / ٦٥٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا﴾ [الأنعام: ١٤٨]، وَقَالَ: ﴿كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾ [الأنعام: ١٤٨]، ثُمَّ قَالَ: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا﴾ [الأنعام: ١٠٧]، ” فَإِنَّهُمْ قَالُوا: عِبَادَتُنَا الْآلِهَةَ تُقَرِّبُنَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى، فَأَخْبَرَهُمُ اللَّهُ أَنَّهَا لَا تُقَرِّبُهُمْ، وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا﴾ [الأنعام: ١٠٧] يَقُولُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ: «لَوْ شِئْتُ لَجَمَعْتُهُمْ عَلَى الْهُدَى أَجْمَعِينَ»
٩ / ٦٥٠
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، ⦗٦٥١⦘ عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ﴾ [الأنعام: ١٤٨] قَالَ: «قَوْلُ قُرَيْشٍ، يَعْنِي: أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هَذِهِ الْبَحِيرَةَ وَالسَّائِبَةَ»
٩ / ٦٥٠
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ﴾ [الأنعام: ١٤٨] قَوْلُ قُرَيْشٍ بِغَيْرِ يَقِينٍ: إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هَذِهِ الْبَحِيرَةَ وَالسَّائِبَةَ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَمَا بُرْهَانُكَ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِنَّمَا كَذَّبَ مِنْ قِيلِ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ قَوْلَهُمْ: رَضِيَ اللَّهُ مِنَّا عِبَادَةَ الْأَوْثَانِ، وَأَرَادَ مِنَّا تَحْرِيمَ مَا حَرَّمْنَا مِنَ الْحُرُوثِ وَالْأَنْعَامِ، دُونَ أَنْ يَكُونَ تَكْذِيبُهُ إِيَّاهُمْ كَانَ عَلَى قَوْلِهِمْ: ﴿لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ﴾ [الأنعام: ١٤٨]، وَعَلَى وَصْفِهِمْ إِيَّاهُ بِأَنَّهُ قَدْ شَاءَ شِرْكَهُمْ وَشِرْكَ آبَائِهِمْ، وَتَحْرِيمِهِمْ مَا كَانُوا يُحَرِّمُونَ؟ قِيلَ لَهُ: الدَّلَالَةُ عَلَى ذَلِكَ. قَوْلُهُ: ﴿كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾ [الأنعام: ١٤٨]، فَأَخْبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ سَلَكُوا فِي تَكْذِيبِهِمْ نَبِيَّهُمْ مُحَمَّدًا ﷺ فِيمَا آتَاهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مِنَ النَّهْيِ عَنْ عِبَادَةِ شَيْءٍ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَتَحْرِيمِ غَيْرِ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ وَعَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ، مَسْلَكَ أَسْلَافِهِمْ مِنَ الْأُمَمِ الْخَالِيَةِ الْمُكَذِّبَةِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ. وَالتَّكْذِيبُ مِنْهُمْ إِنَّمَا كَانَ لَمُكَذَّبٌ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ خَبَرًا مِنَ اللَّهِ عَنْ كَذِبِهِمْ فِي قِيلِهِمْ: ﴿لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا﴾ [الأنعام: ١٤٨] لَقَالَ: (كَذَلِكَ كَذَبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) بِتَخْفِيفِ الذَّالِ، وَكَانَ يَنْسِبُهُمْ فِي قِيلِهِمْ ذَلِكَ إِلَى الْكَذِبِ عَلَى اللَّهِ لَا إِلَى التَّكْذِيبِ، مَعَ عِلَلٍ كَثِيرَةٍ يَطُولُ بِذِكْرِهَا الْكِتَابُ، وَفِيمَا ذَكَرْنَا ⦗٦٥٢⦘ كِفَايَةٌ لِمَنْ وُفِّقَ لِفَهْمِهِ
٩ / ٦٥١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ﴾ [الأنعام: ١٤٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلَاءِ الْعَادِلِينَ بِرَبِّهِمُ الْأَوْثَانَ وَالْأَصْنَامَ الْمُحَرِّمِينَ مَا هُمْ لَهُ مُحَرِّمُونَ مِنَ الْحُرُوثِ وَالْأَنْعَامِ، الْقَائِلِينَ: ﴿لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ﴾ [الأنعام: ١٤٨]، وَلَكِنْ رَضِيَ مِنَّا مَا نَحْنُ عَلَيْهِ مِنَ الشِّرْكِ وَتَحْرِيمِ مَا نُحَرِّمُ: هَلْ عِنْدَكُمْ بِدَعْوَاكُمْ مَا تَدَّعُونَ عَلَى اللَّهِ مِنْ رِضَاهُ بِإِشْرَاكِكُمْ فِي عِبَادَتِهِ مَا تُشْرِكُونَ وَتَحْرِيمِكُمْ مِنْ أَمْوَالِكُمْ مَا تُحَرِّمُونَ، عِلْمٌ يَقِينٌ مِنْ خَبَرِ مَنْ يَقْطَعُ خَبَرُهُ الْعُذْرَ، أَوْ حُجَّةٍ تُوجِبُ لَنَا الْيَقِينَ مِنَ الْعِلْمِ، فَتُخْرِجُوهُ لَنَا؟ يَقُولُ: فَتُظْهِرُوا ذَلِكَ لَنَا وَتُبَيِّنُوهُ، كَمَا بَيَّنَّا لَكُمْ مَوَاضِعَ خَطَأِ قَوْلِكُمْ وَفِعْلِكُمْ، وَتَنَاقُضِ ذَلِكَ وَاسْتِحَالَتِهِ فِي الْمَعْقُولِ وَالْمَسْمُوعِ. ﴿إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ﴾ [الأنعام: ١٤٨] يَقُولُ لَهُ: قُلْ لَهُمْ: إِنْ تَقُولُونَ مَا تَقُولُونَ أَيُّهَا الْمُشْرِكُونَ، وَتَعْبُدُونَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَالْأَصْنَامِ مَا تَعْبُدُونَ، وَتُحَرِّمُونَ مِنَ الْحُرُوثِ وَالْأَنْعَامِ مَا تُحَرِّمُونَ إِلَّا ظَنًّا وَحُسْبَانًا أَنَّهُ حَقٌّ، وَأَنَّكُمْ عَلَى حَقٍّ وَهُوَ بَاطِلٌ، وَأَنْتُمْ عَلَى بَاطِلٍ. ﴿وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ﴾ [الأنعام: ١٤٨] يَقُولُ: وَإِنْ أَنْتُمْ: وَمَا أَنْتُمْ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ إِلَّا تَخْرُصُونَ، يَقُولُ: إِلَّا تَتَقَوَّلُونَ الْبَاطِلَ عَلَى اللَّهِ ظَنًّا بِغَيْرِ يَقِينٍ عِلْمٍ وَلَا بُرْهَانٍ وَاضِحٍ
٩ / ٦٥٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ﴾ [الأنعام: ١٤٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلَاءِ الْعَادِلِينَ بِرَبِّهِمُ الْأَوْثَانَ وَالْأَصْنَامَ، الْقَائِلِينَ عَلَى رَبِّهِمُ الْكَذِبَ فِي تَحْرِيمِهِمْ مَا حَرَّمُوا مِنَ الْحُرُوثِ وَالْأَنْعَامِ، إِنْ عَجَزُوا عَنْ إِقَامَةِ الْحُجَّةِ عِنْدَ قِيلِكَ لَهُمْ: هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ بِمَا تَدَّعُونَ
٩ / ٦٥٢
عَلَى رَبِّكُمْ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا، وَعَنْ إِخْرَاجِ عِلْمِ ذَلِكَ لَكَ وَإِظْهَارِهِ، وَهُمْ لَا شَكَّ عَنْ ذَلِكَ عَجَزَةٌ، وَعَنْ إِظْهَارِهِ مُقَصِّرُونَ، لِأَنَّهُ بَاطِلٌ لَا حَقِيقَةَ لَهُ. ﴿فَلِلَّهِ﴾ [الأنعام: ١٤٩] الَّذِي حَرَّمَ عَلَيْكُمْ أَنْ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فِي أَمْوَالِكُمْ مِنَ الْحُرُوثِ وَالْأَنْعَامِ ﴿الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ﴾ [الأنعام: ١٤٩] دُونَكُمْ أَيُّهَا الْمُشْرِكُونَ. وَيَعْنِي بِالْبَالِغَةِ: أَنَّهَا تَبْلُغُ مُرَادَهُ فِي ثُبُوتِهَا عَلَى مَنِ احْتَجَّ بِهَا عَلَيْهِ مِنْ خَلْقِهِ، وَقَطَعَ عُذْرَهُ إِذَا انْتَهَتْ إِلَيْهِ فِيمَا جُعِلَتْ حُجَّةً فِيهِ. ﴿فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ﴾ [الأنعام: ١٤٩] يَقُولُ: فَلَوْ شَاءَ رَبُّكُمْ لَوَفَّقَكُمْ أَجْمَعِينَ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى إِفْرَادِهِ بِالْعِبَادَةِ وَالْبَرَاءَةِ مِنَ الْأَنْدَادِ وَالْآلِهَةِ وَالدَّيْنُونَةِ، بِتَحْرِيمِ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَتَحْلِيلِ مَا حَلَّلَهُ اللَّهُ، وَتَرْكِ اتِّبَاعِ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ طَاعَاتِهِ. وَلَكِنَّهُ لَمْ يَشَأْ ذَلِكَ، فَخَالَفَ بَيْنَ خَلْقِهِ فِيمَا شَاءَ مِنْهُمْ، فَمِنْهُمْ كَافِرٌ وَمِنْهُمْ مُؤْمِنٌ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ
٩ / ٦٥٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، قَالَ: “لَا حُجَّةَ لِأَحَدٍ عَصَى اللَّهَ، وَلَكِنْ لِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ عَلَى عِبَادِهِ. وَقَالَ: ﴿فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ﴾ [الأنعام: ١٤٩] قَالَ: ﴿لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ ⦗٦٥٤⦘ وَهُمْ يُسْأَلُونَ﴾ [الأنبياء: ٢٣]
٩ / ٦٥٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هَذَا فَإِنْ شَهِدُوا فَلَا تَشْهَدْ مَعَهُمْ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ﴾ [الأنعام: ١٥٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلَاءِ الْمُفْتَرِينَ عَلَى رَبِّهِمْ مِنْ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ، الزَّاعِمِينَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ مُحَرِّمُوهُ مِنْ حُرُوثِهِمْ وَأَنْعَامِهِمْ: ﴿هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمْ﴾ [الأنعام: ١٥٠] يَقُولُ: هَاتُوا شُهَدَاءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ عَلَى اللَّهِ أَنَّهُ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ مَا تَزْعُمُونَ أَنَّهُ حَرَّمَهُ عَلَيْكُمْ. وَأَهْلُ الْعَالِيَةِ مِنْ تِهَامَةَ تُوَحِّدُ (هَلُمَّ) فِي الْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ وَالْجَمْعِ، وَتُذَكِّرُ فِي الْمُؤَنَّثِ وَالْمُذَكَّرِ، فَتَقُولُ لِلْوَاحِدِ: هَلُمَّ يَا فُلَانُ، وَلِلِاثْنَيْنِ وَالْجَمْعِ كَذَلِكَ، وَلِلْأُنْثَى مِثْلَهُ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْأَعْشَى:
[البحر المتقارب] وَكَانَ دَعَا قَوْمَهُ دَعْوَةً … هَلُمَّ إِلَى أَمْرِكُمْ قَدْ صُرِمْ
يُنْشَدُ (هَلُمَّ) وَ(هَلُمُّوا) . وَأَمَّا أَهْلُ السَّافِلَةِ مِنْ نَجْدٍ فَإِنَّهُمْ يُوَحِّدُونَ لِلْوَاحِدِ وَيُثَنُّونَ لِلِاثْنَيْنِ وَيَجْمَعُونَ لِلْجَمِيعِ، فَيُقَالُ لِلْوَاحِدِ مِنَ الرِّجَالِ: هَلُمَّ، وَلِلْوَاحِدَةِ مِنَ النِّسَاءِ: هَلُمِّي، وَلِلِاثْنَيْنِ: هَلُمَّا، وَلِلْجَمَاعَةِ مِنَ الرِّجَالِ: هَلُمُّوا، وَلِلنِّسَاءِ: هَلْمُمْنَ.
[البحر المتقارب] وَكَانَ دَعَا قَوْمَهُ دَعْوَةً … هَلُمَّ إِلَى أَمْرِكُمْ قَدْ صُرِمْ
يُنْشَدُ (هَلُمَّ) وَ(هَلُمُّوا) . وَأَمَّا أَهْلُ السَّافِلَةِ مِنْ نَجْدٍ فَإِنَّهُمْ يُوَحِّدُونَ لِلْوَاحِدِ وَيُثَنُّونَ لِلِاثْنَيْنِ وَيَجْمَعُونَ لِلْجَمِيعِ، فَيُقَالُ لِلْوَاحِدِ مِنَ الرِّجَالِ: هَلُمَّ، وَلِلْوَاحِدَةِ مِنَ النِّسَاءِ: هَلُمِّي، وَلِلِاثْنَيْنِ: هَلُمَّا، وَلِلْجَمَاعَةِ مِنَ الرِّجَالِ: هَلُمُّوا، وَلِلنِّسَاءِ: هَلْمُمْنَ.
٩ / ٦٥٤
قَالَ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ: ﴿فَإِنْ شَهِدُوا﴾ [النساء: ١٥] يَقُولُ: يَا مُحَمَّدُ، فَإِنْ جَاءُوكَ بِشُهَدَاءَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ مَا يَزْعُمُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُ عَلَيْهِمْ. ﴿فَلَا تَشْهَدْ مَعَهُمْ﴾ [الأنعام: ١٥٠]، فَإِنَّهُمْ كُذُبَةٌ وَشُهُودُ زُورٍ فِي شَهَادَتِهِمْ بِمَا شَهِدُوا بِهِ مِنْ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ. وَخَاطَبَ بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ نَبِيَّهُ ﷺ، وَالْمُرَادُ بِهِ أَصْحَابُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ بِهِ. ﴿وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا﴾ [الأنعام: ١٥٠] يَقُولُ: وَلَا تُتَابِعْهُمْ عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ التَّكْذِيبِ بِوَحْيِ اللَّهِ وَتَنْزِيلِهِ فِي تَحْرِيمِ مَا حَرَّمَ وَتَحْلِيلِ مَا أَحَلَّ لَهُمْ، وَلَكِنِ اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ الَّذِي لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ. ﴿وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ﴾ [الأنعام: ١٥٠] يَقُولُ: وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ، فَتُكَذِّبَ بِمَا هُمْ بِهِ مُكَذِّبُونَ مِنْ إِحْيَاءِ اللَّهِ خَلْقَهُ بَعْدَ مَمَاتِهِمْ، وَنَشْرِهِ إِيَّاهُمْ بَعْدَ فَنَائِهِمْ. ﴿وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ﴾ [الأنعام: ١٥٠] يَقُولُ: وَهُمْ مَعَ تَكْذِيبِهِمْ بِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَمَاتِ، وَجُحُودِهِمْ قِيَامَ السَّاعَةِ بِاللَّهِ، يَعْدِلُونَ الْأَوْثَانَ وَالْأَصْنَامَ، فَيَجْعَلُونَهَا لَهُ عَدْلًا، وَيَتَّخِذُونَهَا لَهُ نِدًّا يَعْبُدُونَهَا مِنْ دُونِهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ
٩ / ٦٥٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَوْلُهُ: ﴿هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هَذَا﴾ [الأنعام: ١٥٠] يَقُولُ: “قُلْ أَرُونِي الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هَذَا مِمَّا حَرَّمَتِ الْعَرَبُ، وَقَالُوا: أَمَرَنَا اللَّهُ بِهِ. قَالَ اللَّهُ لِرَسُولِهِ: ﴿فَإِنْ شَهِدُوا فَلَا تَشْهَدْ مَعَهُمْ﴾ [الأنعام: ١٥٠]
٩ / ٦٥٥
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ ⦗٦٥٦⦘ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هَذَا﴾ [الأنعام: ١٥٠] قَالَ: «الْبَحَائِرُ وَالسُّيَّبُ»
٩ / ٦٥٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ [الأنعام: ١٥١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلَاءِ الْعَادِلِينَ بِرَبِّهِمُ الْأَوْثَانَ وَالْأَصْنَامَ، الزَّاعِمِينَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ مُحَرِّمُوهُ مِنْ حُرُوثِهِمْ وَأَنْعَامِهِمْ، عَلَى مَا ذَكَرْتُ لَكَ فِي تَنْزِيلِي عَلَيْكَ: تَعَالَوْا أَيُّهَا الْقَوْمُ أَقْرَأْ عَلَيْكُمْ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ حَقًّا يَقِينًا، لَا الْبَاطِلَ، تَخَرُّصًا كَخَرَصِكُمْ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَالْفِرْيَةَ ظَنًّا، وَلَكِنْ وَحْيًا مِنَ اللَّهِ أَوْحَاهُ إِلَيَّ، وَتَنْزِيلًا أَنْزَلَهُ عَلَيَّ، أَلَّا تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا مِنْ خَلْقِهِ، وَلَا تَعْدِلُوا بِهِ الْأَوْثَانَ وَالْأَصْنَامَ، وَلَا تَعْبُدُوا شَيْئًا سِوَاهُ. ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ [البقرة: ٨٣] يَقُولُ: وَأَوْصَى بِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا، وَحَذَفَ (أَوْصَى) وَأَمَرَ لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ وَمَعْرِفَةِ السَّامِعِ بِمَعْنَاهُ، وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ بِشَوَاهِدِهِ فِيمَا مَضَى مِنَ الْكِتَابِ. وَأَمَّا (أَنْ) فِي قَوْلِهِ: ﴿أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾ [الأنعام: ١٥١] فَرُفِعَ، لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ: قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ هُوَ أَنْ لَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا. وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مَعْنَاهُ، كَانَ فِي قَوْلِهِ: ﴿تُشْرِكُوا﴾ [النساء: ٣٦] وَجْهَانِ: الْجَزْمُ بِالنَّهْيِ، وَتَوْجِيهُهُ (لَا) إِلَى مَعْنَى النَّهْيِ. وَالنَّصْبُ عَلَى تَوْجِيهِ الْكَلَامِ إِلَى الْخَبَرِ، وَنَصْبِ (تُشْرِكُوا) بِـ (أَلَّا) كَمَا يُقَالُ: أَمَرْتُكَ أَنْ لَا تَقُومَ.
٩ / ٦٥٦
وَإِنْ شِئْتَ جَعَلْتَ (أَنْ) فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ رَدًّا عَلَى (مَا) وَبَيَانًا عَنْهَا، وَيَكُونُ فِي قَوْلِهِ: ﴿تُشْرِكُوا﴾ [النساء: ٣٦] أَيْضًا مِنْ وَجْهَيِ الْإِعْرَابِ نَحْوُ مَا كَانَ فِيهِ مِنْهُ، وَ(أَنْ) فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ، وَيَكُونُ تَأْوِيلُ الْكَلَامِ حِينَئِذٍ: قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ، أَتْلُ أَنْ لَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: ﴿تُشْرِكُوا﴾ [النساء: ٣٦] نَصْبًا بِـ (أَنْ لَا)، أَمْ كَيْفَ يَجُوزُ تَوْجِيهُ قَوْلِهِ: (أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ) عَلَى مَعْنَى الْخَبَرِ وَقَدْ عَطَفَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ﴾ [الأنعام: ١٥١] وَمَا بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ جَزْمِ النَّهْيِ؟ قِيلَ: جَازَ ذَلِكَ كَمَا قَالَ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ﴾ [الأنعام: ١٤] فَجَعَلَ (أَنْ أَكُونَ) خَبَرًا وَ(أَنْ) اسْمًا، ثُمَّ عَطَفَ عَلَيْهِ (وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)، وَكَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الرجز] حَجَّ وَأَوْصَى بِسُلَيْمَى الْأَعْبُدَا … أَنْ لَا تَرَى وَلَا تُكَلِّمْ أَحَدَا
وَلَا يَزَلْ شَرَابُهَا مُبَرَّدَا
فَجَعَلَ قَوْلَهُ: (أَنْ لَا تَرَى) خَبَرًا، ثُمَّ عَطَفَ بِالنَّهْيِ فَقَالَ: (وَلَا تُكَلِّمْ)، (وَلَا يَزَلْ)
[البحر الرجز] حَجَّ وَأَوْصَى بِسُلَيْمَى الْأَعْبُدَا … أَنْ لَا تَرَى وَلَا تُكَلِّمْ أَحَدَا
وَلَا يَزَلْ شَرَابُهَا مُبَرَّدَا
فَجَعَلَ قَوْلَهُ: (أَنْ لَا تَرَى) خَبَرًا، ثُمَّ عَطَفَ بِالنَّهْيِ فَقَالَ: (وَلَا تُكَلِّمْ)، (وَلَا يَزَلْ)
٩ / ٦٥٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ ⦗٦٥٨⦘ وَإِيَّاهُمْ﴾ [الأنعام: ١٥١] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ﴾ [الأنعام: ١٥١]: وَلَا تَئِدُوا أَوْلَادَكُمْ فَتَقْتُلُوهُمْ مِنْ خَشْيَةِ الْفَقْرِ عَلَى أَنْفُسِكُمْ بِنَفَقَاتِهِمْ، فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ رَازِقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ، لَيْسَ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُمْ، فَتَخَافُوا بِحَيَاتِهِمْ عَلَى أَنْفُسِكُمُ الْعَجْزَ عَنْ أَرْزَاقِهِمْ وَأَقْوَاتِهِمْ. وَالْإِمْلَاقُ: مَصْدَرٌ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: أَمْلَقْتُ مِنَ الزَّادِ، فَأَنَا أُمْلِقُ إِمْلَاقًا، وَذَلِكَ إِذَا فَنِيَ زَادُهُ وَذَهَبَ مَالُهُ وَأَفْلَسَ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٩ / ٦٥٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ﴾ [الأنعام: ١٥١] «الْإِمْلَاقُ: الْفَقْرُ، قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ خَشْيَةَ الْفَقْرِ»
٩ / ٦٥٨
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ﴾ [الأنعام: ١٥١]: «أَيْ خَشْيَةَ الْفَاقَةِ»
٩ / ٦٥٨
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ﴾ [الأنعام: ١٥١] قَالَ: «الْإِمْلَاقُ: الْفَقْرُ»
٩ / ٦٥٨
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، قَوْلُهُ: ﴿مِنْ إِمْلَاقٍ﴾ [الأنعام: ١٥١] قَالَ: «شَيَاطِينُهُمْ يَأْمُرُونَهُمْ أَنْ يَئِدُوا أَوْلَادَهُمْ خِيفَةَ الْعَيْلَةِ»
٩ / ٦٥٩
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: ثنا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنِ الضَّحَّاكِ، فِي قَوْلِهِ: “﴿مِنْ إِمْلَاقٍ﴾ [الأنعام: ١٥١] يَعْنِي: «مِنْ خَشْيَةِ فَقْرٍ»
٩ / ٦٥٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ﴾ [الأنعام: ١٥١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَا تَقْرَبُوا الظَّاهِرَ مِنَ الْأَشْيَاءِ الْمُحَرَّمَةِ عَلَيْكُمُ الَّتِي هِيَ عَلَانِيَةٌ بَيْنَكُمْ لَا تَنَاكَرُونَ رُكُوبَهَا، وَالْبَاطِنَ مِنْهَا الَّذِي تَأْتُونَهُ سِرًّا فِي خَفَاءٍ لَا تَجَاهَرُونَ بِهِ، فَإِنَّ كُلَّ ذَلِكَ حَرَامٌ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّمَا قِيلَ: لَا تَقْرَبُوا مَا ظَهَرَ مِنَ الْفَوَاحِشِ وَمَا بَطَنَ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَسْتَقْبِحُونَ مِنْ مَعَانِي الزِّنَا بَعْضًا. وَلَيْسَ مَا قَالُوا مِنْ ذَلِكَ بِمَدْفُوعٍ، غَيْرَ أَنَّ دَلِيلَ الظَّاهِرِ مِنَ التَّنْزِيلِ عَلَى النَّهْيِ عَنْ ظَاهِرِ كُلِّ فَاحِشَةٍ وَبَاطِنِهَا، وَلَا خَبَرَ يَقْطَعُ الْعُذْرَ بِأَنَّهُ عُنِيَ بِهِ بَعْضٌ دُونَ جَمِيعٍ، وَغَيْرُ جَائِزٍ إِحَالَةُ ظَاهِرِ كِتَابِ اللَّهِ إِلَى بَاطِنٍ إِلَّا بِحُجَّةٍ يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهَا. ذِكْرُ مَنْ قَالَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ الْآيَةُ خَاصُّ الْمَعْنَى
٩ / ٦٥٩
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ ⦗٦٦٠⦘ السُّدِّيِّ: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ﴾ [الأنعام: ١٥١]: «أَمَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا: فَزَوَانِي الْحَوَانِيتِ، وَأَمَّا مَا بَطَنَ: فَمَا خَفِيَ»
٩ / ٦٥٩
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: ثنا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنِ الضَّحَّاكِ، قَوْلُهُ: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ﴾ [الأنعام: ١٥١]: «كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَسْتَسِرُّونَ بِالزِّنَا، وَيَرَوْنَ ذَلِكَ حَلَالًا مَا كَانَ سِرًّا، فَحَرَّمَ اللَّهُ السِّرَّ مِنْهُ وَالْعَلَانِيَةَ، ﴿مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾ [الأنعام: ١٥١] يَعْنِي: الْعَلَانِيَةَ، ﴿وَمَا بَطَنَ﴾ [الأنعام: ١٥١] يَعْنِي: السِّرَّ»
٩ / ٦٦٠
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ﴾ [الأنعام: ١٥١]، قَالَ: «كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَا يَرَوْنَ بِالزِّنَا بَأْسًا فِي السِّرِّ، وَيَسْتَقْبِحُونَهُ فِي الْعَلَانِيَةِ، فَحَرَّمَ اللَّهُ الزِّنَا فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ» وَقَالَ آخَرُونَ فِي ذَلِكَ بِمِثْلِ الَّذِي قُلْنَا فِيهِ
٩ / ٦٦٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ﴾ [الأنعام: ١٥١]: «سِرَّهَا وَعَلَانِيَتَهَا» حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، ⦗٦٦١⦘ نَحْوَهُ وَقَالَ آخَرُونَ: مَا ظَهَرَ: نِكَاحُ الْأُمَّهَاتِ وَحَلَائِلِ الْآبَاءِ، وَمَا بَطَنَ: الزِّنَا
٩ / ٦٦٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ﴾ [الأنعام: ١٥١] قَالَ: «مَا ظَهَرَ: جَمْعٌ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ، وَتَزْوِيجُ الرَّجُلِ امْرَأَةَ أَبِيهِ مِنْ بَعْدِهِ، وَمَا بَطَنَ: الزِّنَا» وَقَالَ آخَرُونَ فِي ذَلِكَ
٩ / ٦٦١
بِمَا حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ زِيَادٍ الْعَطَّارُ الْبَصْرِيُّ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْبَلْخِيُّ، قَالَ: ثنا تَمِيمُ بْنُ شَاكِرٍ الْبَاهِلِيُّ، عَنْ عِيسَى بْنِ أَبِي حَفْصَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ﴾ [الأنعام: ١٥١] قَالَ: «مَا ظَهَرَ الْخَمْرُ، وَمَا بَطَنَ: الزِّنَا»
٩ / ٦٦١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ [الأنعام: ١٥١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾ [الأنعام: ١٥١]، ﴿وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ﴾ [الأنعام: ١٥١]، يَعْنِي بِالنَّفْسِ
٩ / ٦٦١
الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ قَتْلَهَا: نَفْسَ مُؤْمِنٍ أَوْ مُعَاهَدٍ. وَقَوْلُهُ: ﴿إِلَّا بِالْحَقِّ﴾ [الأنعام: ١٥١] يَعْنِي: بِمَا أَبَاحَ قَتْلَهَا بِهِ مِنْ أَنْ تَقْتُلَ نَفْسًا فَتُقْتَلَ قَوَدًا بِهَا، أَوْ تَزْنِيَ وَهِيَ مُحْصَنَةٌ فَتُرْجَمَ، أَوْ تَرْتَدَّ عَنْ دِينِهَا الْحَقِّ فَتُقْتَلَ، فَذَلِكَ الْحَقُّ الَّذِي أَبَاحَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَتْلَ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ قَتْلَهَا بِهِ. ﴿ذَلِكُمْ﴾ [البقرة: ٤٩] يَعْنِي: هَذِهِ الْأُمُورُ الَّتِي عَهِدَ إِلَيْنَا فِيهَا رَبُّنَا أَنْ لَا نَأْتِيَهُ وَأَنْ لَا نَدَعَهُ، هِيَ الْأُمُورُ الَّتِي أَوْصَانَا وَالْكَافِرِينَ بِهَا أَنْ نَعْمَلَ جَمِيعًا بِهِ. ﴿لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ [البقرة: ٧٣] يَقُولُ: وَصَّاكُمْ بِذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ مَا وَصَّاكُمْ بِهِ رَبُّكُمْ
٩ / ٦٦٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ [الأنعام: ١٥٢] يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [الأنعام: ١٥٢]: وَلَا تَقْرَبُوا مَالَهُ إِلَّا بِمَا فِيهِ صَلَاحُهُ وَتَثْمِيرُهُ
٩ / ٦٦٢
كَمَا حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا الْحِمَّانِيُّ، قَالَ: ثنا شَرِيكٌ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [الأنعام: ١٥٢] قَالَ: «التِّجَارَةُ فِيهِ»
٩ / ٦٦٢
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [الأنعام: ١٥٢]: «فَلْيُثْمِرْ مَالَهُ»
٩ / ٦٦٢
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: ثنا فُضَيْلُ بْنُ مَرْزُوقٍ الْعَنَزِيُّ، عَنْ سَلِيطِ بْنِ بِلَالٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا ⦗٦٦٣⦘ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [الأنعام: ١٥٢] قَالَ: «يَبْتَغِي لَهُ فِيهِ، وَلَا يَأْخُذْ مِنْ رِبْحِهِ شَيْئًا»
٩ / ٦٦٢
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [الأنعام: ١٥٢] قَالَ: «الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ: أَنْ يَأْكُلَ بِالْمَعْرُوفِ إِنِ افْتَقَرَ، وَإِنِ اسْتَغْنَى فَلَا يَأْكُلْ»، قَالَ اللَّهُ: ﴿وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [النساء: ٦]، قَالَ: وَسُئِلَ عَنِ الْكِسْوَةِ فَقَالَ: «لَمْ يَذْكُرِ اللَّهُ الْكِسْوَةَ إِنَّمَا ذَكَرَ الْأَكْلَ»
٩ / ٦٦٣
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ﴾ [الأنعام: ١٥٢] فَإِنَّ الْأَشُدَّ جَمْعُ شَدٍّ، كَمَا الْأَضُرُّ جَمْعُ ضَرٍّ، وَكَمَا الْأَشُرُّ جَمْعُ شَرٍّ. وَالشَّدُّ: الْقُوَّةُ، وَهُوَ اسْتِحْكَامُ قُوَّةِ شَبَابِهِ وَسِنِّهِ، كَمَا شَدُّ النَّهَارِ ارْتِفَاعُهُ وَامْتِدَادُهُ، يُقَالُ: أَتَيْتُهُ شَدَّ النَّهَارِ وَمَدَّ النَّهَارِ، وَذَلِكَ حِينَ امْتِدَادِهِ وَارْتِفَاعِهِ، وَكَانَ الْمُفَضَّلُ فِيمَا بَلَغَنِي يُنْشِدُ بَيْتَ عَنْتَرَةَ:
[البحر الكامل] عَهْدِي بِهِ شَدَّ النَّهَارِ كَأَنَّمَا … خُضِبَ اللَّبَانُ وَرَأْسُهُ بِالْعَظْلَمِ
وَمِنْهُ قَوْلُ الْآخَرِ:
[البحر الطويل] يُطِيفُ بِهِ شَدَّ النَّهَارِ ظَعِينَةٌ … طَوِيلَةُ أَنْقَاءِ الْيَدَيْنِ سَحُوقُ
⦗٦٦٤⦘ وَكَانَ بَعْضُ الْبَصْرِيِّينَ يَزْعُمُ أَنَّ الْأَشُدَّ اسْمٌ مِثْلُ الْآنُكِ. فَأَمَّا أَهْلُ التَّأْوِيلِ فَإِنَّهُمْ مُخْتَلِفُونَ فِي الْحِينِ الَّذِي إِذَا بَلَغَهُ الْإِنْسَانُ قِيلَ بَلَغَ أَشُدَّهُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُقَالُ ذَلِكَ لَهُ إِذَا بَلَغَ الْحُلُمَ
[البحر الكامل] عَهْدِي بِهِ شَدَّ النَّهَارِ كَأَنَّمَا … خُضِبَ اللَّبَانُ وَرَأْسُهُ بِالْعَظْلَمِ
وَمِنْهُ قَوْلُ الْآخَرِ:
[البحر الطويل] يُطِيفُ بِهِ شَدَّ النَّهَارِ ظَعِينَةٌ … طَوِيلَةُ أَنْقَاءِ الْيَدَيْنِ سَحُوقُ
⦗٦٦٤⦘ وَكَانَ بَعْضُ الْبَصْرِيِّينَ يَزْعُمُ أَنَّ الْأَشُدَّ اسْمٌ مِثْلُ الْآنُكِ. فَأَمَّا أَهْلُ التَّأْوِيلِ فَإِنَّهُمْ مُخْتَلِفُونَ فِي الْحِينِ الَّذِي إِذَا بَلَغَهُ الْإِنْسَانُ قِيلَ بَلَغَ أَشُدَّهُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُقَالُ ذَلِكَ لَهُ إِذَا بَلَغَ الْحُلُمَ
٩ / ٦٦٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا عَمِّي، قَالَ: أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ رَبِيعَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ﴾ [الأنعام: ١٥٢] قَالَ: «الْحُلُمَ» حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا عَمِّي، قَالَ: ثني عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، مِثْلَهُ. قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: وَقَالَ لِي مَالِكٌ مِثْلَهُ
٩ / ٦٦٤
حُدِّثْتُ عَنِ الْحِمَّانِيِّ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَامِرٍ: ﴿حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ﴾ [الأنعام: ١٥٢] قَالَ: «الْأَشُدُّ: الْحُلُمُ، حَيْثُ تُكْتَبُ لَهُ الْحَسَنَاتُ وَتُكْتَبُ عَلَيْهِ السَّيِّئَاتُ» وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّمَا يُقَالُ ذَلِكَ لَهُ إِذَا بَلَغَ ثَلَاثِينَ سَنَةً
٩ / ٦٦٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ ⦗٦٦٥⦘ السُّدِّيِّ: ﴿حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ﴾ [الأنعام: ١٥٢] قَالَ: “أَمَّا أَشُدُّهُ: فَثَلَاثُونَ سَنَةً، ثُمَّ جَاءَ بَعْدَهَا: ﴿حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ﴾ [النساء: ٦] وَفِي الْكَلَامِ مَحْذُوفٌ تُرِكَ ذِكْرُهُ اكْتِفَاءً بِدَلَالَةِ مَا ظَهَرَ عَمَّا حُذِفَ. وَذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ: وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ، حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ، فَإِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ فَآنَسْتُمْ مِنْهُ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِ مَالَهُ، لِأَنَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَمْ يَنْهَ أَنْ يُقْرَبَ مَالُ الْيَتِيمِ فِي حَالِ يُتْمِهِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَيَحِلُّ لِوَلِيِّهِ بَعْدَ بُلُوغِهِ أَشُدَّهُ أَنْ يَقْرَبَهُ بِالَّتِي هِيَ أَسْوَأُ، وَلَكِنَّهُ نَهَاهُمْ أَنْ يَقْرَبُوا حِيَاطَةً مِنْهُ لَهُ وِحِفْظًا عَلَيْهِ لِيُسَلِّمُوهُ إِلَيْهِ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ
٩ / ٦٦٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [الأنعام: ١٥٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾ [الأنعام: ١٥١] وَأَنْ أَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ، يَقُولُ: لَا تَبْخَسُوا النَّاسَ الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُوهُمْ، وَالْوَزْنَ إِذَا وَزَنْتُمُوهُمْ، وَلَكِنْ أَوْفُوهُمْ حُقُوقَهُمْ، وَإِيفَاؤُهُمْ ذَلِكَ: إِعْطَاؤُهُمْ حُقُوقَهُمْ تَامَّةً بِالْقِسْطِ، يَعْنِي: بِالْعَدْلِ. كَمَا
٩ / ٦٦٥
كَمَا حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿بِالْقِسْطِ﴾ [الأنعام: ١٥٢]: «بِالْعَدْلِ» وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْقِسْطِ بِشَوَاهِدِهِ فِيمَا مَضَى، وَكَرِهْنَا إِعَادَتَهُ
٩ / ٦٦٥
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [الأنعام: ١٥٢]، فَإِنَّهُ يَقُولُ: لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا مِنْ إِيفَاءِ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ إِلَّا مَا يَسَعُهَا، فَيَحِلُّ لَهَا، وَلَا تَحْرَجَ فِيهِ. وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَلِمَ مِنْ عِبَادِهِ أَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ تَضِيقُ نَفْسُهُ عَنْ أَنْ تَطِيبَ لِغَيْرِهِ بِمَا لَا يَجِبُ عَلَيْهَا لَهُ، فَأَمَرَ الْمُعْطِي بِإِيفَاءِ رَبِّ الْحَقِّ حَقَّهُ الَّذِي هُوَ لَهُ وَلَمْ يُكَلِّفْهُ الزِّيَادَةَ لِمَا فِي الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ مِنْ ضِيقِ نَفْسِهِ بِهَا، وَأَمَرَ الَّذِي لَهُ الْحَقُّ بِأَخْذِ حَقِّهِ وَلَمْ يُكَلِّفْهُ الرِّضَا بِأَقَلَّ مِنْهُ، لِمَا فِي النُّقْصَانِ عَنْهُ مِنْ ضِيقِ نَفْسِهِ، فَلَمْ يُكَلِّفْ نَفْسًا مِنْهُمَا إِلَّا مَا لَا حَرَجَ فِيهِ وَلَا ضِيقَ، فَلِذَلِكَ قَالَ: ﴿لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [الأنعام: ١٥٢]، وَقَدِ اسْتَقْصَيْنَا بَيَانَ ذَلِكَ بِشَوَاهِدِهِ فِي مَوْضِعٍ غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ
٩ / ٦٦٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ [الأنعام: ١٥٢] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا﴾ [الأنعام: ١٥٢] وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ فَتَكَلَّمْتُمْ، فَقُولُوا الْحَقَّ بَيْنَهُمْ، وَاعْدِلُوا وَأَنْصِفُوا وَلَا تَجُورُوا وَلَوْ كَانَ الَّذِي يَتَوَجَّهُ الْحَقُّ عَلَيْهِ وَالْحُكْمُ ذَا قَرَابَةٍ لَكُمْ، وَلَا يَحْمِلَنَّكُمْ قَرَابَةُ قَرِيبٍ أَوْ صَدَاقَةُ صَدِيقٍ حَكَمْتُمْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ، أَنْ تَقُولُوا غَيْرَ الْحَقِّ فِيمَا احْتُكِمَ إِلَيْكُمْ فِيهِ. ﴿وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا﴾ [الأنعام: ١٥٢] يَقُولُ: وَبِوَصِيَّةِ اللَّهِ الَّتِي أَوْصَاكُمْ بِهَا فَأَوْفُوا، وَإِيفَاءُ ذَلِكَ أَنْ يُطِيعُوهُ فِيمَا أَمَرَهُمْ بِهِ وَنَهَاهُمْ، وَأَنْ يَعْمَلُوا بِكِتَابِهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ ﷺ، وَذَلِكَ هُوَ الْوَفَاءُ بِعَهْدِ اللَّهِ
٩ / ٦٦٦
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ﴾ [الأنعام: ١٥١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ:
٩ / ٦٦٦
قُلْ لِلْعَادِلِينَ بِاللَّهِ الْأَوْثَانَ وَالْأَصْنَامَ مِنْ قَوْمِكَ: هَذِهِ الْأُمُورُ الَّتِي ذَكَرْتُ لَكُمْ فِي هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ، هِيَ الْأَشْيَاءُ الَّتِي عَهِدَ إِلَيْنَا رَبُّنَا وَوَصَّاكُمْ بِهَا رَبُّكُمْ وَأَمَرَكُمْ بِالْعَمَلِ بِهَا، لَا بِالْبَحَائِرِ وَالسَّوَائِبِ وَالْوَصَائِلِ وَالْحَامِ وَقَتْلِ الْأَوْلَادِ وَوَأْدِ الْبَنَاتِ وَاتِّبَاعِ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ. ﴿لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ [الأنعام: ١٥٢] يَقُولُ: أَمَرَكُمْ بِهَذِهِ الْأُمُورِ الَّتِي أَمَرَكُمْ بِهَا فِي هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ وَوَصَّاكُمْ بِهَا وَعَهِدَ إِلَيْكُمْ فِيهَا، لِتَتَذَكَّرُوا عَوَاقِبَ أَمْرَكُمْ بِهَذِهِ الْأُمُورِ الَّتِي أَمَرَكُمْ بِهَا فِي هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ، وَوَصَّاكُمْ بِهَا وَعَهِدَ إِلَيْكُمْ فِيهَا، لِتَتَذَكَّرُوا عَوَاقِبَ أَمْرِكُمْ وَخَطَأَ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ مُقِيمُونَ، فَتَنْزَجِرُوا عَنْهَا وَتَرْتَدِعُوا وَتُنِيبُوا إِلَى طَاعَةِ رَبِّكُمْ. وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: هَذِهِ الْآيَاتُ هُنَّ الْآيَاتُ الْمُحْكَمَاتُ
٩ / ٦٦٧
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ عَلِيِّ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: “هُنَّ الْآيَاتُ الْمُحْكَمَاتُ، قَوْلُهُ: ﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾ [الأنعام: ١٥١]
٩ / ٦٦٧
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَا: ثنا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، قَالَ: ثنا أَبِي قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ أَيُّوبَ، يُحَدِّثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبَى حَبِيبٍ، عَنْ مَرْثَدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ، قَالَ: سَمِعَ كَعْبُ الْأَحْبَارِ، رَجُلًا يَقْرَأُ ⦗٦٦٨⦘: ﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ﴾ [الأنعام: ١٥١]، فَقَالَ: “وَالَّذِي نَفْسُ كَعْبٍ بِيَدِهِ، إِنَّ هَذَا لَأَوَّلُ شَيْءٍ فِي التَّوْرَاةِ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ﴾ [الأنعام: ١٥١])
٩ / ٦٦٧
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ، عَنْ رَجُلٍ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ خَيْثَمَ، أَنَّهُ قَالَ لِرَجُلٍ: “هَلْ لَكَ فِي صَحِيفَةٍ عَلَيْهَا خَاتَمُ مُحَمَّدٍ؟ ثُمَّ قَرَأَ هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ: ﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾ [الأنعام: ١٥١]
٩ / ٦٦٨
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ الرَّازِيُّ، عَنْ أَبِي سِنَانٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ قَالَ: قَالَ الرَّبِيعُ: “أَلَا أَقْرَأُ عَلَيْكُمْ صَحِيفَةً مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ؟ لَمْ يَقُلْ خَاتَمَهَا، فَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَاتِ: ﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ﴾ [الأنعام: ١٥١]
٩ / ٦٦٨
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، قَالَ: “جَاءَ إِلَيْهِ نَفَرٌ فَقَالُوا: قَدْ جَالَسْتَ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ فَحَدِّثْنَا عَنِ الْوَحْيِ، فَقَرَأَ عَلَيْهِمْ هَذِهِ الْآيَاتِ مِنَ الْأَنْعَامِ: ﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾ [الأنعام: ١٥١]، قَالُوا: لَيْسَ عَنْ هَذَا نَسْأَلُكَ، قَالَ: «فَمَا عِنْدَنَا وَحْي غَيْرَهُ»
٩ / ٦٦٨
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: «هَؤُلَاءِ الْآيَاتُ الَّتِي أَوْصَى بِهَا مِنْ مُحْكَمِ الْقُرْآنِ»
٩ / ٦٦٨
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا﴾ [الأنعام: ١٥٢] قَالَ: «قُولُوا الْحَقَّ»
٩ / ٦٦٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [الأنعام: ١٥٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَهَذَا الَّذِي وَصَّاكُمْ بِهِ رَبُّكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ فِي هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ﴾ [الأنعام: ١٥١] وَأَمَرَكُمْ بِالْوَفَاءِ بِهِ، هُوَ صِرَاطُهُ، يَعْنِي طَرِيقَهُ وَدِينَهُ الَّذِي ارْتَضَاهُ لِعِبَادِهِ. ﴿مُسْتَقِيمًا﴾ [النساء: ٦٨] يَعْنِي: قَوِيمًا لَا اعْوِجَاجَ بِهِ عَنِ الْحَقِّ. ﴿فَاتَّبِعُوهُ﴾ [الأنعام: ١٥٣] يَقُولُ: فَاعْمَلُوا بِهِ، وَاجْعَلُوهُ لِأَنْفُسِكُمْ مِنْهَاجًا تَسْلِكُونَهُ فَاتَّبِعُوهُ. ﴿وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ﴾ [الأنعام: ١٥٣] يَقُولُ: وَلَا تَسْلُكُوا طَرِيقًا سِوَاهُ، وَلَا تَرْكَبُوا مَنْهَجًا غَيْرَهُ، وَلَا تَبْغُوا دِينًا خِلَافَهُ مِنَ الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ وَالْمَجُوسِيَّةِ وَعِبَادَةِ الْأَوْثَانِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمِلَلِ، فَإِنَّهَا بِدَعٌ وَضَلَالَاتٌ. ﴿فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ﴾ [الأنعام: ١٥٣] يَقُولُ: فَيُشَتِّتُ بِكُمْ إِنِ اتَّبَعْتُمُ السُّبُلَ الْمُحْدَثَةَ الَّتِي لَيْسَتْ لِلَّهِ بِسُبُلٍ وَلَا طُرُقٍ وَلَا أَدْيَانٍ، اتِّبَاعَكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ، يَعْنِي: عَنْ طَرِيقِهِ وَدِينِهِ الَّذِي شَرَعَهُ لَكُمْ وَارْتَضَاهُ، وَهُوَ الْإِسْلَامُ الَّذِي وَصَّى بِهِ الْأَنْبِيَاءَ وَأَمَرَ بِهِ الْأُمَمَ قَبْلَكُمْ. ﴿ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ﴾ [الأنعام: ١٥١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: هَذَا الَّذِي وَصَّاكُمْ بِهِ رَبُّكُمْ مِنْ قَوْلِهِ لَكُمْ: إِنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ، وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ يَقُولُ: لِتَتَّقُوا اللَّهَ فِي أَنْفُسِكُمْ فَلَا تُهْلِكُوهَا،
٩ / ٦٦٩
وَتَحْذَرُوا رَبَّكُمْ فِيهَا فَلَا تَسْخَطُوهُ عَلَيْهَا فَيُحِلَّ بِكُمْ نَقْمَتَهُ وَعَذَابَهُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٩ / ٦٧٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ﴾ [الأنعام: ١٥٣]، قَالَ: «الْبِدَعُ وَالشُّبُهَاتُ» حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: ثنا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ شِبْلٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
٩ / ٦٧٠
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ﴾ [الأنعام: ١٥٣]: «الْبِدَعَ وَالشُّبُهَاتِ»
٩ / ٦٧٠
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثنا مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ﴾ [الأنعام: ١٥٣] وَقَوْلُهُ: وَ﴿أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ﴾ [الشورى: ١٣] وَنَحْوُ هَذَا فِي الْقُرْآنِ، قَالَ: «أَمَرَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ بِالْجَمَاعَةِ وَنَهَاهُمْ عَنِ الِاخْتِلَافِ وَالْفُرْقَةِ، وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَهُمْ بِالْمِرَاءِ وَالْخُصُومَاتِ فِي دِينِ اللَّهِ»
٩ / ٦٧٠
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ﴾ [الأنعام: ١٥٣]⦗٦٧١⦘ يَقُولُ: «لَا تَتَّبِعُوا الضَّلَالَاتِ»
٩ / ٦٧٠
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا الْحِمَّانِيُّ، قَالَ: ثنا حَمَّادٌ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: خَطَّ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَوْمًا خَطًّا فَقَالَ: «هَذَا سَبِيلُ اللَّهِ»، ثُمَّ خَطَّ عَنْ يَمِينِ ذَلِكَ الْخَطِّ وَعَنْ شِمَالِهِ خُطُوطًا فَقَالَ: «هَذِهِ سُبُلٌ عَلَى كُلِّ سَبِيلٍ مِنْهَا شَيْطَانٌ يَدْعُو إِلَيْهَا»، ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ﴾ [الأنعام: ١٥٣] فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ
٩ / ٦٧١
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ﴾ [الأنعام: ١٥٣] فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ قَالَ: «سَبِيلُهُ الْإِسْلَامُ، وَصِرَاطُهُ: الْإِسْلَامُ، نَهَاهُمْ أَنْ يَتَّبِعُوا السُّبُلَ سِوَاهُ، ﴿فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ﴾ [الأنعام: ١٥٣]: عَنِ الْإِسْلَامِ»
٩ / ٦٧١
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَبَانَ، أَنَّ رَجُلًا، قَالَ لِابْنِ مَسْعُودٍ: مَا الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ؟ قَالَ: “تَرَكَنَا مُحَمَّدٌ ﷺ فِي أَدْنَاهُ، وَطَرَفُهُ فِي الْجَنَّةِ، وَعَنْ يَمِينِهِ جَوَادٌّ، وَعَنْ يَسَارِهِ جَوَادٌّ، وَثَمَّ رِجَالٌ يَدْعُونَ مَنْ مَرَّ بِهِمْ، فَمَنْ أَخَذَ فِي تِلْكَ الْجَوَادِّ انْتَهَتْ بِهِ إِلَى النَّارِ، وَمَنْ أَخَذَ عَلَى الصِّرَاطِ انْتَهَى بِهِ إِلَى الْجَنَّةِ، ثُمَّ قَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا﴾ [الأنعام: ١٥٣] الْآيَةَ ⦗٦٧٢⦘ وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا﴾ [الأنعام: ١٥٣]، فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ وَبَعْضُ الْكُوفِيِّينَ: ﴿وَأَنَّ﴾ [الأنعام: ١٥٣] بِفَتْحِ الْأَلِفِ مِنْ (أَنَّ)، وَتَشْدِيدِ النُّونِ، رَدًّا عَلَى قَوْلِهِ: ﴿أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾ [الأنعام: ١٥١] بِمَعْنَى: قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا. وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفِيِّينَ: (وَإِنَّ) بِكَسْرِ الْأَلِفِ مِنْ (إِنَّ)، وَتَشْدِيدِ النُّونِ مِنْهَا عَلَى الِابْتِدَاءِ وَانْقِطَاعِهَا عَنِ الْأَوَّلِ، إِذْ كَانَ الْكَلَامُ قَدِ انْتَهَى بِالْخَبَرِ عَنِ الْوَصِيَّةِ الَّتِي أَوْصَى اللَّهُ بِهَا عِبَادَهُ دُونَهُ عِنْدَهُمْ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي، أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مُسْتَفِيضَتَانِ فِي قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ وَعَوَامِّ الْمُسْلِمِينَ صَحِيحٌ مَعْنَيَاهُمَا، فَبِأَيِّ الْقِرَاءَتَيْنِ قَرَأَ الْقَارِئُ فَهُوَ مُصِيبُ الْحَقِّ فِي قِرَاءَتِهِ. وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ قَدْ أَمَرَ بِاتِّبَاعِ سَبِيلِهِ، كَمَا أَمَرَ عِبَادَهُ بِالْأَشْيَاءِ، وَإِنْ أَدْخَلَ ذَلِكَ مَدْخَلَ فِيمَا أَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ ﷺ أَنْ يَقُولَ لِلْمُشْرِكِينَ: ﴿تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ﴾ [الأنعام: ١٥١] وَمَا أَمَرَكُمْ بِهِ، فَفَتَحَ عَلَى ذَلِكَ (أَنَّ) فَمُصِيبٌ. وَإِنْ كَسَرَهَا إِذْ كَانَتِ (التِّلَاوَةُ) قَوْلًا وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ لَفْظِ الْقَوْلِ لِبَعْدِهَا مِنْ قَوْلِهِ: (أَتْلُ)، وَهُوَ يُرِيدُ إِعْمَالَ ذَلِكَ فِيهِ فَمُصِيبٌ. وَإِنْ كَسَرَهَا بِمَعْنَى ابْتِدَاءٍ وَانْقِطَاعٍ عَنِ الْأَوَّلِ (وَالتِّلَاوَةُ)، وَأَنَّ مَا أَمَرَ النَّبِيُّ ﷺ بِتِلَاوَتِهِ عَلَى مَنْ أَمَرَ بِتَلَاوَةِ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ قَدِ ⦗٦٧٣⦘ انْتَهَى دُونَ ذَلِكَ، فَمُصِيبٌ. وَقَدْ قَرَأَ ذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ الْبَصْرِيُّ: (وَأَنْ) بِفَتْحِ الْأَلِفِ مِنْ (أَنْ)، وَتَخْفِيفِ النُّونِ مِنْهَا، بِمَعْنَى: قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ هَذَا صِرَاطِي فَخَفَّفَهَا، إِذْ كَانَتْ (أَنْ) فِي قَوْلِهِ: ﴿أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾ [الأنعام: ١٥١] مُخَفَّفَةً، وَكَانَتْ (أَنْ) فِي قَوْلِهِ: ﴿وَأَنْ هَذَا صِرَاطِي﴾ [الأنعام: ١٥٣] مَعْطُوفَةً عَلَيْهَا، فَجَعَلَهَا نَظِيرَةَ مَا عُطِفَتْ عَلَيْهِ. وَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ مَذْهَبًا، فَلَا أُحِبُّ الْقِرَاءَةَ بِهِ لِشُذُوذِهَا عَنْ قِرَاءَةِ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ وَخِلَافِ مَا هُمْ عَلَيْهِ فِي أَمْصَارِهِمْ
٩ / ٦٧١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَّعَلَّهُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ﴾ [الأنعام: ١٥٤] يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ﴾ [الأنعام: ١٥٤]، ثُمَّ قُلْ بَعْدَ ذَلِكَ يَا مُحَمَّدُ: آتَى رَبُّكَ مُوسَى الْكِتَابَ. فَتَرَكَ ذِكْرَ (قُلْ)، إِذْ كَانَ قَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْقِصَّةِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مُرَادٌ فِيهَا، وَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ﴾ [الأنعام: ١٥١]، فَقَصَّ مَا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ وَأَحَلَّ، ثُمَّ قَالَ: ثُمَّ قُلْ: آتَيْنَا مُوسَى، فَحَذَفَ (قُلْ) لِدَلَالَةِ قَوْلِهِ: (قُلْ) عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ مُرَادٌ فِي الْكَلَامِ. وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ مُرَادٌ فِي الْكَلَامِ، لِأَنَّ مُحَمَّدًا ﷺ لَا شَكَّ أَنَّهُ بُعِثَ بَعْدَ مُوسَى بِدَهْرٍ طَوِيلٍ، وَأَنَّهُ إِنَّمَا أُمِرَ بِتِلَاوَةِ هَذِهِ الْآيَاتِ عَلَى مَنْ أُمِرَ بِتِلَاوَتِهَا عَلَيْهِ بَعْدَ مَبْعَثِهِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ مُوسَى أُوتِيَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِ أَمْرِ اللَّهِ مُحَمَّدًا بِتِلَاوَةِ هَذِهِ الْآيَاتِ عَلَى مَنْ أُمِرَ بِتِلَاوَتِهَا عَلَيْهِ، وَ(ثُمَّ) فِي كَلَامِ الْعَرَبِ حَرْفٌ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَا بَعْدَهُ مِنَ الْكَلَامِ
٩ / ٦٧٣
وَالْخَبَرِ بَعْدَ الَّذِي قَبْلَهَا. ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ﴾ [الأنعام: ١٥٤] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: تَمَامًا عَلَى الْمُحْسِنِينَ
٩ / ٦٧٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ﴾ [الأنعام: ١٥٤] قَالَ: «عَلَى الْمُؤْمِنِينَ»
٩ / ٦٧٤
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ﴾ [الأنعام: ١٥٤]: «الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُحْسِنِينَ» وَكَأَنَّ مُجَاهِدًا وَجَّهَ تَأْوِيلَ الْكَلَامِ وَمَعْنَاهُ إِلَى أَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَخْبَرَ عَنْ مُوسَى أَنَّهُ آتَاهُ الْكِتَابَ فَضِيلَةً عَلَى مَا آتَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ عِبَادِهِ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَكَيْفَ جَازَ أَنْ يُقَالَ: ﴿عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ﴾ [الأنعام: ١٥٤] فَيُوَحِّدَ (الَّذِي)، وَالتَّأْوِيلُ عَلَى الَّذِينَ أَحْسَنُوا؟ قِيلَ: إِنَّ الْعَرَبَ تَفْعَلُ ذَلِكَ خَاصَّةً فِي الَّذِي وَفِي الْأَلِفِ وَاللَّامِ إِذَا أَرَادَتْ بِهِ الْكُلَّ وَالْجَمِيعَ، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ﴾ [العصر: ٢]، وَكَمَا قَالُوا: أَكْثَرُ الَّذِي هُمْ فِيهِ فِي أَيْدِي النَّاسِ. وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ ذَلِكَ: (تَمَامًا عَلَى الَّذِينَ أَحْسَنُوا)، وَذَلِكَ مِنْ قِرَاءَتِهِ كَذَلِكَ يُؤَيِّدُ قَوْلَ مُجَاهِدٍ. ⦗٦٧٥⦘ وَإِذَا كَانَ الْمَعْنَى كَذَلِكَ، كَانَ قَوْلُهُ: (أَحْسَنَ) فِعْلًا مَاضِيًا، فَيَكُونُ نَصَبَهُ لِذَلِكَ. وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ (أَحْسَنَ) فِي مَوْضِعِ خَفْضٍ، غَيْرَ أَنَّهُ نُصِبَ، إِذْ كَانَ (أَفْعَلَ)، وَ(أَفْعَلَ) لَا يَجْرِي فِي كَلَامِهَا. فَإِنْ قِيلَ: فَبِأَيِّ شَيْءٍ خُفِضَ؟ قِيلَ: رَدًّا عَلَى (الَّذِي)، إِذْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ مَا يَرْفَعُهُ. فَيَكُونُ تَأْوِيلُ الْكَلَامِ حِينَئِذٍ: ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي هُوَ أَحْسَنَ، ثُمَّ حُذِفَ (هُوَ)، وَجَاوَرَ (أَحْسَنَ) (الَّذِي)، فَعُرِّفَ بِتَعْرِيفِهِ، إِذْ كَانَ كَالْمَعْرِفَةِ مِنْ أَجْلِ أَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ لَا يَدْخُلَانِهِ، (وَالَّذِي) مِثْلُهُ، كَمَا تَقُولُ الْعَرَبُ: مَرَرْتُ بِالَّذِي خَيْرٍ مِنْكَ وَشَرٍّ مِنْكَ، وَكَمَا قَالَ الرَّاجِزُ:
[البحر الرجز] إِنَّ الزُّبَيْرِيَّ الَّذِي مِثْلُ الْحَلَمْ … مَسَّى بِأَسْلَابِكُمْ أَهْلَ الْعَلَمْ
فَأَتْبَعَ (مِثْلُ) (الَّذِي) فِي الْإِعْرَابِ. وَمَنْ قَالَ ذَلِكَ لَمْ يَقُلْ: مَرَرْتُ بِالَّذِي عَالِمٍ، لِأَنَّ (عَالِمًا) نَكِرَةٌ (وَالَّذِي) مَعْرِفَةٌ، وَلَا تَتْبَعُ نَكِرَةٌ مَعْرِفَةً. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ مُوسَى فِيمَا امْتَحَنَهُ اللَّهُ بِهِ فِي الدُّنْيَا مِنْ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ
[البحر الرجز] إِنَّ الزُّبَيْرِيَّ الَّذِي مِثْلُ الْحَلَمْ … مَسَّى بِأَسْلَابِكُمْ أَهْلَ الْعَلَمْ
فَأَتْبَعَ (مِثْلُ) (الَّذِي) فِي الْإِعْرَابِ. وَمَنْ قَالَ ذَلِكَ لَمْ يَقُلْ: مَرَرْتُ بِالَّذِي عَالِمٍ، لِأَنَّ (عَالِمًا) نَكِرَةٌ (وَالَّذِي) مَعْرِفَةٌ، وَلَا تَتْبَعُ نَكِرَةٌ مَعْرِفَةً. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ مُوسَى فِيمَا امْتَحَنَهُ اللَّهُ بِهِ فِي الدُّنْيَا مِنْ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ
٩ / ٦٧٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ: ﴿ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ﴾ [الأنعام: ١٥٤] «فِيمَا أَعْطَاهُ اللَّهُ»
٩ / ٦٧٦
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ﴾ [الأنعام: ١٥٤] قَالَ: «مَنْ أَحْسَنَ فِي الدُّنْيَا تَمَّمَ اللَّهُ لَهُ ذَلِكَ فِي الْآخِرَةِ»
٩ / ٦٧٦
حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثنا يَزِيدُ قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ: ﴿ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ﴾ [الأنعام: ١٥٤] يَقُولُ: «مَنْ أَحْسَنَ فِي الدُّنْيَا تَمَّتْ عَلَيْهِ كَرَامَةُ اللَّهِ فِي الْآخِرَةِ» وَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ الَّذِي تَأَوَّلَهُ الرَّبِيعُ يَكُونُ (أَحْسَنَ) نَصْبًا، لِأَنَّهُ فِعْلٌ مَاضٍ، وَ(الَّذِي) بِمَعْنَى (مَا)، وَكَانَ الْكَلَامُ حِينَئِذٍ: ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى مَا أَحْسَنَ مُوسَى، أَيْ آتَيْنَاهُ الْكِتَابَ لِأُتَمِّمَ لَهُ كَرَامَتِي فِي الْآخِرَةِ تَمَامًا عَلَى إِحْسَانِهِ فِي الدُّنْيَا فِي عِبَادَةِ اللَّهِ وَالْقِيَامِ بِمَا كَلَّفَهُ بِهِ مِنْ طَاعَتِهِ وَقَالَ آخَرُونَ فِي ذَلِكَ: مَعْنَاهُ: ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى إِحْسَانِ اللَّهِ إِلَى أَنْبِيَائِهِ وَأَيَادِيهِ عِنْدَهُمْ
٩ / ٦٧٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ﴾ [الأنعام: ١٥٤] قَالَ: «تَمَامًا مِنَ اللَّهِ وَإِحْسَانِهِ الَّذِي أَحْسَنَ إِلَيْهِمْ وَهَدَاهُمْ لِلْإِسْلَامِ، وَآتَاهُمْ ذَلِكَ الْكِتَابَ تَمَامًا لِنِعْمَتِهِ عَلَيْهِ وَإِحْسَانِهِ» (وَ﴿أَحْسَنَ﴾ [الأنعام: ١٥٤]) عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ أَيْضًا فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى أَنَّهُ فِعْلٌ مَاضٍ. (وَالَّذِي) عَلَى هَذَا الْقَوْلِ وَالْقَوْلِ الَّذِي قَالَهُ الرَّبِيعُ بِمَعْنَى: (مَا)
٩ / ٦٧٧
وَذُكِرَ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمُرَ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ ذَلِكَ: (تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنُ) رَفْعًا، بِتَأْوِيلِ: عَلَى الَّذِي هُوَ أَحْسَنُ حَدَّثَنِي بِذَلِكَ أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: ثنا الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ، قَالَ: ثنا الْحَجَّاجُ، عَنْ هَارُونَ، عَنْ أَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمُرَ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَهَذِهِ قِرَاءَةٌ لَا أَسْتَجِيزُ الْقِرَاءَةَ بِهَا، وَإِنْ كَانَ لَهَا فِي الْعَرَبِيَّةِ وَجْهٌ صَحِيحٌ، لِخِلَافِهَا مَا عَلَيْهِ الْحُجَّةُ مُجْمِعَةٌ مِنْ قِرَاءَةِ الْأَمْصَارِ. وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ عِنْدِي بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَاهُ: ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا لِنِعَمِنَا عِنْدَهُ عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ مُوسَى فِي قِيَامِهِ بِأَمْرِنَا وَنَهْيِنَا، لِأَنَّ ذَلِكَ أَظْهَرُ مَعَانِيهِ فِي الْكَلَامِ، وَأَنَّ إِيتَاءَ مُوسَى كِتَابَهُ نِعْمَةٌ مِنَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَمِنَّةٌ عَظِيمَةٌ، فَأَخْبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّهُ أَنْعَمَ بِذَلِكَ عَلَيْهِ لِمَا سَلَفَ لَهُ مِنْ صَالِحِ عَمَلٍ وَحُسْنِ طَاعَةٍ. وَلَوْ
٩ / ٦٧٧
كَانَ التَّأْوِيلُ عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ زَيْدٍ كَانَ الْكَلَامُ: ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَّا، أَوْ: ثُمَّ آتَى اللَّهُ مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ. وَفِي وَصْفِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ نَفْسَهُ بِإِيتَائِهِ الْكِتَابَ ثُمَّ صَرْفِهِ الْخَبَرَ بِقَوْلِهِ: (أَحْسَنَ) إِلَى غَيْرِ الْمُخْبِرِ عَنْ نَفْسِهِ بِقُرْبِ مَا بَيْنَ الْخَبَرَيْنِ، الدَّلِيلُ الْوَاضِحُ عَلَى أَنَّ الْقَوْلَ غَيْرُ الْقَوْلِ الَّذِي قَالَهُ ابْنُ زَيْدٍ. وَأَمَّا مَا ذُكِرَ عَنْ مُجَاهِدٍ مِنْ تَوْجِيهِهِ (الَّذِي) إِلَى مَعْنَى الْجَمِيعِ فَلَا دَلِيلَ فِي الْكَلَامِ يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ مَا قَالَ مِنْ ذَلِكَ، بَلْ ظَاهِرُ الْكَلَامِ بِالَّذِي اخْتَرْنَا مِنَ الْقَوْلِ أَشْبَهُ. وَإِذَا تُنُوزِعَ فِي تَأْوِيلِ الْكَلَامِ كَانَ أَوْلَى مَعَانِيهِ بِهِ أَغْلَبُهُ عَلَى الظَّاهِرِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ مِنَ الْعَقْلِ أَوِ الْخَبَرِ دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى أَنَّهُ مَعْنِيُّ بِهِ غَيْرُ ذَلِكَ
٩ / ٦٧٨
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ﴾ [الأنعام: ١٥٤] فَإِنَّهُ يَعْنِي: وَتَبْيِينًا لِكُلِّ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الدِّينِ الَّذِي أُمِرُوا بِهِ. فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ إِذَنْ: ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى التَّوْرَاةَ تَمَامًا لِنِعَمِنَا عِنْدَهُ وَأَيَادِينَا قِبَلَهُ، تَتِمُّ بِهِ كَرَامَتُنَا عَلَيْهِ عَلَى إِحْسَانِهِ وَطَاعَتِهِ رَبَّهُ وَقِيَامِهِ بِمَا كَلَّفَهُ مِنْ شَرَائِعِ دِينِهِ، وَتَبْيِينًا لِكُلِّ مَا لِقَوْمِهِ وَأَتْبَاعِهِ إِلَيْهِ الْحَاجَةُ مِنْ أَمْرِ دِينِهِمْ
٩ / ٦٧٨
كَمَا حَدَّثَنِي بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ﴾ [الأنعام: ١٥٤] «فِيهِ حَلَالُهُ وَحَرَامُهُ»
٩ / ٦٧٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ﴾ [الأنعام: ١٥٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ ⦗٦٧٩⦘. ﴿وَهُدًى﴾ [البقرة: ٩٧] يَعْنِي بِقَوْلِهِ (وَهُدًى): تَقْوِيمًا لَهُمْ عَلَى الطَّرِيقِ الْمُسْتَقِيمِ، وَبَيَانًا لَهُمْ سُبُلَ الرَّشَادِ لِئَلَّا يَضِلُّوا. ﴿وَرَحْمَةً﴾ [البقرة: ١٥٧] يَقُولُ: وَرَحْمَةً مِنَّا بِهِمْ وَرَأْفَةً، لِنُنْجِيهِمْ مِنَ الضَّلَالَةِ وَعَمَى الْحِيرَةِ
٩ / ٦٧٨
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿لَعَلَّهُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ﴾ [الأنعام: ١٥٤] فَإِنَّهُ يَعْنِي: إِيتَائِي مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا لِكَرَامَةِ اللَّهِ مُوسَى عَلَى إِحْسَانِ مُوسَى، وَتَفْصِيلًا لِشَرَائِعِ دِينِهِ، وَهُدًى لِمَنِ اتَّبَعَهُ وَرَحْمَةً لِمَنْ كَانَ مِنْهُمْ ضَالًّا، لِيُنَجِّيهِ اللَّهُ بِهِ مِنَ الضَّلَالَةِ، وَلِيُؤْمِنْ بِلِقَاءِ رَبِّهِ إِذَا سَمِعَ مَوَاعِظَ اللَّهِ الَّتِي وَعَظَ بِهَا خَلْقَهُ فِيهِ، فَيَرْتَدِعَ عَمَّا هُوَ عَلَيْهِ مُقِيمٌ مِنَ الْكُفْرِ بِهِ، وَبِلِقَائِهِ بَعْدَ مَمَاتِهِ، فَيُطِيعَ رَبَّهُ، وَيُصَدِّقَ بِمَا جَاءَهُ بِهِ نَبِيُّهُ مُوسَى ﷺ
٩ / ٦٧٩
أخبار تونس نور العقيدة، أساس العلم، وحقائق الكون !