سُورَةُ النِّسَاءِ 7

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ فَثِقُوا، وَعَلَيْهِ فَتَوَكَّلُوا، وَإِلَيْهِ فَارْغَبُوا دُونَ غَيْرِهِ، يَكْفِكُمْ مَا أَهَمَّكُمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَى أَعْدَائِكُمْ. ﴿وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا﴾ [النساء: ٤٥] يَقُولُ: “وَكَفَاكُمْ وَحَسْبُكُمْ بِاللَّهِ رَبِّكُمْ وَلِيًّا يَلِيكُمْ وَيَلِي أُمُورَكُمْ بِالْحِيَاطَةِ لَكُمْ وَالْحِرَاسَةِ مِنْ أَنْ يَسْتَفِزَّكُمْ أَعْدَاؤُكُمْ عَنْ دِينِكُمْ أَوْ يَصُدُّوكُمْ عَنِ اتِّبَاعِ نَبِيِّكُمْ ﴿وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا﴾ [النساء: ٤٥] يَقُولُ: «وَحَسْبُكُمْ بِاللَّهِ نَاصِرًا لَكُمْ عَلَى أَعْدَائِكُمْ وَأَعْدَاءِ دِينِكُمْ، وَعَلَى مَنْ بَغَاكُمُ الْغَوَائِلَ، وَبَغَى دِينَكُمُ الْعِوَجَ»
٧ ‏/ ١٠١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونُ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [النساء: ٤٦] وَلِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ﴾ [النساء: ٤٦] وَجْهَانِ مِنَ التَّأْوِيلِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ فَيَكُونَ قَوْلُهُ: ﴿مِنَ الَّذِينَ هَادُوا﴾ [النساء: ٤٦] مِنْ صِلَةِ الَّذِينَ. وَإِلَى هَذَا الْقَوْلِ كَانَتْ عَامَّةُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ يُوَجِّهُونَ. قَوْلَهُ: ﴿مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ﴾ [النساء: ٤٦] وَالْآخَرُ مِنْهُمَا: أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ: مِنَ الَّذِينَ هَادُوا مَنْ يُحَرِّفُ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ. فَتَكُونَ مِنْ مَحْذُوفَةً مِنَ الْكَلَامِ اكْتِفَاءً بِدَلَالَةِ قَوْلِهِ: ﴿مِنَ الَّذِينَ هَادُوا﴾ [النساء: ٤٦] عَلَيْهَا، وَذَلِكَ أَنَّ مِنْ لَوْ ذُكِرَتْ فِي الْكَلَامِ كَانَتْ بَعْضًا لِمِنْ،
٧ ‏/ ١٠١
فَاكْتَفَى بِدَلَالَةِ مِنْ عَلَيْهَا، وَالْعَرَبُ تَقُولُ: مِنَّا مِنْ يَقُولُ ذَلِكَ، وَمِنَّا لَا يَقُولُهُ، بِمَعْنَى: مِنَّا مَنْ يَقُولُ ذَاكَ، وَمِنَّا مَنْ لَا يَقُولُهُ، فَتُحْذَفُ مِنَ اكْتِفَاءً بِدَلَالَةِ مِنْ عَلَيْهِ، كَمَا قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
[البحر الطويل] فَظَلُّوا وَمِنْهُمْ دَمْعُهُ سَابِقٌ لَهُ … وَآخَرُ يُذْرِي دَمْعَةَ الْعَيْنِ بِالْمَهْلِ
يَعْنِي: وَمِنْهُمْ مَنْ دَمْعُهُ. وَكَمَا قَالَ اللَّهُ تبارك وتعالى: ﴿وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ﴾ [الصافات: ١٦٤] وَإِلَى هَذَا الْمَعْنَى كَانَتْ عَامَّةُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ يُوَجِّهُونَ تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: ﴿مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ﴾ [النساء: ٤٦] غَيْرَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ: الْمُضْمَرُ فِي ذَلِكَ الْقَوْمُ، كَأَنَّ مَعْنَاهُ عِنْدَهُمْ: مِنَ الَّذِينَ هَادُوا قَوْمٌ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ، وَيَقُولُونَ: نَظِيرُ قَوْلِ النَّابِغَةِ:
[البحر الوافر] كَأَنَّكَ مِنْ جِمَالِ بَنِي أُقَيْشٍ … يُقَعْقِعُ خَلْفَ رِجْلَيْهِ بِشَنِّ
يَعْنِي: كَأَنَّكَ جَمَلٌ مِنْ جِمَالِ أُقَيْشٍ فَأَمَّا نَحْوِيُّو الْكُوفَةِ، فَيُنْكِرُونَ أَنْ يَكُونَ الْمُضْمَرُ مَعَ مِنْ
٧ ‏/ ١٠٢
إِلَّا مِنْ أَوْ مَا أَشْبَهَهَا وَالْقَوْلُ الَّذِي هُوَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ عِنْدِي فِي ذَلِكَ قَوْلُ مَنْ قَالَ قَوْلُهُ: ﴿مِنَ الَّذِينَ هَادُوا﴾ [النساء: ٤٦] مِنْ صِلَةِ الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ، لِأَنَّ الْخَبَرَيْنِ جَمِيعًا وَالصِّفَتَيْنِ مِنْ صِفَةِ نَوْعٍ وَاحِدٍ مِنَ النَّاسِ، وَهُمُ الْيَهُودُ الَّذِينَ وَصَفَ اللَّهُ صِفَتَهُمْ فِي قَوْلِهِ: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ﴾ [آل عمران: ٢٣] وَبِذَلِكَ جَاءَ تَأْوِيلُ أَهْلِ التَّأْوِيلِ، فَلَا حَاجَةَ بِالْكَلَامِ إِذْ كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ إِلَى أَنْ يَكُونَ فِيهِ مَتْرُوكٌ وَأَمَّا تَأْوِيلُ قَوْلِهِ: ﴿يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ﴾ [النساء: ٤٦] فَإِنَّهُ يَقُولُ: يُبَدِّلُونَ مَعْنَاهَا وَيُغَيِّرُونَهَا عَنْ تَأْوِيلِهِ، وَالْكَلِمُ جِمَاعُ كَلِمَةٍ. وَكَانَ مُجَاهِدٌ يَقُولُ: عَنَى بِالْكَلِمِ: التَّوْرَاةَ
٧ ‏/ ١٠٣
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ﴾ [النساء: ٤٦] تَبْدِيلُ الْيَهُودِ التَّوْرَاةَ ” حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿عَنْ مَوَاضِعِهِ،﴾ [النساء: ٤٦] فَإِنَّهُ يَعْنِي: عَنْ أَمَاكِنِهِ، وَوُجُوهُهُ الَّتِي، هِيَ وُجُوهُهُ. ⦗١٠٤⦘ وَأَمَّا تَأْوِيلُ قَوْلِهِ: ﴿وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعِصِيِّنَا﴾ [النساء: ٤٦] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يَقُولُونَ: سَمِعْنَا يَا مُحَمَّدُ قَوْلَكَ، وَعَصَيْنَا أَمْرَكَ. كَمَا:
٧ ‏/ ١٠٣
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، عَنْ عَنبَسَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا﴾ [النساء: ٤٦] قَالَ: «قَالَتِ الْيَهُودُ: سَمِعْنَا مَا، تَقُولُ، وَلَا نُطِيعُكَ» حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
٧ ‏/ ١٠٤
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا،﴾ [البقرة: ٩٣] قَالُوا: قَدْ سَمِعْنَا، وَلَكِنْ، لَا نُطِيعُكَ “
٧ ‏/ ١٠٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ﴾ [النساء: ٤٦] وَهَذَا خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنِ الْيَهُودِ الَّذِينَ كَانُوا حَوَالَيْ مُهَاجِرِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي عَصْرِهِ، أَنَّهُمْ كَانُوا يَسُبُّونَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ ⦗١٠٥⦘ وَيُؤْذُونَهُ بِالْقَبِيحِ مِنَ الْقَوْلِ، وَيَقُولُونَ لَهُ: اسْمَعْ مِنَّا غَيْرَ مُسْمَعٍ، كَقَوْلِ الْقَائِلِ لِلرَّجُلِ يَسُبُّهُ: اسْمَعْ لَا أَسْمَعَكَ اللَّهُ. كَمَا:
٧ ‏/ ١٠٤
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ﴾ [النساء: ٤٦] قَالَ: «هَذَا قَوْلُ أَهْلِ الْكِتَابِ يَهُودَ، كَهَيْئَةِ مَا يَقُولُ الْأَنْسَانُ: اسْمَعْ لَا سَمِعْتُ، أَذًى لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَشَتْمًا لَهُ وَاسْتِهْزَاءً»
٧ ‏/ ١٠٥
حُدِّثْتُ عَنِ الْمِنْجَابِ، قَالَ: ثنا بِشْرُ بْنُ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِي رَوْقٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ﴾ [النساء: ٤٦] قَالَ: «يَقُولُونَ لَكَ: وَاسْمَعْ لَا سَمِعْتَ» وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ وَالْحَسَنِ أَنَّهُمَا كَانَا يَتَأَوَّلَانِ فِي ذَلِكَ بِمَعْنَى: وَاسْمَعْ غَيْرَ مَقْبُولٍ مِنْكَ. وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مَعْنَاهُ لَقِيلَ: وَاسْمَعْ غَيْرَ مَسْمُوعٍ، وَلَكِنْ مَعْنَاهُ: وَاسْمَعْ لَا تَسْمَعْ، وَلَكِنْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ﴾ [النساء: ٤٦] فَوَصَفَهُمْ بِتَحْرِيفِ الْكَلَامِ بِأَلْسِنَتِهِمْ وَالطَّعْنِ فِي الدِّينِ بِسَبِّ النَّبِيِّ ﷺ وَأَمَّا الْقَوْلُ الَّذِي ذَكَرْتُهُ عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ﴾ [النساء: ٤٦] يَقُولُ: “غَيْرَ مَقْبُولٍ مَا تَقُولُ، فَهُوَ كَمَا:
٧ ‏/ ١٠٥
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ﴾ [النساء: ٤٦] قَالَ: «غَيْرَ مُسْتَمِعٍ.»
٧ ‏/ ١٠٥
قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿⦗١٠٦⦘ وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ﴾ [النساء: ٤٦] غَيْرُ مَقْبُولٍ مَا تَقُولُ ” حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
٧ ‏/ ١٠٥
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ﴾ [النساء: ٤٦] قَالَ: «كَمَا تَقُولُ: اسْمَعْ غَيْرَ مَسْمُوعٍ مِنْكَ»
٧ ‏/ ١٠٦
وَحَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: كَانَ نَاسٌ مِنْهُمْ يَقُولُونَ: ﴿وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ﴾ [النساء: ٤٦] كَقَوْلِكَ: اسْمَعْ غَيْرَ صَاغٍ “
٧ ‏/ ١٠٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ﴾ [النساء: ٤٦]⦗١٠٧⦘ يَعْنِي بِقَوْلِهِ: ﴿وَرَاعِنَا﴾ [النساء: ٤٦] أَيْ رَاعِنَا سَمْعَكَ، افْهَمْ عَنَّا وَأَفْهِمْنَا. وَقَدْ بَيَّنَّا تَأْوِيلَ ذَلِكَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ بِأَدِلَّتِهِ بِمَا فِيهِ الْكِفَايَةُ عَنْ إِعَادَتِهِ. ثُمَّ أَخْبَرَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ: ﴿لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ﴾ [النساء: ٤٦] يَعْنِي: تَحْرِيكًا مِنْهُمْ بِأَلْسِنَتِهِمْ بِتَحْرِيفٍ مِنْهُمْ لِمَعْنَاهُ إِلَى الْمَكْرُوهِ مِنْ مَعْنَيَيْهِ، وَاسْتِخْفَافًا مِنْهُمْ بِحَقِّ النَّبِيِّ ﷺ ﴿وَطَعْنًا فِي الدِّينِ﴾ [النساء: ٤٦] كَمَا:
٧ ‏/ ١٠٦
حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، قَالَ: قَالَ قَتَادَةُ: كَانَتِ الْيَهُودُ يَقُولُونَ لِلنَّبِيِّ ﷺ: رَاعِنَا سَمْعَكَ. يسْتَهْزِئُونَ بِذَلِكَ، فَكَانَتِ الْيَهُودُ قَبِيحَةً، فَقَالَ: رَاعِنَا سَمْعَكَ لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ؛ وَاللَّيُّ: تَحْرِيكُهُمْ أَلْسِنَتَهُمْ بِذَلِكَ ﴿وَطَعْنًا فِي الدِّينِ﴾ [النساء: ٤٦]
٧ ‏/ ١٠٧
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: ثنا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿رَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ﴾ [النساء: ٤٦] كَانَ الرَّجُلُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ يَقُولُ: أَرْعِنِي سَمْعَكَ. يلْوِي بِذَلِكَ لِسَانَهُ، يَعْنِي: يُحَرِّفُ مَعْنَاهُ “
٧ ‏/ ١٠٧
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي عَنْ ⦗١٠٨⦘ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ﴾ [النساء: ٤٦] إِلَى: ﴿وَطَعْنًا فِي الدِّينِ﴾ [النساء: ٤٦] فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَسْتَهْزِئُونَ وَيَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَيَطْعَنُونَ فِي الدِّينِ “
٧ ‏/ ١٠٧
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: ﴿وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ﴾ [النساء: ٤٦] قَالَ: «﴿رَاعِنَا﴾ [النساء: ٤٦] طَعْنُهُمْ فِي الدِّينِ، وَلِيُّهُمْ بِأَلْسِنَتِهِمْ لِيُبْطِلُوهُ وَيُكَذِّبُوهُ. قَالَ: وَالرَّاعِنُ: الْخَطَأُ مِنَ الْكَلَامِ»
٧ ‏/ ١٠٨
حُدِّثْتُ عَنِ الْمِنْجَابِ، قَالَ: ثنا بِشْرٌ، ثنا: أَبُو رَوْقٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ﴾ [النساء: ٤٦] قَالَ: «تَحْرِيفًا بِالْكَذِبِ»
٧ ‏/ ١٠٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقُومَ﴾ [النساء: ٤٦] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَلَوْ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْيَهُودَ الَّذِينَ وَصَفَ اللَّهُ صِفَتَهُمْ قَالُوا لِنَبِيِّ اللَّهِ: سَمِعْنَا يَا مُحَمَّدُ قَوْلَكَ، وَأَطَعْنَا أَمْرَكَ، وَقَبِلْنَا مَا جِئْتَنَا بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَاسْمَعْ مِنَّا، وَانْظُرْنَا مَا نَقُولُ، وَانْتَظِرْنَا نَفْهَمْ عَنْكَ مَا تَقُولُ لَنَا ﴿لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ﴾ [النساء: ٤٦] يَقُولُ: “لَكَانَ ذَلِكَ خَيْرًا لَهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمَ، يَقُولُ: وَأَعْدَلَ وَأَصْوَبَ فِي الْقَوْلِ. وَهُوَ مِنَ الِاسْتِقَامَةِ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ: ﴿وَأَقْوَمَ قِيلًا﴾ [المزمل: ٦] بِمَعْنَى: وَأَصْوَبُ قِيلًا. كَمَا:
٧ ‏/ ١٠٨
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ ⦗١٠٩⦘: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ﴾ [النساء: ٤٦] قَالَ: «يَقُولُونَ: اسْمَعْ مِنَّا فَإِنَّا قَدْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا. وَانْظُرْنَا فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْنَا»
٧ ‏/ ١٠٨
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا أَبُو تُمَيْلَةَ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، وَمُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَانْظُرْنَا﴾ [النساء: ٤٦] قَالَ: «اسْمَعْ مِنَّا»
٧ ‏/ ١٠٩
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَانْظُرْنَا﴾ [النساء: ٤٦] قَالَ: «أَفْهِمْنَا»
٧ ‏/ ١٠٩
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَانْظُرْنَا﴾ [النساء: ٤٦] قَالَ: «أَفْهِمْنَا» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ مُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ مِنْ تَوْجِيهِهِمَا مَعْنَى: ﴿وَانْظُرْنَا﴾ [النساء: ٤٦] إِلَى: اسْمَعْ مِنَّا، وَتَوْجِيهِ مُجَاهِدٍ ذَلِكَ إِلَى: أَفْهِمْنَا، مَا لَا نَعْرِفُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِذَلِكَ مِنْ تَوْجِيهِهِ إِلَى أَفْهِمْنَا: انْتَظِرْنَا نَفْهَمْ مَا تَقُولُ، أَوِ انْتَظِرْنَا نَقُلْ حَتَّى تَسْمَعَ مِنَّا، فَيَكُونُ ذَلِكَ مَعْنًى مَفْهُومًا وَإِنْ كَانَ غَيْرَ تَأْوِيلِ الْكَلِمَةِ وَلَا تَفْسِيرٍ لَهَا، فَلَا نَعْرِفُ انْظُرْنَا فِي كَلَامِ الْعَرَبِ إِلَّا بِمَعْنَى: انْتَظِرْنَا
٧ ‏/ ١٠٩
وَانْظُرْ إِلَيْنَا، فَأَمَّا انْظُرْنَا بِمَعْنَى انْتَظِرْنَا، فَمِنْهُ قَوْلُ الْحُطَيْئَةِ:
[البحر البسيط] وَقَدْ نَظَرْتُكُمُ لَوْ أَنَّ دِرَّتَكُمْ يَوْمًا … يَجِيءُ بِهَا مَسْحِي وَإِبْسَاسِي
وَأَمَّا انْظُرْنَا بِمَعْنَى: انْظُرْ إِلَيْنَا، فَمِنْهُ قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسِ الرُّقَيَّاتِ:
[البحر الخفيف] ظَاهِرَاتُ الْجَمَالِ وَالْحُسْنِ يَنْظُرْ … نَ كَمَا يَنْظُرُ الْأَرَاكَ الظِّبَاءُ
بِمَعْنَى كَمَا يَنْظُرُ إِلَى الْأَرَاكِ الظِّبَاءُ
٧ ‏/ ١١٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلَا﴾ [النساء: ٤٦] يَعْنِي بِذَلِكَ: وَلَكِنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى أَخْزَى هَؤُلَاءِ الْيَهُودَ الَّذِينَ وَصَفَ صِفَتَهُمْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ فَأَقْصَاهُمْ وَأَبْعَدَهُمْ مِنَ الرُّشْدِ، وَاتِّبَاعِ الْحَقِّ بِكُفْرِهِمْ، يَعْنِي بِجُحُودِهِمْ نُبُوَّةَ نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ، وَمَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِمْ مِنَ الْهُدَى وَالْبَيِّنَاتِ ﴿فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [النساء: ٤٦] يَقُولُ: “فَلَا يُصَدِّقُونَ بِمُحَمَّدٍ ﷺ، وَمَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِمْ، وَلَا يُقِرُّونَ بِنُبُوَّتِهِ إِلَّا قَلِيلًا، يَقُولُ: لَا يُصَدِّقُونَ بِالْحَقِّ الَّذِي جِئْتَهُمْ بِهِ يَا مُحَمَّدُ إِلَّا إِيمَانًا قَلِيلًا. ⦗١١١⦘ كَمَا:
٧ ‏/ ١١٠
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [النساء: ٤٦] قَالَ: «لَا يُؤْمِنُونَ هُمْ إِلَّا قَلِيلًا. وَقَدْ بَيَّنَّا وَجْهَ ذَلِكَ بِعِلَلِهِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ»
٧ ‏/ ١١١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانْ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا﴾ [النساء: ٤٧] يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ﴾ [النساء: ٤٧] الْيَهُودُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ كَانُوا حَوَالَيْ مُهَاجَرِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالَ اللَّهُ لَهُمْ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُنْزِلَ إِلَيْهِمُ الْكِتَابُ فَأُعْطُوا الْعِلْمَ بِهِ ﴿آمِنُوا﴾ [البقرة: ٩] يَقُولُ: «صَدِّقُوا بِمَا أَنْزَلْنَا إِلَى مُحَمَّدٍ مِنَ الْفُرْقَانِ ﴿مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ﴾ [البقرة: ٤١] يَعْنِي:»مُحَقِّقًا لِلَّذِي مَعَكُمْ مِنَ التَّوْرَاةِ الَّتِي أَنْزَلْتُهَا إِلَى مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ. ﴿مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا﴾ [النساء: ٤٧] وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: طَمْسُهُ إِيَّاهُ: مَحْوُهُ آثَارَهَا حَتَّى تَصِيرَ كَالْأَقْفَاءِ. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: أَنْ نَطْمِسَ أَبْصَارَهَا فَنُصَيِّرَهَا عَمْيَاءَ، وَلَكِنَّ الْخَبَرَ خَرَجَ بِذِكْرِ الْوَجْهِ، وَالْمُرَادُ بِهِ بَصَرُهُ ﴿فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا﴾ [النساء: ٤٧] فَنَجْعَلَ أَبْصَارَهَا مِنْ قِبَلِ أَقْفَائِهَا
٧ ‏/ ١١١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثنا عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا﴾ [النساء: ٤٧] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا﴾ [النساء: ٤٧] وَطَمْسُهَا أَنْ تَعْمَى فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا، يَقُولُ: أَنْ نَجْعَلَ وُجُوهَهُمْ مِنْ قِبَلِ أَقْفِيَتِهِمْ فَيَمْشُونَ الْقَهْقَرَى وَنَجْعَلَ لِأَحَدِهِمْ عَيْنَيْنِ فِي قَفَاهُ “
٧ ‏/ ١١٢
حَدَّثَنِي أَبُو الْعَالِيَةِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ الْهَيْثَمِ الْعَبْدِيُّ قَالَ: ثنا أَبُو قُتَيْبَةَ، عَنْ فُضَيْلِ بْنِ مَرْزُوقٍ، عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ، فِي قَوْلِهِ: ﴿مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا﴾ [النساء: ٤٧] قَالَ: «نَجْعَلُهَا فِي أَقْفَائِهَا فَتَمْشِي عَلَى أَعْقَابِهَا الْقَهْقَرَى» حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُمَارَةَ الْأَسَدِيُّ قَالَ: ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى قَالَ: ثنا فُضَيْلُ بْنُ مَرْزُوقٍ عَنْ عَطِيَّةَ بِنَحْوِهِ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: طَمْسُهَا أَنْ يَرُدَّهَا عَلَى أَقْفَائِهَا
٧ ‏/ ١١٢
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا﴾ [النساء: ٤٧] قَالَ: «نُحَوِّلُ وُجُوهَهَا قِبَلَ ظُهُورِهَا» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نُعْمِيَ قَوْمًا عَنِ الْحَقِّ، فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا فِي الضَّلَالَةِ وَالْكُفْرِ
٧ ‏/ ١١٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿أَنْ نَطْمِسَ، وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا﴾ [النساء: ٤٧] فَنَرُدَّهَا عَنِ الصِّرَاطِ الْحَقِّ، ﴿فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا﴾ [النساء: ٤٧] قَالَ: «فِي الضَّلَالَةِ»
٧ ‏/ ١١٣
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا﴾ [النساء: ٤٧] عَنْ صِرَاطِ الْحَقِّ ﴿فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا﴾ [النساء: ٤٧] فِي الضَّلَالَةِ ” حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا سُوَيْدٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ قِرَاءَةً عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
٧ ‏/ ١١٣
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، قَالَ الْحَسَنُ: ﴿نَطْمِسَ وُجُوهًا﴾ [النساء: ٤٧] يَقُولُ: «نَطْمِسَهَا عَنِ الْحَقِّ ﴿فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا﴾ [النساء: ٤٧] عَلَى ضَلَالَتِهَا»
٧ ‏/ ١١٣
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ﴾ [النساء: ٤٧] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ ⦗١١٤⦘ السَّبْتِ﴾ [النساء: ٤٧] قَالَ: “نَزَلَتْ فِي مَالِكِ بْنِ الصَّيْفِ وَرِفَاعَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ التَّابُوتِ مِنْ بَنِي قَيْنُقَاعٍ. امَّا ﴿أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا﴾ [النساء: ٤٧] يَقُولُ: «فَنُعْمِيَهَا عَنِ الْحَقِّ، وَنُرْجِعَهَا كُفَّارًا»
٧ ‏/ ١١٣
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا﴾ [النساء: ٤٧] يَعْنِي: «أَنْ نَرُدَّهُمْ عَنِ الْهُدَى وَالْبَصِيرَةِ، فَقَدْ رَدَّهُمْ عَلَى أَدْبَارِهِمْ فَكَفَرُوا بِمُحَمَّدٍ ﷺ وَمَا جَاءَ بِهِ» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: مِنْ قَبْلِ أَنْ نَمْحُوَ آثَارَهُمْ مِنْ وُجُوهِهِمُ الَّتِي هُمْ بِهَا وَنَاحِيَتِهِمُ الَّتِي هُمْ بِهَا، فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا مِنْ حَيْثِ جَاءُوا مِنْهُ بَدْءًا مِنَ الشَّامِ
٧ ‏/ ١١٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا﴾ [النساء: ٤٧] قَالَ: «كَانَ أَبِي يَقُولُ: إِلَى الشَّامِ»
٧ ‏/ ١١٤
وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَمْحُوَ آثَارَهَا وَنُسَوِّيَهَا، فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا بِأَنْ نَجْعَلَ الْوُجُوهَ مَنَابِتَ الشَّعْرِ، كَمَا وُجُوهُ الْقِرَدَةِ مَنَابِتُ لِلشَّعْرِ، لِأَنَّ شُعُورَ بَنِي آدَمَ فِي أَدْبَارِ وُجُوهِهِمْ، فَقَالُوا: إِذَا أَنَبْتَ الشَّعْرَ فِي وُجُوهِهِمْ، فَقَدْ رَدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا بِتَصْيِيرِهِ إِيَّاهَا كَالْأَقْفَاءِ وَأَدْبَارِ الْوُجُوهِ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا﴾ [النساء: ٤٧] مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ أَبْصَارَهَا وَنَمْحُوَ آثَارَهَا فَنُسَوِّيَهَا كَالْأَقْفَاءِ، فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا، فَنَجْعَلَ أَبْصَارَهَا فِي أَدْبَارِهَا، يَعْنِي بِذَلِكَ: فَنَجْعَلَ الْوُجُوهَ فِي أَدْبَارِ الْوُجُوهِ، فَيَكُونُ مَعْنَاهُ: فَنُحَوِّلَ الْوُجُوهَ أَقْفَاءَ، وَالْأَقْفَاءَ وُجُوهًا، فَيَمْشُونَ الْقَهْقَرَى، كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَطِيَّةُ وَمَنْ قَالَ ذَلِكَ وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ، لِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ خَاطَبَ بِهَذِهِ الْآيَةِ الْيَهُودَ الَّذِينَ وَصَفَ صِفَتَهُمْ بِقَوْلِهِ: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلَالَةَ﴾ [النساء: ٤٤] ثُمَّ حَذَّرَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا﴾ [النساء: ٤٧] الْآيَةُ، بَأْسَهُ وَسَطْوَتَهُ، وَتَعْجِيلَ عِقَابِهِ لَهُمْ إِنْ هُمْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِمَا أَمَرَهُمْ بِالْإِيمَانِ بِهِ، وَلَا شَكَّ
٧ ‏/ ١١٥
أَنَّهُمْ كَانُوا لِمَا أَمَرَهُمْ بِالْإِيمَانِ بِهِ يَوْمَئِذٍ كُفَّارًا. وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَبَيِّنٌ فَسَادُ قَوْلِ مَنْ قَالَ: تَأْوِيلُ ذَلِكَ أَنْ نُعْمِيَهَا عَنِ الْحَقِّ فَنَرُدَّهَا فِي الضَّلَالَةَ، فَمَا وَجْهُ رَدِّ مَنْ هُوَ فِي الضَّلَالَةَ فِيهَا؟ وَإِنَّمَا يُرَدُّ فِي الشَّيْءِ مَنْ كَانَ خَارِجًا مِنْهُ، فَأَمَّا مَنْ هُوَ فِيهِ فَلَا وَجْهَ لِأَنْ يُقَالَ: يَرُدَّهُ فِيهِ. وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَكَانَ صَحِيحًا أَنَّ اللَّهَ قَدْ تَهَدَّدَ الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِرَدِّهِ وُجُوهَهُمْ عَلَى أَدْبَارِهِمْ، كَانَ بَيِّنًا فَسَادُ تَأْوِيلِ مَنْ قَالَ: مَعْنَى ذَلِكَ يُهَدِّدُهُمْ بَرْدِهِمْ فِي ضَلَالَتِهِمْ. وَأَمَّا الَّذِينَ قَالُوا: مَعْنَى ذَلِكَ: مِنْ قَبْلِ أَنْ نَجْعَلَ الْوُجُوهَ مَنَابِتَ الشَّعْرِ كَهَيْئَةِ وُجُوهِ الْقِرَدَةِ، فَقَوْلٌ لِقَوْلِ أَهْلِ التَّأْوِيلِ مُخَالِفٍ، وَكَفَى بِخُرُوجِهِ عَنْ قَوْلِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ الْخَالِفِينَ عَلَى خَطَئِهِ شَاهِدًا. وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَاهُ: مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهَهُمُ الَّتِي هُمْ فِيهَا فَنَرُدَّهُمْ إِلَى الشَّامِ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ بِالْحِجَازِ وَنَجْدَ، فَإِنَّهُ، وَإِنْ كَانَ قَوْلًا لَهُ وَجْهٌ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ التَّنْزِيلِ، بَعِيدٌ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمَعْرُوفَ مِنَ الْوُجُوهِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الَّتِي هِيَ خِلَافُ الْأَقْفَاءِ، وَكِتَابُ اللَّهِ يُوَجَّهُ تَأْوِيلُهُ إِلَى
٧ ‏/ ١١٦
الْأَغْلَبِ فِي كَلَامِ مَنْ نَزَلَ بِلِسَانِهِ حَتَّى يَدُلَّ عَلَى أَنَّهُ مَعْنِيُّ بِهِ غَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْوُجُوهِ الَّتِي ذَكَرْتُ دَلِيلٌ يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهُ. وَأَمَّا الطَّمْسُ: فَهُوَ الْعُفُوُّ وَالدُّثُورُ فِي اسْتِوَاءٍ؛ وَمِنْهُ يُقَالَ: طُمِسَتْ أَعْلَامُ الطَّرِيقِ تُطْمَسُ طُمُوسًا، إِذَا دُثِرَتْ وَتَعَفَّتْ فَانْدَفَنَتْ وَاسْتَوَتْ بِالْأَرْضِ، كَمَا قَالَ كَعْبُ بْنُ زُهَيْرٍ:
[البحر البسيط] مِنْ كُلِّ نَضَّاخَةِ الذِّفْرَى إِذَا عَرِقَتْ … عُرْضَتُهَا طَامِسُ الْأَعْلَامِ مَجْهُولُ
يَعْنِي بِطَامِسِ الْأَعْلَامِ: دَاثِرَ الْأَعْلَامِ مُنْدَفِنَهَا. وَمِنْ ذَلِكَ قِيلَ لِلْأَعْمَى الَّذِي قَدْ تَعَفَّى غَرُّ مَا بَيْنَ جَفْنَيْ عَيْنَيْهِ فَدُثِرَ: أَعْمَى مَطْمُوسٌ وَطَمِيسٌ، كَمَا قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ﴾ [يس: ٦٦] قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: الْغَرُّ: الشِّقُّ الَّذِي بَيْنَ الْجَفْنَيْنِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا وَصَفْتَ مِنْ تَأْوِيلِ الْآيَةِ، فَهَلْ كَانَ مَا تَوَعَّدَهُمْ بِهِ؟
٧ ‏/ ١١٧
قِيلَ: لَمْ يَكُنْ لِأَنَّهُ آمَنَ مِنْهُمْ جَمَاعَةٌ. مِنْهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ، وَثَعْلَبَةُ بْنُ سَعْيَةَ وَأَسَدُ بْنُ سَعْيَةَ، وَأَسَدُ بْنُ عُبَيْدٍ، وَمُخَيْرِقٌ، وَجَمَاعَةٌ غَيْرُهُمْ، فَدَفَعَ عَنْهُمْ بِإِيْمَانِهِمْ وَمِمَّا يُبَيِّنُ عَنْ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِ الَّذِينَ ذَكَرْنَا صِفَتَهُمْ مَا:
٧ ‏/ ١١٨
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، وَحَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثني مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مُحَمَّدٍ مَوْلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: ثني سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ أَوْ عِكْرِمَةُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ رُؤَسَاءُ مِنْ أَحْبَارِ يَهُودَ، مِنْهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صُورِيَا وَكَعْبُ بْنُ أَسَدٍ فَقَالَ لَهُمْ: «يَا مَعْشَرَ يَهُودَ، اتَّقُوا اللَّهَ وَأَسْلِمُوا فَوَاللَّهِ إِنَّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنَّ الَّذِيَ جِئْتُكُمْ بِهِ لَحَقٌّ» فَقَالُوا: مَا نَعْرِفُ ذَلِكَ يَا مُحَمَّدُ، وَجَحَدُوا مَا عَرَفُوا، وَأَصَرُّوا عَلَى الْكُفْرِ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمْ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا﴾ [النساء: ٤٧] الْآيَةُ “
٧ ‏/ ١١٨
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا جَابِرُ بْنُ نُوحٍ، عَنْ عِيسَى بْنِ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: ⦗١١٩⦘ تَذاكَرْنَا عِنْدَ إِبْرَاهِيمَ إِسْلَامَ كَعْبٍ، فَقَالَ: أَسْلَمَ كَعْبٌ فِي زَمَانِ عُمَرَ، أَقْبَلَ وَهُوَ يُرِيدُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، فَمَرَّ عَلَى الْمَدِينَةِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ عُمَرُ، فَقَالَ: يَا كَعْبُ أَسْلِمْ. قَالَ: أَلَسْتُمْ تَقْرَءُونَ فِي كِتَابِكُمْ: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا﴾ [الجمعة: ٥] وَأَنَا قَدْ حُمِّلْتُ التَّوْرَاةَ. قَالَ: فَتَرَكَهُ ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى انْتَهَى إِلَى حِمْصَ قَالَ: فَسَمِعَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِهَا حَزِينًا، وَهُوَ يَقُولُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا﴾ [النساء: ٤٧] الْآيَةُ، فَقَالَ كَعْبٌ: يَا رَبِّ أَسْلَمْتُ. مَخَافَةَ أَنْ تُصِيبَهُ الْآيَةُ، ثُمَّ رَجَعَ فَأَتَى أَهْلَهُ بِالْيَمَنِ، ثُمَّ جَاءَ بِهِمْ مُسْلِمِينَ “
٧ ‏/ ١١٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولَا﴾ [النساء: ٤٧] يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿أَوْ نَلْعَنَهُمْ﴾ [النساء: ٤٧] أَوْ نَلْعَنَكُمْ، فَنُخْزِيَكُمْ، وَنَجْعَلَكُمْ قِرَدَةً ﴿كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ﴾ [النساء: ٤٧] يَقُولُ: “كَمَا أَخْزَيْنَا الَّذِينَ اعْتَدَوْا فِي السَّبْتِ مِنْ أَسْلَافِكُمْ، قِيلَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْخِطَابِ فِي قَوْلِهِ: ﴿آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ﴾ [النساء: ٤٧] كَمَا قَالَ: ﴿حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا﴾ [يونس: ٢٢] وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ: مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَ أَصْحَابَ الْوُجُوهِ، فَجَعَلَ الْهَاءَ وَالْمِيمَ فِي قَوْلِهِ: ﴿أَوْ نَلْعَنَهُمْ﴾ [النساء: ٤٧] مِنْ ذِكْرِ ⦗١٢٠⦘ أَصْحَابِ الْوُجُوهِ، إِذْ كَانَ فِي الْكَلَامِ دَلَالَةٌ عَلَى ذَلِكَ. وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٧ ‏/ ١١٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ﴾ [النساء: ٤٧] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ﴾ [النساء: ٤٧] أَيْ نُحَوِّلُهُمْ قِرَدَةً “
٧ ‏/ ١٢٠
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الْحَسَنِ: ﴿أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ﴾ [النساء: ٤٧] يَقُولُ: «أَوْ نَجْعَلَهُمْ قِرَدَةً»
٧ ‏/ ١٢٠
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ﴾ [النساء: ٤٧] أَوْ نَجْعَلَهُمْ قِرَدَةً “
٧ ‏/ ١٢٠
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ﴾ [النساء: ٤٧] قَالَ: «هُمْ يَهُودُ جَمِيعًا، نَلْعَنُ هَؤُلَاءِ كَمَا لَعَنَّا الَّذِينَ لَعَنَّا مِنْهُمْ مِنْ أَصْحَابِ السَّبْتِ» وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا﴾ [النساء: ٤٧] فَإِنَّهُ يَعْنِي: وَكَانَ جَمِيعُ مَا أَمَرَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ كَائِنًا مَخْلُوقًا مَوْجُودًا، لَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ خَلْقُ شَيْءٍ شَاءَ خَلْقَهُ. ⦗١٢١⦘ وَالْأَمْرُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: الْمَأْمُورُ، سُمِّيَ أَمْرَ اللَّهِ؛ لِأَنَّهُ عَنْ أَمْرِهِ كَانَ وَبِأَمْرِهِ، وَالْمَعْنَى: وَكَانَ مَا أَمَرَ اللَّهُ مَفْعُولًا
٧ ‏/ ١٢٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا﴾ [النساء: ٤٨] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ، وَإِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ الشِّرْكَ بِهِ وَالْكُفْرَ، وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ الشِّرْكِ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ أَهْلِ الذُّنُوبِ وَالْآثَامِ. وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ مَعْنَى الْكَلَامِ، فَإِنَّ قَوْلَهُ: ﴿أَنْ يُشْرَكَ بِهِ﴾ [النساء: ٤٨] فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِوُقُوعِ يَغْفِرُ عَلَيْهَا وَإِنْ شِئْتَ بِفَقْدِ الْخَافِضِ الَّذِي كَانَ يَخْفِضُهَا لَوْ كَانَ ظَاهِرًا، وَذَلِكَ أَنْ يُوَجَّهَ مَعْنَاهُ: إِلَى أَنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ بِأَنْ يُشْرَكَ بِهِ عَلَى تَأْوِيلِ الْجَزَاءِ، كَأَنَّهُ قِيلَ: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ ذَنْبًا مَعَ شِرْكٍ أَوْ عَنْ شِرْكٍ؛ وَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ يَتَوَجَّهُ أَنْ تَكُونَ أَنْ فِي مَوْضِعِ خَفْضٍ فِي قَوْلِ بَعْضِ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ.
٧ ‏/ ١٢١
وذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي أَقْوَامٍ ارْتَابُوا فِي أَمْرِ الْمُشْرِكِينَ حِينَ نَزَلَتْ: ﴿يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [الزمر: ٥٣] ذِكْرُ الْخَبَرِ بِذَلِكَ:
٧ ‏/ ١٢٢
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ،، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، قَالَ: ثني مُحَبَّرٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: ﴿يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ﴾ [الزمر: ٥٣] الْآيَةَ، قَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: وَالشِّرْكُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ. فَكَرِهَ ذَلِكَ النَّبِيُّ ﷺ، فَقَالَ: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ﴾ [النساء: ٤٨] ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا “
٧ ‏/ ١٢٢
حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارٍ قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ [النساء: ٤٨] قَالَ: أَخْبَرَنِي مُحَبَّرٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ﴾ [الزمر: ٥٣] الْآيَةُ، قَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: وَالشِّرْكُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ. فَكَرِهَ ذَلِكَ النَّبِيُّ ﷺ فَقَالَ: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ [النساء: ٤٨]
٧ ‏/ ١٢٢
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ خَلَفٍ الْعَسْقَلَانِيُّ، قَالَ: ثنا آدَمُ، قَالَ: ثنا الْهَيْثَمُ بْنُ حَمَّادٍ، ⦗١٢٣⦘ قَالَ: ثنا بَكْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيُّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: كُنَّا مَعْشَرَ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ لَا نَشُكُّ فِي قَاتِلِ النَّفْسِ، وَآكِلِ مَالِ الْيَتِيمِ، وَشَاهِدِ الزُّورِ، وَقَاطِعِ الرَّحِمِ، حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ﴾ [النساء: ٤٨] ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ فَأَمْسَكْنَا عَنِ الشَّهَادَةِ ” وَقَدْ أَبَانَتْ هَذِهِ الْآيَةُ أَنَّ كُلَّ صَاحِبِ كَبِيرَةٍ فَفِي مَشِيئَةِ اللَّهِ، إِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ، وَإِنْ شَاءَ عَاقَبَهُ عَلَيْهِ مَا لَمْ تَكُنْ كَبِيرَةً شِرْكًا بِاللَّهِ
٧ ‏/ ١٢٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا﴾ [النساء: ٤٨] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فِي عِبَادَتِهِ غَيْرَهُ مِنْ خَلْقِهِ، فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا، يَقُولُ: فَقَدِ اخْتَلَقَ إِثْمًا عَظِيمًا. وَإِنَّمَا جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُفْتَرِيًا، لِأَنَّهُ قَالَ زُورًا وَإِفْكًا بِجُحُودِهِ وَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ وَإِقْرَارِهِ بِأَنَّ لِلَّهِ شَرِيكًا مِنْ خَلْقِهِ وَصَاحِبَةً أَوْ وَلَدًا، فَقَائِلُ ذَلِكَ مُفْتَرٍ، وَكَذَلِكَ كُلُّ كَاذِبٌ فَهُوَ مُفْتَرٍ فِي كَذِبِهِ مُخْتَلِقٌ لَهُ
٧ ‏/ ١٢٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا﴾ [النساء: ٤٩] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: أَلَمْ تَرَ يَا مُحَمَّدُ بِقَلْبِكَ الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ مِنَ الْيَهُودِ فَيُبَرِّئُونَهَا مِنَ الذُّنُوبِ، وَيُطَهِّرُونَهَا وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمَعْنَى الَّذِي كَانَتِ الْيَهُودُ تُزَكِّي بِهِ أَنْفُسَهَا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَتْ تَزْكِيَتُهُمْ أَنْفُسَهُمْ قَوْلَهُمْ: ﴿نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ﴾ [المائدة: ١٨]
٧ ‏/ ١٢٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا﴾ [النساء: ٤٩] وَهُمْ أَعْدَاءُ اللَّهِ الْيَهُودُ زَكُّوا أَنْفُسَهُمْ بِأَمْرٍ لَمْ يَبْلُغُوهُ، فَقَالُوا: نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ، وَقَالُوا: لَا ذُنُوبَ لَنَا “
٧ ‏/ ١٢٤
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ﴾ [النساء: ٤٩] قَالَ: «هُمُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، قَالُوا: ﴿نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ﴾ [المائدة: ١٨] وَقَالُوا: ﴿لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى﴾ [البقرة: ١١١]»
٧ ‏/ ١٢٤
وَحَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا أَبُو تُمَيْلَةَ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنِ الضَّحَّاكِ، قَالَ: قَالَتْ يَهُودُ: لَيْسَتْ لَنَا ذُنُوبٌ إِلَّا كَذُنُوبِ أَوْلَادِنَا يَوْمَ ⦗١٢٥⦘ يُولَدُونَ، فَإِنْ كَانَتْ لَهُمْ ذُنُوبٌ، فَإِنَّ لَنَا ذَنُوبًا، فَإِنَّمَا نَحْنُ مِثْلُهُمْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُبِينًا﴾ [النساء: ٥٠]
٧ ‏/ ١٢٤
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ﴾ [النساء: ٤٩] قَالَ: «قَالَ أَهْلُ الْكِتَابِ: ﴿لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى﴾ [البقرة: ١١١] وَقَالُوا: ﴿نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ﴾ [المائدة: ١٨] وَقَالُوا: نَحْنُ عَلَى الَّذِي يُحِبُّ اللَّهُ. فَقَالَ تبارك وتعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ﴾ [النساء: ٤٩] حِينَ زَعَمُوا أَنَّهُمْ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ، وَأَنَّهُمْ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ وَأَهْلُ طَاعَتِهِ»
٧ ‏/ ١٢٥
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا﴾ [النساء: ٤٩] نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِ، قَالُوا: إِنَّا نُعَلِّمُ أَبْنَاءَنَا التَّوْرَاةَ صِغَارًا فَلَا تَكُونُ لَهُمْ ذُنُوبٌ، وَذُنُوبُنَا مِثْلُ ذُنُوبِ أَبْنَائِنَا، مَا عَمِلْنَا بِالنَّهَارِ كُفِّرَ عَنَّا بِاللَّيْلِ ” وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ كَانَتْ تَزْكِيَتُهُمْ أَنْفُسَهُمْ تَقْدِيمَهُمْ أَطْفَالَهُمْ لِإِمَامَتِهِمْ فِي صَلَاتِهِمْ زَعْمًا مِنْهَا أَنَّهُمْ لَا ذُنُوبَ لَهُمْ
٧ ‏/ ١٢٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ﴾ [النساء: ٤٩] قَالَ: «يَهُودُ، كَانُوا يُقَدِّمُونَ صِبْيَانَهُمْ فِي ⦗١٢٦⦘ الصَّلَاةِ فَيَؤُمُّونَهُمْ، يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ لَا ذُنُوبَ لَهُمْ. فَتِلْكَ التَّزْكِيَةُ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
٧ ‏/ ١٢٥
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: «كَانُوا يُقَدِّمُونَ الصِّبْيَانَ أَمَامَهُمْ فِي الدُّعَاءِ وَالصَّلَاةِ يَؤُمُّونَهُمْ وَيَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ لَا ذُنُوبَ لَهُمْ، فَتِلْكَ تَزْكِيَةُ. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: هُمُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى»
٧ ‏/ ١٢٦
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ﴾ [النساء: ٤٩] قَالَ: «نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِ كَانُوا يُقَدِّمُونَ صِبْيَانَهُمْ يَقُولُونَ: لَيْسَتْ لَهُمْ ذُنُوبٌ»
٧ ‏/ ١٢٦
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ أَبِي مَكِينٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ﴾ [النساء: ٤٩] قَالَ: «كَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ يُقَدِّمُونَ الْغِلْمَانَ الَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ يُصَلُّونَ بِهِمْ، يَقُولُونَ لَيْسَ لَهُمْ ذُنُوبٌ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ﴾ [النساء: ٤٩] الْآيَةُ» ⦗١٢٧⦘ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ تَزْكِيَتُهُمْ أَنْفُسَهُمْ كَانَتْ قَوْلَهُمْ: إِنَّ أَبْنَاءَنَا سَيَشْفَعُونَ لَنَا وَيُزَكُّونَنَا
٧ ‏/ ١٢٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: قَالَ ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ﴾ [النساء: ٤٩] وَذَلِكَ أَنَّ الْيَهُودَ قَالُوا: إِنَّ أَبْنَاءَنَا قَدْ تُوُفُّوا وَهُمْ لَنَا قُرْبَةٌ عِنْدَ اللَّهِ، وَسَيَشْفَعُونَ وَيُزَكُّونَنَا. فَقَالَ اللَّهُ لِمُحَمَّدٍ: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ﴾ [النساء: ٤٩] إِلَى ﴿وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا﴾ [النساء: ٤٩] وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ ذَلِكَ كَانَ مِنْهُمْ تَزْكِيَةً مِنْ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ
٧ ‏/ ١٢٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمَسْعُودِيُّ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: إِنَّ الرَّجُلَ لَيَغْدُو بِدِينِهِ، ثُمَّ يَرْجِعُ وَمَا مَعَهُ مِنْهُ شَيْءٌ. يلْقَى الرَّجُلَ لَيْسَ يَمْلِكُ لَهُ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا، فَيَقُولُ: وَاللَّهِ إِنَّكَ لَذَيْتَ وَذَيْتَ، وَلَعَلَّهُ أَنْ ⦗١٢٨⦘ يَرْجِعَ، وَلَمْ يَحِلَّ عَنْ حَاجَتِهِ بِشَيْءٍ، وَقَدْ أَسْخَطَ اللَّهَ عَلَيْهِ. ثُمَّ قَرَأَ: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ﴾ [النساء: ٤٩] الْآيَةَ ” قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَى تَزْكِيَةِ الْقَوْمِ الَّذِينَ وَصَفَهَمُ اللَّهُ بِأَنَّهُمْ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ وَوَصْفِهِمْ إِيَّاهَا بِأَنَّهَا لَا ذُنُوبَ لَهَا وَلَا خَطَايَا، وَأَنَّهُمْ لِلَّهِ أَبْنَاءٌ وَأَحِبَّاءٌ، كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَهُ، لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ أَظْهَرُ مَعَانِيهِ لِإِخْبَارِ اللَّهِ عَنْهُمْ أَنَّهَا إِنَّمَا كَانُوا يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ دُونَ غَيْرِهَا. وَأَمَّا الَّذِينَ قَالُوا: مَعْنَى ذَلِكَ: تَقْدِيمُهُمْ أَطْفَالَهُمْ لِلصَّلَاةِ، فَتَأْوِيلٌ لَا تُدْرَكُ صِحَّتُهُ إِلَّا بِخَبَرٍ حُجَّةٍ يُوجِبُ الْعِلْمَ. وَأَمَّا قَوْلُهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءِ﴾ [النساء: ٤٩] فَإِنَّهُ تَكْذِيبٌ مِنَ اللَّهِ الْمُزَكِّينَ أَنْفُسَهُمْ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، الْمُبَرِّئِيهَا مِنَ الذُّنُوبِ، يَقُولُ اللَّهُ لَهُمْ: مَا الْأَمْرُ كَمَا زَعَمْتُمْ أَنَّهُ لَا ذُنُوبَ لَكُمْ وَلَا خَطَايَا، وَإِنَّكُمْ بُرَآءُ مِمَّا يَكْرَهُهُ اللَّهُ، وَلَكِنَّكُمْ أَهْلُ فِرْيَةٍ وَكَذِبٍ عَلَى اللَّهِ، وَلَيْسَ الْمُزَكِّي مَنْ زَكَّى نَفْسَهُ، وَلَكِنَّهُ الَّذِي يُزَكِّيهِ اللَّهُ، وَاللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ مِنْ خَلْقِهِ، فَيُطَهِّرُهُ وَيُبَرِّئُهُ مِنَ الذُّنُوبِ بِتَوْفِيقِهِ لِاجْتِنَابِ مَا يَكْرَهُهُ مِنْ مَعَاصِيهِ إِلَى مَا يَرْضَاهُ مِنْ طَاعَتِهِ. ⦗١٢٩⦘ وَإِنَّمَا قُلْنَا إِنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ لِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ﴾ [النساء: ٥٠] وَأَخْبَرَ أَنَّهُمْ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ بِدَعْوَاهُمْ أَنَّهُمْ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ، وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ طَهَّرَهُمْ مِنَ الذُّنُوبِ
٧ ‏/ ١٢٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا﴾ [النساء: ٤٩] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَلَا يَظْلِمُ اللَّهُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَخْبَرَ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ وَلَا غَيْرَهُمْ مِنْ خَلْقِهِ، فَيَبْخَسُهُمْ فِي تَرْكِهِ تَزْكِيَتَهُمْ، وَتَزْكِيَةِ مَنْ تَرَكَ تَزْكِيَتَهُ، وَفِي تَزْكِيَةِ مَنْ زَكَّى مِنْ خَلْقِهِ شَيْئًا مِنْ حُقُوقِهِمْ وَلَا يَضَعُ شَيْئًا فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ، وَلَكِنَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ مِنْ خَلْقِهِ، فَيُوَفِّقُهُ، وَيَخْذُلُ مَنْ يَشَاءُ مِنْ أَهْلِ مَعَاصِيهِ؛ كُلُّ ذَلِكَ إِلَيْهِ وَبِيَدِهِ، وَهُوَ فِي كُلِّ ذَلِكَ غَيْرُ ظَالِمٍ أَحَدًا مِمَّنْ زَكَّاهُ أَوْ لَمْ يُزَكِّهِ فَتِيلًا. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى الْفَتِيلِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ مَا خَرَجَ مِنْ بَيْنَ الْأُصْبُعَيْنِ وَالْكَفَّيْنِ مِنَ الْوَسَخِ إِذَا فَتَلْتَ إِحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى
٧ ‏/ ١٢٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: ثنا أَبُو كُدَيْنَةَ، عَنْ قَابُوسَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: الْفَتِيلُ: مَا خَرَجَ مِنْ بَيْنِ أُصْبُعَيْكِ “
٧ ‏/ ١٢٩
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، عَنْ عَنبَسَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيِّ، عَنِ التَّيْمِيِّ قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، عَنْ قَوْلِهِ: ﴿وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا﴾ [النساء: ٤٩] قَالَ: «مَا فَتَلْتَ بَيْنَ أُصْبُعَيْكَ»
٧ ‏/ ١٣٠
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ زَيْدِ بْنِ دِرْهَمٍ أَبِي الْعَلَاءِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْعَالِيَةِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا﴾ [النساء: ٤٩] قَالَ: «الْفَتِيلُ: هُوَ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ بَيْنَ إِصْبَعَيِّ الرَّجُلِ»
٧ ‏/ ١٣٠
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا﴾ [النساء: ٤٩] وَالْفَتِيلُ: هُوَ أَنْ تَدْلُكَ بَيْنَ أُصْبُعَيْكَ، فَمَا خَرَجَ بَيْنَهُمَا فَهُوَ ذَلِكَ “
٧ ‏/ ١٣٠
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حُصَيْنٌ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا﴾ [النساء: ٤٩] قَالَ: «الْفَتِيلُ: الْوَسَخُ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الْكَفَّيْنِ»
٧ ‏/ ١٣٠
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: الْفَتِيلُ: مَا فَتَلْتَ بِهِ يَدَيْكَ فَخَرَجَ وَسَخٌ “
٧ ‏/ ١٣٠
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا﴾ [النساء: ٤٩] قَالَ: «مَا تَدْلُكْهُ فِي يَدَيْكَ فَيَخْرُجُ بَيْنَهُمَا» وَأُنَاسٌ يَقُولُونَ: الَّذِي يَكُونُ فِي بَطْنِ النَّوَاةِ
٧ ‏/ ١٣١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿فَتِيلًا﴾ [النساء: ٤٩] قَالَ: «الَّذِي فِي بَطْنِ النَّوَاةِ»
٧ ‏/ ١٣١
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: الْفَتِيلُ: الَّذِي فِي بَطْنِ النَّوَاةِ ” حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: ثني طَلْحَةُ بْنُ عَمْرٍو، أَنَّهُ سَمِعَ عَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ يَقُولُ، فَذَكَرَ مِثْلَهُ
٧ ‏/ ١٣١
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَثِيرٍ، أَنَّهُ سَمِعَ مُجَاهِدًا، يَقُولُ: الْفَتِيلُ: الَّذِي فِي شِقِّ النَّوَاةِ “
٧ ‏/ ١٣٢
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: الْفَتِيلُ: فِي النَّوَى “
٧ ‏/ ١٣٢
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا﴾ [النساء: ٤٩] قَالَ: «الْفَتِيلُ: الَّذِي فِي شِقِّ النَّوَاةِ»
٧ ‏/ ١٣٢
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: ثنا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ: الْفَتِيلُ: شِقُّ النَّوَاةِ “
٧ ‏/ ١٣٢
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: الْفَتِيلُ: الَّذِي فِي بَطْنِ النَّوَاةِ “
٧ ‏/ ١٣٢
حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا جُوَيْبِرٌ، عَنِ الضَّحَّاكِ، قَالَ: الْفَتِيلُ: الَّذِي يَكُونُ فِي شِقِّ النَّوَاةِ “
٧ ‏/ ١٣٢
حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا﴾ [النساء: ٤٩] فَتِيلُ النَّوَاةِ “
٧ ‏/ ١٣٢
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا أَبُو عَامِرٍ، قَالَ: ثنا قُرَّةُ، عَنْ عَطِيَّةَ، قَالَ: الْفَتِيلُ: الَّذِي فِي بَطْنِ النَّوَاةِ ” قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَصْلُ الْفَتِيلِ: الْمَفْتُولُ، صُرِفَ مِنْ مَفْعُولٍ إِلَى فَعِيلٍ، كَمَا قِيلَ: صَرِيعٌ وَدَهِينٌ مِنْ مَصْرُوعٍ وَمَدْهُونٍ. وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَكَانَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ إِنَّمَا قَصَدَ بِقَوْلِهِ: ﴿وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا﴾ [النساء: ٤٩] الْخَبَرَ عَنْ أَنَّهُ لَا يَظْلِمْ عِبَادَهُ أَقَلَّ الْأَشْيَاءِ الَّتِي لَا خَطَرَ لَهَا، فَكَيْفَ بِمَا لَهُ خَطَرٌ، وَكَانَ الْوَسَخُ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ أُصْبُعَيِ الرَّجُلِ أَوْ مِنْ بَيْنِ كَفَّيْهِ إِذَا فَتَلَ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى، كَالَّذِي هُوَ فِي شِقِّ النَّوَاةِ وَبَطْنِهَا، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْأَشْيَاءِ الَّتِي هِيَ مَفْتُولَةٌ، مِمَّا لَا خَطَرَ لَهُ وَلَا قِيمَةَ، فَوَاجِبٌ أَنْ يَكُونَ كُلُّ ذَلِكَ دَاخِلَا فِي مَعْنَى الْفَتِيلِ، إِلَّا أَنْ يُخْرِجَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ مَا يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهُ مِمَّا دَلَّ عَلَيْهِ ظَاهَرُ التَّنْزِيلِ
٧ ‏/ ١٣٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُبِينًا﴾ [النساء: ٥٠] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: انْظُرْ يَا مُحَمَّدُ كَيْفَ يَفْتَرِي هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ الْقَائِلُونَ: نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ، وَأَنَّهُ لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى، الزَّاعِمُونَ أَنَّهُ لَا ذُنُوبَ لَهُمُ الْكَذِبَ وَالزُّورَ مِنَ الْقَوْلِ، فَيَخْتَلِقُونَهُ عَلَى اللَّهِ. ﴿وَكَفَى بِهِ﴾ [النساء: ٥٠] يَقُولُ: «وَحَسْبُهُمْ بِقِيلِهِمْ ذَلِكَ الْكَذِبُ وَالزُّورُ عَلَى اللَّهِ ﴿إِثْمًا مُبِينًا﴾ [النساء: ٥٠]⦗١٣٤⦘ يَعْنِي:»أَنَّهُ يُبَيِّنُ كَذِبَهُمْ لِسَامِعِيهِ، وَيُوَضِّحُ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَفَكَةٌ فَجَرَةٌ. كَمَا:
٧ ‏/ ١٣٣
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ﴾ [النساء: ٤٩] قَالَ: «هُمُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى ﴿انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ﴾ [النساء: ٥٠]»
٧ ‏/ ١٣٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا﴾ [النساء: ٥١] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: أَلَمْ تَرَ بِقَلْبِكَ يَا مُحَمَّدُ إِلَى الَّذِينَ أُعْطُوا حَظًّا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَعَلِمُوهُ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ، يَعْنِي: يُصَدِّقُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَكْفُرُونَ بِاللَّهِ، وَهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّ الْإِيمَانَ بِهِمَا كُفْرٌ وَالتَّصْدِيقَ بِهِمَا شِرْكٌ. ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى الْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُمَا صَنَمَانِ كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَعْبُدُونَهُمَا مِنْ دُونِ اللَّهِ
٧ ‏/ ١٣٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَيُّوبُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، أَنَّهُ قَالَ: الْجِبْتُ وَالطَّاغُوتُ: صَنَمَانِ ” وَقَالَ آخَرُونَ: الْجِبْتُ: الْأَصْنَامُ، وَالطَّاغُوتُ: تَرَاجِمَةُ الْأَصْنَامِ
٧ ‏/ ١٣٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ﴾ [النساء: ٥١] الْجِبْتُ: الْأَصْنَامُ، وَالطَّاغُوتُ: الَّذِينَ يَكُونُونَ بَيْنَ أَيْدِي الْأَصْنَامِ يُعَبِّرُونَ عَنْهَا الْكَذِبَ لِيُضِلُّوا النَّاسَ «وَزَعَمَ رِجَالٌ أَنَّ الْجِبْتَ: الْكَاهِنُ. وَالطَّاغُوتَ: رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ يُدْعَى كَعْبَ بْنَ الْأَشْرَفِ، وَكَانَ سَيِّدَ الْيَهُودِ. وَقَالَ آخَرُونَ: الْجِبْتُ: السَّحَرُ، وَالطَّاغُوتُ: الشَّيْطَانُ»
٧ ‏/ ١٣٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ حَسَّانَ بْنِ فَائِدٍ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: الْجِبْتُ: السِّحْرُ، وَالطَّاغُوتُ: الشَّيْطَانُ ” حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ حَسَّانَ بْنِ فَائِدٍ الْعَنْسِيِّ، عَنْ عُمَرَ مِثْلَهُ
٧ ‏/ ١٣٥
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: الْجِبْتُ: السِّحْرُ، وَالطَّاغُوتُ: الشَّيْطَانُ “
٧ ‏/ ١٣٦
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا زَكَرِيَّا، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: الْجِبْتُ: السِّحْرُ، وَالطَّاغُوتُ: الشَّيْطَانُ “
٧ ‏/ ١٣٦
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ﴾ [النساء: ٥١] قَالَ: «الْجِبْتُ: السِّحْرُ، وَالطَّاغُوتُ: الشَّيْطَانُ فِي صُورَةِ إِنْسَانٍ يَتَحَاكَمُونَ إِلَيْهِ، وَهُوَ صَاحِبُ أَمْرِهِمْ»
٧ ‏/ ١٣٦
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: الْجِبْتُ: السِّحْرُ، وَالطَّاغُوتُ: الشَّيْطَانُ وَالْكَاهِنُ ” وَقَالَ آخَرُونَ: الْجِبْتُ: السَّاحِرُ، وَالطَّاغُوتُ: الشَّيْطَانُ
٧ ‏/ ١٣٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: كَانَ أَبِي يَقُولُ: الْجِبْتُ: السَّاحِرُ، وَالطَّاغُوتُ: الشَّيْطَانُ ” ⦗١٣٧⦘ وَقَالَ آخَرُونَ: الْجِبْتُ: السَّاحِرُ، وَالطَّاغُوتُ: الْكَاهِنُ
٧ ‏/ ١٣٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فِي هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿الْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ﴾ قَالَ: «الْجِبْتُ: السَّاحِرُ بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ، وَالطَّاغُوتُ: الْكَاهِنُ»
٧ ‏/ ١٣٧
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا دَاوُدُ، عَنْ رُفَيْعٍ، قَالَ: الْجِبْتُ: السَّاحِرُ، وَالطَّاغُوتُ: الْكَاهِنُ “
٧ ‏/ ١٣٧
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثني عَبْدُ الْأَعْلَى قَالَ: ثنا دَاوُدُ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، أَنَّهُ قَالَ: «الطَّاغُوتُ: السَّاحِرُ، وَالْجِبْتُ: الْكَاهِنُ»
٧ ‏/ ١٣٧
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ دَاوُدَ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ فِي قَوْلِهِ: ﴿الْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ﴾ قَالَ: «أَحَدُهُمَا السِّحْرُ، وَالْآخَرُ الشَّيْطَانُ» وَقَالَ آخَرُونَ: الْجِبْتُ: الشَّيْطَانُ، وَالطَّاغُوتُ: الْكَاهِنُ
٧ ‏/ ١٣٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: قَوْلَهُ: ﴿يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ﴾ [النساء: ٥١] كُنَّا نُحَدِّثُ أَنَّ الْجِبْتَ شَيْطَانٌ، وَالطَّاغُوتَ الْكَاهِنُ ” حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، مِثْلَهُ
٧ ‏/ ١٣٨
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطُ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: الْجِبْتُ: الشَّيْطَانُ، وَالطَّاغُوتُ: الْكَاهِنُ ” ⦗١٣٩⦘ وَقَالَ آخَرُونَ: الْجِبْتُ: الْكَاهِنُ، وَالطَّاغُوتُ: الشَّيْطَانُ
٧ ‏/ ١٣٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: الْجِبْتُ: الْكَاهِنُ: وَالطَّاغُوتُ: السَّاحِرُ “
٧ ‏/ ١٣٩
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا حَمَّادُ بْنُ مَسْعَدَةَ، قَالَ: ثنا عَوْفٌ، عَنْ مُحَمَّدٍ، قَالَ فِي الْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ قَالَ: «الْجِبْتُ: الْكَاهِنُ، وَالْآخَرُ: السَّاحِرُ» وَقَالَ آخَرُونَ: الْجِبْتُ: حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ، وَالطَّاغُوتُ: كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ
٧ ‏/ ١٣٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ﴾ [النساء: ٥١] الطَّاغُوتُ: كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ، ⦗١٤٠⦘ وَالْجِبْتُ: حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ “
٧ ‏/ ١٣٩
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا أَبُو زُهَيْرٍ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، قَالَ: الْجِبْتُ: حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ، وَالطَّاغُوتُ: كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ “
٧ ‏/ ١٤٠
حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا جُوَيْبِرٌ، عَنِ الضَّحَّاكِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿الْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ﴾ قَالَ: «الْجِبْتُ: حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ، وَالطَّاغُوتُ: كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ» وَقَالَ آخَرُونَ: الْجِبْتُ: كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ، وَالطَّاغُوتُ: الشَّيْطَانُ
٧ ‏/ ١٤٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: الْجِبْتُ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ، وَالطَّاغُوتُ: الشَّيْطَانُ كَانَ فِي صُورَةِ إِنْسَانٍ ” قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي تَأْوِيلِ: ﴿يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ﴾ [النساء: ٥١] أَنْ يُقَالَ: يُصَدِّقُونَ بِمَعْبُودَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ يَعْبُدُونَهُمَا مِنْ دُونِ اللَّهِ، وَيَتَّخِذُونَهُمَا إِلَهَيْنِ. وَذَلِكَ أَنَّ الْجِبْتَ وَالطَّاغُوتَ اسْمَانِ لِكُلِّ مُعَظَّمٍ بِعِبَادَةٍ مِنْ دُونِ اللَّهِ، أَوْ طَاعَةٍ أَوْ خُضُوعٍ لَهُ، كَائِنًا مَا كَانَ ذَلِكَ الْمُعَظَّمَ مِنْ حَجَرٍ أَوْ إِنْسَانٍ أَوْ شَيْطَانٍ. ⦗١٤١⦘ وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ وَكَانَتِ الْأَصْنَامُ الَّتِي كَانَتِ الْجَاهِلِيَّةُ تَعْبُدُهَا كَانَتْ مُعَظَّمَةً بِالْعِبَادَةِ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ كَانَتْ جُبُوتًا وَطَوَاغِيتَ، وَكَذَلِكَ الشَّيَاطِينُ الَّتِي كَانَتِ الْكُفَّارُ تُطِيعُهَا فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ، وَكَذَلِكَ السَّاحِرُ وَالْكَاهِنُ اللَّذَانِ كَانَ مَقْبُولًا مِنْهُمَا مَا قَالَا فِي أَهْلِ الشِّرْكِ بِاللَّهِ، وَكَذَلِكَ حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ، وَكَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ، لِأَنَّهُمَا كَانَا مُطَاعَيْنِ فِي أَهْلِ مِلَّتِهِمَا مِنَ الْيَهُودِ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَالْكُفْرِ بِهِ وَبِرَسُولِهِ، فَكَانَا جِبْتَيْنِ وَطَاغُوتَيْنِ. وَقَدْ بَيَّنْتُ الْأَصْلَ الَّذِي مِنْهُ قِيلَ لِلطَّاغُوتِ طَاغُوتٌ، بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ
٧ ‏/ ١٤٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا﴾ [النساء: ٥١] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ جَحَدُوا وَحْدَانِيَّةَ اللَّهِ وَرِسَالَةَ رَسُولِهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: ﴿هَؤُلَاءِ﴾ [البقرة: ٣١] يَعْنِي بِذَلِكَ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ وَصَفَهُمُ اللَّهُ بِالْكُفْرِ ﴿أَهْدَى﴾ [النساء: ٥١] يَعْنِي أَقُومَ وَأَعْدَلَ ﴿مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [البقرة: ٢١٢] يَعْنِي مِنَ الَّذِينَ صَدَقُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَأَقَرُّوا بِمَا جَاءَهُمْ بِهِ نَبِيُّهُمْ مُحَمَّدٌ ﷺ ﴿سَبِيلًا﴾ [آل عمران: ٩٧] يَعْنِي: “طَرِيقًا وَإِنَّمَا ذَلِكَ مَثَلٌ، وَمَعْنَى الْكَلَامِ: إِنَّ اللَّهَ وَصَفَ الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ
٧ ‏/ ١٤١
الْكِتَابِ مِنَ الْيَهُودِ بِتَعْظِيمِهِمْ غَيْرَ اللَّهِ بِالْعِبَادَةِ وَالْإِذْعَانِ لَهُ بِالطَّاعَةِ فِي الْكُفْرِ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَعْصِيَتِهِمَا، وَأَنَّهُمْ قَالُوا: إِنَّ أَهْلَ الْكُفْرِ بِاللَّهِ أَوْلَى بِالْحَقِّ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ بِهِ، وَإِنَّ دِينَ أَهْلِ التَّكْذِيبِ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ أَعْدَلُ وَأَصْوَبُ مِنْ دِينِ أَهْلِ التَّصْدِيقِ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ، وَذَكَرَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ صِفَةِ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ، وَأَنَّهُ قَائِلٌ ذَلِكَ
٧ ‏/ ١٤٢
ذِكْرُ الْآثَارِ الْوَارِدَةِ بِمَا قُلْنَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ دَاوُدَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ مَكَّةَ قَالَتْ لَهُ قُرَيْشٌ: أَنْتَ خَيْرُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَسَيِّدُهُمْ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالُوا: أَلَا تَرَى إِلَى هَذَا الصُّنْبُورِ الْمُنْبَتِرِ مِنْ قَوْمِهِ يَزْعُمُ أَنَّهُ خَيْرٌ مِنَّا، وَنَحْنُ أَهْلُ الْحَجِيجِ وَأَهْلُ السِّدَانَةِ وَأَهْلُ السِّقَايَةِ؟ قَالَ: أَنْتُمْ خَيْرٌ مِنْهُ. قَالَ: فَأُنْزِلَتْ: ﴿إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ﴾ [الكوثر: ٣] وَأُنْزِلَتْ: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ﴾ [النساء: ٥١] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا﴾ [النساء: ٥٢] ” ⦗١٤٣⦘ حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ، قَالَ: ثنا دَاوُدُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، فِي هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ﴾ [آل عمران: ٢٣] ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَهُ
٧ ‏/ ١٤٢
وَحَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ شَاهِينَ قَالَ: أَخْبَرَنَا خَالِدٌ الْوَاسِطِيُّ، عَنْ دَاوُدَ، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: قَدِمَ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ مَكَّةَ، فَقَالَ لَهُ الْمُشْرِكُونَ: احْكُمْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ هَذَا الصُّنْبُورِ الْأَبْتَرِ، فَأَنْتَ سَيِّدُنَا وَسَيِّدُ قَوْمِكَ. فَقَالَ كَعْبٌ: أَنْتُمْ وَاللَّهِ خَيْرٌ مِنْهُ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تبارك وتعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ﴾ [آل عمران: ٢٣] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ “
٧ ‏/ ١٤٣
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَيُّوبُ، عَنْ عِكْرِمَةَ: أَنَّ كَعْبَ بْنَ الْأَشْرَفِ انْطَلَقَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ مِنْ كُفَّارِ قُرَيْشٍ، فَاسْتَجَاشَهُمْ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَغْزُوهُ، وَقَالَ: إِنَّا مَعَكُمْ نُقَاتِلُهُ، فَقَالُوا: إِنَّكُمْ أَهْلُ كِتَابٍ، وَهُوَ صَاحِبُ كِتَابٍ، وَلَا نَأْمَنُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مَكْرًا مِنْكُمْ، فَإِنْ أَرَدْتَ أَنْ نَخْرُجَ مَعَكَ فَاسْجُدْ لِهَذَيْنِ الصَّنَمَيْنِ وَآمِنْ بِهِمَا. ففَعَلَ. ثُمَّ قَالُوا: نَحْنُ أَهْدَى أَمْ مُحَمَّدٌ؟ فَنَحْنُ نَنْحَرُ الْكَوْمَاءَ، وَنَسْقِي اللَّبَنَ عَلَى الْمَاءِ، وَنَصِلُ الرَّحِمَ، وَنُقْرِي الضَّيْفَ، وَنَطُوفُ بِهَذَا الْبَيْتِ، وَمُحَمَّدٌ قَطَعَ رَحِمَهُ، ⦗١٤٤⦘ وَخَرَجَ مِنْ بَلَدِهِ. قَالَ: بَلْ أَنْتُمْ خَيْرٌ وَأَهْدَى. فَنَزَلَتْ فِيهِ: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا﴾ [النساء: ٥١]
٧ ‏/ ١٤٣
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: لَمَّا كَانَ مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَيَهُودِ بَنِي النَّضِيرِ مَا كَانَ حِينَ أَتَاهُمْ يَسْتَعِينُهُمْ فِي دِيَةِ الْعَامِرِيَّيْنِ، فَهَمُّوا بِهِ وَبِأَصْحَابِهِ، فَأَطْلَعَ اللَّهُ رَسُولَهُ عَلَى مَا هَمُّوا بِهِ مِنْ ذَلِكَ، وَرَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَهَرَبَ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ حَتَّى أَتَى مَكَّةَ، فَعَاهَدَهُمْ عَلَى مُحَمَّدٍ، فَقَالَ لَهُ أَبُو سُفْيَانَ: يَا أَبَا سَعْدٍ، إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَقْرَءُونَ الْكِتَابَ وَتَعْلَمُونَ، وَنَحْنُ قَوْمٌ لَا نَعْلَمُ، فَأَخْبِرْنَا: دِينُنَا خَيْرٌ أَمْ دِينُ مُحَمَّدٍ؟ قَالَ كَعْبٌ: اعْرِضُوا عَلَيَّ دِينَكُمْ. فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: نَحْنُ قَوْمٌ نَنْحَرُ الْكَوْمَاءَ، وَنَسْقِي الْحَجِيجَ الْمَاءَ، وَنُقْرِي الضَّيْفَ، وَنَعْمُرُ بَيْتَ رَبِّنَا، وَنَعْبُدُ آلِهَتَنَا الَّتِي كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا، وَمُحَمَّدٌ يَأْمُرُنَا أَنْ نَتْرُكَ هَذَا وَنَتَّبِعَهُ. قَالَ: دِينُكُمْ خَيْرٌ مِنْ دِينِ مُحَمَّدٍ، فَاثْبُتُوا عَلَيْهِ. أَلَا تَرَوْنَ أَنَّ مُحَمَّدًا يَزْعُمُ أَنَّهُ بُعِثَ بِالتَّوَاضُعِ، وَهُوَ يَنْكِحُ مِنَ النِّسَاءِ مَا شَاءَ؟ وَمَا نَعْلَمُ مُلْكًا أَعْظَمَ مِنْ مُلْكِ النِّسَاءِ. فَذَلِكَ حِينَ يَقُولُ: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ
٧ ‏/ ١٤٤
أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا﴾ [النساء: ٥١]
٧ ‏/ ١٤٥
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: نَزَلَتْ فِي كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ وَكُفَّارِ قُرَيْشٍ قَالَ: كُفَّارُ قُرَيْشٍ أَهْدَى مِنْ مُحَمَّدٍ عليه الصلاة والسلام. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قَدِمَ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ، فَجَاءَتْهُ قُرَيْشٌ فَسَأَلَتْهُ عَنْ مُحَمَّدٍ فَصَغَّرَ أَمْرَهُ وَيَسَّرَهُ وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ ضَالٌّ. قَالَ: ثُمَّ قَالُوا لَهُ: نَنْشُدُكَ اللَّهَ نَحْنُ أَهْدَى أَمْ هُوَ؟ فَإِنَّكَ قَدْ عَلِمْتَ أَنَّا نَنْحَرُ الْكَوْمَ، وَنَسْقِي الْحَجِيجَ، وَنَعْمُرُ الْبَيْتَ، وَنُطْعِمُ مَا هَبَّتِ الرِّيحُ. قَالَ: أَنْتُمْ أَهْدَى ” وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ هَذِهِ الصِّفَةُ صِفَةُ جَمَاعَةٍ مِنَ الْيَهُودِ مِنْهُمْ حُيَيُّ بْنُ ⦗١٤٦⦘ أَخْطَبَ، وَهُمُ الَّذِينَ قَالُوا لِلْمُشْرِكِينَ مَا أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوهُ لَهُمْ
٧ ‏/ ١٤٥
ذِكْرُ الْأَخْبَارِ بِذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَمَّنْ قَالَهُ قَالَ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مُحَمَّدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ أَوْ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ الَّذِينَ حَزَّبُوا الْأَحْزَابَ مِنْ قُرَيْشٍ وَغَطَفَانَ وَبَنِي قُرَيْظَةَ حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ، وَسَلَّامُ بْنُ أَبِي الْحُقَيْقِ، وَأَبُو رَافِعٍ، وَالرَّبِيعُ بْنُ أَبِي الْحُقَيْقِ، وَأَبُو عَامِرٍ، وَوَحْوَحُ بْنُ عَامِرٍ، وَهَوْذَةُ بْنُ قَيْسٍ؛ فَأَمَّا وَحْوَحُ، وَأَبُو عَامِرٍ، وَهَوْذَةُ فَمِنْ بَنِي وَائِلٍ، وَكَانَ سَائِرُهُمْ مِنْ بَنِي النَّضِيرِ. فَلَمَّا قَدِمُوا عَلَى قُرَيْشٍ، قَالُوا: هَؤُلَاءِ أَحْبَارُ يَهُودَ وَأَهْلُ الْعِلْمِ بِالْكُتُبِ الْأُوَلِ، فَاسْأَلُوهُمْ أَدِينُكُمْ خَيْرٌ، أَمْ دِينُ مُحَمَّدٍ؟ فَسَأَلُوهُمْ، فَقَالُوا: بَلْ دِينُكُمْ خَيْرٌ مِنْ دِينِهِ، وَأَنْتُمْ أَهْدَى مِنْهُ وَمِمَّنِ اتَّبَعَهُ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمْ: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ﴾ [النساء: ٥١] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا﴾ [النساء: ٥٤]
٧ ‏/ ١٤٦
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ﴾ [النساء: ٥١] الْآيَةُ قَالَ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ أُنْزِلَتْ فِي كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ وَحُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ وَرَجُلَيْنِ مِنَ ⦗١٤٧⦘ الْيَهُودِ مِنْ بَنِي النَّضِيرِ لَقِيَا قُرَيْشًا بَمَوْسِمٍ، فَقَالَ لَهُمُ الْمُشْرِكُونَ: أَنَحْنُ أَهْدَى أَمْ مُحَمَّدٌ وَأَصْحَابُهُ؟ فَإِنَّا أَهْلُ السِّدَانَةِ وَالسِّقَايَةِ وَأَهْلُ الْحَرَمِ. فَقَالَا: لَا، بَلْ أَهْدَى مِنْ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ. وَهُمَا يَعْلَمَانِ أَنَّهُمَا كَاذِبَانِ، إِنَّمَا حَمَلَهُمَا عَلَى ذَلِكَ حَسَدُ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ ” وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ هَذِهِ صِفَةُ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ وَحْدَهُ، وَإِيَّاهُ عَنَى بِقَوْلِهِ: ﴿وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا﴾ [النساء: ٥١]
٧ ‏/ ١٤٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ﴾ [آل عمران: ٢٣] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ قَالَ: جَاءَ حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ، فَقَالُوا: يَا حُيَيُّ إِنَّكُمْ أَصْحَابُ كُتُبٍ، فَنَحْنُ خَيْرٌ أَمْ مُحَمَّدٌ وَأَصْحَابُهُ؟ فَقَالَ: نَحْنُ وَأَنْتُمْ خَيْرٌ مِنْهُمْ. فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ﴾ [آل عمران: ٢٣] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا﴾ [النساء: ٥٢] وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ بِالصِّحَّةِ فِي ذَلِكَ قَوْلُ مَنْ قَالَ: إِنَّ ذَلِكَ خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنَ الْيَهُودِ، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ كَانَتِ الْجَمَاعَةُ الَّذِينَ سَمَّاهُمُ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي الْخَبَرِ الَّذِي رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مُحَمَّدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ أَوْ سَعْدٍ أَوْ يَكُونَ حُيَيًّا وَآخَرَ مَعَهُ، إِمَّا كَعْبًا وَإِمَّا غَيْرَهُ
٧ ‏/ ١٤٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا﴾ [النساء: ٥٢] يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ ﴿أُولَئِكَ﴾ [البقرة: ٥] هَؤُلَاءِ الَّذِينَ وَصَفَ صِفَتَهُمْ أَنَّهُمْ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ وَهُمْ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ، هُمُ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ، يَقُولُ: أَخْزَاهُمُ اللَّهُ فَأَبْعَدَهُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ بِإِيمَانِهِمْ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَكُفْرِهِمْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، عِنَادًا مِنْهُمْ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ، وَبِقَوْلِهِمْ: ﴿لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا﴾ [النساء: ٥١] ﴿وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ﴾ [النساء: ٥٢] يَقُولُ: «وَمَنْ يُخْزِهِ اللَّهُ فَيُبْعِدَهُ مِنْ رَحْمَتِهِ ﴿فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا﴾ [النساء: ٥٢] يَقُولُ:»فَلَنْ تَجِدَ لَهُ يَا مُحَمَّدُ نَاصِرًا يَنْصُرُهُ مِنْ عُقُوبَةِ اللَّهِ وَلَعْنَتِهِ الَّتِي تَحِلُّ بِهِ فَيَدْفَعُ ذَلِكَ عَنْهُ؛ كَمَا:
٧ ‏/ ١٤٨
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: قَالَ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ وَحُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ مَا قَالَا، يَعْنِي مِنْ قَوْلِهِمَا: هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا، وَهُمَا يَعْلَمَانِ أَنَّهُمَا كَاذِبَانِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا﴾ [النساء: ٥٢]
٧ ‏/ ١٤٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لَّا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا﴾ [النساء: ٥٣] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ﴾ [النساء: ٥٣] أَمْ لَهُمْ حَظٌّ مِنَ الْمُلْكِ، يَقُولُ: لَيْسَ لَهُمْ حَظٌّ مِنَ الْمُلْكِ. كَمَا:
٧ ‏/ ١٤٨
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ﴾ [النساء: ٥٣] يَقُولُ: «لَوْ كَانَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ ⦗١٤٩⦘ الْمُلْكِ إِذًا لَمْ يُؤْتُوا مُحَمَّدًا نَقِيرًا»
٧ ‏/ ١٤٨
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا حَجَّاجٌ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قَالَ اللَّهُ: ﴿أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ﴾ [النساء: ٥٣] قَالَ: «فَلَيْسَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ ﴿فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا﴾ [النساء: ٥٣] وَلَوْ كَانَ لَهُمْ نَصِيبٌ وَحَظُّ مِنَ الْمُلْكِ، لَمْ يَكُونُوا إِذًا يُعْطُونَ النَّاسَ نَقِيرًا مِنْ بُخْلِهِمْ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى النَّقِيرِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ النُّقْطَةُ الَّتِي فِي ظَهْرِ النَّوَاةِ»
٧ ‏/ ١٤٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثني عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: ﴿نَقِيرًا﴾ [النساء: ٥٣] يَقُولُ: «النُّقْطَةُ الَّتِي فِي ظَهْرِ النَّوَاةِ»
٧ ‏/ ١٤٩
حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّلْتِ قَالَ: ثنا أَبُو كُدَيْنَةَ، عَنْ قَابُوسَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «النَّقِيرُ الَّذِي فِي ظَهْرِ النَّوَاةِ»
٧ ‏/ ١٤٩
حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكُوفِيُّ الْمَرْوَزِيُّ قَالَ: ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، ⦗١٥٠⦘ عَنْ خُصَيْفٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «النَّقِيرُ: وَسَطُ النَّوَاةِ»
٧ ‏/ ١٤٩
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا﴾ [النساء: ٥٣] «النَّقِيرُ: نَقِيرُ النَّوَاةِ: وَسَطُهَا»
٧ ‏/ ١٥٠
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَوْلُهُ: ﴿أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا﴾ [النساء: ٥٣] يَقُولُ: «لَوْ كَانَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ إِذًا لَمْ يُؤْتُوا مُحَمَّدًا نَقِيرًا، وَالنَّقِيرُ: النُّكْتَةُ الَّتِي فِي وَسَطِ النَّوَاةِ»
٧ ‏/ ١٥٠
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: ثني طَلْحَةُ بْنُ عَمْرٍو أَنَّهُ سَمِعَ عَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ، يَقُولُ: «النَّقِيرُ: الَّذِي فِي ظَهْرِ النَّوَاةِ»
٧ ‏/ ١٥٠
حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا جُوَيْبِرٌ، عَنِ ⦗١٥١⦘ الضَّحَّاكِ، قَالَ: «النَّقِيرُ: النُّقْرَةُ الَّتِي تَكُونُ فِي ظَهْرِ النَّوَاةِ»
٧ ‏/ ١٥٠
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حُصَيْنٌ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ، قَالَ: «النَّقِيرُ: الَّذِي فِي ظَهْرِ النَّوَاةِ» وَقَالَ آخَرُونَ: النَّقِيرُ: الْحَبَّةُ الَّتِي تَكُونُ فِي وَسَطِ النَّوَاةِ
٧ ‏/ ١٥١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿نَقِيرًا﴾ [النساء: ٥٣] قَالَ: «النَّقِيرُ: حَبَّةُ النَّوَاةِ الَّتِي فِي وَسَطِهَا»
٧ ‏/ ١٥١
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا﴾ [النساء: ٥٣] قَالَ: «النَّقِيرُ: حَبَّةُ النَّوَاةِ الَّتِي فِي وَسَطِهَا»
٧ ‏/ ١٥١
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: ثنا سُفْيَانُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: «النَّقِيرُ فِي النَّوَى»
٧ ‏/ ١٥١
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجُ قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَثِيرِ أَنَّهُ سَمِعَ مُجَاهِدًا يَقُولُ: «النَّقِيرُ: نَقِيرُ النَّوَاةِ الَّذِي فِي وَسَطِهَا»
٧ ‏/ ١٥١
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ بْنَ مُزَاحِمٍ، يَقُولُ: «النَّقِيرُ: نَقِيرُ النَّوَاةِ الَّذِي يَكُونُ فِي وَسَطِ النَّوَاةِ» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: نَقْرُ الرَّجُلِ الشَّيْءَ بِطَرَفِ أَصَابِعِهِ
٧ ‏/ ١٥٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ يَزِيدَ بْنِ دِرْهَمٍ أَبِي الْعَلَاءِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْعَالِيَةَ، وَوَضَعَ ابْنُ عَبَّاسٍ، طَرَفَ الْإِبْهَامِ عَلَى ظَهْرِ السَّبَّابَةِ ثُمَّ رَفَعَهُمَا وَقَالَ: «هَذَا النَّقِيرُ» وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ وَصَفَ هَؤُلَاءِ الْفِرْقَةَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ بِالْبُخْلِ بِالْيَسِيرِ مِنَ الشَّيْءِ الَّذِي لَا خَطَرَ لَهُ، وَلَوْ كَانُوا مُلُوكًا وَأَهْلَ قُدْرَةٍ عَلَى الْأَشْيَاءِ الْجَلِيلَةِ الْأَقْدَارِ. فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَالَّذِي هُوَ أَوْلَى بِمَعْنَى النَّقِيرِ أَنْ يَكُونَ أَصْغَرَ مَا يَكُونُ مِنَ النَّقْرِ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ أَوْلَى بِهِ، فَالنُّقْرَةُ الَّتِي فِي ظَهْرِ النَّوَاةِ مِنْ صِغَارِ النُّقَرِ، وَقَدْ يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ كُلُّ مَا شَاكَلَهَا مِنَ النُّقَرِ.
٧ ‏/ ١٥٢
وَرُفِعَ قَوْلُهُ: ﴿لَا يُؤْتَوْنَ النَّاسَ﴾ [النساء: ٥٣] وَلَمْ يُنْصَبْ بِإِذًا، وَمِنْ حُكْمِهَا أَنْ تَنْصُبَ الْأَفْعَالَ الْمُسْتَقْبَلَةَ إِذَا ابْتُدِئَ الْكَلَامُ بِهَا؛ لِأَنَّ مَعَهَا فَاءٌ، وَمِنْ حُكْمِهَا إِذَا دَخَلَ فِيهَا بَعْضُ حُرُوفِ الْعَطْفِ أَنْ تُوَجَّهَ إِلَى الِابْتِدَاءِ بِهَا مَرَّةً وَإِلَى النَّقْلِ عَنْهَا إِلَى غَيْرَهَا أُخْرَى، وَهَذَا الْمَوْضِعُ مِمَّا أُرِيدَ بِالْفَاءِ فِيهِ النَّقْلُ عَنْ إِذًا إِلَى مَا بَعْدَهَا، وَأَنْ يَكُونَ مَعْنَى الْكَلَامِ: أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ فَلَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا إِذًا
٧ ‏/ ١٥٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا﴾ [النساء: ٥٤] يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ﴾ [النساء: ٥٤] أَمْ يَحْسُدُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ مِنَ الْيَهُودِ كَمَا:
٧ ‏/ ١٥٣
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ﴾ [النساء: ٥٤] قَالَ: «الْيَهُودُ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، مِثْلَهُ وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿النَّاسَ﴾ [النساء: ٥٤] فَإِنَّ أَهْلَ التَّأْوِيلِ اخْتَلَفُوا فِيمَنْ عَنَى اللَّهُ ⦗١٥٤⦘ بِهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَنَى اللَّهُ بِذَلِكَ مُحَمَّدًا ﷺ خَاصَّةً
٧ ‏/ ١٥٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾ [النساء: ٥٤] قَالَ: «النَّاسُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: النَّبِيُّ ﷺ خَاصَّةً»
٧ ‏/ ١٥٤
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثني أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾ [النساء: ٥٤] يَعْنِي: «مُحَمَّدًا ﷺ» حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، مِثْلَهُ
٧ ‏/ ١٥٤
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾ [النساء: ٥٤] قَالَ: «النَّاسُ: مُحَمَّدٌ ﷺ» حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ: فَذَكَرَ نَحْوَهُ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عَنَى اللَّهُ بِهِ الْعَرَبَ
٧ ‏/ ١٥٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾ [النساء: ٥٤] أُولَئِكَ الْيَهُودُ حَسَدُوا هَذَا الْحَيَّ مِنَ الْعَرَبِ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ” وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَاتَبَ الْيَهُودَ الَّذِينَ وَصَفَ صِفَتَهُمْ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ، فَقَالَ لَهُمْ فِي قِيلِهِمْ لِلْمُشْرِكِينَ مِنْ عَبْدَةِ الْأَوْثَانِ إِنَّهُمْ أَهْدَى مِنْ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ سَبِيلًا عَلَى عِلْمٍ مِنْهُمْ بِأَنَّهُمْ فِي قِيلِهِمْ مَا قَالُوا مِنْ ذَلِكَ كَذْبَةً: أَمْ يَحْسُدُونَ مُحَمَّدًا عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ. وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ، لِأَنَّ مَا قَبْلَ قَوْلِهِ: ﴿أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾ [النساء: ٥٤] مَضَى بِذَمِّ الْقَائِلِينَ مِنَ الْيَهُودِ لِلَّذِينَ كَفَرُوا: ﴿هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا﴾ [النساء: ٥١] فَإِلْحَاقُ قَوْلِهِ: ﴿أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾ [النساء: ٥٤] بِذَمِّهِمْ عَلَى ذَلِكَ، وَتَقْرِيظِ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قِيلَ فِيهِمْ مَا قِيلَ أَشْبَهُ وَأَوْلَى، مَا لَمْ يَأْتِ دَلَالَةٌ عَلَى انْصِرَافِ مَعْنَاهُ عَنْ مَعْنَى ذَلِكَ. ⦗١٥٦⦘ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ الْفَضْلِ الَّذِي أَخْبَرَ اللَّهُ أَنَّهُ آتَى الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ فِي قَوْلِهِ: ﴿أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾ [النساء: ٥٤] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: ذَلِكَ الْفَضْلُ هُوَ النُّبُوَّةُ
٧ ‏/ ١٥٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾ [النساء: ٥٤] حَسَدُوا هَذَا الْحَيَّ مِنَ الْعَرَبِ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ، بَعَثَ اللَّهُ مِنْهُمْ نَبِيًّا فَحَسَدُوهُمْ عَلَى ذَلِكَ “
٧ ‏/ ١٥٦
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: ﴿عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾ [النساء: ٥٤] قَالَ: «النُّبُوَّةُ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ ذَلِكَ الْفَضْلُ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ أَنَّهُ آتَاهُمُوهُ: هُوَ إِبَاحَتُهُ مَا أَبَاحَ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ مِنَ النِّسَاءِ، يَنْكِحُ مِنْهُنَّ مَا شَاءَ بِغَيْرِ عَدَدٍ. قَالُوا: وَإِنَّمَا يَعْنِي بِالنَّاسِ: مُحَمَّدًا ﷺ عَلَى مَا ذَكَرْتُ قَبْلُ
٧ ‏/ ١٥٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾ [النساء: ٥٤] الْآيَةُ، وَذَلِكَ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ قَالُوا: زَعَمَ مُحَمَّدٌ أَنَّهُ أُوتِيَ مَا أُوتِيَ فِي تَوَاضُعٍ ⦗١٥٧⦘ وَلَهُ تِسْعُ نِسْوَةٍ، لَيْسَ هَمُّهُ إِلَّا النِّكَاحَ، فَأَيُّ مَلِكٍ أَفْضَلُ مِنْ هَذَا؟ فَقَالَ اللَّهُ: ﴿أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾ [النساء: ٥٤]
٧ ‏/ ١٥٦
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾ [النساء: ٥٤] يَعْنِي مُحَمَّدًا أَنْ يَنْكِحَ مَا شَاءَ مِنَ النِّسَاءِ “
٧ ‏/ ١٥٧
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾ [النساء: ٥٤] وَذَلِكَ أَنَّ الْيَهُودَ قَالُوا: مَا شَأْنُ مُحَمَّدٍ أُعْطِيَ النُّبُوَّةَ كَمَا يَزْعُمُ وَهُوَ جَائِعٌ عَارٍ، وَلَيْسَ لَهُ هَمٌّ إِلَّا نِكَاحَ النِّسَاءِ؟ فَحَسَدُوهُ عَلَى تَزْوِيجِ الْأَزْوَاجِ، وَأَحَلَّ اللَّهُ لِمُحَمَّدٍ أَنْ يَنْكِحَ مِنْهُنَّ مَا شَاءَ أَنْ يَنْكِحَ ” وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْلُ قَتَادَةَ وَابْنِ جُرَيْجٍ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ أَنَّ مَعْنَى الْفَضْلِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ النُّبُوَّةُ الَّتِي فَضَّلَ اللَّهُ بِهَا مُحَمَّدًا، وَشَرَّفَ بِهَا الْعَرَبَ إِذْ آتَاهَا رَجُلًا مِنْهُمْ دُونَ غَيْرِهِمْ، لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ دَلَالَةَ ظَاهِرِ هَذِهِ الْآيَةِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا تَقْرِيظٌ لِلنَّبِيِّ ﷺ وَأَصْحَابِهِ رضي الله عنهم، عَلَى مَا قَدْ بَيَّنَّا قَبْلُ، وَلَيْسَ النِّكَاحُ وَتَزْوِيجُ النِّسَاءِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ الَّذِي أَتَاهُ عِبَادَهُ
٧ ‏/ ١٥٧
بِتَقْرِيظٍ لَهُمْ وَمَدْحٍ
٧ ‏/ ١٥٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا﴾ [النساء: ٥٤] يَعْنِي: بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: أَمْ يَحْسُدُ هَؤُلَاءِ الْيَهُودُ الَّذِينَ وَصَفَ صِفَتَهُمْ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ، النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ، مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْهُمْ، فَكَيْفَ لَا يَحْسُدُونَ آلَ إِبْرَاهِيمَ، فَقَدْ آتَيْنَاهُمْ بِالْكِتَابِ؟ وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ: ﴿فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ﴾ [النساء: ٥٤] فَقَدْ أَعْطَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ، يَعْنِي: أَهْلَهُ وَأَتْبَاعَهُ عَلَى دِينِهِ ﴿الْكِتَابَ﴾ [البقرة: ٢] يَعْنِي: “كِتَابَ اللَّهِ الَّذِي أَوْحَاهُ إِلَيْهِمْ، وَذَلِكَ كَصُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَالزَّبُورِ، وَسَائِرِ مَا آتَاهُمْ مِنَ الْكُتُبِ. وَأَمَّا الْحِكْمَةُ، فَمَا أَوْحَى إِلَيْهِمْ مِمَّا لَمْ يَكُنْ كِتَابًا مَقْرُوءًا. ﴿وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا﴾ [النساء: ٥٤] وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى الْمُلْكِ الْعَظِيمِ الَّذِي عَنَاهُ اللَّهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ النُّبُوَّةُ
٧ ‏/ ١٥٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ﴾ [النساء: ٥٤] قَالَ: “⦗١٥٩⦘ يَهُودُ ﴿عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾ [النساء: ٥٤] فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَلَيْسُوا مِنْهُمْ وَالْحِكْمَةَ ﴿وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا﴾ [النساء: ٥٤] قَالَ: «النُّبُوَّةُ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: ﴿مُلْكًا﴾ [البقرة: ٢٤٦]: النُّبُوَّةُ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ ذَلِكَ تَحْلِيلُ النِّسَاءِ؛ قَالُوا: وَإِنَّمَا عَنَى اللَّهُ بِذَلِكَ: أَمْ يَحْسُدُونَ مُحَمَّدًا عَلَى مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَهُ مِنَ النِّسَاءِ، فَقَدْ أَحَلَّ اللَّهُ مِثْلَ الَّذِي أَحَلَّهُ لَهُ مِنْهُنَّ لِدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، فَكَيْفَ لَمْ يَحْسُدُوهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَحَسَدُوا مُحَمَّدًا عليه الصلاة والسلام؟
٧ ‏/ ١٥٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ﴾ [النساء: ٥٤] سُلَيْمَانَ وَدَاوُدَ ﴿الْحِكْمَةَ﴾ [النساء: ٥٤] يَعْنِي: «النُّبُوَّةَ. ﴿وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا﴾ [النساء: ٥٤] فِي النِّسَاءِ، فَمَا بَالُهُ حَلَّ لِأُولَئِكَ وَهُمْ أَنْبِيَاءُ أَنْ يَنْكِحَ دَاوُدُ تِسْعًا وَتِسْعِينَ امْرَأَةً، وَيَنْكِحَ سُلَيْمَانُ مِائَةً، وَلَا يَحِلُّ لِمُحَمَّدٍ أَنْ يَنْكِحَ كَمَا نَكَحُوا وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا﴾ [النساء: ٥٤] الَّذِي آتَى سُلَيْمَانَ بْنَ دَاوُدَ»
٧ ‏/ ١٥٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا﴾ [النساء: ٥٤] يَعْنِي: «مُلْكَ سُلَيْمَانَ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ كَانُوا أُيِّدُوا بِالْمَلَائِكَةِ
٧ ‏/ ١٦٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمٍ الْغِفَارِيُّ، قَالَ: ثنا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: ثنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ الْحَارِثِ: ﴿وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا﴾ [النساء: ٥٤] قَالَ: «أُيِّدُوا بِالْمَلَائِكَةِ وَالْجُنُودِ» وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ بِتَأْوِيلِ الْآيِ، وَهِيَ قَوْلُهُ: ﴿وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا﴾ [النساء: ٥٤] الْقَوْلُ الَّذِي ⦗١٦١⦘ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: يَعْنِي: مُلْكَ سُلَيْمَانَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، دُونَ الَّذِي قَالَ: إِنَّهُ مُلْكُ النُّبُوَّةِ، وَدُونَ قَوْلِ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ تَحْلِيلُ النِّسَاءِ وَالْمُلْكِ عَلَيْهِنَّ. لِأَنَّ كَلَامَ اللَّهِ الَّذِي خُوطِبَ بِهِ الْعَرَبُ غَيْرُ جَائِزٍ تَوْجِيهُهُ إِلَّا إِلَى الْمَعْرُوفِ الْمُسْتَعْمَلِ فِيهِمْ مِنْ مَعَانِيهِ، إِلَّا أَنْ تَأْتِيَ دَلَالَةٌ أَوْ تَقُومَ حُجَّةٌ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ بِخِلَافِ ذَلِكَ يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهَا
٧ ‏/ ١٦٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا﴾ [النساء: ٥٥] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: فَمِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ يَهُودِ بَنِي إِسْرَائِيلِ الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا﴾ [النساء: ٤٧]، ﴿مَنْ آمَنَ بِهِ﴾ [النساء: ٥٥] يَقُولُ: “مَنْ صَدَّقَ بِمَا أَنْزَلْنَا عَلَى مُحَمَّدٍ ﷺ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ﴾ [النساء: ٥٥] وَمِنْهُمْ مَنْ أَعْرَضَ عَنِ التَّصْدِيقِ بِهِ، كَمَا:
٧ ‏/ ١٦١
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ﴾ [النساء: ٥٥] قَالَ: «بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ مِنْ يَهُودَ ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ﴾ [النساء: ٥٥]»

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ

⦗١٦٢⦘ وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الَّذِينَ صَدُّوا عَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ ﷺ مِنْ يَهُودِ بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ كَانُوا حَوَالَيْ مُهَاجَرِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إِنَّمَا رُفِعَ عَنْهُمْ وَعِيدُ اللَّهِ الَّذِي تَوَعَّدَهُمْ بِهِ فِي قَوْلِهِ: ﴿آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا﴾ [النساء: ٤٧]: فِي الدُّنْيَا، وَأُخِّرَتْ عُقُوبَتُهُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، لِإِيمَانِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ. وَإِنَّ الْوَعِيدَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ بِتَعْجِيلِ الْعُقُوبَةِ فِي الدُّنْيَا إِنَّمَا كَانَ عَلَى مَقَامِ جَمِيعِهِمْ عَلَى الْكُفْرِ بِمَا أَنْزَلَ عَلَى نَبِيِّهِ ﷺ، فَلَمَّا آمَنَ بَعْضُهُمْ خَرَجُوا مِنَ الْوَعِيدِ الَّذِي تَوَعَّدَهُ فِي عَاجِلِ الدُّنْيَا، وَأُخِّرَتْ عُقُوبَةُ الْمُقِيمِينَ عَلَى التَّكْذِيبِ إِلَى الْآخِرَةِ، فَقَالَ لَهُمْ: كَفَاكُمْ بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا. وَيَعْنِي قَوْلُهُ: ﴿وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا﴾ [النساء: ٥٥] وَحَسْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُكَذِّبُونَ بِمَا أَنْزَلْتُ عَلَى مُحَمَّدٍ نَبِيِّي وَرَسُولِي بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا، يَعْنِي: بِنَارِ جَهَنَّمَ تُسَعَّرُ عَلَيْكُمْ: أَيْ تُوقَدُ عَلَيْكُمْ. وَقِيلَ: ﴿سَعِيرًا﴾ [النساء: ١٠] أَصْلُهُ مَسْعُورًا، مِنْ سُعِّرَتْ تُسَعَّرُ فَهِيَ مَسْعُورَةٌ، كَمَا قَالَ اللَّهُ: ﴿وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ﴾ [التكوير: ١٢] وَلَكِنَّهَا صُرِفَتْ إِلَى فَعِيلٍ، كَمَا قِيلَ: كَفٌّ خَضِيبٌ وَلِحْيَةٌ دَهِينٌ، بِمَعْنَى مَخْضُوبَةٌ وَمَدْهُونَةٌ، وَالسَّعِيرُ: الْوَقُودُ

٧ ‏/ ١٦١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا﴾ [النساء: ٥٦]
٧ ‏/ ١٦٢
هَذَا وَعِيدٌ مِنَ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِلَّذِينَ أَقَامُوا عَلَى تَكْذِيبِهِمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ مِنْ يَهُودِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ سَائِرِ الْكُفَّارِ بِرَسُولِهِ. يَقُولُ اللَّهُ لَهُمْ: إِنَّ الَّذِينَ جَحَدُوا مَا أَنْزَلْتُ عَلَى رَسُولِي مُحَمَّدٍ ﷺ مِنْ آيَاتِي، يَعْنِي مِنْ آيَاتِ تَنْزِيلِهِ وَوَحْيِ كِتَابِهِ، وَهِيَ دَلَالَاتُهُ وَحُجَجُهُ عَلَى صِدْقِ مُحَمَّدٍ ﷺ، فَلَمْ يُصَدِّقُوا بِهِ مِنْ يَهُودِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ سَائِرِ أَهْلِ الْكُفْرِ بِهِ ﴿سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا﴾ [النساء: ٥٦] يَقُولُ: “سَوْفَ نُنْضِجُهُمْ فِي نَارٍ يُصْلَوْنَ فِيهَا: أَيْ يُشْوَوْنَ فِيهَا ﴿كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ﴾ [النساء: ٥٦] يَقُولُ: كُلَّمَا انْشَوَتْ بِهَا جُلُودُهُمْ فَاحْتَرَقَتْ ﴿بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا﴾ [النساء: ٥٦] يَعْنِي: غَيْرَ الْجُلُودِ الَّتِي قَدْ نَضِجَتْ فَانْشَوَتْ. كَمَا:
٧ ‏/ ١٦٣
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ ثُوَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: ﴿كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا﴾ [النساء: ٥٦] قَالَ: «إِذَا احْتَرَقَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا بِيضًا أَمْثَالَ الْقَرَاطِيسِ»
٧ ‏/ ١٦٣
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا﴾ [النساء: ٥٦] يَقُولُ: «كُلَّمَا احْتَرَقِتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا»
٧ ‏/ ١٦٣
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ﴾ [النساء: ٥٦] قَالَ: «سَمِعْنَا أَنَّهُ مَكْتُوبٌ فِي الْكِتَابِ الْأَوَّلِ أَنَّ جِلْدَ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا، وَسِنُّهُ سَبْعُونَ ذِرَاعًا، وَبَطْنُهُ لَوْ وُضِعَ فِيهِ جَبَلٌ لَوَسِعَهُ، فَإِذَا أَكَلَتِ النَّارُ جُلُودَهُمْ بُدِّلُوا جُلُودًا غَيْرَهَا»
٧ ‏/ ١٦٤
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ: بَلَغَنِي عَنِ الْحَسَنِ: ﴿كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا﴾ [النساء: ٥٦] قَالَ: «نُنْضِجُهُمْ فِي الْيَوْمِ سَبْعِينَ أَلْفَ مَرَّةِ»
٧ ‏/ ١٦٤
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثنا أَبُو عُبَيْدَةَ الْحَدَّادُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، عَنِ الْحَسَنِ قَوْلُهُ: ﴿كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا﴾ [النساء: ٥٦] قَالَ: «تُنْضِجُ النَّارُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعِينَ أَلْفَ جِلْدٍ، وَغِلَظُ جِلْدِ الْكَافِرِ أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَيِّ ذِرَاعٍ» فَإِنْ سَأَلَ سَائِلٌ، فَقَالَ: وَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ ⦗١٦٥⦘ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا﴾ [النساء: ٥٦] وَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يُبَدَّلُوا جُلُودًا غَيْرَ جُلُودِهِمُ الَّتِي كَانَتْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا، فَيُعَذَّبُوا فِيهَا؟ فَإِنْ جَازَ ذَلِكَ عِنْدَكَ، فَأَجِزْ أَنْ يُبَدَّلُوا أَجْسَامًا وَأَرْوَاحًا غَيْرَ أَجْسَامِهِمْ وَأَرْوَاحِهِمُ الَّتِي كَانَتْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا فَتُعَذَّبَ. وَإِنْ أَجَزْتَ ذَلِكَ لَزِمَكَ أَنْ يَكُونَ الْمُعَذَّبُونَ فِي الْآخِرَةِ بِالنَّارِ غَيْرَ الَّذِينَ أَوْعَدَهُمُ اللَّهُ الْعِقَابَ عَلَى كُفْرِهِمْ بِهِ وَمَعْصِيَتِهِمْ إِيَّاهُ، وَأَنْ يَكُونَ الْكُفَّارُ قَدِ ارْتَفَعَ عَنْهُمُ الْعَذَابُ. قِيلَ: إِنَّ النَّاسَ اخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمُ: الْعَذَابُ إِنَّمَا يَصِلُ إِلَى الْأَنْسَانِ الَّذِي هُوَ غَيْرُ الْجِلْدِ وَاللَّحْمِ، وَإِنَّمَا يُحْرَقُ الْجِلْدُ لِيَصِلَ إِلَى الْإِنْسَانِ أَلَمُ الْعَذَابِ، وَأَمَّا الْجِلْدُ وَاللَّحْمُ فَلَا يَأْلَمَانِ. قَالُوا: فَسَوَاءٌ أُعِيدَ عَلَى الْكَافِرِ جِلْدُهُ الَّذِي كَانَ لَهُ فِي الدُّنْيَا، أَوْ جِلْدُ غَيْرِهِ، إِذْ كَانَتِ الْجُلُودُ غَيْرَ آلِمَةٍ وَلَا مُعَذَّبَةٍ، وَإِنَّمَا الْأَلِمَةُ الْمُعَذَّبَةُ النَّفْسُ الَّتِي تُحِسُّ الْآلَمَ، وَيَصِلُ إِلَيْهَا الْوَجَعُ. قَالُوا: وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَغَيْرُ مُسْتَحِيلٍ أَنْ يَخْلُقَ لِكُلٍّ كَافِرٍ فِي النَّارِ فِي كُلِّ لَحْظَةٍ وَسَاعَةٍ مِنَ الْجُلُودِ مَا لَا يُحْصَى عَدَدُهُ، وَيُحْرِقَ ذَلِكَ عَلَيْهِ، لِيَصِلَ إِلَى نَفْسِهِ أَلَمُ الْعَذَابِ، إِذْ كَانَتِ الْجُلُودُ لَا تَأْلَمُ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلِ الْجُلُودُ تَأْلَمُ، وَاللَّحْمُ وَسَائِرُ أَجْزَاءِ جِسْمِ بَنِي آدَمَ، وَإِذَا أُحْرِقَ جِلْدُهُ أَوْ غَيْرُهُ مِنْ أَجْزَاءِ جَسَدِهِ، وَصَلَ أَلَمُ ذَلِكَ إِلَى جَمِيعِهِ. قَالُوا: وَمَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا﴾ [النساء: ٥٦] بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَ مُحْتَرِقَةٍ، وَذَلِكَ أَنَّهَا تُعَادُ جَدِيدَةً، وَالْأُولَى كَانَتْ قَدِ احْتَرَقِتْ فَأُعِيدَتْ غَيْرَ مُحْتَرِقَةٍ، فَلِذَلِكَ قِيلَ غَيْرُهَا، لِأَنَّهَا غَيْرُ الْجُلُودِ الَّتِي كَانَتْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا الَّتِي عَصَوُا اللَّهَ وَهِيَ لَهُمْ. ⦗١٦٦⦘ قَالُوا: وَذَلِكَ نَظِيرُ قَوْلِ الْعَرَبِ لِلصَّائِغِ إِذَا اسْتَصَاغَتْهُ خَاتَمًا مِنْ خَاتَمٍ مَصُوغٍ، بِتَحْوِيلِهِ عَنْ صِيَاغَتِهِ الَّتِي هُوَ بِهَا إِلَى صِيَاغَةٍ أُخْرَى: صِغْ لِي مِنْ هَذَا الْخَاتَمِ خَاتَمًا غَيْرَهُ. فيَكْسِرُهُ وَيَصُوغُ لَهُ مِنْهُ خَاتَمًا غَيْرَهُ وَالْخَاتَمُ الْمَصُوغُ بِالصِّيَاغَةِ الثَّانِيَةِ هُوَ الْأَوَّلُ، وَلَكِنَّهُ لَمَّا أُعِيدَ بَعْدَ كَسْرِهِ خَاتَمًا قِيلَ هُوَ غَيْرُهُ. قَالُوا: فَكَذَلِكَ مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا﴾ [النساء: ٥٦] لَمَّا احْتَرَقِتِ الْجُلُودُ ثُمَّ أُعِيدَتْ جَدِيدَةً بَعْدَ الِاحْتِرَاقِ، قِيلَ هِيَ غَيْرُهَا عَلَى ذَلِكَ الْمَعْنَى. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: ﴿كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ﴾ [النساء: ٥٦] سَرَابِيلُهُمْ، بَدَّلْنَاهُمْ سَرَابِيلَ مِنْ قَطِرَانِ غَيْرَهَا. فجُعِلَتِ السَّرَابِيلُ الْقَطِرَانُ لَهُمْ جُلُودًا، كَمَا يُقَالَ لِلشَّيْءِ الْخَاصِّ بِالْإِنْسَانِ: هُوَ جَلْدَةُ مَا بَيْنَ عَيْنَيْهِ وَوَجْهِهِ لِخُصُوصِهِ بِهِ. قَالُوا: فَكَذَلِكَ سَرَابِيلُ الْقَطِرَانِ الَّتِي قَالَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ: ﴿سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ﴾ [إبراهيم: ٥٠] لَمَّا صَارَتْ لَهُمْ لِبَاسًا لَا تُفَارِقُ أَجْسَامَهُمْ جُعِلَتْ لَهُمْ جُلُودًا، فَقِيلَ: كُلَّمَا اشْتَعَلَ الْقَطِرَانُ فِي أَجْسَامِهِمْ وَاحْتَرَقَ بُدِّلُوا سَرَابِيلَ مِنْ قَطْرَانٍ آخَرَ. قَالُوا: وَأَمَّا جُلُودُ أَهْلِ الْكُفْرِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَإِنَّهَا لَا تُحْرَقُ، لِأَنَّ فِي احْتِرَاقِهَا إِلَى حَالِ إِعَادَتِهَا فَنَاءَهَا، وَفِي فَنَائِهَا رَاحَتُهَا. قَالُوا: وَقَدْ أَخْبَرَنَا اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ عَنْهَا أَنَّهُمْ لَا يَمُوتُونَ وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا. قَالُوا: وَجُلُودُ الْكُفَّارِ أَحَدُ أَجْزَاءِ أَجْسَامِهِمْ، وَلَوْ جَازَ أَنْ يَحْتَرِقَ مِنْهَا شَيْءٌ فَيَفْنَى ثُمَّ يُعَادُ بَعْدَ الْفِنَاءِ فِي النَّارِ، ⦗١٦٧⦘ جَازَ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ أَجْزَائِهَا، وَإِذَا جَازَ ذَلِكَ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ جَائِزًا عَلَيْهِمُ الْفِنَاءُ ثُمَّ الْإِعَادَةُ وَالْمَوْتُ ثُمَّ الْإِحْيَاءُ، وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ لَا يَمُوتُونَ. قَالُوا: وَفِي خَبَرِهِ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ لَا يَمُوتُونَ دَلِيلٌ وَاضِحٌ أَنَّهُ لَا يَمُوتُ شَيْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ أَجْسَامِهِمْ، وَالْجُلُودُ أَحَدُ تِلْكَ الْأَجْزَاءِ. وَأَمَّا مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ﴾ [النساء: ٥٦] فَإِنَّهُ يَقُولُ: فَعَلْنَا ذَلِكَ بِهِمْ لِيَجِدُوا أَلَمَ الْعَذَابِ وَكَرْبِهِ وَشِدَّتِهِ بِمَا كَانُوا فِي الدُّنْيَا يُكَذِّبُونَ آيَاتِ اللَّهِ وَيَجْحَدُونَهَا
٧ ‏/ ١٦٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا﴾ [النساء: ٥٦] يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَزَلْ عَزِيزًا فِي انْتِقَامِهِ مِمَّنِ انْتَقَمَ مِنْهُ مِنْ خَلْقِهِ، لَا يَقْدِرُ عَلَى الامْتِنَاعِ مِنْهُ أَحَدٌ أَرَادَهُ بِضُرٍّ، وَلَا الِانْتِصَارِ مِنْهُ أَحَدٌ أَحَلَّ بِهِ عُقُوبَةً، حَكِيمًا فِي تَدْبِيرِهِ وَقَضَائِهِ
٧ ‏/ ١٦٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا﴾ [النساء: ٥٧] يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ [البقرة: ٨٢] وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ مُحَمَّدٍ ﷺ، وَصَدَّقُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ مِنْ يَهُودِ بَنِي إِسْرَائِيلِ وَسَائِرِ الْأُمَمِ غَيْرِهِمْ ﴿وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ [البقرة: ٢٥] يَقُولُ: “وَأَدَّوْا مَا أَمَرَهُمُ اللَّهُ بِهِ مِنْ فَرَائِضِهِ، وَاجْتَنَبُوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ مَعَاصِيهِ، وَذَلِكَ هُوَ الصَّالِحُ مِنْ أَعْمَالِهِمْ ﴿سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾ [النساء: ٥٧] يَقُولُ: سَوْفَ يُدْخِلُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ جَنَّاتٍ، يَعْنِي: بَسَاتِينَ ﴿تَجْرِي
٧ ‏/ ١٦٧
مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾ [البقرة: ٢٥] يَقُولُ: «تَجْرِي مِنْ تَحْتِ تِلْكَ الْجَنَّاتِ الْأَنْهَارُ. ﴿خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا﴾ [النساء: ٥٧] يَقُولُ:»بَاقِينَ فِيهَا أَبَدًا بِغَيْرِ نِهَايَةٍ وَلَا انْقِطَاعٍ، دَائِمٌ ذَلِكَ لَهُمْ فِيهَا أَبَدًا. ﴿لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ﴾ [النساء: ٥٧] يَقُولُ: لَهُمْ فِي تِلْكَ الْجَنَّاتِ الَّتِي وَصَفَ صِفَتَهَا ﴿أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ﴾ [البقرة: ٢٥] يَعْنِي: بَرِيئَاتٌ مِنَ الْأَدْنَاسِ وَالرِّيَبِ الْحَيْضِ وَالْغَائِطِ وَالْبَوْلِ وَالْحَبَلِ وَالْبُصَاقِ، وَسَائِرِ مَا يَكُونُ فِي نِسَاءِ أَهْلِ الدُّنْيَا. وَقَدْ ذَكَرْنَا مَا فِي ذَلِكَ مِنَ الْآثَارِ فِيمَا مَضَى قَبْلُ، وَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إِعَادَتِهَا. وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا﴾ [النساء: ٥٧] فَإِنَّهُ يَقُولُ: وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا كَنِينًا، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿وَظِلٍّ مَمْدُودٍ﴾ [الواقعة: ٣٠] وَكَمَا:
٧ ‏/ ١٦٨
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَحَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَا جَمِيعًا: ثنا شُعْبَةُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الضَّحَّاكِ، يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَشَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا مِائَةَ عَامٍ لَا يَقْطَعُهَا، شَجَرَةُ الْخُلْدِ»
٧ ‏/ ١٦٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا﴾ [النساء: ٥٨] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِيمَنْ عُنِيَ بِهَذِهِ الْآيَةِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عُنِيَ بِهَا: وُلَاةُ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ
٧ ‏/ ١٦٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَسْرُوقِيُّ، قَالَ: ثنا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ أَبِي مَكِينٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا﴾ [النساء: ٥٨] فِي وُلَاةِ الْأَمْرِ “
٧ ‏/ ١٦٩
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ إِدْرِيسَ، قَالَ: ثنا لَيْثٌ، عَنْ شَهْرٍ، قَالَ: نَزَلَتْ فِي الْأَمَرَاءِ خَاصَّةً ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ﴾ [النساء: ٥٨]
٧ ‏/ ١٦٩
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ إِدْرِيسَ، قَالَ: ثنا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: قَالَ عَلِيُّ رضي الله عنه: «كَلِمَاتٌ أَصَابَ فِيهِنَّ حَقٌّ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَحْكُمَ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ، وَأَنْ يُؤَدِّيَ الْأَمَانَةَ، وَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فَحَقٌّ عَلَى النَّاسِ أَنْ يَسْمَعُوا وَأَنْ يُطِيعُوا وَأَنْ يُجِيبُوا إِذَا دُعُوا» حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: ثنا جَابِرُ بْنُ نُوحٍ قَالَ: ثنا إِسْمَاعِيلُ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَلِيٍّ بِنَحْوِهِ
٧ ‏/ ١٦٩
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الْمُحَارِبِيُّ، قَالَ: ثنا مُوسَى بْنُ عُمَيْرٍ، عَنْ مَكْحُولٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ [النساء: ٥٩] قَالَ: «هُمْ أَهْلُ الْآيَةِ الَّتِي قَبْلَهَا: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا﴾ [النساء: ٥٨] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ»
٧ ‏/ ١٧٠
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ؛ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ زَيْدٍ، قَالَ: قَالَ أَبِي: هُمُ الْوُلَاةُ، أَمَرَهُمْ أَنْ يُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا ” وَقَالَ آخَرُونَ: أُمِرَ السُّلْطَانُ بِذَلِكَ أَنْ يُعْطُوا النَّاسَ
٧ ‏/ ١٧٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا﴾ [النساء: ٥٨] قَالَ: «يَعْنِي: السُّلْطَانُ يُعْطُونَ النَّاسَ» وَقَالَ آخَرُونَ: الَّذِي خُوطِبَ بِذَلِكَ النَّبِيُّ ﷺ فِي مَفَاتِيحِ الْكَعْبَةِ أُمِرَ بِرَدِّهَا عَلَى عُثْمَانَ بْنِ طَلْحَةَ
٧ ‏/ ١٧٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَوْلُهُ: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا﴾ [النساء: ٥٨] قَالَ: «نَزَلَتْ فِي ⦗١٧١⦘ عُثْمَانَ بْنِ طَلْحَةَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، قَبَضَ مِنْهُ النَّبِيُّ ﷺ مَفَاتِيحَ الْكَعْبَةِ، وَدَخَلَ بِهَا الْبَيْتَ يَوْمَ الْفَتْحِ، فَخَرَجَ وَهُوَ يَتْلُو هَذِهِ الْآيَةَ، فَدَعَا عُثْمَانَ فَدَفَعَ إِلَيْهِ الْمِفْتَاحَ. قَالَ: وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَهُوَ يَتْلُو هَذِهِ الْآيَةَ: فِدَاؤُهُ أَبِي وَأُمِّي، مَا سَمِعْتُهُ يَتْلُوهَا قَبْلَ ذَلِكَ»
٧ ‏/ ١٧٠
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا الزَّنْجِيُّ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: «دَفَعَهُ إِلَيْهِ وَقَالَ: أَعِينُوهُ» وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي قَوْلُ مَنْ قَالَ: هُوَ خِطَابٌ مِنَ اللَّهِ إِلَى وُلَاةِ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ بِأَدَاءِ الْأَمَانَةِ إِلَى مَنْ وُلُّوا فِي فَيْئِهِمْ وَحُقُوقِهِمْ، وَمَا ائْتُمِنُوا عَلَيْهِ مِنْ أُمُورِهِمْ بِالْعَدْلِ بَيْنَهُمْ فِي الْقَضِيَّةِ. وَالْقَسْمِ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ، يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا وَعَظَ بِهِ الرَّعِيَّةَ فِي: ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ [النساء: ٥٩] فَأَمَرَهُمْ بِطَاعَتِهِمْ، وَأَوْصَى الرَّاعِي بِالرَّعِيَّةِ، وَأَوْصَى الرَّعِيَّةَ بِالطَّاعَةِ. كَمَا:
٧ ‏/ ١٧١
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ [النساء: ٥٩] قَالَ: “قَالَ أَبِي: هُمُ السَّلَاطِينُ. وَقَرَأَ ابْنُ زَيْدٍ: ﴿تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ
٧ ‏/ ١٧١
مِمَّنْ تَشَاءُ﴾ [آل عمران: ٢٦] أَلَا تَرَى أَنَّهُ أَمَرَ فَقَالَ: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا﴾ [النساء: ٥٨] وَالْأَمَانَاتُ: هِيَ الْفَيْءُ الَّذِي اسْتَأْمَنَهُمْ عَلَى جَمْعِهِ وَقَسْمِهِ، وَالصَّدَقَاتُ الَّتِي اسْتَأْمَنَهُمْ عَلَى جَمْعِهَا وَقَسْمِهَا. ﴿وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ﴾ [النساء: ٥٨] الْآيَةُ كُلُّهَا فَأَمَرَ بِهَذَا الْوُلَاةَ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا نَحْنُ، فَقَالَ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ [النساء: ٥٩] ” وَأَمَّا الَّذِي قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ مِنْ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي عُثْمَانَ بْنِ طَلْحَةَ فَإِنَّهُ جَائِزٌ أَنْ تَكُونَ نَزَلَتْ فِيهِ، وَأُرِيدَ بِهِ كُلُّ مُؤْتَمَنٍ عَلَى أَمَانَةٍ فَدَخَلَ فِيهِ وُلَاةُ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ وَكُلُّ مُؤْتَمَنٍ عَلَى أَمَانَةٍ فِي دِينٍ أَوْ دُنْيَا، وَلِذَلِكَ قَالَ مَنْ قَالَ: عُنِيَ بِهِ قَضَاءُ الدَّيْنِ وَرَدُّ حُقُوقِ النَّاسِ، كَالَّذِي:
٧ ‏/ ١٧٢
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا﴾ [النساء: ٥٨] فَإِنَّهُ لَمْ يُرَخِّصْ لِمُوسِرٍ وَلَا مُعْسِرٍ أَنْ يُمْسِكَهَا “
٧ ‏/ ١٧٢
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا﴾ [النساء: ٥٨] عَنِ الْحَسَنِ: أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ كَانَ يَقُولُ: «أَدِّ الْأَمَانَةَ إِلَى مَنِ ائْتَمَنَكَ، وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ» ⦗١٧٣⦘ فَتَأْوِيلُ الْآيَةِ إِذًا، إِذْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا وَصَفْنَا: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ يَا مَعْشَرَ وُلَاةِ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ تُؤَدُّوا مَا ائْتَمَنَتْكُمْ عَلَيْهِ رَعِيَّتُكُمْ مِنْ فَيْئِهِمْ وَحُقُوقِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَصَدَقَاتِهِمْ إِلَيْهِمْ عَلَى مَا أَمَرَكُمُ اللَّهُ، بِأَدَاءِ كُلِّ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إِلَى مَنْ هُوَ لَهُ بَعْدَ أَنْ تَصِيرَ فِي أَيْدِيكُمْ، لَا تَظْلِمُوهَا أَهْلَهَا وَلَا تَسْتَأْثِرُوا بِشَيْءٍ مِنْهَا وَلَا تَضَعُوا شَيْئًا مِنْهَا فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ، وَلَا تَأْخُذُوهَا إِلَّا مِمَّنْ أَذِنَ اللَّهُ لَكُمْ بِأَخْذِهَا مِنْهُ قَبْلَ أَنْ تَصِيرَ فِي أَيْدِيكُمْ؛ وَيَأْمُرُكُمْ إِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ رَعِيَّتِكُمْ أَنْ تَحْكُمُوا بَيْنَهُمْ بِالْعَدْلِ وَالْإِنْصَافِ، وَذَلِكَ حُكْمُ اللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَهُ فِي كِتَابِهِ وَبَيَّنَهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ، لَا تَعْدُوا ذَلِكَ فَتَجُورُوا عَلَيْهِمْ
٧ ‏/ ١٧٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا﴾ [النساء: ٥٨] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: يَا مَعْشَرَ وُلَاةِ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّ الشَّيْءُ يَعِظُكُمْ بِهِ، ونِعِمَّتِ الْعِظَةُ يَعِظُكُمْ بِهَا فِي أَمْرِهِ إِيَّاكُمْ، أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا، وَأَنْ تَحْكُمُوا بَيْنَ النَّاسِ بِالْعَدْلِ ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا﴾ [النساء: ٥٨] يَقُولُ: “إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَزَلْ سَمِيعًا بِمَا تَقُولُونَ وَتَنْطِقُونَ، وَهُوَ سُمَيْعٌ لِذَلِكَ مِنْكُمْ ⦗١٧٤⦘ إِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ وَلَمْ تُحَاوِرُوهُمْ بِهِ ﴿بَصِيرًا﴾ [النساء: ٥٨] بِمَا تَفْعَلُونَ فِيمَا ائْتَمَنْتُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ حُقُوقِ رَعِيَّتِكُمْ وَأَمْوَالِهِمْ، وَمَا تَقْضُونَ بِهِ بَيْنَهُمْ مِنْ أَحْكَامِكُمْ بِعَدْلٍ تَحْكُمُونَ أَوْ جَوْرٍ، لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، حَافِظٌ ذَلِكَ كُلَّهُ، حَتَّى يُجَازِيَ مُحْسِنَكُمْ بِإِحْسَانِهِ وَمُسِيئَكُمْ بِإِسَاءَتِهِ، أَوْ يَعْفُوَ بِفَضْلِهِ
٧ ‏/ ١٧٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾ [النساء: ٥٩] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ فِيمَا أَمَرَكُمْ بِهِ وَفِيمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ، وَأَطِيعُوا رَسُولَهُ مُحَمَّدًا ﷺ، فَإِنَّ فِي طَاعَتِكُمْ إِيَّاهُ لِرَبِّكُمْ طَاعَةً، وَذَلِكَ أَنَّكُمْ تُطِيعُونَهُ لِأَمْرِ اللَّهِ إِيَّاكُمْ بِطَاعَتِهِ. كَمَا:
٧ ‏/ ١٧٤
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ أَطَاعَ أَمِيرِي فَقَدْ أَطَاعَنِي، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَمَنْ عَصَا أَمِيرِي فَقَدْ عَصَانِي» ⦗١٧٥⦘ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ﴾ [النساء: ٥٩] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: ذَلِكَ أَمْرٌ مِنَ اللَّهِ بِاتِّبَاعِ سُنَّتِهِ
٧ ‏/ ١٧٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ عَطَاءٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ﴾ [النساء: ٥٩] قَالَ: «طَاعَةُ الرَّسُولِ: اتِّبَاعُ سُنَّتِهِ»
٧ ‏/ ١٧٥
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ قَالَ: ثنا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ عَطَاءٍ: ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ﴾ [النساء: ٥٩] قَالَ: «طَاعَةُ الرَّسُولِ: اتِّبَاعُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ» وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا سُوَيْدٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ عَطَاءٍ، مِثْلَهُ وَقَالَ آخَرُونَ: ذَلِكَ أَمْرٌ مِنَ اللَّهِ بِطَاعَةِ الرَّسُولِ فِي حَيَاتِهِ
٧ ‏/ ١٧٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ﴾ [النساء: ٥٩] إِنْ كَانَ حَيًّا ” وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: هُوَ أَمْرٌ مِنَ اللَّهِ بِطَاعَةِ رَسُولِهِ فِي ⦗١٧٦⦘ حَيَاتِهِ فِيمَا أَمَرَ وَنَهَى، وَبَعْدَ وَفَاتِهِ فِي اتِّبَاعِ سُنَّتِهِ؛ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ عَمَّ بِالْأَمْرِ بِطَاعَتِهِ وَلَمْ يُخَصِّصْ ذَلِكَ فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ، فَهُوَ عَلَى الْعُمُومِ حَتَّى يَخُصَّ ذَلِكَ مَا يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهُ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي أُولِي الْأَمْرِ الَّذِينَ أَمَرَ اللَّهُ عِبَادَهُ بِطَاعَتِهِمْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ هُمُ الْأَمَرَاءُ
٧ ‏/ ١٧٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ سَلْمُ بْنُ جُنَادَةَ قَالَ: ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ [النساء: ٥٩] قَالَ: «هُمُ الْأَمَرَاءُ»
٧ ‏/ ١٧٦
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الصَّبَّاحِ الْبَزَّارُ، قَالَ: ثنا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يَعْلَى بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ [النساء: ٥٩] نَزَلَتْ فِي رَجُلٍ بَعَثَهُ النَّبِيُّ ﷺ عَلَى سَرِيَّةٍ “
٧ ‏/ ١٧٦
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ هُرْمُزَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ قَيْسٍ السَّهْمِيِّ إِذْ بَعَثَهُ النَّبِيُّ ﷺ فِي السَّرِيَّةِ “
٧ ‏/ ١٧٧
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، عَنْ عَنبَسَةَ، عَنْ لَيْثٍ، قَالَ: سَأَلَ مَسْلَمَةُ مَيْمُونَ بْنَ مِهْرَانَ، عَنْ قَوْلِهِ: ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ [النساء: ٥٩] قَالَ: «أَصْحَابُ السَّرَايَا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ ﷺ»
٧ ‏/ ١٧٧
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ [النساء: ٥٩] قَالَ: «قَالَ أَبِي: هُمُ السَّلَاطِينُ. قَالَ: وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ [النساء: ٥٩] قَالَ أَبِي: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «الطَّاعَةَ الطَّاعَةَ، وَفِي الطَّاعَةِ بَلَاءٌ» . وَقَالَ: «وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَ الْأَمْرَ فِي الْأَنْبِيَاءِ» يَعْنِي: لَقَدْ جُعِلَ إِلَيْهِمْ وَالْأَنْبِيَاءِ مَعَهُمْ، أَلَا تَرَى حِينَ حَكَمُوا فِي قَتْلِ يَحْيَى بْنِ ⦗١٧٨⦘ زَكَرِيَّا؟»
٧ ‏/ ١٧٧
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ [النساء: ٥٩] قَالَ: “بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ سَرِيَّةً عَلَيْهَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، وَفِيهَا عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ، فَسَارُوا قِبَلَ الْقَوْمِ الَّذِينَ يُرِيدُونَ، فَلَمَّا بَلَغُوا قَرِيبًا مِنْهُمْ عَرَّسُوا، وَأَتَاهُمْ ذُو الْعُيَيْنَتَيْنِ، فَأَخْبَرَهُمْ فَأَصْبَحُوا وَقَدْ هَرَبُوا غَيْرَ رَجُلٍ أَمَرَ أَهْلَهُ، فَجَمَعُوا مَتَاعَهُمْ. ثُمَّ أَقْبَلَ يَمْشِي فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ، حَتَّى أَتَى عَسْكَرَ خَالِدٍ، فَسَأَلَ عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرِ فَأَتَاهُ، فَقَالَ: يَا أَبَا الْيَقْظَانِ، إِنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ وَشَهِدْتُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَإِنَّ قَوْمِي لَمَّا سَمِعُوا بِكُمْ هَرَبُوا، وَإِنِّي بَقِيتُ فَهَلْ إِسْلَامِي نَافِعِي غَدًا وَإِلَّا هَرَبْتُ؟ قَالَ عَمَّارٌ: بَلْ هُوَ يَنْفَعُكَ فَأَقِمْ. فأَقَامَ، فَلَمَّا أَصْبَحُوا أَغَارَ خَالِدٌ، فَلَمْ يَجِدْ أَحَدًا غَيْرَ الرَّجُلِ، فَأَخَذَهُ وَأَخَذَ مَالَهُ، فَبَلَغَ عَمَّارًا الْخَبَرُ، فَأَتَى خَالِدًا فَقَالَ: خَلِّ عَنِ الرَّجُلِ فَإِنَّهُ قَدْ أَسْلَمَ، وَهُوَ فِي أَمَانٍ مِنِّي. فَقَالَ خَالِدٌ: وَفِيمَ أَنْتَ تُجِيرُ؟ فَاسْتَبَّا وَارْتَفَعَا إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَأَجَازَ أَمَانَ عَمَّارٍ وَنَهَاهُ أَنْ يُجِيرَ الثَّانِيَةَ عَلَى أَمِيرٍ. فَاسْتَبَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ خَالِدٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَتْرُكُ هَذَا الْعَبْدَ الْأَجْدَعَ يَسُبُّنِي؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «يَا خَالِدُ لَا تَسُبَّ عَمَّارًا، فَإِنَّهُ مَنْ سَبَّ عَمَّارًا سَبَّهُ اللَّهُ، وَمَنْ أَبْغَضَ عَمَّارًا أَبْغَضَهُ اللَّهُ، وَمَنْ لَعَنَ عَمَّارًا لَعَنَهُ اللَّهُ» . فغَضِبَ عَمَّارٌ، فَقَامَ فَتَبِعَهُ خَالِدٌ حَتَّى أَخَذَ بِثَوْبِهِ فَاعْتَذَرَ إِلَيْهِ، فَرَضِيَ عَنْهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى قَوْلُهُ: ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ ⦗١٧٩⦘ مِنْكُمْ﴾ [النساء: ٥٩] وَقَالَ آخَرُونَ: هُمْ أَهْلُ الْعِلْمِ وَالْفِقْهِ
٧ ‏/ ١٧٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ عَلِيِّ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ. . . . قَالَ: ثنا جَابِرُ بْنُ نُوحٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ [النساء: ٥٩] قَالَ: «أُولِي الْفِقْهِ مِنْكُمْ»
٧ ‏/ ١٧٩
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: ثنا ابْنُ إِدْرِيسَ قَالَ: أَخْبَرَنَا لَيْثٌ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي ⦗١٨٠⦘ قَوْلِهِ: ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ [النساء: ٥٩] قَالَ: «أُولِي الْفِقْهِ وَالْعِلْمِ»
٧ ‏/ ١٧٩
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ: ﴿وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ [النساء: ٥٩] قَالَ: «أُولِي الْفِقْهِ فِي الدِّينِ وَالْعَقْلِ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
٧ ‏/ ١٨٠
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ [النساء: ٥٩] يَعْنِي: «أَهْلَ الْفِقْهِ وَالدِّينِ»
٧ ‏/ ١٨٠
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ حَازِمٍ قَالَ: ثنا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ [النساء: ٥٩] قَالَ: «أَهْلُ الْعِلْمِ»
٧ ‏/ ١٨٠
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ [النساء: ٥٩] قَالَ: «أُولِي الْعِلْمِ ⦗١٨١⦘ وَالْفِقْهِ»
٧ ‏/ ١٨٠
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ عَطَاءٍ: ﴿وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ [النساء: ٥٩] قَالَ: «الْفُقَهَاءُ وَالْعُلَمَاءُ»
٧ ‏/ ١٨١
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ [النساء: ٥٩] قَالَ: «هُمُ الْعُلَمَاءُ»
٧ ‏/ ١٨١
قَالَ: وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ [النساء: ٥٩] قَالَ: «هُمْ أَهْلُ الْفِقْهِ وَالْعِلْمِ»
٧ ‏/ ١٨١
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ [النساء: ٥٩] قَالَ: “هُمْ أَهْلُ الْعِلْمِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَقُولُ: ﴿وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾ [النساء: ٨٣]؟ وَقَالَ آخَرُونَ: هُمْ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ ﷺ
٧ ‏/ ١٨١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ [النساء: ٥٩] قَالَ: «كَانَ مُجَاهِدٌ يَقُولُ: أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ. قَالَ: وَرُبَّمَا قَالَ: أُولِي الْفَضْلِ وَالْفِقْهِ وَدِينِ اللَّهِ» وَقَالَ آخَرُونَ: هُمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رضي الله عنهما
٧ ‏/ ١٨٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرٍو الْبَصْرِيُّ، قَالَ: ثنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ الْعَدَنِيُّ، قَالَ: ثنا الْحَكَمُ بْنُ أَبَانَ، عَنْ عِكْرِمَةَ: ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ [النساء: ٥٩] قَالَ: «أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ» وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: هُمُ الْأَمَرَاءُ وَالْوُلَاةُ، لِصِحَّةِ الْأَخْبَارِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِالْأَمْرِ بِطَاعَةِ الْأَئِمَّةِ وَالْوُلَاةِ فِيمَا كَانَ طَاعَةً وَلِلْمُسْلِمِينَ مَصْلَحَةً. ⦗١٨٣⦘ كَالَّذِي:
٧ ‏/ ١٨٢
حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ مُسْلِمٍ الطُّوسِيُّ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ، قَالَ: ثني عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «سَيَلِيكُمْ بَعْدِي وُلَاةٌ، فَيَلِيكُمُ الْبَرُّ بِبِرِّهِ وَالْفَاجِرُ بِفُجُورِهِ، فَاسْمَعُوا لَهُمْ وَأَطِيعُوا فِي كُلِّ مَا وَافَقَ الْحَقَّ، وَصَلُّوا وَرَاءَهُمْ فَإِنْ أَحْسَنُوا فَلَكُمْ وَلَهُمْ، وَإِنْ أَسَاءُوا فَلَكُمْ وَعَلَيْهِمْ»
٧ ‏/ ١٨٣
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي نَافِعٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «عَلَى الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ الطَّاعَةُ فِيمَا أَحَبَّ وَكَرِهَ إِلَّا أَنْ يُؤْمَرَ بِمَعْصِيَةٍ فَمَنْ أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ فَلَا طَاعَةَ» حَدَّثَنِي ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: ثني خَالِدٌ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، ⦗١٨٤⦘ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، نَحْوَهُ فَإِذَا كَانَ مَعْلُومًا أَنَّهُ لَا طَاعَةَ وَاجِبَةٌ لِأَحَدٍ غَيْرِ اللَّهِ أَوْ رَسُولِهِ أَوْ إِمَامٍ عَادِلٍ، وَكَانَ اللَّهُ قَدْ أَمَرَ بِقَوْلِهِ: ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ [النساء: ٥٩] بِطَاعَةِ ذَوِي أَمْرِنَا، كَانَ مَعْلُومًا أَنَّ الَّذِينَ أَمَرَ بِطَاعَتِهِمْ تَعَالَى ذِكْرُهُ مِنْ ذَوِي أَمْرِنَا هُمُ الْأَئِمَّةُ وَمَنْ وَلَّاهُ الْمُسْلِمُونَ دُونَ غَيْرِهِمْ مِنَ النَّاسِ، وَإِنْ كَانَ فَرْضًا الْقَبُولُ مِنْ كُلِّ مَنْ أَمَرَ بِتَرْكِ مَعْصِيَةِ اللَّهِ، وَدَعَا إِلَى طَاعَةِ اللَّهِ، وَأَنَّهُ لَا طَاعَةَ تَجِبُ لِأَحَدٍ فِيمَا أَمَرَ وَنَهَى فِيمَا لَمْ تَقُمْ حُجَّةُ وُجُوبِهِ إِلَّا لِلْأَئِمَّةِ الَّذِينَ أَلْزَمُ اللَّهُ عِبَادَهُ طَاعَتَهُمْ فِيمَا أَمَرُوا بِهِ رَعِيَّتَهُمْ مِمَّا هُوَ مَصْلَحَةٌ لِعَامَّةِ الرَّعِيَّةِ، فَإِنَّ عَلَى مَنْ أَمَرُوهُ بِذَلِكَ طَاعَتَهُمْ، وَكَذَلِكَ فِي كُلِّ مَا لَمْ يَكُنْ لِلَّهِ مَعْصِيَةً. وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ كَانَ مَعْلُومًا بِذَلِكَ صِحَّةُ مَا اخْتَرْنَا مِنَ التَّأْوِيلَ دُونَ غَيْرِهِ
٧ ‏/ ١٨٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ [النساء: ٥٩] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: فَإِنِ اخْتَلَفْتُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ دِينِكُمْ أَنْتُمْ فِيمَا بَيْنَكُمْ أَوْ أَنْتُمْ وَوُلَاةُ أَمْرِكُمْ فَاشْتَجَرْتُمْ فِيهِ ﴿فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ﴾ [النساء: ٥٩] يَعْنِي بِذَلِكَ: فَارْتَادُوا مَعْرِفَةَ حُكْمِ الَّذِي اشْتَجَرْتُمْ أَنْتُمْ بَيْنَكُمْ أَوْ أَنْتُمْ وَأُولُو أَمْرِكُمْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، يَعْنِي بِذَلِكَ: مِنْ كِتَابِ اللَّهِ، فَاتَّبِعُوا
٧ ‏/ ١٨٤
مَا وَجَدْتُمْ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَالرَّسُولِ﴾ [آل عمران: ٣٢] فَإِنَّهُ يَقُولُ: فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا إِلَى عِلْمِ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ سَبِيلًا، فَارْتَادُوا مَعْرِفَةَ ذَلِكَ أَيْضًا مِنْ عِنْدِ الرَّسُولِ إِنْ كَانَ حَيًّا، وَإِنْ كَانَ مَيِّتًا فَمِنْ سُنَّتِهِ: ﴿إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ [النساء: ٥٩] يَقُولُ: “افْعَلُوا ذَلِكَ إِنْ كُنْتُمْ تُصَدِّقُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ. يَعْنِي: بِالْمَعَادِ الَّذِي فِيهِ الثَّوَابُ وَالْعِقَابُ، فَإِنَّكُمْ إِنْ فَعَلْتُمْ مَا أُمِرْتُمْ بِهِ مِنْ ذَلِكَ فَلَكُمْ مِنَ اللَّهِ الْجَزِيلُ مِنَ الثَّوَابِ، وَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا ذَلِكَ فَلَكُمُ الْأَلِيمُ مِنَ الْعِقَابِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ
٧ ‏/ ١٨٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ إِدْرِيسَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا لَيْثٌ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ﴾ [النساء: ٥٩] قَالَ: «فَإِنْ تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ رَدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ. قَالَ: يَقُولُ: فَرُدُّوهُ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ. ثُمَّ قَرَأَ مُجَاهِدٌ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ ⦗١٨٦⦘ مِنْهُمْ﴾ [النساء: ٨٣]»
٧ ‏/ ١٨٥
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا سُوَيْدٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ﴾ [النساء: ٥٩] قَالَ: «كِتَابُ اللَّهِ وَسُنَّةُ نَبِيِّهِ ﷺ»
٧ ‏/ ١٨٦
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ﴾ [النساء: ٥٩] قَالَ: «إِلَى اللَّهِ: إِلَى كِتَابِهِ، وَإِلَى الرَّسُولِ: إِلَى سُنَّةِ نَبِيِّهِ»
٧ ‏/ ١٨٦
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، عَنْ عَنبَسَةَ، عَنْ لَيْثٍ، قَالَ: سَأَلَ مَسْلَمَةُ مَيْمُونَ بْنَ مِهْرَانَ عَنْ قَوْلِهِ: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ﴾ [النساء: ٥٩] قَالَ: «اللَّهُ: كِتَابُهُ وَرَسُولُهُ: سُنَّتُهُ. فَكَأَنَّمَا أَلْقَمَهُ حَجَرًا»
٧ ‏/ ١٨٦
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمٍ، قَالَ: ثنا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ بُرْقَانَ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ﴾ [النساء: ٥٩] قَالَ: «الرَّدُّ إِلَى اللَّهِ: الرَّدُّ إِلَى كِتَابِهِ، وَالرَّدُّ إِلَى رَسُولِهِ إِنْ كَانَ حَيًّا، فَإِنْ قَبَضَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ فَالرَّدُّ إِلَى السُّنَّةِ»
٧ ‏/ ١٨٦
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ﴾ [النساء: ٥٩] يَقُولُ: «رُدُّوهُ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ ﴿إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ [النساء: ٥٩]»
٧ ‏/ ١٨٧
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ﴾ [النساء: ٥٩] إِنْ كَانَ الرَّسُولُ حَيًّا وَ﴿إِلَى اللَّهِ﴾ [النساء: ٥٩] قَالَ: «إِلَى كِتَابِهِ»
٧ ‏/ ١٨٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾ [النساء: ٥٩] يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿ذَلِكَ﴾ [البقرة: ٢] فَرَدُّ مَا تَنَازَعْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ، خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ فِي مَعَادِكُمْ، وَأَصْلَحُ لَكُمْ فِي دُنْيَاكُمْ، لِأَنَّ ذَلِكَ يَدْعُوكُمْ إِلَى الْأُلْفَةِ، وَتَرْكِ التَّنَازُعِ وَالْفُرْقَةِ. ﴿وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾ [النساء: ٥٩] يَعْنِي: “وَأَحْمَدُ مَوْئِلًا وَمَغَبَّةً، وَأَجْمَلُ عَاقِبَةً. وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى أَنَّ التَّأْوِيلَ: التَّفْعِيلُ مِنْ تَأَوَّلَ، وَأَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ تَأَوَّلَ: تَفَعَّلَ، مِنْ قَوْلِهِمْ آلَ هَذَا الْأَمْرُ إِلَى كَذَا: أَيْ رَجَعَ؛ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٧ ‏/ ١٨٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾ [النساء: ٥٩] قَالَ: «حُسْنُ جَزَاءٍ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
٧ ‏/ ١٨٨
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾ [النساء: ٥٩] يَقُولُ: «ذَلِكَ أَحْسَنُ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عَاقِبَةً»
٧ ‏/ ١٨٨
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾ [النساء: ٥٩] قَالَ: «عَاقِبَةً»
٧ ‏/ ١٨٨
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾ [النساء: ٥٩] قَالَ: «وَأَحْسَنُ عَاقِبَةً. قَالَ: وَالتَّأْوِيلُ: التَّصْدِيقُ»
٧ ‏/ ١٨٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا﴾ [النساء: ٦٠] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿أَلَمْ تَرَ﴾ [البقرة: ٢٤٣] يَا مُحَمَّدُ بِقَلْبِكَ فَتَعْلَمَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ صَدَّقُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ، وَإِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ مِنْ قَلْبِكَ مِنَ الْكُتُبِ ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا﴾ [النساء: ٦٠] فِي
٧ ‏/ ١٨٨
خُصُومَتِهِمْ ﴿إِلَى الطَّاغُوتِ﴾ [النساء: ٦٠] يَعْنِي: «إِلَى مَنْ يُعَظِّمُونَهُ، وَيَصْدُرُونَ عَنْ قَوْلِهِ، وَيَرْضَوْنَ بِحُكْمِهِ مِنْ دُونِ حُكْمِ اللَّهِ، ﴿وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ﴾ [النساء: ٦٠] يَقُولُ:»وَقَدْ أَمَرَهُمُ اللَّهُ أَنْ يُكَذِّبُوا بِمَا جَاءَهُمْ بِهِ الطَّاغُوتُ الَّذِي يَتَحَاكَمُونَ إِلَيْهِ، فَتَرَكُوا أَمْرَ اللَّهِ، وَاتَّبَعُوا أَمْرَ الشَّيْطَانِ. ﴿وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا﴾ [النساء: ٦٠] يَعْنِي أَنَّ الشَّيْطَانَ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّ هَؤُلَاءِ الْمُتَحَاكِمِينَ إِلَى الطَّاغُوتِ عَنْ سَبِيلِ الْحَقِّ وَالْهُدَى، فَيُضِلَّهُمْ عَنْهَا ضَلَالًا بَعِيدًا، يَعْنِي: فَيَجُورُ بِهِمْ عَنْهَا جَوْرًا شَدِيدًا، وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي رَجُلٍ مِنَ الْمُنَافِقِينَ دَعَا رَجُلًا مِنَ الْيَهُودِ فِي خُصُومَةٍ كَانَتْ بَيْنَهُمَا إِلَى بَعْضِ الْكُهَّانِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ
٧ ‏/ ١٨٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ، قَالَ: ثنا دَاوُدُ، عَنْ عَامِرٍ، فِي هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ﴾ [النساء: ٦٠] قَالَ: «كَانَ بَيْنَ رَجُلٍ مِنَ الْيَهُودِ وَرَجُلٍ مِنَ الْمُنَافِقِينَ خُصُومَةٌ، فَكَانَ الْمُنَافِقُ يَدْعُو إِلَى الْيَهُودِ لِأَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقْبَلُونَ الرِّشْوَةَ، وَكَانَ الْيَهُودِيُّ يَدْعُو إِلَى الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهُمْ لَا يَقْبَلُونَ الرِّشْوَةَ، فَاصْطَلَحَا أَنْ يَتَحَاكَمَا إِلَى كَاهِنٍ مِنْ جُهَيْنَةَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ﴾ [النساء: ٦٠] حَتَّى بَلَغَ: ﴿وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [النساء: ٦٥]»
٧ ‏/ ١٨٩
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا دَاوُدُ، عَنْ عَامِرٍ، فِي هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ﴾ [النساء: ٦٠] فَذَكَرَ نَحْوَهُ، وَزَادَ فِيهِ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ﴾ [النساء: ٦٠] يَعْنِي الْمُنَافِقِينَ ﴿وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ﴾ [البقرة: ٤] يَعْنِي الْيَهُودَ ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ﴾ [النساء: ٦٠] يَقُولُ: «إِلَى الْكَاهِنِ ﴿وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ﴾ [النساء: ٦٠] أَمَرَ هَذَا فِي كِتَابِهِ، وَأَمَرَ هَذَا فِي كِتَابِهِ أَنْ يُكْفَرَ بِالْكَاهِنِ»
٧ ‏/ ١٩٠
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ دَاوُدَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: كَانَتْ بَيْنَ رَجُلٍ مِمَّنْ يَزْعُمُ أَنَّهُ مُسْلِمٌ، وَبَيْنَ رَجُلٍ مِنَ الْيَهُودِ خُصُومَةٌ، فَقَالَ الْيَهُودِيُّ: أُحَاكِمُكَ إِلَى أَهْلِ دِينِكَ، أَوْ قَالَ: إِلَى النَّبِيِّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ عَلِمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لَا يَأْخُذُ الرِّشْوَةَ فِي الْحُكْمِ. فَاخْتَلَفَا، فَاتَّفَقَا عَلَى أَنْ يَأْتِيَا كَاهِنًا فِي جُهَيْنَةَ قَالَ: فَنَزَلَتْ: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ﴾ [النساء: ٦٠] يَعْنِي: «الَّذِي مِنَ الْأَنْصَارِ ﴿وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ﴾ [البقرة: ٤] يَعْنِي:»الْيَهُودِيَّ ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ﴾ [النساء: ٦٠] إِلَى الْكَاهِنِ ﴿وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ﴾ [النساء: ٦٠] يَعْنِي: «أَمَرَ هَذَا فِي كِتَابِهِ، وَأَمَرَ هَذَا فِي كِتَابِهِ. وَتَلَا: ﴿وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا﴾ [النساء: ٦٠]، وَقَرَأَ: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ﴾ [النساء: ٦٥] إِلَى: ﴿وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [النساء: ٦٥]»
٧ ‏/ ١٩٠
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: زَعَمَ حَضْرَمِيُّ أَنَّ رَجُلًا، مِنَ الْيَهُودِ كَانَ قَدْ أَسْلَمَ، فَكَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَجُلٍ ⦗١٩١⦘ مِنَ الْيَهُودِ مُدَارَأَةٌ فِي حَقٍّ، فَقَالَ الْيَهُودِيُّ لَهُ: انْطَلِقْ إِلَى نَبِيِّ اللَّهِ. فَعَرَفَ أَنَّهُ سَيَقْضِي عَلَيْهِ. قَالَ: فَأَبَى، فَانْطَلَقَا إِلَى رَجُلٍ مِنَ الْكُهَّانِ، فَتَحَاكَمَا إِلَيْهِ. قَالَ اللَّهُ: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ﴾ [النساء: ٦٠]
٧ ‏/ ١٩٠
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ﴾ [النساء: ٦٠] الْآيَةُ، حَتَّى بَلَغَ: ﴿ضَلَالًا بَعِيدًا﴾ [النساء: ٦٠] ذُكِرَ لَنَا أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي رَجُلَيْنِ: رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ يُقَالَ لَهُ بِشْرٌ، وَفِي رَجُلٍ مِنَ الْيَهُودِ فِي مُدَارَأَةٍ كَانَتْ بَيْنَهُمَا فِي حَقٍّ، فَتَدَارَءَا بَيْنَهُمَا فِيهِ، فَتَنَافَرَا إِلَى كَاهِنٍ بِالْمَدِينَةِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمَا، وَتَرَكَا نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ. فَعَابَ اللَّهُ عز وجل ذَلِكَ. وذُكِرَ لَنَا أَنَّ الْيَهُودِيَّ كَانَ يَدْعُوهُ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمَا، وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ لَنْ يَجُورَ عَلَيْهِ، فَجَعَلَ الْأَنْصَارِيُّ يَأْبَى عَلَيْهِ وَهُوَ يَزْعُمُ أَنَّهُ مُسْلِمٌ وَيَدْعُوهُ إِلَى الْكَاهِنِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تبارك وتعالى مَا تَسْمَعُونَ، فَعَابَ ذَلِكَ عَلَى الَّذِي زَعَمَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ، وَعَلَى الْيَهُودِيِّ الَّذِي هُوَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَقَالَ: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ﴾ [النساء: ٦٠] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿صُدُودًا﴾ [النساء: ٦١]
٧ ‏/ ١٩١
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ﴾ [النساء: ٦٠] قَالَ: “كَانَ نَاسٌ مِنَ الْيَهُودِ قَدْ أَسْلَمُوا وَنَافَقَ بَعْضُهُمْ، وَكَانَتْ قُرَيْظَةُ وَالنَّضِيرُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا قُتِلَ الرَّجُلُ مِنْ بَنِي النَّضِيرِ قَتَلَتْهُ بَنُو قُرَيْظَةَ قَتَلُوا بِهِ مِنْهُمْ، فَإِذَا قُتِلَ الرَّجُلُ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ قَتَلَتْهُ النَّضِيرُ، أَعْطُوْا دِيَتَهُ سِتِّينَ وَسَقًا مِنْ تَمْرٍ. فَلَمَّا أَسْلَمَ نَاسٌ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ، قَتَلَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي النَّضِيرِ رَجُلًا مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ، فَتَحَاكَمُوا إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَقَالَ النَّضِيرِيُّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا كُنَّا نُعْطِيهِمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ الدِّيَةَ، فَنَحْنُ نُعْطِيهِمُ الْيَوْمَ ذَلِكَ. فَقَالَتْ قُرَيْظَةُ: لَا، وَلَكِنَّا إِخْوَانُكُمْ فِي النَّسَبِ وَالدِّينِ، وَدِمَاؤُنَا مِثْلُ دِمَائِكُمْ، وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَغْلِبُونَنَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَدْ جَاءَ اللَّهُ بِالْإِسْلَامِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ يُعَيِّرُهُمْ بِمَا فَعَلُوا. فَقَالَ: ﴿وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ﴾ [المائدة: ٤٥] فَعَيَّرَهُمْ، ثُمَّ ذَكَرَ قَوْلَ النَّضِيرِيِّ: كُنَّا نُعْطِيهِمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ سِتِّينَ وَسَقًا وَنَقْتُلُ مِنْهُمْ وَلَا يَقْتُلُونَ، فَقَالَ: ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ﴾ [المائدة: ٥٠] وَأَخَذَ النَّضِيرِيَّ فَقَتَلَهُ بِصَاحِبِهِ. فتَفَاخَرَتِ النَّضِيرُ وَقُرَيْظَةُ، فَقَالَتِ النَّضِيرُ: نَحْنُ أَكْرَمُ مِنْكُمْ، وَقَالَتْ قُرَيْظَةُ: نَحْنُ أَكْرَمُ مِنْكُمْ، وَدَخَلُوا الْمَدِينَةَ إِلَى أَبِي بَرْزَةَ الْكَاهِنِ الْأَسْلَمِيِّ، فَقَالَ الْمُنَافِقُ مِنْ قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ: انْطَلِقُوا إِلَى أَبِي بَرْزَةَ يُنَفِّرُ بَيْنَنَا. وَقَالَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ: لَا، بَلِ النَّبِيِّ ﷺ يُنَفِّرُ بَيْنَنَا، فَتَعَالَوْا إِلَيْهِ. فَأَبَى الْمُنَافِقُونِ، ⦗١٩٣⦘ وَانْطَلَقُوا إِلَى أَبِي بَرْزَةَ فَسَأَلُوهُ، فَقَالَ: أَعْظِمُوا اللُّقْمَةَ. يَقُولُ: أَعْظِمُوا الْخَطَرَ. فَقَالُوا: لَكَ عَشَرَةُ أَوْسَاقٍ قَالَ: لَا، بَلْ مِائَةُ وَسَقٍ دِيَتِي، فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ أُنَفِّرَ النَّضِيرَ فَتَقْتُلَنِي قُرَيْظَةُ، أَوْ أُنَفِّرَ قُرَيْظَةَ فَتَقْتُلَنِي النَّضِيرُ فَأَبَوْا أَنْ يُعْطُوهُ فَوْقَ عَشَرَةِ أَوْسَاقٍ، وَأَبَى أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل: ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ﴾ [النساء: ٦٠] وَهُوَ أَبُو بَرْزَةَ، وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ، إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [النساء: ٦٥] وَقَالَ آخَرُونَ: الطَّاغُوتُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: هُوَ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ
٧ ‏/ ١٩٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا، إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ﴾ [النساء: ٦٠] وَالطَّاغُوتُ: رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ كَانَ يُقَالَ لَهُ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ، وَكَانُوا إِذَا مَا دُعُوا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ قَالُوا: بَلْ نُحَاكِمُكُمْ إِلَى كَعْبٍ؛ فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ﴾ [النساء: ٦٠] الْآيَةُ “
٧ ‏/ ١٩٣
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا ⦗١٩٤⦘ أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ﴾ [النساء: ٦٠] قَالَ: «تَنَازَعَ رَجُلٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ وَرَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ، فَقَالَ الْمُنَافِقُ: اذْهَبْ بِنَا إِلَى كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ. وَقَالَ الْيَهُودِيُّ: اذْهَبْ بِنَا إِلَى النَّبِيِّ ﷺ. فَقَالَ اللَّهُ تبارك وتعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ﴾ [النساء: ٦٠] الْآيَةُ وَالَّتِي تَلِيهَا فِيهِمْ أَيْضًا» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ﴾ [النساء: ٦٠] فَذَكَرَ مِثْلَهُ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: وَقَالَ الْيَهُودِيُّ: اذْهَبْ بِنَا إِلَى مُحَمَّدٍ
٧ ‏/ ١٩٣
حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ﴾ [النساء: ٦٠] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿ضَلَالًا بَعِيدًا﴾ [النساء: ٦٠] قَالَ: «كَانَ رَجُلَانِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ بَيْنَهُمَا خُصُومَةٌ، أَحَدُهُمْ مُؤْمِنٌ، وَالْآخَرُ مُنَافِقٌ. فَدَعَاهُ الْمُؤْمِنُ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، وَدَعَاهُ الْمُنَافِقُ إِلَى كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا﴾ [النساء: ٦١]»
٧ ‏/ ١٩٤
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ﴾ [النساء: ٦٠] قَالَ: «تَنَازَعَ رَجُلٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ⦗١٩٥⦘ وَرَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ، فَقَالَ الْيَهُودِيُّ: اذْهَبْ بِنَا إِلَى كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ، وَقَالَ الْمُؤْمِنُ: اذْهَبْ بِنَا إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَقَالَ اللَّهُ: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ﴾ [النساء: ٦٠] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿صُدُودًا﴾ [النساء: ٦١] قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ قَالَ: الْقُرْآنُ، وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ قَالَ: التَّوْرَاةُ. قَالَ: يَكُونُ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْمُنَافِقِ الْحَقُّ، فَيَدْعُوهُ الْمُسْلِمُ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ لِيُحَاكِمَهُ إِلَيْهِ، فَيَأْبَى الْمُنَافِقُ وَيَدْعُوهُ إِلَى الطَّاغُوتِ. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قَالَ مُجَاهِدٌ: الطَّاغُوتُ: كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ»
٧ ‏/ ١٩٤
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ﴾ [النساء: ٦٠] هُوَ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ ” وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الطَّاغُوتِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، فَكَرِهْنَا إِعَادَتَهُ
٧ ‏/ ١٩٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا﴾ [النساء: ٦١] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: أَلَمْ تَرَ يَا مُحَمَّدُ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنَ الْمُنَافِقِينَ، وَإِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ﴾ [النساء: ٦١] يَعْنِي بِذَلِكَ: وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ: تَعَالَوْا هَلُمُّوا إِلَى حُكْمِ اللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَهُ فِي كِتَابِهِ، ﴿وَإِلَى الرَّسُولِ﴾ [النساء: ٦١] لِيَحْكُمَ بَيْنَنَا ⦗١٩٦⦘ ﴿رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ﴾ [النساء: ٦١] يَعْنِي بِذَلِكَ: يَمْتَنِعُونَ مِنَ الْمَصِيرِ إِلَيْكَ لِتَحْكُمَ بَيْنَهُمْ، وَيَمْنَعُونَ مِنَ الْمَصِيرِ إِلَيْكَ كَذَلِكَ غَيْرَهُمْ صُدُودًا وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ فِي ذَلِكَ بِمَا:
٧ ‏/ ١٩٥
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ﴾ [النساء: ٦١] قَالَ: «دَعَا الْمُسْلِمُ الْمُنَافِقَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ لِيَحْكُمَ قَالَ: رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا» وَأَمَّا عَلَى تَأْوِيلِ قَوْلِ مَنْ جَعَلَ الدَّاعِي إِلَى النَّبِيِّ ﷺ الْيَهُودِيَّ وَالْمَدْعُو إِلَيْهِ الْمُنَافِقَ عَلَى مَا ذَكَرْتُ مِنْ أَقْوَالِ مَنْ قَالَ ذَلِكَ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ﴾ [النساء: ٦٠] فَإِنَّهُ عَلَى مَا بَيَّنْتُ قَبْلُ.
٧ ‏/ ١٩٦
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا﴾ يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: فَكَيْفَ بِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ، وَهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ ﴿إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ﴾ [البقرة: ١٥٦] يَعْنِي: «إِذَا نَزَلَتْ بِهِمْ نِقْمَةٌ مِنَ اللَّهِ ﴿بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ﴾ [البقرة: ٩٥] يَعْنِي:»بِذُنُوبِهِمُ الَّتِي سَلَفَتْ مِنْهُمْ ﴿ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ﴾ يَقُولُ: “ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ كَذِبًا وَزُورًا ﴿إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا﴾ [النساء: ٦٢] وَهَذَا خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ عَنْ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ أَنَّهُمْ لَا يَرْدَعُهُمْ عَنِ النِّفَاقِ
٧ ‏/ ١٩٦
الْعِبَرُ وَالنِّقَمُ، وَأَنَّهُمْ وَإِنْ تَأْتِهِمْ عُقُوبَةٌ مِنَ اللَّهِ عَلَى تَحَاكُمِهِمْ إِلَى الطَّاغُوتِ، لَمْ يُنِيبُوا وَلَمْ يَتُوبُوا، وَلَكِنَّهُمْ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ كَذِبًا وَجَرْأَةً عَلَى اللَّهِ مَا أَرَدْنَا بِاحْتِكَامِنَا إِلَيْهِ إِلَّا الْإِحْسَانَ مِنْ بَعْضِنَا إِلَى بَعْضٍ، وَالصَّوَابَ فِيمَا احْتَكَمْنَا فِيهِ إِلَيْهِ
٧ ‏/ ١٩٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا﴾ [النساء: ٦٣] يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿أُولَئِكَ﴾ [البقرة: ٥] هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ الَّذِينَ وَصَفْتُ لَكَ يَا مُحَمَّدُ صِفَتَهُمْ، يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ، فِي احْتِكَامِهِمْ إِلَى الطَّاغُوتِ، وَتَرْكِهِمُ الِاحْتِكَامَ إِلَيْكَ، وَصُدُودِهِمْ عَنْكَ، مِنَ النِّفَاقِ وَالزَّيْغِ، وَإِنْ حَلَفُوا بِاللَّهِ مَا أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا ﴿فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ﴾ [النساء: ٦٣] يَقُولُ: «فَدَعْهُمْ فَلَا تُعَاقِبْهُمْ فِي أَبْدَانِهِمْ وَأَجْسَامِهِمْ، وَلَكِنْ عِظْهُمْ بِتَخْوِيفِكَ إِيَّاهُمْ بَأْسَ اللَّهِ أَنْ يَحِلَّ بِهِمْ، وَعُقُوبَتَهُ أَنْ تَنْزِلَ بِدَارِهِمْ، وَحَذِّرْهُمْ مِنْ مَكْرُوهِ مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الشَّكِّ فِي أَمْرِ اللَّهِ وَأَمْرِ رَسُولِهِ ﴿وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا﴾ [النساء: ٦٣] يَقُولُ:»مُرْهُمْ بِاتِّقَاءِ اللَّهِ وَالتَّصْدِيقِ بِهِ وَبِرَسُولِهِ وَوَعْدِهِ وَوَعِيدِهِ
٧ ‏/ ١٩٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا﴾
٧ ‏/ ١٩٧
يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: لَمْ نُرْسِلْ يَا مُحَمَّدُ رَسُولًا إِلَّا فَرَضْتُ طَاعَتَهُ عَلَى مَنْ أَرْسَلْتُهُ إِلَيْهِ، يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَأَنْتَ يَا مُحَمَّدُ مِنَ الرُّسُلِ الَّذِينَ فَرَضْتُ طَاعَتَهُمْ عَلَى مَنْ أَرْسَلْتُهُ إِلَيْهِ. وَإِنَّمَا هَذَا مِنَ اللَّهِ تَوْبِيخٌ لِلْمُحْتَكِمِينَ مِنَ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ كَانُوا يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فِيمَا اخْتَصَمُوا فِيهِ إِلَى الطَّاغُوتِ، صُدُودًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. يَقُولُ لَهُمْ تَعَالَى ذِكْرُهُ: مَا أَرْسَلْتُ رَسُولًا إِلَّا فَرَضْتُ طَاعَتَهُ عَلَى مَنْ أَرْسَلْتُهُ إِلَيْهِ، فَمُحَمَّدٌ ﷺ مِنْ أُولَئِكَ الرُّسُلِ، فَمَنْ تَرَكَ طَاعَتَهُ وَالرِّضَا بِحُكْمِهِ وَاحْتَكَمَ إِلَى الطَّاغُوتِ، فَقَدْ خَالَفَ أَمْرِي وَضَيَّعَ فَرْضِي. ثُمَّ أَخْبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّ مِنْ أَطَاعَ رُسُلَهُ، فَإِنَّمَا يُطِيعُهُمْ بِإِذْنِهِ، يَعْنِي بِتَقْدِيرِهِ ذَلِكَ وَقَضَائِهِ السَّابِقِ فِي عِلْمِهِ وَمَشِيئَتِهِ. كَمَا:
٧ ‏/ ١٩٨
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿إِلَّا لَيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ [النساء: ٦٤] وَاجِبٌ لَهُمْ أَنْ يُطِيعَهُ مَنْ شَاءَ اللَّهُ، وَلَا يُطِيعُهُمْ أَحَدٌ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ” حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ شِبْلٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ وَإِنَّمَا هَذَا تَعْرِيضٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِهَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ تَرْكَهُمْ طَاعَةَ اللَّهِ وَطَاعَةَ رَسُولِهِ وَالرِّضَا بِحُكْمِهِ، إِنَّمَا هُوَ لِلسَّابِقِ لَهُمْ مِنْ خُذْلَانِهِ وَغَلَبَةِ الشَّقَاءِ عَلَيْهِمْ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَكَانُوا مِمَّنْ أَذِنَ لَهُ فِي الرِّضَا بِحُكْمِهِ وَالْمُسَارَعَةِ إِلَى طَاعَتِهِ
٧ ‏/ ١٩٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولَ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا﴾ يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَلَوْ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ وَصَفَ صِفَتَهُمْ فِي هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ، الَّذِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى حُكْمِ اللَّهِ وَحُكْمِ رَسُولِهِ صَدُّوا صُدُودًا، إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ بِاكْتِسَابِهِمْ إِيَّاهَا الْعَظِيمَ مِنَ الْإِثْمِ فِي احْتِكَامِهِمْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَصُدُودِهِمْ عَنْ كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ، إِذَا دُعُوا إِلَيْهَا جَاءُوكَ يَا مُحَمَّدُ حِينَ فَعَلُو مَا فَعَلُوا مِنْ مَصِيرِهِمْ إِلَى الطَّاغُوتِ رَاضِينَ بِحُكْمِهِ دُونَ حُكْمِكَ، جَاءُوكَ تَائِبِينَ مُنِيبِينَ، فَسَأَلُوا اللَّهَ أَنْ يَصْفَحَ لَهُمْ عَنْ عُقُوبَةِ ذَنْبِهِمْ بِتَغْطِيَتِهِ عَلَيْهِمْ، وَسَأَلَ لَهُمُ اللَّهَ رَسُولُهُ ﷺ مِثْلَ ذَلِكَ. وَذَلِكَ هُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ﴾ [النساء: ٦٤] وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا﴾ [النساء: ٦٤] فَإِنَّهُ يَقُولُ: لَوْ كَانُوا فَعَلُوا ذَلِكَ فَتَابُوا مِنْ ذُنُوبِهِمْ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا، يَقُولُ: رَاجِعًا لَهُمْ مِمَّا يَكْرَهُونَ إِلَى مَا يُحِبُّونَ، رَحِيمًا بِهِمْ فِي تَرْكِهِ عُقُوبَتَهُمْ عَلَى ذَنْبِهِمُ الَّذِي تَابُوا مِنْهُ وَقَالَ مُجَاهِدٌ: عَنَى بِذَلِكَ: الْيَهُودِيَّ وَالْمُسْلِمَ اللَّذَانِ تَحَاكَمَا إِلَى كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ
٧ ‏/ ١٩٩
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ﴾ [آل عمران: ١١٧] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [النساء: ٦٥] قَالَ: «إِنَّ هَذَا فِي الرَّجُلِ الْيَهُودِيِّ وَالرَّجُلِ الْمُسْلِمِ اللَّذَيْنِ تَحَاكَمَا إِلَى كَعْبِ بْنِ ⦗٢٠٠⦘ الْأَشْرَفِ»
٧ ‏/ ١٩٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [النساء: ٦٥] يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿فَلَا﴾ [البقرة: ٢٢] فَلَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ، وَهُمْ يَتَحَاكَمُونَ إِلَى الطَّاغُوتِ، وَيَصُدُّونَ عَنْكَ إِذَا دُعُوا إِلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ. وَاسْتَأْنَفَ الْقَسَمَ جَلَّ ذِكْرُهُ، فَقَالَ: ﴿وَرَبِّكَ﴾ [النساء: ٦٥] يَا مُحَمَّدُ ﴿لَا يُؤْمِنُونَ﴾ [البقرة: ٦] أَيْ لَا يُصَدِّقُونَ بِي وَبِكَ، وَبِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ ﴿حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ﴾ [النساء: ٦٥] يَقُولُ: «حَتَّى يَجْعَلُوكَ حَكَمًا بَيْنَهُمْ فِيمَا اخْتَلَطَ بَيْنَهُمْ مِنْ أُمُورِهِمْ، فَالْتَبَسَ عَلَيْهِمْ حُكْمُهُ، يُقَالَ: شَجَرَ يَشْجُرُ شُجُورًا وَشَجَرًا، وَتَشَاجَرَ الْقَوْمُ إِذَا اخْتَلَفُوا فِي الْكَلَامِ وَالْأَمْرِ مُشَاجَرَةً وَشِجَارًا ﴿ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ﴾ [النساء: ٦٥] يَقُولُ:»لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ ضِيقًا مِمَّا قَضَيْتَ، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ: ثُمَّ لَا تَحَرَّجُ أَنْفُسُهُمْ مِمَّا قَضَيْتَ: أَيْ لَا تَأْثَمُ بِإِنْكَارِهَا مَا قَضَيْتَ وَشَكِّهَا فِي طَاعَتِكَ وَأَنَّ الَّذِي قَضَيْتَ بِهِ بَيْنَهُمْ حَقٌّ لَا يَجُوزُ لَهُمْ خِلَافُهُ.

عن معز نوني

متحصّل على شهادة ختم الدروس للمعهد الأعلى لتكوين المعلمين بقفصة دفعة 2000، يعمل حاليًّا أستاذ مدارس إبتدائية

شاهد أيضاً

سُورَةُ الْفَاتِحَةِ

مَكِّيَّةٌ وَآيَاتُهَا سَبْعٌ ١ ‏/ ١١١ ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ [الفاتحة: ١] الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ …