كَمَا حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَعَتَوْا﴾ [الأعراف: ٧٧] عُلُوًّا عَنِ الْحَقِّ، لَا يُبَصَّرُونَهُ “
١٠ / ٣٠١
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ مُجَاهِدٌ: عَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ: «عُلُوًّا فِي الْبَاطِلِ»
١٠ / ٣٠١
حَدَّثَنِي الْحَرْثُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: ثنا أَبُو سَعْدٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ﴾ [الأعراف: ٧٧]، قَالَ: «عَتَوْا فِي الْبَاطِلِ وَتَرَكُوا الْحَقَّ»
١٠ / ٣٠١
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ قَالَ: «عُلُوًّا فِي الْبَاطِلِ» وَهُوَ مِنْ قَوْلِهِمْ: جَبَّارٌ عَاتٍ: إِذَا كَانَ عَالِيًا فِي تَجَبُّرِهِ. ﴿وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا﴾ [الأعراف: ٧٧]، يَقُولُ: قَالُوا: جِئْنَا يَا صَالِحُ بِمَا تَعِدُنَا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ وَنِقْمَتِهِ، اسْتِعْجَالًا مِنْهُمْ لِلْعَذَابِ. ﴿إِنْ كُنْتَ مِنَ ⦗٣٠٢⦘ الْمُرْسَلِينَ﴾ [الأعراف: ٧٧]، يَقُولُ: إِنْ كُنْتَ لِلَّهِ رَسُولًا إِلَيْنَا، فَإِنَّ اللَّهَ يَنْصُرُ رُسُلَهُ عَلَى أَعْدَائِهِ. فَعُجِّلَ ذَلِكَ لَهُمْ كَمَا اسْتَعْجَلُوهُ، يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ﴾ [الأعراف: ٧٨]
١٠ / ٣٠١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ﴾ [الأعراف: ٧٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَأَخَذَتِ الَّذِينَ عَقَرُوا النَّاقَةَ مِنْ ثَمُودَ الرَّجْفَةُ، وَهِيَ الصَّيْحَةُ، وَالرَّجْفَةُ: الْفَعْلَةُ، مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: رَجَفَ بِفُلَانٍ كَذَا يَرْجُفُ رَجْفًا، وَذَلِكَ إِذَا حَرَّكَهُ وَزَعْزَعَهُ، كَمَا قَالَ الْأَخْطَلُ:
[البحر البسيط] إِمَّا تَرَيْنِي حَنَانِي الشَّيْبُ مِنْ كِبَرٍ … كَالنَّسْرِ أَرْجُفُ وَالْإِنْسَانُ مَهْدُودُ
وَإِنَّمَا عَنَى بِالرَّجْفَةِ هَهُنَا: الصَّيْحَةَ الَّتِي زَعْزَعَتْهُمْ وَحَرَّكَتْهُمْ لِلْهَلَاكِ، لِأَنَّ ثَمُودَ هَلَكَتْ بِالصَّيْحَةِ فِيمَا ذَكَرَ أَهْلُ الْعِلْمِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
[البحر البسيط] إِمَّا تَرَيْنِي حَنَانِي الشَّيْبُ مِنْ كِبَرٍ … كَالنَّسْرِ أَرْجُفُ وَالْإِنْسَانُ مَهْدُودُ
وَإِنَّمَا عَنَى بِالرَّجْفَةِ هَهُنَا: الصَّيْحَةَ الَّتِي زَعْزَعَتْهُمْ وَحَرَّكَتْهُمْ لِلْهَلَاكِ، لِأَنَّ ثَمُودَ هَلَكَتْ بِالصَّيْحَةِ فِيمَا ذَكَرَ أَهْلُ الْعِلْمِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٠ / ٣٠٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿الرَّجْفَةُ﴾ [الأعراف: ٧٨]، قَالَ: «الصَّيْحَةُ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ ⦗٣٠٣⦘ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٠ / ٣٠٢
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ﴾ [الأعراف: ٧٨]: «وَهِيَ الصَّيْحَةُ»
١٠ / ٣٠٣
حَدَّثَنِي الْحَرْثُ قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ قَالَ: ثنا أَبُو سَعْدٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ﴾ [الأعراف: ٧٨]، قَالَ: «الصَّيْحَةُ» وَقَوْلُهُ: ﴿فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ﴾ [الأعراف: ٧٨] يَقُولُ: فَأَصْبَحَ الَّذِينَ أَهْلَكَ اللَّهُ مِنْ ثَمُودَ فِي دَارِهِمْ، يَعْنِي فِي أَرْضِهِمُ الَّتِي هَلَكُوا فِيهَا وَبَلْدَتِهِمْ، وَلِذَلِكَ وَحَّدَ الدَّارَ وَلَمْ يَجْمَعْهَا فَيَقُولُ (فِي دُورِهِمْ) . وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أُرِيدَ بِهَا الدُّورَ، وَلَكِنْ وَجَّهَ بِالْوَاحِدَةِ إِلَى الْجَمْعِ، كَمَا قِيلَ: ﴿وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ﴾ [العصر: ٢]، وَقَوْلُهُ: ﴿جَاثِمِينَ﴾ [الأعراف: ٧٨] يَعْنِي: سُقُوطًا صَرْعَى لَا يَتَحَرَّكُونَ لِأَنَّهُمْ لَا أَرْوَاحَ فِيهِمْ قَدْ هَلَكُوا، وَالْعَرَبُ تَقُولُ لِلْبَارِكِ عَلَى الرُّكْبَةِ: جَاثِمٌ، وَمِنْهُ قَوْلُ جَرِيرٍ:
[البحر الوافر] عَرَفْتُ الْمُنْتَأَى وَعَرَفْتُ مِنْهَا … مَطَايَا الْقِدْرِ كَالْحِدَإِ الْجُثُومِ
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
[البحر الوافر] عَرَفْتُ الْمُنْتَأَى وَعَرَفْتُ مِنْهَا … مَطَايَا الْقِدْرِ كَالْحِدَإِ الْجُثُومِ
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٠ / ٣٠٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ﴾ [الأعراف: ٧٨] قَالَ: «مَيِّتِينَ»
١٠ / ٣٠٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ﴾ [الأعراف: ٧٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَأَدْبَرَ صَالِحٌ عَنْهُمْ حِينَ اسْتَعْجَلُوهُ الْعَذَابَ وَعَقَرُوا نَاقَةَ اللَّهِ خَارِجًا عَنْ أَرْضِهِمْ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِهِمْ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَوْحَى إِلَيْهِ: إِنِّي مُهْلِكُهُمْ بَعْدَ ثَلَاثَةٍ. وَقِيلَ: إِنَّهُ لَمْ تُهْلَكْ أُمَّةٌ وَنَبِيُّهَا بَيْنَ أَظْهُرِهَا، فَأَخْبَرَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْ خُرُوجِ صَالِحٍ مِنْ بَيْنِ قَوْمِهِ الَّذِينَ عَتَوْا عَلَى رَبِّهِمْ حِينَ أَرَادَ اللَّهُ إِحْلَالَ عُقُوبَتِهِ بِهِمْ، فَقَالَ: فَتَوَلَّى عَنْهُمْ صَالِحٌ، وَقَالَ لِقَوْمِهِ ثَمُودَ: لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي، وَأَدَّيْتُ إِلَيْكُمْ مَا أَمَرَنِي بِأَدَائِهِ إِلَيْكُمْ رَبِّي مِنْ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ، وَنَصَحْتُ لَكُمْ فِي أَدَائِي رِسَالَةَ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فِي تَحْذِيرِكُمْ بَأْسَهُ بِإِقَامَتِكُمْ عَلَى كُفْرِكُمْ بِهِ وَعِبَادَتِكُمُ الْأَوْثَانَ. ﴿وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ﴾ [الأعراف: ٧٩] لَكُمْ فِي اللَّهِ، النَّاهِينَ لَكُمْ عَنِ اتِّبَاعِ أَهْوَائِكُمُ، الصَّادِّينَ لَكُمْ عَنْ شَهَوَاتِ أَنْفُسِكُمْ
١٠ / ٣٠٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ﴾ [الأعراف: ٨٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا لُوطًا. وَلَوْ قِيلَ: مَعْنَاهُ: وَاذْكُرْ لُوطًا يَا مُحَمَّدُ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِذْ لَمْ يَكُنْ فِي الْكَلَامِ صِلَةُ الرِّسَالَةِ كَمَا كَانَ فِي ذِكْرِ عَادٍ وَثَمُودَ كَانَ مَذْهَبًا. ⦗٣٠٥⦘ وَقَوْلُهُ: ﴿إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ﴾ [الأعراف: ٨٠] يَقُولُ: حِينَ قَالَ لِقَوْمِهِ مِنْ سَدُومَ، وَإِلَيْهِمْ كَانَ أُرْسِلَ لُوطٌ: ﴿أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ﴾ [الأعراف: ٨٠]، وَكَانَتْ فَاحِشَتُهُمُ الَّتِي كَانُوا يَأْتُونَهَا الَّتِي عَاقَبَهُمُ اللَّهُ عَلَيْهَا: إِتْيَانُ الذُّكُورِ ﴿مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ﴾ [الأعراف: ٨٠]، يَقُولُ: مَا سَبَقَكُمْ بِفِعْلِ هَذِهِ الْفَاحِشَةِ أَحَدٌ مِنَ الْعَالَمِينَ
١٠ / ٣٠٤
وَذَلِكَ كَالَّذِي حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا إِسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، قَوْلُهُ: ﴿مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ﴾ [الأعراف: ٨٠]، قَالَ: «مَا رُؤِيَ ذَكَرٌ عَلَى ذَكَرٍ حَتَّى كَانَ قَوْمُ لُوطٍ»
١٠ / ٣٠٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ﴾ [الأعراف: ٨١] يُخْبِرُ بِذَلِكَ تَعَالَى ذِكْرُهُ عَنْ لُوطٍ أَنَّهُ قَالَ لِقَوْمِهِ، تَوْبِيخًا مِنْهُ لَهُمْ عَلَى فِعْلِهِمْ: ﴿إِنَّكُمْ﴾ [البقرة: ٥٤] أَيُّهَا الْقَوْمُ ﴿لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ﴾ [الأعراف: ٨١] فِي أَدْبَارِهِمْ، ﴿شَهْوَةً﴾ [الأعراف: ٨١] مِنْكُمْ لِذَلِكَ، ﴿مِنْ دُونِ﴾ [البقرة: ٢٣] الَّذِي أَبَاحَهُ اللَّهُ لَكُمْ وَأَحَلَّهُ مِنَ ﴿النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ﴾ [الأعراف: ٨١]، يَقُولُ: إِنَّكُمْ لَقَوْمٌ تَأْتُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ وَتَعْصَوْنَهُ بِفِعْلِكُمْ هَذَا، وَذَلِكَ هُوَ الْإِسْرَافُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ. وَالشَّهْوَةُ: الْفَعْلَةُ، وَهِيَ مَصْدَرٌ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: شَهَيْتُ هَذَا الشَّيْءَ أَشْهَاهُ شَهْوَةً، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
[البحر الطويل] وَأَشْعَثَ يَشْهَى النَّوْمَ قُلْتُ لَهُ ارْتَحِلْ … إِذَا مَا النُّجُومُ أَعْرَضَتْ وَاسْبَطَرَّتِ
[البحر الطويل] وَأَشْعَثَ يَشْهَى النَّوْمَ قُلْتُ لَهُ ارْتَحِلْ … إِذَا مَا النُّجُومُ أَعْرَضَتْ وَاسْبَطَرَّتِ
١٠ / ٣٠٥
فَقَامَ يَجُرُّ الْبُرْدَ لَوْ أَنَّ نَفْسَهُ … يُقَالُ لَهُ خُذْهَا بِكَفَّيْكَ خَرَّتِ
١٠ / ٣٠٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ﴾ [الأعراف: ٨٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِ لُوطٍ لِلُوطٍ إِذْ وَبَّخَهُمْ عَلَى فِعْلِهِمُ الْقَبِيحِ وَرُكُوبِهِمْ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ الْعَمَلِ الْخَبِيثِ إِلَّا أَنْ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: أَخْرِجُوا لُوطًا وَأَهْلَهُ، وَلِذَلِكَ قِيلَ: أَخْرِجُوهُمْ، فَجَمَعَ، وَقَدْ جَرَى قَبْلُ ذِكْرُ لُوطٍ وَحْدَهُ دُونَ غَيْرِهِ. وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ إِنَّمَا جُمِعَ بِمَعْنَى: أَخْرِجُوا لُوطًا وَمَنْ كَانَ عَلَى دِينِهِ مِنْ قَرْيَتِكُمْ، فَاكْتَفَى بِذِكْرِ لُوطٍ فِي أَوَّلِ الْكَلَامِ عَنْ ذِكْرِ أَتْبَاعِهِ، ثُمَّ جَمَعَ فِي آخِرِ الْكَلَامِ، كَمَا قِيلَ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ﴾ [الطلاق: ١]، وَقَدْ بَيَّنَّا نَظَائِرَ ذَلِكَ فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ ﴿إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ﴾ [الأعراف: ٨٢]، يَقُولُ: إِنَّ لُوطًا وَمَنْ تَبِعَهُ أُنَاسٌ يَتَنَزَّهُونَ عَمَّا نَفْعَلُهُ نَحْنُ مِنْ إِتْيَانِ الرِّجَالِ فِي الْأَدْبَارِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٠ / ٣٠٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا هَانِئُ بْنُ سَعِيدٍ النَّخَعِيُّ، عَنِ الْحَجَّاجِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ﴾ [الأعراف: ٨٢]، قَالَ: «مِنْ أَدْبَارِ ⦗٣٠٧⦘ الرِّجَالِ وَأَدْبَارِ النِّسَاءِ»
١٠ / ٣٠٦
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ﴾ [الأعراف: ٨٢] «مِنْ أَدْبَارِ الرِّجَالِ وَأَدْبَارِ النِّسَاءِ»
١٠ / ٣٠٧
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا الْحَجَّاجُ قَالَ: ثنا حَمَّادٌ، عَنِ الْحَجَّاجِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ﴾ [الأعراف: ٨٢]، قَالَ: «يَتَطَهَّرُونَ مِنْ أَدْبَارِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ»
١٠ / ٣٠٧
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ﴾ [الأعراف: ٨٢]، قَالَ: «مِنْ أَدْبَارِ الرِّجَالِ وَمِنْ أَدْبَارِ النِّسَاءِ»
١٠ / ٣٠٧
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ﴾ [الأعراف: ٨٢]، قَالَ: «يَتَحَرَّجُونَ»
١٠ / ٣٠٧
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ﴾ [الأعراف: ٨٢]، يَقُولُ: «عَابُوهُمْ بِغَيْرِ عَيْبٍ، وَذَمُّوهُمْ بِغَيْرِ ذَمٍّ»
١٠ / ٣٠٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ﴾ [الأعراف: ٨٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَلَمَّا أَبَى قَوْمُ لُوطٍ مَعَ تَوْبِيخِ لُوطٍ إِيَّاهُمْ عَلَى مَا يَأْتُونَ مِنَ
١٠ / ٣٠٧
الْفَاحِشَةِ، وَإِبْلَاغِهِ إِيَّاهُمْ رِسَالَةَ رَبِّهِ بِتَحْرِيمِ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، إِلَّا التَّمَادِيَ فِي غَيِّهِمْ، أَنْجَيْنَا لُوطًا وَأَهْلَهُ الْمُؤْمِنِينَ بِهِ إِلَّا امْرَأَتَهُ فَإِنَّهَا كَانَتْ لِلُوطٍ خَائِنَةً وَبِاللَّهِ كَافِرَةً. وَقَوْلُهُ: ﴿مِنَ الْغَابِرِينَ﴾ [الأعراف: ٨٣] يَقُولُ: مِنَ الْبَاقِينَ. وَقِيلَ (مِنَ الْغَابِرِينَ) وَلَمْ يَقُلْ: (الْغَابِرَاتِ)، لِأَنَّهُ يُرِيدُ أَنَّهَا مِمَّنْ بَقِيَ مَعَ الرِّجَالِ، فَلَمَّا ضَمَّ ذِكْرَهَا إِلَى ذِكْرِ الرِّجَالِ قِيلَ مِنَ الْغَابِرِينَ، وَالْفِعْلُ مِنْهُ: غَبَرَ يَغْبُرُ غُبُورًا وَغَبْرًا، وَذَلِكَ إِذَا بَقِيَ، كَمَا قَالَ الْأَعْشَى:
[البحر السريع] عَضَّ بِمَا أَبْقَى الْمَوَاسِي لَهُ … مِنْ أُمِّهِ فِي الزَّمَنِ الْغَابِرِ
وَكَمَا قَالَ الْآخَرُ:
[البحر الكامل] وَأَبِي الَّذِي فَتَحَ الْبِلَادَ بِسَيْفِهِ … فَأَذَلَّهَا لِبَنِي أَبَانَ الْغَابِرِ
يَعْنِي: الْبَاقِي. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَكَانَتِ امْرَأَةُ لُوطٍ مِمَّنْ نَجَا مِنَ الْهَلَاكِ الَّذِي هَلَكَ بِهِ قَوْمُ لُوطٍ؟ قِيلَ: لَا، بَلْ كَانَتْ فِيمَنْ هَلَكَ. فَإِنْ قَالَ: فَكَيْفَ قِيلَ: ﴿إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ﴾ [الأعراف: ٨٣]، وَقَدْ قُلْتَ
[البحر السريع] عَضَّ بِمَا أَبْقَى الْمَوَاسِي لَهُ … مِنْ أُمِّهِ فِي الزَّمَنِ الْغَابِرِ
وَكَمَا قَالَ الْآخَرُ:
[البحر الكامل] وَأَبِي الَّذِي فَتَحَ الْبِلَادَ بِسَيْفِهِ … فَأَذَلَّهَا لِبَنِي أَبَانَ الْغَابِرِ
يَعْنِي: الْبَاقِي. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَكَانَتِ امْرَأَةُ لُوطٍ مِمَّنْ نَجَا مِنَ الْهَلَاكِ الَّذِي هَلَكَ بِهِ قَوْمُ لُوطٍ؟ قِيلَ: لَا، بَلْ كَانَتْ فِيمَنْ هَلَكَ. فَإِنْ قَالَ: فَكَيْفَ قِيلَ: ﴿إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ﴾ [الأعراف: ٨٣]، وَقَدْ قُلْتَ
١٠ / ٣٠٨
إِنَّ مَعْنَى الْغَابِرِ الْبَاقِي، فَقَدْ وَجَبَ أَنْ تَكُونَ قَدْ بَقِيَتْ؟ قِيلَ: إِنَّ مَعْنَى ذَلِكَ غَيْرُ الَّذِي ذَهَبْتَ إِلَيْهِ، وَإِنَّمَا عَنَى بِذَلِكَ: إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْبَاقِينَ قَبْلَ الْهَلَاكِ وَالْمُعَمِّرِينَ الَّذِينَ قَدْ أَتَى عَلَيْهِمْ دَهْرٌ كَبِيرٌ وَمَرَّ بِهِمْ زَمَنٌ كَثِيرٌ، حَتَّى هَرِمَتْ فِيمَنْ هَرِمَ مِنَ النَّاسِ، فَكَانَتْ مِمَّنْ غَبَرَ الدَّهْرَ الطَّوِيلَ قَبْلَ هَلَاكِ الْقَوْمِ، فَهَلَكَتْ مَعَ مَنْ هَلَكَ مِنْ قَوْمِ لُوطٍ حِينَ جَاءَهُمُ الْعَذَابُ. وَقِيلَ: مَعْنَى ذَلِكَ: مِنَ الْبَاقِينَ فِي عَذَابِ اللَّهِ
١٠ / ٣٠٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ﴾ [الشعراء: ١٧١]: «فِي عَذَابِ اللَّهِ»
١٠ / ٣٠٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ﴾ [الأعراف: ٨٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَأَمْطَرْنَا عَلَى قَوْمِ لُوطٍ الَّذِينَ كَذَّبُوا لُوطًا وَلَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ مَطَرًا مِنْ حِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ أَهْلَكْنَاهُمْ بِهِ. ﴿فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ﴾ [الأعراف: ٨٤]، يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: فَانْظُرْ يَا مُحَمَّدُ إِلَى عَاقِبَةِ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَّبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَوْمِ لُوطٍ، فَاجْتَرَمُوا مَعَاصِيَ اللَّهِ وَرَكِبُوا الْفَوَاحِشَ وَاسْتَحَلُّوا مَا حَرَّمَ ⦗٣١٠⦘ اللَّهُ مِنْ أَدْبَارِ الرِّجَالِ، كَيْفَ كَانَتْ وَإِلَى أَيِّ شَيْءٍ صَارَتْ، هَلْ كَانَتْ إِلَّا الْبَوَارُ وَالْهَلَاكُ؟ فَإِنَّ ذَلِكَ أَوْ نَظِيرَهُ مِنَ الْعُقُوبَةِ، عَاقِبَةُ مَنْ كَذَّبَكَ وَاسْتَكْبَرَ عَنِ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَتَصْدِيقِكَ إِنْ لَمْ يَتُوبُوا، مِنْ قَوْمَكِ
١٠ / ٣٠٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَّبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [الأعراف: ٨٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَأَرْسَلْنَا إِلَى وَلَدِ مَدْيَنَ
١٠ / ٣١٠
«وَمَدْيَنُ: هُمْ وَلَدُ مَدْيَنَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ الرَّحْمَنِ» فِيمَا حَدَّثَنَا بِهِ ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ فَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ: فَمَدْيَنُ قَبِيلَةٌ كَتَمِيمَ. وَزَعَمَ أَيْضًا ابْنُ إِسْحَاقَ أَنَّ شُعَيْبًا الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ أَنَّهُ أَرْسَلَهُ إِلَيْهِمْ مِنْ وَلَدِ مَدْيَنَ هَذَا، وَأَنَّهُ شُعَيْبُ بْنُ مِيكِيلَ بْنِ يَشْجُر، قَالَ: وَاسْمُهُ بِالسُّرْيَانِيَّةِ بَثْرُونُ.
١٠ / ٣١٠
فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى وَلَدِ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبَ بْنَ مِيكِيلَ، يَدْعُوهُمْ إِلَى طَاعَةِ اللَّهِ وَالِانْتِهَاءِ إِلَى أَمْرِهِ وَتَرْكِ السَّعْيِ فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ وَالصَّدِّ عَنْ سَبِيلِهِ، فَقَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ: يَا قَوْمُ اعْبُدُوا اللَّهَ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ يَسْتَوْجِبُ عَلَيْكُمُ الْعِبَادَةَ غَيْرُ الْإِلَهِ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَبِيَدِهِ نَفْعُكُمْ وَضَرُّكُمْ. ﴿قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [الأعراف: ٧٣]، يَقُولُ: قَدْ جَاءَتْكُمْ عَلَامَةٌ وَحُجَّةٌ مِنَ اللَّهِ بِحَقِيقَةِ مَا أَقُولُ وَصِدْقِ مَا أَدْعُوكُمْ إِلَيْهِ. ﴿فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ﴾ [الأعراف: ٨٥] يَقُولُ: أَتِمُّوا لِلنَّاسِ حُقُوقَهُمْ بِالْكَيْلِ الَّذِي تَكِيلُونَ بِهِ وَبِالْوَزْنِ الَّذِي تَزِنُونَ بِهِ. ﴿وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ﴾ [الأعراف: ٨٥]، يَقُولُ: وَلَا تَظْلِمُوا النَّاسَ حُقُوقَهُمْ وَلَا تُنْقِصُوهُمْ إِيَّاهَا. وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ: تَحَسَبُهَا حَمْقَاءَ وَهِيَ بَاخِسَةٌ، بِمَعْنَى ظَالِمَةٌ، وَمِنْهُ قَوْلُ اللَّهِ: ﴿وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ﴾ [يوسف: ٢٠] يَعْنِي بِهِ: رَدِيءٌ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٠ / ٣١١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَوْلُهُ: ﴿وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ﴾ [الأعراف: ٨٥]، يَقُولُ: «لَا تَظْلِمُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ»
١٠ / ٣١١
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿وَلَا تَبْخَسُوا ⦗٣١٢⦘ النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ﴾ [الأعراف: ٨٥]، قَالَ: «لَا تَظْلِمُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ» وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ﴾ [الأعراف: ٥٦]، يَقُولُ: وَلَا تَعْمَلُوا فِي أَرْضِ اللَّهِ بِمَعَاصِيهِ وَمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَهُ قَبْلَ أَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ نَبِيَّهُ، مِنْ عِبَادَةِ غَيْرِ اللَّهِ وَالْإِشْرَاكِ بِهِ وَبَخْسِ النَّاسِ فِي الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ ﴿بَعْدَ إِصْلَاحِهَا﴾ [الأعراف: ٥٦] يَقُولُ: بَعْدَ أَنْ قَدْ أَصْلَحَ اللَّهُ الْأَرْضَ بِابْتِعَاثِ النَّبِيِّ عليه السلام فِيكُمْ، يَنْهَاكُمْ عَمَّا لَا يَحِلُّ لَكُمْ وَمَا يَكْرَهُهُ اللَّهُ لَكُمْ ﴿ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ﴾ [البقرة: ٥٤]، يَقُولُ: هَذَا الَّذِي ذَكَرْتُ لَكُمْ وَأَمَرْتُكُمْ بِهِ مِنْ إِخْلَاصِ الْعِبَادَةِ لِلَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَإِيفَاءِ النَّاسِ حُقُوقَهُمْ مِنَ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ وَتَرْكِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ، خَيْرٌ لَكُمْ فِي عَاجِلِ دُنْيَاكُمْ وَآجِلِ آخِرَتِكُمْ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴿إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [البقرة: ٩١] يَقُولُ: إِنْ كُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ فِيمَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُؤَدِّي إِلَيْكُمْ عَنِ اللَّهِ مِنْ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ
١٠ / ٣١١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ وَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ﴾ [الأعراف: ٨٦] يَعْنِي بِقَوْلِهِ: ﴿وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعَدُونَ﴾ [الأعراف: ٨٦]: وَلَا تَجْلِسُوا بِكُلِّ طَرِيقٍ وَهُوَ الصِّرَاطُ تُوعِدُونَ الْمُؤْمِنِينَ بِالْقَتْلِ. وَكَانُوا فِيمَا ذُكِرَ يَقْعُدُونَ عَلَى طَرِيقِ مَنْ قَصَدَ شُعَيْبًا وَأَرَادَهُ لَيُؤْمِنَ بِهِ، ⦗٣١٣⦘ فَيَتَوَعَّدُونَهُ وَيُخَوِّفُونَهُ وَيَقُولُونَ: إِنَّهُ كَذَّابٌ
١٠ / ٣١٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ﴾ [الأعراف: ٨٦] قَالَ: «كَانُوا يُوعِدُونَ مِنْ أَتَى شُعَيْبًا وَغَشِيَهُ فَأَرَادَ الْإِسْلَامَ»
١٠ / ٣١٣
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ﴾ [الأعراف: ٨٦]، وَالصِّرَاطُ: «الطَّرِيقُ، يُخَوِّفُونَ النَّاسَ أَنْ يَأْتُوا شُعَيْبًا»
١٠ / ٣١٣
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [الأعراف: ٨٦]، قَالَ: «كَانُوا يَجْلِسُونَ فِي الطَّرِيقِ، فَيُخْبِرُونَ مَنْ أَتَى عَلَيْهِمْ أَنَّ شُعَيْبًا عليه السلام كَذَّابٌ، فَلَا يَفْتِنَكُمْ عَنْ دِينِكُمْ»
١٠ / ٣١٣
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ﴾ [الأعراف: ٨٦]: «كُلِّ سَبِيلِ حَقٍّ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ ⦗٣١٤⦘ مُجَاهِدٍ، نَحْوَهُ
١٠ / ٣١٣
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ﴾ [الأعراف: ٨٦]، «كَانُوا يَقْعُدُونَ عَلَى كُلِّ طَرِيقٍ يُوعِدُونَ الْمُؤْمِنِينَ»
١٠ / ٣١٤
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ قَيْسٍ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ﴾ [الأعراف: ٨٦]، قَالَ: «الْعَشَّارُونَ»
١٠ / ٣١٤
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: ثنا حَجَّاجٌ، قَالَ: ثنا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَوْ غَيْرِهِ، شَكَّ أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ قَالَ: أَتَى النَّبِيُّ ﷺ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ عَلَى خَشَبَةٍ عَلَى الطَّرِيقِ لَا يَمُرُّ بِهَا ثَوْبٌ إِلَّا شَقَّتْهُ وَلَا شَيْءٌ إِلَّا خَرَقَتْهُ، قَالَ: «مَا هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟» قَالَ: “هَذَا مَثَلُ أَقْوَامٍ مِنْ أُمَّتِكَ يَقْعُدُونَ عَلَى الطَّرِيقِ فَيَقْطَعُونَهُ، ثُمَّ تَلَا: ﴿وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ﴾ [الأعراف: ٨٦] وَهَذَا الْخَبَرُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ كَانَ عِنْدَ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ شُعَيْبًا إِنَّمَا نَهَى قَوْمَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ﴾ [الأعراف: ٨٦] عَنْ قَطْعِ الطَّرِيقِ، وَأَنَّهُمْ كَانُوا قُطَّاعَ الطَّرِيقِ. ⦗٣١٥⦘ وَقِيلَ: ﴿وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ﴾ [الأعراف: ٨٦] وَلَوْ قِيلَ فِي غَيْرِ الْقُرْآنِ: لَا تَقْعُدُوا فِي كُلِّ صِرَاطٍ كَانَ جَائِزًا فَصِيحًا فِي الْكَلَامِ، وَإِنَّمَا جَازَ ذَلِكَ لِأَنَّ الطَّرِيقَ لَيْسَ بِالْمَكَانِ الْمَعْلُومِ، فَجَازَ ذَلِكَ كَمَا جَازَ أَنْ يُقَالَ: قَعَدَ لَهُ بِمَكَانِ كَذَا، وَعَلَى مَكَانِ كَذَا، وَفِي مَكَانِ كَذَا. قَالَ: ﴿تُوعِدُونَ﴾ [الأنعام: ١٣٤] وَلَمْ يَقُلْ: (تَعِدُونَ)، لِأَنَّ الْعَرَبَ كَذَلِكَ تَفْعَلُ فِيمَا أَبْهَمَتْ وَلَمْ تُفْصِحْ بِهِ مِنَ الْوَعِيدِ، تَقُولُ: (أَوْعَدْتُهُ) بِالْأَلِفِ، (وَتَقَدَّمَ مِنِّي إِلَيْهِ وَعِيدٌ)، فَإِذَا بَيَّنَتْ عَمَّا أَوْعَدَتْ وَأَفْصَحَتْ بِهِ قَالَتْ: (وَعَدْتُهُ خَيْرًا، وَوَعَدْتُهُ شَرًّا) بِغَيْرِ أَلِفٍ، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [الحج: ٧٢]
١٠ / ٣١٤
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ﴾ [الأعراف: ٨٦] فَإِنَّهُ يَقُولُ: وَتَرُدُّونَ عَنْ طَرِيقِ اللَّهِ وَهُوَ الرَّدُّ عَنِ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَالْعَمَلِ بِطَاعَتِهِ مَنْ آمَنَ بِهِ، يَقُولُ: تَرُدُّونَ عَنْ طَرِيقِ اللَّهِ مَنْ صَدَّقَ بِاللَّهِ وَوَحَّدَهُ. ﴿وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا﴾ [الأعراف: ٨٦] يَقُولُ: وَتَلْتَمِسُونَ لِمَنْ سَلَكَ سَبِيلَ اللَّهِ وَآمَنَ بِهِ وَعَمِلَ بِطَاعَتِهِ، عِوَجًا عَنِ الْقَصْدِ وَالْحَقِّ إِلَى الزَّيْغِ وَالضَّلَالِ
١٠ / ٣١٥
كَمَا حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [الأعراف: ٨٦]، قَالَ: «أَهْلُهَا» ﴿وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا﴾ [الأعراف: ٨٦]: «تَلْتَمِسُونَ لَهَا الزَّيْغَ» ⦗٣١٦⦘ حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، بِنَحْوِهِ
١٠ / ٣١٥
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا﴾ [الأعراف: ٨٦]، قَالَ: «تَبْغُونَ السَّبِيلَ عَنِ الْحَقِّ عِوَجًا»
١٠ / ٣١٦
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [الأعراف: ٨٦]: «عَنِ الْإِسْلَامِ تَبْغُونَ السَّبِيلَ» ﴿عِوَجًا﴾ [آل عمران: ٩٩]: «هَلَاكًا» وَقَوْلُهُ: ﴿وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ﴾ [الأعراف: ٨٦]: يُذَكِّرُهُمْ شُعَيْبٌ نِعْمَةَ اللَّهِ عِنْدَهُمْ بِأَنْ كَثَّرَ جَمَاعَتَهُمْ بَعْدَ أَنْ كَانُوا قَلِيلًا عَدَدُهُمْ، وَأَنْ رَفَعَهُمْ مِنَ الذِّلَّةِ وَالْخَسَاسَةِ. يَقُولُ لَهُمْ: فَاشْكُرُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْعَمَ عَلَيْكُمْ بِذَلِكَ وَأَخْلِصُوا لَهُ الْعِبَادَةَ، وَاتَّقُوا عُقُوبَتَهُ بِالطَّاعَةِ، وَاحْذَرُوا نِقْمَتَهُ بِتَرْكِ الْمَعْصِيَةِ. ﴿وَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ﴾ [الأعراف: ٨٦]، يَقُولُ: وَانْظُرُوا مَا نَزَلَ بِمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ مِنَ الْأُمَمِ حِينَ عَتَوْا عَلَى رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ مِنَ الْمَثُلَاتِ وَالنِّقَمَاتِ، وَكَيْفَ وَجَدُوا عُقْبَى عِصْيَانِهِمْ إِيَّاهُ، أَلَمْ يَهْلِكْ بَعْضُهُمْ غَرَقًا بِالطُّوفَانِ، وَبَعْضُهُمْ رَجْمًا بِالْحِجَارَةِ، وَبَعْضُهُمْ بِالصَّيْحَةِ؟ وَالْإِفْسَادُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مَعْنَاهُ: مَعْصِيَةُ اللَّهِ
١٠ / ٣١٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِنْ كَانَ طَائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ﴾ [الأعراف: ٨٧] يَعْنِي بِقَوْلُهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَإِنْ كَانَ طَائِفَةٌ مِنْكُمْ﴾ [الأعراف: ٨٧]: وَإِنْ كَانَتْ جَمَاعَةٌ مِنْكُمْ وَفِرْقَةٌ آمَنُوا، يَقُولُ: صَدَّقُوا، ﴿بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ﴾ [الأعراف: ٨٧] مِنْ إِخْلَاصِ الْعِبَادَةِ لِلَّهِ وَتَرْكِ مَعَاصِيهِ وَظُلْمِ النَّاسِ وَبَخْسِهِمْ فِي الْمَكَايِيلِ وَالْمَوَازِينِ، فَاتَّبِعُونِي عَلَى ذَلِكَ ﴿وَطَائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا﴾ [الأعراف: ٨٧] يَقُولُ: وَجَمَاعَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَّدِّقُوا بِذَلِكَ، وَلَمْ يَتَّبِعُونِي عَلَيْهِ. ﴿فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا﴾ [الأعراف: ٨٧]، يَقُولُ: فَاحْتَبِسُوا عَلَى قَضَاءِ اللَّهِ الْفَاصِلِ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ ﴿وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ﴾ [الأعراف: ٨٧]، يَقُولُ: وَاللَّهُ خَيْرُ مَنْ يَفْصِلُ، وَأَعْدَلُ مَنْ يَقْضِي، لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ فِي حُكْمِهِ مَيْلٌ إِلَى أَحَدٍ، وَلَا مُحَابَاةٌ لِأَحَدٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ
١٠ / ٣١٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قال أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ﴾ [الأعراف: ٨٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا﴾ [الأعراف: ٧٥] يَعْنِي بِالْمَلَأِ: الْجَمَاعَةَ مِنَ الرِّجَالِ، وَيَعْنِي بِالَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا: الَّذِينَ تَكَبَّرُوا عَنِ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَالِانْتِهَاءِ إِلَى أَمْرِهِ وَاتِّبَاعِ رَسُولِهِ شُعَيْبٍ لَمَّا حَذَّرَهُمْ شُعَيْبٌ بَأْسَ اللَّهِ عَلَى خِلَافِهِمْ أَمْرَ رَبِّهِمْ، وَكُفْرِهِمْ بِهِ ﴿لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ﴾ [الأعراف: ٨٨] وَمَنْ تَبِعَكَ وَصَدَّقَكَ وَآمَنَ بِكَ، وَبِمَا جِئْتَ بِهِ مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا. ﴿أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا﴾ [الأعراف: ٨٨] يَقُولُ: لَتَرْجِعَنَّ أَنْتَ وَهُمْ فِي دِينِنَا وَمَا نَحْنُ عَلَيْهِ. قَالَ شُعَيْبٌ مُجِيبًا لَهُمْ: ﴿أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ﴾ [الأعراف: ٨٨]
١٠ / ٣١٧
وَمَعْنَى الْكَلَامِ: أَنَّ شُعَيْبًا قَالَ لِقَوْمِهِ: أَتُخْرِجُونَنَا مِنْ قَرْيَتِكُمْ، وَتَصُدُّونَنَا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، وَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ لِذَلِكَ؟ ثُمَّ أُدْخِلَتْ أَلِفُ الِاسْتِفْهَامِ عَلَى وَاوِ ﴿أَوَلَوْ﴾ [البقرة: ١٧٠]
١٠ / ٣١٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ﴾ [الأعراف: ٨٩] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: قَالَ شُعَيْبٌ لِقَوْمِهِ، إِذْ دَعَوْهُ إِلَى الْعَوْدِ إِلَى مِلَّتِهِمْ وَالدُّخُولِ فِيهَا، وَتَوَعَّدُوهُ بِطَرْدِهِ وَمَنِ اتَّبَعَهُ مِنْ قَرْيَتِهِمْ إِنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ هُوَ وَهُمْ: ﴿قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا﴾ [الأعراف: ٨٩] يَقُولُ: قَدِ اخْتَلَقْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا، وَتَخَرَّصْنَا عَلَيْهِ مِنَ الْقَوْلِ بَاطِلًا إِنْ نَحْنُ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ، فَرَجَعْنَا فِيهَا بَعْدَ إِذْ أَنْقَذَنَا اللَّهُ مِنْهَا، بِأَنْ بَصُرْنَا خَطَأَهَا وَصَوَابَ الْهُدَى الَّذِي نَحْنُ عَلَيْهِ، وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَرْجِعَ فِيهَا فَنَدِينَ بِهَا وَنَتْرُكَ الْحَقَّ الَّذِي نَحْنُ عَلَيْهِ. ﴿إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا﴾ [الأعراف: ٨٩] إِلَّا أَنْ يَكُونَ سَبَقَ لَنَا فِي عِلْمِ اللَّهِ أَنَّا نَعُودُ فِيهَا، فَيَمْضِي فِينَا حِينَئِذٍ قَضَاءُ اللَّهِ، فَيَنْفُذُ مَشِيئَتُهُ عَلَيْنَا. ﴿وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا﴾ [الأعراف: ٨٩] يَقُولُ: فَإِنَّ عِلْمَ رَبِّنَا وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ فَأَحَاطَ بِهِ، فَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ كَانَ وَلَا شَيْءٌ هُوَ كَائِنٌ، فَإِنْ يَكُنْ سَبَقَ لَنَا فِي عِلْمِهِ أَنَّا نَعُودُ فِي مِلَّتِكُمْ وَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ كَانَ وَلَا شَيْءٌ هُوَ كَائِنٌ، فَلَابُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَا قَدْ سَبَقَ فِي عِلْمِهِ، وَإِلَّا فَإِنَّا غَيْرُ عَائِدِينَ فِي مِلَّتِكُمْ.
١٠ / ٣١٨
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٠ / ٣١٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنَّ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ﴾ [الأعراف: ٨٩] يَقُولُ: “مَا يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَعُودَ فِي شِرْكِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا فَاللَّهُ لَا يَشَاءُ الشِّرْكَ، وَلَكِنْ يَقُولُ: إِلَّا أَنْ يَكُونَ اللَّهُ قَدْ عَلِمَ شَيْئًا، فَإِنَّهُ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا وَقَوْلُهُ: ﴿عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا﴾ [الأعراف: ٨٩] يَقُولُ: عَلَى اللَّهِ نَعْتَمِدُ فِي أُمُورِنَا وَإِلَيْهِ نَسْتَنِدُ فِيمَا تَعِدُونَنَا بِهِ مِنْ شِرْكِكُمْ أَيُّهَا الْقَوْمُ، فَإِنَّهُ الْكَافِي مَنْ تَوَكَّلَ عَلَيْهِ. ثُمَّ فَزِعَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِلَى رَبِّهِ بِالدُّعَاءِ عَلَى قَوْمِهِ، إِذْ أَيسَ مِنْ فَلَاحِهِمْ، وَانْقَطَعَ رَجَاؤُهُ مِنْ إِذْعَانِهِمْ لِلَّهِ بِالطَّاعَةِ وَالْإِقْرَارِ لَهُ بِالرِّسَالَةِ، وَخَافَ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى مَنِ اتَّبَعَهُ مِنْ مُؤْمِنِي قَوْمِهِ مِنْ فَسَقَتِهِمُ الْعَطَبَ وَالْهَلَكَةَ بِتَعْجِيلِ النِّقْمَةِ، فَقَالَ: ﴿رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ﴾ [الأعراف: ٨٩] يَقُولُ: احْكُمْ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ بِحُكْمِكَ الْحَقِّ الَّذِي لَا جَوْرَ فِيهِ وَلَا حَيْفَ وَلَا ظُلْمَ، وَلَكِنَّهُ عَدْلٌ وَحَقٌّ ﴿وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ﴾ [الأعراف: ٨٩] يَعْنِي: خَيْرُ الْحَاكِمِينَ. ⦗٣٢٠⦘ ذَكَرَ الْفَرَّاءُ أَنَّ أَهْلَ عُمَانَ يُسَمُّونَ الْقَاضِي: الْفَاتِحَ وَالْفَتَّاحَ. وَذَكَرَ غَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِكَلَامِ الْعَرَبِ أَنَّهُ مِنْ لُغَةِ مُرَادٍ، وَأَنْشَدَ بَعْضُهُمْ بَيْتًا وَهُوَ
[البحر الوافر] أَلَا أَبْلِغْ بَنِي عُصَمٍ رَسُولًا … فَإِنِّي عَنْ فُتَاحَتِكُمْ غَنِيُّ
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
[البحر الوافر] أَلَا أَبْلِغْ بَنِي عُصَمٍ رَسُولًا … فَإِنِّي عَنْ فُتَاحَتِكُمْ غَنِيُّ
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٠ / ٣١٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «مَا كُنْتُ أَدْرِي مَا قَوْلُهُ: ﴿رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ﴾ [الأعراف: ٨٩] حَتَّى سَمِعْتُ ابْنَةَ ذِي يَزَنَ تَقُولُ: تَعَالَ أُفَاتِحْكَ، يَعْنِي: أُقَاضِيكَ»
١٠ / ٣٢٠
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ﴾ [الأعراف: ٨٩] يَقُولُ: اقْضِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا»
١٠ / ٣٢٠
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو دُكَيْنٍ، قَالَ: ثنا مِسْعَرٌ، قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ يَقُولُ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «مَا كُنْتُ أَدْرِي مَا قَوْلُهُ: ﴿رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا ⦗٣٢١⦘ وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ﴾ [الأعراف: ٨٩] حَتَّى سَمِعْتُ ابْنَةَ ذِي يَزَنَ تَقُولُ: تَعَالَ أُفَاتِحْكَ»
١٠ / ٣٢٠
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: «﴿افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ﴾ [الأعراف: ٨٩] أَيِ: اقْضِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ»
١٠ / ٣٢١
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، قَالَ: ثنا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ﴾ [الأعراف: ٨٩] اقْضِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ»
١٠ / ٣٢١
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، أَمَّا قَوْلُهُ: «﴿افْتَحْ بَيْنَنَا﴾ [الأعراف: ٨٩] فَيَقُولُ: احْكُمْ بَيْنَنَا»
١٠ / ٣٢١
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: «افْتَحِ: احْكُمْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا، وَ﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا﴾ [الفتح: ١] حَكَمْنَا لَكَ حُكْمًا مُبِينًا»
١٠ / ٣٢١
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «﴿افْتَحْ﴾ [الأعراف: ٨٩]: اقْضِ»
١٠ / ٣٢١
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: ثنا مِسْعَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «لَمْ أَكُنْ أَدْرِي مَا ﴿افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ﴾ [الأعراف: ٨٩] حَتَّى سَمِعْتُ ابْنَةَ ذِي يَزَنَ تَقُولُ لِزَوْجِهَا: انْطَلِقْ أُفَاتِحْكَ»
١٠ / ٣٢١
الْقَولُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ﴾ [الأعراف: ٩٠]⦗٣٢٢⦘ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَقَالَتِ الْجَمَاعَةُ مِنْ كَفَرَةِ رِجَالِ قَوْمِ شُعَيْبٍ، وَهُمُ الْمَلَأُ الَّذِينَ جَحَدُوا آيَاتِ اللَّهِ وَكَذَّبُوا رَسُولَهُ وَتَمَادُوا فِي غَيِّهِمْ لِآخَرِينَ مِنْهُمْ: لَئِنْ أَنْتُمُ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا عَلَى مَا يَقُولُ وَأَجَبْتُمُوهُ إِلَى مَا يَدْعُوكُمْ إِلَيْهِ مِنْ تَوْحِيدِ اللَّهِ وَالِانْتِهَاءِ إِلَى أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ وَأَقْرَرْتُمْ بِنُبُوَّتِهِ ﴿إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ﴾ [الأعراف: ٩٠] يَقُولُ: لَمَغْبُونُونَ فِي فِعْلِكُمْ، وَتَرْكِكُمْ مِلَّتَكُمُ الَّتِي أَنْتُمْ عَلَيْهَا مُقِيمُونَ إِلَى دِينِهِ الَّذِي يَدْعُوكُمْ إِلَيْهِ، وَهَالِكُونَ بِذَلِكَ مِنْ فِعْلِكُمْ
١٠ / ٣٢١
الْقَولُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ﴾ [الأعراف: ٧٨] يَقُولُ: فَأَخَذْتِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِ شُعَيْبٍ الرَّجْفَةُ، وَقَدْ بَيَّنْتُ مَعْنَى الرَّجْفَةِ قَبْلُ وَإِنَّهَا الزَّلْزَلَةُ الْمُحَرِّكَةُ لِعَذَابِ اللَّهِ. ﴿فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ﴾ [الأعراف: ٧٨] عَلَى رُكَبِهِمْ مَوْتَى هَلْكَى. وَكَانَتْ صِفَةُ الْعَذَابِ الَّذِي أَهْلَكُهُمُ اللَّهُ بِهِ
١٠ / ٣٢٢
كَمَا: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: «﴿وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا﴾ [الأعراف: ٨٥] قَالَ: إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ شُعَيْبًا إِلَى مَدْيَنَ، وَإِلَى أَصْحَابِ الْأَيْكَةِ وَالْأَيْكَةُ: هِيَ الْغَيْضَةُ مِنَ الشَّجَرِ، وَكَانُوا مَعَ كُفْرِهِمْ يَبْخَسُونَ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ، فَدَعَاهُمْ فَكَذَّبُوهُ، فَقَالَ لَهُمْ مَا ذَكَرَ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ، وَمَا رَدُّوا عَلَيْهِ، فَلَمَّا عَتَوْا وَكَذَّبُوهُ، سَأَلُوهُ الْعَذَابَ، فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بَابًا مِنْ أَبْوَابِ جَهَنَّمَ، فَأَهْلَكَهُمُ الْحَرُّ مِنْهُ، فَلَمْ يَنْفَعْهُمْ ظِلٌّ وَلَا مَاءٌ، ثُمَّ إِنَّهُ بَعَثَ سَحَابَةً فِيهَا رِيحٌ طَيِّبَةٌ، فَوَجَدُوا بَرْدَ الرِّيحِ وَطِيبَهَا، فَتَنَادَوِا: الظُّلَّةَ، عَلَيْكُمْ بِهَا فَلَمَّا اجْتَمَعُوا تَحْتَ السَّحَابَةِ رِجَالُهُمْ وَنِسَاؤُهُمْ وَصِبْيَانُهُمْ، انْطَبَقَتْ ⦗٣٢٣⦘ عَلَيْهِمْ، فَأَهْلَكَتْهُمْ، فَهُوَ قَوْلُهُ: ﴿فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ﴾ [الشعراء: ١٨٩]»
١٠ / ٣٢٢
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: «كَانَ مِنْ خَبَرِ قِصَّةِ شُعَيْبٍ وَخَبَرِ قَوْمِهِ، مَا ذَكَرَ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ، كَانُوا أَهْلَ بَخْسٍ لِلنَّاسِ فِي مَكَايِيلِهِمْ وَمَوَازِينِهِمْ، مَعَ كُفْرِهِمْ بِاللَّهِ وَتَكْذِيبِهِمْ نَبِيَّهُمْ وَكَانَ يَدْعُوهُمُ إِلَى اللَّهِ وَعِبَادَتِهِ وَتَرْكِ ظُلْمِ النَّاسِ وَبَخْسِهِمْ فِي مَكَايِيلِهِمْ وَمَوَازِينِهِمْ فَقَالَ نُصْحًا لَهُمْ وَكَانَ صَادِقًا: ﴿مَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾ [هود: ٨٨]»
١٠ / ٣٢٣
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِيمَا ذَكَرَ لِي يَعْقُوبُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ إِذَا ذَكَرَ شُعَيْبًا، قَالَ: «ذَاكَ خَطِيبُ الْأَنْبِيَاءِ» لِحُسْنِ مُرَاجَعَتِهِ قَوْمِهِ فِيمَا يُرَادُ بِهِمْ، فَلَمَّا كَذَّبُوهُ وَتَوَعَّدُوهُ بِالرَّجْمِ وَالنَّفْيِ مِنْ بِلَادِهِمْ، وَعَتَوْا عَلَى اللَّهِ، أَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ، فَبَلَغَنِي أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ مَدْيَنَ يُقَالُ لَهُ عَمْرُو بْنُ جَلْهَاءَ لَمَّا رَآهَا قَالَ
[البحر البسيط] يَا قَوْمُ إِنَّ شُعَيْبًا مُرْسَلٌ فَذَرُوا … عَنْكُمْ سَمِيرًا وَعِمْرَانَ بْنَ شَدَّادِ
إِنِّي أَرَى غَيْمَةً يَا قَوْمِ قَدْ طَلَعَتْ … تَدْعُو بِصَوْتٍ عَلَى صَمَّانَةِ الْوَادِي
⦗٣٢٤⦘ وَإِنَّكُمْ إِنْ تَرَوْا فِيهَا ضُحَاةَ غَدٍ … إِلَّا الرَّقِيمَ يُمَشِّي بَيْنَ أَنْجَادِ
وَسَمِيرٌ وَعِمْرَانُ: كَاهِنَاهُمْ، وَالرَّقِيمُ: كَلْبُهُمْ
[البحر البسيط] يَا قَوْمُ إِنَّ شُعَيْبًا مُرْسَلٌ فَذَرُوا … عَنْكُمْ سَمِيرًا وَعِمْرَانَ بْنَ شَدَّادِ
إِنِّي أَرَى غَيْمَةً يَا قَوْمِ قَدْ طَلَعَتْ … تَدْعُو بِصَوْتٍ عَلَى صَمَّانَةِ الْوَادِي
⦗٣٢٤⦘ وَإِنَّكُمْ إِنْ تَرَوْا فِيهَا ضُحَاةَ غَدٍ … إِلَّا الرَّقِيمَ يُمَشِّي بَيْنَ أَنْجَادِ
وَسَمِيرٌ وَعِمْرَانُ: كَاهِنَاهُمْ، وَالرَّقِيمُ: كَلْبُهُمْ
١٠ / ٣٢٣
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، قَالَ: ثني ابْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: «فَبَلَغَنِي وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ سَلَّطَ عَلَيْهِمُ الْحَرَّ حَتَّى أَنْضَجَهُمْ، ثُمَّ أَنْشَأَ لَهُمُ الظُّلَّةَ كَالسَّحَابَةِ السَّوْدَاءِ، فَلَمَّا رَأَوْهَا ابْتَدَرُوهَا يَسْتَغِيثُونَ بِبَرْدِهَا مِمَّا هُمْ فِيهِ مِنَ الْحَرِّ، حَتَّى إِذَا دَخَلُوا تَحْتَهَا أُطْبِقَتْ عَلَيْهِمْ، فَهَلَكُوا جَمِيعًا، وَنَجَّى اللَّهُ شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَتِهِ»
١٠ / ٣٢٤
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيُّ، قَالَ: “أَبُو جَادْ وَهَوَّزْ، وَحُطِّي، وَسِعفَصْ، وَقَرَشَتْ: أَسْمَاءُ مُلُوكِ مَدْيَنَ، وَكَانَ مَلِكُهُمْ يَوْمَ الظُّلَّةِ فِي زَمَانِ شُعَيْبٍ كَلَمُونْ، فَقَالَتْ أُخْتُ كَلَمُونْ تَبْكِيهِ: «
[البحر الرمل] كَلَمُونٌ هَدَّ رُكْنِي … هُلْكُهُ وَسَطَ الْمَحِلَّهْ
سَيِّدُ الْقَوْمِ أَتَاهُ الْ … ـحَتْفُ نَارًا وَسَطَ ظُلَّهْ
جُعِلَتْ نَارًا عَلَيْهِمْ … دَارُهُمْ كَالْمُضْمَحِلَّهْ
»
[البحر الرمل] كَلَمُونٌ هَدَّ رُكْنِي … هُلْكُهُ وَسَطَ الْمَحِلَّهْ
سَيِّدُ الْقَوْمِ أَتَاهُ الْ … ـحَتْفُ نَارًا وَسَطَ ظُلَّهْ
جُعِلَتْ نَارًا عَلَيْهِمْ … دَارُهُمْ كَالْمُضْمَحِلَّهْ
»
١٠ / ٣٢٤
الْقَولُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَانُوا هُمُ الْخَاسِرِينَ﴾ [الأعراف: ٩٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَأَهْلَكَ الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا فَلَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ، فَأَبَادَهُمْ، فَصَارَتْ قَرْيَتُهُمْ مِنْهُمْ خَاوِيَةً خَلَاءً ﴿كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا﴾ [الأعراف: ٩٢] يَقُولُ: كَأَنْ لَمْ يَنْزِلُوا قَطُّ، وَلَمْ يَعِيشُوا بِهَا حِينَ هَلَكُوا، يُقَالُ: غَنِيَ فُلَانٌ بِمَكَانِ كَذَا فَهُوَ يَغْنَى بِهِ غِنًى وَغُنَيًّا: إِذَا نَزَلَ بِهِ وَكَانَ بِهِ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الرمل] وَلَقَدْ يَغْنَى بِهِ جِيرَانُكَ الْ … ـمُمْسِكُو مِنْكَ بِعَهْدٍ وَوِصَالٍ
وَقَالَ رُؤْبَةُ:
[البحر الرجز] وَعَهْدُ مَغْنَى دِمْنَةٍ بِضَلْفَعَا
إِنَّمَا هُوَ مَفْعَلٌ مِنْ غَنِيَ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
[البحر الرمل] وَلَقَدْ يَغْنَى بِهِ جِيرَانُكَ الْ … ـمُمْسِكُو مِنْكَ بِعَهْدٍ وَوِصَالٍ
وَقَالَ رُؤْبَةُ:
[البحر الرجز] وَعَهْدُ مَغْنَى دِمْنَةٍ بِضَلْفَعَا
إِنَّمَا هُوَ مَفْعَلٌ مِنْ غَنِيَ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٠ / ٣٢٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، قَالَ: ثنا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا﴾ [الأعراف: ٩٢] كَأَنْ لَمْ يَعِيشُوا، كَأَنْ لَمْ يَنْعَمُوا»
١٠ / ٣٢٦
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «﴿كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا﴾ [الأعراف: ٩٢] يَقُولُ: كَأَنْ لَمْ يَعِيشُوا فِيهَا»
١٠ / ٣٢٦
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا﴾ [الأعراف: ٩٢] كَأَنْ لَمْ يَكُونُوا فِيهَا قَطُّ» وَقَوْلِهِ: ﴿الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَانُوا هُمُ الْخَاسِرِينَ﴾ [الأعراف: ٩٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ اتَّبِعُوا شُعَيْبًا الْخَاسِرِينَ، بَلِ الَّذِينَ كَذَّبُوهُ كَانُوا هُمُ الْخَاسِرِينَ الْهَالِكِينَ؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَنْهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا قَالُوا لِلَّذِينَ أَرَادُوا اتِّبَاعَهُ: ﴿لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ﴾ [الأعراف: ٩٠] فَكَذَّبَهُمُ اللَّهُ بِمَا أَحَلَّ بِهِمْ مِنْ عَاجِلِ نَكَالِهِ، ثُمَّ قَالَ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: مَا خَسِرَ تُبَّاعُ شُعَيْبٍ، بَلْ كَانَ الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا لَمَّا جَاءَتْ عُقُوبَةُ اللَّهِ هُمُ الْخَاسِرِينَ دُونَ الَّذِينَ صَدَّقُوا وَآمَنُوا بِهِ
١٠ / ٣٢٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَلَاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَءَاسَى عَلَى قَوْمِ كَافِرِينَ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَأَدْبَرَ شُعَيْبٌ عَنْهُمْ شَاخِصًا مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِهِمْ حِينَ أَتَاهُمْ ⦗٣٢٧⦘ عَذَابُ اللَّهِ، وَقَالَ لَمَّا أَيْقَنَ بِنُزُولِ نِقْمَةِ اللَّهِ بِقَوْمِهِ الَّذِينَ كَذَبُوهُ حُزْنًا عَلَيْهِمْ: ﴿يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي﴾ [الأعراف: ٩٣] وَأَدَّيْتُ إِلَيْكُمْ مَا بَعَثَنِي بِهِ إِلَيْكُمْ مِنْ تَحْذِيرِكُمْ غَضَبَهُ عَلَى إِقَامَتِكُمْ عَلَى الْكُفْرِ بِهِ وَظُلْمِ النَّاسِ أَشْيَاءَهُمْ. ﴿وَنَصَحْتُ لَكُمْ﴾ [الأعراف: ٧٩] بِأَمْرِي إِيَّاكُمْ بِطَاعَةِ اللَّهِ وَنَهْيِكُمْ عَنْ مَعْصِيَتِهِ. ﴿فَكَيْفَ آسَى﴾ [الأعراف: ٩٣] يَقُولُ: فَكَيْفَ أَحْزَنُ عَلَى قَوْمٍ جَحَدُوا وَحْدَانِيَّةَ اللَّهِ وَكَذَّبُوا رَسُولَهُ وَأَتَوَجَّعُ لِهَلَاكِهِمْ؟ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٠ / ٣٢٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿فَكَيْفَ آسَى﴾ [الأعراف: ٩٣] يَعْنِي: أَحْزَنُ»
١٠ / ٣٢٧
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: «﴿فَكَيْفَ آسَى﴾ [الأعراف: ٩٣] يَقُولُ: فَكَيْفَ أَحْزَنُ»
١٠ / ٣٢٧
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: «أَصَابَ شُعَيْبًا عَلَى قَوْمِهِ حُزْنٌ لِمَا يَرَى بِهِمْ مِنْ نِقْمَةِ اللَّهِ، ثُمَّ قَالَ يُعَزِّي نَفْسَهُ فِيمَا ذَكَرَ اللَّهُ عَنْهُ: ﴿يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ﴾ [الأعراف: ٩٣]»
١٠ / ٣٢٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ﴾ [الأعراف: ٩٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ مُعَرِّفَهُ سُنَّتَهُ فِي الْأُمَمِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِ أُمَّتِهِ، وَمُذَكِّرٌ مَنْ كَفَرَ بِهِ مِنْ قُرَيْشٍ لِيَنْزَجِرُوا عَمَّا كَانُوا عَلَيْهِ مُقِيمِينَ مِنَ الشِّرْكِ
١٠ / ٣٢٧
بِاللَّهِ وَالتَّكْذِيبِ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ﴾ [الأعراف: ٩٤] قَبْلَكَ ﴿إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ﴾ [الأعراف: ٩٤] وَهُوَ الْبُؤْسُ وَشَظَفُ الْمَعِيشَةِ وَضَيْقُهَا وَالضَّرَّاءُ: وَهِيَ الضُّرُّ وَسُوءُ الْحَالِ فِي أَسْبَابِ دُنْيَاهُمْ. ﴿لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ﴾ [الأعراف: ٩٤] يَقُولُ: فَعَلْنَا ذَلِكَ لِيَتَضَرَّعُوا إِلَى رَبِّهِمْ، وَيَسْتَكِينُوا إِلَيْهِ، وَيُنِيبُوا بِالْإِقْلَاعِ عَنْ كُفْرِهِمْ، وَالتَّوْبَةِ مِنْ تَكْذِيبِ أَنْبِيَائِهِمْ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٠ / ٣٢٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: «﴿أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ﴾ [الأعراف: ٩٤] يَقُولُ: بِالْفَقْرِ وَالْجُوعِ» وَقَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا مَضَى الشَّوَاهِدَ عَلَى صِحَّةِ الْقَوْلِ بِمَا قُلْنَا فِي مَعْنَى الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ. وَقِيلَ: يَضَّرَّعُونَ، وَالْمَعْنَى: يَتَضَرَّعُونَ، وَلَكِنْ أُدْغِمَتِ التَّاءُ فِي الضَّادِ، لِتَقَارُبِ مَخْرَجِهِمَا
١٠ / ٣٢٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وقالوا قد مس ءابآءنا الضراء والسراء فأخذناهم بغتة وهم لا يشعرون﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ثُمَّ بَدَّلْنَا أَهْلَ الْقَرْيَةِ الَّتِي أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ، ⦗٣٢٩⦘ مَكَانَ السَّيِّئَةِ، وَهِيَ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ. وَإِنَّمَا جَعَلَ ذَلِكَ سَيِّئَةً؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يَسُوءُ النَّاسَ، وَلَا تَسُوءُهُمُ الْحَسَنَةُ، وَهِيَ الرَّخَاءُ وَالنِّعْمَةُ وَالسَّعَةُ فِي الْمَعِيشَةِ. ﴿حَتَّى عَفَوْا﴾ [الأعراف: ٩٥] يَقُولُ: حَتَّى كَثُرُوا، وَكَذَلِكَ كُلُّ شَيْءٍ كَثُرَ، فَإِنَّهُ يُقَالُ فِيهِ: قَدْ عَفَا، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الوافر] وَلَكِنَّا نُعِضُّ السَّيْفَ مِنْهَا … بِأَسْوُقِ عَافِيَاتِ الشَّحْمِ كُومِ
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
[البحر الوافر] وَلَكِنَّا نُعِضُّ السَّيْفَ مِنْهَا … بِأَسْوُقِ عَافِيَاتِ الشَّحْمِ كُومِ
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٠ / ٣٢٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ﴾ [الأعراف: ٩٥] قَالَ: مَكَانَ الشِّدَّةِ رَخَاءً ﴿حَتَّى عَفَوْا﴾ [الأعراف: ٩٥]»
١٠ / ٣٢٩
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ﴾ [الأعراف: ٩٥] قَالَ: السَّيِّئَةُ: الشَّرُّ، وَالْحَسَنَةُ: الرَّخَاءُ وَالْمَالُ وَالْوَلَدُ»
١٠ / ٣٢٩
حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ﴾ [الأعراف: ٩٥] قَالَ: السَّيِّئَةُ: الشَّرُّ، وَالْحَسَنَةُ: الْخَيْرُ»
١٠ / ٣٢٩
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ﴾ [الأعراف: ٩٥] يَقُولُ: مَكَانَ الشِّدَّةِ الرَّخَاءَ»
١٠ / ٣٣٠
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا﴾ [الأعراف: ٩٥] قَالَ: بَدَّلْنَا مَكَانَ مَا كَرِهُوا مَا أَحَبُّوا فِي الدُّنْيَا، حَتَّى عَفَوْا مِنْ ذَلِكَ الْعَذَابِ ﴿وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ﴾ [الأعراف: ٩٥]» وَاخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ ﴿حَتَّى عَفَوْا﴾ [الأعراف: ٩٥] فَقَالَ بَعْضُهُمْ نَحْوَ الَّذِي قُلْنَا فِيهِ
١٠ / ٣٣٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿حَتَّى عَفَوْا﴾ [الأعراف: ٩٥] يَقُولُ: حَتَّى كَثُرُوا وَكَثُرَتْ أَمْوَالُهُمْ»
١٠ / ٣٣٠
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «﴿حَتَّى عَفَوْا﴾ [الأعراف: ٩٥] قَالَ: جَمُّوا»
١٠ / ٣٣٠
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿حَتَّى عَفَوْا﴾ [الأعراف: ٩٥] قَالَ: كَثُرَتْ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٠ / ٣٣٠
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ ⦗٣٣١⦘: «﴿حَتَّى عَفَوْا﴾ [الأعراف: ٩٥] حَتَّى كَثُرُوا»
١٠ / ٣٣٠
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ: «﴿حَتَّى عَفَوْا﴾ [الأعراف: ٩٥] قَالَ: حَتَّى جَمُّوا وَكَثُرُوا»
١٠ / ٣٣١
قَالَ: ثنا جَابِرُ بْنُ نُوحٍ، عَنْ أَبِي رَوْقٍ عَنِ الضَّحَّاكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «﴿حَتَّى عَفَوْا﴾ [الأعراف: ٩٥] قَالَ: حَتَّى جَمُّوا»
١٠ / ٣٣١
قَالَ: ثنا الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ: «﴿حَتَّى عَفَوْا﴾ [الأعراف: ٩٥] يَعْنِي جَمُّوا وَكَثُرُوا»
١٠ / ٣٣١
قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿حَتَّى عَفَوْا﴾ [الأعراف: ٩٥] قَالَ: حَتَّى كَثُرَتْ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ»
١٠ / ٣٣١
حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: «﴿حَتَّى عَفَوْا﴾ [الأعراف: ٩٥] كَثُرُوا كَمَا يَكْثُرُ النَّبَاتُ وَالرِّيشُ، ثُمَّ أَخَذَهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: حَتَّى سُرُّوا
١٠ / ٣٣١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿حَتَّى عَفَوْا﴾ [الأعراف: ٩٥] يَقُولُ: حَتَّى سُرُّوا بِذَلِكَ» ⦗٣٣٢⦘ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ قَتَادَةُ فِي مَعْنَى عَفَوْا تَأْوِيلٌ لَا وَجْهَ لَهُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ الْعَفْوُ بِمَعْنَى السُّرُورِ فِي شَيْءٍ مِنْ كَلَامِهَا إِلَّا أَنْ يَكُونَ أَرَادَ حَتَّى سُرُّوا بِكَثْرَتِهِمْ وَكَثْرَةِ أَمْوَالِهِمْ، فَيَكُونَ ذَلِكَ وَجْهًا وَإِنْ بَعُدَ
١٠ / ٣٣١
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ﴾ [الأعراف: ٩٥] فَإِنَّهُ خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ عَنْ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ الَّذِينَ أَبْدَلَهُمُ الْحَسَنَةَ السَّيِّئَةَ الَّتِي كَانُوا فِيهَا اسْتِدْرَاجًا وَابْتِلَاءً أَنَّهُمْ قَالُوا إِذْ فُعِلَ ذَلِكَ بِهِمْ: هَذِهِ أَحْوَالٌ قَدْ أَصَابَتْ مَنْ قَبْلَنَا مِنْ آبَائِنَا وَنَالَتْ أَسْلَافَنَا، وَنَحْنُ لَا نَعْدُو أَنْ نَكُونَ أَمْثَالَهُمْ يُصِيبُنَا مَا أَصَابَهُمْ مِنَ الشِّدَّةِ فِي الْمَعَايِشِ وَالرَّخَاءِ فِيهَا، وَهِيَ السَّرَّاءُ؛ لِأَنَّهَا تُسِرُّ أَهْلِهَا. وَجَهَلَ الْمَسَاكِينُ شُكْرَ نِعْمَةِ اللَّهِ، وَأَغْفَلُوا مِنْ جَهْلِهِمُ اسْتِدَامَةَ فَضْلِهِ بِالْإِنَابَةِ إِلَى طَاعَتِهِ، وَالْمُسَارَعَةِ إِلَى الْإِقْلَاعِ عَمَّا يَكْرَهُهُ بِالتَّوْبَةِ، حَتَّى أَتَاهُمْ أَمْرُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ. يَقُولُ ﷻ: ﴿فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ [الأعراف: ٩٥] يَقُولُ: فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْهَلَاكِ وَالْعَذَابِ فَجْأَةً. أَتَاهُمْ عَلَى غِرَّةٍ مِنْهُمْ بِمَجِيئِهِ، وَهُمْ لَا يَدْرُونَ، وَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ يَجِيئُهُمْ، بَلْ هُمْ بِأَنَّهُ آتِيهِمْ مُكَذِّبُونَ حَتَّى يُعَايِنُوهُ وَيَرْوهُ
١٠ / ٣٣٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ﴾
١٠ / ٣٣٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ﴾ [الأعراف: ٩٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَفَأَمِنَ يَا مُحَمَّدُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَجْحَدُونَ آيَاتِهِ، اسْتِدْرَاجَ اللَّهِ إِيَّاهُمْ بِمَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِمْ فِي دُنْيَاهُمْ مِنْ صِحَّةِ الْأَبْدَانِ وَرَخَاءِ الْعَيْشِ، كَمَا اسْتَدْرَجَ الَّذِينَ قَصَّ عَلَيْهِمْ قَصَصَهُمْ مِنَ الْأُمَمِ قَبْلَهُمْ. فَإِنَّ مَكْرَ اللَّهِ لَا يَأْمَنُهُ، يَقُولُ: لَا يَأْمَنُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ اسْتِدْرَاجًا مَعَ مَقَامِهِمْ عَلَى كُفْرِهِمْ وَإِصْرَارِهِمْ عَلَى مَعْصِيَتِهِمْ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ وَهُمُ الْهَالِكُونَ
١٠ / ٣٣٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَوَلَمْ يُهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوَ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ﴾ [الأعراف: ١٠٠] يَقُولُ: أَوَلَمْ يُبَيَّنْ لِلَّذِينَ يُسْتَخْلَفُونَ فِي الْأَرْضِ بَعْدَ هَلَاكِ آخَرِينَ قَبْلَهُمْ كَانُوا أَهْلَهَا، فَسَارُوا سِيرَتَهُمْ وَعَمِلُوا أَعْمَالَهُمْ، وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ ﴿أَنْ لَوَ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ﴾ [الأعراف: ١٠٠] يَقُولُ: أَنْ لَوَ نَشَاءُ فَعَلْنَا بِهِمْ كَمَا فَعَلْنَا بِمَنْ قَبْلَهُمْ، فَأَخَذْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ. وَعَجَّلْنَا لَهُمْ بَأْسَنَا كَمَا عَجَّلْنَاهُ لِمَنْ كَانَ قَبْلَهُمْ مِمَّنْ وَرِثُوا عَنْهُ الْأَرْضَ. فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ. ﴿وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ﴾ [الأعراف: ١٠٠] يَقُولُ: وَنَخْتِمُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ ﴿لَا يَسْمَعُونَ﴾ [الأعراف: ١٠٠] مَوْعِظَةً وَلَا تَذْكِيرًا سَمَاعَ مُنْتَفِعٍ بِهِمَا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٠ / ٣٣٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: ⦗٣٣٥⦘ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿أَوَلَمْ يَهْدِ﴾ [الأعراف: ١٠٠] قَالَ: يُبَيَّنُ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٠ / ٣٣٤
قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿أَوَلَمْ يَهْدِ﴾ [الأعراف: ١٠٠] أَوَلَمْ يُبَيَّنْ»
١٠ / ٣٣٥
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: «﴿أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا﴾ [الأعراف: ١٠٠] يَقُولُ: أَوَلَمْ يُبَيَّنْ لَهُمْ»
١٠ / ٣٣٥
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: «﴿أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا﴾ [الأعراف: ١٠٠] يَقُولُ: أَوَلَمْ يَتَبَيَّنْ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا هُمُ الْمُشْرِكُونَ»
١٠ / ٣٣٥
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا﴾ [الأعراف: ١٠٠] أَوَلَمْ نُبَيِّنْ لَهُمْ ﴿أَنْ لَوْ ⦗٣٣٦⦘ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ﴾ [الأعراف: ١٠٠] قَالُوا: وَالْهُدَى: الْبَيَانُ الَّذِي بَعَثَ هَادِيًا لَهُمْ مُبَيِّنًا لَهُمْ، حَتَّى يَعْرِفُوا، وَلَوْلَا الْبَيَانُ لَمْ يَعْرِفُوا»
١٠ / ٣٣٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَائِهَا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الْكَافِرِينَ﴾ [الأعراف: ١٠١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: هَذِهِ الْقُرَى الَّتِي ذَكَرْتُ لَكَ يَا مُحَمَّدُ أَمْرَهَا وَأَمْرَ أَهْلِهَا، يَعْنِي: قَوْمَ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمَ لُوطٍ وَشُعَيْبٍ ﴿نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَائِهَا﴾ [الأعراف: ١٠١] فَنُخْبِرُكَ عَنْهَا وَعَنْ أَخْبَارِ أَهْلِهَا، وَمَا كَانَ مِنْ أَمْرِهِمْ، وَأَمْرِ رُسُلِ اللَّهِ الَّتِي أُرْسِلَتْ إِلَيْهِمْ، لِتَعْلَمَ أَنَّا نَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا عَلَى أَعْدَائِنَا وَأَهْلِ الْكُفْرِ بِنَا، وَيَعْلَمَ مُكَذِّبُوكَ مِنْ قَوْمِكَ مَا عَاقِبَةُ أَمْرِ مَنْ كَذَّبَ رُسُلَ اللَّهِ، فَيَرْتَدِعُوا عَنْ تَكْذِيبِكَ، وَيُنِيبُوا إِلَى تَوْحِيدِ اللَّهِ وَطَاعَتِهِ. ﴿وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ﴾ [الأعراف: ١٠١] يَقُولُ: وَلَقَدْ جَاءَتْ أَهْلَ الْقُرَى الَّتِي قَصَصْتُ عَلَيْكَ نَبَّأَهَا رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ، يَعْنِي بِالْحُجَجِ الْبَيِّنَاتِ. ﴿فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ﴾ [الأعراف: ١٠١] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: فَمَا كَانَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ الَّذِينَ أَهْلَكْنَاهُمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى لِيُؤْمِنُوا عِنْدَ إِرْسَالِنَا إِلَيْهِمْ بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْلِ ذَلِكَ، وَذَلِكَ يَوْمَ أَخَذَ مِيثَاقَهُمْ حِينَ أَخْرَجَهُمْ مِنْ ظَهْرِ
١٠ / ٣٣٦
آدَمَ عليه السلام
١٠ / ٣٣٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: «﴿فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ﴾ [الأعراف: ١٠١] قَالَ: ذَلِكَ يَوْمَ أَخَذَ مِنْهُمُ الْمِيثَاقَ فَآمَنُوا كَرْهًا» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا عِنْدَ مَجِيءِ الرُّسُلِ بِمَا سَبَقَ فِي عِلْمِ اللَّهِ أَنَّهُمْ يُكَذِّبُونَ بِهِ يَوْمَ أَخْرَجَهُمْ مِنْ صُلْبِ آدَمَ عليه السلام
١٠ / ٣٣٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: «﴿فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ﴾ [الأعراف: ١٠١] قَالَ: كَانَ فِي عِلْمِهِ يَوْمَ أَقَرُّوا لَهُ بِالْمِيثَاقِ»
١٠ / ٣٣٧
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، قَالَ: “يَحِقُّ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَأْخُذُوا مِنَ الْعِلْمِ مَا أَبْدَى لَهُمْ رَبُّهُمْ وَالْأَنْبِيَاءُ وَيَدَعُوا عِلْمَ مَا أَخْفَى اللَّهُ عَلَيْهِمْ، فَإِنَّ عِلْمَهُ نَافِذٌ فِيمَا كَانَ وَفِيمَا يَكُونُ، وَفِي
١٠ / ٣٣٧
ذَلِكَ قَالَ: ﴿وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الْكَافِرِينَ﴾ [الأعراف: ١٠١] قَالَ: نَفَذَ عِلْمُهُ فِيهِمْ أَيُّهُمُ الْمُطِيعُ مِنَ الْعَاصِي حَيْثُ خَلَقَهُمْ فِي زَمَانِ آدَمَ، وَتَصْدِيقُ ذَلِكَ حَيْثُ قَالَ لِنُوحٍ ﴿اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [هود: ٤٨] وَقَالَ فِي ذَلِكَ: ﴿وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ [الأنعام: ٢٨] وَفِي ذَلِكَ قَالَ ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا﴾ [الإسراء: ١٥] وَفِي ذَلِكَ قَالَ: ﴿لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ﴾ [النساء: ١٦٥] وَلَا حُجَّةَ لِأَحَدٍ عَلَى اللَّهِ ” وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: فَمَا كَانُوا لَوْ أَحْيَيْنَاهُمْ بَعْدَ هَلَاكِهِمْ وَمُعَايَنَتِهِمْ مَا عَايَنُوا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْلِ هَلَاكِهِمْ، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ﴾ [الأنعام: ٢٨]
١٠ / ٣٣٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: «﴿بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ﴾ [الأعراف: ١٠١] قَالَ: كَقَوْلِهِ: ﴿وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ﴾ [الأنعام: ٢٨]» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَشْبَهُ هَذِهِ الْأَقْوَالِ بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ وَأَوْلَاهَا بِالصَّوَابِ، الْقَوْلُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَالرَّبِيعِ، وَذَلِكَ أَنَّ مَنْ سَبَقَ فِي عِلْمِ اللَّهِ تبارك وتعالى أَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ بِهِ، فَلَنْ يُؤْمِنَ أَبَدًا، وَقَدْ كَانَ سَبَقَ فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى لِمَنْ هَلَكَ مِنَ الْأُمَمِ الَّتِي قَصَّ نَبَّأَهُمْ فِي هَذِهِ السُّورَةِ أَنَّهُ لَا ⦗٣٣٩⦘ يُؤْمِنُ أَبَدًا، فَأَخْبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْهُمْ، أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا هُمْ بِهِ مُكَذِّبُونَ فِي سَابِقِ عِلْمِهِ قَبْلَ مَجِيءِ الرُّسُلِ وَعِنْدَ مَجِيئِهِمْ إِلَيْهِمْ. وَلَوْ قِيلَ تَأْوِيلُهُ: فَمَا كَانَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ وَرِثُوا الْأَرْضَ يَا مُحَمَّدُ مِنْ مُشْرِكِي قَوْمِكَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا الَّذِينَ كَانُوا بِهَا مِنْ عَادٍ وَثَمُودَ لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبَ بِهِ الَّذِينَ وَرِثُوهَا عَنْهُمْ مِنْ تَوْحِيدِ اللَّهِ وَوَعْدِهِ وَوَعِيدِهِ، كَانَ وَجْهًا وَمَذْهَبًا، غَيْرَ أَنِّي لَا أَعْلَمُ قَائِلًا قَالَهُ مِمَّنْ يُعْتَمَدُ عَلَى عِلْمِهِ بِتَأْوِيلِ الْقُرْآنِ. وَأَمَّا الَّذِي قَالَهُ مُجَاهِدٌ مِنْ أَنَّ مَعْنَاهُ: لَوْ رُدُّوا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا، فَتَأْوِيلٌ لَا دَلَالَةَ عَلَيْهِ مِنْ ظَاهِرِ التَّنْزِيلِ، وَلَا مِنْ خَبَرٍ عَنِ الرَّسُولِ صَحِيحٍ. وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَأَوْلَى مِنْهُ بِالصَّوَابِ مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ ظَاهَرِ التَّنْزِيلِ دَلِيلٌ
١٠ / ٣٣٨
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الْكَافِرِينَ﴾ [الأعراف: ١٠١] فَإِنَّهُ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: كَمَا طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ مِنْ هَذِهِ الْأُمَمِ الَّتِي قَصَصْنَا عَلَيْكَ نَبَّأَهُمْ يَا مُحَمَّدُ فِي هَذِهِ السُّورَةِ حَتَّى جَاءَهُمْ بَأْسُ اللَّهِ فَهَلَكُوا بِهِ، كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الْكَافِرِينَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمْ أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ أَبَدًا مِنْ قَوْمِكَ
١٠ / ٣٣٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ﴾ [الأعراف: ١٠٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَمْ نَجِدْ لِأَكْثَرِ أَهْلِ هَذِهِ الْقُرَى الَّتِي أَهْلَكْنَاهَا وَاقْتَصَصْنَا عَلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ نَبَّأَهَا مِنْ عَهْدٍ، يَقُولُ: مِنْ وَفَاءٍ بِمَا وَصَّيْنَاهُمْ بِهِ مِنْ تَوْحِيدِ ⦗٣٤٠⦘ اللَّهِ، وَاتِّبَاعِ رُسُلِهِ، وَالْعَمَلِ بِطَاعَتِهِ، وَاجْتِنَابِ مَعَاصِيهِ وَهَجْرِ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ وَالْأَصْنَامِ. وَالْعَهْدُ: هُوَ الْوَصِيَّةُ، وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ. ﴿وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ﴾ [الأعراف: ١٠٢] يَقُولُ: وَمَا وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ إِلَّا فَسَقَةً عَنْ طَاعَةِ رَبِّهِمْ، تَارِكِينَ عَهْدَهُ وَوَصِيَّتَهُ. وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْفِسْقِ قَبْلُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٠ / ٣٣٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: «﴿وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ﴾ [الأعراف: ١٠٢] قَالَ: الْقُرُونُ الْمَاضِيَةُ»
١٠ / ٣٤٠
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: «﴿وَمَا وَجَدْنَا لِأكْثَرِهِم مِّنْ عَهْدٍ﴾ [الأعراف: ١٠٢] . . . الْآيَةَ، قَالَ: الْقُرُونُ الْمَاضِيَةُ وَعَهْدُهُ الَّذِي أَخَذَهُ مِنْ بَنِي آدَمَ فِي ظَهْرِ آدَمَ وَلَمْ يَفُوا بِهِ»
١٠ / ٣٤٠
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: «﴿وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ﴾ [الأعراف: ١٠٢] قَالَ: فِي الْمِيثَاقِ الَّذِي أَخَذَهُ فِي ظَهْرِ آدَمَ عليه السلام»
١٠ / ٣٤٠
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «﴿وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ﴾ [الأعراف: ١٠٢] وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ إِنَّمَا أَهْلَكَ الْقُرَى؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا حَفِظُوا مَا أَوْصَاهُمْ بِهِ»
١٠ / ٣٤١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ثُمَّ بَعَثَنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُوا بِهَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ﴾ [الأعراف: ١٠٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ثُمَّ بَعَثَنَا مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَهُودٍ وَصَالِحٍ ولُوطٍ وَشُعَيْبٍ مُوسَى بْنَ عِمْرَانَ. وَالْهَاءُ وَالْمِيمُ اللَّتَانِ فِي قَوْلِهِ: ﴿مِنْ بَعْدِهِمْ﴾ [البقرة: ٢٥٣] هِيَ كِنَايَةُ ذِكْرِ الْأَنْبِيَاءِ عليهم السلام الَّتِي ذُكِرَتْ مِنْ أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ إِلَى هَذَا الْمَوْضِعِ. ﴿بِآيَاتِنَا﴾ [البقرة: ٣٩] يَقُولُ: بِحُجَجِنَا وَأَدِلَّتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ، يَعْنِي: إِلَى جَمَاعَةِ فِرْعَوْنَ مِنَ الرِّجَالِ. ﴿فَظَلَمُوا بِهَا﴾ [الأعراف: ١٠٣] يَقُولُ: فَكَفَرُوا بِهَا. وَالْهَاءُ وَالْأَلِفُ اللَّتَانِ فِي قَوْلِهِ ﴿بِهَا﴾ [البقرة: ٩٩] عَائِدَتَانِ عَلَى الْآيَاتِ. وَمَعْنَى ذَلِكَ: فَظَلَمُوا بِآيَاتِنَا الَّتِي بَعَثْنَا بِهَا مُوسَى إِلَيْهِمْ. وَإِنَّمَا جَازَ أَنْ يُقَالَ: فَظَلَمُوا بِهَا، بِمَعْنَى: كَفَرُوا بِهَا؛ لِأَنَّ الظُّلْمَ وَضْعُ الشَّيْءِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ، وَقَدْ دَلَلْتُ فِيمَا مَضَى عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مَعْنَاهُ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ. وَالْكُفْرُ بِآيَاتِ اللَّهِ: وُضْعٌ لَهَا فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا، وَصَرَفٌ لَهَا إِلَى غَيْرِ وَجْهِهَا الَّذِي عَنِيَتْ بِهِ. ﴿فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقَبَةُ الْمُفْسِدِينَ﴾ [الأعراف: ١٠٣] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: فَانْظُرْ يَا مُحَمَّدُ بِعَيْنِ قَلْبِكَ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَفْسَدُوا فِي الْأَرْضِ، يَعْنِي فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ؛ إِذْ ظَلَمُوا بِآيَاتِ اللَّهِ الَّتِي جَاءَهُمْ بِهَا
١٠ / ٣٤١
مُوسَى عليه السلام، وَكَانَ عَاقِبَتُهُمْ أَنَّهُمْ أُغْرِقُوا جَمِيعًا فِي الْبَحْرِ
١٠ / ٣٤٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَقَالَ مُوسَى يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الأعراف: ١٠٤] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَقَالَ مُوسَى لِفِرْعَوْنَ: ﴿يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الأعراف: ١٠٤]
١٠ / ٣٤٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لَا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾ [الأعراف: ١٠٦] اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لَا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ﴾ [الأعراف: ١٠٥] فَقَرَأَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ قُرَّاءِ الْمَكِّيِّينَ وَالْمَدَنِيِّينَ وَالْبَصْرَةِ وَالْكُوفَةِ: ﴿حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لَا أَقُولَ﴾ [الأعراف: ١٠٥] بِإِرْسَالِ الْيَاءِ مِنْ ﴿عَلَى﴾ [البقرة: ٥] وَتَرْكِ تَشْدِيدِهَا، بِمَعْنَى: أَنَا حَقِيقٌ بِأَنْ لَا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ، فَوَجَّهُوا مَعْنَى عَلَى إِلَى مَعْنَى الْبَاءِ، كَمَا يُقَالُ: رَمَيْتُ بِالْقَوْسِ وَعَلَى الْقَوْسِ، وَجِئْتُ عَلَى حَالٍ حَسَنَةٍ، وَبِحَالٍ حَسَنَةٍ. وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِكَلَامِ الْعَرَبِ يَقُولُ: إِذَا قُرِئَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَمَعْنَاهُ: حَرِيصٌ عَلَى أَنْ لَا أَقُولَ إِلَّا بِحَقٍّ. وَقَرَأَ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ: (حَقِيقٌ عَلَيَّ أَنْ لَا أَقُولَ) بِمَعْنَى: وَاجِبٌ عَلَيَّ أَنْ لَا أَقُولَ، وَحَقٌّ عَلَيَّ أَنْ لَا أَقُولَ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى، قَدْ قَرَأَ
١٠ / ٣٤٢
بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا أَئِمَّةٌ مِنَ الْقُرَّاءِ، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ فِي قِرَاءَتِهِ الصَّوَابَ. وَقَوْلُهُ: ﴿قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [الأعراف: ١٠٥] يَقُولُ: قَالَ مُوسَى لِفِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ: قَدْ جِئْتُكُمْ بِبُرْهَانٍ مِنْ رَبِّكُمْ يَشْهَدُ أَيُّهَا الْقَوْمُ عَلَى صِحَّةِ مَا أَقُولُ وَصَدْقِ مَا أَذْكُرُ لَكُمْ مِنْ إِرْسَالِ اللَّهِ إِيَّايَ إِلَيْكُمْ رَسُولًا، فَأَرْسِلْ يَا فِرْعَوْنُ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ: ﴿إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ﴾ [الأعراف: ١٠٦]، يَقُولُ: بِحُجَّةٍ وَعَلَامَةٍ شَاهِدَةٍ عَلَى صِدْقِ مَا تَقُولُ. ﴿فَأْتِ بِهَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾ [الأعراف: ١٠٦]
١٠ / ٣٤٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ﴾ [الأعراف: ١٠٨] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿فَأَلْقَى﴾ [الأعراف: ١٠٧] مُوسَى ﴿عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ﴾ [الأعراف: ١٠٧] قَالَ حَيَّةٌ ﴿مُبِينٌ﴾ [البقرة: ١٦٨] يَقُولُ: تَتَبَيَّنُ لِمَنْ يَرَاهَا أَنَّهَا حَيَّةٌ. وَبِمَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٠ / ٣٤٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ﴾ [الأعراف: ١٠٧] قَالَ: تَحَوَّلَتْ حَيَّةً عَظِيمَةً. وَقَالَ غَيْرُهُ: مِثْلَ الْمَدِينَةِ»
١٠ / ٣٤٣
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: «﴿فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ﴾ [الأعراف: ١٠٧] يَقُولُ: فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ كَادَتْ تَتَسَوَّرُهُ، يَعْنِي كَادَتْ تَثِبُ عَلَيْهِ»
١٠ / ٣٤٣
حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ ⦗٣٤٤⦘ السُّدِّيِّ: «﴿فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ﴾ [الأعراف: ١٠٧] وَالثُّعْبَانُ: الذَّكَرُ مِنَ الْحَيَّاتِ، فَاتِحَةٌ فَاهَا، وَاضِعَةٌ لَحْيَهَا الْأَسْفَلَ فِي الْأَرْضِ، وَالْأَعْلَى عَلَى سُورِ الْقَصْرِ. ثُمَّ تَوَجَّهَتْ نَحْوَ فِرْعَوْنَ لِتَأْخُذَهَ، فَلَمَّا رَآهَا ذَعِرَ مِنْهَا، وَوَثَبَ فَأَحْدَثَ، وَلَمْ يَكُنْ يُحْدِثُ قَبْلَ ذَلِكَ، وَصَاحَ: يَا مُوسَى خُذْهَا وَأَنَا مُؤْمِنٌ بِكَ وَأُرْسِلُ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَأَخَذَهَا مُوسَى فَعَادَتْ عَصًا»
١٠ / ٣٤٣
حَدَّثَنِي عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ الْهَيْثَمِ، قَالَ: ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، قَالَ: ثنا أَبُو سَعْدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «﴿فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ﴾ [الأعراف: ١٠٧] قَالَ: أَلْقَى الْعَصَا فَصَارَتْ حَيَّةً، فَوَضَعَتْ فَقْمًا لَهَا أَسْفَلَ الْقُبَّةِ، وَفَقْمًا لَهَا أَعْلَى الْقُبَّةِ قَالَ عَبْدُ الْكَرِيمِ: قَالَ إِبْرَاهِيمُ: وَأَشَارَ سُفْيَانُ بِأُصْبُعِهِ الْإِبْهَامِ وَالسَّبَّابَةِ هَكَذَا شِبْهُ الطَّاقِ فَلَمَّا أَرَادَتْ أَنْ تَأْخُذَهُ، قَالَ فِرْعَوْنُ: يَا مُوسَى خُذْهَا فَأَخَذَهَا مُوسَى بِيَدِهِ، فَعَادَتْ عَصًا كَمَا كَانَتْ أَوَّلَ مَرَّةٍ»
١٠ / ٣٤٤
حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْأَصْبَغُ بْنُ زَيْدٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي أَيُّوبَ، قَالَ: ثني سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «أَلْقَى عَصَاهُ، فَتَحَوَّلَتْ حَيَّةً عَظِيمَةً فَاغِرَةً فَاهَا، مُسْرِعَةً إِلَى فِرْعَوْنَ، فَلَمَّا رَأَى فِرْعَوْنُ أَنَّهَا قَاصِدَةٌ إِلَيْهِ، اقْتَحَمَ عَنْ سَرِيرِهِ، فَاسْتَغَاثَ بِمُوسَى أَنْ يَكُفَّهَا عَنْهُ، فَفَعَلَ»
١٠ / ٣٤٤
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿ثُعْبَانٌ مُبِينٌ﴾ [الأعراف: ١٠٧] قَالَ: الْحَيَّةُ الذَّكَرُ»
١٠ / ٣٤٥
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ، قَالَ: ثني عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ مَعْقِلٍ أَنَّهُ سَمِعَ وَهْبَ بْنَ مُنَبِّهٍ، يَقُولُ: «لَمَّا دَخَلَ مُوسَى عَلَى فِرْعَوْنَ، قَالَ لَهُ مُوسَى: أُعَرِّفُكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: ﴿أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا﴾ [الشعراء: ١٨] قَالَ: فَرَدَّ إِلَيْهِ مُوسَى الَّذِي رَدَّ، فَقَالَ فِرْعَوْنُ: خُذُوهُ فَبَادَرَهُ مُوسَى فَأَلْقَى عَصَاهُ، فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ، فَحَمَلَتْ عَلَى النَّاسِ فَانْهَزَمُوا، فَمَاتَ مِنْهُمْ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفًا، قَتَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَقَامَ فِرْعَوْنُ مُنْهَزِمًا حَتَّى دَخَلَ الْبَيْتَ»
١٠ / ٣٤٥
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: ثنا أَبُو سَعْدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ مُجَاهِدًا، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: «﴿فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ﴾ [الأعراف: ١٠٧] قَالَ: مَا بَيْنَ لَحْيَيْهَا أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا»
١٠ / ٣٤٥
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ: «﴿فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ﴾ [الأعراف: ١٠٧] قَالَ: الْحَيَّةُ الذَّكَرُ»
١٠ / ٣٤٦
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ﴾ [الأعراف: ١٠٨] فَإِنَّهُ يَقُولُ: وَأَخْرَجَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ تَلُوحُ لِمَنْ نَظَرَ إِلَيْهَا مِنَ النَّاسِ، وَكَانَ مُوسَى فِيمَا ذُكِرَ لَنَا آدَمَ، فَجَعَلَ اللَّهُ تَحَوُّلَ يَدِهِ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ بَرَصٍ لَهُ آيَةً وَعَلَى صِدْقِ قَوْلِهِ ﴿إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الأعراف: ١٠٤] حُجَّةً. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٠ / ٣٤٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا الْأَصْبَغُ بْنُ زَيْدٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي أَيُّوبَ، قَالَ: ثني سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «أَخْرَجَ يَدَهُ مِنْ جَيْبِهِ فَرَآهَا بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ يَعْنِي: مِنْ غَيْرِ بَرَصٍ ثُمَّ أَعَادَهَا إِلَى كُمِّهِ، فَعَادَتْ إِلَى لَوْنِهَا الْأَوَّلِ»
١٠ / ٣٤٦
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبَى طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ﴾ [الأعراف: ١٠٨] يَقُولُ: مِنْ غَيْرِ بَرَصٍ»
١٠ / ٣٤٦
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: «﴿وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ﴾ [الأعراف: ١٠٨] قَالَ: نَزَعَ يَدَهُ مِنْ جَيْبِهِ ⦗٣٤٧⦘ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ بَرَصٍ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٠ / ٣٤٦
حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: «﴿وَنَزَعَ يَدَهُ﴾ [الأعراف: ١٠٨] أَخْرَجَهَا مِنْ جَيْبِهِ ﴿فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ﴾ [الأعراف: ١٠٨]»
١٠ / ٣٤٧
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: ثنا أَبُو سَعْدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ مُجَاهِدًا، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: «﴿وَنَزَعَ يَدَهُ﴾ [الأعراف: ١٠٨] قَالَ: نَزَعَ يَدَهُ مِنْ جَيْبِهِ، ﴿فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ﴾ [الأعراف: ١٠٨] وَكَانَ مُوسَى رَجُلًا آدَمَ، فَأَخْرَجَ يَدَهُ، فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ، قَالَ: مِنْ غَيْرِ بَرَصٍ آيَةً لِفِرْعَوْنَ»
١٠ / ٣٤٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لِسَاحِرٌ عَلِيمٌ يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ﴾ [الأعراف: ١١٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَتِ الْجَمَاعَةُ مِنْ رِجَالِ قَوْمِ فِرْعَوْنَ وَالْأَشْرَافِ مِنْهُمْ: إِنَّ هَذَا يَعْنُونَ مُوسَى صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ، ﴿لِسَاحِرٌ عَلِيمٌ﴾ [الأعراف: ١٠٩] يَعْنُونَ أَنَّهُ يَأْخُذُ بِأَعْيُنِ النَّاسِ بِخِدَاعِهِ إِيَّاهُمْ حَتَّى يُخَيَّلَ إِلَيْهِمُ الْعَصَا حَيَّةً وَالْآدَمَ أَبْيَضَ، وَالشَّيْءَ بِخِلَافِ مَا هُوَ بِهِ. وَمِنْهُ قِيلَ: سَحَرَ الْمَطَرُ الْأَرْضَ: إِذَا جَادَهَا فَقَطَعَ نَبَاتَهَا مِنْ أُصُولِهِ، وَقَلَبَ الْأَرْضَ ظَهْرًا لِبَطْنٍ، فَهُوَ يَسْحَرُهَا سِحْرًا، وَالْأَرْضُ مَسْحُورَةٌ إِذَا أَصَابَهَا ذَلِكَ.
١٠ / ٣٤٧
فَشَبَّهَ سِحْرَ السَّاحِرِ بِذَلِكَ لِتَخْيِيلِهِ إِلَى مَنْ سَحَرَهُ أَنَّهُ يَرَى الشَّيْءَ بِخِلَافِ مَا هُوَ بِهِ وَمِنْهُ قَوْلُ ذِي الرُّمَّةِ فِي صِفَةِ السَّرَابِ:
[البحر الوافر] وَسَاحِرَةُ الْعُيُونِ مِنَ الْمَوَامِي … تُرَقَّصُ فِي نَوَاشِزِهَا الَأُرُومُ
وَقَوْلِهِ ﴿عَلِيمٌ﴾ [البقرة: ٢٩] يَقُولُ: سَاحِرٌ عَلِيمٌ بِالسِّحْرِ. يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ أَرْضَ مِصْرَ مَعْشَرَ الْقِبْطِ السَّحَرَةَ. وَقَالَ فِرْعَوْنُ لِلْمَلَإِ: ﴿فَمَاذَا تَأْمُرُونَ﴾ [الأعراف: ١١٠] يَقُولُ: فَأَيُّ شَيْءٍ تَأْمُرُونَ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْرِهِ، بِأَيِّ شَيْءٍ تُشِيرُونَ فِيهِ؟ . وَقِيلَ: ﴿فَمَاذَا تَأْمُرُونَ﴾ [الأعراف: ١١٠] وَالْخَبَرُ بِذَلِكَ عَنْ فِرْعَوْنَ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِرْعَوْنَ، وَقَلَّمَا يَجِيءُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْكَلَامِ، وَذَلِكَ نَظِيرُ قَوْلِهِ: ﴿قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ﴾ [يوسف: ٥١] فَقِيلَ ﴿ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ﴾ [يوسف: ٥٢] مِنْ قَوْلِ يُوسُفَ، وَلَمْ يَذْكُرْ يُوسُفَ. وَمِنْ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ: قُلْتُ لِزَيْدٍ: قُمْ فَإِنِّي قَائِمٌ، وَهُوَ يُرِيدُ:
[البحر الوافر] وَسَاحِرَةُ الْعُيُونِ مِنَ الْمَوَامِي … تُرَقَّصُ فِي نَوَاشِزِهَا الَأُرُومُ
وَقَوْلِهِ ﴿عَلِيمٌ﴾ [البقرة: ٢٩] يَقُولُ: سَاحِرٌ عَلِيمٌ بِالسِّحْرِ. يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ أَرْضَ مِصْرَ مَعْشَرَ الْقِبْطِ السَّحَرَةَ. وَقَالَ فِرْعَوْنُ لِلْمَلَإِ: ﴿فَمَاذَا تَأْمُرُونَ﴾ [الأعراف: ١١٠] يَقُولُ: فَأَيُّ شَيْءٍ تَأْمُرُونَ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْرِهِ، بِأَيِّ شَيْءٍ تُشِيرُونَ فِيهِ؟ . وَقِيلَ: ﴿فَمَاذَا تَأْمُرُونَ﴾ [الأعراف: ١١٠] وَالْخَبَرُ بِذَلِكَ عَنْ فِرْعَوْنَ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِرْعَوْنَ، وَقَلَّمَا يَجِيءُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْكَلَامِ، وَذَلِكَ نَظِيرُ قَوْلِهِ: ﴿قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ﴾ [يوسف: ٥١] فَقِيلَ ﴿ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ﴾ [يوسف: ٥٢] مِنْ قَوْلِ يُوسُفَ، وَلَمْ يَذْكُرْ يُوسُفَ. وَمِنْ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ: قُلْتُ لِزَيْدٍ: قُمْ فَإِنِّي قَائِمٌ، وَهُوَ يُرِيدُ:
١٠ / ٣٤٨
فَقَالَ زَيْدٌ: إِنِّي قَائِمٌ
١٠ / ٣٤٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ﴾ [الأعراف: ١١١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ لِفِرْعَوْنَ: أَرْجِئْهُ: أَيْ أَخِّرْهُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: احْبِسْ. وَالْإِرْجَاءُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ: التَّأْخِيرُ، يُقَالُ مِنْهُ: أَرْجَيْتُ هَذَا الْأَمْرَ وَأَرْجَأْتُهُ إِذَا أَخَّرْتُهُ وَمِنْهُ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ﴾ [الأحزاب: ٥١] تُؤَخِّرُ، فَالْهَمْزُ مِنْ كَلَامِ بَعْضِ قَبَائِلِ قَيْسٍ يَقُولُونَ: أَرْجَأْتُ هَذَا الْأَمْرَ، وَتَرْكُ الْهَمْزِ مِنْ لُغَةِ تَمِيمٍ وَأَسَدٍ يَقُولُونَ: أَرْجَيْتُهُ. وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَبَعْضُ الْعِرَاقِيِّينَ: (أَرْجِهِ) بِغَيْرِ الْهَمْزِ وَبِجَرِّ الْهَاءِ. وَقَرَأَهُ بَعْضُ قُرَّاءِ الْكُوفِيِّينَ: ﴿أَرْجِهْ﴾ [الأعراف: ١١١] بِتَرْكِ الْهَمْزِ وَتَسْكِينِ الْهَاءِ عَلَى لُغَةِ مَنْ يَقِفُ عَلَى الْهَاءِ فِي الْمُكَنِّيِ فِي الْوَصْلِ إِذَا تَحَرَّكَ مَا قَبْلَهَا، كَمَا قَالَ الرَّاجِزُ:
[البحر الرجز] أَنْحَى عَلَيَّ الدَّهْرُ رِجْلًا وَيَدَا … يُقْسِمُ لَا يُصْلِحُ إِلَّا أَفْسَدَا
[البحر الرجز] أَنْحَى عَلَيَّ الدَّهْرُ رِجْلًا وَيَدَا … يُقْسِمُ لَا يُصْلِحُ إِلَّا أَفْسَدَا
١٠ / ٣٤٩
فَيُصْلِحُ الْيَوْمَ وَيُفْسِدُهْ غَدَا
وَقَدْ يَفْعَلُونَ مِثْلَ هَذَا بِهَاءِ التَّأْنِيثِ فَيَقُولُونَ: هَذِهِ طَلْحَةْ قَدْ أَقْبَلَتْ، كَمَا قَالَ الرَّاجِزُ:
[البحر الرجز] لَمَّا رَأَىْ أَنْ لَا دَعَهْ وَلَا شِبَعْ … مَالَ إِلَى أَرْطَاةِ حِقْفٍ فَاضْطَجَعَ
وَقَرَأَهُ بَعْضُ الْبَصْرِيِّينَ: (أَرْجِئْهُ) بِالْهَمْزِ وَضَمِّ الْهَاءِ، عَلَى لُغَةِ مَنْ ذَكَرْتُ مِنْ قَيْسٍ. وَأَوْلَى الْقِرَاءَاتِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَشْهَرُهَا وَأَفْصَحُهَا فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، وَذَلِكَ تَرْكُ الْهَمْزِ وَجَرِّ الْهَاءِ، وَإِنْ كَانَتِ الْأُخْرَى جَائِزَةً، غَيْرَ أَنَّ الَّذِيَ اخْتَرْنَا أَفْصَحُ اللُّغَاتِ وَأَكْثَرُهَا عَلَى أَلْسُنِ فُصَحَاءِ الْعَرَبِ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: ﴿أَرْجِهْ﴾ [الأعراف: ١١١] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: أَخِّرْهُ
وَقَدْ يَفْعَلُونَ مِثْلَ هَذَا بِهَاءِ التَّأْنِيثِ فَيَقُولُونَ: هَذِهِ طَلْحَةْ قَدْ أَقْبَلَتْ، كَمَا قَالَ الرَّاجِزُ:
[البحر الرجز] لَمَّا رَأَىْ أَنْ لَا دَعَهْ وَلَا شِبَعْ … مَالَ إِلَى أَرْطَاةِ حِقْفٍ فَاضْطَجَعَ
وَقَرَأَهُ بَعْضُ الْبَصْرِيِّينَ: (أَرْجِئْهُ) بِالْهَمْزِ وَضَمِّ الْهَاءِ، عَلَى لُغَةِ مَنْ ذَكَرْتُ مِنْ قَيْسٍ. وَأَوْلَى الْقِرَاءَاتِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَشْهَرُهَا وَأَفْصَحُهَا فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، وَذَلِكَ تَرْكُ الْهَمْزِ وَجَرِّ الْهَاءِ، وَإِنْ كَانَتِ الْأُخْرَى جَائِزَةً، غَيْرَ أَنَّ الَّذِيَ اخْتَرْنَا أَفْصَحُ اللُّغَاتِ وَأَكْثَرُهَا عَلَى أَلْسُنِ فُصَحَاءِ الْعَرَبِ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: ﴿أَرْجِهْ﴾ [الأعراف: ١١١] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: أَخِّرْهُ
١٠ / ٣٥٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿أَرْجِهْ وَأَخَاهُ﴾ [الأعراف: ١١١] قَالَ: أَخِّرْهُ» وَقَالَ آخَرُونَ. مَعْنَاهُ احْبِسْهُ
١٠ / ٣٥٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: «﴿أَرْجِهْ وَأَخَاهُ﴾ [الأعراف: ١١١] أَيِ: احْبِسْهُ وَأَخَاهُ»
١٠ / ٣٥١
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ﴾ [الأعراف: ١١١] يَقُولُ: مَنْ يَحْشُرُ السَّحَرَةَ فَيَجْمَعَهُمْ إِلَيْكَ. وَقِيلَ: هُمُ الشُّرَطُ
١٠ / ٣٥١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: ثنا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا الْحَكَمُ بْنُ ظُهَيْرٍ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «﴿وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ﴾ [الأعراف: ١١١] قَالَ: الشُّرَطُ»
١٠ / ٣٥١
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ﴾ [الأعراف: ١١١] قَالَ: الشُّرَطُ»
١٠ / ٣٥١
قَالَ: ثنا حُمَيْدٌ، عَنْ قَيْسٍ، عَنِ السُّدِّيِّ: «﴿⦗٣٥٢⦘ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ﴾ [الأعراف: ١١١] قَالَ: الشُّرَطُ»
١٠ / ٣٥١
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ﴾ [الأعراف: ١١١] قَالَ: الشُّرَطُ»
١٠ / ٣٥٢
حَدَّثَنِي عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ الْهَيْثَمِ، قَالَ: ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، قَالَ: ثنا أَبُو سَعْدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «﴿وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ﴾ [الأعراف: ١١١] قَالَ: الشُّرَطُ»
١٠ / ٣٥٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لأجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِين﴾ [الأعراف: ١١٣] وَهَذَا خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْ مَشُورَةِ الْمَلَأِ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ عَلَى فِرْعَوْنَ، أَنْ يُرْسِلَ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ، يَحْشُرُونَ كُلَّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ. وَفِي الْكَلَامِ مَحْذُوفٌ اكْتُفِيَ بِدَلَالَةِ الظَّاهِرِ مِنْ إِظْهَارِهِ، وَهُوَ: فَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ يَحْشُرُونَ السَّحَرَةَ، فَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ ﴿قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا﴾ [الأعراف: ١١٣] يَقُولُ: إِنَّ لَنَا لَثَوَابًا عَلَى غَلَبَتِنَا مُوسَى عِنْدَكَ، ﴿إِنْ كُنَّا﴾ [الأعراف: ١١٣] يَا فِرْعَوْنُ ﴿نَحْنُ الْغَالِبِينَ﴾ [الأعراف: ١١٣] وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٠ / ٣٥٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْأَصْبَغُ بْنُ زَيْدٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي أَيُّوبَ، قَالَ: ثني سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «فَأَرْسَلَ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ، فَحُشِرَ لَهُ كُلُّ سَاحِرٍ مُتَعَالِمٍ فَلَمَّا أَتَوْا فِرْعَوْنَ، قَالُوا: بِمَ يَعْمَلُ هَذَا السَّاحِرُ؟ قَالُوا: يَعْمَلُ بِالْحَيَّاتِ، قَالُوا: وَاللَّهِ مَا فِي الْأَرْضِ قَوْمٌ يَعْمَلُونَ بِالسِّحْرِ وَالْحَيَّاتِ وَالْحِبَالِ وَالْعِصِيِّ أَعْلَمُ مِنَّا، فَمَا أَجْرُنَا إِنْ غَلَبْنَا؟ فَقَالَ لَهُمْ: أَنْتُمْ قَرَابَتِي وَحَامَتِي، وَأَنَا صَانِعٌ إِلَيْكُمْ كُلَّ شَيْءٍ أَحْبَبْتُمْ»
١٠ / ٣٥٣
حَدَّثَنِي عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ الْهَيْثَمِ، قَالَ: ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، قَالَ: ثنا أَبُو سَعْدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «قَالَ فِرْعَوْنُ: لَا نُغَالِبُهُ يَعْنِي مُوسَى إِلَّا بِمَنْ هُوَ مِنْهُ. فَأَعَدَّ عُلَمَاءَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَبَعَثَ بِهِمْ إِلَى قَرْيَةٍ بِمِصْرَ يُقَالُ لَهَا الْفَرْمَا، يُعَلِّمُونَهُمُ السِّحْرَ، كَمَا يُعَلَّمُ الصِّبْيَانُ الْكِتَابَ فِي الْكُتَّابِ. قَالَ: فَعَلَّمُوهُمْ سِحْرًا كَثِيرًا. قَالَ: وَوَاعَدَ مُوسَى فِرْعَوْنَ مَوْعِدًا فَلَمَّا كَانَ فِي ذَلِكَ الْمَوْعِدِ بَعَثَ فِرْعَوْنُ، فَجَاءَ بِهِمْ وَجَاءَ بِمُعَلِّمِهِمْ مَعَهُمْ، فَقَالَ لَهُ: مَاذَا صَنَعْتَ؟ قَالَ: قَدْ عَلَّمْتُهُمْ مِنَ السِّحْرِ سِحْرًا لَا يُطِيقُهُ سِحْرُ أَهْلِ الْأَرْضِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ أَمْرًا مِنَ السَّمَاءِ، فَإِنَّهُ لَا طَاقَةَ لَهُمْ بِهِ، فَأَمَّا سِحْرُ أَهْلِ الْأَرْضِ فَإِنَّهُ لَنْ يَغْلِبَهُمْ فَلَمَّا ⦗٣٥٤⦘ جَاءَتِ السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ: ﴿إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ﴾ [الأعراف: ١١٣] قَالَ: ﴿نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ﴾ [الأعراف: ١١٤]»
١٠ / ٣٥٣
حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: «﴿فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ﴾ [الشعراء: ٥٣] فَحَشَرُوا عَلَيْهِ السَّحَرَةَ، فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ ﴿قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ﴾ [الأعراف: ١١٣] يَقُولُ: عَطِيَّةٌ تُعْطِينَا ﴿إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ﴾ [الأعراف: ١١٤]»
١٠ / ٣٥٤
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: «﴿أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ﴾ [الأعراف: ١١٢] أَيْ: كَاثِرْهُ بِالسَّحَرَةِ لَعَلَّكَ أَنْ تَجِدَ فِي السَّحَرَةِ مَنْ يَأْتِي بِمِثْلِ مَا جَاءَ بِهِ، وَقَدْ كَانَ مُوسَى وَهَارُونُ خَرَجَا مِنْ عِنْدِهِ حِينَ أَرَاهُمْ مِنْ سُلْطَانِهِ، وَبَعَثَ فِرْعَوْنُ فِي مَمْلَكَتِهِ، فَلَمْ يُتْرَكْ فِي سُلْطَانِهِ سَاحِرٌ إِلَّا أُتِيَ بِهِ. فَذُكِرَ لِي وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ جَمَعَ لَهُ خَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفَ سَاحِرٍ فَلَمَّا اجْتَمَعُوا إِلَيْهِ أَمَرَهُمْ أَمْرَهُ، وَقَالَ لَهُمْ: قَدْ جَاءَنَا سَاحِرٌ مَا رَأَيْنَا مِثْلَهُ قَطُّ، وَإِنَّكُمْ إِنْ غَلَبْتُمُوهُ أَكْرَمْتُكُمْ وَفَضَّلْتُكُمْ، وَقَرَّبْتُكُمْ عَلَى أَهْلِ مَمْلَكَتِي، قَالُوا: وَإِنَّ لَنَا ذَلِكَ إِنْ غَلَبْنَاهُ؟ قَالَ: نَعَمْ»
١٠ / ٣٥٤
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: «السَّحَرَةُ كَانُوا سَبْعِينَ» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: أَحْسِبُهُ أَنَّهُ قَالَ: أَلْفًا
١٠ / ٣٥٥
قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثنا مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ، عَنِ ابْنِ الْمُنْذِرِ، قَالَ: «كَانَ السَّحَرَةُ ثَمَانِينَ أَلْفًا»
١٠ / ٣٥٥
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ، عَنْ خَيْثَمَةَ، عَنْ أَبِي سَوْدَةَ، عَنْ كَعْبٍ، قَالَ: «كَانَ سَحَرَةُ فِرْعَوْنَ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا»
١٠ / ٣٥٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ﴾ [الأعراف: ١١٥] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: قَالَ فِرْعَوْنُ للسَّحَرَةِ إِذْ قَالُوا لَهُ: إِنَّ لَنَا عِنْدَكَ ثَوَابًا إِنْ نَحْنُ غَلَبْنَا مُوسَى؟ قَالَ: نَعَمْ، لَكُمْ ذَلِكَ، وَإِنَّكُمْ لَمِمَّنْ أُقَرِّبُهُ وَأُدْنِيهِ مِنِّي. ﴿قَالُوا يَا مُوسَى﴾ [المائدة: ٢٢] يَقُولُ: قَالَتِ السَّحَرَةُ لِمُوسَى: يَا مُوسَى اخْتَرْ أَنْ تُلْقِيَ عَصَاكَ، أَوْ نُلْقِيَ نَحْنُ عِصِيَّنَا وَلِذَلِكَ أُدْخِلَتْ «أَنْ» مَعَ «إِمَّا» فِي الْكَلَامِ لَأَنَّهَا فِي مَوْضِعِ أَمْرٍ بِالِاخْتِيَارِ، فَإِنَّ «أَنْ» فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ لِمَا وَصَفْتُ مِنَ الْمَعْنَى؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ: اخْتَرْ أَنْ
١٠ / ٣٥٥
تُلْقِيَ أَنْتَ، أَوْ نُلْقِيَ نَحْنُ، وَالْكَلَامُ مَعَ «إِمَّا» إِذَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الْأَمْرِ، فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِيهِ «أَنْ» كَقَوْلِكَ لِلرَّجُلِ إِمَّا أَنْ تَمْضِيَ، وَإِمَّا أَنْ تَقْعُدَ، بِمَعْنَى الْأَمْرِ: امْضِ أَوِ اقْعُدْ، فَإِذَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الْخَبَرِ لَمْ يَكُنْ فِيهِ أَنْ، كَقَوْلِهِ: ﴿وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ﴾ [التوبة: ١٠٦] وَهَذَا هُوَ الَّذِي يُسَمَّى التَّخْيِيرَ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الْخَبَرِ، و«إِمَّا» فِي جَمِيعِ ذَلِكَ مَكْسُورَةٌ
١٠ / ٣٥٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ﴾ [الأعراف: ١١٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ مُوسَى لِلسَّحَرَةِ: ﴿أَلْقُوا﴾ [الأعراف: ١١٦] مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ، فَأَلْقَتِ السَّحَرَةُ مَا مَعَهُمْ. ﴿فَلَمَّا أَلْقَوْا﴾ [الأعراف: ١١٦] ذَلِكَ ﴿سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ﴾ [الأعراف: ١١٦] خَيَّلُوا إِلَى أَعْيُنِ النَّاسِ بِمَا أَحْدَثُوا مِنَ التَّخْيِيلِ وَالْخِدَعِ أَنَّهَا تَسْعَى. ﴿وَاسْتَرْهَبُوهُمْ﴾ [الأعراف: ١١٦] يَقُولُ: وَاسْتَرْهَبُوا النَّاسَ بِمَا سَحَرُوا فِي أَعْيُنِهِمْ، حَتَّى خَافُوا مِنَ الْعِصِيِّ وَالْحِبَالِ، ظَنًّا مِنْهُمْ أَنَّهَا حَيَّاتٌ. ﴿وَجَاءُوا﴾ [الأعراف: ١١٦] كَمَا قَالَ اللَّهُ ﴿بِسِحْرٍ عَظِيمٍ﴾ [الأعراف: ١١٦] بِتَخْيِيلٍ عَظِيمٍ كَثِيرٍ، مِنَ التَّخْيِيلِ وَالْخِدَاعِ
١٠ / ٣٥٦
وَذَلِكَ كَالَّذِي حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: «قَالَ لَهُمْ مُوسَى: أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ فَأُلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ، وَكَانُوا بِضْعَةً وَثَلَاثِينَ أَلْفَ رَجُلٍ، لَيْسَ مِنْهُمْ رَجُلٌ ⦗٣٥٧⦘ إِلَّا مَعَهُ حَبْلٌ وَعَصًا. ﴿فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ﴾ [الأعراف: ١١٦] يَقُولُ: فَرَّقُوهُمْ فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى»
١٠ / ٣٥٦
حَدَّثَنِي عَبْدُ الْكَرِيمِ، قَالَ: ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، قَالَ: ثنا أَبُو سَعْدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «أَلْقَوْا حِبَالًا غِلَاظًا وَخَشَبًا طُوَالًا، قَالَ: فَأَقْبَلَتْ تُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى»
١٠ / ٣٥٧
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: «صَفَّ خَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفَ سَاحِرٍ، مَعَ كُلِّ سَاحِرٍ حِبَالُهُ وَعِصِيُّهُ، وَخَرَجَ مُوسَى مَعَهُ أَخُوهُ يَتَّكِئُ عَلَى عَصَاهُ حَتَّى أَتَى الْجَمْعُ وَفِرْعَوْنُ فِي مَجْلِسِهِ مَعَ أَشْرَافِ مَمْلَكَتِهِ، ثُمَّ قَالَتِ السَّحَرَةُ: ﴿يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ﴾ [طه: ٦٦] فَكَانَ أَوَّلُ مَا اخْتَطَفُوا بِسِحْرِهِمْ بَصَرَ مُوسَى وَبَصَرَ فِرْعَوْنَ، ثُمَّ أَبْصَارَ النَّاسِ بَعْدُ، ثُمَّ أَلْقَى كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ مَا فِي يَدِهِ مِنَ الْعِصِيِّ وَالْحِبَالِ، فَإِذَا هِيَ حَيَّاتٌ كَأَمْثَالِ الْجِبَالِ، قَدْ مَلَأَتِ الْوَادِي يَرْكَبُ بَعْضُهَا بَعْضًا. ﴿فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى﴾ [طه: ٦٧] وَقَالَ: وَاللَّهِ إِنْ كَانَتْ لَعِصِيًّا فِي أَيْدِيهِمْ، وَلَقَدْ عَادَتْ حَيَّاتٍ، وَمَا تَعْدُو هَذَا أَوْ كَمَا حَدَّثَ نَفْسَهُ»
١٠ / ٣٥٧
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ، قَالَ: ثنا الْقَاسِمُ بْنُ أَبِي بَزَّةَ، قَالَ: «جَمَعَ فِرْعَوْنُ سَبْعِينَ أَلْفَ سَاحِرٍ، وَأَلْقَوْا سَبْعِينَ أَلْفَ حَبْلٍ وَسَبْعِينَ أَلْفَ عَصًا، حَتَّى جَعَلَ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى»
١٠ / ٣٥٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ﴾ [الأعراف: ١١٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ، فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ تَلْقَمُ وَتَبْتَلِعُ مَا يَسْحَرُونَ كَذِبًا وَبَاطِلًا، يُقَالُ مِنْهُ: لَقَفْتُ الشَّيْءَ فَأَنَا أَلْقُفُهُ لَقْفًا وَلَقَفَانًا
١٠ / ٣٥٨
وَذَلِكَ كَالَّذِي حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: «وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ، فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ، فَتَحَوَّلَتْ حَيَّةً، فَأَكَلَتْ سِحْرَهُمْ كُلَّهُ»
١٠ / ٣٥٨
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ الْهَيْثَمِ، قَالَ: ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، قَالَ: ثنا أَبُو سَعْدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ، لَا تَمُرُّ بِشَيْءٍ مِنْ حِبَالِهِمْ وَخَشَبِهِمُ الَّتِي أَلْقَوْهَا إِلَّا الْتَقَمَتْهُ، فَعَرَفَتِ السَّحَرَةُ أَنَّ هَذَا أَمْرٌ مِنَ السَّمَاءِ، وَلَيْسَ هَذَا بِسِحْرٍ، فَخَرُّوا سُجَّدًا وَقَالُوا: ﴿آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ﴾ [الأعراف: ١٢٢]»
١٠ / ٣٥٨
حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: «أَوْحَى اللَّهُ إِلَى مُوسَى: لَا تَخَفْ، وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا يَأْفِكُونَ. فَأَلْقَى عَصَاهُ فَأَكَلَتْ كُلَّ حَيَّةٍ لَهُمْ، فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ سَجَدُوا، وَقَالُوا: ﴿آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ﴾ [الأعراف: ١٢٢]»
١٠ / ٣٥٩
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: «أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَنْ أَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ، فَأَلْقَى عَصَاهُ مِنْ يَدِهِ، فَاسْتَعْرَضَتْ مَا أَلْقَوْا مِنْ حِبَالِهِمْ وَعِصِيِّهِمْ، وَهِيَ حَيَّاتٌ، فِي عَيْنِ فِرْعَوْنَ وَأَعْيُنِ النَّاسِ تَسْعَى فَجَعَلَتْ تَلْقَفُهَا: تَبْتَلِعُهَا حَيَّةً حَيَّةً، حَتَّى مَا يُرَى بِالْوَادِي قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ مِمَّا أَلْقَوْهُ. ثُمَّ أَخَذَهَا مُوسَى فَإِذَا هِيَ عَصَاهُ فِي يَدِهِ كَمَا كَانَتْ، وَوَقَعَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا، قَالُوا: ﴿آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالِمِينَ رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ﴾ [الأعراف: ١٢٢] لَوْ كَانَ هَذَا سِحْرًا مَا غَلَبَنَا»
١٠ / ٣٥٩
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ، قَالَ: ثنا الْقَاسِمُ بْنُ أَبِي بَزَّةَ، قَالَ: «أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ، فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ فَاغِرٌ فَاهُ، فَابْتَلَعَ حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ، فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ عِنْدَ ذَلِكَ سُجَّدًا. فَمَا رَفَعُوا رُءُوسَهُمْ حَتَّى رَأَوْا الْجَنَّةَ وَالنَّارَ وَثَوَابَ أَهْلِهَا»
١٠ / ٣٥٩
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي ⦗٣٦٠⦘ نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: «﴿يَأْفِكُونَ﴾ [الأعراف: ١١٧] قَالَ: يَكْذِبُونَ»
١٠ / ٣٥٩
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا حُسَيْنٌ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ مُجَاهِدٍ «﴿فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ﴾ [الأعراف: ١١٧] قَالَ: يَكْذِبُونَ»
١٠ / ٣٦٠
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُسْتَمِرِّ، قَالَ: ثنا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: ثنا قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ السَّدُوسِيُّ، عَنِ الْحَسَنِ: «﴿تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ﴾ [الأعراف: ١١٧] قَالَ: حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ تَسْتَرِطُهَا اسْتِرَاطًا»
١٠ / ٣٦٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الأعراف: ١١٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَظَهَرَ الْحَقُّ وَتَبَيَّنَ لِمَنْ شَهِدَهُ وَحَضَرَهُ فِي أَمْرِ مُوسَى، وَأَنَّهُ لِلَّهِ رَسُولٌ يَدْعُو إِلَى الْحَقِّ ﴿وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الأعراف: ١١٨] مِنْ إِفْكِ السِّحْرِ وَكَذِبِهِ وَمَخَايِلِهِ. وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٠ / ٣٦٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿فَوَقَعَ الْحَقُّ﴾ [الأعراف: ١١٨] قَالَ: ظَهَرَ»
١٠ / ٣٦٠
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الأعراف: ١١٨] قَالَ: ظَهَرَ الْحَقُّ وَذَهَبَ الْإِفْكُ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ»
١٠ / ٣٦١
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿فَوَقَعَ الْحَقُّ﴾ [الأعراف: ١١٨] قَالَ: ظَهَرَ الْحَقُّ»
١٠ / ٣٦١
حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿فَوَقَعَ الْحَقُّ﴾ [الأعراف: ١١٨] ظَهَرَ مُوسَى»
١٠ / ٣٦١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانقَلَبُوا صَاغِرِينَ﴾ [الأعراف: ١١٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَغَلَبَ مُوسَى فِرْعَوْنَ وَجُمُوعَهُ ﴿هُنَالِكَ﴾ [آل عمران: ٣٨] عِنْدَ ذَلِكَ. ﴿وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ﴾ [الأعراف: ١١٩] يَقُولُ: وَانْصَرَفُوا عَنْ مَوْطِنِهِمْ ذَلِكَ بِصُغْرٍ مَقْهُورِينَ، يُقَالَ مِنْهُ: صَغُرَ الرَّجُلُ يَصْغُرُ صِغْرًا وَصُغْرًا وَصَغَارًا
١٠ / ٣٦١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ﴾ [الأعراف: ١٢١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ عِنْدَمَا عَايَنُوا مِنْ عَظِيمِ قُدْرَةِ اللَّهِ، سَاقِطِينَ عَلَى وُجُوهِهِمْ سُجَّدًا لِرَبِّهِمْ. يَقُولُونَ: آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ، يَقُولُونَ: صَدَّقْنَا بِمَا جَاءَنَا بِهِ مُوسَى. وَأَنَّ الَّذِي عَلَيْنَا عِبَادَتُهُ هُوَ الَّذِي يَمْلِكُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ وَجَمِيعَ الْأَشْيَاءِ، وَغَيْرَ ذَلِكَ، وَيُدَبِّرُ ذَلِكَ كُلَّهُ، رَبُّ مُوسَى وَهَارُونَ، لَا فِرْعَوْنُ
١٠ / ٣٦١
كَالَّذِي حَدَّثَنِي عَبْدُ الْكَرِيمِ، قَالَ: ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، قَالَ: ثنا أَبُو سَعْدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «لَمَّا رَأَتِ السَّحَرَةُ مَا رَأَتْ، عَرَفَتْ أَنَّ ذَلِكَ أَمَرٌ مِنَ السَّمَاءِ وَلَيْسَ بِسِحْرٍ، خَرُّوا سُجَّدًا، وَقَالُوا: آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ»
١٠ / ٣٦٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾ [الأعراف: ١٢٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿قَالَ فِرْعَوْنُ﴾ [الأعراف: ١٢٣] لِلسَّحَرَةِ إِذْ آمَنُوا بِاللَّهِ، يَعْنِي صَدَّقُوا رَسُولَهُ مُوسَى عليه السلام لَمَّا عَايَنُوا مِنْ عَظِيمِ قُدْرَةِ اللَّهِ وَسُلْطَانِهِ: ﴿آمَنْتُمْ﴾ [البقرة: ١٣٧] يَقُولُ: أَصَدَّقْتُمْ بِمُوسَى وَأَقْرَرْتُمْ بِنُبُوَّتِهِ، ﴿قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ﴾ [الأعراف: ١٢٣] بِالْإِيمَانِ بِهِ. ﴿إِنَّ هَذَا﴾ [آل عمران: ٦٢] يَقُولُ: تَصْدِيقُكُمْ إِيَّاهُ، وَإِقْرَارُكُمْ بِنُبُوَّتِهِ، ﴿لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ﴾ [الأعراف: ١٢٣] يَقُولُ لَخِدْعَةٌ خَدَعْتُمْ بِهَا مَنْ فِي مَدِينَتِنَا لِتُخْرِجُوهُمْ مِنْهَا. ﴿فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾ [الأنعام: ١٣٥] مَا أَفْعَلُ بِكُمْ، وَتَلْقَوْنَ مِنْ عِقَابِي إِيَّاكُمْ عَلَى صَنِيعِهِمْ هَذَا. وَكَانَ مَكْرُهُمْ ذَلِكَ فِيمَا
١٠ / ٣٦٢
حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، فِي حَدِيثٍ ذَكَرَهُ عَنْ أَبِي مَالِكٍ، وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَنْ مُرَّةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَعَنْ نَاسٍ، مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: «الْتَقَى مُوسَى وَأَمِيرُ السَّحَرَةِ، فَقَالَ لَهُ مُوسَى: أَرَأَيْتَكَ إِنْ غَلَبْتُكَ أَتُؤْمِنُ بِي وَتَشْهَدُ أَنَّ مَا جِئْتُ بِهِ حَقٌّ؟ قَالَ السَّاحِرُ: لَآتِيَنَّ غَدًا بِسِحْرٍ لَا يَغْلِبُهُ سِحْرٌ، فَوَاللَّهِ لَئِنْ غَلَبْتَنِي لَأُومِنَنَّ بِكَ وَلَأَشْهَدَنَّ أَنَّكَ حَقٌّ، وَفِرْعَوْنُ يَنْظُرُ ⦗٣٦٣⦘ إِلَيْهِمْ فَهُوَ قَوْلُ فِرْعَوْنَ: ﴿إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ﴾ [الأعراف: ١٢٣] إِذِ الْتَقَيْتُمَا لِتَظَاهَرَا فَتُخْرِجَا مِنْهَا أَهْلَهَا»
١٠ / ٣٦٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ﴾ [الأعراف: ١٢٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُخْبِرًا عَنْ قِيلِ فِرْعَوْنَ لِلسَّحَرَةِ إِذْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَصَدَّقُوا رَسُولَهُ مُوسَى: ﴿لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ﴾ [الأعراف: ١٢٤] وَذَلِكَ أَنْ يَقْطَعَ مِنْ أَحَدِهِمْ يَدَهُ الْيُمْنَى وَرِجْلَهُ الْيُسْرَى، أَوْ يَقْطَعَ يَدَهُ الْيُسْرَى وَرَجَلَهُ الْيُمْنَى، فَيُخَالِفَ بَيْنَ الْعُضْوَيْنِ فِي الْقَطْعِ، فَمُخَالَفَتُهُ فِي ذَلِكَ بَيْنَهُمَا هُوَ الْقَطْعُ مِنْ خِلَافٍ. وَيُقَالُ: إِنَّ أَوَّلَ مَنْ سَنَّ هَذَا الْقَطْعَ فِرْعَوْنُ. ﴿ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ﴾ [الأعراف: ١٢٤] وَإِنَّمَا قَالَ هَذَا فِرْعَوْنُ، لَمَّا رَأَى مِنْ خُذْلَانِ اللَّهِ إِيَّاهُ وَغَلَبَةِ مُوسَى عليه السلام وَقَهْرِهِ لَهُ
١٠ / ٣٦٣
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبُو دَاوُدَ الْحَفَرِيُّ، وَحَبُّويَهْ الرَّازِيُّ، عَنْ يَعْقُوبَ الْقُمِّيِّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي الْمُغِيرَةِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «﴿لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ﴾ [الأعراف: ١٢٤] قَالَ: أَوَّلُ مَنْ صَلَبَ وَأَوَّلُ مَنْ قَطَعَ الْأَيْدِي وَالْأَرْجُلَ مِنْ خِلَافٍ فِرْعَوْنُ»
١٠ / ٣٦٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَالُوا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ وَمَا تَنقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ﴾ [الأعراف: ١٢٦]
١٠ / ٣٦٣
يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ السَّحَرَةُ مُجِيبَةٌ لِفِرْعَوْنَ، إِذْ تَوَعَّدَهُمْ بِقَطْعِ الْأَيْدِي وَالْأَرْجُلِ مِنْ خِلَافٍ، وَالصَّلْبِ: ﴿إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ﴾ [الأعراف: ١٢٥] يَعْنِي بِالِانْقِلَابِ إِلَى اللَّهِ الرُّجُوعَ إِلَيْهِ وَالْمَصِيرَ. وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا﴾ [الأعراف: ١٢٦] يَقُولُ: مَا تُنْكِرُ مِنَّا يَا فِرْعَوْنُ وَمَا تَجِدُ عَلَيْنَا، إِلَّا مِنْ أَجْلِ أَنْ آمَنَّا: أَيْ: صَدَّقْنَا بِآيَاتِ رَبِّنَا، يَقُولُ: بِحُجَجِ رَبِّنَا وَأَعْلَامِهِ وَأَدِلَّتِهِ الَّتِي لَا يَقْدِرُ عَلَى مِثْلِهَا أَنْتَ، وَلَا أَحَدٌ سِوَى اللَّهِ، الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ. ثُمَّ فَزِعُوا إِلَى اللَّهِ، بِمَسْأَلَتِهِ الصَّبْرَ عَلَى عَذَابِ فِرْعَوْنَ، وَقَبْضِ أَرْوَاحِهِمْ عَلَى الْإِسْلَامِ، فَقَالُوا: ﴿رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا﴾ [البقرة: ٢٥٠] يَعْنُونَ بِقَوْلِهِمْ: أَفْرِغْ: أَنْزِلْ عَلَيْنَا حَبْسًا يَحْبِسُنَا عَنِ الْكُفْرِ بِكَ عِنْدَ تَعْذِيبِ فِرْعَوْنَ إِيَّانَا. ﴿وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ﴾ [الأعراف: ١٢٦] يَقُولُ: وَاقْبِضْنَا إِلَيْكَ عَلَى الْإِسْلَامِ، دَيْنِ خَلِيلِكَ إِبْرَاهِيمَ ﷺ، لَا عَلَى الشِّرْكِ بِكَ
١٠ / ٣٦٤
فَحَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ﴾ [الأعراف: ١٢٤] فَقَتَلَهُمْ وَصَلَبَهُمْ، كَمَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ حِينَ قَالُوا: «﴿رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ﴾ [الأعراف: ١٢٦] قَالَ: كَانُوا فِي أَوَّلِ النَّهَارِ سَحَرَةً، وَفَى آخِرِ النَّهَارِ شُهَدَاءَ»
١٠ / ٣٦٤
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، قَالَ: «كَانَتِ السَّحَرَةُ أَوَّلَ النَّهَارِ سَحَرَةً، وَآخِرَ النَّهَارِ شُهَدَاءَ»
١٠ / ٣٦٤
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: «﴿وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ⦗٣٦٥⦘ سَاجِدِينَ﴾ [الأعراف: ١٢٠] قَالَ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُمْ كَانُوا فِي أَوَّلِ النَّهَارِ سَحَرَةً، وَآخِرَهُ شُهَدَاءَ»
١٠ / ٣٦٤
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ﴾ [الأعراف: ١٢٦] قَالَ: كَانُوا أَوَّلَ النَّهَارِ سَحَرَةً، وَآخِرَهُ شُهَدَاءَ»
١٠ / ٣٦٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلَهِتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نَسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ﴾ [الأعراف: ١٢٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَقَالَتْ جَمَاعَةُ رِجَالٍ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ لِفِرْعَوْنَ: أَتَدَعُ مُوسَى وَقَوْمَهُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ، يَقُولُ: كَيْ يُفْسِدُوا خَدَمَكَ وَعَبِيدَكَ عَلَيْكَ فِي أَرْضِكَ مِنْ مِصْرَ، ﴿وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ﴾ [الأعراف: ١٢٧] يَقُولُ: وَيَذَرَكَ: وَيَدَعُ خِدْمَتَكَ مُوسَى، وَعِبَادَتَكَ وَعِبَادَةَ آلِهَتِكَ. وَفِي قَوْلِهِ: ﴿وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ﴾ [الأعراف: ١٢٧] وَجْهَانِ مِنَ التَّأْوِيلِ: أَحَدُهُمَا أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَقَدْ تَرَكَكَ وَتَرَكَ عِبَادَتَكَ وَعِبَادَةَ آلِهَتِكَ؟ وَإِذَا وُجِّهَ الْكَلَامُ إِلَى هَذَا الْوَجْهِ مِنَ التَّأْوِيلِ كَانَ النَّصْبُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَيَذَرَكَ﴾ [الأعراف: ١٢٧] عَلَى الصَّرْفِ، لَا عَلَى الْعَطْفِ بِهِ عَلَى قَوْلِهِ ﴿لِيُفْسِدُوا﴾ [الأعراف: ١٢٧] . وَالثَّانِي: أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَلِيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ كَالتَّوْبِيخِ مِنْهُمْ لِفِرْعَوْنَ عَلَى تَرْكِ مُوسَى لِيَفْعَلَ هَذَيْنِ الْفِعْلَيْنِ. وَإِذَا وُجِّهَ الْكَلَامُ إِلَى هَذَا الْوَجْهِ كَانَ نَصْبُ
١٠ / ٣٦٥
: ﴿وَيَذَرَكَ﴾ [الأعراف: ١٢٧] عَلَى الْعَطْفِ عَلَى ﴿لِيُفْسِدُوا﴾ [الأعراف: ١٢٧] وَالْوَجْهُ الْأَوَّلُ أَوْلَى الْوَجْهَيْنِ بِالصَّوَابِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ نَصْبُ: ﴿وَيَذَرَكَ﴾ [الأعراف: ١٢٧] عَلَى الصَّرْفِ؛ لِأَنَّ التَّأْوِيلَ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ بِهِ جَاءَ. وَبَعْدُ فَإِنَّ فِي قِرَاءَةِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ
١٠ / ٣٦٦
الَّذِي حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: ثنا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا حَجَّاجٌ، عَنْ هَارُونَ، قَالَ: فِي حَرْفِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: «وَقَدْ تَرَكُوكَ أَنْ يَعْبُدُوكَ وَآلِهَتَكَ» دَلَالَةٌ وَاضِحَةٌ عَلَى أَنَّ نَصْبَ ذَلِكَ عَلَى الصَّرْفِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ ذَلِكَ: (وَيَذَرُكَ وَآلِهَتَكَ) عَطْفًا بِقَوْلِهِ: (وَيَذَرُكَ) عَلَى قَوْلِهِ: ﴿أَتَذَرُ مُوسَى﴾ [الأعراف: ١٢٧] كَأَنَّهُ وَجَّهَ تَأْوِيلَهُ إِلَى: أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ وَيَذَرُكَ وَآلِهَتَكَ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ؟ وَقَدْ تَحْتَمِلُ قِرَاءَةَ الْحَسَنِ هَذِهِ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهَا: أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ يَذَرُكَ وَآلِهَتَكَ؟ فَيَكُونُ يَذَرُكَ مَرْفُوعًا عَلَى ابْتِدَاءِ الْكَلَامِ
١٠ / ٣٦٦
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَآلهَتَكَ﴾ [الأعراف: ١٢٧] فَإِنَّ قُرَّاءَ الْأَمْصَارِ عَلَى فَتْحِ الْأَلْفِ مِنْهَا وَمَدِّهَا، بِمَعْنَى: وَقَدْ تَرَكَ مُوسَى عِبَادَتَكَ وَعِبَادَةَ آلِهَتِكَ الَّتِي تَعْبُدُهَا. وَقَدْ ذُكِرَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ لَهُ بَقَرَةٌ يعَبُدُهَا. ⦗٣٦٧⦘ وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ أَنَّهُمَا كَانَا يَقْرَأَانِهَا: (وَيَذَرَكَ وَإِلْاهَتَكَ) بِكَسْرِ الْأَلْفِ، بِمَعْنَى: وَيَذَرُكَ وَعُبُودَتَكَ. وَالْقِرَاءَةُ الَّتِي لَا نَرَى الْقِرَاءَةَ بِغَيْرِهَا، هِيَ الْقِرَاءَةُ الَّتِي عَلَيْهَا قُرَّاءُ الْأَمْصَارِ لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَيْهَا. ذِكْرُ مَنْ قَالَ: كَانَ فِرْعَوْنُ يَعْبُدُ آلِهَةً عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ: ﴿وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ﴾ [الأعراف: ١٢٧]
١٠ / ٣٦٦
حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ﴾ [الأعراف: ١٢٧] وَآلِهَتُهُ فِيمَا زَعَمَ ابْنُ عَبَّاسٍ، «كَانَتِ الْبَقَرَةَ كَانُوا إِذَا رَأَوْا بَقَرَةً حَسْنَاءَ أَمَرَهُمْ أَنْ يَعْبُدُوهَا، فَلِذَلِكَ أَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا وَبَقَرَةً»
١٠ / ٣٦٧
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا أَبُو سُفْيَانَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: «كَانَ لِفِرْعَوْنَ جُمَانَةٌ مُعَلَّقَةٌ فِي نَحْرِهِ يَعْبُدُهَا وَيَسْجُدُ لَهَا»
١٠ / ٣٦٧
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، قَالَ: ثنا أَبَانُ بْنُ خَالِدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ، يَقُولُ: «بَلَغَنِي أَنَّ فِرْعَوْنَ، كَانَ يَعْبُدُ إِلَهًا فِي السِّرِّ. وَقَرَأَ: ﴿وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ﴾ [الأعراف: ١٢٧]»
١٠ / ٣٦٧
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: «⦗٣٦٨⦘ كَانَ لِفِرْعَوْنَ إِلَهٌ يَعْبُدُهُ فِي السِّرِّ» ذِكْرُ مَنْ قَالَ مَعْنَى ذَلِكَ: وَيَذَرَكَ وَعِبَادَتَكَ، عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ: (وَإِلَاهَتَكَ)
١٠ / ٣٦٧
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْحَسَنِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: (وَيَذَرَكَ وَإِلَاهَتَكَ) قَالَ: «إِنَّمَا كَانَ فِرْعَوْنُ يُعْبَدُ وَلَا يَعْبُدُ»
١٠ / ٣٦٨
قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ نَافِعٍ بْنِ عُمَرَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَرَأَ: (وَيَذَرَكَ وَإِلَاهَتَكَ) قَالَ: «وَعِبَادَتَكَ، وَيَقُولُ إِنَّهُ كَانَ يُعْبَدُ وَلَا يَعْبُدُ»
١٠ / ٣٦٨
حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: (وَيَذَرَكَ وَإِلَاهَتَكَ) قَالَ: «يَتْرُكُ عِبَادَتَكَ»
١٠ / ٣٦٨
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ: (وَإِلَاهَتَكَ) يَقُولُ: «وَعِبَادَتَكَ»
١٠ / ٣٦٨
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: (وَيَذَرَكَ وَإِلَاهَتَكَ) قَالَ: «عِبَادَتُكَ»
١٠ / ٣٦٩
حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ الرَّبِيعِ الرَّازِيُّ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حُسَيْنٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ: (وَيَذَرَكَ وَإِلَاهَتَكَ) وَقَالَ: «إِنَّمَا كَانَ فِرْعَوْنُ يُعْبَدُ وَلَا يَعْبُدُ» وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُهُمْ: أَنَّ مَنْ قَرَأَ: (وَإِلَاهَتَكَ) إِنَّمَا يَقْصُدُ إِلَى نَحْوِ مَعْنَى قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ: ﴿وَآلِهَتَكَ﴾ [الأعراف: ١٢٧] غَيْرَ أَنَّهُ أَنَّثَ وَهُوَ يُرِيدُ إِلَهًا وَاحِدًا، كَأَنَّهُ يُرِيدُ: وَيَذَرَكَ وَإِلَهَكَ، ثُمَّ أَنَّثَ الْإِلَهَ فَقَالَ: وَإِلَاهَتَكَ وَذَكَرَ بَعْضُ الْبَصْرِيِّينَ أَنَّ أَعْرَابِيًّا سُئِلَ عَنِ الْإِلَاهَةِ فَقَالَ: هِيَ عَلَمَةٌ يُرِيدُ عَلَمًا، فَأَنَّثَ الْعَلَمَ، فَكَأَنَّهُ شَيْءٌ نُصِبَ لِلْعِبَادَةِ يُعْبَدُ. وَقَدْ قَالَتْ بِنْتُ عُتَيْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ الْيَرْبُوعِيِّ:
[البحر الرجز] ⦗٣٧٠⦘ تَرَوَّحْنَا مِنَ اللَّعْبَاءِ عَصْرًا … وَأَعْجَلْنَا الْإِلَاهَةَ أَنْ تَئُوبَا
يَعْنِي بِالْإِلَاهَةِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: الشَّمْسَ. وَكَأَنَّ هَذَا الْمُتَأَوِّلَ هَذَا التَّأْوِيلَ وَجَّهَ الْإِلَاهَةَ إِذَا أُدْخِلَتْ فِيهَا هَاءُ التَّأْنِيثِ، وَهُوَ يُرِيدُ وَاحِدَ الْآلِهَةِ، إِلَى نَحْوِ إِدْخَالِهِمُ الْهَاءَ فِي وِلْدَتِي وَكَوْكَبَتِي وَمَاءَتِي، وَهُوَ أَهْلَةُ ذَاكَ، وَكَمَا قَالَ الرَّاجِزُ:
[البحر الرجز] يَا مُضَرَ الْحَمْرَاءِ أَنْتِ أُسْرَتِي … وَأَنْتَ مَلْجَاتِي وَأَنْتَ ظَهْرَتِي
يُرِيدُ: ظَهْرِي. وَقَدْ بَيَّنَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ مَا أَرَادَا مِنَ الْمَعْنَى فِي قِرَاءَتِهِمَا ذَلِكَ عَلَى مَا قَرَأَا، فَلَا وَجْهَ لِقَوْلِ هَذَا الْقَائِلِ مَا قَالَ مَعَ بَيَانِهِمَا عَنْ أَنْفُسِهِمَا مَا ذَهَبَا إِلَيْهِ مِنْ مَعْنَى ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ: ﴿قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ﴾ [الأعراف: ١٢٧] يَقُولُ: قَالَ فِرْعَوْنُ: سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمُ الذُّكُورَ مِنْ أَوْلَادِ بَنِي إِسْرَائِيلَ. ﴿وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ﴾ [الأعراف: ١٢٧] يَقُولُ: وَنَسْتَبْقِي إِنَاثَهُمْ. ﴿وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قاهِرُونَ﴾ [الأعراف: ١٢٧] يَقُولُ: وَإِنَّا عَالُونَ عَلَيْهِمْ بِالْقَهْرِ، يَعْنِي بِقَهْرِ الْمُلْكِ وَالسُّلْطَانِ. ⦗٣٧١⦘ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ عَالٍ بِقَهْرٍ وَغَلَبَةٍ عَلَى شَيْءٍ، فَإِنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ: هُوَ فَوْقَهُ
[البحر الرجز] ⦗٣٧٠⦘ تَرَوَّحْنَا مِنَ اللَّعْبَاءِ عَصْرًا … وَأَعْجَلْنَا الْإِلَاهَةَ أَنْ تَئُوبَا
يَعْنِي بِالْإِلَاهَةِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: الشَّمْسَ. وَكَأَنَّ هَذَا الْمُتَأَوِّلَ هَذَا التَّأْوِيلَ وَجَّهَ الْإِلَاهَةَ إِذَا أُدْخِلَتْ فِيهَا هَاءُ التَّأْنِيثِ، وَهُوَ يُرِيدُ وَاحِدَ الْآلِهَةِ، إِلَى نَحْوِ إِدْخَالِهِمُ الْهَاءَ فِي وِلْدَتِي وَكَوْكَبَتِي وَمَاءَتِي، وَهُوَ أَهْلَةُ ذَاكَ، وَكَمَا قَالَ الرَّاجِزُ:
[البحر الرجز] يَا مُضَرَ الْحَمْرَاءِ أَنْتِ أُسْرَتِي … وَأَنْتَ مَلْجَاتِي وَأَنْتَ ظَهْرَتِي
يُرِيدُ: ظَهْرِي. وَقَدْ بَيَّنَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ مَا أَرَادَا مِنَ الْمَعْنَى فِي قِرَاءَتِهِمَا ذَلِكَ عَلَى مَا قَرَأَا، فَلَا وَجْهَ لِقَوْلِ هَذَا الْقَائِلِ مَا قَالَ مَعَ بَيَانِهِمَا عَنْ أَنْفُسِهِمَا مَا ذَهَبَا إِلَيْهِ مِنْ مَعْنَى ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ: ﴿قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ﴾ [الأعراف: ١٢٧] يَقُولُ: قَالَ فِرْعَوْنُ: سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمُ الذُّكُورَ مِنْ أَوْلَادِ بَنِي إِسْرَائِيلَ. ﴿وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ﴾ [الأعراف: ١٢٧] يَقُولُ: وَنَسْتَبْقِي إِنَاثَهُمْ. ﴿وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قاهِرُونَ﴾ [الأعراف: ١٢٧] يَقُولُ: وَإِنَّا عَالُونَ عَلَيْهِمْ بِالْقَهْرِ، يَعْنِي بِقَهْرِ الْمُلْكِ وَالسُّلْطَانِ. ⦗٣٧١⦘ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ عَالٍ بِقَهْرٍ وَغَلَبَةٍ عَلَى شَيْءٍ، فَإِنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ: هُوَ فَوْقَهُ
١٠ / ٣٦٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الأَرْضَ للهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [الأعراف: ١٢٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَمَّا قَالَ فِرْعَوْنُ لِلْمَلَأِ مِنْ قَوْمِهِ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ونَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ: ﴿اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ﴾ [الأعراف: ١٢٨] عَلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ فِيمَا يَنُوبُكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ، وَاصْبِرُوا عَلَى مَا نَالَكُمْ مِنَ الْمَكَارِهِ فِي أَنْفُسِكُمْ وَأَبْنَائِكُمْ مِنْ فِرْعَوْنَ. وَكَانَ قَدْ تَبِعَ مُوسَى مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ
١٠ / ٣٧١
عَلَى مَا حَدَّثَنِي عَبْدُ الْكَرِيمِ، قَالَ: ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، قَالَ: ثنا أَبُو سَعْدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «لَمَّا آمَنَتِ السَّحَرَةُ، اتَّبَعَ مُوسَى سِتُّمِائَةِ أَلْفٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ﴾ [الأعراف: ١٢٨] يَقُولُ: إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ، لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُوَرِّثَكُمْ إِنْ صَبَرْتُمْ عَلَى مَا نَالَكُمْ مِنْ مَكْرُوهٍ فِي أَنْفُسِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ مِنْ فِرْعَوْنَ، وَاحْتَسَبْتُمْ ذَلِكَ، وَاسْتَقَمْتُمْ عَلَى السَّدَادِ أَرْضَ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ، بِأَنْ يُهْلِكَهُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِيهَا، فَإِنَّ اللَّهَ يُوَرِّثُ أَرْضَهُ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ. ﴿وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [الأعراف: ١٢٨] يَقُولُ: وَالْعَاقِبَةُ الْمَحْمُودَةُ لِمَنِ اتَّقَى اللَّهَ وَرَاقَبَهُ، فَخَافَهُ بِاجْتِنَابِ مَعَاصِيهِ وَأَدَّى فَرَائِضِهِ»
١٠ / ٣٧١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ
١٠ / ٣٧١
فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ﴾ [الأعراف: ١٢٩] يقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ قَوْمُ مُوسَى لِمُوسَى حِينَ قَالَ لَهُمُ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا: ﴿أُوذِينَا﴾ [الأعراف: ١٢٩] بِقَتْلِ أَبْنَائِنَا ﴿مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا﴾ [الأعراف: ١٢٩] يَقُولُ: مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا بِرِسَالَةِ اللَّهِ إِلَيْنَا؛ لِأَنَّ فِرْعَوْنَ كَانَ يَقْتُلُ أَوْلَادَهُمُ الذُّكُورَ حِينَ أَظَلَّهُ زَمَانُ مُوسَى عَلَى مَا قَدْ بَيَّنْتُ فِيمَا مَضَى مِنْ كِتَابِنَا هَذَا. وَقَوْلُهُ: ﴿وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا﴾ [الأعراف: ١٢٩] يَقُولُ: وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا بِرِسَالَةِ اللَّهِ؛ لِأَنَّ فِرْعَوْنَ لَمَّا غُلِبَتْ سَحَرَتُهُ وَقَالَ لِلْمَلَأِ مِنْ قَوْمِهِ مَا قَالَ، أَرَادَ تَجْدِيدَ الْعَذَابَ عَلَيْهِمْ بِقَتْلِ أَبْنَائِهِمْ وَاسْتِحْيَاءِ نِسَائِهِمْ. وَقِيلَ: إِنَّ قَوْمَ مُوسَى قَالُوا لِمُوسَى ذَلِكَ حِينَ خَافُوا أَنْ يُدْرِكَهُمْ فِرْعَوْنُ وَهُمْ مِنْهُ هَارِبُونَ، وَقَدْ تَرَاءَى الْجَمْعَانِ، فَـ ﴿قَالُوا﴾ [البقرة: ١١] لَهُ يَا مُوسَى ﴿أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا﴾ [الأعراف: ١٢٩] كَانُوا يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَنَا وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَنَا، ﴿وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا﴾ [الأعراف: ١٢٩] الْيَوْمَ يُدْرِكُنَا فِرْعَوْنُ فَيَقْتُلُنَا. وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٠ / ٣٧٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: «﴿مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا﴾ [الأعراف: ١٢٩] مِنْ قَبْلَ إِرْسَالِ اللَّهِ إِيَّاكَ وَبَعْدَهُ» ⦗٣٧٣⦘ حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٠ / ٣٧٢
حَدَّثَنِي مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: «فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ فَنَظَرَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ إِلَى فِرْعَوْنَ قَدْ رَدَفَهُمْ، قَالُوا: ﴿إِنَّا لَمُدْرَكُونَ﴾ [الشعراء: ٦١] وَقَالُوا: ﴿أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا﴾ [الأعراف: ١٢٩] كَانُوا يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَنَا وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَنَا. ﴿وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا﴾ [الأعراف: ١٢٩] الْيَوْمَ يُدْرِكُنَا فِرْعَوْنُ فَيَقْتُلُنَا، ﴿إِنَّا لَمُدْرَكُونَ﴾ [الشعراء: ٦١]»
١٠ / ٣٧٣
حَدَّثَنِي عَبْدُ الْكَرِيمِ، قَالَ: ثنا إِبْرَاهِيمُ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، قَالَ: ثنا أَبُو سَعْدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: “سَارَ مُوسَى بِبَنِي إِسْرَائِيلَ حَتَّى هَجَمُوا عَلَى الْبَحْرِ، فَالْتَفَتُوا فَإِذَا هُمْ بِرَهْجِ دَوَابِّ فِرْعَوْنَ، فَقَالُوا: يَا مُوسَى أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا، هَذَا الْبَحْرُ أَمَامَنَا وَهَذَا فِرْعَوْنُ بِمَنْ مَعَهُ ﴿قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ﴾ [الأعراف: ١٢٩] وَقَوْلُهُ: ﴿قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ﴾ [الأعراف: ١٢٩] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ: لَعَلَّ رَبَّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ: فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ. ﴿وَيَسُتَخْلِفَكُمْ﴾ [الأعراف: ١٢٩] يَقُولُ: يَجْعَلُكُمْ تَخْلُفُونَهُمْ فِي أَرْضِهِمْ بَعْدَ هَلَاكِهِمْ، لَا تَخَافُونَهُمْ وَلَا أَحَدًا مِنَ النَّاسِ غَيْرَهُمْ. ﴿فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ﴾ [الأعراف: ١٢٩] يَقُولُ: فَيَرَى رَبُّكُمْ مَا تَعْمَلُونَ بَعْدَهُمْ مِنْ
١٠ / ٣٧٣
مُسَارِعَتِكُمْ فِي طَاعَتِهِ وَتَثَاقُلِكُمْ عَنْهَا “
١٠ / ٣٧٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَرُونَ﴾ [الأعراف: ١٣٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَقَدِ اخْتَبَرْنَا قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَأَتْبَاعَهُ عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الضَّلَالَةِ بِالسِّنِينَ، يَقُولُ: بِالْجُدُوبِ سَنَةً بَعْدَ سَنَةٍ وَالْقُحُوطِ. يُقَالُ مِنْهُ: أَسْنَتَ الْقَوْمُ: إِذَا أَجْدَبُوا. ﴿وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ﴾ [الأعراف: ١٣٠] يَقُولُ: وَاخْتَبَرْنَاهُمْ مَعَ الْجُدُوبِ بِذَهَابِ ثِمَارِهِمْ وَغَلَّاتِهِمْ إِلَّا الْقَلِيلَ. ﴿لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ﴾ [الأعراف: ٢٦] يَقُولُ: عِظَةً لَهُمْ وَتَذْكِيرًا لَهُمْ؛ لِيَنْزَجِرُوا عَنْ ضَلَالَتِهِمْ وَيَفْزَعُوا إِلَى رَبِّهِمْ بِالتَّوْبَةِ. وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٠ / ٣٧٤
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ: «﴿وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ﴾ [الأعراف: ١٣٠] قَالَ: سِنِيِّ الْجُوعِ»
١٠ / ٣٧٤
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: «﴿بِالسِّنِينَ﴾ [الأعراف: ١٣٠] الْجَائِحَةُ. ﴿وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ﴾ [الأعراف: ١٣٠] دُونَ ذَلِكَ» ⦗٣٧٥⦘ حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٠ / ٣٧٤
حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ دِينَارٍ، قَالَ: ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ شَيْبَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ رَجَاءِ بْنِ حَيْوَةَ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ﴾ [الأعراف: ١٣٠] قَالَ: حَيْثُ لَا تَحْمِلُ النَّخْلَةُ إِلَّا تَمْرَةً وَاحِدَةً»
١٠ / ٣٧٥
حَدَّثَنِي ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ رَجَاءِ بْنِ حَيْوَةَ، عَنْ كَعْبٍ، قَالَ: «يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لَا تَحْمِلُ النَّخْلَةُ إِلَّا تَمْرَةً»
١٠ / ٣٧٥
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا الْحِمَّانِيُّ، قَالَ: ثنا شَرِيكٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ رَجَاءِ بْنِ حَيْوَةَ: «﴿وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ﴾ [الأعراف: ١٣٠] قَالَ: يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لَا تَحْمِلُ النَّخْلَةُ إِلَّا تَمْرَةً»
١٠ / ٣٧٥
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: «﴿وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ﴾ [الأعراف: ١٣٠] أَخَذَهُمُ اللَّهُ بِالسِّنِينَ بِالْجُوعِ عَامًا فَعَامًا. ﴿وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ﴾ [الأعراف: ١٣٠] فَأَمَّا السِّنِينَ فَكَانَ ذَلِكَ فِي بَادِيَتِهِمْ وَأَهْلِ مَوَاشِيهِمْ، وَأَمَّا بِنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ فَكَانَ ذَلِكَ فِي أَمْصَارِهِمْ وَقُرَاهُمْ»
١٠ / ٣٧٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ [الأعراف: ١٣١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَإِذَا جَاءَتْ آلَ فِرْعَوْنَ الْعَافِيَةُ وَالْخَصْبُ وَالرَّخَاءُ وَكَثْرَةُ الثِّمَارِ، وَرَأَوْا مَا يُحِبُّونَ فِي دُنْيَاهُمْ ﴿قَالُوا لَنَا هَذِهِ﴾ [الأعراف: ١٣١] نَحْنُ أَوْلَى بِهَا. ﴿وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ﴾ [النساء: ٧٨] يَعْنِي: جُدُوبٌ وَقُحُوطٌ وَبَلَاءٌ، ﴿يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ﴾ [الأعراف: ١٣١] يَقُولُ: يَتَشَاءَمُوا وَيَقُولُوا: ذَهَبَتْ حُظُوطُنَا وَأَنْصِبَاؤُنَا مِنَ الرَّخَاءِ وَالْخَصْبِ وَالْعَافِيَةِ، مُذْ جَاءَنَا مُوسَى عليه السلام. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٠ / ٣٧٦
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ﴾ [الأعراف: ١٣١] الْعَافِيَةُ وَالرَّخَاءُ، ﴿قَالُوا لَنَا هَذِهِ﴾ [الأعراف: ١٣١] نَحْنُ أَحَقُّ بِهَا. ﴿وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ﴾ [النساء: ٧٨] بَلَاءٌ وَعُقُوبَةٌ، ﴿يَطَّيَّرُوا﴾ [الأعراف: ١٣١] يَتَشَاءَمُوا ﴿بِمُوسَى﴾ [الأعراف: ١٣١]» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ بِنَحْوِهِ
١٠ / ٣٧٦
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ﴾ [الأعراف: ١٣١] قَالُوا: مَا أَصَابَنَا هَذَا إِلَّا بِكَ يَا مُوسَى وَبِمَنْ مَعَكَ، مَا رَأَيْنَا شَرًّا وَلَا أَصَابَنَا حَتَّى ⦗٣٧٧⦘ رَأَيْنَاكَ. وَقَوْلُهُ: ﴿فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ﴾ [الأعراف: ١٣١] قَالَ: الْحَسَنَةُ: مَا يُحِبُّونَ وَإِذَا كَانَ مَا يَكْرَهُونَ، قَالُوا: مَا أَصَابَنَا هَذَا إِلَّا بِشُؤْمِ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَالَ قَوْمُ صَالِحٍ: ﴿اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ﴾ [النمل: ٤٧] فَقَالَ اللَّهُ إِنَّمَا: ﴿طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ﴾ [النمل: ٤٧]»
١٠ / ٣٧٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: ﴿أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [الأعراف: ١٣١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَلَا مَا طَائِرُ آلِ فِرْعَوْنَ وَغَيْرِهِمْ، وَذَلِكَ أَنْصِبَاؤُهُمْ مِنَ الرَّخَاءِ وَالْخَصْبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَنْصِبَاءِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ إِلَّا عِنْدَ اللَّهِ. وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَلِجَهْلِهِمْ بِذَلِكَ كَانُوا يَطَّيَّرُونَ بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٠ / ٣٧٧
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «﴿أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ﴾ [الأعراف: ١٣١] يَقُولُ: مَصَائِبُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ، قَالَ اللَّهُ: ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [الأعراف: ١٣١]»
١٠ / ٣٧٧
حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «﴿أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ﴾ [الأعراف: ١٣١] قَالَ: الْأَمْرُ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ»
١٠ / ٣٧٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ﴾ [الأعراف: ١٣٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَقَالَ آلُ فِرْعَوْنَ لِمُوسَى: يَا مُوسَى مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ عَلَامَةٍ وَدِلَالَةٍ لِتَسْحَرَنَا، يَقُولُ: لِتَلْفِتَنَا بِهَا عَمَّا نَحْنُ عَلَيْهِ مِنْ دِينِ فِرْعَوْنَ، ﴿فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ﴾ [الأعراف: ١٣٢] يَقُولُ: فَمَا نَحْنُ لَكَ فِي ذَلِكَ بِمُصَدِّقِينَ عَلَى أَنَّكَ مُحِقٌ فِيمَا تَدْعُونَا إِلَيْهِ. وَقَدْ دَلَلْنَا فِيمَا مَضَى عَلَى مَعْنَى السِّحْرِ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ. وَكَانَ ابْنُ زَيْدٍ يَقُولُ فِي مَعْنَى: ﴿مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ﴾ [الأعراف: ١٣٢] مَا
١٠ / ٣٧٨
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: “﴿مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ﴾ [الأعراف: ١٣٢] قَالَ: إِنْ مَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ، وَهَذِهِ فِيهَا زِيَادَةُ «مَا»
١٠ / ٣٧٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلاَتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُّجْرِمِينَ﴾ [الأعراف: ١٣٣] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى الطُّوفَانِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ الْمَاءُ. ⦗٣٧٩⦘ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٠ / ٣٧٨
حَدَّثَنِي ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا حَبُّويَهْ الرَّازِيُّ، عَنْ يَعْقُوبَ الْقُمِّيِّ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «لَمَّا جَاءَ مُوسَى بِالْآيَاتِ، كَانَ أَوَّلُ الْآيَاتِ الطُّوفَانَ، فَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ السَّمَاءَ»
١٠ / ٣٧٩
حَدَّثَنَا أَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ، قَالَ: ثنا ابْنُ يَمَانٍ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ، قَالَ: «الطُّوفَانُ: الْمَاءُ»
١٠ / ٣٧٩
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، قَالَ: «الطُّوفَانُ: الْمَاءُ»
١٠ / ٣٧٩
قَالَ: ثنا جَابِرُ بْنُ نُوحٍ، عَنْ أَبِي رَوْقٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «الطُّوفَانُ: الْغَرَقُ»
١٠ / ٣٧٩
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «الطُّوفَانُ الْمَاءُ وَالطَّاعُونُ عَلَى كُلِّ حَالٍ»
١٠ / ٣٧٩
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «الطُّوفَانُ الْمَوْتُ عَلَى كُلِّ حَالٍ»
١٠ / ٣٧٩
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «الطُّوفَانُ: الْمَاءُ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ هُوَ الْمَوْتُ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٠ / ٣٨٠
حَدَّثَنَا أَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ، قَالَ: ثنا الْمِنْهَالُ بْنُ خَلِيفَةَ، عَنِ الْحَجَّاجِ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ مِينَاءَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «الطُّوفَانُ الْمَوْتُ»
١٠ / ٣٨٠
حَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: ثنا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: سَأَلْتُ عَطَاءً مَا الطُّوفَانُ؟ قَالَ: «الْمَوْتُ»
١٠ / ٣٨٠
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «الطُّوفَانُ: الْمَوْتُ»
١٠ / ٣٨٠
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَثِيرٍ: ﴿فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ﴾ [الأعراف: ١٣٣] قَالَ: «الْمَوْتُ»
١٠ / ٣٨٠
قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَسَأَلْتُ عَطَاءً عَنِ الطُّوفَانِ؟ قَالَ: «الْمَوْتُ»
١٠ / ٣٨٠
قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَقَالَ مُجَاهِدٌ: «الْمَوْتُ عَلَى كُلِّ حَالٍ»
١٠ / ٣٨٠
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ خَلِيفَةَ، عَنْ حَجَّاجٍ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «الطُّوفَانُ الْمَوْتُ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ ذَلِكَ كَانَ أَمْرًا مِنَ اللَّهِ طَافَ بِهِمْ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٠ / ٣٨١
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ قَابُوسَ بْنِ أَبِي ظَبْيَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «﴿فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ﴾ [الأعراف: ١٣٣] قَالَ: أَمَرَ اللَّهُ الطُّوفَانَ، ثُمَّ قَالَ: ﴿فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكِ وَهُمْ نَائِمُونَ﴾ [القلم: ١٩]» وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِكَلَامِ الْعَرَبِ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، يَزْعُمُ أَنَّ الطُّوفَانَ مِنَ السَّيْلِ الْبُعَاقُ وَالدُّبَاشُ، وَهُوَ الشَّدِيدُ، وَمِنَ الْمَوْتِ الْمُتَتَابِعُ الذَّرِيعُ السَّرِيعُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ كَثْرَةُ الْمَطَرِ وَالرِّيحِ. وَكَانَ بَعْضُ نَحْوِيِّ الْكُوفِيِّينَ يَقُولُ: الطُّوفَانُ مَصْدَرٌ مِثْلُ الرُّجْحَانِ وَالنُّقْصَانِ لَا يُجْمَعُ. وَكَانَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ يَقُولُ: هُوَ جَمْعٌ، وَاحِدُهَا فِي الْقِيَاسِ: الطُّوفَانَةُ ⦗٣٨٢⦘ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي، مَا قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ عَلَى مَا رَوَاهُ عَنْهُ أَبُو ظَبْيَانَ أَنَّهُ أَمْرٌ مِنَ اللَّهِ طَافَ بِهِمْ، وَأَنَّهُ مَصْدَرٌ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: طَافَ بِهِمْ أَمْرُ اللَّهِ يَطُوفُ طَوَفَانًا، كَمَا يُقَالُ: نَقُصَ هَذَا الشَّيْءُ يَنْقُصُ نُقْصَانًا. وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، جَازَ أَنْ يَكُونَ الَّذِي طَافَ بِهِمُ الْمَطَرَ الشَّدِيدَ، وَجَازَ أَنْ يَكُونَ الْمَوْتَ الذَّرِيعَ. وَمِنَ الدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ الْمَطَرَ الشَّدِيدَ قَدْ يُسَمَّى طُوفَانًا قَوْلُ الْحَسَنِ بْنِ عُرْفُطَةَ:
[البحر الرمل] غَيَّرَ الْجِدَّةَ مِنْ آيَاتِهَا … خُرُقُ الرِّيحِ وَطُوفَانُ الْمَطَرْ
وَيُرْوَى: خُرُقُ الرِّيحِ بِطُوفَانِ الْمَطَرْ وَقَوْلُ الرَّاعِي:
[البحر البسيط] تُضْحِي إِذَا الْعِيسُ أَدْرَكْنَا نَكَائِثَهَا خَرْقَاءَ يَعْتَادُهَا الطُّوفَانُ وَالزُّؤُدُ وَقَوْلِ أَبِي النَّجْمِ:
[البحر الرجز] قَدْ مَدَّ طُوفَانٌ فَبَثَّ مَدَدَا … شَهْرًا شَآبِيبَ وَشَهْرًا بَرَدَا
⦗٣٨٣⦘ وَأَمَّا الْقُمَّلُ، فَإِنَّ أَهْلَ التَّأْوِيلِ اخْتَلَفُوا فِي مَعْنَاهُ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ السُّوسُ الَّذِي يَخْرُجُ مِنَ الْحِنْطَةِ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
[البحر الرمل] غَيَّرَ الْجِدَّةَ مِنْ آيَاتِهَا … خُرُقُ الرِّيحِ وَطُوفَانُ الْمَطَرْ
وَيُرْوَى: خُرُقُ الرِّيحِ بِطُوفَانِ الْمَطَرْ وَقَوْلُ الرَّاعِي:
[البحر البسيط] تُضْحِي إِذَا الْعِيسُ أَدْرَكْنَا نَكَائِثَهَا خَرْقَاءَ يَعْتَادُهَا الطُّوفَانُ وَالزُّؤُدُ وَقَوْلِ أَبِي النَّجْمِ:
[البحر الرجز] قَدْ مَدَّ طُوفَانٌ فَبَثَّ مَدَدَا … شَهْرًا شَآبِيبَ وَشَهْرًا بَرَدَا
⦗٣٨٣⦘ وَأَمَّا الْقُمَّلُ، فَإِنَّ أَهْلَ التَّأْوِيلِ اخْتَلَفُوا فِي مَعْنَاهُ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ السُّوسُ الَّذِي يَخْرُجُ مِنَ الْحِنْطَةِ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٠ / ٣٨١
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ يَعْقُوبَ الْقُمِّيِّ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «الْقُمَّلُ: هُوَ السُّوسُ الَّذِي يَخْرُجُ مِنَ الْحِنْطَةِ» حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَعْقُوبُ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدٍ، بِنَحْوِهِ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ هُوَ الدَّبَى، وَهُوَ صِغَارُ الْجَرَادِ الَّذِي لَا أَجْنِحَةَ لَهُ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٠ / ٣٨٣
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «الْقُمَّلُ: الدَّبَى»
١٠ / ٣٨٣
حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: «الدَّبَى: الْقُمَّلُ»
١٠ / ٣٨٣
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: «الْقُمَّلُ: هُوَ الدَّبَى»
١٠ / ٣٨٣
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «الْقُمَّلُ: الدَّبَى»
١٠ / ٣٨٣
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، قَالَ: ثنا مَعْمَرٌ، عَنْ ⦗٣٨٤⦘ قَتَادَةَ، قَالَ: «الْقُمَّلُ: هِيَ الدَّبَى، وَهِيَ أَوْلَادُ الْجَرَادِ»
١٠ / ٣٨٣
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا جَابِرُ بْنُ نُوحٍ، عَنْ أَبِي رَوْقٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «الْقُمَّلُ: الدَّبَى»
١٠ / ٣٨٤
قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، عَنْ قَيْسٍ، عَمَّنْ ذَكَرَهُ عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: «الْقُمَّلُ: بَنَاتُ الْجَرَادِ»
١٠ / ٣٨٤
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «الْقُمَّلُ: الدَّبَى» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلِ الْقُمَّلُ: الْبَرَاغِيثُ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٠ / ٣٨٤
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ﴾ [الأعراف: ١٣٣] قَالَ: زَعَمَ بَعْضُ النَّاسِ فِي الْقُمَّلِ أَنَّهَا الْبَرَاغِيثُ» ⦗٣٨٥⦘ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ دَوَابُّ سُودٌ صِغَارٌ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٠ / ٣٨٤
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ، وَالْحَسَنَ، قَالَا: «الْقُمَّلُ: دَوَابُّ سُودٌ صِغَارٌ» وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِكَلَامِ الْعَرَبِ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ يَزْعُمُ أَنَّ الْقُمَّلَ عِنْدَ الْعَرَبِ: الْحَمْنَانُ، وَالْحَمْنَانُ: ضَرْبٌ مِنَ الْقِرْدَانِ وَاحِدَتُهَا: حَمْنَانَةٌ فَوْقَ الْقَمْقَامَةِ. الْقُمَّلُ جَمْعٌ وَاحِدَتُهَا قُمَّلَةٌ، وَهِيَ دَابَّةٌ تُشْبِهُ الْقُمَّلَ تَأْكُلُهَا الْإِبِلُ فِيمَا بَلَغَنِي، وَهِيَ الَّتِي عَنَاهَا الْأَعْشَى فِي قَوْلِهِ:
[البحر الكامل] قَوْمٌ يُعَالِجُ قُمَّلًا أَبْنَاؤُهُمْ … وَسَلَاسَلًا أُجُدًا وَبَابًا مُؤْصَدًا
وَكَانَ الْفَرَّاءُ يَقُولُ: لَمْ أَسْمَعْ فِيهِ شَيْئًا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ جَمْعًا فَوَاحِدُهُ قَامِلٌ، مِثْلُ سَاجِدٍ وَرَاكِعٍ، وَإِنْ يَكُنِ اسْمًا عَلَى مَعْنَى جَمْعٍ، فَوَاحِدَتُهُ: قُمَّلَةٌ
[البحر الكامل] قَوْمٌ يُعَالِجُ قُمَّلًا أَبْنَاؤُهُمْ … وَسَلَاسَلًا أُجُدًا وَبَابًا مُؤْصَدًا
وَكَانَ الْفَرَّاءُ يَقُولُ: لَمْ أَسْمَعْ فِيهِ شَيْئًا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ جَمْعًا فَوَاحِدُهُ قَامِلٌ، مِثْلُ سَاجِدٍ وَرَاكِعٍ، وَإِنْ يَكُنِ اسْمًا عَلَى مَعْنَى جَمْعٍ، فَوَاحِدَتُهُ: قُمَّلَةٌ
١٠ / ٣٨٥
ذِكْرُ الْمَعَانِي الَّتِي حَدَثَتْ فِي قَوْمِ فِرْعَوْنَ بِحُدُوثِ هَذِهِ الْآيَاتِ وَالسَّبَبِ الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ أَحْدَثَهَا اللَّهُ فِيهِمْ
١٠ / ٣٨٦
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَعْقُوبُ الْقُمِّيُّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي الْمُغِيرَةِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: “لَمَّا أَتَى مُوسَى فِرْعَوْنَ، قَالَ لَهُ: أَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَأَبَى عَلَيْهِ، فَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ، وَهُوَ الْمَطَرُ، فَصَبَّ عَلَيْهِمْ مِنْهُ شَيْئًا، فَخَافُوا أَنْ يَكُونَ عَذَابًا، فَقَالُوا لِمُوسَى: ادْعُ لَنَا رَبَّكَ، لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ، وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَدَعَا رَبَّهُ، فَلَمْ يُؤْمِنُوا، وَلَمْ يُرْسِلُوا مَعَهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ. فَأَنْبَتَ لَهُمْ فِي تِلْكَ السَّنَةِ شَيْئًا لَمْ يُنْبِتْهُ قَبْلَ ذَلِكَ مِنَ الزَّرْعِ وَالثَّمَرِ وَالْكَلَإِ، فَقَالُوا: هَذَا مَا كُنَّا نَتَمَنَّى، فَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَرَادَ، فَسَلَّطَهُ عَلَى الْكَلَإِ. فَلَمَّا رَأَوْا أَثَرَهُ فِي الْكَلَإِ عَرَفُوا أَنَّهُ لَا يَبْقى الزَّرْعُ، فَقَالُوا: يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ فَيَكْشِفَ عَنَّا الْجَرَادَ، فَنُؤْمِنَ لَكَ، وَنُرْسِلَ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَدَعَا رَبَّهُ، فَكَشَفَ عَنْهُمُ الْجَرَادَ، فَلَمْ يُؤْمِنُوا، وَلَمْ يُرْسِلُوا مَعَهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَدَاسُوا وَأَحْرَزُوا فِي الْبُيُوتِ، فَقَالُوا: قَدْ أَحْرَزْنَا. فَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْقُمَّلَ، وَهُوَ السُّوسُ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْهُ، فَكَانَ الرَّجُلُ يُخْرِجُ عَشَرَةَ أَجْرِبَةٍ إِلَى الرَّحَى، فَلَا يَرِدُ مِنْهَا ثَلَاثَةُ أَقْفِزَةٍ، فَقَالُوا: يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يَكْشِفُ عَنَّا الْقُمَّلَ، فَنُؤْمِنَ لَكَ، وَنُرْسِلَ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَدَعَا رَبَّهُ، فَكَشَفَ عَنْهُمْ، فَأَبَوْا أَنْ يُرْسِلُوا مَعَهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ. فَبَيْنَا هُوَ جَالِسٌ عِنْدَ فِرْعَوْنَ إِذْ سَمِعَ نَقِيقَ ضِفْدَعٍ، فَقَالَ لِفِرْعَوْنَ: مَا تَلْقَى أَنْتَ وَقَوْمُكَ مِنْ هَذَا؟ فَقَالَ: وَمَا عَسَى أَنْ يَكُونَ كَيَدُ هَذَا؟ فَمَا أَمْسَوْا حَتَّى كَانَ الرَّجُلُ يَجْلِسُ إِلَى ذَقْنِهِ فِي الضَّفَادِعِ، وَيَهِمُّ أَنْ يَتَكَلَّمَ فَتَثِبُ الضَّفَادِعُ فِي فِيهِ، فَقَالُوا لِمُوسَى: ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يَكْشِفُ عَنَّا هَذِهِ الضَّفَادِعَ، فَنُؤْمِنَ لَكَ،
١٠ / ٣٨٦
وَنُرْسِلَ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَكُشِفَ عَنْهُمْ فَلَمْ يُؤْمِنُوا فَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الدَّمَ، فَكَانَ مَا اسْتَقَوْا مِنَ الْأَنْهَارِ وَالَآبَارِ، أَوْ مَا كَانَ فِي أَوْعِيَتِهِمْ وَجَدُوهُ دَمًا عَبِيطًا، فَشَكَوْا إِلَى فِرْعَوْنَ فَقَالُوا: إِنَّا قَدِ ابْتُلِينَا بِالدَّمِ، وَلَيْسَ لَنَا شَرَابٌ. فَقَالَ: إِنَّهُ قَدْ سَحَرَكُمْ. فَقَالُوا: مِنْ أَيْنَ سَحَرَنَا وَنَحْنُ لَا نَجْدُ فِي أَوْعِيَتِنَا شَيْئًا مِنَ الْمَاءِ إِلَّا وَجَدْنَاهُ دَمًا عَبِيطًا؟ فَأَتَوْهُ فَقَالُوا: يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يَكْشِفُ عَنَّا هَذَا الدَّمَ، فَنُؤْمِنَ لَكَ، وَنُرْسِلَ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَدَعَا رَبَّهُ، فَكَشَفَ عَنْهُمْ، فَلَمْ يُؤْمِنُوا، وَلَمْ يُرْسِلُوا مَعَهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ «حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا حَبُّويَهْ الرَّازِيُّ، عَنْ يَعْقُوبَ الْقُمِّيِّ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:»لَمَّا خَافُوا الْغَرَقَ، قَالَ فِرْعَوْنُ: يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يَكْشِفُ عَنَّا هَذَا الْمَطَرَ فَنُؤْمِنَ لَكَ ” ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ ابْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ يَعْقُوبَ
١٠ / ٣٨٧
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: “ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ أَرْسَلَ عَلَيْهِمْ، يَعْنِي عَلَى قَوْمِ فِرْعَوْنَ الطُّوفَانَ، وَهُوَ الْمَطَرُ، فَغَرِقَ كُلُّ شَيْءٍ لَهُمْ، فَقَالُوا: يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يَكْشِفُ عَنَّا، وَنَحْنُ نُؤْمِنُ لَكَ، وَنُرْسِلُ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَكَشَفَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَنَبَتَتْ بِهِ زُرُوعُهُمْ، فَقَالُوا: مَا يَسُرُّنَا أَنَّا لَمْ نُمْطَرْ. فَبَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَرَادَ، فَأَكَلَ حُرُوثَهُمْ، فَسَأَلُوا مُوسَى أَنْ يَدْعُوَ رَبَّهُ فَيَكْشِفَهُ وَيُؤْمِنُوا بِهِ. فَدَعَا فَكَشَفَهُ، وَقَدْ بَقِيَ مِنْ زُرُوعِهِمْ بَقِيَّةٌ، فَقَالُوا: لِمَ تُؤْمِنُونَ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ زَرْعِنَا بَقِيَّةٌ تَكْفِينَا؟ فَبَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الدَّبَى، وَهُوَ الْقُمَّلُ، فَلَحَسَ الْأَرْضَ كُلَّهَا، وَكَانَ يَدْخُلُ بَيْنَ ثَوْبِ أَحَدِهِمْ وَبَيْنَ جِلْدِهِ فَيَعَضُّهُ،
١٠ / ٣٨٧
وَكَانَ لِأَحَدِهِمُ الطَّعَامُ فَيَمْتَلِئُ دَبًى، حَتَّى إِنَّ أَحَدَهُمْ لَيَبْنِي الْأُسْطُوَانَةَ بِالْجِصِّ فَيُزَلِّقُهَا، حَتَّى لَا يَرْتَقِيَ فَوْقَهَا شَيْءٌ، يَرْفَعُ فَوْقَهَا الطَّعَامَ، فَإِذَا صَعِدَ إِلَيْهِ لِيَأْكُلَهُ وَجَدَهُ مَلْآنَ دَبًى، فَلَمْ يُصَابُوا بِبَلَاءٍ كَانَ أَشَدَّ عَلَيْهِمْ مِنَ الدَّبَى، وَهُوَ الرِّجْزُ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ أَنَّهُ وَقَعَ عَلَيْهِمْ. فَسَأَلُوا مُوسَى أَنْ يَدْعُوَ رَبَّهُ، فَيُكْشَفَ عَنْهُمْ، وَيُؤْمِنُوا بِهِ. فَلَمَّا كُشِفَ عَنْهُمْ أَبَوْا أَنْ يُؤْمِنُوا، فَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الدَّمَ، فَكَانَ الْإِسْرَائِيلِيُّ يَأْتِي هُوَ وَالْقِبْطِيُّ يَسْتَقِيَانِ مِنْ مَاءٍ وَاحِدٍ، فَيَخْرُجُ مَاءُ هَذَا الْقِبْطِيِّ دَمًا، وَيَخْرُجُ لِلْإِسْرَائِيلِيِّ مَاءٌ. فَلَمَّا اشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ سَأَلُوا مُوسَى أَنْ يَكْشِفَهُ وَيُؤْمِنُوا بِهِ، فَكُشِفَ ذَلِكَ، فَأَبَوْا أَنْ يُؤْمِنُوا، وَذَلِكَ حِينَ يَقُولُ اللَّهُ: ﴿فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ﴾ [الزخرف: ٥٠] “
١٠ / ٣٨٨
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ﴾ [الأعراف: ١٣٣] قَالَ: أَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْمَاءَ حَتَّى قَامُوا فِيهِ قِيَامًا. ثُمَّ كُشِفَ عَنْهُمْ، فَلَمْ يُؤْمِنُوا، وَأَخْصَبَتْ بِلَادُهُمْ خَصْبًا لَمْ تُخْصَبْ مِثْلَهُ. فَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَرَادَ فَأَكَلَهُ إِلَّا قَلِيلًا، فَلَمْ يُؤْمِنُوا أَيْضًا. فَأَرْسَلَ اللَّهُ الْقُمَّلَ وَهِيَ الدَّبَى، وَهُوَ أَوْلَادُ الْجَرَادِ، فَأَكَلَتْ مَا بَقِيَ مِنْ زُرُوعِهِمْ، فَلَمْ يُؤْمِنُوا. فَأَرْسَلَ عَلَيْهِمُ الضَّفَادِعَ، فَدَخَلَتْ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ، وَوَقَعَتْ فِي آنِيَتِهِمْ وَفُرُشِهِمْ، فَلَمْ يُؤْمِنُوا. ثُمَّ أَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الدَّمَ، فَكَانَ أَحَدُهُمْ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَشْرَبَ تَحَوَّلَ ذَلِكَ الْمَاءُ دَمًا، قَالَ اللَّهُ: ﴿آيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ﴾ [الأعراف: ١٣٣]»
١٠ / ٣٨٨
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: «﴿فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ﴾ [الأعراف: ١٣٣] حَتَّى بَلَغَ: ﴿مُجْرِمِينَ﴾ [الأعراف: ١٣٣] قَالَ: أَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْمَاءَ حَتَّى قَامُوا فِيهِ قِيَامًا، فَدَعَوْا مُوسَى فَدَعَا رَبَّهُ، فَكَشَفَ عَنْهُمْ، ثُمَّ عَادُوا بِشِرِّ مَا يَحْضُرُ بِهِمْ، ثُمَّ أَنْبَتَتْ أَرْضُهُمْ. ثُمَّ أَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَرَادَ، فَأَكَلَ عَامَّةَ حُرُوثِهِمْ وَثِمَارِهِمْ، ثُمَّ دَعَوْا مُوسَى فَدَعَا رَبَّهُ فَكَشَفَ عَنْهُمْ. ثُمَّ عَادُوا بِشِرِّ مَا يَحْضُرُ بِهِمْ، فَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْقُمَّلَ، هَذَا الدَّبَى الَّذِي رَأَيْتُمْ، فَأَكَلَ مَا أَبْقَى الْجَرَادُ مِنْ حُرُوثِهِمْ، فَلَحَسَهُ. فَدَعَوْا مُوسَى، فَدَعَا رَبَّهُ، فَكَشَفَهُ عَنْهُمْ، تَمَّ عَادُوا بِشِرِّ مَا يَحْضُرُ بِهِمْ. ثُمَّ أَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الضَّفَادِعَ، حَتَّى مَلَأَتْ بُيُوتَهُمْ وَأَفْنِيَتَهُمْ، فَدَعَوْا مُوسَى، فَدَعَا رَبَّهُ فَكَشَفَ عَنْهُمْ. ثُمَّ عَادُوا بِشَرِّ مَا يَحْضُرُ بِهِمْ، فَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الدَّمَ، فَكَانُوا لَا يَغْتَرِفُونُ مِنْ مَائِهِمْ إِلَّا دَمًا أَحْمَرَ، حَتَّى لَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ عَدُوَّ اللَّهِ فِرْعَوْنَ كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ عَلَى الْإِنَاءِ الْوَاحِدِ، الْقِبْطِيِّ وَالْإِسْرَائِيلِيِّ، فَيَكُونُ مِمَّا يَلِي الْإِسْرَائِيلِيَّ مَاءً، وَمِمَّا يَلِي الْقِبْطِيَّ دَمًا. فَدَعَوْا مُوسَى، فَدَعَا رَبَّهُ، فَكَشَفَهُ عَنْهُمْ فِي تِسْعِ آيَاتٍ: السِّنِينَ، وَنَقَصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ، وَأَرَاهُمْ يَدَ مُوسَى عليه السلام وَعَصَاهُ»
١٠ / ٣٨٩
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «﴿فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ﴾ [الأعراف: ١٣٣] وَهُوَ الْمَطَرُ حَتَّى خَافُوا الْهَلَاكَ، فَأَتَوْا مُوسَى، فَقَالُوا: يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ أَنْ يَكْشِفَ عَنَّا الْمَطَرَ، فَإِنَّا نُؤْمِنُ لَكَ، وَنُرْسِلُ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَدَعَا رَبَّهُ، فَكَشَفَ عَنْهُمُ الْمَطَرَ، فَأَنْبَتَ اللَّهُ بِهِ حَرْثَهُمْ، وَأَخْصَبَ بِهِ بِلَادَهُمْ، فَقَالُوا: مَا نُحِبُّ أَنَّا لَمْ نُمْطَرْ بِتَرْكِ دِينِنَا، فَلَنْ نُؤْمِنَ لَكَ وَلَنْ نُرْسِلَ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَرَادَ، فَأَسْرَعَ فِي فَسَادِ ثِمَارِهِمْ وَزُرُوعِهِمْ، فَقَالُوا: يَا ⦗٣٩٠⦘ مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ أَنْ يَكْشِفَ عَنَّا الْجَرَادَ، فَإِنَّا سَنُؤْمِنُ لَكَ وَنُرْسِلُ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَدَعَا رَبَّهُ، فَكَشَفَ عَنْهُمُ الْجَرَادَ. وَكَانَ قَدْ بَقِيَ مِنْ زُرُوعِهِمْ وَمَعَاشِهِمْ بَقَايَا، فَقَالُوا: قَدْ بَقِيَ لَنَا مَا هُوَ كَافِينَا، فَلَنْ نُؤْمِنَ لَكَ وَلَنْ نُرْسِلَ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْقُمَّلَ، وَهُوَ الدَّبَى، فَتَتَبَّعَ مَا كَانَ تَرَكَ الْجَرَادُ، فَجَزِعُوا وَأَحَسُّوا بِالْهَلَاكِ، قَالُوا: يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يَكْشِفُ عَنَّا الدَّبَى، فَإِنَّا سَنُؤْمِنُ لَكَ، وَنُرْسِلُ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَدَعَا رَبَّهُ، فَكَشَفَ عَنْهُمُ الدَّبَى، فَقَالُوا: مَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ وَلَا مُرْسِلِينَ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ. فَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الضَّفَادِعَ، فَمَلَأَ بُيُوتَهُمْ مِنْهَا، وَلَقُوا مِنْهَا أَذًى شَدِيدًا لَمْ يَلْقَوْا مِثْلَهُ فِيمَا كَانَ قَبْلَهُ، إِنَّهَا كَانَتْ تَثِبُ فِي قُدُورِهِمْ، فَتُفْسِدُ عَلَيْهِمْ طَعَامَهُمْ، وَتُطْفِئُ نِيرَانَهُمْ، قَالُوا: يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ أَنْ يَكْشِفَ عَنَّا الضَّفَادِعَ، فَقَدْ لَقِينَا مِنْهَا بَلَاءً وَأَذًى، فَإِنَّا سَنُؤْمِنُ لَكَ، وَنُرْسِلُ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَدَعَا رَبَّهُ، فَكَشَفَ عَنْهُمُ الضَّفَادِعَ، فَقَالُوا: لَا نُؤْمِنُ لَكَ، وَلَا نُرْسِلُ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ. فَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الدَّمَ، فَجَعَلُوا لَا يَأْكُلُونَ إِلَّا الدَّمَ، وَلَا يَشْرَبُونَ إِلَّا الدَّمَ، فَقَالُوا: يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ أَنْ يَكْشِفَ عَنَّا الدَّمَ، فَإِنَّا سَنُؤْمِنُ لَكَ، وَنُرْسِلُ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَدَعَا رَبَّهُ فَكَشَفَ عَنْهُمُ الدَّمَ، فَقَالُوا: يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ وَلَنْ نُرْسِلَ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَكَانَتْ آيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ بَعْضُهَا عَلَى إِثْرِ بَعْضٍ، لِيَكُونَ لِلَّهِ عَلَيْهِمُ الْحِجَّةَ، فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ، فَأَغْرَقَهُمْ فِي الْيَمِّ»
١٠ / ٣٨٩
حَدَّثَنِي عَبْدُ الْكَرِيمِ، قَالَ: ثنا إِبْرَاهِيمُ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، قَالَ: ثنا أَبُو سَعْدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «أُرْسِلَ عَلَى قَوْمِ فِرْعَوْنَ الْآيَاتُ: الْجَرَادُ، وَالْقُمَّلُ، وَالضَّفَادِعُ، وَالدَّمُ ﴿آيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ﴾ [الأعراف: ١٣٣] قَالَ: فَكَانَ الرَّجُلُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَرْكَبُ ⦗٣٩١⦘ مَعَ الرَّجُلِ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ فِي السَّفِينَةِ، فَيَغْتَرِفُ الْإِسْرَائِيلِيُّ مَاءً، وَيَغْتَرِفُ الْفِرْعَونِيُّ دَمًا. قَالَ: وَكَانَ الرَّجُلُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ يَنَامُ فِي جَانِبٍ، فَيَكْثُرُ عَلَيْهِ الْقُمَّلُ وَالضَّفَادِعُ حَتَّى لَا يَقْدِرَ أَنْ يَنْقَلِبَ عَلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ. فَلَمْ يَزَالُوا كَذَلِكَ، حَتَّى أَوْحَى اللَّهُ إِلَى مُوسَى: ﴿أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ﴾ [الشعراء: ٥٢]»
١٠ / ٣٩٠
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: “لَمَّا أَتَى مُوسَى فِرْعَوْنَ بِالرِّسَالَةِ أَبَى أَنْ يُؤْمِنَ وَأَنْ يُرْسِلَ مَعَهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَاسْتَكْبَرَ، قَالَ: لَنْ نُرْسِلَ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ، وَهُوَ الْمَاءُ، أَمْطَرَ عَلَيْهِمُ السَّمَاءَ حَتَّى كَادُوا يَهْلِكُونَ وَامْتَنَعَ مِنْهُمْ كُلُّ شَيْءٍ، فَقَالُوا: يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا هَذَا لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ، وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَدَعَا اللَّهَ فَكَشَفَ عَنْهُمُ الْمَطَرَ، فَأَنْبَتَ اللَّهُ لَهُمْ حُرُوثَهُمْ، وَأَحْيَا بِذَلِكَ الْمَطَرِ كُلَّ شَيْءٍ مِنْ بِلَادِهِمْ، فَقَالُوا: وَاللَّهِ مَا نُحِبُّ أَنَّا لَمُ نَكُنْ أُمْطِرْنَا هَذَا الْمَطَرَ، وَلَقَدْ كَانَ خَيْرًا لَنَا، فَلَنْ نُرْسِلَ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَلَنْ نُؤْمِنَ لَكَ يَا مُوسَى. فَبَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَرَادَ، فَأَكَلَ عَامَّةَ حُرُوثِهِمْ، فَأَسْرَعَ الْجَرَادُ فِي فَسَادِهَا، فَقَالُوا: يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يَكْشِفُ عَنَّا الْجَرَادَ، فَإِنَّا مُؤْمِنُونَ لَكَ، وَمُرْسِلُونَ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَكَشَفَ اللَّهُ عَنْهُمُ الْجَرَادَ، وَكَانَ الْجَرَادُ قَدْ أَبْقَى لَهُمْ مِنْ حُرُوثِهِمْ بَقِيَّةً، فَقَالُوا: قَدْ بَقِيَ لَنَا مِنْ حُرُوثِنَا مَا كَانَ كَافِينَا، فَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي دِينِنَا، وَلَنْ نُؤْمِنَ لَكَ، وَلَنْ نُرْسِلَ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْقُمَّلَ، وَالْقُمَّلُ: الدَّبَى، وَهُوَ الْجَرَادُ الَّذِي لَيْسَتْ لَهُ أَجْنِحَةٌ، فَتَتَبَّعَ مَا بَقِيَ مِنْ حُرُوثِهِمْ وَشَجَرِهِمْ وَكُلَّ نَبَاتٍ كَانَ لَهُمْ، فَكَانَ الْقُمَّلُ أَشَدَّ عَلَيْهِمْ مِنَ الْجَرَادِ. فَلَمْ يَسْتَطِيعُوا لِلْقُمَّلِ حِيلَةً، وَجَزِعُوا مِنْ ذَلِكَ وَأَتَوْا مُوسَى، فَقَالُوا: يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يَكْشِفُ عَنَّا الْقُمَّلَ، فَإِنَّهُ لَمْ يُبْقِ لَنَا شَيْئًا، قَدْ أَكَلَ مَا بَقِيَ مِنْ حُرُوثِنَا، وَلَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الْقُمَّلَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ، وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَكَشَفَ
١٠ / ٣٩١
اللَّهُ عَنْهُمُ الْقُمَّلَ فَنَكَثُوا، وَقَالُوا: لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ، وَلَنْ نُرْسِلَ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ. فَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الضَّفَادِعَ، فَامْتَلَأَتْ مِنْهَا الْبُيُوتُ، فَلَمْ يَبْقَ لَهُمْ طَعَامٌ وَلَا شَرَابٌ إِلَّا وَفِيهِ الضَّفَادِعُ، فَلَقُوا مِنْهَا شَيْئًا لَمْ يَلْقَوْهُ فِيمَا مَضَى، فَقَالُوا: يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ، وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، قَالَ: فَكَشَفَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَلَمْ يَفْعَلُوا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ﴾ [الأعراف: ١٣٥] إِلَى ﴿وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ﴾ [الأعراف: ١٣٦] “
١٠ / ٣٩٢
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا أَبُو تُمَيْلَةَ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ بْنُ وَاقِدٍ، عَنْ زَيْدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «كَانَتِ الضَّفَادِعُ بَرِّيَّةً، فَلَمَّا أَرْسَلَهَا اللَّهُ عَلَى آلِ فِرْعَوْنَ سَمِعَتْ وَأَطَاعَتْ، فَجَعَلَتْ تُغْرِقُ أَنْفُسَهَا فِي الْقُدُورِ وَهِيَ تَغْلِي، وَفِي التَّنَانِيرِ وَهِيَ تَفُورُ، فَأَثَابَهَا اللَّهُ بِحُسْنِ طَاعَتِهَا بَرْدَ الْمَاءِ»
١٠ / ٣٩٢
قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: «فَرَجَعَ عَدُوُّ اللَّهِ، يَعْنِي فِرْعَوْنَ، حِينَ آمَنَتِ السَّحَرَةُ مَغْلُوبًا مَفْلُولًا، ثُمَّ أَبَى إِلَّا الْإِقَامَةَ عَلَى الْكُفْرِ وَالتَّمَادِي فِي الشَّرِّ، فَتَابَعَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِالْآيَاتِ، وَأَخَذَهُ بِالسِّنِينَ، فَأَرْسَلَ عَلَيْهِ الطُّوفَانَ، ثُمَّ الْجَرَادَ، ثُمَّ الْقُمَّلَ، ثُمَّ الضَّفَادِعَ، ثُمَّ الدَّمَ ﴿آيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ﴾ [الأعراف: ١٣٣]، فَأَرْسَلَ الطُّوفَانَ، وَهُوَ الْمَاءُ، فَفَاضَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، ثُمَّ رَكَدَ، لَا يَقْدِرُونَ عَلَى أَنْ يَحْرِثُوا، وَلَا يَعْمَلُوا شَيْئًا، حَتَّى جُهِدُوا جُوعًا فَلَمَّا بَلَغَهُمْ ذَلِكَ، قَالُوا: يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ، وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَدَعَا مُوسَى رَبَّهُ، فَكَشَفَهُ عَنْهُمْ، فَلَمْ يَفُوا لَهُ بِشَيْءٍ مِمَّا قَالُوا، فَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَرَادَ، فَأَكَلَ ⦗٣٩٣⦘ الشَّجَرَ فِيمَا بَلَغَنِي، حَتَّى إِنْ كَانَ لِيَأْكُلُ مَسَامِيرَ الْأَبْوَابِ مِنَ الْحَدِيدِ حَتَّى تَقَعَ دُورُهُمْ وَمَسَاكِنُهُمْ، فَقَالُوا مِثْلَ مَا قَالُوا، فَدَعَا رَبَّهُ، فَكَشَفَهُ عَنْهُمْ، فَلَمْ يَفُوا لَهُ بِشَيْءٍ مِمَّا قَالُوا: فَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْقُمَّلَ، فَذُكِرَ لِي أَنَّ مُوسَى أُمِرَ أَنْ يَمْشِيَ إِلَى كَثِيبٍ حَتَّى يَضْرِبَهُ بِعَصَاهُ، فَمَضَى إِلَى كَثِيبٍ أَهِيلٍ عَظِيمٍ، فَضَرَبَهُ بِهَا، فَانْثَالَ عَلَيْهِمْ قُمَّلًا حَتَّى غَلَبَ عَلَى الْبُيُوتِ وَالْأَطْعِمَةِ، وَمَنَعَهُمُ النَّوْمَ وَالْقَرَارَ فَلَمَّا جَهَدَهُمْ قَالُوا لَهُ مِثْلَ مَا قَالُوا، فَدَعَا رَبَّهُ فَكَشَفَهُ عَنْهُمْ، فَلَمْ يَفُوا لَهُ بِشَيْءٍ مِمَّا قَالُوا، فَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الضَّفَادِعَ، فَمَلَأَتِ الْبُيُوتَ وَالْأَطْعِمَةَ وَالْآنِيَةَ، فَلَا يَكْشِفُ أَحَدٌ ثَوْبًا وَلَا طَعَامًا وَلَا إِنَاءً إِلَّا وَجَدَ فِيهِ الضَّفَادِعَ قَدْ غَلَبَتْ عَلَيْهِ. فَلَمَّا جَهَدَهُمْ ذَلِكَ قَالُوا لَهُ مِثْلَ مَا قَالُوا، فَدَعَا رَبَّهُ فَكَشَفَهُ عَنْهُمْ، فَلَمْ يَفُوا لَهُ بِشَيْءٍ مِمَّا قَالُوا، فَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الدَّمَ، فَصَارَتْ مِيَاهُ آلِ فِرْعَوْنَ دَمًا، لَا يَسْتَقُونَ مِنْ بِئْرٍ وَلَا نَهْرٍ، وَلَا يَغْتَرِفُونَ مِنْ إِنَاءٍ إِلَّا عَادَ دَمًا عَبِيطًا»
١٠ / ٣٩٢
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، أَنَّهُ حَدَّثَ: «أَنَّ الْمَرْأَةَ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ كَانَتْ تَأْتِي الْمَرْأَةَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ حِينَ جَهَدَهُمُ الْعَطَشُ، فَتَقُولُ: اسْقِينِي مِنْ مَائِكِ، فَتَغْرِفُ لَهَا مِنْ جَرَّتِهَا، أَوْ تَصُبُّ لَهَا مِنْ قِرْبَتِهَا، فَيَعُودُ فِي الْإِنَاءِ دَمًا، حَتَّى إِنْ كَانَتْ لَتَقُولُ لَهَا: اجْعَلِيهِ فِي فِيكَ ثُمَّ مُجِّيهِ فِي فِيَّ، فَتَأْخُذُ فِي فِيهَا مَاءً، فَإِذَا مَجَّتَهُ فِي فِيهَا صَارَ دَمًا، فَمَكَثُوا فِي ذَلِكَ سَبْعَةَ أَيَّامٍ»
١٠ / ٣٩٣
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «الْجَرَادُ يَأْكُلُ زُرُوعَهُمْ وَنَبَاتَهُمْ، وَالضَّفَادِعُ تَسْقُطُ عَلَى فُرُشِهِمْ وَأَطْعِمَتِهِمْ، ⦗٣٩٤⦘ وَالدَّمُ يَكُونُ فِي بُيُوتِهِمْ وَثِيَابِهِمْ وَمَائِهِمْ وَطَعَامِهِمْ»
١٠ / ٣٩٣
قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «لَمَّا سَالَ النِّيلُ دَمًا، فَكَانَ الْإِسْرَائِيلِيُّ يَسْتَقِي مَاءً طَيِّبًا، وَيَسْتَقِي الْفِرْعَوْنِيُّ دَمًا وَيَشْتَرِكَانِ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ، فَيَكُونُ مَا يَلِي الْإِسْرَائِيلِيَّ مَاءً طَيِّبًا وَمَا يَلِي الْفِرْعَوْنِيَّ دَمًا»
١٠ / ٣٩٤
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: ثني سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: «أَنَّ مُوسَى، لَمَّا عَالَجَ فِرْعَوْنَ بِالْآيَاتِ الْأَرْبَعِ: الْعَصَا، وَالْيَدِ، وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ، وَالسِّنِينَ، قَالَ: يَا رَبِّ إِنَّ عَبْدَكَ هَذَا قَدْ عَلَا فِي الْأَرْضِ، وَعَتَا فِي الْأَرْضِ، وَبَغَى عَلَيَّ، وَعَلَا عَلَيْكَ، وَعَالَى بِقَوْمِهِ، رَبِّ خُذْ عَبْدَكَ بِعُقُوبَةٍ تَجْعَلُهَا لَهُ وَلِقَوْمِهِ نِقْمَةً، وَتَجْعَلُهَا لِقَوْمِي عِظَةً وَلِمَنْ بَعْدِي آيَةً فِي الْأُمَمِ الْبَاقِيَةِ، فَبَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ، وَهُوَ الْمَاءُ، وَبُيُوتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبُيُوتُ الْقِبْطِ مُشْتَبِكَةٌ مُخْتَلِطَةٌ بَعْضُهَا فِي بَعْضٍ، فَامْتَلَأَتْ بُيُوتُ الْقِبْطِ مَاءً، حَتَّى قَامُوا فِي الْمَاءِ إِلَى تَرَاقِيهِمْ، مَنْ حُبِسَ مِنْهُمْ غَرِقَ، وَلَمْ يَدْخُلْ فِي بُيُوتِ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَطْرَةٌ، فَجَعَلَتِ الْقِبْطُ تُنَادِي: مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ، لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ، وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، قَالَ: فَوَاثَقُوا مُوسَى مِيثَاقًا أَخَذَ عَلَيْهِمْ بِهِ عُهُودَهُمْ، وَكَانَ الْمَاءُ أَخَذَهُمْ يَوْمَ السَّبْتِ، فَأَقَامَ عَلَيْهِمْ سَبْعَةَ أَيَّامٍ ⦗٣٩٥⦘ إِلَى السَّبْتِ الْآخَرِ، فَدَعَا مُوسَى رَبَّهُ، فَرَفَعَ عَنْهُمُ الْمَاءَ، فَأَعْشَبَتْ بِلَادُهُمْ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ، فَأَقَامُوا شَهْرًا فِي عَافِيَةٍ، ثُمَّ جَحَدُوا وَقَالُوا: مَا كَانَ هَذَا الْمَاءُ إِلَّا نِعْمَةً عَلَيْنَا وَخَصْبًا لِبِلَادِنَا، مَا نُحِبُّ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَالَ: وَقَدْ قَالَ قَائِلٌ لِابْنِ عَبَّاسٍ: إِنِّي سَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ عَنِ الطُّوفَانِ، فَقَالَ: مَا أَدْرِي مَوْتًا كَانَ أَوْ مَاءً. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَمَا يَقْرَأُ ابْنُ عُمَرَ سُورَةَ الْعَنْكَبُوتِ حِينَ ذَكَرَ اللَّهُ قَوْمَ نُوحٍ فَقَالَ: ﴿فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ﴾ [العنكبوت: ١٤] أَرَأَيْتَ لَوَ مَاتُوا إِلَى مَنْ جَاءِ مُوسَى عليه السلام بِالْآيَاتِ الْأَرْبَعِ بَعْدَ الطُّوفَانِ؟ قَالَ: فَقَالَ مُوسَى: يَا رَبِّ إِنَّ عِبَادَكَ قَدْ نَقَضُوا عَهْدَكَ، وَأَخْلَفُوا وَعَدِي، رَبِّ خُذْهُمْ بِعُقُوبَةٍ تَجْعَلُهَا لَهُمْ نِقْمَةً، وَلِقَوْمِي عِظَةً، وَلِمَنْ بَعْدَهُمْ آيَةً فِي الْأُمَمِ الْبَاقِيَةِ، قَالَ: فَبَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَرَادَ فَلَمْ يَدَعْ لَهُمْ وَرَقَةً وَلَا شَجَرَةً وَلَا زَهْرَةً وَلَا ثَمَرَةً إِلَّا أَكَلَهَا، حَتَّى لَمْ يَبْقَ جَنًى. حَتَّى إِذَا أَفَنْى الْخُضْرَ كُلَّهَا أَكَلَ الْخَشَبَ، حَتَّى أَكَلَ الْأَبْوَابَ، وَسُقُوفَ الْبُيُوتِ وَابْتُلِيَ الْجَرَادُ بِالْجُوعِ، فَجَعَلَ لَا يَشْبَعُ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ بُيُوتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ. فَعَجُّوا وَصَاحُوا إِلَى مُوسَى، فَقَالُوا: يَا مُوسَى هَذِهِ الْمَرَّةَ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ، لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ، وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَأَعْطَوْهُ عَهْدَ اللَّهِ وَمِيثَاقَهُ، فَدَعَا لَهُمْ رَبَّهُ، فَكَشَفَ اللَّهُ عَنْهُمُ الْجَرَادَ بَعْدَ مَا أَقَامَ عَلَيْهِمْ سَبْعَةَ أَيَّامٍ، مِنَ السَّبْتِ إِلَى السَّبْتِ. ثُمَّ أَقَامُوا شَهْرًا فِي عَافِيَةٍ، ثُمَّ عَادُوا لِتَكْذِيبِهِمْ وَلِإِنْكَارِهِمْ، وَلِأَعْمَالِهِمْ أَعْمَالِ السُّوءِ، قَالَ: فَقَالَ مُوسَى: يَا رَبِّ عِبَادُكَ قَدْ نَقَضُوا عَهْدِي وَأَخْلَفُوا مَوْعِدِي، فَخُذْهُمْ بِعُقُوبَةٍ تَجْعَلُهَا لَهُمْ نِقْمَةً، وَلِقَوْمِي عِظَةً، وَلِمَنْ بَعْدِي آيَةً فِي الْأُمَمِ الْبَاقِيَةِ، فَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْقُمَّلَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ وَالْحَسَنَ يَقُولَانِ: كَانَ إِلَى ⦗٣٩٦⦘ جَنْبِهِمْ كَثِيبٌ أَعْفَرُ بِقَرْيَةٍ مِنْ قُرَى مِصْرَ تُدْعَى عَيْنَ شَمْسٍ، فَمَشَى مُوسَى إِلَى ذَلِكَ الْكَثِيبِ، فَضَرَبَهُ بِعَصَاهُ ضَرْبَةً صَارَ قُمَّلًا تَدُبُّ إِلَيْهِمْ، وَهِيَ دَوَابُّ سُودٌ صِغَارٌ، فَدَبَّ إِلَيْهِمُ الْقُمَّلُ، فَأَخَذَ أَشْعَارَهُمْ وَأَبْشَارَهُمْ وَأَشْفَارَ عُيُونِهِمْ وَحَوَاجِبَهُمْ، وَلَزِمَ جُلُودَهُمْ، كَأَنَّهُ الْجُدَرِيُّ عَلَيْهِمْ، فَصَرَخُوا وَصَاحُوا إِلَى مُوسَى: إِنَّا نَتُوبُ وَلَا نَعُودُ، فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ، فَدَعَا رَبَّهُ فَرَفَعَ عَنْهُمُ الْقُمَّلَ بَعْدَ مَا أَقَامَ عَلَيْهِمْ سَبْعَةَ أَيَّامٍ مِنَ السَّبْتِ إِلَى السَّبْتِ، فَأَقَامُوا شَهْرًا فِي عَافِيَةٍ، ثُمَّ عَادُوا وَقَالُوا: مَا كُنَّا قَطُّ أَحَقَّ أَنْ نَسْتَيْقِنَ أَنَّهُ سَاحِرٌ مِنَّا الْيَوْمَ، جَعَلَ الرَّمْلَ دَوَابَّ، وَعِزَّةِ فِرْعَوْنَ لَا نُصَدِّقُهُ أَبَدًا وَلَا نَتَّبِعُهُ، فَعَادُوا لِتَكْذِيبِهِمْ وَإِنْكَارِهِمْ، فَدَعَا مُوسَى عَلَيْهِمْ، فَقَالَ: يَا رَبِّ إِنَّ عِبَادَكَ نَقَضُوا عَهْدِي، وَأَخْلَفُوا وَعْدِي، فَخُذْهُمْ بِعُقُوبَةٍ تَجْعَلُهَا لَهُمْ ⦗٣٩٧⦘ نِقْمَةً، وَلِقَوْمِي عِظَةً، وَلِمَنْ بَعْدِي آيَةً فِي الْأُمَمِ الْبَاقِيَةِ، فَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الضَّفَادِعَ، فَكَانَ أَحَدُهُمْ يَضْطَجِعُ، فَتَرْكَبُهُ الضَّفَادِعُ، فَتَكُونُ عَلَيْهِ رُكَامًا، حَتَّى مَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَنْصَرِفَ إِلَى الشِّقِّ الْآخَرِ، وَيَفْتَحَ فَاهُ لَأَكْلَتِهِ، فَيَسْبِقُ الضِّفْدَعُ أَكْلَتَهُ إِلَى فِيهِ، وَلَا يَعْجِنُ عَجِينًا إِلَّا تَسَدَّخَتْ فِيهِ، وَلَا يَطْبُخُ قِدْرًا إِلَّا امْتَلَأَتْ ضَفَادِعَ. فَعُذِّبُوا بِهَا أَشَدَّ الْعَذَابِ، فَشَكَوْا إِلَى مُوسَى عليه السلام، وَقَالُوا: هَذِهِ الْمَرَّةُ نَتُوبُ وَلَا نَعُودُ. فَأَخَذَ عَهْدَهُمْ وَمِيثَاقَهُمْ، ثُمَّ دَعَا رَبَّهُ، فَكَشَفَ اللَّهُ عَنْهُمُ الضَّفَادِعَ بَعْدَ مَا أَقَامَ عَلَيْهِمْ سَبْعًا مِنَ السَّبْتِ إِلَى السَّبْتِ، فَأَقَامُوا شَهْرًا فِي عَافِيَةٍ ثُمَّ عَادُوا لِتَكْذِيبِهِمْ وَإِنْكَارِهِمْ، وَقَالُوا: قَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ سِحْرُهُ، وَيَجْعَلُ التُّرَابَ دَوَابَّ، وَيَجِيءُ بِالضَّفَادِعِ فِي غَيْرِ مَاءٍ، فَآذَوْا مُوسَى عليه السلام، فَقَالَ مُوسَى: يَا رَبِّ إِنَّ عِبَادَكَ نَقَضُوا عَهْدِي، وَأَخْلَفُوا وَعَدِي، فَخُذْهُمْ بِعُقُوبَةٍ تَجْعَلُهَا لَهُمْ عُقُوبَةً، وَلِقَوْمِي عِظَةً، وَلِمَنْ بَعْدِي آيَةً فِي الْأُمَمِ الْبَاقِيَةِ، فَابْتَلَاهُمُ اللَّهُ بِالدَّمِ، فَأُفْسَدَ عَلَيْهِمْ مَعَايشَهُمْ، فَكَانَ الْإِسْرَائِيلِيُّ وَالْقِبْطِيُّ يَأْتِيَانِ النِّيلَ فَيَسْتَقِيَانِ، فَيَخْرُجُ لِلْإِسْرَائِيلِيِّ مَاءً، وَيَخْرُجُ لِلْقِبْطِيِّ دَمًا، وَيَقُومَانِ إِلَى الْجُبِّ فِيهِ الْمَاءُ، فَيَخْرُجُ لِلْإِسْرَائِيلِيِّ فِي إِنَائِهِ مَاءً، وَلِلْقِبْطِيِّ دَمًا»
١٠ / ٣٩٤
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: ثنا ابْنُ سَعْدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ مُجَاهِدًا، فِي قَوْلِهِ: «﴿فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ﴾ [الأعراف: ١٣٣] قَالَ: الْمَوْتُ وَالْجَرَادُ. قَالَ: الْجَرَادُ يَأْكُلُ أَمْتِعَتَهُمْ وَثِيَابَهُمْ وَمَسَامِيرَ أَبْوَابِهِمْ، وَالْقُمَّلُ هُوَ الدَّبَى، سَلَّطَهُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بَعْدَ الْجَرَادِ. قَالَ: وَالضَّفَادِعُ تَسْقُطُ فِي أَطْعِمَتِهِمُ الَّتِي فِي بُيُوتِهِمْ وَفِي أَشْرِبَتِهِمْ» وَقَالَ بَعْضُهُمُ: الدَّمُ الَّذِي أَرْسَلَهُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ كَانَ رُعَافًا ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٠ / ٣٩٧
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ، قَالَ: ثنا زُهَيْرٌ، قَالَ: قَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: «أَمَا الْقُمَّلُ فَالْقَمْلُ وَأَمَّا الدَّمُ: فَسُلِّطَ عَلَيْهِمُ الرُّعَافُ»
١٠ / ٣٩٧
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿آيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ﴾ [الأعراف: ١٣٣] فَإِنَّ مَعْنَاهُ: عَلَامَاتٌ وَدَلَالَاتٌ عَلَى صِحَّةِ نُبُوَّةِ مُوسَى، وَحَقِّيَّةُ مَا دَعَاهُمْ إِلَيْهِ مُفَصَّلَاتٌ، قَدْ فُصِلَ بَيْنَهَا، فَجَعَلَ بَعْضَهَا يَتْلُو بَعْضَهَا، وَبَعْضَهَا فِي إِثْرِ بَعْضٍ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٠ / ٣٩٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «فَكَانَتْ آيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ بَعْضُهَا فِي إِثْرِ بَعْضٍ؛ لِيَكُونَ لِلَّهِ الْحِجَّةَ عَلَيْهِمْ، فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ فَأَغْرَقَهُمْ فِي الْيَمِّ»
١٠ / ٣٩٨
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَوْلُهُ: «﴿آيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ﴾ [الأعراف: ١٣٣] قَالَ: يَتْبَعُ بَعْضُهَا بَعْضًا لِيَكُونَ لِلَّهِ الْحِجَّةَ عَلَيْهِمْ، فَيَنْتَقِمَ مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ. وَكَانَتِ الْآيَةُ تَمْكُثُ فِيهِمْ مِنَ السَّبْتِ إِلَى السَّبْتِ، وَتَرْتَفِعُ عَنْهُمْ شَهْرًا، قَالَ اللَّهُ عز وجل: ﴿فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ﴾ [الأعراف: ١٣٦] الْآيَةَ»
١٠ / ٣٩٨
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، قَالَ: قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: «﴿آيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ﴾ [الأعراف: ١٣٣] أَيْ: آيَةٌ بَعْدَ آيَةٍ يَتْبَعُ بَعْضُهَا بَعْضًا» وَكَانَ مُجَاهِدٌ يَقُولُ فِيمَا ذُكِرَ عَنْهُ فِي مَعْنَى الْمُفَصَّلَاتِ، مَا
١٠ / ٣٩٨
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: ثنا أَبُو سَعْدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ مُجَاهِدًا، يَقُولُ فِي «﴿آيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ﴾ [الأعراف: ١٣٣]، قَالَ: مَعْلُومَاتٌ»
١٠ / ٣٩٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ﴾ [الأعراف: ١٣٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَاسْتَكْبَرَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَا ذَكَرَ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ مِنَ الْآيَاتِ وَالْحُجَجِ عَنِ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ، وَتَصْدِيقِ رَسُولِهِ مُوسَى ﷺ، ⦗٣٩٩⦘ وَاتِّبَاعِهِ عَلَى مَا دَعَاهُمْ إِلَيْهِ، وَتَعَظَّمُوا عَلَى اللَّهِ وَعَتَوْا عَلَيْهِ ﴿وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ﴾ [الأعراف: ١٣٣] يَقُولُ: كَانُوا قَوْمًا يَعْمَلُونَ بِمَا يَكْرَهُهُ اللَّهُ مِنَ الْمَعَاصِي وَالْفِسْقِ عُتُوًّا وَتَمَرُّدًا
١٠ / ٣٩٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ [الأعراف: ١٣٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ﴾ [الأعراف: ١٣٤]، وَلَمَّا نَزَلَ بِهِمْ عَذَابُ اللَّهِ، وَحَلَّ بِهِمْ سَخَطُهُ. ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي ذَلِكَ الرِّجْزِ الَّذِي أَخْبَرَ اللَّهُ أَنَّهُ وَقَعَ بِهَؤُلَاءِ الْقَوْمِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَ ذَلِكَ طَاعُونًا. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٠ / ٣٩٩
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَعْقُوبُ الْقُمِّيُّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي الْمُغِيرَةِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: «وَأَمَرَ مُوسَى قَوْمَهُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَذَلِكَ بَعْدَ مَا جَاءَ قَوْمَ فِرْعَوْنَ بِالْآيَاتِ الْخَمْسِ الطُّوفَانِ، وَمَا ذَكَرَ اللَّهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، فَلَمْ يُؤْمِنُوا وَلَمْ يُرْسِلُوا مَعَهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَقَالَ: لِيَذْبَحْ كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ كَبْشًا، ثُمَّ لِيَخْضِبْ كَفَّهُ فِي دَمِهِ، ثُمَّ لِيَضْرِبْ بِهِ عَلَى بَابِهِ، فَقَالَتِ الْقِبْطُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: لِمَ تَجْعَلُونَ هَذَا الدَّمَ عَلَى أَبْوَابِكُمْ؟ فَقَالُوا: إِنَّ اللَّهَ يُرْسِلُ عَلَيْكُمْ عَذَابًا فَنَسْلَمُ وَتَهْلَكُونَ، فَقَالَتِ الْقِبْطُ: فَمَا يَعْرِفُكُمُ اللَّهُ إِلَّا بِهَذِهِ الْعَلَامَاتِ؟ فَقَالُوا: هَكَذَا أَمَرَنَا بِهِ نَبِيُّنَا. فَأَصْبَحُوا وَقَدْ ⦗٤٠٠⦘ طُعِنَ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ سَبْعُونَ أَلْفًا، فَأَمْسَوْا وَهُمْ لَا يَتَدَافَنُونَ، فَقَالَ فِرْعَوْنُ عِنْدَ ذَلِكَ: ﴿ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ﴾ [الأعراف: ١٣٤] وَهُوَ الطَّاعُونُ، ﴿لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ [الأعراف: ١٣٤] فَدَعَا رَبَّهُ فَكَشَفَهُ عَنْهُمْ، فَكَانَ أَوْفَاهُمْ كُلِّهِمْ فِرْعَوْنَ، فَقَالَ لِمُوسَى: اذْهَبْ بِبَنِي إِسْرَائِيلَ حَيْثُ شِئْتَ»
١٠ / ٣٩٩
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا حَبُّويَهْ الرَّازِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ الْحَفَرِيُّ، عَنْ يَعْقُوبَ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ حَبُّويَهْ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «﴿لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ﴾ [الأعراف: ١٣٤] قَالَ: الطَّاعُونُ» وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ الْعَذَابُ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٠ / ٤٠٠
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «الرِّجْزُ الْعَذَابُ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٠ / ٤٠٠
حَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: «﴿فَلَمَّا ⦗٤٠١⦘ كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ﴾ [الأعراف: ١٣٥] أَيِ: الْعَذَابُ»
أخبار تونس نور العقيدة، أساس العلم، وحقائق الكون !