سُورَةُ الْأَعْرَافِ 3

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [الأعراف: ٤٣]⦗٢٠٢⦘ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُخْبِرًا عَنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ عِنْدَ دُخُولِهِمُ الْجَنَّةَ وَرُؤْيَتِهِمْ كَرَامَةَ اللَّهِ الَّتِي أَكْرَمَهُمْ بِهَا، وَهُوَ أَنَّ أَعْدَاءَ اللَّهِ فِي النَّارِ: وَاللَّهِ لَقَدْ جَاءَتْنَا فِي الدُّنْيَا وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ فِي النَّارِ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ مِنَ الْأَخْبَارِ، عَنْ وَعْدِ اللَّهِ أَهْلَ طَاعَتِهِ وَالْإِيمَانِ بِهِ وَبِرُسُلِهِ وَوَعِيدِهِ أَهْلَ مَعَاصِيهِ وَالْكُفْرِ بِهِ
١٠ ‏/ ٢٠١
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [الأعراف: ٤٣]، فَإِنَّ مَعْنَاهُ: وَنَادَى مُنَادٍ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ وَصَفَ اللَّهُ صِفَتَهُمْ وَأَخْبَرَ عَمَّا أَعَدَّ لَهُمْ مِنْ كَرَامَتِهِ، أَنْ يَا هَؤُلَاءِ هَذِهِ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ الَّتِي كَانَتْ رُسُلِي فِي الدُّنْيَا تُخْبِرُكُمْ عَنْهَا، أَوْرَثَكُمُوهَا اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ كَذَّبُوا رُسُلَهُ، لِتَصْدِيقِكُمْ إِيَّاهُمْ، وَطَاعَتِكُمْ رَبَّكُمْ. وَذَلِكَ هُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [المائدة: ١٠٥] . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٠ ‏/ ٢٠٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ، أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [الأعراف: ٤٣]، قَالَ: «لَيْسَ مِنْ كَافِرٍ وَلَا مُؤْمِنٍ إِلَّا وَلَهُ فِي الْجَنَّةِ وَالنَّارِ مَنْزِلٌ. فَإِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ وَأَهْلُ النَّارِ النَّارَ، وَدَخَلُوا مَنَازِلَهُمْ، رُفِعَتِ الْجَنَّةُ لِأَهْلِ النَّارِ فَنَظَرُوا إِلَى مَنَازِلِهِمْ فِيهَا، فَقِيلَ لَهُمْ: هَذِهِ مَنَازِلُكُمْ لَوْ عَمِلْتُمْ بِطَاعَةِ اللَّهِ، ثُمَّ يُقَالُ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ، رِثُوهُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ، فَيُقْسَمُ بَيْنَ أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنَازِلُهُمْ»
١٠ ‏/ ٢٠٢
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ أَبُو دَاوُدَ الْحَفَرِيُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ بَكْرٍ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْأَغَرِّ: ﴿وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ، أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [الأعراف: ٤٣]، قَالَ: «نُودُوا أَنْ صِحُّوا فَلَا تَسْقَمُوا، وَاخْلُدُوا فَلَا تَمُوتُوا، وَانْعَمُوا فَلَا تَبْأَسُوا»
١٠ ‏/ ٢٠٣
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا قَبِيصَةُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْأَغَرِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ: ﴿وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ،﴾ [الأعراف: ٤٣] الْآيَةَ، قَالَ: «يُنَادِي مُنَادٍ: إِنَّ لَكُمْ أَنْ تَصِحُّوا فَلَا تَسْقَمُوا أَبَدًا» وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي (أَنْ) الَّتِي مَعَ (تِلْكُمُ)، فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ: هِيَ (أَنَّ) الثَّقِيلَةُ خُفِّفَتْ، وَأُضْمِرَ فِيهَا، وَلَا يَسْتَقِيمُ أَنْ نَجْعَلَهَا الْخَفِيفَةَ لِأَنَّ بَعْدَهَا اسْمًا، وَالْخَفِيفَةُ لَا تَلِيهَا الْأَسْمَاءُ، وَقَدْ قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر البسيط]

فِي فِتْيَةٍ كَسُيُوفِ الْهِنْدِ قَدْ عَلِمُوا … أَنْ هَالِكٌ كُلُّ مَنْ يَحْفَى وَيَنْتَعِلُ
وَقَالَ آخَرُ:
[البحر الوافر]

⦗٢٠٤⦘ أُكَاشِرُهُ وَأَعْلَمُ أَنْ كِلَانَا … عَلَى مَا سَاءَ صَاحِبَهُ حَرِيصُ
قَالَ: فَمَعْنَاهُ: أَنَّهُ كِلَانَا قَالَ، وَيَكُونُ كَقَوْلِهِ: ﴿أَنْ قَدْ وَجَدْنَا﴾ [الأعراف: ٤٤] فِي مَوْضِعِ (أَيْ)، وَقَوْلُهُ: ﴿أَنْ أَقِيمُوا﴾ [الأنعام: ٧٢] . وَلَا تَكُونُ (أَنْ) الَّتِي تَعْمَلُ فِي الْأَفْعَالِ، لِأَنَّكَ تَقُولُ: غَاظَنِي أَنْ قَامَ، وَأَنْ ذَهَبَ، فَتَقَعُ عَلَى الْأَفْعَالِ وَإِنْ كَانَتْ لَا تَعْمَلُ فِيهَا، وَفِي كِتَابِ اللَّهِ: ﴿وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا﴾ [ص: ٦] أَيِ امْشُوا. وَأَنْكَرَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ هَذَا بَعْضُ أَهْلِ الْكُوفَةِ، فَقَالَ: غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ مَعَ (أَنْ) فِي هَذَا الْمَوْضِعِ (هَاءٌ) مُضْمَرَةٌ، لِأَنَّ (أَنْ) دَخَلَتْ فِي الْكَلَامِ لِتَقِي مَا بَعْدَهَا قَالَ: وَ(أَنْ) هَذِهِ الَّتِي مَعَ (تِلْكُمُ) هِيَ الدَّائِرَةُ الَّتِي يَقَعُ فِيهَا مَا ضَارَعَ الْحِكَايَةَ، وَلَيْسَ بِلَفْظِ الْحِكَايَةِ، نَحْو: نَادَيْتُ أَنَّكَ قَائِمٌ، وَأَنْ زَيْدٌ قَائِمٌ، وَأَنْ قُمْتُ، فَتَلِي كُلَّ الْكَلَامِ، وَجَعَلْتَ (أَنْ) وِقَايَةً، لِأَنَّ النِّدَاءَ يَقَعُ عَلَى مَا بَعْدَهِ، وَسَلِمَ مَا بَعْدَ (أَنْ) كَمَا سَلِمَ مَا بَعْدَ الْقَوْلِ، أَلَا تَرَى أَنَّكَ تَقُولُ: قُلْتُ: زَيْدٌ قَائِمٌ، وَقُلْتُ: قَامَ، فَتَلِيهَا مَا شِئْتَ مِنَ الْكَلَامِ؟ فَلَمَّا كَانَ النِّدَاءُ بِمَعْنَى الظَّنِّ وَمَا أَشْبَهَهُ مِنَ الْقَوْلِ سَلِمَ مَا بَعْدَ (أَنْ)، وَدَخَلَتْ (أَنْ) وِقَايَةً. قَالَ: وَأَمَّا (أَيْ) فَإِنَّهَا لَا ⦗٢٠٥⦘ تَكُونُ عَلَى أَنْ لَا يَكُونَ: أَيْ جَوَابُ الْكَلَامِ، وَأَنْ تَكْفِي مِنَ الِاسْمِ

١٠ ‏/ ٢٠٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾ [الأعراف: ٤٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَنَادَى أَهْلُ الْجَنَّةِ أَهْلَ النَّارِ بَعْدَ دُخُولِهُمُوهَا: يَا أَهْلَ النَّارِ، قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فِي الدُّنْيَا عَلَى أَلْسُنِ رُسُلِهِ مِنَ الثَّوَابِ عَلَى الْإِيمَانِ بِهِ وَبِهِمْ وَعَلَى طَاعَتِهِ، فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَكُمْ رَبُّكُمْ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ عَلَى الْكُفْرِ بِهِ وَعَلَى مَعَاصِيهِ مِنَ الْعِقَابِ؟ فَأَجَابَهُمْ أَهْلُ النَّارِ بِأَنْ نَعَمْ، قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَ رَبُّنَا حَقًّا
١٠ ‏/ ٢٠٥
كَالَّذِي حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ﴾ [الأعراف: ٤٤]، قَالَ: «وَجَدَ أَهْلُ الْجَنَّةِ مَا وُعِدُوا مِنْ ثَوَابٍ، وَأَهْلُ النَّارِ مَا وُعِدُوا مِنْ عِقَابٍ»
١٠ ‏/ ٢٠٥
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا﴾ [الأعراف: ٤٤]، ” وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ وَعَدَ أَهْلَ الْجَنَّةِ النَّعِيمَ وَالْكَرَامَةَ ⦗٢٠٦⦘ وَكُلَّ خَيْرٍ عَلِمَهُ النَّاسُ أَوْ لَمْ يَعْلَمُوهُ، وَوَعَدَ أَهْلَ النَّارِ كُلَّ خِزْي وَعَذَابٍ عَلِمَهُ النَّاسُ أَوْ لَمْ يَعْلَمُوهُ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ﴾ [ص: ٥٨]، قَالَ: فَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ: ﴿أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ﴾ [الأعراف: ٤٤]، يَقُولُ: مِنَ الْخِزْيِ وَالْهَوَانِ وَالْعَذَابِ، قَالَ أَهْلُ الْجَنَّةِ: فَإِنَّا قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا مِنَ النَّعِيمِ وَالْكَرَامَةِ. ﴿فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾ [الأعراف: ٤٤] وَاخْتَلَفَ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿قَالُوا نَعَمْ﴾ [الأعراف: ٤٤]، فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ: ﴿قَالُوا نَعَمْ﴾ [الأعراف: ٤٤] بِفَتْحِ الْعَيْنِ مِنْ (نَعَمْ) . وَرُوِيَ عَنْ بَعْضِ الْكُوفِيِّينَ أَنَّهُ قَرَأَ: (قَالُوا نَعِمْ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ، وَقَدْ أَنْشَدَ بَيْتًا لِبَنِي كَلْبٍ:
[البحر البسيط]

نَعِمْ إِذَا قَالَهَا مِنْهُ مُحَقَّقَةٌ … وَلَا تَجِيءُ عَسَى مِنْهُ وَلَا قَمَنُ
بِكَسْرِ (نَعِمْ) . قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَةِ عِنْدَنَا: ﴿نَعَمْ﴾ [الأعراف: ٤٤] بِفَتْحِ الْعَيْنِ، لِأَنَّهَا الْقِرَاءَةُ الْمُسْتَفِيضَةُ فِي قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ، وَاللُّغَةُ الْمَشْهُورَةُ فِي الْعَرَبِ

١٠ ‏/ ٢٠٥
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ﴾ [الأعراف: ٤٤] يَقُولُ: فَنَادَى مُنَادٍ، وَأَعْلَمَ مُعَلِّمٌ بَيْنَهُمْ، ﴿أَنْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾ [الأعراف: ٤٤]، يَقُولُ: غَضَبُ اللَّهِ وَسَخَطُهُ وَعُقُوبَتُهُ عَلَى مَنْ كَفَرَ بِهِ. ⦗٢٠٧⦘ وَقَدْ بَيَّنَّا الْقَوْلَ فِي (أَنْ) إِذَا صَحِبَتْ مِنَ الْكَلَامِ مَا ضَارَعَ الْحِكَايَةَ وَلَيْسَ بِصَرِيحِ الْحِكَايَةِ، بِأَنَّهَا تُشَدِّدُهَا الْعَرَبُ أَحْيَانًا وَتُوقِعُ الْفِعْلَ عَلَيْهَا فَتَفْتَحُهَا، وَتُخَفِّفُهَا أَحْيَانًا وَتُعْمِلُ الْفِعْلَ فِيهَا فَتَنْصِبَهَا بِهِ وَتُبْطِلُ عَمَلَهَا عَنِ الِاسْمِ الَّذِي يَلِيهَا فِيمَا مَضَى، بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ. وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَسَوَاءٌ شُدِّدَتْ (أَنْ) أَوْ خُفِّفَتْ فِي الْقِرَاءَةِ، إِذْ كَانَ مَعْنَى الْكَلَامِ بِأَيِّ ذَلِكَ قَرَأَ الْقَارِئُ وَاحِدًا، وَكَانَتَا قِرَاءَتَيْنِ مَشْهُورَتَيْنِ فِي قِرَاءَةِ الْأَمْصَارِ
١٠ ‏/ ٢٠٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كَافِرُونَ﴾ [الأعراف: ٤٥] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: إِنَّ الْمُؤَذِّنَ بَيْنَ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ يَقُولُ: إِنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ. ﴿وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا﴾ [الأعراف: ٤٥]، يَقُولُ: حَاوَلُوا سَبِيلَ اللَّهِ، وَهُوَ دِينُهُ، أَنْ يُغَيِّرُوهُ وَيُبَدِّلُوهُ عَمَّا جَعَلَهُ اللَّهُ لَهُ مِنِ اسْتِقَامَتِهِ. ﴿وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كَافِرُونَ﴾ [الأعراف: ٤٥] يَقُولُ: وَهُمْ لَقِيَامِ السَّاعَةِ وَالْبَعْثِ فِي الْآخِرَةِ وَالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ فِيهَا جَاحِدُونَ. وَالْعَرَبُ تَقُولُ لِلْمَيْلِ فِي الدِّينِ وَالطَّرِيقِ: (عِوَجٌ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ، وَفِي
١٠ ‏/ ٢٠٧
مَيْلِ الرَّجُلِ عَلَى الشَّيْءِ وَالْعَطْفِ عَلَيْهِ: عَاجَ إِلَيْهِ يَعُوجُ عِيَاجًا وَعَوَجًا وَعِوَجًا، بِالْكَسْرِ مِنَ الْعَيْنِ وَالْفَتْحِ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الوافر] قِفَا نَبْكِي مَنَازِلَ آلِ لَيْلَى … عَلَى عِوَجٍ إِلَيْهَا وَانْثِنَاءِ
ذَكَرَ الْفَرَّاءُ أَنَّ أَبَا الْجَرَّاحِ أَنْشَدَهُ إِيَّاهُ بِكَسْرِ الْعَيْنِ مِنْ عِوَجٍ، فَأَمَّا مَا كَانَ خِلْقَةً فِي الْإِنْسَانِ، فَإِنَّهُ يُقَالُ فِيهِ: عَوَجُ سَاقِهِ، بِفَتْحِ الْعَيْنِ
١٠ ‏/ ٢٠٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ﴾ [الأعراف: ٤٦] يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ﴾ [الأعراف: ٤٦]: وَبَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ حِجَابٌ، يَقُولُ: حَاجِزٌ، وَهُوَ السُّورُ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَقَالَ: ﴿فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُوَرٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ﴾ [الحديد: ١٣]، وَهُوَ الْأَعْرَافُ الَّتِي يَقُولُ اللَّهُ فِيهَا: ﴿وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ﴾ [الأعراف: ٤٦]
١٠ ‏/ ٢٠٨
كَذَلِكَ حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ، وَعَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: بَلَغَنِي عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «الْأَعْرَافُ: حِجَابٌ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ»
١٠ ‏/ ٢٠٨
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ﴾ [الأعراف: ٤٦]: «وَهُوَ السُّورُ، وَهُوَ الْأَعْرَافُ»
١٠ ‏/ ٢٠٨
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ﴾ [الأعراف: ٤٦] فَإِنَّ الْأَعْرَافَ جَمْعٌ وَاحِدُهَا عُرْفٌ، وَكُلُّ مُرْتَفِعٍ مِنَ الْأَرْضِ عِنْدَ الْعَرَبِ فَهُوَ عُرْفٌ، وَإِنَّمَا قِيلَ لَعُرْفِ الدِّيكِ: عُرْفٌ، لِارْتِفَاعِهِ عَلَى مَا سِوَاهُ مِنْ جَسَدِهِ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّمَّاخِ بْنِ ضِرَارٍ:
[البحر الطويل] وَظَلَّتْ بِأَعْرَافٍ تَعَالَى كَأَنَّهَا … رِمَاحٌ نَحَاهَا وِجْهَةَ الرِّيحِ رَاكِزُ
يَعْنِي بِقَوْلِهِ: (بِأَعْرَافٍ): بِنُشُوزٍ مِنَ الْأَرْضِ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْآخَرِ:
[البحر الرجز] كُلُّ كِنَازٍ لَحْمُهُ نِيَافِ … كَالْعَلَمِ الْمُوفِي عَلَى الْأَعْرَافِ
١٠ ‏/ ٢٠٩
وَكَانَ السُّدِّيُّ يَقُولُ: «إِنَّمَا سُمِّيَ الْأَعْرَافُ أَعْرَافًا، لِأَنَّ أَصْحَابَهُ يَعْرِفُونَ النَّاسَ» حَدَّثَنِي بِذَلِكَ، مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٠ ‏/ ٢٠٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ ⦗٢١٠⦘ أَبِي يَزِيدَ، سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ، يَقُولُ: «الْأَعْرَافُ: هُوَ الشَّيْءُ الْمُشْرِفُ» حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، يَقُولُ، مِثْلَهُ
١٠ ‏/ ٢٠٩
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «الْأَعْرَافُ: سُورٌ كَعُرْفِ الدِّيكِ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، مِثْلَهُ
١٠ ‏/ ٢١٠
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «الْأَعْرَافُ: حِجَابٌ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ سُورٌ لَهُ بَابٌ»
١٠ ‏/ ٢١٠
قَالَ أَبُو مُوسَى: وَحَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي يَزِيدَ، أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ ⦗٢١١⦘ يَقُولُ: «إِنَّ الْأَعْرَافَ تَلٌّ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ حُبِسَ عَلَيْهِ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الذُّنُوبِ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ»
١٠ ‏/ ٢١٠
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: «الْأَعْرَافُ: حِجَابٌ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، سُورٌ لَهُ بَابٌ»
١٠ ‏/ ٢١١
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «الْأَعْرَافُ: سُورٌ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ»
١٠ ‏/ ٢١١
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «الْأَعْرَافُ: سُورٌ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ»
١٠ ‏/ ٢١١
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ﴾ [الأعراف: ٤٦]، «يَعْنِي بِالْأَعْرَافِ: السُّورَ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ، وَهُوَ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ»
١٠ ‏/ ٢١١
حَدَّثَنَا الْحَرْثُ قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ قَالَ: ثنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «الْأَعْرَافُ: سُورٌ لَهُ عُرْفٌ كَعُرْفِ الدِّيكِ»
١٠ ‏/ ٢١١
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، قَالَ: «الْأَعْرَافُ: سُورٌ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ»
١٠ ‏/ ٢١١
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، قَالَ: ثني عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ: «الْأَعْرَافُ: السُّورُ الَّذِي بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ» وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي صِفَةِ الرِّجَالِ الَّذِينَ أَخْبَرَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ عَلَى الْأَعْرَافِ، وَمَا السَّبَبُ الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ صَارُوا هُنَالِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُمْ قَوْمٌ مِنْ بَنِي آدَمَ اسْتَوَتْ حَسَنَاتُهُمْ وَسَيِّئَاتُهُمْ، فَجُعِلُوا هُنَالِكَ إِلَى أَنْ يَقْضِيَ اللَّهُ فِيهِمْ مَا يَشَاءُ، ثُمَّ يُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ إِيَّاهُمْ
١٠ ‏/ ٢١٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثنا يُونُسُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: قَالَ الشَّعْبِيُّ: أَرْسَلَ إِلَيَّ عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَعِنْدَهُ أَبُو الزِّنَادِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ذَكْوَانَ مَوْلَى قُرَيْشٍ، وَإِذَا هُمَا قَدْ ذَكَرَا مِنْ أَصْحَابِ الْأَعْرَافِ ذِكْرًا لَيْسَ كَمَا ذَكَرَا، فَقُلْتُ لَهُمَا: إِنْ شِئْتُمَا أَنْبَأْتُكُمَا بِمَا ذَكَرَ حُذَيْفَةُ، فَقَالَا: هَاتِ فَقُلْتُ: إِنَّ حُذَيْفَةَ ذَكَرَ أَصْحَابَ الْأَعْرَافِ فَقَالَ: «هُمْ قَوْمٌ تَجَاوَزَتْ بِهِمْ حَسَنَاتُهُمُ النَّارَ وَقَصُرَتْ بِهِمْ سَيِّئَاتُهُمْ عَنِ الْجَنَّةِ، فَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا: رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ، فَبَيْنَا هُمْ كَذَلِكَ، اطَّلَعَ إِلَيْهِمْ رَبُّكَ تبارك وتعالى فَقَالَ: اذْهَبُوا وَادْخُلُوا الْجَنَّةَ، فَإِنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ»
١٠ ‏/ ٢١٢
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حُصَيْنٌ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ ⦗٢١٣⦘ حُذَيْفَةَ، أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ أَصْحَابِ الْأَعْرَافِ، قَالَ: فَقَالَ: «هُمْ قَوْمٌ اسْتَوَتْ حَسَنَاتُهُمْ وَسَيِّئَاتُهُمْ، فَقَصُرَتْ بِهِمْ سَيِّئَاتُهُمْ عَنِ الْجَنَّةِ، وَخَلَّفَتْ بِهِمْ حَسَنَاتُهُمْ عَنِ النَّارِ. قَالَ: فَوَقَفُوا هُنَالِكَ عَلَى السُّورِ حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ فِيهِمْ»
١٠ ‏/ ٢١٢
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: ثنا جَرِيرٌ وَعِمْرَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: «أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ: قَوْمٌ كَانَتْ لَهُمْ ذُنُوبٌ وَحَسَنَاتٌ، فَقَصُرَتْ بِهِمْ ذُنُوبُهُمْ عَنِ الْجَنَّةِ وَتَجَاوَزَتْ بِهِمْ حَسَنَاتُهُمْ عَنِ النَّارِ، فَهُمْ كَذَلِكَ حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ بَيْنَ خَلْقِهِ فَيَنْفُذُ فِيهِمْ أَمْرُهُ»
١٠ ‏/ ٢١٣
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: “أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ قَوْمٌ اسْتَوَتْ حَسَنَاتُهُمْ وَسَيِّئَاتُهُمْ، فَيَقُولُ: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِفَضْلِي وَمَغْفِرَتِي، ﴿لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ﴾ [الأعراف: ٤٩] الْيَوْمَ ﴿وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ﴾ [الأعراف: ٤٩]
١٠ ‏/ ٢١٣
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ يُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: «أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ قَوْمٌ تَجَاوَزَتْ بِهِمْ حَسَنَاتُهُمُ النَّارَ، وَقَصُرَتْ بِهِمْ سَيِّئَاتُهُمْ عَنِ الْجَنَّةِ»
١٠ ‏/ ٢١٣
حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْهُذَلِيِّ، قَالَ: قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَهُوَ يُحَدِّثُ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: «⦗٢١٤⦘ يُحَاسَبُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَمَنْ كَانَتْ حَسَنَاتُهُ أَكْثَرَ مِنْ سَيِّئَاتِهِ بِوَاحِدَةٍ دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ كَانَتْ سَيِّئَاتُهُ أَكْثَرَ مِنْ حَسَنَاتِهِ بِوَاحِدَةٍ دَخَلَ النَّارَ. ثُمَّ قَرَأَ قَوْلَ اللَّهِ: ﴿فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ﴾ [الأعراف: ٩]، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ الْمِيزَانَ يَخِفُّ بِمِثْقَالِ حَبَّةٍ وَيَرْجَحُ، قَالَ: فَمَنِ اسْتَوَتْ حَسَنَاتُهُ وَسَيِّئَاتُهُ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْأَعْرَافِ. فَوَقَفُوا عَلَى الصِّرَاطِ، ثُمَّ عَرَفُوا أَهْلَ الْجَنَّةِ وَأَهْلَ النَّارِ، فَإِذَا نَظَرُوا إِلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ نَادَوْا: سَلَامٌ عَلَيْكُمْ وَإِذَا صَرَفُوا أَبْصَارَهُمْ إِلَى يَسَارِهِمْ نَظَرُوا أَصْحَابَ النَّارِ، قَالُوا: ﴿رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ [الأعراف: ٤٧]، فَيَتَعَوَّذُونَ بِاللَّهِ مِنْ مَنَازِلِهِمْ. قَالَ: فَأَمَّا أَصْحَابُ الْحَسَنَاتِ، فَإِنَّهُمْ يُعْطَوْنَ نُورًا فَيَمْشُونَ بِهِ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ، وَيُعْطَى كُلُّ عَبْدٍ يَوْمَئِذٍ نُورًا وَكُلُّ أَمَةٍ نُورًا، فَإِذَا أَتَوْا عَلَى الصِّرَاطِ سَلَبَ اللَّهُ نُورَ كُلِّ مُنَافِقٍ وَمُنَافِقَةٍ. فَلَمَّا رَأَى أَهْلُ الْجَنَّةِ مَا لَقِيَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا: رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا، وَأَمَّا أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ، فَإِنَّ النُّورَ كَانَ فِي أَيْدِيهِمْ، فَلَمْ يُنْزَعْ مِنْ أَيْدِيهِمْ، فَهُنَالِكَ يَقُولُ اللَّهُ: ﴿لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ﴾ [الأعراف: ٤٦]، فَكَانَ الطَّمَعُ دُخُولًا. قَالَ: فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ إِذَا عَمِلَ حَسَنَةً كُتِبَ لَهُ بِهَا عَشْرًا، وَإِذَا عَمِلَ سَيِّئَةً لَمْ تُكْتَبْ إِلَّا وَاحِدَةً. ثُمَّ يَقُولُ: هَلَكَ مَنْ غَلَبَ وُحْدَانُهُ أَعْشَارَهُ»
١٠ ‏/ ٢١٣
حَدَّثَنَا أَبُو هَمَّامٍ الْوَلِيدُ بْنُ شُجَاعٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عِيسَى الْخَيَّاطُ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: «أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ قَوْمٌ كَانَتْ لَهُمْ ⦗٢١٥⦘ أَعْمَالٌ أَنْجَاهُمُ اللَّهُ بِهَا مِنَ النَّارِ، وَهُمْ آخِرُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ، قَدْ عَرَفُوا أَهْلَ الْجَنَّةِ وَأَهْلَ النَّارِ»
١٠ ‏/ ٢١٤
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: ثنا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ: قَوْمٌ اسْتَوَتْ حَسَنَاتُهُمْ وَسَيِّئَاتُهُمْ، فَلَمْ تَزِدْ حَسَنَاتُهُمْ عَلَى سَيِّئَاتِهِمْ، وَلَا سَيِّئَاتُهُمْ عَلَى حَسَنَاتِهِمْ»
١٠ ‏/ ٢١٥
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، وَابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَا: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «الْأَعْرَافُ: سُورٌ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَأَصْحَابُ الْأَعْرَافِ بِذَلِكَ الْمَكَانِ، حَتَّى إِذَا بَدَا لِلَّهِ أَنْ يُعَافِيَهُمْ، انْطَلَقَ بِهِمْ إِلَى نَهَرٍ يُقَالُ لَهُ الْحَيَاةُ، حَافَّتَاهُ قُضُبُ الذَّهَبِ مُكَلَّلٍ بِاللُّؤْلُؤِ، تُرَابُهُ الْمِسْكُ، فَأُلْقُوا فِيهِ حَتَّى تَصْلُحَ أَلْوَانُهُمْ وَيَبْدُو فِي نُحُورِهِمْ شَامَةٌ بَيْضَاءُ يُعْرَفُونَ بِهَا، حَتَّى إِذَا صَلَحَتْ أَلْوَانُهُمْ أَتَى بِهِمُ الرَّحْمَنُ، فَقَالَ: تَمَنَّوْا مَا شِئْتُمْ قَالَ: فَيَتَمَنَّوْنَ، حَتَّى إِذَا انْقَطَعَتْ أُمْنِيَتُهُمْ قَالَ لَهُمْ: لَكُمُ الَّذِي تَمَنَّيْتُمْ وَمِثْلُهُ سَبْعِينَ مَرَّةً. فَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَفِي نُحُورِهِمْ شَامَةٌ بَيْضَاءُ يُعْرَفُونَ بِهَا، يُسَمَّوْنَ مَسَاكِينَ الْجَنَّةِ»
١٠ ‏/ ٢١٥
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ حَبِيبٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ، قَالَ: «أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ يُؤْمَرُ بِهِمْ إِلَى نَهَرٍ يُقَالُ لَهُ الْحَيَاةُ، تُرَابُهُ الْوَرْسُ وَالزَّعْفَرَانُ، وَحَافَّتَاهُ قُضُبُ اللُّؤْلُؤِ. قَالَ: وَأَحْسَبُهُ قَالَ: مُكَلَّلٌ بِاللُّؤْلُؤِ. وَقَالَ: فَيَغْتَسِلُونَ فِيهِ، فَتَبْدُو فِي نُحُورِهِمْ شَامَةٌ بَيْضَاءُ، فَيُقَالُ لَهُمْ: تَمَنَّوْا فَيُقَالُ لَهُمْ: لَكُمْ مَا تَمَنَّيْتُمْ وَسَبْعُونَ ضِعْفًا وَإِنَّهُمْ مَسَاكِينُ أَهْلِ الْجَنَّةِ» قَالَ حَبِيبٌ: وَحَدَّثَنِي رَجُلٌ: أَنَّهُمُ اسْتَوَتْ حَسَنَاتُهُمْ وَسَيِّئَاتُهُمْ
١٠ ‏/ ٢١٦
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: «أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ يُنْتَهَى بِهِمْ إِلَى نَهَرٍ يُقَالُ لَهُ الْحَيَاةُ، حَافَّتَاهُ قُضُبٌ مِنْ ذَهَبٍ قَالَ سُفْيَانُ: أُرَاهُ قَالَ: مُكَلَّلٌ بِاللُّؤْلُؤِ قَالَ: فَيَغْتَسِلُونَ مِنْهُ اغْتِسَالَةً، فَتَبْدُو فِي نُحُورِهِمْ شَامَةٌ بَيْضَاءُ، ثُمَّ يَعُودُونَ فَيَغْتَسِلُونَ فَيَزْدَادُونَ، فَكُلَّمَا اغْتَسَلُوا ازْدَادَتْ بَيَاضًا، فَيُقَالُ لَهُمْ: تَمَنَّوْا مَا شِئْتُمْ فَيَتَمَنَّوْنَ مَا شَاءُوا. فَيُقَالُ لَهُمْ: لَكُمْ مَا تَمَنَّيْتُمْ وَسَبْعُونَ ضِعْفًا قَالَ: فَهُمْ مَسَاكِينُ أَهْلِ الْجَنَّةِ»
١٠ ‏/ ٢١٦
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: “أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ قَوْمٌ اسْتَوَتْ ⦗٢١٧⦘ حَسَنَاتُهُمْ وَسَيِّئَاتُهُمْ، فَهُمْ عَلَى سُورٍ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، ﴿لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ﴾ [سورة: الأعراف، آية رقم: ٤٦]
١٠ ‏/ ٢١٦
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ: ثنا يَزِيدُ قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: «الْأَعْرَافُ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، حُبِسَ عَلَيْهِ أَقْوَامٌ بِأَعْمَالِهِمْ. وَكَانَ يَقُولُ: قَوْمٌ اسْتَوَتْ حَسَنَاتُهُمْ وَسَيِّئَاتُهُمْ، فَلَمْ تَزِدْ حَسَنَاتُهُمْ عَلَى سَيِّئَاتِهِمْ، وَلَا سَيِّئَاتُهُمْ عَلَى حَسَنَاتِهِمْ»
١٠ ‏/ ٢١٧
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «أَهْلُ الْأَعْرَافِ قَوْمٌ اسْتَوَتْ حَسَنَاتُهُمْ وَسَيِّئَاتُهُمْ»
١٠ ‏/ ٢١٧
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبُو خَالِدٍ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، قَالَ: «أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ قَوْمٌ اسْتَوَتْ حَسَنَاتُهُمْ وَسَيِّئَاتُهُمْ»
١٠ ‏/ ٢١٧
وَقَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: «أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ اسْتَوَتْ أَعْمَالُهُمْ»
١٠ ‏/ ٢١٧
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ قَوْمٌ اسْتَوَتْ حَسَنَاتُهُمْ وَسَيِّئَاتُهُمْ، فَوُقِفُوا هُنَالِكَ عَلَى السُّورِ»
١٠ ‏/ ٢١٧
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ سَفِيعٍ أَوْ سَمِيعٍ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: كَذَا وَجَدْتُ فِي كِتَابِ سَفِيعٍ عَنْ أَبِي ⦗٢١٨⦘ عَلْقَمَةَ، قَالَ: «أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ: قَوْمٌ اسْتَوَتْ حَسَنَاتُهُمْ وَسَيِّئَاتُهُمْ» وَقَالَ آخَرُونَ: كَانُوا قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ عُصَاةً لِآبَائِهِمْ فِي الدُّنْيَا
١٠ ‏/ ٢١٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ، عَنْ أَبِي مِسْعَرٍ، عَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: «هُمْ قَوْمٌ خَرَجُوا فِي الْغَزْوِ بِغَيْرِ إِذْنِ آبَائِهِمْ»
١٠ ‏/ ٢١٨
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني اللَّيْثُ قَالَ: ثني خَالِدٌ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ شِبْلٍ، أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي النَّضِيرِ أَخْبَرَهُ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي هِلَالٍ، أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنْ أَصْحَابِ الْأَعْرَافِ، فَقَالَ: «هُمْ قَوْمٌ غَزَوْا فِي سَبِيلِ اللَّهِ عُصَاةً لِآبَائِهِمْ، فَقُتِلُوا، فَأَعْتَقَهُمُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ بِقَتْلِهِمْ فِي سَبِيلِهِ، وَحُبِسُوا عَنِ الْجَنَّةِ بِمَعْصِيَةِ آبَائِهِمْ، فَهُمْ آخِرُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ»
١٠ ‏/ ٢١٨
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ شِبْلٍ، مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ أَصْحَابِ الْأَعْرَافِ، فَقَالَ: «قَوْمٌ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِمَعْصِيَةِ آبَائِهِمْ، فَمَنَعَهُمْ قَتْلُهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَنِ النَّارِ، وَمَنَعَتْهُمْ مَعْصِيَةُ آبَائِهِمْ أَنْ يَدْخُلُوا الْجَنَّةَ» ⦗٢١٩⦘ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ هُمْ قَوْمٌ صَالِحُونَ فُقَهَاءُ عُلَمَاءُ
١٠ ‏/ ٢١٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ قَوْمٌ صَالِحُونَ فُقَهَاءُ عُلَمَاءُ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ هُمْ مَلَائِكَةٌ، وَلَيْسُوا بِبَنِي آدَمَ
١٠ ‏/ ٢١٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ﴾ [الأعراف: ٤٦]، قَالَ: “هُمْ رِجَالٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ يَعْرِفُونَ أَهْلَ الْجَنَّةِ وَأَهْلَ النَّارِ. قَالَ: ﴿وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ﴾ [الأعراف: ٤٦] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ [الأعراف: ٤٧]، قَالَ: فَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا فِي النَّارِ يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ: ﴿مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ﴾ [الأعراف: ٤٩]، قَالَ: فَهَذَا حِينَ دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، ﴿ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا ⦗٢٢٠⦘ خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ﴾ [الأعراف: ٤٩]
١٠ ‏/ ٢١٩
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا الْمُعْتَمِرُ، قَالَ: سَمِعْتُ عِمْرَانَ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي مِجْلَزٍ: يَقُولُ اللَّهُ: ﴿وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ﴾ [الأعراف: ٤٦]، وَتَزْعُمُ أَنْتَ أَنَّهُمُ الْمَلَائِكَةُ؟ قَالَ: فَقَالَ: «إِنَّهُمْ ذُكُورٌ وَلَيْسُوا بِإِنَاثٍ»
١٠ ‏/ ٢٢٠
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ: ﴿وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ﴾ [الأعراف: ٤٦]، قَالَ: «رِجَالٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ يَعْرِفُونَ الْفَرِيقَيْنِ جَمِيعًا بِسِيمَاهُمْ، أَهْلَ النَّارِ وَأَهْلَ الْجَنَّةِ، وَهَذَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ» حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنِ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ، بِنَحْوِهِ
١٠ ‏/ ٢٢٠
وَقَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ، قَالَ: «أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ الْمَلَائِكَةُ»
١٠ ‏/ ٢٢٠
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا يَعْلَى بْنُ أَسَدٍ، قَالَ: ثنا خَالِدٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ: ﴿وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ﴾ [الأعراف: ٤٦]، قَالَ: «هُمُ الْمَلَائِكَةُ»
١٠ ‏/ ٢٢٠
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُدَيْرٍ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ ⦗٢٢١⦘: ﴿وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ﴾ [الأعراف: ٤٦]، قَالَ: «هُمُ الْمَلَائِكَةُ. قُلْتُ: يَا أَبَا مِجْلَزٍ، يَقُولُ اللَّهُ تبارك وتعالى رِجَالٌ، وَأَنْتَ تَقُولُ مَلَائِكَةٌ؟ قَالَ: إِنَّهُمْ ذُكْرَانٌ لَيْسُوا بِإِنَاثٍ»
١٠ ‏/ ٢٢٠
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا الْحَجَّاجُ قَالَ: ثنا حَمَّادٌ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُدَيْرٍ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ﴾ [الأعراف: ٤٦]، قَالَ: «الْمَلَائِكَةُ، قَالَ: قُلْتُ: يَقُولُ اللَّهُ رِجَالٌ؟ قَالَ: الْمَلَائِكَةُ ذُكُورٌ» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي أَصْحَابِ الْأَعْرَافِ أَنْ يُقَالَ كَمَا قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِيهِمْ: هُمْ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَهْلِ النَّارِ بِسِيمَاهُمْ، وَلَا خَبَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَصِحُّ سَنَدُهُ وَلَا أَنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَى تَأْوِيلِهَا، وَلَا إِجْمَاعٌ مِنَ الْأُمَّةِ عَلَى أَنَّهُمْ مَلَائِكَةٌ. فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَكَانَ ذَلِكَ لَا يُدْرَكُ قِيَاسًا، وَكَانَ الْمُتَعَارَفُ بَيْنَ أَهْلِ لِسَانِ الْعَرَبِ أَنَّ الرِّجَالَ اسْمٌ يَجْمَعُ ذُكُورَ بَنِي آدَمَ دُونَ إِنَاثِهِمْ وَدُونَ سَائِرِ الْخَلْقِ غَيْرِهِمْ، كَانَ بَيِّنًا أَنَّ مَا قَالَهُ أَبُو مِجْلَزٍ مِنْ أَنَّهُمْ مَلَائِكَةٌ قَوْلٌ لَا مَعْنَى لَهُ، وَأَنَّ الصَّحِيحَ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ مَا قَالَهُ سَائِرُ أَهْلِ التَّأْوِيلِ غَيْرَهُ. هَذَا مَعَ مَنْ قَالَ بِخِلَافِهِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَمَعَ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي ذَلِكَ مِنَ الْأَخْبَارِ وَإِنْ كَانَ فِي أَسَانِيدِهَا مَا فِيهَا
١٠ ‏/ ٢٢١
وَقَدْ حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ، قَالَ: ثني الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني جَرِيرٌ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ أَصْحَابِ الْأَعْرَافِ، فَقَالَ: «هُمْ آخِرُ مَنْ يُفْصَلُ بَيْنَهُمْ مِنَ الْعِبَادِ، وَإِذَا فَرَغَ رَبُّ ⦗٢٢٢⦘ الْعَالَمِينَ مِنْ فَصْلِهِ بَيْنَ الْعِبَادِ قَالَ: أَنْتُمْ قَوْمٌ أَخْرَجَتْكُمْ حَسَنَاتُكُمْ مِنَ النَّارِ وَلَمْ تُدْخِلْكُمُ الْجَنَّةَ، وَأَنْتُمْ عُتَقَائِي فَارْعَوْا مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ شِئْتُمْ»
١٠ ‏/ ٢٢١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ﴾ [الأعراف: ٤٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ أَهْلَ الْجَنَّةِ بِسِيمَاهُمْ، وَذَلِكَ بَيَاضُ وُجُوهِهِمْ وَنَضْرَةُ النَّعِيمِ عَلَيْهَا. وَيَعْرِفُونَ أَهْلَ النَّارِ كَذَلِكَ بِسِيمَاهُمْ، وَذَلِكَ سَوَادُ وُجُوهِهِمْ وَزُرْقَةُ أَعْيُنِهِمْ، فَإِذَا رَأَوْا أَهْلَ الْجَنَّةِ نَادَوْهُمْ: سَلَامٌ عَلَيْكُمْ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٠ ‏/ ٢٢٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ﴾ [الأعراف: ٤٦]، قَالَ: «يَعْرِفُونَ أَهْلَ النَّارِ بِسَوَادِ الْوُجُوهِ، وَأَهْلَ الْجَنَّةِ بِبَيَاضِ الْوُجُوهِ»
١٠ ‏/ ٢٢٢
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ﴾ [الأعراف: ٤٦]، قَالَ: «أَنْزَلَهُمُ اللَّهُ بِتِلْكَ الْمَنْزِلَةِ لِيَعْرِفُوا مَنْ فِي الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَلِيَعْرِفُوا أَهْلَ النَّارِ بِسَوَادِ الْوُجُوهِ، وَيَتَعَوَّذُوا بِاللَّهِ أَنْ يَجْعَلَهُمُ مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ، وَهُمْ فِي ذَلِكَ يُحَيُّونَ أَهْلَ الْجَنَّةِ بِالسَّلَامِ، لَمْ ⦗٢٢٣⦘ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ أَنْ يَدْخُلُوهَا، وَهُمْ دَاخِلُوهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ»
١٠ ‏/ ٢٢٢
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿بِسِيمَاهُمْ﴾ [الأعراف: ٤٨]، قَالَ: «بِسَوَادِ الْوُجُوهِ وَزُرْقَةِ الْعُيونِ»
١٠ ‏/ ٢٢٣
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ﴾ [الأعراف: ٤٦]: «الْكُفَّارُ بِسَوَادِ الْوُجُوهِ وَزُرْقَةِ الْعُيونِ، وَسِيمَا أَهْلِ الْجَنَّةِ مَبْيَضَةُ وُجُوهِهِمْ»
١٠ ‏/ ٢٢٣
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ إِذَا رَأَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ عَرَفُوهُمْ بِبَيَاضِ الْوُجُوهِ، وَإِذَا رَأَوْا أَصْحَابَ النَّارِ عَرَفُوهُمْ بِسَوَادِ الْوُجُوهِ»
١٠ ‏/ ٢٢٣
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: “إِنَّ أَصْحَابَ الْأَعْرَافِ رِجَالٌ كَانَتْ لَهُمْ ذُنُوبٌ عِظَامٌ، وَكَانَ حَسْمُ أَمْرِهِمْ لِلَّهِ، فَأُقِيمُوا ذَلِكَ الْمُقَامَ إِذَا نَظَرُوا إِلَى أَهْلِ النَّارِ عَرَفُوهُمْ بِسَوَادِ الْوُجُوهِ، ﴿قَالُوا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ [الأعراف: ٤٧]، وَإِذَا نَظَرُوا إِلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ عَرَفُوهُمْ بِبَيَاضِ الْوُجُوهِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ﴾ [الأعراف: ٤٦]
١٠ ‏/ ٢٢٣
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا عُبَيْدُ بْنُ ⦗٢٢٤⦘ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ﴾ [الأعراف: ٤٦]، ” زَعَمُوا أَنَّ أَصْحَابَ الْأَعْرَافِ رِجَالٌ مِنْ أَهْلِ الذُّنُوبِ أَصَابُوا ذَنُوبًا، وَكَانَ حَسْمُ أَمْرِهِمْ لِلَّهِ، فَجَعَلَهُمُ اللَّهُ عَلَى الْأَعْرَافِ، فَإِذَا نَظَرُوا إِلَى أَهْلِ النَّارِ عَرَفُوهُمْ بِسَوَادِ الْوُجُوهِ، فَتَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنَ النَّارِ، وَإِذَا نَظَرُوا إِلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ، نَادَوْهُمْ أَنْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ، قَالَ اللَّهُ: ﴿لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ﴾ [الأعراف: ٤٦] قَالَ: وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ
١٠ ‏/ ٢٢٣
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ﴾ [الأعراف: ٤٦]: «يَعْرِفُونَ النَّاسَ بِسِيمَاهُمْ، يَعْرِفُونَ أَهْلَ النَّارِ بِسَوَادِ وُجُوهِهِمْ، وَأَهْلَ الْجَنَّةِ بِبَيَاضِ وُجُوهِهِمْ»
١٠ ‏/ ٢٢٤
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ﴾ [الأعراف: ٤٦]: «يَعْرِفُونَ أَهْلَ النَّارِ بِسَوَادِ وُجُوهِهِمْ، وَأَهْلَ الْجَنَّةِ بِبَيَاضِ وُجُوهِهِمْ»
١٠ ‏/ ٢٢٤
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ﴾ [الأعراف: ٤٦]، قَالَ: «أَهْلَ الْجَنَّةِ بِسِيمَاهُمْ بِيضُ الْوُجُوهِ، وَأَهْلَ النَّارِ بِسِيمَاهُمْ سُودُ الْوُجُوهِ. قَالَ: وَقَوْلُهُ ﴿يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ﴾ [الأعراف: ٤٦] قَالَ: أَصْحَابُ الْجَنَّةِ وَأَصْحَابُ النَّارِ، وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ، قَالَ: حِينَ رَأَوْا وُجُوهَهُمْ قَدِ ابْيَضَّتْ»
١٠ ‏/ ٢٢٤
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ: ﴿يَعْرِفُونَ كُلًّا ⦗٢٢٥⦘ بِسِيمَاهُمْ﴾ [الأعراف: ٤٦]، قَالَ: «بِسَوَادِ الْوُجُوهِ»
١٠ ‏/ ٢٢٤
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ، عَنْ مُبَارَكٍ، عَنِ الْحَسَنِ: ﴿بِسِيمَاهُمْ﴾ [الأعراف: ٤٨] قَالَ: «بِسَوَادِ الْوُجُوهِ، وَزُرْقَةِ الْعُيونِ» وَالسَّيْمَاءُ: الْعَلَامَةُ الدَّالَّةُ عَلَى الشَّيْءِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، وَأَصْلُهُ مِنَ السِّمَةِ نُقِلَتْ وَاوُهَا الَّتِي هِيَ فَاءُ الْفِعْلِ إِلَى مَوْضِعِ الْعَيْنِ، كَمَا يُقَالُ: اضْمَحَلَّ وَامْضَحَلَّ. وَذُكِرَ سَمَاعًا عَنْ بَعْضِ بَنِي عَقِيلٍ: هِيَ أَرْضُ خَامَةٍ، يَعْنِي: وَخِمَةً، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: لَهُ جَاهٌ عِنْدَ النَّاسِ، بِمَعْنَى: وَجْهٌ، نُقِلَتْ وَاوُهُ إِلَى مَوْضِعِ عَيْنِ الْفِعْلِ وَفِيهَا لُغَاتٌ ثَلَاثٌ: (سِيمَا) مَقْصُورَةٌ، وَ(سِيمَاءُ) مَمْدُودَةٌ، وَ(سِيمْيَاءُ) بِزِيَادَةِ يَاءٍ أُخْرَى بَعْدَ الْمِيمِ فِيهَا، وَمَدُّهَا عَلَى مِثَالِ الْكِبْرِيَاءِ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الطويل] غُلَامٌ رَمَاهُ اللَّهُ بِالْحُسْنِ إِذْ رَمَى … لَهُ سِيمْيَاءُ لَا تَشُقُّ عَلَى الْبَصَرِ
١٠ ‏/ ٢٢٥
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ﴾ [الأعراف: ٤٦]: أَيْ حَلَّتْ عَلَيْهِمْ أَمَنَةُ اللَّهِ مِنْ عِقَابِهِ وَأَلِيمِ عَذَابِهِ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمَعْنِيِّ بِقَوْلِهِ: ﴿لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ﴾ [الأعراف: ٤٦]، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هَذَا خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ عَنْ أَهْلِ الْأَعْرَافِ أَنَّهُمْ قَالُوا لِأَهْلِ الْجَنَّةِ مَا قَالُوا قَبْلَ دُخُولِ أَصْحَابِ الْأَعْرَافِ، غَيْرَ أَنَّهُمْ قَالُوهُ وَهُمْ يَطْمَعُونَ فِي دُخُولِهَا
١٠ ‏/ ٢٢٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: “أَهْلُ الْأَعْرَافِ يَعْرِفُونَ النَّاسَ، فَإِذَا مَرُّوا عَلَيْهِمْ بِزُمْرَةٍ يُذْهَبُ بِهَا إِلَى الْجَنَّةِ قَالُوا: سَلَامٌ عَلَيْكُمْ يَقُولُ اللَّهُ لِأَهْلِ الْأَعْرَافِ: ﴿لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ﴾ [الأعراف: ٤٦] أَنْ يَدْخُلُوهَا
١٠ ‏/ ٢٢٦
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، قَالَ: تَلَا الْحَسَنُ: ﴿لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ﴾ [الأعراف: ٤٦]، قَالَ: «وَاللَّهِ مَا جُعِلَ ذَلِكَ الطَّمَعُ فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا لِكَرَامَةٍ يُرِيدُهَا بِهِمْ»
١٠ ‏/ ٢٢٦
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ﴾ [الأعراف: ٤٦]، قَالَ: «أَنْبَأَكُمُ اللَّهُ بِمَكَانِهِمْ مِنَ الطَّمَعِ»
١٠ ‏/ ٢٢٦
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا سُوَيْدٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْهُذَلِيِّ، قَالَ: قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَهُوَ يُحَدِّثُ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: “أَمَّا أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ، فَإِنَّ النُّورَ كَانَ فِي أَيْدِيهِمْ فَانْتُزِعَ مِنْ أَيْدِيهِمْ، يَقُولُ اللَّهُ: ﴿لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ﴾ [الأعراف: ٤٦]، قَالَ: فِي دُخُولِهَا
١٠ ‏/ ٢٢٦
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «فَأَدْخَلَ اللَّهُ أَصْحَابَ الْأَعْرَافِ الْجَنَّةَ»
١٠ ‏/ ٢٢٧
حَدَّثَنِي الْحَرْثُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: ثنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، وَعَطَاءٍ: ﴿لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ﴾ [الأعراف: ٤٦]، قَالَا: «فِي دُخُولِهَا» وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّمَا عُنِيَ بِذَلِكَ أَهْلُ الْجَنَّةِ، وَأَنَّ أَصْحَابَ الْأَعْرَافِ يَقُولُونَ لَهُمْ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلُوا الْجَنَّةَ: سَلَامٌ عَلَيْكُمْ، وَأَهْلُ الْجَنَّةِ يَطْمَعُونَ أَنْ يَدْخُلُوهَا، وَلَمْ يَدْخُلُوهَا بَعْدُ
١٠ ‏/ ٢٢٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا وَكِيعٌ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ: ﴿وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ﴾ [الأعراف: ٤٦]، قَالَ: «الْمَلَائِكَةُ يَعْرِفُونَ الْفَرِيقَيْنِ جَمِيعًا بِسِيمَاهُمْ، وَهَذَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ يُنَادُونَ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ: أَنْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ، لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ فِي دُخُولِهَا»
١٠ ‏/ ٢٢٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ [الأعراف: ٤٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُ أَصْحَابِ الْأَعْرَافِ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ يَعْنِي: حِيَالَهُمْ وَوِجَاهَهُمْ فَنَظَرُوا إِلَى تَشْوِيهِ اللَّهِ لَهُمْ ﴿قَالُوا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ [الأعراف: ٤٧] الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَكْسَبُوهَا مِنْ سَخَطِكَ مَا أَوْرَثَهُمْ مِنْ ⦗٢٢٨⦘ عَذَابِكَ مَا هُمْ فِيهِ
١٠ ‏/ ٢٢٧
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: “وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ، يَعْنِي بِأَصْحَابِ الْأَعْرَافِ بِزُمْرَةٍ يُذْهَبُ بِهَا إِلَى النَّارِ ﴿قَالُوا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ [الأعراف: ٤٧]
١٠ ‏/ ٢٢٨
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا سُوَيْدٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: “إِنَّ أَصْحَابَ الْأَعْرَافِ إِذَا نَظَرُوا إِلَى أَهْلِ النَّارِ وَعَرَفُوهُمْ قَالُوا: ﴿رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ [الأعراف: ٤٧]
١٠ ‏/ ٢٢٨
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ أَبِي مَكِينٍ، عَنْ أَخِيهِ، عَنْ عِكْرِمَةَ: ﴿وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ﴾ [الأعراف: ٤٧]، قَالَ: «تَحَرَّدَ وُجُوهُهُمْ لِلنَّارِ، فَإِذَا رَأَوْا أَهْلَ الْجَنَّةِ ذَهَبَ ذَلِكَ عَنْهُمْ»
١٠ ‏/ ٢٢٨
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ﴾ [الأعراف: ٤٧] ” فَرَأَوْا وُجُوهَهُمْ مُسْوَدَّةً وَأَعْيُنَهُمْ مُزْرَقَّةً، ﴿قَالُوا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ [الأعراف: ٤٧]
١٠ ‏/ ٢٢٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ﴾ [الأعراف: ٤٨]⦗٢٢٩⦘ يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا﴾ [الأعراف: ٤٨] مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ ﴿يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ﴾ [الأعراف: ٤٨] سِيمَا أَهْلِ النَّارِ، ﴿قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ﴾ [الأعراف: ٤٨]: مَا كُنْتُمْ تَجْمَعُونَ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْعَدَدِ فِي الدُّنْيَا، ﴿وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ﴾ [الأعراف: ٤٨] يَقُولُ: وَتَكَبُّرُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تَتَكَبَّرُونَ فِيهَا
١٠ ‏/ ٢٢٨
كَمَا حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: “فَمَرَّ بِهِمْ يَعْنِي بِأَصْحَابِ الْأَعْرَافِ نَاسٌ مِنَ الْجَبَّارِينَ عَرَفُوهُمْ بِسِيمَاهُمْ، قَالَ: يَقُولُ: قَالَ أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ: ﴿مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ﴾ [الأعراف: ٤٨]
١٠ ‏/ ٢٢٩
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا﴾ [الأعراف: ٤٨]، قَالَ: “فِي النَّارِ، ﴿يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ﴾ [الأعراف: ٤٨] وَتَكَبُّرُكُمْ، ﴿وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ﴾ [الأعراف: ٤٨]
١٠ ‏/ ٢٢٩
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ: ﴿وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ﴾ [الأعراف: ٤٨]، قَالَ: «هَذَا حِينَ دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ» ﴿أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ﴾ [الأعراف: ٤٩] الْآيَةَ قُلْتُ لِأَبِي مِجْلَزٍ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؟ قَالَ: ⦗٢٣٠⦘ لَا، بَلْ عَنْ غَيْرِهِ
١٠ ‏/ ٢٢٩
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ: ﴿وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ﴾ [الأعراف: ٤٨]، قَالَ: “نَادَتِ الْمَلَائِكَةُ رِجَالًا فِي النَّارِ يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ: ﴿مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ. أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ﴾ [الأعراف: ٤٩] قَالَ: هَذَا حِينَ دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، ﴿ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ﴾ [الأعراف: ٤٩]
١٠ ‏/ ٢٣٠
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ﴾ [الأعراف: ٤٨]: «فَالرِّجَالُ عُظَمَاءُ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا، قَالَ: فَبِهَذِهِ الصِّفَةِ عَرَفَ أَهْلُ الْأَعْرَافِ أَهْلَ الْجَنَّةِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ. وَإِنَّمَا ذُكِرَ هَذَا حِينَ يَذْهَبُ رَئِيسُ أَهْلِ الْخَيْرِ وَرَئِيسُ أَهْلِ الشَّرِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» قَالَ: وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ﴾ [الأعراف: ٤٨]، قَالَ: «عَلَى أَهْلِ طَاعَةِ اللَّهِ»
١٠ ‏/ ٢٣٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ﴾ [الأعراف: ٤٩] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمَعْنِيِّينَ بِهَذَا الْكَلَامِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هَذَا قِيلُ اللَّهِ لِأَهْلِ النَّارِ تَوْبِيخًا لَهُمْ عَلَى مَا كَانَ مِنْ قِيلِهِمْ فِي الدُّنْيَا لِأَهْلِ الْأَعْرَافِ عِنْدَ إِدْخَالِهِ أَصْحَابَ الْأَعْرَافِ الْجَنَّةَ
١٠ ‏/ ٢٣٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: “أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالٌ كَانَتْ لَهُمْ ذُنُوبٌ عِظَامٌ، وَكَانَ حَسْمُ أَمْرِهِمْ لِلَّهِ، يَقُومُونَ عَلَى الْأَعْرَافِ، فَإِذَا نَظَرُوا إِلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ طَمَعُوا أَنْ يَدْخُلُوهَا، وَإِذَا نَظَرُوا إِلَى أَهْلِ النَّارِ تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْهَا، فَأُدْخِلُوا الْجَنَّةَ. فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ﴾ [الأعراف: ٤٩] يَعْنِي أَصْحَابَ الْأَعْرَافِ، ﴿ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ﴾ [الأعراف: ٤٩]
١٠ ‏/ ٢٣١
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا سُوَيْدٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: “إِنَّ اللَّهَ أَدْخَلَ أَصْحَابَ الْأَعْرَافِ الْجَنَّةَ لِقَوْلِهِ: ﴿ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ﴾ [الأعراف: ٤٩]
١٠ ‏/ ٢٣١
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: قَالَ اللَّهُ لِأَهْلِ التَّكَبُّرِ وَالْأَمْوَالِ: ﴿أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ﴾ [الأعراف: ٤٩]، يَعْنِي أَصْحَابَ الْأَعْرَافِ، ﴿ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ ⦗٢٣٢⦘ تَحْزَنُونَ﴾ [الأعراف: ٤٩]
١٠ ‏/ ٢٣١
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿أَهَؤُلَاءِ﴾ [المائدة: ٥٣] الضُّعَفَاءُ ﴿الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ﴾ [الأعراف: ٤٩]، قَالَ: فَقَالَ حُذَيْفَةُ: “أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ قَوْمٌ تَكَافَأَتْ أَعْمَالُهُمْ فَقَصُرَتْ بِهِمْ حَسَنَاتُهُمْ عَنِ الْجَنَّةِ، وَقَصُرَتْ بِهِمْ سَيِّئَاتُهُمْ عَنِ النَّارِ، فَجَعَلُوا عَلَى الْأَعْرَافِ يَعْرِفُونَ النَّاسَ بِسِيمَاهُمْ. فَلَمَّا قُضِيَ بَيْنَ الْعِبَادِ، أُذِنَ لَهُمْ فِي طَلَبِ الشَّفَاعَةِ، فَأَتَوْا آدَمَ عليه السلام فَقَالُوا: يَا آدَمُ، أَنْتَ أَبُونَا فَاشْفَعْ لَنَا عِنْدَ رَبِّكَ، فَقَالَ: هَلْ تَعْلَمُونَ أَحَدًا خَلَقَهُ اللَّهُ بِيَدِهِ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَسَبَقَتْ رَحْمَةُ اللَّهِ إِلَيْهِ غَضَبَهُ وَسَجَدَتْ لَهُ الْمَلَائِكَةُ غَيْرِي؟ فَيَقُولُونَ لَا. قَالَ: فَيَقُولُ: مَا عَلِمْتُ كُنْهَ مَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَشْفَعَ لَكُمْ، وَلَكِنِ ائْتُوا ابْنِي إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام فَيَسْأَلُونَهُ أَنْ يَشْفَعَ لَهُمْ عِنْدَ رَبِّهِ، فَيَقُولُ: هَلْ تَعْلَمُونَ مِنْ أَحَدٍ اتَّخَذَهُ اللَّهُ خَلِيلًا؟ هَلْ تَعْلَمُونَ أَحَدًا أَحْرَقَهُ قَوْمُهُ فِي النَّارِ فِي اللَّهِ غَيْرِي؟ فَيَقُولُونَ: لَا، فَيَقُولُ: مَا عَلِمْتُ كُنْهَ مَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَشْفَعَ لَكُمْ، وَلَكِنِ ائْتُوا ابْنِي مُوسَى، فَيَأْتُونَ مُوسَى عليه السلام فَيَقُولُ: هَلْ تَعْلَمُونَ مِنْ أَحَدٍ كَلَّمَهُ اللَّهُ تَكْلِيمًا وَقَرَّبَهُ نَجِيًّا غَيْرِي؟ فَيَقُولُونَ: لَا، فَيَقُولُ: مَا عَلِمْتُ كُنْهَ مَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَشْفَعَ لَكُمْ، وَلَكِنِ ائْتُوا عِيسَى، فَيَأْتُونَهُ فَيَقُولُونَ: اشْفَعْ لَنَا عِنْدَ رَبِّكَ، فَيَقُولُ: هَلْ
١٠ ‏/ ٢٣٢
تَعْلَمُونَ أَحَدًا خَلَقَهُ اللَّهُ مِنْ غَيْرِ أَبٍ غَيْرِي؟ فَيَقُولُونَ: لَا، فَيَقُولُ: هَلْ تَعْلَمُونَ مِنْ أَحَدٍ كَانَ يُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَيُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ غَيْرِي؟ قَالَ: فَيَقُولُونَ: لَا، قَالَ: فَيَقُولُ: أَنَا حَجِيجُ نَفْسِي، مَا عَلِمْتُ كُنْهَ مَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَشْفَعَ لَكُمْ، وَلَكِنِ ائْتُوا مُحَمَّدًا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «فَيَأْتُونِي، فَأَضْرِبُ بِيَدِي عَلَى صَدْرِي ثُمَّ أَقُولُ: أَنَا لَهَا. ثُمَّ أَمْشِي حَتَّى أَقِفَ بَيْنَ يَدَيِ الْعَرْشِ، فَأُثْنِي عَلَى رَبِّي، فَيَفْتَحُ لِي مِنَ الثَّنَاءِ مَا لَمْ يَسْمَعِ السَّامِعُونَ بِمِثْلِهِ قَطُّ، ثُمَّ أَسْجُدُ فَيُقَالُ لِي: يَا مُحَمَّدُ، ارْفَعْ رَأْسَكَ، سَلْ تُعْطَهْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ. فَأَرْفَعُ رَأْسِي فَأَقُولُ: رَبِّ أُمَّتِي، فَيُقَالُ: هُمْ لَكَ. فَلَا يَبْقَى نَبِيُّ مُرْسَلٌ وَلَا مَلَكٌ مُقَرَّبٌ إِلَّا غَبَطَنِي يَوْمَئِذٍ بِذَلِكَ الْمَقَامِ، وَهُوَ الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ». قَالَ: «فَآتِي بِهِمْ بَابَ الْجَنَّةِ فَأَسْتَفْتِحُ، فَيُفْتَحُ لِي وَلَهُمْ، فَيُذْهَبُ بِهِمْ إِلَى نَهَرٍ يُقَالُ لَهُ نَهَرُ الْحَيَاةِ، حَافَّتَاهُ قُضُبٌ مِنْ ذَهَبٍ مُكَلَّلٍ بِاللُّؤْلُؤِ، تُرَابُهُ الْمِسْكُ، وَحَصْبَاؤُهُ الْيَاقُوتُ، فَيَغْتَسِلُونَ مِنْهُ، فَتَعُودُ إِلَيْهِمْ أَلْوَانُ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَرِيحُهُمْ، وَيَصِيرُونَ كَأَنَّهُمُ الْكَوَاكِبُ الدُّرِّيَّةُ، وَيَبْقَى فِي صَدْرِهِمْ شَامَاتٌ بِيضٌ يُعْرَفُونَ بِهَا، يُقَالُ لَهُمْ مَسَاكِينُ أَهْلِ الْجَنَّةِ»
١٠ ‏/ ٢٣٣
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، قَالَ: “إِنَّ اللَّهَ أَدْخَلَهُمْ بَعْدَ أَصْحَابِ الْجَنَّةِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: ﴿ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ﴾ [الأعراف: ٤٩]، يَعْنِي أَصْحَابَ الْأَعْرَافِ. وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ الَّذِي ذَكَرْنَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمَنْ ذَكَرْنَا قَوْلَهُ فِيهِ: قَالَ اللَّهُ لِأَهْلِ التَّكَبُّرِ عَنِ الْإِقْرَارِ بِوَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ وَالْإِذْعَانِ لِطَاعَتِهِ وَطَاعَةِ رُسُلِهِ الْجَامِعِينَ فِي الدُّنْيَا الْأَمْوَالَ مُكَاثَرَةً وَرِيَاءً: أَيُّهَا الْجَبَابِرَةُ الَّذِينَ كَانُوا فِي الدُّنْيَا، أَهَؤُلَاءِ الضُّعَفَاءُ الَّذِينَ كُنْتُمْ فِي الدُّنْيَا أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ؟ قَالَ: قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ وَرَحَمْتُهُمْ بِفَضْلِي وَرَحْمَتِي، ادْخُلُوا يَا أَصْحَابَ الْأَعْرَافِ الْجَنَّةَ، لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ بَعْدَهَا مِنْ عُقُوبَةٍ تُعَاقَبُونَ بِهَا عَلَى مَا سَلَفَ مِنْكُمْ فِي الدُّنْيَا مِنَ الْآثَامِ وَالْإِجْرَامِ، وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ عَلَى شَيْءٍ فَاتَكُمْ فِي دُنْيَاكُمْ وَقَالَ أَبُو مِجْلَزٍ: بَلْ هَذَا الْقَوْلُ خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ عَنْ قِيلِ الْمَلَائِكَةِ لِأَهْلِ النَّارِ بَعْدَمَا دَخَلُوا النَّارَ تَعْيِيرًا مِنْهُمْ لَهُمْ عَلَى مَا كَانُوا يَقُولُونَ فِي الدُّنْيَا لِلْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ أَدْخَلَهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ جَنَّتَهُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ﴾ [الأعراف: ٤٩]، فَخَبَرٌ مِنَ اللَّهِ عَنْ أَمْرِهِ أَهْلَ الْجَنَّةِ بِدُخُولِهَا
١٠ ‏/ ٢٣٤
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ، قَالَ: «⦗٢٣٥⦘ نَادَتِ الْمَلَائِكَةُ رِجَالًا فِي النَّارِ يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ: مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ، أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ؟ قَالَ: فَهَذَا حِينَ يَدْخُلُ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ»
١٠ ‏/ ٢٣٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ [الأعراف: ٥٠] وَهَذَا خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ عَنِ اسْتِغَاثَةِ أَهْلِ النَّارِ بِأَهْلِ الْجَنَّةِ عِنْدَ نُزُولِ عَظِيمِ الْبَلَاءِ بِهِمْ مِنْ شِدَّةِ الْعَطَشِ وَالْجُوعِ، عُقُوبَةً مِنَ اللَّهِ لَهُمْ عَلَى مَا سَلَفَ مِنْهُمْ فِي الدُّنْيَا مِنْ تَرْكِ طَاعَةِ اللَّهِ وَأَدَاءِ مَا كَانَ فَرَضَ عَلَيْهِمْ فِيهَا فِي أَمْوَالِهِمْ مِنْ حُقُوقِ الْمَسَاكِينِ مِنَ الزَّكَاةِ وَالصَّدَقَةِ. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ بَعْدَمَا دَخَلُوهَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ بَعْدَمَا سَكَنُوهَا أَنْ يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ: ﴿أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ﴾ [الأعراف: ٥٠]: أَيْ أَطْعِمُونَا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ مِنَ الطَّعَامِ
١٠ ‏/ ٢٣٥
كَمَا حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿أَنْ أَفِيضُوا، عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ﴾ [الأعراف: ٥٠]، قَالَ: «مِنَ الطَّعَامِ»
١٠ ‏/ ٢٣٥
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿أَنْ أَفِيضُوا، عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ﴾ [الأعراف: ٥٠]، قَالَ: «يَسْتَطْعِمُونَهُمْ وَيَسْتَسْقُونَهُمْ. ⦗٢٣٦⦘ فَأَجَابَهُمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ: إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ الْمَاءَ وَالطَّعَامَ عَلَى الَّذِينَ جَحَدُوا تَوْحِيدَهُ وَكَذَّبُوا فِي الدُّنْيَا رُسُلَهُ» وَالْهَاءُ وَالْمِيمُ فِي قَوْلِهِ: ﴿إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا﴾ [الأعراف: ٥٠] عَائِدَتَانِ عَلَى الْمَاءِ، وَعَلَى (مَا) الَّتِي فِي قَوْلِهِ: ﴿أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ﴾ [الأعراف: ٥٠] . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٠ ‏/ ٢٣٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عُثْمَانَ الثَّقَفِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ﴾ [الأعراف: ٥٠]، قَالَ: “يُنَادِي الرَّجُلُ أَخَاهُ أَوْ أَبَاهُ، فَيَقُولُ: قَدِ احْتَرَقْتُ، أَفِضْ عَلَيَّ مِنَ الْمَاءِ، فَيُقَالُ لَهُمْ: أَجِيبُوهُمْ، فَيَقُولُونَ: ﴿إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ [الأعراف: ٥٠]
١٠ ‏/ ٢٣٦
وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا ابْنُ دُكَيْنٍ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ عُثْمَانَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: ﴿وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ﴾ [الأعراف: ٥٠]، قَالَ: “يُنَادِي الرَّجُلُ أَخَاهُ: يَا أَخِي، قَدِ احْتَرَقْتُ فَأَغِثْنِي، فَيَقُولُ: ﴿إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ [الأعراف: ٥٠]
١٠ ‏/ ٢٣٦
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿قَالُوا إِنَّ ⦗٢٣٧⦘ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ [الأعراف: ٥٠]، قَالَ: «طَعَامُ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَشَرَابُهَا»
١٠ ‏/ ٢٣٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ﴾ [الأعراف: ٥١] وَهَذَا خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ عَنْ قِيلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ لِلْكَافِرِينَ، يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَأَجَابَ أَهْلُ الْجَنَّةِ أَهْلَ النَّارِ: ﴿إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ [الأعراف: ٥٠] الَّذِينَ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ، ﴿الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ﴾ [الأنعام: ٧٠] الَّذِي أَمَرَهُمُ اللَّهُ بِهِ ﴿لَهْوًا وَلَعِبًا﴾ [الأعراف: ٥١]، يَقُولُ: سُخْرِيَةً وَلَعِبًا وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي ذَلِكَ
١٠ ‏/ ٢٣٧
مَا حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا﴾ [الأعراف: ٥١] الْآيَةَ. قَالَ: «وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا دُعُوا إِلَى الْإِيمَانِ سَخِرُوا مِمَّنْ دَعَاهُمْ إِلَيْهِ وَهَزَءُوا بِهِ اغْتِرَارًا بِاللَّهِ» ﴿وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا﴾ [الأعراف: ٥١] يَقُولُ: وَخَدَعَهُمْ عَاجِلُ مَا هُمْ فِيهِ مِنَ الْعَيْشِ وَالْخَفْضِ وَالدَّعَةِ عَنِ الْأَخْذِ بِنَصِيبِهِمْ مِنَ الْآخِرَةِ حَتَّى أَتَتْهُمُ الْمَنِيَّةُ، يَقُولُ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا﴾ [الأعراف: ٥١]: أَيْ فَفِي هَذَا الْيَوْمِ، وَذَلِكَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، نَنْسَاهُمْ، يَقُولُ: نَتْرُكُهُمْ فِي الْعَذَابِ
١٠ ‏/ ٢٣٧
الْمُبِينِ جِيَاعًا عِطَاشًا بِغَيْرِ طَعَامٍ وَلَا شَرَابٍ، كَمَا تَرَكُوا الْعَمَلَ لِلِقَاءِ يَوْمِهِمْ هَذَا وَرَفَضُوا الِاسْتِعْدَادِ لَهُ بِإِتْعَابِ أَبْدَانِهِمْ فِي طَاعَةِ اللَّهِ. وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿نَنْسَاهُمْ﴾ [الأعراف: ٥١] بِشَوَاهِدِهِ فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٠ ‏/ ٢٣٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ﴾ [الأعراف: ٥١]، قَالَ: «نُسُوا فِي الْعَذَابِ»
١٠ ‏/ ٢٣٨
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ﴾ [الأعراف: ٥١]، قَالَ: «نَتْرُكُهُمْ كَمَا تَرَكُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا»
١٠ ‏/ ٢٣٨
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿نَنْسَاهُمْ﴾ [الأعراف: ٥١] قَالَ: «نَتْرُكُهُمْ فِي النَّارِ»
١٠ ‏/ ٢٣٨
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ﴿فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا﴾ [الأعراف: ٥١]، قَالَ: «نَتْرُكُهُمْ مِنَ الرَّحْمَةِ كَمَا تَرَكُوا أَنْ يَعْمَلُوا لِلِقَاءِ يَوْمِهِمْ هَذَا»
١٠ ‏/ ٢٣٨
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا﴾ [الأعراف: ٥١] الْآيَةَ: يَقُولُ: «نَسِيَهُمُ اللَّهُ مِنَ الْخَيْرِ، وَلَمْ يَنْسَهُمْ مِنَ الشَّرِّ»
١٠ ‏/ ٢٣٩
حَدَّثَنِي الْحَرْثُ قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ قَالَ: ثنا أَبُو سَعْدٍ قَالَ: سَمِعْتُ مُجَاهِدًا فِي قَوْلِهِ: ﴿فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا﴾ [الأعراف: ٥١] قَالَ: «نُؤَخِّرُهُمْ فِي النَّارِ»
١٠ ‏/ ٢٣٩
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ﴾ [الأعراف: ٥١]، فَإِنَّ مَعْنَاهُ: الْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا، وَكَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ. فَـ (مَا) الَّتِي فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَا كَانُوا﴾ [البقرة: ١٦] مَعْطُوفَةٌ عَلَى (مَا) الَّتِي فِي قَوْلِهِ: ﴿كَمَا نَسُوا﴾ [الأعراف: ٥١] . وَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ: فَالْيَوْمَ نَتْرُكُهُمْ فِي الْعَذَابِ، كَمَا تَرَكُوا الْعَمَلَ فِي الدُّنْيَا لِلِقَاءِ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَكَمَا كَانُوا بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ، وَهِيَ حُجَجُهُ الَّتِي احْتَجَّ بِهَا عَلَيْهِمْ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ وَالْكُتُبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. يَجْحَدُونَ: يُكَذِّبُونَ وَلَا يُصَدِّقُونَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ
١٠ ‏/ ٢٣٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى. ﴿وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ [الأعراف: ٥٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أُقْسِمُ يَا مُحَمَّدُ لَقَدْ جِئْنَا هَؤُلَاءِ الْكَفَرَةَ بِكِتَابٍ، يَعْنِي الْقُرْآنَ الَّذِي أَنْزَلَهُ إِلَيْهِمْ. يَقُولُ: لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْهِمْ هَذَا الْقُرْآنَ مُفَصَّلًا مُبَيَّنًا فِيهِ الْحَقُّ مِنَ الْبَاطِلِ، ﴿عَلَى عِلْمٍ﴾ [الأعراف: ٥٢] يَقُولُ: عَلَى عِلْمٍ مِنَّا بِحَقِّ مَا فُصِّلَ فِيهِ مِنَ الْبَاطِلِ الَّذِي مُيِّزَ فِيهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَقِّ، ﴿هُدًى وَرَحْمَةً﴾ [الأعراف: ٥٢]، يَقُولُ: بَيَّنَّاهُ لِيَهْتَدِيَ وَيُرْحَمَ بِهِ قَوْمٌ يُصَدِّقُونَ بِهِ وَبِمَا فِيهِ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ وَنَهْيِهِ وَأَخْبَارِهِ وَوَعْدِهِ وَوَعِيدِهِ. فَيُنْقِذُهُمْ بِهِ مِنَ الضَّلَالَةِ إِلَى الْهُدَى. وَهَذِهِ الْآيَةُ مَرْدُودَةٌ عَلَى قَوْلِهِ: ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ . ﴿وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ﴾ [الأعراف: ٥٢]، وَالْهُدَى فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الْقَطْعِ مِنَ الْهَاءِ الَّتِي فِي قَوْلِهِ: ﴿فَصَّلْنَاهُ﴾ [الأعراف: ٥٢]، وَلَوْ نُصِبَ عَلَى فِعْلِ فَصَّلْنَاهُ، فَيَكُونُ الْمَعْنَى: فَصَّلْنَا الْكِتَابَ كَذَلِكَ كَانَ صَحِيحًا، وَلَوْ قُرِئَ (هُدًى وَرَحْمَةٍ) كَانَ فِي الْإِعْرَابِ فَصِيحًا، وَكَانَ خَفْضُ ذَلِكَ بِالرَّدِّ عَلَى الْكِتَابِ
١٠ ‏/ ٢٤٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ﴾ [الأعراف: ٥٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ﴾ [الأعراف: ٥٣]: هَلْ يَنْتَظِرُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَجْحَدُونَ لِقَاءَهُ، إِلَّا تَأْوِيلَهُ؟ يَقُولُ: إِلَّا مَا يَئُولُ إِلَيْهِ أَمْرُهُمْ مِنْ وُرُودِهِمْ عَلَى ⦗٢٤١⦘ عَذَابِ اللَّهِ، وَصِلِيِّهِمْ جَحِيمَهُ، وَأَشْبَاهُ هَذَا مِمَّا أَوْعَدَهُمُ اللَّهُ بِهِ. وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى التَّأْوِيلِ فِيمَا مَضَى بِشَوَاهِدِهِ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٠ ‏/ ٢٤٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ﴾ [الأعراف: ٥٣]: «أَيْ ثَوَابَهُ» ﴿يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ﴾ [الأعراف: ٥٣]: «أَيْ ثَوَابُهُ»
١٠ ‏/ ٢٤١
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ قَالَ: ثنا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ﴾ [الأعراف: ٥٣] قَالَ: «تَأْوِيلُهُ: عَاقِبَتُهُ»
١٠ ‏/ ٢٤١
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ شِبْلٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ﴾ [الأعراف: ٥٣]، قَالَ: «جَزَاءَهُ»، ﴿يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ﴾ [الأعراف: ٥٣] قَالَ: «جَزَاؤُهُ» حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٠ ‏/ ٢٤١
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ﴾ [الأعراف: ٥٣] «أَمَّا تَأْوِيلُهُ: فَعَوَاقِبُهُ مِثْلُ وَقْعَةِ بَدْرٍ، وَالْقِيَامَةِ، وَمَا وَعَدَ فِيهِ مِنْ مَوْعِدٍ»
١٠ ‏/ ٢٤٢
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ﴾ [الأعراف: ٥٣]، «فَلَا يَزَالُ يَقَعُ مِنْ تَأْوِيلِهِ أَمْرٌ حَتَّى يَتِمَّ تَأْوِيلُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَفِي ذَلِكَ أَنْزَلَ: ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ﴾ [الأعراف: ٥٣]، حَيْثُ أَثَابَ اللَّهُ تبارك وتعالى أَوْلِيَاءَهُ وَأَعْدَاءَهُ ثَوَابَ أَعْمَالِهِمْ، يَقُولُ يَوْمَئِذٍ: ﴿الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ﴾ [الأعراف: ٥٣] الْآيَةَ»
١٠ ‏/ ٢٤٢
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ﴾ [الأعراف: ٥٣] قَالَ: «يَوْمُ الْقِيَامَةِ»
١٠ ‏/ ٢٤٢
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿يَوْمَ يَأْتِي ⦗٢٤٣⦘ تَأْوِيلُهُ﴾ [الأعراف: ٥٣]، قَالَ: «يَأْتِي تَحْقِيقُهُ. وَقَرَأَ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ﴾ [يوسف: ١٠٠]، قَالَ: هَذَا تَحْقِيقُهَا. وَقَرَأَ قَوْلَ اللَّهِ: ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ﴾ [آل عمران: ٧]، قَالَ: مَا يَعْلَمُ حَقِيقَتَهُ وَمَتَى يَأْتِي إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى»
١٠ ‏/ ٢٤٢
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ﴾ [الأعراف: ٥٣]، فَإِنَّ مَعْنَاهُ: يَوْمَ يَجِيءُ مَا يَئُولُ إِلَيْهِ أَمْرُهُمْ مِنْ عِقَابِ اللَّهِ، ﴿يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ﴾ [الأعراف: ٥٣]، أَيْ يَقُولُ الَّذِينَ ضَيَّعُوا وَتَرَكُوا مَا أُمِرُوا بِهِ مِنَ الْعَمَلِ الْمُنَجِّيهِمْ مِمَّا آلَ إِلَيْهِ أَمْرُهُمْ يَوْمَئِذٍ مِنَ الْعَذَابِ مِنْ قَبْلُ ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا: ﴿قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ﴾ [الأعراف: ٥٣]، أَقْسَمَ الْمَسَاكِينُ حِينَ عَايَنُوا الْبَلَاءَ وَحَلَّ بِهِمُ الْعِقَابُ أَنَّ رُسُلَ اللَّهِ الَّتِي أَتَتَّهِمُ بِالنِّذَارَةِ وَبَلَّغَتْهُمْ عَنِ اللَّهِ الرِّسَالَةَ، قَدْ كَانَتْ نَصَحَتْ لَهُمْ وَصَدَّقَتْهُمْ عَنِ اللَّهِ، وَذَلِكَ حِينَ لَا يَنْفَعُهُمُ التَّصْدِيقُ وَلَا يُنَجِّيهِمْ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ وَأَلِيمِ عِقَابِهِ كَثْرَةُ الْقِيلِ وَالْقَالِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٠ ‏/ ٢٤٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ﴾ [الأعراف: ٥٣]، «أَمَّا الَّذِينَ نَسُوهُ فَتَرَكُوهُ، فَلَمَّا رَأَوْا مَا وَعَدَهُمْ أَنْبِيَاؤُهُمُ اسْتَيْقَنُوا فَقَالُوا: قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ»
١٠ ‏/ ٢٤٣
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي ⦗٢٤٤⦘ نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ﴾ [الأعراف: ٥٣]، قَالَ: «أَعْرَضُوا عَنْهُ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٠ ‏/ ٢٤٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ﴾ [الأعراف: ٥٣] وَهَذَا خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ عَنْ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ وَصَفَ صِفَتَهُمْ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ عِنْدَ حُلُولِ سَخَطِ اللَّهِ بِهِمْ وَوُرُودِهِمْ أَلِيمَ عَذَابِهِ وَمُعَايَنَتِهِمْ تَأْوِيلَ مَا كَانَتْ رُسُلُ اللَّهِ تَعِدُهُمْ: هَلْ لَنَا مِنْ أَصْدِقَاءَ وَأَوْلِيَاءَ الْيَوْمَ، فَيَشْفَعُوا لَنَا عِنْدَ رَبِّنَا، فَتُنَجِّينَا شَفَاعَتُهُمْ عِنْدَهُ مِمَّا قَدْ حَلَّ بِنَا مِنْ سُوءِ فِعَالِنَا فِي الدُّنْيَا، أَوْ نُرَدُّ إِلَى الدُّنْيَا مَرَّةً أُخْرَى، فَنَعْمَلَ فِيهَا بِمَا يُرْضِيهِ وَيُعْتِبُهُ مِنْ أَنْفُسِنَا؟ قَالَ: هَذَا قَوْلُ الْمَسَاكِينِ هُنَالِكَ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا عَهِدُوا فِي الدُّنْيَا أَنْفُسَهُمْ لَهَا شُفَعَاءَ تَشْفَعُ لَهُمْ فِي حَاجَاتِهِمْ، فَيَذْكُرُوا ذَلِكَ فِي وَقْتٍ لَا خُلَّةَ فِيهِ لَهُمْ وَلَا شَفَاعَةَ، يَقُولُ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ﴾ [الأعراف: ٥٣]، يَقُولُ: غَبَنُوا أَنْفُسَهُمْ حُظُوظَهَا بِبَيْعِهِمْ مَا لَا خَطَرَ لَهُ مِنْ نَعِيمِ الْآخِرَةِ الدَّائِمِ بِالْخَسِيسِ مِنْ عَرَضِ الدُّنْيَا الزَّائِلِ، ﴿وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ﴾ [الأنعام: ٢٤] يَقُولُ: وَأَسْلَمَهُمْ لِعَذَابِ اللَّهِ،
١٠ ‏/ ٢٤٤
وَحَادَ عَنْهُمْ أَوْلِيَاؤُهُمُ الَّذِينَ كَانُوا يَعْبُدُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ، وَيَزْعُمُونَ كَذِبًا وَافْتِرَاءً أَنَّهُمْ أَرْبَابُهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ
١٠ ‏/ ٢٤٥
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَوْلُهُ: ﴿قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ﴾ [الأعراف: ٥٣] يَقُولُ: «شَرَوْهَا بِخُسْرَانٍ» وَإِنَّمَا رُفِعَ قَوْلُهُ: ﴿أَوْ نُرَدُّ﴾ [الأعراف: ٥٣]، وَلَمْ يُنْصَبْ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ: ﴿فَيَشْفَعُوا لَنَا﴾ [الأعراف: ٥٣]، لِأَنَّ الْمَعْنَى: هَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا، أَوْ هَلْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ. وَلَمْ يُرَدْ بِهِ الْعَطْفُ عَلَى قَوْلِهِ: ﴿فَيَشْفَعُوا لَنَا﴾ [الأعراف: ٥٣]
١٠ ‏/ ٢٤٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ سَيِّدَكُمْ وَمُصْلِحَ أُمُورِكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ، هُوَ الْمَعْبُودُ الَّذِي لَهُ الْعِبَادَةُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ، وَذَلِكَ يَوْمُ الْأَحَدِ وَالِاثْنَيْنِ وَالثُّلَاثَاءِ وَالْأَرْبِعَاءِ وَالْخَمِيسِ وَالْجُمُعَةِ
١٠ ‏/ ٢٤٥
كَمَا حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ، قَالَ: ثنا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «بَدْءُ الْخَلْقِ: الْعَرْشُ وَالْمَاءُ وَالْهَوَاءُ، وَخُلِقَتِ الْأَرْضُ مِنَ الْمَاءِ، وَكَانَ بَدْءُ الْخَلْقِ يَوْمَ الْأَحَدِ وَالِاثْنَيْنِ وَالثُّلَاثَاءِ وَالْأَرْبِعَاءِ وَالْخَمِيسِ، وَجَمَعَ الْخَلْقَ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ، وَتَهَوَّدَتِ الْيَهُودُ يَوْمَ السَّبْتِ، وَيَوْمٌ مِنَ السِّتَّةِ الْأَيَّامِ كَأَلِفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ⦗٢٤٦⦘» ﴿ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾ [الأعراف: ٥٤]، وَقَدْ ذَكَرْنَا مَعْنَى الِاسْتِوَاءِ وَاخْتِلَافِ النَّاسِ فِيهِ فِيمَا مَضَى قَبْلُ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ
١٠ ‏/ ٢٤٥
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا﴾ [الأعراف: ٥٤] فَإِنَّهُ يَقُولُ: يُورِدُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ فَيُلْبِسُهُ إِيَّاهُ، حَتَّى يُذْهِبَ نُضْرَتَهُ وَنُورَهُ. ﴿يَطْلُبُهُ﴾ [الأعراف: ٥٤] يَقُولُ: يَطْلُبُ اللَّيْلُ النَّهَارَ، ﴿حَثِيثًا﴾ [الأعراف: ٥٤] يَعْنِي سَرِيعًا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٠ ‏/ ٢٤٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿يَطْلُبُهُ حَثِيثًا﴾ [الأعراف: ٥٤] يَقُولُ: «سَرِيعًا»
١٠ ‏/ ٢٤٦
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا﴾ [الأعراف: ٥٤]، قَالَ: «يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ بِضَوْئِهِ، وَيَطْلُبُهُ سَرِيعًا حَتَّى يُدْرِكَهُ»
١٠ ‏/ ٢٤٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ [الأعراف: ٥٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَالشَّمْسَ ⦗٢٤٧⦘ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ، كُلُّ ذَلِكَ بِأَمْرِهِ، أَمَرَهُنَّ اللَّهُ فَأَطَعْنَ أَمْرَهُ، أَلَا لِلَّهِ الْخَلْقُ كُلُّهُ، وَالْآمِرُ الَّذِي لَا يُخَالَفُ وَلَا يُرَدُّ أَمْرُهُ دُونَ مَا سِوَاهُ مِنَ الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا، وَدُونَ مَا عَبَدَهُ الْمُشْرِكُونَ مِنَ الْآلِهَةِ وَالْأَوْثَانِ الَّتِي لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ وَلَا تَخْلُقُ وَلَا تَأْمُرُ، تَبَارَكَ اللَّهُ مَعْبُودَنَا الَّذِي لَهُ عِبَادَةُ كُلِّ شَيْءٍ رَبُّ الْعَالَمِينَ
١٠ ‏/ ٢٤٦
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا هِشَامٌ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ، قَالَ: ثني عَبْدُ الْغَفَّارِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْأَنْصَارِيُّ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ الشَّامِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، وَكَانَتْ، لَهُ صُحْبَةٌ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَنْ لَمْ يَحْمَدِ اللَّهَ عَلَى مَا عَمِلَ مِنْ عَمَلٍ صَالِحٍ، وَحَمِدَ نَفْسَهُ، قَلَّ شُكْرُهُ وَحَبِطَ عَمَلُهُ وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ جَعَلَ لِلْعِبَادِ مِنَ الْأَمْرِ شَيْئًا فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى أَنْبِيَائِهِ، لِقَوْلِهِ: ﴿أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ [الأعراف: ٥٤]»
١٠ ‏/ ٢٤٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ [الأعراف: ٥٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ادْعُوا أَيُّهَا النَّاسُ رَبَّكُمْ وَحْدَهُ، فَأَخْلِصُوا لَهُ الدُّعَاءَ دُونَ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنَ الْآلِهَةِ وَالْأَصْنَامِ. ﴿تَضَرُّعًا﴾ [الأنعام: ٦٣] يَقُولُ: تَذَلُّلًا وَاسْتِكَانَةً لِطَاعَتِهِ. ﴿وَخُفْيَةً﴾ [الأنعام: ٦٣] يَقُولُ: بِخُشُوعِ قُلُوبِكُمْ وَصِحَّةِ الْيَقِينِ مِنْكُمْ بِوَحْدَانِيَّتِهِ فِيمَا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ، لَا جِهَارًا مُرَاءَاةً، وَقُلُوبُكُمْ غَيْرُ مُوقِنَةٍ بِوَحْدَانِيَّتِهِ وَرُبُوبِيَّتِهِ، فِعْلَ أَهْلِ النِّفَاقِ وَالْخِدَاعِ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ
١٠ ‏/ ٢٤٧
كَمَا حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنِ ⦗٢٤٨⦘ الْمُبَارَكِ بْنِ فَضَالَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: “إِنْ كَانَ الرَّجُلُ لَقَدْ جَمَعَ الْقُرْآنَ وَمَا يَشْعُرُ جَارُهُ، وَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ لَقَدْ فَقِهَ الْفِقْهَ الْكَثِيرَ وَمَا يَشْعُرُ بِهِ النَّاسُ، وَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيُصَلِّي الصَّلَاةَ الطَّوِيلَةَ فِي بَيْتِهِ وَعِنْدَهُ الزُّوَّارُ وَمَا يَشْعُرُونَ بِهِ. وَلَقَدْ أَدْرَكْنَا أَقْوَامًا مَا كَانَ عَلَى الْأَرْضِ مِنْ عَمَلٍ يَقْدِرُونَ عَلَى أَنْ يَعْمَلُوهُ فِي السِّرِّ فَيَكُونُ عَلَانِيَةً أَبَدًا. وَلَقَدْ كَانَ الْمُسْلِمُونَ يَجْتَهِدُونَ فِي الدُّعَاءِ وَمَا يُسْمَعُ لَهُمْ صَوْتٌ إِنْ كَانَ إِلَّا هَمْسًا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَبِّهِمْ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ يَقُولُ: ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً﴾ [الأعراف: ٥٥]، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ ذَكَرَ عَبْدًا صَالِحًا، فَرَضِيَ فِعْلَهُ فَقَالَ: ﴿إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا﴾ [مريم: ٣]
١٠ ‏/ ٢٤٧
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ فِي غَزَاةٍ، فَأَشْرَفُوا عَلَى وَادٍ يُكَبِّرُونَ وَيُهَلِّلُونَ وَيَرْفَعُونَ أَصْوَاتَهُمْ، فَقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ، ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، إِنَّكُمْ لَا تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلَا غَائِبًا، إِنَّكُمْ تَدْعُونَ سَمِيعًا قَرِيبًا مَعَكُمْ»
١٠ ‏/ ٢٤٨
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً﴾ [الأعراف: ٥٥]، قَالَ: «السِّرُّ»
١٠ ‏/ ٢٤٨
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ [الأعراف: ٥٥]، فَإِنَّ مَعْنَاهُ: إِنَّ رَبَّكُمْ لَا يُحِبُّ مَنِ اعْتَدَى فَتَجَاوَزَ حَدَّهُ الَّذِي حَدَّهُ لِعِبَادِهِ فِي دُعَائِهِ وَمَسْأَلَتِهِ رَبَّهُ، وَرَفْعِهِ صَوْتَهُ فَوْقَ الْحَدِّ الَّذِي حَدَّ لَهُمْ فِي دُعَائِهِمْ إِيَّاهُ وَمَسْأَلَتِهِمْ وَفِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ
١٠ ‏/ ٢٤٩
كَمَا حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: أَنْبَأَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبَّادٍ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ: ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ [الأعراف: ٥٥]، قَالَ: «لَا يَسْأَلُ مَنَازِلَ الْأَنْبِيَاءِ عليهم السلام»
١٠ ‏/ ٢٤٩
حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ [الأعراف: ٥٥] ” فِي الدُّعَاءِ وَلَا فِي غَيْرِهِ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: «إِنَّ مِنَ الدُّعَاءِ اعْتِدَاءٌ، يُكْرَهُ رَفْعُ الصَّوْتِ وَالنِّدَاءُ وَالصِّيَاحُ بِالدُّعَاءِ، وَيُؤْمَرُ بِالتَّضَرُّعِ وَالِاسْتِكَانَةِ»
١٠ ‏/ ٢٤٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا﴾ [الأعراف: ٥٦]: لَا تُشْرِكُوا بِاللَّهِ فِي الْأَرْضِ وَلَا تَعْصَوْهُ فِيهَا، وَذَلِكَ هُوَ الْفَسَادُ فِيهَا. وَقَدْ ذَكَرْنَا الرِّوَايَةَ فِي ذَلِكَ فِيمَا مَضَى وَبَيَّنَّا مَعْنَاهُ بِشَوَاهِدِهِ. ﴿بَعْدَ إِصْلَاحِهَا﴾ [الأعراف: ٥٦] يَقُولُ: بَعْدَ إِصْلَاحِ اللَّهِ إِيَّاهُ لِأَهْلِ طَاعَتِهِ
١٠ ‏/ ٢٤٩
بِابْتِعَاثِهِ فِيهِمُ الرُّسُلَ دُعَاةً إِلَى الْحَقِّ، وَإِيضَاحِهِ حُجَجَهُ لَهُمْ. ﴿وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا﴾ [الأعراف: ٥٦]، يَقُولُ: وَأَخْلِصُوا لَهُ الدُّعَاءَ وَالْعَمَلَ، وَلَا تُشْرِكُوا فِي عَمَلِكُمْ لَهُ شَيْئًا غَيْرَهُ مِنَ الْآلِهَةِ وَالْأَصْنَامِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَلْيَكُنْ مَا يَكُونُ مِنْكُمْ فِي ذَلِكَ خَوْفًا مِنْ عِقَابِهِ وَطَمَعًا فِي ثَوَابِهِ، وَإِنَّ مَنْ كَانَ دُعَاؤُهُ إِيَّاهُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَهُوَ بِالْآخِرَةِ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ، لِأَنَّ مَنْ لَمْ يَخَفْ عِقَابَ اللَّهِ وَلَمْ يَرْجُ ثَوَابَهُ لَمْ يُبَالِ مَا رَكِبَ مِنْ أَمْرٍ يَسْخَطُهُ اللَّهُ وَلَا يَرْضَاهُ ﴿إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾، يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ ثَوَابَ اللَّهِ الَّذِي وَعَدَ الْمُحْسِنِينَ عَلَى إِحْسَانِهِمْ فِي الدُّنْيَا قَرِيبٌ مِنْهُمْ. وَذَلِكَ هُوَ رَحْمَتُهُ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَنْ يَصِيرُوا إِلَى ذَلِكَ مِنْ رَحْمَتِهِ وَمَا أَعَدَّ لَهُمْ مِنْ كَرَامَتِهِ، إِلَّا أَنْ تُفَارِقَ أَرْوَاحُهُمْ أَجْسَادَهُمْ، وَلِذَلِكَ مِنَ الْمَعْنَى ذَكَرَ قَوْلَهُ: ﴿قَرِيبٌ﴾ [البقرة: ١٨٦]، وَهُوَ مِنْ خَبَرِ الرَّحْمَةِ وَالرَّحْمَةُ مُؤَنَّثَةٌ، لِأَنَّهُ أُرِيدَ بِهِ الْقُرْبُ فِي الْوَقْتِ لَا فِي النَّسَبِ، وَالْأَوْقَاتُ بِذَلِكَ الْمَعْنَى، إِذَا رُفِعَتْ أَخْبَارًا لِلْأَسْمَاءِ أَجْرَتْهَا الْعَرَبُ مَجْرَى الْحَالِ فَوَحَّدَتْهَا مَعَ الْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ وَالْجَمِيعِ وَذَكَّرَتْهَا مَعَ الْمُؤَنَّثِ، فَقَالُوا: كَرَامَةُ اللَّهِ بَعِيدٌ مِنْ فُلَانٍ، وَهِيَ قَرِيبٌ مِنْ فُلَانٍ، كَمَا يَقُولُونَ: هِنْدُ قَرِيبٌ مِنَّا، وَالْهِنْدَانُ مِنَّا قَرِيبٌ، وَالْهِنْدَاتُ مِنَّا قَرِيبٌ، لِأَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ: هِيَ فِي مَكَانٍ قَرِيبٍ مِنَّا، فَإِذَا حَذَفُوا الْمَكَانَ وَجَعَلُوا الْقَرِيبَ خَلَفًا مِنْهُ، ذَكَّرُوهُ وَوَحَّدُوهُ فِي الْجَمْعِ، كَمَا كَانَ الْمَكَانُ مُذَكَّرًا وَمُوَحَّدًا فِي الْجَمْعِ. وَأَمَّا إِذَا أَنَّثُوهُ أَخْرَجُوهُ مُثَنًّى مَعَ الِاثْنَيْنِ وَمَجْمُوعًا مَعَ الْجَمِيعِ، فَقَالُوا: هِيَ قَرِيبَةٌ مِنَّا، وَهُمَا مِنَّا قَرِيبَتَانِ، كَمَا قَالَ عُرْوَةُ بْنُ الْوَرْدِ:
[البحر الطويل]
١٠ ‏/ ٢٥٠
عَشِيَّةَ لَا عَفْرَاءُ مِنْكَ قَرِيبَةٌ … فَتَدْنُو وَلَا عَفْرَاءُ مِنْكَ بَعِيدُ
فَأَنَّثَ قَرِيبَةٌ، وَذَكَّرَ بَعِيدًا عَلَى مَا وَصَفْتُ. وَلَوْ كَانَ الْقَرِيبُ مِنَ الْقَرَابَةِ فِي النَّسَبِ لَمْ يَكُنْ مَعَ الْمُؤَنَّثِ إِلَّا مُؤَنَّثًا، وَمَعَ الْجَمْعِ إِلَّا مَجْمُوعًا. وَكَانَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ يَقُولُ: ذُكِّرَ قَرِيبٌ وَهُوَ صِفَةٌ لِلرَّحْمَةِ، وَذَلِكَ كَقَوْلِ الْعَرَبِ: رِيحٌ خَرِيقٌ، وَمِلْحَفَةٌ جَدِيدٌ، وَشَاةٌ سَدِيسٌ. قَالَ: وَإِنْ شِئْتَ قُلْتَ: تَفْسِيرُ الرَّحْمَةِ هَهُنَا الْمَطَرُ وَنَحْوُهُ، فَلِذَلِكَ ذَكَّرَ كَمَا قَالَ: ﴿وَإِنْ كَانَ طَائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا﴾ [الأعراف: ٨٧] فَذَكَّرَ لِأَنَّهُ أَرَادَ النَّاسَ، وَإِنْ شِئْتَ جَعَلْتَهُ كَبَعْضِ مَا يُذَكِّرُونَ مِنَ الْمُؤَنَّثِ، كَقَوْلِ الشَّاعِرِ:
[البحر المتقارب] وَلَا أَرْضَ أَبْقَلَ إِبْقَالَهَا
وَقَدْ أَنْكَرَ ذَلِكَ مِنْ قِيلِهِ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ، وَرَأَى أَنَّهُ يَلْزَمُهُ إِنْ جَازَ أَنْ يُذَكِّرَ قَرِيبًا تَوْجِيهًا مِنْهُ لِلرَّحْمَةِ إِلَى مَعْنَى الْمَطَرِ أَنْ يَقُولَ: هِنْدُ قَامَ، تَوْجِيهًا مِنْهُ لِهِنْدَ وَهِيَ امْرَأَةٌ إِلَى مَعْنَى إِنْسَانٍ، وَرَأَى أَنَّ مَا شَبَّهَ بِهِ قَوْلَهُ: ﴿إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ بِقَوْلِهِ: ﴿وَإِنْ كَانَ طَائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا﴾ [الأعراف: ٨٧] غَيْرُ مُشْبِهَةٍ، وَذَلِكَ أَنَّ الطَّائِفَةَ فِيمَا زَعَمَ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الطَّيْفِ، كَمَا الصَّيْحَةُ وَالصِّيَاحُ بِمَعْنًى، وَلِذَلِكَ قِيلَ: ﴿وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ﴾ [هود: ٦٧]
١٠ ‏/ ٢٥١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا
١٠ ‏/ ٢٥١
بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْموْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ [الأعراف: ٥٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ (هُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ نَشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ) . وَالنَّشْرُ بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الشِّينِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ مِنَ الرِّيَاحِ الطَّيِّبَةِ اللَّيِّنَةِ الْهُبُوبِ الَّتِي تُنْشِئُ السَّحَابَ، وَكَذَلِكَ كُلُّ رِيحٍ طَيِّبَةٍ عِنْدَهُمْ فَهِيَ نَشْرٌ، وَمِنْهُ قَوْلُ امْرِئِ الْقَيْسِ:
[البحر المتقارب] كَأَنَّ الْمُدَامَ وَصَوْبَ الْغَمَامِ … وَرِيحَ الْخُزَامَى وَنَشْرَ الْقُطُرْ
وَبِهَذِهِ الْقِرَاءَةِ قَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفِيِّينَ خَلَا عَاصِمَ بْنَ أَبِي النَّجُودِ، فَإِنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهُ: ﴿بُشْرًا﴾ [الأعراف: ٥٧] عَلَى اخْتِلَافٍ عَنْهُ فِيهِ، فَرَوَى ذَلِكَ بَعْضُهُمْ عَنْهُ: ﴿بُشْرًا﴾ [الأعراف: ٥٧] بِالْبَاءِ وَضَمِّهَا وَسُكُونِ الشِّينِ، وَبَعْضُهُمْ بِالْبَاءِ وَضَمِّهَا وَضَمِّ الشِّينِ، وَكَانَ يَتَأَوَّلُ فِي قِرَاءَتِهِ ذَلِكَ كَذَلِكَ قَوْلِهِ: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ﴾ [الروم: ٤٦]: تُبَشِّرُ بِالْمَطَرِ، وَأَنَّهُ جَمْعُ بَشِيرٍ بُشُرًا، كَمَا يُجْمَعُ النَّذِيرُ نُذُرًا. وَأَمَّا قُرَّاءُ الْمَدِينَةِ وَعَامَّةُ الْمَكِّيِّينَ وَالْبَصْرِيِّينَ، فَإِنَّهُمْ قَرَءُوا ذَلِكَ: (وَهُوَ الَّذِي
١٠ ‏/ ٢٥٢
يُرْسِلُ الرِّيَاحَ نُشُرًا) بِضَمِّ النُّونِ وَالشِّينِ، بِمَعْنَى جَمْعِ نُشُورٍ جُمِعَ نُشُرًا، كَمَا يُجْمَعُ الصَّبُورُ صُبُرًا، وَالشَّكُورُ شُكُرًا. وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِكَلَامِ الْعَرَبِ يَقُولُ: مَعْنَاهَا إِذَا قُرِئَتْ كَذَلِكَ أَنَّهَا الرِّيحُ الَّتِي تَهُبُّ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ وَتَجِيءُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ. وَكَانَ بَعْضُهُمْ يَقُولُ: إِذَا قُرِئَتْ بِضَمِّ النُّونِ فَيَنْبَغِي أَنْ تُسَكَّنَ شِينُهَا، لِأَنَّ ذَلِكَ لُغَةً بِمَعْنَى النَّشْرِ بِالْفَتْحِ، وَقَالَ: الْعَرَبُ تَضُمُّ النُّونَ مِنَ النَّشْرِ أَحْيَانًا، وَتَفْتَحُ أَحْيَانًا بِمَعْنَى وَاحِدٍ. قَالَ: فَاخْتِلَافُ الْقُرَّاءِ فِي ذَلِكَ عَلَى قَدْرِ اخْتِلَافِهَا فِي لُغَتِهَا فِيهِ. وَكَانَ يَقُولُ: هُوَ نَظِيرُ الْخَسْفِ وَالْخُسْفِ بِفَتْحِ الْخَاءِ وَضَمِّهَا. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ قِرَاءَةَ مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ (نَشْرًا) وَ(نُشُرًا) بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الشِّينِ وَبِضَمِّ النُّونِ وَالشِّينِ، قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ فِي قِرَاءَةِ الْأَمْصَارِ، وَأَمَّا قِرَاءَةُ الْبَاءِ فَلَا أُحِبُّ الْقِرَاءَةَ بِهَا، وَإِنْ كَانَ لَهَا مَعْنًى صَحِيحٌ وَوَجْهٌ مَفْهُومٌ فِي الْمَعْنَى وَالْإِعْرَابِ كَمَا ذَكَرْنَا مِنَ الْعِلَّةِ
١٠ ‏/ ٢٥٣
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ﴾ [الأعراف: ٥٧]، فَإِنَّهُ يَقُولُ: قُدَّامَ رَحْمَتِهِ وَأَمَامَهَا، وَالْعَرَبُ كَذَلِكَ تَقُولُ لِكُلِّ شَيْءٍ حَدَثَ قُدَّامَ شَيْءٍ وَأَمَامَهُ جَاءَ بَيْنَ يَدَيْهِ،
١٠ ‏/ ٢٥٣
لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِهِمْ جَرَى فِي أَخْبَارِهِمْ عَنْ بَنِي آدَمَ، وَكَثُرَ اسْتِعْمَالُهُ فِيهِمْ حَتَّى قَالُوا ذَلِكَ فِي غَيْرِ ابْنِ آدَمَ وَمَا لَا يَدَ لَهُ. وَالرَّحْمَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ الْمَطَرُ. فَمَعْنَى الْكَلَامِ إِذَنْ: وَاللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ لَيِّنًا هُبُوبُهَا، طَيِّبًا نَسِيمُهَا، أَمَامَ غَيْثِهِ الَّذِي يَسُوقُهُ بِهَا إِلَى خَلْقِهِ، فَيُنْشِئُ بِهَا سَحَابًا ثِقَالًا، حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْهَا، وَالْإِقْلَالُ بِهَا: حَمْلُهَا، كَمَا يُقَالُ: اسْتَقَلَّ الْبَعِيرُ بِحِمْلِهِ وَأَقَلَّهُ: إِذَا حَمَلَهُ فَقَامَ بِهِ. سَاقَهُ اللَّهُ لِإِحْيَاءِ بَلَدٍ مَيِّتٍ قَدْ تَعَفَّتْ مَزَارِعُهُ وَدَرَسَتْ مَشَارِبُهُ وَأَجْدَبَ أَهْلُهُ، فَأَنْزَلَ بِهِ الْمَطَرَ وَأَخْرَجَ بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٠ ‏/ ٢٥٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: (وَهُو الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ نُشُرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ) إِلَى قَوْلِهِ: ﴿لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ [الأعراف: ٥٧] قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ يُرْسِلُ الرِّيحَ فَتَأْتِي بِالسَّحَابِ مِنْ بَيْنِ الْخَافِقَيْنِ طَرَفِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ مِنْ حَيْثُ يَلْتَقِيَانِ، فَيُخْرِجُهُ مِنْ ثَمَّ، ثُمَّ يَنْشُرُهُ فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ، ثُمَّ يَفْتَحُ أَبْوَابَ السَّمَاءِ، فَيَسِيلُ الْمَاءُ عَلَى السَّحَابِ، ثُمَّ يُمْطِرُ السَّحَابُ بَعْدَ ذَلِكَ. وَأَمَّا رَحْمَتُهُ: فَهُوَ الْمَطَرُ»
١٠ ‏/ ٢٥٤
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ [الأعراف: ٥٧]، فَإِنَّهُ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: كَمَا نُحْيِي هَذَا الْبَلَدَ الْمَيِّتَ بِمَا نُنْزِلُ بِهِ مِنَ الْمَاءِ الَّذِي نُنْزِلُهُ مِنَ السَّحَابِ، فَنُخْرِجُ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَجُدُوبَتِهِ وَقُحُوطِ أَهْلِهِ، كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى مِنْ قُبُورِهِمْ أَحْيَاءَ بَعْدَ فَنَائِهِمْ وَدُرُوسِ آثَارِهِمْ ﴿لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ [الأنعام: ١٥٢]، يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِلْمُشْرِكِينَ بِهِ مِنْ عَبَدَةِ الْأَصْنَامِ، الْمُكَذِّبِينَ بِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَمَاتِ، الْمُنْكِرِينَ لِلثَّوَابِ وَالْعِقَابِ: ضَرَبْتُ لَكُمْ أَيُّهَا الْقَوْمُ هَذَا الْمَثَلَ الَّذِي ذَكَرْتُ لَكُمْ مِنْ إِحْيَاءِ الْبَلَدِ الْمَيِّتِ بِقَطَرِ الْمَطَرِ الَّذِي يَأْتِي بِهِ السَّحَابُ، الَّذِي تَنْشُرُهُ الرِّيَاحُ الَّتِي وَصَفْتُ صِفَتَهَا، لِتَعْتَبِرُوا فَتَذَكَّرُوا وَتَعْلَمُوا أَنَّ مَنَ كَانَ ذَلِكَ مِنْ قُدْرَتِهِ فَيَسِيرُ فِي إِحْيَاءِ الْمَوْتَى بَعْدَ فَنَائِهَا وَإِعَادَتِهَا خَلْقًا سَوِيًّا بَعْدَ دُرُوسِهَا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٠ ‏/ ٢٥٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَوْلُهُ: ﴿كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ [الأعراف: ٥٧] «وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ، وَكَذَلِكَ النُّشُورُ، كَمَا نُخْرِجُ الزَّرْعَ بِالْمَاءِ»
١٠ ‏/ ٢٥٥
وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: «إِنَّ النَّاسَ إِذَا مَاتُوا فِي النَّفْخَةِ الْأُولَى أُمْطِرَ عَلَيْهِمْ مِنْ مَاءٍ تَحْتَ الْعَرْشِ يُدْعَى مَاءَ الْحَيَوَانِ أَرْبَعِينَ سَنَةً، فَيَنْبُتُونَ كَمَا يَنْبُتُ الزَّرْعُ مِنَ الْمَاءِ، حَتَّى إِذَا اسْتُكْمِلَتْ أَجْسَامُهُمْ نُفِخَ فِيهِمُ الرُّوحُ، ثُمَّ يُلْقَى عَلَيْهِمْ نَوْمَةٌ، فَيَنَامُونَ فِي ⦗٢٥٦⦘ قُبُورِهِمْ، فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ الثَّانِيَةَ، عَاشُوا وَهُمْ يَجِدُونَ طَعْمَ النَّوْمِ فِي رُءُوسِهِمْ وَأَعْيُنِهِمْ، كَمَا يَجِدُ النَّائِمُ حِينَ يَسْتَيْقِظُ مِنْ نَوْمِهِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ يَقُولُونَ: ﴿يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا﴾ [يس: ٥٢]، فَنَادَاهُمُ الْمُنَادِي: ﴿هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ﴾ [يس: ٥٢]»
١٠ ‏/ ٢٥٥
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى﴾ [الأعراف: ٥٧]، قَالَ: «إِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُخْرِجَ الْمَوْتَى أَمْطَرَ السَّمَاءَ حَتَّى تَتَشَقَّقَ عَنْهُمُ الْأَرْضُ، ثُمَّ يُرْسِلُ الْأَرْوَاحَ فَتَعُودُ كُلُّ رُوحٍ إِلَى جَسَدِهَا، فَكَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى بِالْمَطَرِ كَإِحْيَائِهِ الْأَرْضَ»
١٠ ‏/ ٢٥٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ﴾ [الأعراف: ٥٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَالْبَلَدُ الطَّيِّبَةُ تُرْبَتُهُ الْعَذْبَةُ مَشَارِبُهُ، يُخْرِجُ نَبَاتَهُ إِذَا أَنْزَلَ اللَّهُ الْغَيْثَ وَأَرْسَلَ عَلَيْهِ الْحَيَا بِإِذْنِهِ طَيِّبًا ثَمَرُهُ فِي حِينِهِ وَوَقْتِهِ. ﴿وَالَّذِي خَبُثَ﴾ [الأعراف: ٥٨] فَرَدَؤُتْ تُرْبَتُهُ وَمَلِحَتْ مَشَارِبُهُ، ﴿لَا يَخْرُجُ﴾ [الأعراف: ٥٨] نَبَاتُهُ ﴿إِلَّا نَكِدًا﴾ [الأعراف: ٥٨] يَقُولُ: إِلَّا
١٠ ‏/ ٢٥٦
عُسْرًا فِي شِدَّةٍ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر المنسرح] لَا تُنْجِزُ الْوَعْدَ إِنْ وَعَدْتَ وَإِنْ … أَعْطَيْتَ أَعْطَيْتَ تَافِهًا نَكِدَا
يَعْنِي بِالتَّافِهِ: الْقَلِيلَ، وَبِالنَّكِدِ، الْعُسْرَ، يُقَالُ مِنْهُ: نَكِدَ يَنْكَدُ نَكَدًا وَنَكْدًا، فَهُوَ نَكَدٌ وَنَكِدٌ، وَالنَّكْدُ الْمَصْدَرُ، وَمِنْ أَمْثَالِهِمْ نَكْدًا وَجَحْدًا وَنُكْدًا وَجُحْدًا، وَالْجَحْدُ: الشِّدَّةُ وَالضِّيقُ، وَيُقَالُ إِذَا شُفِهَ وَسُئِلَ قَدْ نَكَدُوهُ يَنْكَدُونَهُ نَكْدًا، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر السريع] وَأَعْطِ مَا أَعْطَيْتَهُ طَيِّبًا … لَا خَيْرَ فِي الْمَنْكُودِ وَالنَّاكِدِ
وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ: (إِلَّا نَكَدًا) بِفَتْحِ الْكَافِ. وَقَرَأَهُ بَعْضُ الْكُوفِيِّينَ بِسُكُونِ الْكَافِ: (نَكْدًا) . وَخَالَفَهُمَا بَعْضُ سَائِرِ الْقُرَّاءِ فِي الْأَمْصَارِ، فَقَرَءُوهُ: ﴿إِلَّا نَكِدًا﴾ [الأعراف: ٥٨] بِكَسْرِ الْكَافِ. كَأَنَّ مَنْ قَرَأَهُ: (نَكَدًا) بِنَصْبِ الْكَافِ أَرَادَ الْمَصْدَرَ، وَكَأَنَّ مَنْ قَرَأَهُ بِسُكُونِ الْكَافِ أَرَادَ كَسْرَهَا فَسَكَّنَهَا عَلَى لُغَةِ مَنْ قَالَ: هَذِهِ فَخْذٌ وَكَتْدٌ، وَكَانَ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ إِذَا أَرَادَ ذَلِكَ أَنْ يكْسَرَ النُّونَ مِنْ (نَكْدٍ) حَتَّى يَكُونَ قَدْ أَصَابَ الْقِيَاسَ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَهُ: ﴿نَكِدًا﴾ [الأعراف: ٥٨] بِفَتْحِ النُّونِ
١٠ ‏/ ٢٥٧
وَكَسْرِ الْكَافِ لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنْ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ ﴿كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ﴾ [الأعراف: ٥٨] يَقُولُ: كَذِلِكَ نُبَيِّنُ آيَةً بَعْدَ آيَةٍ، وَنُدْلِي بِحُجَّةٍ بَعْدَ حُجَّةٍ، وَنَضْرِبُ مَثَلًا بَعْدَ مَثَلٍ، لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ اللَّهَ عَلَى إِنْعَامِهِ عَلَيْهِمْ بِالْهِدَايَةِ وَتَبْصِيرِهِ إِيَّاهُمْ سَبِيلَ أَهْلِ الضَّلَالَةِ، بِاتِّبَاعِهِمْ مَا أَمَرَهُمْ بِاتِّبَاعِهِ وَتَجَنُّبِهِمْ مَا أَمَرَهُمْ بِتَجَنُّبِهِ مِنْ سُبُلِ الضَّلَالَةِ. وَهَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِلْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ، فَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ الَّذِي يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ مَثَلٌ لِلْمُؤْمِنِ، وَالَّذِي خَبُثَ فَلَا يَخْرُجُ نَبَاتُهُ إِلَّا نَكِدًا مَثَلٌ لِلْكَافِرِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٠ ‏/ ٢٥٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا﴾ [الأعراف: ٥٨] «فَهَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِلْمُؤْمِنِ يَقُولُ: هُوَ طَيِّبٌ وَعَمَلُهُ طَيِّبٌ، كَمَا الْبَلَدُ الطَّيِّبُ ثَمَرُهُ طَيِّبٌ. ثُمَّ ضَرَبَ مَثَلَ الْكَافِرِ كَالْبَلْدَةِ السَّبَخَةِ الْمَالِحَةِ الَّتِي لَا تَخْرُجُ مِنْهَا الْبَرَكَةُ، فَالْكَافِرُ هُوَ الْخَبِيثُ وَعَمَلُهُ خَبِيثٌ»
١٠ ‏/ ٢٥٨
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ﴾ [الأعراف: ٥٨] ﴿وَالَّذِي خَبُثَ﴾ [الأعراف: ٥٨] قَالَ: «كُلُّ ذَلِكَ مِنْ أَرْضِ ⦗٢٥٩⦘ السِّبَاخِ وَغَيْرِهَا مِثْلُ آدَمَ وَذُرِّيَّتِهِ، فِيهِمْ طَيِّبٌ وَخَبِيثٌ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، بِنَحْوِهِ
١٠ ‏/ ٢٥٨
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا﴾ [الأعراف: ٥٨]، قَالَ: «هَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ فِي الْكَافِرِ وَالْمُؤْمِنِ»
١٠ ‏/ ٢٥٩
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ يَعْنِي ابْنَ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ﴾ [الأعراف: ٥٨] هِيَ السَّبَخَةُ ﴿لَا يَخْرُجُ﴾ [الأعراف: ٥٨] نَبَاتُهَا ﴿إِلَّا نَكِدًا﴾ [الأعراف: ٥٨]، «وَالنَّكَدُ: الشَّيْءُ الْقَلِيلُ الَّذِي لَا يَنْفَعُ، كَذَلِكَ الْقُلُوبُ لَمَّا نَزَلَ الْقُرْآنُ، فَالْقَلْبُ الْمُؤْمِنُ لَمَّا دَخَلَهُ الْقُرْآنُ آمَنَ بِهِ، وَثَبَّتَ الْإِيمَانُ فِيهِ، وَالْقَلْبُ الْكَافِرُ لَمَّا دَخَلَهُ الْقُرْآنُ لَمْ يَتَعَلَّقْ مِنْهُ بِشَيْءٍ يَنْفَعُهُ، وَلَمْ يَثْبُتْ فِيهِ مِنَ الْإِيمَانِ شَيْءٌ إِلَّا مَا لَا يَنْفَعُ، كَمَا لَمْ يُخْرِجْ هَذَا الْبَلَدُ إِلَّا مَا لَا يَنْفَعُ مِنَ النَّبَاتِ»
١٠ ‏/ ٢٥٩
حَدَّثَنِي الْحَرْثُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: ثنا أَبُو سَعْدٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا ⦗٢٦٠⦘ نَكِدًا﴾ [الأعراف: ٥٨]، قَالَ: «الطَّيِّبُ يَنْفَعُهُ الْمَطَرُ فَيُنْبِتُ، وَالَّذِي خَبُثَ السِّبَاخُ لَا يَنْفَعُهُ الْمَطَرُ لَا يَخْرُجُ نَبَاتُهُ إِلَّا نَكِدًا، قَالَ: هَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِآدَمَ وَذُرِّيَّتِهِ كُلِّهِمْ، إِنَّمَا خُلِقُوا مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ، فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَكِتَابِهِ فَطَابَ، وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ وَكِتَابِهِ فَخَبُثَ»
١٠ ‏/ ٢٥٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لُكُمْ مِنْ إِلَهِ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ [الأعراف: ٥٩] أَقْسَمَ رَبُّنَا جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِلْمُخَاطَبِينَ بِهَذِهِ الْآيَةِ أَنَّهُ أَرْسَلَ نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ مُنْذِرَهُمْ بَأْسَهُ، وَمُخَوِّفَهُمْ سَخَطَهُ عَلَى عِبَادَتِهِمْ غَيْرَهُ، فَقَالَ لِمَنْ كَفَرَ مِنْهُمْ: ﴿يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ﴾ [الأعراف: ٥٩] الَّذِي لَهُ الْعِبَادَةُ، وَذِلُّوا لَهُ بِالطَّاعَةَ وَاخْضَعُوا لَهُ بِالِاسْتِكَانَةِ، وَدَعُوا عِبَادَةَ مَا سِوَاهُ مِنَ الْأَنْدَادِ وَالْآلِهَةِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ لَكُمْ مَعْبُودٌ يَسْتَوْجِبُ عَلَيْكُمُ الْعِبَادَةَ غَيْرَهُ، فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ إِنْ لَمْ تَفْعَلُوا ذَلِكَ ﴿عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ [الأنعام: ١٥]، يَعْنِي: عَذَابَ يَوْمٍ يَعْظُمُ فِيهِ بَلَاؤُكُمْ بِمَجِيئِهِ إِيَّاكُمْ بِسَخَطِ رَبِّكُمْ. وَقَدِ اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿غَيْرُهُ﴾ [البقرة: ٢٣٠]، فَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْكُوفَةِ: (مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهِ غَيْرِهِ) يَخْفِضُ (غَيْرَ) عَلَى النَّعْتِ لِإِلَهٍ. وَقَرَأَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ وَالْكُوفَةِ: ﴿مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾ [الأعراف: ٥٩] بِرَفْعِ (غَيْرِ)، رَدَّ الْهَاءَ عَلَى مَوْضِعِ (مِنْ) لِأَنَّ مَوْضِعَهَا رَفْعٌ لَوْ نُزِعَتْ مِنَ الْكَلَامِ لَكَانَ الْكَلَامُ رَفْعًا، وَقِيلَ: مَا لَكُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ، فَالْعَرَبُ لَمَّا
١٠ ‏/ ٢٦٠
وَصَفَتْ مِنَ أَنَّ الْمَعْلُومِ بِالْكَلَامِ أَدْخَلَتْ (مِنْ) فِيهِ أَوْ أَخْرَجَتْ، وَأَنَّهَا تُدْخِلُهَا أَحْيَانًا فِي مِثْلِ هَذَا مِنَ الْكَلَامِ وَتُخْرِجُهَا مِنْهُ أَحْيَانًا تَرُدُّ مَا نَعَتَتْ بِهِ الِاسْمَ الَّذِي عَمِلَتْ فِيهِ عَلَى لَفْظِهِ، فَإِذَا خُفِضَتْ فَعَلَى كَلَامٍ وَاحِدٍ، لِأَنَّهَا نَعْتٌ لِإِلَهٍ، وَأَمَّا إِذَا رُفِعَتْ فَعَلَى كَلَامَيْنِ: مَا لَكُمْ غَيْرُهُ مِنْ إِلَهٍ، وَهَذَا قَوْلٌ يَسْتَضْعِفُهُ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ
١٠ ‏/ ٢٦١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ [الأعراف: ٦٠] وَهَذَا خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْ جَوَابِ مُشْرِكِي قَوْمِ نُوحٍ لِنُوحٍ، وَهُمُ الْمَلَأُ وَالْمَلَأُ: الْجَمَاعَةُ مِنَ الرِّجَالِ لَا امْرَأَةَ فِيهِمْ أَنَّهُمْ قَالُوا لَهُ حِينَ دَعَاهُمْ إِلَى عِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ: ﴿إِنَّا لَنَرَاكَ﴾ [الأعراف: ٦٠] يَا نُوحُ ﴿فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ [الأنعام: ٧٤]، يَعْنُونَ: فِي أَمْرٍ زَائِلٍ عَنِ الْحَقِّ، مُبِينٌ زَوَالُهُ عَنْ قَصْدِ الْحَدِّ لِمَنْ تَأَمَّلَهُ
١٠ ‏/ ٢٦١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الأعراف: ٦١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ نُوحٌ لِقَوْمِهِ مُجِيبًا لَهُمْ: يَا قَوْمِ، لَمْ آمُرْكُمْ بِمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ مِنْ إِخْلَاصِ التَّوْحِيدِ لِلَّهِ وَإِفْرَادِهِ بِالطَّاعَةِ دُونَ الْأَنْدَادِ وَالْآلِهَةِ زَوَالًا مِنِّي عَنْ مَحَجَّةِ الْحَقِّ وَضَلَالًا لِسَبِيلِ الصَّوَابِ، وَمَا بِي مَا تَظُنُّونَ مِنَ ⦗٢٦٢⦘ الضَّلَالِ، وَلَكِنِّي رَسُولٌ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ بِمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ مِنْ إِفْرَادِهِ بِالطَّاعَةِ وَالْإِقْرَارِ لَهُ بِالْوَحْدَانِيَّةِ وَالْبَرَاءَةِ مِنَ الْأَنْدَادِ وَالْآلِهَةِ
١٠ ‏/ ٢٦١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ [الأعراف: ٦٢] وَهَذَا خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْ نَبِيِّهِ نُوحٍ عليه السلام أَنَّهُ قَالَ لِقَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَكَذَّبُوهُ: وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ أَرْسَلَنِي إِلَيْكُمْ، فَأَنَا أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي، وَأَنْصَحُ لَكُمْ فِي تَحْذِيرِي إِيَّاكُمْ عِقَابَ اللَّهِ عَلَى كُفْرِكُمْ بِهِ وَتَكْذِيبِكُمْ إِيَّايَ وَرَدِّكُمْ نَصِيحَتِي. ﴿وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ [الأعراف: ٦٢]: مِنْ أَنَّ عِقَابَهُ لَا يُرَدُّ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ
١٠ ‏/ ٢٦٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ [الأعراف: ٦٣] وَهَذَا أَيْضًا خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ عَزَّ ذِكْرُهُ عَنْ قِيلِ نُوحٍ لِقَوْمِهِ أَنَّهُ قَالَ لَهُمْ إِذْ رَدُّوا عَلَيْهِ النَّصِيحَةَ فِي اللَّهِ، وَأَنْكَرُوا أَنْ يَكُونَ اللَّهُ بَعَثَهُ نَبِيًّا، وَقَالُوا لَهُ: ﴿مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ﴾ [هود: ٢٧]: ﴿أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [الأعراف: ٦٣] يَقُولُ: أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ تَذْكِيرٌ مِنَ اللَّهِ وَعِظَةٌ، يُذَكِّرُكُمْ بِمَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ. قِيلَ: مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ﴾ [الأعراف: ٦٣] مَعَ رَجُلٍ مِنْكُمْ، ﴿لِيُنْذِرَكُمْ﴾ [الأعراف: ٦٣] يَقُولُ: لِيُنْذِرَكُمْ بَأْسَ اللَّهِ، وَيُخَوِّفَكُمْ عِقَابَهُ عَلَى كُفْرِكُمْ بِهِ
١٠ ‏/ ٢٦٢
﴿وَلِتَتَّقُوا﴾ [الأعراف: ٦٣] يَقُولُ: وَكَيْ تَتَّقُوا عِقَابَ اللَّهِ وَبَأْسَهُ، بِتَوْحِيدِهِ وَإِخْلَاصِ الْإِيمَانِ بِهِ وَالْعَمَلِ بِطَاعَتِهِ. ﴿وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ [الأعراف: ٦٣] يَقُولُ: وَلِيَرْحَمَكُمْ رَبُّكُمْ إِنِ اتَّقَيْتُمُ اللَّهَ وَخِفْتُمُوهُ وَحَذِرْتُمْ بَأْسَهُ. وَفُتِحَتِ الْوَاوُ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿أَوَعَجِبْتُمْ﴾ [الأعراف: ٦٣] لِأَنَّهَا وَاوُ عَطْفٍ دَخَلَتْ عَلَيْهَا أَلِفُ اسْتِفْهَامٍ
١٠ ‏/ ٢٦٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَكَذَّبُوهُ فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا عَمِينَ﴾ [الأعراف: ٦٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَكَذَّبَ نُوحًا قَوْمُهُ، إِذْ أَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ لِلَّهِ رَسُولٌ إِلَيْهِمْ يَأْمُرُهُمْ بِخَلْعِ الْأَنْدَادِ وَالْإِقْرَارِ بِوَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ وَالْعَمَلِ بِطَاعَتِهِ، وَخَالَفُوا أَمْرَ رَبِّهِمْ وَلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ، فَأَنْجَاهُ اللَّهُ فِي الْفُلْكِ وَالَّذِينَ مَعَهُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بِهِ. وَكَانُوا بِنُوحٍ عليه السلام ثَلَاثَ عَشْرَةَ
١٠ ‏/ ٢٦٣
فِيمَا حَدَّثَنِي بِهِ ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: «نُوحٌ وَبَنُوهُ الثَّلَاثَةُ: سَامٌ، وَحَامٌ، وَيَافِثُ، وَأَزْوَاجُهُمْ، وَسِتَّةُ أَنَاسِيَّ مِمَّنْ كَانَ آمَنَ بِهِ» وَكَانَ حَمَلَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ مِنْ كُلِّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ، كَمَا قَالَ تبارك وتعالى: ﴿وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ﴾ [هود: ٤٠]، وَالْفُلْكُ: هُوَ السَّفِينَةُ. ﴿وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا﴾ [الأعراف: ٦٤] يَقُولُ: وَأَغْرَقَ اللَّهُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِحُجَجِهِ وَلَمْ يَتَّبِعُوا رُسُلَهُ وَلَمْ يَقْبَلُوا نَصِيحَتَهُ إِيَّاهُمْ فِي اللَّهِ بِالطُّوفَانِ. ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا عَمِينَ﴾ [الأعراف: ٦٤] يَقُولُ: عَمِينَ عَنِ الْحَقِّ
١٠ ‏/ ٢٦٣
كَمَا حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿عَمِينَ﴾ [الأعراف: ٦٤] قَالَ: «عَنِ الْحَقِّ»
١٠ ‏/ ٢٦٤
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿قَوْمًا عَمِينَ﴾ [الأعراف: ٦٤] قَالَ: «الْعَمِّيُّ: الْعَامِي عَنِ الْحَقِّ»
١٠ ‏/ ٢٦٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ﴾ [الأعراف: ٦٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا، وَلِذَلِكَ نَصَبَ (هُودًا)، لِأَنَّهُ مَعْطُوفٌ بِهِ عَلَى نُوحٍ عليهما السلام. ﴿قَالَ﴾ [البقرة: ٣٠] هُودٌ: ﴿يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ﴾ [الأعراف: ٥٩] فَأَفْرِدُوا لَهُ الْعِبَادَةَ، وَلَا تَجْعَلُوا مَعَهُ إِلَهًا غَيْرَهُ، فَإِنَّهُ لَيْسَ لَكُمْ إِلَهٌ غَيْرُهُ. ﴿أَفَلَا تَتَّقُونَ﴾ [الأعراف: ٦٥] رَبَّكُمْ فَتَحْذَرُونَهُ وَتَخَافُونَ عِقَابَهُ بِعِبَادَتِكُمْ غَيْرَهُ، وَهُوَ خَالِقُكُمْ وَرَازِقُكُمْ دُونَ كُلِّ مَا سِوَاهُ؟
١٠ ‏/ ٢٦٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ. قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الأعراف: ٦٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُخْبِرًا عَمَّا أَجَابَ هُودًا بِهِ قَوْمُهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِاللَّهِ: ﴿قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [الأعراف: ٦٦] يَعْنِي الَّذِينَ جَحَدُوا تَوْحِيدَ اللَّهِ، وَأَنْكَرُوا رِسَالَةَ هُودٍ إِلَيْهِمْ: ﴿إِنَّا لَنَرَاكَ﴾ [الأعراف: ٦٠] يَا هُودُ ﴿فِي سَفَاهَةٍ﴾ [الأعراف: ٦٦] يَعْنُونَ فِي ضَلَالَةٍ عَنِ الْحَقِّ وَالصَّوَابِ، بِتَرْكِكَ دِينَنَا وَعِبَادَةَ آلِهَتِنَا. ﴿وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ﴾ [الأعراف: ٦٦] فِي قِيلِكَ إِنِّي
١٠ ‏/ ٢٦٤
رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ. ﴿قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ﴾ [الأعراف: ٦٧] يَقُولُ: أَيْ ضَلَالَةٌ عَنِ الْحَقِّ وَالصَّوَابِ. ﴿وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الأعراف: ٦١] أَرْسَلَنِي، فَأَنَا أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأُؤَدِّيهَا إِلَيْكُمْ كَمَا أَمَرَنِي أَنْ أُؤَدِّيَهَا
١٠ ‏/ ٢٦٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أُبَلِّغُكُمْ رِسَالِاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ. أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَّبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [الأعراف: ٦٩] يَعْنِي بِقَوْلِهِ: ﴿أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي﴾ [الأعراف: ٦٢]: أُؤَدِّي ذَلِكَ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الْقَوْمُ. ﴿وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ﴾ [الأعراف: ٦٨] يَقُولُ: وَأَنَا لَكُمْ فِي أَمْرِي إِيَّاكُمْ بِعِبَادَةِ اللَّهِ دُونَ مَا سِوَاهُ مِنَ الْأَنْدَادِ وَالْآلِهَةِ، وَدُعَائِكُمْ إِلَى تَصْدِيقِي فِيمَا جِئْتُكُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، نَاصِحٌ، فَاقْبَلُوا نَصِيحَتِي، فَإِنِّي أَمِينٌ عَلَى وَحْيِ اللَّهِ وَعَلَى مَا ائْتَمَنَنِي اللَّهُ عَلَيْهِ مِنَ الرِّسَالَةِ، لَا أَكْذِبُ فِيهِ وَلَا أَزِيدُ وَلَا أُبَدِّلُ، بَلْ أُبَلِّغُ مَا أُمِرْتُ بِهِ كَمَا أُمِرْتُ ﴿أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ﴾ [الأعراف: ٦٣]، يَقُولُ: أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ أَنْزَلَ اللَّهُ وَحْيَهُ بِتَذْكِيرِكُمْ وَعِظَتِكُمْ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ مُقِيمُونَ مِنَ الضَّلَالَةِ، عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ، لِيُنْذِرَكُمْ بَأْسَ اللَّهِ وَيُخَوِّفَكُمْ عِقَابَهُ. ﴿وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ﴾ [الأعراف: ٦٩]، يَقُولُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي أَنْفُسِكُمْ، وَاذْكُرُوا مَا حَلَّ بِقَوْمِ نُوحٍ مِنَ الْعَذَابِ إِذْ عَصَوْا رَسُولَهُمْ وَكَفَرُوا بِرَبِّهِمْ، فَإِنَّكُمْ إِنَّمَا جَعَلَكُمْ رَبُّكُمْ خُلَفَاءَ فِي الْأَرْضِ مِنْهُمْ، لَمَّا أَهْلَكَهُمْ أَبْدَلَكُمْ مِنْهُمْ فِيهَا، فَاتَّقُوا اللَّهَ أَنْ يَحِلَّ بِكُمْ نَظِيرُ مَا حَلَّ بِهِمْ مِنَ الْعُقُوبَةِ فَيُهْلِكَكُمْ وَيُبَدِّلَ مِنْكُمْ غَيْرَكُمْ، سُنَّتَهُ فِي قَوْمِ نُوحٍ قَبْلَكُمْ عَلَى
١٠ ‏/ ٢٦٥
مَعْصِيَتِكُمْ إِيَّاهُ وَكُفْرِكُمْ بِهِ. ﴿وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً﴾ [الأعراف: ٦٩]: زَادَ فِي أَجْسَامِكُمْ طُولًا وَعِظَمًا عَلَى أَجْسَامِ قَوْمِ نُوحٍ، وَفِي قِوَامِكُمْ عَلَى قَوَامِهِمْ، نِعْمَةً مِنْهُ بِذَلِكَ عَلَيْكُمْ، فَاذْكُرُوا نِعَمَهُ وَفَضْلَهُ الَّذِي فَضَّلَكُمْ بِهِ عَلَيْهِمْ فِي أَجْسَامِكُمْ وَقَوَامِكُمْ، وَاشْكُرُوا اللَّهَ عَلَى ذَلِكَ بِإِخْلَاصِ الْعِبَادَةِ لَهُ وَتَرْكِ الْإِشْرَاكِ بِهِ وَهَجْرِ الْأَوْثَانِ وَالْأَنْدَادِ. ﴿لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [البقرة: ١٨٩] يَقُولُ: كَيْ تُفْلِحُوا، فَتُدْرِكُوا الْخُلُودَ وَالْبَقَاءَ فِي النِّعَمِ فِي الْآخِرَةِ، وَتَنْجَحُوا فِي طَلَبَاتِكُمْ عِنْدَهُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٠ ‏/ ٢٦٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدَ قَوْمِ نُوحٍ﴾ [الأعراف: ٦٩] يَقُولُ: «ذَهَبَ بِقَوْمِ نُوحٍ وَاسْتَخْلَفَكُمْ مِنْ بَعْدِهِمْ»
١٠ ‏/ ٢٦٦
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: ﴿وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ﴾ [الأعراف: ٦٩]: «أَيْ سَاكِنِي الْأَرْضَ بَعْدَ قَوْمِ نُوحٍ» وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٠ ‏/ ٢٦٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً﴾ [الأعراف: ٦٩]، قَالَ: «مَا لِقَوَامِ قَوْمِ عَادٍ» وَأَمَّا الْآلَاءُ فَإِنَّهَا جَمْعٌ، وَاحِدُهَا: (إِلًى) بِكَسْرِ الْأَلِفِ فِي تَقْدِيرِ (مِعًى)، وَيُقَالُ: (أَلًى) فِي تَقْدِيرِ (قَفًا) بِفَتْحِ الْأَلِفِ، وَقَدْ حُكِيَ سَمَاعًا مِنَ الْعَرَبِ (إِلْيٌ) مِثْلَ (حِسْيٍ) . وَالْآلَاءُ: النِّعَمُ وَكَذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٠ ‏/ ٢٦٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ﴾ [الأعراف: ٦٩]: «أَيْ نِعَمُ اللَّهِ»
١٠ ‏/ ٢٦٧
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿آلَاءَ اللَّهِ﴾ [الأعراف: ٦٩]: «فَنِعَمُ اللَّهِ»
١٠ ‏/ ٢٦٧
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ ⦗٢٦٨⦘: ﴿فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ﴾ [الأعراف: ٦٩] قَالَ: «آلَاؤُهُ: نِعَمُهُ» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَعَادٌ هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ الَّذِينَ وَصَفَ اللَّهُ صِفَتَهُمْ وَبَعَثَ إِلَيْهِمْ هُودًا يَدْعُوهُمْ إِلَى تَوْحِيدِ اللَّهِ وَاتِّبَاعِ مَا أَتَاهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدَهُ
١٠ ‏/ ٢٦٧
هُمْ فِيمَا حَدَّثَنَا بِهِ ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: «وَلَدُ عَادِ بْنِ إِرَمَ بْنِ عُوصِ بْنِ سَامِ بْنِ نُوحٍ» وَكَانَتْ مَسَاكِنُهُمُ الشِّحْرُ مِنْ أَرْضِ الْيَمَنِ، وَمَا وَالَى بِلَادَ حَضْرَمَوْتٍ إِلَى عُمَانَ
١٠ ‏/ ٢٦٨
كَمَا حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: «إِنَّ عَادًا قَوْمٌ كَانُوا بِالْيَمَنِ بِالْأَحْقَافِ»
١٠ ‏/ ٢٦٨
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، قَالَ: ثنا ابْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُزَاعِيِّ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عَامِرِ بْنِ وَاثِلَةَ قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، عليه السلام يَقُولُ لِرَجُلٍ مِنْ حَضْرَمَوْتٍ: “هَلْ رَأَيْتَ كَثِيبًا أَحْمَرَ يُخَالِطُهُ مَدَرَةٌ حَمْرَاءُ ذَا أَرَاكٍ وَسِدْرٍ كَثِيرٍ بِنَاحِيَةِ كَذَا وَكَذَا مِنْ أَرْضِ حَضْرَمَوْتٍ، هَلْ رَأَيْتَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، وَاللَّهِ إِنَّكَ لَتَنْعِتُهُ نَعْتَ رَجُلٍ قَدْ رَآهُ. قَالَ: لَا، وَلَكِنِّي ⦗٢٦٩⦘ قَدْ حُدِّثْتُ عَنْهُ. فَقَالَ الْحَضْرَمِيُّ: وَمَا شَأْنُهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: «فِيهِ قَبْرُ هُودٍ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ»
١٠ ‏/ ٢٦٨
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: «كَانَتْ مَنَازِلُ عَادٍ وَجَمَاعَتُهُمْ حِينَ بَعَثَ اللَّهُ فِيهِمْ هُودًا الْأَحْقَافَ، قَالَ: وَالْأَحْقَافُ: الرَّمْلُ فِيمَا بَيْنَ عُمَانَ إِلَى حَضْرَمَوْتٍ بِالْيَمَنِ، وَكَانُوا مَعَ ذَلِكَ قَدْ فَشَوْا فِي الْأَرْضِ كُلِّهَا، وَقَهَرُوا أَهْلَهَا بِفَضْلِ قُوَّتِهِمُ الَّتِي آتَاهُمُ اللَّهُ، وَكَانُوا أَصْحَابَ أَوْثَانٍ يَعْبُدُونَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ: صَنَمٌ يُقَالُ لَهُ: صُدَاءٌ، وَصَنَمٌ يُقَالُ لَهُ: صُمُودٌ، وَصَنَمٌ يُقَالُ لَهُ: الْهَبَاءُ. فَبَعَثَ اللَّهُ إِلَيْهِمْ هُودًا، وَهُوَ مِنْ أَوْسَطِهِمْ نَسَبًا وَأَفْضَلِهِمْ مَوْضِعًا، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يُوَحِّدُوا اللَّهَ وَلَا يَجْعَلُوا مَعَهُ إِلَهًا غَيْرَهُ، وَأَنْ يَكُفُّوا عَنْ ظُلْمِ النَّاسِ، وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ فِيمَا يُذْكَرُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِغَيْرِ ذَلِكَ. فَأَبَوْا عَلَيْهِ وَكَذَّبُوهُ، وَقَالُوا: مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً؟ وَاتَّبَعَهُ مِنْهُمْ نَاسٌ وَهُمْ يَسِيرٌ، يَكْتُمُونَ إِيمَانَهُمْ، وَكَانَ مِمَّنْ آمَنَ بِهِ وَصَدَّقَهُ رَجُلٌ مِنْ عَادٍ يُقَالُ لَهُ مَرْثَدُ بْنُ سَعْدِ بْنِ عُفَيْرٍ، وَكَانَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ، فَلَمَّا عَتَوْا عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبُوا نَبِيَّهُمْ، وَأَكْثَرُوا فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ، وَتَجَبَّرُوا وَبَنَوْا بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً عَبَثًا بِغَيْرِ نَفْعٍ، كَلَّمَهُمْ هُودٌ فَقَالَ: ﴿أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ. وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونَ﴾ [الشعراء: ١٢٩]، ﴿قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتَنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ﴾ [هود: ٥٣]: ⦗٢٧٠⦘ أَيْ مَا هَذَا الَّذِي جِئْتَنَا بِهِ إِلَّا جُنُونٌ أَصَابَكَ بِهِ بَعْضُ آلِهَتِنَا هَذِهِ الَّتِي تَعِيبُ، ﴿قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونَ﴾ [هود: ٥٤] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [البقرة: ١٤٢]، فَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ أَمْسَكَ اللَّهُ عَنْهُمُ الْمَطَرَ مِنَ السَّمَاءِ ثَلَاثَ سِنِينَ فِيمَا يَزْعُمُونَ، حَتَّى جَهَدَهُمْ ذَلِكَ. وَكَانَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ إِذَا نَزَلَ بِهِمْ بَلَاءٌ أَوْ جَهْدٌ، فَطَلَبُوا إِلَى اللَّهِ الْفَرَجَ مِنْهُ، كَانَتْ طِلْبَتُهُمْ إِلَى اللَّهِ عِنْدَ بَيْتِهِ الْحَرَامِ بِمَكَّةَ، مُسْلِمُهُمْ وَمُشْرِكُهُمْ، فَيَجْتَمِعُ بِمَكَّةَ نَاسٌ كَثِيرٌ شَتَّى مُخْتَلِفَةٌ أَدْيَانُهُمْ، وَكُلُّهُمْ مُعَظِّمٌ لِمَكَّةَ يَعْرِفُ حُرْمَتَهَا وَمَكَانَهَا مِنَ اللَّهِ. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَكَانَ الْبَيْتُ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ مَعْرُوفًا مَكَانُهُ، وَالْحَرَمُ قَائِمًا فِيمَا يَذْكُرُونَ، وَأَهْلُ مَكَّةَ يَوْمَئِذٍ الْعَمَالِيقُ، وَإِنَّمَا سُمُّوا الْعَمَالِيقَ لِأَنَّ أَبَاهُمْ عِمْلِيقُ بْنُ لَاوِذَ بْنِ سَامِ بْنِ نُوحٍ، وَكَانَ سَيِّدُ الْعَمَالِيقِ إِذْ ذَاكَ بِمَكَّةَ فِيمَا يَزْعُمُونَ رَجُلًا يُقَالُ لَهُ: مُعَاوِيَةُ بْنُ بَكْرٍ، وَكَانَ أَبُوهُ حَيًّا فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ وَلَكِنَّهُ كَانَ قَدْ كَبِرَ، وَكَانَ ابْنُهُ يَرْأَسُ قَوْمَهُ، وَكَانَ السُّؤْدَدُ وَالشَّرَفُ مِنَ الْعَمَالِيقِ فِيمَا يَزْعُمُونَ فِي أَهْلِ ذَلِكَ الْبَيْتِ، وَكَانَتْ أُمُّ مُعَاوِيَةَ بْنِ بَكْرٍ كَلْهَدَةَ ابْنَةُ الْخَيْبَرِيِّ رَجُلٍ مِنْ عَادٍ. فَلَمَّا قَحَطَ الْمَطَرُ عَنْ عَادٍ وَجَهِدُوا، قَالُوا: جَهِّزُوا مِنْكُمْ وَفْدًا إِلَى مَكَّةَ، فَلْيَسْتَسْقُوا لَكُمْ، فَإِنَّكُمْ قَدْ هَلَكْتُمْ، فَبَعَثُوا قَيْلَ بْنَ عِيرٍ، وَلَقِيمَ بْنَ هَزَّالٍ مِنْ هُذَيْلٍ، وَعُقَيْلَ بْنَ ضِدِّ بْنِ عَادٍ الْأَكْبَرِ، وَمَرْثَدَ بْنَ سَعْدِ بْنِ عُفَيْرٍ، وَكَانَ مُسْلِمًا يَكْتُمُ إِسْلَامَهُ، وَجَلْهَمَةَ بْنَ الْخَيْبَرِيِّ ⦗٢٧١⦘ خَالَ مُعَاوِيَةَ بْنِ بَكْرٍ أَخُو أُمِّهِ، ثُمَّ بَعَثُوا لُقْمَانَ بْنَ عَادِ بْنِ فُلَانِ بْنِ فُلَانِ بْنِ ضِدِّ بْنِ عَادٍ الْأَكْبَرِ. فَانْطَلَقَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ مَعَهُ رَهْطٌ مِنْ قَوْمِهِ حَتَّى بَلَغَ عِدَّةُ وَفْدِهِمْ سَبْعِينَ رَجُلًا. فَلَمَّا قَدِمُوا مَكَّةَ، نَزَلُوا عَلَى مُعَاوِيَةَ بْنِ بَكْرٍ وَهُوَ بِظَاهِرِ مَكَّةَ خَارِجًا مِنَ الْحَرَمِ، فَأَنْزَلَهُمْ وَأَكْرَمَهُمْ، وَكَانُوا أَخْوَالَهُ وَأَصْهَارَهُ. فَلَمَّا نَزَلَ وَفْدُ عَادٍ عَلَى مُعَاوِيَةَ بْنِ بَكْرٍ، أَقَامُوا عِنْدَهُ شَهْرًا يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ وَتُغَنِّيهُمُ الْجَرَادَتَانِ، قَيْنَتَانِ لِمُعَاوِيَةَ بْنِ بَكْرٍ، وَكَانَ مَسِيرُهُمْ شَهْرًا وَمُقَامُهُمْ شَهْرًا. فَلَمَّا رَأَى مُعَاوِيَةُ بْنُ بَكْرٍ طُولَ مُقَامِهِمْ وَقَدْ بَعَثَهُمْ قَوْمُهُمْ يَتَغَوَّثُونَ بِهِمْ مِنَ الْبَلَاءِ الَّذِي أَصَابَهُمْ، شَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: هَلَكَ أَخْوَالِي وَأَصْهَارِي، وَهَؤُلَاءِ مُقِيمُونَ عِنْدِي وَهُمْ ضَيْفِي نَازِلُونَ عَلَيَّ، وَاللَّهِ مَا أَدْرِي كَيْفَ أَصْنَعُ بِهِمْ، إِنْ أَمَرْتُهُمْ بِالْخُرُوجِ إِلَى مَا بُعِثُوا لَهُ فَيَظُنُّوا أَنَّهُ ضِيقٌ مِنِّي بِمُقَامِهِمْ عِنْدِي، وَقَدْ هَلَكَ مَنْ وَرَاءَهُمْ مِنْ قَوْمِهِمْ جَهْدًا وَعَطَشًا. أَوْ كَمَا قَالَ. فَشَكَا ذَلِكَ مِنْ أَمْرِهِمْ إِلَى قَيْنَتَيْهِ الْجَرَادَتَيْنِ، فَقَالَتَا: قُلْ شِعْرًا نُغَنِّيهِمْ بِهِ لَا يَدْرُونَ مَنْ قَالَهُ، لَعَلَّ ذَلِكَ أَنَّ يُحَرِّكَهُمْ. فَقَالَ مُعَاوِيَةُ بْنُ بَكْرٍ حِينَ أَشَارَتَا عَلَيْهِ بِذَلِكَ:
[البحر الوافر]

أَلَا يَا قَيْلُ وَيْحَكَ قُمْ فَهَيْنِمْ … لَعَلَّ اللَّهَ يُسْقِينَا غَمَامَا
فَيَسْقِي أَرْضَ عَادٍ إِنَّ عَادًا … قَدَ امْسَوْا لَا يُبِينُونَ الْكَلَامَا
مِنَ الْعَطَشِ الشَّدِيدِ فَلَيْسَ نَرْجُو … بِهِ الشَّيْخَ الْكَبِيرَ وَلَا الْغُلَامَا
وَقَدْ كَانَتْ نِسَاؤُهُمُ بِخَيْرٍ … فَقَدْ أَمْسَتْ نِسَاؤُهُمْ عَيَامَى
⦗٢٧٢⦘ وَإِنَّ الْوَحْشَ يَأْتِيهِمْ جِهَارًا … وَلَا يَخْشَى لِعَادِيٍّ سِهَامَا
وَأَنْتُمْ هَا هُنَا فِيمَا اشْتَهَيْتُمْ … نَهَارَكُمْ وَلَيْلَكُمُ التَّمَامَا
فَقُبِّحَ وَفْدُكُمْ مِنْ وَفْدِ قَوْمٍ … وَلَا لُقُّوا التَّحِيَّةَ وَالسَّلَامَا
فَلَمَّا قَالَ مُعَاوِيَةُ ذَلِكَ الشَّعْرَ، غَنَّتْهُمْ بِهِ الْجَرَادَتَانِ، فَلَمَّا سَمِعَ الْقَوْمُ مَا غَنَّتَا بِهِ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: يَا قَوْمِ، إِنَّمَا بَعَثَكُمْ قَوْمُكُمْ يَتَغَوَّثُونَ بِكُمْ مِنْ هَذَا الْبَلَاءِ الَّذِي نَزَلَ بِهِمْ، وَقَدْ أَبْطَأْتُمْ عَلَيْهِمْ، فَادْخُلُوا هَذَا الْحَرَمَ وَاسْتَسْقُوا لِقَوْمِكُمْ، فَقَالَ لَهُمْ مَرْثَدُ بْنُ سَعْدِ بْنِ عُفَيْرٍ: إِنَّكُمْ وَاللَّهِ لَا تُسْقَوْنَ بِدُعَائِكُمْ، وَلَكِنْ إِنْ أَطَعْتُمْ نَبِيَّكُمْ وَأَنَبْتُمْ إِلَيْهِ سُقِيتُمْ. فَأَظْهَرَ إِسْلَامَهُ عِنْدَ ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُمْ جَلْهَمَةُ بْنُ الْخَيْبَرِيِّ خَالُ مُعَاوِيَةَ بْنِ بَكْرٍ حِينَ سَمِعَ قَوْلَهُ وَعَرَفَ أَنَّهُ قَدِ اتَّبَعَ دِينَ هُودٍ وَآمَنَ بِهِ:
[البحر الوافر]

أَبَا سَعْدٍ فَإِنَّكَ مِنْ قَبِيلٍ … ذَوِي كَرَمٍ وَأُمُّكَ مِنْ ثَمُودِ
فَإِنَّا لَا نُطِيعُكَ مَا بَقِينَا … وَلَسْنَا فَاعِلِينَ لِمَا تُرِيدُ
أَتَأْمُرُنَا لِنَتْرُكَ دِينَ رِفْدٍ … وَرَمْلٍ وَالصُّدَاءَ مَعَ الصُّمُودِ
وَنَتْرُكَ دِينَ آبَاءٍ كِرَامٍ … ذَوِي رَأْي وَنَتْبَعَ دِينَ هُودِ
ثُمَّ قَالُوا لِمُعَاوِيَةَ بْنِ بَكْرٍ وَأَبِيهِ بَكْرٍ: احْبِسَا عَنَّا مَرْثَدَ بْنَ سَعْدٍ، فَلَا يَقْدِمَنَّ مَعَنَا مَكَّةَ، فَإِنَّهُ قَدِ اتَّبَعَ دِينَ هُودٍ وَتَرَكَ دِينَنَا، ثُمَّ خَرَجُوا إِلَى مَكَّةَ يَسْتَسْقُونَ بِهَا لِعَادٍ، فَلَمَّا وَلَّوْا إِلَى مَكَّةَ، خَرَجَ مَرْثَدُ بْنُ سَعْدٍ مِنْ مَنْزِلِ مُعَاوِيَةَ بْنِ بَكْرٍ، حَتَّى أَدْرَكَهُمْ ⦗٢٧٣⦘ بِهَا، فَقَالَ: لَا أَدْعُو اللَّهَ بِشَيْءٍ مِمَّا خَرَجُوا لَهُ، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَيْهِمْ، قَامَ يَدْعُو اللَّهَ بِمَكَّةَ، وَبِهَا وَفْدُ عَادٍ قَدِ اجْتَمَعُوا يَدْعُونَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ أَعْطِنِي سُؤْلِي وَحْدِي، وَلَا تُدْخِلْنِي فِي شَيْءٍ مِمَّا يَدْعُوكَ بِهِ وَفْدُ عَادٍ، وَكَانَ قَيْلُ بْنُ عِيرٍ رَأْسَ وَفْدِ عَادٍ، وَقَالَ وَفْدُ عَادٍ: اللَّهُمَّ أَعْطِ قَيْلًا مَا سَأَلَكَ، وَاجْعَلْ سُؤْلَنَا مَعَ سُؤْلِهِ. وَكَانَ قَدْ تَخَلَّفَ عَنْ وَفْدِ عَادٍ حِينَ دَعَا لُقْمَانُ بْنُ عَادٍ وَكَانَ سَيِّدَ عَادٍ، حَتَّى إِذَا فَرَغُوا مِنْ دَعْوَتِهِمْ قَامَ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي جِئْتُكَ وَحْدِي فِي حَاجَتِي، فَأَعْطِنِي سُؤْلِي، وَقَالَ قَيْلُ بْنُ عِيرٍ حِينَ دَعَا: يَا إِلَهَنَا، إِنْ كَانَ هُودٌ صَادِقًا فَاسْقِنَا، فَإِنَّا قَدْ هَلَكْنَا، فَأَنْشَأَ اللَّهُ لَهُمْ سَحَائِبَ ثَلَاثًا: بَيْضَاءَ وَحَمْرَاءَ وَسَوْدَاءَ، ثُمَّ نَادَاهُ مُنَادٍ مِنَ السَّحَابِ: يَا قَيْلُ اخْتَرْ لِنَفْسِكَ وَلِقَوْمِكَ مِنْ هَذِهِ السَّحَائِبِ، فَقَالَ: اخْتَرْتُ السَّحَابَةَ السَّوْدَاءَ فَإِنَّهَا أَكْثَرُ السَّحَابِ مَاءً، فَنَادَاهُ مُنَادٍ: اخْتَرْتَ رَمَادًا رِمْدِدًا، لَا تُبْقِ مِنْ آلِ عَادٍ أَحَدًا، لَا وَالِدًا تَتْرُكُ وَلَا وَلَدًا، إِلَّا جَعَلَتْهُ هُمَّدًا، إِلَّا بَنِي اللَّوْذِيَّةِ الْمُهَدَّى. وَبَنِي اللَّوْذِيَّةِ بَنُو لَقِيمِ بْنِ هَزَّالِ بْنِ هُزَيْلَةَ بْنِ بَكْرٍ، وَكَانُوا سُكَّانًا بِمَكَّةَ مَعَ أَخْوَالِهِمْ، وَلَمْ يَكُونُوا مَعَ عَادٍ بِأَرْضِهِمْ، فَهُمْ عَادٌ الْآخِرَةُ وَمَنْ كَانَ مِنْ نَسْلِهِمُ الَّذِينَ بَقُوا مِنْ عَادٍ. وَسَاقَ اللَّهُ السَّحَابَةَ السَّوْدَاءَ فِيمَا يَذْكُرُونَ الَّتِي اخْتَارَهَا قَيْلُ بْنُ عِيرٍ بِمَا فِيهَا مِنَ النِّقْمَةِ إِلَى عَادٍ، حَتَّى خَرَجَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ وَادٍ يُقَالُ لَهُ: الْمُغِيثُ، فَلَمَّا رَأَوْهَا اسْتَبْشَرُوا بِهَا، ﴿وَقَالُوا هَذَا عَارِضٌ﴾ مُمْطِرُنَا، يَقُولُ اللَّهُ: ﴿بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا ⦗٢٧٤⦘ عَذَابٌ أَلِيمٌ تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا﴾ [الأحقاف: ٢٤]، أَيْ كُلَّ شَيْءٍ أُمِرَتْ بِهِ. وَكَانَ أَوَّلُ مَنْ أَبْصَرَ مَا فِيهَا وَعَرَفَ أَنَّهَا رِيحٌ فِيمَا يَذْكُرُونَ امْرَأَةٌ مِنْ عَادٍ يُقَالُ لَهَا مَهْدَدُ. فَلَمَّا تَيَقَّنَتْ مَا فِيهَا، صَاحَتْ ثُمَّ صُعِقَتْ، فَلَمَّا أَنْ أَفَاقَتْ قَالُوا: مَاذَا رَأَيْتِ يَا مَهْدَدُ؟ قَالَتْ: رَأَيْتُ رِيحًا فِيهَا كَشُهُبِ النَّارِ، أَمَامَهَا رِجَالٌ يَقُودُونَهَا. فَسَخَّرَهَا اللَّهُ عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا، كَمَا قَالَ اللَّهُ، وَالْحُسُومُ: الدَّائِمَةُ فَلَمْ تَدَعْ مِنْ عَادٍ أَحَدًا إِلَّا هَلَكَ. فَاعْتَزَلَ هُودٌ فِيمَا ذُكِرَ لِي وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي حَظِيرَةٍ، مَا يُصِيبُهُ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الرِّيحِ إِلَّا مَا تَلِينُ عَلَيْهِ الْجُلُودُ وَتَلْتَذُّ بِهِ الْأَنْفُسُ، وَإِنَّهَا لَتَمُرُّ عَلَى عَادٍ بِالظُّعُنِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَتَدْمَغُهُمْ بِالْحِجَارَةِ. وَخَرَجَ وَفْدُ عَادٍ مِنْ مَكَّةَ، حَتَّى مَرُّوا بِمُعَاوِيَةَ بْنِ بَكْرٍ وَابْنِهِ، فَنَزَلُوا عَلَيْهِ، فَبَيْنَمَا هُمْ عِنْدَهُ إِذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ عَلَى نَاقَةٍ لَهُ فِي لَيْلَةٍ مُقْمِرَةٍ مَسَاءَ ثَالِثَةٍ مِنْ مُصَابِ عَادٍ، فَأَخْبَرَهُمُ الْخَبَرَ، فَقَالُوا لَهُ: أَيْنَ فَارَقْتَ هُودًا وَأَصْحَابَهُ؟ قَالَ: فَارَقْتُهُمْ بِسَاحِلِ الْبَحْرِ، فَكَأَنَّهُمْ شَكُّوا فِيمَا حَدَّثَهُمْ بِهِ، فَقَالَتْ هُذْيلَةُ بِنْتُ بَكْرٍ: صَدَقَ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ»

١٠ ‏/ ٢٦٩
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، قَالَ: ثنا عَاصِمٌ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ حَسَّانَ الْبَكْرِيِّ، قَالَ: قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَمَرَرْتُ عَلَى امْرَأَةٍ بِالرَّبَذَةِ، فَقَالَتْ: هَلْ أَنْتَ حَامِلِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. فَحَمَلْتُهَا حَتَّى قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ، فَدَخَلْتُ الْمَسْجِدَ، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَإِذَا بِلَالٌ مُتَقَلِّدٌ السَّيْفَ، وَإِذَا رَايَاتٌ سُودٌ، قَالَ: قُلْتُ: مَا هَذَا؟ قَالُوا: عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ قَدِمَ مِنْ غَزْوَتِهِ. فَلَمَّا نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِنْ عَلَى مِنْبَرِهِ أَتَيْتُهُ فَاسْتَأْذَنْتُ فَأَذِنَ لِي، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ بِالْبَابِ امْرَأَةً مِنْ بَنِي تَمِيمٍ، وَقَدْ سَأَلَتْنِي أَنْ أَحْمِلَهَا إِلَيْكَ. قَالَ: «يَا بِلَالُ ائْذَنْ لَهَا»، قَالَ: فَدَخَلَتْ، فَلَمَّا جَلَسَتْ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «هَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ تَمِيمٍ شَيْءٌ؟» قُلْتُ: نَعَمْ، وَكَانَتْ لَنَا الدَّائِرَةُ عَلَيْهِمْ، فَإِنْ رَأَيْتَ أَنْ تَجْعَلَ الدَّهْنَاءَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ حَاجِزًا فَعَلْتَ. قَالَ تَقُولُ الْمَرْأَةُ: فَإِلَى أَيْنَ يُضْطَرُّ مُضْطَرُّكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: قُلْتُ: إِنَّ مَثَلِي مَثَلُ مَا قَالَ الْأَوَّلُ: مِعْزًى حَمَلَتْ حَتْفَهَا. قَالَ: قُلْتُ: وَحَمَلَتْكِ تَكُونِينَ عَلَيَّ خَصْمًا؟ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ كَوَافِدِ عَادٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «وَمَا وَافِدُ عَادٍ؟» قَالَ: قُلْتُ: عَلَى الْخَبِيرِ سَقَطْتَ، إِنَّ عَادًا قُحِطْتَ، فَبَعَثَتْ مَنْ يَسْتَسْقِي لَهَا، فَبَعَثُوا رِجَالًا، فَمَرُّوا عَلَى بَكْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ فَسَقَاهُمُ الْخَمْرَ وَتَغَنَّتْهُمُ الْجَرَادَتَانِ شَهْرًا، ثُمَّ ⦗٢٧٦⦘ فَصَلُوا مِنْ عِنْدِهِ حَتَّى أَتَوْا جِبَالَ مَهْرَةَ، فَدَعَوْا، فَجَاءَتْ سَحَابَاتٌ، قَالَ: وَكُلَّمَا جَاءَتْ سَحَابَةٌ قَالَ: اذْهَبِي إِلَى كَذَا، حَتَّى جَاءَتْ سَحَابَةٌ، فَنُودِيَ: خُذْهَا رَمَادًا رِمْدِدًا، لَا تَدَعُ مِنْ عَادٍ أَحَدًا. قَالَ فَسَمِعَهُ وَكَلَّمَهُمْ، حَتَّى جَاءَهُمُ الْعَذَابُ. قَالَ أَبُو كُرَيْبٍ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ عَادٍ، قَالَ: فَأَقْبَلَ الَّذِينَ أَتَاهُمْ فَأَتَى جَبَالَ مَهْرَةَ، فَصَعَدَ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي لَمْ أَجِئْكَ لِأَسِيرٍ فَأُفَادِيهِ، وَلَا لِمَرِيضٍ فَأَشْفِيهِ، فَاسْقِ عَادًا مَا كُنْتَ مُسْقِيهِ قَالَ: فُرِفِعَتْ لَهُ سَحَابَاتٌ، قَالَ: فَنُودِيَ مِنْهَا: اخْتَرْ قَالَ: فَجَعَلَ يَقُولُ: اذْهَبِي إِلَى بَنِي فُلَانٍ، اذْهَبِي إِلَى بَنِي فُلَانٍ. قَالَ فَمَرَّتْ آخِرُهَا سَحَابَةٌ سَوْدَاءُ، فَقَالَ: اذْهَبِي إِلَى عَادٍ. فَنُودِيَ مِنْهَا: خُذْهَا رَمَادًا رِمْدِدًا لَا تَدَعُ مِنْ عَادٍ أَحَدًا. قَالَ: وَكَلَّمَهُمْ، وَالْقَوْمُ عِنْدَ بَكْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ يَشْرَبُونَ، قَالَ: وَكَرِهَ بَكْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمْ عِنْدَهُ وَأَنَّهُمْ فِي طَعَامِهِ. قَالَ: فَأَخَذَ فِي الْغِنَاءِ وَذَكَّرَهُمْ “
١٠ ‏/ ٢٧٥
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: ثنا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ قَالَ: ثنا سَلَّامٌ أَبُو الْمُنْذِرِ النَّحْوِيُّ قَالَ: ثنا عَاصِمٌ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ يَزِيدَ الْبَكْرِيِّ قَالَ: خَرَجْتُ ⦗٢٧٧⦘ لِأَشْكُوَ الْعَلَاءَ بْنَ الْحَضْرَمِيِّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَمَرَرْتُ بِالرَّبَذَةِ، فَإِذَا عَجُوزٌ مُنْقَطِعٌ بِهَا مِنْ بَنِي تَمِيمٍ، فَقَالَتْ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، إِنَّ لِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ حَاجَةً، فَهَلْ أَنْتَ مُبَلِّغِي إِلَيْهِ؟ قَالَ: فَحَمَلْتُهَا فَقَدِمْتُ الْمَدِينَةَ. قَالَ: فَإِذَا رَايَاتٌ، قُلْتُ: مَا شَأْنُ النَّاسِ؟ قَالُوا: يُرِيدُ أَنْ يَبْعَثَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ وَجْهًا، قَالَ: فَجَلَسْتُ حَتَّى فَرَغَ. قَالَ: فَدَخَلَ مَنْزِلَهُ أَوْ قَالَ: رَحْلَهُ فَاسْتَأْذَنْتُ عَلَيْهِ، فَأَذِنَ لِي فَدَخَلْتُ، فَقَعَدْتُ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «هَلْ كَانَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ تَمِيمٍ شَيْءٌ؟» قُلْتُ: نَعَمْ، وَكَانَتْ لَنَا الدَّائِرَةُ عَلَيْهِمْ، وَقَدْ مَرَرْتُ بِالرَّبَذَةِ فَإِذَا عَجُوزٌ مِنْهُمْ مُنْقَطِعٌ بِهَا، فَسَأَلَتْنِي أَنْ أَحْمِلَهَا إِلَيْكَ وَهَا هِيَ بِالْبَابِ. فَأَذِنَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَدَخَلَتْ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ تَمِيمٍ الدَّهْنَاءَ حَاجِزًا، فَحَمِيَتِ الْعَجُوزُ وَاسْتَوْفَزَتْ وَقَالَتْ: إِلَى أَيْنَ يُضْطَرُّ مُضْطَرُّكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: قُلْتُ: أَنَا كَمَا قَالَ الْأَوَّلُ: مِعْزًى حَمَلَتْ حَتْفَهَا، حَمَلْتُ هَذِهِ وَلَا أَشْعُرُ أَنَّهَا كَانَتْ لِي خَصْمًا، أَعُوذُ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ أَنْ أَكُونَ كَوَافِدِ عَادٍ، قَالَ: «وَمَا وَافِدُ عَادٍ؟» قَالَ: عَلَى الْخَبِيرِ سَقَطْتَ، قَالَ: وَهُوَ يَسْتَطْعِمُنِي الْحَدِيثَ، قُلْتُ: إِنَّ عَادًا قُحِطُوا فَبَعَثُوا قَيْلًا وَافِدًا، فَنَزَلَ عَلَى بَكْرٍ، فَسَقَاهُ الْخَمْرَ شَهْرًا، وَغَنَّتْهُ جَارِيَتَانِ يُقَالُ لَهُمَا الْجَرَادَتَانِ، فَخَرَجَ إِلَى جِبَالِ مَهْرَةَ، فَنَادَى: إِنِّي لَمْ أَجِئْ لِمَرِيضٍ فَأُدَاوِيَهُ، وَلَا لِأَسِيرٍ فَأُفَادِيَهُ، اللَّهُمَّ اسْقِ عَادًا مَا كُنْتَ مُسْقِيَهُ، فَمَرَّتْ بِهِ سَحَابَاتٌ سُودٌ، فَنُودِيَ مِنْهَا: خُذْهَا رَمَادًا رِمْدِدًا، لَا تُبْقِ مِنْ ⦗٢٧٨⦘ عَادٍ أَحَدًا. قَالَ: فَكَانَتِ الْمَرْأَةُ تَقُولُ: لَا تَكُنْ كَوَافِدِ عَادٍ، فَفِيمَا بَلَغَنِي أَنَّهُ مَا أُرْسِلَ عَلَيْهِمْ مِنَ الرِّيحِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلَّا قَدْرُ مَا يَجْرِي فِي خَاتَمِي قَالَ أَبُو وَائِلٍ: فَكَذَلِكَ بَلَغَنِي
١٠ ‏/ ٢٧٦
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾ [الأعراف: ٦٥]، «إِنَّ عَادًا أَتَاهُمْ هُودٌ، فَوَعَظَهُمْ وَذَكَّرَهُمْ بِمَا قَصَّ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ. فَكَذَّبُوهُ وَكَفَرُوا، وَسَأَلُوهُ أَنْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابَ، فَقَالَ لَهُمْ: ﴿إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ﴾ [الأحقاف: ٢٣]، وَإِنَّ عَادًا أَصَابَهُمْ حِينَ كَفَرُوا قُحُوطَ الْمَطَرِ، حَتَّى جَهَدُوا لِذَلِكَ جَهْدًا شَدِيدًا، وَذَلِكَ أَنَّ هُودًا دَعَا عَلَيْهِمْ، فَبَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ، وَهِيَ الرِّيحُ الَّتِي لَا تُلْقِحُ الشَّجَرَ، فَلَمَّا نَظَرُوا إِلَيْهَا قَالُوا: ﴿هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا﴾ [الأحقاف: ٢٤]، فَلَمَّا دَنَتْ مِنْهُمْ نَظَرُوا إِلَى الْإِبِلِ وَالرِّجَالِ تَطِيرُ بِهِمُ الرِّيحُ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، فَلَمَّا رَأَوْهَا تَنَادَوْا: الْبُيُوتَ فَلَمَّا دَخَلُوا الْبُيُوتَ دَخَلَتْ عَلَيْهِمْ فَأَهْلَكَتْهُمْ فِيهَا، ثُمَّ أَخْرَجَتْهُمْ مِنَ الْبُيُوتِ، فَأَصَابَتْهُمْ فِي يَوْمِ نَحِسٍ، وَالنَّحِسُ: هُوَ الشُّؤْمُ، وَمُسْتَمِرٌّ اسْتَمَرَّ عَلَيْهِمُ الْعَذَابُ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا، حَسَمَتْ كُلَّ شَيْءٍ مَرَّتْ بِهِ. فَلَمَّا أَخْرَجَتْهُمْ مِنَ الْبُيُوتِ ⦗٢٧٩⦘ قَالَ اللَّهُ: ﴿تَنْزِعُ النَّاسَ﴾ [القمر: ٢٠] مِنَ الْبُيُوتِ، ﴿كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ﴾ [القمر: ٢٠]، انْقَعَرَ مِنْ أُصُولِهِ، خَاوِيَةٌ: خَوَتْ فَسَقَطَتْ. فَلَمَّا أَهْلَكَهُمُ اللَّهُ، أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ طَيْرًا سُودًا، فَنَقَلَتْهُمْ إِلَى الْبَحْرِ فَأَلْقَتْهُمْ فِيهِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ﴾ [الأحقاف: ٢٥]، وَلَمْ تَخْرُجْ رِيحٌ قَطُّ إِلَّا بِمِكْيَالٍ إِلَّا يَوْمَئِذٍ، فَإِنَّهَا عَتَتْ عَلَى الْخَزَنَةِ فَغَلَبَتْهُمْ، فَلَمْ يَعْلَمُوا كَمْ كَانَ مِكْيَالُهَا، وَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ﴾ [الحاقة: ٦]، وَالصَّرْصَرُ: ذَاتُ الصَّوْتِ الشَّدِيدِ»
١٠ ‏/ ٢٧٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾ [الأعراف: ٧٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَتْ عَادٌ لِهُودٍ: أَجِئْتَنَا تَتَوَعَّدَنَا بِالْعِقَابِ مِنَ اللَّهِ عَلَى مَا نَحْنُ عَلَيْهِ مِنَ الدِّينِ كَيْ نَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَدِينَ لَهُ بِالطَّاعَةِ خَالِصًا وَنَهْجُرَ عِبَادَةَ الْآلِهَةِ وَالْأَصْنَامِ الَّتِي كَانَ آبَاؤُنَا يَعْبُدُونَهَا وَنَتَبَرَّأَ مِنْهَا؟ فَلَسْنَا فَاعِلِي ذَلِكَ وَلَا مُتَّبِعِيكَ عَلَى مَا تَدْعُونَا إِلَيْهِ، فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا مِنَ الْعِقَابِ وَالْعَذَابِ عَلَى تَرْكِنَا إِخْلَاصَ التَّوْحِيدِ لِلَّهِ، وَعِبَادَتِنَا مَا نَعْبُدُ مِنْ دُونِهِ مِنَ الْأَوْثَانِ إِنْ كُنْتَ مِنْ أَهْلِ الصِّدْقِ عَلَى مَا تَقُولُ وَتَعِدُ
١٠ ‏/ ٢٧٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ﴾ [الأعراف: ٧١]⦗٢٨٠⦘ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ هُودٌ لِقَوْمِهِ: قَدْ حَلَّ بِكُمْ عَذَابٌ وَغَضَبٌ مِنَ اللَّهِ. وَكَانَ أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ فِيمَا ذُكِرَ لَنَا عَنْهُ، يَزْعُمُ أَنَّ الرِّجْزَ وَالرِّجْسَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَأَنَّهَا مَقْلُوبَةٌ، قُلِبَتِ السِّينُ زَايًا، كَمَا قُلِبَتْ شِئْزٌ وَهِيَ مِنْ شِئْسٍ بِسِينٍ، وَكَمَا قَالُوا قَرْبُوسٌ وَقَرْبُوزٌ، وَكَمَا قَالَ الرَّاجِزُ:
[البحر الرجز] أَلَا لَحَى اللَّهُ بَنِي السِّعْلَاتِ … عَمْرِو بْنِ يَرْبُوعٍ لِئَامِ النَّاتِ
لَيْسُوا بِأَعْفَافٍ وَلَا أَكْيَاتِ
يُرِيدُ النَّاسِ وَأَكْيَاسِ، فَقُلِبَتِ السِّينُ تَاءً، كَمَا قَالَ رُؤْبَةُ:
[البحر الرجز] كَمْ قَدْ رَأَيْنَا مِنْ عَدِيدِ مُبْزِي … حَتَّى وَقَمْنَا كَيْدَهُ بِالرِّجْزِ
وَرُوِي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: الرِّجْزُ: السَّخَطُ
١٠ ‏/ ٢٧٩
حَدَّثَنِي بِذَلِكَ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثنا مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبَى طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ ⦗٢٨١⦘ رِجْسٌ﴾ [الأعراف: ٧١]، يَقُولُ: «سَخَطٌ»
١٠ ‏/ ٢٨٠
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ﴾ [الأعراف: ٧١]، فَإِنَّهُ يَقُولُ: أَتُخَاصِمُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَصْنَامًا لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ ﴿مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ﴾ [الأعراف: ٧١]، يَقُولُ: مَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ فِي عِبَادَتِكُمْ إِيَّاهَا مِنْ حُجَّةٍ تَحْتَجُّونَ بِهَا وَلَا مَعْذِرَةٍ تَعْتَذِرُونَ بِهَا، لِأَنَّ الْعِبَادَةَ إِنَّمَا هِيَ لِمَنْ ضَرَّ وَنَفَعَ، وَأَثَابَ عَلَى الطَّاعَةِ وَعَاقَبَ عَلَى الْمَعْصِيَةِ، وَرَزَقَ وَمَنَعَ، فَأَمَّا الْجَمَادُ مِنَ الْحِجَارَةِ وَالْحَدِيدِ وَالنُّحَاسِ فَإِنَّهُ لَا نَفْعَ فِيهِ وَلَا ضَرَّ، إِلَّا أَنْ تَتَّخِذَ مِنْهُ آلَةً، وَلَا حُجَّةَ لِعَابِدٍ عَبَدَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ فِي عِبَادَتِهِ إِيَّاهُ، لِأَنَّ اللَّهَ يَأْذَنُ بِذَلِكَ، فَيَعْذِرُ مَنْ عَبَدَهُ بِأَنَّهُ يَعْبُدُهُ اتِّبَاعًا مِنْهُ أَمْرَ اللَّهِ فِي عِبَادَتِهِ إِيَّاهُ، وَلَا هُوَ إِذْ كَانَ اللَّهُ لَمْ يَأْذَنْ فِي عِبَادَتِهِ مِمَّا يُرْجَى نَفْعُهُ أَوْ يُخَافُ ضَرُّهُ فِي عَاجِلٍ أَوْ آجِلٍ، فَيُعْبَدُ رَجَاءَ نَفْعِهِ أَوْ دَفْعَ ضَرِّهِ. ﴿فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ﴾ [الأعراف: ٧١]، يَقُولُ: فَانْتَظِرُوا حُكْمَ اللَّهِ فِينَا وَفِيكُمْ، إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ حُكْمَهُ وَفَصْلَ قَضَائِهِ فِينَا وَفِيكُمْ
١٠ ‏/ ٢٨١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ﴾ [الأعراف: ٧٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَأَنْجَيْنَا نُوحًا وَالَّذِينَ مَعَهُ مِنْ أَتْبَاعِهِ عَلَى الْإِيمَانِ بِهِ وَالتَّصْدِيقِ بِهِ وَبِمَا عَادَ إِلَيْهِ مِنْ تَوْحِيدِ اللَّهِ وَهَجْرِ الْآلِهَةِ وَالْأَوْثَانِ ﴿بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا﴾ [الأعراف: ٧٢]، يَقُولُ: وَأَهْلَكْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا مِنْ قَوْمِ هُودٍ بِحُجَجِنَا جَمِيعًا عَنْ آخِرِهِمْ، فَلَمْ نُبْقِ مِنْهُمْ أَحَدًا
١٠ ‏/ ٢٨١
كَمَا حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿⦗٢٨٢⦘ وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا﴾ [الأعراف: ٧٢]، قَالَ: «اسْتَأْصَلْنَاهُمْ» وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿فَقَطَعَ دَابِرَ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ [الأنعام: ٤٥] بِشَوَاهِدِهِ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ. ﴿وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ﴾ [الأعراف: ٧٢] يَقُولُ: لَمْ يَكُونُوا مُصَدِّقِينَ بِاللَّهِ وَلَا بِرَسُولِهِ هُودٍ
١٠ ‏/ ٢٨١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهِ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [الأعراف: ٧٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا. وَثَمُودُ: هُوَ ثَمُودُ بْنُ عَابِرَ بْنِ إِرَمَ بْنِ سَامِ بْنِ نُوحٍ، وَهُوَ أَخُو جُدَيْسِ بْنِ عَابِرٍ، وَكَانَتْ مَسَاكِنُهُمَا الْحِجْرَ بَيْنَ الْحِجَازِ وَالشَّامِ إِلَى وَادِي الْقُرَى وَمَا حَوْلَهُ. وَمَعْنَى الْكَلَامِ: وَإِلَى بَنِي ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا. وَإِنَّمَا مَنَعَ ثَمُودَ، لِأَنَّ ثَمُودَ قَبِيلَةٌ كَمَا بَكْرُ قَبِيلَةٌ، وَكَذَلِكَ تَمِيمُ. قَالَ: ﴿يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾ [الأعراف: ٥٩] يَقُولُ: قَالَ صَالِحٌ لِثَمُودَ: يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، فَمَا لَكُمْ إِلَهٌ يَجُوزُ أَنْ تَعْبُدُوهُ
١٠ ‏/ ٢٨٢
غَيْرَهُ، وَقَدْ جَاءَتْكُمْ حُجَّةٌ وَبُرْهَانٌ عَلَى صِدْقِ مَا أَقُولُ وَحَقِيقَةِ مَا إِلَيْهِ أَدْعُو مِنْ إِخْلَاصِ التَّوْحِيدِ لِلَّهِ وَإِفْرَادِهِ بِالْعِبَادَةِ دُونَ مَا سِوَاهُ وَتَصْدِيقِي عَلَى أَنِّي لَهُ رَسُولٌ، وَبَيِّنَتِي عَلَى مَا أَقُولُ وَحَقِيقَةُ مَا جِئْتُكُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ رَبِّي، وَحُجَّتِي عَلَيْهِ هَذِهِ النَّاقَةُ الَّتِي أَخْرَجَهَا اللَّهُ مِنْ هَذِهِ الْهَضَبَةِ دَلِيلًا عَلَى نُبُوَّتِي وَصِدْقِ مَقَالَتِي، فَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّ ذَلِكَ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ الَّتِي لَا يَقْدِرُ عَلَى مِثْلِهَا أَحَدٌ إِلَّا اللَّهُ. وَإِنَّمَا اسْتَشْهَدَ صَالِحٌ فِيمَا بَلَغَنِي عَلَى صِحَّةِ نُبُوَّتِهِ عِنْدَ قَوْمِهِ ثَمُودَ بِالنَّاقَةِ لِأَنَّهُمْ سَأَلُوهُ إِيَّاهَا آيَةً وَدِلَالَةً عَلَى حَقِيقَةِ قَوْلِهِ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ، وَذِكْرُ سَبَبِ قَتْلِ قَوْمِ صَالِحٍ النَّاقَةَ
١٠ ‏/ ٢٨٣
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، قَالَ: “قَالَتْ ثَمُودُ لِصَالِحٍ: ائْتِنَا ﴿بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾ [الشعراء: ١٥٤]، قَالَ: فَقَالَ لَهُمْ صَالِحٌ: اخْرُجُوا إِلَى هَضْبَةٍ مِنَ الْأَرْضِ، فَخَرَجُوا، فَإِذَا هِيَ تَتَمَخَّضُ كَمَا تَتَمَخَّضُ الْحَامِلُ. ثُمَّ إِنَّهَا انْفَرَجَتْ، فَخَرَجَتْ مِنْ وَسَطِهَا النَّاقَةُ، فَقَالَ صَالِحٌ: ﴿هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [الأعراف: ٧٣]، ﴿لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ﴾ [الشعراء: ١٥٥]، فَلَمَّا مَلُّوهَا عَقَرُوهَا، فَقَالَ لَهُمْ: ﴿تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ﴾ [هود: ٦٥]
١٠ ‏/ ٢٨٣
قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ: وَحَدَّثَنِي رَجُلٌ آخَرُ، «أَنَّ صَالِحًا قَالَ لَهُمْ: إِنَّ آيَةَ الْعَذَابِ أَنْ تُصْبِحُوا غَدًا حُمُرًا، وَالْيَوْمَ الثَّانِي صُفُرًا، وَالْيَوْمَ الثَّالِثَ سُودًا. قَالَ: فَصَبَّحَهُمُ الْعَذَابُ، فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ تَحَنَّطُوا وَاسْتَعَدُّوا»
١٠ ‏/ ٢٨٣
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا﴾ [الأعراف: ٧٣]، قَالَ: “إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ صَالِحًا إِلَى ثَمُودَ، فَدَعَاهُمْ فَكَذَّبُوهُ، فَقَالَ لَهُمْ مَا ذَكَرَ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ، فَسَأَلُوهُ أَنْ يَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ، فَجَاءَهُمْ بِالنَّاقَةِ، لَهَا شِرْبٌ وَلَهُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ، وَقَالَ: ذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ، فَأَقَرُّوا بِهَا جَمِيعًا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى﴾ [فصلت: ١٧]، وَكَانُوا قَدْ أَقَرُّوا بِهِ عَلَى وَجْهِ النِّفَاقِ وَالتَّقِيَّةِ، وَكَانَتِ النَّاقَةُ لَهَا شِرْبٌ، فَيَوْمٌ تَشْرَبُ فِيهِ الْمَاءَ تَمُرُّ بَيْنَ جَبَلَيْنِ فَيَرْجُمُونَهَا، فَفِيهِمَا أَثَرُهَا حَتَّى السَّاعَةِ، ثُمَّ تَأْتِي فَتَقِفُ لَهُمْ حَتَّى يَحْلِبُوا اللَّبَنَ فَيَرْوِيهِمْ، فَكَانَتْ تَصُبُّ اللَّبَنَ صَبًّا، وَيَوْمُ يَشْرَبُونَ الْمَاءَ لَا تَأْتِيهِمْ. وَكَانَ مَعَهَا فَصِيلٌ لَهَا، فَقَالَ لَهُمْ صَالِحٌ: إِنَّهُ يُولَدُ فِي شَهْرِكُمْ هَذَا غُلَامٌ يَكُونُ هَلَاكُكُمْ عَلَى يَدَيْهِ، فَوُلِدَ لِتِسْعَةٍ مِنْهُمْ فِي ذَلِكَ الشَّهْرِ، فَذَبَحُوا أَبْنَاءَهُمْ، ثُمَّ وُلِدَ لِلْعَاشِرِ فَأَبَى أَنْ يَذْبَحَ ابْنَهُ، وَكَانَ لَمْ يُولَدْ لَهُ قَبْلَ ذَلِكَ شَيْءٌ، فَكَانَ ابْنُ الْعَاشِرِ أَزْرَقَ أَحْمَرَ، فَنَبَتَ نَبَاتًا سَرِيعًا، فَإِذَا مَرَّ بِالتِّسْعَةِ فَرَأَوْهُ، قَالُوا: لَوْ كَانَ أَبْنَاؤُنَا أَحْيَاءَ كَانُوا مِثْلَ هَذَا، فَغَضِبَ التِّسْعَةُ عَلَى صَالِحٍ لِأَنَّهُ أَمَرَهُمْ بِذِبْحِ أَبْنَائِهِمْ، فَ ﴿تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ﴾ [النمل: ٤٩]، قَالُوا: نَخْرُجْ، فَيَرَى النَّاسُ أَنَّا قَدْ خَرَجْنَا إِلَى سَفَرٍ، فَنَأْتِي الْغَارَ فَنَكُونُ فِيهِ، حَتَّى إِذَا كَانَ اللَّيْلُ وَخَرَجَ صَالِحٌ إِلَى الْمَسْجِدِ أَتَيْنَاهُ فَقَتَلْنَاهُ ثُمَّ رَجَعْنَا إِلَى الْغَارِ فَكُنَّا فِيهِ، ثُمَّ رَجَعْنَا فَقُلْنَا مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ، يُصَدِّقُونَنَا يَعْلَمُونَ أَنَّا قَدْ خَرَجْنَا إِلَى سَفَرٍ. فَانْطَلَقُوا، فَلَمَّا دَخَلُوا الْغَارَ أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ اللَّيْلِ، فَسَقَطَ عَلَيْهِمُ ⦗٢٨٥⦘ الْغَارُ فَقَتَلَهُمْ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ﴾ [النمل: ٤٨] حَتَّى بَلَغَ هَهُنَا: ﴿فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ [النمل: ٥١]، وَكَبِرَ الْغُلَامُ ابْنُ الْعَاشِرِ، وَنَبَتَ نَبَاتًا عَجَبًا مِنَ السُّرْعَةِ، فَجَلَسَ مَعَ قَوْمٍ يُصِيبُونَ مِنَ الشَّرَابِ، فَأَرَادُوا مَاءً يَمْزِجُونَ بِهِ شَرَابَهُمْ، وَكَانَ ذَلِكَ الْيَوْمُ يَوْمَ شِرْبِ النَّاقَةِ، فَوَجَدُوا الْمَاءَ قَدْ شَرِبَتْهُ النَّاقَةُ، فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَقَالُوا فِي شَأْنِ النَّاقَةِ: مَا نَصْنَعُ نَحْنُ بِاللَّبَنِ؟ لَوْ كُنَّا نَأْخُذُ هَذَا الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُهُ هَذِهِ النَّاقَةُ، فَنَسْقِيهِ أَنْعَامَنَا وَحُرُوثَنَا، كَانَ خَيْرًا لَنَا، فَقَالَ الْغُلَامُ ابْنُ الْعَاشِرِ: هَلْ لَكُمْ فِي أَنْ أَعْقِرَهَا لَكُمْ؟ قَالُوا: نَعَمْ. فَأَظْهَرُوا دِينَهُمْ، فَأَتَاهَا الْغُلَامُ، فَلَمَّا بَصُرَتْ بِهِ شَدَّتْ عَلَيْهِ، فَهَرَبَ مِنْهَا، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ، دَخَلَ خَلْفَ صَخْرَةٍ عَلَى طَرِيقِهَا فَاسْتَتَرَ بِهَا، فَقَالَ: أَحِيشُوهَا عَلَيَّ، فَأَحَاشُوهَا عَلَيْهِ، فَلَمَّا جَازَتْ بِهِ نَادَوْهُ: عَلَيْكَ، فَتَنَاوَلَهَا فَعَقَرَهَا، فَسَقَطَتْ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ﴾ [القمر: ٢٩]، وَأَظْهَرُوا حِينَئِذٍ أَمْرَهُمْ، وَعَقَرُوا النَّاقَةَ، وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ، وَقَالُوا: يَا صَالِحُ، ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا، وَفَزِعَ نَاسٌ مِنْهُمْ إِلَى صَالِحٍ وَأَخْبَرُوهُ أَنَّ النَّاقَةَ قَدْ عُقِرَتْ، فَقَالَ: عَلَيَّ بِالْفَصِيلِ، فَطَلَبُوا الْفَصِيلَ فَوَجَدُوهُ عَلَى رَابِيَةٍ مِنَ الْأَرْضِ، فَطَلَبُوهُ، فَارْتَفَعَتْ بِهِ حَتَّى حَلَّقَتْ بِهِ فِي السَّمَاءِ، فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ. ثُمَّ دَعَا الْفَصِيلَ إِلَى اللَّهِ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى صَالِحٍ أَنْ مُرْهُمْ فَلْيَتَمَتَّعُوا فِي دَارِهِمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَقَالَ لَهُمْ صَالِحٌ: ﴿تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ﴾ [هود: ٦٥]، وَآيَةُ ⦗٢٨٦⦘ ذَلِكَ أَنْ تُصْبِحَ وُجُوهُكُمْ أَوَّلَ يَوْمٍ مُصْفَرَّةً، وَالثَّانِي مُحْمَرَّةً، وَالْيَوْمَ الثَّالِثَ مُسْوَدَّةً، وَالْيَوْمُ الرَّابِعُ فِيهِ الْعَذَابُ. فَلَمَّا رَأَوُا الْعَلَامَاتِ تَكَفَّنُوا وَتَحَنَّطُوا وَلَطَّخُوا أَنْفُسَهُمْ بِالْمَرِّ، وَلَبِسُوا الْأَنْطَاعَ، وَحَفَرُوا الْأَسْرَابَ، فَدَخَلُوا فِيهَا يَنْتَظِرُونَ الصَّيْحَةَ، حَتَّى جَاءَهُمُ الْعَذَابُ فَهَلَكُوا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: فَ ﴿دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ [النمل: ٥١]
١٠ ‏/ ٢٨٤
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: «لَمَّا أَهْلَكَ اللَّهُ عَادًا وَتَقَضَّى أَمْرُهَا، عَمِرَتْ ثَمُودُ بَعْدَهَا وَاسْتُخْلِفُوا فِي الْأَرْضِ، فَنَزَلُوا فِيهَا وَانْتَشَرُوا. ثُمَّ عَتَوْا عَلَى اللَّهِ، فَلَمَّا ظَهَرَ فَسَادُهُمْ وَعَبَدُوا غَيْرَ اللَّهِ، بَعَثَ إِلَيْهِمْ صَالِحًا وَكَانُوا قَوْمًا عُرُبًا، وَهُوَ مِنْ أَوْسَطِهِمْ نَسَبًا وَأَفْضَلِهِمْ مَوْضِعًا رَسُولًا. وَكَانَتْ مَنَازِلُهُمُ الْحِجْرَ إِلَى قُرْحَ، وَهُوَ وَادِي الْقُرَى، وَبَيْنَ ذَلِكَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ مِيلًا فِيمَا بَيْنَ الْحِجَازِ وَالشَّامِ. فَبَعَثَ اللَّهُ إِلَيْهِمْ غُلَامًا شَابًّا، فَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّهِ، حَتَّى شَمِطَ وَكَبِرَ، لَا يَتْبَعُهُ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ، فَلَمَّا أَلَحَّ عَلَيْهِمْ صَالِحٌ بِالدُّعَاءِ، وَأَكْثَرَ لَهُمُ التَّحْذِيرَ، وَخَوَّفَهُمْ مِنَ اللَّهِ الْعَذَابَ وَالنِّقْمَةَ، سَأَلُوهُ أَنْ يُرِيَهُمُ آيَةً تَكُونُ مِصْدَاقًا لِمَا يَقُولُ فِيمَا يَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهُمْ: أَيُّ آيَةٍ تُرِيدُونَ؟ قَالُوا: تَخْرُجُ مَعَنَا إِلَى عِيدِنَا هَذَا وَكَانَ لَهُمْ عِيدٌ يَخْرُجُونَ إِلَيْهِ بِأَصْنَامِهِمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فِي يَوْمٍ مَعْلُومٍ مِنَ السَّنَةِ فَتَدْعُو إِلَهَكَ وَنَدْعُو آلِهَتَنَا، فَإِنِ اسْتُجِيبَ لَكَ اتَّبَعْنَاكَ، وَإِنِ اسْتُجِيبَ لَنَا اتَّبَعْتَنَا. فَقَالَ ⦗٢٨٧⦘ لَهُمْ صَالِحٌ: نَعَمْ. فَخَرَجُوا بِأَوْثَانِهِمْ إِلَى عِيدِهِمْ ذَلِكَ، وَخَرَجَ صَالِحٌ مَعَهُمْ إِلَى اللَّهِ، فَدَعُوا أَوْثَانَهُمْ وَسَأَلُوهَا أَنْ لَا يُسْتَجَابَ لِصَالِحٍ فِي شَيْءٍ مِمَّا يَدْعُو بِهِ، ثُمَّ قَالَ لَهُ جُنْدُعُ بْنُ عَمْرِو بْنِ حِرَاشِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الدُّمَيْلِ، وَكَانَ يَوْمَئِذٍ سَيِّدَ ثَمُودَ وَعَظِيمَهُمْ: يَا صَالِحُ، أَخْرِجْ لَنَا مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ لِصَخْرَةٍ مُنْفَرِدَةٍ فِي نَاحِيَةِ الْحِجْرِ يُقَالُ لَهَا: الْكَاثِبَةُ نَاقَةً مُخْتَرِجَةً جَوْفَاءَ وَبَرَّاءَ وَالْمُخْتَرِجَةُ: مَا شَاكَلَتِ الْبُخْتَ مِنَ الْإِبِلِ. وَقَالَتْ ثَمُودُ لِصَالِحٍ مِثْلَ مَا قَالَ جُنْدُعُ بْنُ عَمْرٍو فَإِنْ فَعَلْتَ آمَنَّا بِكَ وَصَدَّقْنَاكَ وَشَهِدْنَا أَنَّ مَا جِئْتَ بِهِ هُوَ حَقٌّ، وَأَخَذَ عَلَيْهِمْ صَالِحٌ مَوَاثِيقَهُمْ: لَئِنْ فَعَلْتُ وَفَعَلَ اللَّهُ لَتُصَدِّقُنِّي وَلَتُؤْمِنُنَّ بِي؟ قَالُوا: نَعَمْ، فَأَعْطَوْهُ عَلَى ذَلِكَ عُهُودَهُمْ، فَدَعَا صَالِحٌ رَبَّهُ بِأَنْ يُخْرِجَهَا لَهُمْ مِنْ تِلْكَ الْهَضَبَةِ كَمَا وَصَفْتُ»
١٠ ‏/ ٢٨٦
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ الْأَخْنَسِ، أَنَّهُ حَدَّثَ «أَنَّهُمْ، نَظَرُوا إِلَى الْهَضَبَةِ حِينَ دَعَا اللَّهَ صَالِحٌ بِمَا دَعَا بِهِ تَتَمَخَّضُ بِالنَّاقَةِ تَمَخُّضَ النَّتُوجِ بِوَلَدِهَا، فَتَحَرَّكَتِ الْهَضَبَةُ ثُمَّ أَسْقَطَتِ النَّاقَةَ، فَانْصَدَعَتْ عَنْ نَاقَةٍ كَمَا وَصَفُوا جَوْفَاءَ وَبَرَّاءَ نَتُوجٌ، مَا بَيْنَ جَنْبَيْهَا لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ عِظَمًا. فَآمَنَ بِهِ جُنْدُعُ بْنُ عَمْرٍو وَمَنْ كَانَ مَعَهُ عَلَى أَمْرِهِ مِنْ رَهْطِهِ، وَأَرَادَ أَشْرَافُ ثَمُودَ أَنْ يُؤْمِنُوا بِهِ وَيُصَدِّقُوا، فَنَهَاهُمْ ذَوَابُ بْنُ عَمْرِو بْنِ لَبِيدٍ، وَالْحُبَابُ ⦗٢٨٨⦘ صَاحِبُ أَوْثَانِهِمْ وَرَبَابُ بْنُ صَمْعَرَ بْنِ جَلْهَسَ، وَكَانُوا مِنْ أَشْرَافِ ثَمُودَ، وَرَدُّوا أَشْرَافَهَا عَنِ الْإِسْلَامِ، وَالدُّخُولِ فِيمَا دَعَاهُمْ إِلَيْهِ صَالِحٌ مِنَ الرَّحْمَةِ وَالنَّجَاةِ. وَكَانَ لِجُنْدُعٍ ابْنُ عَمٍّ يُقَالُ لَهُ شِهَابُ بْنُ خَلِيفَةَ بْنِ مَخْلَاةَ بْنِ لَبِيدِ بْنِ جَوَّاسٍ، فَأَرَادَ أَنْ يُسْلِمَ فَنَهَاهُ أُولَئِكَ الرَّهْطُ عَنْ ذَلِكَ، فَأَطَاعَهُمْ، وَكَانَ مِنْ أَشْرَافِ ثَمُودَ وَأَفَاضِلِهَا، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ ثَمُودَ يُقَالُ لَهُ مِهْوَسُ بْنُ عَنَمَةَ بْنِ الدُّمَيْلِ، وَكَانَ مُسْلِمًا:
[البحر الوافر]

وَكَانَتْ عُصْبَةٌ مِنْ آلِ عَمْرٍو … إِلَى دِينِ النَّبِيِّ دَعَوْا شِهَابَا
عَزِيزَ ثَمُودَ كُلَّهُمْ جَمِيعًا … فَهَمَّ بِأَنْ يُجِيبَ وَلَوْ أَجَابَا
لَأَصْبَحَ صَالِحًا فِينَا عَزِيزًا … وَمَا عَدَلُوا بِصَاحِبِهِمْ ذُؤَابَا
وَلَكِنَّ الْغُوَاةَ مِنَ الِ حُجْرٍ … تَوَلَّوْا بَعْدَ رُشْدِهِمُ ذِئَابَا
فَمَكَثَتِ النَّاقَةُ الَّتِي أَخْرَجَهَا اللَّهُ لَهُمْ مَعَهَا سَقْبُهَا فِي أَرْضِ ثَمُودَ تَرْعَى الشَّجَرَ وَتَشْرُبُ الْمَاءَ، فَقَالَ لَهُمْ صَالِحٌ عليه السلام: ﴿هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةٌ فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [الأعراف: ٧٣]، وَقَالَ اللَّهُ لِصَالِحٍ: إِنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ، كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضِرٌ، أَيْ أَنَّ الْمَاءَ نِصْفَانِ: لَهُمْ يَوْمٌ وَلَهَا يَوْمٌ وَهِيَ مُحْتَضِرَةٌ، فَيَوْمُهَا لَا تَدَعُ شِرْبَهَا، وَقَالَ ﴿لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ﴾ [الشعراء: ١٥٥]، فَكَانَتْ فِيمَا بَلَغَنِي وَاللَّهُ أَعْلَمُ إِذَا وَرَدَتْ وَكَانَتْ تَرِدُ غِبًّا وَضَعَتْ رَأْسَهَا فِي بِئْرٍ فِي الْحِجْرِ يُقَالُ لَهَا بِئْرُ النَّاقَةِ، فَيَزْعُمُونَ أَنَّهَا مِنْهَا كَانَتْ تَشْرَبُ، إِذَا وَرَدَتْ تَضَعُ رَأْسَهَا فِيهَا، فَمَا تَرْفَعُهُ حَتَّى تَشْرَبَ كُلَّ قَطْرَةِ مَاءٍ فِي الْوَادِي، ثُمَّ تَرْفَعُ رَأْسَهَا فَتَفَشَّجُ، يَعْنِي ⦗٢٨٩⦘ تَفَحَّجُ لَهُمْ، فَيَحْتَلِبُونَ مَا شَاءُوا مِنْ لَبَنٍ، فَيَشْرَبُونَ وَيَدَّخِرُونَ حَتَّى يَمْلَئُوا كُلَّ آنِيَتِهِمْ، ثُمَّ تَصْدُرُ مِنْ غَيْرِ الْفَجِّ الَّذِي مِنْهُ وَرَدَتْ، لَا تَقْدِرُ عَلَى أَنْ تَصْدُرَ مِنْ حَيْثِ تَرِدُ لِضِيقِهِ عَنْهَا، فَلَا تَرْجِعُ مِنْهُ، حَتَّى إِذَا كَانَ الْغَدُ كَانَ يَوْمُهُمْ، فَيَشْرَبُونَ مَا شَاءُوا مِنَ الْمَاءِ، وَيَدَّخِرُونَ مَا شَاءُوا لِيَوْمِ النَّاقَةِ، فَهُمْ مِنْ ذَلِكَ فِي سَعَةٍ. وَكَانَتِ النَّاقَةُ فِيمَا يَذْكُرُونَ تَصِيفُ إِذَا كَانَ الْحَرُّ بِظَهْرِ الْوَادِي، فَتَهْرَبُ مِنْهَا الْمَوَاشِي أَغْنَامُهُمْ وَأَبْقَارُهُمْ وَإِبِلُهُمْ، فَتَهْبِطُ إِلَى بَطْنِ الْوَادِي فِي حَرِّهِ وَجَدْبِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمَوَاشِيَ تَنْفِرُ مِنْهَا إِذَا رَأَتْهَا، وَتَشْتَوِ فِي بَطْنِ الْوَادِي إِذَا كَانَ الشِّتَاءُ، فَتَهْرَبُ مَوَاشِيهِمْ إِلَى ظَهْرِ الْوَادِي فِي الْبَرْدِ وَالْجَدْبِ، فَأَضَرَّ ذَلِكَ بِمَوَاشِيهِمْ لِلْبَلَاءِ وَالِاخْتِبَارِ. وَكَانَتْ مَرَاتِعُهَا فِيمَا يَزْعُمُونَ الْجِنَابَ وَحِسْمَى، كُلُّ ذَلِكَ تَرْعَى مَعَ وَادِي الْحِجْرِ. فَكَبُرَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ، وَأَجْمَعُوا فِي عَقْرِ النَّاقَةِ رَأْيَهُمْ. وَكَانَتِ امْرَأَةٌ مِنْ ثَمُودَ يُقَالُ لَهَا عُنَيْزَةُ بِنْتُ غَنْمِ بْنِ مِجْلَزٍ، تُكَنَّى بِأُمِّ غَنْمٍ، وَهِيَ مِنْ بَنِي عُبَيْدِ بْنِ الْمُهِلِّ أَخِي دُمَيْلِ بْنِ الْمُهِلِّ، وَكَانَتِ امْرَأَةَ ذُوَابَ بْنِ مْرٍو، وَكَانَتْ عَجُوزًا مُسِنَّةً، وَكَانَتْ ذَاتَ بَنَاتٍ حِسَانٍ، وَكَانَتْ ذَاتَ مَالٍ مِنْ إِبِلٍ وَبَقَرٍ وَغَنَمٍ، وَامْرَأَةٌ أُخْرَى يُقَالُ لَهَا: صَدُوفُ بِنْتُ الْمَحْيَا بْنِ زُهَيْرِ بْنِ الْمُحَيَّا ⦗٢٩٠⦘ سَيِّدِ بَنِي عُبَيْدٍ وَصَاحِبِ أَوْثَانِهِمْ فِي الزَّمَنِ الْأَوَّلِ. وَكَانَ الْوَادِي يُقَالُ لَهُ: وَادِي الْمَحْيَا، وَهُوَ الْمَحْيَا الْأَكْبَرُ جَدُّ الْمَحْيَا الْأَصْغَرِ أَبِي صَدُوفٍ. وَكَانَتْ صَدُوفٌ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ، وَكَانَتْ غَنِيَّةً ذَاتَ مَالٍ مِنْ إِبِلٍ وَغَنَمٍ وَبَقَرٍ، وَكَانَتَا مِنْ أَشَدِّ امْرَأَتَيْنِ فِي ثَمُودَ عَدَاوَةً لِصَالِحٍ وَأَعْظَمِهِمْ بِهِ كُفْرًا، وَكَانَتَا تُحِبَّانِ أَنْ تُعْقَرَ النَّاقَةُ مَعَ كُفْرِهِمَا بِهِ لِمَا أَضَرَّتْ بِهِ مِنْ مَوَاشِيهِمَا. وَكَانَتْ صَدُوفٌ عِنْدَ ابْنِ خَالٍ لَهَا يُقَالُ لَهُ صَنْتَمُ بْنُ هِرَاوَةَ بْنِ سَعْدِ بْنِ النِّطْرِيفِ مِنْ بَنِي هُلَيْلٍ، فَأَسْلَمَ فَحَسُنَ إِسْلَامُهُ، وَكَانَتْ صَدُوفٌ قَدْ فَوَّضَتْ إِلَيْهِ مَالَهَا، فَأَنْفَقَهُ عَلَى مَنْ أَسْلَمَ مَعَهُ مِنْ أَصْحَابِ صَالِحٍ حَتَّى رَقَّ الْمَالُ. فَاطَّلَعَتْ عَلَى ذَلِكَ مِنْ إِسْلَامِهِ صَدُوفٌ، فَعَاتَبَتْهُ عَلَى ذَلِكَ، فَأَظْهَرَ لَهَا دِينَهُ وَدَعَاهَا إِلَى اللَّهِ وَإِلَى الْإِسْلَامِ، فَأَبَتْ عَلَيْهِ، وَسَبَتْ وَلَدَهُ، فَأَخَذَتْ بَنِيهِ وَبَنَاتِهِ مِنْهُ فَغَيَّبَتْهُمْ فِي بَنِي عُبَيْدٍ بَطْنِهَا الَّذِي هِيَ مِنْهُ. وَكَانَ صَنْتَمُ زَوْجُهَا مِنْ بَنِي هُلَيْلٍ، وَكَانَ ابْنَ خَالِهَا، فَقَالَ لَهَا: رُدِّي عَلَيَّ وَلَدِي، فَقَالَتْ: حَتَّى أُنَافِرَكَ إِلَى بَنِي صَنْعَانَ بْنِ عُبَيْدٍ أَوْ إِلَى بَنِي جُنْدُعِ بْنِ عُبَيْدٍ. فَقَالَ لَهَا صَنْتَمُ: بَلْ أَنَا أَقُولُ إِلَى بَنِي مِرْدَاسَ بْنِ عُبَيْدٍ، وَذَلِكَ أَنَّ بَنِيَ مِرْدَاسَ بْنِ عُبَيْدٍ كَانُوا قَدْ سَارَعُوا فِي الْإِسْلَامِ وَأَبْطَأَ عَنْهُ الْآخَرُونَ، فَقَالَتْ: لَا أُنَافِرُكَ إِلَّا إِلَى مَنْ دَعَوْتُكَ إِلَيْهِ، فَقَالَ بَنُو مِرْدَاسَ: وَاللَّهِ لَتُعْطِيَنَّهُ وَلَدَهُ طَائِعَةً أَوْ كَارِهَةً، فَلَمَّا رَأَتْ ذَلِكَ أَعْطَتْهُ إِيَّاهُمْ. ⦗٢٩١⦘ ثُمَّ إِنَّ صَدُوفَ وَعُنَيْزَةَ تَحَيَّلَا فِي عَقْرِ النَّاقَةِ لِلشَّقَاءِ الَّذِي نَزَلَ، فَدَعَتْ صَدُوفُ رَجُلًا مِنْ ثَمُودَ يُقَالُ لَهُ الْحُبَابُ، لِعَقْرِهِ النَّاقَةَ، وَعَرَضَتْ عَلَيْهِ نَفْسَهَا بِذَلِكَ إِنْ هُوَ فَعَلَ، فَأَبَى عَلَيْهَا. فَدَعَتِ ابْنَ عَمٍّ لَهَا يُقَالُ مِصْدَعُ بْنُ مِهْرَجَ بْنِ الْمَحْيَا، وَجَعَلَتْ لَهُ نَفْسَهَا عَلَى أَنْ يَعْقِرَ النَّاقَةَ، وَكَانَتْ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ. وَكَانَتْ غَنِيَّةً كَثِيرَةَ الْمَالِ، فَأَجَابَهَا إِلَى ذَلِكَ. وَدَعَتْ عُنَيْزَةُ بِنْتُ غَنْمٍ قِدَارَ بْنَ سَالِفِ بْنِ جُنْدُعٍ، رَجُلًا مِنْ أَهْلِ قُرْحَ. وَكَانَ قِدَارُ رَجُلًا أَحْمَرَ أَزْرَقَ قَصِيرًا يَزْعُمُونَ أَنَّهُ كَانَ لِزَنْيَةٍ مِنْ رَجُلٍ يُقَالُ لَهُ صِهْيَادُ، وَلَمْ يَكُنْ لِأَبِيهِ سَالِفٍ الَّذِي يُدْعَى إِلَيْهِ، وَلَكِنَّهُ قَدْ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِ سَالِفٍ، وَكَانَ يُدْعَى لَهُ وَيُنْسَبُ إِلَيْهِ، فَقَالَتْ: أُعْطِيكَ أَيَّ بَنَاتِي شِئْتَ عَلَى أَنْ تَعْقِرَ النَّاقَةَ، وَكَانَتْ عُنَيْزَةُ شَرِيفَةً مِنْ نِسَاءِ ثَمُودَ، وَكَانَ زَوْجُهَا ذُؤَابُ بْنُ عَمْرٍو مِنْ أَشْرَافِ رِجَالِ ثَمُودَ. وَكَانَ قِدَارٌ عَزِيزًا مَنِيعًا فِي قَوْمِهِ. فَانْطَلَقَ قِدَارُ بْنُ سَالِفٍ وَمِصْدَعُ بْنُ مِهْرَجٍ، فَاسْتَنْفَرَا غُوَاةً مِنْ ثَمُودَ، فَاتَّبَعَهُمَا سَبْعَةُ نَفَرٍ، فَكَانُوا تِسْعَةَ نَفَرٍ، أَحَدُ النَّفْرِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُمَا رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ هُوَيْلُ بْنُ مَيْلَغٍ خَالُ قِدَارِ بْنِ سَالِفٍ أَخُو أُمِّهِ لِأَبِيهَا وَأُمِّهَا، وَكَانَ عَزِيزًا مِنْ أَهْلِ حِجْرٍ، وَدُعَيْرُ بْنُ غَنْمِ بْنِ دَاعِرٍ، وَهُوَ مِنْ بَنِي حَلَاوَةَ بْنِ الْمُهِلِّ. وَدَأْبُ بْنُ مِهْرَجٌ أَخُو مِصْدَعِ بْنِ مِهْرَجٍ، وَخَمْسَةٌ لَمْ تُحْفَظْ لَنَا ⦗٢٩٢⦘ أَسْمَاؤُهُمْ. فَرَصَدُوا النَّاقَةَ حِينَ صَدَرَتْ عَنِ الْمَاءِ، وَقَدْ كَمَنْ لَهَا قِدَارُ فِي أَصْلِ صَخْرَةٍ عَلَى طَرِيقِهَا، وَكَمَنَ لَهَا مِصْدَعٌ فِي أَصْلِ أُخْرَى، فَمَرَّتْ عَلَى مِصْدَعٍ فَرَمَاهَا بِسَهْمٍ، فَانْتَظَمَ بِهِ عَضَلَةُ سَاقِهَا. وَخَرَجَتْ أُمُّ غَنْمٍ عُنَيْزَةُ وَأَمَرَتِ ابْنَتَهَا وَكَانَتْ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ وَجْهًا. فَأَسْفَرَتْ عَنْهُ لِقِدَارٍ وَأَرَتْهُ إِيَّاهُ، ثُمَّ ذَمَّرَتْهُ، فَشَدَّ عَلَى النَّاقَةِ بِالسَّيْفِ، فَكَشَفَ عُرْقُوبَهَا، فَخَرَّتْ وَرَغَّتْ رَغَاةً وَاحِدَةً تَحْذَرُ سَقْبَهَا. ثُمَّ طَعَنَ فِي لَبَنِهَا فَنَحَرَهَا. وَانْطَلَقَ سَقْبُهَا حَتَّى أَتَى جَبَلًا مَنِيعًا، ثُمَّ أَتَى صَخْرَةً فِي رَأْسِ الْجَبَلِ فَرَغَا وَلَاذَ بِهَا وَاسْمُ الْجَبَلِ فِيمَا يَزْعُمُونَ صَوْرٌ فَأَتَاهُمْ صَالِحٌ، فَلَمَّا رَأَى النَّاقَةَ قَدْ عُقِرَتْ قَالَ: انْتَهَكْتُمْ حُرْمَةَ اللَّهِ، فَأَبْشِرُوا بِعَذَابِ اللَّهِ تبارك وتعالى وَنِقْمَتِهِ فَاتَّبَعَ السَّقْبَ أَرْبَعَةُ نَفَرٍ مِنَ التِّسْعَةِ الَّذِينَ عَقَرُوا النَّاقَةَ، وَفِيهِمْ مِصْدَعُ بْنُ مِهْرَجٍ، فَرَمَاهُ مِصْدَعٌ بِسَهْمٍ، فَانْتَظَمَ قَلْبَهُ، ثُمَّ جَرَّ بِرِجْلِهِ فَأَنْزَلَهُ، ثُمَّ أَلْقَوْا لَحْمَهُ مَعَ لَحْمِ أُمِّهِ. فَلَمَّا قَالَ لَهُمْ صَالِحٌ: أَبْشِرُوا بِعَذَابِ اللَّهِ وَنِقْمَتِهِ، قَالُوا لَهُ وَهُمْ يَهْزَءُونَ بِهِ: وَمَتَى ذَلِكَ يَا صَالِحُ؟ وَمَا آيَةُ ذَلِكَ؟ وَكَانُوا يُسَمُّونَ الْأَيَّامَ فِيهِمُ: الْأَحَدُ: أَوَّلُ، ⦗٢٩٣⦘ وَالِاثْنَيْنِ: أَهْوَنُ، وَالثُّلَاثَاءُ: دُبَارٌ، وَالْأَرْبِعَاءُ: جُبَارٌ، وَالْخَمِيسُ: مُؤْنِسٌ، وَالْجُمُعَةُ: الْعُرُوبَةُ، وَالسَّبْتُ: شِيَارٌ، وَكَانُوا عَقَرُوا النَّاقَةَ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ، فَقَالَ لَهُمْ صَالِحٌ حِينَ قَالُوا ذَلِكَ: تُصْبِحُونَ غَدَاةَ يَوْمِ مُؤْنِسٍ يَعْنِي يَوْمَ الْخَمِيسِ وُجُوهُكُمْ مُصْفَرَّةٌ، ثُمَّ تُصْبِحُونَ يَوْمَ الْعُرُوبَةِ يَعْنِي يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَوُجُوهُكُمْ مُحْمَرَّةٌ، ثُمَّ تُصْبِحُونَ يَوْمَ شِيَارٍ يَعْنِي يَوْمَ السَّبْتِ وَوُجُوهُكُمْ مِسْوَدَّةٌ. ثُمَّ يَصْحَبُكُمُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْأَوَّلِ يَعْنِي يَوْمَ الْأَحَدِ. فَلَمَّا قَالَ لَهُمْ صَالِحٌ ذَلِكَ قَالَ التِّسْعَةُ الَّذِينَ عَقَرُوا النَّاقَةَ: هَلُمُّوا فَلْنَقْتُلْ صَالِحًا إِنْ كَانَ صَادِقًا عَجِلْنَاهُ قَبْلَنَا، وَإِنْ كَانَ كَاذِبًا يَكُونُ قَدْ أَلْحَقْنَاهُ بِنَاقَتِهِ، فَأَتَوْهُ لَيْلًا لِيُبَيِّتُوهُ فِي أَهْلِهِ، فَدَمَغَتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ بِالْحِجَارَةِ. فَلَمَّا أَبْطَئُوا عَلَى أَصْحَابِهِمْ أَتَوْا مَنْزِلَ صَالِحٍ، فَوَجَدُوهُمْ مُشَدَّخِينَ قَدْ رُضِخُوا بِالْحِجَارَةِ، فَقَالُوا لِصَالِحٍ: أَنْتَ قَتَلْتَهُمْ، ثُمَّ هَمُّوا بِهِ، فَقَامَتْ عَشِيرَتُهُ دُونَهُ وَلَبِسُوا السِّلَاحَ، وَقَالُوا لَهُمْ: وَاللَّهِ لَا تَقْتُلُونَهُ أَبَدًا، فَقَدْ وَعَدَكُمْ أَنَّ الْعَذَابَ نَازِلٌ بِكُمْ فِي ثَلَاثٍ، فَإِنْ كَانَ صَادِقًا لَمْ تَزِيدُوا رَبَّكُمْ عَلَيْكُمْ إِلَّا غَضَبًا، وَإِنْ كَانَ كَاذِبًا فَأَنْتُمْ مِنْ وَرَاءِ مَا تُرِيدُونَ. فَانْصَرَفُوا عَنْهُمْ لَيْلَتَهُمْ تِلْكَ، وَالنَّفَرُ الَّذِينَ رَضَخَتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ بِالْحِجَارَةِ التِّسْعَةُ الَّذِينَ ذَكَرَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ﴾ [النمل: ٤٨] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ [النمل: ٥٢]، فَأَصْبَحُوا مِنْ تِلْكَ اللَّيْلَةِ ⦗٢٩٤⦘ الَّتِي انْصَرَفُوا فِيهَا عَنْ صَالِحٍ وُجُوهُهُمْ مُصْفَرَّةٌ، فَأَيْقَنُوا بِالْعَذَابِ، وَعَرَفُوا أَنَّ صَالِحًا قَدْ صَدَقَهُمْ، فَطَلَبُوهُ لِيَقْتُلُوهُ، وَخَرَجَ صَالِحٌ هَارِبًا مِنْهَا حَتَّى لَجَأَ إِلَى بَطْنٍ مِنْ ثَمُودَ يُقَالُ لَهُمْ بَنُو غَنْمٍ، فَنَزَلَ عَلَى سَيِّدِهِمْ: رَجُلٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ نُفَيْلٌ يُكَنَّى بِأَبِي دَبٍ، وَهُوَ مُشْرِكٌ، فَغَيَّبَهُ فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ. فَغَدَوْا عَلَى أَصْحَابِ صَالِحٍ، فَعَذَّبُوهُمْ لِيَدُلُّوهُمْ عَلَيْهِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ صَالِحٍ يُقَالُ لَهُ مَيْدَعُ بْنُ رِمٍ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، إِنَّهُمْ لَيُعَذِّبُونَنَا لِنَدُلَّهُمْ عَلَيْكَ، أَفَنَدُلُّهُمْ عَلَيْكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَدَلَّهُمْ عَلَيْهِ مَيْدَعُ بْنُ هَرِمٍ، فَلَمَّا عَلِمُوا بِمَكَانِ صَالِحٍ أَتَوْا أَبَا هَدَبٍ فَكَلَّمُوهُ، فَقَالَ لَهُمْ: عِنْدِي صَالِحٌ، وَلَيْسَ لَكُمْ إِلَيْهِ سَبِيلٌ، فَأَعْرَضُوا عَنْهُ وَتَرَكُوهُ، وَشَغَلَهُمْ عَنْهُ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهِمْ مِنْ عَذَابِهِ، فَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يُخْبِرُ بَعْضًا بِمَا يَرَوْنَ فِي وُجُوهِهِمْ حِينَ أَصْبَحُوا مِنْ يَوْمِ الْخَمِيسِ، وَذَلِكَ أَنَّ وُجُوهَهُمْ أَصْبَحَتْ مُصْفَرَّةً، ثُمَّ أَصْبَحُوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَوجُوهُهُمْ مُحْمَرَّةٌ، ثُمَّ أَصْبَحُوا يَوْمَ السَّبْتِ وَوُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ، حَتَّى إِذَا كَانَ لَيْلَةُ الْأَحَدِ خَرَجَ صَالِحٌ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِهِمْ وَمَنْ أَسْلَمَ مَعَهُ إِلَى الشَّامِ، فَنَزَلَ رَمْلَةَ فِلَسْطِينَ، وَتَخَلَّفَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ يُقَالُ لَهُ مَيْدَعُ بْنُ هَرِمٍ، فَنَزَلَ قُرْحَ وَهِيَ وَادِي الْقُرَى، وَبَيْنَ الْقُرْحِ وَبَيْنَ الْحَجَرِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ مِيلًا، فَنَزَلَ عَلَى سَيِّدِهِمْ: رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ عَمْرُو بْنُ غَنْمٍ، وَقَدْ كَانَ أَكَلَ مِنْ لَحْمِ النَّاقَةِ وَلَمْ يَشْتَرِكْ فِي قَتْلِهَا، فَقَالَ لَهُ مَيْدَعُ بْنُ هَرِمٍ: يَا عَمْرُو بْنَ غَنْمٍ، اخْرُجْ مِنْ هَذَا الْبَلَدِ، فَإِنَّ صَالِحًا قَالَ مَنْ ⦗٢٩٥⦘ أَقَامَ فِيهِ هَلَكَ، وَمَنْ خَرَجَ مِنْهُ نَجَا، فَقَالَ عَمْرٌو: مَا شَرَكْتُ فِي عَقْرِهَا، وَمَا رَضِيتُ مَا صُنِعَ بِهَا. فَلَمَّا كَانَتْ صَبِيحَةُ الْأَحَدِ أَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ، فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ صَغِيرٌ وَلَا كَبِيرٌ إِلَّا هَلَكَ، إِلَّا جَارِيَةٌ مُقْعَدَةٌ يُقَالُ لَهَا الدَّرِيعَةُ، وَهِيَ كَلْبِيَّةُ ابْنَةُ السِّلْقِ، كَانَتْ كَافِرَةً شَدِيدَةَ الْعَدَاوَةِ لِصَالِحٍ، فَأَطْلَقَ اللَّهُ لَهَا رِجْلَيْهَا بَعْدَمَا عَايَنَتِ الْعَذَابَ أَجْمَعَ، فَخَرَجَتْ كَأَسْرَعِ مَا يُرَى شَيْءٌ قَطُّ، حَتَّى أَتَتْ حَيًّا مِنَ الْأَحْيَاءِ، فَأَخْبَرَتْهُمْ بِمَا عَايَنَتْ مِنَ الْعَذَابِ وَمَا أَصَابَ ثَمُودَ مِنْهُ، ثُمَّ اسْتَسْقَتْ مِنَ الْمَاءِ فَسُقِيَتْ، فَلَمَّا شَرِبَتْ مَاتَتْ»

١٠ ‏/ ٢٨٧
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: قَالَ مَعْمَرٌ: أَخْبَرَنِي مَنْ، سَمِعَ الْحَسَنَ، يَقُولُ: «لَمَّا عَقَرَتْ ثَمُودُ النَّاقَةَ ذَهَبَ فَصِيلُهَا حَتَّى صَعِدَ تَلًّا، فَقَالَ: يَا رَبِّ أَيْنَ أُمِّي؟ ثُمَّ رَغَا رَغْوَةً، فَنَزَلَتِ الصَّيْحَةُ، فَأَخْمَدَتْهُمْ» حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الْحَسَنِ بِنَحْوِهِ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: أَصْعَدَ تَلًّا
١٠ ‏/ ٢٩٥
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ «أَنَّ صَالِحًا، قَالَ لَهُمْ حِينَ عَقَرُوا النَّاقَةَ: تَمَتَّعُوا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَقَالَ لَهُمْ: آيَةُ هَلَاكِكُمْ أَنْ ⦗٢٩٦⦘ تُصْبِحَ وُجُوهُكُمْ مُصْفَرَّةً، ثُمَّ تُصْبِحُ الْيَوْمَ الثَّانِي مُحْمَرَّةً، ثُمَّ تُصْبِحُ الْيَوْمَ الثَّالِثَ مُسْوَدَّةً، فَأَصْبَحَتْ كَذَلِكَ. فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ وَأَيْقَنُوا بِالْهَلَاكِ تَكَفَّنُوا وَتَحَنَّطُوا، ثُمَّ أَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ فَأَهْمَدَتْهُمْ. قَالَ قَتَادَةُ: قَالَ عَاقِرُ النَّاقَةِ لَهُمْ: لَا أَقْتُلُهَا حَتَّى تَرْضَوْا أَجْمَعِينَ. فَجَعَلُوا يَدْخُلُونَ عَلَى الْمَرْأَةِ فِي خِدْرِهَا، فَيَقُولُونَ: أَتَرْضَيْنَ؟ فَتَقُولُ: نَعَمْ، وَالصَّبِيُّ، حَتَّى رَضُوا أَجْمَعِينَ، فَعَقَرَهَا»
١٠ ‏/ ٢٩٥
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: لَمَّا مَرَّ النَّبِيُّ ﷺ بِالْحِجْرِ قَالَ: «لَا تَسْأَلُوا الْآيَاتِ، فَقَدْ سَأَلَهَا قَوْمُ صَالِحٍ، فَكَانَتْ تَرِدُ مِنْ هَذَا الْفَجِّ وَتَصْدُرُ مِنَ الْفَجِّ، فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَعَقَرُوهَا، وَكَانَتْ تَشْرَبُ مَاءَهُمْ يَوْمًا وَيَشْرَبُونَ لَبَنَهَا يَوْمًا، فَعَقَرُوهَا فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ، أَهْمَدَ اللَّهُ مَنْ تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ مِنْهُمْ إِلَّا رَجُلًا وَاحِدًا كَانَ فِي حَرَمِ اللَّهِ»، قِيلَ: مَنْ هُوَ؟ قَالَ: «أَبُو رِغَالٍ، فَلَمَّا خَرَجَ مِنَ الْحَرَمِ أَصَابَهُ مَا أَصَابَ قَوْمَهُ»
١٠ ‏/ ٢٩٦
قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: قَالَ مَعْمَرٌ: وَأَخْبَرَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ مَرَّ بِقَبْرِ أَبِي رِغَالٍ فَقَالَ: «أَتَدْرُونَ مَا هَذَا؟» قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «هَذَا قَبْرُ أَبِي رِغَالٍ»، قَالُوا فَمَنْ أَبُو رِغَالٍ؟ قَالَ: «رَجُلٌ مِنْ ثَمُودَ كَانَ فِي حَرَمِ اللَّهِ، فَمَنَعَهُ حَرَمُ اللَّهِ عَذَابَ اللَّهِ، فَلَمَّا خَرَجَ أَصَابَهُ مَا أَصَابَ قَوْمَهُ، فَدُفِنَ هَهُنَا، وَدُفِنَ مَعَهُ غُصْنٌ مِنْ ذَهَبٍ» فَنَزَلَ الْقَوْمُ فَابْتَدَرُوهُ بِأَسْيَافِهِمْ، فَبَحَثُوا عَلَيْهِ فَاسْتَخْرَجُوا الْغُصْنَ قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: قَالَ مَعْمَرٌ: قَالَ الزُّهْرِيُّ: أَبُو رِغَالٍ: أَبُو ثَقِيفٍ
١٠ ‏/ ٢٩٧
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: “مَرَّ النَّبِيُّ ﷺ بِالْحِجْرِ، ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَهُ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ فِي حَدِيثِهِ: قَالُوا: مَنْ هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «أَبُو رِغَالٍ»
١٠ ‏/ ٢٩٧
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: «كَانَ يُقَالُ أَنَّ أَحْمَرَ، ثَمُودَ الَّذِي عَقَرَ النَّاقَةَ، كَانَ وَلَدَ زِنْيَةٍ»
١٠ ‏/ ٢٩٧
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، قَالَ: ثنا عَنْبَسَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: قَالَ أَبُو مُوسَى: «أَتَيْتُ أَرْضَ ثَمُودَ، فَذَرَّعْتُ مَصْدَرَ النَّاقَةِ فَوَجَدْتُهُ سِتِّينَ ذِرَاعًا»
١٠ ‏/ ٢٩٧
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، وَأَخْبَرَنِي ⦗٢٩٨⦘ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ بِنَحْوِ هَذَا، يَعْنِي بِنَحْوِ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: “مَرَّ النَّبِيُّ ﷺ بِقَبْرِ أَبِي رِغَالٍ، قَالُوا: وَمَنْ أَبُو رِغَالٍ؟ قَالَ: «وَأَبُو ثَقِيفٍ، كَانَ فِي الْحَرَمِ لَمَّا أَهْلَكَ اللَّهُ قَوْمَهُ، مَنَعَهُ حَرَمُ اللَّهِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ، فَلَمَّا خَرَجَ أَصَابَهُ مَا أَصَابَ قَوْمَهُ فَدُفِنَ هَاهُنَا وَدُفِنَ مَعَهُ غُصْنٌ مِنْ ذَهَبٍ» قَالَ: فَابْتَدَرَهُ الْقَوْمُ يَبْحَثُونَ عَنْهُ حَتَّى اسْتَخْرَجُوا ذَلِكَ الْغُصْنَ وَقَالَ الْحَسَنُ: «كَانَ لِلنَّاقَةِ يَوْمٌ وَلَهُمْ يَوْمٌ، فَأَضَرَّ بِهِمْ»
١٠ ‏/ ٢٩٧
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: لَمَّا مَرَّ النَّبِيُّ ﷺ بِالْحِجْرِ قَالَ: «لَا تَدْخُلُوا مَسَاكِنَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ، إِلَّا أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلَ الَّذِي أَصَابَهُمْ» . ثُمَّ قَالَ: «هَذَا وَادِي النَّفْرِ» . ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَأَسْرَعَ السَّيْرَ حَتَّى أَجَازَ الْوَادِيَ
١٠ ‏/ ٢٩٨
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ﴾ [الأعراف: ٧٣]، فَإِنَّهُ يَقُولُ: وَلَا تَمَسُّوا نَاقَةَ اللَّهِ بِعَقْرٍ وَلَا نَحْرٍ ﴿فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [الأعراف: ٧٣]، يَعْنِي: مُوجِعٌ
١٠ ‏/ ٢٩٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾ [الأعراف: ٧٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُخْبِرًا عَنْ قِيلِ صَالِحٍ لِقَوْمِهِ وَاعِظًا لَهُمْ: ﴿وَاذْكُرُوا﴾ [البقرة: ٦٣] أَيُّهَا الْقَوْمُ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ، ﴿إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ﴾ [الأعراف: ٦٩]، يَقُولُ تَخْلُفُونَ عَادًا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ
١٠ ‏/ ٢٩٨
هَلَاكِهَا. وَخُلَفَاءُ: جَمْعُ خَلِيفَةٍ، وَإِنَّمَا جَمْعُ خَلِيفَةٍ خُلَفَاءُ وَفُعَلَاءُ إِنَّمَا هِيَ جَمْعُ فَعِيلٍ، كَمَا الشُّرَكَاءُ جَمْعُ شَرِيكٍ، وَالْعُلَمَاءُ جَمْعُ عَلِيمٍ، وَالْحُلَمَاءُ جَمْعُ حَلِيمٍ، لِأَنَّهُ ذَهَبَ بِالْخَلِيفَةِ إِلَى الرَّجُلِ، فَكَأَنَّ وَاحِدَهُمْ خَلِيفٌ، ثُمَّ جُمِعَ خُلَفَاءُ. فَأَمَّا لَوْ جَمَعْتَ الْخَلِيفَةَ عَلَى أَنَّهَا نَظِيرَةُ كَرِيمَةٍ وَحَلِيلَةٍ وَرَغِيبَةٍ قِيلَ خَلَائِفُ، كَمَا يُقَالُ: كَرَائِمُ وَحَلَائِلُ وَرَغَائِبُ، إِذْ كَانَتْ مِنْ صِفَاتِ الْإِنَاثِ، وَإِنَّمَا جُمِعَتِ الْخَلِيفَةُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ اللَّذَيْنِ جَاءَ بِهِمَا الْقُرْآنُ، لِأَنَّهَا جُمِعَتْ مَرَّةً عَلَى لَفْظِهَا، وَمَرَّةً عَلَى مَعْنَاهَا
١٠ ‏/ ٢٩٩
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ﴾ [الأعراف: ٧٤] فَإِنَّهُ يَقُولُ: وَأَنْزَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ، وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا مَسَاكِنَ وَأَزْوَاجًا. ﴿تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيوتًا﴾ [الأعراف: ٧٤]، ذُكِرَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَنْقُبُونَ الصَّخْرَ مَسَاكِنَ
١٠ ‏/ ٢٩٩
كَمَا حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيوتًا﴾ [الأعراف: ٧٤]: «كَانُوا يَنْقُبُونَ فِي الْجِبَالِ الْبُيُوتَ» وَقَوْلُهُ: ﴿فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ﴾ [الأعراف: ٦٩] يَقُولُ: فَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ الَّتِي أَنْعَمَهَا عَلَيْكُمْ ﴿وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾ [الأعراف: ٧٤] . وَكَانَ قَتَادَةُ يَقُولُ فِي ذَلِكَ
١٠ ‏/ ٢٩٩
مَا حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾ [البقرة: ٦٠]، يَقُولُ: «لَا تَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ» وَقَدْ بَيَّنْتُ مَعْنَى ذَلِكَ بِشَوَاهِدَهِ وَاخْتِلَافِ الْمُخْتَلِفِينَ فِيهِ فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى ⦗٣٠٠⦘ عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ
١٠ ‏/ ٢٩٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِيَ آمَنْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ﴾ [الأعراف: ٧٦] يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ﴾ [الأعراف: ٧٥]، قَالَ الْجَمَاعَةُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِ صَالِحٍ عَنِ اتِّبَاعِ صَالِحٍ وَالْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَبِهِ، ﴿لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا﴾ [الأعراف: ٧٥] يَعْنِي: لِأَهْلِ الْمَسْكَنَةِ مِنْ تُبَّاعِ صَالِحٍ وَالْمُؤْمِنِينَ بِهِ مِنْهُمْ، دُونَ ذَوِي شَرَفِهِمْ وَأَهْلِ السُّؤْدَدِ مِنْهُمْ: أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ أَرْسَلَهُ اللَّهُ إِلَيْنَا وَإِلَيْكُمْ؟ قَالَ الَّذِينَ آمَنُوا بِصَالِحٍ مِنَ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْهُمْ: إِنَّا بِمَا أَرْسَلَ اللَّهُ بِهِ صَالِحًا مِنَ الْحَقِّ وَالْهُدَى مُؤْمِنُونَ يَقُولُ: مُصَدِّقُونَ مُقِرُّونَ أَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ أَمَرَ بِهِ وَعَنْ أَمْرِ اللَّهِ دَعَانَا صَالِحٌ إِلَيْهِ. قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا عَنْ أَمْرِ اللَّهِ وَأَمْرِ رَسُولِهِ صَالِحٍ: ﴿إِنَّا﴾ [البقرة: ١٤] أَيُّهَا الْقَوْمُ ﴿بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ﴾ [الأعراف: ٧٦] يَقُولُ: صَدَّقْتُمْ بِهِ مِنْ نُبُوَّةِ صَالِحٍ، وَأَنَّ الَّذِي جَاءَ بِهِ حَقٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ﴿كَافِرُونَ﴾ [الأعراف: ٤٥]، يَقُولُ: جَاحِدُونَ مُنْكِرُونَ، لَا نُصَدِّقُ بِهِ وَلَا نُقِرُّ
١٠ ‏/ ٣٠٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ [الأعراف: ٧٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَعَقَرَتْ ثَمُودُ النَّاقَةَ الَّتِي جَعَلَهَا اللَّهُ لَهُمْ آيَةً ⦗٣٠١⦘. ﴿وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ﴾ [الأعراف: ٧٧]، يَقُولُ: تَكَبَّرُوا وَتَجَبَّرُوا عَنِ اتِّبَاعِ اللَّهِ، وَاسْتَعْلَوْا عَنِ الْحَقِّ
١٠ ‏/ ٣٠٠

عن معز نوني

متحصّل على شهادة ختم الدروس للمعهد الأعلى لتكوين المعلمين بقفصة دفعة 2000، يعمل حاليًّا أستاذ مدارس إبتدائية

شاهد أيضاً

سُورَةُ الْفَاتِحَةِ

مَكِّيَّةٌ وَآيَاتُهَا سَبْعٌ ١ ‏/ ١١١ ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ [الفاتحة: ١] الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ …