الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ﴾ [الأعراف: ١٥٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى﴾ [الأعراف: ١٥٩] يَعْنِي بَنِي إِسْرَائِيلَ ﴿أُمَّةٌ﴾ [البقرة: ١٢٨] يَقُولُ: جَمَاعَةٌ، ﴿يَهْدُونَ بِالْحَقِّ﴾ [الأعراف: ١٥٩] يَقُولُ: يَهْتَدُونَ بِالْحَقِّ: أَيْ: يَسْتَقِيمُونَ عَلَيْهِ وَيَعْمَلُونَ، ﴿وَبِهِ يَعْدِلُونَ﴾ [الأعراف: ١٥٩] أَيْ: وَبِالْحَقِ يُعْطُونَ وَيَأْخُذُونَ، وَيُنْصِفُونَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ فَلَا يَجُورُونَ. وَقَدْ قَالَ فِي صِفَةِ هَذِهِ الْأُمَّةِ الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّهُ فِي الْآيَةِ جَمَاعَةٌ أَقْوَالًا نَحْنُ ذَاكِرُو مَا حَضَرَنَا مِنْهَا
١٠ / ٥٠١
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ صَدَقَةَ أَبِي الْهُذَيْلِ، عَنِ السُّدِّيِّ: «﴿وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ﴾ [الأعراف: ١٥٩] قَالَ: قَوْمٌ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ نَهْرٌ مِنْ شَهْدٍ»
١٠ / ٥٠١
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَوْلُهُ: «﴿وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ﴾ [الأعراف: ١٥٩] قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَمَّا قَتَلُوا أَنْبِيَاءَهُمْ كَفَرُوا، وَكَانُوا اثْنَيْ عَشَرَ سِبْطًا، تَبَرَّأَ سِبْطٌ مِنْهُمْ مِمَّا صَنَعُوا، وَاعْتَذَرُوا، وَسَأَلُوا اللَّهَ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُمْ، فَفَتَحَ اللَّهُ لَهُمْ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ، ⦗٥٠٢⦘ فَسَارُوا فِيهِ حَتَّى خَرَجُوا مِنْ وَرَاءِ الصِّينِ، فَهُمْ هُنَالِكَ حُنَفَاءَ مُسْلِمُونَ، يَسْتَقْبِلُونَ قِبْلَتَنَا. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا﴾ [الإسراء: ١٠٤] وَوَعْدُ الْآخِرَةِ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَخْرُجُونَ مَعَهُ. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: سَارُوا فِي السَّرَبِ سَنَةً وَنِصْفًا»
١٠ / ٥٠١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِن كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ [الأعراف: ١٦٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَرَّقْنَاهُمْ، يَعْنِي قَوْمَ مُوسَى مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَرَّقَهُمُ اللَّهُ فَجَعَلَهُمْ قَبَائِلَ شَتَّى، اثْنَتَيْ عَشْرَةَ قَبِيلَةً. وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْأَسْبَاطِ فِيمَا مَضَى وَمَنْ هُمْ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي وَجْهِ تَأْنِيثِ الِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَالْأَسْبَاطُ جَمْعُ مُذَكَّرٍ، فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ: أَرَادَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ فِرْقَةً، ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّ الْفَرِقَ أَسْبَاطٌ، وَلَمْ يَجْعَلِ الْعَدَدَ عَلَى أَسْبَاطٍ. وَكَانَ بَعْضُهُمْ يَسْتَخِلُّ هَذَا التَّأْوِيلَ وَيَقُولُ: لَا يَخْرُجُ الْعَدَدُ عَلَى عَيْنِ الثَّانِي، وَلَكِنَّ الْفِرَقَ قَبْلَ الِاثْنَتَي عَشْرَةَ حَتَّى تَكُونَ الِاثْنَتَا عَشْرَةَ مُؤَنَّثَةً عَلَى مَا قَبْلَهَا، وَيَكُونُ الْكَلَامُ: وَقَطَّعْنَاهُمْ فَرِقًا اثْنَتَي عَشْرَةَ أَسْبَاطًا، فَيَصِحُّ التَّأْنِيثُ لَمَّا تَقَدَّمَ.
١٠ / ٥٠٢
وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ، إِنَّمَا قَالَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ بِالتَّأْنِيثِ وَالسِّبْطُ مُذَكَّرٌ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ ذَهَبَ إِلَى الْأُمَمِ فَغَلَبَ التَّأْنِيثُ وَإِنْ كَانَ السِّبْطُ ذَكَرًا، وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِ الشَّاعِرِ:
[البحر الطويل]
وَإِنَّ كِلَابًا هَذِهِ عَشْرُ أَبْطُنٍ … وَأَنْتَ بَرِيءٌ مِنْ قَبَائِلِهَا الْعَشْرِ
ذَهَبَ بِالْبَطْنِ إِلَى الْقَبِيلَةِ وَالْفَضِيلَةِ، فَلِذَلِكَ جَمَعَ الْبَطْنَ بِالتَّأْنِيثِ. وَكَانَ آخَرُونَ مِنْ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ يَقُولُونَ: إِنَّمَا أُنِّثَتِ الِاثْنَتَا عَشْرَةَ وَالسِّبْطُ ذَكَرٌ، لِذِكْرِ الْأُمَمِ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّ الِاثْنَتَى عَشْرَةَ أُنِّثَتْ لِتَأْنِيثِ الْقِطْعَةِ. وَمَعْنَى الْكَلَامِ: وَقَطَّعْنَاهُمْ قِطَعًا اثْنَتَى عَشْرَةَ، ثُمَّ تَرْجَمَ عَنِ الْقِطَعِ بِالْأَسْبَاطِ. وَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ تَكُونَ الْأَسْبَاطُ مُفَسَّرَةً عَنِ الِاثْنَتَى عَشْرَةَ وَهِيَ جَمْعٌ؛ لِأَنَّ التَّفْسِيرَ فِيمَا فَوْقَ الْعَشْرِ إِلَى الْعِشْرِينِ بِالتَّوْحِيدِ لَا بِالْجَمْعِ، وَالْأَسْبَاطُ جَمْعٌ لَا وَاحِدٌ، وَذَلِكَ كَقَوْلِهِمْ: عِنْدِي اثْنَتَا عَشْرَةَ امْرَأَةً، وَلَا يُقَالُ: عِنْدِي اثْنَتَا عَشْرَةَ نِسْوَةً، فَفِي ذَلِكَ أَنَّ الْأَسْبَاطَ لَيْسَتْ بِتَفْسِيرٍ لِلِاثْنَتَي عَشْرَةَ، وَإِنَّ الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ عَلَى مَا قُلْنَا. وَأَمَّا الْأُمَمُ فَالْجَمَاعَاتُ، وَالسِّبْطُ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ نَحْوُ الْقَرْنِ. وَقِيلَ: إِنَّمَا فُرِّقُوا أَسْبَاطًا لِاخْتِلَافِهِمْ فِي دِينِهِمْ
١٠ / ٥٠٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ [الأعراف: ١٦٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذْ فَرَّقْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَوْمَهُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ فِرْقَةً، وَتَيَّهْنَاهُمْ فِي التِّيهِ فَاسْتَسْقَوْا مُوسَى مِنَ الْعَطَشِ وَغِئُورِ الْمَاءِ. ﴿أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ﴾ [الأعراف: ١٦٠] وَقَدْ بَيَّنَّا السَّبَبَ الَّذِي كَانَ قَوْمُهُ اسْتَسْقَوْهُ وَبَيَّنَا مَعْنَى الْوَحْيِ بِشَوَاهِدِهِ. ﴿فَانْبَجَسَتْ﴾ [الأعراف: ١٦٠] فَانْصَبَّتْ وَانْفَجَرَتْ مِنَ الْحَجَرِ ﴿اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا﴾ [البقرة: ٦٠] مِنَ الْمَاءِ، ﴿قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ﴾ [البقرة: ٦٠] يَعْنِي: كُلُّ أُنَاسٍ مِنَ الْأَسْبَاطِ الِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ ﴿مَشْرَبَهُمْ﴾ [البقرة: ٦٠] لَا يَدْخُلُ سِبْطٌ عَلَى غَيْرِهِ فِي شُرْبِهِ. ﴿وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ﴾ [الأعراف: ١٦٠] يَكُنَّهُمْ مِنْ حَرِّ الشَّمْسِ وَأَذَاهَا. وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْغَمَامِ فِيمَا مَضَى قَبْلُ، وَكَذَلِكَ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى. ﴿وَأَنْزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى﴾ [الأعراف: ١٦٠] طَعَامًا لَهُمْ. ﴿كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ﴾ [البقرة: ٥٧] يَقُولُ: وَقُلْنَا لَهُمْ: كُلُوا مِنْ حَلَالِ مَا رَزَقْنَاكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَطَيَّبْنَاهُ لَكُمْ. ﴿وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ [البقرة: ٥٧]، وَفِي الْكَلَامِ
١٠ / ٥٠٤
مَحْذُوفٌ تُرِكَ ذِكْرُهُ اسْتِغْنَاءً بِمَا ظَهَرَ عَمَّا تُرِكَ، وَهُوَ: فَأَجْمَعُوا ذَلِكَ وَقَالُوا: لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ، فَاسْتَبْدَلُوا الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ. ﴿وَمَا ظَلَمُونَا﴾ [البقرة: ٥٧] يَقُولُ: وَمَا أَدْخَلُوا عَلَيْنَا نَقْصًا فِي مُلْكِنَا وَسُلْطَانِنَا بِمَسْأَلَتِهِمْ مَا سَأَلُوا، وَفِعْلِهِمْ مَا فَعَلُوا. ﴿وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ [البقرة: ٥٧] أَيْ: يَنْقُصُونَهَا حُظُوظَهَا بِاسْتِبْدَالِهِمُ الْأَدْنَى بِالْخَيْرِ وَالْأَرْذَلِ بِالْأَفْضَلِ
١٠ / ٥٠٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: وَاذْكُرْ أَيْضًا يَا مُحَمَّدُ مِنْ خَطَإِ فِعْلِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ وَخِلَافِهِمْ عَلَى رَبِّهِمْ وَعِصْيَانِهِمْ نَبِيَّهُمْ مُوسَى عليه السلام وَتَبْدِيلِهِمُ الْقَوْلَ الَّذِي أُمِرُوا أَنْ يَقُولُوهُ حِينَ قَالَ اللَّهُ لَهُمْ: ﴿اسْكُنُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ﴾ [الأعراف: ١٦١] وَهِيَ قَرْيَةُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، ﴿وَكُلُوا مِنْهَا﴾ [الأعراف: ١٦١] يَقُولُ: مِنْ ثِمَارِهَا وَحُبُوبِهَا وَنَبَاتِهَا، ﴿حَيْثُ شِئْتُمْ﴾ [البقرة: ٥٨] مِنْهَا يَقُولُ: أَنَّى شِئْتُمْ مِنْهَا، ﴿وَقُولُوا حِطَّةٌ﴾ [البقرة: ٥٨] يَقُولُ: وَقُولُوا هَذِهِ الْفِعْلَةَ حِطَّةٌ تَحُطُّ ذُنُوبَنَا، ﴿نَغْفِرْ لَكُمْ﴾ [البقرة: ٥٨] يَتَغَمَّدُ لَكُمْ رَبُّكُمْ ذُنُوبَكُمُ الَّتِي سَلَفَتْ مِنْكُمْ، فَيَعْفُو لَكُمْ عَنْهَا، فَلَا يُؤَاخِذُكُمْ بِهَا. ﴿سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ﴾ [الأعراف: ١٦١] مِنْكُمْ، وَهُمُ الْمُطِيعُونَ لِلَّهِ، عَلَى مَا وَعَدْتُكُمْ مِنْ غُفْرَانِ الْخَطَايَا. وَقَدْ ذَكَرْنَا الرِّوَايَاتِ فِي كُلِّ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ الْمُخْتَلِفِينَ وَالصَّحِيحَ مِنَ الْقَوْلِ لَدَيْنَا فِيهِ فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ
١٠ / ٥٠٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَظْلِمُونَ﴾ [الأعراف: ١٦٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَغَيَّرَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِاللَّهِ مِنْهُمْ مَا أَمَرَهُمُ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْقَوْلِ، فَقَالُوا وَقَدْ قِيلَ لَهُمْ: قُولُوا: هَذِهِ حِطَّةٌ: حِنْطَةٌ فِي شَعِيرَةٍ؛ وَقَوْلُهُمْ ذَلِكَ كَذَلِكَ هُوَ غَيْرُ الْقَوْلِ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ قُولُوهُ. يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ﴾ [الأعراف: ١٦٢] بَعَثْنَا عَلَيْهِمْ عَذَابًا أَهْلَكْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يُغَيِّرُونَ مَا يُؤْمَرُونَ بِهِ، فَيَفْعَلُونَ خِلَافَ مَا أَمَرَهُمُ اللَّهُ بِفِعْلِهِ وَيَقُولُونَ غَيْرَ الَّذِي أَمَرَهُمُ اللَّهُ بِقِيلِهِ. وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الرِّجْزِ فِيمَا مَضَى
١٠ / ٥٠٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ﴾ [الأعراف: ١٦٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَاسْأَلْ يَا مُحَمَّدُ هَؤُلَاءِ الْيَهُودَ وَهُمْ مُجَاوِرُوكَ، عَنْ أَمْرِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ، يَقُولُ: كَانَتْ بِحَضْرَةِ الْبَحْرِ أَيْ: بِقُرْبِ الْبَحْرِ وَعَلَى شَاطِئِهِ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِيهَا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ أَيْلَةُ. ⦗٥٠٧⦘ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٠ / ٥٠٦
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ حُصَيْنٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «﴿وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي، كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ﴾ [الأعراف: ١٦٣] قَالَ: هِيَ قَرْيَةٌ يُقَالُ لَهَا أَيْلَةُ، بَيْنَ مَدْيَنَ وَالطُّورِ»
١٠ / ٥٠٧
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَثِيرٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي، كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ﴾ [الأعراف: ١٦٣] قَالَ: سَمِعْنَا أَنَّهَا أَيْلَةُ»
١٠ / ٥٠٧
حَدَّثَنِي سَلَّامُ بْنُ سَالِمٍ الْخُزَاعِيُّ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ الطَّائِفِيُّ، قَالَ: ثنا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْمُصْحَفُ فِي حِجْرِهِ، وَهُوَ يَبْكِي، فَقُلْتُ: مَا يُبْكِيكَ؟ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاكَ فَقَالَ: «وَيْلَكَ وَتَعْرِفُ الْقَرْيَةَ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ؟ فَقُلْتُ: تِلْكَ أَيْلَةُ»
١٠ / ٥٠٧
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْهُذَلِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «﴿وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ﴾ [الأعراف: ١٦٣] قَالَ: هِيَ أَيْلَةُ»
١٠ / ٥٠٧
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «هِيَ قَرْيَةٌ عَلَى شَاطِئِ الْبَحْرِ بَيْنَ مِصْرَ وَالْمَدِينَةِ يُقَالُ لَهَا أَيْلَةُ»
١٠ / ٥٠٧
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: «هُمْ أَهْلُ أَيْلَةَ، الْقَرْيَةُ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ»
١٠ / ٥٠٨
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا أَبُو سَعْدٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي، كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ﴾ [الأعراف: ١٦٣] قَالَ أَيْلَةُ» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَاهُ: سَاحِلُ مَدْيَنَ
١٠ / ٥٠٨
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ﴾ [الأعراف: ١٦٣] الْآيَةَ، ذُكِرَ لَنَا أَنَّهَا كَانَتْ قَرْيَةً عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ يُقَالُ لَهَا أَيْلَةُ» وَقَالَ آخَرُونَ: هِيَ مقنَا
١٠ / ٥٠٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي، كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ﴾ [الأعراف: ١٦٣] قَالَ: هِيَ قَرْيَةٌ يُقَالُ لَهَا مقنا بَيْنَ مَدْيَنَ وَعَيْنُونَى» وَقَالَ آخَرُونَ: هِيَ مَدْيَنُ
١٠ / ٥٠٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، قَالَ: ثني مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «هِيَ قَرْيَةٌ بَيْنَ أَيْلَةَ وَالطُّورِ يُقَالُ لَهَا مَدْيَنُ» وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: هِيَ قَرْيَةٌ حَاضِرَةُ الْبَحْرِ، وَجَائِزٌ أَنْ تَكُونَ أَيْلَةَ، وَجَائِزٌ أَنْ تَكُونَ مَدْيَنَ، وَجَائِزٌ أَنْ تَكُونَ مقنا؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ حَاضِرَةُ الْبَحْرِ. وَلَا خَبَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَقْطَعُ الْعُذْرَ بِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ أَيٍّ، وَالِاخْتِلَافُ فِيهِ عَلَى مَا وَصَفْتُ، وَلَا يُوصَلُ إِلَى عِلْمِ مَا قَدْ كَانَ فَمَضَى مِمَّا لَمْ نُعَايِنْهُ، إِلَّا بِخَبَرٍ يُوجِبُ الْعِلْمَ وَلَا خَبَرَ كَذَلِكَ فِي ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ: ﴿إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ﴾ [الأعراف: ١٦٣] يَعْنِي بِهِ أَهْلَهُ: إِذْ يَعْتَدُونَ فِي السَّبْتِ أَمْرَ اللَّهِ، وَيَتَجَاوَزُونَهُ إِلَى مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، يُقَالُ مِنْهُ: عَدَا فُلَانٌ أَمْرِي وَاعْتَدَى: إِذَا تُجَاوِزَهُ. وَكَانَ اعْتِدَاؤُهُمْ فِي السَّبْتِ أَنَّ اللَّهَ كَانَ حَرَّمَ عَلَيْهِمُ السَّبْتَ، فَكَانُوا يَصْطَادُونَ فِيهِ السَّمَكَ ﴿إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا﴾ [الأعراف: ١٦٣] يَقُولُ: إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمُ الَّذِي نُهُوا فِيهِ عَنِ الْعَمَلِ شُرَّعًا، يَقُولُ: شَارِعَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى الْمَاءِ مِنْ كُلِّ طَرِيقٍ وَنَاحِيَةٍ كَشَوَارِعِ الطُّرُقِ
١٠ / ٥٠٩
كَالَّذِي حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا عُثْمَانُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ بِشْرِ بْنِ ⦗٥١٠⦘ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِي رَوْقٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «﴿إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا﴾ [الأعراف: ١٦٣] يَقُولُ: ظَاهِرَةً عَلَى الْمَاءِ»
١٠ / ٥٠٩
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، «﴿شُرَّعًا﴾ [الأعراف: ١٦٣] يَقُولُ: مِنْ كُلِّ مَكَانٍ» وَقَوْلُهُ: ﴿وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ﴾ [الأعراف: ١٦٣] يَقُولُ: وَيَوْمَ لَا يُعَظِّمُونَهُ تَعْظِيمَهُمُ السَّبْتَ، وَذَلِكَ سَائِرُ الْأَيَّامِ غَيْرُ يَوْمِ السَّبْتِ، لَا تَأْتِيهِمُ الْحِيتَانُ ﴿كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ﴾ [الأعراف: ١٦٣] يَقُولُ: كَمَا وَصَفْنَا لَكُمْ مِنَ الِاخْتِبَارِ وَالِابْتِلَاءِ الَّذِي ذَكَرْنَا بِإِظْهَارِ السَّمَكِ لَهُمْ عَلَى ظَهْرِ الْمَاءِ فِي الْيَوْمِ الْمُحَرَّمِ عَلَيْهِمْ صَيْدُهُ، وَإِخْفَائِهِ عَنْهُمْ فِي الْيَوْمِ الْمُحَلَّلِ صَيْدُهُ، كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ وَنَخْتَبِرُهُمْ ﴿بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ﴾ [الأعراف: ١٦٣] يَقُولُ: بِفِسْقِهِمْ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ وَخُرُوجِهِمْ عَنْهَا. وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ﴾ [الأعراف: ١٦٣] فَقُرِئَ بِفَتْحِ الْيَاءِ مِنْ ﴿يَسْبِتُونَ﴾ [الأعراف: ١٦٣] مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: سَبَتَ فُلَانٌ يَسْبِتُ سَبْتًا وَسُبُوتًا: إِذَا عَظَّمَ السَّبْتَ. وَذُكِرَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهُ: (وَيَوْمَ لَا يُسْبِتُونَ) بِضَمِّ الْيَاءِ، مِنْ أَسْبَتَ الْقَوْمُ يُسْبِتُونَ: إِذَا دَخَلُوا فِي السَّبْتِ، كَمَا يُقَالُ: أَجْمَعْنَا: مَرَّتْ بِنَا جُمُعَةٌ، وَأَشْهَرْنَا: مَرَّ بِنَا شَهْرٌ، وَأَسْبَتْنَا: مَرَّ بِنَا سَبْتٌ. ⦗٥١١⦘ وَنَصْبُ ﴿يَوْمَ﴾ [الأعراف: ١٦٣] مِنْ قَوْلِهِ: ﴿وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ﴾ [الأعراف: ١٦٣] بِقَوْلِهِ: ﴿لَا تَأْتِيهِمْ﴾ [الأعراف: ١٦٣]؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ: لَا تَأْتِيهِمْ يَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ
١٠ / ٥١٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾ [الأعراف: ١٦٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: وَاذْكُرْ أَيْضًا يَا مُحَمَّدُ، إِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ، جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ لِجَمَاعَةٍ كَانَتْ تَعِظُ الْمُعْتَدِينَ فِي السَّبْتِ وَتَنْهَاهُمْ عَنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ فِيهِ: ﴿لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ﴾ [الأعراف: ١٦٤] فِي الدُّنْيَا بِمَعْصِيَتِهِمْ إِيَّاهُ، وَخِلَافِهِمْ أَمْرَهُ، وَاسْتِحْلَالِهِمْ مَا حُرِّمَ عَلَيْهِمْ. ﴿أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا﴾ [الأعراف: ١٦٤] فِي الْآخِرَةِ، قَالَ الَّذِينَ كَانُوا يَنْهَوْنَهُمْ عَنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ مُجِيبِيهِمْ عَنْ قَوْلِهِمْ: عِظَتُنَا إِيَّاهُمْ ﴿مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ﴾ [الأعراف: ١٦٤] نُؤَدِّي فَرْضَهُ عَلَيْنَا فِي الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ. ﴿وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾ [الأعراف: ١٦٤] يَقُولُ: وَلَعَلَّهُمْ أَنْ يَتَّقُوا اللَّهَ فَيَخَافُوهُ، فيُنِيبُوا إِلَى طَاعَتِهِ وَيَتُوبُوا مِنْ مَعْصِيَتِهِمْ إِيَّاهُ وَتَعَدِّيهِمْ عَلَى مَا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ مِنَ اعْتِدَائِهِمْ فِي السَّبْتِ
١٠ / ٥١١
كَمَا حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «﴿قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ﴾ [الأعراف: ١٦٤] لِسَخَطِنَا أَعْمَالَهُمْ. ﴿وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾ [الأعراف: ١٦٤] أَيْ: يَنْزِعُونَ عَمَّا هُمْ عَلَيْهِ»
١٠ / ٥١١
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾ [الأعراف: ١٦٤] قَالَ: يَتْرُكُونَ هَذَا الْعَمَلَ الَّذِي هُمْ عَلَيْهِ» ⦗٥١٢⦘ وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿قَالُوا مَعْذِرَةً﴾ [الأعراف: ١٦٤] فَقَرَأَ ذَلَكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْحِجَازِ وَالْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ: (مَعْذِرَةٌ) بِالرَّفْعِ عَلَى مَا وَصَفْتُ مِنْ مَعْنَاهَا. وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ أَهْلِ الْكُوفَةِ: ﴿مَعْذِرَةً﴾ [الأعراف: ١٦٤] نَصْبًا، بِمَعْنَى: إِعْذَارًا وَعَظْنَاهُمْ وَفَعَلْنَا ذَلِكَ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي هَذِهِ الْفِرْقَةِ الَّتِي قَالَتْ: ﴿لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ﴾ [الأعراف: ١٦٤] هَلْ كَانَتْ مِنَ النَّاجِيَةِ، أَمْ مِنَ الْهَالِكَةِ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَتْ مِنَ النَّاجِيَةِ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ مِنَ النَّاهِيَةِ الْفِرْقَةَ الْهَالِكَةَ عَنِ الِاعْتِدَاءِ فِي السَّبْتِ
١٠ / ٥١١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا﴾ [الأعراف: ١٦٤] هِيَ قَرْيَةٌ عَلَى شَاطِئِ الْبَحْرِ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ يُقَالُ لَهَا أَيْلَةُ، فَحَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْحِيتَانَ يَوْمَ سَبْتِهِمْ، فَكَانَتِ الْحِيتَانُ تَأْتِيهِمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا فِي سَاحِلِ الْبَحْرِ، فَإِذَا مَضَى يَوْمُ السَّبْتِ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهَا، فَمَكَثُوا بِذَلِكَ مَا شَاءَ اللَّهُ. ثُمَّ إِنَّ طَائِفَةً مِنْهُمْ أَخَذُوا الْحِيتَانَ يَوْمَ سَبْتِهِمْ، فَنَهَتْهُمْ طَائِفَةٌ وَقَالُوا: تَأْخُذُونَهَا وَقَدْ حَرَّمَهَا اللَّهُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ سَبْتِكُمْ، فَلَمْ يَزْدَادُوا إِلَّا غَيًّا وَعُتُوًّا، وَجَعَلَتْ طَائِفَةٌ أُخْرَى تَنْهَاهُمْ. فَلَمَّا طَالَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنَ النُّهَاةِ: تَعْلَمُونَ أَنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ قَدْ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْعَذَابُ ﴿لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ﴾ [الأعراف: ١٦٤] وَكَانُوا أَشَدَّ غَضَبًا لِلَّهِ مِنَ الطَّائِفَةِ الْأُخْرَى، فَقَالُوا: ﴿مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾ [الأعراف: ١٦٤] وَكُلٌّ قَدْ كَانُوا يَنْهَوْنَ. فَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمْ ⦗٥١٣⦘ غَضَبُ اللَّهِ، نَجَتِ الطَّائِفَتَانِ اللَّتَانِ قَالُوا: ﴿لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ﴾ [الأعراف: ١٦٤]، وَالَّذِينَ قَالُوا: ﴿مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ﴾ [الأعراف: ١٦٤]، وَأَهْلَكَ اللَّهُ أَهْلَ مَعْصِيَتِهِ الَّذِينَ أَخَذُوا الْحِيتَانَ، فَجَعَلَهُمْ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ»
١٠ / ٥١٢
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «﴿وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي، كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ﴾ [الأعراف: ١٦٣] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ﴾ [الأعراف: ١٦٣] وَذَلِكَ أَنَّ أَهْلَ قَرْيَةٍ كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ، يَقُولُ: إِذَا كَانُوا يَوْمَ يَسْبِتُونَ تَأْتِيهِمْ شُرَّعًا، يَعْنِي مِنْ كُلِّ مَكَانٍ، ﴿وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ﴾ [الأعراف: ١٦٣] وَأَنَّهُمْ قَالُوا: لَوْ أَنَّا أَخَذْنَا مِنْ هَذِهِ الْحِيتَانِ يَوْمَ تَجِيءُ مَا يَكْفِينَا فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ الْأَيَّامِ. فَوَعَظَهُمْ قَوْمٌ مُؤْمِنُونَ وَنَهَوْهُمْ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ: إِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ قَدْ هَمُّوا بِأَمْرٍ لَيْسُوا بِمُنْتَهِينَ دُونَهُ، وَاللَّهُ مُخْزِيهِمْ وَمُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا. قَالَ الْمُؤْمِنُونَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: ﴿مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾ [الأعراف: ١٦٤] إِنْ كَانَ هَلَاكٌ فَلَعَلَّنَا نَنْجُو، وَإِمَّا أَنْ يَنْتَهُوا فَيَكُونَ لَنَا أَجْرًا. وَقَدْ كَانَ اللَّهُ جَعَلَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ يَوْمًا يَعْبُدُونَهُ وَيَتَفَرَّغُونَ لَهُ فِيهِ، وَهُوَ يَوْمُ الِاثْنَيْنِ، فَتَعَدَّى الْخُبَثَاءُ مِنَ الِاثْنَيْنِ إِلَى السَّبْتِ، وَقَالُوا: هُوَ يَوْمُ السَّبْتِ. فَنَهَاهُمْ مُوسَى، فَاخْتَلَفُوا فِيهِ، فَجُعِلَ عَلَيْهِمُ السَّبْتُ، وَنَهَاهُمْ أَنْ يَعْمَلُوا فِيهِ وَأَنْ يَعْتَدُوا فِيهِ. وَإِنَّ رَجُلًا مِنْهُمْ ذَهَبَ لِيَحْتَطِبَ، فَأَخَذَهُ مُوسَى عليه السلام، فَسَأَلَهُ: هَلْ أَمَرَكَ بِهَذَا أَحَدٌ؟ فَلَمْ يَجِدْ أَحَدًا أَمَرَهُ، فَرَجَمَهُ أَصْحَابُهُ»
١٠ / ٥١٣
حَدَّثَنِي مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: «قَالَ بَعْضُ الَّذِينَ نَهَوْهُمْ لِبَعْضٍ: ﴿لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا﴾ [الأعراف: ١٦٤] يَقُولُ: لِمَ تَعِظُونَهُمْ وَقَدْ وَعَظْتُمُوهُمْ فَلَمْ يُطِيعُوكُمْ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: ﴿مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾ [الأعراف: ١٦٤]»
١٠ / ٥١٤
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُعَاذُ بْنُ هَانِئٍ، قَالَ: ثنا حَمَّادٌ، عَنْ دَاوُدَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «﴿وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا﴾ [الأعراف: ١٦٤] قَالَ: مَا أَدْرِي أَنَجَا الَّذِينَ قَالُوا: ﴿لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ﴾ [الأعراف: ١٦٤] أَمْ لَا؟ قَالَ: فَلَمْ أَزَلْ بِهِ حَتَّى عَرَّفْتُهُ أَنَّهُمْ قَدْ نَجَوْا، فَكَسَانِي حُلَّةً» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا حَمَّادٌ، عَنْ دَاوُدَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: قَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ هَذِهِ الْآيَةَ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ فِي حَدِيثِهِ: فَمَا زِلْتُ أَبْصُرُهُ حَتَّى عَرَفَ أَنَّهُمْ قَدْ نَجَوْا
١٠ / ٥١٤
حَدَّثَنِي سَلَّامُ بْنُ سَالِمٍ الْخُزَاعِيُّ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ الطَّائِفِيُّ، قَالَ: ثنا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْمُصْحَفُ فِي حِجْرِهِ وَهُوَ يَبْكِي، فَقُلْتُ: مَا يُبْكِيكَ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ؟ قَالَ: فَقَرَأَ: «﴿وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ﴾ [الأعراف: ١٦٣] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ﴾ [الأعراف: ١٦٥] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا أَسْمَعُ الْفِرْقَةَ الثَّالِثَةَ ذُكِرَتْ نَخَافُ أَنْ نَكُونَ مِثْلَهُمْ. فَقُلْتُ: أَمَا تَسْمَعُ اللَّهَ يَقُولُ: ﴿فَلَمَّا عَتَوْا عَن مَّا نُهُوا عَنْهُ﴾ [الأعراف: ١٦٦] فَسُرِّيَ عَنْهُ وَكَسَانِي حُلَّةً»
١٠ / ٥١٤
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: ثني رَجُلٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: جِئْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَوْمًا وَهُوَ يَبْكِي، وَإِذَا الْمُصْحَفُ فِي حِجْرِهِ، فَأَعْظَمْتُ أَنْ أَدْنُوَ، ثُمَّ لَمْ أَزَلْ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى تَقَدَّمْتُ فَجَلَسْتُ، فَقُلْتُ: مَا يُبْكِيكَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ؟ فَقَالَ: هَؤُلَاءِ الْوَرَقَاتُ. قَالَ: وَإِذَا هُوَ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ. قَالَ: «تَعْرِفُ أَيْلَةَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: فَإِنَّهُ كَانَ حَيُّ مِنْ يَهُودَ سِيقَتِ الْحِيتَانُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ السَّبْتِ ثُمَّ غَاصَتْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَيْهَا حَتَّى يَغُوصُوا بَعْدَ كَدٍّ وَمُؤْنَةٍ شَدِيدَةٍ، كَانَتْ تَأْتِيهِمْ يَوْمَ السَّبْتِ شُرَّعًا بِيضًا سِمَانًا كَأَنَّهَا الْمَاخِضَ، تَنْتَطِحُ ظُهُورُهَا لِبُطُونِهَا بِأَفْنِيَتِهِمْ وَأَبْنِيَتِهِمْ. فَكَانُوا كَذَلِكَ بُرْهَةً مِنَ الدَّهْرِ، ثُمَّ إِنَّ الشَّيْطَانَ أَوْحَى إِلَيْهِمْ، فَقَالَ: إِنَّمَا نُهِيتُمْ عَنْ أَكْلِهَا يَوْمَ السَّبْتِ، فَخُذُوهَا فِيهِ وَكُلُوهَا فِي غَيْرِهِ مِنَ الْأَيَّامِ، فَقَالَتْ ذَلِكَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ: بَلْ نُهِيتُمْ عَنْ أَكْلِهَا وَأَخْذِهَا وَصَيْدِهَا فِي يَوْمِ السَّبْتِ. وَكَانُوا كَذَلِكَ حَتَّى جَاءَتِ الْجُمُعَةُ الْمُقْبِلَةُ، فَعَدَتْ طَائِفَةٌ بِأَنْفُسِهَا وَأَبْنَائِهَا وَنِسَائِهَا، وَاعْتَزَلَتْ طَائِفَةٌ ذَاتَ الْيَمِينِ وَتَنَحَّتْ، وَاعْتَزَلَتْ طَائِفَةٌ ذَاتَ الْيَسَارِ وَسَكَتَتْ، وَقَالَ الْأَيْمَنُونَ: اللَّهُ يَنْهَاكُمْ عَنْ أَنْ تَعْتَرِضُوا لِعُقُوبَةِ اللَّهِ، وَقَالَ الْأَيْسَرُونَ: ﴿لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا﴾ [الأعراف: ١٦٤] قَالَ الْأَيْمَنُونَ: ﴿مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾ [الأعراف: ١٦٤] أَيْ: يَنْتَهُونَ، فَهُوَ أَحَبُّ إِلَيْنَا أَنْ لَا يُصَابُوا وَلَا يَهْلِكُوا، وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا فَمَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ. فَمَضَوْا عَلَى الْخَطِيئَةِ، فَقَالَ الْأَيْمَنُونَ: قَدْ فَعَلْتُمْ يَا أَعْدَاءَ ⦗٥١٦⦘ اللَّهِ، وَاللَّهِ لَا نُبَايِتُكُمُ اللَّيْلَةَ فِي مَدِينَتِكُمْ، وَاللَّهِ مَا نَرَاكُمْ تُصْبِحُونَ حَتَّى يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِخَسْفٍ أَوْ قَذْفٍ أَوْ بَعْضِ مَا عِنْدَهُ بِالْعَذَابِ، فَلَمَّا أَصْبَحُوا ضَرَبُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ وَنَادَوْا، فَلَمْ يُجَابُوا، فَوَضَعُوا سُلَّمًا وَأَعْلَوْا سُوَرَ الْمَدِينَةِ رَجُلًا، فَالْتَفَتَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ: أَيْ عِبَادَ اللَّهِ، قِرَدَةٌ وَاللَّهِ تَعَاوَى لَهَا أَذْنَابٌ، قَالَ: فَفَتَحُوا فَدَخَلُوا عَلَيْهِمْ، فَعَرَفَتِ الْقِرَدَةُ أَنْسَابَهَا مِنَ الْإِنْسِ، وَلَا تَعْرِفُ الْإِنْسَ أَنْسَابَهَا مِنَ الْقِرَدَةِ، فَجَعَلَتِ الْقُرُودُ تَأْتِي نَسِيبَهَا مِنَ الْإِنْسِ، فَتَشُمُّ ثِيَابَهُ وَتَبْكِي، فَتَقُولُ لَهُمْ: أَلَمْ نَنْهَكُمْ عَنْ كَذَا؟ فَتَقُولُ بِرَأْسِهَا نَعَمْ. ثُمَّ قَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ﴾ [الأعراف: ١٦٥] قَالَ: فَأَرَى الْيَهُودَ الَّذِينَ نَهَوْا قَدْ نَجَوْا، وَلَا أَرَى الْآخَرِينَ ذُكِرُوا، وَنَحْنُ نَرَى أَشْيَاءَ نُنْكِرُهَا، فَلَا نَقُولُ فِيهَا، قَالَ: قُلْتُ: أَيْ: جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاكَ، أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ قَدْ كَرِهُوا مَا هُمْ عَلَيْهِ وَخَالَفُوهُمْ وَقَالُوا: ﴿لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ﴾ [الأعراف: ١٦٤] قَالَ: فَأُمِرَ بِي فَكُسِيتُ بُرْدَيْنِ غَلِيظَيْنِ»
١٠ / ٥١٥
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ﴾ [الأعراف: ١٦٣] ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ إِذَا كَانَ يَوْمُ السَّبْتِ أَقْبَلَتِ الْحِيتَانُ حَتَّى تَنْتَطِحَ عَلَى سَوَاحِلِهِمْ وَأَفْنِيَتِهِمْ لَمَّا بَلَغَهَا مِنْ أَمْرِ اللَّهِ فِي الْمَاءِ، فَإِذَا كَانَ فِي غَيْرِ يَوْمِ السَّبْتِ بَعُدَتْ فِي الْمَاءِ حَتَّى يَطْلُبَهَا طَالِبُهُمْ، فَأَتَاهُمُ الشَّيْطَانُ، ⦗٥١٧⦘ فَقَالَ: إِنَّمَا حُرِّمَ عَلَيْكُمْ أَكْلُهَا يَوْمَ السَّبْتِ، فَاصْطَادُوهَا يَوْمَ السَّبْتِ وَكُلُوهَا فِيمَا بَعْدُ. قَوْلِهِ: ﴿وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾ [الأعراف: ١٦٤] فَصَارَ الْقَوْمُ ثَلَاثَةَ أَصْنَافٍ: أَمَّا صِنْفٌ، فَأَمْسَكُوا عَنْ حُرْمَةِ اللَّهِ وَنَهَوْا عَنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ. وَأَمَّا صِنْفٌ فَأَمْسَكَ عَنْ حُرْمَةِ اللَّهِ هَيْبَةً لِلَّهِ. وَأَمَّا صِنْفٌ فَانْتَهَكَ الْحُرْمَةَ وَوَقَعَ فِي الْخَطِيئَةِ»
١٠ / ٥١٦
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: «﴿حَاضِرَةَ الْبَحْرِ﴾ [الأعراف: ١٦٣] قَالَ: حُرِّمَتْ عَلَيْهِمُ الْحِيتَانُ يَوْمَ السَّبْتِ، وَكَانَتْ تَأْتِيهِمْ يَوْمَ السَّبْتِ شُرَّعًا، بَلَاءٌ ابْتُلُوا بِهِ، وَلَا تَأْتِيهِمْ فِي غَيْرِهِ إِلَّا أَنْ يَطْلُبُوهَا، بَلَاءٌ أَيْضًا بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ. فَأَخَذُوهَا يَوْمَ السَّبْتِ اسْتِحْلَالًا وَمَعْصِيَةً، فَقَالَ اللَّهُ لَهُمْ: ﴿كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ﴾ [الأعراف: ١٦٦] إِلَّا طَائِفَةً مِنْهُمْ لَمْ يَعْتَدُوا وَنَهَوْهُمْ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: ﴿لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا﴾ [الأعراف: ١٦٤]»
١٠ / ٥١٧
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ﴾ [الأعراف: ١٦٤] حَتَّى بَلَغَ: ﴿وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾ [الأعراف: ١٦٤] لَعَلَّهُمْ يَتْرُكُونَ مَا هُمْ عَلَيْهِ. قَالَ: كَانُوا قَدْ بُلُوا بِكَفِّ الْحِيتَانِ عَنْهُمْ، وَكَانُوا يَسْبِتُونَ فِي يَوْمِ السَّبْتِ، وَلَا يَعْمَلُونَ فِيهِ شَيْئًا، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ السَّبْتِ أَتَتْهُمُ الْحِيتَانُ شُرَّعًا، وَإِذَا كَانَ غَيْرُ يَوْمِ السَّبْتِ لَمْ يَأْتِ حُوتٌ وَاحِدٌ. قَالَ: وَكَانُوا قَوْمًا قَدْ قُرِنُوا بِحُبِّ الْحِيتَانِ، وَلَقُوا مِنْهُ بَلَاءً، فَأَخَذَ رَجُلٌ مِنْهُمْ حُوتًا، فَرَبَطَ فِي ذَنْبِهِ خَيْطًا، ثُمَّ رَبَطَهُ إِلَى خَشَفَةٍ، ⦗٥١٨⦘ ثُمَّ تَرَكَهُ فِي الْمَاءِ، حَتَّى إِذَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ مِنْ يَوْمِ الْأَحَدِ اجْتَرَّهُ بِالْخَيْطِ، ثُمَّ شَوَاهُ. فَوَجَدَ جَارٌ لَهُ رِيحَ حُوتٍ، فَقَالَ: يَا فُلَانُ إِنِّي أَجِدُ فِي بَيْتِكَ رِيحَ نُونٍ، فَقَالَ: لَا. قَالَ: فَتَطَلَّعَ فِي تَنُّورِهِ فَإِذَا هُوَ فِيهِ فَأَخْبَرَهُ حِينَئِذٍ الْخَبَرَ، فَقَالَ: إِنِّي أَرَى اللَّهَ سَيُعَذِّبُكَ. قَالَ: فَلَمَّا لَمْ يَرَهُ عُجِّلَ عَذَابًا، فَلَمَّا أَتَى السَّبْتُ الْآخَرُ أَخَذَ اثْنَيْنِ فَرَبَطَهُمَا، ثُمَّ اطَّلَعَ جَارٌ لَهُ عَلَيْهِ. فَلَمَّا رَآهُ لَمْ يُعَجَّلْ عَذَابًا جَعَلُوا يَصِيدُونَهُ، فَاطَّلَعَ أَهْلُ الْقَرْيَةِ عَلَيْهِمْ، فَنَهَاهُمُ الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ، فَكَانُوا فِرْقَتَيْنِ: فِرْقَةً تَنْهَاهُمْ وَتَكُفُّ، وَفِرْقَةً تَنْهَاهُمْ وَلَا تَكُفُّ، فَقَالَ الَّذِينَ نَهَوْا وَكَفُّوا لِلَّذِينَ يَنْهَوْنَ وَلَا يَكَفُّونَ: ﴿لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا﴾ [الأعراف: ١٦٤] فَقَالَ الْآخَرُونَ: ﴿مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾ [الأعراف: ١٦٤] فَقَالَ اللَّهُ: ﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ﴾ [الأعراف: ١٦٥] . إِلَى قَوْلِهِ: ﴿بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ﴾ [الأعراف: ١٦٥] قَالَ اللَّهُ: ﴿فَلَمَّا عَتَوْا عَن مَّا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ﴾ [الأعراف: ١٦٦] وَقَالَ لَهُمْ أَهْلُ تِلْكَ الْقَرْيَةِ: عَمِلْتُمْ بِعَمَلِ سُوءٍ، مَنْ كَانَ يُرِيدُ يَعْتَزِلُ وَيَتَطَهَّرُ فَلْيَعْتَزِلْ هَؤُلَاءِ، قَالَ: فَاعْتَزَلَ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ فِي مَدِينَتِهِمْ، وَضَرَبُوا بَيْنَهُمْ سُورًا، فَجَعَلُوا فِي ذَلِكَ السُّوَرِ أَبْوَابًا يَخْرُجُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ. قَالَ: فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ طَرَقَهُمُ اللَّهُ بِعَذَابِهِ، فَأَصْبَحَ أُولَئِكَ الْمُؤْمِنُونَ لَا يَرَوْنَ مِنْهُمْ أَحَدًا، فَدَخَلُوا عَلَيْهِمْ، فَإِذَا هُمْ قِرَدَةٌ، الرَّجُلُ وَأَزْوَاجُهُ وَأَوْلَادُهُ. فَجَعَلُوا يَدْخُلُونَ عَلَى الرَّجُلِ يَعْرِفُونَهُ، فَيَقُولُونَ: يَا فُلَانُ أَلَمْ نُحَذِّرْكَ سَطَوَاتِ اللَّهِ؟ أَلَمْ نُحَذِّرْكَ نَقَمَاتِ اللَّهِ؟ وَنُحَذِّرْكَ وَنُحَذِّرْكَ؟ قَالَ: فَلَيْسَ إِلَّا بُكَاءً. قَالَ: وَإِنَّمَا عَذَّبَ اللَّهُ الَّذِينَ ظَلَمُوا الَّذِينَ أَقَامُوا عَلَى ذَلِكَ. قَالَ: وَأَمَّا الَّذِينَ نَهَوْا فَكُلُّهُمْ قَدْ نَهَى، وَلَكِنَّ بَعْضَهُمْ أَفْضَلُ مِنْ بَعْضٍ. فَقَرَأَ: ﴿أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ﴾ [الأعراف: ١٦٥]»
١٠ / ٥١٧
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ دَاوُدَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: قَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ هَذِهِ الْآيَةَ: «﴿لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا﴾ [الأعراف: ١٦٤] قَالَ: لَا أَدْرِي أَنَجَا الْقَوْمُ أَوْ هَلَكُوا؟ فَمَا زِلْتُ أَبْصُرُهُ حَتَّى عَرَفَ أَنَّهُمْ نَجَوْا، وَكَسَانِي حُلَّةً»
١٠ / ٥١٩
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَشْهَبُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ مَالِكٍ، قَالَ: زَعَمَ ابْنُ رُومَانَ أَنَّ قَوْلَهُ: ﴿تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ﴾ [الأعراف: ١٦٣] قَالَ: كَانَتْ تَأْتِيهِمْ يَوْمَ السَّبْتِ، فَإِذَا كَانَ الْمَسَاءُ ذَهَبَتْ فَلَا يُرَى مِنْهَا شَيْءٌ إِلَى السَّبْتِ، فَاتَّخَذَ لِذَلِكَ رَجُلٌ مِنْهُمْ خَيْطًا وَوَتَدًا، فَرَبَطَ حُوتًا مِنْهَا فِي الْمَاءِ يَوْمَ السَّبْتِ، حَتَّى إِذَا أَمْسَوْا لَيْلَةَ الْأَحَدِ أَخَذَهُ فَاشْتَوَاهُ، فَوَجَدَ النَّاسُ رِيحَهُ، فَأَتَوْهُ فَسَأَلُوهُ عَنْ ذَلِكَ، فَجَحَدَهُمْ، فَلَمْ يَزَالُوا بِهِ حَتَّى قَالَ لَهُمْ: فَإِنَّهُ جِلْدُ حُوتٍ وَجَدْنَاهُ، فَلَمَّا كَانَ السَّبْتُ الْآخَرُ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ، وَلَا أَدْرِي لَعَلَّهُ قَالَ: رَبَطَ حُوتَيْنِ، فَلَمَّا أَمْسَى مِنْ لَيْلَةِ الْأَحَدِ أَخَذَهُ فَاشْتَوَاهُ، فَوَجَدُوا رِيحَهُ، فَجَاءُوا فَسَأَلُوهُ، فَقَالَ لَهُمْ: لَوْ شِئْتُمْ صَنَعْتُمْ كَمَا أَصْنَعُ، فَقَالُوا لَهُ: وَمَا صَنَعْتَ؟ فَأَخْبَرَهُمْ، فَفَعَلُوا مِثْلَ مَا فَعَلَ، حَتَّى كَثُرَ ذَلِكَ. وَكَانَتْ لَهُمْ مَدِينَةٌ لَهَا رَبَضٌ، فَغَلَّقُوهَا عَلَيْهِمْ، فَأَصَابَهُمْ مِنَ الْمَسْخِ مَا أَصَابَهُمْ، فَغَدَا إِلَيْهِمْ جِيرَانُهُمْ مِمَّنْ كَانَ يَكُونُ حَوْلَهُمْ، يَطْلُبُونَ مِنْهُمْ مَا يَطْلُبُ النَّاسُ، فَوَجَدُوا الْمَدِينَةَ مُغْلَقَةً عَلَيْهِمْ، فَنَادَوْا فَلَمْ يُجِيبُوهُمْ، فَتَسَوَّرُوا عَلَيْهِمْ، فَإِذَا هُمْ قِرَدَةٌ، فَجَعَلَ الْقِرْدُ يَدْنُو يَتَمَسَّحُ بِمَنْ كَانَ يَعْرِفُ قَبْلَ ذَلِكَ وَيَدْنُو مِنْهُ وَيَتَمَسَّحُ بِهِ ” وَقَالَ آخَرُونَ: بَلِ الْفِرْقَةُ الَّتِي قَالَتْ: ﴿لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ﴾ [الأعراف: ١٦٤] كَانَتْ مِنَ الْفِرْقَةِ الْهَالِكَةِ
١٠ / ٥١٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ حُصَيْنٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «﴿وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي، كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ﴾ [الأعراف: ١٦٣] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿شُرَّعًا﴾ [الأعراف: ١٦٣] قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ابْتَدَعُوا السَّبْتَ، فَابْتُلُوا فِيهِ، فَحُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ فِيهِ الْحِيتَانُ، فَكَانُوا إِذَا كَانَ يَوْمُ السَّبْتِ شَرَعَتْ لَهُمُ الْحِيتَانُ يَنْظُرُونَ إِلَيْهَا فِي الْبَحْرِ، فَإِذَا انْقَضَى السَّبْتُ ذَهَبَتْ، فَلَمْ تُرَ حَتَّى السَّبْتِ الْمُقْبِلِ، فَإِذَا جَاءَ السَّبْتُ جَاءَتْ شُرَّعًا. فَمَكَثُوا مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَمْكُثُوا كَذَلِكَ، ثُمَّ إِنَّ رَجُلًا مِنْهُمْ أَخَذَ حُوتًا فَخَزَمَ أَنْفَهُ، ثُمَّ ضَرَبَ لَهُ وَتِدًا فِي السَّاحِلِ وَرَبَطَهُ وَتَرَكَهُ فِي الْمَاءِ، فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ أَخَذَهُ فَشَوَاهُ فَأَكَلَهُ. فَفَعَلَ ذَلِكَ وَهُمْ يَنْظُرُونَ وَلَا يُنْكِرُونَ، وَلَا يَنْهَاهُ مِنْهُمْ أَحَدٌ إِلَّا عَصَبَةٌ مِنْهُمْ نَهَوْهُ، حَتَّى ظَهَرَ ذَلِكَ فِي الْأَسْوَاقِ وَفُعِلَ عَلَانِيَةً، قَالَ: فَقَالَتْ طَائِفَةٌ لِلَّذِينَ يَنْهَوْنَ: ﴿لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ﴾ [الأعراف: ١٦٤] فِي سَخَطِنَا أَعْمَالَهُمْ ﴿وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ﴾ [الأعراف: ١٦٥] . إِلَى قَوْلِهِ: ﴿قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ﴾ [الأعراف: ١٦٦] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانُوا أَثْلَاثًا: ثُلُثٌ نَهَوْا، وَثُلُثٌ قَالُوا: ﴿لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ﴾ [الأعراف: ١٦٤]، وَثُلُثٌ أَصْحَابُ الْخَطِيئَةِ. فَمَا نَجَا إِلَّا الَّذِينَ نَهَوْا، وَهَلَكَ سَائِرُهُمْ، فَأَصْبَحَ الَّذِينَ نَهَوْا عَنِ السُّوءِ ذَاتَ يَوْمٍ فِي مَجَالِسِهِمْ يَتَفَقَّدُونَ النَّاسَ لَا يَرَوْنَهُمْ، فَغَلَقُوا عَلَيْهِمْ دُورَهُمْ، فَجَعَلُوا يَقُولُونَ: إِنَّ لِلنَّاسِ لَشَأْنًا، فَانْظُرُوا مَا شَأْنُهُمْ، فَاطَّلَعُوا فِي دُورِهِمْ، فَإِذَا الْقَوْمُ قَدْ مُسِخُوا فِي دِيَارِهِمْ قِرَدَةً، يَعْرِفُونَ الرَّجُلَ ⦗٥٢١⦘ بِعَيْنِهِ وَإِنَّهُ لَقِرْدٌ، وَيَعْرِفُونَ الْمَرْأَةَ بِعَيْنِهَا وَإِنَّهَا لَقِرْدَةٌ، قَالَ اللَّهُ: ﴿فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ﴾ [البقرة: ٦٦]»
١٠ / ٥٢٠
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْهُذَلِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «﴿أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ﴾ [الأعراف: ١٦٥] الْآيَةَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: نَجَا النَّاهُونَ، وَهَلَكَ الْفَاعِلُونَ، وَلَا أَدْرِي مَا صُنِعَ بِالسَّاكِتِينَ»
١٠ / ٥٢١
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «﴿لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ﴾ [الأعراف: ١٦٤] قَالَ: هُمْ ثَلَاثُ فِرَقٍ: الْفِرْقَةُ الَّتِي وَعَظَتْ، وَالْمُوعُوظَةُ الَّتِي وُعِظَتْ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ مَا فَعَلَتِ الْفِرْقَةُ الثَّالِثَةُ، وَهُمُ الَّذِينَ قَالُوا: ﴿لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ﴾ [الأعراف: ١٦٤]» وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: هُمَا فِرْقَتَانِ: الْفِرْقَةُ الَّتِي وَعَظَتْ، وَالْفِرْقَةُ الَّتِي قَالَتْ: ﴿لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ﴾ [الأعراف: ١٦٤] قَالَ: هِيَ الْمُوعُوظَةُ
١٠ / ٥٢١
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا عِمْرَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «لَأَنْ أَكُونَ عَلِمْتُ مَنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ قَالُوا: ﴿لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا﴾ [الأعراف: ١٦٤] أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا عُدِلَ بِهِ»
١٠ / ٥٢١
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «﴿وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ﴾ [الأعراف: ١٦٤] قَالَ: أَسْمَعُ اللَّهَ يَقُولُ: ﴿أَنْجَيْنَا ⦗٥٢٢⦘ الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ﴾ [الأعراف: ١٦٥] فَلَيْتَ شِعْرِي مَا فُعِلَ بِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ قَالُوا: ﴿لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ﴾ [الأعراف: ١٦٤]»
١٠ / ٥٢١
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَعْقُوبُ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ مَاهَانَ الْحَنَفِيِّ أَبِي صَالِحٍ، فِي قَوْلِهِ: “﴿تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ﴾ [الأعراف: ١٦٣] قَالَ: كَانُوا فِي الْمَدِينَةِ الَّتِي عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ، وَكَانَتِ الْأَيَّامُ سِتَّةً، الْأَحَدُ إِلَى الْجُمُعَةِ، فَوَضَعَتِ الْيَهُودُ يَوْمَ السَّبْتِ، وَسَبَتُوهُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، فَسَبَتَهُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يَكُنِ السَّبْتُ قَبْلَ ذَلِكَ، فَوَكَّدَهُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، وَابْتَلَاهُمْ فِيهِ بِالْحِيتَانِ، فَجَعَلَتْ تَشْرَعُ يَوْمَ السَّبْتِ، فَيَتَّقُونَ أَنْ يُصِيبُوا مِنْهَا، حَتَّى قَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ: وَاللَّهِ مَا السَّبْتُ بِيَوْمٍ وَكَّدَهُ اللَّهُ عَلَيْنَا، وَنَحْنُ وَكَّدْنَاهُ عَلَى أَنْفُسِنَا، فَلَوْ تَنَاوَلْتُ مِنْ هَذَا السَّمَكِ، فَتَنَاوَلَ حُوتًا مِنَ الْحِيتَانِ، فَسَمِعَ بِذَلِكَ جَارُهُ، فَخَافَ الْعُقُوبَةَ فَهَرَبَ مِنْ مَنْزِلِهِ. فَلَمَّا مَكَثَ مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَمْ تُصِبْهُ عُقُوبَةٌ تَنَاوَلَ غَيْرُهُ أَيْضًا فِي يَوْمِ السَّبْتِ. فَلَمَّا لَمْ تُصِبْهُمُ الْعُقُوبَةُ كَثُرَ مَنْ تَنَاوَلَ فِي يَوْمِ السَّبْتِ، وَاتَّخَذُوا يَوْمَ السَّبْتِ وَلَيْلَةَ السَّبْتِ عِيدًا يَشْرَبُونَ فِيهِ الْخُمُورَ وَيَلْعَبُونَ فِيهِ بِالْمَعَازِفِ، فَقَالَ لَهُمْ خِيَارُهُمْ وَصُلَحَاؤُهُمْ: وَيْحَكُمْ، انْتَهُوا عَمَّا تَفْعَلُونَ، إِنَّ اللَّهَ مُهْلِكُكُمْ أَوْ مُعَذِّبُكُمْ عَذَابًا شَدِيدًا، أَفَلَا تَعْقِلُونَ؟ وَلَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ، فَأَبَوْا، فَقَالَ خِيَارُهُمْ: نَضْرِبُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ حَائِطًا، فَفَعَلُوا. وَكَانَ إِذَا كَانَ لَيْلَةُ السَّبْتِ تَأَذَّوْا بِمَا يَسْمَعُونَ مِنْ أَصْوَاتِهِمْ وَأَصْوَاتِ الْمَعَازِفِ. حَتَّى إِذَا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الَّتِي مُسِخُوا فِيهَا، سَكَنَتْ أَصْوَاتُهُمْ أَوَّلَ اللَّيْلِ، فَقَالَ خِيَارُهُمْ: مَا شَأْنُ قَوْمِكُمْ قَدْ سَكَنَتْ أَصْوَاتُهُمُ اللَّيْلَةَ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَعَلَّ الْخَمْرَ غَلَبَتْهُمْ فَنَامُوا. فَلَمَّا أَصْبَحُوا لَمْ يَسْمَعُوا لَهُمْ حِسًّا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ:
١٠ / ٥٢٢
مَا لَنَا لَا نَسْمَعُ مِنْ قَوْمِكُمْ حِسًّا؟ فَقَالُوا لِرَجُلٍ: اصْعَدِ الْحَائِطَ وَانْظُرْ مَا شَأْنُهُمْ، فَصَعِدَ الْحَائِطَ فَرَآهُمْ يَمُوجُ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ، قَدْ مُسِخُوا قِرَدَةً، فَقَالَ لِقَوْمِهِ: تَعَالَوْا فَانْظُرُوا إِلَى قَوْمِكُمْ مَا لَقُوا، فَصَعِدُوا، فَجَعَلُوا يَنْظُرُونَ إِلَى الرَّجُلِ، فَيَتَوَسَّمُونَ فِيهِ، فَيَقُولُونَ: أَيْ فُلَانُ أَنْتَ فُلَانٌ؟ فَيُومِئُ بِيَدِهِ إِلَى صَدْرِهِ: أَيْ: نَعَمْ بِمَا كَسَبَتْ يَدَايَ “
١٠ / ٥٢٣
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، وَابْنُ وَكِيعٍ، قَالَا: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَيُّوبَ، قَالَ: تَلَا الْحَسَنُ ذَاتَ يَوْمٍ: «﴿وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ﴾ [الأعراف: ١٦٣] فَقَالَ: كَانَ حُوتًا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ فِي يَوْمٍ وَأَحَلَّهُ لَهُمْ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ، فَكَانَ يَأْتِيهِمْ فِي الْيَوْمِ الَّذِي حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ كَأَنَّهُ الْمَخَاضُ لَا يَمْتَنِعُ مِنْ أَحَدٍ، وَقَلَّمَا رَأَيْتُ أَحَدًا يُكْثِرُ الِاهْتِمَامَ بِالذَّنْبِ إِلَّا وَاقَعَهُ. قَالَ: فَجَعَلُوا يَهُمُّونَ وَيُمْسِكُونَ حَتَّى أَخَذُوهُ، فَأَكَلُوا أَوْخَمَ أَكْلَةً أَكَلَهَا قَوْمٌ قَطُّ، أَثْقَلُهُ خِزْيًا فِي الدُّنْيَا وَأَشَدُّهُ عُقُوبَةً فِي الْآخِرَةِ، وَايْمُ اللَّهِ مَا حُوتٌ أَخَذَهُ قَوْمٌ فَأَكَلُوهُ أَعْظَمَ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُؤْمِنٍ، وَلَلْمُؤْمِنُ أَعْظَمُ حُرْمَةً عِنْدَ اللَّهِ مِنْ حُوتٍ، وَلَكِنَّ اللَّهَ جَعَلَ مَوْعِدَ قَوْمٍ السَّاعَةَ ﴿وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ﴾ [القمر: ٤٦]»
١٠ / ٥٢٣
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: «جَاءَتْهُمُ الْحِيتَانُ تَشْرَعُ فِي حِيَاضِهِمْ كَأَنَّهَا الْمَخَاضُ، فَأَكَلُوا وَاللَّهِ أَوْخَمَ أَكْلَةً أَكْلَهَا ⦗٥٢٤⦘ قَوْمٌ قَطُّ، أَسْوَؤُهُ عُقُوبَةً فِي الدُّنْيَا وَأَشَدُّهُ عَذَابًا فِي الْآخِرَةِ. وَقَالَ الْحَسَنُ: وَقَتْلُ الْمُؤْمِنِ وَاللَّهِ أَعْظَمُ مِنْ أَكَلِ الْحِيتَانِ»
١٠ / ٥٢٣
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا فِي الْمَسْجِدِ، فَإِذَا شَيْخٌ قَدْ جَاءَ وَجَلَسَ النَّاسُ إِلَيْهِ، فَقَالُوا: هَذَا مِنْ أَصْحَابِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، فَقَالَ: قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: «﴿وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ﴾ [الأعراف: ١٦٣] الْآيَةَ، قَالَ: لَمَّا حُرِّمَ عَلَيْهِمُ السَّبْتُ كَانَتِ الْحِيتَانُ تَأْتِي يَوْمَ السَّبْتِ، وَتَأْمَنُ وَتَجِيءُ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَمَسُّوهَا، وَكَانَ إِذَا ذَهَبَ السَّبْتُ ذَهَبَتْ، فَكَانُوا يَتَصَيَّدُونَ كَمَا يَتَصَيَّدُ النَّاسُ. فَلَمَّا أَرَادُوا أَنْ يَعْدُوا فِي السَّبْتِ، اصْطَادُوا، فَنَهَاهُمْ قَوْمٌ مِنْ صَالِحِيهِمْ، فَأَبَوْا، وَكَثَّرَهُمُ الْفُجَّارُ، فَأَرَادَ الْفُجَّارُ قِتَالَهُمْ، فَكَانَ فِيهِمْ مَنْ لَا يَشْتَهُونَ قِتَالَهُ، أَبُو أَحَدِهِمْ وَأَخُوهُ أَوْ قَرِيبُهُ. فَلَمَّا نَهَوْهُمْ وَأَبَوْا، قَالَ الصَّالِحُونَ: إِنَّا نُبَايِنُهُمْ، وَإِنَّا نَجْعَلُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ حَائِطًا، فَفَعَلُوا، فَلَمَّا فَقَدُوا أَصْوَاتَهُمْ، قَالُوا: لَوْ نَظَرْتُمْ إِلَى إِخْوَانِكُمْ مَا فَعَلُوا، فَنَظَرُوا فَإِذَا هُمْ قَدْ مُسِخُوا قِرَدَةً، يَعْرِفُونَ الْكَبِيرَ بِكَبَرِهِ وَالصَّغِيرَ بِصِغَرِهِ، فَجَعَلُوا يَبْكُونَ إِلَيْهِمْ. وَكَانَ هَذَا بَعْدَ مُوسَى ﷺ»
١٠ / ٥٢٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ﴾ [الأعراف: ١٦٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَلَمَّا تَرَكَتِ الطَّائِفَةُ الَّتِي اعْتَدَتْ فِي السَّبْتِ مَا أَمَرَهَا اللَّهُ بِهِ
١٠ / ٥٢٤
مِنْ تَرْكِ الِاعْتِدَاءِ فِيهِ وَضَيَّعَتْ مَا وَعَظَتْهَا الطَّائِفَةُ الْوَاعِظَةُ وَذَكَّرَتْهَا مَا ذَكَّرَتْهَا بِهِ مِنْ تَحْذِيرِهَا عُقُوبَةَ اللَّهِ عَلَى مَعْصِيَتِهَا فَتَقَدَّمَتْ عَلَى اسْتِحْلَالِ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهَا، أَنْجَى اللَّهُ الَّذِينَ يَنْهَوْنَ مِنْهُمْ عَنِ السُّوءِ، يَعْنِي عَنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ، وَاسْتِحْلَالِ مَا حَرَّمَهُ. ﴿وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ [الأعراف: ١٦٥] يَقُولُ: وَأَخَذَ اللَّهُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا فِي السَّبْتِ فَاسْتَحَلُّوا فِيهِ مَا حَرَّمَ اللَّهُ مِنْ صَيْدِ السَّمَكِ وَأَكْلِهِ، فَأَحَلَّ بِهِمْ بَأْسَهُ وَأَهْلَكَهُمْ. ﴿بِعَذَابٍ﴾ [آل عمران: ٢١] شَدِيدٍ ﴿بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ﴾ [الأعراف: ١٦٥] يُخَالِفُونَ أَمْرَ اللَّهِ، فَيَخْرُجُونَ مِنْ طَاعَتِهِ إِلَى مَعْصِيَتِهِ، وَذَلِكَ هُوَ الْفِسْقُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٠ / ٥٢٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ﴾ [الأعراف: ١٦٥] قَالَ: فَلَمَّا نَسُوا مَوْعِظَةَ الْمُؤْمِنِينَ إِيَّاهُمْ، الَّذِينَ قَالُوا: ﴿لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا﴾ [الأعراف: ١٦٤]»
١٠ / ٥٢٥
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا حَرَمِيُّ، قَالَ: ثني شُعْبَةُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُمَارَةُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «﴿أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ،﴾ [الأعراف: ١٦٥] قَالَ: يَا لَيْتَ شِعْرِي مَا السُّوءُ الَّذِي نَهَوْا عَنْهُ»
١٠ / ٥٢٥
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿بِعَذَابٍ بَئِيسٍ﴾ [الأعراف: ١٦٥] فَإِنَّ الْقُرَّاءَ اخْتَلَفَتْ فِي قِرَاءَتِهِ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ: (بِعَذَابٍ بِيسٍ) بِكَسْرِ الْبَاءِ وَتَخْفِيفِ الْيَاءِ بِغَيْرِ هَمْزٍ، عَلَى مِثَالِ فِعْلٍ.
١٠ / ٥٢٥
وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ: ﴿بِعَذَابٍ بَئِيسٍ﴾ [الأعراف: ١٦٥] عَلَى مِثْلِ فَعِيلٍ مِنَ الْبُؤْسِ، بِنَصْبِ الْبَاءِ وَكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَمَدِّهَا. وَقَرَأَ ذَلِكَ كَذَلِكَ بَعْضُ الْمَكِّيِّينَ، غَيْرَ أَنَّهُ كَسِرَ بَاءَ: (بِئِيسٍ) عَلَى مِثَالِ فِعِيلٍ. وَقَرَأَهُ بَعْضُ الْكُوفِيِّينَ: (بَيْئِسٍ) بِفَتْحِ الْبَاءِ، وَتَسْكِينِ الْيَاءِ، وَهَمْزَةٍ بَعْدَهَا مَكْسُورَةٍ، عَلَى مِثَالِ فَيْعِلٍ. وَذَلِكَ شَاذُّ عِنْدَ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ؛ لِأَنَّ فَيْعِلٍ إِذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ ذَوَاتِ الْيَاءِ وَالْوَاوِ، فَالْفَتْحُ فِي عَيْنِهِ الْفَصِيحُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، وَذَلِكَ مِثْلُ قَوْلِهِمْ فِي نَظِيرِهِ مِنَ السَّالِمَ: صَيْقَلٌ، وَنَيْرَبٌ، وَإِنَّمَا تُكْسَرُ الْعَيْنُ مِنْ ذَلِكَ فِي ذَوَاتِ الْيَاءِ وَالْوَاوِ، كَقَوْلِهِمْ: سَيِّدٌ، وَمَيِّتٌ. وَقَدْ أَنْشَدَ بَعْضُهُمْ قَوْلَ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ عَابِسٍ الْكِنْدِيِّ:
[البحر الرجز]
كِلَاهُمَا كَانَ رَئِيسًا بَيْئِسَا يَضْرِبُ فِي يَوْمِ الْهِيَاجِ الْقَوْنَسَا بِكَسْرِ الْعَيْنِ مِنْ فَيْعِلٍ، وَهِيَ الْهَمْزَةُ مِنْ بَيْئِسٍ. فَلَعَلَّ الَّذِي قَرَأَ ذَلِكَ كَذَلِكَ قَرَأَهُ عَلَى هَذِهِ. وَذُكِرَ عَنْ آخَرَ مِنَ الْكُوفِيِّينَ أَيْضًا أَنَّهُ قَرَأَهُ: «بَيْئَسٍ» نَحْوَ الْقِرَاءَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا
١٠ / ٥٢٦
قَبْلَ هَذِهِ، وَذَلِكَ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَتَسْكِينِ الْيَاءِ وَفَتْحِ الْهَمْزَةِ بَعْدَ الْيَاءِ عَلَى مِثَالِ فَيْعَلٍ مِثْلِ صَيْقَلٍ. وَرُوِي عَنْ بَعْضِ الْبَصْرِيِّينَ أَنَّهُ قَرَأَهُ: «بَئِسٍ» بِفَتْحِ الْبَاءِ وَكَسْرِ الْهَمْزَةِ عَلَى مِثَالِ فَعِلٍ، كَمَا قَالَ ابْنُ قَيْسِ الرُّقَيَّاتِ:
[البحر المديد]
لَيْتَنِي أَلْقَى رُقَيَّةَ فِي … خَلْوَةٍ مِنْ غَيْرِ مَا بَئِسِ
وَرُوِي عَنْ آخَرَ مِنْهُمْ أَنَّهُ قَرَأَ: بِئْسَ بَكَسْرِ الْبَاءِ وَفَتْحِ السِّينِ عَلَى مَعْنَى بِئْسَ الْعَذَابُ. وَأَوْلَى هَذِهِ الْقِرَاءَاتِ عِنْدِي بِالصَّوَابِ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَهُ: ﴿بَئِيسٍ﴾ [الأعراف: ١٦٥] بِفَتْحِ الْبَاءِ وَكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَمَدِّهَا عَلَى مِثَالِ فَعِيلٍ، كَمَا قَالَ ذُو الْأُصْبَعِ الْعَدْوَانِيُّ:
[البحر الكامل]
حَنَقًا عَلَيَّ وَلَنْ تَرَى … لِي فِيهِمُ أَثَرًا بَئِيسَا
؛ لِأَنَّ أَهْلَ التَّأْوِيلِ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ شَدِيدٌ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى صِحَّةِ مَا اخْتَرْنَا
١٠ / ٥٢٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، ⦗٥٢٨⦘ قَالَ: أَخْبَرَنِي رَجُلٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ﴾ [الأعراف: ١٦٥] أَلِيمٍ وَجِيعٍ»
١٠ / ٥٢٧
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿بِعَذَابٍ بَئِيسٍ﴾ [الأعراف: ١٦٥] قَالَ: شَدِيدٍ»
١٠ / ٥٢٨
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿بِعَذَابٍ بَئِيسٍ﴾ [الأعراف: ١٦٥] أَلِيمٍ شَدِيدٍ»
١٠ / ٥٢٨
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿بِعَذَابٍ بَئِيسٍ﴾ [الأعراف: ١٦٥] قَالَ: مُوجِعٌ»
١٠ / ٥٢٨
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: «﴿بِعَذَابٍ بَئِيسٍ﴾ [الأعراف: ١٦٥] قَالَ: بِعَذَابٍ شَدِيدٍ»
١٠ / ٥٢٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ﴾ [الأعراف: ١٦٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَلَمَّا تَمَرَّدُوا فِيمَا نُهُوا عَنْهُ مِنَ اعْتِدَائِهِمْ فِي السَّبْتِ، وَاسْتِحْلَالِهِمْ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ صَيْدِ السَّمَكِ وَأَكْلِهِ وَتَمَادَوْا فِيهِ ﴿قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ﴾ [الأعراف: ١٦٦] أَيْ: بُعَدَاءَ مِنَ الْخَيْرِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٠ / ٥٢٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ﴾ [الأعراف: ١٦٦] يَقُولُ: لَمَّا مَرَدَ الْقَوْمُ عَلَى الْمَعْصِيَةِ. ﴿قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ﴾ [الأعراف: ١٦٦] فَصَارُوا قِرَدَةً لَهَا أَذْنَابٌ تَعَاوَى بَعْدَ مَا كَانُوا رِجَالًا وَنِسَاءً»
١٠ / ٥٢٩
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿فَلَمَّا عَتَوْا عَن مَّا، نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ﴾ [الأعراف: ١٦٦] فَجَعَلَ اللَّهُ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ. فَزَعَمَ أَنَّ شَبَابَ الْقَوْمِ صَارُوا قِرَدَةً، وَأَنَّ الْمَشْيَخَةَ صَارُوا خَنَازِيرَ»
١٠ / ٥٢٩
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا الْحِمَّانِيُّ، قَالَ: ثنا شَرِيكٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ، أَوْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: «رَأَى مُوسَى عليه السلام رَجُلًا يَحْمِلُ قَصَبًا يَوْمَ السَّبْتِ، فَضَرَبَ عُنُقَهُ»
١٠ / ٥٢٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَّ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ [الأعراف: ١٦٧] يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ﴾ [الأعراف: ١٦٧] وَاذْكُرْ يَا مُحَمَّدُ إِذْ آذَنَ رَبُّكَ فَأَعْلَمَ. وَهُوَ تَفَعَّلَ مِنَ الْإِيذَانِ، كَمَا قَالَ الْأَعْشَى مَيْمُونُ بْنُ قَيْسٍ:
[البحر الخفيف]
آذَنَ الْيَوْمَ جِيرَتِي بِخُفُوفِ … صَرَمُوا حَبْلَ آلِفٍ مَأْلُوفِ
يَعْنِي بِقَوْلِهِ آذَنَ: أَعْلَمَ، وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ بِشَوَاهِدِهِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ. ⦗٥٣٠⦘ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٠ / ٥٢٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: «﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ﴾ [الأعراف: ١٦٧] قَالَ: أَمَرَ رَبُّكَ»
١٠ / ٥٣٠
حَدَّثَنَا الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ. قَالَ: ثنا أَبُو سَعْدٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿وَإِذْ تَأَذَّنَّ رَبُّكَ﴾ [الأعراف: ١٦٧] قَالَ: أَمَرَ رَبُّكَ» وَقَوْلُهُ: ﴿لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ﴾ [الأعراف: ١٦٧] يَعْنِي: أَعْلَمَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَى الْيَهُودِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ، قِيلَ: إِنَّ ذَلِكَ الْعَرَبُ بَعَثَهُمُ اللَّهُ عَلَى الْيَهُودِ يُقَاتِلُونَ مَنْ لَمْ يُسْلِمْ مِنْهُمْ وَلَمْ يُعْطِ الْجِزْيَةَ، وَمَنْ أَعْطَى مِنْهُمُ الْجِزْيَةَ كَانَ ذَلِكَ لَهُ صَغَارًا وَذِلَّةً. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٠ / ٥٣٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى بْنُ إِبْرَاهِيمَ، وَعَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ، قَالَا: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿وَإِذْ تَأَذَّنَّ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ﴾ [الأعراف: ١٦٧] قَالَ: هِيَ الْجِزْيَةُ، وَالَّذِينَ يَسُومُونَهُمْ: مُحَمَّدٌ ﷺ وَأُمَّتُهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ»
١٠ / ٥٣٠
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ ⦗٥٣١⦘ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿وَإِذْ تَأَذَّنَّ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ﴾ [الأعراف: ١٦٧] فَهِيَ الْمَسْكَنَةُ، وَأَخْذُ الْجِزْيَةِ مِنْهُمْ»
١٠ / ٥٣٠
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «﴿وَإِذْ تَأَذَّنَّ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ﴾ [الأعراف: ١٦٧] قَالَ: يَهُودُ، وَمَا ضُرِبَ عَلَيْهِمْ مِنَ الذِّلَّةِ وَالْمَسْكَنَةِ»
١٠ / ٥٣١
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿وَإِذْ تَأَذَّنَّ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ﴾ [الأعراف: ١٦٧] قَالَ: فَبَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ هَذَا الْحَيَّ مِنَ الْعَرَبِ، فَهُمْ فِي عَذَابٍ مِنْهُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ»
١٠ / ٥٣١
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ﴾ [الأعراف: ١٦٧] قَالَ: بَعَثَ عَلَيْهِمْ هَذَا الْحَيَّ مِنَ الْعَرَبِ، فَهُمْ فِي عَذَابٍ مِنْهُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» وَقَالَ عَبْدُ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيُّ: يُسْتَحَبُّ أَنْ تُبْعَثَ الْأَنْبَاطُ فِي الْجِزْيَةِ
١٠ / ٥٣١
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ يَعْقُوبَ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدٍ: «﴿وَإِذْ تَأَذَّنَّ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ﴾ [الأعراف: ١٦٧] قَالَ: الْعَرَبُ ﴿سُوءَ الْعَذَابِ﴾ [الأعراف: ١٦٧] قَالَ: الْخَرَاجُ. وَأَوَّلُ مَنْ وَضَعَ الْخَرَاجَ مُوسَى عليه السلام، فَجَبَى الْخَرَاجَ سَبْعَ سِنِينَ»
١٠ / ٥٣١
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَعْقُوبُ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدٍ: «﴿وَإِذْ تَأَذَّنَّ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ﴾ [الأعراف: ١٦٧] قَالَ: الْعَرَبُ. ﴿سُوءَ ⦗٥٣٢⦘ الْعَذَابِ﴾ [الأعراف: ١٦٧] قَالَ: الْخَرَاجُ. قَالَ: وَأَوَّلُ مَنْ وَضَعَ الْخَرَاجَ مُوسَى، فَجَبى الْخَرَاجَ سَبْعَ سِنِينَ»
١٠ / ٥٣١
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَعْقُوبُ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدٍ: «﴿وَإِذْ تَأَذَّنَّ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ﴾ [الأعراف: ١٦٧] قَالَ: هُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ، بَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْعَرَبَ يَجْبُونَهُمُ الْخَرَاجَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَهُوَ سُوءُ الْعَذَابِ، وَلَمْ يَجْبُ نَبِيُّ الْخَرَاجَ قَطُّ إِلَّا مُوسَى ﷺ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً ثُمَّ أَمْسَكَ، وَإِلَّا النَّبِيَّ ﷺ»
١٠ / ٥٣٢
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَإِذْ تَأَذَّنَّ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ﴾ [الأعراف: ١٦٧] قَالَ: يَبْعَثُ عَلَيْهِمْ هَذَا الْحَيَّ مِنَ الْعَرَبِ، فَهُمْ فِي عَذَابٍ مِنْهُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ»
١٠ / ٥٣٢
قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْكَرِيمِ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ، قَالَ: «يُسْتَحَبُّ أَنْ تُبْعَثَ الْأَنْبَاطُ، فِي الْجِزْيَةِ»
١٠ / ٥٣٢
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: «﴿وَإِذْ تَأَذَّنَّ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ﴾ [الأعراف: ١٦٧] يَقُولُ: إِنَّ رَبَّكَ يَبْعَثُ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ الْعَرَبَ، فَيَسُومُونَهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ: يَأْخُذُونَ مِنْهُمُ الْجِزْيَةَ وَيَقْتُلُونَهُمْ»
١٠ / ٥٣٢
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَإِذْ تَأَذَّنَّ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾ [الأعراف: ١٦٧] لَيَبْعَثَنَّ عَلَى يَهُودَ»
١٠ / ٥٣٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [الأعراف: ١٦٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ رَبَّكَ يَا مُحَمَّدُ لَسَرِيعٌ عِقَابُهُ إِلَى مَنِ اسْتَوْجَبَ مِنْهُ الْعُقُوبَةَ عَلَى كُفْرِهِ بِهِ وَمَعْصِيَتِهِ لَهُ. ﴿وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [الأنعام: ١٦٥] يَقُولُ: وَإِنَّهُ لَذُو صَفْحٍ عَنْ ذُنُوبِ مَنْ تَابَ مِنْ ذُنُوبِهِ فَأَنَابَ وَرَاجَعَ طَاعَتَهُ، يَسْتُرُ عَلَيْهَا بِعَفْوِهِ عَنْهَا، رَحِيمٌ لَهُ أَنْ يُعَاقِبَهُ عَلَى جُرْمِهِ بَعْدَ تَوْبَتِهِ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ وَيَقْيَلُ الْعَثْرَةَ
١٠ / ٥٣٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَمًا مِّنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُون﴾ [الأعراف: ١٦٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَفَرَّقْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْأَرْضِ أُمَمًا، يَعْنِي جَمَاعَاتٍ شَتَّى مُتَفَرِّقِينَ
١٠ / ٥٣٣
كَمَا: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ يَعْقُوبَ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «﴿وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَمًا﴾ [الأعراف: ١٦٨] قَالَ: فِي كُلِّ أَرْضٍ يَدْخُلُهَا قَوْمٌ مِنَ الْيَهُودِ»
١٠ / ٥٣٣
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَمًا﴾ [الأعراف: ١٦٨] قَالَ: يَهُودُ» ⦗٥٣٤⦘ وَقَوْلُهُ: ﴿مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ﴾ [الأعراف: ١٦٨] يَقُولُ: مِنْ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ الَّذِينَ وَصَفَهُمُ اللَّهُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ الصَّالِحُونَ، يَعْنِي: مِنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ. ﴿وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ﴾ [الأعراف: ١٦٨] يَعْنِي: دُونَ الصَّالِحِ. وَإِنَّمَا وَصَفَهُمُ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِأَنَّهُمْ كَانُوا كَذَلِكَ قَبْلَ ارْتِدَادِهِمْ عَنْ دِينِهِمْ وَقَبْلَ كُفْرِهِمْ بِرَبِّهِمْ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُبْعَثَ فِيهِمْ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ: ﴿وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَات لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ [الأعراف: ١٦٨] يَقُولُ: وَاخْتَبَرْنَاهُمْ بِالرَّخَاءِ فِي الْعَيْشِ، وَالْخَفْضِ فِي الدُّنْيَا، وَالدَّعَةِ وَالسَّعَةِ فِي الرِّزْقِ، وَهِيَ الْحَسَنَاتُ الَّتِي ذَكَرَهَا جَلَّ ثَنَاؤُهُ. وَيَعْنِي بِالسَّيِّئَاتِ: الشِّدَّةَ فِي الْعَيْشِ، وَالشَظَفَ فِيهِ، وَالْمَصَائِبَ وَالرَّزَايَا فِي الْأَمْوَالِ. ﴿لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ [الأعراف: ١٦٨] يَقُولُ: لِيَرْجِعُوا إِلَى طَاعَةِ رَبِّهِمْ، وَيُنِيبُوا إِلَيْهَا، وَيَتُوبُوا مِنْ مَعَاصِيهِ
١٠ / ٥٣٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِم مِّيثَاقُ الْكِتَابِ أَن لاَّ يَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلاَّ الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ﴾ [الأعراف: ١٦٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ الَّذِينَ وَصَفَ صِفَتَهُمْ خَلْفٌ يَعْنِي خَلْفَ سُوءٍ، يَقُولُ: حَدَثَ بَعْدَهُمْ وَخِلَافَهُمْ، وَتَبَدَّلَ مِنْهُمْ بَدَلَ سُوءٍ، يُقَالُ مِنْهُ: هُوَ خَلَفُ صِدْقٍ، وَخَلْفُ سُوءٍ، وَأَكْثَرُ مَا جَاءَ فِي الْمَدْحِ بِفَتْحِ اللَّامِ وَفِي الذَّمِّ بِتَسْكِينِهَا، وَقَدْ تُحَرَّكُ فِي الذَّمِّ وَتُسَكَّنُ فِي الْمَدْحِ، وَمِنْ ذَلِكَ فِي تَسْكِينِهَا فِي الْمَدْحِ قَوْلُ حَسَّانَ:
[البحر الطويل]
لَنَا الْقَدَمُ الْأُولَى إِلَيْكَ وَخَلْفُنَا … لِأَوَّلِنَا فِي طَاعَةِ اللَّهِ تَابَعُ
١٠ / ٥٣٤
وَأَحْسِبُ أَنَّهُ إِذَا وُجِّهَ إِلَى الْفَسَادِ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ: خَلَفَ اللَّبَنُ: إِذَا حَمِضَ مِنْ طُولِ تَرْكِهِ فِي السِّقَاءِ حَتَّى يَفْسَدَ، فَكَأَنَّ الرَّجُلَ الْفَاسِدَ مُشَبَّهٌ بِهِ، وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ قَوْلُهُمْ: خَلَفَ فَمُ الصَّائِمِ: إِذَا تَغَيَّرَتْ رِيحُهُ. وَأَمَّا فِي تَسْكِينِ اللَّامِ فِي الذَّمِّ، فَقَوْلُ لَبِيدٍ:
[البحر الكامل]
ذَهَبَ الَّذِينَ يُعَاشُ فِي أَكْنَافِهِمْ … وَبَقِيتُ فِي خَلْفٍ كَجِلْدِ الْأَجْرَبِ
وَقِيلَ: إِنَّ الْخَلْفَ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّهُمْ خَلَفُوا مَنْ قَبْلَهُمْ هُمُ النَّصَارَى
١٠ / ٥٣٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: «﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ﴾ [الأعراف: ١٦٩] قَالَ: النَّصَارَى» وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِنَّمَا وَصَفَ أَنَّهُ خَلَفَ الْقَوْمَ الَّذِينَ قَصَّ قَصَصَهُمْ فِي الْآيَاتِ الَّتِي مَضَتْ خَلْفُ سُوءٍ رَدِيءٌ، وَلَمْ يَذْكُرْ لَنَا أَنَّهُمْ نَصَارَى فِي كِتَابِهِ، وَقِصَّتُهُمْ بِقَصَصِ الْيَهُودِ أَشْبَهُ مِنْهَا بِقَصَصِ النَّصَارَى. وَبَعْدُ، فَإِنَّ مَا قَبْلَ ذَلِكَ خَبَرٌ عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَمَا بَعْدَهُ كَذَلِكَ، فَمَا بَيْنَهُمَا بِأَنْ يَكُونَ خَبَرًا عَنْهُمْ أَشْبَهُ، إِذْ لَمْ يَكُنْ فِي الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى صَرْفِ الْخَبَرِ عَنْهُمْ إِلَى غَيْرِهِمْ، وَلَا جَاءَ بِذَلِكَ دَلِيلٌ يُوجِبُ صِحَّةَ الْقَوْلِ بِهِ. ⦗٥٣٦⦘ فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ إِذَنْ: فَتَبَدَّلَ مِنْ بَعْدِهِمْ بَدَلُ سُوءٍ، وَرِثُوا كِتَابَ اللَّهِ: تَعَلَّمُوهُ، وَضَيَّعُوا الْعَمَلَ بِهِ فَخَالَفُوا حُكْمَهُ، يُرْشَوْنَ فِي حُكْمِ اللَّهِ، فَيَأْخُذُونَ الرِّشْوَةَ فِيهِ مِنْ عَرَضِ هَذَا الْعَاجِلِ الْأَدْنَى، يَعْنِي بِالْأَدْنَى: الْأَقْرَبَ مِنَ الْآجِلِ الْأَبْعَدِ، وَيَقُولُونَ إِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ: إِنَّ اللَّهَ سَيَغْفِرُ لَنَا ذُنُوبَنَا، تَمَنِّيًا عَلَى اللَّهِ الْأَبَاطِيلَ، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِيهِمْ: ﴿فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ﴾ [البقرة: ٧٩] ﴿وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ﴾ [الأعراف: ١٦٩] يَقُولُ: وَإِنْ شَرَعَ لَهُمْ ذَنْبٌ حَرَامٌ مِثْلُهُ مِنَ الرِّشْوَةِ بَعْدَ ذَلِكَ أَخَذُوهُ وَاسْتَحَلُّوهُ، وَلَمْ يَرْتَدِعُوا عَنْهُ. يُخْبِرُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ أَهْلُ إِصْرَارٍ عَلَى ذُنُوبِهِمْ، وَلَيْسُوا بِأَهْلِ إِنَابَةٍ وَلَا تَوْبَةٍ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ وَإِنِ اخْتَلَفَتْ عَنْهُ عِبَارَاتُهُمْ
١٠ / ٥٣٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمِقْدَامِ، قَالَ: ثنا فُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ﴾ [الأعراف: ١٦٩] قَالَ: يَعْمَلُونَ الذَّنْبَ ثُمَّ يَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ، فَإِنْ عَرَضَ ذَلِكَ الذَّنْبُ أَخَذُوهُ»
١٠ / ٥٣٦
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: «﴿وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ﴾ [الأعراف: ١٦٩] قَالَ: مِنَ الذُّنُوبِ»
١٠ / ٥٣٦
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: «﴿يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا﴾ [الأعراف: ١٦٩] قَالَ: يَعْمَلُونَ بِالذُّنُوبِ. ﴿وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ﴾ [الأعراف: ١٦٩] قَالَ: ذَنْبٌ آخِرُ يَعْمَلُونَ بِهِ»
١٠ / ٥٣٧
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: «﴿يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى﴾ [الأعراف: ١٦٩] قَالَ: الذُّنُوبُ. ﴿وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ﴾ [الأعراف: ١٦٩] قَالَ: الذُّنُوبُ»
١٠ / ٥٣٧
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى﴾ [الأعراف: ١٦٩] قَالَ: مَا أَشْرَفَ لَهُمْ مِنْ شَيْءٍ فِي الْيَوْمِ مِنَ الدُّنْيَا حَلَالٌ أَوْ حَرَامٌ يَشْتَهُونَهُ أَخَذُوهُ، وَيَبْتَغُونَ الْمَغْفِرَةَ، فَإِنْ يَجِدُوا الْغَدَ مِثْلَهُ يَأْخُذُوهُ» حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، بِنَحْوِهِ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: يَتَمَنَّوْنَ الْمَغْفِرَةَ
١٠ / ٥٣٧
حَدَّثَنَا الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: ثنا أَبُو سَعْدٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى﴾ [الأعراف: ١٦٩] قَالَ: لَا يُشْرِفُ لَهُمْ شَيْءٌ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا أَخَذُوهُ حَلَالًا كَانَ أَوْ حَرَامًا، وَيَتَمَنَّوْنَ الْمَغْفِرَةَ، ﴿وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا﴾ [الأعراف: ١٦٩] وَإِنْ يَجِدُوا عَرَضًا مِثْلَهُ يَأْخُذُوهُ»
١٠ / ٥٣٧
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: «﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ﴾ [الأعراف: ١٦٩] أَيْ: وَاللَّهِ لِخَلْفُ سُوءٍ وَرِثُوا الْكِتَابَ بَعْدَ أَنْبِيَائِهِمْ وَرُسُلِهِمْ، ⦗٥٣٨⦘ وَرَّثَهُمُ اللَّهُ وَعَهِدَ إِلَيْهِمْ، وَقَالَ اللَّهُ فِي آيَةٍ أُخْرَى: ﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ﴾ [مريم: ٥٩] قَالَ: ﴿يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا﴾ [الأعراف: ١٦٩] تَمَنَّوْا عَلَى اللَّهِ أَمَانِيَّ وَغِرَّةً يَغْتَرُّونَ بِهَا. ﴿وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ﴾ [الأعراف: ١٦٩] لَا يَشْغَلُهُمْ شَيْءٌ عَنْ شَيْءٍ وَلَا يَنْهَاهُمْ عَنْ ذَلِكَ، كُلَّمَا أَشْرَفَ لَهُمْ شَيْءٌ مِنَ الدُّنْيَا أَكَلُوهُ لَا يُبَالُونَ حَلَالًا كَانَ أَوْ حَرَامًا»
١٠ / ٥٣٧
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى﴾ [الأعراف: ١٦٩] قَالَ: يَأْخُذُونَهُ إِنْ كَانَ حَلَالًا وَإِنْ كَانَ حَرَامًا. ﴿وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ﴾ [الأعراف: ١٦٩] قَالَ: إِنْ جَاءَهُمْ حَلَالٌ أَوْ حَرَامٌ أَخَذُوهُ»
١٠ / ٥٣٨
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَوْلُهُ: «﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ﴾ [الأعراف: ١٦٩] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَدَرَسُوا مَا فِيهِ﴾ [الأعراف: ١٦٩] قَالَ: كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ لَا يَسْتَقْضُونَ قَاضِيًا إِلَّا ارْتَشَى فِي الْحُكْمِ. وَإِنَّ خِيَارَهُمُ اجْتَمَعُوا فَأَخَذَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ الْعُهُودَ أَنْ لَا يَفْعَلُوا وَلَا يَرْتَشُوا، فَجَعَلَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ إِذَا اسْتُقْضِيَ ارْتَشَى، فَيُقَالُ لَهُ: مَا شَأْنُكَ تَرْتَشِي فِي الْحُكْمِ؟ فَيَقُولُ: سَيُغْفَرُ لِي، فَيَطْعَنُ عَلَيْهِ الْبَقِيَّةُ الْآخَرُونَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِيمَا صَنَعَ. فَإِذَا مَاتَ أَوْ نُزِعَ، وَجُعِلَ مَكَانَهُ رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ يَطْعُنُ عَلَيْهِ فَيَرْتَشِي، يَقُولُ: وَإِنْ يَأْتِ الْآخَرِينَ عَرَضُ الدُّنْيَا ⦗٥٣٩⦘ يَأْخُذُوهُ. وَأَمَّا عَرَضُ الْأَدْنَى، فَعَرَضُ الدُّنْيَا مِنَ الْمَالِ»
١٠ / ٥٣٨
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا﴾ [الأعراف: ١٦٩] يَقُولُ: يَأْخُذُونَ مَا أَصَابُوا، وَيَتْرُكُونَ مَا شَاءُوا مِنْ حَلَالٍ أَوْ حَرَامٍ، وَيَقُولُونَ: سَيُغْفَرُ لَنَا»
١٠ / ٥٣٩
وَحَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى﴾ [الأعراف: ١٦٩] قَالَ: الْكِتَابَ الَّذِي كَتَبُوهُ، وَيَقُولُونَ: ﴿سَيُغْفَرُ لَنَا﴾ [الأعراف: ١٦٩] لَا نُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا. ﴿وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ﴾ [الأعراف: ١٦٩] يَأْتِهِمُ الْمُحِقُّ بِرَشْوَةٍ، فَيُخْرِجُوا لَهُ كِتَابَ اللَّهِ ثُمَّ يَحْكُمُوا لَهُ بِالرِّشْوَةِ. وَكَانَ الظَّالِمُ إِذَا جَاءَهُمْ بِرِشْوَةٍ أَخْرَجُوا لَهُ الْمَثْنَاةَ، وَهُوَ الْكِتَابُ الَّذِي كَتَبُوهُ، فَحَكَمُوا لَهُ بِمَا فِي الْمَثْنَاةِ بِالرِّشْوَةِ، فَهُوَ فِيهَا مُحِقٌّ، وَهُوَ فِي التَّوْرَاةِ ظَالِمٌ، فَقَالَ اللَّهُ: ﴿أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَن لَّا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ﴾ [الأعراف: ١٦٩]»
١٠ / ٥٣٩
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَوْلُهُ: «﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى﴾ [الأعراف: ١٦٩] قَالَ: يَعْمَلُونَ الذُّنُوبَ»
١٠ / ٥٣٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَن لَّا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالدَّارُ الآَخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ﴾ [الأعراف: ١٦٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَى هَؤُلَاءِ الْمُرْتَشِينَ فِي أَحْكَامِهِمْ، الْقَائِلِينَ: سَيَغْفِرُ اللَّهُ لَنَا فِعْلَنَا هَذَا، إِذَا عُوتِبُوا عَلَى ذَلِكَ مِيثَاقَ الْكِتَابِ، وَهُوَ أَخْذُ اللَّهِ الْعُهُودَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِإِقَامَةِ التَّوْرَاةِ وَالْعَمَلِ بِمَا فِيهَا. فَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ قَصَّ قِصَّتَهُمْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مُوَبِّخًا لَهُمْ عَلَى خِلَافِهِمْ أَمْرَهُ وَنَقْضِهِمْ عَهْدَهُ وَمِيثَاقَهُ: أَلَمْ يَأْخُذِ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِيثَاقَ كِتَابِهِ ﴿أَن لَّا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ﴾ [الأعراف: ١٦٩] وَلَا يُضِيفُوا إِلَيْهِ إِلَّا مَا أَنْزَلَهُ عَلَى رَسُولِهِ مُوسَى ﷺ فِي التَّوْرَاةِ، وَأَنْ لَا يَكْذِبُوا عَلَيْهِ؟
١٠ / ٥٤٠
كَمَا: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «﴿أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أن لَّا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ﴾ [الأعراف: ١٦٩] قَالَ: فِيمَا يُوجِبُونَ عَلَى اللَّهِ مِنْ غُفْرَانِ ذُنُوبِهِمُ الَّتِي لَا يَزَالُونَ يَعُودُونَ فِيهَا وَلَا يَتُوبُونَ مِنْهَا»
١٠ / ٥٤٠
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَدَرَسُوا مَا فِيهِ﴾ [الأعراف: ١٦٩] فَإِنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: ﴿وَرِثُوا الْكِتَابَ﴾ [الأعراف: ١٦٩] وَمَعْنَاهُ: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ، وَدَرَسُوا مَا فِيهِ. وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ: ﴿وَدَرَسُوا مَا فِيهِ﴾ [الأعراف: ١٦٩] قَرَءُوا مَا فِيهِ. يَقُولُ: وَرِثُوا الْكِتَابَ فَعَلِمُوا مَا فِيهِ وَدَرَسُوهُ، فَضَيَّعُوهُ وَتَرَكُوا الْعَمَلَ بِهِ، وَخَالَفُوا عَهْدَ اللَّهِ إِلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ
١٠ / ٥٤٠
كَمَا: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿⦗٥٤١⦘ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ﴾ [الأعراف: ١٦٩] قَالَ: عَلَّمُوهُ وَعَلِمُوا مَا فِي الْكِتَابِ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ وَقَرَأَ: ﴿بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ﴾ [آل عمران: ٧٩]» ﴿وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ﴾ [الأعراف: ١٦٩] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَمَا فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ، وَهُوَ مَا فِي الْمَعَادِ عِنْدَ اللَّهِ مِمَّا أَعَدَّ لِأَوْلِيَائِهِ وَالْعَامِلِينَ بِمَا أَنْزَلَ فِي كِتَابِهِ الْمُحَافِظِينَ عَلَى حُدُودِهِ، خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ اللَّهَ وَيَخَافُونَ عِقَابَهُ، فَيُرَاقِبُونَهُ فِي أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ، وَيُطِيعُونَهُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ فِي دُنْيَاهُمْ. ﴿أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ يَقُولُ: أَفَلَا يَعْقِلُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى عَلَى أَحْكَامِهِمْ، وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا، إِنَّ مَا عِنْدَ اللَّهِ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ لِلْمُتَّقِينَ الْعَادِلِينَ بَيْنَ النَّاسِ فِي أَحْكَامِهِمْ، خَيْرٌ مِنْ هَذَا الْعَرَضِ الْقَلِيلِ الَّذِي يَسْتَعْجِلُونَهُ فِي الدُّنْيَا عَلَى خِلَافِ أَمْرِ اللَّهِ وَالْقَضَاءِ بَيْنَ النَّاسِ بِالْجَوْرِ؟
١٠ / ٥٤٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ﴾ [الأعراف: ١٧٠] وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَهُ بَعْضُهُمْ: (يُمْسِكُونَ) بِتَخْفِيفِ الْمِيمِ وَتَسْكِينِهَا، مِنْ أَمْسَكَ يُمْسِكُ. وَقَرَأَهُ آخَرُونَ: ﴿يُمَسِّكُونَ﴾ [الأعراف: ١٧٠] بِفَتْحِ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِ السِّينِ، مِنْ مَسَّكَ يُمَسِّكُ. ⦗٥٤٢⦘ وَيَعْنِي بِذَلِكَ: وَالَّذِينَ يَعْمَلُونَ بِمَا فِي كِتَابِ اللَّهِ، وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ بِحُدُودِهَا، وَلَمْ يُضَيِّعُوا أَوْقَاتَهَا ﴿إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ﴾ [الأعراف: ١٧٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْ خَلْقِي، فَإِنِّي لَا أُضِيعُ أَجْرَ عَمَلِهِ الصَّالِحِ
١٠ / ٥٤١
كَمَا: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: «﴿وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ﴾ [الأعراف: ١٧٠] قَالَ: كِتَابُ اللَّهِ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى ﷺ»
١٠ / ٥٤٢
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ مُجَاهِدٌ، قَوْلُهُ: «﴿وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ﴾ [الأعراف: ١٧٠] مِنْ يَهُودَ أَوْ نَصَارَى ﴿إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ﴾ [الأعراف: ١٧٠]»
١٠ / ٥٤٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [الأعراف: ١٧١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: وَاذْكُرْ يَا مُحَمَّدُ إِذِ اقْتَلَعْنَا الْجَبَلَ، فَرَفَعْنَاهُ فَوْقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، كَأَنَّهُ ظُلَّةُ غَمَامٍ مِنَ الظَّلَامِ، وَقُلْنَا لَهُمْ: خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ مِنْ فَرَائِضِنَا، وَأَلْزَمْنَاكُمْ مِنْ أَحْكَامِ كِتَابِنَا، فَاقْبَلُوهُ، وَاعْمَلُوا بِاجْتِهَادٍ مِنْكُمْ فِي أَدَائِهِ مِنْ غَيْرِ تَقْصِيرٍ وَلَا تَوَانٍ ﴿وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ﴾ [البقرة: ٦٣] يَقُولُ مَا فِي كِتَابِنَا مِنَ الْعُهُودِ وَالْمَوَاثِيقِ الَّتِي أَخَذْنَا عَلَيْكُمْ بِالْعَمَلِ بِمَا فِيهِ. ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة: ٢١] يَقُولُ: كَيْ تَتَّقُوا رَبَّكُمْ، فَتَخَافُوا عِقَابَهُ بِتَرْكِكُمُ الْعَمَلَ بِهِ إِذَا ذَكَرْتُمْ مَا أُخِذَ عَلَيْكُمْ فِيهِ مِنَ الْمَوَاثِيقِ.
١٠ / ٥٤٢
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٠ / ٥٤٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ﴾ [الأعراف: ١٧١] فَقَالَ لَهُمْ مُوسَى: خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ، يَقُولُ: مِنَ الْعَمَلِ بِالْكِتَابِ وَإِلَّا خَرَّ عَلَيْكُمُ الْجَبَلُ، فَأَهْلَكَكُمْ، فَقَالُوا: بَلْ نَأْخُذُ مَا آتَانَا اللَّهُ بِقُوَّةٍ، ثُمَّ نَكَثُوا بَعْدَ ذَلِكَ»
١٠ / ٥٤٣
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ﴾ [الأعراف: ١٧١] فَهُوَ قَوْلُهُ: ﴿وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ﴾ [النساء: ١٥٤] فَقَالَ: ﴿خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ﴾ [البقرة: ٦٣]، وَإِلَّا أَرْسَلْتُهُ عَلَيْكُمْ»
١٠ / ٥٤٣
حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ شَاهِينَ، قَالَ: ثنا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ دَاوُدَ، عَنْ عَامِرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «إِنِّي لَأَعْلَمُ خَلْقِ اللَّهِ لِأَيِّ شَيْءٍ سَجَدَتِ الْيَهُودُ عَلَى حَرْفِ وُجُوهِهِمْ، لَمَّا رُفِعَ الْجَبَلُ فَوْقَهُمْ سَجَدُوا وَجَعَلُوا يَنْظُرُونَ إِلَى الْجَبَلِ مَخَافَةَ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِمْ، قَالَ: فَكَانَتْ سَجْدَةً رَضِيَهَا اللَّهُ، فَاتَّخَذُوهَا سُنَّةً» حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا دَاوُدُ، عَنْ عَامِرٍ، عَنِ ⦗٥٤٤⦘ ابْنِ عَبَّاسٍ، مِثْلَهُ
١٠ / ٥٤٣
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: «﴿وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ﴾ [الأعراف: ١٧١] أَيْ: بِجَدٍّ. ﴿وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [الأعراف: ١٧١] جَبَلٌ نَزَعَهُ اللَّهُ مِنْ أَصْلِهِ ثُمَّ جَعَلَهُ فَوْقَ رُءُوسِهِمْ، فَقَالَ: لَتَأْخُذُنَّ أَمْرِي، أَوْ لَأَرْمِيَنَّكُمْ بِهِ»
١٠ / ٥٤٤
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ مُجَاهِدٌ: «﴿وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ﴾ [الأعراف: ١٧١] قَالَ: كَمَا تُنْتَقُ الزَّبْدَةُ»
١٠ / ٥٤٤
قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: «كَانُوا أَبَوْا التَّوْرَاةَ أَنْ يَقْبَلُوهَا أَوْ يُؤْمِنُوا بِهَا. ﴿خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ﴾ [البقرة: ٦٣] قَالَ: يَقُولُ: لَتُؤْمِنُنَّ بِالتَّوْرَاةِ وَلَتَقْبَلُنَّهَا، أَوْ لَيَقَعَنَّ عَلَيْكُمْ»
١٠ / ٥٤٤
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: “هَذَا كِتَابُ اللَّهِ أَتَقْبَلُونَهُ بِمَا فِيهِ؟ فَإِنَّ فِيهِ بَيَانُ مَا أَحَلَّ لَكُمْ وَمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ وَمَا أَمَرَكُمْ وَمَا نَهَاكُمْ. قَالُوا: انْشُرْ عَلَيْنَا مَا فِيهَا، فَإِنْ كَانَتْ فَرَائِضُهَا يَسِيرَةً وَحُدُودُهَا خَفِيفَةً قَبِلْنَاهَا، قَالَ: اقْبَلُوهَا بِمَا فِيهَا، قَالُوا: لَا، حَتَّى نَعْلَمَ مَا فِيهَا كَيْفَ حُدُودُهَا وَفَرَائِضُهَا. فَرَاجَعُوا مُوسَى مِرَارًا، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى الْجَبَلِ، فَانْقَلَعَ فَارْتَفَعَ فِي السَّمَاءِ حَتَّى إِذَا كَانَ بَيْنَ رُءُوسِهِمْ وَبَيْنَ السَّمَاءِ قَالَ لَهُمْ مُوسَى: أَلَا تَرَوْنَ مَا يَقُولُ
١٠ / ٥٤٤
رَبِّي؟ لَئِنْ لَمْ تَقْبَلُوا التَّوْرَاةَ بِمَا فِيهَا لَأَرْمِيَنَّكُمْ بِهَذَا الْجَبَلِ، قَالَ: فَحَدَّثَنِي الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، قَالَ: لَمَّا نَظَرُوا إِلَى الْجَبَلِ خَرَّ كُلُّ رَجُلٍ سَاجِدًا عَلَى حَاجِبِهِ الْأَيْسَرِ، وَنَظَرَ بِعَيْنِهِ الْيُمْنَى إِلَى الْجَبَلِ، فَرَقًا مِنْ أَنْ يَسْقُطَ عَلَيْهِ؛ فَلِذَلِكَ لَيْسَ فِي الْأَرْضِ يَهُودِيُّ يَسْجُدُ إِلَّا عَلَى حَاجِبِهِ الْأَيْسَرِ، يَقُولُونَ: هَذِهِ السَّجْدَةُ الَّتِي رُفِعَتْ عَنَّا بِهَا الْعُقُوبَةُ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَلَمَّا نَشَرَ الْأَلْوَاحَ فِيهَا كِتَابُ اللَّهِ كَتَبَهُ بِيَدِهِ، لَمْ يَبْقَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ جَبَلٌ وَلَا شَجَرٌ وَلَا حَجَرٌ إِلَّا اهْتَزَّ، فَلَيْسَ الْيَوْمَ يَهُودِيُّ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ صَغِيرٌ وَلَا كَبِيرٌ تُقْرَأُ عَلَيْهِ التَّوْرَاةُ إِلَّا اهْتَزَّ وَنَغَضَ لَهَا رَأْسَهُ ” وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِكَلَامِ الْعَرَبِ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿نَتَقْنَا﴾
[الأعراف: ١٧١] فَقَالَ بَعْضُ الْبَصْرِيِّينَ: مَعْنَى نَتَقْنَا: رَفَعْنَا، وَاسْتَشْهَدَ بِقَوْلِ الْعَجَّاجِ:
[البحر الرجز]
يَنْتُقُ أَقْتَادَ الشَّلِيلِ نَتْقَا
وَقَالَ: يَعْنِي بِقَوْلِهِ: يَنْتُقُ يَرْفَعُهَا عَنْ ظَهْرِهِ. وَبُقُولِ الْآخَرِ:
[البحر الرجز]
وَنَتَقُوا أَحْلَامَنَا الْأَثْاقِلَا
وَقَدْ حُكِيَ عَنْ قَائِلِ هَذِهِ الْمَقَالَةِ قَوْلٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّ أَصْلَ النَّتْقِ وَالنُّتُوقِ
١٠ / ٥٤٥
كُلُّ شَيْءٍ قَلَعْتَهُ مِنْ مَوْضِعِهِ فَرَمَيْتَ بِهِ، يُقَالُ مِنْهُ: نَتَقْتُ نَتْقًا. قَالَ: وَلِهَذَا قِيلَ لِلْمَرْأَةِ الْكَبِيرَةِ نَاتِقٌ؛ لِأَنَّهَا تَرْمِي بِأَوْلَادِهَا رَمْيًا، وَاسْتَشْهَدَ بِبَيْتِ النَّابِغَةِ:
[البحر الكامل]
لَمْ يُحْرَمُوا حُسْنَ الْغِذَاءِ وَأُمُّهُمْ … دَحَقَتْ عَلَيْكَ بِنَاتِقٍ مِذْكَارٍ
وَقَالَ آخَرُ: مَعْنَاهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: رَفَعْنَاهُ. وَقَالَ: قَالُوا: نَتَقَنِي السَّيْرُ: حَرَّكَنِي. وَقَالَ: قَالُوا: مَا نَتَقَ بِرِجْلِهِ لَا يَرْكُضُ، وَالنَّتْقُ: نَتْقُ الدَّابَّةِ صَاحِبَهَا حِينَ تَعْدُو بِهِ وَتُتْعِبُهُ حَتَّى يَرْبُوَ، فَذَلِكَ النَّتْقُ وَالنُّتُوقُ، وَنَتَقَتْنِي الدَّابَّةُ، وَنَتَقَتِ الْمَرْأَةُ تَنْتُقُ نُتُوقًا: كَثُرَ وَلَدُهَا وَقَالَ بَعْضُ الْكُوفِيِّينَ: نَتَقْنَا الْجَبَلَ: عَلَّقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ فَرَفَعْنَاهُ نَنْتُقُهُ نَتْقًا، وَامْرَأَةٌ مِنْتَاقٌ: كَثِيرَةُ الْوَلَدِ، قَالَ: وَسَمِعْتُ: أَخَذَ الْجِرَابَ وَنَتَقَ مَا فِيهِ: إِذَا نَثَرَ مَا فِيهِ
١٠ / ٥٤٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ﴾ [الأعراف: ١٧٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: وَاذْكُرْ يَا مُحَمَّدُ رَبَّكَ إِذِ اسْتَخْرَجَ وَلَدَ آدَمَ مِنْ أَصْلَابِ آبَائِهِمْ، فَقَرَّرَهُمْ بِتَوْحِيدِهِ، وَأَشْهَدَ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ شَهَادَتَهُمْ بِذَلِكَ، ⦗٥٤٧⦘ وَإِقْرَارَهُمْ بِهِ
١٠ / ٥٤٦
كَمَا: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطُّوسِيُّ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ كُلْثُومِ بْنِ جَبْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، قَالَ: «أَخَذَ اللَّهُ الْمِيثَاقَ مِنْ ظَهْرِ آدَمَ بِنَعْمَانَ يَعْنِي عَرَفَةَ فَأَخْرَجَ مِنْ صُلْبِهِ كُلَّ ذُرِّيَّةٍ ذَرَأَهَا، فَنَثَرَهُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ كَالذَّرِّ، ثُمَّ كَلَّمَهُمْ فَتَلَا فَقَالَ: ﴿أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا﴾ [الأعراف: ١٧٢] الْآيَةَ إِلَى ﴿مَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ﴾»
١٠ / ٥٤٧
حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْوَارِثِ، قَالَ: ثنا كُلْثُومُ بْنُ جَبْرٍ، قَالَ: سَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ عَنْ قَوْلِهِ: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتِهِمْ﴾ [الأعراف: ١٧٢] قَالَ: سَأَلْتُ عَنْهَا ابْنَ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: «مَسَحَ رَبُّكَ ظَهْرَ آدَمَ، فَخَرَجَتْ كُلُّ نَسَمَةٍ هُوَ خَالِقُهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ بِنَعْمَانَ هَذَا، وَأَشَارَ بِيَدِهِ، فَأَخَذَ مَوَاثِيقَهُمْ، وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ ﴿أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى﴾ [الأعراف: ١٧٢]»
١٠ / ٥٤٧
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ وَيَعْقُوبُ قَالَا: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ: ثنا كُلْثُومُ بْنُ جَبْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتِهِمْ﴾ [الأعراف: ١٧٢] وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا قَالَ: مَسَحَ رَبُّكَ ظَهْرَ آدَمَ، فَخَرَجَتْ كُلُّ نَسَمَةٍ هُوَ خَالِقُهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ بِنَعْمَانَ هَذَا الَّذِي وَرَاءَ عَرَفَةَ، وَأَخَذَ مِيثَاقَهُمْ ﴿أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا﴾ [الأعراف: ١٧٢]» اللَّفْظُ لِحَدِيثِ يَعْقُوبَ وَحَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ رَبِيعَةُ بْنُ كُلْثُومٍ، عَنْ أَبِيهِ، فِي هَذَا الْحَدِيثِ: «﴿قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ﴾ [الأعراف: ١٧٢]»
١٠ / ٥٤٨
حَدَّثَنَا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا عِمْرَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «أَوَّلُ مَا أَهْبَطَ اللَّهُ آدَمَ، أَهْبَطَهُ بِدجني، أَرْضٌ بِالْهِنْدِ، فَمَسَحَ اللَّهُ ظَهْرَهُ، فَأَخْرَجَ مِنْهُ كُلَّ نَسَمَةٍ هُوَ بَارِئُها إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ، ثُمَّ أَخَذَ عَلَيْهِمُ الْمِيثَاقَ: ﴿وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ﴾ [الأعراف: ١٧٢]»
١٠ / ٥٤٨
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا عِمْرَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «أُهْبِطَ آدَمُ حِينَ أُهْبِطَ، فَمَسَحَ اللَّهُ ظَهْرَهُ، فَأَخْرَجَ مِنْهُ كُلَّ نَسَمَةٍ هُوَ خَالِقُهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةَ، ثُمَّ قَالَ ﴿أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى﴾ [الأعراف: ١٧٢]، ثُمَّ تَلَا ⦗٥٤٩⦘: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتِهِمْ﴾ [الأعراف: ١٧٢] فَجَفَّ الْقَلَمُ مِنْ يَوْمِئِذٍ بِمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ»
١٠ / ٥٤٨
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ عِيسَى، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتِهِمْ﴾ [الأعراف: ١٧٢] قَالَ: «لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ، أَخَذَ ذُرِّيَّتَهُ مِنْ ظَهْرِهِ مِثْلَ الذَّرِّ، فَقَبَضَ قَبْضَتَيْنِ، فَقَالَ لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ، وَقَالَ لِلْآخَرِينَ: ادْخُلُوا النَّارَ وَلَا أُبَالِي»
١٠ / ٥٤٩
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ حَبِيبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «مَسَحَ اللَّهُ ظَهْرَ آدَمَ، فَأَخْرَجَ كُلَّ طَيِّبٍ فِي يَمِينِهِ، وَأَخْرَجَ كُلَّ خَبِيثٍ فِي الْأُخْرَى»
١٠ / ٥٤٩
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «مَسَحَ اللَّهُ ظَهْرَ آدَمَ، فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ كُلَّ نَسَمَةٍ هُوَ خَالِقُهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ»
١٠ / ٥٤٩
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ أَبِي قَيْسٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتِهِمْ﴾ [الأعراف: ١٧٢] قَالَ: لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ مَسَحَ ظَهْرَهُ بدجني، وَأَخْرَجَ مِنْ ظَهْرِهِ كُلَّ نَسَمَةٍ هُوَ خَالِقُهَا ⦗٥٥٠⦘ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَقَالَ: ﴿أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى﴾ [الأعراف: ١٧٢] قَالَ: فَيَرَوْنَ يَوْمَئِذٍ جَفَّ الْقَلَمَ بِمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ»
١٠ / ٥٤٩
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنِ الْمَسْعُودِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ بَذِيمَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ عليه السلام أَخَذَ مِيثَاقَهُ، فَمَسَحَ ظَهْرَهُ، فَأَخَذَ ذُرِّيَّتَهُ كَهَيْئَةِ الذَّرِّ، فَكَتَبَ آجَالَهُمْ وَأَرْزَاقَهُمْ وَمَصَائِبَهُمْ، وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ ﴿أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى﴾ [الأعراف: ١٧٢]»
١٠ / ٥٥٠
قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنِ الْمَسْعُودِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ بَذِيمَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتِهِمْ﴾ [الأعراف: ١٧٢] قَالَ: لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ، أَخَذَ مِيثَاقَهُ أَنَّهُ رَبُّهُ، وَكَتَبَ أَجَلَهُ وَمَصَائِبَهُ، وَاسْتَخْرَجَ ذُرِّيَّتَهُ كَالذَّرِّ، وَأَخَذَ مِيثَاقَهُمْ، وَكَتَبَ آجَالَهُمْ وَأَرْزَاقَهُمْ وَمَصَائِبَهُمْ»
١٠ / ٥٥٠
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ كُلْثُومِ بْنِ جَبْرٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتِهِمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ﴾ [الأعراف: ١٧٢] قَالَ: مَسَحَ اللَّهُ ظَهْرَ آدَمَ عليه السلام وَهُوَ بِبَطْنِ نُعْمَانَ، وَادٍ إِلَى جَنْبِ عَرَفَةَ، وَأَخْرَجَ ذُرِّيَّتَهُ مِنْ ظَهْرِهِ كَهَيْئَةِ الذَّرِّ، ثُمَّ أُشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ ﴿أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا﴾ [الأعراف: ١٧٢]»
١٠ / ٥٥٠
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ أَبِي هِلَالٍ، عَنْ أَبِي جَمْرَةَ الضُّبَعِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «⦗٥٥١⦘ أَخْرَجَ اللَّهُ ذُرِّيَّةَ آدَمَ عليه السلام مِنْ ظَهْرِهِ كَهَيْئَةِ الذَّرِّ، وَهُوَ فِي آذِيٍّ مِنَ الْمَاءِ»
١٠ / ٥٥٠
حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: ثنا ضَمْرَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، قَالَ: ثنا أَبُو مَسْعُودٍ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، قَالَ: مَاتَ ابْنٌ لِلضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ، ابْنُ سِتَّةِ أَيَّامٍ، قَالَ: فَقَالَ: يَا جَابِرُ إِذَا أَنْتَ وَضَعْتَ ابْنِي فِي لَحْدِهِ، فَأَبْرِزْ وَجْهَهُ، وَحُلَّ عَنْهُ عُقَدَهُ، فَإِنَّ ابْنِي مُجْلَسٌ وَمَسْئُولٌ، فَفَعَلْتُ بِهِ الَّذِي أَمَرَنِي، فَلَمَّا فَرَغْتُ، قُلْتُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ عَمَّ يُسْأَلُ ابْنُكَ؟ قَالَ: يُسْأَلُ عَنِ الْمِيثَاقِ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ فِي صُلْبِ آدَمَ عليه السلام. قُلْتُ: يَا أَبَا الْقَاسِمِ، وَمَا هَذَا الْمِيثَاقُ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ فِي صُلْبِ آدَمَ؟ قَالَ: ثني ابْنُ عَبَّاسٍ «أَنَّ اللَّهَ مَسَحَ صُلْبَ آدَمَ، فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ كُلَّ نَسَمَةٍ هُوَ خَالِقُهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَأَخَذَ مِنْهُمُ الْمِيثَاقَ أَنْ يَعْبُدُوهُ، وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، فَلَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ حَتَّى يُولَدَ مَنْ أَعْطَى الْمِيثَاقَ يَوْمَئِذٍ، فَمَنْ أَدْرَكَ مِنْهُمُ الْمِيثَاقَ الْآخَرَ فَوَفَّى بِهِ نَفَعَهُ الْمِيثَاقُ الْأَوَّلُ، وَمَنْ أَدْرَكَ الْمِيثَاقَ الْآخَرَ فَلَمْ يَفِ بِهِ لَمْ يَنْفَعْهُ الْمِيثَاقُ الْأَوَّلُ، وَمَنْ مَاتَ صَغِيرًا قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَ الْمِيثَاقَ الْآخَرَ مَاتَ عَلَى الْمِيثَاقِ الْأَوَّلِ عَلَى الْفِطْرَةِ»
١٠ / ٥٥١
حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي السَّرِيُّ بْنُ يَحْيَى، أَنَّ الْحَسَنَ بْنَ أَبِي الْحَسَنِ، حَدَّثَهُمْ عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ سَرِيعٍ، مِنْ بَنِي سَعْدٍ، قَالَ: غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَرْبَعَ غَزَوَاتٍ، قَالَ: فَتَنَاوَلَ الْقَوْمُ الذُّرِّيَّةَ بَعْدَ مَا ⦗٥٥٢⦘ قَتَلُوا الْمُقَاتِلَةَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَتَنَاوَلُونَ الذُّرِّيَّةَ؟» فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَيْسُوا أَبْنَاءَ الْمُشْرِكِينَ؟ فَقَالَ: «إِنَّ خِيَارَكُمْ أَوْلَادُ الْمُشْرِكِينَ، أَلَا إِنَّهَا لَيْسَتْ نَسَمَةً تُولَدُ إِلَّا وُلِدَتْ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَمَا تَزَالُ عَلَيْهَا حَتَّى يَبِينَ عَنْهَا لِسَانُهَا، فَأَبَوَاهَا يُهَوِّدَانِهَا أَوْ يُنَصِّرَانِهَا» . قَالَ الْحَسَنُ: وَاللَّهِ لَقَدْ قَالَ اللَّهُ ذَلِكَ فِي كِتَابِهِ، قَالَ: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتِهِمْ﴾ [الأعراف: ١٧٢]
١٠ / ٥٥١
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْوَلِيدِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي طَيْبَةَ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنِ الْأَجْلَحِ، عَنِ الضَّحَّاكِ، وَعَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتِهِمْ﴾ [الأعراف: ١٧٢] قَالَ: «أُخِذُوا مِنْ ظَهْرِهِ كَمَا يُؤْخَذُ بِالْمُشْطِ مِنَ الرَّأْسِ، فَقَالَ لَهُمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ؟ قَالُوا بَلَى، قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ: شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ»
١٠ / ٥٥٢
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ ⦗٥٥٣⦘ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتِهِمْ﴾ [الأعراف: ١٧٢] قَالَ: أَخَذَهُمْ كَمَا يَأْخُذُ الْمُشْطُ مِنَ الرَّأْسِ»
١٠ / ٥٥٢
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ وَابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَا: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: «﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتِهِمْ﴾ [الأعراف: ١٧٢] قَالَ: أَخَذَهُمْ كَمَا يَأْخُذُ الْمُشْطُ عَنِ الرَّأْسِ» قَالَ ابْنُ حُمَيْدٍ: كَمَا يُؤْخَذُ بِالْمُشْطِ
١٠ / ٥٥٣
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ: ثنا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، وَسَعْدُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ الْجُهَنِيِّ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ﴾ [الأعراف: ١٧٢] فَقَالَ عُمَرُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ ثُمَّ مَسَحَ ظَهْرَهُ بِيَمِينِهِ فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ ذُرِّيَّةً، فَقَالَ: خَلَقْتُ هَؤُلَاءِ لِلْجَنَّةِ، وَبِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ يَعْمَلُونَ. ثُمَّ مَسَحَ ظَهْرَهُ فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ ذُرِّيَّةً، فَقَالَ: خَلَقْتُ هَؤُلَاءِ لِلنَّارِ، وَبِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ يَعْمَلُونَ». فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَفِيمَ الْعَمَلُ؟ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ إِذَا خَلَقَ الْعَبْدَ لِلْجَنَّةِ اسْتَعْمَلَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى يَمُوتَ عَلَى عَمِلٍ مِنْ عَمِلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، وَإِذَا خَلَقَ الْعَبْدَ لِلنَّارِ اسْتَعْمَلَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى يَمُوتَ عَلَى عَمِلٍ مِنْ عَمِلِ أَهْلِ النَّارِ فَيُدْخِلَهُ النَّارَ» ⦗٥٥٤⦘ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُصَفَّى، عَنْ بَقِيَّةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ جُعْثُمٍ الْقُرَشِيِّ، قَالَ: ثني زَيْدُ بْنُ أَبِي أُنَيْسَةَ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ نُعَيْمِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، بِنَحْوِهِ
١٠ / ٥٥٣
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ، رَجُلٌ مِنَ الْمَدِينَةِ، قَالَ: سَأَلْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ عَنْ قَوْلِهِ: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتِهِمْ﴾ [الأعراف: ١٧٢] قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ ﷺ عَنْهُ كَمَا سَأَلْتَنِي، فَقَالَ: «خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ بِيَدِهِ، وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ، ثُمَّ أَجْلَسَهُ فَمَسَحَ ظَهْرَهُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى، فَأَخْرَجَ ذَرْأً، فَقَالَ: ذَرْءٌ ذَرَأْتُهُمْ لِلْجَنَّةِ، ثُمَّ مَسَحَ ظَهْرَهُ بِيَدِهِ الْأُخْرَى، وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ، فَقَالَ: ذَرْءٌ ذَرَأْتُهُمْ لِلنَّارِ، يَعْمَلُونَ فِيمَا شِئْتُ مِنْ عَمَلٍ، ثُمَّ أَخْتِمُ لَهُمْ بِأَسْوَإِ أَعْمَالِهِمْ فَأُدْخِلُهُمُ النَّارَ»
١٠ / ٥٥٤
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ⦗٥٥٥⦘ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتِهِمْ﴾ [الأعراف: ١٧٢] قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ، ثُمَّ أَخْرَجَ ذُرِّيَّتَهُ مِنْ صُلْبِهِ مِثْلَ الذَّرِّ، فَقَالَ لَهُمْ: مَنْ رَبُّكُمْ؟ قَالُوا: اللَّهُ رَبُّنَا، ثُمَّ أَعَادَهُمْ فِي صُلْبِهِ، حَتَّى يُولَدَ كُلُّ مَنْ أُخِذَ مِيثَاقُهُ لَا يُزَادُ فِيهِمْ وَلَا يُنْقَصُ مِنْهُمْ إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ»
١٠ / ٥٥٤
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ﴾ [الأعراف: ١٧٢] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا﴾ [الأعراف: ١٧٢] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «إِنَّ اللَّهَ لَمَّا خَلَقَ آدَمَ مَسَحَ ظَهْرَهُ، وَأَخْرَجَ ذُرِّيَّتَهُ كُلَّهُمْ كَهَيْئَةِ الذَّرِّ، فَأَنْطَقَهُمْ فَتَكَلَّمُوا، وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، وَجَعَلَ مَعَ بَعْضِهِمُ النُّورَ، وَإِنَّهُ قَالَ لِآدَمَ: هَؤُلَاءِ ذُرِّيَّتُكَ آخِذٌ عَلَيْهِمُ الْمِيثَاقَ، أَنَا رَبُّهُمْ، لِئَلَّا يُشْرِكُوا بِي شَيْئًا، وَعَلَيَّ رِزْقُهُمْ. قَالَ آدَمُ: فَمَنْ هَذَا الَّذِي مَعَهُ النُّورُ؟ قَالَ: هُوَ دَاوُدُ. قَالَ: يَا رَبِّ كَمْ كَتَبْتَ لَهُ مِنَ الْأَجَلِ؟ قَالَ: سِتِّينَ سَنَةً. قَالَ: كَمْ كَتَبْتَ لِي؟ قَالَ: أَلْفَ سَنَةٍ، وَقَدْ كَتَبْتُ لِكُلِّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ كَمْ يَعْمُرُ وَكَمْ يَلْبَثُ. قَالَ: يَا رَبِّ زِدْهُ، قَالَ: هَذَا الْكِتَابُ مَوْضُوعٌ فَأَعْطِهِ إِنْ شِئْتَ مِنْ عُمُرِكَ. قَالَ: نَعَمْ. وَقَدْ جَفَّ الْقَلَمُ عَنْ أَجَلِ سَائِرِ بَنِي آدَمَ، فَكَتَبَ لَهُ مِنْ أَجَلِ آدَمَ أَرْبَعِينَ سَنَةً، فَصَارَ أَجَلُهُ مِائَةَ سَنَةٍ. فَلَمَّا عُمِّرَ تِسْعَ مِائَةِ سَنَةٍ وَسِتِّينَ جَاءَهُ مَلَكُ الْمَوْتِ فَلَمَّا رَآهُ آدَمُ، قَالَ: مَا لَكَ؟ قَالَ لَهُ: قَدِ اسْتَوْفَيْتَ أَجَلَكَ. قَالَ لَهُ آدَمُ: إِنَّمَا عُمِّرْتُ تِسْعَ مِائَةٍ وَسِتِّينَ سَنَةً، وَبَقِيَ أَرْبَعُونَ سَنَةً. قَالَ: فَلَمَّا قَالَ ذَلِكَ لِلْمَلَكِ، قَالَ الْمَلَكُ: قَدْ أَخْبَرَنِي بِهَا رَبِّي. ⦗٥٥٦⦘ قَالَ: فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ، فَرَجَعَ الْمَلَكُ إِلَى رَبِّهِ، فَقَالَ: مَا لَكَ؟ قَالَ: يَا رَبِّ رَجَعْتُ إِلَيْكَ لِمَا كُنْتُ أَعْلَمُ مِنْ تَكْرِمَتِكَ إِيَّاهُ. قَالَ اللَّهُ: ارْجِعْ فَأَخْبِرْهُ أَنَّهُ قَدْ أَعْطَى ابْنَهُ دَاوُدَ أَرْبَعِينَ سَنَةً»
١٠ / ٥٥٥
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ مُوسَى، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى ضَرَبَ مَنْكِبَهُ الْأَيْمَنَ، فَخَرَجَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَخْلُوقَةٍ لِلْجَنَّةِ بَيْضَاءَ نَقِيَّةً، فَقَالَ: هَؤُلَاءِ أَهْلُ الْجَنَّةِ. ثُمَّ ضَرَبَ مَنْكِبَهُ الْأَيْسَرَ، فَخَرَجَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَخْلُوقَةٍ لِلنَّارِ سَوْدَاءَ، فَقَالَ: هَؤُلَاءِ أَهْلُ النَّارِ. ثُمَّ أَخَذَ عُهُودَهُمْ عَلَى الْإِيمَانِ وَالْمَعْرِفَةِ لَهُ وَلِأَمْرِهِ، وَالتَّصْدِيقِ بِهِ وَبِأَمْرِهِ بَنِي آدَمَ كُلَّهُمْ، فَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، فَآمَنُوا وَصَدَّقُوا وَعَرَفُوا وَأَقَرُّوا. وَبَلَغَنِي أَنَّهُ أَخْرَجَهُمْ عَلَى كَفِّهِ أَمْثَالَ الْخَرْدَلِ. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: إِنَّ اللَّهَ لَمَّا أَخْرَجَهُمْ قَالَ: يَا عِبَادَ اللَّهِ أَجِيبُوا اللَّهَ وَالْإِجَابَةُ: الطَّاعَةُ فَقَالُوا: أَطَعْنَا، اللَّهُمَّ أَطَعْنَا، اللَّهُمَّ أَطَعْنَا، اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، قَالَ: فَأُعْطَاهَا إِبْرَاهِيمُ عليه السلام فِي الْمَنَاسِكَ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ. قَالَ: ضَرَبَ مَتْنَ آدَمَ حِينَ خَلَقَهُ. قَالَ: وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: خَلَقَ آدَمَ، ثُمَّ أَخْرَجَ ذُرِّيَّتَهُ مِنْ ظَهْرِهِ مِثْلَ الذَّرِّ، فَكَلَّمَهُمْ، ثُمَّ أَعَادَهُمْ فِي صُلْبِهِ، فَلَيْسَ أَحَدٌ إِلَّا وَقَدْ تَكَلَّمَ فَقَالَ: رَبِّيَ اللَّهُ. فَقَالَ: وَكُلُّ خَلْقٍ خُلِقَ فَهُوَ كَائِنٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهِيَ الْفِطْرَةُ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ سَعِيدُ بْنُ حُبَيْرٍ: أُخِذَ الْمِيثَاقُ عَلَيْهِمْ بِنَعْمَانَ وَنَعْمَانُ مِنْ وَرَاءِ عَرَفَةَ أَنْ يَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴿إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ﴾ [الأعراف: ١٧٢] عَنِ الْمِيثَاقِ الَّذِي أُخِذَ عَلَيْهِمْ»
١٠ / ٥٥٦
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: «جَمَعَهُمْ يَوْمَئِذٍ جَمِيعًا مَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ اسْتَنْطَقَهُمْ، وَأَخَذَ عَلَيْهِمُ الْمِيثَاقَ ﴿وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ﴾ [الأعراف: ١٧٣] قَالَ: فَإِنِّي أُشْهِدُ عَلَيْكُمُ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَالْأَرَضِينَ السَّبْعِ، وَأُشْهِدُ عَلَيْكُمْ أَبَاكُمْ آدَمَ أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَمْ نَعْلَمْ بِهَذَا، اعْلَمُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ غَيْرِي، وَلَا رَبَّ غَيْرِي، وَلَا تُشْرِكُوا بِي شَيْئًا، وَسَأُرْسِلُ إِلَيْكُمْ رُسُلًا يُذَكِّرُونَكُمْ عَهْدِي وَمِيثَاقِي، وَسَأُنْزِلُ عَلَيْكُمْ كُتُبِي، قَالُوا: شَهِدْنَا أَنَّكَ رَبُّنَا وَإِلَهُنَا، لَا رَبَّ لَنَا غَيْرُكَ، وَلَا إِلَهَ لَنَا غَيْرُكَ. فَأَقَرُّوا لَهُ يَوْمَئِذٍ بِالطَّاعَةِ، وَرَفَعَ عَلَيْهِمْ أَبَاهُمْ آدَمَ، فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ، فَرَأَى مِنْهُمُ الْغَنِيَّ وَالْفَقِيرَ، وَحَسَنَ الصُّورَةِ، وَدُونَ ذَلِكَ، فَقَالَ: رَبِّ لَوْلَا سَاوَيْتَ بَيْنَهُمْ، قَالَ: فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أُشْكَرَ. قَالَ: وَفِيهِمُ الْأَنْبِيَاءُ عليهم السلام يَوْمَئِذٍ مِثْلُ السُّرُجِ. وَخَصَّ الْأَنْبِيَاءَ بِمِيثَاقٍ آخَرَ، قَالَ اللَّهُ: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا﴾ [الأحزاب: ٧] وَهُوَ الَّذِي يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدَّيْنِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ﴾ [الروم: ٣٠] وَفِي ذَلِكَ قَالَ: ﴿هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى﴾ [النجم: ٥٦] يَقُولُ: أَخَذْنَا مِيثَاقَهُ مَعَ النُّذُرِ الْأُولَى، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا ⦗٥٥٨⦘ أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ﴾ [الأعراف: ١٠٢]، ﴿ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ﴾ قَالَ: كَانَ فِي عَلِمِهِ يَوْمَ أَقَرُّوا بِهِ مَنْ يُصَدِّقُ وَمَنْ يُكَذِّبُ»
١٠ / ٥٥٧
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فِي هَذِهِ الْآيَةِ: «﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتِهِمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ﴾ [الأعراف: ١٧٢] قَالَ: أَخْرَجَهُمْ مِنْ ظَهْرِ آدَمَ، وَجَعَلَ لِآدَمَ عُمْرَ أَلْفِ سَنَةٍ، قَالَ: فَعُرِضُوا عَلَى آدَمَ، فَرَأَى رَجُلًا مِنْ ذُرِّيَّتِهِ لَهُ نُورٌ فَأَعْجَبَهُ، فَسَأَلَ عَنْهُ، فَقَالَ: هُوَ دَاوُدُ، قَدْ جُعِلَ عُمْرُهُ سِتِّينَ سَنَةً، فَجَعَلَ لَهُ مِنْ عُمُرِهِ أَرْبَعِينَ سَنَةً، فَلَمَّا احْتُضِرَ آدَمُ، جَعَلَ يُخَاصِمُهُمْ فِي الْأَرْبَعِينَ سَنَةً، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّكَ أَعْطَيْتَهَا دَاوُدَ، قَالَ: فَجَعَلَ يُخَاصِمُهُمْ»
١٠ / ٥٥٨
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَعْقُوبُ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتِهِمْ﴾ [الأعراف: ١٧٢] قَالَ: «أَخْرَجَ ذُرِّيَّتَهُ مِنْ ظَهْرِهِ كَهَيْئَةِ الذَّرِّ، فَعَرَضَهُمْ عَلَى آدَمَ بِأَسْمَائِهِمْ وَأَسْمَاءِ آبَائِهِمْ وَآجَالِهِمْ، ⦗٥٥٩⦘ قَالَ: فَعُرِضَ عَلَيْهِ رَوْحُ دَاوُدَ فِي نُورٍ سَاطِعٍ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا مِنْ ذُرِّيَّتِكَ نَبِيُّ خَلِيفَةٌ، قَالَ: كَمْ عُمُرُهُ؟ قَالَ: سِتُّونَ سَنَةً، قَالَ: زِيدُوهُ مِنْ عُمُرِي أَرْبَعِينَ سَنَةً، قَالَ: وَالْأَقْلَامُ رَطِبَةٌ تَجْرِي. فَأُثْبِتَ لِدَاوُدَ الْأَرْبَعُونَ، وَكَانَ عُمُرُ آدَمَ عليه السلام أَلْفَ سَنَةٍ، فَلَمَّا اسْتَكْمَلَهَا إِلَّا الْأَرْبَعِينَ سَنَةً، بُعِثَ إِلَيْهِ مَلَكُ الْمَوْتِ، فَقَالَ: يَا آدَمُ أُمِرْتُ أَنْ أَقْبِضَكَ، قَالَ: أَلَمْ يَبْقَ مِنْ عُمُري أَرْبَعُونَ سَنَةً؟ قَالَ: فَرَجَعَ مَلَكُ الْمَوْتِ إِلَى رَبِّهِ، فَقَالَ: إِنَّ آدَمَ يَدَّعِي مِنْ عُمُرِهِ أَرْبَعِينَ سَنَةً، قَالَ: أَخْبِرْ آدَمَ أَنَّهُ جَعَلَهَا لِابْنِهِ دَاوُدَ وَالْأَقْلَامُ رَطِبَةٌ، فَأُثْبِتَتْ لِدَاوُدَ» حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبُو دَاوُدَ، عَنْ يَعْقُوبَ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدٍ بِنَحْوِهِ
١٠ / ٥٥٨
قَالَ: ثنا ابْنُ فُضَيْلٍ، وَابْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ عَطَاءٍ: «﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتِهِمْ﴾ [الأعراف: ١٧٢] قَالَ: أَخْرَجَهُمْ مِنْ ظَهْرِ آدَمَ حَتَّى أَخَذَ عَلَيْهِمُ الْمِيثَاقَ، ثُمَّ رَدَّهُمْ فِي صُلْبِهِ»
١٠ / ٥٥٩
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ نَضْرِ بْنِ عَرَبِيٍّ: «﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتِهِمْ﴾ [الأعراف: ١٧٢] قَالَ: أَخْرَجَهُمْ مِنْ ظَهْرِ آدَمَ حَتَّى أَخَذَ عَلَيْهِمُ الْمِيثَاقَ، ثُمَّ رَدَّهُمْ فِي صُلْبِهِ»
١٠ / ٥٥٩
قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، عَنْ أَبِي بِسْطَامٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، قَالَ: «حَيْثُ ذَرَأَ اللَّهُ خَلْقَهُ لِآدَمَ، قَالَ: خَلَقَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ؟ قَالُوا: بَلَى»
١٠ / ٥٥٩
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا عُبَيْدٌ، قَالَ: ⦗٥٦٠⦘ سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتِهِمْ﴾ [الأعراف: ١٧٢] قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ، ثُمَّ أَخْرَجَ ذُرِّيَّتَهُ مِنْ ظَهْرِهِ، فَكَلَّمَهُمُ اللَّهُ وَأَنْطَقَهُمْ، فَقَالَ: أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ؟ قَالُوا: بَلَى، ثُمَّ أَعَادَهُمْ فِي صُلْبِهِ، فَلَيْسَ أَحَدٌ مِنَ الْخَلْقِ إِلَّا قَدْ تَكَلَّمَ فَقَالَ رَبِّيَ اللَّهُ، وَإِنَّ الْقِيَامَةَ لَنْ تَقُومَ حَتَّى يُولَدَ مَنْ كَانَ يَوْمَئِذٍ أُشْهِدَ عَلَى نَفْسِهِ»
١٠ / ٥٥٩
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا عُمَرُ بْنُ طَلْحَةَ، عَنْ أَسْبَاطٍ، عَنِ السُّدِّيِّ: «﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتِهِمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى﴾ [الأعراف: ١٧٢] وَذَلِكَ حِينَ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا﴾ وَذَلِكَ حِينَ يَقُولُ: ﴿فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ﴾ [الأنعام: ١٤٩] يَعْنِي: يَوْمَ أَخَذَ مِنْهُمُ الْمِيثَاقَ، ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى آدَمَ عليه السلام»
١٠ / ٥٦٠
قَالَ: ثنا عُمَرُ، عَنْ أَسْبَاطٍ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: “أَخْرَجَ اللَّهُ آدَمَ مِنَ الْجَنَّةِ، وَلَمْ يَهْبِطْ مِنَ السَّمَاءِ، ثُمَّ مَسَحَ صَفْحَةَ ظَهْرِهِ الْيُمْنَى، فَأَخْرَجَ مِنْهُ ذُرِّيَّةً بَيْضَاءَ مِثْلَ اللُّؤْلُؤِ كَهَيْئَةِ الذَّرِّ، فَقَالَ لَهُمُ: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِي، وَمَسَحَ صَفْحَةَ ظَهْرِهِ الْيُسْرَى، فَأَخْرَجَ مِنْهُ ذُرِّيَّةً سَوْدَاءَ كَهَيْئَةِ الذَّرِّ، فَقَالَ: ادْخُلُوا النَّارَ وَلَا أُبَالِي، فَذَلِكَ حِينَ يَقُولُ: «وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ» ثُمَّ أَخَذَ مِنْهُمُ الْمِيثَاقَ، فَقَالَ: ﴿أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى﴾ [الأعراف: ١٧٢]، فَأَطَاعَهُ طَائِفَةٌ
١٠ / ٥٦٠
طَائِعِينَ، وَطَائِفَةٌ كَارِهِينَ عَلَى وَجْهِ التَّقِيَّةِ «حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثنا عُمَرُ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، بِنَحْوِهِ، وَزَادَ فِيهِ بَعْدَ قَوْلِهِ:»وَطَائِفَةٌ عَلَى وَجْهِ التَّقِيَّةِ، فَقَالَ هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ: شَهِدْنَا أَنْ يَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ أَوْ يَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ. فَلِذَلِكَ لَيْسَ فِي الْأَرْضِ أَحَدٌ مِنْ وَلَدِ آدَمَ إِلَّا وَهُوَ يَعْرِفُ أَنَّ رَبَّهُ اللَّهُ، وَلَا مُشْرِكٌ إِلَّا وَهُوَ يَقُولُ لِابْنِهِ: ﴿إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ﴾ [الزخرف: ٢٢] وَالْأُمَّةُ: الدِّينِ ﴿وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ﴾ [الزخرف: ٢٣] وَذَلِكَ حِينَ يَقُولُ اللَّهُ: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتِهِمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى﴾ [الأعراف: ١٧٢] وَذَلِكَ حِينَ يَقُولُ: ﴿وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا﴾ وَذَلِكَ حِينَ يَقُولُ: ﴿فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ﴾ [الأنعام: ١٤٩] يَعْنِي يَوْمَ أَخَذَ مِنْهُمُ الْمِيثَاقَ “
١٠ / ٥٦١
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الْكَلْبِيِّ: «﴿مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّاتِهِمْ﴾ قَالَ: مَسَحَ اللَّهُ عَلَى صُلْبِ آدَمَ، فَأَخْرَجَ مِنْ صُلْبِهِ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ مَا يَكُونُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَأَخَذَ مِيثَاقَهُمْ أَنَّهُ رَبُّهُمْ، فَأَعْطَوْهُ ذَلِكَ، وَلَا يُسْأَلُ أَحَدٌ كَافِرٌ وَلَا غَيْرُهُ: مَنْ رَبُّكَ؟ إِلَّا قَالَ: اللَّهُ» وَقَالَ الْحَسَنُ مِثْلَ ذَلِكَ أَيْضًا
١٠ / ٥٦١
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ «أَنَّهُ كَانَ يَعْزِلُ، وَيَتَأَوَّلُ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتِهِمْ﴾ [الأعراف: ١٧٢]»
١٠ / ٥٦٢
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثنا مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتِهِمْ﴾ [الأعراف: ١٧٢] قَالَ: أَقَرَّتِ الْأَرْوَاحُ قَبْلَ أَنْ تُخْلَقَ أَجْسَادُهَا»
١٠ / ٥٦٢
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْفَرَجِ الْحِمْصِيُّ، قَالَ: ثنا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ، قَالَ: ثني الزُّبَيْدِيُّ، عَنْ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ قَتَادَةَ النَّضْرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَكِيمٍ: أَنَّ رَجُلًا، أَتَى رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَتَبْدَأُ الْأَعْمَالُ أَمْ قَدْ قُضِيَ الْقَضَاءُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنَّ اللَّهَ أَخَذَ ذُرِّيَّةَ آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ، ثُمَّ أَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، ثُمَّ أَفَاضَ بِهِمْ فِي كَفَّيْهِ ثُمَّ قَالَ: هَؤُلَاءِ فِي الْجَنَّةِ وَهَؤُلَاءِ فِي النَّارِ، فَأَهْلُ الْجَنَّةِ مُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَأَهْلُ النَّارِ مُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ» ⦗٥٦٣⦘ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَوْفٍ الطَّائِيُّ، قَالَ: ثنا حَيْوَةُ وَيَزِيدُ، قَالَا: ثنا بَقِيَّةُ، عَنِ الزُّبَيْدِيِّ، عَنْ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ قَتَادَةَ النَّضْرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ مِثْلَهُ. حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ شَبُّويَهْ، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنِ الزُّبَيْدِيِّ، قَالَ: ثنا رَاشِدُ بْنُ سَعْدٍ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ قَتَادَةَ، حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ أَنَّ هِشَامَ بْنَ حَكِيمٍ حَدَّثَهُ أَنَّهُ قَالَ: أَتَى رَسُولَ اللَّهِ ﷺ رَجُلٌ. . فَذَكَرَ مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَوْفٍ، قَالَ: ثني أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثنا مُعَاوِيَةُ، عَنْ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ قَتَادَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، بِنَحْوِهِ. وَاخْتُلِفَ فِي قَوْلِهِ: ﴿شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ﴾ [الأعراف: ١٧٢] فَقَالَ السُّدِّيُّ: هُوَ خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ عَنْ نَفْسِهِ وَمَلَائِكَتِهِ أَنَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ⦗٥٦٤⦘ قَالَ هُوَ وَمَلَائِكَتُهُ إِذْ أَقَرَّ بَنُو آدَمَ بِرُبُوبِيَّتِهِ حِينَ قَالَ لَهُمْ: أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ؟ قَالُوا: بَلَى فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتِهِمْ، وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ؟ قَالُوا: بَلَى. فَقَالَ اللَّهُ وَمَلَائِكَتُهُ: شَهِدْنَا عَلَيْكُمْ بِإِقْرَارِكُمْ بِأَنَّ اللَّهَ رَبُّكُمْ كَيْلَا تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ. وَقَدْ ذَكَرْتُ الرِّوَايَةَ عَنْهُ بِذَلِكَ فِيمَا مَضَى وَالْخَبَرَ الْآخَرَ الَّذِي رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنِ النَّبِيِّ ﷺ بِمِثْلِ ذَلِكَ. وَقَالَ آخَرُونَ: ذَلِكَ خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ عَنْ قِيلِ بَعْضِ بَنِي آدَمَ لِبَعْضٍ، حِينَ أَشْهَدَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ. وَقَالُوا: مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ﴾ [الأعراف: ١٧٢] وَأَشْهَدَهُمْ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ بِإِقْرَارِهِمْ بِذَلِكَ، وَقَدْ ذَكَرْتُ الرِّوَايَةَ بِذَلِكَ أَيْضًا عَمَّنْ قَالَهُ قَبْلُ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ، مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إِنْ كَانَ صَحِيحًا، وَلَا أَعْلَمُهُ صَحِيحًا؛ لِأَنَّ الثِّقَاتَ الَّذِينَ يُعْتَمَدُ عَلَى حِفْظِهِمْ وَإِتْقَانِهِمْ حَدَّثُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ عَنِ الثَّوْرِيِّ، فَوَقَفُوهُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَلَمْ يَرْفَعُوهُ، وَلَمْ يَذْكُرُوا فِي الْحَدِيثِ هَذَا الْحَرْفَ الَّذِي ذَكَرَهُ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي طَيْبَةَ عَنْهُ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَنْهُ صَحِيحًا، فَالظَّاهِرُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ عَنْ قِيلِ بَنِي آدَمَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ؛ لِأَنَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَالَ: ﴿وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا﴾ [الأعراف: ١٧٢] فَكَأَنَّهُ قِيلَ: فَقَالَ الَّذِينَ شَهِدُوا عَلَى الْمُقِرِّينَ حِينَ أَقَرُّوا، فَقَالُوا: ⦗٥٦٥⦘ بَلَى شَهِدْنَا عَلَيْكُمْ بِمَا أَقْرَرْتُمْ بِهِ عَلَى أَنْفُسِكُمْ كَيْلَا تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ
١٠ / ٥٦٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ﴾ [الأعراف: ١٧٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: شَهِدْنَا عَلَيْكُمْ أَيُّهَا الْمُقِرُّونَ بِأَنَّ اللَّهَ رَبُّكُمْ، كَيْلَا تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ: إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ، إِنَّا كُنَّا لَا نَعْلَمُ ذَلِكَ وَكُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْهُ، أَوْ تَقُولُوا: ﴿إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ﴾ [الأعراف: ١٧٣] اتَّبَعْنَا مِنْهَاجَهُمْ ﴿أَفَتُهْلِكُنَا﴾ [الأعراف: ١٧٣] بِإِشْرَاكِ مَنْ أَشْرَكَ مِنْ آبَائِنَا، وَاتِّبَاعِنَا مِنْهَاجَهُمْ عَلَى جَهْلٍ مِنَّا بِالْحَقِّ؟ . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ ﴿بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ﴾ [الأعراف: ١٧٣] بِمَا فَعَلَ الَّذِينَ أَبْطَلُوا فِي دَعْوَاهُمْ إِلَهًا غَيْرَ اللَّهِ. وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَهُ بَعْضُ الْمَكِّيِّينَ وَالْبَصْرِيِّينَ: (أَنْ يَقُولُوا) بِالْيَاءِ، بِمَعْنَى: شَهِدْنَا لِئَلَّا يَقُولُوا عَلَى وَجْهِ الْخَبَرِ عَنِ الْغَيْبِ. وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْكُوفَةِ: ﴿أَنْ تَقُولُوا﴾ [البقرة: ٢٣٥] بِالتَّاءِ عَلَى وَجْهِ الْخَطَّابِ مِنَ الشُّهُودِ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِمْ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ صَحِيحَتَا الْمَعْنَى مُتَّفِقَتَا التَّأْوِيلِ وَإِنِ اخْتَلَفَتْ أَلْفَاظُهُمَا؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ تَفْعَلُ ذَلِكَ فِي الْحِكَايَةِ، كَمَا قَالَ اللَّهُ: ﴿لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ﴾ [آل عمران: ١٨٧] وَلَيُبَيِّنُنَّهُ، وَقَدْ بَيَّنَّا نَظَائِرَ ذَلِكَ فِيمَا مَضَى
١٠ / ٥٦٥
بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ
١٠ / ٥٦٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ [الأعراف: ١٧٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَكَمَا فَصَّلْنَا يَا مُحَمَّدُ لِقَوْمِكَ آيَاتِ هَذِهِ السُّورَةِ، وَبَيَّنَا فِيهَا مَا فَعَلْنَا بِالْأُمَمِ السَّالِفَةِ قَبْلَ قَوْمِكَ، وَأَحْلَلْنَا بِهِمْ مِنَ الْمَثُلَاتِ بِكُفْرِهِمْ وَإِشْرَاكِهِمْ فِي عِبَادَتِي غَيْرِي، كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ غَيْرَهَا وَنُبَيِّنَهَا لِقَوْمِكَ، لِيَنْزَجِرُوا وَيَرْتَدِعُوا، فيُنِيبُوا إِلَى طَاعَتِي وَيَتُوبُوا مِنْ شِرْكِهِمْ وَكُفْرِهِمْ، فَيَرْجِعُوا إِلَى الْإِيمَانِ وَالْإِقْرَارِ بِتَوْحِيدِي وَإِفْرَادِ الطَّاعَةِ لِي وَتَرْكِ عِبَادَةَ مَا سِوَايَ
١٠ / ٥٦٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي ءاتَيْنَهُ ءايَتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: وَاتْلُ يَا مُحَمَّدُ عَلَى قَوْمِكَ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا، يَعْنِي خَبَرَهُ وَقِصَّتَهُ. وَكَانَتْ آيَاتُ اللَّهِ لِلَّذِي آتَاهُ اللَّهُ إِيَّاهَا فِيمَا يُقَالُ اسْمَ اللَّهِ الْأَعْظَمَ، وَقِيلَ النُّبُوَّةُ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِيهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ
١٠ / ٥٦٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ، قَالَ: ثنا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، فِي هَذِهِ الْآيَةِ: «﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا﴾ [الأعراف: ١٧٥] قَالَ: هُوَ بَلْعَمُ» ⦗٥٦٧⦘ حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، مِثْلَهُ
١٠ / ٥٦٦
قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: «هُوَ بَلْعَمُ بْنُ أَبُرَ»
١٠ / ٥٦٧
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا﴾ [الأعراف: ١٧٥] قَالَ: رَجُلٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ يُقَالُ لَهُ: بَلْعَمُ بْنُ أَبُرَ» حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ وَابْنُ مَهْدِيٍّ وَابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، قَالُوا: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، فَذَكَرَ مِثْلَهُ، وَلَمْ يَقُلِ ابْنَ أَبُرَ
١٠ / ٥٦٧
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: «﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا﴾ [الأعراف: ١٧٥] قَالَ: رَجُلٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ يُقَالُ لَهُ: بَلْعَمُ بْنُ أَبُرَ»
١٠ / ٥٦٧
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا عِمْرَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحَارِثِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «هُوَ بَلْعَمُ بْنُ بَاعُرَا»
١٠ / ٥٦٧
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ ⦗٥٦٨⦘ آيَاتِنَا﴾ [الأعراف: ١٧٥] إِلَى: ﴿فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ﴾ [الأعراف: ١٧٥] هُوَ بَلْعَمُ بْنُ أَبُرَ» حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، مِثْلَهُ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: ابْنُ أَبُرَ، بِضَمِّ الْبَاءِ
١٠ / ٥٦٧
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا﴾ [الأعراف: ١٧٥] قَالَ: هُوَ رَجُلٌ مِنْ مَدِينَةِ الْجَبَّارِينَ يُقَالُ لَهُ بَلْعَمُ»
١٠ / ٥٦٨
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿فَانْسَلَخَ مِنْهَا﴾ [الأعراف: ١٧٥] قَالَ: بَلْعَامُ بْنُ بَاعُرَا، مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ» حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: ثنا أَبُو سَعْدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ مُجَاهِدًا يَقُولُ، فَذَكَرَ مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَثِيرٍ، أَنَّهُ سَمِعَ مُجَاهِدًا يَقُولُ، فَذَكَرَ مِثْلَهُ
١٠ / ٥٦٨
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ ⦗٥٦٩⦘ حُصَيْنٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ فِي الَّذِي «﴿آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا﴾ [الأعراف: ١٧٥] قَالَ: هُوَ بَلْعَامُ»
١٠ / ٥٦٨
وَحَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا غُنْدَرٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: «هُوَ بَلْعَمُ»
١٠ / ٥٦٩
قَالَ: ثنا عِمْرَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: «هُوَ بَلْعَمُ»
١٠ / ٥٦٩
حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ، قَالَ: ثنا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ حُصَيْنٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ، يَقُولُ: «هُوَ بَلْعَامُ»
١٠ / ٥٦٩
حَدَّثَنَا قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: ثنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «هُوَ بَلْعَمُ»
١٠ / ٥٦٩
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: ثنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ مُغِيرَةِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «هُوَ بَلْعَمُ.» وَقَالَتْ ثَقِيفٌ: هُوَ أُمَيَّةُ بْنُ أَبِي الصَّلْتِ وَقَالَ آخَرُونَ: كَانَ بَلْعَمُ هَذَا مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ
١٠ / ٥٦٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا﴾ [الأعراف: ١٧٥] قَالَ: هُوَ رَجُلٌ يُدْعَى بَلْعَمَ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ» ⦗٥٧٠⦘ وَقَالَ آخَرُونَ: كَانَ مِنَ الْكَنْعَانِيِّينَ
١٠ / ٥٦٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا﴾ [الأعراف: ١٧٥] قَالَ: هُوَ رَجُلٌ مِنْ مَدِينَةِ الْجَبَّارِينَ يُقَالُ لَهُ بَلْعَمُ» وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ أُمَيَّةُ بْنُ أَبِي الصَّلْتِ
١٠ / ٥٧٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، قَالَ: ثنا سَعِيدُ بْنُ السَّائِبِ، عَنْ غُضَيْفِ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ يَعْقُوبَ، وَنَافِعِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: «﴿الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا﴾ [الأعراف: ١٧٥] قَالَ: هُوَ أُمَيَّةُ بْنُ أَبِي الصَّلْتِ»
١٠ / ٥٧٠
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، قَالَ: أَنْبَأَنَا شُعْبَةُ، عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ نَافِعِ بْنِ عَاصِمٍ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو: «هُوَ صَاحِبَكُمْ أُمَيَّةُ بْنُ أَبِي الصَّلْتِ» ⦗٥٧١⦘ حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَوَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، قَالَا: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ نَافِعِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو بِمِثْلِهِ
١٠ / ٥٧٠
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: ﴿وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ﴾ [الأعراف: ١٧٦] قَالَ: «هُوَ أُمَيَّةُ بْنُ أَبِي الصَّلْتِ»
١٠ / ٥٧١
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا غُنْدَرٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ، قَالَ: سَمِعْتُ نَافِعَ بْنَ عَاصِمِ بْنِ عُرْوَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو، قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: «﴿الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا﴾ [الأعراف: ١٧٥] قَالَ: هُوَ صَاحِبَكُمْ، يَعْنِي أُمَيَّةَ بْنَ أَبِي الصَّلْتِ»
١٠ / ٥٧١
قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ عَنْ حَبِيبٍ، عَنْ رَجُلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: «هُوَ أُمَيَّةُ بْنُ أَبِي الصَّلْتِ»
١٠ / ٥٧١
قَالَ: ثنا يَزِيدُ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ فَضَالَةَ، أَوِ ابْنِ فَضَالَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: «هُوَ أُمَيَّةُ»
١٠ / ٥٧١
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، قَالَ: تَذَاكَرُوا فِي جَامِعِ دِمَشْقَ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿فَانْسَلَخَ مِنْهَا﴾ [الأعراف: ١٧٥] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: نَزَلَتْ فِي بَلْعَمَ بْنِ بَاعُورَاءَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: نَزَلَتْ فِي الرَّاهِبِ. فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ⦗٥٧٢⦘ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، فَقَالُوا: فِيمَنْ نَزَلَتْ هَذِهِ؟ قَالَ: «نَزَلَتْ فِي أُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ الثَّقَفِيِّ»
١٠ / ٥٧١
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الْكَلْبِيِّ: «﴿الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا﴾ [الأعراف: ١٧٥] قَالَ: هُوَ أُمَيَّةُ بْنُ أَبِي الصَّلْتِ»، وَقَالَ قَتَادَةُ: يَشُكُّ فِيهِ، يَقُولُ بَعْضُهُمْ: بَلْعَمُ، وَيَقُولُ بَعْضُهُمْ: أُمَيَّةُ بْنُ أَبِي الصَّلْتِ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْآيَاتِ الَّتِي كَانَ أُوتِيهَا الَّتِي قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا﴾ [الأعراف: ١٧٥] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَتِ اسْمَ اللَّهِ الْأَعْظَمِ
١٠ / ٥٧٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ لَمَّا انْقَضَتِ الْأَرْبَعُونَ سَنَةً، يَعْنِي الَّتِي قَالَ اللَّهُ فِيهَا: ﴿إِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً﴾ بُعِثَ يُوشَعُ بْنُ نُونٍ نَبِيًّا، فَدَعَا بَنِي إِسْرَائِيلَ فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ نَبِيُّ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَمَرَهُ أَنْ يُقَاتِلَ الْجَبَّارِينَ، فَبَايَعُوهُ وَصَدَّقُوهُ. وَانْطَلَقَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ يُقَالُ لَهُ بَلْعَمُ، وَكَانَ عَالِمًا يَعْلَمُ الِاسْمَ الْأَعْظَمَ الْمَكْتُومَ، فَكَفَرَ وَأَتَى الْجَبَّارِينَ، فَقَالَ: لَا تَرْهَبُوا بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَإِنِّي إِذَا خَرَجْتُمْ تُقَاتِلُونَهُمْ أَدْعُو عَلَيْهِمْ دَعْوَةً فَيَهْلِكُونَ، وَكَانَ عِنْدَهُمْ فِيمَا شَاءَ مِنَ الدُّنْيَا، غَيْرَ أَنَّهُ كَانَ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَأْتِيَ النِّسَاءَ؛ يُعَظِّمُهُنَّ، فَكَانَ يَنْكِحُ أَتَانًا لَهُ، وَهُوَ الَّذِي يَقُولُ اللَّهُ: ﴿وَاتْلُ ⦗٥٧٣⦘ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا﴾ [الأعراف: ١٧٥] أَيْ: تَنَصَّلَ فَانْسَلَخَ مِنْهَا، إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ﴾ [الأعراف: ١٧٦]»
١٠ / ٥٧٢
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا﴾ [الأعراف: ١٧٥] قَالَ: هُوَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: بَلْعَمُ، وَكَانَ يَعْلَمُ اسْمَ اللَّهِ الْأَعْظَمَ»
١٠ / ٥٧٣
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا﴾ [الأعراف: ١٧٥] قَالَ: كَانَ لَا يَسْأَلُ اللَّهَ شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلِ الْآيَاتُ الَّتِي كَانَ أُوتِيهَا كِتَابٌ مِنْ كُتُبِ اللَّهِ
١٠ / ٥٧٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا أَبُو تُمَيْلَةَ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، وَعِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ بَلْعَامُ بْنُ بَاعُرَ أُوتِيَ كِتَابًا» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ كَانَ أُوتِيَ النُّبُوَّةَ
١٠ / ٥٧٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: ثنا أَبُو سَعْدٍ، عَنْ غَيْرِهِ – قَالَ ⦗٥٧٤⦘ الْحَارِثُ: قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ يَعْنِي عَنْ غَيْرِ نَفْسِهِ – عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «هُوَ نَبِيُّ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، يَعْنِي بَلْعَمَ، أُوتِيَ النُّبُوَّةَ، فَرَشَاهُ قَوْمُهُ عَلَى أَنْ يَسْكُتَ، فَفَعَلَ وَتَرَكَهُمْ عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ»
١٠ / ٥٧٣
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْآيَةِ: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا﴾ [الأعراف: ١٧٥] فَحَدَّثَ عَنْ سَيَّارٍ «أَنَّهُ كَانَ رَجُلًا يُقَالُ لَهُ بَلْعَامُ، وَكَانَ قَدْ أُوتِيَ النُّبُوَّةَ، وَكَانَ مُجَابَ الدَّعْوَةِ» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَمَرَ نَبِيَّهُ ﷺ أَنْ يَتْلُوَ عَلَى قَوْمِهِ خَبَرَ رَجُلٍ كَانَ اللَّهُ آتَاهُ حُجَجَهُ وَأَدِلَّتَهُ، وَهِيَ الْآيَاتُ. وَقَدْ دَلَلْنَا عَلَى أَنَّ مَعْنَى الْآيَاتِ الْأَدِلَّةُ وَالْأَعْلَامُ فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ الَّذِي كَانَ اللَّهُ آتَاهُ ذَلِكَ بَلْعَمَ، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ أُمَيَّةَ، وَكَذَلِكَ الْآيَاتُ إِنْ كَانَتْ بِمَعْنَى الْحُجَّةِ الَّتِي هِيَ بَعْضُ كُتُبِ اللَّهِ الَّتِي أَنْزَلَهَا عَلَى بَعْضِ أَنْبِيَائِهِ، فَتَعَلَّمْهَا الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، وَعَنَاهُ بِهَا، فَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ الَّذِي كَانَ أُوتِيهَا بَلْعَمَ، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ أُمَيَّةَ؛ لِأَنَّ أُمَيَّةَ كَانَ فِيمَا يُقَالُ قَدْ قَرَأَ مِنْ كُتُبِ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَإِنْ كَانَتْ بِمَعْنَى كِتَابٍ أَنْزَلَهُ اللَّهُ عَلَى مَنْ أُمِرَ نَبِيُّ اللَّهِ عليه الصلاة والسلام أَنْ
١٠ / ٥٧٤
يَتْلُوَ عَلَى قَوْمِهِ نَبَأَهُ أَوْ بِمَعْنَى اسْمِ اللَّهِ الْأَعْظَمِ أَوْ بِمَعْنَى النُّبُوَّةِ، فَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ مَعْنِيًّا بِهِ أُمَيَّةَ؛ لِأَنَّ أُمَيَّةَ لَا تَخْتَلِفُ الْأُمَّةُ فِي أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ أُوتِيَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، وَلَا خَبَرَ بِأَيِّ ذَلِكَ الْمُرَادُ وَأَيُّ الرَّجُلَيْنِ الْمَعْنِيُّ يُوجِبُ الْحُجَّةَ وَلَا فِي الْعَقْلِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الْمَعْنِيَّ بِهِ مِنْ أَيٍّ. فَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ فِيهِ مَا قَالَ اللَّهُ، وَيُقَرُّ بِظَاهِرِ التَّنْزِيلِ عَلَى مَا جَاءَ بِهِ الْوَحْي مِنَ اللَّهِ
١٠ / ٥٧٥
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿فَانْسَلَخَ مِنْهَا﴾ [الأعراف: ١٧٥] فَإِنَّهُ يَعْنِي: خَرَجَ مِنَ الْآيَاتِ الَّتِي كَانَ اللَّهُ آتَاهَا إِيَّاهُ، فَتَبَرَّأَ مِنْهَا وَبِنَحْوِ ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٠ / ٥٧٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «لَمَّا نَزَلَ مُوسَى عليه السلام يَعْنِي بِالْجَبَّارِينَ وَمَنْ مَعَهُ، أَتَاهُ يَعْنِي بَلْعَمَ بَنُو عَمِّهِ وَقَوْمُهُ فَقَالُوا: إِنَّ مُوسَى رَجُلٌ حَدِيدٌ، وَمَعَهُ جُنُودٌ كَثِيرَةٌ، وَإِنَّهُ إِنْ يَظْهَرَ عَلَيْنَا يُهْلِكْنَا. فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يَرُدَّ عَنَّا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ، قَالَ: إِنِّي إِنْ دَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يَرُدَّ مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ ذَهَبَتْ دُنْيَايَ وَآخِرَتِي. فَلَمْ يَزَالُوا بِهِ حَتَّى دَعَا عَلَيْهِمْ، فَسَلَخَهُ اللَّهُ مِمَّا كَانَ عَلَيْهِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ﴾ [الأعراف: ١٧٥]»
١٠ / ٥٧٥
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ ⦗٥٧٦⦘ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «كَانَ اللَّهُ آتَاهُ آيَاتِهِ فَتَرَكَهَا»
١٠ / ٥٧٥
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «﴿فَانْسَلَخَ مِنْهَا﴾ [الأعراف: ١٧٥] قَالَ: نُزِعَ مِنْهُ الْعِلْمُ» وَقَوْلُهُ: ﴿فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ﴾ [الأعراف: ١٧٥] يَقُولُ: فَصَيَّرَهُ لِنَفْسِهِ تَابِعًا يَنْتَهِي إِلَى أَمْرِهِ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ، وَيُخَالِفُ أَمْرَ رَبِّهِ فِي مَعْصِيَةِ الشَّيْطَانِ وَطَاعَةِ الرَّحْمَنِ. وَقَوْلُهُ: ﴿فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ﴾ [الأعراف: ١٧٥] يَقُولُ: فَكَانَ مِنَ الْهَالِكِينَ لِضَلَالِهِ وَخِلَافَةِ أَمْرِ رَبِّهِ وَطَاعَةِ الشَّيْطَانِ
١٠ / ٥٧٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الأعراف: ١٧٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَا هَذَا الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا بِآيَاتِنَا الَّتِي آتَيْنَاهُ، ﴿وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ﴾ [الأعراف: ١٧٦] يَقُولُ: سَكَنَ إِلَى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْأَرْضِ وَمَالَ إِلَيْهَا، وَآثَرَ لَذَّتَهَا وَشَهَوَاتِهَا عَلَى الْآخِرَةِ، وَاتَّبَعَ هَوَاهُ، وَرَفَضَ طَاعَةَ اللَّهِ وَخَالَفَ أَمْرَهُ. وَكَانَتْ قِصَّةُ هَذَا الَّذِي وَصَفَ اللَّهُ خَبَرَهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، عَلَى اخْتِلَافٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي خَبَرِهِ وَأَمْرِهِ
١٠ / ٥٧٦
مَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا الْمُعْتَمِرُ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْآيَةِ: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا﴾ [الأعراف: ١٧٥] فَحَدَّثَ عَنْ سَيَّارٍ أَنَّهُ كَانَ رَجُلًا يُقَالُ لَهُ بَلْعَامُ، وَكَانَ قَدْ أُوتِيَ النُّبُوَّةَ، وَكَانَ مُجَابَ الدَّعْوَةِ. قَالَ: وَإِنَّ مُوسَى أَقْبَلَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ يُرِيدُ الْأَرْضَ الَّتِي فِيهَا بَلْعَامُ أَوْ قَالَ الشَّامَ قَالَ: فَرُعِبَ النَّاسُ مِنْهُ رُعْبًا شَدِيدًا، قَالَ: فَأَتَوْا بَلْعَامَ، فَقَالُوا ادْعُ
١٠ / ٥٧٦
اللَّهَ عَلَى هَذَا الرَّجُلِ وَجَيْشِهِ، قَالَ: حَتَّى أُؤَامِرَ رَبِّي أَوْ حَتَّى أُؤَامِرَ قَالَ: فَآمَرَ فِي الدُّعَاءِ عَلَيْهِمْ، فَقِيلَ لَهُ: لَا تَدْعُ عَلَيْهِمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادِي وَفِيهِمْ نَبِيُّهُمْ، قَالَ: فَقَالَ لِقَوْمِهِ: إِنِّي آمَرْتُ رَبِّي فِي الدُّعَاءِ عَلَيْهِمْ، وَإِنِّي قَدْ نُهِيتُ. قَالَ: فَأَهْدَوْا إِلَيْهِ هَدِيَّةً فَقَبِلَهَا. ثُمَّ رَاجَعُوهُ فَقَالُوا: ادْعُ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ: حَتَّى أُؤَامِرَ رَبِّي. فَآمَرَ فَلَمْ يَأْمُرْهُ بِشَيْءٍ. قَالَ: فَقَالَ: قَدْ وَامَرْتُ فَلَمْ يَأْمُرْنِي بِشَيْءٍ، فَقَالُوا: لَوْ كَرِهَ رَبُّكَ أَنْ تَدْعُوَ عَلَيْهِمْ لَنَهَاكَ كَمَا نَهَاكَ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى. قَالَ: فَأَخَذَ يَدْعُو عَلَيْهِمْ، فَإِذَا دَعَا عَلَيْهِمْ جَرَى عَلَى لِسَانِهِ الدُّعَاءُ عَلَى قَوْمِهِ، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَدْعُوَ أَنْ يُفْتَحَ لِقَوْمِهِ، دَعَا أَنْ يُفْتَحَ لِمُوسَى عليه السلام وَجَيْشِهِ أَوْ نَحْوًا مِنْ ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ. قَالَ: فَقَالُوا مَا نَرَاكَ تَدْعُو إِلَّا عَلَيْنَا. قَالَ: مَا يَجْرِي عَلَى لِسَانِي إِلَّا هَكَذَا، وَلَوْ دَعَوْتُ عَلَيْهِ مَا اسْتُجِيبَ لِي، وَلَكِنْ سَأَدُلُّكُمْ عَلَى أَمْرٍ عَسَى أَنْ يَكُونَ فِيهِ هَلَاكُهُمْ، إِنَّ اللَّهَ يَبْغَضُ الزِّنَا، وَإِنَّهُمْ إِنْ وَقَعُوا بِالزِّنَا هَلَكُوا، وَرَجَوْتُ أَنْ يُهْلِكَهُمُ اللَّهُ، فَأَخْرِجُوا النِّسَاءَ لِتَسْتَقْبِلَهُمْ وَإِنَّهُمْ قَوْمٌ مُسَافِرُونَ، فَعَسَى أَنْ يَزْنُوا فَيَهْلَكُوا. قَالَ: فَفَعَلُوا وَأَخْرَجُوا النِّسَاءَ تَسْتَقْبِلُهُمْ. قَالَ: وَكَانَ لِلْمَلِكِ ابْنَةٌ، فَذَكَرَ مِنْ عِظَمِهَا مَا اللَّهُ أَعْلَمُ بِهِ، قَالَ: فَقَالَ أَبُوهَا أَوْ بَلْعَامُ: لَا تُمَكِّنِي نَفْسَكَ إِلَّا مِنْ مُوسَى، قَالَ: وَوَقَعُوا فِي الزِّنَا. قَالَ: وَأَتَاهَا رَأْسُ سِبْطٍ مِنْ أَسْبَاطِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَأَرَادَهَا عَلَى نَفْسِهِ، قَالَ: فَقَالَتْ: مَا أَنَا بِمُمَكِّنَةٍ نَفْسِي إِلَّا مِنْ مُوسَى، قَالَ: فَقَالَ:
١٠ / ٥٧٧
إِنَّ مِنْ مَنْزِلَتِي كَذَا وَكَذَا، وَإِنَّ مِنْ حَالِي كَذَا وَكَذَا. قَالَ: فَأَرْسَلَتْ إِلَى أَبِيهَا تَسْتَأْمِرُهُ، قَالَ: فَقَالَ لَهَا: مَكِّنِيهِ، قَالَ: وَيَأْتِيهِمَا رَجُلٌ مِنْ بَنِي هَارُونَ وَمَعَهُ الرُّمْحُ فَيَطْعَنُهَمَا، قَالَ: وَأَيَّدَهُ اللَّهُ بِقُوَّةٍ فَانْتَظَمَهُمَا جَمِيعًا، وَرَفَعَهُمَا عَلَى رُمْحِهِ. قَالَ: فَرَآهُمَا النَّاسُ، أَوْ كَمَا حَدَّثَ. قَالَ: وَسَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الطَّاعُونَ، قَالَ: فَمَاتَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ أَلْفًا. قَالَ: فَقَالَ أَبُو الْمُعْتَمِرِ: فَحَدَّثَنِي سَيَّارٌ أَنَّ بَلْعَامَ رَكِبَ حِمَارَةً لَهُ، حَتَّى إِذَا أَتَى الْمُعْلَوْلِيَّ أَوْ قَالَ: طَرِيقًا مِنَ الْمُعْلَوْلِيِّ جَعَلَ يَضْرِبُهَا وَلَا تَتَقَدَّمُ. قَالَ: وَقَامَتْ عَلَيْهِ، فَقَالَتْ: عَلَامَ تَضْرِبُنِي؟ أَمَا تَرَى هَذَا الَّذِي بَيْنَ يَدَيْكَ؟ قَالَ: فَإِذَا الشَّيْطَانُ بَيْنَ يَدَيْهِ، قَالَ: فَنَزَلَ فَسَجَدَ لَهُ. قَالَ اللَّهُ: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ﴾ [الأعراف: ١٧٥] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الأعراف: ١٧٦] قَالَ: فَحَدَّثَنِي بِهَذَا سَيَّارٌ، وَلَا أَدْرِي لَعَلَّهُ قَدْ دَخَلَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ حَدِيثِ غَيْرِهِ “
١٠ / ٥٧٨
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا الْمُعْتَمِرُ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: فَبَلَغَنِي حَدِيثُ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ يُحَدِّثُ «أَنَّ مُوسَى سَأَلَ اللَّهَ أَنْ يَطْبَعَهُ وَأَنْ يَجْعَلَهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ. قَالَ: فَفَعَلَ اللَّهُ. قَالَ: أُنْبِئْتُ أَنَّ مُوسَى قَتَلَهُ بَعْدُ»
١٠ / ٥٧٨
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ سَالِمٍ أَبِي النَّضْرِ، أَنَّهُ حَدَّثَ: “أَنَّ مُوسَى لَمَّا نَزَلَ فِي أَرْضِ بَنِي كَنْعَانَ مِنْ أَرْضِ الشَّامِ أَتَى قَوْمُ بَلْعَمَ إِلَى بَلْعَمَ، فَقَالُوا لَهُ: يَا بَلْعَمُ إِنَّ هَذَا مُوسَى بْنَ عِمْرَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ جَاءَ يُخْرِجُنَا مِنْ بِلَادِنَا وَيَقْتُلُنَا وَيُحِلُّهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَيَسْكُنُهَا، وَإِنَّا قَوْمُكَ، وَلَيْسَ لَنَا مَنْزِلٌ، وَأَنْتَ رَجُلٌ مُجَابُ الدَّعْوَةِ، فَاخْرُجْ وَادْعُ اللَّهَ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ: وَيْلَكُمْ نَبِيُّ اللَّهِ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ وَالْمُؤْمِنُونَ، كَيْفَ أَذْهَبُ أَدْعُو عَلَيْهِمْ وَأَنَا أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا أَعْلَمُ؟ قَالُوا: مَا لَنَا مِنْ مَنْزِلٍ. فَلَمْ يَزَالُوا بِهِ يَرْفَعُونَهُ وَيَتَضَرَّعُونَ إِلَيْهِ حَتَّى فَتَنُوهُ فَافْتُتِنَ. فَرَكِبَ حِمَارَةً لَهُ مُتَوَجِّهًا إِلَى الْجَبَلِ الَّذِي يُطْلِعُهُ عَلَى عَسْكَرِ بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَهُوَ جَبَلُ حَسَّانَ، فَلَمَّا سَارَ عَلَيْهَا غَيْرَ كَثِيرٍ رَبَضَتْ بِهِ، فَنَزَلَ عَنْهَا، فَضَرَبَهَا، حَتَّى إِذَا أَذْلَقَهَا قَامَتْ فَرَكِبَهَا فَلَمْ تَسِرْ بِهِ كَثِيرًا حَتَّى رَبَضَتْ بِهِ. فَفَعَلَ بِهَا مِثْلَ ذَلِكَ، فَقَامَتْ فَرَكِبَهَا فَلَمْ تَسِرْ بِهِ كَثِيرًا حَتَّى رَبَضَتْ بِهِ. فَضَرَبَهَا حَتَّى إِذَا أَذْلَقَهَا أَذِنَ اللَّهُ لَهَا، فَكَلَّمَتْهُ حُجَّةً عَلَيْهِ، قَالَتْ: وَيْحَكَ يَا بَلْعَمُ أَيْنَ تَذْهَبُ؟ أَمَا تَرَى الْمَلَائِكَةَ تَرُدُّنِي عَنْ وَجْهِيَ هَذَا؟ أَتَذْهَبُ إِلَى نَبِيِّ اللَّهِ وَالْمُؤْمِنِينَ تَدْعُو عَلَيْهِمْ، فَلَمْ يَنْزِعْ عَنْهَا فَضَرَبَهَا فَخَلَّى اللَّهُ سَبِيلَهَا حِينَ فَعَلَ بِهَا ذَلِكَ. قَالَ: فَانْطَلَقْتُ بِهِ حَتَّى إِذَا
١٠ / ٥٧٩
أَشْرَفَتْ عَلَى رَأْسِ جَبَلِ حَسَّانَ عَلَى عَسْكَرِ مُوسَى وَبَنِي إِسْرَائِيلَ جَعَلَ يَدْعُو عَلَيْهِمْ وَلَا يَدْعُو عَلَيْهِمْ بِشَرٍّ إِلَّا صُرِفَ بِهِ لِسَانُهُ إِلَى قَوْمِهِ. وَلَا يَدْعُو لِقَوْمِهِ بِخَيْرٍ إِلَّا صُرِفَ لِسَانُهُ إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ. قَالَ: فَقَالَ لَهُ قَوْمُهُ: أَتَدْرِي يَا بَلْعَمُ مَا تَصْنَعُ؟ إِنَّمَا تَدْعُو لَهُمْ وَتَدْعُو عَلَيْنَا، قَالَ: فَهَذَا مَا لَا أَمْلِكُ، هَذَا شَيْءٌ قَدْ غَلَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ. قَالَ: وَانْدَلَعَ لِسَانُهُ فَوَقَعَ عَلَى صَدْرِهِ، فَقَالَ لَهُمْ: قَدْ ذَهَبَتْ مِنِّي الْآنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ، فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا الْمَكْرُ وَالْحَيْلَةُ، فَسَأَمْكُرُ لَكُمْ وَأَحْتَالُ، جَمِّلُوا النِّسَاءَ وَأَعْطُوهُنَّ السِّلَعَ، ثُمَّ أَرْسِلُوهُنَّ إِلَى الْعَسْكَرِ يَبِعْنَها فِيهِ، وَمُرُوهُنَّ فَلَا تَمْنَعُ امْرَأَةٌ نَفْسَهَا مِنْ رَجُلٍ أَرَادَهَا، فَإِنَّهُمْ إِنْ زَنَى مِنْهُمْ وَاحِدٌ كُفِيتُمُوهُمْ، فَفَعَلُوا، فَلَمَّا دَخَلَ النِّسَاءُ الْعَسْكَرَ مَرَّتِ امْرَأَةٌ مِنَ الْكَنْعَانِيِّينَ اسْمُهَا كستى ابْنَةُ صُورٍ رَأْسُ أُمَّتِهِ بِرَجُلٍ مِنْ عُظَمَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَهُوَ زمري بْنُ شَلُومٍ رَأْسُ سِبْطِ شَمْعُونَ بْنِ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، فَقَامَ إِلَيْهَا فَأَخَذَ بِيَدِهَا حِينَ أَعْجَبَهُ جَمَالَهَا، ثُمَّ أَقْبَلَ بِهَا حَتَّى وَقَفَ بِهَا عَلَى مُوسَى عليه السلام فَقَالَ: إِنِّي أَظُنُّكَ سَتَقُولُ هَذِهِ حَرَامٌ عَلَيْكَ؟ فَقَالَ: أَجَلْ هِيَ حَرَامٌ عَلَيْكَ لَا تَقْرَبْهَا، قَالَ: فَوَاللَّهِ لَا أُطِيعُكَ فِي هَذَا، فَدَخَلَ بِهَا قُبَّتَهُ فَوَقَعَ عَلَيْهَا. وَأَرْسَلَ اللَّهُ الطَّاعُونَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَكَانَ فنحاص بْنُ الْعَيْزَارِ بْنِ هَارُونَ صَاحِبَ أَمْرِ مُوسَى، وَكَانَ رَجُلًا قَدْ أُعْطِيَ بَسْطَةً فِي الْخَلْقِ وَقُوَّةً فِي الْبَطْشِ، وَكَانَ غَائِبًا حِينَ صَنَعَ زمري بْنُ شَلُومٍ مَا صَنَعَ. فَجَاءَ وَالطَّاعُونُ يَجُوسُ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَأُخْبِرَ الْخَبَرَ،
١٠ / ٥٨٠
فَأَخَذَ حَرْبَتَهُ. وَكَانَتْ مِنْ حَدِيدٍ كُلُّهَا، ثُمَّ دَخَلَ عَلَيْهِ الْقُبَّةَ وَهُمَا مُتَضَاجِعَانِ، فَانْتَظَمَهُمَا بِحَرْبَتِهِ، ثُمَّ خَرَجَ بِهِمَا رَافِعَهَمَا إِلَى السَّمَاءِ، وَالْحَرْبَةُ قَدْ أَخَذَهَا بَذِرَاعِهِ، وَاعْتَمَدَ بِمِرْفَقِهِ عَلَى خَاصِرَتِهِ، وَأَسْنَدَ الْحَرْبَةَ إِلَى لَحْيَيْهِ، وَكَانَ بِكْرَ الْعَيْزَارِ، وَجَعَلَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ هَكَذَا نَفْعَلُ بِمَنْ يَعْصِيكَ، وَرُفِعَ الطَّاعُونُ، فَحُسِبَ مَنْ هَلَكَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الطَّاعُونِ، فِيمَا بَيْنَ أَنْ أَصَابَ زمري الْمَرْأَةَ إِلَى أَنْ قَتَلَهُ فِنْحَاصٌ، فَوَجَدُوا قَدْ هَلَكَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ أَلْفًا، وَالْمُقَلِّلُ يَقُولُ: عِشْرُونَ أَلْفًا فِي سَاعَةٍ مِنَ النَّهَارِ. فَمِنْ هُنَالِكَ يُعْطِي بَنُو إِسْرَائِيلَ وَلَدَ فِنْحَاصَ بْنِ الْعَيْزَارِ بْنِ هَارُونَ مِنْ كُلِّ ذَبِيحَةٍ ذَبَحُوهَا الْفِشَّةَ وَالذِّرَاعَ وَاللَّحْيِ؛ لِاعْتِمَادِهِ بِالْحَرْبَةِ عَلَى خَاصِرَتِهِ وَأَخْذِهِ إِيَّاهَا بِذِرَاعِهِ وَإِسْنَادِهِ إِيَّاهَا إِلَى لَحْيَيْهِ، وَالْبِكْرَ مِنْ كُلِّ أَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ؛ لِأَنَّهُ كَانَ بِكْرَ الْعَيْزَارِ. فَفِي بَلْعَمَ بْنِ بَاعُورَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ ﷺ: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا﴾ [الأعراف: ١٧٥] يَعْنِي بَلْعَمَ ﴿فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ﴾ [الأعراف: ١٧٥] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الأعراف: ١٧٦] “
١٠ / ٥٨١
حَدَّثَنِي مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: «انْطَلَقَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ يُقَالُ لَهُ بَلْعَمُ، فَأَتَى الْجَبَّارِينَ، فَقَالَ: لَا تَرْهَبُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَإِنِّي إِذَا خَرَجْتُمْ تُقَاتِلُونَهُمْ أَدْعُو عَلَيْهِمْ، فَخَرَجَ يُوشَعُ يُقَاتِلُ الْجَبَّارِينَ فِي النَّاسِ. وَخَرَجَ بَلْعَمُ مَعَ الْجَبَّارِينَ عَلَى أَتَانِهِ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَلْعَنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَكُلَّمَا أَرَادَ أَنْ يَدْعُوَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ دَعَا عَلَى الْجَبَّارِينَ، فَقَالَ الْجَبَّارُونَ: إِنَّكَ إِنَّمَا تَدْعُو عَلَيْنَا، فَيَقُولُ: إِنَّمَا أَرَدْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ. فَلَمَّا بَلَغَ بَابَ الْمَدِينَةِ أَخَذَ مَلَكٌ بِذَنَبِ الْأَتَانِ، ⦗٥٨٢⦘ فَأَمْسَكَهَا، فَجَعَلَ يُحَرِّكُهَا فَلَا تَتَحَرَّكُ، فَلَمَّا أَكْثَرَ ضَرْبَهَا تَكَلَّمَتْ فَقَالَتْ: أَنْتَ تَنْكَحُنِي بِاللَّيْلِ وَتَرْكَبُنِي بِالنَّهَارِ؟ وَيْلِي مِنْكَ وَلَوْ أَنِّي أَطَقْتُ الْخُرُوجَ لَخَرَجْتُ، وَلَكِنْ هَذَا الْمَلَكُ يَحْبِسُنِي. وَفِي بَلْعَمَ يَقُولُ اللَّهُ: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا﴾ [الأعراف: ١٧٥] الْآيَةَ»
١٠ / ٥٨١
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: ثني رَجُلٌ سَمِعَ عِكْرِمَةَ، يَقُولُ: «قَالَتِ امْرَأَةٌ مِنْهُمْ: أَرُونِي مُوسَى، فَأَنَا أَفْتِنُهُ، قَالَ: فَتَطَيَّبَتْ، فَمَرَّتْ عَلَى رَجُلٍ يُشْبِهُ مُوسَى، فَوَاقَعَهَا، فَأَتَى ابْنُ هَارُونَ فَأُخْبِرَ، فَأَخَذَ سَيْفًا، فَطَعَنَ بِهِ فِي إِحْلِيلِهِ حَتَّى أَخْرَجَهُ مِنْ قُبُلِهَا، ثُمَّ رَفَعَهُمَا حَتَّى رَآهُمَا النَّاسُ، فَعُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ مُوسَى، فَفُضِّلَ آلُ هَارُونَ فِي الْقُرْبَانِ عَلَى آلِ مُوسَى بِالْكَتِفِ وَالْعَضُدِ وَالْفَخِذِ، قَالَ: فَهُوَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا، يَعْنِي بَلْعَمَ» وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: ﴿وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا﴾ [الأعراف: ١٧٦] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: لَرَفَعْنَاهُ بِعِلْمِهِ بِهَا
١٠ / ٥٨٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «﴿وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا﴾ [الأعراف: ١٧٦] لَرَفَعَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِعِلْمِهِ» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَاهُ لَرَفَعْنَا عَنْهُ الْحَالَ الَّتِي صَارَ إِلَيْهَا مِنَ الْكُفْرِ بِاللَّهِ بِآيَاتِنَا
١٠ / ٥٨٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: «﴿وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا﴾ [الأعراف: ١٧٦] لَرَفَعْنَا عَنْهُ بِهَا»
١٠ / ٥٨٣
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا﴾ [الأعراف: ١٧٦] لَرَفَعْنَاهُ عَنْهُ» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَمَّ الْخَبَرَ بِقَوْلِهِ: ﴿وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا﴾ [الأعراف: ١٧٦] إِنَّهُ لَوْ شَاءَ رَفَعَهُ بِآيَاتِهِ الَّتِي آتَاهُ إِيَّاهَا. وَالرَّفْعُ يَعُمَّ مَعَانِيَ كَثِيرَةً، مِنْهَا الرَّفْعُ فِي الْمَنْزِلَةِ عِنْدَهُ، وَمِنْهَا الرَّفْعُ فِي شَرَفِ الدُّنْيَا وَمَكَارِمِهَا. وَمِنْهَا الرَّفْعُ فِي الذِّكْرِ الْجَمِيلِ وَالثَّنَاءِ الرَّفِيعِ. وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ عَنَى كُلَّ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ شَاءَ لَرَفَعَهُ، فَأَعْطَاهُ كُلَّ ذَلِكَ بِتَوْفِيقِهِ لِلْعَمَلِ بِآيَاتِهِ الَّتِي كَانَ آتَاهَا إِيَّاهُ. وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا، فَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِيهِ أَنْ لَا يُخَصَّ مِنْهُ شَيْءٌ؛ إِذْ كَانَ لَا دَلَالَةَ عَلَى خُصُوصِهِ مِنْ خَبَرٍ وَلَا عَقْلٍ
١٠ / ٥٨٣
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿بِهَا﴾ [البقرة: ٩٩] فَإِنَّ ابْنَ زَيْدٍ قَالَ فِي ذَلِكَ كَالَّذِي قُلْنَا
١٠ / ٥٨٣
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا﴾ [الأعراف: ١٧٦] بِتِلْكَ الْآيَاتِ»
١٠ / ٥٨٣
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ﴾ [الأعراف: ١٧٦] فَإِنَّ أَهْلَ التَّأْوِيلِ قَالُوا فِيهِ نَحْوَ قَوْلِنَا فِيهِ
١٠ / ٥٨٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: «﴿وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ﴾ [الأعراف: ١٧٦] يَعْنِي: رَكَنَ إِلَى الْأَرْضِ»
١٠ / ٥٨٤
قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: «﴿وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ﴾ [الأعراف: ١٧٦] قَالَ: نَزَعَ إِلَى الْأَرْضِ»
١٠ / ٥٨٤
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «أَخْلَدَ: سَكَنَ»
١٠ / ٥٨٤
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا أَبُو تُمَيْلَةَ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، وَعِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ بَلْعَامُ بْنُ بَاعُرَ أُوتِيَ كِتَابًا، فَأَخْلَدَ إِلَى شَهَوَاتِ الْأَرْضِ وَلَذَّتِهَا وَأَمْوَالِهَا، لَمْ يَنْتَفِعْ بِمَا جَاءَ بِهِ الْكِتَابُ»
١٠ / ٥٨٤
حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: «﴿وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ﴾ [الأعراف: ١٧٦] أَمَّا أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ: فَاتَّبَعَ الدُّنْيَا، وَرَكَنَ إِلَيْهَا» ⦗٥٨٥⦘ وَأَصْلُ الْإِخْلَادِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ: الْإِبْطَاءُ وَالْإِقَامَةُ، يُقَالُ مِنْهُ: أَخْلَدَ فُلَانٌ بِالْمَكَانِ إِذَا أَقَامَ بِهِ وَأَخْلَدَ نَفْسَهُ إِلَى الْمَكَانِ إِذَا أَتَاهُ مِنْ مَكَانٍ آخَرَ وَمِنْهُ قَوْلُ زُهَيْرٍ:
[البحر الكامل]
لِمَنِ الدِّيَارُ غَشَيْتُهَا بِالْغَرْقَدِ … كَالْوَحْيِ فِي حَجَرِ الْمَسِيلِ الْمُخْلِدِ
يَعْنِي الْمُقِيمَ، وَمِنْهُ قَوْلُ مَالِكِ بْنِ نُوَيْرَةَ:
[البحر الطويل]
بِأَبْنَاءِ حَيٍّ مِنْ قَبَائِلِ مَالِكٍ … وَعَمْرِو بْنِ يَرْبُوعٍ أَقَامُوا فَأَخْلَدُوا
وَكَانَ بَعْضُ الْبَصْرِيِّينَ يَقُولُ: مَعْنَى قَوْلِهِ: أَخْلَدَ: لَزِمَ وَتَقَاعَسَ وَأَبْطَأَ، وَالْمُخْلِدُ أَيْضًا: هُوَ الَّذِي يُبْطِئُ شَيْبُهُ مِنَ الرِّجَالِ، وَهُوَ مِنَ الدَّوَابِّ الَّذِي تَبْقَى ثَنَايَاهُ حَتَّى تَخْرُجَ رَبَاعِيَتَاهُ
١٠ / ٥٨٤
وَأَمَّا قَوْلُهُ ﴿وَاتَّبَعَ هَوَاهُ﴾ [الأعراف: ١٧٦] فَإِنَّ ابْنَ زَيْدٍ قَالَ فِي تَأْوِيلِهِ
١٠ / ٥٨٥
مَا حَدَّثَنِي بِهِ يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَاتَّبَعَ هَوَاهُ﴾ [الأعراف: ١٧٦] قَالَ: كَانَ هَوَاهُ مَعَ الْقَوْمِ»
١٠ / ٥٨٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ ⦗٥٨٦⦘ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ﴾ [الأعراف: ١٧٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَمَثَلُ هَذَا الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا، مَثَلُ الْكَلْبِ الَّذِي يَلْهَثُ، طَرَدْتَهُ أَوْ تَرَكْتَهُ. ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي السَّبَبِ الَّذِي مِنْ أَجَلِهِ جَعَلَ اللَّهُ مَثَلَهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَثَلَهُ بِهِ فِي اللَّهَثِ لِتَرْكِهِ الْعَمَلَ بِكِتَابِ اللَّهِ وآيَاتِهِ الَّتِي آتَاهَا إِيَّاهُ وَإِعْرَاضِهِ عَنْ مواعظِ اللَّهِ الَّتِي فِيهَا إِعْرَاضُ مَنْ لَمْ يُؤْتِهِ اللَّهُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِيهِ: إِذَا كَانَ سَوَاءً أَمْرُهُ، وُعِظَ بِآيَاتِ اللَّهِ الَّتِي آتَاهَا إِيَّاهُ، أَوْ لَمْ يُوعَظْ فِي أَنَّهُ لَا يَتَّعِظُ بِهَا، وَلَا يَتْرُكُ الْكُفْرَ بِهِ، فَمَثَلُهُ مَثَلُ الْكَلْبِ الَّذِي سَوَاءٌ أَمْرُهُ فِي لَهَثِهِ، طُرِدَ أَوْ لَمْ يُطْرَدْ؛ إِذْ كَانَ لَا يَتْرُكُ اللَّهَثَ بِحَالٍ
١٠ / ٥٨٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ﴾ [الأعراف: ١٧٦] قَالَ: تَطْرُدُهُ، هُوَ مَثَلُ الَّذِي يَقْرَأُ الْكِتَابَ وَلَا يَعْمَلُ بِهِ»
١٠ / ٥٨٦
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ مُجَاهِدٌ: «﴿فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ﴾ [الأعراف: ١٧٦] قَالَ: تَطْرُدْهُ بِدَابَّتِكَ وَرِجْلِكَ يَلْهَثْ، قَالَ: مَثَلُ الَّذِي يَقْرَأُ الْكِتَابَ وَلَا يَعْمَلُ بِمَا فِيهِ» قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: الْكَلْبُ مُنْقَطِعُ الْفُؤَادِ، لَا فُؤَادَ لَهُ، إِنْ حَمَلْتَ عَلَيْهِ يَلْهَثْ، أَوْ تَتْرُكْهُ ⦗٥٨٧⦘ يَلْهَثْ. قَالَ: مَثَلُ الَّذِي يَتْرُكَ الْهُدَى لَا فُؤَادَ لَهُ، إِنَّمَا فُؤَادُهُ مُنْقَطِعٌ
١٠ / ٥٨٦
حَدَّثَنِي ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ تَوْبَةَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ بَعْضِهِمْ: «﴿فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ﴾ [الأعراف: ١٧٦] فَذَلِكَ هُوَ الْكَافِرُ، هُوَ ضَالٌّ إِنْ وَعَظْتَهُ وَإِنْ لَمْ تَعِظْهُ»
١٠ / ٥٨٧
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿فَمَثَلَهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ﴾ [الأعراف: ١٧٦] الْحِكْمَةُ لَمْ يَحْمِلْهَا، وَإِنْ تُرِكَ لَمْ يَهْتَدِ لَخَيْرٍ، كَالْكَلْبِ إِنْ كَانَ رَابِضًا لَهِثَ وَإِنْ طُرِدَ لَهِثَ»
١٠ / ٥٨٧
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «آتَاهُ اللَّهُ آيَاتِهِ فَتَرَكَهَا، فَجَعَلَ اللَّهُ مَثَلَهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ، إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ، أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ»
١٠ / ٥٨٧
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ﴾ [الأعراف: ١٧٥] الْآيَةَ، هَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِمَنْ عُرِضَ عَلَيْهِ الْهُدَى، فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهُ وَتَرَكَهُ. قَالَ: وَكَانَ الْحَسَنُ يَقُولُ. هُوَ الْمُنَافِقُ. ﴿وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ﴾ [الأعراف: ١٧٦] قَالَ: هَذَا مَثَلُ الْكَافِرِ ⦗٥٨٨⦘ مَيِّتُ الْفُؤَادِ» وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّمَا مَثَّلَهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِالْكَلْبِ لِأَنَّهُ كَانَ يَلْهَثُ كَمَا يَلْهَثُ الْكَلْبُ
١٠ / ٥٨٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: «﴿فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ﴾ [الأعراف: ١٧٦] وَكَانَ بَلْعَمُ يَلْهَثُ كَمَا يَلْهَثُ الْكَلْبُ. وَأَمَّا تَحْمِلْ عَلَيْهِ: فَتَشُدُّ عَلَيْهِ» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ تَأْوِيلُ مَنْ قَالَ: إِنَّمَا هُوَ مَثَلٌ لِتَرْكِهِ الْعَمَلَ بِآيَاتِ اللَّهِ الَّتِي آتَاهَا إِيَّاهُ، وَأَنَّ مَعْنَاهُ: سَوَاءٌ وُعِظَ أَوْ لَمْ يُوعَظْ فِي أَنَّهُ لَا يَتْرُكُ مَا هُوَ عَلَيْهِ مِنْ خِلَافِهِ أَمْرَ رَبِّهِ، كَمَا سَوَاءٌ حُمِلَ عَلَى الْكَلْبِ وَطُرِدَ أَوْ تُرِكَ فَلَمْ يُطْرَدْ فِي أَنَّهُ لَا يَدَعُ اللَّهَثَ فِي كِلْتَا حَالَتَيْهِ. وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى الْقَوْلَيْنِ بِالصَّوَابِ؛ لِدَلَالَةِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا﴾ [الأعراف: ١٧٦] فَجَعَلَ ذَلِكَ مَثَلَ الْمُكَذِّبِينَ بِآيَاتِهِ. وَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ اللِّهَاثَ لَيْسَ فِي خِلْقَةِ كُلِّ مُكَذِّبٍ كُتِبَ عَلَيْهِ تَرْكُ الْإِنَابَةِ مِنْ تَكْذِيبٍ بِآيَاتِ اللَّهِ، وَأَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لَهُمْ، فَكَانَ مَعْلُومًا بِذَلِكَ أَنَّهُ لِلَّذِي وَصَفَ اللَّهُ صِفَتَهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، كَمَا هُوَ لِسَائِرِ الْمُكَذِّبِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ مَثَلٌ
١٠ / ٥٨٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الأعراف: ١٧٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: هَذَا الْمَثَلُ الَّذِي ضَرَبْتُهُ لِهَذَا الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا ⦗٥٨٩⦘ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِحُجَجِنَا وَأَعْلَامِنَا وَأَدِلَّتِنَا، فَسَلَكُوا فِي ذَلِكَ سَبِيلَ هَذَا الْمُنْسَلِخِ مِنْ آيَاتِنَا الَّذِي آتَيْنَاهَا إِيَّاهُ فِي تَرْكِهِ الْعَمَلَ بِمَا آتَيْنَاهُ مِنْ ذَلِكَ
١٠ / ٥٨٨
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿فَاقْصُصِ الْقَصَصَ﴾ [الأعراف: ١٧٦] فَإِنَّهُ يَقُولُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: فَاقْصُصْ يَا مُحَمَّدُ هَذَا الْقَصَصَ، الَّذِي قَصَصْتُهُ عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا، وَأَخْبَارِ الْأُمَمِ الَّتِي أَخْبَرْتُكَ أَخْبَارَهُمْ فِي هَذِهِ السُّورَةِ وَقَصَصْتُ عَلَيْكَ نَبَّأَهُمْ وَنَبَأَ أَشْبَاهِهِمْ، وَمَا حَلَّ بِهِمْ مِنْ عُقُوبَتِنَا وَنَزَلَ بِهِمْ، حِينَ كَذَّبُوا رُسُلَنَا مِنْ نِقْمَتِنَا عَلَى قَوْمِكَ مِنْ قُرَيْشٍ وَمَنْ قَبْلَكَ مِنْ يَهُودِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، لِيَتَفَكَّرُوا فِي ذَلِكَ فَيَعْتَبِرُوا وَيُنِيبُوا إِلَى طَاعَتِنَا، لِئَلَّا يَحِلَّ بِهِمْ مِثْلُ الَّذِي حَلَّ بِمَنْ قَبْلَهُمْ مِنَ النِّقَمِ وَالْمَثُلَاتِ، وَيَتَدَبَّرَهُ الْيَهُودُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَيَعْلَمُوا حَقِيقَةَ أَمْرِكَ وَصِحَّةَ نُبُوَّتِكَ؛ إِذْ كَانَ نَبَأُ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا مِنْ خَفِيِّ عُلُومِهِمْ وَمَكْنُونِ أَخْبَارِهِمْ لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا أَحْبَارُهُمْ وَمَنْ قَرَأَ الْكُتُبَ وَدَرَسَهَا مِنْهُمْ، وَفِي عِلْمِكَ بِذَلِكَ وَأَنْتَ أُمِّيُّ لَا تَكْتَبُ وَلَا تَقْرَأُ وَلَا تَدْرُسُ الْكُتُبَ وَلَمْ تُجَالِسْ أَهْلَ الْعِلْمِ الْحُجَّةُ الْبَيِّنَةُ لَكَ عَلَيْهِمْ بِأَنَّكَ لِلَّهِ رَسُولٌ، وَأَنَّكَ لَمْ تَعْلَمْ مَا عَلِمْتَ مِنْ ذَلِكَ، وَحَالُكَ الْحَالُ الَّتِي أَنْتَ بِهَا إِلَّا بِوَحْي مِنَ السَّمَاءِ
١٠ / ٥٨٩
وَبِنَحْوِ ذَلِكَ كَانَ أَبُو النَّضْرِ يَقُولُ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ سَالِمٍ أَبِي النَّضْرِ: «﴿فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الأعراف: ١٧٦] يَعْنِي: بَنِي إِسْرَائِيلَ، إِذْ قَدْ جِئْتَهُمْ بِخَبَرِ مَا كَانَ فِيهِمْ مِمَّا يُخْفُونَ عَلَيْكَ، لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ، فَيَعْرِفُونَ أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِهَذَا الْخَبَرِ عَمَّا مَضَى فِيهِمْ إِلَّا نَبِيُّ يَأْتِيهِ خَبَرُ السَّمَاءِ»
١٠ / ٥٨٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿سَاءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَأَنْفُسَهُمْ كَانُوا ⦗٥٩٠⦘ يَظْلِمُونَ﴾ [الأعراف: ١٧٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: سَاءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِحُجَجِ اللَّهِ وَأَدِلَّتِهِ فَجَحَدُوهَا، وَأَنْفُسَهُمْ كَانُوا يَنْقُصُونَ حُظُوظَهَا، وَيَبْخَسُونَهَا مَنَافِعَهَا بِتِكْذِيبِهِمْ بِهَا لَا غَيْرِهَا. وَقِيلَ: سَاءَ مَثَلًا مِنَ الشَّرِّ، بِمَعْنَى: بِئْسَ مَثَلًا. وَأُقِيمَ الْقَوْمُ مَقَامَ الْمَثَلِ، وَحُذِفَ الْمَثَلُ؛ إِذْ كَانَ الْكَلَامُ مَفْهُومًا مَعْنَاهُ، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ﴾ [البقرة: ١٧٧] فَإِنَّ مَعْنَاهُ: وَلَكِنَّ الْبِرَّ بِرُّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ. وَقَدْ بَيَّنَّا نَظَائِرَ ذَلِكَ فِي مَوَاضِعَ غَيْرِ هَذَا بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ
١٠ / ٥٨٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: الْهِدَايَةُ وَالْإِضْلَالُ بِيَدِ اللَّهِ وَالْمُهْتَدِي وَهُوَ السَّالِكُ سَبِيلَ الْحَقِّ الرَّاكِبُ قَصْدَ الْمَحَجَّةِ فِي دِينِهِ مَنْ هَدَاهُ اللَّهُ لِذَلِكَ، فَوَفَّقَهُ لِإِصَابَتِهِ. وَالضَّالُّ مَنْ خَذَلَهُ اللَّهُ فَلَمْ يُوَفِّقْهُ لِطَاعَتِهِ، وَمَنْ فَعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ بِهِ فَهُوَ الْخَاسِرُ: يَعْنِي الْهَالِكَ. وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْخَسَارَةِ وَالْهِدَايَةِ وَالضَّلَالَةِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ
١٠ / ٥٩٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالأنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ﴾ [الأعراف: ١٧٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَقَدْ خَلَقْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ، يُقَالُ مِنْهُ: ذَرَأَ اللَّهُ خَلْقَهُ يَذْرَؤُهُمْ ذَرْءًا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٠ / ٥٩١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ الْأَزْدِيُّ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ، عَنْ مُبَارَكِ بْنِ فَضَالَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ﴾ [الأعراف: ١٧٩] قَالَ: مِمَّا خَلَقْنَا»
١٠ / ٥٩١
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ مُبَارَكٍ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ﴾ [الأعراف: ١٧٩] قَالَ: خَلَقْنَا»
١٠ / ٥٩١
قَالَ: ثنا زَكَرِيَّا، عَنْ عَتَّابِ بْنِ بَشِيرٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ بَذِيمَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: «أَوْلَادُ الزِّنَا مِمَّا ذَرَأَ اللَّهُ لِجَهَنَّمَ»
١٠ / ٥٩١
قَالَ: ثنا زَكَرِيَّا بْنُ عَدِيٍّ، وَعُثْمَانُ الْأَحْوَلُ، عَنْ مَرْوَانَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْحَسَنِ ⦗٥٩٢⦘ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ جَلِيسٍ لَهُ بِالطَّائِفِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ لَمَّا ذَرَأَ لِجَهَنَّمَ مَا ذَرَأَ، كَانَ وَلَدُ الزِّنَا مِمَّنَ ذَرَأَ لِجَهَنَّمَ»
١٠ / ٥٩١
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: «﴿وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ﴾ [الأعراف: ١٧٩] يَقُولُ: خَلَقْنَا»
١٠ / ٥٩٢
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: ثنا أَبُو سَعْدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ مُجَاهِدًا، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: «﴿وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ﴾ [الأعراف: ١٧٩] قَالَ: لَقَدْ خَلَقْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ»
١٠ / ٥٩٢
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «﴿وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ﴾ [الأعراف: ١٧٩] خَلَقْنَا» وَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ﴾ [الأعراف: ١٧٩] لِنَفَاذِ عِلْمِهِ فِيهِمْ بِأَنَّهُمْ يَصِيرُونَ إِلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ بِرَبِّهِمْ
١٠ / ٥٩٢
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا﴾ [الأعراف: ١٧٩] فَإِنَّ مَعْنَاهُ: لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ ذَرَأَهُمُ اللَّهُ لِجَهَنَّمَ مِنْ خَلْقِهِ قُلُوبٌ لَا يَتَفَكَّرُونَ بِهَا فِي آيَاتِ اللَّهِ، وَلَا يَتَدَبَّرُونَ بِهَا أَدِلَّتَهُ عَلَى وَحْدَانِيَّتِهِ، وَلَا يَعْتَبِرُونَ بِهَا حُجَجَهُ لِرُسُلِهِ، فَيَعْلَمُوا تَوْحِيدَ رَبِّهِمْ، وَيَعْرَفُوا حَقِيقَةَ
١٠ / ٥٩٢
نُبُوَّةِ أَنْبِيَائِهِمْ، فَوَصَفَهُمْ رَبُّنَا جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِأَنَّهُمْ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا؛ لِإِعْرَاضِهِمْ عَنِ الْحَقِّ وَتَرْكِهِمْ تَدَبُّرَ صِحَّةِ الرُّشْدِ وَبُطُولِ الْكُفْرِ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا﴾ [الأعراف: ١٧٩] مَعْنَاهُ: وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يَنْظُرُونَ بِهَا إِلَى آيَاتِ اللَّهِ وَأَدِلَّتِهِ، فَيَتَأَمَّلُوهَا وَيَتَفَكَّرُوا فِيهَا، فَيَعْلَمُوا بِهَا صِحَّةَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ رُسُلُهُمْ، وَفَسَادَ مَا هُمْ عَلَيْهِ مُقِيمُونَ مِنَ الشِّرْكِ بِاللَّهِ وَتَكْذِيبِ رُسُلِهِ، فَوَصَفَهُمُ اللَّهُ بِتَرْكِهِمْ إِعْمَالَهَا فِي الْحَقِّ بِأَنَّهُمْ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا﴾ [الأعراف: ١٧٩] آيَاتِ كِتَابِ اللَّهِ فَيَعْتَبِرُوهَا وَيَتَفَكَّرُوا فِيهَا، وَلَكِنَّهُمْ يُعْرَضُونَ عَنْهَا، وَيَقُولُونَ: ﴿لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ﴾ [فصلت: ٢٦] وَذَلِكَ نَظِيرُ وَصْفِ اللَّهِ إِيَّاهُمْ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ بِقَوْلِهِ: ﴿صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ﴾ [البقرة: ١٧١] وَالْعَرَبُ تَقُولُ ذَلِكَ لِلتَّارِكِ اسْتِعْمَالَ بَعْضِ جَوَارِحِهِ فِيمَا يَصْلُحُ لَهُ، وَمِنْهُ قَوْلُ مِسْكِينٍ الدَّارِمِيِّ:
[البحر الكامل]
أَعْمَى إِذَا مَا جَارَتِي خَرَجَتْ … حَتَّى يُوَارِيَ جَارَتِي السِّتْرُ
وَأَصَمُّ عَمَّا كَانَ بَيْنَهُمَا … سَمْعِي وَمَا بِالسَّمْعِ مِنْ وَقْرِ
فَوَصَفَ نَفْسَهُ لِتَرْكِهِ النَّظَرَ وَالِاسْتِمَاعَ بِالْعَمَى وَالصَّمَمِ. وَمِنْهُ قَوْلُ الْآخَرِ:
[البحر الوافر]
١٠ / ٥٩٣
وَعَوْرَاءِ اللِّئَامِ صَمَمْتُ عَنْهَا … وَإِنِّي لَوْ أَشَاءُ بِهَا سَمِيعُ
وَبَادِرَةٍ وَزَعْتُ النَّفْسَ عَنْهَا … وَلَوْ بِينَتْ مِنَ الْعَصْبِ الضُّلُوعُ
وَذَلِكَ كَثِيرٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ وَأَشْعَارِهَا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٠ / ٥٩٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: ثنا أَبُو سَعْدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ مُجَاهِدًا، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: «﴿لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا﴾ [الأعراف: ١٧٩] قَالَ: لَا يَفْقَهُونَ بِهَا شَيْئًا مِنْ أَمْرِ الْآخِرَةِ. ﴿وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا﴾ [الأعراف: ١٧٩] الْهُدَى. ﴿وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا﴾ [الأعراف: ١٧٩] الْحَقَّ، ثُمَّ جَعَلَهُمْ كَالْأَنْعَامِ، ثُمَّ جَعَلَهُمْ شَرًّا مِنَ الْأَنْعَامِ، فَقَالَ: ﴿بَلْ هُمْ أَضَلُّ﴾ [الأعراف: ١٧٩] ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّهُمْ هُمُ الْغَافِلُونَ» وَهِيَ كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ
١٠ / ٥٩٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ﴾ [الأعراف: ١٧٩] يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ﴾ [الأعراف: ١٧٩] هَؤُلَاءِ الَّذِينَ ذَرَأَهُمْ لِجَهَنَّمَ هُمْ
١٠ / ٥٩٤
كَالْأَنْعَامِ، وَهِيَ الْبَهَائِمُ الَّتِي لَا تَفْقَهُ مَا يُقَالُ لَهَا وَلَا تَفْهَمُ مَا أَبْصَرَتْهُ مِمَّا يَصْلُحُ وَمَا لَا يَصْلُحُ وَلَا تَعْقِلُ بِقُلُوبِهَا الْخَيْرَ مِنَ الشَّرِّ فَتُمَيِّزَ بَيْنَهُمَا، فَشَبَّهَهُمُ اللَّهُ بِهَا؛ إِذْ كَانُوا لَا يَتَذَكَّرُونَ مَا يَرَوْنَ بِأَبْصَارِهِمْ مِنْ حُجَجِهِ، وَلَا يَتَفَكَّرُونَ فِيمَا يَسْمَعُونَ مِنْ آيِ كِتَابِهِ. ثُمَّ قَالَ: ﴿بَلْ هُمْ أَضَلُّ﴾ [الأعراف: ١٧٩] يَقُولُ: هَؤُلَاءِ الْكَفَرَةُ الَّذِينَ ذَرَأَهُمْ لِجَهَنَّمَ أَشَدُّ ذَهَابًا عَنِ الْحَقِّ وَأَلْزَمُ لِطَرِيقِ الْبَاطِلِ مِنَ الْبَهَائِمِ؛ لِأَنَّ الْبَهَائِمَ لَا اخْتِيَارَ لَهَا وَلَا تَمْيِيزَ فَتَخْتَارَ وَتُمَيِّزَ، وَإِنَّمَا هِيَ مُسَخَّرَةٌ وَمَعَ ذَلِكَ تَهْرَبُ مِنَ الْمَضَارِّ وَتَطْلُبُ لِأَنْفُسِهَا مِنَ الْغِذَاءِ الْأَصْلَحَ. وَالَّذِينَ وَصَفَ اللَّهُ صِفَتَهُمْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، مَعَ مَا أُعْطُوا مِنَ الْأَفْهَامِ وَالْعُقُولِ الْمُمَيِّزَةِ بَيْنَ الْمَصَالِحِ وَالْمَضَارِّ، تَتْرُكُ مَا فِيهِ صَلَاحُ دُنْيَاهَا وَآخِرَتِهَا وَتَطْلُبُ مَا فِيهِ مَضَارُّهَا، فَالْبَهَائِمُ مِنْهَا أَسَدُّ وَهِيَ مِنْهَا أَضَلُّ، كَمَا وَصَفَهَا بِهِ رَبُّنَا جَلَّ ثَنَاؤُهُ. وَقَوْلُهُ: ﴿أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ﴾ [الأعراف: ١٧٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ وَصَفْتُ صِفَتَهُمْ، الْقَوْمُ الَّذِينَ غَفَلُوا، يَعْنِي سَهَوْا عَنْ آيَاتِي وَحُجَجِي، وَتَرَكُوا تَدَبُّرَهَا وَالِاعْتِبَارَ بِهَا وَالِاسْتِدَلَالَ عَلَى مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ مِنْ تَوْحِيدِ رَبِّهَا، لَا الْبَهَائِمُ الَّتِي قَدْ عَرَّفَهَا رَبُّهَا مَا سَخَّرَهَا لَهُ
١٠ / ٥٩٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الأعراف: ١٨٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى﴾ [الأعراف: ١٨٠]
١٠ / ٥٩٥
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾ [الأعراف: ١٨٠] وَمِنْ أَسْمَائِهِ: الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ، وَكُلُّ أَسْمَاءِ اللَّهِ حَسَنٌ»
١٠ / ٥٩٦
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، قَالَ: «إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا، مِائَةً إِلَّا وَاحِدًا، مَنْ أَحْصَاهَا كُلَّهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ»
١٠ / ٥٩٦
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ﴾ [الأعراف: ١٨٠] فَإِنَّهُ يَعْنِي بِهِ الْمُشْرِكِينَ. وَكَانَ إِلْحَادُهُمْ فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ أَنَّهُمْ عَدَلُوا بِهَا عَمَّا هِيَ عَلَيْهِ، فَسَمُّوا بِهَا آلِهَتَهُمْ وَأَوْثَانَهُمْ، وَزَادُوا فِيهَا وَنَقَصُوا مِنْهَا، فَسَمُّوا بَعْضَهَا اللَّاتَ اشْتِقَاقًا مِنْهُمْ لَهَا مِنَ اسْمِ اللَّهِ الَّذِي هُوَ اللَّهُ، وَسَمُّوا بَعْضَهَا الْعُزَّى اشْتِقَاقًا لَهَا مِنَ اسْمِ اللَّهِ الَّذِي هُوَ الْعَزِيزُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٠ / ٥٩٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «﴿وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ﴾ [الأعراف: ١٨٠] قَالَ: إِلْحَادُ الْمُلْحِدِينَ أَنْ دَعَوُا اللَّاتَ فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ»
١٠ / ٥٩٧
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ﴾ [الأعراف: ١٨٠] قَالَ: اشْتَقُّوا الْعُزَّى مِنَ الْعَزِيزِ، وَاشْتَقُّوا اللَّاتَ مِنَ اللَّهِ» وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ ﴿يُلْحِدُونَ﴾ [الأعراف: ١٨٠] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُكَذِّبُونَ
١٠ / ٥٩٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ﴾ [الأعراف: ١٨٠] قَالَ: الْإِلْحَادُ: التَّكْذِيبُ» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: يُشْرِكُونَ
١٠ / ٥٩٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ
١٠ / ٥٩٧
: «﴿يُلْحِدُونَ﴾ [الأعراف: ١٨٠] قَالَ: يُشْرِكُونَ» وَأَصْلُ الْإِلْحَادِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ: الْعُدُولُ عَنِ الْقَصْدِ، وَالْجَوْرُ عَنْهُ، وَالْإِعْرَاضُ، ثُمَّ يُسْتَعْمَلُ فِي كُلِّ مُعْوَجٍّ غَيْرِ مُسْتَقِيمٍ، وَلِذَلِكَ قِيلَ لِلَحْدِ الْقَبْرِ لَحْدٌ؛ لِأَنَّهُ فِي نَاحِيَةٍ مِنْهُ وَلَيْسَ فِي وَسَطِهِ، يُقَالُ مِنْهُ: أَلْحَدَ فُلَانٌ يُلْحِدُ إِلْحَادًا، وَلَحَدَ يَلْحَدُ لَحْدًا وَلُحُودًا وَقَدْ ذُكِرَ عَنِ الْكِسَائِيِّ أَنَّهُ كَانَ يُفَرِّقُ بَيْنَ الْإِلْحَادِ وَاللَّحْدِ، فَيَقُولُ فِي الْإِلْحَادِ: إِنَّهُ الْعُدُولُ عَنِ الْقَصْدِ، وَفِي اللَّحْدِ إِنَّهُ الرُّكُونُ إِلَى الشَّيْءِ، وَكَانَ يَقْرَأُ جَمِيعَ مَا فِي الْقُرْآنِ يُلْحِدُونَ بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْحَاءِ، إِلَّا الَّتِي فِي النَّحْلِ، فَإِنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهَا: (يَلْحَدُونَ) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَالْحَاءِ، وَيَزْعُمُ أَنَّهُ بِمَعْنَى الرُّكُونِ. وَأَمَّا سَائِرُ أَلِ الْمَعْرِفَةِ بِكَلَامِ الْعَرَبِ فَيَرَوْنَ أَنَّ مَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ، وَأَنَّهُمَا لُغَتَانِ جَاءَتَا فِي حَرْفٍ وَاحِدٍ بِمَعْنًى وَاحِدٍ. وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَبَعْضُ الْبَصْرِيِّينَ وَالْكُوفِيِّينَ: ﴿يُلْحِدُونَ﴾ [الأعراف: ١٨٠] بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْحَاءِ مِنْ أَلْحَدَ يُلْحِدُ فِي جَمِيعِ الْقُرْآنِ. وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْكُوفَةِ: (يَلْحَدُونَ) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَالْحَاءِ مِنْ لَحَدَ يَلْحَدُ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنَّهُمَا لُغَتَانِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ الصَّوَابَ فِي ذَلِكَ. غَيْرَ أَنِّي أَخْتَارُ الْقِرَاءَةَ بِضَمِّ الْيَاءِ عَلَى لُغَةِ مَنْ قَالَ:
١٠ / ٥٩٨
أَلْحَدَ؛ لِأَنَّهَا أَشْهُرُ اللُّغَتَيْنِ وَأَفْصَحُهَمَا. وَكَانَ ابْنُ زَيْدٍ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ﴾ [الأعراف: ١٨٠]: إِنَّهُ مَنْسُوخٌ
١٠ / ٥٩٩
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ﴾ [الأعراف: ١٨٠] قَالَ: هَؤُلَاءِ أَهْلُ الْكُفْرِ، وَقَدْ نُسِخَ، نَسَخَهُ الْقِتَالُ» وَلَا مَعْنَى لِمَا قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي ذَلِكَ مِنْ أَنَّهِ مَنْسُوخٌ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: ﴿وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ﴾ [الأعراف: ١٨٠] لَيْسَ بِأَمْرٍ مِنَ اللَّهِ لِنَبِيِّهِ ﷺ بِتَرْكِ الْمُشْرِكِينَ أَنْ يَقُولُوا ذَلِكَ حَتَّى يَأْذَنَ لَهُ فِي قِتَالِهِمْ، وَإِنَّمَا هُوَ تَهْدِيدٌ مِنَ اللَّهِ لِلْمُلْحِدِينَ فِي أَسْمَائِهِ وَوَعِيدٌ مِنْهُ لَهُمْ، كَمَا قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: ﴿ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ﴾ [الحجر: ٣] الْآيَةَ، وَكَقَوْلِهِ: ﴿لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ﴾ [العنكبوت: ٦٦] وَهُوَ كَلَامٌ خَرَجَ مَخْرَجَ الْأَمْرِ بِمَعْنَى الْوَعِيدِ وَالتَّهْدِيدِ، وَمَعْنَاهُ: إِنْ تُمْهِلِ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ يَا مُحَمَّدُ فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ، فَسَوْفَ يُجْزَوْنَ إِذَا جَاءَهُمْ أَجَلُ اللَّهِ الَّذِي أَجَّلَهُ إِلَيْهِمْ جَزَاءَ أَعْمَالِهِمُ الَّتِي كَانُوا يَعْمَلُونَهَا قَبْلَ ذَلِكَ مِنَ الْكُفْرِ بِاللَّهِ وَالْإِلْحَادِ فِي أَسْمَائِهِ وَتَكْذِيبِ رَسُولِهِ
١٠ / ٥٩٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ﴾ [الأعراف: ١٨١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمِنَ الْخَلْقِ الَّذِينَ خَلَقْنَا أُمَّةٌ، يَعْنِي جَمَاعَةً، يَهْدُونَ يَقُولُ: يَهْتَدُونَ بِالْحَقِّ ﴿وَبِهِ يَعْدِلُونَ﴾ [الأعراف: ١٥٩] يَقُولُ: وَبِالْحَقِّ يَقْضُونَ وَيُنْصِفُونَ النَّاسَ، كَمَا قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ
١٠ / ٥٩٩
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَوْلُهُ: ﴿أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ﴾ [الأعراف: ١٨١] قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ، قَالَ: «هَذِهِ أُمَّتِي» قَالَ: وَبِالْحَقِّ يَأْخُذُونَ وَيُعْطُونَ وَيَقْضُونَ “
١٠ / ٦٠٠
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ﴾ [الأعراف: ١٨١]»
١٠ / ٦٠٠
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: «﴿وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ﴾ [الأعراف: ١٨١] بَلَغَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ إِذَا قَرَأَهَا:»هَذِهِ لَكُمْ، وَقَدْ أُعْطِي الْقَوْمُ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ مِثْلَهَا، ﴿وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ﴾ [الأعراف: ١٥٩] “
١٠ / ٦٠٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [الأعراف: ١٨٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِأَدِلَّتِنَا وَأَعْلَامِنَا، فَجَحَدُوهَا وَلَمْ يَتَذَكَّرُوا بِهَا، سَنُمْهِلُهُ بِغِرَّتِهِ وَنُزَيِّنُ لَهُ سُوءَ عَمَلِهِ، حَتَّى يَحْسِبَ أَنَّهُ هُوَ فِيمَا عَلَيْهِ مِنْ تَكْذِيبِهِ بِآيَاتِ اللَّهِ إِلَى نَفْسِهِ مُحْسِنٌ، وَحَتَّى يَبْلُغَ الْغَايَةَ الَّتِي كُتِبَ لَهُ مِنَ الْمَهَلِ، ثُمَّ يَأْخُذَهُ بِأَعْمَالِهِ السَّيِّئَةِ، فَيُجَازِيَهُ بِهَا مِنَ الْعُقُوبَةِ مَا قَدْ أَعَدَّ لَهُ. وَذَلِكَ اسْتِدْرَاجُ اللَّهِ إِيَّاهُ. وَأَصْلُ الِاسْتِدْرَاجِ اغْتِرَارُ الْمُسْتَدْرَجِ بِلُطْفٍ مِنْ حَيْثُ يَرَى الْمُسْتَدْرَجُ أَنَّ ⦗٦٠١⦘ الْمُسْتَدْرِجَ إِلَيْهِ مُحْسِنٌ حَتَّى يُوَرِّطَهُ مَكْرُوهًا. وَقَدْ بَيَّنَّا وَجْهَ فِعْلِ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَهْلِ الْكُفْرِ بِهِ فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ