الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ﴾ [النساء: ٢٥] وَهَذَا مِنَ الْمُؤَخَّرِ الَّذِي مَعْنَاهُ التَّقَدِيمُ وَتَأْوِيلُ ذَلِكَ: وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ، فَمِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ، فَلْيَنْكِحْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ، بِمَعْنَى: فَلْيَنْكِحْ هَذَا فَتَاةَ هَذَا. فَالْبَعْضُ مَرْفُوعٌ بِتَأْوِيلِ الْكَلَامِ، وَمَعْنَاهُ إِذْ كَانَ قَوْلُهُ: ﴿فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ [النساء: ٢٥] فِي تَأْوِيلِ: فَلْيَنْكِحْ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ، ثُمَّ رَدَّ بَعْضُكُمْ عَلَى ذَلِكَ الْمَعْنَى فَرُفِعَ. ثُمَّ قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ﴾ [النساء: ٢٥] أَيْ: وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِ مَنْ آمَنَ مِنْكُمْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، فَصَدَّقَ بِذَلِكَ كُلِّهِ مِنْكُمْ
٦ / ٦٠١
يَقُولُ: فَلْيَنْكِحْ مَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا لِحُرَّةٍ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ، لِيَنْكِحَ هَذَا الْمُقَتِّرُ الَّذِي لَا يَجِدُ طَوْلًا لِحُرَّةٍ مِنْ هَذَا الْمُوسِرِ فَتَاتَهُ الْمُؤْمِنَةَ الَّتِي قَدْ أَبْدَتِ الْإِيمَانَ فَأَظْهَرَتْهُ وَكِلُوا سَرَائِرَهُنَّ إِلَى اللَّهِ، فَإِنَّ عِلْمَ ذَلِكَ إِلَى اللَّهِ دُونَكُمْ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِسَرَائِرِكُمْ وَسَرَائِرِهِنَّ
٦ / ٦٠٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [النساء: ٢٥] يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿فَانْكِحُوهُنَّ﴾ [النساء: ٢٥] فَتَزَوَّجُوهُنَّ، وَبِقَوْلِهِ: ﴿بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ﴾ [النساء: ٢٥] بِإِذْنِ أَرْبَابِهِنَّ وَأَمْرِهِمْ إِيَّاكُمْ بِنِكَاحِهِنَّ وَرِضَاهُمْ وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ: ﴿وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ﴾ [النساء: ٢٥] وَأَعْطُوهُنَّ مُهُورَهُنَّ: كَمَا:
٦ / ٦٠٢
حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: ﴿وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ﴾ [النساء: ٢٥] قَالَ: «الصَّدَاقُ» وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ ﴿بِالْمَعْرُوفِ﴾ [النساء: ٢٥] عَلَى مَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِمَّا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَأَبَاحَهُ لَكُمْ أَنْ تَجْعَلُوهُ مُهُورًا لَهُنَّ
٦ / ٦٠٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: ﴿مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ﴾ [النساء: ٢٥] يَعْنِي بِقَوْلِهِ: ﴿مُحْصَنَاتٍ﴾ [النساء: ٢٥] عَفِيفَاتٍ ﴿غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ﴾ [النساء: ٢٥] غَيْرَ مُزَانِيَاتٍ ﴿وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ﴾ [النساء: ٢٥] يَقُولُ: “وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَصْدِقَاءٍ عَلَى السَّفَّاحِ. وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ قِيلَ كَذَلِكَ، لِأَنَّ الزَّوَانِي كُنَّ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فِي الْعَرَبِ الْمُعْلِنَاتِ بِالزِّنَا، وَالْمُتَّخِذَاتِ الْأَخْدَانَ: اللَّوَاتِي قَدْ حَبَسْنَ أَنْفُسَهُنَّ عَلَى الْخَلِيلِ وَالصَّدِيقِ ⦗٦٠٣⦘ لِلْفُجُورِ بِهَا سِرًّا دُونَ الْإِعْلَانِ بِذَلِكَ
٦ / ٦٠٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ﴾ [النساء: ٢٥] يَعْنِي: «تَنْكِحُوهُنَّ عَفَائِفَ غَيْرَ زَوَانِي فِي سِرٍّ وَلَا عَلَانِيَةٍ. ﴿وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ﴾ [النساء: ٢٥] يَعْنِي أَخِلَاءَ»
٦ / ٦٠٣
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي عنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ﴾ [النساء: ٢٥] الْمُسَافِحَاتُ: الْمُعَالِنَاتُ بِالزِّنَا. ﴿وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ﴾ [النساء: ٢٥] ذَاتُ الْخَلِيلِ الْوَاحِدِ. قَالَ: كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يُحَرِّمُونَ مَا ظَهَرَ مِنَ الزِّنَا، وَيَسْتَحِلُّونَ مَا خَفِي، يَقُولُونَ: أَمَّا مَا ظَهَرَ مِنْهُ فَهُوَ لُؤْمٌ، وَأَمَّا مَا خَفِيَ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تبارك وتعالى: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ﴾ [الأنعام: ١٥١] “
٦ / ٦٠٣
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُعْتَمِرٌ، قَالَ: سَمِعْتُ دَاوُدَ، يُحَدِّثُ عَنْ عَامِرٍ، قَالَ: “الزِّنَا زِنْيَانِ: تَزْنِي بِالْخِدْنِ وَلَا تَزْنِي بِغَيْرِهِ، وَتَكُونُ الْمَرْأَةُ شُؤْمًا. ⦗٦٠٤⦘ ثُمَّ قَرَأَ: ﴿مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ﴾ [النساء: ٢٥]
٦ / ٦٠٣
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: أَمَّا الْمُحْصَنَاتُ: فَالْعَفَائِفُ، فَلْتُنْكَحِ الْأَمَةُ بِإِذْنِ أَهْلِهَا مُحْصَنَةً، وَالْمُحْصَنَاتُ: الْعَفَائِفُ، غَيْرُ مُسَافِحَةٍ، وَالْمُسَافِحَةُ: الْمُعَالِنَةُ بِالزِّنَا، وَلَا مُتَّخِذَةً صَدِيقًا “
٦ / ٦٠٤
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ﴾ [النساء: ٢٥] قَالَ: «الْخَلِيلَةُ يَتَّخِذُهَا الرَّجُلُ، وَالْمَرْأَةُ تَتَّخِذُ الْخَلِيلَ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
٦ / ٦٠٤
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ﴾ [النساء: ٢٥] الْمُسَافِحَةُ: الْبَغِيُّ الَّتِي تُؤَاجِرُ نَفْسَهَا مِنْ عَرَضٍ لَهَا، وَذَاتُ الْخَدَنِ: ذَاتُ الْخَلِيلِ الْوَاحِدِ. فنَهَاهُمُ اللَّهُ عَنْ نِكَاحِهِمَا جَمِيعًا “
٦ / ٦٠٤
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: ثنا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ بْنَ مُزَاحِمٍ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ﴾ [النساء: ٢٥] أَمَّا الْمُحْصَنَاتُ، فَهُنَّ الْحَرَائِرُ، يَقُولُ: تَزَوَّجْ حُرَّةً. وَأَمَّا الْمُسَافِحَاتُ: فَهُنَّ الْمُعْلِنَاتُ بِغَيْرِ مَهْرٍ. وَأَمَّا مُتَّخِذَاتُ أَخْدَانٍ: فَذَاتُ الْخَلِيلِ ⦗٦٠٥⦘ الْوَاحِدِ الْمُسْتَسِرَّةُ بِهِ. نَهَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ “
٦ / ٦٠٤
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ سَالِمٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: «الزِّنَا وَجْهَانِ قَبِيحَانِ، أَحَدُهُمَا أَخْبَثُ مِنَ الْآخَرِ: فَأَمَّا الَّذِي هُوَ أَخْبَثُهُمَا فَالْمُسَافِحَةُ الَّتِي تَفْجُرُ بِمَنْ أَتَاهَا، وَأَمَّا الْآخَرُ فَذَاتُ الْخَدَنِ»
٦ / ٦٠٥
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ﴾ [النساء: ٢٥] قَالَ: «الْمُسَافِحُ: الَّذِي يَلْقَى الْمَرْأَةَ فَيَفْجُرُ بِهَا، ثُمَّ يَذْهَبُ وَتَذْهَبُ. وَالْمُخَادِنُ: الَّذِي يُقِيمُ مَعَهَا عَلَى مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَتُقِيمُ مَعَهُ، فَذَاكَ الْأَخْدَانُ»
٦ / ٦٠٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَإِذَا أُحْصِنَّ﴾ [النساء: ٢٥] اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَهُ بَعْضُهُمْ: (فَإِذَا أَحْصِنَّ)، بِفَتْحِ الْأَلِفِ، بِمَعْنَى: إِذَا أَسْلَمْنَ فَصِرْنَ مَمْنُوعَاتِ الْفُرُوجِ مِنَ الْحَرَامِ بِالْإِسْلَامِ وَقَرَأَهُ آخَرُونَ: ﴿فَإِذَا أُحْصِنَّ﴾ [النساء: ٢٥] بِمَعْنَى: فَإِذَا تَزَوَّجْنَ فَصِرْنَ مَمْنُوعَاتِ الْفُرُوجِ مِنَ الْحَرَامِ بِالْأَزْوَاجِ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ مُسْتَفِيضَتَانِ فِي أَمْصَارِ الْإِسْلَامِ، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ فِي قِرَاءَتِهِ الصَّوَابَ. فَإِنْ ظَنَّ ظَانٌّ أَنَّ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ إِذْ كَانَتَا مُخْتَلِفَتَيِ الْمَعْنَى، وَإِنَّمَا تَجُوزُ
٦ / ٦٠٥
الْقِرَاءَةُ بِالْوَجْهَيْنِ فِيمَا اتَّفَقَتْ عَلَيْهِ الْمَعَانِي فَقَدْ أَغْفَلَ؛ وَذَلِكَ أَنَّ مَعْنَيَيْ ذَلِكَ وَإِنِ اخْتَلَفَا فَغَيْرُ دَافِعٍ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ، لِأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَوْجَبَ عَلَى الْأَمَةِ ذَاتِ الْإِسْلَامِ وَغَيْرِ ذَاتِ الْإِسْلَامِ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ ﷺ الْحَدَّ، فَقَالَ ﷺ: «إِذَا زَنَتْ أَمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيَجْلِدْهَا كِتَابَ اللَّهَ وَلَا يُثَرِّبْ عَلَيْهَا، ثُمَّ إِذَا عَادَتْ فَلْيَضْرِبْهَا كِتَابَ اللَّهِ وَلَا يُثَرِّبْ عَلَيْهَا، ثُمَّ إِنْ عَادَتْ فَلْيَضْرِبْهَا كِتَابَ اللَّهِ وَلَا يُثَرِّبْ عَلَيْهَا، ثُمَّ إِنْ زَنَتِ الرَّابِعَةَ فَلْيَضْرِبْهَا كِتَابَ اللَّهِ وَلْيَبِعْهَا وَلَوْ بِحَبْلٍ مِنْ شَعْرٍ» . وَقَالَ ﷺ: «أَقِيمُوا الْحُدُودَ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ» . فَلَمْ يُخَصِّصْ بِذَلِكَ ذَاتَ زَوْجٍ مِنْهُنَّ وَلَا غَيْرَ ذَاتِ زَوْجٍ، فَالْحُدُودُ وَاجِبَةٌ عَلَى مَوَالِي الْإِمَاءِ إِقَامَتُهَا عَلَيْهِنَّ إِذَا فَجَرْنَ بِكِتَابِ اللَّهِ وَأَمْرِ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ
٦ / ٦٠٦
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَمَا أَنْتَ قَائِلٌ فِيمَا: حَدَّثَكُمْ بِهِ ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ سُئِلَ عَنِ الْأَمَةِ تَزْنِي وَلَمْ تُحْصَنْ قَالَ: «اجْلِدْهَا، فَإِنْ زَنَتْ فَاجْلِدْهَا، فَإِنْ زَنَتْ فَاجْلِدْهَا، فَإِنْ زَنَتْ فَقَالَ فِي الثَّالِثَةِ أَوِ الرَّابِعَةِ فَبِعْهَا وَلَوْ بِضَفِيرٍ» وَالضَّفِيرُ: الشَّعْرُ «⦗٦٠٧⦘ حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: ثنا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ سُئِلَ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ فَقَدْ بَيَّنَ أَنَّ الْحَدَّ الَّذِي وَجَبَ إِقَامَتُهُ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عَلَى الْإِمَاءِ هُوَ مَا كَانَ قَبْلَ إِحْصَانِهِنَّ؛ فَأَمَّا مَا وَجَبَ مِنْ ذَلِكَ عَلَيْهِنَّ بِالْكِتَابِ، فَبَعْدَ إِحْصَانِهِنَّ؟ قِيلَ لَهُ: قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ أَحَدَ مَعَانِي الْإِحْصَانِ: الْإِسْلَامُ، وَأَنَّ الْآخَرَ مِنْهُ التَّزْوِيجُ وَأَنَّ الْإِحْصَانَ كَلِمَةٌ تَشْتَمِلُ عَلَى مَعَانٍ شَتَّى، وَلَيْسَ فِي رِوَايَةِ مَنْ رَوَى عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْأَمَةِ تَزْنِي قَبْلَ أَنْ تُحْصَنَ بَيَانُ أَنَّ الَّتِي سُئِلَ عَنْهَا النَّبِيُّ ﷺ هِيَ الَّتِي تَزْنِي قَبْلَ التَّزْوِيجِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ حُجَّةٌ لِمُحْتَجٍّ فِي أَنَّ الْإِحْصَانَ الَّذِي سَنَّ ﷺ حَدُّ الْإِمَاءِ فِي الزِّنَا هُوَ الْإِسْلَامُ دُونَ التَّزْوِيجِ، وَلَا أَنَّهُ هُوَ التَّزْوِيجُ دُونَ الْإِسْلَامِ. وَإِذْ كَانَ لَا بَيَانَ فِي ذَلِكَ، فَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ، أَنَّ كُلَّ مَمْلُوكَةٍ زَنَتْ فَوَاجِبٌ عَلَى مَوْلَاهَا إِقَامَةُ الْحَدِّ عَلَيْهَا، مُتَزَوِّجَةً كَانَتْ أَوْ غَيْرَ مُتَزَوِّجَةٍ، لِظَاهِرِ كِتَابِ اللَّهِ وَالثَّابِتِ مِنْ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، إِلَّا مَنْ أَخْرَجَهُ مِنْ وُجُوبِ الْحَدِّ عَلَيْهِ مِنْهُنَّ بِمَا يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهُ. وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ تَبَيَّنَ بِهِ صِحَّةُ مَا اخْتَرْنَا مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي قَوْلِهِ: ﴿فَإِذَا أُحْصِنَّ﴾ [النساء: ٢٥] فَإِنْ ظَنَّ ظَانٌّ أَنَّ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ ⦗٦٠٨⦘ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ﴾ [النساء: ٢٥] دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ: ﴿فَإِذَا أُحْصِنَّ﴾ [النساء: ٢٥] مَعْنَاهُ: تَزَوَّجْنَ، إِذْ كَانَ ذِكْرُ ذَلِكَ بَعْدَ وَصْفِهِنَّ بِالْإِيمَانِ بِقَوْلِهِ: ﴿مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ﴾ [النساء: ٢٥] وَحَسِبَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَحْتَمِلُ مَعْنًى غَيْرَ مَعْنَى التَّزْوِيجِ، مَعَ مَا تَقَدَّمَ ذَلِكَ مِنْ وَصْفِهِنَّ بِالْإِيمَانِ، فَقَدْ ظَنَّ خَطَأً؛ وَذَلِكَ أَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَحِيلٍ فِي الْكَلَامِ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى ذَلِكَ: وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ، فَإِذَا هُنَّ آمَنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ، فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ، فَيَكُونُ الْخَبَرُ بَيَانًا عَمَّا يَجِبُ عَلَيْهِنَّ مِنَ الْحَدِّ إِذَا أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ بَعْدَ إِيمَانِهِنَّ بَعْدَ الْبَيَانِ عَمَّا لَا يَجُوزُ لِنَاكِحِهِنَّ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ نِكَاحِهِنَّ، وَعَمَّنْ يَجُوزُ نِكَاحُهُ لَهُ مِنْهُنَّ. فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ غَيْرَ مُسْتَحِيلٍ فِي الْكَلَامِ فَغَيْرُ جَائِزٍ لِأَحَدٍ صَرْفُ مَعْنَاهُ إِلَى أَنَّهُ التَّزْوِيجُ دُونَ الْإِسْلَامِ، مِنْ أَجْلِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ وَصْفِ اللَّهِ إِيَّاهُنَّ بِالْإِيمَانِ غَيْرَ أَنَّ الَّذِيَ نَخْتَارُ لِمَنْ قَرَأَ: مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ، بِفَتْحِ الصَّادِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ أَنْ يَقْرَأَ ﴿فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ﴾ [النساء: ٢٥] بِضَمِّ الْأَلِفِ، وَلِمَنْ قَرَأَ: مُحْصِنَاتٍ، بِكَسْرِ الصَّادِ فِيهِ، أَنْ يَقْرَأَ: فَإِذَا أَحْصَنَّ بِفَتْحِ الْأَلِفِ، لِتَأْتَلِفَ قِرَاءَةُ الْقَارِئِ عَلَى مَعْنًى وَاحِدٍ وَسِيَاقٍ وَاحِدٍ، لِقُرْبِ قَوْلِهِ: ﴿مُحْصَنَاتٍ﴾ [النساء: ٢٥] مِنْ قَوْلِهِ: ﴿فَإِذَا أُحْصِنَّ﴾ [النساء: ٢٥] وَلَوْ خَالَفَ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَحْنًا، غَيْرَ أَنَّ وَجْهَ الْقِرَاءَةِ مَا وَصَفْتُ وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ نَظِيرَ اخْتِلَافِ الْقُرَّاءِ فِي قِرَاءَتِهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى قَوْلِهِ ﴿فَإِذَا أُحْصِنَّ﴾ [النساء: ٢٥] فَإِذَا أَسْلَمْنَ»
٦ / ٦٠٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَزِيعٍ، قَالَ: ثنا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ، قَالَ: «إِسْلَامُهَا إِحْصَانُهَا»
٦ / ٦٠٩
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ مِهْرَانَ، حَدَّثَهُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ الْحَارِثِ: أَنَّ النُّعْمَانَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُقَرِّنٍ سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ، فَقَالَ: أَمَتِي زَنَتْ؟ فَقَالَ: اجْلِدْهَا خَمْسِينَ جَلْدَةً. قَالَ: إِنَّهَا لَمْ تُحْصَنْ. فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: «إِحْصَانُهَا إِسْلَامُهَا»
٦ / ٦٠٩
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ: أَنَّ النُّعْمَانَ بْنَ مُقَرِّنٍ سَأَلَ ابْنَ مَسْعُودٍ عَنْ: أَمَةٍ زَنَتْ وَلَيْسَ لَهَا زَوْجٌ، فَقَالَ: «إِسْلَامُهَا إِحْصَانُهَا»
٦ / ٦٠٩
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَقُولُ: «إِحْصَانُهَا إِسْلَامُهَا»
٦ / ٦١٠
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ سَالِمٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، أَنَّهُ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿فَإِذَا أُحْصِنَّ﴾ [النساء: ٢٥] قَالَ: يَقُولُ: «إِذَا أَسْلَمْنَ»
٦ / ٦١٠
حَدَّثَنَا أَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: «الْأَمَةُ إِحْصَانُهَا: إِسْلَامُهَا»
٦ / ٦١٠
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ مُغِيرَةُ: أُخْبِرْنَا عنْ إِبْرَاهِيمَ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: ﴿فَإِذَا أُحْصِنَّ﴾ [النساء: ٢٥] يَقُولُ: «إِذَا أَسْلَمْنَ»
٦ / ٦١٠
حَدَّثَنَا أَبُو هِشَامٍ قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: «الْإِحْصَانُ: الْإِسْلَامُ»
٦ / ٦١٠
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ بُرْدِ بْنِ سِنَانٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: «جَلَدَ عُمَرُ رضي الله عنه وَلَائِدَ أَبْكَارًا مِنْ وَلَائِدِ الْأَمَارَةِ فِي الزِّنَا»
٦ / ٦١٠
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا ⦗٦١١⦘ أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿فَإِذَا أُحْصِنَّ﴾ [النساء: ٢٥] يَقُولُ: «إِذَا أَسْلَمْنَ»
٦ / ٦١٠
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ سَالِمٍ، وَالْقَاسِمِ، قَالَا: “إِحْصَانُهَا: إِسْلَامُهَا وَعَفَافُهَا، فِي قَوْلِهِ: ﴿فَإِذَا أُحْصِنَّ﴾ [النساء: ٢٥] وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿فَإِذَا أُحْصِنَّ﴾ [النساء: ٢٥] فَإِذَا تَزَوَّجْنَ
٦ / ٦١١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿فَإِذَا أُحْصِنَّ﴾ [النساء: ٢٥] يَعْنِي: «إِذَا تَزَوَّجْنَ حُرًّا»
٦ / ٦١١
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا حُصَيْنٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ: ﴿فَإِذَا أُحْصِنَّ﴾ [النساء: ٢٥] يَقُولُ: «إِذَا تَزَوَّجْنَ»
٦ / ٦١١
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يَقْرَأُ: ﴿فَإِذَا أُحْصِنَّ﴾ [النساء: ٢٥] يَقُولُ: «تَزَوَّجْنَ»
٦ / ٦١١
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ إِدْرِيسَ، قَالَ: سَمِعْتُ: لَيْثًا، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: إِحْصَانُ الْأَمَةِ أَنْ يَنْكِحَهَا، الْحُرُّ، وَإِحْصَانُ الْعَبْدِ أَنْ يَنْكِحَ الْحُرَّةَ “
٦ / ٦١١
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ ⦗٦١٢⦘ مُرَّةَ، أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ، يَقُولُ: «لَا تُضْرَبُ الْأَمَةُ إِذَا زَنَتْ مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ»
٦ / ٦١١
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿فَإِذَا أُحْصِنَّ﴾ [النساء: ٢٥] قَالَ: «أَحْصَنَتَهُنَّ الْبُعُولَةُ»
٦ / ٦١٢
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿فَإِذَا أُحْصِنَّ﴾ [النساء: ٢٥] قَالَ: أَحْصَنَتْهُنَّ الْبُعُولَةُ “
٦ / ٦١٢
حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عِيَاضُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، أَنَّ الشَّعْبِيَّ، أَخْبَرَهُ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ: أَنَّهُ، أَصَابَ جَارِيَةً لَهُ قَدْ كَانَتْ زَنَتْ، وَقَالَ: أَحْصَنْتُهَا ” قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَهَذَا التَّأْوِيلُ عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ: ﴿فَإِذَا أُحْصِنَّ﴾ [النساء: ٢٥] بِضَمِّ الْأَلِفِ، وَعَلَى تَأْوِيلِ مَنْ قَرَأَ: فَإِذَا أَحْصِنَّ، بِفَتْحِهَا. وَقَدْ بَيَّنَّا الصَّوَابَ مِنَ الْقَوْلِ وَالْقِرَاءَةِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا
٦ / ٦١٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ﴾ [النساء: ٢٥] يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ﴾ [النساء: ٢٥] فَإِنْ أَتَتْ فَتَيَاتُكُمْ، وَهُنَّ إِمَاؤُكُمْ، بَعْدَ مَا أُحْصِنَّ بِإِسْلَامِ، أَوْ أُحْصِنَّ بِنِكَاحٍ بِفَاحِشَةٍ، وَهِيَ الزِّنَا ﴿فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ﴾ [النساء: ٢٥] يَقُولُ: “فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْحَرَائِرِ مِنَ الْحَدِّ إِذَا هُنَّ زَنَيْنَ قَبْلَ الْإِحْصَانِ بِالْأَزْوَاجِ،
٦ / ٦١٢
وَالْعَذَابُ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ تبارك وتعالى فِي هَذَا الْمَوْضِعِ هُوَ الْحَدُّ. وَذَلِكَ النِّصْفُ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ عَذَابًا لِمَنْ أَتَى بِالْفَاحِشَةِ مِنَ الْإِمَاءِ إِذَا هُنَّ أُحْصِنَّ خَمْسُونَ جَلْدَةً، وَنَفْي سِتَّةِ أَشْهُرٍ، وَذَلِكَ نِصْفُ عَامٍ، لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْحُرَّةِ إِذَا هِيَ أَتَتْ بِفَاحِشَةٍ قَبْلَ الْإِحْصَانِ بِالزَّوْجِ: جَلْدُ مِائَةٍ، وَنَفْيِ حَوْلٍ، فَالنِّصْفُ مِنْ ذَلِكَ خَمْسُونَ جَلْدَةً، وَنَفْي نِصْفِ سَنَةٍ، وَذَلِكَ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ عَذَابًا لِلْإِمَاءِ الْمُحْصَنَاتِ إِذَا هُنَّ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ. كَمَا:
٦ / ٦١٣
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، ثني مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «﴿فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ﴾ [النساء: ٢٥]»
٦ / ٦١٣
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ﴾ [النساء: ٢٥] خَمْسُونَ جَلْدَةً، وَلَا نَفْيَ وَلَا رَجْمَ ” فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَكَيْفَ ﴿فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ﴾ [النساء: ٢٥] وَهَلْ يَكُونُ الْجَلْدُ عَلَى أَحَدٍ؟ قِيلَ: إِنَّ مَعْنَى ذَلِكَ فَلَازِمُ أَبْدَانِهِنَّ أَنْ تُجْلَدَ نِصْفَ مَا يَلْزَمُ أَبْدَانَ الْمُحْصَنَاتِ، كَمَا يُقَالَ: عَلَيَّ صَلَاةُ يَوْمٍ، بِمَعْنَى: لَازِمٌ عَلَيَّ أَنْ أُصَلِّيَ صَلَاةَ يَوْمٍ، وَعَلَيَّ الْحَجُّ وَالصِّيَامُ مِثْلُ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ عَلَيْهِ الْحَدُّ بِمَعْنَى لَازِمٌ لَهُ إِمْكَانُ نَفْسِهِ مِنَ الْحَدِّ لِيُقَامَ عَلَيْهِ
٦ / ٦١٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ﴾ [النساء: ٢٥] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ ذَلِكَ: هَذَا الَّذِي أَبَحْتُ أَيُّهَا النَّاسُ مِنْ نِكَاحِ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ لِمَنْ لَا يَسْتَطِيعُ مِنْكُمْ طَوْلًا لِنِكَاحِ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ، أَبَحْتُهُ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ دُونَ غَيْرِهِ مِمَّنْ لَا يَخْشَى الْعَنَتَ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ الزِّنَا
٦ / ٦١٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ إِدْرِيسَ، قَالَ: سَمِعْتُ لَيْثًا، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ﴾ [النساء: ٢٥] قَالَ: «الزِّنَا»
٦ / ٦١٤
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، عَنِ الْعَوَّامِ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ: «مَا ازْلَحَفَّ نَاكِحُ الْأَمَةِ عَنِ الزِّنَا إِلَّا قَلِيلًا»
٦ / ٦١٤
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «الْعَنَتُ: الزِّنَا»
٦ / ٦١٤
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا عُبَيْدُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: ثنا شَرِيكٌ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «الْعَنَتُ: الزِّنَا»
٦ / ٦١٤
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، ⦗٦١٥⦘ قَالَ: مَا ازْلَحَفَّ نَاكِحُ الْأَمَةِ عَنِ الزِّنَا، إِلَّا قَلِيلًا، ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ ” حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، نَحْوَهُ
٦ / ٦١٤
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا حَبَّانُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا فُضَيْلُ بْنُ مَرْزُوقٍ، عَنْ عَطِيَّةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ﴾ [النساء: ٢٥] قَالَ: «الزِّنَا» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي حَمَّادٍ قَالَ: ثنا فُضَيْلٌ، عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ، مِثْلَهُ
٦ / ٦١٥
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا أَبُو زُهَيْرٍ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ﴾ [النساء: ٢٥] قَالَ: «الزِّنَا»
٦ / ٦١٥
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدَةُ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، وَجُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، قَالَا: «الْعَنَتُ: الزِّنَا»
٦ / ٦١٥
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمٍ، قَالَ: ثنا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: ثنا فُضَيْلُ بْنُ مَرْزُوقٍ، عَنْ عَطِيَّةَ: ﴿ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ﴾ [النساء: ٢٥] قَالَ: «الْعَنَتَ: الزِّنَا» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: الْعُقُوبَةُ الَّتِي تُعْنِتُهُ، وَهِيَ الْحَدُّ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي قَوْلِهِ: ﴿ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ﴾ [النساء: ٢٥] ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مِنْكُمْ ضَرَرًا فِي دِينِهِ وَبَدَنِهِ. وَذَلِكَ أَنَّ الْعَنَتَ هُوَ مَا ضَرَّ الرَّجُلَ، يُقَالَ مِنْهُ: قَدْ عَنَتَ فُلَانٌ فَهُوَ يَعْنَتُ عَنَتًا: إِذَا أَتَى مَا يَضُرُّهُ فِي دِينٍ أَوْ دُنْيَا، وَمِنْهُ قَوْلُ اللَّهِ تبارك وتعالى: ﴿وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ﴾ [آل عمران: ١١٨] وَيُقَالَ: قَدْ أَعْنَتَنِي فُلَانٌ فَهُوَ يُعْنِتُنِي: إِذَا نَالَنِي بِمَضَرَّةٍ؛ وَقَدْ قِيلَ: الْعَنَتَ: الْهَلَاكُ. فَالَّذِينَ وَجَّهُوا تَأْوِيلَ ذَلِكَ إِلَى الزِّنَا، قَالُوا: الزِّنَا ضَرَرٌ فِي الدِّينِ، وَهُوَ مِنَ الْعَنَتِ. وَالَّذِينَ وَجَّهُوهُ إِلَى الْإِثْمِ، قَالُوا: الْآثَامُ كُلُّهَا ضَرَرٌ فِي الدِّينِ وَهِيَ مِنَ الْعَنَتَ. وَالَّذِينَ وَجَّهُوهُ إِلَى الْعُقُوبَةِ الَّتِي تُعْنِتُهُ فِي بَدَنِهِ مِنَ الْحَدِّ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا: الْحَدُّ مَضَرَّةٌ عَلَى بَدَنِ الْمَحْدُودِ فِي دُنْيَاهُ، وَهُوَ مِنَ الْعَنَتِ. وَقَدْ عَمَّ اللَّهُ بِقَوْلِهِ: ﴿لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ﴾ [النساء: ٢٥] جَمِيعَ مَعَانِي الْعَنَتِ، وَيَجْمَعُ جَمِيعَ ذَلِكَ الزِّنَا، لِأَنَّهُ يُوجِبُ الْعُقُوبَةَ عَلَى صَاحِبِهِ فِي الدُّنْيَا بِمَا يُعْنِتُ بَدَنَهُ، وَيَكْتَسِبُ بِهِ إِثْمًا وَمَضَرَّةً فِي دِينِهِ وَدُنْيَاهُ. وَقَدِ اتَّفَقَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ الَّذِي هُمْ أَهْلُهُ، عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مَعْنَاهُ. فَهُوَ وَإِنْ كَانَ فِي عَيْنِهِ لَذَّةٌ وَقَضَاءُ شَهْوَةٍ فَإِنَّهُ بِأَدَائِهِ إِلَى الْعَنَتِ مَنْسُوبٍ إِلَيْهِ مَوْصُوفٌ بِهِ إِنْ كَانَ لِلْعَنَتِ سَبَبًا
٦ / ٦١٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [النساء: ٢٥]⦗٦١٧⦘ يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِذَلِكَ: وَأَنْ تَصْبِرُوا أَيُّهَا النَّاسُ عَنْ نِكَاحِ الْإِمَاءِ خَيْرٌ لَكُمْ، وَاللَّهُ غَفُورٌ لَكُمْ نِكَاحَ الْإِمَاءِ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ عَلَى مَا أَحَلَّ لَكُمْ وَأَذِنَ لَكُمْ بِهِ، وَمَا سَلَفَ مِنْكُمْ فِي ذَلِكَ إِنْ أَصْلَحْتُمْ أُمُورَ أَنْفُسِكُمْ فِيمَا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ اللَّهِ، رَحِيمٌ بِكُمِ، إِذْ أَذِنَ لَكُمْ فِي نِكَاحِهِنَّ عِنْدَ الِافْتِقَارِ وَعَدَمِ الطَّوْلِ لِلْحُرَّةِ وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٦ / ٦١٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: ﴿وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ﴾ [النساء: ٢٥] قَالَ: «عَنْ نِكَاحِ الْأَمَةِ»
٦ / ٦١٧
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ إِدْرِيسَ، قَالَ: سَمِعْتُ لَيْثًا، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ﴾ [النساء: ٢٥] قَالَ: «عَنْ نِكَاحِ الْإِمَاءِ»
٦ / ٦١٧
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ،: ﴿وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ﴾ [النساء: ٢٥] يَقُولُ: «وَأَنْ تَصْبِرْ وَلَا تَنْكِحِ الْأَمَةَ فَيَكُونُ وَلَدُكَ مَمْلُوكِينَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ»
٦ / ٦١٧
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدِ: ﴿وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ﴾ [النساء: ٢٥] يَقُولُ: «وَأَنْ تَصْبِرُوا عَنْ نِكَاحِ الْإِمَاءِ خَيْرٌ لَكُمْ، وَهُوَ حِلٌّ»
٦ / ٦١٧
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ﴾ [النساء: ٢٥] يَقُولُ: «وَأَنْ تَصْبِرُوا عَنْ نِكَاحِهِنَّ، يَعْنِي: نِكَاحَ الْإِمَاءِ خَيْرٌ لَكُمْ»
٦ / ٦١٨
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا حَبَّانُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا فُضَيْلُ بْنُ مَرْزُوقٍ، عَنْ عَطِيَّةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ﴾ [النساء: ٢٥] قَالَ: «أَنْ تَصْبِرُوا عَنْ نِكَاحِ الْإِمَاءِ خَيْرٌ لَكُمْ»
٦ / ٦١٨
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا حَبَّانٌ، قَالَ: ثنا ابْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ: ﴿وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ﴾ [النساء: ٢٥] قَالَ: «أَنْ تَصْبِرُوا عَنْ نِكَاحِ الْأَمَةِ خَيْرٌ لَكُمْ»
٦ / ٦١٨
حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ﴾ [النساء: ٢٥] قَالَ: «وَأَنْ تَصْبِرُوا عَنِ الْأَمَةِ خَيْرٌ لَكُمْ» وَأَنْ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَأَنَ تَصْبِرُوا﴾ [النساء: ٢٥] فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بِخَيْرٍ، بِمَعْنَى: وَالصَّبْرُ عَنْ نِكَاحِ الْإِمَاءِ خَيْرٌ لَكُمْ
٦ / ٦١٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ
٦ / ٦١٨
قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [النساء: ٢٦] يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ﴾ [النساء: ٢٦] حَلَالَهُ وَحَرَامَهُ ﴿وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ [النساء: ٢٦] يَقُولُ: «وَلِيُسَدِّدَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ، يَعْنِي: سُبُلَ مَنْ قَبْلَكُمْ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَأَنْبِيَائِهِ وَمَنَاهِجِهِمْ، فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ مِنْ نِكَاحِ الْأُمَّهَاتِ وَالْبَنَاتِ وَالْأَخَوَاتِ، وَسَائِرِ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ فِي الْآيَتَيْنِ اللَّتَيْنِ بَيَّنَ فِيهِمَا مَا حَرُمَ مِنَ النِّسَاءِ ﴿وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ﴾ [النساء: ٢٦] يَقُولُ:»يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يَرْجِعَ بِكُمْ إِلَى طَاعَتِهِ فِي ذَلِكَ مِمَّا كُنْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ مَعْصِيَتِهِ فِي فِعْلِكُمْ ذَلِكَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ، وَقَبْلَ أَنْ يُوحِيَ مَا أَوْحَى إِلَى نَبِيِّهِ مِنْ ذَلِكَ عَلَيْكُمْ، لِيَتَجَاوَزَ لَكُمْ بِتَوْبَتِكِمْ عَمَّا سَلَفَ مِنْكُمْ مِنْ قَبِيحِ ذَلِكَ قَبْلَ إِنَابَتِكُمْ وَتَوْبَتِكُمْ. ﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: ٩٥] يَقُولُ: “وَاللَّهُ ذُو عِلْمٍ بِمَا يُصْلِحُ عِبَادَهُ فِي أَدْيَانِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أُمُورِهِمْ، وَبِمَا يَأْتُونَ وَيَذَرُونَ مَا أَحَلَّ أَوْ حَرُمَ عَلَيْهِمْ حَافِظٌ ذَلِكَ كُلَّهُ عَلَيْهِمْ، حَكِيمٌ بِتَدْبِيرِهِ فِيهِمْ فِي تَصْرِيفِهِمْ فِيمَا صَرَفَهُمْ فِيهِ، وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ﴾ [النساء: ٢٦] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى ذَلِكَ: يُرِيدُ اللَّهُ هَذَا مِنْ أَجْلِ أَنْ يُبَيِّنَ لَكُمْ، وَقَالَ: ذَلِكَ كَمَا قَالَ: ﴿وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمْ﴾ [الشورى: ١٥] بِكَسْرِ اللَّامِ، لِأَنَّ مَعْنَاهُ: أُمِرْتُ بِهَذَا مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُبَيِّنَ لَكُمْ، وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ؛ وَقَالُوا: مِنْ شَأْنِ الْعَرَبِ التَّعْقِيبُ بَيْنَ كَيْ وَلَامِ كَيْ وَأَنْ، وَوَضْعُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ مَوْضِعَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ أُخْتِهَا مَعَ أَرَدْتُ وَأَمَرْتُ، فَيَقُولُونَ: أَمَرْتُكَ أَنْ تَذْهَبَ وِلِتَذْهَبَ، وَأَرَدْتُ أَنْ تَذْهَبَ وَلِتَذْهَبَ، كَمَا قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الأنعام: ٧١] وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ
٦ / ٦١٩
آخَرَ: ﴿أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ﴾ [الأنعام: ١٤] . وَكَمَا قَالَ: ﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ﴾ ثُمَّ قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا﴾ وَاعْتَلُّوا فِي تَوْجِيهِهِمْ أَنْ مَعَ أُمِرْتُ وَأَرَدْتُ إِلَى مَعْنَى كَيْ وَتَوْجِيهِ كَيْ مَعَ ذَلِكَ إِلَى مَعْنَى أَنْ لِطَلَبِ أَرَدْتُ وَأُمِرْتُ الِاسْتِقْبَالَ، وَأَنَّهَا لَا يَصْلُحُ مَعَهَا الْمَاضِي، لَا يُقَالَ: أَمَرْتُكَ أَنْ قُمْتَ وَلَا أَرَدْتُ أَنْ قُمْتَ. قَالُوا: فَلَمَّا كَانَتْ أَنْ قَدْ تَكُونُ مَعَ الْمَاضِي فِي غَيْرِ أَرَدْتُ وَأُمِرْتُ، ذَكَرُوا لَهَا مَعْنَى الِاسْتِقْبَالَ بِمَا لَا يَكُونُ مَعَهُ مَاضٍ مِنَ الْأَفْعَالِ بِحَالٍ، مِنْ كَيْ وَاللَّامِ الَّتِي فِي مَعْنَى كَيْ؛ قَالُوا: وَكَذَلِكَ جَمَعَتِ الْعَرَبُ بَيْنَهُنَّ أَحْيَانًا فِي الْحَرْفِ الْوَاحِدِ، فَقَالَ قَائِلُهُمْ فِي الْجَمْعِ:
[البحر الطويل] أَرَدْتُ لِكَيْمَا أَنْ تَطِيرَ بِقِرْبَتِي … فَتَتْرُكَهَا شَنًّا بِبَيْدَاءَ بَلْقَعِ
فَجَمَعَ بَيْنَهُنَّ لِاتِّفَاقِ مَعَانِيهِنَّ وَاخْتِلَافِ أَلْفَاظِهِنَّ، كَمَا قَالَ الْآخَرُ:
[البحر الرجز] قَدْ يَكْسِبُ الْمَالَ الْهِدَانُ الْجَافِي …
[البحر الطويل] أَرَدْتُ لِكَيْمَا أَنْ تَطِيرَ بِقِرْبَتِي … فَتَتْرُكَهَا شَنًّا بِبَيْدَاءَ بَلْقَعِ
فَجَمَعَ بَيْنَهُنَّ لِاتِّفَاقِ مَعَانِيهِنَّ وَاخْتِلَافِ أَلْفَاظِهِنَّ، كَمَا قَالَ الْآخَرُ:
[البحر الرجز] قَدْ يَكْسِبُ الْمَالَ الْهِدَانُ الْجَافِي …
٦ / ٦٢٠
بِغَيْرِ لَا عَصْفٍ وَلَا اصْطِرَافِ
فَجَمَعَ بَيْنَ غَيْرٍ وَلَا، تَوْكِيدًا لِلنَّفْيِ؛ قَالُوا: وَإِنَّمَا يَجُوزُ أَنْ يَجْعَلَ أَنْ مَكَانْ كَيْ، وَكَيْ مَكَانَ أَنْ فِي الْأَمَاكِنِ الَّتِي لَا يَصْحَبُ جَالِبَ ذَلِكَ مَاضٍ مِنَ الْأَفْعَالِ أَوْ غَيْرُ الْمُسْتَقْبَلِ؛ فَأَمَّا مَا صَحِبَهُ مَاضٍ مِنَ الْأَفْعَالِ وَغَيْرُ الْمُسْتَقْبَلِ فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ. لَا يَجُوزُ عِنْدَهُمْ أَنْ يُقَالَ: طَنَنْتُ لِيَقُومَ، وَلَا أَظُنُّ لِيَقُومَ، بِمَعْنَى: أَظُنُّ أَنْ يَقُومَ، لِأَنَّ الَّتِي تَدْخُلُ مَعَ الظَّنِّ تَكُونُ مَعَ الْمَاضِي مِنَ الْفِعْلِ، يُقَالَ: أَظُنُّ أَنْ قَدْ قَامَ زَيْدٌ وَمَعَ الْمُسْتَقْبَلِ وَمَعَ الْأَسْمَاءِ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ عِنْدِي قَوْلُ مَنْ قَالَ: إِنَّ اللَّامَ فِي قَوْلِهِ ﴿يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ﴾ [النساء: ٢٦] بِمَعْنَى: يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُبَيِّنَ لَكُمْ؛ لِمَا ذَكَرْتُ مِنْ عِلَّةِ مَنْ قَالَ: إِنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ
فَجَمَعَ بَيْنَ غَيْرٍ وَلَا، تَوْكِيدًا لِلنَّفْيِ؛ قَالُوا: وَإِنَّمَا يَجُوزُ أَنْ يَجْعَلَ أَنْ مَكَانْ كَيْ، وَكَيْ مَكَانَ أَنْ فِي الْأَمَاكِنِ الَّتِي لَا يَصْحَبُ جَالِبَ ذَلِكَ مَاضٍ مِنَ الْأَفْعَالِ أَوْ غَيْرُ الْمُسْتَقْبَلِ؛ فَأَمَّا مَا صَحِبَهُ مَاضٍ مِنَ الْأَفْعَالِ وَغَيْرُ الْمُسْتَقْبَلِ فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ. لَا يَجُوزُ عِنْدَهُمْ أَنْ يُقَالَ: طَنَنْتُ لِيَقُومَ، وَلَا أَظُنُّ لِيَقُومَ، بِمَعْنَى: أَظُنُّ أَنْ يَقُومَ، لِأَنَّ الَّتِي تَدْخُلُ مَعَ الظَّنِّ تَكُونُ مَعَ الْمَاضِي مِنَ الْفِعْلِ، يُقَالَ: أَظُنُّ أَنْ قَدْ قَامَ زَيْدٌ وَمَعَ الْمُسْتَقْبَلِ وَمَعَ الْأَسْمَاءِ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ عِنْدِي قَوْلُ مَنْ قَالَ: إِنَّ اللَّامَ فِي قَوْلِهِ ﴿يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ﴾ [النساء: ٢٦] بِمَعْنَى: يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُبَيِّنَ لَكُمْ؛ لِمَا ذَكَرْتُ مِنْ عِلَّةِ مَنْ قَالَ: إِنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ
٦ / ٦٢١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا﴾ [النساء: ٢٧] يَعْنِي بِذَلِكَ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُرَاجِعَ بِكُمْ طَاعَتَهُ، وَالْإِنَابَةَ إِلَيْهِ، لِيَعْفُوَ لَكُمْ عَمَّا سَلَفَ مِنْ آثَامِكُمْ، وَيَتَجَاوَزَ لَكُمْ عَمَّا كَانَ مِنْكُمْ فِي جَاهِلِيَّتِكُمْ مِنِ اسْتِحْلَالِكُمْ مَا هُوَ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ مِنْ نِكَاحِ حَلَائِلِ آبَائِكُمْ وَابْنَائِكُمْ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا كُنْتُمْ تَسْتَحِلُّونَهُ وَتَأْتُونَهُ، مِمَّا كَانَ غَيْرَ جَائِزٍ لَكُمْ إِتْيَانُهُ مِنْ مَعَاصِي اللَّهِ ﴿وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ﴾ [النساء: ٢٧] يَقُولُ: “يُرِيدُ الَّذِينَ يَطْلُبُونَ لَذَّاتِ الدُّنْيَا وَشَهَوَاتِ أَنْفُسِهِمْ فِيهَا، أَنْ تَمِيلُوا عَنْ أَمْرِ اللَّهِ تبارك وتعالى، فَتَجُورُوا عَنْهُ بِإِتْيَانِكُمْ مَا حُرِّمَ
٦ / ٦٢١
عَلَيْكُمْ وَرُكُوبِكُمْ مَعَاصِيهِ ﴿مَيْلًا عَظِيمًا﴾ [النساء: ٢٧] جَوْرًا وَعُدُولًا عَنْهُ شَدِيدًا وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الَّذِينَ وَصَفَهُمُ اللَّهُ بِأَنَّهُمْ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُمُ الزُّنَاةُ
٦ / ٦٢٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ﴾ [النساء: ٢٧] قَالَ: “الزِّنَا. ﴿أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا﴾ [النساء: ٢٧] قَالَ: «يُرِيدُونَ أَنْ تَزْنُوا»
٦ / ٦٢٢
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ. ﴿وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا﴾ [النساء: ٢٧] «أَنْ تَكُونُوا مِثْلَهُمْ تَزْنُونَ كَمَا يَزْنُونَ»
٦ / ٦٢٢
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ. قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ﴾ [النساء: ٢٧] قَالَ: «الزِّنَا. ﴿أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا﴾ [النساء: ٢٧] قَالَ:»يَزْنِي أَهْلُ الْإِسْلَامِ كَمَا يَزْنُونَ. قَالَ: هِيَ كَهَيْئَةِ ﴿وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ﴾ [القلم: ٩] “
٦ / ٦٢٢
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ﴾ [النساء: ٢٧] قَالَ: «الزِّنَا. ﴿أَنْ تَمِيلُوا﴾ [النساء: ٢٧] قَالَ:»أَنْ تَزْنُوا وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ هُمُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى
٦ / ٦٢٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ﴾ [النساء: ٢٧] قَالَ: “هُمُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى ﴿أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا﴾ [النساء: ٢٧] وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ هُمُ الْيَهُودُ خَاصَّةً، وَكَانَتْ إِرَادَتُهُمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ اتِّبَاعَ شَهَوَاتِهِمْ فِي نِكَاحِ الْأَخَوَاتِ مِنَ الْأَبِ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ يُحِلُّونَ نِكَاحَهُنَّ، فَقَالَ اللَّهُ تبارك وتعالى لِلْمُؤْمِنِينَ: وَيُرِيدُ الَّذِينَ يُحَلِّلُونَ نِكَاحَ الْأَخَوَاتِ مِنَ الْأَبِ، أَنْ تَمِيلُوا عَنِ الْحَقِّ، فَتَسْتَحِلُّوهُنَّ كَمَا اسْتَحَلُّوا وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: كُلُّ مُتَّبِعٍ شَهْوَةً فِي دِينِهِ لِغَيْرِ الَّذِي أُبِيحَ لَهُ
٦ / ٦٢٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ زَيْدٍ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ﴾ [النساء: ٢٧] الْآيَةُ، قَالَ: يُرِيدُ أَهْلُ الْبَاطِلِ وَأَهْلُ الشَّهَوَاتِ فِي دِينِهِمْ ﴿أَنْ تَمِيلُوا﴾ [النساء: ٢٧] فِي دِينِكُمْ ﴿مَيْلًا عَظِيمًا﴾ [النساء: ٢٧] تَتَّبِعُونَ أَمْرَ دِينِهِمْ، وَتَتْرُكُونَ أَمْرَ اللَّهِ وَأَمْرَ دِينِكُمْ ” قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ شَهَوَاتِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْبَاطِلِ، وَطُلَّابِ الزِّنَا، وَنِكَاحِ الْأَخَوَاتِ مِنَ الْآبَاءِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا حَرَّمَهُ اللَّهُ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا عَنِ الْحَقِّ، وَعَمَّا أَذِنَ اللَّهُ لَكُمْ فِيهِ،
٦ / ٦٢٣
فَتَجُورُوا عَنْ طَاعَتِهِ إِلَى مَعْصِيَتِهِ، وَتَكُونُوا أَمْثَالَهُمْ فِي اتِّبَاعِ شَهَوَاتِ أَنْفُسِكُمْ فِيمَا حَرَّمَ اللَّهُ وَتَرَكَ طَاعَتَهُ، مَيْلًا عَظِيمًا، وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ، لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل عَمَّ بِقَوْلِهِ: ﴿وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ﴾ [النساء: ٢٧] فَوَصَفَهُمْ بِاتِّبَاعِ شَهَوَاتِ أَنْفُسِهِمُ الْمَذْمُومَةِ، وَعَمَّهُمْ بِوَصْفِهِمْ بِذَلِكَ مِنْ غَيْرِ وَصْفِهِمْ بِاتِّبَاعِ بَعْضِ الشَّهَوَاتِ الْمَذْمُومَةِ. فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَأَوْلَى الْمَعَانِي بِالْآيَةِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ ظَاهِرُهَا دُونَ بَاطِنِهَا الَّذِي لَا شَاهِدَ عَلَيْهِ مِنْ أَصْلٍ أَوْ قِيَاسٍ. وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ كَانَ دَاخِلَا فِي الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالزُّنَاةِ وَكُلِّ مُتَّبِعٍ بَاطِلًا، لِأَنَّ كُلَّ مُتَّبِعٍ مَا نَهَاهُ اللَّهُ عَنْهُ فَمُتَّبِعٌ شَهْوَةَ نَفْسِهِ. فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ أَوْلَى، وَجَبَتْ صِحَّةُ مَا اخْتَرْنَا مِنَ الْقَوْلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ
٦ / ٦٢٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا﴾ [النساء: ٢٨] يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ﴾ [النساء: ٢٨] يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُيَسِّرَ عَلَيْكُمْ بِإِذْنِهِ لَكُمْ فِي نِكَاحِ الْفَتَيَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ إِذَا لَمْ تَسْتَطِيعُوا طَوْلًا لِحُرَّةٍ. ﴿وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا﴾ [النساء: ٢٨] يَقُولُ: “يَسَّرَ ذَلِكَ عَلَيْكُمْ إِذَا كُنْتُمْ غَيْرَ مُسْتَطِيعِي الطَّوْلِ لِلْحَرَائِرِ، لِأَنَّكُمْ خُلِقْتُمْ ضُعَفَاءَ عَجَزَةً عَنْ تَرْكِ جِمَاعِ النِّسَاءِ قَلِيلِي الصَّبْرِ عَنْهُ، فَأَذِنَ لَكُمْ فِي نِكَاحِ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ، عِنْدَ خَوْفِكُمُ الْعَنَتَ عَلَى أَنْفُسِكُمْ، وَلَمْ تَجِدُوا طَوْلًا لِحُرَّةٍ لِئَلَّا تَزْنُوا، لِقِلَّةِ صَبْرِكُمْ عَلَى تَرْكِ جِمَاعِ النِّسَاءِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٦ / ٦٢٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ، عَنْكُمْ﴾ [النساء: ٢٨] فِي نِكَاحِ الْأَمَةِ، وَفِي كُلِّ شَيْءٍ فِيهِ يُسْرٌ “
٦ / ٦٢٥
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ: ﴿وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا﴾ [النساء: ٢٨] قَالَ: «فِي أَمْرِ الْجِمَاعِ»
٦ / ٦٢٥
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ: ﴿وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا﴾ [النساء: ٢٨] قَالَ: «فِي أَمْرِ النِّسَاءِ»
٦ / ٦٢٥
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ: ﴿وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا﴾ [النساء: ٢٨] قَالَ: «فِي أُمُورِ النِّسَاءِ، لَيْسَ يَكُونُ الْإِنْسَانُ فِي شَيْءٍ أَضْعَفَ مِنْهُ فِي النِّسَاءِ»
٦ / ٦٢٥
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ﴾ [النساء: ٢٨] قَالَ: “رَخَّصَ لَكُمْ فِي نِكَاحِ هَؤُلَاءِ الْإِمَاءِ حِينَ اضْطُرُّوا إِلَيْهِنَّ ﴿وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا﴾ [النساء: ٢٨] قَالَ: «لَوْ لَمْ يُرَخِّصْ لَهُ فِيهَا لَمْ يَكُنْ إِلَّا الْأَمْرُ الْأَوَّلُ إِذَا لَمْ يَجِدْ حُرَّةً»
٦ / ٦٢٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ ⦗٦٢٦⦘ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾ [النساء: ٢٩] يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [البقرة: ١٠٤] صَدَّقُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴿لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ﴾ [النساء: ٢٩] يَقُولُ: “لَا يَأْكُلْ بَعْضُكُمْ أَمْوَالَ بَعْضٍ بِمَا حَرَّمَ عَلَيْهِ مِنَ الرِّبَا وَالْقِمَارِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي نَهَاكُمُ اللَّهُ عَنْهَا، إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً. كَمَا
٦ / ٦٢٥
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ﴾ [النساء: ٢٩] نَهَى عَنْ أَكْلِهِمْ أَمْوَالَهُمْ بَيْنَهُمْ بِالْبَاطِلِ وَبِالرِّبَا وَالْقِمَارِ وَالْبَخْسُ وَالظُّلْمُ، إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً، لِيَرْبَحَ فِي الدِّرْهَمِ أَلْفًا إِنِ اسْتَطَاعَ “
٦ / ٦٢٦
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا خَالِدٌ الطَّحَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ﴾ [النساء: ٢٩] قَالَ: «الرَّجُلُ يَشْتَرِي السِّلْعَةَ، فَيَرُدُّهَا وَيَرُدُّ مَعَهَا دِرْهَمًا»
٦ / ٦٢٦
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَ: ثنا دَاوُدُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: فِي الرَّجُلِ يَشْتَرِي مِنَ الرَّجُلِ الثَّوْبَ، فَيَقُولُ: «إِنْ رَضِيتَهُ أَخَذْتَهُ، وَإِلَّا رَدَدْتَهُ وَرَدَدْتَ مَعَهُ دِرْهَمًا» قَالَ: هُوَ الَّذِي قَالَ اللَّهُ: ﴿لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ﴾ [النساء: ٢٩] ” وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ بِالنَّهْيِ عَنْ أَنْ يَأْكُلَ بَعْضُهُمْ طَعَامَ بَعْضٍ إِلَّا بِشِرَاءٍ، فَأَمَّا قِرًى فَإِنَّهُ كَانَ مَحْظُورًا بِهَذِهِ الْآيَةِ، حَتَّى نُسِخَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ فِي سُورَةِ النُّورِ: ﴿لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ﴾ [النور: ٦١] الْآيَةُ
٦ / ٦٢٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ وَاقِدٍ، عَنْ يَزِيدَ النَّحْوِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، قَالَا فِي قَوْلِهِ: ﴿لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ﴾ [النساء: ٢٩] الْآيَةُ، فَكَانَ الرَّجُلُ يَتَحَرَّجُ أَنْ يَأْكُلَ عِنْدَ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ بَعْدَمَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، فَنُسِخَ ذَلِكَ بِالْآيَةِ الَّتِي فِي سُورَةِ النُّورِ، فَقَالَ: لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ إِلَى قَوْلِهِ: ﴿جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا﴾ [النور: ٦١] فَكَانَ الرَّجُلُ الْغَنِيُّ يَدْعُو الرَّجُلَ مِنْ أَهْلِهِ إِلَى الطَّعَامِ، فَيَقُولُ: إِنِّي لَأَتَجَنَّحُ، وَالتَّجَنُّحُ: التَّحَرُّجُ، وَيَقُولُ: الْمَسَاكِينُ أَحَقُّ مِنِّي بِهِ. فأَحَلَّ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهُ عَلَيْهِ،
٦ / ٦٢٧
وَأَحَلَّ طَعَامَ أَهْلِ الْكِتَابِ ” قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ قَوْلُ السُّدِّيِّ: وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ حَرَّمَ أَكْلَ أَمْوَالِنَا بَيْنَنَا بِالْبَاطِلِ، وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ أَكْلَ ذَلِكَ حَرَامٌ عَلَيْنَا، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَحِلَّ قَطُّ أَكْلَ الْأَمْوَالِ بِالْبَاطِلِ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلَا مَعْنَى لِقَوْلِ مَنْ قَالَ: كَانَ ذَلِكَ نَهْيًا عَنْ أَكْلِ الرَّجُلِ طَعَامَ أَخِيهِ قِرًى عَلَى وَجْهِ مَا أَذِنَ لَهُ، ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ لِنَقْلِ عُلَمَاءِ الْأُمَّةِ جَمِيعًا وَجْهًا لَهَا أَنَّ قِرَى الضَّيْفِ، وَإِطْعَامَ الطَّعَامِ كَانَ مِنْ حَمِيدِ أَفْعَالِ أَهْلِ الشِّرْكِ وَالْإِسْلَامِ، الَّتِي حَمِدَ اللَّهُ أَهْلَهَا عَلَيْهِ وَنَدَبَهُمْ إِلَيْهَا، وَأَنَّ اللَّهَ لَمْ يُحَرِّمْ ذَلِكَ فِي عَصْرٍ مِنَ الْعُصُورِ، بَلْ نَدَبَ اللَّهُ عِبَادَهُ، وَحَثَّهُمْ عَلَيْهِ، وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَهُوَ مِنْ مَعْنَى الْأَكْلِ بِالْبَاطِلِ خَارِجٌ، وَمِنْ أَنْ يَكُونَ نَاسِخًا أَوْ مَنْسُوخًا بِمَعْزِلٍ، لِأَنَّ النَّسْخَ إِنَّمَا يَكُونُ لِمَنْسُوخٍ، وَلَمْ يَثْبُتِ النَّهْي عَنْهُ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَنْسُوخًا بِالْإِبَاحَةِ. وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، صَحَّ الْقَوْلُ الَّذِي قُلْنَاهُ، مِنْ أَنَّ الْبَاطِلَ الَّذِي نَهَى اللَّهُ عَنْ أَكَلِ الْأَمْوَالِ بِهِ، هُوَ مَا وَصَفْنَا مِمَّا حَرَّمَهُ عَلَى عِبَادِهِ فِي تَنْزِيلِهِ، أَوْ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ ﷺ، وَشَذَّ مَا خَالَفَهُ. وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ﴾ [النساء: ٢٩] فَقَرَأَهَا بَعْضُهُمْ: (إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةٌ)، رَفْعًا بِمَعْنَى: إِلَّا أَنْ تُوجَدَ تِجَارَةٌ، أَوْ تَقَعَ تِجَارَةٌ عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ، فَيَحِلُّ لَكُمْ أَكْلُهَا حِينَئِذٍ بِذَلِكَ الْمَعْنَى. ومَذْهَبُ مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ: أَنَّ تَكُونَ تَامَّةٌ
٦ / ٦٢٨
هَهُنَا لَا حَاجَةَ بِهَا إِلَى خَبَرٍ عَلَى مَا وَصَفْتُ؛ وَبِهَذِهِ الْقِرَاءَةِ قَرَأَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْحِجَازِ وَأَهْلُ الْبَصْرَةِ. وَقَرَأَ ذَلِكَ آخَرُونَ، وَهُمْ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفِيِّينَ: ﴿إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً﴾ [البقرة: ٢٨٢] نَصْبًا، بِمَعْنَى: إِلَّا أَنْ تَكُونَ الْأَمْوَالُ الَّتِي تَأْكُلُونَهَا بَيْنَكُمْ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ، فَيَحِلُّ لَكُمْ هُنَالِكَ أَكْلُهَا، فَتَكُونُ الْأَمْوَالُ مُضْمَرَةً فِي قَوْلِهِ: ﴿إِلَّا أَنْ تَكُونَ﴾ [البقرة: ٢٨٢] وَالتِّجَارَةُ مَنْصُوبَةٌ عَلَى الْخَبَرِ. وَكِلْتَا الْقِرَاءَتَيْنِ عِنْدَنَا صَوَابٌ جَائِزُ الْقِرَاءَةِ بِهِمَا، لِاسْتِفَاضَتِهِمَا فِي قِرَاءَةِ الْأَمْصَارِ مَعَ تَقَارُبِ مَعَانِيهِمَا. غَيْرَ أَنَّ الْأَمْرَ وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ قِرَاءَةَ ذَلِكَ بِالنَّصْبِ أَعْجَبُ إِلَيَّ مِنْ قِرَاءَتِهِ بِالرَّفْعِ، لِقُوَّةِ النَّصْبِ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ فِي تَكُونُ ذِكْرًا مِنَ الْأَمْوَالِ، وَالْآخَرُ: أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُجْعَلْ فِيهَا ذِكْرٌ مِنْهَا ثُمَّ أُفْرِدَتْ بِالتِّجَارَةِ وَهِيَ نَكِرَةٌ، كَانَ فَصِيحًا فِي كَلَامِ الْعَرَبِ النَّصْبُ، إِذْ كَانَتْ مَبْنِيَّةً عَلَى اسْمٍ وَخَبَرٍ، فَإِذَا لَمْ يَظْهَرْ مَعَهَا إِلَّا نَكِرَةٌ وَاحِدَةٌ نَصَبُوا وَرَفَعُوا، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الطويل]
[البحر الطويل]
إِذَا كَانَ طَعْنًا بَيْنَهُمْ وَعِنَاقَا
فَفِي هَذِهِ الْآيَةِ إِبَانَةٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ عَنْ تَكْذِيبِ قَوْلِ الْجَهَلَةِ مِنَ الْمُتَصَوِّفَةِ الْمُنْكِرِينَ طَلَبَ الْأَقْوَاتِ بِالتِّجَارَاتِ وَالصِّنَاعَاتِ، وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً
٦ / ٦٢٩
عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ﴾ [النساء: ٢٩] اكْتِسَابًا أَحَلَّ ذَلِكَ لَهَا. كَمَا:
٦ / ٦٣٠
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: قَوْلُهُ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ﴾ [النساء: ٢٩] قَالَ: «التِّجَارَةُ رِزْقٌ مِنْ رِزْقِ اللَّهِ، وَحَلَالٌ مِنْ حَلَالِ اللَّهِ لِمَنْ طَلَبِهَا بِصِدْقِهَا وَبِرِّهَا، وَقَدْ كُنَّا نُحَدِّثُ أَنَّ التَّاجِرَ الْأَمِينَ الصَّدُوقَ مَعَ السَّبْعَةِ فِي ظِلِّ الْعَرْشِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»
٦ / ٦٣٠
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿عَنْ تَرَاضٍ﴾ [البقرة: ٢٣٣] فَإِنَّ مَعْنَاهُ كَمَا: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ تبارك وتعالى: ﴿عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ﴾ [النساء: ٢٩] فِي تِجَارَةٍ أَوْ بَيْعٍ أَوْ عَطَاءٍ يُعْطِيهِ أَحَدٌ أَحَدًا “
٦ / ٦٣٠
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ﴾ [النساء: ٢٩] فِي تِجَارَةٍ أَوْ بَيْعٍ أَوْ عَطَاءٍ يُعْطِيهِ أَحَدٌ أَحَدًا “
٦ / ٦٣٠
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ سُلَيْمَانَ الْجُعْفِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «الْبَيْعُ عَنْ تَرَاضٍ، وَالْخِيَارُ بَعْدَ الصَّفْقَةِ، وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَغُشَّ مُسْلِمًا»
٦ / ٦٣٠
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: ⦗٦٣١⦘ قُلْتُ لِعَطَاءٍ: الْمُمَاسَحَةُ بَيْعٌ هِيَ؟ قَالَ: «لَا، حَتَّى يُخَيِّرَهُ التَّخْيِيرَ بَعْدَمَا يَجِبُ الْبَيْعُ، إِنْ شَاءَ أَخَذَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ» وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي مَعْنَى التَّرَاضِي فِي التِّجَارَةِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ أَنْ يُخَيَّرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُتَبَايِعَيْنِ بَعْدَ عَقْدِهِمَا الْبَيْعَ بَيْنَهُمَا فِيمَا تَبَايَعَا فِيهِ مِنْ إِمْضَاءِ الْبَيْعِ أَوْ نَقْضِهِ، أَوْ يَتَفَرَّقَا عَنْ مَجْلِسِهِمَا الَّذِي تَوَاجَبَا فِيهِ الْبَيْعَ بِأَبْدَانِهِمَا، عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا بِالْعَقْدِ الَّذِي تَعَاقَدَاهُ بَيْنَهُمَا قَبْلَ التَّفَاسُخِ
٦ / ٦٣٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، قَالَ: ثني أَبِي عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ شُرَيْحٍ، قَالَ: اخْتَصَمَ رَجُلَانٍ، بَاعَ أَحَدُهُمَا مِنَ الْآخَرِ بُرْنُسًا، فَقَالَ: إِنِّي بِعْتُ مِنْ هَذَا بُرْنُسًا، فَاسْتَرْضَيْتُهُ فَلَمْ يُرْضِنِي. فَقَالَ: أَرْضِهِ كَمَا أَرْضَاكَ. قَالَ: إِنِّي قَدْ أَعْطَيْتُهُ دَرَاهِمَ وَلَمْ يَرْضَ. قَالَ: أَرْضِهِ كَمَا أَرْضَاكَ. قَالَ: قَدْ أَرْضَيْتُهُ فَلَمْ يَرْضَ. فَقَالَ: «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا»
٦ / ٦٣١
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: ثنا مُؤَمَّلٌ قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبَى السَّفَرِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ شُرَيْحٍ قَالَ: «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا» ⦗٦٣٢⦘ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ شُرَيْحٍ، مِثْلَهُ
٦ / ٦٣١
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: ثني أَبُو الضُّحَى، عنْ شُرَيْحٍ، أَنَّهُ قَالَ: «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا» قَالَ: قَالَ أَبُو الضُّحَى: كَانَ شُرَيْحٌ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، بِنَحْوِهِ
٦ / ٦٣٢
وَحَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ يَزِيدَ الطَّحَّانُ، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، عَنْ عَبْدِ السَّلَامِ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ أَبِي حَوْشَبٍ، عَنْ مَيْمُونٍ، قَالَ: اشْتَرَيْتُ مِنَ ابْنِ سِيرِينَ سَابِرِيًّا فَسَامَ عَلَيَّ سَوْمَهُ، فَقُلْتُ: أَحْسِنْ. فَقَالَ: إِمَّا أَنْ تَأْخُذَ وَإِمَّا أَنْ تَدَعَ. فأَخَذْتُ مِنْهُ، فَلَمَّا زِنْتُ الثَّمَنَ وَضَعَ الدَّرَاهِمَ، فَقَالَ: «اخْتَرْ إِمَّا الدَّرَاهِمَ وَإِمَّا الْمَتَاعَ. فَاخْتَرْتُ الْمَتَاعَ فَأَخَذْتُهُ»
٦ / ٦٣٢
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ سَالِمٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي الْبَيِّعَيْنِ: «إِنَّهُمَا بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، فَإِذَا تَصَادَرَا فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ»
٦ / ٦٣٢
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْأَحْمَسِيُّ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَ: ثنا ⦗٦٣٣⦘ سُفْيَانُ بْنُ دِينَارٍ، عَنْ طَيْسَلَةَ، قَالَ: كُنْتُ فِي السُّوقِ، وَعَلِيٌّ رضي الله عنه فِي السُّوقِ، فَجَاءَتْهُ جَارِيَةٌ إِلَى بَيْعِ فَاكِهَةٍ بِدِرْهَمٍ، فَقَالَتْ: أَعْطِنِي هَذَا، فأَعْطَاهَا إِيَّاهُ، فَقَالَتْ: لَا أُرِيدُهُ أَعْطِنِي دِرْهَمِي. فَأَبَى، فَأَخَذَهُ مِنْهُ عَلِيٌّ فَأَعْطَاهَا إِيَّاهُ “
٦ / ٦٣٢
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، أَنَّهُ: أُتِيَ فِي رَجُلٍ اشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ بِرْذَوْنًا وَوَجَبَ لَهُ، ثُمَّ إِنَّ الْمُبْتَاعَ رَدَّهُ قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا، فَقَضَى أَنَّهُ قَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ. فشَهِدَ عِنْدَهُ أَبُو الضُّحَى أَنَّ شُرَيْحًا قَضَى فِي مِثْلِهِ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى صَاحِبِهِ، فَرَجَعَ الشَّعْبِيُّ إِلَى قَضَاءِ شُرَيْحٍ “
٦ / ٦٣٣
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: ثنا هِشَامٌ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ شُرَيْحٍ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي الْبَيِّعَيْنِ: «إِذَا ادَّعَى الْمُشْتَرِي أَنَّهُ قَدْ أَوْجَبَ لَهُ الْبَيْعَ، وَقَالَ الْبَائِعُ: لَمْ أُوجِبْ لَهُ قَالَ شَاهِدَانِ عَدْلَانِ أَنَّكُمَا افْتَرَقْتُمَا عَنْ تَرَاضٍ بَعْدَ بَيْعٍ أَوْ تَخَايُرٍ، وَإِلَّا فَيَمِينُ الْبَائِعِ: أَنَّكُمَا مَا افْتَرَقْتُمَا عَنْ بَيْعٍ وَلَا تَخَايُرٍ»
٦ / ٦٣٣
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ: كَانَ شُرَيْحٌ يَقُولُ: «شَاهِدَانِ ذَوَا عَدْلٍ أَنَّكُمَا افْتَرَقْتُمَا عَنْ تَرَاضٍ بَعْدَ بَيْعٍ وَتَخَايُرٍ، وَإِلَّا فَيَمِينُهُ بِاللَّهِ ⦗٦٣٤⦘ مَا تَفَرَّقْتُمَا عَنْ تَرَاضٍ بَعْدَ بَيْعٍ أَوْ تَخَايُرٍ»
٦ / ٦٣٣
حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ قَالَ: ثنا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ: ثنا ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ شُرَيْحٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: «شَاهِدَانِ ذَوَا عَدْلٍ أَنَّهُمَا تَفَرَّقَا عَنْ تَرَاضٍ بَعْدَ بَيْعٍ أَوْ تَخَايُرٍ»
٦ / ٦٣٤
وَعِلَّةُ مَنْ قَالَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ مَا: حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «كُلُّ بَيِّعَيْنِ فَلَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَتَفَرَّقَا إِلَّا أَنْ يَكُونَ خِيَارًا»
٦ / ٦٣٤
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، قَالَ: ثني يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ قَالَ: كَانَ أَبُو زُرْعَةَ إِذَا بَايَعَ رَجُلًا يَقُولُ لَهُ: خَيِّرْنِي، ثُمَّ يَقُولُ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لَا يَفْتَرِقُ إِلَّا عَنْ رِضًا»
٦ / ٦٣٤
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ: ثنا أَيُّوبُ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «يَا أَهْلَ الْبَقِيعِ» فَسَمِعُوا صَوْتَهُ، ثُمَّ قَالَ: «يَا أَهْلَ الْبَقِيعِ» فَاشْرَأَبُّوا يَنْظُرُونَ حَتَّى عَرَفُوا أَنَّهُ صَوْتُهُ، ثُمَّ قَالَ: «يَا أَهْلَ الْبَقِيعِ لَا يَتَفَرَّقَنَّ بَيِّعَانِ إِلَّا عَنْ رِضًا»
٦ / ٦٣٤
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطُّوسِيُّ، قَالَ: ثنا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، قَالَ: ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا سِمَاكٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ بَايَعَ رَجُلًا ثُمَّ قَالَ لَهُ: «اخْتَرْ» فَقَالَ: قَدِ اخْتَرْتُ، فَقَالَ: «هَكَذَا الْبَيْعُ» قَالُوا: فَالتَّجَارَةُ عَنْ تَرَاضٍ هُوَ مَا كَانَ عَلَى بَيِّنَةِ النَّبِيِّ ﷺ مِنْ تَخْيِيرِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُشْتَرِي وَالْبَائِعِ فِي إِمْضَاءِ الْبَيْعِ فِيمَا يَتَبَايَعَانِهِ بَيْنَهُمَا، أَوْ نَقْضِهِ بَعْدَ عَقْدِ الْبَيْعِ بَيْنَهُمَا وَقَبْلَ الِافْتِرَاقِ، أَوْ مَا تَفَرَّقَا عَنْهُ بِأَبْدَانِهِمَا، عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا بَعْدَ مُوَاجَبَةِ الْبَيْعِ فِيهِ عَنْ مَجْلِسِهِمَا، فَمَا كَانَ بِخِلَافِ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ التِّجَارَةِ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَهُمَا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلِ التَّرَاضِي فِي التِّجَارَةِ يُوجِبُ عَقْدَ الْبَيْعِ فِيمَا تَبَايَعَهُ الْمُتَبَايعَانِ بَيْنَهُمَا عَنْ رِضًا مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا مَلَكَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ وَمَلَكَ صَاحِبُهُ عَلَيْهِ، افْتَرَقَا عَنْ مَجْلِسِهِمَا ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَفْتَرِقَا، تَخَايَرَا فِي الْمَجْلِسِ أَوْ لَمْ يَتَخَايَرَا فِيهِ بَعْدَ عَقْدِهِ. وَعِلَّةُ مَنْ قَالَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ: أَنَّ الْبَيْعَ إِنَّمَا هُوَ بِالْقَوْلِ، كَمَا أَنَّ النِّكَاحَ بِالْقَوْلِ، وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي الْإِجْبَارِ فِي النِّكَاحِ لِأَحَدِ الْمُتَنَاكِحَيْنِ عَلَى صَاحِبِهِ، افْتَرَقَا أَوْ لَمْ يَفْتَرِقَا عَنْ مَجْلِسِهِمَا الَّذِي جَرَى ذَلِكَ فِيهِ. قَالُوا: فَكَذَلِكَ حُكْمُ الْبَيْعِ. وَتَأَوَّلُوا قَوْلَ النَّبِيِّ ﷺ: «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا» عَلَى أَنَّهُ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا بِالْقَوْلِ. وَمِمَّنْ قَالَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ. ⦗٦٣٦⦘ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا قَوْلُ مَنْ قَالَ: إِنَّ التِّجَارَةَ الَّتِي هِيَ عَنْ تَرَاضٍ بَيْنَ الْمُتَبَايِعَيْنِ: مَا تَفَرَّقَ الْمُتَبَايعَانِ عَلَى الْمَجْلِسِ الَّذِي تَوَاجَبَا فِيهِ بَيْنَهُمَا عُقْدَةَ الْبَيْعِ بِأَبْدَانِهِمَا، عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا بِالْعَقْدِ الَّذِي جَرَى بَيْنَهُمَا، وَعَنْ تَخْيِيرِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ؛ لِصِحَّةِ الْخَبَرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِمَا
٦ / ٦٣٥
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَيُّوبُ، وَحَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ، قَالَ: ثنا أَيُّوبُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، أَوْ يَكُونَ بَيْعُ خِيَارٍ» وَرُبَّمَا قَالَ: «أَوْ يَقُولُ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ: اخْتَرْ» فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ صَحِيحًا، فَلَيْسَ يَخْلُو قَوْلُ أَحَدِ الْمُتَبَايِعَيْنِ لِصَاحِبِهِ: اخْتَرْ، مِنْ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ عَقْدِ الْبَيْعِ، أَوْ مَعَهُ، أَوْ بَعْدَهُ. فَإِنْ يَكُنْ قَبْلَهُ، فَذَلِكَ الْخُلْفُ مِنَ الْكَلَامِ الَّذِي لَا مَعْنَى لَهُ، لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْ قَبْلَ عَقْدِ الْبَيْعِ أَحَدُ الْمُتَبَايِعَيْنِ عَلَى صَاحِبِهِ، مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالِكًا، فَيَكُونُ لِتَخْيِيرِهِ صَاحِبَهُ فِيمَا يَمْلِكُ عَلَيْهِ وَجْهٌ مَفْهُومٌ، وَلَا فِيهِمَا مَنْ يَجْهَلُ، أَنَّهُ بِالْخِيَارِ فِي تَمْلِيكِ صَاحِبِهِ مَا هُوَ لَهُ غَيْرُ مَالِكٍ بِعِوَضٍ يَعْتَاضُهُ مِنْهُ، فَيُقَالَ لَهُ: أَنْتَ بِالْخِيَارِ فِيمَا تُرِيدُ أَنْ تُحْدِثَهُ مِنْ بَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ. أَوْ يَكُونُ إِنْ بَطَلَ هَذَا الْمَعْنَى تَخْيِيرُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ مَعَ عَقْدِ الْبَيْعِ، وَمَعْنَى التَّخْيِيرِ فِي تِلْكَ الْحَالِ، نَظِيرُ مَعْنَى التَّخْيِيرِ قَبْلَهَا، لِأَنَّهَا حَالَةٌ لَمْ يَزَلْ فِيهَا عَنْ أَحَدِهِمَا مَا كَانَ مَالِكَهُ قَبْلَ ذَلِكَ إِلَى صَاحِبِهِ، فَيَكُونُ لِلتَّخْيِيرِ وَجْهٌ مَفْهُومٌ. أَوْ يَكُونُ ذَلِكَ بَعْدَ ⦗٦٣٧⦘ عَقْدِ الْبَيْعِ، إِذَا فَسَدَ هَذَانِ الْمَعْنَيَانِ. وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ صَحَّ أَنَّ الْمَعْنَىَ الْآخَرَ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، أَعْنِي قَوْلَهُ: «مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا» إِنَّمَا هُوَ التَّفَرُّقُ بَعْدَ عَقْدِ الْبَيْعِ، كَمَا كَانَ التَّخْيِيرُ بَعْدَهُ، وَإِذَا صَحَّ ذَلِكَ، فَسَدَ قَوْلُ مَنْ زَعَمَ أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ: إِنَّمَا هُوَ التَّفَرُّقُ بِالْقَوْلِ الَّذِي بِهِ يَكُونُ الْبَيْعُ. وَإِذَا فَسَدَ ذَلِكَ صَحَّ مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ التَّخْيِيرَ وَالِافْتِرَاقَ إِنَّمَا هُمَا مَعْنَيَانِ بِهِمَا يَكُونُ تَمَامُ الْبَيْعِ بَعْدَ عَقْدِهِ، وَصَحَّ تَأْوِيلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ﴾ [النساء: ٢٩] إِلَّا أَنْ يَكُونَ أَكْلُكُمُ الْأَمْوَالَ الَّتِي يَأْكُلُهَا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَنْ مِلْكٍ مِنْكُمْ عَمَّنْ مَلَكْتُمُوهَا عَلَيْهِ بِتِجَارَةٍ تَبَايَعْتُمُوهَا بَيْنَكُمْ، وَافْتَرَقْتُمْ عَنْهَا، عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ بَعْدَ عَقْدِ الْبَيْعِ بَيْنَكُمْ بِأَبْدَانِكُمْ، أَوْ يُخَيِّرُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا
٦ / ٦٣٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾ [النساء: ٢٩] يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ [النساء: ٢٩] وَلَا يَقْتُلْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، وَأَنْتُمْ أَهْلُ مِلَّةٍ وَاحِدَةٍ وَدَعْوَةٍ وَاحِدَةٍ وَدِينٍ وَاحِدٍ، فَجَعَلَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَهْلَ الْإِسْلَامِ كُلَّهُمْ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ، وَجَعَلَ الْقَاتِلَ مِنْهُمْ قَتِيلًا فِي قَتَلِهِ إِيَّاهُ مِنْهُمْ بِمَنْزِلَةِ قَتْلِهِ نَفْسَهُ، إِذْ كَانَ الْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ أَهْلَ يَدٍ وَاحِدَةٍ عَلَى مَنْ خَالَفَ مِلَّتَهُمَا وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٦ / ٦٣٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ ⦗٦٣٨⦘ السُّدِّيِّ: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ [النساء: ٢٩] يَقُولُ: «أَهْلَ مِلَّتَكُمْ»
٦ / ٦٣٧
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ [النساء: ٢٩] قَالَ: «قَتْلُ بَعْضِكُمْ بَعْضًا» وَأَمَّا قَوْلُهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾ [النساء: ٢٩] فَإِنَّهُ يَعْنِي أَنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى لَمْ يَزَلْ رَحِيمًا بِخَلْقِهِ، وَمِنْ رَحْمَتِهِ بِكُمْ كَفَّ بَعْضَكُمْ عَنْ قَتْلِ بَعْضٍ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ، بِتَحْرِيمِ دِمَاءِ بَعْضِكُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا بِحَقِّهَا، وَحَظَرَ أَكْلَ مَالِ بَعْضِكُمْ عَلَى بَعْضِ بِالْبَاطِلِ، إِلَّا عَنْ تِجَارَةٍ يَمْلِكُ بِهَا عَلَيْهِ بِرِضَاهُ وَطِيبِ نَفْسِهِ، لَوْلَا ذَلِكَ هَلَكْتُمْ وَأَهْلَكَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا قَتْلًا وَسَلْبًا وَغَصْبًا
٦ / ٦٣٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرَا﴾ [النساء: ٣٠] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: ﴿وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا﴾ [النساء: ٣٠] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَمَنْ يَقْتُلْ نَفْسَهُ، بِمَعْنَى: وَمَنْ يَقْتُلْ أَخَاهُ الْمُؤْمِنَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا ﴿فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا﴾ [النساء: ٣٠]
٦ / ٦٣٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ أَرَأَيْتَ قَوْلَهُ: ﴿وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا﴾ [النساء: ٣٠] فِي كُلِّ ذَلِكَ، أَوْ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ [النساء: ٢٩] قَالَ: “بَلْ فِي قَوْلِهِ
٦ / ٦٣٨
: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ [النساء: ٢٩] وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: وَمَنْ يَفْعَلْ مَا حَرَّمْتُهُ عَلَيْهِ مِنْ أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ﴾ [البقرة: ٢٣١] مِنْ نِكَاحِ مَنْ حَرَّمْتُ نِكَاحَهُ، وَتَعَدَّى حُدُودَهُ، وَأَكَلَ أَمْوَالَ الْأَيْتَامِ ظُلْمًا، وَقَتَلَ النَّفْسَ الْمُحَرَّمُ قَتْلُهَا ظُلْمًا بِغَيْرِ حَقٍّ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: وَمَنْ يَأْكُلْ مَالَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ ظُلْمًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ وَقَتَلَ أَخَاهُ الْمُؤْمِنَ ظُلْمًا، فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا ” قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يُقَالَ مَعْنَاهُ: وَمَنْ يَفْعَلْ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا﴾ [النساء: ١٩] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ﴾ [البقرة: ٢٣١] مِنْ نِكَاحِ الْمُحَرَّمَاتِ، وَعَضْلِ الْمُحَرَّمِ عَضْلُهَا مِنَ النِّسَاءِ، وَأَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ، وَقَتْلِ الْمُحَرَّمِ قَتْلُهُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مِمَّا وَعَدَ اللَّهُ عَلَيْهِ أَهْلَهُ الْعُقُوبَةَ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَمَا مَنَعَكَ أَنْ تَجْعَلَ قَوْلَهُ: ﴿ذَلِكَ﴾ [النساء: ٣٠]: مَعْنِيًّا بِهِ جَمِيعَ مَا أَوْعَدَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْعُقُوبَةَ مِنْ أَوَّلِ السُّورَةِ؟ قِيلَ: مَنَعَ ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ فَصْلٍ مِنْ ذَلِكَ قَدْ قُرِنَ بِالْوَعِيدِ، إِلَى قَوْلِهِ: ﴿أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾ [النساء: ١٨] وَلَا ذِكْرَ لِلْعُقُوبَةِ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَا حَرَّمَ اللَّهُ فِي الْآيَةِ الَّتِي بَعْدَهُ، إِلَى قَوْلِهِ: ﴿فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا﴾ [النساء: ٣٠] فَكَانَ قَوْلُهُ: ﴿وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ﴾ [البقرة: ٢٣١] مَعْنِيًّا بِهِ مَا قُلْنَا مِمَّا لَمْ يُقْرَنْ بِالْوَعِيدِ مَعَ إِجْمَاعِ الْجَمِيعِ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ تَوَعَّدَ عَلَى كُلِّ ذَلِكَ أَوْلَى مِنْ أَنْ يَكُونَ مَعْنِيًّا بِهِ مَا سَلَفَ فِيهِ الْوَعِيدُ بِالنَّهْيِ مَقْرُونًا قَبْلَ ذَلِكَ.
٦ / ٦٣٩
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿عُدْوَانًا﴾ [النساء: ٣٠] فَإِنَّهُ يَعْنِي بِهِ: تَجَاوُزًا لِمَا أَبَاحَ اللَّهُ لَهُ إِلَى مَا حَرَّمَهُ عَلَيْهِ ﴿وَظُلْمًا﴾ [النساء: ٣٠] يَعْنِي: «فِعْلًا مِنْهُ ذَلِكَ بِغَيْرِ مَا أَذِنَ اللَّهُ بِهِ، وَرُكُوبًا مِنْهُ مَا قَدْ نَهَاهُ اللَّهُ عَنْهُ. وَقَوْلُهُ: ﴿فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا﴾ [النساء: ٣٠] يَقُولُ:»فَسَوْفَ نُورِدُهُ نَارًا يُصْلَى بِهَا فَيَحْتِرَقُ فِيهَا. ﴿وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا﴾ [النساء: ٣٠] يَعْنِي: “وَكَانَ إِصْلَاءُ فَاعِلِ ذَلِكَ النَّارَ وَإِحْرَاقُهُ بِهَا عَلَى اللَّهِ سَهْلًا يَسِيرًا، لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الامْتِنَاعِ عَلَى رَبِّهِ مِمَّا أَرَادَ بِهِ مِنْ سُوءٍ. وَإِنَّمَا يَصْعُبُ الْوَفَاءُ بِالْوَعِيدِ لِمَنْ تَوَعَّدَهُ عَلَى مَنْ كَانَ إِذَا حَاوَلَ الْوَفَاءَ بِهِ قَدَرَ الْمُتَوَعَّدُ مِنَ الامْتِنَاعِ مِنْهُ، فَأَمَّا مَنْ كَانَ فِي قَبْضَةِ مُوَعِّدِهِ فَيَسِيرٌ عَلَيْهِ إِمْضَاءُ حُكْمِهِ فِيهِ وَالْوَفَاءُ لَهُ بِوَعِيدِهِ، غَيْرُ عَسِيرٍ عَلَيْهِ أَمْرٌ أَرَادَهُ بِهِ
٦ / ٦٤٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا﴾ [النساء: ٣١] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى الْكَبَائِرِ الَّتِي وَعَدَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عِبَادَهُ بِاجْتِنَابِهَا تَكْفِيرَ سَائِرِ سَيِّئَاتِهِمْ عَنْهُمْ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْكَبَائِرُ الَّتِي قَالَ اللَّهُ تبارك وتعالى: ﴿إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ﴾ [النساء: ٣١] هِيَ مَا تَقَدَّمَ اللَّهُ إِلَى عِبَادِهِ بِالنَّهْيِ عَنْهُ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ النِّسَاءِ إِلَى رَأْسِ الثَّلَاثِينَ مِنْهَا
٦ / ٦٤٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: «الْكَبَائِرُ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ النِّسَاءِ إِلَى ثَلَاثِينَ مِنْهَا» حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بِمِثْلِهِ حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا حَجَّاجٌ قَالَ: ثنا حَمَّادٌ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، مِثْلَهُ
٦ / ٦٤١
حَدَّثَنَا أَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ قَالَ: ثنا وَكِيعٌ قَالَ: ثنا الْأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: ثني عَلْقَمَةُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: “الْكَبَائِرُ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ النِّسَاءِ، إِلَى قَوْلِهِ: ﴿إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ﴾ [النساء: ٣١]
٦ / ٦٤١
حَدَّثَنَا الرِّفَاعِيُّ قَالَ: ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ وَأَبُو خَالِدٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: «الْكَبَائِرُ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ النِّسَاءِ، إِلَى قَوْلِهِ: ﴿إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ﴾ [النساء: ٣١]»
٦ / ٦٤١
حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ قَالَ: ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: سُئِلَ عَبْدُ اللَّهِ عَنِ الْكَبَائِرِ قَالَ: «مَا بَيْنَ فَاتِحَةِ سُورَةِ النِّسَاءِ إِلَى رَأْسِ ⦗٦٤٢⦘ الثَّلَاثِينَ»
٦ / ٦٤١
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: الْكَبَائِرُ: مَا بَيْنَ فَاتِحَةِ سُورَةِ النِّسَاءِ إِلَى ثَلَاثِينَ آيَةً مِنْهَا: ﴿إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ﴾ [النساء: ٣١] “
٦ / ٦٤٢
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُغِيرَةُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّهُ قَالَ: الْكَبَائِرُ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ النِّسَاءِ إِلَى الثَّلَاثِينَ مِنْهَا. ﴿إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ﴾ [النساء: ٣١]
٦ / ٦٤٢
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ الْكَبَائِرَ، فِيمَا بَيْنَ أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ، سُورَةِ النِّسَاءِ، إِلَى هَذَا الْمَوْضِعِ. ﴿إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ﴾ [النساء: ٣١] “
٦ / ٦٤٢
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا آدَمُ الْعَسْقَلَانِيُّ قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: الْكَبَائِرُ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ النِّسَاءِ إِلَى ثَلَاثِينَ آيَةً مِنْهَا. ثُمَّ تَلَا: ﴿إِنْ تَجْتَنِبًوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا﴾ [النساء: ٣١] “
٦ / ٦٤٢
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: ثنا مِسْعَرٌ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ، ⦗٦٤٣⦘ عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: الْكَبَائِرُ: مَا بَيْنَ أَوَّلِ سُورَةِ النِّسَاءِ إِلَى رَأْسِ الثَّلَاثِينَ ” وَقَالَ آخَرُونَ: الْكَبَائِرُ سَبْعٌ
٦ / ٦٤٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي تَمِيمُ بْنُ الْمُنْتَصِرِ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: إِنِّي لَفِي هَذَا الْمَسْجِدِ مَسْجِدَ الْكُوفَةِ، وَعَلِيٌّ رضي الله عنه يَخْطُبُ النَّاسَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ: إِنَّ الْكَبَائِرَ سَبْعٌ، فَأَصَاخَ النَّاسُ، فَأَعَادَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ قَالَ: أَلَا تَسْأَلُونِي عَنْهَا؟ قَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا هِيَ؟ قَالَ: الْإشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَةِ، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَالْفِرَارُ يَوْمَ الزَّحْفِ، وَالتَّعَرُّبُ بَعْدَ الْهِجْرَةِ. فَقُلْتُ لِأَبِي: يَا أَبَتِ التَّعَرُّبُ بَعْدَ الْهِجْرَةِ، كَيْفَ لَحِقَ هَاهُنَا؟ فَقَالَ: يَا بُنَيَّ، وَمَا أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يُهَاجِرَ الرَّجُلُ، حَتَّى إِذَا وَقَعَ سَهْمُهُ فِي الْفَيْءِ وَوَجَبَ عَلَيْهِ الْجِهَادُ، خَلَعَ ذَلِكَ مِنْ عُنُقِهِ فَرَجَعَ أَعْرَابِيًّا كَمَا كَانَ “
٦ / ٦٤٣
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الْمُحَارِبِيُّ، قَالَ: ثنا أَبُو الْأَحْوَصِ سَلَّامُ بْنُ سُلَيْمٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، قَالَ: «الْكَبَائِرُ سَبْعٌ لَيْسَ مِنْهُنَّ كَبِيرَةٌ ⦗٦٤٤⦘ إِلَّا وَفِيهَا آيَةٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ، الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ مِنْهُنَّ: ﴿وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ﴾ [الحج: ٣١] وَ﴿الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا﴾ [النساء: ١٠] وَ﴿الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ﴾ [البقرة: ٢٧٥] وَ﴿الَّذِينَ يَرْمُونَ﴾ [النور: ٢٣] الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْفِرَارُ مِنَ الزَّحْفِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ﴾ [الأنفال: ١٥] وَالتَّعَرُّبُ بَعْدَ الْهِجْرَةِ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى﴾ [محمد: ٢٥] وَقَتْلُ النَّفْسِ»
٦ / ٦٤٣
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ اللَّيْثِيِّ قَالَ: «الْكَبَائِرُ سَبْعٌ: الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ: ﴿وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ﴾ [الحج: ٣١] وَقَتْلُ النَّفْسِ: ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ﴾ [النساء: ٩٣] الْآيَةَ، وَأَكْلُ الرِّبَا: ﴿الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ﴾ [البقرة: ٢٧٥] الْآيَةُ، وَأَكْلُ أَمْوَالِ الْيَتَامَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا﴾ [النساء: ١٠] الْآيَةُ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَةِ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ﴾ [النور: ٢٣] الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْآيَةُ، وَالْفِرَارُ مِنَ الزَّحْفِ: ﴿وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ﴾ [الأنفال: ١٦] إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ الْآيَةُ. وَالْمُرْتَدُّ أَعْرَابِيًّا بَعْدَ هِجْرَتِهِ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى﴾ [محمد: ٢٥] الْآيَةُ»
٦ / ٦٤٤
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، قَالَ: سَأَلْتُ عَبِيدَةَ عَنِ الْكَبَائِرِ، فَقَالَ: «الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ بِغَيْرِ ⦗٦٤٥⦘ حَقِّهَا، وَفِرَارٌ يَوْمَ الزَّحْفِ، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ بِغَيْرِ حَقِّهِ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَالْبُهْتَانُ. قَالَ: وَيَقُولُونَ أَعْرَابِيَّةٌ بَعْدَ هِجْرَةٍ. قَالَ ابْنُ عَوْنٍ: فَقُلْتُ لِمُحَمَّدٍ فَالسِّحْرُ؟ قَالَ: إِنَّ الْبُهْتَانَ يَجْمَعُ شَرًّا كَثِيرًا»
٦ / ٦٤٤
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَنْصُورٌ، وَهِشَامٌ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ عَبِيدَةَ، أَنَّهُ قَالَ: «الْكَبَائِرُ: الْإِشْرَاكُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الْحَرَامِ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَةِ، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَالْفِرَارُ مِنَ الزَّحْفِ، وَالْمُرْتَدُّ أَعْرَابِيًّا بَعْدَ هِجْرَتِهِ» حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ قَالَ: ثنا هِشَامٌ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ عَبِيدَةَ، بِنَحْوِهِ
٦ / ٦٤٥
وَعِلَّةُ مَنْ قَالَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ مَا: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي اللَّيْثُ، قَالَ: ثني خَالِدٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ، عَنْ نُعَيْمٍ الْمُجْمِرِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي صُهَيْبٌ، مَوْلَى الْعُتْوَارِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ مِنَ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ يَقُولَانِ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَوْمًا، فَقَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ» ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ أَكَبَّ، فَأَكَبَّ كُلُّ رَجُلٍ مِنَّا يَبْكِي لَا يَدْرِي عَلَى مَاذَا حَلَفَ. ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَفِي وَجْهِهِ الْبِشْرُ، فَكَانَ أَحَبَّ إِلَيْنَا مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ، فَقَالَ: «مَا مِنْ عَبْدٍ يُصَلِّي الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ، وَيَصُومُ رَمَضَانَ، وَيُخْرِجُ الزَّكَاةَ، وَيَجْتَنِبُ الْكَبَائِرَ السَّبْعَ، إِلَّا فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، ثُمَّ قِيلَ: ادْخُلْ بِسَلَامٍ»
٦ / ٦٤٥
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: «الْكَبَائِرُ سَبْعٌ: قَتْلُ النَّفْسِ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَرَمْي الْمُحْصَنَةِ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَالْفِرَارُ يَوْمَ الزَّحْفِ» وَقَالَ آخَرُونَ: هِيَ تِسْعٌ
٦ / ٦٤٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا زِيَادُ بْنُ مِخْرَاقٍ، عَنْ طَيْسَلَةَ بْنِ مَيَّاسٍ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ الْحَدَثَانِ، فَأَصَبْتُ ذَنُوبًا لَا أُرَاهَا إِلَّا مِنَ الْكَبَائِرِ، فَلَقِيتُ ابْنَ عُمَرَ، فَقُلْتُ: إِنِّي أُصِيبُ ذَنُوبًا لَا أُرَاهَا إِلَّا مِنَ الْكَبَائِرِ قَالَ: وَمَا هِيَ؟ قُلْتُ: كَذَا وَكَذَا. قَالَ: لَيْسَ مِنَ الْكَبَائِرِ، قَالَ: لِشَيْءٍ لَمْ يَسْمَعْهُ طَيْسَلَةُ، قَالَ: هِيَ تِسْعٌ، وَسَأَعُدُّهُنَّ عَلَيْكَ: الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَقَتْلُ النَّسَمَةِ بِغَيْرِ حِلِّهَا، وَالْفِرَارُ مِنَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَةِ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ ظُلْمًا، وَإِلْحَادٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَالَّذِي يَسْتَسْحِرُ وَبُكَاءُ الْوَالِدَيْنِ مِنَ الْعُقُوقِ. قَالَ ابْنُ زِيَادٍ: وَقَالَ طَيْسَلَةُ: لَمَّا رَأَى ابْنُ عُمَرَ فَرَقِي قَالَ: أَتَخَافُ النَّارَ أَنْ تَدْخُلَهَا؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: وَتُحِبُّ أَنْ تَدْخُلَ الْجَنَّةَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: أَحَيٌّ وَالِدُكَ؟ ⦗٦٤٧⦘ قُلْتُ: عِنْدِي أُمِّي. قَالَ: فَوَاللَّهِ لَئِنْ أَنْتَ أَلَنْتَ لَهَا الْكَلَامَ، وَأَطْعَمْتَهَا الطَّعَامَ، لَتَدْخُلَنَّ الْجَنَّةَ مَا اجْتَنَبْتَ الْمُوجِبَاتِ “
٦ / ٦٤٦
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ ثَابِتٍ الْخَرَّازُ الْوَاسِطِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا سَلْمُ بْنُ سَلَّامٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَيُّوبُ بْنُ عُتْبَةَ، عَنْ طَيْسَلَةَ بْنِ عَلِيٍّ النَّهْدِيِّ قَالَ: أَتَيْتُ ابْنَ عُمَرَ، وَهُوَ فِي ظِلِّ أَرَاكٍ يَوْمَ عَرَفَةَ، وَهُوَ يَصُبُّ الْمَاءَ عَلَى رَأْسِهِ وَوَجْهِهِ. قَالَ: قُلْتُ: أَخْبِرْنِي عَنِ الْكَبَائِرِ. قَالَ: «هِيَ تِسْعٌ»، قُلْتُ: مَا هُنَّ؟ قَالَ: «الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَةِ،» قَالَ: قُلْتُ: قَبْلَ الْقَتْلِ؟ قَالَ: «نَعَمْ، وَرَغْمًا، وَقَتْلُ النَّفْسِ الْمُؤْمِنَةِ، وَالْفِرَارُ مِنَ الزَّحْفِ، وَالسِّحْرُ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ الْمُسْلِمَيْنِ، وَالْإِلْحَادُ بِالْبَيْتِ الْحَرَامِ قِبْلَتِكُمْ أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا» حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ ثَابِتٍ الْخَرَّازُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سَلْمُ بْنُ سَلَّامٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَيُّوبُ بْنُ عُتْبَةَ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، بِمِثْلِهِ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: بَدَأَ بِالْقَتْلِ قَبْلَ الْقَذْفِ ⦗٦٤٨⦘ وَقَالَ آخَرُونَ: هِيَ أَرْبَعٌ
٦ / ٦٤٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامُ بْنُ سَلْمٍ، عَنْ عَنبَسَةَ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ وَبَرَةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: «الْكَبَائِرُ: الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَالْقَنُوطُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ، وَالْإِيَاسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ، وَالْأَمْنُ مِنْ مَكْرِ اللَّهِ»
٦ / ٦٤٨
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُطَرِّفٌ، عَنْ وَبَرَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: «أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ: الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَالْإِيَاسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ، وَالْقَنُوطُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ، وَالْأَمْنُ مِنْ مَكْرِ اللَّهِ»
٦ / ٦٤٨
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ وَبَرَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: إِنَّ الْكَبَائِرَ: الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَالْقَنُوطُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ، وَالْأَمْنُ مِنْ مَكْرِ اللَّهِ، وَالْإِيَاسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ “
٦ / ٦٤٨
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ وَأَبُو السَّائِبِ قَالَا: ثنا ابْنُ إِدْرِيسَ قَالَ: سَمِعْتُ مُطَرِّفًا عَنْ وَبَرَةَ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: «الْكَبَائِرُ أَرْبَعٌ: الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَالْقَنُوطُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ، وَالْيَأْسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ، وَالْأَمْنُ مِنْ مَكْرِ اللَّهِ»
٦ / ٦٤٨
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُمَارَةَ الْأَسَدِيُّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا شَيْبَانُ، ⦗٦٤٩⦘ عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ وَبَرَةَ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ: «أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ: الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ» حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُمَارَةَ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ وَبَرَةَ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بِنَحْوِهِ
٦ / ٦٤٨
حَدَّثَنِي ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثني وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: «الْكَبَائِرُ أَرْبَعٌ: الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَالْأَمْنُ مِنْ مَكْرِ اللَّهِ، وَالْإِيَاسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ، وَالْقَنُوطُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ» وَبِهِ قَالَ: شُعْبَةُ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، بِمِثْلِهِ حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، بِنَحْوِهِ
٦ / ٦٤٩
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: «الْكَبَائِرُ أَرْبَعٌ: الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ، وَالْأَمْنُ لِمَكْرِ اللَّهِ، وَالْإِيَاسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ»
٦ / ٦٤٩
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: ثنا أَبِي، عَنِ الْمَسْعُودِيِّ، عَنْ فُرَاتٍ الْقَزَّازِ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: «الْكَبَائِرُ: الْقُنُوطُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ، وَالْإِيَاسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ، وَالْأَمْنُ لِمَكْرِ اللَّهِ، وَالشِّرْكُ بِاللَّهِ» وَقَالَ آخَرُونَ: كُلُّ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ فَهُوَ كَبِيرَةٌ
٦ / ٦٥٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: ذُكِرَتْ عِنْدَهُ الْكَبَائِرَ، فَقَالَ: «كُلُّ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ فَهُوَ كَبِيرَةٌ»
٦ / ٦٥٠
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَيُّوبُ، عَنْ مُحَمَّدٍ، قَالَ: أُنْبِئْتُ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ، كَانَ يَقُولُ: «كُلُّ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ كَبِيرَةٌ، وَقَدْ ذَكَرْتُ الطَّرْفَةَ قَالَ: هِيَ النَّظْرَةُ»
٦ / ٦٥٠
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُعْتَمِرٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ طَاوُسٍ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ: أَخْبِرْنِي بِالْكَبَائِرِ السَّبْعِ، قَالَ: فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «هِيَ أَكْثَرُ مِنْ سَبْعٍ وَتِسْعٍ. فَمَا أَدْرِي كَمْ قَالَهَا مِنْ مَرَّةٍ»
٦ / ٦٥٠
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ طَاوُسٍ قَالَ: ذَكَرُوا عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ الْكَبَائِرَ، فَقَالُوا: هِيَ سَبْعٌ قَالَ: «هِيَ أَكْثَرُ مِنْ ⦗٦٥١⦘ سَبْعٍ وَتِسْعٍ» . قَالَ سُلَيْمَانُ: فَلَا أَدْرِي كَمْ قَالَهَا مِنْ مَرَّةٍ “
٦ / ٦٥٠
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، وَابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ عَوْفٍ، قَالَ: قَامَ أَبُو الْعَالِيَةِ الرِّيَاحِيُّ عَلَى حَلْقَةٍ أَنَا فِيهَا، فَقَالَ: إِنَّ نَاسًا يَقُولُونَ: «الْكَبَائِرُ سَبْعٌ، وَقَدْ خِفْتُ أَنْ تَكُونَ الْكَبَائِرُ سَبْعِينَ، أَوْ يَزِدْنَ عَلَى ذَلِكَ»
٦ / ٦٥١
حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا الْوَلِيدُ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَمْرٍو، يُخْبِرُ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْكَبَائِرِ، سَبْعٌ هِيَ؟ قَالَ: هِيَ إِلَى السَّبْعِينَ أَقْرَبُ “
٦ / ٦٥١
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: كَمِ الْكَبَائِرُ أَسَبْعٌ هِيَ؟ قَالَ: «إِلَى سَبْعِمِائَةٍ أَقْرَبُ مِنْهَا إِلَى سَبْعٍ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا كَبِيرَةَ مَعَ اسْتِغْفَارٍ، وَلَا صَغِيرَةَ مَعَ إِصْرَارٍ»
٦ / ٦٥١
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ طَاوُسٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: أَرَأَيْتَ الْكَبَائِرَ السَّبْعَ الَّتِي ذَكَرَهُنَّ اللَّهُ مَا هُنَّ؟ قَالَ: «هُنَّ إِلَى السَّبْعِينَ أَدْنَى مِنْهَا إِلَى السَّبْعِ»
٦ / ٦٥١
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قِيلَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: الْكَبَائِرُ سَبْعٌ؟ قَالَ: «هِيَ إِلَى السَّبْعِينَ أَقْرَبُ»
٦ / ٦٥١
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدَانَ، عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ، قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، عَنِ الْكَبَائِرِ، قَالَ: «كُلُّ شَيْءٍ عُصِيَ اللَّهُ فِيهِ فَهُوَ كَبِيرَةٌ. وَقَالَ آخَرُونَ: هِيَ ثَلَاثٌ»
٦ / ٦٥٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: الْكَبَائِرُ ثَلَاثٌ: الْيَأْسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ، وَالْقُنُوطُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ، وَالْأَمْنُ مِنْ مَكْرِ اللَّهِ ” وَقَالَ آخَرُونَ: كُلُّ مُوجِبَةٍ وَكُلُّ مَا أَوْعَدَ اللَّهُ أَهْلَهُ عَلَيْهِ النَّارَ فَكَبِيرَةٌ
٦ / ٦٥٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: قَوْلُهُ: ﴿إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ﴾ [النساء: ٣١] قَالَ: «الْكَبَائِرُ: كُلُّ ذَنْبٍ خَتْمَهُ اللَّهُ بِنَارٍ أَوْ غَضَبٍ، أَوْ لَعْنَةٍ، أَوْ عَذَابٍ»
٦ / ٦٥٢
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ وَاسِعٍ، قَالَ: قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: «كُلُّ مُوجِبَةٍ فِي الْقُرْآنِ كَبِيرَةٌ»
٦ / ٦٥٢
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَهْرَمٍ الشَّعَّابِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ وَاسِعٍ الْأَزْدِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: «كُلُّ ذَنْبٍ نَسَبَهُ اللَّهُ إِلَى النَّارِ، فَهُوَ مِنَ الْكَبَائِرِ»
٦ / ٦٥٣
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: ثنا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ سَالِمٍ، أَنَّهُ سَمِعَ الْحَسَنَ، يَقُولُ: «كُلُّ مُوجِبَةٍ فِي الْقُرْآنِ كَبِيرَةٌ»
٦ / ٦٥٣
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ﴾ [النساء: ٣١] قَالَ: «الْمُوجِبَاتُ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
٦ / ٦٥٣
حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا جُوَيْبِرٌ، عَنِ الضَّحَّاكِ، قَالَ: «الْكَبَائِرُ: كُلُّ مُوجِبَةٍ أَوْجَبَ اللَّهُ لِأَهْلِهَا النَّارَ، وَكُلُّ عَمَلٍ يُقَامُ بِهِ الْحَدُّ فَهُوَ مِنَ الْكَبَائِرِ» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالَّذِي نَقُولُ بِهِ فِي ذَلِكَ مَا ثَبَتَ بِهِ الْخَبَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. وَذَلِكَ مَا
٦ / ٦٥٣
حَدَّثَنَا بِهِ، أَحْمَدُ بْنُ الْوَلِيدِ الْقُرَشِيُّ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، قَالَ: ثني عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، قَالَ: ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الْكَبَائِرَ، أَوْ سُئِلَ عَنِ الْكَبَائِرِ، فَقَالَ: «الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ، ⦗٦٥٤⦘ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ» فَقَالَ: «أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ؟» قَالَ: «قَوْلُ الزُّورِ»، أَوْ قَالَ: «شَهَادَةُ الزُّورِ» قَالَ شُعْبَةُ: وَأَكْبَرُ ظَنِّي أَنَّهُ قَالَ: «شَهَادَةُ الزُّورِ»
٦ / ٦٥٣
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَبِيبِ بْنِ عَرَبِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ فِي الْكَبَائِرِ قَالَ: «الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ، وَقَوْلُ الزُّورِ»
٦ / ٦٥٤
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ كَثِيرٍ قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: ذَكَرُوا الْكَبَائِرَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: «الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ، أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ؟ قَوْلُ الزُّورِ»
٦ / ٦٥٤
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ فِرَاسٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ: الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، أَوْ قَتْلُ النَّفْسِ «شُعْبَةُ الشَّاكُّ» وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ»
٦ / ٦٥٤
حَدَّثَنَا أَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ قَالَ: ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى قَالَ: ثنا ⦗٦٥٥⦘ شَيْبَانُ، عَنْ فِرَاسٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَقَالَ: مَا الْكَبَائِرُ؟ قَالَ: «الشِّرْكُ بِاللَّهِ» قَالَ: ثُمَّ مَهْ؟ قَالَ: «وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ» . قَالَ: ثُمَّ مَهْ؟ قَالَ: «وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ» . قُلْتُ لِلشَّعْبِيِّ: مَا الْيَمِينُ الْغَمُوسُ؟ قَالَ: الَّذِي يَقْتَطِعُ مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ وَهُوَ فِيهَا كَاذِبٌ “
٦ / ٦٥٤
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي السَّرِيِّ، مُحَمَّدُ بْنُ الْمُتَوَكِّلِ الْعَسْقَلَانِيُّ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، عَنْ أَبِي رُهْمٍ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَنْ أَقَامَ الصَّلَاةَ، وَآتَى الزَّكَاةَ وَصَامَ رَمَضَانَ، وَاجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ، فَلَهُ الْجَنَّةُ»، قِيلَ: وَمَا الْكَبَائِرُ؟ قَالَ: «الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَالْفِرَارُ يَوْمَ الزَّحْفِ»
٦ / ٦٥٥
حَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: ثنا سَعْدُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلْمَانَ الْأَغَرِّ، عَنْ أَبِيهِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ سَلْمَانَ الْأَغَرِّ قَالَ: قَالَ أَبُو أَيُّوبَ خَالِدُ بْنُ ⦗٦٥٦⦘ أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ، عَقَبِيُّ بَدْرِيُّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَا مِنْ عَبْدٍ يَعْبُدُ اللَّهَ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَيُقِيمُ الصَّلَاةَ، وَيُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَيَصُومُ رَمَضَانَ، وَيَجْتَنِبُ الْكَبَائِرَ، إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ». فَسَأَلُوهُ: مَا الْكَبَائِرُ؟ قَالَ: «الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَالْفِرَارُ مِنَ الزَّحْفِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ»
٦ / ٦٥٥
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا عَبَّادُ بْنُ عَبَّادٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ: أَنَّ نَاسًا، مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ ذَكَرُوا الْكَبَائِرَ، وَهُوَ مُتَّكِئٌ، فَقَالُوا: الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَفِرَارٌ مِنَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَةِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَقَوْلُ الزُّورِ، وَالْغُلُولُ، وَالسِّحْرُ، وَأَكْلُ الرِّبَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: “فَأَيْنَ تَجْعَلُونَ ﴿الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا﴾ [آل عمران: ٧٧] «إِلَى آخِرِ الْآيَةِ»
٦ / ٦٥٦
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفِرْيَابِيُّ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ ﷺ: مَا الْكَبَائِرُ؟ قَالَ: «أَنْ تَدْعُو لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ، وَأَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ مِنْ أَجْلِ أَنْ يَأْكُلَ مَعَكَ، وَأَنْ تَزْنِيَ بِحَلِيلَةِ جَارِكَ» . وَقَرَأَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ﴿وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ⦗٦٥٧⦘ وَلَا يَزْنُونَ﴾ [الفرقان: ٦٨] “
٦ / ٦٥٦
حَدَّثَنِي هَذَا الْحَدِيثَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الزُّهْرِيُّ، فَقَالَ: ثنا سُفْيَانُ، قَالَ: ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ النَّخَعِيُّ، وَكَانَ عَلَى السِّجْنِ سَمِعَهُ مِنْ أَبِي عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَقُلْتُ: أَيُّ الْعَمَلِ شَرٌّ؟ قَالَ: «أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ، وَأَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ خَشْيَةَ أَنْ يَأْكُلَ مَعَكَ، وَأَنْ تَزْنِيَ بِجَارَتِكَ» وَقَرَأَ عَلَيَّ: ﴿وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ﴾ [الفرقان: ٦٨] قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى مَا قِيلَ فِي تَأْوِيلِ الْكَبَائِرِ بِالصِّحَّةِ، مَا صَحَّ بِهِ الْخَبَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ دُونَ مَا قَالَهُ غَيْرُهُ، وَإِنْ كَانَ كُلُّ قَائِلٍ فِيهَا قَوْلًا مِنَ الَّذِينَ ذَكَرْنَا أَقْوَالَهُمْ، قَدِ اجْتَهَدَ وَبَالَغَ فِي نَفْسِهِ، وَلِقَوْلِهِ فِي الصِّحَّةِ مَذْهَبٌ. فَالْكَبَائِرُ إِذَنِ: الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الْمُحَرَّمُ قَتْلُهَا، وَقَوْلُ الزُّورِ، وَقَدْ يَدْخُلُ فِي قَوْلِ الزُّورِ، شَهَادَةُ الزُّورِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَةِ، وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ، وَالسِّحْرُ. وَيَدْخُلُ فِي قَتْلِ النَّفْسِ الْمُحَرِّمُ قَتْلُهَا: قَتْلُ الرَّجُلِ وَلَدَهُ مِنْ أَجْلِ أَنْ يَطْعَمَ مَعَهُ، وَالْفِرَارُ مِنَ الزَّحْفِ، وَالزِّنَا بِحَلِيلَةِ الْجَارِ وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ صَحَّ كُلُّ خَبَرٍ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي مَعْنَى الْكَبَائِرِ، وَكَانَ بَعْضُهُ مُصَدِّقًا بَعْضًا، وَذَلِكَ أَنَّ الَّذِي رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «هِيَ سَبْعٌ» يَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ حِينَئِذٍ «هِيَ سَبْعٌ» عَلَى التَّفْصِيلِ، وَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ فِي الْخَبَرِ الَّذِي رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: «هِيَ الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَقَتْلُ ⦗٦٥٨⦘ النَّفْسِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَقَوْلُ الزُّورِ» عَلَى الْإِجْمَالِ، إِذْ كَانَ قَوْلُهُ: «وَقَوْلُ الزُّورِ» يَحْتَمِلُ مَعَانِيَ شَتَّى، وَأَنْ يَجْمَعَ جَمِيعَ ذَلِكَ: قَوْلُ الزُّورِ. وَأَمَّا خَبَرُ ابْنُ مَسْعُودٍ الَّذِي حَدَّثَنِي بِهِ الْفِرْيَابِيُّ عَلَى مَا ذَكَرْتُ، فَإِنَّهُ عِنْدِي غَلَطٌ مِنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ، لِأَنَّ الْأَخْبَارَ الْمُتَظَاهِرَةَ مِنَ الْأَوْجُهِ الصَّحِيحَةِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ بِنَحْوِ الرِّوَايَةِ الَّتِي رَوَاهَا الزُّهْرِيُّ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ فِي حَدِيثِهِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ سُئِلَ عَنِ الْكَبَائِرِ؛ فَنَقْلُهُمْ مَا نَقَلُوا مِنْ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَوْلَى بِالصِّحَّةِ مِنْ نَقْلِ الْفِرْيَابِيِّ. فَمَنِ اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ الَّتِي وَعَدَ اللَّهُ مُجْتَنِبَهَا تَكْفِيرَ مَا عَدَاهَا مِنْ سَيِّئَاتِهِ، وَإِدْخَالَهُ مَدْخَلًا كَرِيمًا، وَأَدَّى فَرَائِضَهُ الَّتِي فَرَضَهَا اللَّهُ عَلَيْهِ، وَجَدَ اللَّهَ لِمَا وَعَدَهُ مِنْ وَعْدٍ مُنْجِزًا، وَعَلَى الْوَفَاءِ بِهِ دَائِبًا. وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ﴾ [النساء: ٣١] فَإِنَّهُ يَعْنِي بِهِ: نُكَفِّرْ عَنْكُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِاجْتِنَابِكُمْ كَبَائِرَ مَا يَنْهَاكُمْ عَنْهُ رَبُّكُمْ صَغَائِرَ سَيِّئَاتِكُمْ، يَعْنِي: صَغَائِرَ ذُنُوبِكُمْ. كَمَا:
٦ / ٦٥٧
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ﴾ [النساء: ٣١] الصَّغَائِرُ “
٦ / ٦٥٨
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنِ الْحَسَنِ: أَنَّ نَاسًا، لَقَوْا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو بِمِصْرَ، فَقَالُوا: نَرَى أَشْيَاءَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ أُمِرَ أَنْ يُعْمَلَ
٦ / ٦٥٨
بِهَا، لَا يُعْمَلُ بِهَا، فَأَرَدْنَا أَنْ نَلْقَى أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فِي ذَلِكَ؟ فَقَدِمَ وَقَدِمُوا مَعَهُ، فَلَقِيَهُ عُمَرُ رضي الله عنه، فَقَالَ: مَتَى قَدِمْتَ؟ قَالَ: مُنْذُ كَذَا وَكَذَا قَالَ: أَبِإِذْنٍ قَدِمْتَ؟ قَالَ: فَلَا أَدْرِي كَيْفَ رَدَّ عَلَيْهِ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينِ، إِنَّ نَاسًا لَقَوْنِي بِمِصْرَ، فَقَالُوا: إِنَّا نَرَى أَشْيَاءَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تبارك وتعالى أَمَرَ أَنْ يُعْمَلَ بِهَا وَلَا يُعْمَلُ بِهَا، فَأَحَبُّوا أَنْ يَلْقَوْكَ فِي ذَلِكَ. فَقَالَ: اجْمَعْهُمْ لِي. قَالَ: فَجَمَعْتُهُمْ لَهُ – قَالَ ابْنُ عَوْنٍ: أَظُنُّهُ قَالَ فِي نَهَرٍ – فَأَخَذَ أَدْنَاهُمْ رَجُلًا، فَقَالَ: أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ وَبِحَقِّ الْإِسْلَامِ عَلَيْكَ، أَقْرَأَتَ الْقُرْآنَ كُلَّهُ؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: فَهَلْ أَحْصَيْتَهُ فِي نَفْسِكَ؟ قَالَ: اللَّهُمَّ لَا. – قَالَ: وَلَوْ قَالَ نَعَمْ لَخَصَمَهُ -. قَالَ: فَهَلْ أَحْصَيْتَهُ فِي بَصَرِكَ؟ هَلْ أَحْصَيْتَهُ فِي لَفْظِكَ؟ هَلْ أَحْصَيْتَهُ فِي أَثَرِكَ؟ قَالَ: ثُمَّ تَتَبَّعَهُمْ حَتَّى أَتَى عَلَى آخِرِهِمْ، فَقَالَ: ثَكِلَتْ عُمَرَ أُمُّهُ، أَتُكَلِّفُونَهُ أَنْ يُقِيمَ النَّاسَ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ؟ قَدْ عَلِمَ رَبُّنَا أَنْ سَتَكُونُ لَنَا سَيِّئَاتٌ. قَالَ: وَتَلَا: ﴿إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلَا كَرِيمًا﴾ [النساء: ٣١] هَلْ عَلِمَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ؟ أَوْ قَالَ: «هَلْ عَلِمَ أَحَدٌ بِمَا قَدِمْتُمْ؟ قَالُوا: لَا. قَالَ: لَوْ عَلِمُوا لَوَعَظْتُ بِكُمْ»
٦ / ٦٥٩
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ: ثنا زِيَادُ بْنُ مِخْرَاقٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ، قَالَ: أَتَيْنَا أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، فَكَانَ فِيمَا حَدَّثَنَا قَالَ: لَمْ نَرَ مِثْلَ الَّذِي بَلَغَنَا عَنْ رَبِّنَا، ثُمَّ لَمْ نَخْرُجْ لَهُ عَنْ كُلِّ، أَهْلٍ وَمَالٍ. ثُمَّ سَكَتَ هُنَيْهَةً، ثُمَّ قَالَ: وَاللَّهِ لَقَدْ كَلَّفَنَا رَبُّنَا ⦗٦٦٠⦘ أَهْوَنَ مِنْ ذَلِكَ، لَقَدْ تَجَاوَزَ لَنَا عَمَّا دُونَ الْكَبَائِرِ، فَمَا لَنَا وَلَهَا؟ ثُمَّ تَلَا: ﴿إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ﴾ [النساء: ٣١] الْآيَةُ “
٦ / ٦٥٩
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ﴾ [النساء: ٣١] الْآيَةُ، إِنَّمَا وَعَدَ اللَّهُ الْمَغْفِرَةَ لِمَنِ اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ، وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «اجْتَنِبُوا الْكَبَائِرَ، وَسَدِّدُوا، وَأَبْشِرُوا»
٦ / ٦٦٠
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ رَجُلٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: فِي خَمْسِ آيَاتٍ مِنْ سُورَةِ النِّسَاءِ لَهُنَّ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا جَمِيعًا: ﴿إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ﴾ [النساء: ٣١] وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ﴾ [النساء: ٤٠] ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ [النساء: ٤٨] وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [النساء: ١١٠] وَقَوْلُهُ: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [النساء: ١٥٢] “
٦ / ٦٦٠
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني أَبُو النَّضْرِ، عَنْ صَالِحٍ الْمُرِّيِّ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: ثَمَانُ آيَاتٍ نَزَلَتْ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ، هِيَ خَيْرٌ لِهَذِهِ ⦗٦٦١⦘ الْأُمَّةِ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ وَغَرَبَتْ، أُولَاهُنَّ: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبُ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [النساء: ٢٦] وَالثَّانِيَةُ: ﴿وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا﴾ [النساء: ٢٧] وَالثَّالِثَةُ: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا﴾ [النساء: ٢٨] ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَ قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ سَوَاءً، وَزَادَ فِيهِ: ثُمَّ أَقْبَلَ يُفَسِّرْهَا فِي آخِرِ الْآيَةِ: ﴿وَكَانَ اللَّهُ﴾ [النساء: ٩٦] لِلَّذِينَ عَمِلُوا الذُّنُوبَ ﴿غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [النساء: ٢٣] وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا﴾ [النساء: ٣١] فَإِنَّ الْقُرَّاءَ اخْتَلَفَتْ فِي قِرَاءَتِهِ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَبَعْضُ الْكُوفِيِّينَ: (وَنُدْخِلْكُمْ مَدْخَلًا كَرِيمًا) بِفَتْحِ الْمِيمِ، وَكَذَلِكَ الَّذِي فِي الْحَجِّ: (لَيُدْخِلَنَّهُمْ مَدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ) فَمَعْنَى: (وَنُدْخِلْكُمْ مَدْخَلًا) فَيَدْخُلُونَ دُخُولًا كَرِيمًا. وَقَدْ يُحْتَمَلُ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ قَرَأَ هَذِهِ الْقِرَاءَةَ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى فِي الْمَدْخَلِ: الْمَكَانُ وَالْمَوْضِعُ، لِأَنَّ الْعَرَبَ رُبَّمَا فَتَحَتِ الْمِيمَ مِنْ ذَلِكَ بِهَذَا الْمَعْنَى، كَمَا قَالَ الرَّاجِزُ:
[البحر الرجز] بِمَصْبَحِ الْحَمْدِ وَحَيْثُ يُمْسِ
وَقَدْ أَنْشَدَنِي بَعْضُهُمْ سَمَاعًا مِنَ الْعَرَبِ:
[البحر البسيط] الْحَمْدُ لِلَّهِ مَمْسَانَا وَمَصْبَحَنَا … بِالْخَيْرِ صَبَّحْنَا رَبِّي وَمَسَّانَا
وَأَنْشَدَنِي آخَرُ غَيْرُهُ:
⦗٦٦٢⦘ الْحَمْدُ لِلَّهِ مُمْسَانَا وَمُصْبَحَنَا
لِأَنَّهُ مِنْ أَصْبَحَ وَأَمْسَى. وَكَذَلِكَ تَفْعَلُ الْعَرَبُ فِيمَا كَانَ مِنَ الْفِعْلِ بِنَاؤُهُ عَلَى أَرْبَعَةٍ تَضُمُّ مِيمَهُ فِي مِثْلِ هَذَا، فَتَقُولُ: دَحْرَجْتُهُ مُدَحْرَجًا فَهُوَ مُدَحَرَجٌ، ثُمَّ تَحْمِلُ مَا جَاءَ عَلَى أَفْعَلَ يُفْعِلُ عَلَى ذَلِكَ، لِأَنَّ يُفْعِلُ مِنْ يُدْخِلُ، وَإِنْ كَانَ عَلَى أَرْبَعَةٍ، فَإِنَّ أَصْلَهُ أَنْ يَكُونَ عَلَى يُؤَفْعَلُ: يُؤَدْخَلُ، وَيُؤَخْرَجُ، فَهُوَ نَظِيرُ يُدَحْرِجُ. وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفِيِّينَ وَالْبَصْرِيِّينَ: ﴿مُدْخَلًا﴾ [النساء: ٣١] بِضَمِّ الْمِيمِ، يَعْنِي: وَنُدْخِلْكُمْ إِدْخَالًا كَرِيمًا. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ بِالصَّوَابِ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ: ﴿وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا﴾ [النساء: ٣١] بِضَمِّ الْمِيمِ لِمَا وَصَفْنَا مِنْ أَنَّ مَا كَانَ مِنَ الْفِعْلِ بِنَاؤُهُ عَلَى أَرْبَعَةٍ فِي فَعَلَ فَالْمَصْدَرُ مِنْهُ مُفْعَلٌ، وَأَنَّ أَدْخَلَ وَدَحْرَجَ فَعَلَ مِنْهُ عَلَى أَرْبَعَةٍ، فَالْمُدْخَلُ مَصْدَرُهُ أَوْلَى مِنْ مُفْعَلِ مَعَ أَنَّ ذَلِكَ أَفْصَحُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ فِي مَصَادِرَ مَا جَاءَ عَلَى أَفْعَلَ، كَمَا يُقَالَ: أَقَامَ بِمَكَانٍ فَطَابَ لَهُ الْمَقَامُ، إِذَا أُرِيدَ بِهِ الْإِقَامَةُ، ⦗٦٦٣⦘ وَقَامَ فِي مَوْضِعِهِ فَهُوَ فِي مَقَامٍ وَاسِعٍ، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ﴾ [الدخان: ٥١] مِنْ قَامَ يَقُومُ، وَلَوْ أُرِيدَ بِهِ الْإِقَامَةُ لَقُرِئَ: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مُقَامٍ أَمِينٍ كَمَا قُرِئَ: ﴿وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ﴾ [الإسراء: ٨٠] بِمَعْنَى الْإِدْخَالِ وَالْإِخْرَاجِ، وَلَمْ يَبْلُغْنَا عَنْ أَحَدٍ، أَنَّهُ قَرَأَ: مَدْخَلَ صِدْقٍ، وَلَا مَخْرَجَ صِدْقٍ، بِفَتْحِ الْمِيمِ. وَأَمَّا الْمُدْخَلُ الْكَرِيمُ: فَهُوَ الطَّيِّبُ الْحَسَنُ، الْمُكَرَّمُ بِنَفْيِ الْآفَاتِ وَالْعَاهَاتِ عَنْهُ، وَبِارْتِفَاعِ الْهُمُومِ وَالْأَحْزَانِ وَدُخُولِ الْكَدَرِ فِي عَيْشِ مَنْ دَخَلَهُ، فَلِذَلِكَ سَمَّاهُ اللَّهُ كَرِيمًا. كَمَا:
[البحر الرجز] بِمَصْبَحِ الْحَمْدِ وَحَيْثُ يُمْسِ
وَقَدْ أَنْشَدَنِي بَعْضُهُمْ سَمَاعًا مِنَ الْعَرَبِ:
[البحر البسيط] الْحَمْدُ لِلَّهِ مَمْسَانَا وَمَصْبَحَنَا … بِالْخَيْرِ صَبَّحْنَا رَبِّي وَمَسَّانَا
وَأَنْشَدَنِي آخَرُ غَيْرُهُ:
⦗٦٦٢⦘ الْحَمْدُ لِلَّهِ مُمْسَانَا وَمُصْبَحَنَا
لِأَنَّهُ مِنْ أَصْبَحَ وَأَمْسَى. وَكَذَلِكَ تَفْعَلُ الْعَرَبُ فِيمَا كَانَ مِنَ الْفِعْلِ بِنَاؤُهُ عَلَى أَرْبَعَةٍ تَضُمُّ مِيمَهُ فِي مِثْلِ هَذَا، فَتَقُولُ: دَحْرَجْتُهُ مُدَحْرَجًا فَهُوَ مُدَحَرَجٌ، ثُمَّ تَحْمِلُ مَا جَاءَ عَلَى أَفْعَلَ يُفْعِلُ عَلَى ذَلِكَ، لِأَنَّ يُفْعِلُ مِنْ يُدْخِلُ، وَإِنْ كَانَ عَلَى أَرْبَعَةٍ، فَإِنَّ أَصْلَهُ أَنْ يَكُونَ عَلَى يُؤَفْعَلُ: يُؤَدْخَلُ، وَيُؤَخْرَجُ، فَهُوَ نَظِيرُ يُدَحْرِجُ. وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفِيِّينَ وَالْبَصْرِيِّينَ: ﴿مُدْخَلًا﴾ [النساء: ٣١] بِضَمِّ الْمِيمِ، يَعْنِي: وَنُدْخِلْكُمْ إِدْخَالًا كَرِيمًا. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ بِالصَّوَابِ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ: ﴿وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا﴾ [النساء: ٣١] بِضَمِّ الْمِيمِ لِمَا وَصَفْنَا مِنْ أَنَّ مَا كَانَ مِنَ الْفِعْلِ بِنَاؤُهُ عَلَى أَرْبَعَةٍ فِي فَعَلَ فَالْمَصْدَرُ مِنْهُ مُفْعَلٌ، وَأَنَّ أَدْخَلَ وَدَحْرَجَ فَعَلَ مِنْهُ عَلَى أَرْبَعَةٍ، فَالْمُدْخَلُ مَصْدَرُهُ أَوْلَى مِنْ مُفْعَلِ مَعَ أَنَّ ذَلِكَ أَفْصَحُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ فِي مَصَادِرَ مَا جَاءَ عَلَى أَفْعَلَ، كَمَا يُقَالَ: أَقَامَ بِمَكَانٍ فَطَابَ لَهُ الْمَقَامُ، إِذَا أُرِيدَ بِهِ الْإِقَامَةُ، ⦗٦٦٣⦘ وَقَامَ فِي مَوْضِعِهِ فَهُوَ فِي مَقَامٍ وَاسِعٍ، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ﴾ [الدخان: ٥١] مِنْ قَامَ يَقُومُ، وَلَوْ أُرِيدَ بِهِ الْإِقَامَةُ لَقُرِئَ: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مُقَامٍ أَمِينٍ كَمَا قُرِئَ: ﴿وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ﴾ [الإسراء: ٨٠] بِمَعْنَى الْإِدْخَالِ وَالْإِخْرَاجِ، وَلَمْ يَبْلُغْنَا عَنْ أَحَدٍ، أَنَّهُ قَرَأَ: مَدْخَلَ صِدْقٍ، وَلَا مَخْرَجَ صِدْقٍ، بِفَتْحِ الْمِيمِ. وَأَمَّا الْمُدْخَلُ الْكَرِيمُ: فَهُوَ الطَّيِّبُ الْحَسَنُ، الْمُكَرَّمُ بِنَفْيِ الْآفَاتِ وَالْعَاهَاتِ عَنْهُ، وَبِارْتِفَاعِ الْهُمُومِ وَالْأَحْزَانِ وَدُخُولِ الْكَدَرِ فِي عَيْشِ مَنْ دَخَلَهُ، فَلِذَلِكَ سَمَّاهُ اللَّهُ كَرِيمًا. كَمَا:
٦ / ٦٦٠
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿وَنُدْخِلُكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا﴾ [النساء: ٣١] قَالَ: «الْكَرِيمُ: هُوَ الْحَسَنُ فِي الْجَنَّةِ»
٦ / ٦٦٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا﴾ [النساء: ٣٢] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَلَا تَشْتَهُوا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ. وذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ نَزَلَ فِي نِسَاءٍ تَمَنَّيْنَ مَنَازِلَ الرِّجَالِ، وَأَنْ يَكُونَ لَهُمْ مَا لَهُمْ، فَنَهَى اللَّهُ عِبَادَهُ عَنِ الْأَمَانِيِّ الْبَاطِلَةِ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَسْأَلُوهُ مِنْ فَضْلِهِ، إِذْ كَانَتِ الْأَمَانِيُّ تُورِثُ أَهْلَهَا الْحَسَدَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذِكْرُ الْأَخْبَارِ بِمَا ذَكَرْنَا:
٦ / ٦٦٣
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا مُؤَمَّلٌ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا نُعْطَى الْمِيرَاثَ، وَلَا نَغْزُو فِي ⦗٦٦٤⦘ سَبِيلِ اللَّهِ فَنُقْتَلَ؟ فَنَزَلَتْ: ﴿وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ [النساء: ٣٢] “
٦ / ٦٦٣
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: ثنا مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: تَغْزُو الرِّجَالُ وَلَا نَغْزُو، وَإِنَّمَا لَنَا نِصْفُ الْمِيرَاثِ؟ فَنَزَلَتْ: ﴿وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ﴾ [النساء: ٣٢] وَنَزَلَتْ: ﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ﴾ [الأحزاب: ٣٥] “
٦ / ٦٦٤
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ [النساء: ٣٢] يَقُولُ: «لَا يَتَمَنَّى الرَّجُلُ يَقُولُ: لَيْتَ أَنَّ لِيَ مَالَ فُلَانٍ وَأَهْلَهُ، فَنَهَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَنْ ذَلِكَ، وَلَكِنْ لِيَسْأَلِ اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ»
٦ / ٦٦٤
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ [النساء: ٣٢] قَالَ: «قَوْلُ النِّسَاءِ: لَيْتَنَا رِجَالٌ فَنَغْزُوَ، وَنَبْلُغَ مَا يَبْلُغُ الرِّجَالُ»
٦ / ٦٦٤
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ [النساء: ٣٢] قَوْلُ النِّسَاءِ يَتَمَنَّيْنَ: لَيْتَنَا رِجَالٌ فَنْغَزُوَ؛ ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو “
٦ / ٦٦٥
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: أَيْ رَسُولَ اللَّهِ، أَتَغْزُو الرِّجَالُ وَلَا نَغْزُو، وَإِنَّمَا لَنَا نِصْفُ الْمِيرَاثِ؟ فَنَزَلَتْ ﴿وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ﴾ [النساء: ٣٢] “
٦ / ٦٦٥
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ شَيْخٍ، مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ [النساء: ٣٢] قَالَ: “كَانَ النِّسَاءُ يَقُلْنَ: لَيْتَنَا رِجَالٌ فَنُجَاهِدَ كَمَا يُجَاهِدُ الرِّجَالُ، وَنَغْزُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. فَقَالَ اللَّهُ: ﴿وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ [النساء: ٣٢]
٦ / ٦٦٥
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: «تَتَمَنَّى مَالَ فُلَانٍ وَمَالَ فُلَانٍ، وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ هَلَاكَهُ فِي ذَلِكَ الْمَالِ»
٦ / ٦٦٥
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، وَمُجَاهِدٍ، أَنَّهُمَا قَالَا: «نَزَلَتْ فِي أُمِّ سَلَمَةَ ابْنَةِ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ»
٦ / ٦٦٥
وَبِهِ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: هُوَ الْإِنْسَانُ يَقُولُ: وَدِدْتُ أَنَّ لِيَ مَالَ فُلَانٍ. قَالَ: «وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ، وَقَوْلُ النِّسَاءِ: لَيْتَنَا رِجَالٌ فَنَغْزُوَ، وَنَبْلُغَ مَا يَبْلُغُ الرِّجَالُ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: لَا يَتَمَنَّ بَعْضُكُمْ مَا خَصَّ اللَّهُ بَعْضًا مِنْ مَنَازِلِ الْفَضْلِ
٦ / ٦٦٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَوْلُهُ: ﴿وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ [النساء: ٣٢] فَإِنَّ الرِّجَالَ قَالُوا: نُرِيدُ أَنْ يَكُونَ لَنَا مِنَ الْأَجْرِ الضِّعْفُ عَلَى أَجْرِ النِّسَاءِ، كَمَا لَنَا فِي السِّهَامِ سَهْمَانِ، فَنُرِيدُ أَنْ يَكُونَ لَنَا فِي الْأَجْرِ أَجْرَانِ، وَقَالَتِ النِّسَاءُ: نُرِيدُ أَنْ يَكُونَ لَنَا أَجْرٌ مِثْلُ الرِّجَالِ، فَإِنَّا لَا نَسْتَطِيعُ أَنْ نُقَاتِلَ، وَلَوْ كُتِبَ عَلَيْنَا الْقِتَالُ لَقَاتَلْنَا. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى الْآيَةَ، وَقَالَ لَهُمْ: سَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ، يَرْزُقْكُمُ الْأَعْمَالَ، وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ “
٦ / ٦٦٦
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، قَالَ: «نُهِيتُمْ عَنِ الْأَمَانِيِّ، وَدُلِلْتُمْ، عَلَى مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ، وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ»
٦ / ٦٦٦
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَارِمٌ، قَالَ: ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، قَالَ: كَانَ مُحَمَّدٌ إِذَا سَمِعَ الرَّجُلَ، يَتَمَنَّى فِي الدُّنْيَا قَالَ: «قَدْ نَهَاكُمُ اللَّهُ عَنْ هَذَا ﴿وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ [النساء: ٣٢] وَدَلَّكُمْ عَلَى خَيْرٍ مِنْهُ، وَاسْأَلُوا ⦗٦٦٧⦘ اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ: وَلَا تَتَمَنَّوْا أَيُّهَا الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ الَّذِي فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْ مَنَازِلِ الْفَضْلِ، وَدَرَجَاتِ الْخَيْرِ وَلْيَرْضَ أَحَدُكُمْ بِمَا قَسَمَ اللَّهُ لَهُ مِنْ نَصِيبٍ، وَلَكِنْ سَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ
٦ / ٦٦٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ﴾ [النساء: ٣٢] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى ذَلِكَ: لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا مِنَ الثَّوَابِ عَلَى الطَّاعَةَ وَالْعِقَابِ عَلَى الْمَعْصِيَةَ، وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِنْ ذَلِكَ مِثْلُ ذَلِكَ
٦ / ٦٦٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ﴾ [النساء: ٣٢] كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ لَا يُوَرِّثُونَ الْمَرْأَةَ شَيْئًا وَلَا الصَّبِيَّ شَيْئًا، وَإِنَّمَا يَجْعَلُونَ الْمِيرَاثَ لِمَنْ يَحْتَرِفُ وَيَنْفَعُ وَيَدْفَعُ، فَلَمَّا لَحِقَ لِلْمَرْأَةِ نَصِيبُهَا وِلِلصَّبِيِّ نَصِيبَهُ، وَجُعِلَ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ قَالَ النِّسَاءُ: لَوْ كَانَ جَعَلَ أَنْصِبَاءَنَا فِي الْمِيرَاثِ كَأَنْصِبَاءِ الرِّجَالِ. وَقَالَ الرِّجَالُ: إِنَّا لَنَرْجُو أَنْ نُفَضَّلَ عَلَى النِّسَاءِ بِحَسَنَاتِنَا فِي الْآخِرَةِ، كَمَا فُضِّلْنَا عَلَيْهِنَّ فِي الْمِيرَاثِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا
٦ / ٦٦٧
اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ﴾ [النساء: ٣٢] يَقُولُ: «الْمَرْأَةُ تُجْزَى بِحَسَنَتِهَا عَشْرَ أَمْثَالِهَا كَمَا يُجْزَى الرَّجُلُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ﴾ [النساء: ٣٢]»
٦ / ٦٦٨
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَمَّادٍ، قَالَ: ثني أَبُو لَيْلَى قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَرِيرٍ، يَقُولُ: لَمَّا نَزَلَ: ﴿لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ﴾ [النساء: ١١] قَالَتِ النِّسَاءُ: كَذَلِكَ عَلَيْهِمْ نَصِيبَانِ مِنَ الذُّنُوبِ، كَمَا لَهُمْ نَصِيبَانِ مِنَ الْمِيرَاثِ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ﴾ [النساء: ٣٢] يَعْنِي الذُّنُوبَ، وَاسْأَلُوا اللَّهَ يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ مِنْ فَضْلِهِ ” وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا مِنْ مِيرَاثِ مَوْتَاهُمْ، وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِنْهُمْ
٦ / ٦٦٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ﴾ [النساء: ٣٢] يَعْنِي: «مَا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ، يَقُولُ: ﴿لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ﴾ [النساء: ١١]»
٦ / ٦٦٨
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، أَوْ غَيْرِهِ، فِي
٦ / ٦٦٨
قَوْلِهِ: ﴿لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ﴾ [النساء: ٣٢] قَالَ: «فِي الْمِيرَاثِ كَانُوا لَا يُوَرِّثُونَ النِّسَاءَ» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ قَوْلُ مَنْ قَالَ مَعْنَاهُ: لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِنْ ثَوَابِ اللَّهِ وَعِقَابِهِ مِمَّا اكْتَسَبُوا، فَعَمِلُوهُ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ، وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ مِنْ ذَلِكَ كَمَا لِلرِّجَالِ وَإِنَّمَا قُلْنَا إِنَّ ذَلِكَ أَوْلَى بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ مِنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ تَأْوِيلُهُ: لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِنَ الْمِيرَاثِ، وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِنْهُ، لِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَخْبَرَ أَنَّ لِكُلَّ فَرِيقٍ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ نَصِيبًا مِمَّا اكْتَسَبَ، وَلَيْسَ الْمِيرَاثُ مِمَّا اكْتَسَبَهُ الْوَارِثُ، وَإِنَّمَا هُوَ مَالٌ أَوْرَثَهُ اللَّهُ عَنْ مَيِّتِهِ بِغَيْرِ اكْتِسَابٍ، وَإِنَّمَا الْكَسْبُ الْعَمَلُ، وَالْمُكْتَسِبُ: الْمُحْتَرِفُ، فَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى الْآيَةِ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ: ﴿لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ﴾ [النساء: ٣٢] لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا وَرِثُوا، وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا وَرَثْنَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَقِيلَ: لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا لَمْ يَكْتَسِبُوا، وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا لَمْ يَكْتَسِبْنَ
٦ / ٦٦٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ﴾ [النساء: ٣٢] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ عَوْنِهِ وَتَوْفِيقِهِ لِلْعَمَلِ بِمَا يُرْضِيهِ عَنْكُمْ مِنْ طَاعَتِهِ، فَفَضْلُهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: تَوْفِيقُهُ وَمَعُونَتُهُ. كَمَا:
٦ / ٦٦٩
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ الرَّازِيُّ، قَالَ: ثنا أَبُو جَعْفَرٍ النُّفَيْلِيُّ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنْ سَعِيدٍ: ﴿وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ﴾ [النساء: ٣٢] قَالَ: «الْعِبَادَةُ لَيْسَتْ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا»
٦ / ٦٦٩
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ: ثني أَبُو جَعْفَرٍ قَالَ: ثنا مُوسَى، عَنْ لَيْثٍ، قَالَ: «فَضْلُهُ الْعِبَادَةُ لَيْسَ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا»
٦ / ٦٧٠
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا هِشَامٌ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ﴾ [النساء: ٣٢] قَالَ: «لَيْسَ بِعَرَضِ الدُّنْيَا»
٦ / ٦٧٠
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ﴾ [النساء: ٣٢] يَرْزُقُكُمُ الْأَعْمَالَ، وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ “
٦ / ٦٧٠
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي قَالَ: ثنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ رَجُلٍ، لَمْ يُسَمِّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «سَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنَّهُ يُحِبُّ أَنْ يُسْأَلَ، وَإِنَّ مِنْ أَفْضَلِ الْعِبَادَةِ انْتِظَارَ الْفَرَجِ»
٦ / ٦٧٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا﴾ [النساء: ٣٢] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا يُصْلِحُ عِبَادَهُ فِيمَا قَسَمَ لَهُمْ مِنْ خَيْرٍ، وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا، وَبِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ قَضَائِهِ وَأَحْكَامِهِ فِيهِمْ عَلِيمًا يَقُولُ: “ذَا عِلْمٍ، وَلَا تَتَمَنَّوْا غَيْرَ الَّذِي قَضَى لَكُمْ، وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِطَاعَتِهِ وَالتَّسْلِيمِ لِأَمْرِهِ، وَالرِّضَا بِقَضَائِهِ وَمَسْأَلَتِهِ مِنْ فَضْلِهِ
٦ / ٦٧٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا﴾ [النساء: ٣٣]⦗٦٧١⦘ يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ﴾ [النساء: ٣٣] وَلِكُلِّكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ جَعَلْنَا مَوَالِيَ، يَقُولُ: وَرَثَةً مِنْ بَنِي عَمِّهِ وَإِخْوَتِهِ وَسَائِرِ عَصَبَتِهِ غَيْرِهِمْ. وَالْعَرَبُ تُسَمِّي ابْنَ الْعَمِّ الْمَوْلَى، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
[البحر الطويل] وَمَوْلًى رَمَيْنَا حَوْلَهُ وَهُوَ مُدْغِلٌ … بِأَعْرَاضِنَا وَالْمُنْدِيَاتُ سُرُوعُ
يَعْنِي بِذَلِكَ: وَابْنُ عَمٍّ رَمَيْنَا حَوْلَهُ. وَمِنْهُ قَوْلُ الْفَضْلُ بْنُ الْعَبَّاسِ:
[البحر البسيط] مَهْلًا بَنِي عَمِّنَا مَهْلًا مَوَالِينَا … لَا تُظْهِرُنَّ لَنَا مَا كَانَ مَدْفُونَا
وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
[البحر الطويل] وَمَوْلًى رَمَيْنَا حَوْلَهُ وَهُوَ مُدْغِلٌ … بِأَعْرَاضِنَا وَالْمُنْدِيَاتُ سُرُوعُ
يَعْنِي بِذَلِكَ: وَابْنُ عَمٍّ رَمَيْنَا حَوْلَهُ. وَمِنْهُ قَوْلُ الْفَضْلُ بْنُ الْعَبَّاسِ:
[البحر البسيط] مَهْلًا بَنِي عَمِّنَا مَهْلًا مَوَالِينَا … لَا تُظْهِرُنَّ لَنَا مَا كَانَ مَدْفُونَا
وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٦ / ٦٧٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا أَبُو أُسَامَةَ، قَالَ: ثنا إِدْرِيسُ، قَالَ: ثنا طَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ﴾ [النساء: ٣٣] قَالَ: «وَرَثَةً»
٦ / ٦٧١
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ. عنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ﴾ [النساء: ٣٣] قَالَ: «الْمَوَالِي: الْعَصَبَةُ، يَعْنِي: الْوَرَثَةَ»
٦ / ٦٧١
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا مُؤَمَّلٌ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ﴾ [النساء: ٣٣] قَالَ: «الْمَوَالِي: الْعَصَبَةُ»
٦ / ٦٧٢
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنْ مَنْصُورٍ. عنْ مُجَاهِدٍ قَوْلُهُ: ﴿وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ﴾ [النساء: ٣٣] قَالَ: «هُمُ الْأَوْلِيَاءُ»
٦ / ٦٧٢
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ﴾ [النساء: ٣٣] يَقُولُ: «عَصَبَةٌ»
٦ / ٦٧٢
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ﴾ [النساء: ٣٣] قَالَ: «الْمَوَالِي: أَوْلِيَاءُ الْأَبِ أَوِ الْأَخِ أَوِ ابْنِ الْأَخِ أَوْ غَيْرِهِمَا مِنَ الْعَصَبَةِ»
٦ / ٦٧٢
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ﴾ [النساء: ٣٣] أَمَّا مَوَالِي: فَهُمْ أَهْلُ الْمِيرَاثِ “
٦ / ٦٧٢
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ﴾ [النساء: ٣٣] قَالَ: «الْمَوَالِي: الْعَصَبَةُ هُمْ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ الْمَوَالِي، فَلَمَّا دَخَلَتِ الْعَجَمُ عَلَى الْعَرَبِ لَمْ يَجِدُوا لَهُمُ اسْمًا، فَقَالَ اللَّهُ تبارك وتعالى: ﴿فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ﴾ [الأحزاب: ٥] فَسُمُّوا ⦗٦٧٣⦘ الْمَوَالِيَ. قَالَ: وَالْمَوْلَى الْيَوْمَ مَوْلَيَانِ: مَوْلًى يَرِثُ وَيُوَرِّثُ فَهَؤُلَاءِ ذَوُو الْأَرْحَامِ، وَمَوْلًى يُوَرِّثُ وَلَا يَرِثُ فَهَؤُلَاءِ الْعَتَاقَةُ؛ وَقَالَ: أَلَا تَرَوْنَ قَوْلَ زَكَرِيَّاءَ: ﴿وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي﴾ [مريم: ٥] فَالْمَوَالِي هَهُنَا: الْوَرَثَةُ وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ: ﴿مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ﴾ [النساء: ٧] مِمَّا تَرَكَهُ وَالِدُهُ وَأَقْرِبَاؤُهُ مِنَ الْمِيرَاثِ فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ: وَلِكُلِّكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ جَعَلْنَا عَصَبَةً يَرِثُونَ بِهِ مِمَّا تَرَكَ وَالِدُهُ وَأَقْرِبَاؤُهُ مِنْ مِيرَاثِهِمْ»
٦ / ٦٧٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ﴾ [النساء: ٣٣] اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَهُ بَعْضُهُمْ: ﴿وَالَّذِينَ عَقَدْتُ أَيْمَانُكُمْ﴾ [النساء: ٣٣] بِمَعْنَى: وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمُ الْحَلِفَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ، وَهِيَ قِرَاءَةُ عَامَّةِ قُرَّاءِ الْكُوفِيِّينَ. وَقَرَأَ ذَلِكَ آخَرُونَ: (وَالَّذِينَ عَاقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ)، بِمَعْنَى: وَالَّذِينَ عَاقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ وَأَيْمَانُهُمُ الْحَلِفَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالَّذِي نَقُولُ بِهِ فِي ذَلِكَ أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ مسْتَفِيضَتَانِ فِي
٦ / ٦٧٣
قِرَاءَةِ أَمْصَارِ الْمُسْلِمِينَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَفِي دَلَالَةِ قَوْلِهِ: ﴿أَيْمَانُكُمْ﴾ [البقرة: ٢٢٥] عَلَى أَنَّهَا أَيْمَانُ الْعَاقِدِينَ وَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِمُ الْحَلِفُ، مُسْتَغْنًى عَنِ الدَّلَالَةِ عَلَى ذَلِكَ بِقِرَاءَةِ قَوْلِهِ ﴿عَقَدَتْ﴾ [النساء: ٣٣]، عَاقَدَتْ، وَذَلِكَ أَنَّ الَّذِينَ قَرَءُوا ذَلِكَ: عَاقَدَتْ، قَالُوا: لَا يَكُونُ عَقْدُ الْحَلِفِ إِلَّا مِنْ فَرِيقَيْنِ، وَلَا بُدَّ لَنَا مِنْ دَلَالَةٍ فِي الْكَلَامِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَأَغْفَلُوا مَوْضِعَ دَلَالَةِ قَوْلِهِ: ﴿أَيْمَانُكُمْ﴾ [البقرة: ٢٢٥] عَلَى أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ: أَيْمَانُكُمْ وَأَيْمَانُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِمْ، وَأَنَّ الْعَقْدَ إِنَّمَا هُوَ صِفَةٌ لِلْإِيمَانِ دُونَ الْعَاقِدِينَ الْحَلِفَ، حَتَّى زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ ذَلِكَ إِذَا قُرِئَ: ﴿عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ [النساء: ٣٣] فَالْكَلَامُ مُحْتَاجٌ إِلَى ضَمِيرِ صِلَةٍ فِي الْكَلَامِ حَتَّى يَكُونَ الْكَلَامُ مَعْنَاهُ: وَالَّذِينَ عَقَدَتْ لَهُمْ أَيْمَانُكُمْ ذَهَابًا مِنْهُ عَنِ الْوَجْهِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ مِنْ أَنَّ الْأَيمَانَ مَعْنِيُّ بِهَا أَيْمَانَ الْفَرِيقَيْنِ وَأَمَّا عَاقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ، فَإِنَّهُ فِي تَأْوِيلِ: عَاقَدَتْ أَيْمَانُ هَؤُلَاءِ أَيْمَانَ هَؤُلَاءِ الْحَلِفَ، فَهُمَا مُتَقَارِبَانِ فِي الْمَعْنَى، وَإِنْ كَانَتْ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ: ﴿عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ [النساء: ٣٣] بِغَيْرِ أَلْفٍ، أَصَحَّ مَعْنًى مِنْ قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَهُ: عَاقَدَتْ؛ لِلَّذِي ذَكَرْنَا مِنَ الدَّلَالَةِ عَلَى الْمَعْنِيِّ فِي صِفَةِ الْأَيمَانِ بِالْعَقْدِ عَلَى أَنَّهَا أَيْمَانُ الْفَرِيقَيْنِ مِنَ الدَّلَالَةِ عَلَى ذَلِكَ بِغَيْرِهِ
٦ / ٦٧٤
وَأَمَّا مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ [النساء: ٣٣] فَإِنَّهُ وَصَلَتْ وَشَدَّتْ وَوَكَّدَتْ أَيْمَانُكُمْ، يَعْنِي: مَوَاثِيقَكُمُ الَّتِي وَاثَقَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ. ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى النَّصِيبِ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ أَهْلَ الْحَلِفِ أَنْ يُؤْتِيَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فِي الْإِسْلَامِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ نَصِيبُهُ مِنَ الْمِيرَاثِ لِأَنَّهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يَتَوَارَثُونَ، فَأَوْجَبَ اللَّهُ فِي الْإِسْلَامِ مِنْ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ بِذَلِكَ الْحَلِفَ، وَبِمِثْلِهِ فِي الْإِسْلَامِ مِنَ الْمُوَارَثَةِ مِثْلُ الَّذِي كَانَ لَهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِمَا فَرَضَ مِنَ الْفَرَائِضِ لِذَوِي الْأَرْحَامِ وَالْقَرَابَاتِ
٦ / ٦٧٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ وَاقِدٍ، عَنْ يَزِيدَ النَّحْوِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، فِي قَوْلِهِ: (وَالَّذِينَ عَاقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا) . قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ يُحَالِفُ الرَّجُلَ، لَيْسَ بَيْنَهُمَا نَسَبٌ، فَيَرِثُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ، فَنَسَخَ اللَّهُ ذَلِكَ فِي الْأَنْفَالِ، فَقَالَ: ﴿وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ﴾ [الأحزاب: ٦] “
٦ / ٦٧٥
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: (وَالَّذِينَ عَاقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ) . قَالَ: «كَانَ الرَّجُلُ يُعَاقِدُ الرَّجُلَ فَيَرِثُهُ، وَعَاقَدَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه مَوْلًى فَوَرَّثَهُ»
٦ / ٦٧٥
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: (وَالَّذِينَ عَاقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ) . فَكَانَ الرَّجُلُ يُعَاقِدُ الرَّجُلَ أَيُّهُمَا مَاتَ وَرِثَهُ الْآخَرُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا﴾ [الأحزاب: ٦] يَقُولُ: «إِلَّا أَنْ يُوصُوا لِأَوْلِيَائِهِمُ الَّذِينَ عَاقَدُوا وَصِيَّةً فَهُوَ لَهُمْ جَائِزٌ مِنْ ثُلُثِ مَالِ الْمَيِّتِ، وَذَلِكَ هُوَ الْمَعْرُوفُ»
٦ / ٦٧٦
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: (وَالَّذِينَ عَاقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا) . كانَ الرَّجُلُ يُعَاقِدُ الرَّجُلَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَيَقُولُ: دَمِي دَمُكَ، وَهَدْمِي هَدْمُكَ، وَتَرِثني وَأَرِثُكَ وَتَطْلُبُ بِي وَأَطْلُبُ بِكَ. فَجَعَلَ لَهُ السُّدُسَ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ فِي الْإِسْلَامِ، ثُمَّ يَقْسِمُ أَهْلُ الْمِيرَاثِ مِيرَاثَهُمْ، فَنُسِخَ ذَلِكَ بَعْدُ فِي سُورَةِ الْأَنْفَالِ، فَقَالَ اللَّهُ: وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ “
٦ / ٦٧٦
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ: (وَالَّذِينَ عَاقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ) . قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يُعَاقِدُ الرَّجُلَ فَيَقُولُ: دَمِي دَمُكَ، وَتَرِثني وَأَرِثُكَ وَتَطْلُبُ بِي وَأَطْلُبُ بِكَ؛ فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ، بَقِيَ مِنْهُمْ ⦗٦٧٧⦘ نَاسٌ، فَأُمِرُوا أَنْ يُؤْتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ مِنَ الْمِيرَاثِ وَهُوَ السُّدُسُ، ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِالْمِيرَاثِ، فَقَالَ: ﴿وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ﴾ [الأحزاب: ٦] “
٦ / ٦٧٦
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ قَالَ: ثنا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: (وَالَّذِينَ عَاقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ) وَذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ يُعَاقِدُ الرَّجُلَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَيَقُولُ: هَدْمِي هَدْمُكَ، وَدَمِي دَمُكَ، وَتَرِثني وأَرِثُكَ وَتَطْلُبُ بِي وَأَطْلُبُ بِكَ. فَجَعَلَ لَهُ السُّدُسَ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ، ثُمَّ يَقْتَسِمُ أَهْلُ الْمِيرَاثِ مِيرَاثَهُمْ، فَنُسِخَ ذَلِكَ بَعْدُ فِي الْأَنْفَالِ، فَقَالَ: ﴿وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ﴾ [الأحزاب: ٦] فَصَارَتِ الْمَوَارِيثُ لِذَوِي الْأَرْحَامِ “
٦ / ٦٧٧
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: هَذَا حَلِفٌ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، كَانَ الرَّجُلُ يَقُولُ لِلرَّجُلِ: تَرِثني وَأَرِثُكَ وَتَنْصُرُنِي وَأَنْصُرُكَ، وَتَعْقِلُ عَنِّي وَأَعْقِلُ عَنْكَ “
٦ / ٦٧٧
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: (وَالَّذِينَ عَاقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ) كَانَ الرَّجُلُ يَتْبَعُ الرَّجُلَ فَيُعَاقِدُهُ: إِنْ مُتُّ فَلَكَ مِثْلُ مَا يَرِثُ بَعْضُ وَلَدِي وَهَذَا مَنْسُوخٌ “
٦ / ٦٧٧
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: (وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَاقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ) فَإِنَّ الرَّجُلَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ قَدْ كَانَ ⦗٦٧٨⦘ يَلْحَقُ بِهِ الرَّجُلُ، فَيَكُونُ تَابِعَهُ، فَإِذَا مَاتَ الرَّجُلُ صَارَ لِأَهْلِهِ وَأَقَارِبِهِ الْمِيرَاثُ، وَبَقِيَ تَابِعُهُ لَيْسَ لَهُ شَيْءٌ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: (وَالَّذِينَ عَاقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ) فَكَانَ يُعْطَى مِنْ مِيرَاثِهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ: ﴿وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ﴾ [الأحزاب: ٦] ” وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي الَّذِينَ آخَى بَيْنَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، فَكَانَ بَعْضُهُمْ يَرِثُ بَعْضًا بِتِلْكَ الْمُؤَاخَاةِ ثُمَّ نَسَخَ اللَّهُ ذَلِكَ بِالْفَرَائِضِ، وَبِقَوْلِهِ: ﴿وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ﴾ [النساء: ٣٣]
٦ / ٦٧٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا أَبُو أُسَامَةَ، قَالَ: ثنا إِدْرِيسُ بْنُ يَزِيدَ، قَالَ: ثنا طَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: (وَالَّذِينَ عَاقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ) قَالَ: كَانَ الْمُهَاجِرُونَ حِينَ قَدِمُوا الْمَدِينَةَ يَرِثُ الْمُهَاجِرِيُّ الْأَنْصَارِيُّ دُونَ ذَوِي رَحِمِهِ، لِلْأُخُوَّةِ الَّتِي آخَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بَيْنَهُمْ، فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ﴾ [النساء: ٣٣] نُسِخَتْ “
٦ / ٦٧٨
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: (وَالَّذِينَ ⦗٦٧٩⦘ عَاقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ) الَّذِينَ عَقَدَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ﴿فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ﴾ [النساء: ٣٣] إِذَا لَمْ يَأْتِ رَحِمٌ يَحُولُ بَيْنَهُمْ قَالَ: وَهُوَ لَا يَكُونُ الْيَوْمَ، إِنَّمَا كَانَ فِي نَفَرٍ آخَى بَيْنَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، وَانْقَطَعَ ذَلِكَ، وَلَا يَكُونُ هَذَا لِأَحَدٍ إِلَّا لِلنَّبِيِّ ﷺ، كَانَ آخَى بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالْيَوْمَ لَا يُؤَاخَى بَيْنَ أَحَدٍ ” وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي أَهْلِ الْعَقْدِ بِالْحَلِفِ، وَلَكِنَّهُمْ أُمِرُوا أَنْ يُؤْتِيَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا أَنْصِبَاءَهُمْ مِنَ النُّصْرَةِ وَالنَّصِيحَةِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ دُونَ الْمِيرَاثِ
٦ / ٦٧٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا أَبُو أُسَامَةَ، قَالَ: ثنا إِدْرِيسُ الْأَوْدِيُّ، قَالَ: ثنا طَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ﴾ [النساء: ٣٣] مِنَ النَّصْرِ وَالنَّصِيحَةِ وَالرِّفَادَةِ، وَيُوصِي لَهُمْ، وَقَدْ ذَهَبَ الْمِيرَاثُ “
٦ / ٦٧٩
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ [النساء: ٣٣] قَالَ: «كَانَ حِلْفٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَأُمِرُوا فِي الْإِسْلَامِ أَنْ يُعْطُوهُمُ نَصِيبَهُمْ مِنَ الْعَقْلِ وَالنُّصْرَةِ وَالْمَشُورَةِ، وَلَا مِيرَاثَ»
٦ / ٦٧٩
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: (وَالَّذِينَ عَاقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ) مِنَ الْعَوْنِ وَالنَّصْرِ وَالْحِلْفِ “
٦ / ٦٨٠
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ: (وَالَّذِينَ عَاقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ) قَالَ: كَانَ هَذَا حِلْفًا فِي الْجَاهِلِيَّةَ، فَلَمَّا كَانَ الْإِسْلَامُ أُمِرُوا أَنْ يُؤْتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ مِنَ النَّصْرِ وَالْوَلَاءِ وَالْمَشُورَةِ، وَلَا مِيرَاثَ “
٦ / ٦٨٠
حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، قَالَ: ثنا حَجَّاجٌ، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: (وَالَّذِينَ عَاقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ) أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَثِيرٍ، أَنَّهُ سَمِعَ مُجَاهِدًا، يَقُولُ: هُوَ الْحِلْفُ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ قَالَ: وَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ قَالَ: النَّصْرُ “
٦ / ٦٨٠
حَدَّثَنِي زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى، قَالَ: ثنا حَجَّاجٌ، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ. أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ، قَالَ: «هُوَ الْحِلْفُ» قَالَ: ﴿فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ﴾ [النساء: ٣٣] قَالَ: «الْعَقْلُ وَالنَّصْرُ»
٦ / ٦٨٠
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ: (وَالَّذِينَ عَاقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ) قَالَ: لَهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ النَّصْرِ وَالرِّفَادَةِ وَالْعَقْلِ ” ⦗٦٨١⦘ حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، نَحْوَهُ
٦ / ٦٨٠
حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا الْحِمَّانِيُّ، قَالَ: ثنا شَرِيكٌ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ سَعِيدٍ: (وَالَّذِينَ عَاقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ) قَالَ: هُمُ الْحُلَفَاءُ ” حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا الْحِمَّانِيُّ، قَالَ: ثنا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، مِثْلَهُ
٦ / ٦٨١
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: (وَالَّذِينَ عَاقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ) أَمَّا عَاقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَالْحِلْفُ كَانَ الرَّجُلُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَنْزِلُ فِي الْقَوْمِ فَيُحَالِفُونَهُ عَلَى أَنَّهُ مِنْهُمْ يُوَاسُونَهُ بِأَنْفُسِهِمْ، فَإِذَا كَانَ لَهُمْ حَقٌّ أَوْ قِتَالٌ كَانَ مِثْلَهُمْ، وَإِذَا كَانَ لَهُ حَقٌّ أَوْ نُصْرَةٌ خَذَلُوهُ؛ فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ سَأَلُوا عَنْهُ، وَأَبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُشَدِّدَهُ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لَمْ يَزِدِ الْإِسْلَامُ الْحُلَفَاءَ إِلَّا شِدَّةً» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي الَّذِينَ كَانُوا يَتَبَنُّونَ أَبْنَاءَ غَيْرِهِمْ فِي الْجَاهِلِيَّةَ، فَأُمِرُوا فِي الْإِسْلَامِ أَنْ يُوصُوا لَهُمْ عِنْدَ الْمَوْتِ وَصِيَّةً
٦ / ٦٨١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني اللَّيْثُ، عَنْ عَقِيلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: ثني سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: أَنَّ اللَّهَ، قَالَ: (وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَاقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ) قَالَ ⦗٦٨٢⦘ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: إِنَّمَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي الَّذِينَ كَانُوا يَتَبَنُّونَ رِجَالًا غَيْرَ أَبْنَائِهِمْ وَيُوَرِّثُونَهُمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمْ، فَجَعَلَ لَهُمْ نَصِيبًا فِي الْوَصِيَّةِ، وَرَدَّ الْمِيرَاثَ إِلَى الْمَوَالِي فِي ذَوِي الرَّحِمِ وَالْعَصَبَةِ، وَأَبَى اللَّهُ لِلْمُدَّعِينَ مِيرَاثًا مِمَّنِ ادَّعَاهُمْ وَتَبَنَّاهُمْ، وَلَكِنَّ اللَّهَ جَعَلَ لَهُمْ نَصِيبًا فِي الْوَصِيَّةِ ” قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ بِالصَّوَابِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: ﴿وَالَّذِينَ عَقَدْتُ أَيْمَانُكُمْ﴾ [النساء: ٣٣] قَوْلُ مَنْ قَالَ: وَالَّذِينَ عَقَدْتُ أَيْمَانُكُمْ عَلَى الْمُحَالَفَةِ، وَهُمُ الْحُلَفَاءُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ مَعْلُومٌ عِنْدَ جَمِيعِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِأَيَّامِ الْعَرَبِ وَأَخْبَارِهَا أَنَّ عَقْدَ الْحِلْفِ بَيْنَهَا كَانَ يَكُونُ بِالْأَيمَانِ وَالْعُهوُدِ وَالْمَوَاثِيقِ، عَلَى نَحْوِ مَا قَدْ ذَكَرْنَا مِنَ الرِّوَايَةِ فِي ذَلِكَ. فَإِذْ كَانَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ إِنَّمَا وَصَفَ الَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُهُمْ مَا عَقَدُوهُ بِهَا بَيْنَهُمْ دُونَ مَنْ لَمْ يَعْقِدْ عَقَدَ مَا بَيْنَهُمْ أَيْمَانُهُمْ، وَكَانَتْ مُؤَاخَاةُ النَّبِيِّ ﷺ بَيْنَ مَنْ آخَى بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، لَمْ تَكُنْ بَيْنَهُمْ بِأَيْمَانِهِمْ، وَكَذَلِكَ التَّبَنِّي كَانَ مَعْلُومًا أَنَّ الصَّوَابَ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ قَوْلُ مَنْ قَالَ: هُوَ الْحِلْفُ دُونَ غَيْرِهِ لِمَا وَصَفْنَا مِنَ الْعِلَّةِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ﴾ [النساء: ٣٣] فَإِنَّ أَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ بِهِ، مَا عَلَيْهِ الْجَمِيعُ مُجْمِعُونَ مِنْ حُكْمِهِ الثَّابِتِ، وَذَلِكَ إِيتَاءُ أَهْلِ الْحِلْفِ الَّذِي كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ دُونَ الْإِسْلَامِ بَعْضَهُمْ بَعْضًا أَنْصِبَاءَهُمْ مِنَ النُّصْرَةِ وَالنَّصِيحَةِ وَالرَّأْيِ دُونَ الْمِيرَاثِ
٦ / ٦٨١
وَذَلِكَ لِصِحَّةِ الْخَبَرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، أَنَّهُ قَالَ: «لَا حِلْفَ فِي الْإِسْلَامِ، وَمَا كَانَ مِنْ حِلْفٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَلَمْ يَزِدْهُ الْإِسْلَامُ إِلَّا شِدَّةً» ⦗٦٨٣⦘ حَدَّثَنَا بِذَلِكَ أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا وَكِيعٌ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ
٦ / ٦٨٢
وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا مُصْعَبُ بْنُ الْمِقْدَامِ، عَنْ إِسْرَائِيلَ بْنِ يُونُسَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، مَوْلَى آلِ طَلْحَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لَا حِلْفَ فِي الْإِسْلَامِ، وَكُلُّ حِلْفٍ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَلَمْ يَزِدْهُ الْإِسْلَامُ إِلَّا شِدَّةً، وَمَا يَسُرُّنِي أَنَّ لِيَ حُمْرَ النَّعَمِ وَأَنَّى نَقَضْتُ الْحِلْفَ الَّذِي كَانَ فِي دَارِ النَّدْوَةِ»
٦ / ٦٨٣
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ شُعْبَةَ بْنِ التَّوْأَمِ الضَّبِّيِّ: أَنَّ قَيْسَ بْنَ عَاصِمٍ، سَأَلَ النَّبِيَّ ﷺ عَنِ الْحِلْفِ، فَقَالَ: «لَا حِلْفَ فِي الْإِسْلَامِ، وَلَكِنْ تَمَسَّكُوا بِحِلْفِ الْجَاهِلِيَّةِ»
٦ / ٦٨٣
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُغِيرَةُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ شُعْبَةَ بْنِ التَّوْأَمِ، عَنْ قَيْسِ بْنِ عَاصِمٍ أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ ﷺ عَنِ الْحِلْفِ قَالَ: فَقَالَ: «مَا كَانَ مِنْ حِلْفٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَتَمَسَّكُوا بِهِ وَلَا حِلْفَ فِي الْإِسْلَامِ»
٦ / ٦٨٣
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا وَكِيعٌ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ جُدْعَانَ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «لَا حِلْفَ فِي الْإِسْلَامِ، وَمَا كَانَ مِنْ حِلْفٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَمْ يَزِدْهُ الْإِسْلَامُ إِلَّا شِدَّةً»
٦ / ٦٨٣
حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ، قَالَ: ثنا حُسَيْنٌ الْمُعَلِّمُ، وَحَدَّثَنَا مُجَاهِدُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثنا حُسَيْنٌ الْمُعَلِّمُ، وَحَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ بَكْرٍ الضَّبِّيُّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْأَعْلَى بْنِ حُسَيْنٍ الْمُعَلِّمِ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ فِي خُطْبَتِهِ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ: «فُوا بِحِلْفٍ، فَإِنَّهُ لَا يَزِيدُهُ الْإِسْلَامُ إِلَّا شِدَّةً، وَلَا تُحْدِثُوا حِلْفًا فِي الْإِسْلَامِ»
٦ / ٦٨٤
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، وَعَبْدَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّفَّارُ، قَالَا: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، قَالَ: ثنا زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي زَائِدَةَ، قَالَ: ثني سَعْدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «لَا حِلْفَ فِي الْإِسْلَامِ، وَأَيُّمَا حِلْفٍ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَلَمْ يَزِدْهُ الْإِسْلَامُ إِلَّا شِدَّةً»
٦ / ٦٨٤
حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَا: ثنا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ، وَحَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «شَهِدْتُ حِلْفَ الْمُطَيَّبِينَ وَأَنَا غُلَامٌ مَعَ عُمُومَتِي، فَمَا أُحِبُّ أَنَّ لِيَ حُمْرَ النَّعَمِ وَأَنِّي أَنْكُثُهُ»
٦ / ٦٨٤
زَادَ يَعْقُوبُ فِي حَدِيثِهِ ⦗٦٨٥⦘ عَنِ ابْنِ عُلَيَّةَ قَالَ: وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لَمْ يُصِبِ الْإِسْلَامُ حِلْفًا إِلَّا زَادَهُ شِدَّةً» قَالَ: وَلَا حِلْفَ فِي الْإِسْلَامِ قَالَ: وَقَدْ أَلَّفَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بَيْنَ قُرَيْشٍ وَالْأَنْصَارِ
٦ / ٦٨٤
حَدَّثَنَا تَمِيمُ بْنُ الْمُنْتَصِرِ قَالَ: ثنا يَزِيدُ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: لَمَّا دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ، قَامَ خَطِيبًا فِي النَّاسِ، فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، مَا كَانَ مِنْ حِلْفٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَإِنَّ الْإِسْلَامَ لَمْ يَزِدْهُ إِلَّا شِدَّةً، وَلَا حِلْفَ فِي الْإِسْلَامِ» حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: ثنا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، نَحْوَهُ حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: ثنا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ قَالَ: ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَارِثِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ نَحْوَهُ فَإِذْ كَانَ مَا ذَكَرْنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ صَحِيحًا، وَكَانَتِ الْآيَةُ إِذَا اخْتُلِفَ فِي حُكْمِهَا مَنْسُوخٌ هُوَ أَمْ غَيْرُ مَنْسُوخٍ، غَيْرُ جَائِزٍ الْقَضَاءُ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ مَعَ ⦗٦٨٦⦘ اخْتِلَافِ الْمُخْتَلِفِينَ فِيهِ، وَلِوُجُوبِ حُكْمِهَا وَنَفْيِ النَّسْخِ عَنْهُ وَجْهٌ صَحِيحٌ إِلَّا بِحَجَّةٍ يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهَا لَمَّا قَدْ بَيَّنَّا فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ كُتُبِنَا الدَّلَالَةَ عَلَى صِحَّةِ الْقَوْلِ بِذَلِكَ، فَالْوَاجِبُ أَنْ يَكُونَ الصَّحِيحُ مِنَ الْقَوْلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: ﴿وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ﴾ [النساء: ٣٣] هُوَ مَا ذَكَرْنَا مِنَ التَّأْوِيلِ، وَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُ: ﴿عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ [النساء: ٣٣] مِنَ الْحِلْفِ، وَقَوْلُهُ: ﴿فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ﴾ [النساء: ٣٣] مِنَ النُّصْرَةِ وَالْمَعُونَةِ وَالنَّصِيحَةِ وَالرَّأْيِ عَلَى مَا أَمَرَهُ بِهِ مِنْ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي الْأَخْبَارِ الَّتِي ذَكَرْنَاهُ عَنْهُ، دُونَ قَوْلِ مَنْ قَالَ: مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ﴾ [النساء: ٣٣] مِنَ الْمِيرَاثِ، وَإِنَّ ذَلِكَ كَانَ حُكْمًا، ثُمَّ نُسِخَ بِقَوْلِهِ: ﴿وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ﴾ [الأحزاب: ٦] دُونَ مَا سِوَى الْقَوْلِ الَّذِي قُلْنَاهُ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ. وَإِذَا صَحَّ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ وَجَبَ أَنْ تَكُونَ الْآيَةُ مُحْكَمَةً لَا مَنْسُوخَةً
٦ / ٦٨٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا﴾ [النساء: ٣٣] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: فَآتُوا الَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ نَصِيبَهُمْ مِنَ النُّصْرَةِ وَالنَّصِيحَةِ وَالرَّأْيِ، فَإِنَّ اللَّهَ شَاهِدٌ عَلَى مَا تَفْعَلُونَ مِنْ ذَلِكَ وَعَلَى غَيْرِهِ مِنْ أَفْعَالِكُمْ، مُرَاعٍ لِكُلِّ ذَلِكَ حَافِظٌ، حَتَّى يُجَازِي جَمِيعَكُمْ عَلَى جَمِيعِ ذَلِكَ جَزَاءَهُ، أَمَّا الْمُحْسِنُ مِنْكُمُ الْمُتَّبِعُ أَمْرِي وَطَاعَتِي فَبِالْحُسْنَى، وَأَمَّا الْمُسِيءُ مِنْكُمُ الْمُخَالِفُ أَمْرِي وَنَهْيِي فَبِالسُّوأَى. وَمَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿شَهِيدًا﴾ [البقرة: ١٤٣] ذُو شَهَادَةٍ عَلَى ذَلِكَ
٦ / ٦٨٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا﴾ [النساء: ٣٤] يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ﴾ [النساء: ٣٤] الرِّجَالُ أَهْلُ قِيَامٍ عَلَى نِسَائِهِمْ فِي تَأْدِيبِهِنَّ وَالْأَخْذِ عَلَى أَيْدِيِهِنَّ، فِيمَا يَجِبُ عَلَيْهِنَّ لِلَّهِ وَلِأَنْفُسِهِمْ ﴿بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ [النساء: ٣٤] يَعْنِي بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ الرِّجَالَ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ مِنْ سَوقِهِمْ إِلَيْهِنَّ مُهُورَهُنَّ، وَإِنْفَاقِهِمْ عَلَيْهِنَّ أَمْوَالَهُمْ، وَكِفَايَتِهِمْ إِيَّاهُنَّ مُؤَنَهُنَّ. وَذَلِكَ تَفْضِيلُ اللَّهِ تبارك وتعالى إِيَّاهُنَّ عَلَيْهِنَّ، وَلِذَلِكَ صَارُوا قُوَّامًا عَلَيْهِنَّ، نَافِذِي الْأَمْرِ عَلَيْهِنَّ فِيمَا جَعَلَ اللَّهُ إِلَيْهِمْ مِنْ أُمُورِهِنَّ وَبِمَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٦ / ٦٨٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبَى طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ﴾ [النساء: ٣٤] يَعْنِي: «أُمَرَاءٌ، عَلَيْهَا أَنْ تُطِيعَهُ فِيمَا أَمَرهَا اللَّهُ بِهِ مِنْ طَاعَتِهِ، وَطَاعَتُهُ أَنْ تَكُونَ مُحْسِنَةً إِلَى أَهْلِهِ حَافِظَةً لِمَالِهِ وَفَضْلِهِ عَلَيْهَا بِنَفَقَتِهِ وَسَعْيِهِ»
٦ / ٦٨٧
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا أَبُو زُهَيْرٍ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ [النساء: ٣٤] يَقُولُ: «الرَّجُلُ قَائِمٌ عَلَى الْمَرْأَةِ يَأْمُرُهَا بِطَاعَةِ اللَّهِ، فَإِنْ أَبَتْ، فَلَهُ أَنْ يَضْرِبَهَا ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ، وَلَهُ عَلَيْهَا الْفَضْلُ بِنَفَقَتِهِ وَسَعْيِهِ»
٦ / ٦٨٧
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ﴾ [النساء: ٣٤] قَالَ: «يَأْخُذُونَ عَلَى أَيْدِيهِنَّ وَيُؤَدِّبُونَهُنَّ»
٦ / ٦٨٨
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا حَبَّانُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ، يَقُولُ: ﴿بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ [النساء: ٣٤] قَالَ: «بِتَفْضِيلِ اللَّهِ الرِّجَالَ عَلَى النِّسَاءِ. وذَكَرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي رَجُلٍ لَطَمَ امْرَأَتَهُ، فَخُوصِمَ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فِي ذَلِكَ، فَقَضَى لَهَا بِالْقِصَاصِ»
٦ / ٦٨٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ: أَنَّ رَجُلًا، لَطَمَ امْرَأَتَهُ، فَأَتَتِ النَّبِيَّ ﷺ، فَأَرَادَ أَنْ يَقُصَّهَا مِنْهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾ [النساء: ٣٤] فَدَعَاهُ النَّبِيُّ ﷺ، فَتَلَاهَا عَلَيْهِ وَقَالَ: «أَرَدْتُ أَمْرًا وَأَرَادَ اللَّهُ غَيْرَهُ»
٦ / ٦٨٨
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ ⦗٦٨٩⦘ أَمْوَالِهِمْ﴾ [النساء: ٣٤] ذُكِرَ لَنَا أَنَّ رَجُلًا لَطَمَ امْرَأَتَهُ، فَأَتَتِ النَّبِيَّ ﷺ، ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَهُ “
٦ / ٦٨٨
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ﴾ [النساء: ٣٤] قَالَ: «صَكَّ رَجُلٌ امْرَأَتَهُ، فَأَتَتِ النَّبِيَّ ﷺ، فَأَرَادَ أَنْ يَقِيدَهَا مِنْهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ﴾ [النساء: ٣٤]»
٦ / ٦٨٩
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، عَنِ الْحَسَنِ: أَنَّ رَجُلًا، مِنَ الْأَنْصَارِ لَطَمَ امْرَأَتَهُ، فَجَاءَتْ تَلْتَمِسُ الْقِصَاصَ، فَجَعَلَ النَّبِيُّ ﷺ بَيْنَهُمَا الْقِصَاصَ، فَنَزَلَتْ: قَوْلُهُ: ﴿وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ﴾ [طه: ١١٤] وَنَزَلَتْ: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ [النساء: ٣٤] “
٦ / ٦٨٩
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: لَطَمَ رَجُلٌ امْرَأَتَهُ، فَأَرَادَ النَّبِيُّ ﷺ الْقِصَاصَ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ، نَزَلَتِ الْآيَةُ “
٦ / ٦٨٩
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: أَمَّا: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ﴾ [النساء: ٣٤] فَإِنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ كَلَامٌ، فَلَطَمَهَا، فَانْطَلَقَ أَهْلُهَا، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ ﷺ، فَأَخْبَرَهُمْ: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ﴾ [النساء: ٣٤] الْآيَةُ ” ⦗٦٩٠⦘ وَكَانَ الزُّهْرِيُّ يَقُولُ: لَيْسَ بَيْنَ الرَّجُلِ وَامْرَأَتِهِ قِصَاصٌ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ
٦ / ٦٨٩
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ، يَقُولُ: لَوْ أَنَّ رَجُلًا، شَجَّ امْرَأَتَهُ، أَوْ جَرَحَهَا، لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ قَوَدٌ وَكَانَ عَلَيْهِ الْعَقْلُ، إِلَّا أَنْ يَعْدُوَ عَلَيْهَا فَيَقْتُلَهَا، فَيُقْتَلَ بِهَا. وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾ [النساء: ٣٤] فَإِنَّهُ يَعْنِي: وَبِمَا سَاقُوا إِلَيْهِنَّ مِنْ صَدَاقٍ، وَأَنْفَقُوا عَلَيْهِنَّ مِنْ نَفَقَةٍ. كَمَا:
٦ / ٦٩٠
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «فَضَّلَهُ عَلَيْهَا بِنَفَقَتِهِ وَسَعْيِهِ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا أَبُو زُهَيْرٍ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، مِثْلَهُ
٦ / ٦٩٠
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا حَبَّانُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ، يَقُولُ: ﴿وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾ [النساء: ٣٤] «بِمَا سَاقُوا مِنَ الْمَهْرِ» فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ إِذًا: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى نِسَائِهِمْ بِتَفْضِيلِ اللَّهِ إِيَّاهُمْ عَلَيْهِنَّ وَبِإِنْفَاقِهِمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ أَمْوَالِهِمْ. وَ«مَا» الَّتِي فِي قَوْلِهِ: ﴿بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ﴾ [النساء: ٣٤] وَالَّتِي فِي قَوْلِهِ: ﴿وَبِمَا أَنْفَقُوا﴾ [النساء: ٣٤] فِي مَعْنَى الْمَصْدَرِ
٦ / ٦٩٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللهُ﴾ [النساء: ٣٤]⦗٦٩١⦘ يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿فَالصَّالِحَاتُ﴾ [النساء: ٣٤] الْمُسْتَقِيمَاتُ الدِّينِ، الْعَامِلَاتُ بِالْخَيْرِ. كَمَا:
٦ / ٦٩٠
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا حَبَّانُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ، يَقُولُ: فَالصَّالِحَاتُ يَعْمَلْنَ بِالْخَيْرِ. وَقَوْلُهُ: ﴿قَانِتَاتٌ﴾ [النساء: ٣٤] يَعْنِي: «مُطِيعَاتٌ لِلَّهِ وَلِأَزْوَاجِهِنَّ. كَمَا:»
٦ / ٦٩١
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: قَوْلُهُ: ﴿قَانِتَاتٌ﴾ [النساء: ٣٤] قَالَ: «مُطِيعَاتٌ»
٦ / ٦٩١
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿قَانِتَاتٌ﴾ [النساء: ٣٤] قَالَ: «مُطِيعَاتٌ»
٦ / ٦٩١
حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿قَانِتَاتٌ﴾ [النساء: ٣٤] مُطِيعَاتٌ “
٦ / ٦٩١
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿قَانِتَاتٌ﴾ [النساء: ٣٤] أَيْ مُطِيعَاتٌ لِلَّهِ وَلِأَزْوَاجِهِنَّ “
٦ / ٦٩١
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: «مُطِيعَاتٌ»
٦ / ٦٩٢
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: «الْقَانِتَاتُ: الْمُطِيعَاتُ»
٦ / ٦٩٢
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا حَبَّانُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿قَانِتَاتٌ﴾ [النساء: ٣٤] قَالَ: «مُطِيعَاتٌ لِأَزْوَاجِهِنَّ» وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْقُنُوتِ فِيمَا مَضَى وَأَنَّهُ الطَّاعَةُ، وَدَلَّلْنَا عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ مِنَ الشَّوَاهِدِ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ﴾ [النساء: ٣٤] فَإِنَّهُ يَعْنِي: حَافِظَاتٌ لِأَنْفُسِهِنَّ عِنْدَ غَيْبَةِ أَزْوَاجِهِنَّ عَنْهُنَّ فِي فُرُوجِهِنَّ وَأَمْوَالِهِمْ، وَلِلْوَاجِبِ عَلَيْهِنَّ مِنْ حَقِّ اللَّهِ فِي ذَلِكَ وَغَيْرِهِ. كَمَا:
٦ / ٦٩٢
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ﴾ [النساء: ٣٤] يَقُولُ: «حَافِظَاتٌ لِمَا اسْتَوْدَعَهُنَّ اللَّهُ مِنْ حَقِّهِ، وحَافِظَاتٌ لِغَيْبِ أَزْوَاجِهِنَّ»
٦ / ٦٩٢
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ﴾ [النساء: ٣٤] يَقُولُ: «تَحْفَظُ عَلَى زَوْجِهَا مَالَهُ ⦗٦٩٣⦘ وَفَرْجَهَا، حَتَّى يَرْجِعَ كَمَا أَمَرَهَا اللَّهُ»
٦ / ٦٩٢
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ: مَا قَوْلُهُ: ﴿حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ﴾ [النساء: ٣٤] قَالَ: «حَافِظَاتٌ لِلزَّوْجِ»
٦ / ٦٩٣
حَدَّثَنِي زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى بْنِ أَبِي زَائِدَةَ قَالَ: ثنا حَجَّاجٌ قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: سَأَلْتُ عَطَاءً، عَنْ ﴿حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ﴾ [النساء: ٣٤] قَالَ: «حَافِظَاتٌ لِلْأَزْوَاجِ»
٦ / ٦٩٣
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا حَبَّانُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ، يَقُولُ: ﴿حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ﴾ [النساء: ٣٤] حَافِظَاتٌ لِأَزْوَاجِهِنَّ لِمَا غَابَ مِنْ شَأْنِهِنَّ “
٦ / ٦٩٣
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثنا أَبُو مَعْشَرٍ، قَالَ: ثنا سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيُّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «خَيْرُ النِّسَاءِ امْرَأَةٌ إِذَا نَظَرْتَ إِلَيْهَا سَرَّتْكَ، وَإِذَا أَمَرْتَهَا أَطَاعَتْكَ، وَإِذَا غِبْتَ عَنْهَا حَفِظَتْكَ فِي نَفْسِهَا وَمَالِكَ» قَالَ: ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ﴾ [النساء: ٣٤] الْآيَةُ ” قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَهَذَا الْخَبَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ مَا قُلْنَا فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، وَأَنَّ مَعْنَاهُ: صَالِحَاتٌ فِي أَدْيَانِهِنَّ، مُطِيعَاتٌ لِأَزْوَاجِهِنَّ، حَافِظَاتٌ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِنَّ وَأَمْوَالِهِمْ ⦗٦٩٤⦘ وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿بِمَا حَفِظَ اللَّهُ﴾ [النساء: ٣٤] فَإِنَّ الْقُرَّاءَ اخْتَلَفَتْ فِي قِرَاءَتِهِ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ الْقُرَّاءَ فِي جَمِيعِ أَمْصَارِ الْإِسْلَامِ: ﴿بِمَا حَفِظَ اللَّهُ﴾ [النساء: ٣٤] بِرَفْعِ اسْمِ اللَّهِ عَلَى مَعْنَى: بِحِفْظِ اللَّهِ إِيَّاهُنَّ إِذْ صَيَّرَهُنَّ كَذَلِكَ. كَمَا:
٦ / ٦٩٣
حَدَّثَنِي زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، قَالَ: ثنا حَجَّاجٌ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: سَأَلْتُ عَطَاءً، عَنْ قَوْلِهِ: ﴿بِمَا حَفِظَ اللَّهُ﴾ [النساء: ٣٤] قَالَ: «يَقُولُ: حَفِظَهُنَّ اللَّهُ»
٦ / ٦٩٤
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا حَبَّانُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿بِمَا حَفِظَ اللَّهُ﴾ [النساء: ٣٤] قَالَ: «بِحِفْظِ اللَّهِ إِيَّاهَا أَنَّهُ جَعَلَهَا كَذَلِكَ» وَقَرَأَ ذَلِكَ أَبُو جَعْفَرٍ يَزِيدُ بْنُ الْقَعْقَاعِ الْمَدَنِيُّ: «بِمَا حَفِظَ اللَّهَ» يَعْنِي: بِحِفْظِهِنَّ اللَّهَ فِي طَاعَتِهِ، وَأَدَاءِ حَقِّهِ بِمَا أَمَرَهُنَّ مِنْ حِفْظِ غَيْبِ أَزْوَاجِهِنَّ، كَقَوْلِ الرَّجُلِ لِلرَّجُلِ: مَا حَفِظْتَ اللَّهَ فِي كَذَا وَكَذَا، بِمَعْنَى: رَاقَبْتَهُ وَلَاحَظْتَهُ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي ذَلِكَ مَا جَاءَتْ بِهِ قِرَاءَةُ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْقِرَاءَةِ مَجِيئًا يَقْطَعُ عُذْرَ مَنْ بَلَغَهُ وَيُثْبِتُ عَلَيْهِ حُجَّتَهُ، دُونَ مَا انْفَرَدَ بِهِ أَبُو جَعْفَرٍ ⦗٦٩٥⦘ فَشَذَّ عَنْهُمْ، وَتِلْكَ الْقِرَاءَةُ تَرْفَعُ اسْمَ اللَّهِ تبارك وتعالى: ﴿بِمَا حَفِظَ اللَّهُ﴾ [النساء: ٣٤] مَعَ صِحَّةِ ذَلِكَ فِي الْعَرَبِيَّةِ وَكَلَامِ الْعَرَبِ، وَقُبْحُ نَصْبِهِ فِي الْعَرَبِيَّةِ لِخُرُوجِهِ عَنِ الْمَعْرُوفِ مِنْ مَنْطِقِ الْعَرَبِ. وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَبَ لَا تَحْذِفُ الْفَاعِلَ مَعَ الْمَصَادِرِ مِنْ أَجْلِ أَنَّ الْفَاعِلَ إِذَا حُذِفَ مَعَهَا لَمْ يَكُنْ لِلْفِعْلِ صَاحِبٌ مَعْرُوفٌ. وَفِي الْكَلَامِ مَتْرُوكٌ اسْتَغْنَى بِدَلَالَةِ الظَّاهِرِ مِنَ الْكَلَامِ عَلَيْهِ مِنْ ذِكْرِهِ وَمَعْنَاهُ: ﴿فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ﴾ [النساء: ٣٤] فَأَحْسِنُوا إِلَيْهِنَّ وَأَصْلِحُوا، وَكَذَلِكَ هُوَ فِيمَا ذُكِرَ فِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ
٦ / ٦٩٤
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَمَّادٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى الْأَعْمَى، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ، قَالَ: فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ: «فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ فَأَصْلِحُوا إِلَيْهِنَّ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ»
٦ / ٦٩٥
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ﴾ [النساء: ٣٤] فَأَحْسِنُوا إِلَيْهِنَّ “
٦ / ٦٩٥
حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ﴾ [النساء: ٣٤] فَأَصْلِحُوا إِلَيْهِنَّ “
٦ / ٦٩٥
حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ﴾ [النساء: ٣٤] يَعْنِي إِذَا كُنَّ هَكَذَا، فَأَصْلِحُوا إِلَيْهِنَّ “
٦ / ٦٩٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: ﴿وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ﴾ [النساء: ٣٤] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ﴾ [النساء: ٣٤] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: وَاللَّاتِي تَعْلَمُونَ نُشُوزَهُنَّ. وَوَجْهُ صَرْفِ الْخَوْفِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ إِلَى الْعِلْمِ فِي قَوْلِ هَؤُلَاءِ نَظِيرُ صَرْفِ الظَّنِّ إِلَى الْعِلْمِ لِتَقَارُبِ مَعْنَيَيْهِمَا، إِذْ كَانَ الظَّنُّ شَكًّا، وَكَانَ الْخَوْفُ مَقْرُونًا بِرَجَاءٍ، وَكَانَا جَمِيعًا مِنْ فِعْلِ الْمَرْءِ بِقَلْبِهِ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الطويل] وَلَا تَدْفِنَّنِي فِي الْفَلَاةِ فَإِنَّنِي … أَخَافُ إِذَا مَا مُتُّ أَنْ لَا أَذُوقَهَا
مَعْنَاهُ: فَإِنَّنِي أَعْلَمُ، وَكَمَا قَالَ الْآخَرُ:
[البحر الطويل] أَتَانِي كَلَامٌ عَنْ نُصَيْبٍ يَقُولُهُ … وَمَا خِفْتُ يَا سَلَامُ أَنَّكَ عَائِبِي
بِمَعْنَى: وَمَا ظَنَنْتُ وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ: مَعْنَى الْخَوْفِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: الْخَوْفُ الَّذِي هُوَ خِلَافُ الرَّجَاءِ. قَالُوا: مَعْنَى ذَلِكَ: إِذَا رَأَيْتُمْ مِنْهُنَّ مَا تَخَافُونَ أَنْ يَنْشُزْنَ عَلَيْكُمْ
[البحر الطويل] وَلَا تَدْفِنَّنِي فِي الْفَلَاةِ فَإِنَّنِي … أَخَافُ إِذَا مَا مُتُّ أَنْ لَا أَذُوقَهَا
مَعْنَاهُ: فَإِنَّنِي أَعْلَمُ، وَكَمَا قَالَ الْآخَرُ:
[البحر الطويل] أَتَانِي كَلَامٌ عَنْ نُصَيْبٍ يَقُولُهُ … وَمَا خِفْتُ يَا سَلَامُ أَنَّكَ عَائِبِي
بِمَعْنَى: وَمَا ظَنَنْتُ وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ: مَعْنَى الْخَوْفِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: الْخَوْفُ الَّذِي هُوَ خِلَافُ الرَّجَاءِ. قَالُوا: مَعْنَى ذَلِكَ: إِذَا رَأَيْتُمْ مِنْهُنَّ مَا تَخَافُونَ أَنْ يَنْشُزْنَ عَلَيْكُمْ
٦ / ٦٩٦
مِنْ نَظَرٍ إِلَى مَا لَا يَنْبَغِي لَهُنَّ أَنْ يَنْظُرْنَ إِلَيْهِ، وَيَدْخُلْنَ وَيُخْرُجْنَ، وَاسْتَرَبْتُمْ بِأَمْرِهِنَّ، فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ. وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿نُشُوزَهُنَّ﴾ [النساء: ٣٤] فَإِنَّهُ يَعْنِي: اسْتِعْلَاءَهُنَّ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ، وَارْتِفَاعَهُنَّ عَنْ فُرُشِهِمْ بِالْمَعْصِيَةِ مِنْهُنَّ، وَالْخِلَافِ عَلَيْهِمْ فِيمَا لَزِمَهُنَّ طَاعَتُهُمْ فِيهِ، بُغْضًا مِنْهُنَّ وَإِعْرَاضًا عَنْهُمْ وَأَصْلُ النُّشُوزِ الارْتِفَاعُ، وَمِنْهُ قِيلَ لِلْمَكَانِ الْمُرْتَفِعِ مِنَ الْأَرْضِ نَشَزٌ وَنَشَازٌ. ﴿فَعِظُوهُنَّ﴾ [النساء: ٣٤] يَقُولُ: “ذَكِّرُوهُنَّ اللَّهَ، وَخَوِّفُوهُنَّ وَعِيدَهُ فِي رُكُوبِهَا مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهَا مِنْ مَعْصِيَةِ زَوْجِهَا فِيمَا أَوْجَبَ عَلَيْهَا طَاعَتَهُ فِيهِ. وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٦ / ٦٩٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ: النُّشُوزُ: الْبُغْضُ وَمَعْصِيَةُ الزَّوْجِ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ﴾ [النساء: ٣٤] قَالَ: «بُغْضَهُنَّ»
٦ / ٦٩٧
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ﴾ [النساء: ٣٤] قَالَ: «الَّتِي تَخَافُ مَعْصِيَتَهَا. قَالَ: النُّشُوزُ: مَعْصِيَتُهُ وَخِلَافُهُ»
٦ / ٦٩٧
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ﴾ [النساء: ٣٤] تِلْكَ الْمَرْأَةُ تَنْشُزُ وَتَسْتَخِفُّ بِحَقِّ زَوْجِهَا وَلَا تُطِيعُ أَمْرَهُ “
٦ / ٦٩٨
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، ثنا رَوْحٌ، قَالَ: ثنا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ عَطَاءٌ: «النُّشُوزُ: أَنْ تُحِبَّ فِرَاقَهُ، وَالرَّجُلُ كَذَلِكَ»
٦ / ٦٩٨
ذِكْرُ الرِّوَايَةِ عَمَّنْ قَالَ مَا قُلْنَا فِي قَوْلِهِ: ﴿فَعِظُوهُنَّ﴾ [النساء: ٣٤] حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثنا مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿فَعِظُوهُنَّ﴾ [النساء: ٣٤] يَعْنِي: «عِظُوهُنَّ بِكِتَابِ اللَّهِ قَالَ: أَمَرَهُ اللَّهُ إِذَا نَشَزَتْ أَنْ يَعِظَهَا وَيُذَكِّرُهَا اللَّهَ وَيُعَظِّمَ حَقَّهُ عَلَيْهَا»
٦ / ٦٩٨
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ﴾ [النساء: ٣٤] قَالَ: «إِذَا نَشَزَتِ الْمَرْأَةُ عَنْ فِرَاشِ زَوْجِهَا يَقُولُ لَهَا: اتَّقِي اللَّهَ وَارْجِعِي إِلَى فِرَاشِكِ، فَإِنْ أَطَاعَتْهُ فَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَيْهَا»
٦ / ٦٩٨
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: «إِذَا نَشَزَتِ الْمَرْأَةُ عَلَى زَوْجِهَا فَلْيَعِظْهَا بِلِسَانِهِ، يَقُولُ: يَأْمُرُهَا بِتَقْوَى اللَّهِ وَطَاعَتِهِ»
٦ / ٦٩٨
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ، قَالَ: «إِذَا رَأَى الرَّجُلُ خِفَّةً فِي بَصَرِهَا فِي مَدْخَلِهَا وَمَخْرَجِهَا قَالَ: يَقُولُ لَهَا بِلِسَانِهِ: قَدْ رَأَيْتُ مِنْكِ كَذَا وَكَذَا فَانْتَهِي. فَإِنْ أَعْتَبَتْ فَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَيْهَا، وَإِنْ أَبَتْ هَجَرَ مَضْجَعَهَا»
٦ / ٦٩٩
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا حَبَّانُ بْنُ مُوسَى قَالَ: ثنا ابْنُ الْمُبَارَكِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿فَعِظُوهُنَّ﴾ [النساء: ٣٤] قَالَ: «إِذَا نَشَزَتِ الْمَرْأَةُ عَنْ فِرَاشِ زَوْجِهَا، فَإِنَّهُ يَقُولُ لَهَا: اتَّقِي اللَّهَ وَارْجِعِي»
٦ / ٦٩٩
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ عَطَاءٍ: ﴿فَعِظُوهُنَّ﴾ [النساء: ٣٤] قَالَ: «بِالْكَلَامِ»
٦ / ٦٩٩
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَوْلُهُ: ﴿فَعِظُوهُنَّ﴾ [النساء: ٣٤] قَالَ: «بِالْأَلْسِنَةِ»
٦ / ٦٩٩
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي قَيْسٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: ﴿فَعِظُوهُنَّ﴾ [النساء: ٣٤] قَالَ: «عِظُوهُنَّ بِاللِّسَانِ»
٦ / ٦٩٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ﴾ [النساء: ٣٤] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى ذَلِكَ: فَعِظُوهُنَّ فِي ⦗٧٠٠⦘ نُشُوزِهِنَّ عَلَيْكُمْ أَيُّهَا الْأَزْوَاجُ، فَإِنْ أَبْيَنَ مُرَاجَعَةَ الْحَقِّ فِي ذَلِكَ وَالْوَاجِبِ عَلَيْهِمْ لَكُمْ، فَاهْجُرُوهُنَّ بِتَرْكِ جِمَاعِهِنَّ فِي مُضَاجَعَتِكِمْ إِيَّاهُنَّ
٦ / ٦٩٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ﴾ [النساء: ٣٤] يَعْنِي: «عِظُوهُنَّ، فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ وَإِلَّا فَاهْجُرُوهُنَّ»
٦ / ٧٠٠
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ﴾ [النساء: ٣٤] يَعْنِي بِالْهُجْرَانِ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ وَامْرَأَتُهُ عَلَى فِرَاشٍ وَاحِدٍ لَا يُجَامِعُهَا “
٦ / ٧٠٠
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: «الْهَجْرُ: هَجْرُ الْجِمَاعِ»
٦ / ٧٠٠
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: «أَمَا ﴿تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ﴾ [النساء: ٣٤] فَإِنَّ عَلَى زَوْجِهَا أَنْ يَعِظَهَا، فَإِنْ لَمْ تَقْبَلْ فَلْيَهْجُرْهَا فِي الْمَضْجَعِ. يَقُولُ: يَرْقُدُ عِنْدَهَا وَيُوَلِّيهَا ظَهْرَهُ، وَيَطَؤُهَا وَلَا يُكَلِّمُهَا». هَكَذَا فِي كِتَابِي: «وَيَطَؤُهَا وَلَا يُكَلِّمُهَا»
٦ / ٧٠٠
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ﴾ [النساء: ٣٤] قَالَ: «يُضَاجِعُهَا وَيَهْجُرُ ⦗٧٠١⦘ كَلَامَهَا وَيُوَلِّيهَا ظَهْرَهُ»
أخبار تونس نور العقيدة، أساس العلم، وحقائق الكون !