سُورَةُ الْأَعْرَافِ 5

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، قَالَ: ثنا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ﴾ [الأعراف: ١٣٤] يَقُولُ: الْعَذَابُ»
١٠ ‏/ ٤٠١
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ﴾ [الأعراف: ١٣٤] قَالَ: الرِّجْزُ: الْعَذَابُ الَّذِي سَلَّطَهُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ الْجَرَادِ وَالْقُمَّلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَكُلُّ ذَلِكَ يُعَاهِدُونَهُ ثُمَّ يَنْكُثُونَ» وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الرِّجْزِ فِيمَا مَضَى مِنْ كِتَابِنَا هَذَا بِشَوَاهِدِهِ الْمُغْنِيَّةِ عَنْ إِعَادَتِهَا. وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ بِالصَّوَابِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَخْبَرَ عَنْ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ أَنَّهُمْ لَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ، وَهُوَ الْعَذَابُ وَالسُّخْطُ مِنَ اللَّهِ عَلَيْهِمْ، فَزِعُوا إِلَى مُوسَى بِمَسْأَلَتِهِ رَبَّهُ كَشْفَ ذَلِكَ عَنْهُمْ وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الرِّجْزُ كَانَ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ كَانَ عَذَابًا عَلَيْهِمْ، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الرِّجْزُ كَانَ طَاعُونًا. وَلَمْ يُخْبِرْنَا اللَّهُ أَيُّ ذَلِكَ كَانَ؟ وَلَا صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِأَيِّ ذَلِكَ كَانَ خَبَرٌ فَنُسَلِّمَ لَهُ. فَالصَّوَابُ أَنْ نَقُولَ فِيهِ كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ﴾ [الأعراف: ١٣٤] وَلَا نَتَعَدَّاهُ إِلَّا بِالْبَيَانِ الَّذِي لَا تَمَانُعَ فِيهِ بَيْنَ أَهْلِ التَّأْوِيلِ، وَهُوَ لَمَّا حَلَّ بِهِمْ عَذَابُ اللَّهِ وَسَخَطُهُ، ﴿قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ﴾ [الأعراف: ١٣٤] يَقُولُ: بِمَا أَوْصَاكَ وَأَمَرَكَ بِهِ، وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْعَهْدِ فِيمَا مَضَى ﴿لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ﴾ [الأعراف: ١٣٤] يَقُولُ: لَئِنْ رَفَعْتَ عَنَّا الْعَذَابَ الَّذِي
١٠ ‏/ ٤٠١
نَحْنُ فِيهِ ﴿لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ﴾ [الأعراف: ١٣٤] يَقُولُ: لَنُصَدِّقَنَّ بِمَا جِئْتَ بِهِ وَدَعَوْتَ إِلَيْهِ وَلَنُقِرَّنَّ بِهِ لَكَ ﴿وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ [الأعراف: ١٣٤] يَقُولُ: وَلَنُخَلِّيَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَلَا نَمْنَعُهُمْ أَنْ يَذْهَبُوا حَيْثُ شَاءُوا
١٠ ‏/ ٤٠٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ﴾ [الأعراف: ١٣٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَدَعَا مُوسَى رَبَّهُ، فَأَجَابَهُ، فَلَمَّا رَفَعَ اللَّهُ عَنْهُمُ الْعَذَابَ الَّذِي أَنْزَلَهُ بِهِمْ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ لِيَسْتَوْفُوا عَذَابَ أَيَّامِهِمُ الَّتِي جَعَلَهَا اللَّهُ لَهُمْ مِنَ الْحَيَاةِ أَجَلًا إِلَى وَقْتِ هَلَاكِهِمْ، ﴿إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ﴾ [الأعراف: ١٣٥] يَقُولُ: إِذَا هُمْ يَنْقُضُونَ عُهُودَهُمُ الَّتِي عَاهَدُوا رَبَّهُمْ وَمُوسَى، وَيُقِيمُونَ عَلَى كُفْرِهِمْ وَضَلَالِهِمْ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٠ ‏/ ٤٠٢
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: «﴿إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ﴾ [الأعراف: ١٣٥] قَالَ: عَدَدٍ مُسَمًّى لَهُمْ مِنْ أَيَّامِهِمْ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، نَحْوَهُ
١٠ ‏/ ٤٠٢
حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: «﴿فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ﴾ [الأعراف: ١٣٥] قَالَ: مَا أَعْطُوا مِنَ الْعُهُودِ، وَهُوَ حِينَ يَقُولُ اللَّهُ: ﴿وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ﴾ [الأعراف: ١٣٠] وَهُوَ الْجُوعُ، ﴿وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَكَّرُونَ﴾ [الأعراف: ١٣٠]»
١٠ ‏/ ٤٠٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ﴾ [الأعراف: ١٣٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَلَمَّا نَكَثُوا عُهُودَهُمْ، انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ، يَقُولُ: انْتَصَرْنَا مِنْهُمْ بِإِحْلَالِ نِقْمَتِنَا بِهِمْ وَذَلِكَ عَذَابُهُ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ، وَهُوَ الْبَحْرُ، كَمَا قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
[البحر البسيط] دَاوِيَّةٌ وَدُجَى لَيْلٍ كَأَنَّهُمَا … يَمٌّ تَرَاطَنُ فِي حَافَاتِهِ الرُّومُ
وَكَمَا قَالَ الرَّاجِزُ:
[البحر الرجز] كَبَاذِخِ الْيَمِّ سَقَاهُ الْيَمُّ
﴿بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا﴾ [الأعراف: ١٣٦] يَقُولُ: فَعَلْنَا ذَلِكَ بِهِمْ، بِتَكْذِيبِهِمْ بِحُجَجِنَا وَأَعْلَامِنَا الَّتِي أَرَيْنَاهُمُوهَا. ﴿وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ﴾ [الأعراف: ١٣٦] يَقُولُ: وَكَانُوا عَنِ النِّقْمَةِ الَّتِي أَحْلَلْنَاهَا بِهِمْ غَافِلِينَ قَبْلَ حُلُولِهَا بِهِمْ أَنَّهَا بِهِمْ حَالَّةٌ. وَالْهَاءُ وَالْأَلِفُ فِي قَوْلِهِ: ﴿عَنْهَا﴾ [البقرة: ٣٦] كِنَايَةٌ مِنْ ذِكْرِ النِّقْمَةِ، فَلَوْ قَالَ قَائِلٌ: هِيَ كِنَايَةٌ مِنْ ذِكْرِ الْآيَاتِ، وَوَجْهُ تَأْوِيلِ الْكَلَامِ إِلَى: وَكَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ
١٠ ‏/ ٤٠٣
فَجَعَلَ إِعْرَاضَهُمْ عَنْهَا غُفُولًا مِنْهُمْ إِذْ لَمْ يَقْبَلُوهَا كَانَ مَذْهَبًا. يُقَالُ مِنَ الْغَفْلَةِ، غَفَلَ الرَّجُلُ عَنْ كَذَا يَغْفُلُ عَنْهُ غَفْلَةً وَغُفُولًا وَغَفْلًا
١٠ ‏/ ٤٠٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ﴾ [الأعراف: ١٣٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانَ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ يَسْتَضْعَفُونَهُمْ، فَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَهُمْ، وَيَسْتَخْدِمُونَهُمْ تَسْخِيرًا وَاسْتِعْبَادًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، مَشَارِقَ الْأَرْضِ الشَّامَ، وَذَلِكَ مَا يَلِي الشَّرْقَ مِنْهَا، وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا، يَقُولُ: الَّتِي جَعَلْنَا فِيهَا الْخَيْرَ ثَابِتًا دَائِمًا لِأَهْلِهَا. وَإِنَّمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿وأَوْرَثْنَا﴾ [الأعراف: ١٣٧] لِأَنَّهُ أَوْرَثَ ذَلِكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، بِمَهْلِكِ مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْعَمَالِقَةِ. وَبِمِثْلِ الَّذِي قُلْنَا فِي قَوْلِهِ: ﴿مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا﴾ [الأعراف: ١٣٧] قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٠ ‏/ ٤٠٤
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ فُرَاتِ الْقَزَّازِ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا﴾ [الأعراف: ١٣٧] قَالَ: الشَّامُ» ⦗٤٠٥⦘ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ فُرَاتِ الْقَزَّازِ، قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُولُ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ
١٠ ‏/ ٤٠٤
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا قَبِيصَةُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ فُرَاتِ الْقَزَّازِ، عَنِ الْحَسَنِ: «الْأَرْضُ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا، قَالَ: الشَّامُ»
١٠ ‏/ ٤٠٥
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: «﴿وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا﴾ [الأعراف: ١٣٧] هِيَ أَرْضُ الشَّامِ»
١٠ ‏/ ٤٠٥
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: «﴿مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا﴾ [الأعراف: ١٣٧] قَالَ: الَّتِي بَارِكَ فِيهَا: الشَّامُ» وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ يَزْعُمُ أَنَّ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا نَصْبٌ عَلَى الْمَحِلِّ، يَعْنِي: وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ فِي مَشَارِقِ الْأَرْضِ ⦗٤٠٦⦘ وَمَغَارِبِهَا، وَأَنَّ قَوْلَهُ: ﴿وأَوْرَثْنَا﴾ [الأعراف: ١٣٧] إِنَّمَا وَقَعَ عَلَى قَوْلِهِ: ﴿الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا﴾ [الأعراف: ١٣٧] وَذَلِكَ قَوْلٌ لَا مَعْنًى لَهُ؛ لِأَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَمْ يَكُنْ يَسْتَضْعِفْهُمْ أَيَّامَ فِرْعَوْنَ غَيْرُ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ سُلْطَانٌ إِلَّا بِمِصْرَ، فَغَيْرُ جَائِزٍ وَالْأَمْرُ كَذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: الَّذِينَ يُسْتَضْعَفُونَ فِي مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَإِنَّ مَعْنَاهُ: فِي مَشَارِقِ أَرْضِ مِصْرَ وَمَغَارِبِهَا فَإِنَّ ذَلِكَ بَعِيدٌ مِنَ الْمَفْهُومِ فِي الْخَطَّابِ: مَعَ خُرُوجِهِ عَنْ أَقْوَالِ أَهْلِ التَّأْوِيلِ وَالْعُلَمَاءِ بِالتَّفْسِيرِ
١٠ ‏/ ٤٠٥
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى﴾ فَإِنَّهُ يَقُولُ: وَفِي وَعْدِ اللَّهِ الَّذِي وَعَدَ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِتَمَامِهِ، عَلَى مَا وَعَدَهُمْ مِنْ تَمْكِينِهِمْ فِي الْأَرْضِ، وَنَصْرِهِ إِيَّاهُمْ عَلَى عَدُوِّهِمْ فِرْعَوْنَ. وَكَلِمَتُهُ الْحُسْنَى قَوْلُهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ﴾ [القصص: ٦] وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٠ ‏/ ٤٠٦
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: «﴿وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ قَالَ: ظُهُورُ قَوْمِ مُوسَى عَلَى فِرْعَوْنَ، وَتَمْكِينُ اللَّهِ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ، وَمَا وَرَّثَهُمْ مِنْهَا» ⦗٤٠٧⦘ حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ بِنَحْوِهِ
١٠ ‏/ ٤٠٦
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ﴾ [الأعراف: ١٣٧] فَإِنَّهُ يَقُولُ: وَأَهْلَكْنَا مَا كَانَ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ يَصْنَعُونَهُ مِنَ الْعِمَارَاتِ وَالْمَزَارِعِ. ﴿وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ﴾ [الأعراف: ١٣٧] يَقُولُ: وَمَا كَانُوا يَبْنُونَ مِنَ الْأَبْنِيَةِ وَالْقُصُورِ، وَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ، وَخَرَّبْنَا جَمِيعَ ذَلِكَ. وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى التَّعْرِيشِ فِيمَا مَضَى بِشَوَاهِدِهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٠ ‏/ ٤٠٧
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ﴾ [الأعراف: ١٣٧] يَقُولُ: يَبْنُونَ»
١٠ ‏/ ٤٠٧
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿يَعْرِشُونَ﴾ [الأعراف: ١٣٧] يَبْنُونَ الْبُيُوتَ وَالْمَسَاكِنَ مَا بَلَغَتْ، وَكَانَ عِنَبُهُمْ غَيْرَ مَعْرُوشٍ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ ⦗٤٠٨⦘ ﴿يَعْرِشُونَ﴾ [الأعراف: ١٣٧] بِكَسْرِ الرَّاءِ، سِوَى عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ، فَإِنَّهُ قَرَأَهُ بِضَمِّهَا. وَهُمَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ فِي الْعَرَبِ، يُقَالُ: عَرَشَ يَعْرِشُ وَيَعْرُشُ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ لِاتِّفَاقِ مَعْنَى ذَلِكَ، وَأَنَّهُمَا مَعْرُوفَانِ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ، وَكَذَلِكَ تَفْعَلُ الْعَرَبُ فِي فِعْلٍ إِذَا رَدَّتْهُ إِلَى الِاسْتِقْبَالِ، تَضُمُّ الْعَيْنَ مِنْهُ أَحْيَانًا، وَتَكْسِرُهُ أَحْيَانًا. غَيْرَ أَنَّ أَحَبَّ الْقِرَاءَتَيْنِ إِلَيَّ كَسْرُ الرَّاءِ لِشُهْرَتِهَا فِي الْعَامَّةِ وَكَثْرَةِ الْقِرَاءَةِ بِهَا وَأَنَّهَا أَصَحُّ اللُّغَتَيْنِ
١٠ ‏/ ٤٠٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ﴾ [الأعراف: ١٣٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَقَطَعْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ بَعْدَ الْآيَاتِ الَّتِي أَرَيْنَاهُمُوهَا وَالْعِبَرِ الَّتِي عَايَنُوهَا عَلَى يَدَيْ نَبِيِّ اللَّهِ مُوسَى، فَلَمْ تَزْجُرْهُمْ تِلْكَ الْآيَاتُ وَلَمْ تَعِظْهُمْ تِلْكَ الْعِبَرُ وَالْبَيِّنَاتُ حَتَّى قَالُوا مَعَ مُعَايَنَتِهِمْ مِنَ الْحُجَجِ مَا يَحِقُّ أَنْ يُذْكَرَ مَعَهَا الْبَهَائِمُ، إِذْ مَرُّوا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ، يَقُومُونَ
١٠ ‏/ ٤٠٨
عَلَى مُثُلٍ لَهُمْ يَعْبُدُونَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ، اجْعَلْ لَنَا يَا مُوسَى إِلَهًا، يَقُولُ: مِثَالًا نَعْبُدُهُ وَصَنَمًا نَتَّخِذُهُ إِلَهًا، كَمَا لِهَؤُلَاءِ الْقَوْمِ أَصْنَامٌ يَعْبُدُونَهَا، وَلَا تَنْبَغِي الْعِبَادَةُ لِشَيْءٍ سِوَى اللَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ. وَقَالَ مُوسَى صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ: إِنَّكُمْ أَيُّهَا الْقَوْمُ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ عَظَمَةَ اللَّهِ وَوَاجِبَ حَقِّهِ عَلَيْكُمْ، وَلَا تَعْلَمُونَ أَنَّهُ لَا تَجُوزُ الْعِبَادَةُ لِشَيْءٍ سِوَى اللَّهِ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ. وَذُكِرَ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ فِي ذَلِكَ مَا
١٠ ‏/ ٤٠٩
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ: ﴿وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ﴾ [الأعراف: ١٣٨] قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: «عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ، قَالَ: تَمَاثِيلُ بَقَرٌ، فَلَمَّا كَانَ عِجْلُ السَّامِرِيِّ شُبِّهَ لَهُمْ أَنَّهُ مِنْ تِلْكَ الْبَقَرِ، فَذَلِكَ كَانَ أَوَّلَ شَأْنِ الْعِجْلِ ﴿قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ﴾ [الأعراف: ١٣٨]» وَقِيلَ: إِنَّ الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا عُكُوفًا عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ، الَّذِينَ ذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، قَوْمٌ كَانُوا مِنْ لَخْمٍ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٠ ‏/ ٤٠٩
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا بِشْرُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا الْعَبَّاسُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، عَنْ أَبِي الْعَوَّامِ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ﴾ [الأعراف: ١٣٨]⦗٤١٠⦘ قَالَ: عَلَى لَخْمٍ، وَقِيلَ: إِنَّهُمْ كَانُوا مِنَ الْكَنْعَانِيِّينَ الَّذِينَ أُمِرَ مُوسَى عليه السلام بِقِتَالِهِمْ»
١٠ ‏/ ٤٠٩
وَقَدْ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَنَّ أَبَا وَاقِدٍ اللَّيْثِيَّ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قِبَلَ حُنَيْنٍ، فَمَرَرْنَا بِسِدْرَةٍ، قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ اجْعَلْ لَنَا هَذِهِ ذَاتَ أَنْوَاطٍ كَمَا لِلْكُفَّارِ ذَاتُ أَنْوَاطٍ، وَكَانَ الْكُفَّارُ يَنُوطُونَ سِلَاحَهُمْ بِسِدْرَةٍ يَعْكُفُونَ حَوْلَهَا. فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «اللَّهُ أَكْبَرُ، هَذَا كَمَا قَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ لِمُوسَى: اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ، إِنَّكُمْ سَتَرْكَبُونَ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ» حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سِنَانَ بْنِ أَبِي سِنَانَ، عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قِبَلَ حُنَيْنٍ، فَمَرَرْنَا بِسِدْرَةٍ، فَقُلْنَا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ اجْعَلْ لَنَا هَذِهِ ذَاتَ أَنْوَاطٍ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ ⦗٤١١⦘ حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا الْحَجَّاجُ، قَالَ: ثنا حَمَّادٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سِنَانَ بْنِ أَبِي سِنَانَ، عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، نَحْوَهُ
١٠ ‏/ ٤١٠
حَدَّثَنَا ابْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني اللَّيْثُ، قَالَ: ثني عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سِنَانُ بْنُ أَبِي سِنَانَ الدِّيلِيُّ، عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ: أَنَّهُمْ خَرَجُوا مِنْ مَكَّةَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إِلَى حُنَيْنٍ، قَالَ: وَكَانَ لِلْكُفَّارِ سِدْرَةٌ يَعْكُفُونَ عِنْدَهَا وَيُعَلِّقُونَ بِهَا أَسْلِحَتَهُمْ، يُقَالُ لَهَا ذَاتُ أَنْوَاطٍ قَالَ: فَمَرَرْنَا بِسِدْرَةٍ خَضْرَاءَ عَظِيمَةٍ، قَالَ: فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ: اجْعَلْ لَنَا ذَاتَ أَنْوَاطٍ، قَالَ: «قُلْتُمْ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا قَالَ قَوْمُ مُوسَى: اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ، قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ إِنَّهَا السُّنَنُ لَتَرْكَبُنَّ سُنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ»
١٠ ‏/ ٤١١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى. ﴿إِنَّ هَؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الأعراف: ١٣٩] وَهَذَا خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ عَنْ قِيلِ مُوسَى لِقَوْمِهِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ قَالَ لَهُمْ مُوسَى: إِنَّ هَؤُلَاءِ الْعُكُوفَ عَلَى هَذِهِ الْأَصْنَامِ، اللَّهُ مُهْلِكٌ مَا هُمْ فِيهِ مِنَ الْعَمَلِ وَمُفْسِدُهُ، وَمُخْسِرُهُمْ فِيهِ بِإِثَابَتِهِ إِيَّاهُمْ عَلَيْهِ الْعَذَابَ الْمُهِينَ، وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ مِنْ عِبَادَتِهِمْ إِيَّاهَا فَمُضْمَحِلٌّ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ نَافِعٍ ⦗٤١٢⦘ عِنْدَ مَجِيءِ أَمْرِ اللَّهِ وَحُلُولِهِ بِسَاحَتِهِمْ، وَلَا مُدَافِعٌ عَنْهُمْ بَأْسَ اللَّهِ إِذَا نَزَلَ بِهِمْ، وَلَا مُنْقِذُهُمْ مِنْ عَذَابِهِ إِذَا عَذَّبَهُمْ فِي الْقِيَامَةِ، فَهُوَ فِي مَعْنَى مَا لَمْ يَكُنْ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٠ ‏/ ٤١١
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، وَحَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ، قَالَا جَمِيعًا: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: «﴿إِنَّ هَؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ﴾ [الأعراف: ١٣٩] يَقُولُ: مُهْلَكٌ مَا هُمْ فِيهِ»
١٠ ‏/ ٤١٢
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿إِنَّ هَؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ﴾ [الأعراف: ١٣٩] يَقُولُ: خُسْرَانٌ»
١٠ ‏/ ٤١٢
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿إِنَّ هَؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الأعراف: ١٣٩] قَالَ: هَذَا كُلُّهُ وَاحِدٌ، كَهَيْئَةِ «غَفُورٌ رَحِيمٌ»، «عَفُوٌّ غَفُورٌ» . قَالَ: وَالْعَرَبُ تَقُولُ: إِنَّهُ الْبَائِسُ الْمُتَبَّرُ، وَإِنَّهُ الْبَائِسُ الْمُخْسِرُ»
١٠ ‏/ ٤١٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَالَ أَغْيَرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ [الأعراف: ١٤٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ: أَسِوَى اللَّهِ أَلْتَمِسُكُمْ إِلَهًا وَأَجْعَلُ لَكُمْ مَعْبُودًا تَعْبُدُونَهُ، وَاللَّهِ الَّذِي هُوَ خَالِقُكُمْ، فَضَّلَكُمْ عَلَى عَالَمِي دَهْرِكُمْ وَزَمَانِكُمْ؟ يَقُولُ: أَفَأَبْغِيكُمْ مَعْبُودًا لَا يَنْفَعُكُمْ وَلَا يَضُرُّكُمْ تَعْبُدُونَهُ وَتَتْرُكُونَ عِبَادَةَ مَنْ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْخَلْقِ؟ إِنَّ هَذَا مِنْكُمْ لَجَهْلٌ
١٠ ‏/ ٤١٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ﴾ [الأعراف: ١٤١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِلْيَهُودِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ كَانُوا بَيْنَ ظَهْرَانَيْ مُهَاجَرِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: وَاذْكُرُوا مَعَ قِيلِكُمْ هَذَا الَّذِي قُلْتُمُوهُ لِمُوسَى بَعْدَ رُؤْيَتِكُمْ مِنَ الْآيَاتِ وَالْعِبَرِ، وَبَعْدَ النِّعَمِ الَّتِي سَلَفَتْ مِنِّي إِلَيْكُمْ، وَالْأَيَادِي الَّتِي تَقَدَّمَتْ فِعْلَكُمْ مَا فَعَلْتُمْ. ﴿إِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ﴾ [الأعراف: ١٤١] وَهُمُ الَّذِينَ كَانُوا عَلَى مِنْهَاجِهِ وَطَرِيقَتِهِ فِي الْكُفْرِ بِاللَّهِ مِنْ قَوْمِهِ. ﴿يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ﴾ [البقرة: ٤٩] يَقُولُ: إِذْ يَحْمِلُونَكُمْ أَقْبَحَ الْعَذَابِ وَسَيِّئَهُ. وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى مِنْ كِتَابِنَا هَذَا مَا كَانَ الْعَذَابُ الَّذِي كَانَ يَسُومُهُمْ سَيِّئَهُ. ﴿يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ﴾ [الأعراف: ١٤١] الذُّكُورَ مِنْ أَوْلَادِهِمْ
١٠ ‏/ ٤١٣
﴿وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ﴾ [البقرة: ٤٩] يَقُولُ: يَسْتَبِقُونَ إِنَاثَهُمْ. ﴿وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ﴾ [البقرة: ٤٩] يَقُولُ: وَفِي سَوْمِهِمْ إِيَّاكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ، اخْتِبَارٌ مِنَ اللَّهِ لَكُمْ وَتَعَمُّدٌ عَظِيمٌ
١٠ ‏/ ٤١٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ﴾ [الأعراف: ١٤٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَوَاعَدْنَا مُوسَى لِمُنَاجَاتِنَا ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَقِيلَ: إِنَّهَا ثَلَاثُونَ لَيْلَةً مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ. ﴿وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ﴾ [الأعراف: ١٤٢] يَقُولُ: وَأَتْمَمْنَا الثَّلَاثِينَ اللَّيْلَةِ بِعَشْرِ لَيَالٍ تَتِمَّةَ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً. وَقِيلَ: إِنَّ الْعَشْرَ الَّتِي أَتَمَّهَا بِهِ أَرْبَعِينَ، عَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ
١٠ ‏/ ٤١٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ﴾ [الأعراف: ١٤٢] قَالَ: ذُو الْقَعْدَةِ وَعَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ»
١٠ ‏/ ٤١٤
قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ «﴿وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ﴾ [الأعراف: ١٤٢] قَالَ: ذُو الْقَعْدَةِ وَعَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ، فَفِي ذَلِكَ اخْتَلَفُوا»
١٠ ‏/ ٤١٤
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً﴾ [الأعراف: ١٤٢] هُوَ ذُو الْقَعْدَةِ وَعَشْرٌ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً﴾ [الأعراف: ١٤٢]»
١٠ ‏/ ٤١٥
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «زَعَمَ حَضْرَمِيُّ أَنَّ الثَّلَاثِينَ الَّتِي، كَانَ وَاعَدَ مُوسَى رَبَّهُ كَانَتْ ذَا الْقَعْدَةِ وَالْعَشْرَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ الَّتِي تَمَّمَ اللَّهُ بِهَا الْأَرْبَعِينَ»
١٠ ‏/ ٤١٥
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً﴾ [الأعراف: ١٤٢] قَالَ: ذُو الْقَعْدَةِ. ﴿وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ﴾ [الأعراف: ١٤٢] قَالَ: عَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ» قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، مِثْلَهُ
١٠ ‏/ ٤١٥
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: ثنا أَبُو سَعْدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ مُجَاهِدًا يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: «﴿وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ﴾ [الأعراف: ١٤٢] قَالَ: ذُو الْقَعْدَةِ، وَالْعَشْرُ الْأُوَلُ مَنْ ذِي الْحِجَّةِ»
١٠ ‏/ ٤١٥
قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: ثنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ مَسْرُوقٍ: «﴿وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ﴾ [الأعراف: ١٤٢] قَالَ: عَشْرُ الْأَضْحَى»
١٠ ‏/ ٤١٥
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً﴾ [الأعراف: ١٤٢] فَإِنَّهُ يَعْنِي: فَكَمَّلَ الْوَقْتَ ⦗٤١٦⦘ الَّذِي وَاعَدَ اللَّهُ مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَبَلَغَهَا. كَمَا
١٠ ‏/ ٤١٥
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: «﴿فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ﴾ [الأعراف: ١٤٢] قَالَ: فَبَلَغَ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً»
١٠ ‏/ ٤١٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ﴾ [الأعراف: ١٤٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: لَمَّا مَضَى لِمَوْعِدِ رَبِّهِ، قَالَ لِأَخِيهِ هَارُونَ: ﴿اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي﴾ [الأعراف: ١٤٢] يَقُولُ: كُنْ خَلِيفَتِي فِيهِمْ إِلَى أَنْ أَرْجِعَ، يُقَالُ مِنْهُ: خَلَفَهُ يَخْلُفُهُ خِلَافَةً. ﴿وَأَصْلِحْ﴾ [المائدة: ٣٩] يَقُولُ: وَأَصْلِحْهُمْ بِحَمْلِكَ إِيَّاهُمْ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ وَعِبَادَتِهِ
١٠ ‏/ ٤١٦
كَمَا حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، ⦗٤١٧⦘ قَالَ: «قَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ: ﴿اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ﴾ [الأعراف: ١٤٢] وَكَانَ مِنْ إِصْلَاحِهِ أَنْ لَا يَدَعَ الْعِجْلَ يُعْبَدُ. وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ﴾ [الأعراف: ١٤٢] يَقُولُ: وَلَا تَسْلُكْ طَرِيقَ الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ بِمَعْصِيَتِهِمْ رَبَّهُمْ، وَمَعُونَتِهِمْ أَهْلَ الْمَعَاصِي عَلَى عِصْيَانِهِمْ رَبَّهُمْ، وَلَكِنِ اسْلُكْ سَبِيلَ الْمُطِيعِينَ رَبَّهُمْ. فَكَانَتْ مُوَاعَدَةُ اللَّهِ مُوسَى عليه السلام بَعْدَ أَنْ أَهْلَكَ فِرْعَوْنَ ونَجَّى مِنْهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِيمَا قَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ، كَمَا»
١٠ ‏/ ٤١٦
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني الْحَجَّاجُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَوْلُهُ: «﴿وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً﴾ [الأعراف: ١٤٢] . الْآيَةَ، قَالَ: يَقُولُ: إِنَّ ذَلِكَ بَعْدَ مَا فَرَغَ مِنْ فِرْعَوْنَ، وَقَبْلَ الطُّورِ لَمَّا نَجَّى اللَّهُ مُوسَى عليه السلام مِنَ الْبَحْرِ وَغَرِقَ آلُ فِرْعَوْنَ وَخَلَصَ إِلَى الْأَرْضِ الطَّيِّبَةِ، أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ فِيهَا الْمَنَّ وَالسَّلْوَى وَأَمَرَهُ رَبُّهُ أَنْ يَلْقَاهُ، فَلَمَّا أَرَادَ لِقَاءَ رَبِّهِ اسْتَخْلَفَ هَارُونَ عَلَى قَوْمِهِ، وَوَاعَدَهُمْ أَنْ يَأْتِيَهُمُ إِلَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً مِيعَادًا مِنْ قِبَلِهِ مِنْ غَيْرِ أَمْرِ رَبِّهِ وَلَا مِيعَادِهِ فَتَوَجَّهَ لِيَلْقَى رَبَّهُ، فَلَمَّا تَمَّتْ ثَلَاثُونَ لَيْلَةً، قَالَ عَدُوُّ اللَّهِ السَّامِرِيُّ: لَيْسَ يَأْتِيكُمْ مُوسَى، وَمَا يُصْلِحُكُمْ إِلَّا إِلَهٌ تَعْبُدُونَهُ، فَنَاشَدَهُمْ هَارُونُ وَقَالَ: لَا تَفْعَلُوا انْظُرُوا لَيْلَتَكُمْ هَذِهِ وَيَوْمَكُمْ هَذَا، فَإِنْ جَاءَ وَإِلَّا فَعَلْتُمْ مَا بَدَا لَكُمْ، فَقَالُوا: نَعَمْ. فَلَمَّا أَصْبَحُوا مِنْ غَدٍ وَلَمْ يَرَوْا مُوسَى عَادَ السَّامِرِيُّ لِمِثْلِ قَوْلِهِ بِالْأَمْسِ، قَالَ: وَأَحْدَثَ اللَّهُ الْأَجَلَ بَعْدَ الْأَجَلِ الَّذِي جَعَلَهُ بَيْنَهُمْ عَشْرًا، فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، فَعَادَ هَارُونُ فَنَاشَدَهُمْ، إِلَّا مَا نَظَرُوا يَوْمَهُمْ ذَلِكَ أَيْضًا، فَإِنْ جَاءَ وَإِلَّا فَعَلْتُمْ مَا بَدَا لَكُمْ. ثُمَّ عَادَ السَّامِرِيُّ الثَّالِثَةَ لِمِثْلِ قَوْلِهِ لَهُمْ، وَعَادَ هَارُونُ فَنَاشَدَهُمْ أَنْ يَنْتَظِرُوا. فَلَمَّا لَمْ يَرَوْهُ. . .»
١٠ ‏/ ٤١٧
قَالَ الْقَاسِمُ: قَالَ الْحُسَيْنُ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، قَالَ: ثني أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْهُذَلِيُّ، قَالَ: “قَامَ السَّامِرِيُّ إِلَى هَارُونَ حِينَ انْطَلَقَ مُوسَى، فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنَّا اسْتَعَرْنَا يَوْمَ خَرَجْنَا مِنَ الْقِبْطِ حُلِيًّا كَثِيرًا مِنْ زِينَتِهِمْ، وَإِنَّ الَّذِينَ
١٠ ‏/ ٤١٧
مَعَكَ قَدْ أَسْرَعُوا فِي الْحُلِيِّ يَبِيعُونَهُ وَيُنْفِقُونَهُ، وَإِنَّمَا كَانَ عَارِيَةً مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ فَلَيْسُوا بِأَحْيَاءَ فَنَرُدَّهَا عَلَيْهِمْ، وَلَا نَدْرِي لَعَلَّ أَخَاكَ نَبِيَّ اللَّهِ مُوسَى إِذَا جَاءَ يَكُونُ لَهُ فِيهَا رَأْي، إِمَّا يُقَرِّبُهَا قُرْبَانًا فَتَأْكُلُهَا النَّارُ، وَإِمَّا يَجْعَلُهَا لِلْفُقَرَاءِ دُونَ الْأَغْنِيَاءِ. فَقَالَ لَهُ هَارُونُ: نِعْمَ مَا رَأَيْتَ وَمَا قُلْتَ، فَأَمَرَ مُنَادِيًا فَنَادَى: مَنْ كَانَ عِنْدَهُ شَيْءٌ مِنْ حُلِيِّ آلِ فِرْعَوْنَ فَلْيَأْتِنَا بِهِ، فَأَتَوْهُ بِهِ، فَقَالَ هَارُونُ يَا سَامِرِيُّ أَنْتَ أَحَقُّ مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ هَذِهِ الْخِزَانَةُ. فَقَبَضَهَا السَّامِرِيُّ، وَكَانَ عَدُوُّ اللَّهِ الْخَبِيثُ صَائِغًا، فَصَاغَ مِنْهُ عِجْلًا جَسَدًا، ثُمَّ قَذَفَ فِي جَوْفِهِ تُرْبَةً مِنَ الْقَبْضَةِ الَّتِي قَبَضَ مِنْ أَثَرِ فَرَسِ جِبْرِيلَ عليه السلام إِذْ رَآهُ فِي الْبَحْرِ، فَجَعَلَ يَخُورُ، وَلَمْ يَخُرْ إِلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً، وَقَالَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: إِنَّمَا تَخَلَّفَ مُوسَى بَعْدَ الثَّلَاثِينَ لَيْلَةً يَلْتَمِسُ هَذَا ﴿هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ﴾ [طه: ٨٨] يَقُولُ: إِنَّ مُوسَى عليه السلام نَسِيَ رَبَّهُ “
١٠ ‏/ ٤١٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الأعراف: ١٤٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِلْوَقْتِ الَّذِي وَعَدَنَا أَنْ يَلْقَانَا فِيهِ، وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ وَنَاجَاهُ، قَالَ مُوسَى لِرَبِّهِ: ﴿أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ﴾ [الأعراف: ١٤٣] قَالَ اللَّهُ لَهُ مُجِيبًا ⦗٤١٩⦘: ﴿لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ﴾ [الأعراف: ١٤٣] وَكَانَ سَبَبُ مَسْأَلَةِ مُوسَى رَبَّهُ النَّظَرَ إِلَيْهِ مَا
١٠ ‏/ ٤١٨
حَدَّثَنِي بِهِ مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: «إِنَّ مُوسَى عليه السلام لَمَّا كَلَّمَهُ رَبُّهُ أَحَبَّ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهِ، ﴿قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي﴾ [الأعراف: ١٤٣] فَحَفَّ حَوْلَ الْجَبَلِ، وَحَفَّ حَوْلَ الْمَلَائِكَةِ بِنَارٍ، وَحَفَّ حَوْلَ النَّارِ بِمَلَائِكَةٍ، وَحَفَّ حَوْلَ الْمَلَائِكَةِ بِنَارٍ، ثُمَّ تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ»
١٠ ‏/ ٤١٩
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا﴾ [مريم: ٥٢] قَالَ: ثني مَنْ لَقِيَ أَصْحَابَ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَرَّبَهُ الرَّبُّ حَتَّى سَمِعَ صَرِيفَ الْقَلَمِ، فَقَالَ عِنْدَ ذَلِكَ مِنَ الشَّوْقِ إِلَيْهِ: ﴿رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ﴾ [الأعراف: ١٤٣]»
١٠ ‏/ ٤١٩
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثني الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْهُذَلِيِّ، قَالَ: «لَمَّا تَخَلَّفَ مُوسَى عليه السلام بَعْدَ الثَّلَاثِينَ، حَتَّى سَمِعَ كَلَامَ اللَّهِ اشْتَاقَ إِلَى النَّظَرِ إِلَيْهِ، فَقَالَ: ﴿رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي﴾ [الأعراف: ١٤٣] وَلَيْسَ لِبَشَرٍ أَنْ يُطِيقَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيَّ فِي الدُّنْيَا، مَنْ نَظَرَ إِلَيَّ مَاتَ. قَالَ: إِلَهِيَ سَمِعْتُ مَنْطِقَكَ وَاشْتَقْتُ إِلَى النَّظَرِ إِلَيْكَ، وَلَأَنْ أَنْظُرَ إِلَيْكَ ثُمَّ أَمُوتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعِيشَ وَلَا أَرَاكَ، قَالَ: ⦗٤٢٠⦘ فَانْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ، فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي»
١٠ ‏/ ٤١٩
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ﴾ [الأعراف: ١٤٣] قَالَ: أَعْطِنِي»
١٠ ‏/ ٤٢٠
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: «اسْتَخْلَفَ مُوسَى هَارُونَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَقَالَ: إِنِّي مُتَعَجِّلٌ إِلَى رَبِّي، فَاخْلُفْنِي فِي قَوْمِي، وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ، فَخَرَجَ مُوسَى إِلَى رَبِّهِ مُتَعَجِّلًا لِلُقِيِّهِ شَوْقًا إِلَيْهِ، وَأَقَامَ هَارُونُ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَمَعَهُ السَّامِرِيُّ يَسِيرُ بِهِمْ عَلَى أَثَرِ مُوسَى لِيُلْحِقَهُمْ بِهِ. فَلَمَّا كَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى، طَمِعَ فِي رُؤْيَتِهِ، فَسَأَلَ رَبَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهِ، فَقَالَ اللَّهُ لِمُوسَى: إِنَّكَ ﴿لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي﴾ [الأعراف: ١٤٣] الْآيَةَ: قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَهَذَا مَا وَصَلَ إِلَيْنَا فِي كِتَابِ اللَّهِ عَنْ خَبَرِ مُوسَى لَمَّا طَلَبَ النَّظَرَ إِلَى رَبِّهِ. وَأَهْلُ الْكِتَابِ يَزْعُمُونَ وَأَهْلُ التَّوْرَاةِ أَنْ قَدْ كَانَ لِذَلِكَ تَفْسِيرٌ وَقِصَّةٌ وَأُمُورٌ كَثِيرَةٌ وَمُرَاجَعَةٌ لَمْ تَأْتِنَا فِي كِتَابِ اللَّهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ الْأَوَّلِ بِأَحَادِيثِ أَهْلِ الْكِتَابِ: إِنَّهُمْ يَجِدُونَ فِي تَفْسِيرِ مَا عِنْدَهُمْ مِنْ خَبَرِ مُوسَى حِينَ طَلَبَ ذَلِكَ إِلَى رَبِّهِ أَنَّهُ كَانَ مِنْ كَلَامِهِ إِيَّاهُ حِينَ طَمِعَ فِي رُؤْيَتِهِ، وَطَلَبَ ذَلِكَ مِنْهُ، وَرَدَّ عَلَيْهِ رَبُّهُ مِنْهُ مَا رَدَّ، أَنَّ ⦗٤٢١⦘ مُوسَى كَانَ تَطَهَّرَ وَطَهَّرَ ثِيَابَهُ وَصَامَ لِلِقَاءِ رَبِّهِ فَلَمَّا أَتَى طُورَ سَيْنَاءَ، وَدَنَا اللَّهُ لَهُ فِي الْغَمَامِ فَكَلَّمَهُ، سَبَّحَهُ وَحَمِدَهُ وَكَبَّرَهُ وَقَدَّسَهُ، مَعَ تَضَرُّعٍ وَبُكَاءٍ حَزِينٍ، ثُمَّ أَخَذَ فِي مِدْحَتِهِ، فَقَالَ: رَبِّ مَا أَعْظَمَكَ وَأَعْظَمَ شَأْنَكَ كُلَّهُ، مِنْ عَظَمَتِكَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ قَبْلِكَ، فَأَنْتَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ، كَأَنَّ عَرْشَكَ تَحْتَ عَظَمَتِكَ نَارٌ تُوقَدُ لَكَ، وَجَعَلْتَ سُرَادِقَ مِنْ دُونِهِ سُرَادِقُ مِنْ نُورٍ، فَمَا أَعْظَمَكَ رَبِّ، وَأَعْظَمَ مُلْكَكَ، جَعَلْتَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ مَلَائِكَتِكَ مَسِيرَةَ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ، فَمَا أَعْظَمَكَ رَبِّ وَأَعْظَمَ مُلْكَكَ فِي سُلْطَانِكَ، فَإِذَا أَرَدْتَ شَيْئًا تَقْضِيهِ فِي جُنُودِكَ الَّذِينَ فِي السَّمَاءِ، أَوِ الَّذِينَ فِي الْأَرْضِ، وَجُنُودِكَ الَّذِينَ فِي الْبَحْرِ، بَعَثْتَ الرِّيحَ مِنْ عِنْدَكِ لَا يَرَاهَا شَيْءٌ مِنْ خَلْقِكَ إِلَّا أَنْتَ إِنْ شِئْتَ، فَدَخَلَتْ فِي جَوْفِ مَنْ شِئْتَ مِنْ أَنْبِيَائِكَ، فَبَلَغُوا لِمَا أَرَدْتَ مِنْ عِبَادِكَ، وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْ مَلَائِكَتِكَ يَسْتَطِيعُ شَيْئًا مِنْ عَظَمَتِكَ، وَلَا مِنْ عَرْشِكَ، وَلَا يَسْمَعُ صَوْتَكَ، فَقَدْ أَنْعَمْتَ عَلَيَّ، وَأَعْظَمْتَ عَلَيَّ فِي الْفَضْلِ، وَأَحْسَنْتَ إِلَيَّ كُلَّ الْإِحْسَانِ، عَظَّمْتَنِي فِي أُمَمِ الْأَرْضِ، وَعَظَّمْتَنِي عِنْدَ مَلَائِكَتِكَ، وَأَسْمَعْتَنِي صَوْتَكَ، وَبَذَلْتَ لِي كَلَامَكَ، وَآتَيْتَنِي حِكْمَتَكَ، فَإِنْ أَعُدَّ نُعْمَاكَ لَا أُحْصِيهَا، وَإِنْ أَرَدْتُ شُكْرَكَ لَا أَسْتَطِيعُهَا. دَعَوْتُكَ رَبِّ عَلَى فِرْعَوْنَ بِالْآيَاتِ ⦗٤٢٢⦘ الْعِظَامِ، وَالْعُقُوبَةِ الشَّدِيدَةِ، فَضَرَبْتُ بِعَصَايَ الَّتِي فِي يَدِي الْبَحْرَ، فَانْفَلَقَ لِي وَلِمَنْ مَعِي، وَدَعَوْتُكَ حِينَ جُزْتُ الْبَحْرَ، فَأَغْرَقْتَ عَدُوَّكَ وَعَدُوِّي، وَسَأَلْتُكَ الْمَاءَ لِي وَلِأُمَّتِي، فَضَرَبْتُ بِعَصَايَ الَّتِي فِي يَدِي الْحَجَرَ، فَمِنْهُ أَرْوَيْتَنِي وَأُمَّتِي، وَسَأَلْتُكَ لِأُمَّتِي طَعَامًا لَمْ يَأْكُلْهُ أَحَدٌ كَانَ قَبْلَهُمْ، فَأَمَرْتَنِي أَنْ أَدْعُوكَ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ، وَمِنْ قِبَلِ الْمَغْرِبِ. فَنَادَيْتُكَ مِنْ شَرْقِيِّ أُمَّتِي، فَأَعْطَيْتَهُمُ الْمَنَّ مِنْ مَشْرِقِي لِنَفْسِي، وَآتَيْتَهُمُ السَّلْوَى مِنْ غَرْبِيِّهِمْ مِنْ قِبَلِ الْبَحْرِ، وَاشْتَكَيْتُ الْحَرَّ فَنَادَيْتُكَ، فَظَلَّلْتَ عَلَيْهِمْ بِالْغَمَامِ، فَمَا أُطِيقُ نُعْمَاكَ عَلَيَّ أَنْ أَعُدَّهَا وَلَا أُحْصِيهَا، وَإِنْ أَرَدْتُ شُكْرَهَا لَا أَسْتَطِيعُهَا. فَجِئْتُكَ الْيَوْمَ رَاغِبًا طَالِبًا سَائِلًا مُتَضَرِّعًا، لَتُعْطِيَنِي مَا مَنَعْتَ غَيْرِي، أَطْلُبُ إِلَيْكَ وَأَسْأَلُكَ يَا ذَا الْعَظَمَةِ وَالْعِزَّةِ وَالسُّلْطَانِ أَنْ تُرِيَنِي أَنْظُرُ إِلَيْكَ، فَإِنِّي قَدْ أَحْبَبْتُ أَنْ أَرَى وَجْهَكَ الَّذِي لَمْ يَرَهُ شَيْءٌ مِنْ خَلْقِكَ قَالَ لَهُ رَبُّ الْعِزَّةِ: فَلَا تَرَى يَا ابْنَ عِمْرَانَ مَا تَقُولُ؟ تَكَلَّمَتْ بِكَلَامٍ هُوَ أَعْظَمُ مِنْ سَائِرِ الْخَلْقِ، لَا يَرَانِي أَحَدٌ فَيَحْيَا، أَلَيْسَ فِي السَّمَوَاتِ مُعَمِّرِي، فَإِنَّهُنَّ قَدْ ضَعُفْنَ أَنْ يَحْمِلْنَ عَظَمَتِي، وَلَيْسَ فِي الْأَرْضِ مُعَمِّرِي، فَإِنَّهَا قَدْ ضَعُفَتْ أَنْ تَسِعَ بِجُنْدِي، فَلَسْتُ فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ فَأَتَجَلَّى لَعَيْنٍ تَنْظُرُ إِلَيَّ. ⦗٤٢٣⦘ قَالَ مُوسَى: يَا رَبِّ أَنْ أَرَاكَ وَأَمُوتَ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ لَا أَرَاكَ وَلَا أَحْيَا، قَالَ لَهُ رَبُّ الْعِزَّةِ: يَا ابْنَ عِمْرَانَ تَكَلَّمْتَ بِكَلَامٍ هُوَ أَعْظَمُ مِنْ سَائِرِ الْخَلْقِ، لَا يَرَانِي أَحَدٌ فَيَحْيَا، قَالَ: رَبِّ تَمِّمْ عَلَيَّ نُعْمَاكَ، وَتَمِّمْ عَلَيَّ فَضْلَكَ، وَتَمِّمْ عَلَيَّ إِحْسَانَكَ هَذَا الَّذِي سَأَلْتُكَ، لَيْسَ لِي أَنْ أَرَاكَ فَأُقْبَضَ، وَلَكِنْ أُحِبُّ أَنْ أَرَاكَ فَيَطْمَئِنَّ قَلْبِي. قَالَ لَهُ: يَا ابْنَ عِمْرَانَ لَنْ يَرَانِي أَحَدٌ فَيَحْيَا. قَالَ: مُوسَى رَبِّ تَمِّمْ عَلَيَّ نُعْمَاكَ وَفَضْلَكَ، وَتَمِّمْ عَلَيَّ إِحْسَانَكَ هَذَا الَّذِي سَأَلْتُكَ، لَيْسَ لِي أَنْ أَرَاكَ فَأَمُوتَ عَلَى إِثْرِ ذَلِكَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الْحَيَاةِ، فَقَالَ الرَّحْمَنُ الْمُتَرَحِّمُ عَلَى خَلْقِهِ: قَدْ طَلَبْتَ يَا مُوسَى، وَأَعْطَيْتُكَ سُؤْلَكَ إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَنْظُرَ إِلَيَّ، فَاذْهَبْ فَاتَّخِذْ لَوْحَيْنِ، ثُمَّ انْظُرْ إِلَى الْحَجَرِ الْأَكْبَرِ فِي رَأْسِ الْجَبَلِ، فَإِنَّ مَا وَرَاءَهُ وَمَا دُونَهُ مَضِيقٌ لَا يَسَعُ إِلَّا مَجْلِسَكَ يَا ابْنَ عِمْرَانَ، ثُمَّ انْظُرْ فَإِنِّي أُهْبِطُ إِلَيْكَ جُنُودِي مِنْ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ. فَفَعَلَ مُوسَى كَمَا أَمَرَهُ رَبُّهُ، نَحَتَ لَوْحَيْنِ ثُمَّ صَعِدَ بِهِمَا إِلَى الْجَبَلِ، فَجَلَسَ عَلَى الْحَجَرِ: فَلَمَّا اسْتَوَى عَلَيْهِ، أَمَرَ اللَّهُ جُنُودَهُ الَّذِينَ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَقَالَ: ضَعِي أَكْنَافَكِ حَوْلَ الْجَبَلِ، فَسَمِعَتْ مَا قَالَ الرَّبُّ فَفَعَلَتْ أَمْرَهُ، ثُمَّ ⦗٤٢٤⦘ أَرْسَلَ اللَّهُ الصَّوَاعِقَ وَالظُّلْمَةَ وَالضَّبَابَ عَلَى مَا كَانَ يَلِي الْجَبَلَ الَّذِي يَلِي مُوسَى أَرْبَعَةَ فَرَاسِخَ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ، ثُمَّ أَمَرَ اللَّهُ مَلَائِكَةَ الدُّنْيَا أَنْ يَمُرُّوا بِمُوسَى، فَاعْتَرِضُوا عَلَيْهِ، فَمَرُّوا بِهِ طَيْرَانَ النَّغْرِ تَنْبُعُ أَفْوَاهُهُمْ بِالتَّقْدِيسِ وَالتَّسْبِيحِ بِأَصْوَاتٍ عَظِيمَةٍ كَصَوْتِ الرَّعْدِ الشَّدِيدِ، فَقَالَ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ عليه السلام: رَبِّ إِنِّي كُنْتُ عَنْ هَذَا غَنِيًّا، مَا تَرَى عَيْنَايَ شَيْئًا قَدْ ذَهَبَ بَصَرُهُمَا مِنْ شُعَاعِ النُّورِ الْمُتَصَفِّفِ عَلَى مَلَائِكَةِ رَبِّي. ثُمَّ أَمَرَ اللَّهُ مَلَائِكَةَ السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ أَنِ اهْبِطُوا عَلَى مُوسَى، فَاعْتَرِضُوا عَلَيْهِ، فَهَبَطُوا أَمْثَالَ الْأَسَدِ، لَهُمْ لَجَبٌ بِالتَّسْبِيحِ وَالتَّقْدِيسِ، فَفَزِعَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ ابْنُ عِمْرَانَ مِمَّا رَأَى وَمِمَّا سَمِعَ، فَاقْشَعَرَّتْ كُلُّ شَعْرَةٍ فِي رَأْسِهِ وَجِلْدِهِ، ثُمَّ قَالَ: نَدِمْتُ عَلَى مَسْأَلَتِي إِيَّاكَ، فَهَلْ يُنَجِّينِي مِنْ مَكَانِي الَّذِي أَنَا فِيهُ شَيْءٌ؟ فَقَالَ لَهُ خَيْرُ الْمَلَائِكَةِ وَرَأْسُهُمْ: يَا مُوسَى اصْبِرْ لِمَا سَأَلْتَ، فَقَلِيلٌ مِنْ كَثِيرٍ مَا رَأَيْتَ، ثُمَّ أَمَرَ اللَّهُ مَلَائِكَةَ السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ أَنِ اهْبِطُوا عَلَى مُوسَى، فَاعْتَرِضُوا عَلَيْهِ، فَأَقْبَلُوا أَمْثَالَ النُّسُورِ لَهُمْ قَصْفٌ وَرَجْفٌ وَلَجَبٌ شَدِيدٌ، وَأَفْوَاهُهُمْ تَنْبُعُ بِالتَّسْبِيحِ وَالتَّقْدِيسِ كَلَجَبِ الْجَيْشِ الْعَظِيمِ أَوْ كَلَهَبِ النَّارِ، فَفَزِعَ مُوسَى، وَأَيِسَتْ نَفْسُهُ، وَأَسَاءَ ظَنَّهُ، وَأَيِسَ مِنَ الْحَيَاةِ، فَقَالَ ⦗٤٢٥⦘ لَهُ خَيْرُ الْمَلَائِكَةِ وَرَأْسُهُمْ: مَكَانَكَ يَا ابْنَ عِمْرَانَ، حَتَّى تَرَى مَا لَا تَصْبِرُ عَلَيْهِ؟ ثُمَّ أَمَرَ اللَّهُ مَلَائِكَةَ السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ أَنِ اهْبِطُوا فَاعْتَرِضُوا عَلَى مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ. فَأَقْبَلُوا وَهَبَطُوا عَلَيْهِ لَا يُشْبِهُهُمْ شَيْءٌ مِنَ الَّذِينَ مَرُّوا بِهِ قَبْلَهُمْ، أَلْوَانُهُمْ كَلَهَبِ النَّارِ، وَسَائِرُ خَلْقِهِمْ كَالثَّلْجِ الْأَبْيَضِ، أَصْوَاتُهُمْ عَالِيَةٌ بِالتَّسْبِيحِ وَالتَّقْدِيسِ، لَا يُقَارِبُهُمْ شَيْءٌ مِنْ أَصْوَاتِ الَّذِينَ مَرُّوا بِهِ قَبْلَهُمْ. فَاصْطَكَّتْ رُكْبَتَاهُ، وَأُرْعِدَ قَلْبُهُ، وَاشْتَدَّ بُكَاؤُهُ، فَقَالَ خَيْرُ الْمَلَائِكَةِ وَرَأْسُهُمْ: يَا ابْنَ عِمْرَانَ اصْبِرْ لِمَا سَأَلْتَ، فَقَلِيلٌ مِنْ كَثِيرٍ مَا رَأَيْتَ، ثُمَّ أَمَرَ اللَّهُ مَلَائِكَةَ السَّمَاءِ الْخَامِسَةِ أَنِ اهْبِطُوا فَاعْتَرِضُوا عَلَى مُوسَى، فَهَبَطُوا عَلَيْهِ سَبْعَةَ أَلْوَانٍ، فَلَمْ يَسْتَطِعْ مُوسَى أَنْ يُتْبِعَهُمْ طَرْفَهُ، وَلَمْ يَرَ مِثْلَهُمْ وَلَمْ يَسْمَعْ مِثْلَ أَصْوَاتِهِمْ، وَامْتَلَأَ جَوْفُهُ خَوْفًا، وَاشْتَدَّ حُزْنُهُ، وَكَثُرَ بُكَاؤُهُ، فَقَالَ لَهُ خَيْرُ الْمَلَائِكَةِ وَرَأْسُهُمْ: يَا ابْنَ عِمْرَانَ مَكَانَكَ حَتَّى تَرَى مَا لَا تَصْبِرُ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَمَرَ اللَّهُ مَلَائِكَةَ السَّمَاءِ السَّادِسَةِ أَنِ اهْبِطُوا عَلَى عَبْدِي الَّذِي طَلَبَ أَنْ يَرَانِي مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ وَاعْتَرِضُوا عَلَيْهِ. فَهَبَطُوا عَلَيْهِ فِي يَدِ كُلِّ مَلَكٍ مِثْلُ النَّخْلَةِ الطَّوِيلَةِ نَارًا أَشَدَّ ضَوْءًا مِنَ الشَّمْسِ، وَلِبَاسُهُمْ كَلَهَبِ النَّارِ، إِذَا سَبَّحُوا وَقَدَّسُوا جَاوَبَهُمْ مَنْ كَانَ قَبْلَهُمْ مِنْ مَلَائِكَةِ السَّمَوَاتِ كُلُّهُمْ يَقُولُونَ بِشِدَّةِ أَصْوَاتِهِمْ: سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ رَبُّ الْعِزَّةِ أَبَدًا لَا يَمُوتُ، فِي رَأْسِ كُلِّ مَلَكٍ مِنْهُمْ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ. فَلَمَّا رَآهُمْ مُوسَى رَفَعَ صَوْتَهُ يُسَبِّحُ مَعَهُمْ حِينَ سَبَّحُوا، وَهُوَ يَبْكِي وَيَقُولُ: رَبِّ اذْكُرْنِي، وَلَا ⦗٤٢٦⦘ تَنْسَ عَبْدَكَ، لَا أَدْرِي أَنْقَلِبُ مِمَّا أَنَا فِيهِ أَمْ لَا؟ إِنْ خَرَجْتُ أُحْرِقْتُ، وَإِنْ مَكَثْتُ مُتُّ. فَقَالَ لَهُ كَبِيرُ الْمَلَائِكَةِ وَرَئِيسُهُمْ: قَدْ أَوْشَكْتَ يَا ابْنَ عِمْرَانَ أَنْ يَمْتَلِئَ جَوْفُكَ، وَيَنْخَلِعَ قَلْبُكَ، وَيَشْتَدَّ بُكَاؤُكَ فَاصْبِرْ لِلَّذِي جَلَسْتَ لِتَنْظُرَ إِلَيْهِ يَا ابْنَ عِمْرَانَ وَكَانَ جَبَلُ مُوسَى جَبَلًا عَظِيمًا، فَأَمَرَ اللَّهُ أَنْ يُحْمَلَ عَرْشُهُ، ثُمَّ قَالَ: مُرُّوا بِي عَلَى عَبْدِي لِيَرَانِي، فَقَلِيلٌ مِنْ كَثِيرٍ مَا رَأَى، فَانْفَرَجَ الْجَبَلُ مِنْ عَظَمَةِ الرَّبِّ، وَغَشِيَ ضَوْءُ عَرْشِ الرَّحْمَنِ جَبَلَ مُوسَى، وَرَفَعَتْ مَلَائِكَةُ السَّمَوَاتِ أَصْوَاتَهَا جَمِيعًا، فَارْتَجَّ الْجَبَلُ فَانْدَكَّ، وَكُلُّ شَجَرَةٍ كَانَتْ فِيهِ، وَخَرَّ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ صَعِقًا عَلَى وَجْهِهِ لَيْسَ مَعَهُ رُوحُهُ، فَأَرْسَلَ اللَّهُ الْحَيَاةَ بِرَحْمَتِهِ، فَتَغَشَّاهُ بِرَحْمَتِهِ وَقَلَبَ الْحَجَرَ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ وَجَعَلَهُ كَالْمعدةِ، كَهَيْئَةِ الْقُبَّةِ لِئَلَّا يَحْتَرِقَ مُوسَى، فَأَقَامَهُ الرُّوحُ مِثْلَ الْأُمِّ أَقَامَتْ جَنِينَهَا حِينَ يُصْرَعُ، قَالَ: فَقَامَ مُوسَى يُسَبِّحُ اللَّهَ وَيَقُولُ: آمَنْتُ أَنَّكَ رَبِّي، وَصَدَّقْتُ أَنَّهُ لَا يَرَاكَ أَحَدٌ فَيَحْيَا، وَمَنْ نَظَرَ إِلَى مَلَائِكَتِكَ انْخَلَعَ قَلْبُهُ، فَمَا أَعْظَمَكَ رَبِّ وَأَعْظَمَ مَلَائِكَتَكَ، أَنْتَ رَبُّ الْأَرْبَابِ وَإِلَهُ الْآلِهَةِ وَمَلِكُ الْمُلُوكِ، تَأْمُرُ الْجُنُودَ الَّذِينَ عِنْدَكَ فَيُطِيعُونَكَ، وَتَأْمُرُ السَّمَاءَ وَمَا فِيهَا فَتُطِيعُكَ، لَا تَسْتَنْكِفُ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا يَعْدِلُكَ شَيْءٌ وَلَا يَقُومُ لَكَ شَيْءٌ، رَبِّ تُبْتُ إِلَيْكَ، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَا شَرِيكَ لَهُ، مَا أَعْظَمَكَ ⦗٤٢٧⦘ وَأَجَلَّكَ رَبَّ الْعَالَمِينَ»
١٠ ‏/ ٤٢٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا﴾ [الأعراف: ١٤٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَلَمَّا اطَّلَعَ الرَّبُّ لِلْجَبَلِ جَعَلَ اللَّهُ الْجَبَلَ دَكًّا: أَيْ: مُسْتَوِيًا بِالْأَرْضِ. ﴿وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا﴾ [الأعراف: ١٤٣] أَيْ: مَغْشِيًّا عَلَيْهِ وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٠ ‏/ ٤٢٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَمْرِو بْنِ مُحَمَّدٍ الْعَنْقَزِيُّ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: «﴿فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا﴾ [الأعراف: ١٤٣] قَالَ: مَا تَجَلَّى مِنْهُ إِلَّا قَدْرُ الْخِنْصَرِ. ﴿جَعَلَهُ دَكًّا﴾ [الأعراف: ١٤٣] قَالَ: تُرَابًا. ﴿وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا﴾ [الأعراف: ١٤٣] قَالَ: مَغْشِيًّا عَلَيْهِ»
١٠ ‏/ ٤٢٧
حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، قَالَ: زَعَمَ السُّدِّيُّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ: «تَجَلَّى مِنْهُ مِثْلُ الْخِنْصَرِ، فَجَعَلَ الْجَبَلَ دَكًّا، وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا، فَلَمْ يَزَلْ صَعِقًا مَا شَاءَ اللَّهُ»
١٠ ‏/ ٤٢٧
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: «﴿وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا﴾ [الأعراف: ١٤٣] قَالَ: مَغْشِيًّا عَلَيْهِ»
١٠ ‏/ ٤٢٨
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: «﴿فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا﴾ [الأعراف: ١٤٣] قَالَ: انْقَعَرَ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا أَيْ: مَيِّتًا»
١٠ ‏/ ٤٢٨
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: «﴿وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا﴾ [الأعراف: ١٤٣] أَيْ: مَيِّتًا»
١٠ ‏/ ٤٢٨
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: «﴿دَكًّا﴾ [الأعراف: ١٤٣] قَالَ: دَكَّ بَعْضُهُ بَعْضًا»
١٠ ‏/ ٤٢٨
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا سُوَيْدٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: «﴿فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا﴾ [الأعراف: ١٤٣] قَالَ: سَاخَ الْجَبَلُ فِي الْأَرْضِ حَتَّى وَقَعَ فِي الْبَحْرِ، فَهُوَ يَذْهَبُ مَعَهُ»
١٠ ‏/ ٤٢٨
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، عَنِ الْحَجَّاجِ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْهُذَلِيِّ: «﴿فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا﴾ [الأعراف: ١٤٣] انْقَعَرَ فَدَخَلَ تَحْتَ الْأَرْضِ فَلَا يَظْهَرُ إِلَى يَوْمِ ⦗٤٢٩⦘ الْقِيَامَةِ»
١٠ ‏/ ٤٢٨
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سُهَيْلٍ الْوَاسِطِيُّ، قَالَ: ثنا قُرَّةُ بْنُ عِيسَى، قَالَ: ثنا الْأَعْمَشُ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، قَالَ: «لَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ أَشَارَ بِأُصْبُعَيْهِ فَجَعَلَهُ دَكًّا» . وَأَرَانَا أَبُو إِسْمَاعِيلَ بِأُصْبُعِهِ السَّبَّابَةِ
١٠ ‏/ ٤٢٩
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثني الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ، قَالَ: ثنا حَمَّادٌ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا﴾ [الأعراف: ١٤٣] قَالَ: «هَكَذَا» بِأُصْبُعِهِ وَوَضَعَ النَّبِيُّ ﷺ الْإِبْهَامَ عَلَى الْمِفْصَلِ الْأَعْلَى مِنَ الْخِنْصَرِ، «فَسَاخَ الْجَبَلُ»
١٠ ‏/ ٤٢٩
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ، قَالَ: ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «﴿فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا﴾ [الأعراف: ١٤٣] قَالَ: وَضَعَ الْإِبْهَامَ قَرِيبًا مِنْ طَرَفِ خِنْصَرِهِ، قَالَ: «فَسَاخَ الْجَبَلُ» فَقَالَ حُمَيْدٌ لِثَابِتٍ: تَقُولُ هَذَا؟ قَالَ: فَرَفَعَ ثَابِتٌ يَدَهُ فَضَرَبَ صَدْرَ حُمَيْدٍ، وَقَالَ: يَقُولُهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَيَقُولُهُ أَنَسٌ وَأَنَا أَكْتُمُهُ»
١٠ ‏/ ٤٢٩
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، «﴿فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا﴾ [الأعراف: ١٤٣] وَذَلِكَ أَنَّ الْجَبَلَ حِينَ كُشِفَ الْغِطَاءُ وَرَأَى النُّورَ صَارَ مِثْلَ دَكٍّ مِنَ الدَّكَّاتِ»
١٠ ‏/ ٤٣٠
حَدَّثَنَا الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: ثنا أَبُو سَعْدٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ﴾ [الأعراف: ١٤٣] فَإِنَّهُ أَكْبَرُ مِنْكَ وَأَشَدُّ خَلْقًا. ﴿فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ﴾ [الأعراف: ١٤٣] فَنَظَرَ إِلَى الْجَبَلِ لَا يَتَمَالَكُ، وَأَقْبَلَ الْجَبَلُ يَنْدَكُّ عَلَى أَوَّلِهِ فَلَمَّا رَأَى مُوسَى مَا يَصْنَعُ الْجَبَلُ خَرَّ صَعِقًا» وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿دَكًّا﴾ [الأعراف: ١٤٣] فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ: ﴿دَكًّا﴾ [الأعراف: ١٤٣] مَقْصُورًا بِالتَّنْوِينِ، بِمَعْنَى: دَكَّ اللَّهُ الْجَبَلَ دَكًّا أَيْ: فَتَّتَهُ، وَاعْتِبَارًا بِقَوْلِ اللَّهِ: ﴿كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا﴾ [الفجر: ٢١]، وَقَوْلُهُ: ﴿وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً﴾ [الحاقة: ١٤] وَاسْتَشْهَدَ بَعْضُهُمْ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِ حُمَيْدٍ:
[البحر الرجز]
١٠ ‏/ ٤٣٠
يَدُكُّ أَرْكَانَ الْجِبَالِ هَزَمُهْ … تَخْطِرُ بِالْبِيضِ الرِّقَاقِ بُهَمُهْ
وَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفِيِّينَ: (جَعَلَهُ دَكَّاءَ) بِالْمَدِّ وَتَرْكِ الْجَرِّ وَالتَّنْوِينِ، مِثْلُ حَمْرَاءَ وَسَوْدَاءَ. وَكَانَ مِمَّنْ يَقْرَؤُهُ كَذَلِكَ عِكْرِمَةُ، وَيَقُولُ فِيهِ مَا
١٠ ‏/ ٤٣١
حَدَّثَنِي بِهِ أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: ثنا الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ، قَالَ: ثنا عَبَّادُ بْنُ عَبَّادٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ حَازِمٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: «دَكَّاءُ مِنَ الدَّكَّاوَاتِ. وَقَالَ: لَمَّا نَظَرَ اللَّهُ تبارك وتعالى إِلَى الْجَبَلِ صَارَ صَخْرَةً تُرَابًا» وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي مَعْنَاهُ إِذَا قُرِئَ كَذَلِكَ. فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ: الْعَرَبُ تَقُولُ: نَاقَةٌ دَكَّاءُ: لَيْسَ لَهَا سَنَامٌ، وَقَالَ: الْجَبَلُ مُذَكَّرٌ، فَلَا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ: جَعَلَهُ مِثْلَ دَكَّاءَ، حَذَفَ مِثْلَ، وَأَجْرَاهُ مَجْرَى: ﴿وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ﴾ [يوسف: ٨٢] وَكَانَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ يَقُولُ: مَعْنَى ذَلِكَ: جَعَلَ الْجَبَلَ أَرْضًا دَكَّاءَ، ثُمَّ حُذِفَتِ الْأَرْضُ وَأُقِيمَتِ الدَّكَّاءُ مُقَامَهَا إِذْ أَدَّتْ عَنْهَا.
١٠ ‏/ ٤٣١
وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ عِنْدِي قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ: (جَعَلَهُ دَكَّاءَ) بِالْمَدِّ، وَتَرْكِ الْجَرِّ لِدَلَالَةِ الْخَبَرِ الَّذِي رُوِّينَاهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عَلَى صِحَّتِهِ وَذَلِكَ أَنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «فَسَاخَ الْجَبَلُ» وَلَمْ يَقُلْ: فَتَفَتَّتَ، وَلَا تَحَوَّلَ تُرَابًا. وَلَا شَكَّ أَنَّهُ إِذَا سَاخَ فَذَهَبَ ظَهَرَ وَجْهُ الْأَرْضِ، فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ النَّاقَةِ الَّتِي قَدْ ذَهَبَ سَنَامُهَا، وَصَارَتْ دَكَّاءَ بِلَا سَنَامٍ. وَأَمَّا إِذَا دُكَّ بَعْضُهُ فَإِنَّمَا يَكْسِرُ بَعْضُهُ بَعْضًا وَيَتَفَتَّتُ وَلَا يَسُوخُ. وَأَمَّا الدَّكَّاءُ فَإِنَّهَا خَلَفٌ مِنَ الْأَرْضِ، فَلِذَلِكَ أُنِّثَتْ عَلَى مَا قَدْ بَيَّنْتُ. فَمَعْنَى الْكَلَامِ إِذَنْ: فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ سَاخَ، فَجَعَلَ مَكَانَهُ أَرْضًا دَكَّاءَ. وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الصَّعْقِ بِشَوَاهِدِهِ فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ
١٠ ‏/ ٤٣٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الأعراف: ١٤٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَلَمَّا ثَابَ إِلَى مُوسَى عليه السلام فَهْمُهُ مِنْ غَشْيَتِهِ، وَذَلِكَ هُوَ الْإِفَاقَةُ مِنَ الصَّعْقَةِ الَّتِي خَرَّ لَهَا مُوسَى ﷺ، قَالَ: ﴿سُبْحَانَكَ﴾ [البقرة: ٣٢] تَنْزِيهًا لَكَ يَا رَبِّ وَتَبْرِئَةً أَنْ يَرَاكَ أَحَدٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ يَعِيشَ. ﴿تُبْتُ إِلَيْكَ﴾ [الأعراف: ١٤٣] مِنْ مَسْأَلَتِي إِيَّاكَ مَا ⦗٤٣٣⦘ سَأَلْتُكَ مِنَ الرُّؤْيَةِ. ﴿وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الأعراف: ١٤٣] بِكَ مِنْ قَوْمِي أَنْ لَا يَرَاكَ فِي الدُّنْيَا أَحَدٌ إِلَّا هَلَكَ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٠ ‏/ ٤٣٢
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيِّ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، فِي قَوْلِهِ: «﴿تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ،﴾ [الأعراف: ١٤٣] قَالَ: كَانَ قَبْلَهُ مُؤْمِنُونَ، وَلَكِنْ يَقُولُ: أَنَا أَوَّلُ مَنْ آمَنَ بِأَنَّهُ لَا يَرَاكَ أَحَدٌ مِنْ خَلَقِكَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ»
١٠ ‏/ ٤٣٣
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، قَالَ: «لَمَّا رَأَى مُوسَى ذَلِكَ وَأَفَاقَ، عَرَفَ أَنَّهُ قَدْ سَأَلَ أَمْرًا لَا يَنْبَغِي لَهُ، فَقَالَ: ﴿سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الأعراف: ١٤٣] قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: عَنَى أَنِّي أَوَّلُ مَنْ آمَنَ بِكَ أَنَّهُ لَنْ يَرَاكَ أَحَدٌ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ»
١٠ ‏/ ٤٣٣
حَدَّثَنِي عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ الْهَيْثَمِ، قَالَ: ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: قَالَ سُفْيَانُ: قَالَ أَبُو سَعْدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «﴿وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا﴾ [الأعراف: ١٤٣] فَمَرَّتْ بِهِ الْمَلَائِكَةُ وَقَدْ صَعِقَ، فَقَالَتْ: يَا ابْنَ النِّسَاءِ الْحُيَّضِ لَقَدْ سَأَلْتَ رَبَّكَ أَمْرًا عَظِيمًا. فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ: سُبْحَانَكَ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، تُبْتُ إِلَيْكَ، وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ: أَنَا أَوَّلُ مَنْ آمَنَ أَنَّهُ لَا يَرَاكَ أَحَدٌ مِنْ خَلَقِكَ، يَعْنِي فِي الدُّنْيَا»
١٠ ‏/ ٤٣٣
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الأعراف: ١٤٣] يَقُولُ: أَنَا أَوَّلُ مَنْ يُؤْمِنُ أَنَّهُ لَا يَرَاكَ شَيْءٌ مِنْ خَلَقِكَ»
١٠ ‏/ ٤٣٤
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ﴾ [الأعراف: ١٤٣] قَالَ: مِنْ مَسْأَلَتِي الرُّؤْيَةَ»
١٠ ‏/ ٤٣٤
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: ثنا أَبُو سَعْدٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ﴾ [الأعراف: ١٤٣] أَنْ أَسْأَلَكَ الرُّؤْيَةَ»
١٠ ‏/ ٤٣٤
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبُو نُعَيْمٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عِيسَى بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ﴾ [الأعراف: ١٤٣] أَنْ أَسْأَلَكَ الرُّؤْيَةَ»
١٠ ‏/ ٤٣٤
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عِيسَى بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ﴾ [الأعراف: ١٤٣] قَالَ: تُبْتُ إِلَيْكَ مِنْ أَنْ أَسْأَلَكَ الرُّؤْيَةَ» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَاهُ قَوْلُهُ: ﴿وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الأعراف: ١٤٣] بِكَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ. ⦗٤٣٥⦘ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٠ ‏/ ٤٣٤
حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَمْرِو بْنِ مُحَمَّدٍ الْعَنْقَزِيُّ، قَالَ: ثنا أَبِي، قَالَ، ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «﴿وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الأعراف: ١٤٣] قَالَ: أَوَّلُ مَنْ آمَنَ بِكَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ»
١٠ ‏/ ٤٣٥
حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «﴿وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الأعراف: ١٤٣] يَعْنِي: أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ»
١٠ ‏/ ٤٣٥
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: «﴿وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ،﴾ [الأعراف: ١٤٣] أَنَا أَوَّلُ، قَوْمِي إِيمَانًا»
١٠ ‏/ ٤٣٥
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، وَالْمُثَنَّى، قَالَا: ثنا أَبُو نُعَيْمٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عِيسَى بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ،﴾ [الأعراف: ١٤٣] يَقُولُ: أَوَّلُ قَوْمِي إِيمَانًا»
١٠ ‏/ ٤٣٥
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الأعراف: ١٤٣] قَالَ: أَنَا أَوَّلُ قَوْمِي إِيمَانًا»
١٠ ‏/ ٤٣٥
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: ثنا أَبُو سَعْدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ مُجَاهِدًا يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: «﴿وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الأعراف: ١٤٣] قَالَ: أَوَّلُ قَوْمِي آمَنُ» ⦗٤٣٦⦘ وَإِنَّمَا اخْتَرْنَا الْقَوْلَ الَّذِي اخْتَرْنَاهُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الأعراف: ١٤٣] عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ: مَعْنَاهُ: أَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ قَبْلَهُ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ مُؤْمِنُونَ وَأَنْبِيَاءُ، مِنْهُمْ وَلَدُ إِسْرَائِيلَ لِصُلْبِهِ، وَكَانُوا مُؤْمِنِينَ وَأَنْبِيَاءَ، فَلِذَلِكَ اخْتَرْنَا الْقَوْلَ الَّذِي قُلْنَاهُ قَبْلُ
١٠ ‏/ ٤٣٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَلَاتِي وَبِكَلاَمِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ اللَّهُ لِمُوسَى: ﴿يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ﴾ [الأعراف: ١٤٤] يَقُولُ: اخْتَرْتُكَ عَلَى النَّاسِ ﴿بِرِسَالَاتِي﴾ [الأعراف: ١٤٤] إِلَى خَلْقِي، أَرْسَلْتُكَ بِهَا إِلَيْهِمْ. ﴿وَبِكَلَامِي﴾ [الأعراف: ١٤٤] كَلَّمْتُكَ وَنَاجَيْتُكَ دُونَ غَيْرِكَ مِنْ خَلْقِي. ﴿فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ﴾ [الأعراف: ١٤٤] يَقُولُ: فَخُذْ مَا أَعْطَيْتُكَ مِنْ أَمْرِي وَنَهْيِي وَتَمَسَّكْ بِهِ، وَاعْمَلْ بِهِ، يُرِيدُ ﴿وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ﴾ [الأعراف: ١٤٤] لِلَّهِ عَلَى مَا آتَاكَ مِنْ رِسَالَتِهِ، وَحَصَلَ بِهِ مِنَ النَّجْوَى بِطَاعَتِهِ فِي أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ وَالْمُسَارَعَةِ إِلَى رِضَاهُ
١٠ ‏/ ٤٣٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ﴾ [الأعراف: ١٤٥]⦗٤٣٧⦘ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَكَتَبْنَا لِمُوسَى فِي أَلْوَاحِهِ. وَأُدْخِلَتِ الْأَلْفُ وَاللَّامُ فِي ﴿الْأَلْوَاحِ﴾ [الأعراف: ١٤٥] بَدَلًا مِنَ الْإِضَافَةِ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الطويل] وَالْأَحْلَامُ غَيْرُ عَوَازِبِ
وَكَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ﴿فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى﴾ [النازعات: ٤١] يَعْنِي: هِيَ مَأْوَاهُ. وَقَوْلُهُ: ﴿مِنْ كُلِّ شَيْءٍ﴾ [الأعراف: ١٤٥] يَقُولُ مِنَ التَّذْكِيرِ وَالتَّنْبِيهِ عَلَى عَظَمَةِ اللَّهِ وَعِزِّ سُلْطَانِهِ. ﴿مَوْعِظَةً﴾ [البقرة: ٢٧٥] لِقَوْمِهِ وَمَنْ أُمِرَ بِالْعَمَلِ بِمَا كُتِبَ فِي الْأَلْوَاحِ. ﴿وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ﴾ [الأنعام: ١٥٤] يَقُولُ: وَتَبْيِينًا لِكُلِّ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ وَنَهْيِهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٠ ‏/ ٤٣٦
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، أَوْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَهُوَ فِي أَصْلِ كِتَابِي، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: «﴿وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ﴾ [الأنعام: ١٥٤] قَالَ: مَا أُمِرُوا بِهِ وَنُهُوا عَنْهُ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، بِنَحْوِهِ
١٠ ‏/ ٤٣٧
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ ⦗٤٣٨⦘: «﴿وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ﴾ [الأعراف: ١٤٥] مِنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ»
١٠ ‏/ ٤٣٧
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: ثنا أَبُو سَعْدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ مُجَاهِدًا يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: «﴿وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ﴾ [الأنعام: ١٥٤] قَالَ: مَا أُمِرُوا بِهِ وَنُهُوا عَنْهُ»
١٠ ‏/ ٤٣٨
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ﴾ [الأعراف: ١٤٥] قَالَ عَطِيَّةُ: أَخْبَرَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ مُوسَى ﷺ لَمَّا كَرَبَهُ الْمَوْتُ قَالَ: هَذَا مِنْ أَجْلِ آدَمَ، قَدْ كَانَ اللَّهُ جَعَلْنَا فِي دَارِ مَثْوًى لَا نَمُوتُ، فَخَطَأُ آدَمَ أَنْزَلَنَا هَاهُنَا، فَقَالَ اللَّهُ لِمُوسَى: أَبْعَثُ إِلَيْكَ آدَمَ فَتُخَاصِمُهُ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَلَمَّا بَعَثَ اللَّهُ آدَمَ، سَأَلَهُ مُوسَى، فَقَالَ أَبُونَا آدَمُ عليه السلام: يَا مُوسَى سَأَلْتَ اللَّهَ أَنْ يَبْعَثَنِيَ لَكَ، قَالَ مُوسَى: لَوْلَا أَنْتَ لَمْ نَكُنْ هَاهُنَا. قَالَ لَهُ آدَمُ: أَلَيْسَ قَدْ أَتَاكَ اللَّهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا؟ أَفَلَسْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ ﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا﴾ [الحديد: ٢٢] قَالَ مُوسَى: بَلَى. فَخَصَمَهُ آدَمُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمَا»
١٠ ‏/ ٤٣٨
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ مَعْقِلٍ، أَنَّهُ سَمِعَ وَهْبًا، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: «﴿وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ﴾ [الأعراف: ١٤٥] قَالَ: كَتَبَ لَهُ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا مِنْ أَهْلِ السَّمَاءِ وَلَا مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ فَإِنَّ كُلَّ ذَلِكَ خَلْقِي، وَلَا تَحْلِفْ بِاسْمِي كَاذِبًا، فَإِنَّ مَنْ ⦗٤٣٩⦘ حَلَفَ بِاسْمِي كَاذِبًا فَلَا أُزَكِّيهِ، وَوَقِّرْ وَالِدَيْكَ»
١٠ ‏/ ٤٣٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ﴾ [الأعراف: ١٤٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَقُلْنَا لِمُوسَى إِذْ كَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ: خُذِ الْأَلْوَاحَ بِقُوَّةٍ. وَأَخْرَجَ الْخَبَرَ عَنِ الْأَلْوَاحِ، وَالْمُرَادُ مَا فِيهَا. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى الْقُوَّةِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهَا بِجَدٍّ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٠ ‏/ ٤٣٩
حَدَّثَنِي عَبْدُ الْكَرِيمِ، قَالَ: ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُيَيْنَةَ، قَالَ: قَالَ أَبُو سَعْدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «﴿فَخُدْهَا بِقُوَّةٍ﴾ قَالَ: بِجَدٍّ»
١٠ ‏/ ٤٣٩
حَدَّثَنِي مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: «﴿فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ﴾ [الأعراف: ١٤٥] قَالَ: بِجَدٍّ وَاجْتِهَادٍ» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: فَخُذْهَا بِالطَّاعَةِ لِلَّهِ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٠ ‏/ ٤٣٩
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ⦗٤٤٠⦘ أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ﴾ [الأعراف: ١٤٥] قَالَ: بِالطَّاعَةِ» وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى ذَلِكَ بِشَوَاهِدِهِ وَاخْتِلَافِ أَهْلِ التَّأْوِيلِ فِيهِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ: ﴿خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ﴾ [البقرة: ٦٣] فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ
١٠ ‏/ ٤٣٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا﴾ [الأعراف: ١٤٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قُلْنَا لِمُوسَى: وَأْمُرْ قَوْمَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا. يَقُولُ: يَعْمَلُوا بِأَحْسَنِ مَا يَجِدُونَ فِيهَا كَمَا
١٠ ‏/ ٤٤٠
حَدَّثَنِي مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: «﴿وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا﴾ [الأعراف: ١٤٥] بِأَحْسَنِ مَا يَجِدُونَ فِيهَا»
١٠ ‏/ ٤٤٠
حَدَّثَنِي عَبْدُ الْكَرِيمِ، قَالَ: ثنا إِبْرَاهِيمُ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، قَالَ: ثنا أَبُو سَعْدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «﴿وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا﴾ [الأعراف: ١٤٥] قَالَ: أُمِرَ مُوسَى أَنْ يَأْخُذَهَا بِأَشَدِّ مِمَّا أَمَرَ بِهِ قَوْمَهُ» فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا﴾ [الأعراف: ١٤٥] أَكَانَ مِنْ خِصَالِهِمْ تَرْكُ بَعْضِ مَا فِيهَا مِنَ الْحُسْنِ؟ قِيلَ: لَا وَلَكِنْ كَانَ فِيهَا أَمْرٌ وَنَهْي، فَأَمَرَهُمُ اللَّهُ أَنْ يَعْمَلُوا بِمَا أَمَرَهُمْ بِعَمَلِهِ وَيَتْرُكُوا مَا نَهَاهُمْ عَنْهُ، فَالْعَمَلُ ⦗٤٤١⦘ بِالْمَأْمُورِ بِهِ أَحْسَنُ مِنَ الْعَمَلِ بِالْمَنْهِيِّ عَنْهُ
١٠ ‏/ ٤٤٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ﴾ [الأعراف: ١٤٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِمُوسَى إِذْ كَتَبَ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ: خُذْهَا بِجَدٍّ فِي الْعَمَلِ بِمَا فِيهَا وَاجْتِهَادٍ، وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِ مَا فِيهَا، وَانْهَهُمْ عَنْ تَضْيِيعِهَا وَتَضْيِيعِ الْعَمَلِ بِمَا فِيهَا وَالشِّرْكِ بِي، فَإِنَّ مَنْ أَشْرَكَ بِي مِنْهُمْ وَمِنْ غَيْرِهِمْ، فَإِنِّي سَأُرِيهِ فِي الْآخِرَةِ عِنْدَ مَصِيرِهِ إِلَيَّ دَارَ الْفَاسِقِينَ، وَهِيَ نَارُ اللَّهِ الَّتِي أَعَدَّهَا لِأَعْدَائِهِ. وَإِنَّمَا قَالَ: ﴿سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ﴾ [الأعراف: ١٤٥] كَمَا يَقُولُ الْقَائِلُ لِمَنْ يُخَاطِبُهُ: سَأُرِيكَ غَدًا إِلَامَ يَصِيرُ إِلَيْهِ حَالُ مَنْ خَالَفَ أَمْرِي، عَلَى وَجْهِ التَّهْدِيدِ وَالْوَعِيدِ لِمَنْ عَصَاهُ وَخَالَفَ أَمْرَهُ. وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ بِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٠ ‏/ ٤٤١
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثني عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ﴾ [الأعراف: ١٤٥] قَالَ: مَصِيرُهُمْ فِي الْآخِرَةِ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ
١٠ ‏/ ٤٤١
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُسْلِمٌ، قَالَ: ثنا مُبَارَكٌ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: «﴿سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ﴾ [الأعراف: ١٤٥] قَالَ: جَهَنَّمُ» ⦗٤٤٢⦘ وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: سَأُدْخِلُكُمْ أَرْضَ الشَّامِ، فَأُرِيكُمْ مَنَازِلَ الْكَافِرِينَ الَّذِينَ هُمْ سُكَّانُهَا مِنَ الْجَبَابِرَةِ وَالْعَمَالِقَةِ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٠ ‏/ ٤٤١
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ﴾ [الأعراف: ١٤٥] مَنَازِلُهُمْ»
١٠ ‏/ ٤٤٢
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿دَارَ الْفَاسِقِينَ﴾ [الأعراف: ١٤٥] قَالَ: مَنَازِلُهُمْ» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: سَأُرِيكُمْ دَارَ قَوْمِ فِرْعَوْنَ، وَهِيَ مِصْرُ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: وَإِنَّمَا اخْتَرْنَا الْقَوْلَ الَّذِي اخْتَرْنَاهُ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الَّذِي قَبْلَ قَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ﴾ [الأعراف: ١٤٥] أَمْرٌ مِنَ اللَّهِ لِمُوسَى وَقَوْمِهِ بِالْعَمَلِ بِمَا فِي التَّوْرَاةِ، فَأَوْلَى الْأُمُورِ بِحِكْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَخْتِمَ ذَلِكَ بِالْوَعِيدِ عَلَى مَنْ ضَيَّعَهُ وَفَرَّطَ فِي الْعَمَلِ لِلَّهِ وَحَادَ عَنْ سَبِيلِهِ، دُونَ الْخَبَرِ عَمَّا قَدِ انْقَطَعَ الْخَبَرُ عَنْهُ أَوْ عَمَّا لَمْ يَجُزْ لَهُ ذِكْرٌ
١٠ ‏/ ٤٤٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِن يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ﴾ [الأعراف: ١٤٦] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: سَأَنْزِعُ ⦗٤٤٣⦘ عَنْهُمْ فَهْمَ الْكِتَابِ
١٠ ‏/ ٤٤٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الْمَرْوَزِيُّ، قَالَ: ثني مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَكْرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُيَيْنَةَ، يَقُولُ فِي قَوْلِ اللَّهِ: «﴿سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾ [الأعراف: ١٤٦] قَالَ: يَقُولُ: أَنْزِعُ عَنْهُمْ فَهْمَ الْقُرْآنِ، وَأَصْرِفُهُمْ عَنْ آيَاتِيَ» وَتَأْوِيلُ ابْنِ عُيَيْنَةَ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ كَانَ عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وَعِيدًا لِأَهْلِ الْكُفْرِ بِاللَّهِ مِمَّنْ بُعِثَ إِلَيْهِمْ نَبِيُّنَا ﷺ دُونَ قَوْمِ مُوسَى؛ لِأَنَّ الْقُرْآنَ إِنَّمَا أُنْزِلَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ ﷺ دُونَ مُوسَى عليه السلام. وَقَالَ آخَرُونَ فِي ذَلِكَ: مَعْنَاهُ: سَأَصْرِفُهُمْ عَنِ الِاعْتِبَارِ بِالْحُجَجِ
١٠ ‏/ ٤٤٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: «﴿سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ﴾ [الأعراف: ١٤٦] عَنْ خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْآيَاتِ فِيهَا، سَأَصْرِفُهُمْ عَنْ أَنْ يَتَفَكَّرُوا فِيهَا وَيَعْتَبِرُوا» وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ أَخْبَرَ أَنَّهُ سَيَصْرِفُ عَنْ آيَاتِهِ، وَهِيَ أَدِلَّتُهُ وَأَعْلَامُهُ عَلَى حَقِّيَّةِ مَا أَمَرَ بِهِ عِبَادَهُ وَفَرَضَ عَلَيْهِمْ مِنْ طَاعَتِهِ فِي تَوْحِيدِهِ وَعَدْلِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ فَرَائِضِهِ، وَالسَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ، وَكُلُّ مَوْجُودٍ مِنْ خَلْقِهِ فَمَنْ آيَاتِهِ، وَالْقُرْآنُ أَيْضًا مِنْ آيَاتِهِ. وَقَدْ عَمَّ بِالْخَبَرِ
١٠ ‏/ ٤٤٣
أَنَّهُ يَصْرِفُ عَنْ آيَاتِهِ الْمُتَكَبِّرِينَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ، وَهُمُ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ اللَّهِ أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ، فَهُمْ عَنْ فَهْمِ جَمِيعِ آيَاتِهِ وَالِاعْتِبَارِ وَالِادِّكَارِ بِهَا مَصْرُوفُونَ؛ لِأَنَّهُمْ لَوْ وُفِّقُوا لِفَهْمِ بَعْضِ ذَلِكَ فَهُدُوا لِلِاعْتِبَارِ بِهِ اتَّعَظُوا وَأَنَابُوا إِلَى الْحَقِّ، وَذَلِكَ غَيْرُ كَائِنٍ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَالَ: ﴿وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا﴾ [الأنعام: ٢٥] فَلَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ
١٠ ‏/ ٤٤٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ﴾ [الأعراف: ١٤٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَإِنَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ. وَتَكَبُّرُهُمْ فِيهَا بِغَيْرِ الْحَقِّ: تَجَبُّرُهُمْ فِيهَا، وَاسْتِكْبَارُهُمْ عَنِ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْإِذْعَانِ لَأَمْرِهِ وَنَهْيِهِ، وَهُمْ لِلَّهِ عُبَيْدٌ يَغْذُوهُمْ بِنِعْمَتِهِ وَيُرِيحُ عَلَيْهِمْ رِزْقَهُ بُكْرَةً وَعَشِيًّا. ﴿كُلَّ آيَةٍ﴾ [الأنعام: ٢٥] يَقُولُ: كُلَّ حُجَّةٍ لِلَّهِ عَلَى وَحْدَانِيَّتِهِ وَرُبُوبِيَّتِهِ، وَكُلَّ دَلَالَةٍ عَلَى أَنَّهُ لَا تَنْبَغِي الْعِبَادَةُ إِلَّا لَهُ خَالِصَةً دُونَ غَيْرِهِ. ﴿لَا يُؤْمِنُوا بِهَا﴾ [الأنعام: ٢٥] يَقُولُ: لَا يُصَدِّقُوا بِتِلْكَ الْآيَةِ أَنَّهَا دَالَّةٌ عَلَى مَا هِيَ فِيهِ حُجَّةٌ، وَلَكِنَّهُمْ يَقُولُونَ: هِيَ سِحْرٌ وَكَذِبٌ. ﴿وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا﴾ [الأعراف: ١٤٦] يَقُولُ: وَإِنَّ يَرَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ وَصَفَ صِفَتَهُمْ طَرِيقَ الْهُدَى وَالسَّدَادِ الَّذِي إِنْ سَلَكُوهُ نَجَوْا مِنَ الْهَلَكَةِ وَالْعَطَبِ وَصَارُوا إِلَى نَعِيمِ الْأَبَدِ لَا يَسْلُكُوهُ وَلَا يَتَّخِذُوهُ لِأَنْفُسِهِمْ طَرِيقًا؛ جَهْلًا مِنْهُمْ وَحِيرَةً. ﴿وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ﴾ [الأعراف: ١٤٦] يَقُولُ: وَإِنْ يَرَوْا طَرِيقَ الْهَلَاكِ الَّذِي إِنْ سَلَكُوهُ ضَلُّوا وَهَلَكُوا. وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْغَيِّ فِيمَا مَضَى قَبْلُ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ. ﴿يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا﴾ [الأعراف: ١٤٦] يَقُولُ: يَسْلُكُوهُ وَيَجْعَلُوهُ لِأَنْفُسِهِمْ طَرِيقًا لِصَرْفِ اللَّهِ إِيَّاهُمْ
١٠ ‏/ ٤٤٤
عَنْ آيَاتِهِ وَطَبْعِهِ عَلَى قُلُوبِهِمْ، فَهُمْ لَا يُفْلِحُونَ وَلَا يَنْجَحُونَ. ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ﴾ [الأعراف: ١٤٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: صَرَفْنَاهُمْ عَنْ آيَاتِنَا أَنْ يَعْقِلُوهَا وَيَفْهَمُوهَا، فَيَعْتَبِرُوا بِهَا وَيَذَّكَرُوا فيُنِيبُوا؛ عُقُوبَةً مِنَّا لَهُمْ عَلَى تَكْذِيبِهِمْ بِآيَاتِنَا، ﴿وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ﴾ [الأعراف: ١٣٦] يَقُولُ: وَكَانُوا عَنْ آيَاتِنَا وَأَدِلَّتِنَا الشَّاهِدَةِ عَلَى حَقِّيَّةِ مَا أَمَرْنَاهُمْ بِهِ وَنَهَيْنَاهُمْ عَنْهُ غَافِلِينَ لَا يَتَفَكَّرُونَ فِيهَا، لَاهِينَ عَنْهَا لَا يَعْتَبِرُونَ بِهَا، فَحَقَّ عَلَيْهِمْ حِينَئِذٍ قَوْلُ رَبِّنَا، فَعَطَبُوا. وَاخْتَلَفَ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿الرُّشْدِ﴾ [البقرة: ٢٥٦] فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَبَعْضُ الْمَكِّيِّينَ وَبَعْضُ الْبَصْرِيِّينَ: ﴿الرُّشْدِ﴾ [البقرة: ٢٥٦] بِضَمِّ الرَّاءِ وَتَسْكِينِ الشِّينِ. وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَبَعْضُ الْمَكِّيِّينَ: (الرَّشَدِ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَالشِّينِ. ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ بِكَلَامِ الْعَرَبِ فِي مَعْنَى ذَلِكَ إِذَا ضُمَّتْ رَاؤُهُ وَسَكَنَتْ شِينُهُ، وَفِيهِ إِذَا فُتِحَتَا جَمِيعًا. فَذُكِرَ عَنْ أَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: مَعْنَاهُ إِذَا ضُمَّتْ رَاؤُهُ وَسَكَنَتْ شِينُهُ: الصَّلَاحُ، كَمَا قَالَ اللَّهُ: ﴿فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا﴾ [النساء: ٦] بِمَعْنَى: صَلَاحًا وَكَذَلِكَ كَانَ يَقْرَؤُهُ هُوَ وَمَعْنَاهُ إِذَا فُتِحَتْ رَاؤُهُ وَشِينُهُ: الرَّشَدُ فِي الدِّينِ، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: (تُعَلِّمَنِي مِمَّا عُلِّمْتَ رَشَدًا) بِمَعْنَى الِاسْتِقَامَةِ وَالصَّوَابِ فِي الدِّينِ. وَكَانَ الْكِسَائِيُّ يَقُولُ: هُمَا لُغَتَانِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، مِثْلُ: السَّقَمُ وَالسُّقْمُ، وَالْحَزَنُ وَالْحُزْنُ، وَكَذَلِكَ الرَّشَدُ وَالرُّشْدُ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مُسْتَفِيضَةٌ الْقِرَاءَةُ
١٠ ‏/ ٤٤٥
بِهِمَا فِي قِرَاءَةِ الْأَمْصَارِ مُتَّفِقَتَا الْمَعْنَى، فَبِأيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ الصَّوَابَ بِهَا
١٠ ‏/ ٤٤٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الأعراف: ١٤٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: هَؤُلَاءِ الْمُسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ، وَكُلُّ مُكَذِّبٍ حُجَجَ اللَّهِ وَرُسُلَهُ وَآيَاتِهِ، وَجَاحِدٌ أَنَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَبْعُوثٌ بَعْدَ مَمَاتِهِ، وَمُنْكِرٌ لِقَاءَ اللَّهِ فِي آخِرَتِهِ، ذَهَبَتْ أَعْمَالُهُمْ فَبَطُلَتْ، وَحَصُلَتْ لَهُمْ أَوْزَارُهَا فَثَبَتَتْ؛ لِأَنَّهُمْ عَمِلُوا لِغَيْرِ اللَّهِ وَأَتْعَبُوا أَنْفُسَهُمْ فِي غَيْرِ مَا يَرْضَى اللَّهُ، فَصَارَتْ أَعْمَالُهُمْ عَلَيْهِمْ وَبَالًا، يَقُولُ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الأعراف: ١٤٧] يَقُولُ: هَلْ يَنَالُونَ إِلَّا ثَوَابَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ، فَصَارَ ثَوَابُ أَعْمَالِهِمُ الْخُلُودَ فِي نَارٍ أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا؛ إِذْ كَانَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي طَاعَةِ الشَّيْطَانِ دُونَ طَاعَةِ الرَّحْمَنِ نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ غَضَبِهِ. وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْحُبُوطِ وَالْجَزَاءِ وَالْآخِرَةِ فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ
١٠ ‏/ ٤٤٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لاَ يُكَلِّمُهُمْ وَلاَ يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ﴾ [الأعراف: ١٤٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَاتَّخَذَ بَنُو إِسْرَائِيلَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِ مَا فَارَقَهُمْ مُوسَى مَاضِيًا إِلَى رَبِّهِ؛ لِمُنَاجَاتِهِ وَوَفَاءً لِلْوَعْدِ الَّذِي كَانَ رَبُّهُ وَعَدَهُ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا وَهُوَ وَلَدُ الْبَقَرَةِ، فعَبَدُوهُ. ثُمَّ بَيَّنَ تَعَالَى ذِكْرُهُ مَا ذَلِكَ الْعِجْلُ فَقَالَ
١٠ ‏/ ٤٤٦
: ﴿جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ﴾ [الأعراف: ١٤٨] وَالْخُوارُ: صَوْتُ الْبَقَرِ. يُخْبِرُ جَلَّ ذِكْرُهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ ضَلُّوا بِمَا لَا يَضِلُّ بِمِثْلِهِ أَهْلُ الْعَقْلِ، وَذَلِكَ أَنَّ الرَّبَّ ﷻ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمُدَبِّرُ ذَلِكَ، لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ، لَا يُكَلِّمُ أَحَدًا وَلَا يُرْشِدُ إِلَى خَيْرٍ. وَقَالَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ قَصَّ اللَّهُ قَصَصَهُمْ لِذَلِكَ هَذَا إِلَهُنَا وَإِلَهُ مُوسَى، فَعَكَفُوا عَلَيْهِ يَعْبُدُونَهُ جَهْلًا مِنْهُمْ وَذَهَابًا عَنِ اللَّهِ وَضَلَالًا. وَقَدْ بَيَّنَّا سَبَبَ عِبَادَتِهِمْ إِيَّاهُ وَكَيْفَ كَانَ اتِّخَاذُ مَنِ اتَّخَذَ مِنْهُمُ الْعِجْلَ فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ. وَفِي الْحُلِيِّ لُغَتَانِ: ضَمُّ الْحَاءِ وَهُوَ الْأَصْلُ، وَكَسْرُهَا، وَكَذَلِكَ ذَلِكَ فِي كُلِّ مَا شَاكَلَهُ مِنْ مِثْلِ صِلِيٍّ وَجِثِيٍّ وَعِتِيٍّ. وَبِأَيَّتِهَمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ الصَّوَابَ، لِاسْتِفَاضَةِ الْقِرَاءَةِ بِهِمَا فِي الْقِرَاءَةِ، وَلِاتِّفَاقِ مَعْنَيَيْهِمَا. وَقَوْلُهُ: ﴿أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا﴾ [الأعراف: ١٤٨] يَقُولُ: أَلَمْ يَرَ الَّذِينَ عَكَفُوا عَلَى الْعِجْلِ الَّذِي اتَّخَذُوهُ مِنْ حُلِيِّهِمْ يَعْبُدُونَهُ أَنَّ الْعِجْلَ ﴿لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيِهِمْ سَبِيلًا﴾ [الأعراف: ١٤٨] يَقُولُ: وَلَا يُرْشِدُهُمْ إِلَى طَرِيقٍ. وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ صِفَةِ رَبِّهِمُ الَّذِي لَهُ الْعِبَادَةُ حَقًّا، بَلْ صِفَتُهُ أَنَّهُ يُكَلِّمُ أَنْبِيَاءَهُ وَرُسُلَهُ، وَيُرْشِدُ خَلْقَهُ إِلَى سَبِيلِ الْخَيْرِ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ سَبِيلِ الْمَهَالِكِ وَالرَّدَى. يَقُولُ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿اتَّخَذُوهُ﴾ [الأعراف: ١٤٨] أَيِ: اتَّخَذُوا الْعِجْلَ إِلَاهًا. ﴿وَكَانُوا﴾ [البقرة: ٦١] بِاتِّخَاذِهِمْ إِيَّاهُ رِبًّا مَعْبُودًا ﴿ظَالِمِينَ﴾ [الأعراف: ٥] لِأَنْفُسِهِمْ، لِعِبَادَتِهِمْ غَيْرَ مَنْ لَهُ الْعِبَادَةُ، وَإضَافَتِهِمُ الْأُلُوهَةَ إِلَى غَيْرِ الَّذِي لَهُ الْأُلُوهَةُ. وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الظُّلْمِ فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ
١٠ ‏/ ٤٤٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قَالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [الأعراف: ١٤٩] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ﴾ [الأعراف: ١٤٩] وَلَمَّا نَدِمَ الَّذِينَ عَبَدُوا الْعِجْلَ الَّذِي وَصَفَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ صِفَتَهُ عِنْدَ رُجُوعِ مُوسَى إِلَيْهِمْ، وَاسْتَسْلَمُوا لِمُوسَى وَحُكْمِهِ فِيهِمْ. وَكَذَلِكَ تَقُولُ الْعَرَبُ لِكُلِّ نَادِمٍ عَلَى أَمْرٍ فَاتَ مِنْهُ أَوْ سَلَفَ وَعَاجِزٌ عَنْ شَيْءٍ: قَدْ سُقِطَ فِي يَدَيْهِ، وأُسْقِطَ لُغَتَانِ فَصِيحَتَانِ، وَأَصْلُهُ مِنَ الِاسْتِئْسَارِ، وَذَلِكَ أَنْ يَضْرِبَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ أَوْ يَصْرَعَهُ، فَيَرْمِيَ بِهِ مِنْ يَدَيْهِ إِلَى الْأَرْضِ لِيَأْسِرَهُ فَيُكَتِّفَهُ، فَالْمَرْمِيُّ بِهِ مَسْقُوطٌ فِي يَدَيِ السَّاقِطِ بِهِ، فَقِيلَ لِكُلِّ عَاجِزٍ عَنْ شَيْءٍ وَمُصَارَعٍ لِعَجْزِهِ مُتَنَدِّمٍ عَلَى مَا فَاتَهُ: سُقِطَ فِي يَدَيْهِ وَأُسْقِطَ. وَعَنَى بِقَوْلِهِ: ﴿وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا﴾ [الأعراف: ١٤٩] وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ جَارُوا عَنْ قَصْدِ السَّبِيلِ وَذَهَبُوا عَنْ دَيْنِ اللَّهِ، وَكَفَرُوا بِرَبِّهِمْ، قَالُوا تَائِبِينَ إِلَى اللَّهِ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ مِنْ كُفْرِهِمْ بِهِ: ﴿لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [الأعراف: ١٤٩] ثُمَّ اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَهُ بَعْضُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ وَالْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ: «لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا» بِالرَّفْعِ عَلَى وَجْهِ الْخَبَرِ. وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْكُوفَةِ: (لَئِنْ لَمْ تَرْحَمْنَا رَبَّنَا) بِالنَّصْبِ بِتَأْوِيلِ لَئِنْ لَمْ تَرْحَمْنَا يَا رَبَّنَا، عَلَى وَجْهِ الْخَطَّابِ مِنْهُمْ لِرَبِّهِمْ. وَاعْتَلَّ
١٠ ‏/ ٤٤٨
قَارِئُو ذَلِكَ كَذَلِكَ بِأَنَّهُ فِي إِحْدَى الْقِرَاءَتَيْنِ: (قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَرْحَمْنَا رَبَّنَا وَتَغْفِرْ لَنَا) وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى الْخَطَّابِ. وَالَّذِي هُوَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي ذَلِكَ الْقِرَاءَةُ عَلَى وَجْهِ الْخَبَرِ بِالْيَاءِ فِي ﴿يَرْحَمْنَا﴾ [الأعراف: ١٤٩] وَبِالرَّفْعِ فِي قَوْلِهِ ﴿رَبُّنَا﴾ [البقرة: ١٢٧]؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْ ذَلِكَ مَا يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ مُوَجَّهًا إِلَى الْخَطَّابِ. وَالْقِرَاءَةُ الَّتِي حُكِيَتْ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ قِرَاءَتِها: (قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَرْحَمْنَا رَبَّنَا) لَا نَعْرِفُ صِحَّتَهَا مِنَ الْوَجْهِ الَّذِي يَجِبُ التَّسْلِيمُ إِلَيْهِ. وَمَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا﴾ [الأعراف: ١٤٩] لَئِنْ لَمْ يَتَعَطَّفْ عَلَيْنَا رَبُّنَا بِالتَّوْبَةِ بِرَحْمَتِهِ، وَيَتَغَمَّدْ بِهَا ذُنُوبَنَا، لَنَكُونَنَّ مِنَ الْهَالِكِينَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ
١٠ ‏/ ٤٤٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَال بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الألْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ الأعْدَاءَ وَلاَ تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ [الأعراف: ١٥٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، رَجَعَ غَضْبَانَ أَسِفًا؛ لِأَنَّ اللَّهَ كَانَ قَدْ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ قَدْ فَتَنَ قَوْمَهُ، وَأَنَّ السَّامِرِيَّ قَدْ أَضَلَّهُمْ، فَكَانَ رُجُوعُهُ غَضْبَانَ أَسِفًا لِذَلِكَ. وَالْأَسَفُ: شِدَّةُ الْغَضَبِ وَالتَّغَيُّظُ بِهِ عَلَى مَنْ أَغْضَبَهُ
١٠ ‏/ ٤٤٩
كَمَا حَدَّثَنِي عِمْرَانُ بْنُ بَكَّارٍ الْكَلَاعِيُّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَضْرَمِيُّ، قَالَ: ثني شُرَيْحُ بْنُ يَزِيدَ، قَالَ: سَمِعْتُ نَصْرَ بْنَ عَلْقَمَةَ، يَقُولُ: قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: قَوْلُ اللَّهِ: «﴿غَضْبَانَ أَسِفًا﴾ [الأعراف: ١٥٠] قَالَ: الْأَسَفُ: مَنْزِلَةٌ وَرَاءَ الْغَضَبِ أَشَدُّ مِنْ ذَلِكَ، وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ: ذَهَبَ إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ، وَذَهَبَ أَسِفًا» وَقَالَ آخَرُونَ فِي ذَلِكَ مَا
١٠ ‏/ ٤٥٠
حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، «﴿أَسِفًا﴾ [الأعراف: ١٥٠] قَالَ: حَزِينًا»
١٠ ‏/ ٤٥٠
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «﴿وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا﴾ [الأعراف: ١٥٠] يَقُولُ: أَسِفًا حَزِينًا وَقَالَ فِي الزُّخْرُفِ ﴿فَلَمَّا آسَفُونَا﴾ [الزخرف: ٥٥] يَقُولُ: أَغْضَبُونَا. وَالْأَسَفُ عَلَى وَجْهَيْنِ: الْغَضَبُ وَالْحُزْنُ»
١٠ ‏/ ٤٥٠
حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: ثنا مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ، قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: «وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ: غَضْبَانَ حَزِينًا» وَقَوْلُهُ قَالَ: بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي يَقُولُ: بِئْسَ الْفِعْلُ فَعَلْتُمْ بَعْدَ فِرَاقِي إِيَّاكُمْ وَأَوْلَيْتُمُوني فِيمَنْ خَلَّفْتُ مِنْ وَرَائِي مِنْ قَوْمِي فِيكُمْ وَدِينِي الَّذِي أَمَرَكُمْ بِهِ ⦗٤٥١⦘ رَبُّكُمْ. يُقَالُ مِنْهُ: خَلَفَهُ بِخَيْرٍ وَخَلَفَهُ بِشْرٍ إِذَا أَوْلَاهُ فِي أَهْلِهِ أَوْ قَوْمِهِ وَمَنْ كَانَ مِنْهُ بِسَبِيلٍ مِنْ بَعْدِ شُخُوصِهِ عَنْهُمْ خَيْرًا أَوْ شَرًّا. وَقَوْلُهُ: أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ يَقُولُ: أَسَبَقْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ فِي نُفُوسِكُمْ، وَذَهَبْتُمْ عَنْهُ؟ يُقَالُ مِنْهُ: عَجِلَ فُلَانٌ هَذَا الْأَمْرَ: إِذَا سَبَقَهُ، وَعَجِلَ فُلَانٌ فُلَانًا إِذَا سَبَقَهُ، وَلَا تَعْجِلْنِي يَا فُلَانُ لَا تَذْهَبْ عَنِّي وَتَدَعَنِي، وَأَعْجَلْتُهُ: اسْتَحْثَثْتُهُ
١٠ ‏/ ٤٥٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنُ أُمِّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي﴾ [الأعراف: ١٥٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَأَلْقَى مُوسَى الْأَلْوَاحَ. ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي سَبَبِ إِلْقَائِهِ إِيَّاهَا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَلْقَاهَا غَضَبًا عَلَى قَوْمِهِ الَّذِينَ عَبَدُوا الْعِجْلَ
١٠ ‏/ ٤٥١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا تَمِيمُ بْنُ الْمُنْتَصِرِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْأَصْبَغُ بْنُ زَيْدٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي أَيُّوبَ، قَالَ: ثني سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «﴿وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا﴾ [الأعراف: ١٥٠] فَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ، وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ مِنَ الْغَضَبِ»
١٠ ‏/ ٤٥١
وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الْكَرِيمِ، قَالَ: ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُيَيْنَةَ، قَالَ: قَالَ أَبُو سَعْدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «لَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ، وَكَانَ قَرِيبًا مِنْهُمْ، ⦗٤٥٢⦘ سَمِعَ أَصْوَاتَهُمْ فَقَالَ: إِنِّي لَأَسْمَعُ أَصْوَاتَ قَوْمٍ لَاهِينَ. فَلَمَّا عَايَنَهُمْ وَقَدْ عَكَفُوا عَلَى الْعِجْلِ أَلْقَى الْأَلْوَاحَ فَكَسَرَهَا، وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ»
١٠ ‏/ ٤٥١
حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: «أَخَذَ مُوسَى الْأَلْوَاحَ ثُمَّ رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا، فَقَالَ: ﴿يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا﴾ [طه: ٨٦] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ﴾ [طه: ٨٧] ﴿وَألْقَى﴾ [الأعراف: ١٥٠] مُوسَى ﴿الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي﴾»
١٠ ‏/ ٤٥٢
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَا: «لَمَّا انْتَهَى مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ فَرَأَى مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ عِبَادَةِ الْعِجْلِ، أَلْقَى الْأَلْوَاحَ مِنْ يَدِهِ، ثُمَّ أَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ وَلِحْيَتِهِ يَقُولُ: ﴿مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي﴾ [طه: ٩٣]» وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّمَا أَلْقَى مُوسَى الْأَلْوَاحَ لِفَضَائِلَ أَصَابَهَا فِيهَا لِغَيْرِ قَوْمِهِ، فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٠ ‏/ ٤٥٢
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: «﴿أَخَذَ الْأَلْوَاحَ﴾ [الأعراف: ١٥٤] قَالَ: رَبِّ إِنِّي أَجِدُ فِي الْأَلْوَاحِ أُمَّةً، خَيْرُ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ، يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ، فَاجْعَلْهُمْ أُمَّتِي، قَالَ: تِلْكَ أُمَّةُ أَحْمَدَ. قَالَ: رَبِّ إِنِّي أَجِدُ فِي الْأَلْوَاحِ أُمَّةً هُمُ الْآخِرُونَ السَّابِقُونَ: أَيْ: آخِرُونَ فِي الْخَلْقِ، سَابِقُونَ فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ، رَبِّ اجْعَلْهُمْ أُمَّتِي، قَالَ: تِلْكَ أُمَّةُ أَحْمَدَ. قَالَ: رَبِّ إِنِّي أَجِدُ فِي الْأَلْوَاحِ أُمَّةً أَنَاجِيلُهُمْ ⦗٤٥٣⦘ فِي صُدُورِهِمْ يَقْرَءُونَهَا، وَكَانَ مَنْ قَبْلَهُمْ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ نَظَرًا حَتَّى إِذَا رَفَعُوهَا لَمْ يَحْفَظُوا شَيْئًا وَلَمْ يَعْرِفُوهُ – قَالَ قَتَادَةُ: وَإِنَّ اللَّهَ أَعْطَاكُمْ أَيَّتُهَا الْأُمَّةُ مِنَ الْحِفْظِ شَيْئًا لَمْ يُعْطِهِ أَحَدًا مِنَ الْأُمَمِ – قَالَ: رَبِّ اجْعَلْهُمْ أُمَّتِي، قَالَ: تِلْكَ أُمَّةُ أَحْمَدَ. قَالَ: رَبِّ إِنِّي أَجِدُ فِي الْأَلْوَاحِ أُمَّةً يُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ الْأَوَّلِ وَبِالْكِتَابِ الْآخِرِ، وَيُقَاتِلُونَ فُصَولَ الضَّلَالَةِ حَتَّى يُقَاتِلُوا الْأَعْوَرَ الْكَذَّابَ، فَاجْعَلْهُمْ أُمَّتِي، قَالَ: تِلْكَ أُمَّةُ أَحْمَدَ. قَالَ: رَبِّ إِنِّي أَجِدُ فِي الْأَلْوَاحِ أُمَّةً صَدَقَاتُهُمْ يَأْكُلُونَهَا فِي بُطُونِهِمْ ثُمَّ يُؤْجَرُونَ عَلَيْهَا، وَكَانَ مَنْ قَبْلَهُمْ مِنَ الْأُمَمِ إِذَا تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَقُبِلَتْ مِنْهُ، بَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهَا نَارًا فَأَكَلَتْهَا، وَإِنْ رُدَّتْ عَلَيْهِ تُرِكَتْ تَأْكُلُهَا الطَّيْرُ وَالسِّبَاعُ، قَالَ: وَإِنَّ اللَّهَ أَخَذَ صَدَقَاتِكُمْ مِنْ غَنِيِّكُمْ لِفَقِيرِكُمْ، قَالَ: رَبِّ اجْعَلْهُمْ أُمَّتِي، قَالَ: تِلْكَ أُمَّةُ أَحْمَدَ. قَالَ: رَبِّ إِنِّي أَجِدُ فِي الْأَلْوَاحِ أُمَّةً إِذَا هَمَّ أَحَدُهُمْ بِحَسَنَةٍ ثُمَّ لَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةً، فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ لَهُ عَشْرَ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعمِائَةٍ، رَبِّ اجْعَلْهُمْ أُمَّتِي، قَالَ: تِلْكَ أُمَّةُ أَحْمَدَ. قَالَ: رَبِّ إِنِّي أَجِدُ فِي الْأَلْوَاحِ أُمَّةً إِذَا هَمَّ أَحَدُهُمْ بِسَيِّئَةٍ لَمْ تُكْتَبْ عَلَيْهِ حَتَّى يَعْمَلَهَا، فَإِذَا عَمِلَهَا كُتِبَتْ عَلَيْهِ سَيِّئَةً وَاحِدَةً، فَاجْعَلْهُمْ أُمَّتِي، قَالَ: تِلْكَ أُمَّةُ أَحْمَدَ. قَالَ: رَبِّ إِنِّي أَجِدُ فِي الْأَلْوَاحِ أُمَّةً هُمُ الْمُسْتَجِيبُونَ وَالْمُسْتَجَابُ لَهُمْ فَاجْعَلْهُمْ أُمَّتِي، قَالَ: تِلْكَ أُمَّةُ أَحْمَدَ. قَالَ: رَبِّ إِنِّي أَجِدُ فِي الْأَلْوَاحِ أُمَّةً هُمُ الْمُشَفَّعُونَ وَالْمَشْفُوعُ لَهُمْ، فَاجْعَلْهُمْ أُمَّتِي، قَالَ: تِلْكَ أُمَّةُ أَحْمَدَ. قَالَ: وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ مُوسَى عليه السلام نَبَذَ الْأَلْوَاحَ وَقَالَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ أُمَّةِ أَحْمَدَ، قَالَ: فَأُعْطِيَ نَبِيُّ اللَّهِ مُوسَى عليه السلام ثِنْتَيْنِ لَمْ يُعْطَهُمَا نَبِيُّ، قَالَ اللَّهُ: ﴿يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي ⦗٤٥٤⦘ وَبِكَلَامِي﴾ [الأعراف: ١٤٤] قَالَ: فَرَضِيَ نَبِيُّ اللَّهِ. ثُمَّ أُعْطِيَ الثَّانِيَةَ: ﴿وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ﴾ [الأعراف: ١٥٩] قَالَ: فَرَضِيَ نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ كُلَّ الرِّضَا»
١٠ ‏/ ٤٥٢
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: «لَمَّا أَخَذَ مُوسَى الْأَلْوَاحَ، قَالَ: يَا رَبِّ إِنِّي أَجِدُ فِي الْأَلْوَاحِ أُمَّةً هُمْ خَيْرُ الْأُمَمِ، يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ، وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ، فَاجْعَلْهُمْ أُمَّتِي، قَالَ: تِلْكَ أُمَّةُ أَحْمَدَ. قَالَ: يَا رَبِّ إِنِّي أَجِدُ فِي الْأَلْوَاحِ أُمَّةً هُمُ الْآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَاجْعَلْهُمْ أُمَّتِي، قَالَ: تِلْكَ أُمَّةُ أَحْمَدَ، ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ بِشْرِ بْنِ مُعَاذٍ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ فِي حَدِيثِهِ: فَأَلْقَى مُوسَى عليه السلام الْأَلْوَاحَ وَقَالَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ» وَالَّذِي هُوَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ سَبَبُ إِلْقَاءِ مُوسَى الْأَلْوَاحَ كَانَ مِنْ أَجْلِ غَضَبِهِ عَلَى قَوْمِهِ لِعِبَادَتِهِمُ الْعِجْلَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِذَلِكَ أَخْبَرَ فِي كِتَابِهِ، فَقَالَ: ﴿وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ﴾ [الأعراف: ١٥٠] وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ لَمَّا كَتَبَ لِمُوسَى عليه السلام فِي الْأَلْوَاحِ التَّوْرَاةَ، أَدْنَاهُ مِنْهُ حَتَّى سَمِعَ صَرِيفَ الْقَلَمِ. ⦗٤٥٥⦘ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٠ ‏/ ٤٥٤
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: ثنا إِسْرَائِيلُ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ أَبِي عُمَارَةَ، عَنْ عَلِيٍّ، عليه السلام قَالَ: «كَتَبَ اللَّهُ الْأَلْوَاحَ لِمُوسَى عليه السلام وَهُوَ يَسْمَعُ صَرِيفَ الْأَقْلَامِ فِي الْأَلْوَاحِ»
١٠ ‏/ ٤٥٥
قَالَ: ثنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: «أَدْنَاهُ حَتَّى سَمِعَ صَرِيفَ الْأَقْلَامِ» وَقِيلَ: إِنَّ التَّوْرَاةَ كَانَتْ سَبْعَةَ أَسْبَاعٍ فَلَمَّا أَلْقَى مُوسَى الْأَلْوَاحَ تَكَسَّرَتْ، فَرُفِعَ مِنْهَا سِتَّةُ أَسْبَاعِهَا، وَكَانَ فِيمَا رُفِعَ تَفْصِيلُ كُلِّ شَيْءٍ الَّذِي قَالَ اللَّهُ: ﴿وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ﴾ [الأعراف: ١٤٥] وَبَقِيَ الْهُدَى وَالرَّحْمَةُ فِي السَّبْعِ الْبَاقِي، وَهُوَ الَّذِي قَالَ اللَّهُ: ﴿أَخَذَ الْأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ﴾ [الأعراف: ١٥٤] وَكَانَتِ التَّوْرَاةُ فِيمَا ذُكِرَ سَبْعِينَ وَقْرَ بَعِيرٍ يُقْرَأُ مِنْهَا الْجُزْءُ فِي سَنَةٍ كَمَا
١٠ ‏/ ٤٥٥
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدٍ الْمَكْفُوفُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، قَالَ: «أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَهِيَ سَبْعُونَ وِقْرَ بَعِيرٍ، يُقْرَأُ مِنْهَا الْجُزْءُ فِي سَنَةٍ، لَمْ يَقْرَأْهَا إِلَّا أَرْبَعَةُ نَفَرٍ: مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ، وَعِيسَى، وَعُزَيْرٌ، وَيُوشَعُ بْنُ نُونٍ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ» ⦗٤٥٦⦘ وَاخْتَلَفُوا فِي الْأَلْوَاحِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَتْ مِنْ زُمُرُّدٍ أَخْضَرَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَتْ مِنْ يَاقُوتٍ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَتْ مِنْ بَرَدٍ. ذِكْرُ الرِّوَايَةِ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ ذَلِكَ
١٠ ‏/ ٤٥٥
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، قَالَ: ثنا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يَعْلَى بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «أَلْقَى مُوسَى الْأَلْوَاحَ فَتَكَسَّرَتْ، فَرُفِعَتْ إِلَّا سُدُسَهَا. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَأَخْبَرَنِي أَنَّ الْأَلْوَاحَ مِنْ زَبَرْجَدٍ وَزُمُرُّدٍ مِنَ الْجَنَّةِ»
١٠ ‏/ ٤٥٦
وَحَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ سَهْلٍ الرَّمْلِيُّ، وَعَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ شَبُّويَهْ، وَأَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ التِّرْمِذِيُّ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا آدَمُ الْعَسْقَلَانِيُّ، قَالَ: ثنا أَبُو جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، قَالَ: «كَانَتْ أَلْوَاحُ مُوسَى عليه السلام مِنْ بَرَدٍ»
١٠ ‏/ ٤٥٦
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، عَنْ أَبِي الْجُنَيْدِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي الْمُغِيرَةِ، قَالَ: سَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ عَنِ الْأَلْوَاحِ، مِنْ أَيِّ شَيْءٍ كَانَتْ؟ قَالَ: «كَانَتْ مِنْ يَاقُوتَةٍ، كِتَابَةُ الذَّهَبِ، كَتَبَهَا الرَّحْمَنُ بِيَدِهِ، فَسَمِعَ أَهْلُ السَّمَوَاتِ صَرِيفَ الْقَلَمِ وَهُوَ يَكْتُبُهَا»
١٠ ‏/ ٤٥٦
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْقَاسِمُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الْوَضَّاحِ، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، أَوْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: «كَانَتِ الْأَلْوَاحُ ⦗٤٥٧⦘ زُمُرُّدًا، فَلَمَّا أَلْقَى مُوسَى الْأَلْوَاحَ بَقِيَ الْهُدَى وَالرَّحْمَةُ، وَذَهَبَ التَّفْصِيلُ»
١٠ ‏/ ٤٥٦
قَالَ: ثنا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْأَشْجَعِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «كَانَتِ الْأَلْوَاحُ مِنْ زُمُرُّدٍ أَخْضَرَ» وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْأَلْوَاحَ كَانَتْ لَوْحَيْنِ، فَإِنْ كَانَ الَّذِي قَالَ كَمَا قَالَ، فَإِنَّهُ قِيلَ: ﴿وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ﴾ [الأعراف: ١٤٥] وَهُمَا لَوْحَانِ، كَمَا قِيلَ: ﴿فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةً﴾ [النساء: ١١] وَهُمَا أَخَوَانِ
١٠ ‏/ ٤٥٧
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ﴾ [الأعراف: ١٥٠] فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ فَعَلِ نَبِيِّ اللَّهِ ﷺ كَانَ لِمَوْجِدَتِهِ عَلَى أَخِيهِ هَارُونَ فِي تَرْكِهِ اتِّبَاعَهُ وَإِقَامَتِهِ مَعَ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي تَرَكَهُمْ فِيهِ، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ مُخْبِرًا عَنْ قِيلِ مُوسَى عليه السلام لَهُ: ﴿مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا أَلَّا تَتَّبِعَنِي أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي﴾ حِينَ أَخْبَرَهُ هَارُونُ بِعُذْرِهِ، فَقَبِلَ عَذَرَهُ، وَذَلِكَ قَيلُهُ لِمُوسَى: ﴿لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قُولِي﴾ [طه: ٩٤] وَقَالَ: يَا ﴿ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِي الْأَعْدَاءَ﴾ [الأعراف: ١٥٠] الْآيَةَ. وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ ﴿يَا ابْنَ أُمَّ﴾ [طه: ٩٤] فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَبَعْضُ أَهْلِ الْبَصْرَةِ: ﴿يَا ابْنَ أُمَّ﴾ [طه: ٩٤] بِفَتْحِ الْمِيمِ مِنَ الْأُمِّ.
١٠ ‏/ ٤٥٧
وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْكُوفَةِ: (يَا ابْنَ أُمِّ) بِكَسْرِ الْمِيمِ مِنَ الْأُمِّ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي فَتْحِ ذَلِكَ وَكِسْرِهِ، مَعَ إِجْمَاعِ جَمِيعِهِمْ عَلَى أَنَّهُمَا لُغَتَانِ مُسْتَعْمَلَتَانِ فِي الْعَرَبِ. فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ: قِيلَ ذَلِكَ بِالْفَتْحِ عَلَى أَنَّهُمَا اسْمَانِ جُعِلَا اسْمًا وَاحِدًا، كَمَا قِيلَ: يَا ابْنَ عَمَّ، وَقَالَ: هَذَا شَاذٌّ لَا يُقَاسُ عَلَيْهِ، وَقَالَ: مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ: (يَا ابْنَ أُمِّ) فَهُوَ عَلَى لُغَةِ الَّذِينَ يَقُولُونَ: هَذَا غُلَامِ قَدْ جَاءَ، جَعَلَهُ اسْمًا وَاحِدًا آخِرُهُ مَكْسُورٌ، مِثْلُ قَوْلِهِ خازِ بَازِ. وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ: قِيلَ: يَا ابْنَ أُمَّ وَيَا ابْنَ عَمَّ، فَنُصِبَ كَمَا يُنْصَبُ الْمُعْرَبُ فِي بَعْضِ الْحَالَاتِ، فَيُقَالُ: يَا حَسْرَتَا، يَا وَيْلَتَا، قَالَ: فَكَأَنَّهُمْ قَالُوا: يَا أُمَّاهُ وَيَا عَمَّاهُ وَلَمْ يَقُولُوا ذَلِكَ فِي أَخٍ، وَلَوْ قِيلَ ذَلِكَ لَكَانَ صَوَابًا. قَالَ: وَالَّذِينَ خَفَضُوا ذَلِكَ فَإِنَّهُ كَثُرَ فِي كَلَامِهِمْ حَتَّى حَذَفُوا الْيَاءَ. قَالَ: وَلَا تَكَادُ الْعَرَبُ تَحْذِفُ الْيَاءَ إِلَّا مِنَ الِاسْمِ الْمُنَادَى يُضِيفُهُ الْمُنَادِي إِلَى نَفْسِهِ، إِلَّا قَوْلَهُمْ: يَا ابْنَ أُمِّ، وَيَا ابْنَ عَمِّ وَذَلِكَ أَنَّهُمَا يَكْثُرُ اسْتِعْمَالُهُمَا فِي كَلَامِهِمْ، فَإِذَا جَاءَ مَا لَا يُسْتَعْمَلُ أَثْبَتُوا الْيَاءَ، فَقَالُوا: يَا ابْنَ أَبِي، وَيَا ابْنَ أُخْتِي وَأَخِي، وَيَا ابْنَ خَالَتِي، وَيَا ابْنَ خَالِي. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: إِذَا فُتِحَتِ الْمِيمُ مِنْ ﴿ابْنَ أُمَّ﴾ [الأعراف: ١٥٠]، فَمُرَادٌ بِهِ النُّدْبَةُ: يَا ابْنَ أُمَّاهُ، وَكَذَلِكَ مِنَ ابْنِ عَمِّ فَإِذَا كُسِرَتْ فَمُرَادٌ بِهِ الْإِضَافَةُ، ثُمَّ
١٠ ‏/ ٤٥٨
حُذِفَتِ الْيَاءُ الَّتِي هِيَ كِنَايَةُ اسْمِ الْمُخْبِرِ عَنْ نَفْسِهِ. وَكَأَنَّ بَعْضَ مَنْ أَنْكَرَ نِسْبَتَهُ كَسِرَ ذَلِكَ إِذَا كُسِرَ، كَكَسْرِ الزَّايِ مِنْ خازِ بَازِ؛ لِأَنَّ خازِ بَازِ لَا يُعْرَفُ الثَّانِي إِلَّا بِالْأَوَّلِ وَلَا الْأَوَّلُ إِلَّا بِالثَّانِي، فَصَارَ كَالْأَصْوَاتِ. وَحُكِيَ عَنْ يُونُسَ النَّحْوِيِّ تَأْنِيثُ أُمِّ وَتَأْنِيثُ عَمِّ، وَقَالَ: لَا يُجْعَلُ اسْمًا وَاحِدًا إِلَّا مَعَ ابْنِ الْمُذَكِّرِ. قَالُوا: وَأَمَّا اللُّغَةُ الْجَيِّدَةُ وَالْقِيَاسُ الصَّحِيحُ فَلُغَةُ مَنْ قَالَ: «يَا ابْنَ أُمِّي» بِإِثْبَاتِ الْيَاءِ، كَمَا قَالَ أَبُو زَبِيدٍ:
يَا ابْنَ أُمِّي وَيَا شُقَيِّقَ نَفْسِي … أَنْتَ خَلَّفْتَنِي لِدَهْرٍ شَدِيدِ
وَكَمَا قَالَ الْآخَرُ:
[البحر الخفيف] يَا ابْنَ أُمِّي وَلَوْ شَهِدْتُكَ إِذْ تَدْ … عُو تَمِيمًا وَأَنْتَ غَيْرُ مُجَابِ
وَإِنَّمَا أَثْبَتَ هَؤُلَاءِ الْيَاءَ فِي الْأُمِّ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُنَادَاةٍ، وَإِنَّمَا الْمُنَادَى هُوَ الِابْنُ دُونَهَا، وَإِنَّمَا تُسْقِطُ الْعَرَبُ الْيَاءَ مِنَ الْمُنَادَى إِذَا أَضَافَتْهُ إِلَى نَفْسِهَا، لَا إِذَا أَضَافَتْهُ إِلَى غَيْرِ نَفْسِهَا، كَمَا قَدْ بَيَّنَّا. وَقِيلَ: إِنَّ هَارُونَ إِنَّمَا قَالَ لِمُوسَى عليه السلام: ﴿يَا ابْنَ أُمَّ﴾ [طه: ٩٤]، وَلَمْ يَقُلْ: يَا ابْنَ
١٠ ‏/ ٤٥٩
أَبِي، وَهُمَا لِأَبٍ وَاحِدٍ وَأُمٍّ وَاحِدَةٍ، اسْتِعْطَافًا لَهُ عَلَى نَفْسِهِ بِرَحِمِ الْأُمِّ. وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي﴾ [الأعراف: ١٥٠] يَعْنِي بِالْقَوْمِ الَّذِينَ عَكَفُوا عَلَى عِبَادَةِ الْعِجْلِ، وَقَالُوا هَذَا إِلَهُنَا وَإِلَهُ مُوسَى، وَخَالَفُوا هَارُونَ. وَكَانَ اسْتِضْعَافُهُمْ إِيَّاهُ، تَرْكُهُمْ طَاعَتَهُ وَاتِّبَاعَ أَمْرِهِ. ﴿وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي﴾ [الأعراف: ١٥٠] يَقُولُ: قَارَبُوا وَلَمْ يَفْعَلُوا. وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿فَلَا تُشْمِتْ﴾ [الأعراف: ١٥٠] فَقَرَأَ قُرَّاءُ الْأَمْصَارِ ذَلِكَ: ﴿فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ﴾ [الأعراف: ١٥٠] بِضَمِّ التَّاءِ مِنْ تُشْمِتْ وَكَسْرِ الْمِيمِ مِنْهَا، مِنْ قَوْلِهِمْ: أَشْمَتَ فُلَانٌ فُلَانًا بِفُلَانٍ، إِذَا سَرَّهُ فِيهِ بِمَا يَكْرَهُهُ الْمُشْمَتُ بِهِ. وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قَرَأَ ذَلِكَ: ﴿فَلَا تَشْمُتْ بِيَ الْأَعْدَاءُ﴾ [الأعراف: ١٥٠]
١٠ ‏/ ٤٦٠
حَدَّثَنِي بِذَلِكَ عَبْدُ الْكَرِيمِ، قَالَ: ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، قَالَ: قَالَ حُمَيْدُ بْنُ قَيْسٍ، قَرَأَ مُجَاهِدٌ: «(فَلَا تَشْمَتْ بِيَ الْأَعْدَاءُ)»
١٠ ‏/ ٤٦٠
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ، قَالَ: قَرَأَ مُجَاهِدٌ: «(فَلَا تَشْمَتْ بِيَ الْأَعْدَاءُ)»
١٠ ‏/ ٤٦٠
حُدِّثْتُ عَنْ يَحْيَى بْنِ زِيَادٍ الْفَرَّاءِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قَالَ: «(فَلَا تَشْمَتْ)» وَقَالَ الْفَرَّاءُ: قَالَ الْكِسَائِيُّ: مَا أَدْرِي، فَلَعَلَّهُمْ أَرَادُوا: ﴿فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ﴾ [الأعراف: ١٥٠] فَإِنْ تَكُنْ صَحِيحَةً فَلَهَا نَظَائِرُ. الْعَرَبُ تَقُولُ: فَرِغْتُ وَفَرَغْتُ، فَمَنْ قَالَ: فَرِغْتُ قَالَ: أَنَا أَفْرَغُ، وَمَنْ قَالَ: فَرَغْتَ قَالَ: أَنَا أَفْرُغُ، وَكَذَلِكَ رَكِبْتُ وَرَكَبْتُ وَشَمِلَهُمْ أَمْرٌ وَشَمَلَهُمْ، فِي كَثِيرٍ مِنَ الْكَلَامِ. قَالَ: وَالْأَعْدَاءُ رَفْعٌ؛ لِأَنَّ
١٠ ‏/ ٤٦٠
الْفِعْلَ لَهُمْ لِمَنْ قَالَ تَشْمَتْ أَوْ تَشْمُتْ وَالْقِرَاءَةُ الَّتِي لَا أَسْتَجِيزُ الْقِرَاءَةَ إِلَّا بِهَا قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ: ﴿فَلَا تُشْمِتْ﴾ [الأعراف: ١٥٠] بِضَمِّ التَّاءِ الْأُولَى وَكَسْرِ الْمِيمِ مِنْ أَشْمَتُّ بِهِ عَدُوَّهُ أُشَمِّتْهُ بِهِ، وَنَصَبِ الْأَعْدَاءِ لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنْ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ عَلَيْهَا وَشُذُوذِ مَا خَالَفَهَا مِنَ الْقِرَاءَةِ، وَكَفَى بِذَلِكَ شَاهِدًا عَلَى مَا خَالَفَهَا. هَذَا مَعَ إِنْكَارِ مَعْرِفَةِ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِكَلَامِ الْعَرَبِ: شَمَّتَ فُلَانٌ فُلَانًا بِفُلَانٍ، وَشَمَتَ فُلَانٌ بِفُلَانٍ يَشْمُتُ بِهِ، وَإِنَّمَا الْمَعْرُوفُ مِنْ كَلَامِهِمْ إِذَا أَخْبَرُوا عَنْ شَمَاتَةِ الرَّجُلِ بِعَدُوِّهِ شَمِتَ بِهِ بِكَسْرِ الْمِيمِ يَشْمَتُ بِهِ بِفَتْحِهَا فِي الِاسْتِقْبَالِ
١٠ ‏/ ٤٦١
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ [الأعراف: ١٥٠] فَإِنَّهُ قَوْلُ هَارُونَ لِأَخِيهِ مُوسَى، يَقُولُ: لَا تَجْعَلْنِي فِي مَوْجِدَتِكَ عَلَيَّ وَعُقُوبَتِكَ لِي وَلَمْ أُخَالِفْ أَمْرَكَ مَحِلَّ مَنْ عَصَاكَ فَخَالَفَ أَمْرَكَ وَعَبَدَ الْعِجْلَ بَعْدَكَ فَظَلَمَ نَفْسَهُ وَعَبَدَ غَيْرَ مَنْ لَهُ الْعِبَادَةُ، وَلَمْ أُشَايِعْهُمْ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ
١٠ ‏/ ٤٦١
كَمَا حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ [الأعراف: ١٥٠] قَالَ: أَصْحَابُ الْعِجْلِ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ ⦗٤٦٢⦘ مُجَاهِدٍ. بِمِثْلِهِ
١٠ ‏/ ٤٦١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ [الأعراف: ١٥١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ مُوسَى لَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ عُذْرُ أَخِيهِ، وَعَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يُفَرِّطْ فِي الْوَاجِبِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ فِي ارْتِكْابِ مَا فَعَلَهُ الْجَهَلَةُ مِنْ عَبَدَةِ الْعِجْلِ: ﴿رَبِّ اغْفِرْ لِي﴾ [الأعراف: ١٥١] مُسْتَغْفِرًا مِنْ فِعْلِهِ بِأَخِيهِ، وَلِأَخِيهِ مِنْ سَالِفٍ لَهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ، تَغَمَّدْ ذُنُوبَنَا بِسِتْرٍ مِنْكَ تَسْتُرُهَا بِهِ. ﴿وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ﴾ [الأعراف: ١٥١] يَقُولُ: وَارْحَمْنَا بِرَحْمَتِكَ الْوَاسِعَةِ عِبَادَكَ الْمُؤْمِنِينَ، فَإِنَّكَ أَنْتَ أَرْحَمُ بِعِبَادِكَ مِنْ كُلِّ مَنْ رَحِمَ شَيْئًا
١٠ ‏/ ٤٦٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ﴾ [الأعراف: ١٥٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ﴾ [الأعراف: ١٥٢] إِلَهًا، ﴿سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ﴾ [الأعراف: ١٥٢] بِتَعْجِيلِ اللَّهِ لَهُمْ ذَلِكَ، ﴿وَذِلَّةٌ﴾ [الأعراف: ١٥٢] وَهِيَ الْهَوَانُ، لِعُقُوبَةِ اللَّهِ إِيَّاهُمْ عَلَى كُفْرِهِمْ بِرَبِّهِمْ ﴿فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [البقرة: ٨٥] فِي عَاجِلِ الدُّنْيَا قَبْلَ آجِلِ الْآخِرَةِ. وَكَانَ ابْنُ جُرَيْجٍ يَقُولُ فِي ذَلِكَ بِمَا
١٠ ‏/ ٤٦٢
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَوْلُهُ: «﴿إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ﴾ [الأعراف: ١٥٢] قَالَ: هَذَا لِمَنْ مَاتَ مِمَّنِ اتَّخَذَ الْعِجْلَ قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ مُوسَى عليه السلام، وَمَنْ فَرَّ مِنْهُمْ حِينَ أَمَرَهُمْ مُوسَى أَنْ يَقْتُلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا»
١٠ ‏/ ٤٦٢
وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ ابْنُ جُرَيْجٍ، وَإِنْ كَانَ قَوْلًا لَهُ وَجْهٌ، فَإِنَّ ظَاهَرَ كِتَابِ اللَّهِ مَعَ تَأْوِيلِ أَكْثَرِ أَهْلِ التَّأْوِيلِ بِخِلَافِهِ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ عَمَّ بِالْخَبَرِ عَمَّنِ اتَّخَذَ الْعِجْلَ أَنَّهُ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا. وَتَظَاهَرَتِ الْأَخْبَارُ عَنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ بِأَنَّ اللَّهَ إِذْ رَجَعَ إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ مُوسَى عليه السلام، تَابَ عَلَى عَبَدَةِ الْعِجْلِ مِنْ فِعْلِهُمْ، بِمَا أَخْبَرَ بِهِ عَنْ قِيلِ مُوسَى عليه السلام فِي كِتَابِهِ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ [البقرة: ٥٤] فَفَعَلُوا مَا أَمَرَهُمْ بِهِ نَبِيُّهُمْ ﷺ، فَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ إِيَّاهُمْ بِمَا أَمَرَهُمْ بِهِ مِنْ قَتْلِ بَعْضِهِمْ أَنْفَسَ بَعْضٍ، عَنْ غَضِبٍ مِنْهُ عَلَيْهِمْ بِعِبَادَتِهِمُ الْعِجْلَ، فَكَانَ قَتْلُ بَعْضِهِمْ بَعْضًا هَوَانًا لَهُمْ وَذِلَّةً أَذَلَّهُمُ اللَّهُ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَتَوْبَةً مِنْهُمْ إِلَى اللَّهِ قَبِلَهَا. وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَجْعَلَ خَبَرًا جَاءَ الْكِتَابُ بِعُمُومِهِ فِي خاصٍّ مِمَّا عَمَّهُ الظَّاهِرُ بِغَيْرِ بُرْهَانٍ مِنْ حُجَّةِ خَبَرٍ أَوْ عَقْلٍ، وَلَا نَعْلَمُ خَبَرًا جَاءَ بِوُجُوبِ نَقْلِ ظَاهِرِ قَوْلِهِ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمُ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ﴾ [الأعراف: ١٥٢] إِلَى بَاطِنٍ خَاصٍّ، وَلَا مِنَ الْعَقْلِ عَلَيْهِ دَلِيلٌ، فَيَجِبُ إِحَالَةُ ظَاهِرِهِ إِلَى بَاطِنِهِ. وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ: ﴿وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ﴾ [الأعراف: ١٥٢] وَكَمَا جَزَيْتَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ إِلَهًا مِنْ إِحْلَالِ الْغَضَبِ بِهِمْ، وَالْإِذْلَالِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا عَلَى كُفْرِهِمْ رَبَّهُمْ، وَرِدَّتِهُمْ عَنْ دِينِهِمْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ بِاللَّهِ، وَكَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ مَنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ فَكَذَبَ عَلَيْهِ وَأَقَرَّ بِأُلُوهِيَّةِ غَيْرِهِ وَعَبَدَ شَيْئًا سِوَاهُ مِنَ الْأَوْثَانِ بَعْدَ إِقْرَارِهِ بِوَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ، وَبَعْدَ إِيمَانِهِ بِهِ وَبِأَنْبِيَائِهِ وَرُسُلِهِ وَقِيلَ ذَلِكَ، إِذَا لَمْ يَتُبْ مِنْ كُفْرِهِ
١٠ ‏/ ٤٦٣
قَبْلَ قَتْلِهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٠ ‏/ ٤٦٤
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَيُّوبَ، قَالَ: تَلَا أَبُو قِلَابَةَ: ﴿سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [الأعراف: ١٥٢] الْآيَةَ، قَالَ: «فَهُوَ جَزَاءُ كُلِّ مُفْتَرٍ يَكُونُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، أَنْ يُذِلَّهُ اللَّهُ عز وجل»
١٠ ‏/ ٤٦٤
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو النُّعْمَانِ عَارِمٌ، قَالَ: ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، قَالَ: قَرَأَ أَبُو قِلَابَةَ يَوْمًا هَذِهِ الْآيَةَ: «﴿إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ﴾ [الأعراف: ١٥٢] قَالَ: هِيَ وَاللَّهِ لِكُلِّ مُفْتَرٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ»
١٠ ‏/ ٤٦٤
قَالَ: ثنا حَجَّاجٌ، قَالَ: ثنا حَمَّادٌ، عَنْ ثَابِتٍ، وَحُمَيْدٍ: أَنَّ قَيْسَ بْنَ عَبَّادٍ، وَجَارِيَةَ بْنَ قُدَامَةَ، دَخَلَا عَلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه، فَقَالَا: أَرَأَيْتَ هَذَا الْأَمْرَ الَّذِي أَنْتَ فِيهِ وَتَدْعُو إِلَيْهِ، أَعَهْدٌ عَهِدَهُ إِلَيْكَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَمْ رَأْي رَأَيْتَهُ؟ قَالَ: مَا لَكُمَا وَلِهَذَا؟ أَعْرِضَا عَنْ هَذَا، فَقَالَا: وَاللَّهِ لَا نُعْرِضُ عَنْهُ حَتَّى ⦗٤٦٥⦘ تُخْبِرَنَا. فَقَالَ: مَا عَهِدَ إِلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِلَّا كِتَابًا فِي قِرَابِ سَيْفِي هَذَا. فَاسْتَلَّهُ فَأَخْرَجَ الْكِتَابَ مِنْ قِرَابِ سَيْفِهِ، وَإِذَا فِيهِ: «إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيُّ إِلَّا لَهُ حَرَمٌ، وَإِنِّي حَرَّمْتُ الْمَدِينَةَ كَمَا حَرَّمَ إِبْرَاهِيمُ عليه السلام مَكَّةَ، لَا يُحْمَلُ فِيهَا السِّلَاحُ لِقِتَالٍ، مَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا أَوْ آوَى مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلَا عَدْلٌ» فَلَمَّا خَرَجَا قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: أَمَا تَرَى هَذَا الْكِتَابَ؟ فَرَجَعَا وَتَرَكَاهُ، وَقَالَا: إِنَّا سَمِعْنَا اللَّهَ يَقُولُ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ﴾ [الأعراف: ١٥٢] الْآيَةَ، وَإِنَّ الْقَوْمَ قَدِ افْتَرَوْا فِرْيَةً، وَلَا أَدْرِي إِلَّا سَيَنْزِلُ بِهِمْ ذِلَّةٌ “
١٠ ‏/ ٤٦٤
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ: فِي قَوْلِهِ: «﴿وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ﴾ [الأعراف: ١٥٢] قَالَ: كُلُّ صَاحِبِ بِدْعَةٍ ذَلِيلٌ»
١٠ ‏/ ٤٦٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [الأعراف: ١٥٣] وَهَذَا خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَنَّهُ قَابِلٌ مِنْ كُلِّ تَائِبٍ إِلَيْهِ مِنْ ذَنْبٍ أَتَاهُ صَغِيرَةً كَانَتْ مَعْصِيَتُهُ أَوْ كَبِيرَةً، كُفْرًا كَانَتْ أَوْ غَيْرَ كُفْرٍ، كَمَا قَبِلَ مِنْ عَبَدَةِ الْعِجْلِ تَوْبَتَهُمْ بَعْدَ كُفْرِهِمْ بِهِ بِعِبَادَتِهِمُ الْعِجْلَ وَارْتِدَادِهِمْ عَنْ دِينِهِمْ. يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَالَّذِينَ عَمِلُوا الْأَعْمَالَ السَّيِّئَةَ ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى طَلَبِ رِضَا اللَّهِ بِإِنَابَتِهِمْ إِلَى مَا يُحِبُّ مِمَّا يَكْرَهُ وَإِلَى مَا يَرْضَى مِمَّا يَسْخَطُ مِنْ بَعْدِ سَيِّئِ أَعْمَالِهِمْ،
١٠ ‏/ ٤٦٥
وَصَدَّقُوا بِأَنَّ اللَّهَ قَابِلُ تَوْبَةِ الْمُذْنِبِينَ وَتَائِبٌ عَلَى الْمُنِيبِينَ بِإِخْلَاصِ قُلُوبِهِمْ وَيَقِينٍ مِنْهُمْ بِذَلِكَ، ﴿لَغَفُورٌ﴾ [الأنعام: ١٦٥] لَهُمْ، يَقُولُ: لَسَاتِرٌ عَلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمُ السَّيِّئَةَ، وَغَيْرُ فَاضِحِهِمْ بِهَا، رَحِيمٌ بِهِمْ، وَبِكُلِّ مَنْ كَانَ مَثَلَهُمْ مِنَ التَّائِبِينَ
١٠ ‏/ ٤٦٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الألْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ﴾ [الأعراف: ١٥٤] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ﴾ [الأعراف: ١٥٤] وَلَمَّا كَفَّ مُوسَى عَنِ الْغَضَبِ، وَكَذَلِكَ كُلُّ كَافٍّ عَنْ شَيْءٍ سَاكِتٌ عَنْهُ. وَإِنَّمَا قِيلَ لِلسَّاكِتِ عَنِ الْكَلَامِ سَاكِتٌ؛ لِكَفِّهِ عَنْهُ. وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ يُونُسَ النَّحْوِيِّ أَنَّهُ قَالَ: يُقَالُ سَكَتَ عَنْهُ الْحُزْنُ وَكُلُّ شَيْءٍ فِيمَا زَعَمَ وَمِنْهُ قَوْلُ أَبِي النَّجْمِ:
[البحر الرجز] وَهَمَّتِ الْأَفْعَى بِأَنْ تَسِيحَا … وَسَكَتَ الْمُكَّاءُ أَنْ يَصِيحَا
﴿أَخَذَ الْأَلْوَاحَ﴾ [الأعراف: ١٥٤] يَقُولُ: أَخَذَهَا بَعْدَ مَا أَلْقَاهَا، وَقَدْ ذَهَبَ مِنْهَا مَا
١٠ ‏/ ٤٦٦
ذَهَبَ. ﴿وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ﴾ [الأعراف: ١٥٤] يَقُولُ: وَفِيمَا نُسِخَ فِيهَا: أَيْ: مِنْهَا هُدًى بَيَانٌ لِلْحَقِّ وَرَحْمَةٌ. ﴿لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ﴾ [الأعراف: ١٥٤] يَقُولُ: لِلَّذِينَ يَخَافُونَ اللَّهَ، وَيَخْشَوْنَ عِقَابَهُ عَلَى مَعَاصِيهِ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي وَجْهِ دُخُولِ اللَّامِ فِي قَوْلِهِ: ﴿لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ﴾ [الأعراف: ١٥٤] مَعَ اسْتِقْبَاحِ الْعَرَبِ أَنْ يُقَالَ فِي الْكَلَامِ: رَهِبْتُ لَكَ: بِمَعْنَى رَهِبْتُكَ، وَأَكْرَمْتُ لَكَ: بِمَعْنَى أَكْرَمْتُكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: ذَلِكَ كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ﴾ [يوسف: ٤٣] أُوصِلَ الْفِعْلُ بِاللَّامِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مِنْ أَجْلِ رَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّمَا دَخَلَتْ عَقِبِ الْإِضَافَةِ الَّذِينَ هُمْ رَاهِبُونَ لِرَبِّهِمْ وَرَاهِبُو رَبِّهِمْ ثُمَّ أُدْخِلَتِ اللَّامُ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى؛ لِأَنَّهَا عُقَيْبُ الْإِضَافَةِ لَا عَلَى التَّعْلِيقِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الِاسْمَ تَقَدَّمَ الْفِعْلَ، فَحَسُنَ إِدْخَالُ اللَّامِ. وَقَالَ آخَرُونَ: قَدْ جَاءَ مِثْلُهُ فِي تَأْخِيرِ الِاسْمِ فِي قَوْلِهِ: ﴿رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ﴾ [النمل: ٧٢] وَذُكِرَ عَنْ عِيسَى بْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ الْفَرَزْدَقَ يَقُولُ: نَقَدْتُ لَهُ مِائَةَ دِرْهَمٍ، يُرِيدُ نَقَدْتُهُ مِائَةَ دِرْهَمٍ. قَالَ: وَالْكَلَامُ وَاسِعٌ
١٠ ‏/ ٤٦٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَاءُ وَتَهْدِي مَن تَشَاءُ أَنتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ﴾ [الأعراف: ١٥٥]⦗٤٦٨⦘ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَاخْتَارَ مُوسَى مِنْ قَوْمِهِ سَبْعِينَ رَجُلًا لِلْوَقْتِ وَالْأَجَلِ الَّذِي وَعَدَهُ اللَّهُ أَنْ يَلْقَاهُ فِيهِ بِهِمْ لِلتَّوْبَةِ مِمَّا كَانَ مِنْ فِعْلِ سُفَهَائِهِمْ فِي أَمْرِ الْعِجْلِ. كَمَا
١٠ ‏/ ٤٦٧
حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ أَمَرَ مُوسَى عليه السلام أَنْ يَأْتِيَهُ فِي نَاسٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَعْتَذِرُونَ إِلَيْهِ مِنْ عِبَادَةِ الْعِجْلِ، وَوَعَدَهُمْ مَوْعِدًا. فَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا عَلَى عَيْنِهِ، ثُمَّ ذَهَبَ بِهِمْ لِيَعْتَذِرُوا، فَلَمَّا أَتَوْا ذَلِكَ الْمَكَانَ، قَالُوا: لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ يَا مُوسَى حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً، فَإِنَّكَ قَدْ كَلَّمْتَهُ فَأَرِنَاهُ، فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ فَمَاتُوا. فَقَامَ مُوسَى يَبْكِي وَيَدْعُو اللَّهَ وَيَقُولُ: رَبِّ مَاذَا أَقُولُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِذَا أَتَيْتُهُمْ وَقَدْ أَهْلَكْتَ خِيَارَهُمْ، لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ»
١٠ ‏/ ٤٦٨
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: «اخْتَارَ مُوسَى مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ سَبْعِينَ رَجُلًا الْخَيِّرَ فَالْخَيِّرَ، وَقَالَ: انْطَلِقُوا إِلَى اللَّهِ فَتُوبُوا إِلَيْهِ مِمَّا صَنَعْتُمْ، وَاسْأَلُوهُ التَّوْبَةَ عَلَى مَنْ تَرَكْتُمْ وَرَاءَكُمْ مِنْ قَوْمِكُمْ، صُومُوا، وَتَطَهَّرُوا، وَطَهِّرُوا ثِيَابَكُمْ، فَخَرَجَ بِهِمْ إِلَى طُورِ سَيْنَا لِمِيقَاتٍ وَقَّتَهُ لَهُ رَبُّهُ، وَكَانَ لَا يَأْتِيهِ إِلَّا بِإِذْنٍ مِنْهُ وَعِلْمٍ، فَقَالَ السَّبْعُونَ فِيمَا ذُكِرَ لِي حِينَ صَنَعُوا مَا أَمَرَهُمْ بِهِ، وَخَرَجُوا مَعَهُ لِلِقَاءِ رَبِّهِ لِمُوسَى: اطْلُبْ لَنَا نَسْمَعُ كَلَامَ رَبِّنَا، فَقَالَ: أَفْعَلُ. فَلَمَّا دَنَا مُوسَى مِنَ الْجَبَلِ، وَقَعَ عَلَيْهِ عَمُودُ الْغَمَامِ حَتَّى تَغَشَّى الْجَبَلَ كُلَّهُ، وَدَنَا مُوسَى فَدَخَلَ فِيهِ، وَقَالَ لِلْقَوْمِ: ادْنُوَا، وَكَانَ مُوسَى إِذَا كَلَّمَهُ اللَّهُ، وَقَعَ عَلَى جَبْهَتِهِ نُورٌ سَاطِعٌ، لَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ مِنْ بَنِي آدَمَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهِ. فَضُرِبَ دُونَهُ بِالْحِجَابِ، وَدَنَا الْقَوْمُ حَتَّى إِذَا دَخَلُوا فِي ⦗٤٦٩⦘ الْغَمَامِ وَقَعُوا سُجُودًا، فَسَمِعُوهُ وَهُوَ يُكَلِّمُ مُوسَى، يَأْمُرُهُ وَيَنْهَاهُ: افْعَلْ، وَلَا تَفْعَلْ، فَلَمَّا فَرَغَ اللَّهُ مِنْ أَمْرِهِ، وَانْكَشَفَ عَنْ مُوسَى الْغَمَامُ، أَقْبَلَ إِلَيْهِمْ، فَقَالُوا لِمُوسَى: ﴿لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً﴾ [البقرة: ٥٥] ﴿فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ﴾ [الأعراف: ٧٨] وَهِيَ الصَّاعِقَةُ، فَالْتَقَتْ أَرْوَاحُهُمْ فَمَاتُوا جَمِيعًا، وَقَامَ مُوسَى عليه السلام يُنَاشِدُ رَبَّهُ وَيَدْعُوهُ وَيَرْغَبُ إِلَيْهِ، وَيَقُولُ: رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ، قَدْ سَفِهُوا، أَفَتَهْلِكُ مَنْ وَرَائِي مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ»
١٠ ‏/ ٤٦٨
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا﴾ [الأعراف: ١٥٥] قَالَ: كَانَ اللَّهُ أَمَرَهُ أَنْ يَخْتَارَ مِنْ قَوْمِهِ سَبْعِينَ رَجُلًا، فَاخْتَارَ سَبْعِينَ رَجُلًا، فَبَرَزَ بِهِمْ لِيَدْعُوا رَبَّهُمْ، فَكَانَ فِيمَا دَعَوُا اللَّهَ أَنْ قَالُوا: اللَّهُمَّ أَعْطِنَا مَا لَمْ تُعْطِ أَحَدًا بَعْدَنَا، فَكَرِهَ اللَّهُ ذَلِكَ مِنْ دُعَائِهِمْ، فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ. قَالَ مُوسَى: ﴿رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ﴾ [الأعراف: ١٥٥]»
١٠ ‏/ ٤٦٩
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا خَالِدُ بْنُ حَيَّانَ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ مَيْمُونٍ ⦗٤٧٠⦘: «﴿وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا﴾ [الأعراف: ١٥٥] قَالَ: لِمَوْعِدِهِمُ الَّذِي وَعَدَهُمْ»
١٠ ‏/ ٤٦٩
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا﴾ [الأعراف: ١٥٥] قَالَ: اخْتَارَهُمْ لِتَمَامِ الْوَعْدِ» وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّمَا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ مِنْ أَجْلِ دَعْوَاهُمْ عَلَى مُوسَى قَتْلَ هَارُونَ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٠ ‏/ ٤٧٠
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، وَابْنُ وَكِيعٍ، قَالَا: ثنا يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، قَالَ: ثني أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عَبْدٍ السَّلُولِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ، رضي الله عنه، قَالَ: «انْطَلَقَ مُوسَى وَهَارُونُ وَشَبِّرٌ وَشَبِيرٌ، فَانْطَلَقُوا إِلَى سَفْحِ جَبَلٍ، فَنَامَ هَارُونُ عَلَى سَرِيرٍ، فَتَوَفَّاهُ اللَّهُ. فَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ قَالُوا لَهُ: أَيْنَ هَارُونُ؟ قَالَ: تَوَفَّاهُ اللَّهُ. قَالُوا: أَنْتَ قَتَلْتَهُ، حَسَدْتَنَا عَلَى خُلُقِهِ وَلِينِهِ أَوْ كَلِمَةٌ نَحْوَهَا قَالَ: فَاخْتَارُوا مَنْ شِئْتُمْ، قَالَ: فَاخْتَارُوا سَبْعِينَ رَجُلًا. قَالَ: فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا﴾ [الأعراف: ١٥٥] قَالَ: فَلَمَّا انْتَهَوْا إِلَيْهِ قَالُوا: يَا هَارُونُ مَنْ قَتَلَكَ؟ قَالَ: مَا قَتَلَنِي أَحَدٌ، وَلَكِنَّنِي تَوَفَّانِي اللَّهُ. قَالُوا: يَا مُوسَى لَنْ نَعْصِيَ بَعْدَ الْيَوْمِ، قَالَ: فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ. قَالَ: فَجَعَلَ مُوسَى يَرْجِعُ يَمِينًا وَشِمَالًا، وَقَالَ: يَا ﴿رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مِنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ﴾ [الأعراف: ١٥٥] قَالَ: فَأَحْيَاهُمُ اللَّهُ وَجَعَلَهُمْ أَنْبِيَاءَ كُلَّهُمْ»
١٠ ‏/ ٤٧٠
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ رَجُلٍ، مِنْ بَنِي سَلُولٍ، أَنَّهُ سَمِعَ عَلِيًّا، رضي الله عنه يَقُولُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: «﴿وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا﴾ [الأعراف: ١٥٥] قَالَ: كَانَ هَارُونُ حَسَنَ الْخَلْقِ مُحَبَّبًا فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ. قَالَ: فَلَمَّا مَاتَ دَفْنَهُ مُوسَى. قَالَ: فَلَمَّا أَتَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، قَالُوا لَهُ: أَيْنَ هَارُونُ؟ قَالَ: مَاتَ. فَقَالُوا: قَتَلْتَهُ، قَالَ: فَاخْتَارَ مِنْهُمْ سَبْعِينَ رَجُلًا. قَالَ: فَلَمَّا أَتَوْا الْقَبْرَ، قَالَ مُوسَى: أَقُتِلْتَ أَوْ مُتَّ؟ قَالَ: مُتُّ. قَالَ: فَأُصْعِقُوا، فَقَالَ مُوسَى: رَبِّ مَا أَقُولُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِذَا رَجَعْتُ؟ يَقُولُونَ: أَنْتَ قَتَلْتَهُمْ، قَالَ: فَأُحْيُوا وَجُعِلُوا أَنْبِيَاءَ»
١٠ ‏/ ٤٧١
حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ، قَالَ: ثنا أَبِي، قَالَ، ثنا الرَّبِيعُ بْنُ حَبِيبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ، يَعْنِي الرَّقَاشِيَّ، وَقَرَأَ، هَذِهِ الْآيَةَ: «﴿وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا﴾ [الأعراف: ١٥٥] فَقَالَ: كَانُوا أَبْنَاءَ مَا عَدَا عِشْرِينَ وَلَمْ يَتَجَاوَزُوا الْأَرْبَعِينَ، وَذَلِكَ أَنَّ ابْنَ عِشْرِينَ قَدْ ذَهَبَ جَهْلُهُ وَصِبَاهُ، وَأَنَّ مَنْ لَمْ يَتَجَاوَزِ الْأَرْبَعِينَ لَمْ يَفْقِدْ مِنْ عَقْلِهِ شَيْئًا» وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّمَا أَخَذَتِ الْقَوْمَ الرَّجْفَةُ لِتَرْكِهِمْ فِرَاقَ عَبَدَةِ الْعِجْلِ، لَا لِأَنَّهُمْ كَانُوا مِنْ عَبَدَتِهِ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٠ ‏/ ٤٧١
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا﴾ [الأعراف: ١٥٥] فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ: ﴿السُّفَهَاءُ مِنَّا﴾ [الأعراف: ١٥٥] ذُكِرَ لَنَا أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يَقُولُ: «إِنَّمَا تَنَاوَلَتَهُمُ الرَّجْفَةُ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُزَايِلُوا الْقَوْمَ حِينَ نَصَبُوا الْعِجْلَ، ⦗٤٧٢⦘ وَقَدْ كَرِهُوا أَنْ يُجَامِعُوهُمْ عَلَيْهِ»
١٠ ‏/ ٤٧١
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَوْلُهُ: «﴿وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا﴾ [الأعراف: ١٥٥] مِمَّنْ لَمْ يَكُنْ قَالَ ذَلِكَ الْقَوْلَ عَلَى أَنَّهُمْ لَمْ يُجَامِعُوهُمْ عَلَيْهِ، فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا بَايَنُوا قَوْمَهُمْ حِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ. فَلَمَّا خَرَجُوا وَدَعَوْا، أَمَاتَهُمُ اللَّهُ ثُمَّ أَحْيَاهُمْ. ﴿فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا﴾ [الأعراف: ١٥٥]»
١٠ ‏/ ٤٧٢
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: ثنا أَبُو سَعْدٍ، قَالَ: قَالَ مُجَاهِدٌ: «﴿وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا﴾ [الأعراف: ١٥٥] وَالْمِيقَاتُ: الْمَوْعِدُ. فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ بَعْدَ أَنْ خَرَجَ مُوسَى بِالسَّبْعِينَ مِنْ قَوْمِهِ يَدْعُونَ اللَّهَ وَيَسْأَلُونَهُ أَنْ يَكْشِفَ عَنْهُمُ الْبَلَاءَ، فَلَمْ يَسْتَجِبْ لَهُمْ، عَلِمَ مُوسَى أَنَّهُمْ قَدْ أَصَابُوا مِنَ الْمَعْصِيَةِ مَا أَصَابَهُ قَوْمُهُمْ» قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: فَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ، قَالَ: لَمْ يُسْتَجَبْ لَهُمْ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمْ لَمْ يَنْهَوْهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيَأْمُرُوهُمْ بِالْمَعْرُوفِ. قَالَ: فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَمَاتُوا، ثُمَّ أَحْيَاهُمُ اللَّهُ
١٠ ‏/ ٤٧٢
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ عَوْفٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ حَيَّانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «إِنَّ السَّبْعِينَ الَّذِينَ اخْتَارَهُمْ مُوسَى مِنْ قَوْمِهِ، إِنَّمَا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ؛ إِنَّهُمْ لَمْ يَرْضَوْا وَلَمْ يَنْهَوْا عَنِ الْعِجْلِ» ⦗٤٧٣⦘ حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا عَوْفٌ، قَالَ: ثنا سَعِيدُ بْنُ حَيَّانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، بِنَحْوِهِ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي وَجْهِ نَصْبِ قَوْلِهِ: ﴿قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا﴾ [الأعراف: ١٥٥] فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ: مَعْنَاهُ: وَاخْتَارَ مُوسَى مِنْ قَوْمِهِ سَبْعِينَ رَجُلًا، فَلَمَّا نَزَعَ مِنْ أَعْمَلَ الْفِعْلَ، كَمَا قَالَ الْفَرَزْدَقُ:
[البحر الطويل] وَمِنَّا الَّذِي اخْتِيرَ الرِّجَالَ سَمَاحَةً … وَجُودًا إِذَا هَبَّ الرِّيَاحُ الزَّعَازِعُ
وَكَمَا قَالَ الْآخَرُ:
[البحر البسيط] أَمَرْتُكَ الْخَيْرَ فَافْعَلْ مَا أُمِرْتَ بِهِ … فَقَدْ تَرَكْتُكَ ذَا مَالٍ وَذَا نَشَبٍ
وَقَالَ الرَّاعِي:
[البحر البسيط] اخْتَرْتُكَ النَّاسَ إِذْ غَثَّتْ خَلَائِقُهُمْ … وَاعْتَلَّ مَنْ كَانَ يُرْجَى عِنْدَهُ السُّولُ
وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ: إِنَّمَا اسْتُجِيزَ وُقُوعُ الْفِعْلِ عَلَيْهِمْ إِذَا طُرِحَتْ مِنْ؛ لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِكَ: هَؤُلَاءِ خَيْرُ الْقَوْمِ، وَخَيْرٌ مِنَ الْقَوْمِ، ⦗٤٧٤⦘ فَإِذَا جَازَتِ الْإِضَافَةُ مَكَانَ «مِنْ» وَلَمْ يَتَغَيَّرِ الْمَعْنَى، اسْتَجَازُوا أَنْ يَقُولُوا: اخْتَرْتُكُمْ رَجُلًا، وَاخْتَرْتُ مِنْكُمْ رَجُلًا وَقَدْ قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الطويل] فَقُلْتُ لَهُ اخْتَرْهَا قَلُوصًا سَمِينَةً
وَقَالَ الرَّاجِزُ:
[البحر الرجز] تَحْتَ الَّتِي اخْتَارَ لَهُ اللَّهُ الشَّجَرَ
بِمَعْنَى: اخْتَارَهَا لَهُ اللَّهُ مِنَ الشَّجَرِ. وَهَذَا الْقَوْلُ الثَّانِي أَوْلَى عِنْدِي فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ؛ لِدَلَالَةِ الِاخْتِيَارِ عَلَى طَلَبِ «مِنْ» الَّتِي بِمَعْنَى التَّبْعِيضِ، وَمِنْ شَأْنِ الْعَرَبِ أَنْ تَحْذِفَ الشَّيْءَ مِنْ حَشْوِ الْكَلَامِ إِذَا عُرِفَ مَوْضِعُهُ، وَكَانَ فِيمَا أَظْهَرَتْ دَلَالَةٌ عَلَى مَا حَذَفَتْ، فَهَذَا مِنْ ذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الرَّجْفَةِ فِيمَا مَضَى بِشَوَاهِدِهَا، وَأَنَّهَا مَا رَجَفَ بِالْقَوْمِ وَأَرْعَبَهُمْ وَحَرَّكَهُمْ وَأَهْلَكَهُمْ بَعْدُ، فَأَمَاتَهُمْ أَوْ أَصْعَقَهُمْ، فَسَلَبَ أَفْهَامَهُمْ. وَقَدْ ذَكَرْنَا الرِّوَايَةَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، وَقَوْلُ مَنْ قَالَ: إِنَّهَا كَانَتْ صَاعِقَةً أَمَاتَتْهُمْ
١٠ ‏/ ٤٧٢
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ﴾ [الأعراف: ١٥٥] مَاتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ»
١٠ ‏/ ٤٧٥
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا﴾ [الأعراف: ١٥٥] اخْتَارَهُمْ مُوسَى لِتَمَامِ الْمَوْعِدِ. ﴿فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ﴾ [الأعراف: ١٥٥] مَاتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمُ اللَّهُ»
١٠ ‏/ ٤٧٥
حَدَّثَنِي عَبْدُ الْكَرِيمِ، قَالَ: ثنا إِبْرَاهِيمُ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، قَالَ: قَالَ أَبُو سَعْدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «﴿فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ﴾ [الأعراف: ١٥٥] قَالَ: رَجَفَ بِهِمْ»
١٠ ‏/ ٤٧٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ﴾ [الأعراف: ١٥٥] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى ذَلِكَ: أَتُهْلِكُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَهْلَكْتَهُمْ بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا: أَيْ: بِعِبَادَةِ مَنْ عَبَدَ الْعِجْلَ. قَالُوا: وَكَانَ اللَّهُ إِنَّمَا أَهْلَكَهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا مِمَّنْ يَعْبُدُ الْعِجْلَ، وَقَالَ مُوسَى مَا قَالَ وَلَا عِلْمَ عِنْدَهُ بِمَا كَانَ مِنْهُمْ مِنْ ذَلِكَ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٠ ‏/ ٤٧٥
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: «﴿أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا﴾ [الأعراف: ١٥٥] فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى مُوسَى: إِنَّ هَؤُلَاءِ السَّبْعِينَ مِمَّنِ اتَّخَذَ الْعِجْلَ، فَذَلِكَ حِينَ يَقُولُ مُوسَى: ﴿إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا ⦗٤٧٦⦘ مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ﴾ [الأعراف: ١٥٥]» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: إِنَّ إِهْلَاكَكَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَهْلَكْتَهُمْ هَلَاكٌ لِمَنْ وَرَاءَهُمْ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذَا انْصَرَفْتَ إِلَيْهِمْ، وَلَيْسُوا مَعِي، وَالسُّفَهَاءُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ كَانُوا الْمُهْلِكِينَ الَّذِينَ سَأَلُوا مُوسَى أَنْ يُرِيَهُمُ رَبَّهُمْ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٠ ‏/ ٤٧٥
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: «لَمَّا أَخَذَتِ الرَّجْفَةُ السَّبْعِينَ فَمَاتُوا جَمِيعًا، قَامَ مُوسَى يُنَاشِدُ رَبَّهُ وَيَدْعُوهُ، وَيَرْغَبُ إِلَيْهِ يَقُولُ: رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ قَدْ سَفِهُوا، أَفَتُهْلِكُ مَنْ وَرَائِي مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا؟ أَيْ: إِنَّ هَذَا لَهُمْ هَلَاكٌ، قَدِ اخْتَرْتُ مِنْهُمْ سَبْعِينَ رَجُلًا الْخَيِّرَ فَالْخَيِّرَ، أَرْجِعُ إِلَيْهِمْ وَلَيْسَ مَعِيَ رَجُلٌ وَاحِدٌ؟ فَمَا الَّذِي يُصِدِّقُونَنِي بِهِ أَوْ يَأْمَنُونَنِي عَلَيْهِ بَعْدَ هَذَا» وَقَالَ آخَرُونَ فِي ذَلِكَ بِمَا
١٠ ‏/ ٤٧٦
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا﴾ [الأعراف: ١٥٥] أَتَؤَاخِذُنَا وَلَيْسَ مِنَّا رَجُلٌ وَاحِدٌ تَرَكَ عِبَادَتَكَ وَلَا اسْتَبْدَلَ بِكَ غَيْرَكَ» وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ، قَوْلُ مَنْ قَالَ: إِنَّ مُوسَى إِنَّمَا حَزُنَ عَلَى هَلَاكِ السَّبْعِينَ بِقَوْلِهِ: ﴿أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا﴾ [الأعراف: ١٥٥] وَإِنَّهُ إِنَّمَا عَنَى بِالسُّفَهَاءِ عَبَدَةَ الْعِجْلِ وَذَلِكَ أَنَّهُ مُحَالٌ أَنْ يَكُونَ مُوسَى ﷺ كَانَ تَخَيَّرَ مِنْ قَوْمِهِ لِمَسْأَلَةِ رَبِّهِ
١٠ ‏/ ٤٧٦
مَا أُرَاهُ أَنْ يَسْأَلَ لَهُمْ إِلَّا الْأَفْضَلَ فَالْأَفْضَلَ مِنْهُمْ، وَمُحَالٌ أَنْ يَكُونَ الْأَفْضَلَ كَانَ عِنْدَهُ مَنْ أَشْرَكَ فِي عِبَادَةِ الْعِجْلِ وَاتَّخَذَهُ دُونَ اللَّهِ إِلَهًا. قَالَ: فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ مُوسَى عليه السلام كَانَ مُعْتَقِدًا أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ يُعَاقِبُ قَوْمًا بِذُنُوبِ غَيْرِهِمْ، فَيَقُولُ: أَتُهْلِكُنَا بِذُنُوبِ مَنْ عَبَدَ الْعِجْلَ، وَنَحْنُ مِنْ ذَلِكَ بُرَآءُ؟ قِيلَ جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى الْإِهْلَاكِ قَبْضَ الْأَرْوَاحِ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ الْعُقُوبَةِ، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ﴾ [النساء: ١٧٦] يَعْنِي: مَاتَ، فَيَقُولُ: أَتُمِيتُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا
١٠ ‏/ ٤٧٧
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ﴾ [الأعراف: ١٥٥] فَإِنَّهُ يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: مَا هَذِهِ الْفِعْلَةُ الَّتِي فَعَلَهَا قَوْمِي مِنْ عِبَادَتِهِمْ مَا عَبَدُوا دُونَكَ، إِلَّا فِتْنَةً مِنْكَ أَصَابَتْهُمْ. وَيَعْنِي بِالْفِتْنَةِ: الِابْتِلَاءَ وَالِاخْتِبَارَ. يَقُولُ: ابْتَلَيْتَهُمْ بِهَا لِيَتَبَيَّنَ الَّذِي يَضِلُّ عَنِ الْحَقِّ بِعِبَادَتِهِ إِيَّاهُ وَالَّذِي يَهْتَدِي بِتَرْكِ عِبَادَتِهِ. وَأَضَافَ إِضْلَالَهُمْ وَهِدَايَتَهُمْ إِلَى اللَّهِ؛ إِذْ كَانَ مَا كَانَ مِنْهُمْ مِنْ ذَلِكَ عَنْ سَبَبٍ مِنْهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ. وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي الْفِتْنَةِ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٠ ‏/ ٤٧٧
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، «﴿إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ﴾ [الأعراف: ١٥٥] قَالَ: بَلِيَّتُكَ»
١٠ ‏/ ٤٧٧
قَالَ: ثنا حَبُّويَهْ الرَّازِيُّ، عَنْ يَعْقُوبَ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي ⦗٤٧٨⦘ الْمُغِيرَةِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: «﴿إِلَّا فِتْنَتُكَ﴾ [الأعراف: ١٥٥] إِلَّا بَلِيَّتُكَ»
١٠ ‏/ ٤٧٧
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ: «﴿إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ﴾ [الأعراف: ١٥٥] قَالَ: بَلِيَّتُكَ»
١٠ ‏/ ٤٧٨
قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «﴿إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ﴾ [الأعراف: ١٥٥] إِنْ هُوَ إِلَّا عَذَابُكَ تُصِيبُ بِهِ مَنْ تَشَاءُ، وَتَصْرِفُهُ عَمَّنْ تَشَاءُ»
١٠ ‏/ ٤٧٨
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ﴾ [الأعراف: ١٥٥] أَنْتَ فَتَنْتَهُمْ» وَقَوْلُهُ: ﴿أَنْتَ وَلِيُّنَا﴾ [الأعراف: ١٥٥] يَقُولُ: أَنْتَ نَاصِرُنَا. ﴿فَاغْفِرْ لَنَا﴾ [الأعراف: ١٥٥] يَقُولُ: فَاسْتُرْ عَلَيْنَا ذُنُوبَنَا بِتَرْكِكَ عِقَابَنَا عَلَيْهَا. ﴿وَارْحَمْنَا﴾ [الأعراف: ١٥٥] تَعَطَّفْ عَلَيْنَا بِرَحْمَتِكَ. ﴿وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ﴾ [الأعراف: ١٥٥] يَقُولُ: خَيْرُ مَنْ صَفَحَ عَنْ جُرْمٍ وَسَتَرَ عَلَى ذَنْبٍ
١٠ ‏/ ٤٧٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ﴾ [الأعراف: ١٥٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُخْبِرًا عَنْ دُعَاءِ نَبِيِّهِ مُوسَى عليه السلام أَنَّهُ قَالَ فِيهِ: ﴿وَاكْتُبْ لَنَا﴾ [الأعراف: ١٥٦] أَيِ: اجْعَلْنَا مِمَّنْ كَتَبْتَ لَهُ ﴿فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً﴾ [الأعراف: ١٥٦] وَهِيَ الصَّالِحَاتُ مِنَ الْأَعْمَالِ، ﴿وَفِي الْآخِرَةِ﴾ [البقرة: ٢٠١] مِمَّنْ كَتَبْتَ لَهُ الْمَغْفِرَةَ لِذُنُوبِهِ
١٠ ‏/ ٤٧٨
كَمَا حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَوْلُهُ: «﴿وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً﴾ [الأعراف: ١٥٦] قَالَ: مَغْفِرَةً. وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ﴾ [الأعراف: ١٥٦] يَقُولُ: إِنَّا تُبْنَا إِلَيْكَ» وَبِنَحْوِ ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٠ ‏/ ٤٧٩
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، وَابْنُ فُضَيْلٍ وَعِمْرَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَقَالَ عِمْرَانُ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «﴿إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ﴾ [الأعراف: ١٥٦] قَالَ: إِنَّا تُبْنَا إِلَيْكَ»
١٠ ‏/ ٤٧٩
قَالَ: ثنا زَيْدُ بْنُ حُبَابٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: «تُبْنَا إِلَيْكَ»
١٠ ‏/ ٤٧٩
قَالَ: ثنا جَابِرُ بْنُ نُوحٍ، عَنْ أَبِي رَوْقٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «تُبْنَا إِلَيْكَ»
١٠ ‏/ ٤٧٩
قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَكْرٍ، عَنْ حَاتِمِ بْنِ أَبِي مُغِيرَةِ، عَنْ سِمَاكٍ: أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: «﴿إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ﴾ [الأعراف: ١٥٦] قَالَ: تُبْنَا إِلَيْكَ»
١٠ ‏/ ٤٧٩
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا الْحَجَّاجُ، قَالَ: ثنا حَمَّادٌ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: أَحْسِبُهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ قَالَ: تُبْنَا إِلَيْكَ»
١٠ ‏/ ٤٨٠
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «﴿إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ﴾ [الأعراف: ١٥٦] يَقُولُ تُبْنَا إِلَيْكَ»
١٠ ‏/ ٤٨٠
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثني يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْأَصْبَهَانِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ﴾ [الأعراف: ١٥٦] قَالَ: تُبْنَا إِلَيْكَ» قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَوَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ، قَالَا: ثنا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَصْبَهَانِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ بِمِثْلِهِ حَدَّثَنِي ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ الْأَصْبَهَانِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، مِثْلَهُ
١٠ ‏/ ٤٨٠
قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: «تُبْنَا إِلَيْكَ»
١٠ ‏/ ٤٨٠
قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ زَيْدٍ، عَنِ الْعَوَّامِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، قَالَ: «تُبْنَا إِلَيْكَ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنِ الْعَوَّامِ، عَنْ ⦗٤٨١⦘ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، مِثْلَهُ
١٠ ‏/ ٤٨٠
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ﴾ [الأعراف: ١٥٦] أَيْ: إِنَّا تُبْنَا إِلَيْكَ»
١٠ ‏/ ٤٨١
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: «﴿هُدْنَا إِلَيْكَ﴾ [الأعراف: ١٥٦] قَالَ: تُبْنَا»
١٠ ‏/ ٤٨١
حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: «﴿إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ﴾ [الأعراف: ١٥٦] يَقُولُ: تُبْنَا إِلَيْكَ»
١٠ ‏/ ٤٨١
قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ﴾ [الأعراف: ١٥٦] يَقُولُ: تُبْنَا إِلَيْكَ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٠ ‏/ ٤٨١
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيِّ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، قَالَ: «﴿هُدْنَا إِلَيْكَ﴾ [الأعراف: ١٥٦] قَالَ: تُبْنَا إِلَيْكَ»
١٠ ‏/ ٤٨١
قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ أَبِي جُحَيْرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، قَالَ: «تُبْنَا إِلَيْكَ»
١٠ ‏/ ٤٨١
قَالَ: ثنا الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، قَالَ: «تُبْنَا إِلَيْكَ» وَحُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ، فَذَكَرَ مِثْلَهُ
١٠ ‏/ ٤٨٢
قَالَ: ثنا أَبِي، وَعُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «تُبْنَا إِلَيْكَ» قَالَ: ثنا حَبُّويَهْ أَبُو يَزِيدَ، عَنْ يَعْقُوبَ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، مِثْلَهُ
١٠ ‏/ ٤٨٢
قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ عَلِيٍّ عليه السلام قَالَ: «إِنَّمَا سُمِّيَتِ الْيَهُودَ لِأَنَّهُمْ قَالُوا ﴿هُدْنَا إِلَيْكَ﴾ [الأعراف: ١٥٦]»
١٠ ‏/ ٤٨٢
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «﴿إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ﴾ [الأعراف: ١٥٦] يَعْنِي: تُبْنَا إِلَيْكَ»
١٠ ‏/ ٤٨٢
حَدَّثَنَا ابْنُ الْبَرْقِيِّ، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: سَمِعْتُ رَجُلًا يَسْأَلُ سَعِيدًا: «﴿إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ﴾ [الأعراف: ١٥٦] قَالَ: إِنَّا تُبْنَا إِلَيْكَ» وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى ذَلِكَ بِشَوَاهِدِهِ فِيمَا مَضَى قَبْلُ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ
١٠ ‏/ ٤٨٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي ⦗٤٨٣⦘ وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ﴾ [الأعراف: ١٥٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿قَالَ﴾ [البقرة: ٣٠] اللَّهُ لِمُوسَى: هَذَا الَّذِي أَصَبْتُ بِهِ قَوْمَكَ مِنَ الرَّجْفَةِ ﴿عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ﴾ [الأعراف: ١٥٦] مِنْ خَلْقِي، كَمَا أُصِيبُ بِهِ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَصَبْتُهُمْ بِهِ مِنْ قَوْمِكَ. ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾ [الأعراف: ١٥٦] يَقُولُ: وَرَحْمَتِي عَمَّتْ خَلْقِي كُلَّهُمْ. وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ مَخْرَجُهُ عَامٌّ وَمَعْنَاهُ خَاصٌّ، وَالْمُرَادُ بِهِ: وَرَحْمَتِي وَسِعَتِ الْمُؤْمِنِينَ بِي مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ. وَاسْتَشْهَدَ بِالَّذِي بَعْدَهُ مِنَ الْكَلَامِ وَهُوَ قَوْلُهُ: ﴿فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ﴾ [الأعراف: ١٥٦] الْآيَةُ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٠ ‏/ ٤٨٢
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو سَلَمَةَ الْمِنْقَرِيُّ، قَالَ: ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَرَأَ: «﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ﴾ [الأعراف: ١٥٦] قَالَ: جَعَلَهَا اللَّهُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ»
١٠ ‏/ ٤٨٣
حَدَّثَنِي عَبْدُ الْكَرِيمِ، قَالَ: ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: قَالَ سُفْيَانُ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ ⦗٤٨٤⦘ الْهُذَلِيُّ: «فَلَمَّا نَزَلَتْ: ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾ [الأعراف: ١٥٦] قَالَ إِبْلِيسُ: أَنَا مِنَ الشَّيْءِ. فَنَزَعَهَا اللَّهُ مِنْ إِبْلِيسَ، قَالَ: ﴿فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ﴾ [الأعراف: ١٥٦] فَقَالَ الْيَهُودُ: نَحْنُ نَتَّقِي وَنُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَنُؤْمِنُ بِآيَاتِ رَبِّنَا. فَنَزَعَهَا اللَّهُ مِنَ الْيَهُودِ، فَقَالَ: ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ﴾ [الأعراف: ١٥٧] الْآيَاتِ كُلَّهَا. قَالَ: فَنَزَعَهَا اللَّهُ مِنْ إِبْلِيسَ وَمَنَ الْيَهُودِ وَجَعَلَهَا لِهَذِهِ الْأُمَّةِ»
١٠ ‏/ ٤٨٣
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: «لَمَّا نَزَلَتْ: ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾ [الأعراف: ١٥٦] قَالَ إِبْلِيسُ: أَنَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، قَالَ اللَّهُ: ﴿فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ﴾ [الأعراف: ١٥٦] الْآيَةَ. فَقَالَتِ الْيَهُودُ: وَنَحْنُ نَتَّقِي وَنُؤْتِي الزَّكَاةَ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ﴾ [الأعراف: ١٥٧] قَالَ: نَزَعَهَا اللَّهُ عَنْ إِبْلِيسِ وَعَنِ الْيَهُودِ، وَجَعَلَهَا لَأُمَّةِ مُحَمَّدٍ، سَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ قَوْمِكَ»
١٠ ‏/ ٤٨٤
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: «﴿عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾ [الأعراف: ١٥٦] فَقَالَ إِبْلِيسُ: أَنَا مِنْ ذَلِكَ الشَّيْءِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ﴾ [الأعراف: ١٥٦] مَعَاصِيَ اللَّهِ ﴿وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ﴾ [الأعراف: ١٥٦] فَتَمَّنَتْهَا الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى. فَأَنْزَلَ اللَّهُ شَرْطًا وَثِيقًا بَيِّنًا، فَقَالَ: ﴿الَّذِينَ ⦗٤٨٥⦘ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ﴾ [الأعراف: ١٥٧] فَهُوَ نَبِيُّكُمْ كَانَ أُمِّيًّا لَا يَكْتُبُ ﷺ»
١٠ ‏/ ٤٨٤
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ، عَنْ أُنَيْسِ بْنِ أَبِي الْعُرْيَانِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ﴾ [الأعراف: ١٥٦] قَالَ: فَلَمْ يُعْطَهَا، فَقَالَ: ﴿عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ﴾ [الأعراف: ١٥٦] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ﴾ [الأعراف: ١٥٧]»
١٠ ‏/ ٤٨٥
حَدَّثَنِي ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، وَعَبْدُ الْأَعْلَى، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ أُنَيْسِ بْنِ أَبِي الْعُريَانِ قَالَ عَبْدُ الْأَعْلَى: عَنْ أُنَيْسِ أَبِي الْعُرْيَانِ وَقَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «﴿وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ﴾ [الأعراف: ١٥٦] قَالَ: فَلَمْ يُعْطَهَا مُوسَى. ﴿قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا﴾ [الأعراف: ١٥٦] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ»
١٠ ‏/ ٤٨٥
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «كَانَ اللَّهُ كَتَبَ فِي الْأَلْوَاحِ ذِكْرَ مُحَمَّدٍ وَذِكْرَ أُمَّتِهِ وَمَا ادَّخَرَ لَهُمْ عِنْدَهُ وَمَا يَسَّرَ عَلَيْهِمْ فِي دِينِهِمْ وَمَا وَسَّعَ عَلَيْهِمْ فِيمَا أَحَلَّ لَهُمْ، فَقَالَ: ﴿عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ ⦗٤٨٦⦘ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ﴾ [الأعراف: ١٥٦] يَعْنِي الشِّرْكَ، الْآيَةَ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ ذَلِكَ عَلَى الْعُمُومِ فِي الدُّنْيَا وَعَلَى الْخُصُوصِ فِي الْآخِرَةِ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٠ ‏/ ٤٨٥
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الْحَسَنِ، وَقَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾ [الأعراف: ١٥٦] قَالَا: وَسِعَتْ فِي الدُّنْيَا الْبَرَّ وَالْفَاجِرَ، وَهِيَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا خَاصَّةً» وَقَالَ آخَرُونَ: هِيَ عَلَى الْعُمُومِ، وَهِيَ التَّوْبَةُ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٠ ‏/ ٤٨٦
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ﴾ [الأعراف: ١٥٦] فَقَالَ: سَأَلَ مُوسَى هَذَا، فَقَالَ اللَّهُ: ﴿عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ﴾ [الأعراف: ١٥٦] الْعَذَابُ الَّذِي ذَكَرَ ﴿وَرَحْمَتِي﴾ [الأعراف: ١٥٦] التَّوْبَةُ ﴿وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ﴾ [الأعراف: ١٥٦] قَالَ: فَرَحِمْتُهُ: التَّوْبَةُ الَّتِي سَأَلَ مُوسَى عليه السلام كَتَبَهَا اللَّهُ لَنَا»
١٠ ‏/ ٤٨٦
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ﴾ [الأعراف: ١٥٦] فَإِنَّهُ يَقُولُ: فَسَأَكْتُبُ رَحْمَتِي الَّتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ. وَمَعْنَى أَكْتُبُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: أَكْتُبُ فِي اللَّوْحِ الَّذِي كُتِبَ فِيهِ التَّوْرَاةُ ﴿لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ﴾ [الأنعام: ٣٢] يَقُولُ: لِلْقَوْمِ الَّذِينَ يَخَافُونَ اللَّهَ وَيَخْشَوْنَ عِقَابَهُ عَلَى الْكُفْرِ بِهِ وَالْمَعْصِيَةِ لَهُ فِي أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ، فَيُؤَدُّونَ فَرَائِضَهُ، وَيَجْتَنِبُونَ مَعَاصِيهِ. وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمَعْنَى الَّذِي وَصَفَ اللَّهُ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ بِأَنَّهُمْ يَتَّقُونَهُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ الشِّرْكُ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٠ ‏/ ٤٨٧
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «﴿فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ﴾ [الأعراف: ١٥٦] يَعْنِي الشِّرْكَ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ هُوَ الْمَعَاصِي كُلُّهَا. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٠ ‏/ ٤٨٧
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ﴾ [الأعراف: ١٥٦] مَعَاصِيَ اللَّهِ» وَأَمَّا الزَّكَاةُ وَإِيتَاؤُهَا، فَقَدْ بَيَّنَا صِفَتُهَا فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ. وَقَدْ ذُكِرَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ أَنَّهُ قَالَ فِي ذَلِكَ مَا
١٠ ‏/ ٤٨٧
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «﴿وَيُؤْتُونَ ⦗٤٨٨⦘ الزَّكَاةَ﴾ [الأعراف: ١٥٦] قَالَ: يُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ» فَكَأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ تَأَوَّلَ ذَلِكَ بِمَعْنَى أَنَّهُ الْعَمَلُ بِمَا يُزَكِّي النَّفْسَ وَيُطَهِّرُهَا مِنْ صَالِحَاتِ الْأَعْمَالِ
١٠ ‏/ ٤٨٧
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ﴾ [الأعراف: ١٥٦] فَإِنَّهُ يَقُولُ: وَلِلْقَوْمِ الَّذِينَ هُمْ بِأَعْلَامِنَا وَأَدِلَّتِنَا يُصَدِّقُونَ وَيُقِرُّونَ
١٠ ‏/ ٤٨٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [الأعراف: ١٥٧] وَهَذَا الْقَوْلُ إِبَانَةٌ مِنَ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْ أَنِّ الَّذِينَ وَعَدَ مُوسَى نَبِيَّهُ عليه السلام أَنْ يَكْتُبَ لَهُمُ الرَّحْمَةَ الَّتِي وَصَفَهَا جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾ [الأعراف: ١٥٦] هُمْ أُمَّةُ مُحَمَّدٍ ﷺ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ لِلَّهِ رَسُولٌ وُصِفَ بِهَذِهِ الصُّفَّةِ أَعْنِي الْأُمِّيَّ غَيْرُ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ ﷺ، وَبِذَلِكَ جَاءَتِ الرِّوَايَاتُ عَنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٠ ‏/ ٤٨٨
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا عِمْرَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «﴿فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ﴾ [الأعراف: ١٥٦] قَالَ: أُمَّةُ مُحَمَّدٍ ﷺ»
١٠ ‏/ ٤٨٨
قَالَ: ثنا زَيْدُ بْنُ حُبَابٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «أُمَّةُ مُحَمَّدٍ ﷺ»
١٠ ‏/ ٤٨٨
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، وَابْنُ وَكِيعٍ، قَالَا: ثنا يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ﴾ [الأعراف: ١٥٦] قَالَ: أُمَّةُ مُحَمَّدٍ ﷺ، فَقَالَ مُوسَى عليه السلام: لَيْتَنِي خُلِقْتُ فِي أُمَّةِ مُحَمَّدٍ»
١٠ ‏/ ٤٨٩
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ وَكِيعٍ، قَالَا: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: «﴿فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ﴾ [الأعراف: ١٥٦] قَالَ: الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مُحَمَّدًا ﷺ»
١٠ ‏/ ٤٨٩
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ نَوْفٍ الْحِمْيَرِيِّ، قَالَ: «لَمَّا اخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِ رَبِّهِ قَالَ اللَّهُ لِمُوسَى: أَجْعَلُ لَكُمُ الْأَرْضَ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، وَأَجْعَلُ السَّكِينَةَ مَعَكُمْ فِي بُيُوتِكُمْ، وَأَجَعَلُكُمْ تَقْرَءُونَ التَّوْرَاةَ عَنْ ظُهُورِ قُلُوبِكُمْ، يَقْرَؤُهَا الرَّجُلُ مِنْكُمْ وَالْمَرْأَةُ وَالْحُرُّ وَالْعَبْدُ وَالصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ. فَقَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ يَجْعَلُ لَكُمُ الْأَرْضَ طَهُورًا وَمَسْجِدًا. قَالُوا: لَا نُرِيدُ أَنَّ نُصَلِّيَ إِلَّا فِي الْكَنَائِسِ. قَالَ: وَيَجْعَلُ السَّكِينَةَ مَعَكُمْ فِي بُيُوتِكُمْ. قَالُوا: لَا نُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ كَمَا كَانَتْ فِي التَّابُوتِ. قَالَ: وَيَجْعَلُكُمْ تَقْرَءُونَ التَّوْرَاةَ عَنْ ظُهُورِ قُلُوبِكُمْ وَيَقْرَؤُهَا الرَّجُلُ مِنْكُمْ وَالْمَرْأَةُ وَالْحُرُّ وَالْعَبْدُ وَالصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ. قَالُوا: لَا نُرِيدُ أَنْ نَقْرَأَهَا إِلَّا نَظَرًا. فَقَالَ اللَّهُ: ﴿فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ﴾ [الأعراف: ١٥٦] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [الأعراف: ١٥٧]»
١٠ ‏/ ٤٨٩
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ يَحْيَى ⦗٤٩٠⦘ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ نَوْفٍ الْبِكَالِيِّ، قَالَ: «لَمَّا انْطَلَقَ مُوسَى بِوَفْدِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَلَّمَهُ اللَّهُ، فَقَالَ: إِنِّي قَدْ بَسَطْتُ لَهُمُ الْأَرْضَ طَهُورًا وَمَسَاجِدَ يُصَلُّونَ فِيهَا حَيْثُ أَدْرَكْتُهُمُ الصَّلَاةُ إِلَّا عِنْدَ مِرْحَاضٍ أَوْ قَبْرٍ أَوْ حَمَّامٍ، وَجَعَلْتُ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِهِمْ، وَجَعَلْتُهُمْ يَقْرَءُونَ التَّوْرَاةَ عَنْ ظَهْرِ أَلْسِنَتِهِمْ. قَالَ: فَذَكَرَ ذَلِكَ مُوسَى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ، فَقَالُوا: لَا نَسْتَطِيعُ حَمْلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِنَا، فَاجْعَلْهَا لَنَا فِي تَابُوتٍ، وَلَا نَقْرَأُ التَّوْرَاةَ إِلَّا نَظَرًا، وَلَا نُصَلِّي إِلَّا فِي الْكَنِيسَةِ، فَقَالَ اللَّهُ: ﴿فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ﴾ [الأعراف: ١٥٦] حَتَّى بَلَغَ: ﴿أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [الأعراف: ١٥٧] قَالَ: فَقَالَ مُوسَى عليه السلام: يَا رَبِّ اجْعَلْنِي نَبِيَّهُمْ، قَالَ: نَبِيُّهُمْ مِنْهُمْ. قَالَ: رَبِّ اجْعَلْنِي مِنْهُمْ، قَالَ: لَنْ تُدْرِكَهُمْ. قَالَ: يَا رَبِّ أَتَيْتُكَ بِوَفْدِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَجَعَلْتَ وِفَادَتَنَا لِغَيْرِنَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ﴾ [الأعراف: ١٥٩] قَالَ نَوْفٌ الْبِكَالِيُّ: فَاحْمَدُوا اللَّهَ الَّذِي حَفِظَ غَيْبَتَكُمْ، وَأَخَذَ لَكُمْ بِسَهْمِكُمْ، وَجَعَلَ وِفَادَةَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَكُمْ» حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ نَوْفٍ الْبِكَالِيِّ بِنَحْوِهِ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: فَإِنِّي أُنْزِلُ عَلَيْكُمُ التَّوْرَاةَ تَقْرَءُونَهَا عَنْ ظَهْرِ أَلْسِنَتِكُمْ، رِجَالُكُمْ وَنِسَاؤُكُمْ وَصِبْيَانُكُمْ. قَالُوا: لَا نُصَلِّي إِلَّا فِي كَنِيسَةٍ، ثُمَّ ذَكَرَ سَائِرَ الْحَدِيثِ نَحْوَهُ
١٠ ‏/ ٤٨٩
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ يَعْقُوبَ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: «﴿فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ﴾ [الأعراف: ١٥٦] قَالَ: أُمَّةُ مُحَمَّدٍ ﷺ»
١٠ ‏/ ٤٩٠
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: «﴿فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ﴾ [الأعراف: ١٥٦] قَالَ: هَؤُلَاءِ أُمَّةُ مُحَمَّدٍ ﷺ»
١٠ ‏/ ٤٩١
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: «لَمَّا قِيلَ: ﴿فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ﴾ [الأعراف: ١٥٦] تَمَّنَتْهَا الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، فَأَنْزَلَ اللَّهُ شَرْطًا بَيِّنًا وَثِيقًا، فَقَالَ: ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ﴾ [الأعراف: ١٥٧] وَهُوَ نَبِيُّكُمْ ﷺ كَانَ أُمِّيًّا لَا يَكْتُبُ» وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْأُمِّيِّ فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ
١٠ ‏/ ٤٩١
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ﴾ [الأعراف: ١٥٧] فَإِنَّ الْهَاءَ فِي قَوْلِهِ: ﴿يَجِدُونَهُ﴾ [الأعراف: ١٥٧] عَائِدَةٌ عَلَى الرَّسُولِ، وَهُوَ مُحَمَّدٌ ﷺ. كَالَّذِي
١٠ ‏/ ٤٩١
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَوْلُهُ: «﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ﴾ [الأعراف: ١٥٧] هَذَا مُحَمَّدٌ ﷺ»
١٠ ‏/ ٤٩١
حَدَّثَنِي ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: ثنا فُلَيْحٌ، عَنْ هِلَالِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: لَقِيتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو، فَقُلْتُ: «أَخْبِرْنِي عَنْ صِفَةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي التَّوْرَاةِ، قَالَ: أَجَلْ وَاللَّهِ إِنَّهُ لَمَوْصُوفٌ فِي التَّوْرَاةِ كَصِفَتِهِ فِي الْقُرْآنِ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا﴾ [الأحزاب: ٤٥] وَحِرْزًا لِلْأُمِّيِّينَ، أَنْتَ عَبْدِي وَرَسُولِي، سَمَّيْتُكَ الْمُتَوَكِّلَ، لَيْسَ بِفَظٍّ وَلَا غَلِيظٍ وَلَا صَخَّابٍ فِي الْأَسْوَاقِ، وَلَا يَجْزِي بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ، وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَصْفَحُ وَلَنْ نَقْبِضَهُ حَتَّى نُقِيمَ ⦗٤٩٢⦘ بِهِ الْمِلَّةَ الْعَوْجَاءَ، بِأَنْ يَقُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَنَفْتَحُ بِهِ قُلُوبًا غُلْفًا وَآذَانًا صُمًّا، وَأَعْيُنًا عُمْيًا. قَالَ عَطَاءٌ: ثُمَّ لَقِيتُ كَعْبًا فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ، فَمَا اخْتَلَفَا حَرْفًا، إِلَّا أَنَّ كَعْبًا قَالَ بِلُغَتِهِ: قُلُوبًا غُلُوفِيَا. وَآذَانًا صُمُومِيَا، وَأَعْيُنًا عُمُومِيَا» حَدَّثَنِي أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا مُوسَى بْنُ دَاوُدَ، قَالَ: ثنا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ هِلَالِ بْنِ عَلِيٍّ، قَالَ: ثني عَطَاءٌ، قَالَ: لَقِيتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ. إِلَّا أَنَّهُ قَالَ فِي كَلَامِ كَعْبٍ: أَعْيُنًا عُمُومَا، وَآذَانًا صُمُومَا، وَقُلُوبًا غُلُوفًا قَالَ: ثنا مُوسَى، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ هِلَالِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بِنَحْوِهِ، وَلَيْسَ فِيهِ كَلَامُ كَعْبٍ
١٠ ‏/ ٤٩١
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ اللَّهُ: «﴿الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ﴾ [الأعراف: ١٥٧] يَقُولُ: يَجِدُونَ نَعْتَهُ وَأَمْرَهُ وَنُبُوَّتَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ»
١٠ ‏/ ٤٩٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ ⦗٤٩٣⦘ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ﴾ [الأعراف: ١٥٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: يَأْمُرُ هَذَا النَّبِيُّ الْأُمِّيُّ أَتْبَاعَهُ بِالْمَعْرُوفِ، وَهُوَ الْإِيمَانُ بِاللَّهِ وَلُزُومُ طَاعَتِهِ فِيمَا أَمَرَ وَنَهَى، فَذَلِكَ الْمَعْرُوفُ الَّذِي يَأْمُرُهُمْ بِهِ، وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَهُوَ الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَالِانْتِهَاءُ عَمَّا نَهَاهُمُ اللَّهُ عَنْهُ. وَقَوْلُهُ: ﴿وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ﴾ [الأعراف: ١٥٧] وَذَلِكَ مَا كَانَتِ الْجَاهِلِيَّةُ تُحَرِّمُهُ مِنَ الْبَحَائِرِ وَالسَّوَائِبِ وَالْوَصَائِلِ وَالْحَوَامِي. ﴿وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ﴾ [الأعراف: ١٥٧] وَذَلِكَ لَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَالرِّبَا، وَمَا كَانُوا يَسْتَحِلُّونَهُ مِنَ الْمَطَاعِمِ وَالْمَشَارِبِ الَّتِي حَرَّمَهَا اللَّهُ. كَمَا
١٠ ‏/ ٤٩٢
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: “﴿وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ﴾ [الأعراف: ١٥٧] وَهُوَ لَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَالرِّبَا، وَمَا كَانُوا يَسْتَحِلُّونَهُ مِنَ الْمُحَرِّمَاتِ مِنَ الْمَآكِلِ الَّتِي حَرَّمَهَا اللَّهُ
١٠ ‏/ ٤٩٣
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ﴾ [الأعراف: ١٥٧] فَإِنَّ أَهْلَ التَّأْوِيلِ اخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَعْنِي بِالْإِصْرِ: الْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ الَّذِي كَانَ أَخَذَهُ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِالْعَمَلِ بِمَا فِي التَّوْرَاةِ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٠ ‏/ ٤٩٣
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا جَابِرُ بْنُ نُوحٍ، عَنْ أَبِي رَوْقٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «﴿وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ﴾ [الأعراف: ١٥٧] قَالَ: ⦗٤٩٤⦘ عَهْدَهُمْ»
١٠ ‏/ ٤٩٣
قَالَ: ثنا الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، قَالَ: «عَهْدَهُمْ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، مِثْلَهُ
١٠ ‏/ ٤٩٤
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ، عَنْ مُبَارَكٍ، عَنِ الْحَسَنِ: «﴿وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ﴾ [الأعراف: ١٥٧] قَالَ: الْعُهُودُ الَّتِي أَعْطَوْهَا مِنْ أَنْفُسِهِمْ»
١٠ ‏/ ٤٩٤
قَالَ: ثنا ابْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ قَيْسٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ﴾ [الأعراف: ١٥٧] قَالَ: عَهْدَهُمْ»
١٠ ‏/ ٤٩٤
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: «﴿وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ﴾ [الأعراف: ١٥٧] يَقُولُ: يَضَعُ عَنْهُمْ عُهُودَهُمْ وَمَوَاثِيقَهُمُ الَّتِي أُخِذَتْ عَلَيْهِمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ»
١٠ ‏/ ٤٩٤
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «﴿وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ﴾ [الأعراف: ١٥٧] مَا كَانَ اللَّهُ أَخَذَ عَلَيْهِمْ ⦗٤٩٥⦘ مِنَ الْمِيثَاقِ فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ، يَقُولُ: يَضَعُ ذَلِكَ عَنْهُمْ» وَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَنِي بِذَلِكَ أَنَّهُ يَضَعُ عَمَّنِ اتَّبَعَ نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ التَّشْدِيدَ الَّذِي كَانَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي دِينِهُمْ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٠ ‏/ ٤٩٤
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ﴾ [الأعراف: ١٥٧] فَجَاءَ مُحَمَّدٌ ﷺ بِإِقَالَةٍ مِنْهُ وَتَجَاوَزَ عَنْهُ»
١٠ ‏/ ٤٩٥
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا الْحِمَّانِيُّ، قَالَ: ثنا شَرِيكٌ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ سَعِيدٍ: «﴿وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ﴾ [الأعراف: ١٥٧] قَالَ: الْبَوْلَ وَنَحْوَهُ مِمَّا غُلِّظَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ»
١٠ ‏/ ٤٩٥
قَالَ: ثنا الْحِمَّانِيُّ، قَالَ: ثنا يَعْقُوبُ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدٍ، قَالَ: «شِدَّةُ الْعَمَلِ»
١٠ ‏/ ٤٩٥
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ ⦗٤٩٦⦘ مُجَاهِدٌ، قَوْلُهُ: «﴿وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ﴾ [الأعراف: ١٥٧] قَالَ: مَنِ اتَّبَعَ مُحَمَّدًا وَدِينَهُ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَضَعَ عَنْهُمْ مَا كَانَ عَلَيْهِمْ مِنَ التَّشْدِيدِ فِي دِينِهُمْ»
١٠ ‏/ ٤٩٥
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: مَا عَلَيْنَا فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ أَنْ نَزْنِيَ وَنَسْرِقَ؟ قَالَ: «بَلَى، وَلَكِنِ الْإِصْرُ الَّذِي كَانَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ وُضِعَ عَنْكُمْ»
١٠ ‏/ ٤٩٦
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ﴾ [الأعراف: ١٥٧] قَالَ: إِصْرَهُمُ الَّذِي جَعَلَهُ عَلَيْهِمْ» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ الْإِصْرَ هُوَ الْعَهْدُ. وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ بِشَوَاهِدِهِ فِي مَوْضِعٍ غَيْرِ هَذَا بِمَا فِيهِ الْكِفَايَةُ، وَأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ: وَيَضَعُ النَّبِيُّ الْأُمِّيُّ الْعَهْدَ الَّذِي كَانَ اللَّهُ أَخَذَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ إِقَامَةِ التَّوْرَاةِ، وَالْعَمَلِ بِمَا فِيهَا مِنَ الْأَعْمَالِ الشَّدِيدَةِ كَقَطْعِ الْجِلْدِ مِنَ الْبَوْلِ، وَتَحْرِيمِ الْغَنَائِمِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْأَعْمَالِ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ مَفْرُوضَةً، فَنَسَخَهَا حُكْمُ الْقُرْآنِ. وَأَمَّا الْأَغْلَالُ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ، فَكَانَ ابْنُ زَيْدٍ يَقُولُ بِمَا
١٠ ‏/ ٤٩٦
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْهُ فِي قَوْلِهِ: «﴿وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ﴾ [الأعراف: ١٥٧] قَالَ: الْأَغْلَالُ. وَقَرَأَ ﴿غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ﴾ [المائدة: ٦٤] قَالَ: تِلْكَ ⦗٤٩٧⦘ الْأَغْلَالُ، قَالَ: وَدَعَاهُمْ إِلَى أَنْ يُؤْمِنُوا بِالنَّبِيِّ، فَيَضَعَ ذَلِكَ عَنْهُمْ»
١٠ ‏/ ٤٩٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [الأعراف: ١٥٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَالَّذِينَ صَدَّقُوا بِالنَّبِيِّ الْأُمِّيِّ، وَأَقَرُّوا بِنُبُوَّتِهِ، ﴿وَعَزَّرُوهُ﴾ [الأعراف: ١٥٧] يَقُولُ: وَقَّرُوهُ وَعَظَّمُوهُ وَحَمَوْهُ مِنَ النَّاسِ
١٠ ‏/ ٤٩٧
كَمَا حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «﴿وَعَزَّرُوهُ﴾ [الأعراف: ١٥٧] يَقُولُ: حَمَوْهُ وَوَقَّرُوهُ»
١٠ ‏/ ٤٩٧
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: ثني مُوسَى بْنُ قَيْسٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ﴾ [الأعراف: ١٥٧] قَالَ: عَزَّرُوهُ: سَدَّدُوا أَمْرَهُ، وَأَعَانُوا رَسُولَهُ وَنَصَرُوهُ» وَقَوْلُهُ ﴿نَصَرُوهُ﴾ [الأعراف: ١٥٧] يَقُولُ: وَأَعَانُوهُ عَلَى أَعْدَاءِ اللَّهِ وَأَعْدَائِهِ بِجَهَادِهِمْ وَنَصْبِ الْحَرْبِ لَهُمْ. ﴿وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ﴾ [الأعراف: ١٥٧] يَعْنِي الْقُرْآنَ وَالْإِسْلَامَ. ﴿أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [الأعراف: ١٥٧] يَقُولُ: الَّذِينَ يَفْعَلُونَ هَذِهِ الْأَفْعَالَ الَّتِي وَصَفَ بِهَا جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَتْبَاعَ مُحَمَّدٍ ﷺ هُمُ الْمُنْجِحُونَ، الْمُدْرِكُونَ مَا طَلَبُوا وَرَجَوْا بِفِعْلِهِمْ ذَلِكَ
١٠ ‏/ ٤٩٧
حَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: «فَمَا نَقَمُوا، يَعْنِي الْيَهُودُ إِلَّا أَنْ حَسَدُوا نَبِيَّ اللَّهِ، فَقَالَ اللَّهُ: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ﴾ فَأَمَّا نَصْرُهُ وَتَعْزِيرُهُ فَقَدْ سُبِقْتُمْ بِهِ، وَلَكِنَّ خِيَارَكُمْ مَنْ آمَنَ ⦗٤٩٨⦘ بِاللَّهِ وَاتَّبَعَ النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ» يُرِيدُ قَتَادَةُ بِقَوْلِهِ: فَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ حَسَدُوا نَبِيَّ اللَّهِ، أَنَّ الْيَهُودَ كَانَ مُحَمَّدٌ ﷺ بِمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ رَحْمَةً عَلَيْهِمْ لَوِ اتَّبَعُوهُ؛ لِأَنَّهُ جَاءَ بِوَضْعِ الْإِصْرِ وَالْأَغْلَالِ عَنْهُمْ، فَحَمَلَهُمُ الْحَسَدُ عَلَى الْكُفْرِ بِهِ وَتَرْكِ قَبُولِ التَّخْفِيفِ لِغَلَبَةِ خُذْلَانِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ
١٠ ‏/ ٤٩٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِلنَّاسِ كُلِّهِمْ: ﴿إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا﴾ [الأعراف: ١٥٨] لَا إِلَى بَعْضِكُمْ دُونَ بَعْضٍ، كَمَا كَانَ مَنْ قَبْلِي مِنَ الرُّسُلِ، مُرْسَلًا إِلَى بَعْضِ النَّاسِ دُونَ بَعْضٍ، فَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ أُرْسِلَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ رِسَالَتِي لَيْسَتْ إِلَى بَعْضِكُمْ دُونَ بَعْضٍ وَلَكِنَّهَا إِلَى جَمِيعِكُمْ. وَقَوْلُهُ: ﴿الَّذِي﴾ [البقرة: ١٧] مِنْ نَعَتِ اسْمِ اللَّهِ. وَإِنَّمَا مَعْنَى الْكَلَامِ: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَيْكُمْ. وَيَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ الَّذِي لَهُ سُلْطَانُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِمَا، وَتَدْبِيرُ ذَلِكَ وَتَصْرِيفُهُ. ﴿لَا إِلَهُ إِلَّا هُوَ﴾ [البقرة: ١٦٣] يَقُولُ: لَا يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْأُلُوهَةُ وَالْعِبَادَةُ إِلَّا لَهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ دُونَ
١٠ ‏/ ٤٩٨
سَائِرِ الْأَشْيَاءِ غَيْرِهِ مِنَ الْأَنْدَادِ وَالْأَوْثَانِ، إِلَّا لِمَنْ لَهُ سُلْطَانُ كُلِّ شَيْءٍ وَالْقَادِرُ عَلَى إِنْشَاءِ خَلْقِ كُلِّ مَا شَاءَ وَإِحْيَائِهِ وَإِفْنَائِهِ إِذَا شَاءَ إِمَاتَتَهُ. ﴿فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ [الأعراف: ١٥٨] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: قُلْ لَهُمْ: فَصَدِّقُوا بِآيَاتِ اللَّهِ الَّذِي هَذِهِ صِفَتُهُ، وَأَقِرُّوا بِوَحْدَانِيَّتِهِ، وَأَنَّهُ الَّذِي لَهُ الْأُلُوهَةُ وَالْعِبَادَةُ، وَصَدِّقُوا بِرَسُولِهِ مُحَمَّدٍ ﷺ أَنَّهُ مَبْعُوثٌ إِلَى خَلْقِهِ دَاعٍ إِلَى تَوْحِيدِهِ وَطَاعَتِهِ
١٠ ‏/ ٤٩٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ﴾ [الأعراف: ١٥٨]
١٠ ‏/ ٤٩٩
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ﴾ [الأعراف: ١٥٧] فَإِنَّهُ مِنْ نَعْتِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَقَدْ بَيَّنْتُ مَعْنَى النَّبِيِّ فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ. وَمَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ﴾ [الأعراف: ١٥٨] يَقُولُ: الَّذِي يُصَدِّقُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ. ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: ﴿وَكَلِمَاتِهِ﴾ [الأعراف: ١٥٨] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: وَآيَاتِهِ. ⦗٥٠٠⦘ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٠ ‏/ ٤٩٩
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: «الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ يَقُولُ: آيَاتِهِ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عَنَى بِذَلِكَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ عليه السلام. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٠ ‏/ ٥٠٠
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ مُجَاهِدٌ، قَوْلُهُ: «﴿الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ﴾ [الأعراف: ١٥٨] قَالَ: عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ»
١٠ ‏/ ٥٠٠
وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: «﴿الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ﴾ [الأعراف: ١٥٨] فَهُوَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَمَرَ عِبَادَهُ أَنْ يَصَّدِّقُوا بِنُبُوَّةِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ. وَلَمْ يُخَصِّصِ الْخَبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْ إِيمَانِهِ مِنْ كَلِمَاتِ اللَّهِ بِبَعْضِ دُونَ بَعْضٍ، بَلْ أَخْبَرَهُمْ عَنْ جَمِيعِ الْكَلِمَاتِ، فَالْحَقُّ فِي ذَلِكَ أَنْ يَعُمَّ الْقَوْلُ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يُؤْمِنُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ كُلِّهَا عَلَى مَا جَاءَ بِهِ ظَاهِرُ كِتَابِ اللَّهِ
١٠ ‏/ ٥٠٠
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ [الأعراف: ١٥٨] فَاهْتَدُوا بِهِ أَيُّهَا ⦗٥٠١⦘ النَّاسُ، وَاعْمَلُوا بِمَا أَمَرَكُمْ أَنْ تَعْمَلُوا بِهِ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ ﴿لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ [البقرة: ٥٣] يَقُولُ: لِكَيْ تَهْتَدُوا فَتَرْشُدُوا، وَتُصِيبُوا الْحَقَّ فِي اتِّبَاعِكُمْ إِيَّاهُ

عن معز نوني

متحصّل على شهادة ختم الدروس للمعهد الأعلى لتكوين المعلمين بقفصة دفعة 2000، يعمل حاليًّا أستاذ مدارس إبتدائية

شاهد أيضاً

سُورَةُ الْفَاتِحَةِ

مَكِّيَّةٌ وَآيَاتُهَا سَبْعٌ ١ ‏/ ١١١ ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ [الفاتحة: ١] الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ …