سُورَةُ الْأَعْرَافِ 7

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ﴾ [الأعراف: ١٨٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَأُؤَخِّرُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا مُلَاءَةً بِالْكَسْرِ وَالضَّمِّ وَالْفَتْحِ مِنَ الدَّهْرِ، وَهِيَ الْحِينُ، وَمِنْهُ قِيلَ: انْتَظَرْتُكَ مَلِيًّا، لِيَبْلُغُوا بِمَعْصِيَتِهِمْ رَبَّهُمُ الْمِقْدَارَ الَّذِي قَدْ كَتَبَهُ لَهُمْ مِنَ الْعِقَابِ وَالْعَذَابِ ثُمَّ يَقْبِضَهُمْ إِلَيْهِ. ﴿إِنَّ كَيْدِي﴾ [الأعراف: ١٨٣] وَالْكَيْدُ: هُوَ الْمَكْرُ. وَقَوْلُهُ ﴿مَتِينٌ﴾ [الأعراف: ١٨٣] يَعْنِي: قَوِيُّ شَدِيدٌ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
[البحر الطويل] عَدَلْنَ عُدُولَ النَّاسِ وَاقْبَحَ يُبْتَلَى … أَفَاسٌ مِنَ الْهُرَّابِ شَدَّ مَمَاتِنُ
⦗٦٠٢⦘ يَعْنِي: سَيْرًا شَدِيدًا بَاقِيًا لَا يَنْقَطِعُ
١٠ ‏/ ٦٠١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ﴾ [الأعراف: ١٨٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَوَلَمْ يَتَفَكَّرْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَيَتَدَبَّرُوا بِعُقُولِهِمْ، وَيَعْلَمُوا أَنَّ رَسُولَنَا الَّذِي أَرْسَلْنَاهُ إِلَيْهِمْ، لَا جِنَّةَ بِهِ وَلَا خَبَلَ، وَأَنَّ الَّذِي دَعَاهُمْ إِلَيْهِ هُوَ الدِّينُ الصَّحِيحُ الْقَوِيمُ وَالْحَقُّ الْمُبِينُ. وَلِذَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِيمَا قَبْلُ
١٠ ‏/ ٦٠٢
كَمَا حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ كَانَ عَلَى الصَّفَا، فَدَعَا قُرَيْشًا، فَجَعَلَ يُفَخِّذُهُمْ فَخْذًا فَخْذًا: «يَا بَنِي فُلَانٍ يَا بَنِي فُلَانٍ، فَحَذَّرَهُمْ بَأْسَ اللَّهِ، وَوَقَائِعَ اللَّهِ، فَقَالَ قَائِلُهُمْ: إِنَّ صَاحِبَكُمْ هَذَا لِمَجْنُونٌ بَاتَ يُصَوِّتُ إِلَى الصَّبَّاحِ، أَوْ حَتَّى أَصْبَحَ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تبارك وتعالى: ﴿أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ﴾ [الأعراف: ١٨٤]» وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ: ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ﴾ [الأعراف: ١٨٤] مَا هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُنْذِرُكُمْ عِقَابَ اللَّهِ ⦗٦٠٣⦘ عَلَى كُفْرِكُمْ بِهِ إِنْ لَمْ تُنِيبُوا إِلَى الْإِيمَانِ بِهِ وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ: ﴿مُبِينٌ﴾ [البقرة: ١٦٨] قَدْ أَبَانَ لَكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ إِنْذَارَهُ مَا أَنْذَرَكُمْ بِهِ مِنْ بَأْسِ اللَّهِ عَلَى كُفْرِكُمْ بِهِ
١٠ ‏/ ٦٠٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَوَلَمْ يَنْظُرْ هَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ فِي مُلْكِ اللَّهِ وَسُلْطَانِهِ فِي السَّمَوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ وَفِيمَا خَلَقَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ مِنْ شَيْءٍ فِيهِمَا، فَيَتَدَبَّرُوا ذَلِكَ وَيَعْتَبِرُوا بِهِ وَيَعْلَمُوا أَنَّ ذَلِكَ مِمَّنْ لَا نظيرَ لَهُ وَلَا شَبِيهَ، وَمِنْ فِعْلِ مَنْ لَا يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْعِبَادَةُ وَالدِّينُ الْخَالِصُ إِلَّا لَهُ، فَيُؤْمِنُوا بِهِ وَيُصَدِّقُوا رَسُولَهُ وَيُنِيبُوا إِلَى طَاعَتِهِ وَيَخْلَعُوا الْأَنْدَادَ وَالْأَوْثَانَ وَيَحْذَرُوا أَنْ تَكُونَ آجَالُهُمْ قَدِ اقْتَرَبَتْ فَيَهْلَكُوا عَلَى كُفْرِهِمْ وَيَصِيرُوا إِلَى عَذَابِ اللَّهِ وَأَلِيمِ عِقَابِهِ. وَقَوْلُهُ: ﴿فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ﴾ [الأعراف: ١٨٥] يَقُولُ: فَبِأَيِّ تَخْوِيفٍ وَتَحْذِيرٍ وَتَرْهِيبٍ بَعْدَ تَحْذِيرِ مُحَمَّدٍ ﷺ وَتَرْهِيبِهِ الَّذِي أَتَاهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فِي آيِ كِتَابِهِ يُصَدِّقُونَ، إِنْ لَمْ يُصَدِّقُوا بِهَذَا الْكِتَابِ الَّذِي جَاءَهُمْ بِهِ مُحَمَّدٌ ﷺ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى
١٠ ‏/ ٦٠٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ [الأعراف: ١٨٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ إِعْرَاضَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا، التَّارِكِي النَّظَرِ فِي ⦗٦٠٤⦘ حُجَجِ اللَّهِ وَالْفِكْرِ فِيهَا، لِإِضْلَالِ اللَّهِ إِيَّاهُمْ، وَلَوْ هَدَاهُمُ اللَّهُ لَاعْتَبَرُوا وَتَدَبَّرُوا فَأَبْصَرُوا رُشْدَهُمْ، وَلَكِنَّ اللَّهَ أَضَلَّهُمْ فَلَا يُبْصِرُونَ رُشْدًا وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا، وَمَنْ أَضَلَّهُ عَنِ الرَّشَادِ فَلَا هَادِيَ لَهُ. وَلَكِنَّ اللَّهَ يَدَعُهُمْ فِي تَمَادِيهِمْ فِي كُفْرِهِمْ وَتَمَرُّدِهِمْ فِي شِرْكِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ، لِيَسْتَوْجِبُوا الْغَايَةَ الَّتِي كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُمْ مِنْ عُقُوبَتِهِ وَأَلِيمِ نَكَالِهِ
١٠ ‏/ ٦٠٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمِا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [الأعراف: ١٨٧] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الَّذِينَ عُنُوا بِقَوْلِهِ: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ﴾ [الأعراف: ١٨٧] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عُنِيَ بِذَلِكَ قَوْمُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِنْ قُرَيْشٍ، وَكَانُوا سَأَلُوا عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ
١٠ ‏/ ٦٠٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: «قَالَتْ قُرَيْشٌ لِمُحَمَّدٍ ﷺ: إِنَّ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ قَرَابَةً، فَأَسِرَّ إِلَيْنَا مَتَى السَّاعَةُ، فَقَالَ اللَّهُ: ﴿يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيُّ عَنْهَا﴾ [الأعراف: ١٨٧]» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عُنِي بِهِ قَوْمٌ مِنَ الْيَهُودِ
١٠ ‏/ ٦٠٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثني مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مُحَمَّدٍ مَوْلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: ثني سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ أَوْ عِكْرِمَةُ، ⦗٦٠٥⦘ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ حِمْلُ بْنُ أَبِي قُشَيْرٍ وَسَمْوَلُ بْنُ زَيْدٍ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ: «يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنَا مَتَى السَّاعَةُ إِنْ كُنْتَ نَبِيًّا كَمَا تَقُولُ، فَإِنَّا نَعْلَمُ مَتَى هِيَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عَلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي﴾ [الأعراف: ١٨٧] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [الأعراف: ١٨٧]»
١٠ ‏/ ٦٠٤
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ ﷺ لَا يَزَالُ يَذْكُرُ مِنْ شَأْنِ السَّاعَةِ حَتَّى نَزَلَتْ: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا﴾ [الأعراف: ١٨٧]» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ قَوْمًا سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنِ السَّاعَةِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ كَانُوا مِنْ قُرَيْشٍ، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونُوا كَانُوا مِنَ الْيَهُودِ، وَلَا خَبَرَ بِذَلِكَ عِنْدَنَا يَجُوزُ قَطْعُ الْقَوْلِ عَلَى أَيِّ ذَلِكَ كَانَ. فَتَأْوِيلُ الْآيَةِ إِذَنْ: يَسْأَلُكَ الْقَوْمُ الَّذِينَ يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا، يَقُولُ: مَتَى قِيَامُهَا. وَمَعْنَى «أَيَّانَ»: «مَتَى» فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، وَمِنْهُ قَوْلُ الرَّاجِزِ:
[البحر الرجز] ⦗٦٠٦⦘ أَيَّانَ تَقْضِي حَاجَتِي إِيَّانَا … أَمَا تَرَى لِنُجْحِهَا إِبَّانَ
وَمَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿مُرْسَاهَا﴾ [الأعراف: ١٨٧] قِيَامُهَا، مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: أَرْسَاهَا اللَّهُ فَهِيَ مُرْسَاةٌ، وَأَرْسَاهَا الْقَوْمُ: إِذَا حَبَسُوهَا، وَرَسَتْ هِيَ تَرْسُو رُسُوًّا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٠ ‏/ ٦٠٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: «﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا﴾ [الأعراف: ١٨٧] يَقُولُ مَتَى قِيَامُهَا»
١٠ ‏/ ٦٠٦
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: «﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا﴾ [الأعراف: ١٨٧] مَتَى قِيَامُهَا» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: مُنْتَهَاهَا. وَذَلِكَ قَرِيبُ الْمَعْنَى مِنْ مَعْنَى مَنْ قَالَ: مَعْنَاهُ: قِيَامُهَا، لِأَنَّ انْتِهَاءَهَا بُلُوغُهَا وَقْتَهَا. وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ أَصْلَ ذَلِكَ الْحَبْسُ وَالْوُقُوفُ
١٠ ‏/ ٦٠٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ ⦗٦٠٧⦘ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا﴾ [الأعراف: ١٨٧] يَعْنِي: مُنْتَهَاهَا»
١٠ ‏/ ٦٠٦
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ﴾ [الأعراف: ١٨٧] فَإِنَّهُ أَمْرٌ مِنَ اللَّهِ نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا ﷺ بِأَنْ يُجِيبَ سَائِلِيهِ عَنِ السَّاعَةِ بِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ وَقْتَ قِيَامِهَا إِلَّا اللَّهُ الَّذِي يَعْلَمُ الْغَيْبَ، وَأَنَّهُ لَا يُظْهِرُهَا لِوَقْتِهَا وَلَا يَعْلَمُهَا غَيْرُهُ جَلَّ ذِكْرُهُ
١٠ ‏/ ٦٠٧
كَمَا حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا﴾ [الأعراف: ١٨٧] لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ يَقُولُ: عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ، هُوَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا، لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ إِلَّا اللَّهُ»
١٠ ‏/ ٦٠٧
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿لَا يُجَلِّيهَا﴾ [الأعراف: ١٨٧] يَأْتِي بِهَا»
١٠ ‏/ ٦٠٧
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ مُجَاهِدٌ: «﴿لَا يُجَلِّيهَا﴾ [الأعراف: ١٨٧] لَا يَأْتِي بِهَا ﴿إِلَّا هُوَ﴾ [الأعراف: ١٨٧]»
١٠ ‏/ ٦٠٧
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: «﴿لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ﴾ [الأعراف: ١٨٧] يَقُولُ: لَا يُرْسِلُهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ»
١٠ ‏/ ٦٠٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ثَقُلَتْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ لاَّ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً﴾ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى ذَلِكَ: ثَقُلَتِ السَّاعَةُ عَلَى أَهْلِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْ يَعْرِفُوا وَقْتَهَا وَمَجِيئَهَا لِخَفَائِهَا عَنْهُمْ وَاسْتِئْثَارِ اللَّهِ بِعِلْمِهَا
١٠ ‏/ ٦٠٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَوْلُهُ: «﴿ثَقُلَتْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ يَقُولُ: خَفِيَتْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، فَلَمْ يَعْلَمْ قِيَامَهَا مَتَى تَقُومُ مَلَكٌ مُقَرَّبٌ وَلَا نَبِيُّ مُرْسَلٌ»
١٠ ‏/ ٦٠٨
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، وَحَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، جَمِيعًا، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ بَعْضِ، أَهْلِ التَّأْوِيلِ: «﴿ثَقُلَتْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ قَالَ: ثَقُلَ عِلْمُهَا عَلَى أَهْلِ السَّمَوَاتِ وَأَهْلِ الْأَرْضِ أَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: أَنَّهَا كَبُرَتْ عِنْدَ مَجِيئِهَا عَلَى أَهْلِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ
١٠ ‏/ ٦٠٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، وَحَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ ⦗٦٠٩⦘ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، جَمِيعًا، عَنْ مَعْمَرٍ، قَالَ: قَالَ الْحَسَنُ فِي قَوْلِهِ: «﴿ثَقُلَتْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ يَعْنِي: إِذَا جَاءَتْ ثَقُلَتْ عَلَى أَهْلِ السَّمَاءِ وَأَهْلِ الْأَرْضِ. يَقُولُ: كَبُرَتْ عَلَيْهِمْ»
١٠ ‏/ ٦٠٨
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: «﴿ثَقُلَتْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ قَالَ: إِذَا جَاءَتِ انْشَقَّتِ السَّمَاءُ، وَانْتَثَرَتِ النُّجُومُ، وَكُوِّرَتِ الشَّمْسُ، وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ، وَكَانَ مَا قَالَ اللَّهُ، فَذَلِكَ ثِقَلُهَا»
١٠ ‏/ ٦٠٩
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: قَالَ بَعْضُ النَّاسِ فِي «﴿ثَقُلَتْ﴾ [الأعراف: ١٨٧]: عَظُمَتْ» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ
١٠ ‏/ ٦٠٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿ثَقُلَتْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ أَيْ: عَلَى السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ، قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَى ذَلِكَ: ثَقُلَتِ السَّاعَةُ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ عَلَى أَهْلِهَا أَنْ يَعْرِفُوا وَقْتَهَا وَقِيَامَهَا؛ لِأَنَّ اللَّهَ أَخْفَى ذَلِكَ عَنْ خَلْقِهِ، فَلَمْ يُطْلِعْ عَلَيْهِ مِنْهُمْ أَحَدًا. وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ أَخْبَرَ بِذَلِكَ بَعْدَ قَوْلِهِ ⦗٦١٠⦘: ﴿قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ﴾ [الأعراف: ١٨٧] وَأَخْبَرَ بَعْدَهُ أَنَّهَا لَا تَأْتِي إِلَّا بَغْتَةً، فَالَّذِي هُوَ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ مَا بَيْنَ ذَلِكَ أَيْضًا خَبَرًا عَنْ خِفَاءِ عِلْمِهَا عَنِ الْخَلْقِ؛ إِذْ كَانَ مَا قَبْلَهُ وَمَا بَعْدَهُ كَذَلِكَ
١٠ ‏/ ٦٠٩
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً﴾ [الأعراف: ١٨٧] فَإِنَّهُ يَقُولُ: لَا تَجِيءُ السَّاعَةُ إِلَّا فَجْأَةً، لَا تَشْعُرُونَ بِمَجِيئِهَا
١٠ ‏/ ٦١٠
كَمَا حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: «﴿لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً﴾ [الأعراف: ١٨٧] يَقُولُ: يُبْغِتُهُمْ قِيَامُهَا، تَأْتِيهِمْ عَلَى غَفْلَةٍ»
١٠ ‏/ ٦١٠
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً﴾ [الأعراف: ١٨٧] قَضَى اللَّهُ أَنَّهَا لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً. قَالَ: وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ كَانَ يَقُولُ: «إِنَّ السَّاعَةَ تَهِيجُ بِالنَّاسِ وَالرَّجُلُ يُصْلِحُ حَوْضَهُ وَالرَّجُلُ يَسْقِي مَاشِيَتَهُ وَالرَّجُلُ يُقِيمُ سِلْعَتَهُ فِي السُّوقِ وَالرَّجُلُ يَخْفِضُ مِيزَانَهُ وَيَرْفَعُهُ»
١٠ ‏/ ٦١٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيُّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: يَسْأَلُكَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ عَنِ السَّاعَةِ، كَأَنَّكَ حَفِيُّ عَنْهَا. ⦗٦١١⦘ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَسْأَلُونَكَ عَنْهَا كَأَنَّكَ حَفِيُّ بِهِمْ. وَقَالُوا: مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿عَنْهَا﴾ [البقرة: ٣٦] التَّقْدِيمُ وَإِنْ كَانَ مُؤَخَّرًا
١٠ ‏/ ٦١٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيُّ عَنْهَا﴾ [الأعراف: ١٨٧] يَقُولُ: كَأَنَّ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُمْ مودةً، كَأَنَّكَ صَدِيقٌ لَهُمْ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «لَمَّا سَأَلَ النَّاسُ مُحَمَّدًا ﷺ عَنِ السَّاعَةِ سَأَلُوهُ سُؤَالَ قَوْمٍ كَأَنَّهُمْ يَرَوْنَ أَنَّ مُحَمَّدًا حَفِيُّ بِهِمْ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَهُ، اسْتَأْثَرَ بِعِلْمِهَا، فَلَمْ يُطْلِعْ عَلَيْهَا مَلَكًا وَلَا رَسُولًا»
١٠ ‏/ ٦١١
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، قَالَ: قَالَ قَتَادَةُ: «قَالَتْ قُرَيْشٌ لِمُحَمَّدٍ ﷺ: إِنَّ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ قَرَابَةً، فَأَسِرَّ إِلَيْنَا مَتَى السَّاعَةُ، فَقَالَ اللَّهُ: ﴿يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيُّ عَنْهَا﴾ [الأعراف: ١٨٧]»
١٠ ‏/ ٦١١
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيُّ عَنْهَا﴾ [الأعراف: ١٨٧] أَيْ: حَفِيُّ بِهِمْ. قَالَ: قَالَتْ قُرَيْشٌ: يَا مُحَمَّدُ أَسِرَّ إِلَيْنَا عِلْمَ السَّاعَةِ لِمَا ⦗٦١٢⦘ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مِنَ الْقَرَابَةِ، لِقَرَابَتِنَا مِنْكَ»
١٠ ‏/ ٦١١
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ، وَهَانِئُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ حَجَّاجٍ، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، وَعِكْرِمَةَ: «﴿يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيُّ عَنْهَا﴾ [الأعراف: ١٨٧] قَالَ: حَفِيُّ بِهِمْ حِينَ يَسْأَلُونَكَ»
١٠ ‏/ ٦١٢
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: ثنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «﴿يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيُّ عَنْهَا﴾ [الأعراف: ١٨٧] قَالَ: قُرِّبْتَ مِنْهُمْ، وَتَحْفَى عَلَيْهِمْ» قَالَ: وَقَالَ أَبُو مَالِكٍ: كَأَنَّكَ حَفِيُّ بِهِمْ، قَالَ: قَرِيبٌ مِنْهُمْ، وَتَحْفَى عَلَيْهِمْ. قَالَ: وَقَالَ أَبُو مَالِكٍ: كَأَنَّكَ حَفِيُّ بِهِمْ فَتُحَدِّثُهُمْ
١٠ ‏/ ٦١٢
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: «﴿يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيُّ عَنْهَا﴾ [الأعراف: ١٨٧] كَأَنَّكَ صَدِيقٌ لَهُمْ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: كَأَنَّكَ قَدِ اسْتَحْفَيْتَ الْمَسْأَلَةَ عَنْهَا فَعَلِمْتَهَا
١٠ ‏/ ٦١٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿كَأَنَّكَ حَفِيُّ عَنْهَا﴾ [الأعراف: ١٨٧] اسْتَحْفَيْتَ عَنْهَا السُّؤَالَ حَتَّى عَلِمْتَهَا»
١٠ ‏/ ٦١٣
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: ثنا أَبُو سَعْدٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: «﴿كَأَنَّكَ حَفِيُّ عَنْهَا﴾ [الأعراف: ١٨٧] قَالَ: اسْتَحْفَيْتَ عَنْهَا السُّؤَالَ حَتَّى عَلِمْتَ وَقْتَهَا»
١٠ ‏/ ٦١٣
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ: «﴿يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيُّ عَنْهَا﴾ [الأعراف: ١٨٧] قَالَ: كَأَنَّكَ عَالِمٌ بِهَا»
١٠ ‏/ ٦١٣
قَالَ: ثنا حَامِدُ بْنُ نُوحٍ، عَنْ أَبِي رَوْقٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ: «﴿يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيُّ عَنْهَا﴾ [الأعراف: ١٨٧] قَالَ: كَأَنَّكَ تَعْلَمُهَا»
١٠ ‏/ ٦١٣
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، قَالَ: ثني عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنِ الضَّحَّاكِ، قَوْلُهُ: «﴿يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيُّ عَنْهَا﴾ [الأعراف: ١٨٧] يَقُولُ: يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ، كَأَنَّكَ عِنْدَكَ عِلْمًا مِنْهَا. ﴿قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي﴾ [الأعراف: ١٨٧]»
١٠ ‏/ ٦١٣
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ بَعْضِهِمْ: كَأَنَّكَ حَفِيُّ عَنْهَا كَأَنَّكَ عَالِمٌ بِهَا “
١٠ ‏/ ٦١٣
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿كَأَنَّكَ حَفِيُّ عَنْهَا﴾ [الأعراف: ١٨٧] قَالَ: كَأَنَّكَ عَالِمٌ بِهَا. وَقَالَ: أَخْفَى عِلْمَهَا عَلَى خَلْقِهِ. وَقَرَأَ: ﴿إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ﴾ [لقمان: ٣٤] حَتَّى خَتَمَ السُّورَةَ»
١٠ ‏/ ٦١٤
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا﴾ [الأعراف: ١٨٧] يَقُولُ: كَأَنَّكَ يُعْجِبُكَ سُؤَالُهُمْ إِيَّاكَ. ﴿قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ﴾ [الأعراف: ١٨٧]» وَقَوْلُهُ: ﴿كَأَنَّكَ حَفِيُّ عَنْهَا﴾ [الأعراف: ١٨٧] يَقُولُ: لَطِيفٌ بِهَا. فَوَجَّهَ هَؤُلَاءِ تَأْوِيلَ قَوْلِهِ: ﴿كَأَنَّكَ حَفِيُّ عَنْهَا﴾ [الأعراف: ١٨٧] أَيْ: حَفِيُّ بِهَا، وَقَالُوا: تَقُولُ الْعَرَبُ: تَحَفَّيْتُ لَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ، وَتَحَفَّيْتُ عَنْهُ. قَالُوا: وَلِذَلِكَ قِيلَ: أَتَيْنَا فُلَانًا نَسْأَلُ بِهِ، بِمَعْنَى نَسْأَلُ عَنْهُ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَاهُ: كَأَنَّكَ حَفِيُّ بِالْمَسْأَلَةِ عَنْهَا فَتَعْلَمُهَا. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَكَيْفَ قِيلَ: ﴿حَفِيُّ عَنْهَا﴾ [الأعراف: ١٨٧] وَلَمْ يَقُلْ حَفِيُّ بِهَا، إِنْ كَانَ ذَلِكَ تَأْوِيلَ الْكَلَامِ؟ قِيلَ: إِنَّ ذَلِكَ قِيلَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْحَفَاوَةَ إِنَّمَا تَكُونُ فِي الْمَسْأَلَةِ، وَهِيَ الْبَشَاشَةُ لِلْمَسْئُولِ عِنْدَ الْمَسْأَلَةِ، وَالْإِكْثَارُ مِنَ السُّؤَالِ عَنْهُ، وَالسُّؤَالُ يُوصَلُ بِعَنْ مَرَّةً وَبِالْبَاءِ مَرَّةً، فَيُقَالَ: سَأَلْتُ عَنْهُ، وَسَأَلْتُ بِهِ، فَلَمَّا وَضَعَ قَوْلَهُ ﴿حَفِيُّ ⦗٦١٥⦘﴾ [الأعراف: ١٨٧] مَوْضِعَ السُّؤَالِ، وُصِلَ بِأَغْلَبِ الْحَرْفَيْنِ اللَّذَيْنِ يُوصَلُ بِهِمَا السُّؤَالُ، وَهُوَ عَنْ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الطويل] سُؤَالَ حَفِيٍّ عَنْ أَخِيهِ كَأَنَّهُ … يُذَكِّرُهُ وَسْنَانُ أَوْ مُتَوَاسِنُ
١٠ ‏/ ٦١٤
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ﴾ [الأعراف: ١٨٧] فَإِنَّ مَعْنَاهُ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِسَائِلِيكَ عَنْ وَقْتِ السَّاعَةِ وَحِينَ مَجِيئِهَا: لَا عِلْمَ لِي بِذَلِكَ، وَلَا يَعْلَمُ بِهِ إِلَّا اللَّهُ الَّذِي يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ. ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [الأعراف: ١٨٧] يَقُولُ: وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ، بَلْ يَحْسَبُونَ أَنَّ عِلْمَ ذَلِكَ يُوجَدُ عِنْدَ بَعْضِ خَلْقِهِ
١٠ ‏/ ٦١٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُّؤْمِنُونَ﴾ [الأعراف: ١٨٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِسَائِلِيكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا: ﴿لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا﴾ [الأعراف: ١٨٨] يَقُولُ: لَا أَقْدِرُ عَلَى اجْتِلَابِ نَفْعٍ إِلَى نَفْسِي، وَلَا دَفْعِ ضَرٍّ يَحِلُّ بِهَا عَنْهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ أَمْلِكَهُ مِنْ ذَلِكَ بِأَنْ يُقَوِّينِي
١٠ ‏/ ٦١٥
عَلَيْهِ وَيُعِينَنِي. ﴿وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ﴾ [الأعراف: ١٨٨] يَقُولُ: لَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ مَا هُوَ كَائِنٌ مِمَّا لَمْ يَكُنْ بَعْدُ ﴿لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ﴾ [الأعراف: ١٨٨] يَقُولُ: لَأَعْدَدْتُ الْكَثِيرَ مِنَ الْخَيْرِ. ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى الْخَيْرِ الَّذِي عَنَاهُ اللَّهُ بِقَوْلِهِ: ﴿لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ﴾ [الأعراف: ١٨٨] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى ذَلِكَ: لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْعَمَلِ الصَّالِحِ
١٠ ‏/ ٦١٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قَوْلُهُ: «﴿قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا﴾ [الأعراف: ١٨٨] قَالَ: الْهُدَى وَالضَّلَالَةَ. ﴿لَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ﴾ [الأعراف: ١٨٨] قَالَ: أَعْلَمُ الْغَيْبَ مَتَى أَمُوتُ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْعَمَلِ الصَّالِحِ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبَى نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٠ ‏/ ٦١٦
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ﴾ [الأعراف: ١٨٨] قَالَ: لَاجْتَنَبْتُ مَا يَكُونُ مِنَ الشَّرِّ وَاتَّقَيْتُهُ» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَأَعْدَدْتُ لِلسَّنَةِ الْمُجْدِبَةِ مِنَ الْمُخْصِبَةِ، وَلَعَرَفْتُ الْغَلَاءَ مِنَ الرُّخْصِ، وَاسْتَعْدَدْتُ لَهُ فِي الرُّخْصِ ⦗٦١٧⦘ وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ﴾ [الأعراف: ١٨٨] يَقُولُ: وَمَا مَسَّنِيَ الضُّرُّ. ﴿إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ﴾ [الأعراف: ١٨٨] يَقُولُ: مَا أَنَا إِلَّا رَسُولُ اللَّهِ أَرْسَلَنِي إِلَيْكُمْ، أُنْذِرُ عِقَابَهُ مَنْ عَصَاهُ مِنْكُمْ وَخَالَفَ أَمْرَهُ، وَأُبَشِّرُ بِثَوَابِهِ وَكَرَامَتِهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَأَطَاعَهُ مِنْكُمْ وَقَوْلُهُ: ﴿لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ [الأعراف: ١٨٨] يَقُولُ: يُصَدِّقُونَ بِأَنِّي لِلَّهِ رَسُولٌ، وَيُقِرُّونَ بِحَقِّيَّةِ مَا جِئْتُهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِهِ
١٠ ‏/ ٦١٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَت دَّعَوَا اللهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ﴾ [الأعراف: ١٨٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾ [الأعراف: ١٨٩] يَعْنِي بِالنَّفْسِ الْوَاحِدَةِ: آدَمَ
١٠ ‏/ ٦١٧
كَمَا حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾ [النساء: ١] قَالَ: آدَمُ عليه السلام»
١٠ ‏/ ٦١٧
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: «﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾ [الأعراف: ١٨٩] مِنْ آدَمَ» وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ: ﴿وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا﴾ [الأعراف: ١٨٩] وَجَعَلَ مِنَ النَّفْسِ الْوَاحِدَةِ، وَهُوَ آدَمُ، زَوْجَهَا حَوَّاءَ
١٠ ‏/ ٦١٧
كَمَا حَدَّثَنِي بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا﴾ [الأعراف: ١٨٩] حَوَّاءُ، فَجُعِلَتْ مِنْ ضِلْعٍ مِنْ أَضْلَاعِهِ لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا» ⦗٦١٨⦘ وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ: ﴿لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا﴾ [الأعراف: ١٨٩] لَيَأْوِيَ إِلَيْهَا لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ وَلَذَّتِهِ. وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ: ﴿فَلَمَّا تَغَشَّاهَا﴾ [الأعراف: ١٨٩] فَلَمَّا تَدَثَّرَهَا لِقَضَاءِ حَاجَتِهِ مِنْهَا فَقَضَى حَاجَتَهُ مِنْهَا، ﴿حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا﴾ [الأعراف: ١٨٩] وَفِي الْكَلَامِ مَحْذُوفٌ تُرِكَ ذِكْرُهُ اسْتِغْنَاءً بِمَا ظَهَرَ عَمَّا حُذِفَ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ﴾ [الأعراف: ١٨٩] وَإِنَّمَا الْكَلَامُ: فَلَمَّا تَغَشَّاهَا فَقَضَى حَاجَتَهُ مِنْهَا حَمَلَتْ. وَقَوْلُهُ: ﴿حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا﴾ [الأعراف: ١٨٩] يَعْنِي بِخِفَّةِ الْحَمْلِ: الْمَاءَ الَّذِي حَمَلَتْهُ حَوَّاءُ فِي رَحِمِهَا مِنْ آدَمَ أَنَّهُ كَانَ حَمْلًا خَفِيفًا، وَكَذَلِكَ هُوَ حَمْلُ الْمَرْأَةِ مَاءَ الرَّجُلِ خَفِيفٌ عَلَيْهَا
١٠ ‏/ ٦١٧
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿فَمَرَّتْ بِهِ﴾ [الأعراف: ١٨٩] فَإِنَّهُ يَعْنِي: اسْتَمَرَّتْ بِالْمَاءِ: قَامَتْ بِهِ وَقَعَدَتْ، وَأَتَمَّتِ الْحَمْلَ
١٠ ‏/ ٦١٨
كَمَا حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ أَيُّوبَ، قَالَ: سَأَلْتُ الْحَسَنَ عَنْ قَوْلِهِ: «﴿حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ﴾ [الأعراف: ١٨٩] قَالَ: لَوْ كُنْتُ امْرأً عَرَبِيًّا لَعَرَفْتُ مَا هِيَ، إِنَّمَا هِيَ: فَاسْتَمَرَّتْ بِهِ»
١٠ ‏/ ٦١٨
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ﴾ [الأعراف: ١٨٩] اسْتَبَانَ حَمْلُهَا»
١٠ ‏/ ٦١٨
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿فَمَرَّتْ بِهِ﴾ [الأعراف: ١٨٩] قَالَ: اسْتَمَرَّ حَمْلُهَا»
١٠ ‏/ ٦١٨
حَدَّثَنِي مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَوْلُهُ: «﴿حَمَلَتْ ⦗٦١٩⦘ حَمْلًا خَفِيفًا﴾ [الأعراف: ١٨٩] قَالَ: هِيَ النُّطْفَةُ. وَقَوْلُهُ ﴿فَمَرَّتْ بِهِ﴾ [الأعراف: ١٨٩] يَقُولُ: اسْتَمَرَّتْ بِهِ» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: فَشَكَّتْ فِيهِ
١٠ ‏/ ٦١٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿فَمَرَّتْ بِهِ﴾ [الأعراف: ١٨٩] قَالَ: فَشَكَّتْ أَحَمَلَتْ أَمْ لَا» وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ: ﴿فَلَمَّا أَثْقَلَتْ﴾ [الأعراف: ١٨٩] فَلَمَّا صَارَ مَا فِي بَطْنِهَا مِنَ الْحَمْلِ الَّذِي كَانَ خَفِيفًا ثَقِيلًا وَدَنَتْ وِلَادَتُهَا، يُقَالُ مِنْهُ: أَثْقَلَتْ فُلَانَةُ إِذَا صَارَتْ ذَاتَ ثِقَلٍ بِحَمْلِهَا كَمَا يُقَالُ: أَتْمَرَ فُلَانٌ: إِذَا صَارَ ذَا تَمْرٍ
١٠ ‏/ ٦١٩
كَمَا حَدَّثَنِي مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: «﴿فَلَمَّا أَثْقَلَتْ﴾ [الأعراف: ١٨٩] كَبِرَ الْوَلَدُ فِي بَطْنِهَا» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: ﴿دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا﴾ [الأعراف: ١٨٩] يَقُولُ: نَادَى آدَمُ وَحَوَاءُ رَبَّهُمَا وَقَالَا: يَا رَبَّنَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى الصَّلَاحِ الَّذِي أَقْسَمَ آدَمُ وَحَوَاءُ عَلَيْهِمَا ⦗٦٢٠⦘ السَّلَامُ أَنَّهُ إِنْ آتَاهُمَا صَالِحًا فِي حَمْلِ حَوَّاءَ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: ذَلِكَ هُوَ أَنْ يَكُونَ الْحَمْلُ غُلَامًا
١٠ ‏/ ٦١٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، قَالَ: قَالَ الْحَسَنُ فِي قَوْلِهِ: «﴿لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا﴾ [الأعراف: ١٨٩] قَالَ: غُلَامًا» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ هُوَ أَنْ يَكُونَ الْمَوْلُودُ بَشَرًا سَوِيًّا مِثْلَهُمَا، وَلَا يَكُونَ بَهِيمَةً
١٠ ‏/ ٦٢٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ جُبَيْرٍ الْحَسْمِيِّ، عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ، فِي قَوْلِهِ: «﴿لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ﴾ [الأعراف: ١٨٩] قَالَ: أَشْفَقَا أَنْ يَكُونَ شَيْئًا دُونَ الْإِنْسَانِ»
١٠ ‏/ ٦٢٠
قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ، قَالَ: «أَشْفَقَا أَنْ لَا يَكُونَ إِنْسَانًا»
١٠ ‏/ ٦٢٠
قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، قَالَ: «لَمَّا حَمَلَتِ امْرَأَةُ آدَمَ فَأَثْقَلَتْ، كَانَا يُشْفِقَانِ أَنْ يَكُونَ بَهِيمَةً، فَدَعَوَا رَبَّهُمَا ﴿لَئِنْ آتَيْتَنَا ⦗٦٢١⦘ صَالِحًا﴾ [الأعراف: ١٨٩] الْآيَةَ»
١٠ ‏/ ٦٢٠
قَالَ: ثنا جَابِرُ بْنُ نُوحٍ، عَنْ أَبِي رَوْقٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «أَشْفَقَا أَنْ يَكُونَ، بَهِيمَةً»
١٠ ‏/ ٦٢١
حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: «لَمَّا هَبَطَ آدَمُ وَحَوَّاءُ، أُلْقِيَتِ الشَّهْوَةُ فِي نَفْسِهِ فَأَصَابَهَا، فَلَيْسَ إِلَّا أَنْ أَصَابَهَا حَمَلَتْ، فَلَيْسَ إِلَّا أَنْ حَمَلَتْ تُحَرَّكَ فِي بَطْنِهَا وَلَدُهَا، قَالَتْ: مَا هَذَا؟ فَجَاءَهَا إِبْلِيسُ، فَقَالَ: أَتَرَيْنَ فِي الْأَرْضِ إِلَّا نَاقَةً أَوْ بَقَرَةً أَوْ ضَائِنَةً أَوْ مَاعِزَةً؟ هُوَ بَعْضُ ذَلِكَ. قَالَتْ: وَاللَّهِ مَا مِنِّي شَيْءٌ إِلَّا وَهُوَ يَضِيقُ عَنْ ذَلِكَ. قَالَ: فَأَطِيعِينِي وَسَمِّيهِ عَبْدَ الْحَارِثِ تَلِدِي شِبْهَكُمَا مِثْلَكُمَا، قَالَ: فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِآدَمَ عليه السلام، فَقَالَ: هُوَ صَاحِبُنَا الَّذِي قَدْ أَخْرَجَنَا مِنَ الْجَنَّةِ، فَمَاتَ، ثُمَّ حَمَلَتْ بِآخَرَ، فَجَاءَهَا فَقَالَ: أَطِيعِينِي وَسَمِّيهِ عَبْدَ الْحَارِثِ وَكَانَ اسْمُهُ فِي الْمَلَائِكَةِ الْحَارِثَ وَإِلَّا وَلَدْتِ نَاقَةً أَوْ بَقَرَةً أَوْ ضَائِنَةً أَوْ مَاعِزَةً، أَوْ قَتَلْتُهُ، فَإِنِّي أَنَا قَتَلْتُ الْأَوَّلَ، قَالَ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ ⦗٦٢٢⦘ لِآدَمَ، فَكَأَنَّهُ لَمْ يَكْرَهْهُ، فَسَمَّتْهُ عَبْدَ الْحَارِثِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا﴾ [الأعراف: ١٨٩] يَقُولُ: شِبْهَنَا مِثْلَنَا، ﴿فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا﴾ [الأعراف: ١٩٠] قَالَ: شِبْهَهُمَا مِثْلَهُمَا»
١٠ ‏/ ٦٢١
حَدَّثَنِي مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: «﴿فَلَمَّا أَثْقَلَتْ﴾ [الأعراف: ١٨٩] كَبِرَ الْوَلَدُ فِي بَطْنِهَا جَاءَهَا إِبْلِيسُ، فَخَوَّفَهَا وَقَالَ لَهَا: مَا يُدْرِيكِ مَا فِي بَطْنِكِ، لَعَلَّهُ كَلْبٌ أَوْ خِنْزِيرٌ أَوْ حِمَارٌ؟ وَمَا يُدْرِيكِ مِنْ أَيْنَ يَخْرُجُ؟ أَمِنْ دُبُرِكِ فَيَقْتُلَكِ، أَوْ مِنْ قُبُلِكِ، أَوْ يَنْشَقُّ بَطْنُكِ فَيَقْتُلُكِ؟ فَذَلِكَ حِينَ ﴿دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا﴾ [الأعراف: ١٨٩] يَقُولُ: مِثْلَنَا، ﴿لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ﴾ [الأعراف: ١٨٨]» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ أَخْبَرَ عَنْ آدَمَ وَحَوَّاءَ أَنَّهُمَا دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا بِحَمْلِ حَوَّاءَ، وَأَقْسَمَا لَئِنْ أَعْطَاهُمَا فِي بَطْنِ حَوَّاءَ صَالِحًا لَيَكُونَانَّ لِلَّهِ مِنَ الشَّاكِرِينَ. وَالصَّلَاحُ قَدْ يَشْمَلُ مَعَانِيَ كَثِيرَةً. مِنْهَا الصَّلَاحُ فِي اسْتِوَاءِ الْخَلْقِ. وَمِنْهَا الصَّلَاحُ فِي الدِّينِ، وَالصَّلَاحُ فِي الْعَقْلِ وَالتَّدْبِيرِ. وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَلَا خَبَرَ عَنِ الرَّسُولِ يُوجِبُ الْحُجَّةَ بِأَنَّ ذَلِكَ عَلَى بَعْضِ مَعَانِي الصَّلَاحِ دُونَ بَعْضٍ، وَلَا فِيهِ مِنَ الْعَقْلِ دَلِيلٌ وَجَبَ أَنْ يَعُمَّ كَمَا عَمَّهُ اللَّهُ، فَيُقَالَ إِنَّهُمَا قَالَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا بِجَمِيعِ مَعَانِي الصَّلَاحِ. وَأَمَّا مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ﴾ [الأعراف: ١٨٨] فَإِنَّهُ لَنَكُونَنَّ مِمَّنْ يَشْكُرُكَ عَلَى مَا وَهَبَتْ لَهُ مِنَ الْوَلَدِ صَالِحًا
١٠ ‏/ ٦٢٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [الأعراف: ١٩٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَلَمَّا رَزَقَهُمَا اللَّهُ وَلَدًا صَالِحًا كَمَا سَأَلَا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا وَرَزَقَهُمَا. ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الشُّرَكَاءِ الَّتِي جَعَلَاهَا فِيمَا أُوتِيَا مِنَ الْمَوْلُودِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِي الِاسْمِ
١٠ ‏/ ٦٢٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الصَّمَدِ، قَالَ: ثنا عُمَرُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، قَالَ: «كَانَتْ حَوَّاءُ لَا يَعِيشُ لَهَا وَلَدٌ، فَنَذَرَتْ لَئِنْ عَاشَ لَهَا وَلَدٌ لَتُسَمِّيَنَّهُ عَبْدَ الْحَارِثِ، فَعَاشَ لَهَا وَلَدٌ، فَسَمَّتْهُ عَبْدَ الْحَارِثِ، وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ مِنْ وَحْيِ الشَّيْطَانِ»
١٠ ‏/ ٦٢٣
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُعْتَمِرٌ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: ثنا أَبُو الْعَلَاءِ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ: «أَنَّهُ حَدَّثَ أَنَّ آدَمَ عليه السلام سَمَّى ابْنُهُ عَبْدَ الْحَارِثِ»
١٠ ‏/ ٦٢٣
قَالَ: ثنا الْمُعْتَمِرُ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: ثنا – ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ – عَنْ أَبِي الْعَلَاءِ بْنِ الشِّخِّيرِ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، قَالَ: «سَمَّى آدَمُ ابْنَهُ: عَبْدَ الْحَارِثِ»
١٠ ‏/ ٦٢٤
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «كَانَتْ حَوَّاءُ تَلِدُ لِآدَمَ، فَتُعَبِّدُهُمْ لِلَّهِ، وَتُسَمِّيهِ عَبْدَ اللَّهِ وَعُبَيْدَ اللَّهِ وَنَحْوَ ذَلِكَ، فَيُصِيبَهُمُ الْمَوْتُ، فَأَتَاهَا إِبْلِيسُ وَآدَمَ، فَقَالَ: إِنَّكُمَا لَوْ تُسَمِّيَانِهِ بِغَيْرِ الَّذِي تُسَمِّيَانِهِ لَعَاشَ، فَوَلَدَتْ لَهُ رَجُلًا، فَسَمَّاهُ عَبْدَ الْحَارِثِ، فَفِيهِ أَنْزَلَ اللَّهُ تبارك وتعالى: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾ [الأعراف: ١٨٩] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا﴾ [الأعراف: ١٩٠] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ»
١٠ ‏/ ٦٢٤
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ فِي آدَمَ: «﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾ [الأعراف: ١٨٩] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿فَمَرَّتْ بِهِ﴾ [الأعراف: ١٨٩] فَشَكَّتْ أَحَبِلَتْ أَمْ لَا؟ ﴿فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا﴾ [الأعراف: ١٨٩] الْآيَةَ، فَأَتَاهُمَا الشَّيْطَانُ فَقَالَ: هَلْ تَدْرِيَانِ مَا يُولَدُ لَكُمَا أَمْ هَلْ تَدْرِيَانِ مَا يَكُونُ أَبَهِيمَةً تَكُونُ أَمْ لَا؟ وَزَيَّنَ لَهُمَا الْبَاطِلَ إِنَّهُ غَوِيُّ مُبِينٌ. وَقَدْ كَانَتْ قَبْلَ ذَلِكَ وَلَدَتْ وَلَدَيْنِ فَمَاتَا، فَقَالَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ: إِنَّكُمَا إِنْ لَمْ تُسَمِّيَاهُ بِي لَمْ يَخْرُجْ سَوِيًّا وَمَاتَ كَمَا مَاتَ الْأَوْلَانِ، فَسَمَّيَا وَلَدَهُمَا عَبْدَ الْحَارِثِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا﴾ [الأعراف: ١٩٠] الْآيَةَ»
١٠ ‏/ ٦٢٤
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ ⦗٦٢٥⦘ ابْنُ عَبَّاسٍ: «لَمَّا وُلِدَ لَهُ أَوَّلُ وَلَدٍ، أَتَاهُ إِبْلِيسُ فَقَالَ: إِنِّي سَأَنْصَحُ لَكَ فِي شَأْنِ وَلَدِكَ هَذَا تُسَمِّيهِ عَبْدَ الْحَارِثِ، فَقَالَ آدَمُ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ طَاعَتِكَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَكَانَ اسْمُهُ فِي السَّمَاءِ الْحَارِثَ. قَالَ آدَمُ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ طَاعَتِكَ، إِنِّي أَطَعْتُكَ فِي أَكْلِ الشَّجَرَةِ، فَأَخْرَجْتَنِي مِنَ الْجَنَّةِ، فَلَنْ أُطِيعَكَ. فَمَاتَ وَلَدُهُ، ثُمَّ وُلِدَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَدٌ آخَرُ، فَقَالَ: أَطِعْنِي وَإِلَّا مَاتَ كَمَا مَاتَ الْأَوَّلُ، فَعَصَاهُ، فَمَاتَ، فَقَالَ: لَا أَزَالُ أَقْتُلُهُمْ حَتَّى تُسَمِّيَهُ عَبْدَ الْحَارِثِ. فَلَمْ يَزَلْ بِهِ حَتَّى سَمَّاهُ عَبْدَ الْحَارِثِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا﴾ [الأعراف: ١٩٠] أَشْرَكَهُ فِي طَاعَتِهِ فِي غَيْرِ عِبَادَةٍ، وَلَمْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ، وَلَكِنْ أَطَاعَهُ»
١٠ ‏/ ٦٢٤
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنْ هَارُونَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الزُّبَيْرُ بْنُ الْخِرِّيتِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: «مَا أَشْرَكَ آدَمُ وَلَا حَوَّاءُ، وَكَانَ لَا يَعِيشُ لَهُمَا وَلَدٌ، فَأَتَاهُمَا الشَّيْطَانُ فَقَالَ: إِنْ سَرَّكُمَا أَنْ يَعِيشَ لَكُمَا وَلَدٌ فَسَمَّيَاهُ عَبْدَ الْحَارِثِ، فَهُوَ قَوْلُهُ: ﴿جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا﴾ [الأعراف: ١٩٠]»
١٠ ‏/ ٦٢٥
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا﴾ [الأعراف: ١٨٩] قَالَ: كَانَ آدَمُ عليه السلام لَا يُولَدُ لَهُ وَلَدٌ إِلَّا مَاتَ، فَجَاءَهُ الشَّيْطَانُ، فَقَالَ: إِنْ سَرَّكَ أَنْ يَعِيشَ وَلَدُكَ هَذَا، فَسَمِّيهِ ⦗٦٢٦⦘ عَبْدَ الْحَارِثِ، فَفَعَلَ، قَالَ: فَأَشْرَكَا فِي الِاسْمِ وَلَمْ يُشْرِكَا فِي الْعِبَادَةِ»
١٠ ‏/ ٦٢٥
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا﴾ [الأعراف: ١٩٠] ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ كَانَ لَا يَعِيشُ لَهُمَا وَلَدٌ، فَأَتَاهُمَا الشَّيْطَانُ، فَقَالَ لَهُمَا: سَمِّيَاهُ عَبْدَ الْحَارِثِ، وَكَانَ مِنْ وَحْيِ الشَّيْطَانِ وَأَمْرِهِ، وَكَانَ شِرْكًا فِي طَاعَتِهِ، وَلَمْ يَكُنْ شِرْكًا فِي عِبَادَتِهِ»
١٠ ‏/ ٦٢٦
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [الأعراف: ١٩٠] قَالَ: كَانَ لَا يَعِيشُ لِآدَمَ وَامْرَأَتِهِ وَلَدٌ، فَقَالَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ: إِذَا وُلِدَ لَكُمَا وَلَدٌ، فَسَمِّيَاهُ عَبْدَ الْحَارِثِ، فَفَعَلَا وَأَطَاعَاهُ، فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ: ﴿فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ﴾ [الأعراف: ١٩٠] الْآيَةَ»
١٠ ‏/ ٦٢٦
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي حَفْصَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَوْلُهُ: «﴿أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا﴾ [الأعراف: ١٨٩] إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [الأعراف: ١٩٠] قَالَ: لَمَّا حَمَلَتْ حَوَّاءُ فِي أَوَّلِ وَلَدٍ وَلَدَتْهُ حِينَ أَثْقَلَتْ، أَتَاهَا إِبْلِيسُ قَبْلَ ⦗٦٢٧⦘ أَنْ تَلِدَ، فَقَالَ: يَا حَوَّاءُ مَا هَذَا الَّذِي فِي بَطْنِكَ؟ فَقَالَتْ: مَا أَدْرِي. فَقَالَ: مِنْ أَيْنَ يَخْرُجُ؟ مِنْ أَنْفِكِ، أَوْ مِنْ عَيْنِكِ، أَوْ مِنْ أُذُنِكِ؟ قَالَتْ: لَا أَدْرِي. قَالَ: أَرَأَيْتِ إِنْ خَرَجَ سَلِيمًا أَتُطِيعِينِي أَنْتِ فِيمَا آمُرُكِ بِهِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ: سَمِّيهِ عَبْدَ الْحَارِثِ، وَقَدْ كَانَ يُسَمَّى إِبْلِيسُ الْحَارِثَ، فَقَالَتْ: نَعَمْ. ثُمَّ قَالَتْ بَعْدَ ذَلِكَ لِآدَمَ: أَتَانِي آتٍ فِي النَّوْمِ فَقَالَ لِي كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ: إِنَّ ذَلِكَ الشَّيْطَانُ فَاحْذَرِيهِ، فَإِنَّهُ عَدُوُّنَا الَّذِي أَخْرَجَنَا مِنَ الْجَنَّةِ، ثُمَّ أَتَاهَا إِبْلِيسُ، فَأَعَادَ عَلَيْهَا، فَقَالَتْ: نَعَمْ. فَلَمَّا وَضَعَتْهُ أَخْرَجَهُ اللَّهُ سَلِيمًا، فَسَمَّتْهُ عَبْدَ الْحَارِثِ، فَهُوَ قَوْلُهُ: ﴿جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [الأعراف: ١٩٠]»
١٠ ‏/ ٦٢٦
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، وَابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: «قِيلَ لَهُ: أَشْرَكَ آدَمُ؟ قَالَ: أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَزْعُمَ أَنَّ آدَمَ أَشْرَكَ، وَلَكِنَّ حَوَّاءَ لَمَّا أَثْقَلَتْ، أَتَاهَا إِبْلِيسُ فَقَالَ لَهَا: مِنْ أَيْنَ يَخْرُجُ هَذَا مِنْ أَنْفِكِ أَوْ مِنْ عَيْنِكِ أَوْ مِنْ فِيكِ؟ فَقَنَّطَهَا، ثُمَّ قَالَ: أَرَأَيْتِ إِنْ خَرَجَ سَوِيًّا زَادَ ابْنُ فُضَيْلٍ لَمْ يَضُرَّكِ وَلَمْ يَقْتُلْكِ أَتُطِيعِينِي؟ قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ: فَسَمِّيهِ عَبْدَ الْحَارِثِ، فَفَعَلَتْ. زَادَ جَرِيرٌ: فَإِنَّمَا كَانَ شِرْكُهُ فِي الِاسْمِ»
١٠ ‏/ ٦٢٧
حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: «فَوَلَدَتْ غُلَامًا، يَعْنِي حَوَّاءَ، فَأَتَاهُمَا إِبْلِيسُ فَقَالَ: سَمُّوهُ عَبْدِي وَإِلَّا قَتَلْتُهُ، ⦗٦٢٨⦘ قَالَ لَهُ آدَمُ عليه السلام: قَدْ أَطَعْتُكَ وَأَخْرَجْتَنِي مِنَ الْجَنَّةِ، فَأَبَى أَنْ يُطِيعَهُ، فَسَمَّاهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ، فَسَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِ إِبْلِيسَ فَقَتَلَهُ. فَحَمَلَتْ بِآخَرَ، فَلَمَّا وَلَدَتْهُ قَالَ لَهَا: سَمِّيهِ عَبْدِي وَإِلَّا قَتَلْتُهُ، قَالَ لَهُ آدَمُ: قَدْ أَطَعْتُكَ فَأَخْرَجْتَنِي مِنَ الْجَنَّةِ. فَأَبَى، فَسَمَّاهُ صَالِحًا فَقَتَلَهُ. فَلَمَّا أَنْ كَانَ الثَّالِثُ، قَالَ لَهُمَا: فَإِذَا غُلِبْتُمْ فَسَمُّوهُ عَبْدَ الْحَارِثِ، وَكَانَ اسْمَ إِبْلِيسَ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ إِبْلِيسَ حِينَ أَبْلَسَ. فَفَعَلُوا، فَذَلِكَ حِينَ يَقُولُ اللَّهُ: ﴿جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا﴾ [الأعراف: ١٩٠] يَعْنِي فِي التَّسْمِيَةِ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلِ الْمَعْنِيُّ بِذَلِكَ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ مِنْ بَنِي آدَمَ جَعَلَا لِلَّهِ شُرَكَاءَ مِنَ الْآلِهَةِ وَالْأَوْثَانِ حِينَ رَزَقَهُمَا مَا رَزَقَهُمَا مِنَ الْوَلَدِ. وَقَالُوا: مَعْنَى الْكَلَامِ: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا، فَلَمَّا تَغَشَّاهَا: أَيْ: هَذَا الرَّجُلُ الْكَافِرُ، حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا، فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوْتُمَا اللَّهَ رَبَّكُمَا. قَالُوا: وَهَذَا مِمَّا ابْتُدِئَ بِهِ الْكَلَامُ عَلَى وَجْهِ الْخَطَّابِ، ثُمَّ رُدَّ إِلَى الْخَبَرِ عَنِ الْغَائِبِ، كَمَا قِيلَ: ﴿هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيْبَةٍ﴾ [يونس: ٢٢] وَقَدْ بَيَّنَّا نَظَائِرَ ذَلِكَ بِشَوَاهِدِهِ فِيمَا مَضَى قَبْلُ
١٠ ‏/ ٦٢٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا سَهْلُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنِ الْحَسَنِ: «﴿جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا﴾ [الأعراف: ١٩٠] قَالَ: كَانَ هَذَا فِي بَعْضِ أَهْلِ الْمِلَلِ، وَلَمْ يَكُنْ بِآدَمَ»
١٠ ‏/ ٦٢٩
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، قَالَ. قَالَ الْحَسَنُ: «عَنَى بِهَذَا ذُرِّيَّةَ آدَمَ، مَنْ أَشْرَكَ مِنْهُمْ بَعْدَهُ. يَعْنِي بِقَوْلِهِ: ﴿فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا﴾ [الأعراف: ١٩٠]»
١٠ ‏/ ٦٢٩
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: كَانَ الْحَسَنُ يَقُولُ: «هُمُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، رَزَقَهُمُ اللَّهُ أَوْلَادًا فَهَوَّدُوا وَنَصَّرُوا» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: عَنَى بِقَوْلِهِ: ﴿فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ﴾ [الأعراف: ١٩٠] فِي الِاسْمِ لَا فِي الْعِبَادَةِ، وَأَنَّ الْمَعْنِيَّ بِذَلِكَ آدَمُ وَحَوَّاءُ؛ لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ عَلَى ذَلِكَ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَمَا أَنْتَ قَائِلٌ إِذْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا وَصَفْتَ فِي تَأْوِيلِ هَذِهِ
١٠ ‏/ ٦٢٩
الْآيَةِ، وَأَنَّ الْمَعْنِيَّ بِهَا آدَمُ وَحَوَّاءُ فِي قَوْلِهِ: ﴿فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [الأعراف: ١٩٠] أَهُوَ اسْتِنْكَافٌ مِنَ اللَّهِ أَنْ يَكُونَ لَهُ فِي الْأَسْمَاءِ شَرِيكٌ أَوْ فِي الْعِبَادَةِ؟ فَإِنْ قُلْتَ فِي الْأَسْمَاءِ دَلَّ عَلَى فَسَادِهِ قَوْلُهُ: ﴿أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ﴾ [الأعراف: ١٩١] وَإِنْ قُلْتَ فِي الْعِبَادَةِ، قِيلَ لَكَ: أَفَكَانَ آدَمُ أَشْرَكَ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ غَيْرَهُ؟ قِيلَ لَهُ: إِنَّ الْقَوْلَ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: ﴿فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [المؤمنون: ٩٢] لَيْسَ بِالَّذِي ظَنَنْتَ، وَإِنَّمَا الْقَوْلُ فِيهِ: فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُ بِهِ مُشْرِكُو الْعَرَبِ مِنْ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ. فَأَمَّا الْخَبَرُ عَنْ آدَمَ وَحَوَّاءَ فَقَدِ انْقَضَى عِنْدَ قَوْلِهِ: ﴿جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا﴾ [الأعراف: ١٩٠] ثُمَّ اسْتُؤْنِفَ قَوْلُهُ: ﴿فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [الأعراف: ١٩٠]
١٠ ‏/ ٦٣٠
كَمَا حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَوْلُهُ: «﴿فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [الأعراف: ١٩٠] يَقُولُ: هَذِهِ فَصْلٌ مِنْ آيَةِ آدَمَ خَاصَّةٌ فِي آلِهَةِ الْعَرَبِ» وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿شُرَكَاءَ﴾ [النساء: ١٢] فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَبَعْضُ الْمَكِّيِّينَ وَالْكُوفِيِّينَ: (جَعَلَا لَهُ شِرْكًا) بِكَسْرِ الشِّينِ، بِمَعْنَى الشَّرِكَةِ. وَقَرَأَهُ بَعْضُ الْمَكِّيِّينَ وَعَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفِيِّينَ وَبَعْضُ الْبَصْرِيِّينَ: ﴿جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ﴾ [الأعراف: ١٩٠] بِضَمِّ الشِّينِ، بِمَعْنَى جَمْعِ شَرِيكٍ. وَهَذِهِ الْقِرَاءَةُ أَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ بِالصَّوَابِ؛ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ لَوْ صَحَّتْ بِكَسْرِ ⦗٦٣١⦘ الشِّينِ لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ: فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لِغَيْرِهِ فِيهِ شِرْكًا؛ لِأَنَّ آدَمَ وَحَوَّاءَ لَمْ يَدِينَا بِأَنَّ وَلَدَهُمَا مِنْ عَطِيَّةِ إِبْلِيسَ ثُمَّ يَجْعَلَا لِلَّهِ فِيهِ شِرْكًا لِتَسْمِيَتِهِمَا إِيَّاهُ بِعَبْدِ اللَّهِ، وَإِنَّمَا كَانَا يَدِينَانِ لَا شَكَّ بِأَنَّ وَلَدَهُمَا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَعَطِيَّتِهِ، ثُمَّ سَمَّيَاهُ عَبْدَ الْحَارِثِ، فَجَعَلَا لِإِبْلِيسَ فِيهِ شِرْكًا بِالِاسْمِ، فَلَوْ كَانَتْ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ: (شِرْكًا) صَحِيحَةً وَجَبَ مَا قُلْنَا أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ: جَعَلَا لِغَيْرِهِ فِيهِ شِرْكًا، وَفِي نُزُولِ وَحْيِ اللَّهِ بِقَوْلِهِ: ﴿جَعَلَا لَهُ﴾ [الأعراف: ١٩٠] مَا يُوَضِّحُ عَنْ أَنَّ الصَّحِيحَ مِنَ الْقِرَاءَةِ: ﴿شُرَكَاءَ﴾ [النساء: ١٢] بِضَمِّ الشِّينِ عَلَى مَا بَيَّنْتُ قَبْلُ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَإِنَّ آدَمَ وَحَوَّاءَ إِنَّمَا سَمَّيَا ابْنَهُمَا عَبْدَ الْحَارِثِ، وَالْحَارِثُ وَاحِدٌ، وَقَوْلُهُ: ﴿شُرَكَاءَ﴾ [النساء: ١٢] جَمَاعَةٌ، فَكَيْفَ وَصَفَهُمَا جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِأَنَّهُمَا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ، وَإِنَّمَا أَشْرَكَا وَاحِدًا؟ قِيلَ: قَدْ دَلَلْنَا فِيمَا مَضَى عَلَى أَنَّ الْعَرَبَ تُخْرِجُ الْخَبَرَ عَنِ الْوَاحِدِ مَخْرَجَ الْخَبَرِ عَنِ الْجَمَاعَةِ إِذَا لَمْ تَقْصِدْ وَاحِدًا بِعَيْنِهِ وَلَمْ تُسَمِّهِ، كَقَوْلِهِ: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ﴾ [آل عمران: ١٧٣] وَإِنَّمَا كَانَ الْقَائِلُ ذَلِكَ وَاحِدًا، فَأَخْرَجَ الْخَبَرَ مَخْرَجَ الْخَبَرِ عَنِ الْجَمَاعَةِ؛ إِذْ لَمْ يَقْصِدْ قَصْدَهُ، وَذَلِكَ مُسْتَفِيضٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ وَأَشْعَارِهَا
١٠ ‏/ ٦٣٠
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [الأعراف: ١٩٠] فَتَنْزِيهٌ مِنَ اللَّهِ تبارك وتعالى نَفْسَهُ، وَتَعْظِيمٌ لَهَا عَمَّا يَقُولُ فِيهِ الْمُبْطِلُونَ وَيَدْعُونَ مَعَهُ مِنَ الْآلِهَةِ وَالْأَوْثَانِ
١٠ ‏/ ٦٣١
كَمَا حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ⦗٦٣٢⦘: «﴿فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [الأعراف: ١٩٠] قَالَ: هُوَ الْإِنْكَافُ، أَنْكَفَ نَفْسَهُ جَلَّ وَعَزَّ، يَقُولُ: عَظَّمَ نَفْسَهُ، وَأَنْكَفَتِ الْمَلَائِكَةُ وَمَا سَبَّحَ لَهُ»
١٠ ‏/ ٦٣١
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ صَدَقَةَ، يُحَدِّثُ عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: «هَذَا مِنَ الْمَوْصُولِ وَالْمَفْصُولِ قَوْلُهُ: ﴿جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا﴾ [الأعراف: ١٩٠] فِي شَأْنِ آدَمَ وَحَوَّاءَ، ثُمَّ قَالَ اللَّهُ تبارك وتعالى: ﴿فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [الأعراف: ١٩٠] قَالَ: عَمَّا يُشْرِكُ الْمُشْرِكُونَ، وَلَمْ يَعْنِهِمَا»
١٠ ‏/ ٦٣٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ﴾ [الأعراف: ١٩١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَيُشْرِكُونَ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ، فَيَعْبُدُونَ مَعَهُ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَاللَّهُ يَخْلُقُهَا وَيُنْشِئُهَا، وَإِنَّمَا الْعِبَادَةُ الْخَالِصَةُ لِلْخَالِقِ لَا لِلْمَخْلُوقِ؟ وَكَانَ ابْنُ زَيْدٍ يَقُولُ فِي ذَلِكَ بِمَا
١٠ ‏/ ٦٣٢
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، قَالَ: «وُلِدَ لِآدَمَ وَحَوَّاءَ وَلَدٌ، فَسَمَّيَاهُ عَبْدَ اللَّهِ، فَأَتَاهُمَا إِبْلِيسُ فَقَالَ: مَا سَمَّيْتُمَا يَا آدَمُ وَيَا حَوَّاءُ ابْنَكُمَا؟ قَالَ: وَكَانَ وُلِدَ لَهُمَا قَبْلَ ذَلِكَ وَلَدٌ، فَسَمَّيَاهُ عَبْدَ اللَّهِ، فَمَاتَ، فَقَالَا: سَمَّيْنَاهُ عَبْدَ اللَّهِ. فَقَالَ إِبْلِيسُ: أَتَظُنَّانِ أَنَّ اللَّهَ تَارِكٌ عَبْدَهُ عِنْدَكُمَا؟ لَا وَاللَّهِ لَيَذْهَبَنَّ بِهِ كَمَا ⦗٦٣٣⦘ ذَهَبَ بِالْآخَرِ، وَلَكِنْ أَدُلُّكُمَا عَلَى اسْمٍ يَبْقَى لَكُمَا مَا بَقِيتُمَا؟ فَسَمَّيَاهُ عَبْدَ شَمْسٍ، قَالَ: فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تبارك وتعالى: ﴿أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ﴾ [الأعراف: ١٩١] الشَّمْسُ تَخْلُقُ شَيْئًا حَتَّى يَكُونَ لَهَا عَبْدٌ؟ إِنَّمَا هِيَ مَخْلُوقَةٌ» وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «خَدَعَهُمَا مَرَّتَيْنِ: خَدَعَهُمَا فِي الْجَنَّةِ، وَخَدَعَهُمَا فِي الْأَرْضِ» وَقِيلَ: ﴿وَهُمْ يُخْلَقُونَ﴾ [الأعراف: ١٩١]، فَأَخْرَجَ مَكْنِيِّهِمْ مَخْرَجَ مَكْنِيِّ بَنِي آدَمَ، وَقَدْ قَالَ: ﴿أَيُشْرِكُونَ مَا﴾ [الأعراف: ١٩١] فَأَخْرَجَ ذِكْرَهُمْ بِـ مَا لَا بِـ مَنْ مَخْرَجَ الْخَبَرِ عَنْ غَيْرِ بَنِي آدَمَ؛ لِأَنَّ الَّذِي كَانُوا يَعْبُدُونَهُ إِنَّمَا كَانَ حَجَرًا أَوْ خَشَبًا أَوْ نُحَاسًا، أَوْ بَعْضَ الْأَشْيَاءِ الَّتِي يُخْبِرُ عَنْهَا بِـ «مَا» لَا بِـ «مَنْ»، فَقِيلَ: «وَهُمْ»، فَأُخْرِجَتْ كِنَايَتُهُمْ مَخْرَجَ كِنَايَةِ بَنِي آدَمَ؛ لِأَنَّ الْخَبَرَ عَنْهَا بِتَعْظِيمِ الْمُشْرِكِينَ إِيَّاهَا نَظِيرُ الْخَبَرِ عَنْ تَعْظِيمِ النَّاسِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا
١٠ ‏/ ٦٣٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ﴾ [الأعراف: ١٩٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَيُشْرِكُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا مِنْ خَلْقِ اللَّهِ، وَلَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَنْصُرَهُمْ إِنْ أَرَادَ اللَّهُ أَوْ أَحَلَّ بِهِمْ عُقُوبَةً، وَلَا هُوَ قَادِرٌ إِنْ أَرَادَ بِهِ سُوءًا نَصْرَ نَفْسِهِ وَلَا دَفْعَ ضُرٍّ عَنْهَا. وَإِنَّمَا الْعَابِدُ يَعْبُدُ مَا يَعْبُدُهُ لِاجْتِلَابِ نَفْعٍ مِنْهُ أَوْ لِدَفْعِ ضُرٍّ مِنْهُ عَنْ نَفْسِهِ. وَآلِهَتُهُمُ الَّتِي يَعْبُدُونَهَا وَيُشْرِكُونَهَا فِي عِبَادَةِ اللَّهِ لَا تَنْفَعُهُمْ وَلَا تَضُرُّهُمْ، بَلْ لَا تَجْتَلِبُ ⦗٦٣٤⦘ إِلَى نَفْسِهَا نَفْعًا وَلَا تَدْفَعُ عَنْهَا ضُرًّا، فَهِيَ مِنْ نَفْعِ غَيْرِ أَنْفُسِهَا أَوْ دَفْعِ الضُّرِّ عَنْهَا أَبْعَدُ. يُعَجِّبُ تبارك وتعالى خَلْقَهُ مِنْ عَظِيمِ خَطَإِ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُشْرِكُونَ فِي عِبَادَتِهِمُ اللَّهَ غَيْرَهُ
١٠ ‏/ ٦٣٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَتَّبِعُوكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ﴾ [الأعراف: ١٩٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ فِي وَصَفِهِ وَعَيْبِهِ مَا يُشْرِكُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ فِي عِبَادَتِهِمْ رَبَّهُمْ إِيَّاهُ: وَمِنْ صِفَتِهِ أَنَّكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الطَّرِيقِ الْمُسْتَقِيمِ، وَالْأَمْرِ الصَّحِيحِ السَّدِيدِ ﴿لَا يَتَّبِعُوكُمْ﴾ [الأعراف: ١٩٣] لِأَنَّهَا لَيْسَتْ تَعْقِلُ شَيْئًا، فَتُتْرَكَ مِنَ الطُّرُقِ مَا كَانَ عَنِ الْقَصْدِ مُنْعَدِلًا جَائِرًا، وَتَرْكَبَ مَا كَانَ مُسْتَقِيمًا سَدِيدًا. وَإِنَّمَا أَرَادَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِوَصْفِ آلِهَتِهِمْ بِذَلِكَ مِنْ صِفَتِهَا تَنْبِيهَهُمْ عَلَى عَظِيمِ خَطَئِهِمْ، وَقُبْحِ اخْتِيَارِهِمْ، يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: فَكَيْفَ يَهْدِيكُمْ إِلَى الرَّشَادِ مَنْ إِنْ دُعِيَ إِلَى الرَّشَادِ وَعُرِّفَهُ لَمْ يَعْرِفْهُ، وَلَمْ يَفْهَمْ رَشَادًا مِنْ ضَلَالٍ، وَكَانَ سَوَاءً دُعَاءُ دَاعِيهِ إِلَى الرَّشَادِ وَسُكُوتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَفْهَمُ دُعَاءَهُ، وَلَا يَسْمَعُ صَوْتَهُ، وَلَا يَعْقِلُ مَا يُقَالُ لَهُ؟ يَقُولُ: فَكَيْفَ يُعْبَدُ مَنْ كَانَتْ هَذِهِ صِفَتَهُ أَمْ كَيْفَ يُشْكِلُ عَظِيمُ جَهْلِ مَنِ اتَّخَذَ مَا هَذِهِ صِفَتُهُ إِلَهًا؟ وَإِنَّمَا الرَّبُّ الْمَعْبُودُ هُوَ النَّافِعُ مَنْ يَعْبُدُهُ، الضَّارُّ مَنْ يَعْصِيهِ، النَّاصِرُ وَلِيَّهُ، الْخَاذِلُ عَدُوَّهُ، الْهَادِي إِلَى الرَّشَادِ مَنْ أَطَاعَهُ، السَّامِعُ دُعَاءَ مَنْ دَعَاهُ. وَقِيلَ: ﴿سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ﴾ [الأعراف: ١٩٣] فَعَطَفَ بِقَوْلِهِ: ﴿صَامِتُونَ﴾ [الأعراف: ١٩٣]، وَهُوَ اسْمٌ عَلَى قَوْلِهِ: ﴿أَدَعَوْتُمُوهُمْ﴾ [الأعراف: ١٩٣]، وَهُوَ فِعْلٌ مَاضٍ، وَلَمْ يَقُلْ: أَمْ صَمَتُّمْ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ.
[البحر الطويل]
١٠ ‏/ ٦٣٤
سَوَاءٌ عَلَيْكَ الْقَفْرُ أَمْ بِتَّ لَيْلَةً … بِأَهْلِ الْقِبَابِ مِنْ نُمَيْرِ بْنِ عَامِرٍ
وَقَدْ يُنْشَدُ: «أَمْ أَنْتَ بَائِتٌ»
١٠ ‏/ ٦٣٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [الأعراف: ١٩٤] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ مُوَبِّخُهُمْ عَلَى عِبَادَتِهِمْ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ مِنَ الْأَصْنَامِ: إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ أَيُّهَا الْمُشْرِكُونَ آلِهَةً مِنْ دُونِ اللَّهِ، وتَعْبُدُونَهَا شِرْكًا مِنْكُمْ وَكُفْرًا بِاللَّهِ، ﴿عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ﴾ [الأعراف: ١٩٤] يَقُولُ: هُمْ أَمْلَاكٌ لِرَبِّكُمْ، كَمَا أَنْتُمْ لَهُ مَمَالِيكُ. فَإِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ أَنَّهَا تَضُرُّ وَتَنْفَعُ وَأَنَّهَا تَسْتَوْجِبُ مِنْكُمُ الْعِبَادَةَ لِنَفْعِهَا إِيَّاكُمْ، فَلْيَسْتَجِيبُوا لِدُعَائِكُمْ إِذَا دَعَوْتُمُوهُمْ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ لِأَنَّهَا لَا تَسْمَعُ دُعَاءَكُمْ، فَأَيْقِنُوا بِأَنَّهَا لَا تَنْفَعُ وَلَا تَضُرُّ؛ لِأَنَّ الضُّرَّ وَالنَّفْعَ إِنَّمَا يَكُونَانِ مِمَّنْ إِذَا سُئِلَ سَمِعَ مَسْأَلَةَ سَائِلٍ وَأَعْطَى وَأَفْضَلَ، وَمَنْ إِذَا شُكِيَ إِلَيْهِ مِنْ شَيْءٍ سَمِعَ فَضَرَّ مَنِ اسْتَحَقَّ الْعُقُوبَةَ وَنَفَعَ مَنْ لَا يَسْتَوْجِبُ الضُّرَّ
١٠ ‏/ ٦٣٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلْ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلَا تُنْظِرونْ﴾ [الأعراف: ١٩٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ عَبَدُوا الْأَصْنَامَ مِنْ دُونِهِ مُعَرِّفُهُمْ جَهْلَ مَا هُمْ عَلَيْهِ مُقِيمُونَ: أَلِأَصْنَامِكُمْ هَذِهِ أَيُّهَا الْقَوْمُ ﴿أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا﴾ [الأعراف: ١٩٥] فَيَسْعَوْنَ مَعَكُمْ
١٠ ‏/ ٦٣٥
وَلَكُمْ فِي حَوَائِجِكُمْ وَيَتَصَرَّفُونَ بِهَا فِي مَنَافِعِكُمْ. ﴿أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا﴾ [الأعراف: ١٩٥] فَيَدْفَعُونَ عَنْكُمْ وَيَنْصُرُونَكُمْ بِهَا عِنْدَ قَصْدِ مَنْ يَقْصِدُكُمْ بِشَرٍّ وَمَكْرُوهٍ. ﴿أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا﴾ [الأعراف: ١٩٥] فَيُعَرِّفُوكُمْ مَا عَايَنُوا وَأَبْصَرُوا مِمَّا تَغِيبُونَ عَنْهُ فَلَا تَرَوْنَهُ. ﴿أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا﴾ [الأعراف: ١٩٥] فَيُخْبِرُوكُمْ بِمَا سَمِعُوا دُونَكُمْ مِمَّا لَمْ تَسْمَعُوهُ؟ يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: فَإِنْ كَانَتْ آلِهَتُكُمُ الَّتِي تَعْبُدُونَهَا لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْآلْاتِ الَّتِي ذَكَرْتُهَا، وَالْمُعَظَّمُ مِنَ الْأَشْيَاءِ إِنَّمَا يُعَظَّمُ لِمَا يُرْجَى مِنْهُ مِنَ الْمَنَافِعِ الَّتِي تُوَصِّلُ إِلَيْهِ بَعْضُ هَذِهِ الْمَعَانِي عِنْدَكُمْ، فَمَا وَجْهُ عِبَادَتِكُمْ أَصْنَامَكُمُ الَّتِي تَعْبُدُونَهَا، وَهِيَ خَالِيَةٌ مِنْ كُلِّ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي بِهَا يُوصَّلُ إِلَى اجْتِلَابِ النَّفْعِ وَدَفْعِ الضُّرِّ؟ وَقَوْلُهُ: ﴿قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ﴾ [الأعراف: ١٩٥] أَنْتُمْ وَهُنَّ. ﴿فَلَا تُنْظِرُونِ﴾ [الأعراف: ١٩٥] يَقُولُ: فَلَا تُؤَخِّرُونَ بِالْكَيْدِ وَالْمَكْرِ، وَلَكِنْ عَجِّلُوا بِذَلِكَ. يُعْلِمُهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِذَلِكَ أَنَّهُمْ لَمْ يَضُرُّوهُ، وَأَنَّهُ قَدْ عَصَمَهُ مِنْهُمْ، وَيُعَرِّفُ الْكَفَرَةَ بِهِ عَجْزَ أَوْثَانِهِمْ عَنْ نُصْرَةِ مَنْ بَغَى أَوْلِيَاءَهُمْ بِسُوءٍ
١٠ ‏/ ٦٣٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ﴾ [الأعراف: ١٩٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِلْمُشْرِكِينَ مِنْ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ: إِنَّ وَلِيِّيَ نَصِيرِي وَمُعِينِي وَظَهِيرِي عَلَيْكُمُ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ عَلَيَّ بِالْحَقِّ، وَهُوَ الَّذِي يَتَوَلَّى مَنْ صَلُحَ عَمَلُهُ بِطَاعَتِهِ مِنْ خَلْقِهِ
١٠ ‏/ ٦٣٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ﴾ [الأعراف: ١٩٧]⦗٦٣٧⦘ وَهَذَا أَيْضًا أَمْرٌ مِنَ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِنَبِيِّهِ أَنْ يَقُولَهُ لِلْمُشْرِكِينَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ لَهُمْ، إِنَّ اللَّهَ نَصِيرِي وَظَهِيرِي، وَالَّذِينَ تَدْعُونَ أَنْتُمْ أَيُّهَا الْمُشْرِكُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنَ الْآلِهَةِ، لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ، وَلَا هُمْ مَعَ عَجْزِهِمْ عَنْ نُصْرَتِكُمْ يَقْدِرُونَ عَلَى نُصْرَةِ أَنْفُسِهِمْ، فَأَيُّ هَذَيْنِ أَوْلَى بِالْعِبَادَةِ وَأَحَقُّ بِالْأُلُوهَةِ، أَمَّنْ يَنْصُرُ وَلِيَّهُ وَيَمْنَعُ نَفْسَهُ مِمَّنْ أَرَادَهُ، أَمْ مَنْ لَا يَسْتَطِيعُ نَصْرَ وَلِيِّهِ وَيَعْجِزُ عَنْ مَنْعِ نَفْسِهِ مِمَّنْ أَرَادَهُ وَبَغَاهُ بِمَكْرُوهٍ؟
١٠ ‏/ ٦٣٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَسْمَعُوا وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ﴾ [الأعراف: ١٩٨] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: قُلْ لِلْمُشْرِكِينَ: وَإِنْ تَدْعُوا أَيُّهَا الْمُشْرِكُونَ آلِهَتَكُمْ إِلَى الْهُدَى، وَهُوَ الِاسْتِقَامَةُ إِلَى السَّدَادَ، ﴿لَا يَسْمَعُوا﴾ [الأعراف: ١٩٨] يَقُولُ: لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ. ﴿وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ﴾ [الأعراف: ١٩٨] وَهَذَا خِطَابٌ مِنَ اللَّهِ لِنَبِيِّهِ ﷺ، يَقُولُ: وَتَرَى يَا مُحَمَّدُ آلِهَتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ. وَلِذَلِكَ وَحَّدَ، وَلَوْ كَانَ أَمَرَ النَّبِيَّ ﷺ بِخِطَابِ الْمُشْرِكِينَ لَقَالَ: وَتَرَوْنَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكُمْ وَقَدْ رُوِيَ عَنِ السُّدِّيِّ فِي ذَلِكَ
١٠ ‏/ ٦٣٧
مَا: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: «﴿وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَسْمَعُوا وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ﴾ [الأعراف: ١٩٨] قَالَ: هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ» وَقَدْ يَحْتَمِلُ قَوْلُ السُّدِّيِّ هَذَا أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِقَوْلِهِ: هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ قَوْلَ ⦗٦٣٨⦘ اللَّهِ: ﴿وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَسْمَعُوا﴾ [الأعراف: ١٩٨] وَقَدْ كَانَ مُجَاهِدٌ يَقُولُ فِي ذَلِكَ
١٠ ‏/ ٦٣٧
مَا حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ﴾ [الأعراف: ١٩٨] مَا تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى» وَكَأَنَّ مُجَاهِدًا وَجَّهَ مَعْنَى الْكَلَامِ إِلَى أَنَّ مَعْنَاهُ: وَتَرَى الْمُشْرِكِينَ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ. فَهُوَ وَجْهٌ، وَلَكِنَّ الْكَلَامَ فِي سِيَاقِ الْخَبَرِ عَنِ الْآلِهَةِ فَهُوَ بِوَصْفِهَا أَشْبَهُ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ﴾ [الأعراف: ١٩٨]؟ وَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ يَنْظُرُ إِلَى شَيْءٍ وَلَا يَرَاهُ؟ قِيلَ: إِنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ لِلشَّيْءِ إِذَا قَابِلَ شَيْئًا أَوْ حَاذَاهُ هُوَ يَنْظُرُ إِلَى كَذَا، وَيُقَالُ: مَنْزِلُ فُلَانٍ يَنْظُرُ إِلَى مَنْزِلِي إِذَا قَابَلَهُ. وَحُكِيَ عَنْهَا: إِذَا أَتَيْتَ مَوْضِعَ كَذَا وَكَذَا، فَنَظَرَ إِلَيْكَ الْجَبَلُ، فَخُذْ يَمِينًا أَوْ شِمَالًا. وَحُدِّثْتُ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ، قَالَ: قَالَ الْكِسَائِيُّ: الْحَائِطُ يَنْظُرُ إِلَيْكَ إِذَا كَانَ قَرِيبًا مِنْكَ حَيْثُ تَرَاهُ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
[البحر الوافر] إِذَا نَظَرَتْ بِلَادُ بَنِي تَمِيمٍ … بِعَيْنٍ أَوْ بِلَادُ بَنِي صُبَاحٍ
⦗٦٣٩⦘ يُرِيدُ: تَقَابَلَ نَبْتُهَا وَعُشْبُهَا وَتَحَاذَى. فَمَعْنَى الْكَلَامِ: وَتَرَى يَا مُحَمَّدُ آلِهَةَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ يُقَابِلُونَكَ وَيُحَاذُونَكَ، وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَكَ؛ لِأَنَّهُ لَا أَبَصْارَ لَهُمْ. وَقِيلَ: «وَتَرَاهُمْ»، وَلَمْ يَقُلْ: «وَتَرَاهَا» أَنَّهَا صُوَرٌ مُصَوَّرَةٌ عَلَى صُوَرِ بَنِي آدَمَ
١٠ ‏/ ٦٣٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿خُذِ الْعَفْوَ﴾ [الأعراف: ١٩٩] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: تَأْوِيلُهُ: خُذِ الْعَفْوَ مِنْ أَخْلَاقِ النَّاسِ، وَهُوَ الْفَضْلُ وَمَا لَا يُجْهِدُهُمْ
١٠ ‏/ ٦٣٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿خُذِ الْعَفْوَ﴾ [الأعراف: ١٩٩] قَالَ: مِنْ أَخْلَاقِ النَّاسِ وَأَعْمَالِهِمْ بِغَيْرِ تَحَسُّسٍ»
١٠ ‏/ ٦٣٩
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ وَابْنُ وَكِيعٍ، قَالَا: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: «﴿خُذِ الْعَفْوَ﴾ [الأعراف: ١٩٩] قَالَ: عَفْوُ أَخْلَاقِ النَّاسِ، وَعَفْوُ أُمُورِهِمْ»
١٠ ‏/ ٦٣٩
حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: ثني ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿خُذِ الْعَفْوَ﴾ [الأعراف: ١٩٩] . الْآيَةَ. قَالَ عُرْوَةُ: «أَمَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ ﷺ أَنْ يَأْخُذَ الْعَفْوَ مِنْ أَخْلَاقِ النَّاسِ»
١٠ ‏/ ٦٣٩
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: «مَا أَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ إِلَّا فِي أَخْلَاقِ النَّاسِ: ﴿خُذِ الْعَفْوَ﴾ [الأعراف: ١٩٩] وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ» الْآيَةَ
١٠ ‏/ ٦٤٠
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: بَلَغَنِي عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿خُذِ الْعَفْوَ﴾ [الأعراف: ١٩٩] مِنْ أَخْلَاقِ النَّاسِ وَأَعْمَالِهِمْ بِغَيْرِ تَحَسُّسٍ»
١٠ ‏/ ٦٤٠
قَالَ: ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ: «﴿خُذِ الْعَفْوَ﴾ [الأعراف: ١٩٩] قَالَ: مِنْ أَخْلَاقِ النَّاسِ، وَاللَّهِ لآخُذَنَّهُ مِنْهُمْ مَا صَحِبْتُهُمْ»
١٠ ‏/ ٦٤٠
قَالَ: ثنا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: «إِنَّمَا أَنْزَلَ اللَّهُ ﴿خُذِ الْعَفْوَ﴾ [الأعراف: ١٩٩] مِنْ أَخْلَاقِ النَّاسِ»
١٠ ‏/ ٦٤٠
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَهُ ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿خُذِ الْعَفْوَ﴾ [الأعراف: ١٩٩] قَالَ: مِنْ أَخْلَاقِ النَّاسِ وَأَعْمَالِهِمْ مِنْ غَيْرِ تَجَسُّسٍ أَوْ تَحَسُّسٍ، شَكَّ أَبُو عَاصِمٍ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: ﴿خُذِ الْعَفْوَ﴾ [الأعراف: ١٩٩] مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ، وَهُوَ الْفَضْلُ. قَالُوا: وَأُمِرَ بِذَلِكَ قَبْلَ نُزُولِ الزَّكَاةِ، فَلَمَّا نَزَلَتِ الزَّكَاةُ نُسِخَ
١٠ ‏/ ٦٤١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ «﴿خُذِ الْعَفْوَ﴾ [الأعراف: ١٩٩] يَعْنِي: خُذْ مَا عَفَا لَكَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، وَمَا أَتَوْكَ بِهِ مِنْ شَيْءٍ فَخُذْهُ. فَكَانَ هَذَا قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ بَرَاءَةٌ بِفَرَائِضِ الصَّدَقَاتِ وَتَفْصِيلِهَا وَمَا انْتَهَتِ الصَّدَقَاتُ إِلَيْهِ»
١٠ ‏/ ٦٤١
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: «﴿خُذِ الْعَفْوَ﴾ [الأعراف: ١٩٩] أَمَا الْعَفْوُ: فَالْفَضْلُ مِنَ الْمَالِ، نَسَخَتْهَا الزَّكَاةُ»
١٠ ‏/ ٦٤١
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: ثنا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: «﴿خُذِ الْعَفْوَ﴾ [الأعراف: ١٩٩] يَقُولُ: خُذْ مَا عَفَا مِنْ أَمْوَالِهِمْ، وَهَذَا قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ الصَّدَقَةُ الْمَفْرُوضَةُ» ⦗٦٤٢⦘ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ ذَلِكَ أَمْرٌ مِنَ اللَّهِ نَبِيَّهُ ﷺ بِالْعَفْوِ عَنِ الْمُشْرِكِينَ وَتَرْكِ الْغِلْظَةِ عَلَيْهِمْ قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ قِتَالُهُمْ عَلَيْهِ
١٠ ‏/ ٦٤١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿خُذِ الْعَفْوَ﴾ [الأعراف: ١٩٩] قَالَ: أَمَرَهُ فَأَعْرَضَ عَنْهُمْ عَشْرَ سِنِينَ بِمَكَّةَ. قَالَ: ثُمَّ أَمَرَهُ بِالْغِلْظَةِ عَلَيْهِمْ وَأَنْ يَقْعُدُ لَهُمْ كُلَّ مُرْصَدٍ وَأَنْ يَحْصُرَهُمْ، ثُمَّ قَالَ: ﴿فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ﴾ [التوبة: ٥] الْآيَةَ كُلَّهَا، وَقَرَأَ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ﴾ [التوبة: ٧٣] قَالَ: وَأَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِالْغِلْظَةِ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً﴾ [التوبة: ١٢٣] بَعْدَمَا كَانَ أَمَرَهُمْ بِالْعَفْوِ، وَقَرَأَ قَوْلَ اللَّهِ: ﴿قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ﴾ [الجاثية: ١٤] ثُمَّ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَّا الْإِسْلَامُ أَوِ الْقَتْلُ، فَنَسَخَتْ هَذِهِ الْآيَةُ الْعَفْوَ» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَاهُ: خُذِ الْعَفْوَ مِنْ أَخْلَاقِ النَّاسِ، وَاتْرُكِ الْغِلْظَةَ عَلَيْهِمْ، وَقَالَ: أُمِرَ بِذَلِكَ نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ فِي الْمُشْرِكِينَ. وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَتْبَعَ ذَلِكَ تَعْلِيمَهُ نَبِيَّهُ ﷺ مُحَاجَّتَهُ الْمُشْرِكِينَ فِي الْكَلَامِ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿قُلِ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلَا تُنْظِرُونِ﴾ [الأعراف: ١٩٥]، وَعَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قَالُوا لَوْلَا اجْتَبَيْتَهَا﴾ [الأعراف: ٢٠٣] فَمَا بَيْنَ ذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ مِنْ تَأْدِيبِهِ نَبِيَّهُ ﷺ فِي عِشْرَتِهِمْ بِهِ أَشْبَهُ وَأَوْلَى مِنَ الِاعْتِرَاضِ ⦗٦٤٣⦘ بِأَمْرِهِ بِأَخْذِ الصَّدَقَةِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: أَفَمَنْسُوخٌ ذَلِكَ؟ قِيلَ: لَا دَلَالَةَ عِنْدَنَا عَلَى أَنَّهُ مَنْسُوخٌ؛ إِذْ كَانَ جَائِزًا أَنْ يَكُونَ، وَإِنْ كَانَ اللَّهُ أَنْزَلَهُ عَلَى نَبِيِّهِ ﷺ فِي تَعْرِيفِهِ عِشْرَةَ مَنْ لَمْ يُؤْمَرْ بِقِتَالِهِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، مُرَادًا بِهِ تَأْدِيبَ نَبِيِّ اللَّهِ وَالْمُسْلِمِينَ جَمِيعًا فِي عِشْرَةِ النَّاسِ وَأَمْرِهِمْ بِأَخْذِ عَفُوِ أَخْلَاقِهِمْ، فَيَكُونُ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَجْلِهِمْ نَزَلَ تَعْلِيمًا مِنَ اللَّهِ خَلْقَهُ صِفَةَ عِشْرَةِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا، لَمْ يَجِبِ اسْتِعْمَالُ الْغِلْظَةِ وَالشِّدَّةِ فِي بَعْضِهِمْ، فَإِذَا وَجَبَ اسْتِعْمَالُ ذَلِكَ فِيهِمُ اسْتُعْمِلَ الْوَاجِبُ، فَيَكُونُ قَوْلُهُ: ﴿خُذِ الْعَفْوَ﴾ [الأعراف: ١٩٩] أَمْرًا بِأَخْذِهِ مَا لَمْ يَجِبْ غَيْرُ الْعَفْوِ، فَإِذَا وَجَبَ غَيْرُهُ أُخِذَ الْوَاجِبُ وَغَيْرُ الْوَاجِبِ إِذَا أَمْكَنَ ذَلِكَ، فَلَا يُحْكَمُ عَلَى الْآيَةِ بِأَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ لِمَا قَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي نَظَائِرِهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ كُتُبِنَا
١٠ ‏/ ٦٤٢
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ﴾ [الأعراف: ١٩٩] فَإِنَّ أَهْلَ التَّأْوِيلِ اخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ
١٠ ‏/ ٦٤٣
بِمَا: حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ الزِّبْرِقَانِ النَّخَعِيُّ، قَالَ: ثني حُسَيْنٌ الْجُعْفِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ رَجُلٍ، قَدْ سَمَّاهُ، قَالَ: «لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾ [الأعراف: ١٩٩] قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «يَا جِبْرِيلُ مَا هَذَا»؟ قَالَ: مَا أَدْرِي حَتَّى أَسْأَلَ الْعَالِمَ. قَالَ: ثُمَّ قَالَ جِبْرِيلُ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَصِلَ مَنْ قَطَعَكَ، وَتُعْطِيَ مَنْ حَرَمَكَ، وَتَعْفُوَ عَمَّنْ ظَلَمَكَ»
١٠ ‏/ ٦٤٣
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أُبَيٍّ، قَالَ: «لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ ⦗٦٤٤⦘ ﷺ: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾ [الأعراف: ١٩٩] قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «مَا هَذَا يَا جِبْرِيلُ»؟ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَعْفُوَ عَمَّنْ ظَلَمَكَ، وَتُعْطِيَ مَنْ حَرَمَكَ، وَتَصِلَ مَنْ قَطَعَكَ»
١٠ ‏/ ٦٤٣
وَقَالَ آخَرُونَ بِمَا حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ: ﴿وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ﴾ [الأعراف: ١٩٩] يَقُولُ: بِالْمَعْرُوفِ “
١٠ ‏/ ٦٤٤
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: «﴿وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ﴾ [الأعراف: ١٩٩] قَالَ: أَمَا الْعُرْفُ: فَالْمَعْرُوفُ»
١٠ ‏/ ٦٤٤
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ﴾ [الأعراف: ١٩٩] أَيْ: بِالْمَعْرُوفِ» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ أَمَرَ نَبِيَّهُ ﷺ أَنْ يَأْمُرَ النَّاسَ بِالْعُرْفِ، وَهُوَ الْمَعْرُوفُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، مَصْدَرٌ فِي مَعْنَى الْمَعْرُوفِ، يُقَالُ أَوْلَيْتُهُ عُرْفًا وَعَارِفًا وَعَارِفَةً كُلُّ ذَلِكَ بِمَعْنَى الْمَعْرُوفِ. فَإِذَا كَانَ مَعْنَى الْعُرْفِ ذَلِكَ، فَمِنَ الْمَعْرُوفِ صِلَةُ رَحِمِ مَنْ قَطَعَ، وَإِعْطَاءُ مَنْ حَرَمَ، وَالْعَفْوُ عَمَّنْ ظَلَمَ. وَكُلُّ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْأَعْمَالِ أَوْ نَدَبَ إِلَيْهِ فَهُوَ مِنَ الْعُرْفِ. وَلَمْ يُخَصِّصِ اللَّهُ مِنْ ⦗٦٤٥⦘ ذَلِكَ مَعْنًى دُونَ مَعْنًى، فَالْحَقُّ فِيهِ أَنْ يُقَالَ: قَدْ أَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ ﷺ أَنْ يَأْمُرَ عِبَادَهُ بِالْمَعْرُوفِ كُلِّهِ لَا بِبَعْضِ مَعَانِيهِ دُونَ بَعْضٍ
١٠ ‏/ ٦٤٤
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾ [الأعراف: ١٩٩] فَإِنَّهُ أَمْرٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى نَبِيَّهُ ﷺ أَنْ يُعْرِضَ عَمَّنْ جَهَلَ. وَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ أَمْرًا مِنَ اللَّهِ لِنَبِيِّهِ، فَإِنَّهُ تَأْدِيبٌ مِنْهُ عَزَّ ذِكْرُهُ لِخَلْقِهِ بِاحْتِمَالِ مَنْ ظَلَمَهُمْ أَوِ اعْتَدَى عَلَيْهِمْ، لَا بِالْإِعْرَاضِ عَمَّنْ جَهَلَ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ مِنْ حَقِّ اللَّهِ وَلَا بِالصَّفْحِ عَمَّنْ كَفَرَ بِاللَّهِ وَجَهَلَ وَحْدَانِيَّتَهُ، وَهُوَ لِلْمُسْلِمِينَ حَرْبٌ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٠ ‏/ ٦٤٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: «﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾ [الأعراف: ١٩٩] قَالَ: أَخْلَاقٌ أَمَرَ اللَّهُ بِهَا نَبِيَّهُ ﷺ، وَدَلَّهُ عَلَيْهَا»
١٠ ‏/ ٦٤٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سُمَيْعٌ عَلِيمٌ﴾ [الأعراف: ٢٠٠] يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ﴾ [الأعراف: ٢٠٠] وَإِمَّا يُغْضِبَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ غَضَبٌ يَصُدُّكَ عَنِ الْإِعْرَاضِ عَنِ الْجَاهِلِينَ وَيَحْمِلُكَ عَلَى مُجَازَاتِهِمْ. ﴿فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ﴾ [الأعراف: ٢٠٠] يَقُولُ: فَاسْتَجِرْ بِاللَّهِ مِنْ نَزْغِهِ. ﴿إِنَّهُ سُمَيْعٌ عَلِيمٌ﴾ [الأعراف: ٢٠٠] يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ الَّذِي تَسْتَعِيذُ بِهِ مِنْ نَزْعِ الشَّيْطَانِ سُمَيْعٌ لِجَهْلِ الْجَاهِلِ عَلَيْكَ وَلْاسْتِعَاذَتِكَ بِهِ مِنْ نَزْغِهِ وَلِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ خَلْقِهِ، لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهُ شَيْءٌ، عَلِيمٌ بِمَا يُذْهِبُ عَنْكَ نَزْغَ الشَّيْطَانِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أُمُورِ خَلْقِهِ
١٠ ‏/ ٦٤٥
كَمَا حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾ [الأعراف: ١٩٩] قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «فَكَيْفَ بِالْغَضَبِ يَا رَبِّ»؟ قَالَ: ﴿وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سُمَيْعٌ عَلِيمٌ﴾ [الأعراف: ٢٠٠]»
١٠ ‏/ ٦٤٦
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: «﴿وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سُمَيْعٌ عَلِيمٌ﴾ [الأعراف: ٢٠٠] قَالَ: عَلِمَ اللَّهُ أَنَّ هَذَا الْعَدُوَّ مَنِيعٌ وَمَرِيدٌ» وَأَصْلُ النَّزْغِ: الْفَسَادُ، يَقُولُ: نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنَ الْقَوْمِ إِذَا أَفْسَدَ بَيْنَهُمْ وَحَمَلَ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ، وَيُقَالُ مِنْهُ: نَزَغَ يَنْزَغُ، وَنَغَزَ يَنْغَزُ
١٠ ‏/ ٦٤٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ﴾ [الأعراف: ٢٠١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا﴾ [الأعراف: ٢٠١] اللَّهَ مِنْ خَلْقِهِ، فَخَافُوا عِقَابَهُ بِأَدَاءِ فَرَائِضِهِ، وَاجْتِنَابِ مَعَاصِيهِ ﴿إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا﴾ [الأعراف: ٢٠١] يَقُولُ: إِذَا أَلَمَّ بِهِمْ طَيْفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ مِنْ غَضَبٍ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا يُصَدُّ عَنْ وَاجِبِ حَقِّ اللَّهِ عَلَيْهِمْ، تَذَكَّرُوا عِقَابَ اللَّهِ وَثَوَابَهُ وَوَعْدَهُ وَوَعِيدَهُ، وَأَبْصَرُوا الْحَقَّ فَعَمِلُوا
١٠ ‏/ ٦٤٦
بِهِ، وَانْتَهَوْا إِلَى طَاعَةِ اللَّهِ فِيمَا فَرَضَ عَلَيْهِمْ وَتَرَكُوا فِيهِ طَاعَةَ الشَّيْطَانِ. وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: (طَيْفٌ) فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْكُوفَةِ: ﴿طَائِفٌ﴾ [الأعراف: ٢٠١] عَلَى مِثَالِ فَاعِلٍ، وَقَرَأَهُ بَعْضُ الْمَكِّيِّينَ وَالْبَصْرِيِّينَ وَالْكُوفِيِّينَ: (طَيْفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ) وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِكَلَامِ الْعَرَبِ فِي فَرْقِ مَا بَيْنَ الطَّائِفِ وَالطَّيْفِ. قَالَ بَعْضُ الْبَصْرِيِّينَ: الطَّائِفُ وَالطَّيْفُ سَوَاءٌ، وَهُوَ مَا كَانَ كَالْخَيَالِ وَالشَّيْءِ يَلِمُّ بِكَ. قَالَ: وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الطَّيْفُ مُخَفَّفًا عَنْ طَيِّفٍ مِثْلُ مَيِّتٍ وَمَيْتٍ. وَقَالَ بَعْضُ الْكُوفِيِّينَ: الطَّائِفُ: مَا طَافَ بِكَ مِنْ وَسْوَسَةِ الشَّيْطَانِ، وَأَمَّا الطَّيْفُ: فَإِنَّمَا هُوَ مِنَ اللِّمَمِ وَالْمَسِّ. وَقَالَ آخَرٌ مِنْهُمُ: الطَّيْفُ: اللِّمَمُ، وَالطَّائِفُ: كُلُّ شَيْءٍ طَافَ بِالْإِنْسَانِ. وَذُكِرَ عَنْ أَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: الطَّيْفُ: الْوَسْوَسَةُ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ: ﴿طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ﴾ [الأعراف: ٢٠١] لِأَنَّ أَهْلَ التَّأْوِيلِ تَأَوَّلُوا ذَلِكَ بِمَعْنَى الْغَضَبِ وَالزَّلَّةِ تَكُونُ مِنَ الْمَطِيفِ بِهِ. وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مَعْنَاهُ كَانَ مَعْلُومًا إِذْ كَانَ الطَّيْفُ إِنَّمَا هُوَ مَصْدَرٌ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: طَافَ يَطِيفُ، أَنَّ ذَلِكَ خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ عَمَّا يَمَسُّ الَّذِينَ اتَّقَوْا مِنَ الشَّيْطَانِ، وَإِنَّمَا يَمَسُّهُمْ مَا طَافَ بِهِمْ مِنْ أَسْبَابِهِ، وَذَلِكَ كَالْغَضَبِ وَالْوَسْوَسَةِ. وَإِنَّمَا
١٠ ‏/ ٦٤٧
يَطُوفُ الشَّيْطَانُ بِابْنِ آدَمَ لِيَسْتَزِلَّهُ عَنْ طَاعَةِ رَبِّهِ أَوْ لِيُوَسْوِسَ لَهُ، وَالْوَسْوَسَةُ وَالِاسْتِزْلَالُ هُوَ الطَّائِفُ مِنَ الشَّيْطَانِ، وَأَمَّا الطَّيْفُ فَإِنَّمَا هُوَ الْخَيَالُ، وَهُوَ مَصْدَرٌ مِنْ طَافَ يَطِيفُ، وَيَقُولُ: لَمْ أَسْمَعْ فِي ذَلِكَ طَافَ يَطِيفُ، وَيَتَأَوَّلَهُ بِأَنَّهُ بِمَعْنَى الْمَيِّتِ وَهُوَ مِنَ الْوَاوِ. وَحَكَى الْبَصْرِيُّونَ وَبَعْضُ الْكُوفِيِّينَ سَمَاعًا مِنَ الْعَرَبِ: طَافَ يَطِيفُ، وَطِفْتُ أَطِيفُ، وَأَنْشَدُوا فِي ذَلِكَ:
[البحر الكامل] أَنَّى أَلَمَّ بِكَ الْخَيَالُ يَطِيفُ … وَمَطَافُهُ لَكَ ذِكْرَةٌ وَشُعُوفُ
وَأَمَّا أَهْلُ التَّأْوِيلِ، فَإِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: ذَلِكَ الطَّائِفُ هُوَ الْغَضَبُ
١٠ ‏/ ٦٤٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، وَابْنُ وَكِيعٍ، قَالَا: ثنا ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدٍ: «﴿إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ﴾ [الأعراف: ٢٠١] قَالَ: الطَّيْفُ: الْغَضَبُ»
١٠ ‏/ ٦٤٨
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: (إِذَا مَسَّهُمْ طَيْفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ) قَالَ: هُوَ الْغَضَبُ “
١٠ ‏/ ٦٤٨
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ⦗٦٤٩⦘ كَثِيرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «الْغَضَبُ»
١٠ ‏/ ٦٤٨
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: «(إِذَا مَسَّهُمْ طَيْفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا) قَالَ: هُوَ الْغَضَبُ»
١٠ ‏/ ٦٤٩
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: «﴿طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ﴾ [الأعراف: ٢٠١] قَالَ: الْغَضَبُ» وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ اللَّمَّةُ وَالزَّلَّةُ مِنَ الشَّيْطَانِ
١٠ ‏/ ٦٤٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا﴾ [الأعراف: ٢٠١] الطَّائِفُ: اللَّمَّةُ مِنَ الشَّيْطَانِ. ﴿فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ﴾ [الأعراف: ٢٠١]»
١٠ ‏/ ٦٤٩
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ﴾ [الأعراف: ٢٠١] يَقُولُ: نَزْغٌ مِنَ الشَّيْطَانِ. ﴿تَذَكَّرُوا﴾ [الأعراف: ٢٠١]»
١٠ ‏/ ٦٤٩
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: «﴿إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا﴾ [الأعراف: ٢٠١] يَقُولُ: إِذَا زَلُّوا تَابُوا» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَهَذَانِ التَّأْوِيلَانِ مُتَقَارِبَا الْمَعْنَى؛ لِأَنَّ الْغَضَبَ مِنَ اسْتِزْلَالِ الشَّيْطَانِ، وَاللَّمَّةَ مِنَ الْخَطِيئَةِ أَيْضًا مِنْهُ، وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ طَائِفِ الشَّيْطَانِ. وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَلَا وَجْهَ لِخُصُوصِ مَعْنًى مِنْهُ دُونَ مَعْنًى، بَلِ الصَّوَابُ أَنْ يَعُمَّ كَمَا عَمَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ، فَيُقَالَ: إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا عُرِضَ لَهُمْ عَارِضٌ مِنْ أَسْبَابِ الشَّيْطَانِ مَا كَانَ ذَلِكَ الْعَارِضُ، تَذَكَّرُوا أَمْرَ اللَّهِ وَانْتَهَوْا إِلَى أَمْرِهِ
١٠ ‏/ ٦٥٠
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ﴾ [الأعراف: ٢٠١] فَإِنَّهُ يَعْنِي: فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ هُدَى اللَّهِ وَبَيَانَهُ وَطَاعَتَهُ فِيهِ، فَمُنْتَهُونَ عَمَّا دَعَاهُمْ إِلَيْهِ طَائِفُ الشَّيْطَانِ
١٠ ‏/ ٦٥٠
كَمَا حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «﴿فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ﴾ [الأعراف: ٢٠١] يَقُولُ: إِذَا هُمْ مُنْتَهُونَ عَنِ الْمَعْصِيَةِ، آخِذُونَ بِأَمْرِ اللَّهِ، عَاصوُنَ لِلشَّيْطَانِ»
١٠ ‏/ ٦٥٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ﴾ [الأعراف: ٢٠٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَإِخْوَانُ الشَّيَاطِينِ تَمُدُّهُمُ الشَّيَاطِينُ فِي الْغَيِّ. يَعْنِي بِقَوْلِهِ: ﴿يَمُدُّونَهُمْ﴾ [الأعراف: ٢٠٢] يَزِيدُونَهُمْ. ﴿ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ﴾ [الأعراف: ٢٠٢] عَمَّا قَصُرَ عَنْهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ
١٠ ‏/ ٦٥٠
طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ. وَإِنَّمَا هَذَا خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ عَنْ فَرِيقَيِ الْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ، بِأَنَّ فَرِيقَ الْإِيمَانِ وَأَهْلَ تَقْوَى اللَّهِ إِذَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ تَذَكَّرُوا عَظَمَةَ اللَّهِ وَعِقَابَهُ، فَكَفَّتْهُمْ رَهْبَتُهُ عَنْ مَعَاصِيهِ وَرَدَّتْهُمْ إِلَى التَّوْبَةِ وَالْإِنَابَةِ إِلَى اللَّهِ مِمَّا كَانَ مِنْهُمْ مِنْ زَلَّةً، وَأَنَّ فَرِيقَ الْكَافِرِينَ يَزِيدُهُمُ الشَّيْطَانُ غَيًّا إِلَى غَيِّهِمْ إِذَا رَكِبُوا مَعْصِيَةً مِنْ مَعَاصِي اللَّهِ، وَلَا يَحْجُزُهُمْ تَقْوَى اللَّهِ وَلَا خَوْفُ الْمَعَادِ إِلَيْهِ عَنِ التَّمَادِي فِيهَا وَالزِّيَادَةِ مِنْهَا، فَهُوَ أَبَدًا فِي زِيَادَةٍ مِنْ رُكُوبِ الْإِثْمِ، وَالشَّيْطَانُ يَزِيدُهُ أَبَدًا، لَا يُقْصِرُ الْإِنْسِيُّ عَنْ شَيْءٍ مِنْ رُكُوبِ الْفَوَاحِشِ وَلَا الشَّيْطَانُ مِنْ مَدِّهِ مِنْهُ
١٠ ‏/ ٦٥١
كَمَا حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «﴿وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ﴾ [الأعراف: ٢٠٢] قَالَ: لَا الْإِنْسُ يُقْصِرُونَ عَمَّا يَعْمَلُونَ مِنَ السَّيِّئَاتِ، وَلَا الشَّيَاطِينُ تُمْسِكُ عَنْهُمْ»
١٠ ‏/ ٦٥١
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ﴾ [الأعراف: ٢٠٢] يَقُولُ: هُمُ الْجِنُّ يُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ مِنَ الْإِنْسِ، ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ، يَقُولُ: لَا يَسْأَمُونَ»
١٠ ‏/ ٦٥١
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: «﴿وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ﴾ [الأعراف: ٢٠٢] إِخْوَانُ الشَّيَاطِينِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، يَمُدُّهُمُ الشَّيْطَانُ فِي الْغَيِّ. ﴿ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ﴾ [الأعراف: ٢٠٢]»
١٠ ‏/ ٦٥٢
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَثِيرٍ: «وَإِخْوَانُهُمْ مِنَ الْجِنِّ، يَمُدُّونَ إِخْوَانَهُمْ مِنَ الْإِنْسِ، ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ، ثُمَّ يَقُولُ لَا يُقْصِرُ الْإِنْسَانُ. قَالَ: وَالْمَدُّ الزِّيَادَةُ، يَعْنِي أَهْلَ الشِّرْكِ، يَقُولُ: لَا يُقْصِرُ أَهْلُ الشِّرْكِ، كَمَا يُقْصِرُ الَّذِينَ اتَّقَوْا لِأَنَّهُمْ لَا يَحْجِزُهُمُ الْإِيمَانُ»
١٠ ‏/ ٦٥٢
قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ مُجَاهِدٌ: ﴿وَإِخْوَانُهُمْ﴾ [الأنعام: ٨٧] مِنَ الشَّيَاطِينِ ﴿يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ﴾ [الأعراف: ٢٠٢] اسْتِجْهَالًا يَمُدُّونَ أَهْلَ الشِّرْكِ. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: ﴿وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ﴾ [الأعراف: ١٧٩] قَالَ: فَهَؤُلَاءِ الْإِنْسُ. يَقُولُ اللَّهُ: ﴿وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ﴾ [الأعراف: ٢٠٢]
١٠ ‏/ ٦٥٢
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثني مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ﴾ [الأعراف: ٢٠٢] ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ قَالَ: إِخْوَانُ الشَّيَاطِينِ: يَمُدُّهُمُ الشَّيَاطِينُ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ»
١٠ ‏/ ٦٥٢
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي ⦗٦٥٣⦘ نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿وَإِخْوَانُهُمْ﴾ [الأنعام: ٨٧] مِنَ الشَّيَاطِينِ. ﴿يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ﴾ [الأعراف: ٢٠٢] اسْتِجْهَالًا» وَكَانَ بَعْضُهُمْ يَتَأَوَّلُ قَوْلَهُ: ﴿ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ﴾ [الأعراف: ٢٠٢] بِمَعْنَى: وَلَا الشَّيَاطِينُ يُقْصِرُونَ فِي مُدِّهِمْ إِخْوَانَهُمْ مِنَ الْغَيِّ
١٠ ‏/ ٦٥٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: «﴿وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ﴾ [الأعراف: ٢٠٢] ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ عَنْهُمْ، وَلَا يَرْحَمُونَهُمْ» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَقَدْ بَيَّنَّا أَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ عِنْدَنَا بِالصَّوَابِ، وَإِنَّمَا اخْتَرْنَا مَا اخْتَرْنَا مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ لِأَنَّ اللَّهَ وَصَفَ فِي الْآيَةِ قَبْلَهَا أَهْلَ الْإِيمَانِ بِهِ وَارْتِدَاعَهُمْ عَنْ مَعْصِيَتِهِ وَمَا يَكْرَهُهُ إِلَى مَحَبَّتِهِ عِنْدَ تَذَكُّرِهِمْ عَظَمَتَهُ، ثُمَّ أَتْبَعَ ذَلِكَ الْخَبَرَ عَنْ إِخْوَانِ الشَّيَاطِينِ وَرُكُوبِهِمْ مَعَاصِيهِ، وَكَانَ الْأُولَى وَصْفَهُمْ بِتَمَادِيهِمْ فِيهَا؛ إِذْ كَانَ عُقَيْبَ الْخَبَرِ عَنْ تَقْصِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَنْهَا
١٠ ‏/ ٦٥٣
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿يَمُدُّونَهُمْ﴾ [الأعراف: ٢٠٢] فَإِنَّ الْقُرَّاءَ اخْتَلَفَتْ فِي قِرَاءَتِهِ، فَقَرَأَهُ بَعْضُ الْمَدَنِيِّينَ: (يُمِدُّونَهُمْ) بِضَمِّ الْيَاءِ مِنْ أَمْدَدْتُ. وَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفِيِّينَ وَالْبَصْرِيِّينَ: ﴿يَمُدُّونَهُمْ﴾ [الأعراف: ٢٠٢] بِفَتْحِ الْيَاءِ مِنْ مَدَدْتُ. ⦗٦٥٤⦘ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا: ﴿يَمُدُّونَهُمْ﴾ [الأعراف: ٢٠٢] بِفَتْحِ الْيَاءِ لِأَنَّ الَّذِي يَمُدُّ الشَّيَاطِينَ إِخْوَانُهُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِنَّمَا هُوَ زِيَادَةٌ مِنْ جِنْسِ الْمَمْدُودِ، وَإِذَا كَانَ الَّذِي مَدَّ مِنْ جِنْسِ الْمَمْدُودِ كَانَ كَلَامُ الْعَرَبِ مَدَدْتُ لَا أَمْدَدْتُ
١٠ ‏/ ٦٥٣
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿يُقْصِرُونَ﴾ [الأعراف: ٢٠٢] فَإِنَّ الْقُرَّاءَ عَلَى لُغَةِ مَنْ قَالَ: أَقَصَرْتُ أُقْصِرُ، وَلِلْعَرَبِ فِيهِ لُغَتَانِ: قَصَرْتُ عَنِ الشَّيْءِ، وَأَقْصَرْتُ عَنْهُ
١٠ ‏/ ٦٥٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قَالُوا لَوْلَا اجْتَبَيْتَهَا قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوْحَى إِلَيَّ مِن رَّبِّي هَذَا بَصَائِر مِّن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ [الأعراف: ٢٠٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَإِذَا لَمْ تَأْتِ يَا مُحَمَّدُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ بِآيَةٍ مِنَ اللَّهِ ﴿قَالُوا لَوْلَا اجْتَبَيْتَهَا﴾ [الأعراف: ٢٠٣] يَقُولُ: قَالُوا: هَلَّا اخْتَرْتَهَا وَاصْطَفَيْتَهَا، مِنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ﴾ [آل عمران: ١٧٩] يَعْنِي: يَخْتَارُ وَيَصْطَفِي. وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي مَوَاضِعِهِ بِشَوَاهِدِهِ. ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: هَلَّا افْتَعَلْتَهَا مِنْ قِبَلِ نَفْسِكَ وَاخْتَلَقْتَهَا، بِمَعْنَى: هَلَّا اجْتَبَيْتَهَا اخْتِلَافًا كَمَا تَقُولُ الْعَرَبُ: لَقَدِ اخْتَارَ فُلَانٌ هَذَا الْأَمْرَ وَتَخَيَّرَهُ اخْتِلَافًا
١٠ ‏/ ٦٥٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: «﴿وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قَالُوا لَوْلَا اجْتَبَيْتَهَا﴾ [الأعراف: ٢٠٣] أَيْ: لَوْلَا أَتَيْتَنَا بِهَا مِنْ قِبَلِ نَفْسِكَ، هَذَا قَوْلُ كُفَّارِ ⦗٦٥٥⦘ قُرَيْشٍ»
١٠ ‏/ ٦٥٤
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: «﴿وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قَالُوا لَوْلَا اجْتَبَيْتَهَا﴾ [الأعراف: ٢٠٣] قَالُوا: لَوْلَا اقْتَضَبْتَهَا قَالُوا: تُخْرِجُهَا مِنْ نَفْسِكِ»
١٠ ‏/ ٦٥٥
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: «﴿وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قَالُوا لَوْلَا اجْتَبَيْتَهَا﴾ [الأعراف: ٢٠٣] قَالُوا: لَوْلَا تَقَوَّلْتَهَا، جِئْتَ بِهَا مِنْ عِنْدِكَ»
١٠ ‏/ ٦٥٥
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثني عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿لَوْلَا اجْتَبَيْتَهَا﴾ [الأعراف: ٢٠٣] يَقُولُ: لَوْلَا تَلَقَّيْتَهَا. وَقَالَ مَرَّةً أُخْرَى: لَوْلَا أَحْدَثْتَهَا فَأَنْشَأْتَهَا»
١٠ ‏/ ٦٥٥
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: «﴿قَالُوا لَوْلَا اجْتَبَيْتَهَا﴾ [الأعراف: ٢٠٣] يَقُولُ: لَوْلَا أَحْدَثْتَهَا»
١٠ ‏/ ٦٥٥
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: «﴿لَوْلَا اجْتَبَيْتَهَا﴾ [الأعراف: ٢٠٣] قَالَ: لَوْلَا جِئْتَ بِهَا مِنْ نَفْسِكِ» ⦗٦٥٦⦘ وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: هَلَّا أَخَذْتَهَا مِنْ رَبِّكِ وَتَقَبَّلْتَهَا مِنْهُ
١٠ ‏/ ٦٥٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿لَوْلَا اجْتَبَيْتَهَا﴾ [الأعراف: ٢٠٣] يَقُولُ: لَوْلَا تَقَبَّلْتَهَا مِنَ اللَّهِ»
١٠ ‏/ ٦٥٦
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿لَوْلَا اجْتَبَيْتَهَا﴾ [الأعراف: ٢٠٣] يَقُولُ: لَوْلَا تَلَقَّيْتَهَا مِنْ رَبِّكِ»
١٠ ‏/ ٦٥٦
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: «﴿لَوْلَا اجْتَبَيْتَهَا﴾ [الأعراف: ٢٠٣] يَقُولُ: لَوْلَا أَخَذْتَهَا أَنْتَ فَجِئْتَ بِهَا مِنَ السَّمَاءِ» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ، تَأْوِيلُ مَنْ قَالَ تَأْوِيلُهُ: هَلَّا أَحْدَثْتَهَا مِنْ نَفْسِكِ، لِدَلَالَةِ قَوْلِ اللَّهِ: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [الأعراف: ٢٠٣] يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ إِنَّمَا أَمَرَ نَبِيَّهُ ﷺ بِأَنْ يُجِيبَهُمْ بِالْخَبَرِ عَنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ إِنَّمَا يَتَّبِعُ مَا يُنَزِّلُ عَلَيْهِ رَبُّهُ وَيُوحِيهِ إِلَيْهِ، لَا أَنَّهُ يُحَدِّثُ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ قَوْلًا وَيُنْشِئُهُ فَيَدْعُو النَّاسَ إِلَيْهِ
١٠ ‏/ ٦٥٦
وَحُكِيَ عَنِ الْفَرَّاءِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: «اجْتَبَيْتَ الْكَلَامَ وَاخْتَلَقْتَهُ وَارْتَجَلْتَهُ: إِذَا افْتَعَلْتَهُ مِنْ قِبَلِ نَفْسِكَ» حَدَّثَنِي بِذَلِكَ الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْقَاسِمُ، عَنْهُ. ⦗٦٥٧⦘ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَكَانَ أَبُو زَيْدٍ يَقُولُ: إِنَّمَا تَقُولُ الْعَرَبُ ذَلِكَ لِلْكَلَامِ يُبْدِيهِ الرَّجُلُ لَمْ يَكُنْ أَعَدَّهُ قَبْلَ ذَلِكَ فِي نَفْسِهِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَاخْتَرَعَهُ مِثْلُ ذَلِكَ
١٠ ‏/ ٦٥٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِن رَّبِّي هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَّبِّكُمْ وَهَدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ [الأعراف: ٢٠٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِلْقَائِلِينَ لَكَ إِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ هَلَّا أَحْدَثْتَهَا مِنْ قِبَلِ نَفْسِكَ: إِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ لِي وَلَا يَجُوزُ لِي فَعَلُهُ لِأَنَّ اللَّهَ إِنَّمَا أَمَرَنِي بِاتِّبَاعِ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ عِنْدِهِ، فَإِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي لِأَنِّي عَبْدُهُ وَإِلَى أَمْرِهِ أَنْتَهِي وَإِيَّاهُ أُطِيعُ. ﴿هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [الأعراف: ٢٠٣] يَقُولُ: هَذَا الْقُرْآنُ وَالْوَحْي الَّذِي أَتْلُوَهُ عَلَيْكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ، يَقُولُ: حُجَجٌ عَلَيْكُمْ، وَبَيَانٌ لَكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ، وَاحِدَتُهَا: بَصِيرَةٌ، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهَدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ وَإِنَّمَا ذَكَرَ هَذَا وَوَحَّدَ فِي قَوْلِهِ: ﴿هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [الأعراف: ٢٠٣] لِمَا وَصَفْتُ مِنْ أَنَّهُ مُرَادٌ بِهِ الْقُرْآنُ وَالْوَحْي. وَقَوْلُهُ: ﴿وَهَدًى﴾ [البقرة: ٩٧] يَقُولُ: وَبَيَانٌ يَهْدِي الْمُؤْمِنِينَ إِلَى الطَّرِيقِ الْمُسْتَقِيمِ، وَرَحْمَةٌ رَحِمَ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ، فَأَنْقَذَهُمْ بِهِ مِنَ الضَّلَالَةِ وَالْهَلَكَةِ. ﴿لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ [الأنعام: ٩٩] يَقُولُ: هُوَ بَصَائِرُ مِنَ اللَّهِ وَهَدًى وَرَحْمَةٌ لِمَنْ آمَنَ، يَقُولُ: لِمَنْ صَدَّقَ بِالْقُرْآنِ أَنَّهُ تَنْزِيلُ اللَّهِ وَوَحْيُهُ، وَعَمِلَ بِمَا فِيهِ دُونَ مَنْ كَذَّبَ بِهِ وَجَحَدَهُ وَكَفَرَ بِهِ، بَلْ هُوَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ غُمٌّ وَخِزْي
١٠ ‏/ ٦٥٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْءَانُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِلْمُؤْمِنِينَ بِهِ الْمُصَدِّقِينَ بِكِتَابِهِ الَّذِينَ الْقُرْآنُ لَهُمْ هُدًى وَرَحْمَةٌ: ﴿إِذَا قُرِئَ﴾ [الأعراف: ٢٠٤] عَلَيْكُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ، ﴿الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ﴾ [الأعراف: ٢٠٤] يَقُولُ: أَصْغُوا لَهُ سَمْعَكُمْ لِتَتَفَهَّمُوا آيَاتِهِ وَتَعْتَبِرُوا بِمَوَاعِظِهِ وَأَنْصِتُوا إِلَيْهِ لِتَعْقِلُوهُ وَتَتَدَبَّرُوهُ، وَلَا تَلْغَوْا فِيهِ فَلَا تَعْقِلُوهُ. ﴿لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ [آل عمران: ١٣٢] يَقُولُ: لِيَرْحَمَكُمْ رَبُّكُمْ بِاتِّعَاظِكُمْ بِمَوَاعِظِهِ، وَاعْتِبَارِكُمْ بِعِبَرِهِ، وَاسْتِعْمَالِكُمْ مَا بَيَّنَهُ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ فَرَائِضِهِ فِي آيِهِ. ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْحَالِ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ بِالِاسْتِمَاعِ لِقَارِئِ الْقُرْآنِ إِذَا قَرَأَ وَالْإِنْصَاتِ لَهُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: ذَلِكَ حَالُ كَوْنِ الْمُصَلِّي فِي الصَّلَاةِ خَلْفَ إِمَامٍ يَأْتَمُّ بِهِ، وَهُوَ يَسْمَعُ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ عَلَيْهِ أَنْ يَسْمَعَ لِقِرَاءَتِهِ. وَقَالُوا: فِي ذَلِكَ أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ
١٠ ‏/ ٦٥٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنِ الْمُسَيَّبِ بْنِ رَافِعٍ، قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَقُولُ: «كُنَّا يُسَلِّمُ بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فِي الصَّلَاةِ، سَلَامٌ عَلَى فُلَانٍ، وَسَلَامٌ عَلَى فُلَانٍ، قَالَ: فَجَاءَ الْقُرْآنُ: ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا﴾ [الأعراف: ٢٠٤]»
١٠ ‏/ ٦٥٨
قَالَ: ثنا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ الْهَجَرِيِّ، عَنْ أَبِي عِيَاضٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «كَانُوا يَتَكَلَّمُونَ فِي الصَّلَاةِ، فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ﴾ [الأعراف: ٢٠٤] وَالْآيَةُ الْأُخْرَى، أُمِرُوا بِالْإِنْصَاتِ»
١٠ ‏/ ٦٥٩
حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ، قَالَ: ثنا حَفْصٌ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: «نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي فَتًى مِنَ الْأَنْصَارِ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ كُلَّمَا قَرَأَ شَيْئًا قَرَأَهُ، فَنَزَلَتْ: ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا﴾ [الأعراف: ٢٠٤]»
١٠ ‏/ ٦٥٩
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ بَشِيرِ بْنِ جَابِرٍ، قَالَ: صَلَّى ابْنُ مَسْعُودٍ، فَسَمِعَ نَاسًا، يَقْرَءُونَ مَعَ الْإِمَامِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ، قَالَ: «أَمَا آنَ لَكُمْ أَنْ تَفَقَّهُوا؟ أَمَا آنَ لَكُمْ أَنْ تَعْقِلُوا؟ ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا﴾ [الأعراف: ٢٠٤] كَمَا أَمَرَكُمُ اللَّهُ»
١٠ ‏/ ٦٥٩
حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ، قَالَ: ثنا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا الْجُرَيْرِيُّ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ كَرِيزٍ، قَالَ: رَأَيْتُ عُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ وَعَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ يَتَحَدَّثَانِ وَالْقَاصُّ يَقُصُّ، فَقُلْتُ: أَلَا تَسْتَمِعَانِ إِلَى الذِّكْرِ وَتَسْتَوْجِبَانِ الْمَوْعُودَ؟ قَالَ: فَنَظَرَا إِلَيَّ ثُمَّ أَقْبَلَا عَلَى حَدِيثِهِمَا. قَالَ: فَأَعَدْتُ فَنَظَرَا إِلَيَّ، ثُمَّ أَقْبَلَا عَلَى ⦗٦٦٠⦘ حَدِيثِهِمَا، قَالَ: فَأَعَدْتُ الثَّالِثَةَ، قَالَ: فَنَظَرَا إِلَيَّ فَقَالَا: «إِنَّمَا ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ: ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا﴾ [الأعراف: ٢٠٤]»
١٠ ‏/ ٦٥٩
حَدَّثَنِي الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي، قَالَ، سَمِعْتُ الْأَوْزَاعِيَّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ، قَالَ: ثني زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ: «﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا﴾ [الأعراف: ٢٠٤] قَالَ: نَزَلَتْ فِي رَفْعِ الْأَصْوَاتِ وَهُمْ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي الصَّلَاةِ»
١٠ ‏/ ٦٦٠
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي هَاشِمٍ إِسْمَاعِيلَ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا﴾ [الأعراف: ٢٠٤] قَالَ: فِي الصَّلَاةِ»
١٠ ‏/ ٦٦٠
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: «﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا﴾ [الأعراف: ٢٠٤] قَالَ: فِي الصَّلَاةِ»
١٠ ‏/ ٦٦٠
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ إِدْرِيسَ، قَالَ: ثنا لَيْثٌ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا﴾ [الأعراف: ٢٠٤] قَالَ: فِي الصَّلَاةِ»
١٠ ‏/ ٦٦٠
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، قَالَ: سَمِعْتُ ⦗٦٦١⦘ حُمَيْدًا الْأَعْرَجَ، قَالَ: سَمِعْتُ مُجَاهِدًا يَقُولُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: «﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا﴾ [الأعراف: ٢٠٤] قَالَ: فِي الصَّلَاةِ». قَالَ: ثني عَبْدُ الصَّمَدِ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، قَالَ: ثنا حُمَيْدٌ، عَنْ مُجَاهِدٍ بِمِثْلِهِ
١٠ ‏/ ٦٦٠
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ وَابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا﴾ [الأعراف: ٢٠٤] قَالَ: فِي الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ»
١٠ ‏/ ٦٦١
قَالَ: ثنا الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، وَعَنْ حَجَّاجٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، وَعَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: «﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا﴾ [الأعراف: ٢٠٤] قَالَ: فِي الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ»
١٠ ‏/ ٦٦١
قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي هَاشِمٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «فِي الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ» قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٠ ‏/ ٦٦١
قَالَ: ثنا الْمُحَارِبِيُّ، وَأَبُو خَالِدٍ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، قَالَ: «فِي الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ»
١٠ ‏/ ٦٦١
قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، وَابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: «فِي الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ»
١٠ ‏/ ٦٦١
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: «﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا﴾ [الأعراف: ٢٠٤] قَالَ: كَانُوا يَتَكَلَّمُونَ فِي صَلَاتِهِمْ ⦗٦٦٢⦘ بِحَوَائِجِهِمْ أَوَّلُ مَا فُرِضَتْ عَلَيْهِمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ مَا تَسْمَعُونَ: ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا﴾ [الأعراف: ٢٠٤]»
١٠ ‏/ ٦٦١
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا﴾ [الأعراف: ٢٠٤] قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ يَأْتِي وَهُمْ فِي الصَّلَاةِ فَيَسْأَلُهُمْ: كَمْ صَلَّيْتُمْ؟ كَمْ بَقِيَ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا﴾ [الأعراف: ٢٠٤] وَقَالَ غَيْرُهُ: كَانُوا يَرْفَعُونَ أَصْوَاتَهُمْ فِي الصَّلَاةِ حِينَ يَسْمَعُونَ ذِكْرَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ﴾ [الأعراف: ٢٠٤]»
١٠ ‏/ ٦٦٢
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبُو خَالِدِ، وَالْمُحَارِبِيُّ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَقْرَأُ وَرَجُلٌ يَقْرَأُ، فَنَزَلَتْ: ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا﴾ [الأعراف: ٢٠٤]»
١٠ ‏/ ٦٦٢
قَالَ: ثنا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ، عَنِ الْهَجَرِيِّ، عَنْ أَبِي عِيَاضٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «كَانُوا يَتَكَلَّمُونَ فِي الصَّلَاةِ، فَلَمَّا نَزَلَتْ: ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا﴾ [الأعراف: ٢٠٤] قَالَ: هَذَا فِي الصَّلَاةِ»
١٠ ‏/ ٦٦٢
قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ حُرَيْثٍ، عَنْ عَامِرٍ، قَالَ: «فِي الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ»
١٠ ‏/ ٦٦٢
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: «﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا﴾ [الأعراف: ٢٠٤] قَالَ: إِذَا قُرِئَ فِي الصَّلَاةِ»
١٠ ‏/ ٦٦٣
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثنا مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ﴾ [الأعراف: ٢٠٤] يَعْنِي: فِي الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ»
١٠ ‏/ ٦٦٣
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنْ أَبِي هَاشِمٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: «هَذَا فِي الصَّلَاةِ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ﴾ [الأعراف: ٢٠٤]»
١٠ ‏/ ٦٦٣
قَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «أَنَّهُ كَرِهَ إِذَا مَرَّ الْإِمَامُ بِآيَةِ خَوْفٍ أَوْ بِآيَةِ رَحْمَةٍ أَنْ يَقُولَ أَحَدٌ مِمَّنْ خَلْفَهُ شَيْئًا، قَالَ: السُّكُوتُ»
١٠ ‏/ ٦٦٣
قَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «لَا بَأْسَ إِذَا قَرَأَ الرَّجُلُ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ أَنْ يَتَكَلَّمَ»
١٠ ‏/ ٦٦٣
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ [الأعراف: ٢٠٤] قَالَ: هَذَا إِذَا قَامَ الْإِمَامُ لِلصَّلَاةِ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا»
١٠ ‏/ ٦٦٣
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا سُوَيْدٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: «لَا يُقْرَأُ مِنْ وَرَاءِ الْإِمَامِ فِيمَا يَجْهَرُ بِهِ مِنَ الْقِرَاءَةِ، تَكْفِيهِمْ قِرَاءَةُ الْإِمَامِ وَإِنْ لَمْ يُسْمِعْهُمْ صَوْتَهُ، وَلَكِنَّهُمْ يَقْرَءُونَ فِيمَا لَمْ يَجْهَرْ بِهِ سِرًّا فِي أَنْفُسِهِمْ، وَلَا يَصْلُحُ لِأَحَدٍ خَلْفَهُ أَنْ يَقْرَأَ مَعَهُ فِيمَا يَجْهَرُ بِهِ سِرًّا وَلَا عَلَانِيَةً، قَالَ اللَّهُ: ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ [الأعراف: ٢٠٤]»
١٠ ‏/ ٦٦٤
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا سُوَيْدٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنِ ابْنِ هُبَيْرَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي هَذِهِ: «﴿وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً﴾ [الأعراف: ٢٠٥] هَذَا فِي الْمَكْتُوبَةِ. وَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ قَصَصٍ أَوْ قِرَاءَةٍ بَعْدَ ذَلِكَ، فَإِنَّمَا هِيَ نَافِلَةٌ. إِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ قَرَأَ فِي صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ، وَقَرَأَ وَرَاءَهُ أَصْحَابُهُ، فَخَلَّطُوا عَلَيْهِ، قَالَ: فَنَزَلَ الْقُرْآنُ: ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ [الأعراف: ٢٠٤] فَهَذَا فِي الْمَكْتُوبَةِ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عُنِيَ بِهَذِهِ الْآيَةِ الْأَمْرُ بِالْإِنْصَاتِ لِلْإِمَامِ فِي الْخُطْبَةِ إِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فِي خُطْبَةٍ
١٠ ‏/ ٦٦٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا تَمِيمُ بْنُ الْمُنْتَصِرِ، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ الْأَزْرَقُ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا﴾ [الأعراف: ٢٠٤] قَالَ: الْإِنْصَاتُ لِلْإِمَامِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ»
١٠ ‏/ ٦٦٤
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبُو خَالِدٍ وَابْنُ أَبِي عُتْبَةَ، عَنِ الْعَوَّامِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «فِي خِطْبَةِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ» وَقَالَ آخَرُونَ: عُنِيَ بِذَلِكَ الْإِنْصَاتُ فِي الصَّلَاةِ وَفِي الْخُطْبَةِ
١٠ ‏/ ٦٦٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، قَالَ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ بْنَ أَبِي حَمْزَةَ، يُحَدِّثُ أَنَّهُ سَمِعَ مُجَاهِدًا، يَقُولُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: «﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا﴾ [الأعراف: ٢٠٤] قَالَ: فِي الصَّلَاةِ، وَالْخُطْبَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ»
١٠ ‏/ ٦٦٥
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا هَارُونُ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: «وَجَبَ الصُّمُوتُ فِي اثْنَتَيْنِ: عِنْدَ الرَّجُلِ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَهُوَ يُصَلِّي، وَعِنْدَ الْإِمَامِ وَهُوَ يَخْطُبُ»
١٠ ‏/ ٦٦٥
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ﴾ [الأعراف: ٢٠٤] وَجَبَ الْإِنْصَاتُ، قَالَ: وَجَبَ فِي اثْنَتَيْنِ: فِي الصَّلَاةِ وَالْإِمَامُ يَقْرَأُ، وَالْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ»
١٠ ‏/ ٦٦٥
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا مَنْ، سَمِعَ الْحَسَنَ، يَقُولُ: «فِي الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ، وَعِنْدَ الذِّكْرِ»
١٠ ‏/ ٦٦٦
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «وَجَبَ الْإِنْصَاتُ فِي اثْنَتَيْنِ: فِي الصَّلَاةِ، وَيَوْمِ الْجُمُعَةِ»
١٠ ‏/ ٦٦٦
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا سُوَيْدٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ بَقِيَّةَ بْنِ الْوَلِيدِ، قَالَ: سَمِعْتُ ثَابِتَ بْنَ عَجْلَانَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: «﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا﴾ [الأعراف: ٢٠٤] قَالَ: الْإِنْصَاتُ: يَوْمَ الْأَضْحَى، وَيَوْمَ الْفِطْرِ، وَيَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَفِيمَا يَجْهَرُ بِهِ الْإِمَامُ مِنَ الصَّلَاةِ»
١٠ ‏/ ٦٦٦
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ صُبَيْحٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: «فِي الصَّلَاةِ، وَعِنْدَ الذِّكْرِ»
١٠ ‏/ ٦٦٦
حَدَّثَنَا ابْنُ الْبَرْقِيِّ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، قَالَ: ثني ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، قَالَ: «أَوْجَبَ الْإِنْصَاتَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ [الأعراف: ٢٠٤] وَفِي ⦗٦٦٧⦘ الصَّلَاةِ مِثْلُ ذَلِكَ» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: أُمِرُوا بِاسْتِمَاعِ الْقُرْآنِ فِي الصَّلَاةِ إِذَا قَرَأَ الْإِمَامُ وَكَانَ مَنْ خَلْفَهُ مِمَّنْ يَأْتَمُّ بِهِ يَسْمَعُهُ، وَفِي الْخُطْبَةِ. وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ، لِصِحَّةِ الْخَبَرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، أَنَّهُ قَالَ: «إِذَا قَرَأَ الْإِمَامُ فَأَنْصِتُوا» وَإِجْمَاعُ الْجَمِيعِ عَلَى أَنَّ مَنْ سَمِعَ خُطْبَةَ الْإِمَامِ مِمَّنْ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ، الِاسْتِمَاعَ وَالْإِنْصَاتَ لَهَا، مَعَ تَتَابُعِ الْأَخْبَارِ بِالْأَمْرِ بِذَلِكَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَأَنَّهُ لَا وَقْتَ يَجِبُ عَلَى أَحَدٍ اسْتِمَاعُ الْقُرْآنِ وَالْإِنْصَاتُ لِسَامِعِهِ مِنْ قَارِئِهِ إِلَّا فِي هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ عَلَى اخْتِلَافٍ فِي إِحْدَاهُمَا، وَهِيَ حَالَةُ أَنْ يَكُونَ خَلْفَ إِمَامٍ مُؤْتَمٍّ بِهِ. وَقَدْ صَحَّ الْخَبَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ قَوْلِهِ: «إِذَا قَرَأَ الْإِمَامُ فَأَنْصِتُوا» فَالْإِنْصَاتُ خَلْفَهُ لِقِرَاءَتِهِ وَاجِبٌ عَلَى مَنْ كَانَ بِهِ مُؤْتَمًّا سَامِعًا قِرَاءَتَهُ بِعُمُومِ ظَاهِرِ الْقُرْآنِ وَالْخَبَرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ
١٠ ‏/ ٦٦٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلاَ تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ﴾ [الأعراف: ٢٠٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَاذْكُرْ أَيُّهَا الْمُسْتَمِعُ الْمُنْصِتُ لِلْقُرْآنِ إِذَا قُرِئَ فِي صَلَاةٍ أَوْ خُطْبَةٍ، ﴿رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ﴾ [الأعراف: ٢٠٥] يَقُولُ: اتَّعِظْ بِمَا فِي آيِ الْقُرْآنِ، وَاعْتَبِرْ بِهِ، ⦗٦٦٨⦘ وَتَذَكَّرْ مَعَادَكَ إِلَيْهِ عِنْدَ سَمَاعِكَهُ. ﴿تَضَرُّعًا﴾ [الأنعام: ٦٣] يَقُولُ: افْعَلْ ذَلِكَ تَخَشُّعًا لِلَّهِ وَتَوَاضُعًا لَهُ. ﴿وَخِيفَةً﴾ [الأعراف: ٢٠٥] يَقُولُ: وَخَوْفًا مِنَ اللَّهِ أَنْ يُعَاقِبَكَ عَلَى تَقْصِيرٍ يَكُونُ مِنْكَ فِي الِاتِّعَاظِ بِهِ وَالِاعْتِبَارِ، وَغَفْلَةٍ عَمَّا بَيَّنَ اللَّهُ فِيهِ مِنْ حُدُودِهِ. ﴿وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ﴾ [الأعراف: ٢٠٥] يَقُولُ: وَدُعَاءٌ بِاللِّسَانِ لِلَّهِ فِي خَفَاءٍ لَا جِهَارٍ، يَقُولُ: لِيَكُنْ ذِكْرُ اللَّهِ عِنْدَ اسْتِمَاعِكَ الْقُرْآنَ فِي دُعَاءٍ إِنْ دَعَوْتَ غَيْرَ جِهَارٍ، وَلَكِنْ فِي خَفَاءٍ مِنَ الْقَوْلِ
١٠ ‏/ ٦٦٧
كَمَا: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ﴾ [الأعراف: ٢٠٥] لَا يَجْهَرُ بِذَلِكَ»
١٠ ‏/ ٦٦٨
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: ثنا أَبُو سَعْدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ مُجَاهِدًا، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: «﴿وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ﴾ [الأعراف: ٢٠٥] الْآيَةَ، قَالَ: أُمِرُوا أَنْ يَذْكُرُوهُ فِي الصُّدُورِ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً»
١٠ ‏/ ٦٦٨
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ حَيَّانَ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، فِي قَوْلِهِ: “﴿وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ﴾ [الأعراف: ٢٠٥] قَالَ: «يَقُولُ اللَّهُ إِذَا ذَكَرَنِي عَبْدِي فِي نَفْسِهِ، ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِذَا ذَكَرَنِي عَبْدِي وَحْدَهُ ذَكَرْتُهُ وَحْدِي، وَإِذَا ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي أَحْسَنَ مِنْهُمْ وَأَكْرَمَ»
١٠ ‏/ ٦٦٨
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَوْلُهُ: «﴿وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً﴾ [الأعراف: ٢٠٥] قَالَ: يُؤْمَرُ بِالتَّضَرُّعِ فِي الدُّعَاءِ وَالِاسْتِكَانَةِ، وَيُكْرَهُ رَفْعُ الصَّوْتِ وَالنِّدَاءُ وَالصِّيَاحُ بِالدُّعَاءِ»
١٠ ‏/ ٦٦٩
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ﴾ [الأعراف: ٢٠٥] فَإِنَّهُ يَعْنِي بِالْبَكَرِ وَالْعَشِيَّاتِ. وَأَمَّا الْآصَالُ فَجَمْعٌ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِيهَا فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ جَمْعُ أَصِيلٍ، كَمَا الْأَيْمَانُ جَمْعُ يَمِينٍ، وَالْأَسْرَارُ جَمْعُ سَرِيرٍ. وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ: هِيَ جَمْعُ أُصُلٍ، وَالْأُصُلُ جَمْعُ أَصِيلٍ. وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ: هِيَ جَمْعُ أُصُلٍ وَأَصِيلٍ. قَالَ: وَإِنْ شِئْتَ جَعَلْتَ الْأُصُلَ جَمْعًا لِلْأَصِيلِ، وَإِنْ شِئْتَ جَعَلَتْهُ وَاحِدًا. قَالَ: وَالْعَرَبُ تَقُولُ: قَدْ دَنَا الْأُصُلُ فَيَجْعَلُونَهُ وَاحِدًا. وَهَذَا الْقَوْلُ أَوْلَى بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ أَنَّهُ جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ جَمْعَ أَصِيلٍ وَأُصُلٍ لِأَنَّهُمَا قَدْ يُجْمَعَانِ عَلَى أَفْعَالٍ. وَأَمَّا الْآصَالُ فَهِيَ فِيمَا يُقَالُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ مَا بَيْنَ الْعَصْرِ إِلَى الْمَغْرِبِ
١٠ ‏/ ٦٦٩
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ﴾ [الأعراف: ٢٠٥] فَإِنَّهُ يَقُولُ: وَلَا تَكُنْ مِنَ اللَّاهِينَ إِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ عَنْ عِظَاتِهِ وَعِبرَهِ، وَمَا فِيهِ مِنْ عَجَائِبِهِ، وَلَكِنْ تَدَبَّرْ ذَلِكَ وَتَفَهَّمْهُ، وَأَشْعِرْهُ قَلْبَكَ بِذِكْرِ اللَّهِ وَخُضُوعٍ لَهُ وَخَوْفٍ مِنْ قُدْرَةِ اللَّهِ ⦗٦٧٠⦘ عَلَيْكَ، إِنْ أَنْتَ غَفَلْتَ عَنْ ذَلِكَ
١٠ ‏/ ٦٦٩
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ﴾ [الأعراف: ٢٠٥] قَالَ: بِالْبَكَرِ وَالْعَشِيِّ. ﴿وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ﴾ [الأعراف: ٢٠٥]»
١٠ ‏/ ٦٧٠
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: ثنا مُعَرِّفُ بْنُ وَاصِلٍ السَّعْدِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا وَائِلٍ، يَقُولُ لِغُلَامِهِ عِنْدَ مَغِيبِ الشَّمْسِ: «آصَلْنَا بَعْدُ؟»
١٠ ‏/ ٦٧٠
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ مُجَاهِدٌ، قَوْلُهُ: «﴿بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ﴾ [الأعراف: ٢٠٥] قَالَ: الْغُدُوُّ: آخِرُ الْفَجْرِ صَلَاةُ الصُّبْحِ، وَالْآصَالُ: آخِرُ الْعَشِيِّ صَلَاةُ الْعَصْرِ. قَالَ: وَكُلُّ ذَلِكَ لَهَا وَقْتٌ أَوَّلُ الْفَجْرِ وَآخِرُهُ، وَذَلِكَ مِثْلُ قَوْلِهِ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ: ﴿وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ﴾ [آل عمران: ٤١] وَقِيلَ: الْعَشِيُّ: مِيلُ الشَّمْسِ إِلَى أَنْ تَغِيبَ، وَالْإِبْكَارُ: أَوَّلُ الْفَجْرِ»
١٠ ‏/ ٦٧٠
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ شَرِيكٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، سُئِلَ عَنْ صَلَاةِ الْفَجْرِ، فَقَالَ: «إِنَّهَا لَفِي كِتَابِ اللَّهِ، وَلَا يَقُومُ عَلَيْهَا، ثُمَّ قَرَأَ: ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ﴾ [النور: ٣٦] الْآيَةَ»
١٠ ‏/ ٦٧٠
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سُوَيْدٌ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: «﴿وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً﴾ [الأعراف: ٢٠٥] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ﴾ [الأعراف: ٢٠٥] أَمَرَ اللَّهُ بِذِكْرِهِ، ⦗٦٧١⦘ وَنَهَى عَنِ الْغَفْلَةِ. أَمَّا بِالْغُدُوِّ: فَصَلَاةُ الصُّبْحِ، وَالْآصَالُ: بِالْعَشِيِّ»
١٠ ‏/ ٦٧٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ﴾ [الأعراف: ٢٠٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: لَا تَسْتَكْبِرُ أَيُّهَا الْمُسْتَمِعُ الْمُنْصِتُ لِلْقُرْآنِ عَنْ عِبَادَةِ رَبِّكَ، وَاذْكُرْهُ إِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ، فَإِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ مِنْ مَلَائِكَتِهِ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنِ التَّوَاضُعِ لَهُ وَالتَّخَشُّعِ، وَذَلِكَ هُوَ الْعِبَادَةُ

عن معز نوني

متحصّل على شهادة ختم الدروس للمعهد الأعلى لتكوين المعلمين بقفصة دفعة 2000، يعمل حاليًّا أستاذ مدارس إبتدائية

شاهد أيضاً

سُورَةُ الْفَاتِحَةِ

مَكِّيَّةٌ وَآيَاتُهَا سَبْعٌ ١ ‏/ ١١١ ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ [الفاتحة: ١] الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ …