قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ بِالصَّوَابِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: ﴿وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ﴾ [النساء: ١٦] قَوْلُ مَنْ قَالَ: عُنِيَ بِهِ الْبِكْرَانِ غَيْرُ الْمُحْصَنَيْنِ إِذَا زَنَيَا وَكَانَ أَحَدُهُمَا رَجُلًا وَالْآخَرُ امْرَأَةً؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَقْصُودٌ بِذَلِكَ قَصْدَ الْبَيَانِ عَنْ حُكْمِ الزُّنَاةِ مِنَ الرِّجَالِ كَمَا كَانَ مَقْصُودًا بِقَوْلِهِ: ﴿وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ﴾ [النساء: ١٥] قَصَدَ الْبَيَانَ عَنْ حُكْمِ الزَّوَانِي، لَقِيلَ: وَالَّذِينَ يَأْتُونَهَا مِنْكُمْ فَآذَوْهُمْ، أَوْ قِيلَ: وَالَّذِي يَأْتِيهَا مِنْكُمْ، كَمَا قِيلَ فِي الَّتِي قَبْلَهَا: ﴿وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ﴾ [النساء: ١٥] فَأَخْرَجَ ذِكْرَهُنَّ عَلَى الْجَمْعِ، وَلَمْ يَقُلْ: وَاللَّتَانِ يَأْتِيَانِ الْفَاحِشَةَ، وَكَذَلِكَ تَفْعَلُ الْعَرَبُ إِذَا أَرَادَتِ الْبَيَانَ عَلَى الْوَعِيدِ عَلَى فِعْلٍ أَوِ الْوَعْدِ عَلَيْهِ، أَخْرَجَتْ أَسْمَاءَ أَهْلِهِ بِذِكْرِ الْجَمْعِ أَوِ الْوَاحِدِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْوَاحِدَ يَدُلُّ عَلَى جِنْسِهِ، وَلَا تُخْرِجُهَا بِذِكْرِ اثْنَيْنِ، فَتَقُولُ: الَّذِينَ يَفْعَلُونَ كَذَا فَلَهُمْ كَذَا، وَالَّذِي يَفْعَلُ كَذَا فَلَهُ كَذَا، وَلَا تَقُولُ: اللَّذَانِ يَفْعَلَانِ كَذَا فَلَهُمَا كَذَا، إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِعْلًا لَا يَكُونُ إِلَّا مِنْ شَخْصَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ كَالزِّنَا لَا يَكُونُ إِلَّا مِنْ زَانِ وَزَانِيَةٍ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، قِيلَ بِذِكْرِ الِاثْنَيْنِ، يُرَادُ بِذَلِكَ الْفَاعِلُ وَالْمَفْعُولُ بِهِ، فَإِمَّا أَنْ يَذْكُرَ بِذِكْرِ الِاثْنَيْنِ وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ شَخْصَانِ فِي فِعْلٍ قَدْ يَنْفَرِدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِهِ أَوْ فِي فِعْلٍ لَا يَكُونَانِ فِيهِ مُشْتَرِكَيْنِ فَذَلِكَ مَا لَا يُعْرَفُ فِي كَلَامِهَا، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَبَيِّنٌ فَسَادُ قَوْلِ مَنْ قَالَ: عُنِيَ بِقَوْلِهِ: ﴿وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ﴾ [النساء: ١٦] الرَّجُلَانِ، وَصِحَّةُ قَوْلِ مَنْ قَالَ: عُنِيَ بِهِ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَمَعْلُومٌ أَنَّهُمَا غَيْرُ اللَّوَاتِي تَقَدَّمَ بَيَانُ حُكْمِهِنَّ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ﴾ [النساء: ١٥] لِأَنَّ هَذَيْنِ اثْنَانِ وَأُولَئِكَ جَمَاعَةٌ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَمَعْلُومٌ أَنَّ الْحَبْسَ كَانَ لِلثَّيِّبَاتِ عُقُوبَةً حَتَّى يُتَوَفَّيْنَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَجْعَلَ لَهُنَّ سَبِيلًا، لِأَنَّهُ أَغْلَظُ فِي الْعُقُوبَةِ مِنَ الْأَذَى الَّذِي هُوَ تَعْنِيفٌ
٦ / ٥٠١
وَتَوْبِيخٌ أَوْ سَبٌّ وَتَعْيِيرٌ، كَمَا كَانَ السَّبِيلُ الَّتِي جُعِلَتْ لَهُنَّ مِنَ الرَّجْمِ أَغْلَظَ مِنَ السَّبِيلِ الَّتِي جُعِلَتْ لِلْأَبْكَارِ مِنْ جَلْدِ الْمِائَةِ وَنَفْيِ السُّنَةِ
٦ / ٥٠٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا﴾ [النساء: ١٦] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْأَذَى الَّذِي كَانَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ جَعَلَهُ عُقُوبَةً لِلَّذِينَ يَأْتِيَانِ الْفَاحِشَةَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَجْعَلَ لَهُمَا سَبِيلًا مِنْهُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: ذَلِكَ الْأَذَى، أَذًى بِالْقَوْلِ وَاللِّسَانِ، كَالتَّعْيِيرِ وَالتَّوْبِيخِ عَلَى مَا أَتَيَا مِنَ الْفَاحِشَةِ
٦ / ٥٠٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿فَآذُوهُمَا﴾ [النساء: ١٦] قَالَ: «كَانَا يُؤْذَيَانِ بِالْقَوْلِ جَمِيعًا»
٦ / ٥٠٢
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا﴾ [النساء: ١٦] «فَكَانَتِ الْجَارِيَةُ وَالْفَتَى إِذَا زَنَيَا يُعَنَّفَانِ وَيُعَيَّرَانِ حَتَّى يَتْرُكَا ذَلِكَ. وَقَالَ آخَرُونَ: كَانَ ذَلِكَ الْأَذَى أَذَى اللِّسَانِ، غَيْرَ أَنَّهُ كَانَ سَبًّا»
٦ / ٥٠٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، ⦗٥٠٣⦘ عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿فَآذُوهُمَا﴾ [النساء: ١٦] «يَعْنِي سَبًّا» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ كَانَ ذَلِكَ الْأَذَى بِاللِّسَانِ وَالْيَدِ
٦ / ٥٠٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا﴾ [النساء: ١٦] «فَكَانَ الرَّجُلُ إِذَا زَنَى أُوذِيَ بِالتَّعْيِيرِ، وَضُرِبَ بِالنِّعَالِ» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ كَانَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِأَذَى الزَّانِيَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ إِذَا أَتَيَا ذَلِكَ وَهُمَا مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ، وَالْأَذَى قَدْ يَقَعُ بِكُلِّ مَكْرُوهٍ نَالَ الْإِنْسَانَ مِنْ قَوْلٍ سَيِّئٍ بِاللِّسَانِ أَوْ فِعْلٍ، وَلَيْسَ فِي الْآيَةِ بَيَانُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ أُمِرَ بِهِ الْمُؤْمِنُونَ يَوْمَئِذٍ، وَلَا خَبَرَ بِهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِنْ نَقْلِ الْوَاحِدِ وَلَا نَقْلِ الْجَمَاعَةِ الْمُوجِبِ مَجِيئُهَا قَطْعَ الْعُذْرِ. وَأَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي ذَلِكَ مُخْتَلِفُونَ، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ أَذًى بِاللِّسَانِ وَالْيَدِ، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ كَانَ أَذًى بِأَيِّهِمَا، وَلَيْسَ فِي الْعِلْمِ بِأَيِّ ذَلِكَ كَانَ مِنْ أَيِّ نَفْعٍ فِي دَيْنٍ وَلَا دُنْيَا وَلَا فِي ⦗٥٠٤⦘ الْجَهْلِ بِهِ مَضَرَّةٌ، إِذْ كَانَ اللَّهُ جَلَّ ثناؤُهُ قَدْ نَسَخَ ذَلِكَ مِنْ مُحْكَمَةٍ بِمَا أَوْجَبَ مِنَ الْحُكْمِ عَلَى عِبَادِهِ فِيهِمَا وَفِي اللَّاتِي قَبْلَهُمَا؛ فَأَمَّا الَّذِي أَوْجَبَ مِنَ الْحُكْمِ عَلَيْهِمْ فِيهِمَا فَمَا أَوْجَبَ فِي سُورَةِ النُّورِ بِقَوْلِهِ: ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ﴾، وَأَمَّا الَّذِي أَوْجَبَ فِي اللَّاتِي قَبْلَهُمَا، فَالرَّجْمُ الَّذِي قَضَى بِهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِيهِمَا وَأَجْمَعَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ جَمِيعًا عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ قَدْ جَعَلَ لِأَهْلِ الْفَاحِشَةِ مِنَ الزُّنَاةِ وَالزَّوَانِي سَبِيلًا بِالْحُدُودِ الَّتِي حَكَمَ بِهَا فِيهِمْ. وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ: إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ نَسَخَ بِقَوْلِهِ: ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ﴾ قَوْلَهُ: ﴿وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا﴾ [النساء: ١٦]
٦ / ٥٠٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا﴾ [النساء: ١٦] قَالَ: «كُلُّ ذَلِكَ نَسَخَتْهُ الْآيَةُ الَّتِي فِي النُّورِ بِالْحَدِّ الْمَفْرُوضِ»
٦ / ٥٠٤
حَدَّثَنَا أَبُو هِشَامٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا﴾ [النساء: ١٦] الْآيَةَ، قَالَ: «هَذَا نَسَخَتْهُ الْآيَةُ فِي سُورَةِ النُّورِ بِالْحَدِّ الْمَفْرُوضِ»
٦ / ٥٠٤
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا أَبُو تُمَيْلَةَ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ بْنُ وَاقِدٍ، عَنْ يَزِيدَ ⦗٥٠٥⦘ النَّحْوِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، قَالَا فِي قَوْلِهِ: ﴿وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا﴾ [النساء: ١٦] الْآيَةَ ” نُسِخَ ذَلِكَ بِآيَةِ الْجَلْدِ، فَقَالَ: ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ﴾
٦ / ٥٠٤
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا﴾ [النساء: ١٦] فَأَنْزَلَ اللَّهُ بَعْدَ هَذَا: ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ﴾ «فَإِنْ كَانَا مُحْصَنَيْنِ رُجِمَا فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ»
٦ / ٥٠٥
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ﴾ [النساء: ١٥] الْآيَةَ «جَاءَتِ الْحُدُودُ فَنَسَخَتْهَا»
٦ / ٥٠٥
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ: «نَسَخَ الْحَدُّ هَذِهِ الْآيَةَ»
٦ / ٥٠٥
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا أَبُو سُفْيَانَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ﴾ [النساء: ١٥] الْآيَةَ، قَالَ: «نَسَخَتْهَا الْحُدُودُ» وَقَوْلُهُ: ﴿وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ﴾ [النساء: ١٦] «نَسَخَتْهَا الْحُدُودُ»
٦ / ٥٠٥
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا﴾ [النساء: ١٦] الْآيَةَ، «ثُمَّ نُسِخَ هَذَا وَجُعِلَ السَّبِيلُ لَهَا إِذَا زَنَتْ ⦗٥٠٦⦘ وَهِيَ مُحْصَنَةٌ رُجِمَتْ وَأُخْرِجَتْ، وَجُعِلَ السَّبِيلُ لِلذَّكَرِ جَلْدُ مِائَةٍ»
٦ / ٥٠٥
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: ﴿فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ﴾ [النساء: ١٥] قَالَ: «نَسَخَتْهَا الْحُدُودُ» وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا﴾ [النساء: ١٦] فَإِنَّهُ يَعْنِي بِهِ جَلَّ ثناؤُهُ: فَإِنْ تَابَا مِنَ الْفَاحِشَةِ الَّتِي أَتَيَا، فَرَاجَعَا طَاعَةَ اللَّهِ بَيْنَهُمَا وَأَصْلَحَا، يَقُولُ: وَأَصْلَحَا دِينَهُمَا بِمُرَاجَعَةِ التَّوْبَةِ مِنْ فَاحِشَتِهِمَا وَالْعَمَلِ بِمَا يُرْضِي اللَّهَ، فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا، يَقُولُ: فَاصْفَحُوا عَنْهُمَا، وَكُفُّوا عَنْهُمَا الْأَذَى الَّذِي كُنْتُ أَمَرْتُكُمْ أَنْ تُؤْذُوهُمَا بِهِ عُقُوبَةً لَهُمَا عَلَى مَا أَتَيَا مِنَ الْفَاحِشَةِ، وَلَا تُؤْذُوهُمَا بَعْدَ تَوْبَتِهِمَا. وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا﴾ [النساء: ١٦] فَإِنَّهُ يَعْنِي: أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَزَلْ رَاجِعًا لِعَبِيدِهِ إِلَى مَا يُحِبُّونَ إِذَا هُمْ رَاجَعُوا مَا يُحِبُّ مِنْهُمْ مِنْ طَاعَتِهِ رَحِيمًا بِهِمْ، يَعْنِي: ذَا رَحْمَةٍ وَرَأْفَةٍ
٦ / ٥٠٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ [النساء: ١٧] يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثناؤُهُ: ﴿إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ﴾ [النساء: ١٧] مَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِأَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ، إِلَّا لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بِجَهَالَةٍ. ﴿ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ﴾ [النساء: ١٧] يَقُولُ: مَا اللَّهُ بِرَاجِعٍ لِأَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ إِلَى مَا
٦ / ٥٠٦
يُحِبُّهُ مِنَ الْعَفْوِ عَنْهُ وَالصَّفْحِ عَنْ ذُنُوبِهِ الَّتِي سَلَفَتْ مِنْهُ، إِلَّا لِلَّذِينَ يَأْتُونَ مَا يَأْتُونَهُ مِنْ ذُنُوبِهِمْ جَهَالَةً مِنْهُمْ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ مُؤْمِنُونَ، ثُمَّ يُرَاجِعُونَ طَاعَةَ اللَّهُ وَيَتُوبُونَ مِنْهُ إِلَى مَا أَمَرَهُمُ اللَّهُ بِهِ مِنَ النَّدَمِ عَلَيْهِ وَالِاسْتِغْفَارِ وَتَرْكِ الْعَوْدِ إِلَى مِثْلَهُ مِنْ قَبْلِ نُزُولِ الْمَوْتِ بِهِمْ، وَذَلِكَ هُوَ الْقَرِيبُ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ، فَقَالَ: ﴿ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ﴾ [النساء: ١٧] وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، قَالَ: أَهْلُ التَّأْوِيلِ غَيْرَ أَنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿بِجَهَالَةٍ﴾ [النساء: ١٧] فَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي ذَلِكَ بِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِيهِ، وَذَهَبَ إِلَى أَنَّ عَمَلَهُ السُّوءَ هُوَ الْجَهَالَةُ الَّتِي عَنَاهَا
٦ / ٥٠٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ أَنَّ أَصْحَابَ، رَسُولِ اللَّهِ ﷺ كَانُوا يَقُولُونَ: «كُلُّ ذَنْبٍ أَصَابَهُ عَبْدٌ فَهُوَ بِجَهَالَةٍ»
٦ / ٥٠٧
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ﴾ [النساء: ١٧] قَالَ: «اجْتَمَعَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَرَأَوْا أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ عَصَى بِهِ فَهُوَ جَهَالَةٌ، عَمْدًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ»
٦ / ٥٠٧
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ﴾ [النساء: ١٧] قَالَ: «كُلُّ مَنْ ⦗٥٠٨⦘ عَصَى رَبَّهُ فَهُوَ جَاهِلٌ، حَتَّى يَنْزِعَ عَنْ مَعْصِيَتِهِ»
٦ / ٥٠٧
حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ﴾ [النساء: ١٧] قَالَ: «كُلُّ مَنْ عَمِلَ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ فَذَاكَ مِنْهُ بِجَهْلٍ حَتَّى يَرْجِعَ عَنْهُ»
٦ / ٥٠٨
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ﴾ [النساء: ١٧] «مَا دَامَ يَعْصِي اللَّهَ فَهُوَ جَاهِلٌ»
٦ / ٥٠٨
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلِ بْنِ غَزْوَانَ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ﴾ [النساء: ١٧] قَالَ: «مَنْ عَمِلَ السُّوءَ فَهُوَ جَاهِلٌ، مِنْ جَهَالَتِهِ عَمِلَ السُّوءَ»
٦ / ٥٠٨
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «مَنْ عَصَى اللَّهَ فَهُوَ جَاهِلٌ حَتَّى يَنْزِعَ عَنْ مَعْصِيَتِهِ»
٦ / ٥٠٨
قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَأَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَثِيرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «كُلُّ عَامِلٍ بِمَعْصِيَةٍ فَهُوَ جَاهِلٌ حِينَ عَمِلَ بِهَا» قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَقَالَ لِي عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ نَحْوَهُ
٦ / ٥٠٨
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِ ⦗٥٠٩⦘ اللَّهِ: ﴿إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ﴾ [النساء: ١٧] قَالَ: «الْجَهَالَةُ: كُلُّ امْرِئٍ عَمِلَ شَيْئًا مِنْ مَعَاصِي اللَّهِ فَهُوَ جَاهِلٌ أَبَدًا حَتَّى يَنْزِعَ عَنْهَا» وَقَرَأَ: ﴿هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ﴾ [يوسف: ٨٩]، وَقَرَأَ: ﴿وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأُكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾ [يوسف: ٣٣]، قَالَ: «مَنْ عَصَى اللَّهَ فَهُوَ جَاهِلٌ حَتَّى يَنْزِعَ عَنْ مَعْصِيَتِهِ» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ﴾ [النساء: ١٧] يَعْمَلُونَ ذَلِكَ عَلَى عَمْدٍ مِنْهُمْ لَهُ
٦ / ٥٠٨
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ﴾ [النساء: ١٧] قَالَ: «الْجَهَالَةُ: الْعَمْدُ» حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
٦ / ٥٠٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا أَبُو زُهَيْرٍ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ: ﴿إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ﴾ [النساء: ١٧] قَالَ: «الْجَهَالَةُ: الْعَمْدُ» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: «إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ فِي الدُّنْيَا»
٦ / ٥٠٩
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ أَبَانَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَوْلُهُ: ﴿إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ﴾ [النساء: ١٧] قَالَ: «الدُّنْيَا كُلُّهَا جَهَالَةٌ» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: تَأْوِيلُهَا: إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ، وَعَمَلُهُمُ السُّوءَ هُوَ الْجَهَالَةُ الَّتِي جَهِلُوهَا عَامِدِينَ كَانُوا لِلْإِثْمِ، أَوْ جَاهِلِينَ بِمَا أَعَدَّ اللَّهُ لِأَهْلِهَا. وَذَلِكَ أَنَّهُ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ تَسْمِيَةُ الْعَامِدِ لِلشَّيْءِ الْجَاهِلَ بِهِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَعْنِيًّا بِهِ أَنَّهُ جَاهِلٌ بِقَدْرِ مَنْفَعَتِهِ وَمَضَرَّتِهِ، فَيُقَالُ: هُوَ بِهِ جَاهِلٌ، عَلَى مَعْنَى جَهِلِهِ بِمَعْنَى نَفْعِهِ وَضُرِّهِ؛ فَأَمَّا إِذَا كَانَ عَالِمًا بِقَدْرِ مَبْلَغِ نَفْعِهِ وَضُرِّهِ قَاصِدًا إِلَيْهِ، فَغَيْرُ جَائِزٍ مِنْ غَيْرِ قَصْدِهِ إِلَيْهِ أَنْ يُقَالَ هُوَ بِهِ جَاهِلٌ؛ لِأَنَّ الْجَاهِلَ بِالشَّيْءِ هُوَ الَّذِي لَا يَعْلَمُهُ وَلَا يَعْرِفُهُ عِنْدَ التَّقَدُّمِ عَلَيْهِ، أَوْ يَعْلَمُهُ فَيُشْبِهُ فَاعِلَهُ، إِذْ كَانَ خَطَأً مَا فَعَلَهُ بِالْجَاهِلِ الَّذِي يَأْتِي الْأَمْرَ وَهُوَ بِهِ جَاهِلٌ فَيُخْطِئُ مَوْضِعَ الْإِصَابَةِ مِنْهُ، فَيُقَالَ: إِنَّهُ لَجَاهِلٌ بِهِ، وَإِنْ كَانَ بِهِ عَالِمًا لِإِتْيَانِهِ الْأَمْرَ الَّذِي لَا يَأْتِي مِثْلَهُ إِلَّا أَهْلُ الْجَهْلِ بِهِ. وَكَذَلِكَ مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ﴾ [النساء: ١٧] قِيلَ فِيهِمْ: يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ وَإِنْ أَتَوْهُ عَلَى عِلْمٍ مِنْهُمْ بِمَبْلَغِ عِقَابِ اللَّهِ أَهْلَهُ، عَامِدِينَ إِتْيَانَهُ، مَعَ مَعْرِفَتِهِمْ بِأَنَّهُ عَلَيْهِمْ حَرَامٌ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُمْ ذَلِكَ كَانَ مِنَ الْأَفْعَالِ الَّتِي لَا يَأْتِي مِثْلَهُ إِلَّا مَنْ ⦗٥١١⦘ جَهِلَ عَظِيمَ عِقَابِ اللَّهِ عَلَيْهِ أَهْلَهُ فِي عَاجِلِ الدُّنْيَا وَآجِلِ الْآخِرَةِ، فَقِيلَ لِمَنْ أَتَاهُ وَهُوَ بِهِ عَالِمٌ: أَتَاهُ بِجَهَالَةٍ، بِمَعْنَى أَنَّهُ فَعَلَ فِعْلَ الْجُهَّالِ بِهِ، لَا أَنَّهُ كَانَ جَاهِلًا. وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ أَنَّ مَعْنَاهُ: أَنَّهُمْ جَهِلُوا كُنْهَ مَا فِيهِ مِنَ الْعِقَابِ، فَلَمْ يَعْلَمُوهُ كَعِلْمِ الْعَالِمِ، وَإِنْ عَلِمُوهُ ذَنْبًا، فَلِذَلِكَ قِيلَ: ﴿يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ﴾ [النساء: ١٧] وَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا قَالَ صَاحِبُ هَذَا الْقَوْلِ لَوَجَبَ أَنْ لَا تَكُونَ تَوْبَةٌ لِمَنْ عَلِمَ كُنْهَ مَا فِيهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ جَلَّ ثناؤُهُ قَالَ: ﴿إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ﴾ [النساء: ١٧] دُونَ غَيْرِهِمْ. فَالْوَاجِبُ عَلَى صَاحِبِ هَذَا الْقَوْلِ أَنْ لَا يَكُونَ لِلْعَالِمِ الَّذِي عَمِلَ سُوءًا عَلَى عِلْمٍ مِنْهُ بِكُنْهِ مَا فِيهِ ثُمَّ تَابَ مِنْ قَرِيبٍ تَوْبَةً، وَذَلِكَ خِلَافُ الثَّابِتِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِنْ أَنَّ كُلَّ تَائِبٍ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِ، وَقَوْلِهِ: «بَابُ التَّوْبَةِ مَفْتُوحٌ مَا لَمْ تَطْلُعِ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا»، وَخِلَافُ قَوْلِ اللَّهِ عز وجل: ﴿إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا﴾ [الفرقان: ٧٠]
٦ / ٥١٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ﴾ [النساء: ١٧] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى الْقَرِيبِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى ذَلِكَ: ثُمَّ يَتُوبُونَ فِي صِحَّتِهِمْ قَبْلَ مَرَضِهِمْ وَقَبْلَ مَوْتِهِمْ
٦ / ٥١١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ ⦗٥١٢⦘ السُّدِّيِّ: ﴿ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ﴾ [النساء: ١٧] «وَالْقَرِيبُ قَبْلَ الْمَوْتِ مَا دَامَ فِي صِحَّتِهِ»
٦ / ٥١١
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ﴾ [النساء: ١٧] قَالَ: «فِي الْحَيَاةِ وَالصِّحَّةِ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: ثُمَّ يَتَوبُونَ مِنْ قَبْلِ مُعَايَنَةِ مَلَكِ الْمَوْتِ
٦ / ٥١٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثنا مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ﴾ [النساء: ١٧] «وَالْقَرِيبُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى مَلَكِ الْمَوْتِ»
٦ / ٥١٢
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ عِمْرَانَ بْنَ حُدَيْرٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو مِجْلَزٍ: «لَا يَزَالُ الرَّجُلُ فِي تَوْبَةٍ حَتَّى يُعَايِنَ الْمَلَائِكَةَ»
٦ / ٥١٢
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ، قَالَ: «الْقَرِيبُ: مَا لَمْ تَنْزِلْ بِهِ آيَةٌ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَيَنْزِلْ بِهِ الْمَوْتُ»
٦ / ٥١٢
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا أَبُو زُهَيْرٍ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ: ﴿إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ ⦗٥١٣⦘ قَرِيبٍ﴾ [النساء: ١٧] «لَهُ التَّوْبَةُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَنْ يُعَايِنَ مَلَكَ الْمَوْتِ، فَإِذَا تَابَ حِينَ يَنْظُرُ إِلَى مَلَكِ الْمَوْتِ فَلَيْسَ لَهُ ذَاكَ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَبْلِ الْمَوْتِ
٦ / ٥١٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنْ رَجُلٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ: ﴿ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ﴾ [النساء: ١٧] قَالَ: «كُلُّ شَيْءٍ قَبْلَ الْمَوْتِ فَهُوَ قَرِيبٌ»
٦ / ٥١٣
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ أَبَانَ، عَنْ عِكْرِمَةَ: ﴿ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ﴾ [النساء: ١٧] قَالَ: «الدُّنْيَا كُلُّهَا قَرِيبٌ»
٦ / ٥١٣
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ﴾ [النساء: ١٧] «قَبْلَ الْمَوْتِ»
٦ / ٥١٣
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، قَالَ: «ذُكِرَ لَنَا أَنَّ إِبْلِيسَ لَمَّا لُعِنَ وَأُنْظِرَ، قَالَ: وَعِزَّتِكَ لَا أَخْرُجُ مِنْ قَلْبِ ابْنِ آدَمَ مَا دَامَ فِيهِ الرُّوحُ فَقَالَ تبارك وتعالى: وَعِزَّتِي لَا أَمْنَعُهُ التَّوْبَةَ مَا دَامَ فِيهِ الرُّوحُ»
٦ / ٥١٣
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: ثنا عِمْرَانُ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَثَمَّ أَبُو قِلَابَةَ، فَحَدَّثَ أَبُو قِلَابَةَ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى لَمَّا لَعَنَ إِبْلِيسَ سَأَلَهُ النَّظِرَةَ، فَقَالَ: وَعِزَّتِكَ لَا أَخْرُجُ مِنْ قَلْبِ ابْنِ آدَمَ فَقَالَ اللَّهُ تبارك وتعالى: وَعِزَّتِي لَا أَمْنَعُهُ التَّوْبَةَ مَا دَامَ فِيهِ الرُّوحُ»
٦ / ٥١٤
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ، قَالَ: ثنا أَيُّوبُ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى لَمَّا لَعَنَ إِبْلِيسَ سَأَلَهُ النَّظِرَةَ، فَأَنْظَرَهُ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، فَقَالَ: وَعِزَّتِكَ لَا أَخْرُجُ مِنْ قَلْبِ ابْنِ آدَمَ مَا دَامَ فِيهِ الرُّوحُ قَالَ: وَعِزَّتِي لَا أَحْجُبُ عَنْهُ التَّوْبَةَ مَا دَامَ فِيهِ الرُّوحُ»
٦ / ٥١٤
حَدَّثَنِي ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا عَوْفٌ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «إِنَّ إِبْلِيسَ لَمَّا رَأَى آدَمَ أَجْوَفَ، قَالَ وَعِزَّتِكَ لَا أَخْرُجُ مِنْ جَوْفِهِ مَا دَامَ فِيهِ الرُّوحُ فَقَالَ اللَّهُ تبارك وتعالى: وَعِزَّتِي لَا أَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّوْبَةِ مَا دَامَ فِيهِ الرُّوحُ»
٦ / ٥١٤
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ بَشِيرِ بْنِ كَعْبٍ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ» ⦗٥١٥⦘ حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ؛ فَذَكَرَ مِثْلَهُ
٦ / ٥١٤
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ عَوْفٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: تَأْوِيلُهُ ثُمَّ يَتُوبُونَ قَبْلَ مَمَاتِهِمْ فِي الْحَالِ الَّتِي يَفْهَمُونَ فِيهَا أَمْرَ اللَّهِ تبارك وتعالى وَنَهْيَهُ، وَقَبْلَ أَنْ يُغْلَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَعُقُولِهِمْ، وَقَبْلَ حَالِ اشْتِغَالِهِمْ بِكَرْبِ الْحَشْرَجَةِ وَغَمِّ الْغَرْغَرَةِ، فَلَا يَعْرِفُوا أَمْرَ اللَّهِ وَنَهْيَهُ، وَلَا يَعْقِلُوا التَّوْبَةَ؛ لِأَنَّ التَّوْبَةَ لَا تَكُونُ تَوْبَةً إِلَّا مِمَّنْ نَدِمَ عَلَى مَا سَلَفَ مِنْهُ، وَعَزَمَ فِيهِ عَلَى تَرْكِ الْمُعَاوَدَةِ، وَهُوَ يَعْقِلُ النَّدَمَ، وَيَخْتَارُ تَرْكَ الْمُعَاوَدَةِ، فَأَمَّا إِذَا كَانَ بِكَرْبِ الْمَوْتِ مَشْغُولًا، وَبِغَمِّ الْحَشْرَجَةِ مَغْمُورًا، فَلَا إِخَالُهُ إِلَّا عَنِ النَّدَمِ عَلَى ذُنُوبِهِ مَغْلُوبًا، وَلِذَلِكَ قَالَ مَنْ قَالَ: إِنَّ التَّوْبَةَ مَقْبُولَةٌ مَا لَمْ يُغَرْغِرِ الْعَبْدُ بِنَفْسِهِ، فَإِنْ كَانَ الْمَرْءُ فِي تِلْكَ الْحَالِ يَعْقِلُ عَقْلَ الصَّحِيحِ، وَيَفْهَمُ فَهْمَ الْعَاقِلِ الْأَرِيبِ، فَأَحْدَثَ إِنَابَةً مِنْ ذُنُوبِهِ، وَرَجْعَةً مِنْ شُرُودِهِ عَنْ رَبِّهِ إِلَى طَاعَتِهِ كَانَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِمَّنْ دَخَلَ فِي وَعْدِ اللَّهِ الَّذِي وَعَدَ التَّائِبِينَ إِلَيْهِ مِنْ إِجْرَامِهِمْ مِنْ قَرِيبٍ بِقَوْلِهِ: ﴿إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ﴾ [النساء: ١٧]
٦ / ٥١٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ [النساء: ١٧] يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثناؤُهُ: ﴿فَأُولَئِكَ﴾ [البقرة: ٨١] فَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ ﴿يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ﴾ [النساء: ١٧] دُونَ مَنْ لَمْ يَتُبْ، حَتَّى غُلِبَ
٦ / ٥١٥
عَلَى عَقْلِهِ وَغَمَرَتْهُ حَشْرَجَةُ مَيْتَتِهِ، فَقَالَ: وَهُوَ لَا يَفْقَهُ مَا يَقُولُ: ﴿إِنِّي تُبْتُ الْآنَ﴾ [النساء: ١٨] خِدَاعًا لِرَبِّهِ وَنِفَاقًا فِي دِينِهِ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ﴾ [النساء: ١٧] يَرْزُقُهُمْ إِنَابَةً إِلَى طَاعَتِهِ، وَيَتَقَبَّلُ مِنْهُمْ أَوْبَتَهُمْ إِلَيْهِ، وَتَوْبَتَهُمُ الَّتِي أَحْدَثُوهَا مِنْ ذُنُوبِهِمْ. أَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ [النساء: ١٧] فَإِنَّهُ يَعْنِي: وَلَمْ يَزَلِ اللَّهُ جَلَّ ثناؤُهُ عَلِيمًا بِالنَّاسِ مِنْ عِبَادِهِ الْمُنِيبِينَ إِلَيْهِ بِالطَّاعَةِ بَعْدَ إِدْبَارِهِمْ عَنْهُ، الْمُقْبِلِينَ إِلَيْهِ بَعْدَ التَّوْلِيَةِ، وَبِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أُمُورِ خَلْقِهِ، حَكِيمٌ فِي تَوْبَتِهِ عَلَى مَنْ تَابَ مِنْهُمْ مِنْ مَعْصِيَتِهِ، وَفِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ تَدْبِيرِهِ وَتَقْدِيرِهِ، وَلَا يَدْخُلُ أَفْعَالَهُ خَلَلٌ، وَلَا يَخْلِطُهُ خَطَأٌ وَلَا زَلَلٌ
٦ / ٥١٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾ [النساء: ١٨] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثناؤُهُ: وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ مِنْ أَهْلِ الْإِصْرَارِ عَلَى مَعَاصِي اللَّهِ، حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ، يَقُولُ: إِذَا حَشْرَجَ أَحَدُهُمْ بِنَفْسِهِ، وَعَايَنَ مَلَائِكَةَ رَبِّهِ قَدْ أَقْبَلُوا إِلَيْهِ لِقَبْضِ رُوحِهِ قَالَ: وَقَدْ غُلِبَ عَلَى نَفْسِهِ، وَحِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ فَهْمِهِ بِشُغْلِهِ بِكَرْبِ حَشْرَجَتِهِ وَغَرْغَرَتِهِ: إِنِّي تُبْتُ الْآنَ، يَقُولُ فَلَيْسَ لِهَذَا عِنْدَ اللَّهِ تبارك وتعالى تَوْبَةٌ؛ لِأَنَّهُ قَالَ مَا قَالَ فِي غَيْرِ حَالِ تَوْبَةٍ
٦ / ٥١٦
كَمَا: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنْ يَعْلَى بْنِ نُعْمَانٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مَنْ، سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ، يَقُولُ: «التَّوْبَةُ مَبْسُوطَةٌ مَا لَمْ يُسَقْ» ثُمَّ قَرَأَ ابْنُ عُمَرَ: ﴿وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ﴾ [النساء: ١٨] ثُمَّ قَالَ: «وَهَلِ الْحُضُورُ إِلَّا ⦗٥١٧⦘ السَّوْقُ»
٦ / ٥١٦
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ﴾ [النساء: ١٨] قَالَ: «إِذَا تَبَيَّنَ الْمَوْتَ فِيهِ لَمْ يَقْبَلِ اللَّهُ لَهُ تَوْبَةً»
٦ / ٥١٧
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ﴾ [النساء: ١٨] «فَلَيْسَ لِهَذَا عِنْدَ اللَّهِ تَوْبَةٌ»
٦ / ٥١٧
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، قَالَ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ بْنَ مَيْمُونٍ، يُحَدِّثُ عَنْ رَجُلٍ، مِنْ بَنِي الْحَارِثِ، قَالَ: ثنا رَجُلٌ مِنَّا، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ تَابَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِعَامٍ تِيبَ عَلَيْهِ»، حَتَّى ذَكَرَ شَهْرًا، حَتَّى ذَكَرَ سَاعَةً، حَتَّى ذَكَرَ فَوَاقًا، قَالَ: فَقَالَ رَجُلٌ: كَيْفَ يَكُونُ هَذَا وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: ﴿وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ﴾ [النساء: ١٨]؟ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: أَنَا أُحَدِّثُكَ مَا سَمِعْتُ مِنَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ
٦ / ٥١٧
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: كَانَ يُقَالُ: «التَّوْبَةُ مَبْسُوطَةٌ مَا لَمْ يُؤْخَذْ بَكَظْمِهِ» وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِيمَنْ عُنِيَ بِقَوْلِهِ: ﴿وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ﴾ [النساء: ١٨] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عُنِيَ بِهِ أَهْلُ النِّفَاقِ
٦ / ٥١٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ: ﴿إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ﴾ [النساء: ١٧] قَالَ: «نَزَلَتِ الْأُولَى فِي الْمُؤْمِنِينَ، وَنَزَلَتِ الْوسْطَى فِي الْمُنَافِقِينَ» يَعْنِي: ﴿وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ﴾ [النساء: ١٨] «وَالْأُخْرَى فِي الْكُفَّارِ» يَعْنِي: ﴿وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ﴾ [النساء: ١٨] وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عُنِيَ بِذَلِكَ أَهْلُ الْإِسْلَامِ
٦ / ٥١٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: بَلَغَنَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ﴾ [النساء: ١٨] قَالَ: «هُمُ الْمُسْلِمُونِ» أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَالَ: ﴿وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ﴾ [النساء: ١٨]⦗٥١٩⦘ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ هَذِهِ الْآيَةُ كَانَتْ نَزَلَتْ فِي أَهْلِ الْإِيمَانِ، غَيْرَ أَنَّهَا نُسِخَتْ
٦ / ٥١٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ﴾ [النساء: ١٨] «فَأَنْزَلَ اللَّهُ تبارك وتعالى بَعْدَ ذَلِكَ»: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ [النساء: ٤٨] «فَحَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى الْمَغْفِرَةَ عَلَى مَنْ مَاتَ وَهُوَ كَافِرٌ، وَأَرْجَأَ أَهْلَ التَّوْحِيدِ إِلَى مَشِيئَتِهِ، فَلَمْ يُؤَيِّسْهُمْ مِنَ الْمَغْفِرَةِ» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ مَا ذَكَرَهُ الثَّوْرِيُّ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّهُ فِي الْإِسْلَامِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمُنَافِقِينَ كُفَّارٌ، فَلَوْ كَانَ مَعْنِيًّا بِهِ أَهْلُ النِّفَاقِ لَمْ يَكُنْ لِقَوْلِهِ: ﴿وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ﴾ [النساء: ١٨] مَعْنًى مَفْهُومٌ، لِأَنَّهُمْ إِنْ كَانُوا هُمْ وَالَّذِينَ قَبْلَهُمْ فِي مَعْنًى وَاحِدٍ مِنْ أَنَّ جَمِيعَهُمْ كُفَّارٌ، فَلَا وَجْهَ لِتَفْرِيقِ أَحَدٍ مِنْهُمْ فِي الْمَعْنَى الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ بَطَلَ أَنْ تَكُونَ تَوْبَةُ وَاحِدٍ مَقْبُولَةً، وَفِي تَفْرِقَةِ اللَّهِ جَلَّ ثناؤُهُ بَيْنَ أَسْمَائِهِمْ وَصِفَاتِهِمْ بِأَنْ سَمَّى أَحَدَ الصِّنْفَيْنِ كَافِرًا، وَوَصَفَ الصِّنْفَ الْآخَرَ بِأَنَّهُمْ أَهْلُ سَيِّئَاتٍ، وَلَمْ يُسَمِّهِمْ كُفَّارًا مَا دَلَّ عَلَى افْتِرَاقِ مَعَانِيهِمْ، ⦗٥٢٠⦘ وَفِي صِحَّةِ كَوْنِ ذَلِكَ كَذَلِكَ صِحَّةُ مَا قُلْنَا، وَفَسَادُ مَا خَالَفَهُ
٦ / ٥١٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾ [النساء: ١٨] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثناؤُهُ: وَلَا التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ فَمَوْضِعُ «الَّذِينَ» خَفْضٌ؛ لِأَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: ﴿لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ﴾ [النساء: ١٨] وَقَوْلُهُ: ﴿أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾ [النساء: ١٨] يَقُولُ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ، أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا؛ لِأَنَّهُمْ أَبْعَدَهُمْ مِنَ التَّوْبَةِ كَوْنُهُمْ عَلَى الْكُفْرِ
٦ / ٥٢٠
كَمَا: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ﴾ [النساء: ١٨] «أُولَئِكَ أَبْعَدُ مِنَ التَّوْبَةِ» وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي مَعْنَى: ﴿أَعْتَدْنَا لَهُمْ﴾ [النساء: ١٨] فَقَالَ بَعْضُ الْبَصْرِيِّينَ: مَعْنَى: ﴿أَعْتَدْنَا﴾ [النساء: ١٨] أَفْعَلْنَا مِنَ الْعَتَادِ، قَالَ: وَمَعْنَاهَا: أَعْدَدْنَا وَقَالَ بَعْضُ الْكُوفِيِّينَ: أَعْدَدْنَا وَأَعْتَدْنَا مَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ، فَمَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿أَعْتَدْنَا لَهُمْ﴾ [النساء: ١٨] أَعْدَدْنَا لَهُمْ ﴿عَذَابًا أَلِيمًا﴾ [النساء: ١٨] يَقُولُ: مُؤْلِمًا مُوجِعًا
٦ / ٥٢٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ
٦ / ٥٢٠
مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ [النساء: ١٩] يَعْنِي تبارك وتعالى بِقَوْلِهِ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [البقرة: ١٠٤] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ صَدَقُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴿لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا﴾ [النساء: ١٩] يَقُولُ: لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا نِكَاحَ نِسَاءِ أَقَارِبِكُمْ وَآبَائِكُمْ كَرْهًا. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: كَيْفَ كَانُوا يَرِثُونَهُنَّ؟ وَمَا وَجْهُ تَحْرِيمِ وِرَاثَتِهِنَّ، فَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ النِّسَاءَ مُوَرِّثَاتٌ كَمَا الرِّجَالُ مُوَرِّثُونَ؟ قِيلَ إِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ مَعْنَى وِرَاثَتِهِنَّ إِذَا هُنَّ مُتْنَ فَتَرَكْنَ مَالًا، وَإِنَّمَا ذَلِكَ أَنَّهُنَّ فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَانَتْ إِحْدَاهُنَّ إِذَا مَاتَ زَوْجُهَا كَانَ ابْنُهُ أَوْ قَرِيبُهُ أَوْلَى بِهَا مِنْ غَيْرِهِ وَمِنْهَا بِنَفْسِهَا، إِنْ شَاءَ نَكَحَهَا وَإِنْ شَاءَ عَضَلَهَا فَمَنَعَهَا مِنْ غَيْرِهِ وَلَمْ يُزَوِّجْهَا حَتَّى تَمُوتَ، فَحَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ عَلَى عِبَادِهِ، وَحَظَرَ عَلَيْهِمْ نِكَاحَ حَلَائِلِ آبَائِهِمْ، وَنَهَاهُمْ عَنْ عَضْلِهِنَّ عَنِ النِّكَاحِ. وَبِنَحْوِ الْقَوْلِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٦ / ٥٢١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: ثنا أَبُو إِسْحَاقَ يَعْنِي الشَّيْبَانِيَّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ﴾ [النساء: ١٩] قَالَ: «كَانُوا إِذَا مَاتَ الرَّجُلُ كَانَ أَوْلِيَاؤُهُ أَحَقَّ بِامْرَأَتِهِ، إِنْ شَاءَ بَعْضُهُمْ تَزَوَّجَهَا، وَإِنْ ⦗٥٢٢⦘ شَاءُوا زَوَّجُوهَا، وَإِنْ شَاءُوا لَمْ يُزَوِّجُوهَا، وَهُمْ أَحَقُّ بِهَا مِنْ أَهْلِهَا، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي ذَلِكَ»
٦ / ٥٢١
وَحَدَّثني أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطُّوسِيُّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «لَمَّا تُوُفِّيَ أَبُو قَيْسِ بْنُ الْأَسْلَتِ أَرَادَ ابْنُهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَتَهُ، وَكَانَ ذَلِكَ لَهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ» فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا﴾ [النساء: ١٩]
٦ / ٥٢٢
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ، عَنْ يَزِيدَ النَّحْوِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، قَالَا فِي قَوْلِهِ: ﴿لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ﴾ [النساء: ١٩] «وَذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ يَرِثُ امْرَأَةَ ذِي قَرَابَتِهِ، فَيَعْضُلُهَا حَتَّى تَمُوتَ أَوْ تَرُدَّ إِلَيْهِ صَدَاقَهَا، فَأَحْكَمَ اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ، يَعْنِي أَنَّ اللَّهَ نَهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ»
٦ / ٥٢٢
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا﴾ [النساء: ١٩] قَالَ: «كَانَتِ الْأَنْصَارُ تَفْعَلُ ذَلِكَ كَانَ الرَّجُلُ إِذَا مَاتَ حَمِيمُهُ، وَرِثَ حَمِيمُهُ امْرَأَتَهُ، فَيَكُونُ أَوْلَى بِهَا مِنْ وَلِيِّ نَفْسِهَا»
٦ / ٥٢٢
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا﴾ [النساء: ١٩] الْآيَةَ، قَالَ: «كَانَ الرَّجُلُ إِذَا مَاتَ أَبُوهُ أَوْ حَمِيمُهُ، فَهُوَ أَحَقُّ بِامْرَأَتِهِ، إِنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا أَوْ يَحْبِسُهَا حَتَّى تَفْتَدِيَ مِنْهُ بِصَدَاقِهَا أَوْ تَمُوتَ فَيَذْهَبَ بِمَالِهَا»
٦ / ٥٢٣
قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: فَأَخْبَرَنِي عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ «أَنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا إِذَا هَلَكَ الرَّجُلُ، فَتَرَكَ امْرَأَةً حَبَسَهَا أَهْلُهُ عَلَى الصَّبِيِّ يَكُونُ فِيهِمْ» فَنَزَلَتْ: ﴿لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا﴾ [النساء: ١٩] الْآيَةَ
٦ / ٥٢٣
قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: «كَانَ الرَّجُلُ إِذَا تُوُفِّيَ أَبُوهُ كَانَ أَحَقَّ بِامْرَأَتِهِ، يَنْكِحُهَا إِنْ شَاءَ إِذَا لَمْ يَكُنِ ابْنَهَا، أَوْ يُنْكِحُهَا إِنْ شَاءَ أَخَاهُ أَوِ ابْنَ أَخِيهِ»
٦ / ٥٢٣
قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَقَالَ عِكْرِمَةُ: «نَزَلَتْ فِي كُبَيْشَةِ بِنْتِ مَعْنِ بْنِ عَاصِمٍ مِنَ الْأَوْسِ، تُوُفِّيَ عَنْهَا أَبُو قَيْسِ بْنُ الْأَسْلَتِ، فَجَنَحَ عَلَيْهَا ابْنُهُ، فَجَاءَتِ النَّبِيَّ ﷺ فَقَالَتْ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، لَا أَنَا وَرِثْتُ زَوْجِي وَلَا أَنَا تُرِكْتُ فَأَنْكِحُ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ»
٦ / ٥٢٣
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، ⦗٥٢٤⦘ عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا﴾ [النساء: ١٩] قَالَ: «كَانَ إِذَا تُوُفِّيَ الرَّجُلُ كَانَ ابْنُهُ الْأَكْبَرُ هُوَ أَحَقَّ بِامْرَأَتِهِ يَنْكِحُهَا إِذَا شَاءَ إِذَا لَمْ يَكُنِ ابْنَهَا، أَوْ يُنْكِحُهَا مَنْ شَاءَ أَخَاهَ أَوِ ابْنَ أَخِيهِ» حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، مِثْلَ قَوْلِ مُجَاهِدٍ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، قَالَ: سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ دِينَارٍ، يَقُولُ مِثْلَ ذَلِكَ
٦ / ٥٢٣
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: أَمَّا قَوْلُهُ: ﴿لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا﴾ [النساء: ١٩]، «فَإِنَّ الرَّجُلَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَانَ يَمُوتُ أَبُوهُ أَوْ أَخُوهُ أَوِ ابْنُهُ، فَإِذَا مَاتَ وَتَرَكَ امْرَأَتَهُ، فَإِنْ سَبَقَ وَارِثُ الْمَيِّتِ فَأَلْقَى عَلَيْهَا ثَوْبَهُ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا أَنْ يَنْكِحَهَا بِمَهْرِ صَاحِبِهِ أَوْ يُنْكِحَهَا فَيَأْخُذَ مَهْرُهَا، وَإِنْ سَبَقَتْهُ فَذَهَبَتْ إِلَى أَهْلِهَا فَهُمْ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا»
٦ / ٥٢٤
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْبَاهِلِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا﴾ [النساء: ١٩] «كَانُوا بِالْمَدِينَةِ إِذَا مَاتَ حَمِيمُ الرَّجُلِ وَتَرَكَ امْرَأَةً، أَلْقَى الرَّجُلُ عَلَيْهَا ثَوْبَهُ، فَوَرِثَ نِكَاحَهَا، وَكَانَ أَحَقَّ بِهَا، وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ نِكَاحًا، فَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا حَتَّى تَفْتَدِيَ مِنْهُ، وَكَانَ هَذَا فِي الشِّرْكِ»
٦ / ٥٢٤
حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا﴾ [النساء: ١٩] قَالَ: «كَانَتِ الْوِرَاثَةُ فِي أَهْلِ يَثْرِبَ بِالْمَدِينَةِ هَاهُنَا، فَكَانَ الرَّجُلُ يَمُوتُ فَيَرِثُ ابْنُهُ امْرَأَةَ أَبِيهِ، كَمَا يَرِثُ أُمَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمْنَعَ، فَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَتَّخِذَهَا اتَّخَذَهَا كَمَا كَانَ أَبُوهُ يَتَّخِذُهَا، وَإِنْ كَرِهَ فَارَقَهَا، وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا حُبِسَتْ عَلَيْهِ حَتَّى يَكْبُرَ، فَإِنْ شَاءَ أَصَابَهَا وَإِنْ شَاءَ فَارَقَهَا» فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تبارك وتعالى: ﴿لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا﴾ [النساء: ١٩]
٦ / ٥٢٥
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا﴾ [النساء: ١٩] «وَذَلِكَ أَنَّ رِجَالًا مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ كَانَ إِذَا مَاتَ حَمِيمُ أَحَدِهِمْ، أَلْقَى ثَوْبَهُ عَلَى امْرَأَتِهِ، فَوَرِثَ نِكَاحَهَا، فَلَمْ يَنْكِحْهَا أَحَدٌ غَيْرُهُ، وَحَبَسَهَا عِنْدَهُ حَتَّى تَفْتَدِيَ مِنْهُ بِفِدْيَةٍ» فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا﴾ [النساء: ١٩]
٦ / ٥٢٥
حَدَّثَنِي ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ بَذِيمَةَ، عَنْ مِقْسَمٍ، قَالَ: «كَانَتِ الْمَرْأَةُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا مَاتَ زَوْجُهَا، فَجَاءَ رَجُلٌ فَأَلْقَى عَلَيْهَا ثَوْبَهُ كَانَ أَحَقَّ النَّاسِ بِهَا» قَالَ: فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا﴾ [النساء: ١٩] فَتَأْوِيلُ الْآيَةِ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا آبَاءَكُمْ ⦗٥٢٦⦘ وَأَقَارِبَكُمْ نِكَاحَ نِسَائِهِمْ كَرْهًا، فَتَرَكَ ذِكْرَ الْآبَاءِ وَالْأَقَارِبِ وَالنِّكَاحِ، وَوَجْهُ الْكَلَامِ إِلَى النَّهْيِ عَنْ وِرَاثَةِ النِّسَاءِ، اكْتِفَاءً بِمَعْرِفَةِ الْمُخَاطَبِينَ بِمَعْنَى الْكَلَامِ، إِذْ كَانَ مَفْهُومًا مَعْنَاهُ عِنْدَهُمْ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ تَرِكَاتِهِنَّ كَرْهًا، قَالَ: وَإِنَّمَا قِيلَ ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَعْضِلُونَ أَيَامَاهُنَّ وَهُنَّ كَارِهَاتٌ لِلْعَضْلِ حَتَّى يَمُتْنَ فَيَرِثُوهُنَّ أَمْوَالَهُنَّ
٦ / ٥٢٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا﴾ [النساء: ١٩] قَالَ: «كَانَ الرَّجُلُ إِذَا مَاتَ وَتَرَكَ جَارِيَةً، أَلْقَى عَلَيْهَا حَمِيمُهُ ثَوْبَهُ، فَمَنَعَهَا مِنَ النَّاسِ، فَإِنْ كَانَتْ جَمِيلَةً تَزَوَّجَهَا، وَإِنْ كَانَتْ قَبِيحَةً حَبَسَهَا حَتَّى تَمُوتَ، فَيَرِثَهَا»
٦ / ٥٢٦
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، فِي قَوْلِهِ: ﴿لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا﴾ [النساء: ١٩] قَالَ: «نَزَلَتْ فِي نَاسٍ مِنَ الْأَنْصَارِ كَانُوا إِذَا مَاتَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ فَأَمْلَكُ النَّاسِ بِامْرَأَتِهِ وَلِيُّهُ، فَيُمْسِكُهَا حَتَّى تَمُوتَ فَيَرِثَهَا، فَنَزَلَتْ فِيهِمْ» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ الْقَوْلُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَمَّنْ قَالَ مَعْنَاهُ: ⦗٥٢٧⦘ لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا نِسَاءَ أَقَارِبِكُمْ؛ لِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثناؤُهُ قَدْ بَيَّنَ مَوَارِيثَ أَهْلِ الْمَوَارِيثِ، فَذَلِكَ لِأَهْلِهِ نَحْوَ وِرَاثَتِهِمْ إِيَّاهُ الْمَوْرُوثَ ذَلِكَ عَنْهُ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ النِّسَاءِ. فَقَدْ عُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّهُ جَلَّ ثناؤُهُ لَمْ يَحْظُرْ عَلَى عِبَادِهِ أَنْ يَرِثُوا النِّسَاءَ مَا جَعَلَهُ لَهُمْ مِيرَاثًا عَنْهُنَّ، وَأَنَّهُ إِنَّمَا حَظَرَ أَنْ يُكْرَهْنَ مُوَرَّوثَاتٍ بِمَعْنَى حَظْرِ وِرَاثَةِ نِكَاحِهِنَّ إِذَا كَانَ مَيِّتُهُمُ الَّذِي وَرِثُوهُ قَدْ كَانَ مَالِكًا عَلَيْهِنَّ أَمَرَهُنَّ فِي النِّكَاحِ مِلْكَ الرَّجُلِ مَنْفَعَةَ مَا اسْتَأْجَرَ مِنَ الدُّورِ وَالْأَرَضِينَ وَسَائِرِ مَا لَهُ مَنَافِعُ، فَأَبَانَ اللَّهُ جَلَّ ثناؤُهُ لِعِبَادِهِ أَنَّ الَّذِيَ يَمْلِكُهُ الرَّجُلُ مِنْهُمْ مِنْ بِضْعِ زَوْجَتِهِ، مَعْنَاهُ غَيْرُ مَعْنَى مَا يَمْلِكُ أَحَدُهُمْ مِنْ مَنَافِعِ سَائِرِ الْمَمْلُوكَاتِ الَّتِي تَجُوزُ إِجَارَتُهَا، فَإِنَّ الْمَالِكَ بِضْعَ زَوْجَتِهِ إِذَا هُوَ مَاتَ لَمْ يَكُنْ مَا كَانَ لَهُ مِلْكًا مِنْ زَوْجَتِهِ بِالنِّكَاحِ لِوَرَثَتِهِ بَعْدَهُ، كَمَا لَهُمْ مِنَ الْأَشْيَاءِ الَّتِي كَانَ يَمْلِكُهَا بِشِرَاءٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ إِجَارَةٍ بَعْدَ مَوْتِهِ بِمِيرَاثِهِ ذَلِكَ عَنْهُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ﴾ [النساء: ١٩] فَإِنَّ أَهْلَ التَّأْوِيلِ اخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: تَأْوِيلُهُ: ﴿وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ﴾ [النساء: ١٩] أَيْ وَلَا تَحْبِسُوا يَا مَعْشَرَ وَرَثَةِ مَنْ مَاتَ مِنَ الرِّجَالِ أَزْوَاجَهُمْ عَنْ نِكَاحِ مِنْ أَرَدْنَ نِكَاحَهُ مِنَ ⦗٥٢٨⦘ الرِّجَالِ كَيْمَا يَمُتْنَ فَتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ؛ أَيْ فَتَأْخُذُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ إِذَا مَتْنِ مَا كَانَ مَوْتَاكُمُ الَّذِينَ وَرِثْتُمُوهُنَّ سَاقُوا إِلَيْهِنَّ مِنْ صَدُقَاتِهِنَّ. وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ قَدْ ذَكَرْنَا بَعْضَهُمْ، مِنْهُمُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَعِكْرِمَةُ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: وَلَا تَعْضُلُوا أَيُّهَا النَّاسُ نِسَاءَكُمْ فَتَحْبِسُوهُنَّ ضِرَارًا، وَلَا حَاجَةَ لَكُمْ إِلَيْهِنَّ فَتَضُرُّوا بِهِنَّ لِيَفْتَدِينَ مِنْكُمْ بِمَا آتَيْتُمُوهُنَّ مِنْ صَدُقَاتِهِنَّ
٦ / ٥٢٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ﴾ [النساء: ١٩] يَقُولُ: «لَا تَقْهَرُوهُنَّ» ﴿لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ﴾ [النساء: ١٩] «يَعْنِي الرَّجُلَ تَكُونُ لَهُ الْمَرْأَةُ وَهُوَ كَارِهٌ لِصُحْبَتِهَا، وَلَهَا عَلَيْهِ مَهْرٌ، فَيَضُرُّ بِهَا لِتَفْتَدِيَ»
٦ / ٥٢٨
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ﴾ [النساء: ١٩] يَقُولُ: «لَا يَحِلُّ لَكَ أَنْ تَحْبِسَ امْرَأَتَكَ ضِرَارًا حَتَّى تَفْتَدِيَ مِنْكَ»
٦ / ٥٢٨
قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، قَالَ: وَأَخْبَرَنِي سِمَاكُ بْنُ الْفَضْلِ عَنِ ابْنِ الْبَيْلَمَانِيِّ، قَالَ: «نَزَلَتْ هَاتَانِ الْآيَتَانِ، إِحْدَاهُمَا فِي أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَالْأُخْرَى فِي ⦗٥٢٩⦘ أَمْرِ الْإِسْلَامِ»
٦ / ٥٢٨
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ مَعْمَرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سِمَاكُ بْنُ الْفَضْلِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْبَيْلَمَانِيِّ، فِي قَوْلِهِ: ﴿لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ﴾ [النساء: ١٩]، قَالَ: «نَزَلَتْ هَاتَانِ الْآيَتَانِ، إِحْدَاهُمَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَالْأُخْرَى فِي الْإِسْلَامِ» قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: «لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ فِي الْإِسْلَامِ»
٦ / ٥٢٩
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا الْحِمَّانِيُّ، قَالَ: ثنا شَرِيكٌ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ سَعِيدٍ: ﴿وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ﴾ [النساء: ١٩] قَالَ: «لَا تَحْبِسُوهُنَّ»
٦ / ٥٢٩
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ﴾ [النساء: ١٩] «أَمَّا تَعْضُلُوهُنَّ، فَيَقُولُ: تُضَارُّوهُنَّ لِيَفْتَدِينَ مِنْكُمْ»
٦ / ٥٢٩
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ﴾ [النساء: ١٩] قَالَ: «الْعَضْلُ: أَنْ يَكْرَهَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ، فَيَضُرَّ بِهَا حَتَّى تَفْتَدِيَ مِنْهُ» قَالَ اللَّهُ تبارك وتعالى: ﴿وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ﴾ [النساء: ٢١] ” ⦗٥٣٠⦘ وَقَالَ آخَرُونَ: الْمَعْنِيُّ بِالنَّهْيِ عَنْ عَضْلِ النِّسَاءِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَوْلِيَاؤُهُنَّ
٦ / ٥٢٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ﴾ [النساء: ١٩] أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ «كَالْعَضْلِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلِ الْمَنْهِيُّ عَنْ ذَلِكَ زَوْجُ الْمَرْأَةِ بَعْدَ فِرَاقِهِ إِيَّاهَا، وَقَالُوا: ذَلِكَ كَانَ مِنْ فِعْلِ الْجَاهِلِيَّةِ، فَنُهُوا عَنْهُ فِي الْإِسْلَامِ
٦ / ٥٣٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: «كَانَ الْعَضْلُ فِي قُرَيْشٍ بِمَكَّةَ، يَنْكِحُ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ الشَّرِيفَةَ فَلَعَلَّهَا لَا تُوَافِقُهُ، فَيُفَارِقُهَا عَلَى أَنْ لَا تَتَزَوَّجَ إِلَّا بِإِذْنِهِ، فَيَأْتِيَ بِالشُّهُودِ فَيَكْتُبَ ذَلِكَ عَلَيْهَا وَيُشْهِدَ، فَإِذَا خَطَبَهَا خَاطِبٌ، فَإِنْ أَعْطَتْهُ وَأَرْضَتْهُ أَذِنَ لَهَا، وَإِلَّا عَضَلَهَا» قَالَ: فَهَذَا قَوْلُ اللَّهِ: ﴿وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ﴾ [النساء: ١٩] الْآيَةَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: قَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى مَعْنَى الْعَضْلِ وَمَا أَصْلُهُ بِشَوَاهِدِ ذَلِكَ مِنَ الْأَدِلَّةِ. وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا بِالصِّحَّةِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: ﴿وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ
٦ / ٥٣٠
لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ﴾ [النساء: ١٩] قَوْلُ مَنْ قَالَ: نَهَى اللَّهُ جَلَّ ثناؤُهُ زَوْجَ الْمَرْأَةِ عَنِ التَّضْيِيقِ عَلَيْهَا وَالْإِضْرَارِ بِهَا، وَهُوَ لِصُحْبَتِهَا كَارِهٌ، وَلِفِرَاقِهَا مُحِبٌّ، لِتَفْتَدِيَ مِنْهُ بِبَعْضِ مَا آتَاهَا مِنَ الصَّدَاقِ. وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى بِالصِّحَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ لِأَحَدٍ إِلَى عَضْلِ امْرَأَةٍ، إِلَّا لِأَحَدِ رَجُلَيْنِ: إِمَّا لِزَوْجِهَا بِالتَّضْيِيقِ عَلَيْهَا وَحَبْسِهَا عَلَى نَفْسِهِ، وَهُوَ لَهَا كَارِهٌ، مُضَارَّةً مِنْهُ لَهَا بِذَلِكَ، لِيَأْخُذَ مِنْهَا مَا آتَاهَا بِافْتِدَائِهَا مِنْهُ نَفْسَهَا بِذَلِكَ، أَوْ لِوَلِيِّهَا الَّذِي إِلَيْهَا إِنْكَاحُهَا، وَإِذَا كَانَ لَا سَبِيلَ إِلَى عَضْلِهَا لِأَحَدٍ غَيْرِهِمَا، وَكَانَ الْوَلِيُّ مَعْلُومًا أَنَّهُ لَيْسَ مِمَّنْ أَتَاهَا شَيْئًا، فَيُقَالُ: إِنْ عَضَلَهَا عَنِ النِّكَاحِ عَضَلَهَا لِيَذْهَبَ بِبَعْضِ مَا آتَاهَا، كَانَ مَعْلُومًا أَنَّ الَّذِيَ عَنَى اللَّهُ تبارك وتعالى بِنَهْيِهِ عَنْ عَضْلِهَا، هُوَ زَوْجُهَا الَّذِي لَهُ السَّبِيلُ إِلَى عَضْلِهَا ضِرَارًا لِتَفْتَدِيَ مِنْهُ. وَإِذَا صَحَّ ذَلِكَ، وَكَانَ مَعْلُومًا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ لَمْ يَجْعَلْ لِأَحَدٍ السَّبِيلَ عَلَى زَوْجَتِهِ بَعْدَ فِرَاقِهِ إِيَّاهَا وَبَيْنُونَتِهَا مِنْهُ، فَيَكُونُ لَهُ إِلَى عَضْلِهَا سَبِيلٌ لِتَفْتَدِيَ مِنْهُ مِنْ عَضْلِهِ إِيَّاهَا، أَتَتْ بِفَاحِشَةٍ أَمْ لَمْ تَأْتِ بِهَا، وَكَانَ اللَّهُ جَلَّ ثناؤُهُ قَدْ أَبَاحَ لِلْأَزْوَاجِ عَضْلَهُنَّ إِذَا أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ، حَتَّى يَفْتَدِينَ مِنْهُ، كَانَ بَيِّنًا بِذَلِكَ خَطَأُ التَّأْوِيلِ الَّذِي تَأَوَّلَهُ ابْنُ زَيْدٍ، وَتَأْوِيلُ مَنْ قَالَ: عَنَى بِالنَّهْيِ عَنِ الْعَضْلِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَوْلِيَاءَ الْأَيَامَى، وَصِحَّةُ مَا قُلْنَا فِيهِ ﴿وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ﴾ [النساء: ١٩] فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ: ﴿أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا﴾ [النساء: ١٩] وَمَعْنَاهُ: لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا، وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ، وَكَذَلِكَ هِيَ فِيمَا ذُكِرَ فِي حَرْفِ ابْنِ مَسْعُودٍ،
٦ / ٥٣١
وَلَوْ قِيلَ: هُوَ فِي مَوْضِعِ جَزْمٍ عَلَى وَجْهِ النَّهْيِ لَمْ يَكُنْ خَطَأً
٦ / ٥٣٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ﴾ [النساء: ١٩] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثناؤُهُ: لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ أَنْ تَعْضُلُوا نِسَاءَكُمْ ضِرَارًا مِنْكُمْ لَهُنَّ، وَأَنْتُمْ لِصُحْبَتِهِنَّ كَارِهُونَ، وَهُنَّ لَكُمْ طَائِعَاتٌ، لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ مِنْ صَدُقَاتِهِنَّ، إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ، فَيَحِلُّ لَكُمْ حِينَئِذٍ الضِّرَارُ بِهِنَّ لِيَفْتَدِينَ مِنْكُمْ. ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى الْفَاحِشَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّهُ جَلَّ ثناؤُهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهَا: الزِّنَا، وَقَالَ إِذَا زَنَتِ امْرَأَةُ الرَّجُلِ حَلَّ لَهُ عَضْلُهَا وَالضِّرَارُ بِهَا لِتَفْتَدِيَ مِنْهُ بِمَا آتَاهَا مِنْ صَدَاقِهَا
٦ / ٥٣٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ إِدْرِيسَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَشْعَثُ، عَنِ الْحَسَنِ فِي الْبِكْرِ تَفْجُرُ، قَالَ: «تُضْرَبُ مِائَةً، وَتُنْفَى سَنَةً، وَتَرُدُّ إِلَى زَوْجِهَا مَا أَخَذَتْ مِنْهُ» وَتَأَوَّلَ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ﴾ [النساء: ١٩]
٦ / ٥٣٢
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ: فِي الرَّجُلِ إِذَا أَصَابَتِ امْرَأَتُهُ فَاحِشَةً: «أَخَذَ مَا سَاقَ إِلَيْهَا وَأَخْرَجَهَا؛ فَنَسَخَ ذَلِكَ الْحُدُودُ»
٦ / ٥٣٢
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، قَالَ: «إِذَا رَأَى الرَّجُلُ مِنَ امْرَأَتِهِ فَاحِشَةً، فَلَا بَأْسَ أَنْ يُضَارَّهَا، وَيَشُقَّ عَلَيْهَا حَتَّى تَخْتَلِعَ مِنْهُ» حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ: فِي الرَّجُلِ يَطَّلِعُ مِنَ امْرَأَتِهِ عَلَى فَاحِشَةٍ فَذَكَرَ نَحْوَهُ
٦ / ٥٣٣
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ﴾ [النساء: ١٩] «وَهُوَ الزِّنَا، فَإِذَا فَعَلْنَ ذَلِكَ فَخُذُوا مُهُورَهُنَّ»
٦ / ٥٣٣
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْكَرِيمِ، أَنَّهُ سَمِعَ الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ: ﴿إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ﴾ [النساء: ١٩] قَالَ: «الزِّنَا»
٦ / ٥٣٣
قَالَ: وَسَمِعْتُ الْحَسَنَ، وَأَبَا الشَّعْثَاءِ يَقُولَانِ: «فَإِنْ فَعَلَتْ حَلَّ لِزَوْجِهَا أَنْ يَكُونَ هُوَ يَسْأَلُهَا الْخُلْعَ لِتَفْتَدِيَ» وَقَالَ آخَرُونَ: الْفَاحِشَةُ الْمُبَيِّنَةُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: النُّشُوزُ
٦ / ٥٣٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ ⦗٥٣٤⦘ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ﴾ [النساء: ١٩] «وَهُوَ الْبُغْضُ وَالنُّشُوزُ، فَإِذَا فَعَلَتْ ذَلِكَ، فَقَدْ حَلَّ لَهُ مِنْهَا الْفِدْيَةُ»
٦ / ٥٣٣
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، قَالَ: ثنا عَنْبَسَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ بَذِيمَةَ، عَنْ مِقْسَمٍ، فِي قَوْلِهِ: «وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَفْحُشْنَ» فِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: «إِذَا عَضَلَتْ وَآذَتْكَ فَقَدْ حَلَّ لَكَ أَخْذُ مَا أَخَذَتْ مِنْكَ»
٦ / ٥٣٤
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ طَرِيفٍ، عَنْ خَالِدٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ: ﴿إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةَ مُبَيِّنَةٍ﴾ [النساء: ١٩] قَالَ: «الْفَاحِشَةُ هَاهُنَا النُّشُوزُ، فَإِذَا نَشَزَتْ حَلَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ خُلْعَهَا مِنْهَا»
٦ / ٥٣٤
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ﴾ [النساء: ١٩] قَالَ: «هُوَ النُّشُوزُ»
٦ / ٥٣٤
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ: ﴿إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ﴾ [النساء: ١٩] «فَإِنْ فَعَلْنَ إِنْ شِئْتُمْ أَمْسَكْتُمُوهُنَّ وَإِنْ شِئْتُمْ أَرْسَلْتُمُوهُنَّ»
٦ / ٥٣٤
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ بْنَ مُزَاحِمٍ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ﴾ [النساء: ١٩] قَالَ: «عَدَلَ رَبُّنَا تبارك وتعالى فِي الْقَضَاءِ فَرَجَعَ إِلَى النِّسَاءِ» ⦗٥٣٥⦘ فَقَالَ: ﴿إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ﴾ [النساء: ١٩] «وَالْفَاحِشَةُ: الْعِصْيَانُ وَالنُّشُوزُ؛ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مِنْ قِبَلِهَا، فَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَهُ أَنْ يَضْرِبَهَا، وَأَمَرَهُ بِالْهَجْرِ، فَإِنْ لَمْ تَدَعِ الْعِصْيَانَ وَالنُّشُوزَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا الْفِدْيَةَ» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى مَا قِيلَ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: ﴿إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ﴾ [النساء: ١٩] أَنَّهُ مَعْنِيُّ بِهِ كُلُّ فَاحِشَةٍ مِنْ بَذَاءَةٍ بِاللِّسَانِ عَلَى زَوْجِهَا، وَأَذًى لَهُ وَزِنًا بِفَرْجِهَا. وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثناؤُهُ عَمَّ بِقَوْلِهِ: ﴿إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ﴾ [النساء: ١٩] كُلَّ فَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ظَاهِرَةٍ، فَكُلُّ زَوْجِ امْرَأَةٍ أَتَتْ بِفَاحِشَةٍ مِنَ الْفَوَاحِشِ الَّتِي هِيَ زِنًا أَوْ نُشُوزٌ، فَلَهُ عَضْلُهَا عَلَى مَا بَيَّنَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ، وَالتَّضْيِيقُ عَلَيْهَا حَتَّى تَفْتَدِيَ مِنْهُ بِأَيِّ مَعَانِي فَوَاحِشَ أَتَتْ بَعْدَ أَنْ تَكُونَ ظَاهِرَةً مُبَيِّنَةٍ بِظَاهِرِ كِتَابِ اللَّهِ تبارك وتعالى، وَصِحَّةِ الْخَبَرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ
٦ / ٥٣٤
كَالَّذِي: حَدَّثَنِي يُوسُفُ بْنُ سَلْمَانَ الْبَصْرِيُّ، قَالَ: ثنا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: ثنا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «اتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ، فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللَّهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ، وَإِنَّ لَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ، فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ»
٦ / ٥٣٥
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَسْرُوقِيُّ، قَالَ: ثنا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، قَالَ: ثنا ⦗٥٣٦⦘ مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ الرَّبَذِيُّ، قَالَ: ثنا صَدَقَةُ بْنُ يَسَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ النِّسَاءَ عِنْدَكُمْ عَوَانٍ، أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللَّهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ، وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ حَقٌّ، وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ حَقٌّ، وَمِنْ حَقِّكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا وَلَا يَعْصِينَكُمْ فِي مَعْرُوفٍ، فَإِذَا فَعَلْنَ ذَلِكَ فَلَهُنَّ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ» فَأَخْبَرَ ﷺ أَنَّ مِنَ حَقِّ الزَّوْجِ عَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ لَا تُوطِئَ فِرَاشَهُ أَحَدًا، وَأَنْ لَا تَعْصِيَهُ فِي مَعْرُوفٍ وَأَنَّ الَّذِي يَجِبُ لَهَا مِنَ الرِّزْقِ وَالْكِسْوَةِ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا هُوَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ، إِذَا أَدَّتْ هِيَ إِلَيْهِ مَا يَجِبُ عَلَيْهَا مِنَ الْحَقِّ بِتَرْكِهَا إِيطَاءَ فِرَاشِهِ غَيْرَهُ، وَتَرْكِهَا مَعْصِيَتَهُ فِي مَعْرُوفٍ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ: «مِنْ حَقِّكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا» إِنَّمَا هُوَ أَنْ لَا يُمَكِّنَّ أَنْفُسَهُنَّ مِنْ أَحَدٍ سِوَاكُمْ، وَإِذَا كَانَ مَا رَوِينَا فِي ذَلِكَ صَحِيحًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَبَيِّنٌ أَنَّ لِزَوْجِ الْمَرْأَةِ إِذَا أَوْطَأَتِ امْرَأَتُهُ نَفْسَهَا غَيْرَهُ، وَأَمْكَنَتْ مِنْ جِمَاعِهَا سِوَاهُ أَنَّ لَهُ مَنْعَهَا مِنَ الْكِسْوَةِ وَالرِّزْقِ بِالْمَعْرُوفِ، مِثْلَ الَّذِي لَهُ مِنْ مَنْعِهَا ذَلِكَ إِذَا هِيَ عَصَتْهُ فِي الْمَعْرُوفِ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ لَهُ فَمَعْلُومٌ أَنَّهُ غَيْرُ مَانِعٍ لَهَا بِمَنْعِهِ إِيَّاهَا مَالَهُ مَنَعَهَا حَقًّا لَهَا وَاجِبًا عَلَيْهِ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَبَيِّنٌ أَنَّهَا إِذَا افْتَدَتْ نَفْسَهَا عِنْدَ ذَلِكَ مِنْ زَوْجِهَا فَأَخَذَ مِنْهَا زَوْجُهَا مَا أَعْطَتْهُ أَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ ذَلِكَ عَنْ عَضْلِ مَنْهِيٍّ عَنْهُ، بَلْ هُوَ أَخَذَ مَا أَخَذَ مِنْهَا عَنْ عَضْلِ لَهُ مُبَاحٍ، وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ كَانَ بَيِّنًا أَنَّهُ دَاخِلٌ فِي اسْتِثْنَاءِ اللَّهِ تبارك وتعالى الَّذِي اسْتَثناهُ مِنَ الْعَاضِلِينَ بِقَوْلِهِ: ﴿وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ﴾ [النساء: ١٩] وَإِذْ صَحَّ ذَلِكَ، فَبَيِّنٌ فَسَادُ قَوْلِ مَنْ قَالَ: ﴿إِلَّا ⦗٥٣٧⦘ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ﴾ [النساء: ١٩] مَنْسُوخٌ بِالْحُدُودِ؛ لِأَنَّ الْحَدَّ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى مَنْ أَتَى بِالْفَاحِشَةِ الَّتِي هِيَ زِنًا، وَأَمَّا الْعَضْلُ لِتَفْتَدِيَ الْمَرْأَةُ مِنَ الزَّوْجِ بِمَا آتَاهَا أَوْ بِبَعْضِهِ فَحَقٌّ لِزَوْجِهَا كَمَا عَضْلُهُ إِيَّاهَا وَتَضْيِيقُهُ عَلَيْهَا إِذَا هِيَ نَشَزَتْ عَلَيْهِ لِتَفْتَدِيَ مِنْهُ حَقٌّ لَهُ، وَلَيْسَ حُكْمُ أَحَدِهِمَا يُبْطِلُ حُكْمَ الْآخَرِ. فَمَعْنَى الْآيَةِ: وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَعْضُلُوا نِسَاءَكُمْ، فَتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ، وَتَمْنَعُوهُنَّ رِزْقَهُنَّ وَكِسْوَتَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ مِنْ صَدُقَاتِكُمْ، ﴿إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ﴾ [النساء: ١٩] مِنْ زِنًا أَوْ بَذَاءٍ عَلَيْكُمْ، وَخِلَافِ لَكُمْ فِيمَا يَجِبُ عَلَيْهِنَّ لَكُمْ مُبَيِّنَةٍ ظَاهِرَةٍ، فَيَحِلُّ لَكُمْ حِينَئِذٍ عَضْلُهُنَّ، وَالتَّضْيِيقُ عَلَيْهِنَّ، لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ مِنْ صَدَاقٍ، إِنْ هُنَّ افْتَدَيْنَ مِنْكُمْ بِهِ. وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿مُبَيِّنَةٍ﴾ [النساء: ١٩] فَقَرَأَهُ بَعْضُهُمْ: (مُبَيَّنَةٍ) بِفَتْحِ الْيَاءِ، بِمَعْنَى أَنَّهَا قَدْ بَيَّنَتْ لَكُمْ وَأَعْلَنَتْ وَأَظْهَرَتْ، وَقَرَأَهُ بَعْضُهُمْ ﴿مُبَيِّنَةٍ﴾ [النساء: ١٩] بِكَسْرِ الْيَاءِ، بِمَعْنَى أَنَّهَا ظَاهِرَةٌ بَيِّنَةٌ لِلنَّاسِ أَنَّهَا فَاحِشَةٌ، وَهُمَا قِرَاءَتَانِ مُسْتَفِيضَتَانِ فِي قِرَاءَةِ أَمْصَارِ الْإِسْلَامِ، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ فِي قِرَاءَتِهِ الصَّوَابَ؛ لِأَنَّ الْفَاحِشَةَ إِذَا أَظْهَرَهَا صَاحِبُهَا فَهِيَ طَاهِرَةٌ بَيِّنَةٌ، وَإِذَا ظَهَرَتْ فَبِإِظْهَارِ صَاحِبِهَا إِيَّاهَا ظَهَرَتْ، فَلَا تَكُونُ ظَاهِرَةً بَيِّنَةً إِلَّا وَهِيَ مُبَيِّنَةٌ وَلَا مُبَيَّنَةً إِلَّا وَهَىَ مُبَيِّنَةٌ. فَلِذَلِكَ رَأَيْتُ الْقِرَاءَةَ بِأَيِّهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ صَوَابًا
٦ / ٥٣٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى. ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [النساء: ١٩]⦗٥٣٨⦘ يَعْنِي جَلَّ ثناؤُهُ بِقَوْلِهِ، ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [النساء: ١٩] وَخَالِقُوا أَيُّهَا الرِّجَالُ نِسَاءَكُمْ، وَصَاحِبُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، يَعْنِي بِمَا أُمِرْتُمْ بِهِ مِنَ الْمُصَاحَبَةِ، وَذَلِكَ إِمْسَاكُهُنَّ بِأَدَاءِ حُقُوقِهِنَّ الَّتِي فَرَضَ اللَّهُ جَلَّ ثناؤُهُ لَهُنَّ عَلَيْكُمْ إِلَيْهِنَّ، أَوْ تَسْرِيحٍ مِنْكُمْ لَهُنَّ بِإِحْسَانٍ
٦ / ٥٣٧
كَمَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ، ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [النساء: ١٩] يَقُولُ: «وَخَالِطُوهُنَّ» كَذَا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، «وَإِنَّمَا هُوَ خَالِقُوهُنَّ مِنَ الْعَشَرَةِ وَهِيَ الْمُصَاحَبَةُ»
٦ / ٥٣٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تُكْرِهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ [النساء: ١٩] يَعْنِي بِذَلِكَ تَعَالَى ذِكْرُهُ: لَا تَعْضُلُوا نِسَاءَكُمْ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ مِنْ غَيْرِ رِيبَةٍ، وَلَا نُشُوزٍ، كَانَ مِنْهُنَّ، وَلَكِنْ عَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ، فَلَعَلَّكُمْ أَنْ تَكْرَهُوهُنَّ، فَتُمْسِكُوهُنَّ، فَيَجْعَلَ اللَّهُ لَكُمْ فِي إِمْسَاكِكُمْ إِيَّاهُنَّ عَلَى كُرْهٍ مِنْكُمْ لَهُنَّ خَيْرًا كَثِيرًا مِنْ وَلَدٍ يَرْزُقُكُمْ مِنْهُنَّ، أَوْ عَطْفِكُمْ عَلَيْهِنَّ بَعْدَ كَرَاهَتِكَمُ إِيَّاهُنَّ
٦ / ٥٣٨
كَمَا: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تُكْرِهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ [النساء: ١٩] يُقَالُ: «فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ فِي الْكَرَاهَةِ خَيْرًا كَثِيرًا» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
٦ / ٥٣٨
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثني أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ [النساء: ١٩] قَالَ: «الْوَلَدُ»
٦ / ٥٣٩
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ، ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ [النساء: ١٩] «وَالْخَيْرُ الْكَثِيرُ أَنْ يَعْطِفَ عَلَيْهَا فَيُرْزَقَ الرَّجُلُ وَلَدَهَا، وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِي وَلَدِهَا خَيْرًا كَثِيرًا» وَالْهَاءُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ [النساء: ١٩] عَلَى قَوْلِ مُجَاهِدٍ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ كِنَايَةٌ عَنْ مَصْدَرِ تَكْرَهُوا، كَأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ عِنْدَهُ: فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ، فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا. وَلَوْ كَانَ تَأْوِيلُ الْكَلَامِ: فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِي ذَلِكَ الشَّيْءِ الَّذِي تَكْرَهُونَهُ خَيْرًا كَثِيرًا، كَانَ جَائِزًا صَحِيحًا
٦ / ٥٣٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى. ﴿وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالِ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا﴾ [النساء: ٢٠] يَعْنِي جَلَّ ثناؤُهُ بِقَوْلِهِ، ﴿وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ﴾ [النساء: ٢٠] وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ نِكَاحَ امْرَأَةٍ مَكَانَ امْرَأَةٍ لَكُمْ تُطَلِّقُونَهَا ﴿وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ﴾ [النساء: ٢٠] يَقُولُ: وَقَدْ أَعْطَيْتُمُ الَّتِي تُرِيدُونَ طَلَاقَهَا مِنَ الْمَهْرِ قِنْطَارًا وَالْقِنْطَارُ: الْمَالُ الْكَثِيرُ. وَقَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا مَضَى اخْتِلَافَ أَهْلِ التَّأْوِيلِ فِي مَبْلَغِهِ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا ⦗٥٤٠⦘. ﴿فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا﴾ [النساء: ٢٠] يَقُولُ: فَلَا تَضُرُّوا بِهِنَّ إِذَا أَرَدْتُمْ طَلَاقَهُنَّ لِيَفْتَدِينَ مِنْكُمْ بِمَا آتَيْتُمُوهُنَّ
٦ / ٥٣٩
كَمَا: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ﴾ [النساء: ٢٠] «طَلَاقَ امْرَأَةٍ مَكَانَ أُخْرَى، فَلَا يَحِلُّ لَهُ مِنْ مَالِ الْمُطَلَّقَةِ شَيْءٌ وَإِنْ كَثُرَ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
٦ / ٥٤٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى. ﴿أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا﴾ [النساء: ٢٠] يَعْنِي بِقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿أَتَأْخُذُونَهُ﴾ [النساء: ٢٠] أَتَأْخُذُونَ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ مِنْ مُهُورِهِنَّ ﴿بُهْتَانًا﴾ [النساء: ٢٠] يَقُولُ، ظُلْمًا بِغَيْرِ حَقٍّ، ﴿وَإِثْمًا مُبِينًا﴾ [النساء: ٢٠] يَعْنِي: وَإِثْمًا قَدْ أَبَانَ أَمْرَ آخِذِهِ أَنَّهُ بِأَخْذِهِ إِيَّاهُ لِمَنْ أَخَذَهُ مِنْهُ ظَالِمٌ
٦ / ٥٤٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا﴾ [النساء: ٢١] يَعْنِي جَلَّ ثناؤُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ﴾ [النساء: ٢١] وَعَلَى أَيِّ وَجْهٍ تَأْخُذُونَ مِنْ نِسَائِكُمْ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ مِنْ صَدُقَاتِهِنَّ إِذَا أَرَدْتُمْ طَلَاقَهُنَّ وَاسْتِبْدَالَ غَيْرِهِنَّ بِهِنَّ أَزْوَاجًا، وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضِكُمْ فَتَبَاشَرْتُمْ وَتَلَامَسْتُمْ، وَهَذَا كَلَامٌ وَإِنْ كَانَ مَخْرَجُهُ مَخْرَجَ الِاسْتِفْهَامِ فَإِنَّهُ فِي مَعْنَى النَّكِيرِ وَالتَّغْلِيظِ، كَمَا يَقُولُ الرَّجُلُ لِآخَرَ: كَيْفَ تَفْعَلُ كَذَا وَكَذَا وَأَنَا غَيْرُ رَاضٍ بِهِ؟ عَلَى مَعْنَى التَّهْدِيدِ وَالْوَعِيدِ،
٦ / ٥٤٠
وَأَمَّا الْإِفْضَاءُ إِلَى الشَّيْءِ فَإِنَّهُ الْوُصُولُ إِلَيْهِ بِالْمُبَاشَرَةِ لَهُ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الطويل] بِلًى. . . . أَفْضَى إِلَى كُتْبَةٍ … بَدَا سَيْرُهَا مِنْ بَاطِنٍ بَعْدَ ظَاهِرِ
يَعْنِي بِذَلِكَ: أَنَّ الْفَسَادَ وَالْبِلَى وَصَلَ إِلَى الْخَرَزِ. وَالَّذِي عُنِيَ بِهِ الْإِفْضَاءُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: الْجِمَاعُ فِي الْفَرَجِ. فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ إِذْ كَانَ ذَلِكَ مَعْنَاهُ: وَكَيْفَ تَأْخُذُونَ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ بِالْجِمَاعِ؟ . وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ
[البحر الطويل] بِلًى. . . . أَفْضَى إِلَى كُتْبَةٍ … بَدَا سَيْرُهَا مِنْ بَاطِنٍ بَعْدَ ظَاهِرِ
يَعْنِي بِذَلِكَ: أَنَّ الْفَسَادَ وَالْبِلَى وَصَلَ إِلَى الْخَرَزِ. وَالَّذِي عُنِيَ بِهِ الْإِفْضَاءُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: الْجِمَاعُ فِي الْفَرَجِ. فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ إِذْ كَانَ ذَلِكَ مَعْنَاهُ: وَكَيْفَ تَأْخُذُونَ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ بِالْجِمَاعِ؟ . وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ
٦ / ٥٤١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ بَيَانٍ الْقَنَّادُ، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «الْإِفْضَاءُ: الْمُبَاشَرَةُ، وَلَكِنَّ اللَّهَ كَرِيمٌ يُكَنِّي عَمَّا يَشَاءُ»
٦ / ٥٤١
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ بَكْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «الْإِفْضَاءُ: الْجِمَاعُ، وَلَكِنَّ اللَّهَ يُكَنِّي»
٦ / ٥٤١
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ، ⦗٥٤٢⦘ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «الْإِفْضَاءُ: هُوَ الْجِمَاعُ»
٦ / ٥٤١
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ﴾ [النساء: ٢١] قَالَ: «مُجَامَعَةُ النِّسَاءِ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
٦ / ٥٤٢
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ﴾ [النساء: ٢١] «يَعْنِي الْمُجَامَعَةَ»
٦ / ٥٤٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا﴾ [النساء: ٢١] أَيْ مَا وَثَّقْتَ بِهِ لَهُنَّ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مِنْ عَهْدٍ، وَإِقْرَارٍ مِنْكُمْ بِمَا أَقْرَرْتُمْ بِهِ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مِنْ إِمْسَاكِهِنَّ بِمَعْرُوفٍ، أَوْ تَسْرِيحِهِنَّ بِإِحْسَانٍ، وَكَانَ فِي عَقْدِ الْمُسْلِمِينَ النِّكَاحُ قَدِيمًا فِيمَا بَلَغَنَا أَنْ يُقَالَ لِلنَّاكِحِ: اللَّهَ عَلَيْكَ لَتُمْسِكَنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ لَتُسَرِّحَنَّ بِإِحْسَانٍ
٦ / ٥٤٢
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا﴾ [النساء: ٢١] وَالْمِيثَاقُ الْغَلِيظُ الَّذِي أَخَذَهُ لِلنِّسَاءِ عَلَى الرِّجَالِ: إِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ، وَقَدْ كَانَ فِي عَهْدِ الْمُسْلِمِينَ عِنْدَ ⦗٥٤٣⦘ إِنْكَاحِهِمْ آللَّهِ عَلَيْكَ لَتُمْسِكَنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ لَتُسَرِّحَنَّ بِإِحْسَانٍ ” وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمِيثَاقِ الَّذِي عَنَى اللَّهُ جَلَّ ثناؤُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا﴾ [النساء: ٢١] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ إِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ، أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ
٦ / ٥٤٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا جُوَيْبِرٌ، عَنِ الضَّحَّاكِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا﴾ [النساء: ٢١] قَالَ: «إِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ، أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، مِثْلَهُ
٦ / ٥٤٣
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا﴾ [النساء: ٢١] قَالَ: «هُوَ مَا أَخَذَ اللَّهُ تبارك وتعالى لِلنِّسَاءِ عَلَى الرِّجَالِ، فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ، قَالَ: وَقَدْ كَانَ ذَلِكَ يُؤْخَذُ عِنْدَ عَقْدِ النِّكَاحِ»
٦ / ٥٤٣
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: أَمَّا ﴿وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا﴾ [النساء: ٢١] «فَهُوَ أَنْ يَنْكِحَ الْمَرْأَةَ فَيَقُولَ ⦗٥٤٤⦘ وَلِيُّهَا: أَنْكَحْنَاكَهَا بِأَمَانَةِ اللَّهِ، عَلَى أَنْ تُمْسِكَهَا بِالْمَعْرُوفِ أَوْ تُسَرِّحَهَا بِإِحْسَانٍ»
٦ / ٥٤٣
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا﴾ [النساء: ٢١] قَالَ: «الْمِيثَاقُ الْغَلِيظُ الَّذِي أَخَذَهُ اللَّهُ لِلنِّسَاءِ: إِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ، وَكَانَ فِي عُقْدَةِ الْمُسْلِمِينَ عِنْدَ نِكَاحِهِنَّ: ايْمُ اللَّهِ عَلَيْكَ لَتُمْسِكَنَّ بِمَعْرُوفٍ، وَلَتُسَرِّحَنَّ بِإِحْسَانٍ»
٦ / ٥٤٤
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: ثنا أَبُو قُتَيْبَةَ، قَالَ: ثنا أَبُو بَكْرٍ الْهُذَلِيُّ، عَنِ الْحَسَنِ، وَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا﴾ [النساء: ٢١] قَالَ: «إِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ، أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ» وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ كَلِمَةُ النِّكَاحِ الَّتِي اسْتَحَلَّ بِهَا الْفَرَجَ
٦ / ٥٤٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا﴾ [النساء: ٢١] قَالَ: «كَلِمَةُ النِّكَاحِ الَّتِي اسْتَحَلَّ بِهَا فُرُوجَهُنَّ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نحيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
٦ / ٥٤٤
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي هَاشِمٍ الْمَكِّيِّ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا﴾ [النساء: ٢١] قَالَ: «قَوْلُهُ نَكَحْتُ»
٦ / ٥٤٥
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، قَالَ: ثنا عَنْبَسَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ: ﴿وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا﴾ [النساء: ٢١] قَالَ: «هُوَ قَوْلُهُمْ: قَدْ مَلَكْتُ النِّكَاحَ»
٦ / ٥٤٥
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ سَالِمٍ الْأَفْطَسِ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا﴾ [النساء: ٢١] قَالَ: «كَلِمَةُ النِّكَاحِ»
٦ / ٥٤٥
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا﴾ [النساء: ٢١] قَالَ: «الْمِيثَاقُ النِّكَاحُ»
٦ / ٥٤٥
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، قَالَ: ثني سَالِمٌ الْأَفْطَسُ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا﴾ [النساء: ٢١] قَالَ: «كَلِمَةُ النِّكَاحِ قَوْلُهُ نَكَحْتُ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عَنَى قَوْلَ النَّبِيِّ ﷺ: وَأَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللَّهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ
٦ / ٥٤٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ جَابِرٍ، وَعِكْرِمَةَ ⦗٥٤٦⦘: ﴿وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا﴾ [النساء: ٢١] قَالَا: «أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللَّهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ»
٦ / ٥٤٥
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ: ﴿وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا﴾ [النساء: ٢١] «وَالْمِيثَاقُ الْغَلِيظُ: أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللَّهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ بِتَأْوِيلِ ذَلِكَ قَوْلُ مَنْ قَالَ: الْمِيثَاقُ الَّذِي عُنِيَ بِهِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، هُوَ مَا أُخِذَ لِلْمَرْأَةِ عَلَى زَوْجِهَا عِنْدَ عُقْدَةِ النِّكَاحِ، مِنْ عَهْدٍ عَلَى إِمْسَاكِهَا بِمَعْرُوفٍ، أَوْ تَسْرِيحِهَا بِإِحْسَانٍ، فَأَقَرَّ بِهِ الرَّجُلُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثناؤُهُ بِذَلِكَ أَوْصَى الرِّجَالَ فِي نِسَائِهِمْ وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْمِيثَاقِ فِيمَا مَضَى قَبْلُ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ. وَاخْتُلِفَ فِي حُكْمِ هَذِهِ الْآيَةِ، أَمُحْكَمٌ أَمْ مَنْسُوخٌ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مُحْكَمٌ، وَغَيْرُ جَائِزٍ لِلرَّجُلِ أَخْذُ شَيْءٍ مِمَّا أَتَاهَا إِذَا أَرَادَ طَلَاقَهَا، إِلَّا أَنْ تَكُونَ هِيَ الْمُرِيدَةُ الطَّلَاقَ. وَقَالَ آخَرُونَ: هِيَ مُحْكَمَةٌ، غَيْرُ جَائِزٍ لَهُ أَخْذُ شَيْءٍ مِمَّا آتَاهَا مِنْهَا بِحَالٍ، كَانَتْ هِيَ الْمُرِيدَةُ لِلطَّلَاقِ أَوْ هُوَ، وَمِمَّنْ حُكِيَ عَنْهُ هَذَا الْقَوْلُ بَكْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُزَنِيِّ
٦ / ٥٤٦
حَدَّثَنَا مُجَاهِدُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: ثنا عَبْدُ الصَّمَدِ، قَالَ: ثنا عُقْبَةُ بْنُ أَبِي الْمُهَنَّا، قَالَ: سَأَلْتُ بِكْرًا عَنِ الْمُخْتَلِعَةِ، أَيَأَخُذُ مِنْهَا شَيْئًا؟ قَالَ: «لَا» ﴿وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا﴾ [النساء: ٢١] وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ هِيَ مَنْسُوخَةٌ نَسَخَهَا قَوْلُهُ: ﴿وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ﴾ [البقرة: ٢٢٩]
٦ / ٥٤٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ﴾ [النساء: ٢٠] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا﴾ [النساء: ٢١] قَالَ: «ثُمَّ رَخَّصَ بَعْدُ» فَقَالَ: ﴿وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ﴾ [البقرة: ٢٢٩] ” قَالَ: «فَنَسَخَتْ هَذِهِ تِلْكَ» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ قَوْلُ مَنْ قَالَ: إِنَّهَا مُحْكَمَةٌ غَيْرُ مَنْسُوخَةٍ، وَغَيْرُ جَائِزٍ لِلرَّجُلِ أَخْذُ شَيْءٍ مِمَّا آتَاهَا إِذَا أَرَادَ طَلَاقَهَا مِنْ غَيْرِ نُشُوزٍ كَانَ مِنْهَا، وَلَا رِيبَةٍ أَتَتْ بِهَا، وَذَلِكَ أَنَّ النَّاسِخَ مِنَ الْأَحْكَامِ، مَا نَفَى خِلَافَهُ مِنَ الْأَحْكَامِ، عَلَى مَا قَدْ بَيَّنَّا فِي سَائِرِ كُتُبِنَا، وَلَيْسَ قَوْلُهُ: ﴿وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ
٦ / ٥٤٧
زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ﴾ [النساء: ٢٠] نَفْيَ حُكْمِ قَوْلِهِ: ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ﴾ [البقرة: ٢٢٩] لِأَنَّ الَّذِي حَرَّمَ اللَّهُ عَلَى الرَّجُلِ بِقَوْلِهِ: ﴿وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا﴾ [النساء: ٢٠] أَخْذُ مَا آتَاهَا مِنْهَا إِذَا كَانَ هُوَ الْمُرِيدَ طَلَاقَهَا. وَأَمَّا الَّذِي أَبَاحَ لَهُ أَخْذَهُ مِنْهَا بِقَوْلِهِ: ﴿فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ﴾ [البقرة: ٢٢٩] فَهُوَ إِذَا كَانَتْ هِيَ الْمُرِيدَةُ طَلَاقَهُ، وَهُوَ كَارِهٌ لَهُ بِبَعْضِ الْمَعَانِي الَّتِي قَدْ ذَكَرْنَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، وَلَيْسَ فِي حُكْمِ إِحْدَى الْآيَتَيْنِ نَفْيُ حُكْمِ الْأُخْرَى، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُحْكَمَ لِإِحْدَاهُمَا بِأَنَّهَا نَاسِخَةٌ، وَلِلْأُخْرَى بِأَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ، إِلَّا بِحُجَّةٍ يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهَا. وَأَمَّا مَا قَالَهُ بَكْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيُّ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ لِزَوْجِ الْمُخْتَلِعَةِ أَخْذُ مَا أَعْطَتْهُ عَلَى فِرَاقِهِ إِيَّاهَا إِذَا كَانَتْ هِيَ الطَّالِبَةَ الْفُرْقَةَ وَهُوَ الْكَارِهَ، فَلَيْسَ بِصَوَابٍ لِصِحَّةِ الْخَبَرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِأَنَّهُ أَمَرَ ثَابِتَ بْنَ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ بِأَخْذِ مَا كَانَ سَاقَ إِلَى زَوْجَتِهِ وَفِرَاقِهَا أَنْ طَلَبَتْ فِرَاقَهُ، وَكَانَ النُّشُوزُ مِنْ قِبَلِهَا
٦ / ٥٤٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا﴾ [النساء: ٢٢] قَدْ ذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ كَانُوا يَخْلُفُونَ عَلَى حَلَائِلِ آبَائِهِمْ، فَجَاءَ الْإِسْلَامُ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ، فَحَرَّمَ اللَّهُ تبارك وتعالى عَلَيْهِمُ الْمُقَامَ عَلَيْهِنَّ، وَعَفَا لَهُمْ ⦗٥٤٩⦘ عَمَّا كَانَ سَلَفَ مِنْهُمْ فِي جَاهِلِيَّتِهِمْ وَشِرْكِهِمْ مِنْ فِعْلِ ذَلِكَ لَمْ يُؤَاخِذْهُمْ بِهِ إِنْ هُمُ اتَّقَوُا اللَّهَ فِي إِسْلَامِهِمْ وَأَطَاعُوهُ فِيهِ
٦ / ٥٤٨
ذِكْرُ الْأَخْبَارِ الَّتِي رُوِيَتْ فِي ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُخَرِّمِيُّ، قَالَ: ثنا قُرَادٌ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُيَيْنَةَ، وَعَمْرٌو، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يُحَرِّمُونَ مَا يُحَرَّمُ إِلَّا امْرَأَةَ الْأَبِ، وَالْجَمْعَ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ» قَالَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ﴾ [النساء: ٢٢] ﴿وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ﴾ [النساء: ٢٣]
٦ / ٥٤٩
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ﴾ [النساء: ٢٢] الْآيَةَ، قَالَ: «كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ، إِلَّا أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ يُخَلَّفُ عَلَى حَلِيلَةِ أَبِيهِ، وَيَجْمَعُونَ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ» فَمِنْ ثَمَّ قَالَ اللَّهُ: ﴿وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ﴾ [النساء: ٢٢]
٦ / ٥٤٩
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ﴾ [النساء: ٢٢] قَالَ: «نَزَلَتْ فِي أَبِي قَيْسِ بْنِ الْأَسْلَتِ خُلِّفَ عَلَى أُمِّ عُبَيْدٍ بِنْتِ ضَمْرَةَ، كَانَتْ تَحْتَ الْأَسْلَتِ أَبِيهِ، وَفِي الْأَسْوَدِ بْنِ خَلَفٍ، وَكَانَ خُلِّفَ عَلَى بِنْتِ ⦗٥٥٠⦘ أَبِي طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الدَّارِ، وَكَانَتْ عِنْدَ أَبِيهِ خَلَفٍ، وَفِي فَاخِتَةَ بِنْتِ الْأَسْوَدِ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ أَسَدٍ، وَكَانَتْ عِنْدَ أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ، فَخَلَّفَ عَلَيْهَا صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ، وَفِي مَنْظُورِ بْنِ رَبَابٍ، وَكَانَ خُلِّفَ عَلَى مُلَيْكَةَ ابْنَةِ خَارِجَةَ، وَكَانَتْ عِنْدَ أَبِيهِ رَبَابِ بْنِ سَيَّارٍ»
٦ / ٥٤٩
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قُلْتُ لِعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ: «الرَّجُلُ يَنْكِحُ الْمَرْأَةَ ثُمَّ لَا يَرَاهَا حَتَّى يُطَلِّقَهَا، أَتَحِلُّ لِابْنِهِ»؟ قَالَ: «هِيَ مُرْسَلَةٌ»، قَالَ اللَّهَ تَعَالَى: ﴿وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ﴾ [النساء: ٢٢] قَالَ: قُلْتَ لِعَطَاءٍ: مَا قَوْلُهُ: ﴿إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ﴾ [النساء: ٢٢] قَالَ: «كَانَ الْأَبْنَاءُ يَنْكِحُونَ نِسَاءَ آبَائِهِمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ»
٦ / ٥٥٠
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ﴾ [النساء: ٢٢] الْآيَةَ، يَقُولُ: «كُلَّ امْرَأَةٍ تَزَوَّجَهَا أَبُوكَ وَابْنُكَ دَخَلَ أَوْ لَمْ يَدْخُلْ فَهِيَ عَلَيْكَ حَرَامٌ» وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ﴾ [النساء: ٢٢] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: لَكِنْ مَا قَدْ سَلَفَ فَدَعُوهُ، وَقَالُوا: هُوَ مِنَ الِاسْتِثْنَاءِ الْمُنْقَطِعِ، وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَلَا تَنْكِحُوا نِكَاحَ آبَائِكُمْ، بِمَعْنَى: وَلَا تَنْكِحُوا ⦗٥٥١⦘ كَنِكَاحِهِمْ كَمَا نَكَحُوا عَلَى الْوُجُوهِ الْفَاسِدَةِ الَّتِي لَا يَجُوزُ مِثْلُهَا فِي الْإِسْلَامِ، ﴿إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا﴾ [النساء: ٢٢] يَعْنِي أَنَّ نِكَاحَ آبَائِكُمُ الَّذِي كَانُوا يَنْكِحُونَهُ فِي جَاهِلِيَّتِهِمْ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا، إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ مِنْكُمْ فِي جَاهِلِيَّتِكُمْ مِنْ نِكَاحٍ لَا يَجُوزُ ابْتِدَاءُ مِثْلِهِ فِي الْإِسْلَامِ، فَإِنَّهُ مُعْفُوًّ لَكُمْ عَنْهُ. وَقَالُوا: قَوْلُهُ: ﴿وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ﴾ [النساء: ٢٢] كَقَوْلِ الْقَائِلِ لِلرَّجُلِ: لَا تَفْعَلْ مَا فَعَلْتُ، وَلَا تَأْكُلْ مَا أَكَلْتُ بِمَعْنَى: وَلَا تَأْكُلْ كَمَا أَكَلْتُ، وَلَا تَفْعَلْ كَمَا فَعَلْتُ. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ بِالنِّكَاحِ الْجَائِزِ كَانَ عَقْدُهُ بَيْنَهُمْ، إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ مِنْهُمْ مِنْ وُجُوهِ الزِّنَا عِنْدَهُمْ، فَإِنَّ نِكَاحَهُنَّ لَكُمْ حَلَالٌ كَانَ لِأَنَّهُنَّ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ حَلَائِلُ، وَإِنَّمَا مَا كَانَ مِنْ آبَائِكُمْ مِنْهُنَّ مِنْ ذَلِكَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا
٦ / ٥٥٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ﴾ [النساء: ٢٢] الْآيَةَ، قَالَ: «الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا، فَزَادَ هَاهُنَا الْمَقْتَ» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ عَلَى مَا قَالَهُ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي
٦ / ٥٥١
تَأْوِيلِهِ، أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ: وَلَا تَنْكِحُوا مِنَ النِّسَاءِ نِكَاحَ آبَائِكُمْ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ مِنْكُمْ، فَمَضَى فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَإِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا، فَيَكُونُ قَوْلُهُ: ﴿مِنَ النِّسَاءِ﴾ [آل عمران: ١٤] مِنْ صِلَةِ قَوْلِهِ: ﴿وَلَا تَنْكِحُوا﴾ [البقرة: ٢٢١] وَيَكُونُ قَوْلُهُ: ﴿مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ﴾ [النساء: ٢٢] بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ، وَيَكُونُ قَوْلُهُ: ﴿إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ﴾ [النساء: ٢٢] بِمَعْنَى الِاسْتِثْنَاءِ الْمُنْقَطِعِ؛ لِأَنَّهُ يَحْسُنُ فِي مَوْضِعِهِ: لَكِنْ مَا قَدْ سَلَفَ فَمَضَى، ﴿إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا﴾ [النساء: ٢٢] فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَكَيْفَ يَكُونُ هَذَا الْقَوْلُ مُوَافِقًا قَوْلَ مَنْ ذَكَرْتَ قَوْلَهُ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ، وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ الَّذِينَ ذَكَرْتَ قَوْلَهُمْ فِي ذَلِكَ، إِنَّمَا قَالُوا: أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي النَّهْيِ عَنْ نِكَاحِ حَلَائِلِ الْآبَاءِ، وَأَنْتَ تَذْكُرُ أَنَّهُمْ إِنَّمَا نُهُوا أَنْ يَنْكِحُوا نِكَاحَهُمْ؟ قِيلَ لَهُ: وَإِنْ قُلْنَا: إِنَّ ذَلِكَ هُوَ التَّأْوِيلُ الْمُوَافِقُ لِظَاهِرِ التَّنْزِيلِ، إِذْ كَانَتْ مَا فِي كَلَامِ الْعَرَبِ لِغَيْرِ بَنِي آدَمَ، وَإِنَّهُ لَوْ كَانَ الْمَقْصُودُ بِذَلِكَ النَّهْيَ عَنْ حَلَائِلِ الْآبَاءِ دُونَ سَائِرِ مَا كَانَ مِنْ مَنَاكِحِ آبَائِهِمْ حَرَامًا، ابْتُدِئَ مِثْلُهُ فِي الْإِسْلَامِ، بِنَهْيِ اللَّهِ جَلَّ ثناؤُهُ عَنْهُ، لَقِيلَ: وَلَا تَنْكِحُوا مَنْ نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، إِذْ كَانَ «مَنْ» لِبَنِي آدَمَ «وَمَا» لِغَيْرِهِمْ، وَلَا تَقُلْ: وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ، فَإِنَّهُ يَدْخُلُ فِي «مَا» مَا كَانَ مِنْ مَنَاكِحِ آبَائِهِمُ الَّتِي كَانُوا يَتَنَاكُحُونَهَا فِي جَاهِلِيَّتِهِمْ، فَحُرِّمَ عَلَيْهِمْ فِي الْإِسْلَامِ بِهَذِهِ الْآيَةِ نِكَاحُ حَلَائِلِ الْآبَاءِ، وَكُلُّ نِكَاحٍ
٦ / ٥٥٢
سِوَاهُ، نَهَى اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ ابْتِدَاءَ مِثْلِهِ فِي الْإِسْلَامِ، مِمَّا كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَتَنَاكَحُونَهُ فِي شِرْكِهِمْ. وَمَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ﴾ [النساء: ٢٢] إِلَّا مَا قَدْ مَضَى، ﴿إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً﴾ [النساء: ٢٢] يَقُولُ: إِنَّ نِكَاحَكُمُ الَّذِي سَلَفَ مِنْكُمْ، كَنِكَاحِ آبَائِكُمُ الْمُحَرَّمِ عَلَيْكُمُ ابْتِدَاءُ مِثْلِهِ فِي الْإِسْلَامِ بَعْدَ تَحْرِيمِي ذَلِكَ عَلَيْكُمْ فَاحِشَةٌ، يَقُولُ: مَعْصِيَةٌ ﴿وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا﴾ [النساء: ٢٢] أَيْ بِئْسَ طَرِيقًا وَمَنْهَجًا مَا كُنْتُمْ تَفْعَلُونَ فِي جَاهِلِيَّتِكُمْ مِنَ الْمَنَاكِحِ الَّتِي كُنْتُمْ تَتَنَاكَحُونَهَا
٦ / ٥٥٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنِ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [النساء: ٢٣] يَعْنِي بِذَلِكَ تَعَالَى ذِكْرُهُ: حُرِّمَ عَلَيْكُمْ نِكَاحُ أُمَّهَاتِكُمْ، فَتَرَكَ ذِكْرَ النِّكَاحَ اكْتِفَاءً بِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ
٦ / ٥٥٣
وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ فِي ذَلِكَ مَا: حَدَّثَنَا بِهِ أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَجَاءٍ، عَنْ عُمَيْرٍ، مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «حُرِّمَ مِنَ النَّسَبِ سَبْعٌ، وَمِنَ الصِّهْرِ سَبْعٌ» ثُمَّ قَرَأَ: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ﴾ [النساء: ٢٣] حَتَّى بَلَغَ: ﴿وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ﴾ [النساء: ٢٣] قَالَ: وَالسَّابِعَةُ ﴿وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ ⦗٥٥٤⦘ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ﴾ [النساء: ٢٢]
٦ / ٥٥٣
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا مُؤَمَّلٌ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَجَاءٍ، عَنْ عُمَيْرٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «يُحَرَّمُ مِنَ النَّسَبِ سَبْعٌ، وَمِنَ الصِّهْرِ سَبْعٌ» ثُمَّ قَرَأَ: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ﴾ [النساء: ٢٣] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ [النساء: ٢٤] ” حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ مَرَّةً أُخْرَى، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَجَاءٍ، عَنْ عُمَيْرٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، مِثْلَهُ حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِنَحْوِهِ
٦ / ٥٥٤
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ حَبِيبٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «حُرِّمَ عَلَيْكُمْ سَبْعٌ نَسَبًا وَسَبْعٌ صِهْرًا» ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ﴾ [النساء: ٢٣] الْآيَةَ
٦ / ٥٥٤
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ ثنا أَبِي، عَنْ عَلِيِّ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ ⦗٥٥٥⦘ وَأَخَوَاتُكُمْ﴾ [النساء: ٢٣] قَالَ: «حَرَّمَ اللَّهُ مِنَ النَّسَبِ سَبْعًا، وَمِنَ الصِّهْرِ سَبْعًا» ثُمَّ قَرَأَ: ﴿وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمْ﴾ [النساء: ٢٣] الْآيَةَ
٦ / ٥٥٤
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سَالِمٍ، مَوْلَى الْأَنْصَارِ، قَالَ: «حُرِّمَ مِنَ النَّسَبِ سَبْعٌ، وَمِنَ الصِّهْرِ سَبْعٌ»: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ، وَبَنَاتُكُمْ، وَأَخَوَاتُكُمْ، وَعَمَّاتُكُمْ، وَخَالَاتُكُمْ، وَبَنَاتُ الْأَخِ، وَبَنَاتُ الْأُخْتِ﴾ [النساء: ٢٣]، «وَمِنَ الصِّهْرِ»: ﴿أُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ، وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ، وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ، وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ﴾ [النساء: ٢٣] مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ، فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ، فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ، وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ، وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ، ثُمَّ قَالَ: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ [النساء: ٢٤]، ﴿وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ﴾ [النساء: ٢٢] «فَكُلُّ هَؤُلَاءِ اللَّوَاتِي سَمَّاهُنَّ اللَّهُ تَعَالَى وَبَيَّنَ تَحْرِيمَهُنَّ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مُحْرِمَاتٌ غَيْرُ جَائِزٍ نِكَاحُهُنَّ لِمَنْ حَرَّمَ اللَّهُ ذَلِكَ عَلَيْهِ مِنَ الرِّجَالِ، بِإِجْمَاعِ جَمِيعِ الْأُمَّةِ، لَا اخْتِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي ذَلِكَ، إِلَّا فِي أُمَّهَاتِ نِسَائِنَا اللَّوَاتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهِنَّ أَزْوَاجُهُنَّ، فَإِنَّ فِي نِكَاحِهِنَّ اخْتِلَافًا بَيْنَ بَعْضِ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنَ الصَّحَابَةِ إِذَا بَانَتِ الِابْنَةُ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا مِنْ زَوْجِهَا، هَلْ هُنَّ مِنَ الْمُبْهَمَاتِ، أَمْ هُنَّ مِنَ الْمَشْرُوطِ ⦗٥٥٦⦘ فِيهِنَّ الدُّخُولُ بِبَنَاتِهِنَّ؟ فَقَالَ جَمِيعُ أَهْلِ الْعِلْمِ مُتَقَدِّمُهُمْ وَمُتَأَخِّرُهُمْ: مِنَ الْمُبْهَمَاتِ، وَحَرَامٌ عَلَى مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً أُمُّهَا دَخَلَ بِامْرَأَتِهِ الَّتِي نَكَحَهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا، وَقَالُوا: شَرْطُ الدُّخُولِ فِي الرَّبِيبَةِ دُونَ الْأُمِّ، فَأَمَّا أُمُّ الْمَرْأَةِ فَمُطْلَقَةٌ بِالتَّحْرِيمِ، قَالُوا: وَلَوْ جَازَ أَنْ يَكُونَ شَرْطُ الدُّخُولِ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ﴾ [النساء: ٢٣] فَوُضِعَ مَوْصُولًا بِهِ قَوْلُهُ: ﴿وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ﴾ [النساء: ٢٣] جَازَ أَنْ يَكُونَ الِاسْتِثْنَاءُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ [النساء: ٢٤] مِنْ جَمِيعِ الْمُحَرَّمَاتِ بِقَوْلِهِ: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ﴾ [النساء: ٢٣] الْآيَةَ، قَالُوا: وَفِي إِجْمَاعِ الْجَمِيعِ عَلَى أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ فِي ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ مِمَّا وَلِيَهُ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ﴾ [النساء: ٢٤] أَبْيَنُ الدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ الشَّرْطَ فِي قَوْلِهِ: ﴿مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ﴾ [النساء: ٢٣] مِمَّا وَلِيَهُ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ﴾ [النساء: ٢٣] دُونَ أُمَّهَاتِ نِسَائِنَا» وَرُوِيَ عَنْ بَعْضِ الْمُتَقَدِّمِينَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: حَلَالٌ نِكَاحُ أُمَّهَاتِ نِسَائِنَا اللَّوَاتِي لَمْ نَدْخُلْ بِهِنَّ، وَأَنَّ حُكْمَهُنَّ فِي ذَلِكَ حُكْمُ الرَّبَائِبِ
٦ / ٥٥٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، وَعَبْدُ الْأَعْلَى، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ خِلَاسِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ عَلِيٍّ، رضي الله عنه: فِي رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَطَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا، أَيَتَزَوَّجُ أُمَّهَا؟ قَالَ: «هِيَ بِمَنْزِلَةِ الرَّبِيبَةِ»
٦ / ٥٥٦
حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، قَالَ: ثنا قَتَادَةُ، عَنْ خِلَاسٍ، عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه، قَالَ: «هِيَ بِمَنْزِلَةِ الرَّبِيبَةِ»
٦ / ٥٥٧
حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، قَالَا: ثنا قَتَادَةُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: «إِذَا مَاتَتْ عِنْدَهُ، وَأَخَذَ مِيرَاثَهَا، كُرِهَ أَنْ يُخْلَفَ عَلَى أُمِّهَا، وَإِذَا طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا، فَإِنْ شَاءَ فَعَلَ»
٦ / ٥٥٧
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: «إِذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا فَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُمَّهَا»
٦ / ٥٥٧
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي عِكْرِمَةُ بْنُ خَالِدٍ، أَنَّ مُجَاهِدًا قَالَ لَهُ: ﴿وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ﴾ [النساء: ٢٣] أُرِيدَ بِهِمَا الدُّخُولُ جَمِيعًا ” قَالَ: أَبُو جَعْفَرٍ: وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَوْلَى بِالصَّوَابِ، أَعْنِي قَوْلَ مَنْ قَالَ: الْأُمُّ مِنَ الْمُبْهَمَاتِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَشْرِطْ مَعَهُنَّ الدُّخُولَ بِبِنَاتِهِنَّ، كَمَا شَرَطَ لَكَ مَعَ أُمَّهَاتِ الرَّبَائِبِ، مَعَ أَنَّ ذَلِكَ أَيْضًا إِجْمَاعٌ مِنَ الْحُجَّةِ الَّتِي لَا يَجُوزُ خِلَافُهَا فِيمَا جَاءَتْ بِهِ مُتَّفِقَةً عَلَيْهِ. وَقَدْ رُوِيَ بِذَلِكَ أَيْضًا عَنِ النَّبِيِّ ﷺ خَبَرٌ، غَيْرَ أَنَّ فِيَ إِسْنَادِهِ نَظَرًا
٦ / ٥٥٧
وَهُوَ مَا: حَدَّثَنَا بِهِ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا حِبَّانُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ⦗٥٥٨⦘ الْمُثَنَّى بْنُ الصَّبَّاحِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «إِذَا نَكَحَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُمَّهَا، دَخَلَ بِالِابْنَةِ أَمْ لَمْ يَدْخُلْ، وَإِذَا تَزَوَّجَ الْأُمَّ فَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا، فَإِنْ شَاءَ تَزَوَّجَ الِابْنَةَ» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَهَذَا خَبَرٌ وَإِنْ كَانَ فِي إِسْنَادِهِ مَا فِيهِ، فَإِنَّ فِي إِجْمَاعِ الْحُجَّةِ عَلَى صِحَّةِ الْقَوْلِ بِهِ مُسْتَغْنًى عَنِ الِاسْتِشْهَادِ عَلَى صِحَّتِهِ بِغَيْرِهِ
٦ / ٥٥٧
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ لِعَطَاءٍ: الرَّجُلُ يَنْكِحُ الْمَرْأَةَ لَمْ يَرَهَا، وَلَا يُجَامِعُهَا حَتَّى يُطَلِّقَهَا، أَيَحِلُّ لَهُ أُمُّهَا؟ قَالَ: «لَا هِيَ مُرْسَلَةٌ» قُلْتُ لِعَطَاءٍ: أَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقْرَأُ: «وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ»؟ قَالَ: «لَا تَبَرَّأَ» قَالَ حَجَّاجٌ: قُلْتُ لِابْنِ جُرَيْجٍ: مَا تَبَرَّأَ؟ قَالَ: كَأَنَّهُ قَالَ: لَا لَا وَأَمَّا الرَّبَائِبُ فَإِنَّهُ جَمْعُ رَبِيبَةٍ وَهِيَ ابْنَةُ امْرَأَةِ الرَّجُلِ، قِيلَ لَهَا رَبِيبَةٌ لِتَرْبِيَتِهِ إِيَّاهَا، وَإِنَّمَا هِيَ مَرْبُوبَةٌ صُرِفَتْ إِلَى رَبِيبَةٍ، كَمَا يُقَالُ: هِيَ قَبِيلَةٌ مِنْ مَقْبُولَةٍ، وَقَدْ يُقَالُ لِزَوْجِ الْمَرْأَةِ: هُوَ رَبِيبُ ابْنِ امْرَأَتِهِ، يَعْنِي بِهِ: هُوَ رَابُّهُ، كَمَا يُقَالُ: هُوَ جَابِرٌ وَجُبَيْرٌ، وَشَاهِدٌ وَشَهِيدٌ. ⦗٥٥٩⦘ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ﴾ [النساء: ٢٣] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى الدُّخُولِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: الْجِمَاعُ
٦ / ٥٥٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبَى طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ﴾ [النساء: ٢٣] «وَالدُّخُولُ: النِّكَاحُ» وَقَالَ آخَرُونَ: الدُّخُولُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: هُوَ التَّجْرِيدُ
٦ / ٥٥٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ، قَوْلُهُ: ﴿اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ﴾ [النساء: ٢٣] مَا الدُّخُولُ بِهِنَّ؟ قَالَ: «أَنْ تُهْدَى إِلَيْهِ فَيَكْشِفَ وَيَعْتَسَّ، وَيَجْلِسَ بَيْنَ رِجْلَيْهَا» قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إِنْ فَعَلَ ذَلِكَ فِي بَيْتِ أَهْلِهَا؟ قَالَ: «هُوَ سَوَاءٌ، وَحَسْبُهُ قَدْ حَرَّمَ ذَلِكَ عَلَيْهِ ابْنَتَهَا» قُلْتُ: تُحَرَّمُ الرَّبِيبَةُ مِمَّنْ يَصْنَعُ هَذَا بِأُمِّهَا إِلَّا مَا يَحْرُمُ عَلَيَّ مِنْ أَمَتِي إِنْ صَنَعْتُهُ بِأُمِّهَا؟ قَالَ: نَعَمْ سَوَاءٌ. قَالَ عَطَاءٌ: «إِذَا كَشَفَ الرَّجُلُ أَمَتَهُ وَجَلَسَ بَيْنَ رِجْلَيْهَا أَنْهَاهُ عَنْ أُمِّهَا وَابْنَتِهَا» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ عِنْدِي بِالصَّوَابِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، مَا قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، مِنْ أَنَّ مَعْنَى الدُّخُولِ: الْجِمَاعُ وَالنِّكَاحُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَخْلُو مَعْنَاهُ مِنْ أَحَدِ
٦ / ٥٥٩
أَمْرَيْنِ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى الظَّاهِرِ الْمُتَعَارَفِ مِنْ مَعَانِي الدُّخُولِ فِي النَّاسِ، وَهُوَ الْوُصُولُ إِلَيْهَا بِالْخَلْوَةِ بِهَا، أَوْ يَكُونُ بِمَعْنَى الْجِمَاعِ، وَفِي إِجْمَاعِ الْجَمِيعِ عَلَى أَنَّ خَلْوَةَ الرَّجُلِ بِامْرَأَتِهِ لَا يُحَرِّمُ عَلَيْهِ ابْنَتَهَا إِذَا طَلَّقَهَا قَبْلَ مَسِيسِهَا وَمُبَاشَرَتِهَا، أَوْ قَبْلَ النَّظَرِ إِلَى فَرْجِهَا بِالشَّهْوَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ: هُوَ الْوُصُولُ إِلَيْهَا بِالْجِمَاعِ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَمَعْلُومٌ أَنَّ الصَّحِيحَ مِنَ التَّأْوِيلِ فِي ذَلِكَ مَا قُلْنَاهُ
٦ / ٥٦٠
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ﴾ [النساء: ٢٣] فَإِنَّهُ يَقُولُ: فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا أَيُّهَا النَّاسُ دَخَلْتُمْ بِأُمَّهَاتِ رَبَائِبِكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ، فَجَامَعْتُمُوهُنَّ حَتَّى طَلَّقْتُمُوهُنَّ، ﴿فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ﴾ [البقرة: ٢٣٣] يَقُولُ: فَلَا حَرَجَ عَلَيْكُمْ فِي نِكَاحِ مَنْ كَانَ مِنْ رَبَائِبِكُمْ كَذَلِكَ
٦ / ٥٦٠
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ﴾ [النساء: ٢٣] فَإِنَّهُ يَعْنِي: وَأَزْوَاجُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكَمْ، وَهِيَ جَمْعُ حَلِيلَةٍ وَهِيَ امْرَأَتُهُ، وَقِيلَ: سَمِّيَتِ امْرَأَةُ الرَّجُلِ حَلِيلَتَهُ؛ لِأَنَّهَا تَحِلُّ مَعَهُ فِي فِرَاشٍ وَاحِدٍ، وَلَا خِلَافَ بَيْنَ جَمِيعِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ حَلِيلَةَ ابْنِ الرَّجُلِ حَرَامٌ عَلَيْهِ نِكَاحُهَا بِعَقْدِ ابْنِهِ عَلَيْهَا النِّكَاحَ، دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَمَا أَنْتَ قَائِلٌ فِي حَلَائِلِ الْأَبْنَاءِ مِنَ الرَّضَاعِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِنَّمَا حَرَّمَ حَلَائِلَ أَبْنَائِنَا مِنْ أَصْلَابِنَا؟ قِيلَ: إِنَّ حَلَائِلَ الْأَبْنَاءِ مِنَ الرَّضَاعِ، وَحَلَائِلَ الْأَبْنَاءِ مِنَ الْأَصْلَابِ سَوَاءٌ فِي التَّحْرِيمِ، وَإِنَّمَا قَالَ: ﴿وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ﴾ [النساء: ٢٣] لِأَنَّ مَعْنَاهُ: ⦗٥٦١⦘ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ وَلَدْتُمُوهُمْ دُونَ حَلَائِلِ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ تَبَنَّيْتُمُوهُمْ
٦ / ٥٦٠
كَمَا: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ﴾ [النساء: ٢٣] قَالَ: «كُنَّا نُحَدَّثُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي مُحَمَّدٍ ﷺ حِينَ نَكَحَ امْرَأَةَ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ، قَالَ الْمُشْرِكُونَ فِي ذَلِكَ» فَنَزَلَتْ: ﴿وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ﴾ [النساء: ٢٣] وَنَزَلَتْ: ﴿وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ﴾ [الأحزاب: ٤]، وَنَزَلَتْ: ﴿مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ﴾ [الأحزاب: ٤٠]
٦ / ٥٦١
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ﴾ [النساء: ٢٣] فَإِنَّ مَعْنَاهُ: وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ عِنْدَكُمْ بِنِكَاحٍ، فَ «أَنْ» فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ، كَأَنَّهُ قِيلَ: وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ ﴿إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ﴾ [النساء: ٢٢] لَكِنْ مَا قَدْ مَضَى مِنْكُمْ ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا﴾ [النساء: ٢٣] لِذُنُوبِ عِبَادِهِ إِذَا تَابُوا إِلَيْهِ مِنْهَا ﴿رَحِيمًا﴾ [النساء: ١٦] بِهِمْ فِيمَا كَلَّفَهُمْ مِنَ الْفَرَائِضِ وَخَفَّفَ عَنْهُمْ فَلَمْ يُحَمِّلْهُمْ فَوْقَ طَاقَتِهِمْ، يُخْبِرُ بِذَلِكَ جَلَّ ثناؤُهُ أَنَّهُ غَفُورٌ لِمَنْ كَانَ جَمَعَ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ بِنِكَاحٍ فِي جَاهِلِيَّتِهِ وَقَبْلَ تَحْرِيمِهِ ذَلِكَ، إِذَا اتَّقَى اللَّهَ تبارك وتعالى بَعْدَ تَحْرِيمِهِ ذَلِكَ عَلَيْهِ فَأَطَاعَهُ بِاجْتِنَابِهِ، رَحِيمٌ بِهِ وَبِغَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ طَاعَتِهِ مِنْ خَلْقِهِ
٦ / ٥٦١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ [النساء: ٢٤] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ، إِلَّا مَا مَلَكَتْ ⦗٥٦٢⦘ أَيْمَانُكُمْ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمُحْصَنَاتِ اللَّاتِي عَنَاهُنَّ اللَّهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُنَّ ذَوَاتُ الْأَزْوَاجِ غَيْرُ الْمَسْبِيَّاتِ مِنْهُنَّ. ومِلْكُ الْيَمِينِ: السَبَايَا اللَّوَاتِي فَرَّقَ بَيْنَهُنَّ وَبَيْنَ أَزْوَاجِهِنَّ السِّبَاءُ، فَحَلَلْنَ لِمَنْ صِرْنَ لَهُ بِمِلْكِ الْيَمِينِ مِنْ غَيْرِ طَلَاقٍ كَانَ مِنْ زَوْجِهَا الْحَرْبِيِّ لَهَا
٦ / ٥٦١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «كُلُّ ذَاتِ زَوْجٍ إِتْيَانُهَا زِنًا، إِلَّا مَا سَبَيْتَ» حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: ثنا ابْنُ عَطِيَّةَ قَالَ: ثنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، مِثْلَهُ
٦ / ٥٦٢
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ [النساء: ٢٤] يَقُولُ: «كُلُّ امْرَأَةٍ لَهَا زَوْجٌ فَهِيَ عَلَيْكَ حَرَامٌ، إِلَّا أَمَةً مَلَكْتَهَا وَلَهَا زَوْجٌ بِأَرْضِ الْحَرْبِ، فَهِيَ لَكَ حَلَالٌ إِذَا اسْتَبْرَأْتَهَا»
٦ / ٥٦٢
وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ [النساء: ٢٤] قَالَ: «مَا سَبَيْتُمْ مِنَ النِّسَاءِ، إِذَا سُبِيَتِ الْمَرْأَةُ وَلَهَا زَوْجٌ فِي قَوْمِهَا، فَلَا بَأْسَ أَنْ يَطَأَهَا»
٦ / ٥٦٣
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ [النساء: ٢٤] قَالَ: «كُلُّ امْرَأَةٍ مُحْصَنَةٍ لَهَا زَوْجٌ فَهِيَ مُحَرَّمَةٌ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِنَ السَّبْيِ وَهِيَ مُحْصَنَةٌ لَهَا زَوْجٌ، فَلَا تَحْرُمُ عَلَيْكَ بِهِ» . قَالَ: كَانَ أَبِي يَقُولُ ذَلِكَ
٦ / ٥٦٣
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عُتْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ الْحِمْصِيُّ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ مَكْحُولٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ [النساء: ٢٤] قَالَ: «السَبَايَا» وَاعْتَلَّ قَائِلُو هَذِهِ الْمَقَالَةِ بِالْأَخْبَارِ الَّتِي رُوِيَتْ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِيمَنْ سُبِيَ مِنْ أَوْطَاسٍ
٦ / ٥٦٣
ذِكْرُ الرِّوَايَةِ بِذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي الْخَلِيلِ، عَنْ أَبِي عَلْقَمَةَ الْهَاشِمِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ حُنَيْنٍ بَعَثَ جَيْشًا إِلَى أَوْطَاسٍ، فَلَقَوْا عَدُوًّا، فَأَصَابُوا سَبَايَا لَهُنَّ أَزْوَاجٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يَتَأَثَّمُونَ مِنْ غِشْيَانِهِنَّ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تبارك وتعالى هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ [النساء: ٢٤] أَيْ هُنَّ حَلَالٌ لَكُمْ إِذَا مَا انْقَضَتْ عِدَدَهُنَّ “
٦ / ٥٦٣
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: ثنا عَبْدُ الْأَعْلَى قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ صَالِحٍ أَبِي الْخَلِيلِ: أَنَّ أَبَا عَلْقَمَةَ الْهَاشِمِيَّ حَدَّثَ، أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ حَدَّثَ: أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ بَعَثَ يَوْمَ حُنَيْنٍ سَرِيَّةً، فَأَصَابُوا حَيًّا مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ يَوْمَ أَوْطَاسٍ، فَهَزَمُوهُمْ وَأَصَابُوا لَهُمْ سَبَايَا، فَكَانَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَتَأَثَّمُونَ مِنْ غِشْيَانِهِنَّ مِنْ أَجْلِ أَزْوَاجِهِنَّ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تبارك وتعالى ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ [النساء: ٢٤] مِنْهُنَّ فَحَلَالٌ لَكُمْ ذَلِكَ “
٦ / ٥٦٤
حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ الْكِنَانِيُّ قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَشْعَثَ بْنِ سَوَّارٍ، عَنْ عُثْمَانَ الْبَتِّيِّ، عَنْ أَبِي الْخَلِيلِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: لَمَّا سَبَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَهْلَ أَوْطَاسٍ، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ نَقْعُ عَلَى نِسَاءٍ قَدْ عَرَفْنَا أَنْسَابَهُنَّ وَأَزْوَاجَهُنَّ؟ قَالَ: فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ [النساء: ٢٤]
٦ / ٥٦٤
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنْ عُثْمَانَ الْبَتِّيِّ، عَنْ أَبِي الْخَلِيلِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: أَصَبْنَا نِسَاءً مِنْ سَبْيِ أَوْطَاسٍ لَهُنَّ أَزْوَاجٌ، فَكَرِهْنَا أَنْ نَقْعَ عَلَيْهِنَّ وَلَهُنَّ أَزْوَاجٌ، فَسَأَلْنَا النَّبِيَّ ﷺ، فَنَزَلَتْ: وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَاسْتَحْلَلْنَا فُرُوجَهُنَّ “
٦ / ٥٦٤
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ ⦗٥٦٥⦘ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي الْخَلِيلِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: نَزَلَتْ فِي يَوْمِ أَوْطَاسٍ، أَصَابَ الْمُسْلِمُونَ سَبَايَا لَهُنَّ أَزْوَاجٌ فِي الشِّرْكِ، فَقَالَ: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ [النساء: ٢٤] يَقُولُ: «إِلَّا مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ، قَالَ: فَاسْتَحْلَلْنَا بِهَا فُرُوجَهُنَّ» وَقَالَ آخَرُونَ مِمَّنْ قَالَ: الْمُحْصَنَاتُ ذَوَاتُ الْأَزْوَاجِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، بَلْ هُنَّ كُلُّ ذَاتِ زَوْجٍ مِنَ النِّسَاءِ حَرَامٌ عَلَى غَيْرِ أَزْوَاجِهِنَّ، إِلَّا أَنْ تَكُونَ مَمْلُوكَةً اشْتَرَاهَا مُشْتَرٍ مِنْ مَوْلَاهَا فَتَحِلُّ لِمُشْتَرِيهَا، وَيُبْطِلُ بَيْعُ سَيِّدِهَا إِيَّاهَا النِّكَاحَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا
٦ / ٥٦٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ، سَلْمُ بْنُ جُنَادَةَ قَالَ: ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ [النساء: ٢٤] قَالَ: «كُلُّ ذَاتِ زَوْجٍ عَلَيْكَ حَرَامٌ إِلَّا أَنْ تَشْتَرِيَهَا، أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ»
٦ / ٥٦٥
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ: أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْأَمَةِ تُبَاعُ وَلَهَا زَوْجٌ قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَقُولُ: «بَيْعُهَا طَلَاقُهَا،» وَيَتْلُو هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ [النساء: ٢٤]
٦ / ٥٦٥
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ فِي ⦗٥٦٦⦘ قَوْلِهِ: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ [النساء: ٢٤] قَالَ: «كُلُّ ذَاتِ زَوْجٍ عَلَيْكَ حَرَامٌ، إِلَّا مَا اشْتَرَيْتَ بِمَالِكَ» . وَكَانَ يَقُولُ: «بَيْعُ الْأَمَةِ: طَلَاقُهَا»
٦ / ٥٦٥
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، قَوْلُهُ: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ﴾ [النساء: ٢٤] قَالَ: «هُنَّ ذَوَاتُ الْأَزْوَاجِ، حَرَّمَ اللَّهُ نِكَاحِهِنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ، فَبَيْعُهَا طَلَاقُهَا. قَالَ مَعْمَرٌ: وَقَالَ الْحَسَنُ مِثْلَ ذَلِكَ»
٦ / ٥٦٦
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ [النساء: ٢٤] قَالَ: «إِذَا كَانَ لَهَا زَوْجٌ فَبَيْعُهَا طَلَاقُهَا»
٦ / ٥٦٦
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْأَعْلَى، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، أَنَّ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ، وَجَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، قَالُوا: «بَيْعُهَا طَلَاقُهَا»
٦ / ٥٦٦
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، أَنَّ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ، وَجَابِرًا، وَابْنَ عَبَّاسٍ، قَالُوا: «بَيْعُهَا طَلَاقُهَا»
٦ / ٥٦٦
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا عُمَرُ بْنُ عُبَيْدٍ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: «بَيْعُ الْأَمَةِ طَلَاقُهَا»
٦ / ٥٦٦
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ وَمُغِيرَةَ وَالْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: «بَيْعُ الْأَمَةِ طَلَاقُهَا» حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: ثنا مُؤَمَّلٌ قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، مِثْلَهُ حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، مِثْلَهُ
٦ / ٥٦٧
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «طَلَاقُ الْأَمَةِ سِتٌّ: بَيْعُهَا طَلَاقُهَا، وَعِتْقُهَا طَلَاقُهَا، وَهِبَتُهَا طَلَاقُهَا، وَبَرَاءَتُهَا طَلَاقُهَا، وَطَلَاقُ زَوْجِهَا طَلَاقُهَا»
٦ / ٥٦٧
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ الْحِمْصِيُّ، قَالَ: ثنا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عِيسَى بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: أَنَّهُ قَالَ: «بَيْعُ الْأَمَةِ طَلَاقُهَا»
٦ / ٥٦٧
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْأَعْلَى، عَنْ عَوْفٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: «بَيْعُ الْأَمَةِ طَلَاقُهَا، وَبَيْعُهُ طَلَاقُهَا»
٦ / ٥٦٧
حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ، قَالَ: ثنا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا خَالِدٌ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: «مُشْتَرِيهَا أَحَقُّ بِبُضْعِهَا» . يَعْنِي: الْأَمَةُ تُبَاعُ وَلَهَا زَوْجٌ
٦ / ٥٦٧
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثنا الْمُعْتَمِرُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: «طَلَاقُ الْأَمَةِ بَيْعُهَا»
٦ / ٥٦٨
حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ قَالَ: ثنا سُفْيَانُ بْنُ حَبِيبٍ قَالَ: ثنا يُونُسُ، عَنِ الْحَسَنِ أَنَّ أُبَيًّا قَالَ: «بَيْعُهَا طَلَاقُهَا»
٦ / ٥٦٨
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: «إِذَا بِيعَتِ الْأَمَةُ وَلَهَا زَوْجٌ فَسَيِّدُهَا أَحَقُّ بِبُضْعِهَا»
٦ / ٥٦٨
حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، قَالَ: ثني سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: “بَيْعُهَا طَلَاقُهَا. قَالَ: فَقِيلَ لِإِبْرَاهِيمَ: فَبَيْعُهُ؟ قَالَ: «ذَلِكَ مَا لَا نَقُولُ فِيهِ شَيْئًا» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى الْمُحْصَنَاتِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: الْعَفَائِفُ. قَالُوا: وَتَأْوِيلُ الْآيَةِ: وَالْعَفَائِفُ مِنَ النِّسَاءِ حَرَامٌ أَيْضًا عَلَيْكُمْ، إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْهُنَّ بِنِكَاحٍ وَصَدَاقٍ وَسُنَّةٍ وَشُهُودٍ مِنْ وَاحِدَةٍ إِلَى أَرْبَعٍ
٦ / ٥٦٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، قَالَ: يَقُولُ: «انْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ: مَثْنَى، وَثُلَاثَ، وَرُبَاعَ، ثُمَّ حَرَّمَ مَا حَرَّمَ مِنَ النَّسَبِ وَالصِّهْرِ، ثُمَّ قَالَ: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ ⦗٥٦٩⦘ أَيْمَانُكُمْ﴾ [النساء: ٢٤] قَالَ:»فَرَجَعَ إِلَى أَوَّلِ السُّورَةِ إِلَى أَرْبَعٍ، فَقَالَ: هُنَّ حَرَامٌ أَيْضًا، إِلَّا بِصَدَاقٍ وَسُنَّةٍ وَشُهُودٍ “
٦ / ٥٦٨
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ عَبِيدَةَ، قَالَ: «أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ أَرْبَعًا فِي أَوَّلِ السُّورَةِ، وَحَرَّمَ نِكَاحَ كُلِّ مُحْصَنَةٍ بَعْدَ الْأَرْبَعِ، إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ»
٦ / ٥٦٩
قَالَ مَعْمَرٌ: وَأَخْبَرَنِي ابْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ: ﴿إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ﴾ [الأحزاب: ٥٢] قَالَ: «فَزَوْجُكَ مِمَّا مَلَكَتْ يَمِينُكَ، يَقُولُ: حَرَّمَ اللَّهُ الزِّنَا، لَا يَحِلُّ لَكَ أَنْ تَطَأَ امْرَأَةً إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ»
٦ / ٥٦٩
حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ مَسْرُوقٍ الْكِنْدِيُّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، قَالَ: سَأَلْتُ عَبِيدَةَ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ، تَعَالَى: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ [النساء: ٢٤] قَالَ: «أَرْبَعٌ» حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحِيمِ، عَنْ أَشْعَثَ بْنِ سَوَّارٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ عَبِيدَةَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، مِثْلَهُ
٦ / ٥٦٩
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ [النساء: ٢٤] قَالَ: «الْأَرْبَعُ، فَمَا بَعْدَهُنَّ حَرَامٌ»
٦ / ٥٦٩
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: سَأَلْتُ عَطَاءً عَنْهَا، فَقَالَ: «حَرَّمَ اللَّهُ ذَوَاتِ الْقَرَابَةِ»، ثُمَّ قَالَ: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ [النساء: ٢٤] يَقُولُ: «حَرَّمَ مَا فَوْقَ الْأَرْبَعِ مِنْهُنَّ»
٦ / ٥٧٠
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ﴾ [النساء: ٢٤] قَالَ: «الْخَامِسَةُ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ الْأُمَّهَاتِ وَالْأَخَوَاتِ» ذِكْرُ مَنْ قَالَ: عَنَى بِالْمُحْصَنَاتِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ الْعَفَائِفَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ
٦ / ٥٧٠
حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ حَبِيبِ بْنِ الشَّهِيدِ، قَالَ: ثنا عَتَّابُ بْنُ بَشِيرٍ، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ﴾ [النساء: ٢٤] قَالَ: «الْعَفِيفَةُ الْعَاقِلَةُ مِنْ مُسْلِمَةٍ، أَوْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ»
٦ / ٥٧٠
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ [النساء: ٢٤] قَالَ: «الْعَفَائِفُ» وَقَالَ آخَرُونَ: الْمُحْصَنَاتُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ ذَوَاتُ الْأَزْوَاجِ غَيْرَ أَنَّ الَّذِي حَرَّمَ اللَّهُ مِنْهُنَّ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الزِّنَا بِهِنَّ، وَأَبَاحَهُنَّ بِقَوْلِهِ: ﴿إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ [النساء: ٢٤] بِالنِّكَاحِ أَوِ الْمِلْكِ “
٦ / ٥٧٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ﴾ [النساء: ٢٤] قَالَ: «نَهَى عَنِ الزِّنَا»
٦ / ٥٧١
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ﴾ [النساء: ٢٤] قَالَ: «نَهَى عَنِ الزِّنَا أَنْ تَنْكِحَ الْمَرْأَةُ زَوْجَيْنِ»
٦ / ٥٧١
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: قَوْلُهُ: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ [النساء: ٢٤] قَالَ: «كُلُّ ذَاتِ زَوْجٍ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، إِلَّا الْأَرْبَعَ اللَّاتِي يُنْكَحْنَ بِالْبَيِّنَةِ وَالْمَهْرِ»
٦ / ٥٧١
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ، قَالَ: ثنا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، قَالَ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ رَاشِدٍ، يُحَدِّثُ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْمُحْصَنَاتِ، مِنَ النِّسَاءِ. قَالَ: «هُنَّ ذَوَاتُ الْأَزْوَاجِ»
٦ / ٥٧١
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ [النساء: ٢٤] قَالَ: «ذَوَاتُ الْأَزْوَاجِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ» . وَقَالَ عَلِيٌّ: «ذَوَاتُ الْأَزْوَاجِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ»
٦ / ٥٧١
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا الْحِمَّانِيُّ، قَالَ: ثنا شَرِيكٌ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ﴾ [النساء: ٢٤] قَالَ: «كُلُّ ذَاتِ زَوْجٍ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا الْحِمَّانِيُّ، قَالَ: ثنا شَرِيكٌ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ، عَنْ مَكْحُولٍ، نَحْوَهُ «حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا الْحِمَّانِيُّ، قَالَ: ثنا شَرِيكٌ، عَنِ الصَّلْتِ بْنِ بَهْرَامَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، نَحْوَهُ»
٦ / ٥٧٢
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ [النساء: ٢٤] إِلَى ﴿وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ﴾ [النساء: ٢٤] يَعْنِي: “ذَوَاتُ الْأَزْوَاجِ مِنَ النِّسَاءِ لَا يَحِلُّ نِكَاحُهُنَّ يَقُولُ: لَا يَخْلِبُ وَلَا يَعِدُ فَتَنْشِزُ عَلَى زَوْجِهَا، وَكُلُّ امْرَأَةٍ لَا تُنْكَحُ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ وَمَهْرٍ فَهِيَ مِنَ الْمُحْصَنَاتِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ، يَعْنِي: الَّتِي أَحَلَّ اللَّهُ مِنَ النِّسَاءِ، وَهُوَ مَا أَحَلَّ مِنْ حَرَائِرِ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ هُنَّ نِسَاءُ أَهْلِ الْكِتَابِ
٦ / ٥٧٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى بْنُ عُبَيْدٍ، عَنْ ⦗٥٧٣⦘ أَيُّوبَ بْنِ أَبِي الْعَوْجَاءِ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ [النساء: ٢٤] قَالَ: «نِسَاءُ أَهْلِ الْكِتَابِ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ هُنَّ الْحَرَائِرُ
٦ / ٥٧٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثني حَمَّادُ بْنُ مَسْعَدَةَ قَالَ: ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ عَرْعَرَةَ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ﴾ [النساء: ٢٤] قَالَ: «الْحَرَائِرُ» وَقَالَ آخَرُونَ: الْمُحْصَنَاتُ: هُنَّ الْعَفَائِفُ وَذَوَاتُ الْأَزْوَاجِ، وَحَرَامٌ كُلٌّ مِنَ الصِّنْفَيْنِ إِلَّا بِنِكَاحٍ أَوْ مِلْكِ يَمِينٍ
٦ / ٥٧٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني اللَّيْثُ قَالَ: ثني عَقِيلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، وَسُئِلَ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ [النساء: ٢٤] الْآيَةُ، قَالَ: «نَرَى أَنَّهُ حَرَّمَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْمُحْصَنَاتِ مِنَ النِّسَاءِ ذَوَاتِ الْأَزْوَاجِ أَنْ يُنْكَحْنَ مَعَ أَزْوَاجِهِنَّ، وَالْمُحْصَنَاتُ: الْعَفَائِفُ، وَلَا يَحْلِلْنَ إِلَّا بِنِكَاحٍ، أَوْ مِلْكِ يَمِينٍ. وَالْإِحْصَانُ إِحْصَانَانِ: إِحْصَانُ تَزْوِيجٍ، وَإِحْصَانُ عَفَافٍ فِي الْحَرَائِرِ وَالْمَمْلُوكَاتِ، كُلُّ ذَلِكَ حَرَّمَ اللَّهُ، إِلَّا بِنِكَاحٍ أَوْ مِلْكِ يَمِينٍ» ⦗٥٧٤⦘ وَقَالَ آخَرُونَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي نِسَاءٍ كُنَّ يُهَاجِرْنَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَلَهُنَّ أَزْوَاجٌ، فَيَتَزَوَّجُهُنَّ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ يَقْدِمُ أَزْوَاجُهُنَ مُهَاجِرِينَ، فَنُهِيَ الْمُسْلِمُونَ عَنْ نِكَاحِهِنَّ
٦ / ٥٧٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: ثني حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: “كَانَ النِّسَاءُ يَأْتِينَنَا ثُمَّ يُهَاجِرُ أَزْوَاجُهُنَّ فَمَنَعْنَاهُنَّ؛ يَعْنِي قَوْلَهُ: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ [النساء: ٢٤] وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَجَمَاعَةٌ غَيْرُهُ أَنَّهُ كَانَ مُلْتَبِسًا عَلَيْهِمْ تَأْوِيلُ ذَلِكَ
٦ / ٥٧٤
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: أَمَا رَأَيْتَ ابْنَ عَبَّاسٍ حِينَ سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ [النساء: ٢٤] فَلَمْ يَقُلْ فِيهَا شَيْئًا؟ قَالَ: فَقَالَ: «كَانَ لَا يَعْلَمُهَا»
٦ / ٥٧٤
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَحْيَى، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ:»لَوْ أَعْلَمُ مَنْ يُفَسِّرُ لِي هَذِهِ الْآيَةَ لَضَرَبْتُ إِلَيْهِ أَكْبَادَ الْإِبِلِ، قَوْلُهُ: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ [النساء: ٢٤] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿فَمَا ⦗٥٧٥⦘ اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ﴾ [النساء: ٢٤] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ «قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَأَمَّا الْمُحْصَنَاتُ فَإِنَّهُنَّ جَمْعُ مُحْصَنَةٍ، وَهِيَ الَّتِي قَدْ مُنِعَ فَرْجُهَا بِزَوْجٍ، يُقَالَ مِنْهُ: أَحْصَنَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فَهُوَ يُحْصِنُهَا إِحْصَانًا وَحَصُنَتْ هِيَ فَهِيَ تَحْصُنُ حَصَانَةً: إِذَا عَفَّتْ، وَهِيَ حَاصِنٌ مِنَ النِّسَاءِ: عَفِيفَةٌ، كَمَا قَالَ الْعَجَّاجُ:
[البحر الرجز] وَحَاصِنٍ مِنْ حَاصِنَاتٍ مُلْسِ … عَنِ الْأَذَى وَعَنْ قِرَافِ الْوَقْسِ
وَيُقَالَ أَيْضًا إِذَا هِيَ عَفَّتْ وَحَفِظَتْ فَرْجَهَا مِنَ الْفُجُورِ: قَدْ أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَهِيَ مُحْصَنَةٌ، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿وَمَرْيَمَ ابْنَةَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا﴾ بِمَعْنَى: حَفِظَتْهُ مِنَ الرِّيبَةِ وَمَنَعَتْهُ مِنَ الْفُجُورِ. وَإِنَّمَا قِيلَ لِحُصُونِ الْمَدَائِنِ وَالْقُرَى حُصُونٌ لِمَنْعِهَا مَنْ أَرَادَهَا وَأَهْلَهَا، وَحِفْظِهَا مَا وَرَاءَهَا مِمَّنْ بَغَاهَا مِنْ أَعْدَائِهَا، وَلِذَلِكَ قِيلَ لِلدِّرْعِ: دِرْعٌ حَصِينَةٌ. فَإِذَا كَانَ أَصْلُ الْإِحْصَانِ مَا ذَكَرْنَا مِنَ الْمَنْعِ وَالْحِفْظِ فَبَيِّنٌ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ﴾ [النساء: ٢٤] وَالْمَمْنُوعَاتُ مِنَ النِّسَاءِ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ ﴿إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ [النساء: ٢٤] وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ مَعْنَاهُ، وَكَانَ الْإِحْصَانُ قَدْ يَكُونُ بِالْحُرِّيَّةِ، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ [المائدة: ٥] وَيَكُونُ ⦗٥٧٦⦘ بِالْإِسْلَامِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ﴾ [النساء: ٢٥] وَيَكُونُ بِالْعِفَّةِ كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ﴾ [النور: ٤] وَيَكُونُ بِالزَّوْجِ؛ وَلَمْ يَكُنْ تبارك وتعالى خَصَّ مُحْصَنَةً دُونَ مُحْصَنَةٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ﴾ [النساء: ٢٤] فَوَاجِبٌ أَنْ يَكُونَ كُلُّ مُحْصَنَةٍ بِأَيِّ مَعَانِي الْإِحْصَانِ كَانَ إِحْصَانُهَا حَرَامًا عَلَيْنَا سِفَاحًا أَوْ نِكَاحًا، إِلَّا مَا مَلَكَتْهُ أَيمَانُنَا مِنْهُنَّ بِشِرَاءٍ، كَمَا أَبَاحَهُ لَنَا كِتَابُ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ، أَوْ نِكَاحٌ عَلَى مَا أَطْلَقَهُ لَنَا تَنْزِيلُ اللَّهِ. فَالَّذِي أَبَاحَهُ تبارك وتعالى لَنَا نِكَاحًا مِنَ الْحَرَائِرِ الْأَرْبَعِ سِوَى اللَّوَاتِي حُرِّمْنَ عَلَيْنَا بِالنَّسَبِ وَالصِّهْرِ، وَمِنَ الْإِمَاءِ مَا سَبَيْنَا مِنَ الْعَدُوِّ سِوَى اللَّوَاتِي وَافَقَ مَعْنَاهُنَّ مَعْنَى مَا حُرِّمَ عَلَيْنَا مِنَ الْحَرَائِرِ بِالنَّسَبِ وَالصِّهْرِ، فَإِنَّهُنَّ وَالْحَرَائِرُ فِيمَا يَحِلُّ وَيَحْرُمُ بِذَلِكَ الْمَعْنَى مُتَّفِقَاتُ الْمَعَانِي، وَسِوَى اللَّوَاتِي سَبَيْنَاهُنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ وَلَهُنَّ أَزْوَاجٌ، فَإِنَّ السِّبَاءَ يُحِلُّهُنَّ لِمَنْ سَبَاهُنَّ بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ، وَبَعْدَ إِخْرَاجِ حَقِّ اللَّهِ تبارك وتعالى الَّذِي جَعَلَهُ لِأَهْلِ الْخُمُسِ مِنْهُنَّ. فَأَمَّا السَّفَّاحُ فَإِنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى حَرَّمَهُ مِنْ جَمِيعِهِنَّ، فَلَمْ يُحِلَّهُ مِنْ حُرَّةٍ وَلَا أَمَةٍ وَلَا مُسْلِمَةٍ وَلَا كَافِرَةٍ مُشْرِكَةٍ». وَأَمَّا الْأَمَةُ الَّتِي لَهَا زَوْجٌ فَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ لِمَالِكِهَا إِلَّا بَعْدَ طَلَاقِ زَوْجِهَا إِيَّاهَا، أَوْ وَفَاتِهِ وَانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا مِنْهُ، فَأَمَّا بَيْعُ سَيِّدِهَا إِيَّاهَا فَغَيْرُ مُوجِبٍ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا فِرَاقًا وَلَا تَحْلِيلًا لِمُشْتَرِيهَا، لِصِحَّةِ الْخَبَرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: أَنَّهُ خَيَّرَ بَرِيرَةَ إِذْ أَعْتَقَتْهَا عَائِشَةُ بَيْنَ الْمَقَامِ مَعَ زَوْجِهَا الَّذِي كَانَ سَادَتُهَا زَوَّجُوهَا مِنْهُ فِي حَالِ رِقِّهَا، وَبَيْنَ فِرَاقِهِ. وَلَمْ يَجْعَلْ ﷺ عِتْقَ عَائِشَةَ إِيَّاهَا طَلَاقًا. وَلَوْ كَانَ عِتْقُهَا وَزَوَالُ مِلْكِ عَائِشَةَ إِيَّاهَا ⦗٥٧٧⦘ لَهَا طَلَاقًا لَمْ يَكُنْ لِتَخْيِيرِ النَّبِيِّ ﷺ إِيَّاهَا بَيْنَ الْمَقَامِ مَعَ زَوْجِهَا وَالْفِرَاقِ مَعْنًى، وَلَوَجَبَ بِالْعِتْقِ الْفِرَاقُ، وَبِزَوَالِ مِلْكِ عَائِشَةَ عَنْهَا الطَّلَاقُ؛ فَلَمَّا خَيَّرَهَا النَّبِيُّ ﷺ بَيْنَ الَّذِي ذَكَرْنَا وَبَيْنَ الْمَقَامِ مَعَ زَوْجِهَا وَالْفِرَاقِ كَانَ مَعْلُومًا أَنَّهُ لَمْ يُخَيِّرْ بَيْنَ ذَلِكَ إِلَّا وَالنِّكَاحُ عَقْدُهُ ثَابِتٌ، كَمَا كَانَ قَبْلَ زَوَالِ مِلْكِ عَائِشَةَ عَنْهَا، فَكَانَ نَظِيرًا لِلْعِتْقِ الَّذِي هُوَ زَوَالُ مِلْكِ مَالِكِ الْمَمْلُوكَةِ ذَاتِ الزَّوْجِ عَنْهَا الْبَيْعُ الَّذِي هُوَ زَوَالُ مِلْكِ مَالِكِهَا عَنْهَا، إِذْ كَانَ أَحَدُهُمَا زَوَالًا بِبَيْعٍ وَالْآخَرُ بِعِتْقٍ فِي أَنَّ الْفُرْقَةَ لَا يَجِبُ بِهَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا بِهِمَا وَلَا بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا طَلَاقٌ وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي مَعَانٍ أُخَرَ، مِنْ أَنَّ لَهَا فِي الْعِتْقِ الْخِيَارَ فِي الْمَقَامِ مَعَ زَوْجِهَا وَالْفِرَاقَ لِعِلَّةِ مُفَارَقَةِ مَعْنَى الْبَيْعِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لَهَا فِي الْبَيْعِ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَكَيْفَ يَكُونُ مَعْنِيًّا بِالِاسْتِثْنَاءِ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ﴾ [النساء: ٢٤] مَا وَرَاءَ الْأَرْبَعِ مِنَ الْخَمْسِ إِلَى مَا فَوْقَهُنَّ بِالنِّكَاحِ وَالْمَنْكُوحَاتُ بِهِ غَيْرُ مَمْلُوكَاتٍ؟ قِيلَ لَهُ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَخُصَّ بِقَوْلِهِ: ﴿إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ [النساء: ٢٤] الْمَمْلُوكَاتِ الرِّقَابِ دُونَ الْمَمْلُوكِ عَلَيْهَا بِعَقْدِ النِّكَاحِ أَمْرُهَا، بَلْ عَمَّ بِقَوْلِهِ: ﴿إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ [النساء: ٢٤] كِلَا الْمَعْنَيَيْنِ، أَعِنِّي مِلْكَ الرَّقَبَةِ وَمِلْكَ الِاسْتِمْتَاعِ بِالنِّكَاحِ، لِأَنَّ جَمِيعَ ذَلِكَ مَلَكَتْهُ أَيْمَانُنَا، أَمَّا هَذِهِ فَمِلْكُ اسْتِمْتَاعٍ، وَأَمَّا هَذِهِ فَمِلْكُ اسْتِخْدَامٍ وَاسْتِمْتَاعٍ وَتَصْرِيفٍ فِيمَا أُبِيحَ لِمَالِكِهَا مِنْهَا. ⦗٥٧٨⦘ ومَنِ ادَّعَى أَنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى عَنَى بِقَوْلِهِ: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ﴾ [النساء: ٢٤] مُحْصَنَةً وَغَيْرَ مُحْصَنَةٍ، سِوَى مَنْ ذَكَرْنَا أَوَّلًا بِالِاسْتِثْنَاءِ بِقَوْلِهِ: ﴿إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ [النساء: ٢٤] بَعْضَ أَمْلَاكِ أَيْمَانِنَا دُونَ بَعْضٍ، غَيْرَ الَّذِي دَلَّلْنَا عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ مَعْنِيٍّ بِهِ، سُئِلَ الْبُرْهَانَ عَلَى دَعْوَاهُ مِنْ أَصْلٍ أَوْ نَظِيرٍ، فَلَنْ يَقُولَ فِي ذَلِكَ قَوْلًا إِلَّا أُلْزِمَ فِي الْآخَرِ مِثْلَهُ. فَإِنِ اعْتَلَّ مُعْتَلٌّ مِنْكُمْ بِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي سَبَايَا أَوْطَاسٍ، قِيلَ لَهُ: إِنَّ سَبَايَا أَوْطَاسٍ لَمْ يُوطَأْنَ بِالْمِلْكِ وَالسِّبَاءِ دُونَ الْإِسْلَامِ، وَذَلِكَ أَنَّهُنَّ كُنَّ مُشْرِكَاتٍ مِنْ عَبْدَةِ الْأَوْثَانِ، وَقَدْ قَامَتِ الْحُجَّةُ بِأَنَّ نِسَاءَ عَبْدَةِ الْأَوْثَانِ لَا يَحْلِلْنَ بِالْمِلْكِ دُونَ الْإِسْلَامِ، وَإِنَّهُنَّ إِذَا أَسْلَمْنَ فَرَّقَ الْإِسْلَامُ بَيْنَهُنَّ وَبَيْنَ الْأَزْوَاجِ، سَبَايَا كُنَّ أَوْ مُهَاجِرَاتٍ، غَيْرَ أَنَّهُ إِذَا كُنَّ سَبَايَا حَلَلْنَ إِذَا هُنَّ أَسْلَمْنَ بِالِاسْتِبْرَاءِ. فَلَا حُجَّةَ لِمُحْتَجٍّ فِي أَنَّ الْمُحْصَنَاتِ اللَّاتِي عَنَاهُنَّ بِقَوْلِهِ: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ﴾ [النساء: ٢٤] ذَوَاتُ الْأَزْوَاجِ مِنَ السَبَايَا دُونَ غَيْرِهِنَّ بِخَبَرِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ ذَلِكَ نَزَلَ فِي سَبَايَا أَوْطَاسٍ، لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ فِيهِنَّ نَزَلَ، فَلَمْ يَنْزِلْ فِي إِبَاحَةِ وَطْئِهِنَّ بِالسِّبَاءِ خَاصَّةً دُونَ غَيْرِهِ مِنَ الْمَعَانِي الَّتِي ذَكَرْنَا، مَعَ أَنَّ الْآيَةَ تَنْزِلُ فِي مَعْنًى فَتَعُمُّ مَا نَزَلَتْ بِهِ فِيهِ وَغَيْرَهُ، فَيَلْزَمُ حُكْمُهَا جَمِيعَ مَا عَمَّتْهُ لِمَا قَدْ بَيَّنَّا مِنَ الْقَوْلِ فِي الْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ فِي كِتَابِنَا: كِتَابُ الْبَيَانِ عَنْ أُصُولِ الْأَحْكَامِ
[البحر الرجز] وَحَاصِنٍ مِنْ حَاصِنَاتٍ مُلْسِ … عَنِ الْأَذَى وَعَنْ قِرَافِ الْوَقْسِ
وَيُقَالَ أَيْضًا إِذَا هِيَ عَفَّتْ وَحَفِظَتْ فَرْجَهَا مِنَ الْفُجُورِ: قَدْ أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَهِيَ مُحْصَنَةٌ، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿وَمَرْيَمَ ابْنَةَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا﴾ بِمَعْنَى: حَفِظَتْهُ مِنَ الرِّيبَةِ وَمَنَعَتْهُ مِنَ الْفُجُورِ. وَإِنَّمَا قِيلَ لِحُصُونِ الْمَدَائِنِ وَالْقُرَى حُصُونٌ لِمَنْعِهَا مَنْ أَرَادَهَا وَأَهْلَهَا، وَحِفْظِهَا مَا وَرَاءَهَا مِمَّنْ بَغَاهَا مِنْ أَعْدَائِهَا، وَلِذَلِكَ قِيلَ لِلدِّرْعِ: دِرْعٌ حَصِينَةٌ. فَإِذَا كَانَ أَصْلُ الْإِحْصَانِ مَا ذَكَرْنَا مِنَ الْمَنْعِ وَالْحِفْظِ فَبَيِّنٌ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ﴾ [النساء: ٢٤] وَالْمَمْنُوعَاتُ مِنَ النِّسَاءِ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ ﴿إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ [النساء: ٢٤] وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ مَعْنَاهُ، وَكَانَ الْإِحْصَانُ قَدْ يَكُونُ بِالْحُرِّيَّةِ، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ [المائدة: ٥] وَيَكُونُ ⦗٥٧٦⦘ بِالْإِسْلَامِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ﴾ [النساء: ٢٥] وَيَكُونُ بِالْعِفَّةِ كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ﴾ [النور: ٤] وَيَكُونُ بِالزَّوْجِ؛ وَلَمْ يَكُنْ تبارك وتعالى خَصَّ مُحْصَنَةً دُونَ مُحْصَنَةٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ﴾ [النساء: ٢٤] فَوَاجِبٌ أَنْ يَكُونَ كُلُّ مُحْصَنَةٍ بِأَيِّ مَعَانِي الْإِحْصَانِ كَانَ إِحْصَانُهَا حَرَامًا عَلَيْنَا سِفَاحًا أَوْ نِكَاحًا، إِلَّا مَا مَلَكَتْهُ أَيمَانُنَا مِنْهُنَّ بِشِرَاءٍ، كَمَا أَبَاحَهُ لَنَا كِتَابُ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ، أَوْ نِكَاحٌ عَلَى مَا أَطْلَقَهُ لَنَا تَنْزِيلُ اللَّهِ. فَالَّذِي أَبَاحَهُ تبارك وتعالى لَنَا نِكَاحًا مِنَ الْحَرَائِرِ الْأَرْبَعِ سِوَى اللَّوَاتِي حُرِّمْنَ عَلَيْنَا بِالنَّسَبِ وَالصِّهْرِ، وَمِنَ الْإِمَاءِ مَا سَبَيْنَا مِنَ الْعَدُوِّ سِوَى اللَّوَاتِي وَافَقَ مَعْنَاهُنَّ مَعْنَى مَا حُرِّمَ عَلَيْنَا مِنَ الْحَرَائِرِ بِالنَّسَبِ وَالصِّهْرِ، فَإِنَّهُنَّ وَالْحَرَائِرُ فِيمَا يَحِلُّ وَيَحْرُمُ بِذَلِكَ الْمَعْنَى مُتَّفِقَاتُ الْمَعَانِي، وَسِوَى اللَّوَاتِي سَبَيْنَاهُنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ وَلَهُنَّ أَزْوَاجٌ، فَإِنَّ السِّبَاءَ يُحِلُّهُنَّ لِمَنْ سَبَاهُنَّ بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ، وَبَعْدَ إِخْرَاجِ حَقِّ اللَّهِ تبارك وتعالى الَّذِي جَعَلَهُ لِأَهْلِ الْخُمُسِ مِنْهُنَّ. فَأَمَّا السَّفَّاحُ فَإِنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى حَرَّمَهُ مِنْ جَمِيعِهِنَّ، فَلَمْ يُحِلَّهُ مِنْ حُرَّةٍ وَلَا أَمَةٍ وَلَا مُسْلِمَةٍ وَلَا كَافِرَةٍ مُشْرِكَةٍ». وَأَمَّا الْأَمَةُ الَّتِي لَهَا زَوْجٌ فَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ لِمَالِكِهَا إِلَّا بَعْدَ طَلَاقِ زَوْجِهَا إِيَّاهَا، أَوْ وَفَاتِهِ وَانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا مِنْهُ، فَأَمَّا بَيْعُ سَيِّدِهَا إِيَّاهَا فَغَيْرُ مُوجِبٍ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا فِرَاقًا وَلَا تَحْلِيلًا لِمُشْتَرِيهَا، لِصِحَّةِ الْخَبَرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: أَنَّهُ خَيَّرَ بَرِيرَةَ إِذْ أَعْتَقَتْهَا عَائِشَةُ بَيْنَ الْمَقَامِ مَعَ زَوْجِهَا الَّذِي كَانَ سَادَتُهَا زَوَّجُوهَا مِنْهُ فِي حَالِ رِقِّهَا، وَبَيْنَ فِرَاقِهِ. وَلَمْ يَجْعَلْ ﷺ عِتْقَ عَائِشَةَ إِيَّاهَا طَلَاقًا. وَلَوْ كَانَ عِتْقُهَا وَزَوَالُ مِلْكِ عَائِشَةَ إِيَّاهَا ⦗٥٧٧⦘ لَهَا طَلَاقًا لَمْ يَكُنْ لِتَخْيِيرِ النَّبِيِّ ﷺ إِيَّاهَا بَيْنَ الْمَقَامِ مَعَ زَوْجِهَا وَالْفِرَاقِ مَعْنًى، وَلَوَجَبَ بِالْعِتْقِ الْفِرَاقُ، وَبِزَوَالِ مِلْكِ عَائِشَةَ عَنْهَا الطَّلَاقُ؛ فَلَمَّا خَيَّرَهَا النَّبِيُّ ﷺ بَيْنَ الَّذِي ذَكَرْنَا وَبَيْنَ الْمَقَامِ مَعَ زَوْجِهَا وَالْفِرَاقِ كَانَ مَعْلُومًا أَنَّهُ لَمْ يُخَيِّرْ بَيْنَ ذَلِكَ إِلَّا وَالنِّكَاحُ عَقْدُهُ ثَابِتٌ، كَمَا كَانَ قَبْلَ زَوَالِ مِلْكِ عَائِشَةَ عَنْهَا، فَكَانَ نَظِيرًا لِلْعِتْقِ الَّذِي هُوَ زَوَالُ مِلْكِ مَالِكِ الْمَمْلُوكَةِ ذَاتِ الزَّوْجِ عَنْهَا الْبَيْعُ الَّذِي هُوَ زَوَالُ مِلْكِ مَالِكِهَا عَنْهَا، إِذْ كَانَ أَحَدُهُمَا زَوَالًا بِبَيْعٍ وَالْآخَرُ بِعِتْقٍ فِي أَنَّ الْفُرْقَةَ لَا يَجِبُ بِهَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا بِهِمَا وَلَا بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا طَلَاقٌ وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي مَعَانٍ أُخَرَ، مِنْ أَنَّ لَهَا فِي الْعِتْقِ الْخِيَارَ فِي الْمَقَامِ مَعَ زَوْجِهَا وَالْفِرَاقَ لِعِلَّةِ مُفَارَقَةِ مَعْنَى الْبَيْعِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لَهَا فِي الْبَيْعِ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَكَيْفَ يَكُونُ مَعْنِيًّا بِالِاسْتِثْنَاءِ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ﴾ [النساء: ٢٤] مَا وَرَاءَ الْأَرْبَعِ مِنَ الْخَمْسِ إِلَى مَا فَوْقَهُنَّ بِالنِّكَاحِ وَالْمَنْكُوحَاتُ بِهِ غَيْرُ مَمْلُوكَاتٍ؟ قِيلَ لَهُ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَخُصَّ بِقَوْلِهِ: ﴿إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ [النساء: ٢٤] الْمَمْلُوكَاتِ الرِّقَابِ دُونَ الْمَمْلُوكِ عَلَيْهَا بِعَقْدِ النِّكَاحِ أَمْرُهَا، بَلْ عَمَّ بِقَوْلِهِ: ﴿إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ [النساء: ٢٤] كِلَا الْمَعْنَيَيْنِ، أَعِنِّي مِلْكَ الرَّقَبَةِ وَمِلْكَ الِاسْتِمْتَاعِ بِالنِّكَاحِ، لِأَنَّ جَمِيعَ ذَلِكَ مَلَكَتْهُ أَيْمَانُنَا، أَمَّا هَذِهِ فَمِلْكُ اسْتِمْتَاعٍ، وَأَمَّا هَذِهِ فَمِلْكُ اسْتِخْدَامٍ وَاسْتِمْتَاعٍ وَتَصْرِيفٍ فِيمَا أُبِيحَ لِمَالِكِهَا مِنْهَا. ⦗٥٧٨⦘ ومَنِ ادَّعَى أَنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى عَنَى بِقَوْلِهِ: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ﴾ [النساء: ٢٤] مُحْصَنَةً وَغَيْرَ مُحْصَنَةٍ، سِوَى مَنْ ذَكَرْنَا أَوَّلًا بِالِاسْتِثْنَاءِ بِقَوْلِهِ: ﴿إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ [النساء: ٢٤] بَعْضَ أَمْلَاكِ أَيْمَانِنَا دُونَ بَعْضٍ، غَيْرَ الَّذِي دَلَّلْنَا عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ مَعْنِيٍّ بِهِ، سُئِلَ الْبُرْهَانَ عَلَى دَعْوَاهُ مِنْ أَصْلٍ أَوْ نَظِيرٍ، فَلَنْ يَقُولَ فِي ذَلِكَ قَوْلًا إِلَّا أُلْزِمَ فِي الْآخَرِ مِثْلَهُ. فَإِنِ اعْتَلَّ مُعْتَلٌّ مِنْكُمْ بِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي سَبَايَا أَوْطَاسٍ، قِيلَ لَهُ: إِنَّ سَبَايَا أَوْطَاسٍ لَمْ يُوطَأْنَ بِالْمِلْكِ وَالسِّبَاءِ دُونَ الْإِسْلَامِ، وَذَلِكَ أَنَّهُنَّ كُنَّ مُشْرِكَاتٍ مِنْ عَبْدَةِ الْأَوْثَانِ، وَقَدْ قَامَتِ الْحُجَّةُ بِأَنَّ نِسَاءَ عَبْدَةِ الْأَوْثَانِ لَا يَحْلِلْنَ بِالْمِلْكِ دُونَ الْإِسْلَامِ، وَإِنَّهُنَّ إِذَا أَسْلَمْنَ فَرَّقَ الْإِسْلَامُ بَيْنَهُنَّ وَبَيْنَ الْأَزْوَاجِ، سَبَايَا كُنَّ أَوْ مُهَاجِرَاتٍ، غَيْرَ أَنَّهُ إِذَا كُنَّ سَبَايَا حَلَلْنَ إِذَا هُنَّ أَسْلَمْنَ بِالِاسْتِبْرَاءِ. فَلَا حُجَّةَ لِمُحْتَجٍّ فِي أَنَّ الْمُحْصَنَاتِ اللَّاتِي عَنَاهُنَّ بِقَوْلِهِ: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ﴾ [النساء: ٢٤] ذَوَاتُ الْأَزْوَاجِ مِنَ السَبَايَا دُونَ غَيْرِهِنَّ بِخَبَرِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ ذَلِكَ نَزَلَ فِي سَبَايَا أَوْطَاسٍ، لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ فِيهِنَّ نَزَلَ، فَلَمْ يَنْزِلْ فِي إِبَاحَةِ وَطْئِهِنَّ بِالسِّبَاءِ خَاصَّةً دُونَ غَيْرِهِ مِنَ الْمَعَانِي الَّتِي ذَكَرْنَا، مَعَ أَنَّ الْآيَةَ تَنْزِلُ فِي مَعْنًى فَتَعُمُّ مَا نَزَلَتْ بِهِ فِيهِ وَغَيْرَهُ، فَيَلْزَمُ حُكْمُهَا جَمِيعَ مَا عَمَّتْهُ لِمَا قَدْ بَيَّنَّا مِنَ الْقَوْلِ فِي الْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ فِي كِتَابِنَا: كِتَابُ الْبَيَانِ عَنْ أُصُولِ الْأَحْكَامِ
٦ / ٥٧٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ﴾ [النساء: ٢٤] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ: كِتَابًا مِنَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ. فأَخْرَجَ الْكِتَابَ مَصْدَرًا مِنْ غَيْرِ ⦗٥٧٩⦘ لَفْظِهِ، وَإِنَّمَا جَازَ ذَلِكَ لِأَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ﴾ [النساء: ٢٣] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ﴾ [النساء: ٢٤] بِمَعْنَى: كَتَبَ اللَّهُ تَحْرِيمَ مَا حَرُمَ مِنْ ذَلِكَ وَتَحْلِيلَ مَا حُلِّلَ مِنْ ذَلِكَ عَلَيْكُمْ كِتَابًا، وَبِمَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٦ / ٥٧٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ﴿كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ﴾ [النساء: ٢٤] قَالَ: «مَا حُرِّمَ عَلَيْكُمْ»
٦ / ٥٧٩
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: سَأَلْتُ عَطَاءً عَنْهَا فَقَالَ: ﴿كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ﴾ [النساء: ٢٤] قَالَ: «هُوَ الَّذِي كَتَبَ عَلَيْكُمُ الْأَرْبَعَ أَنْ لَا تَزِيدُوا»
٦ / ٥٧٩
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، قَالَ: قُلْتُ لِعَبِيدَةَ: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ﴾ [النساء: ٢٤] وَأَشَارَ ابْنُ عَوْنٍ بِأَصَابِعِهِ الْأَرْبَعِ “
٦ / ٥٧٩
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: سَأَلْتُ عَبِيدَةَ، عَنْ قَوْلِهِ: ﴿كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ﴾ [النساء: ٢٤] قَالَ: «أَرْبَعٌ»
٦ / ٥٧٩
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ﴾ [النساء: ٢٤] الْأَرْبَعُ “
٦ / ٥٨٠
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ﴾ [النساء: ٢٤] قَالَ: «هَذَا أَمْرُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ، قَالَ: يُرِيدُ مَا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ مِنْ هَؤُلَاءِ وَمَا أَحَلَّ لَهُمْ. وَقَرَأَ: ﴿وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ﴾ [النساء: ٢٤] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ. قَالَ: كِتَابُ اللَّهِ عَلَيْكُمُ الَّذِي كَتَبَهُ، وَأَمْرُهُ الَّذِي أَمَرَكُمْ بِهِ. ﴿كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ﴾ [النساء: ٢٤] أَمْرُ اللَّهِ» وَقَدْ كَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ يَزْعُمُ أَنَّ قَوْلَهُ: ﴿كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ﴾ [النساء: ٢٤] مَنْصُوبٌ عَلَى وَجْهِ الْإِغْرَاءِ، بِمَعْنَى: عَلَيْكُمْ كِتَابَ اللَّهِ، الْزَمُوا كِتَابَ اللَّهِ. وَالَّذِي قَالَ مِنْ ذَلِكَ غَيْرُ مُسْتَفِيضٍ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا تَكَادُ تَنْصِبَ بِالْحَرْفِ الَّذِي تُغْرِي بِهِ، لَا تَكَادُ تَقُولُ: أَخَاكَ عَلَيْكَ وَأَبَاكَ دُونَكَ، وَإِنْ كَانَ جَائِزًا. وَالَّذِي هُوَ أَوْلَى بِكِتَابِ اللَّهِ أَنْ يَكُونَ مَحْمُولًا عَلَى الْمَعْرُوفِ مِنْ لِسَانِ مَنْ نَزَلَ بِلِسَانِهِ هَذَا مَعَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ تَأْوِيلِ أَهْلِ التَّأْوِيلِ ذَلِكَ بِمَعْنَى مَا قُلْنَا، وَخِلَافُ مَا وَجَّهَهُ إِلَيْهِ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ نُصِبَ عَلَى وَجْهِ الْإِغْرَاءِ
٦ / ٥٨٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ﴾ [النساء: ٢٤] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا دُونَ الْخَمْسِ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ عَلَى وَجْهِ النِّكَاحِ
٦ / ٥٨١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ﴾ [النساء: ٢٤] مَا دُونَ الْأَرْبَعِ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ “
٦ / ٥٨١
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ عَبِيدَةَ السَّلْمَانِيِّ: ﴿وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ﴾ [النساء: ٢٤] يَعْنِي: مَا دُونَ الْأَرْبَعِ ” وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ مَنْ سَمَّى لَكُمْ تَحْرِيمَهُ مِنْ أَقَارِبِكُمْ
٦ / ٥٨١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: سَأَلْتُ عَطَاءً عَنْهَا، فَقَالَ: ﴿وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ﴾ [النساء: ٢٤] قَالَ: «مَا وَرَاءَ ذَاتِ الْقَرَابَةِ ﴿أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ﴾ [النساء: ٢٤] الْآيَةُ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: ﴿وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ﴾ [النساء: ٢٤] عَدَدَ مَا أَحَلَّ لَكُمْ مِنَ ⦗٥٨٢⦘ الْمُحْصَنَاتِ مِنَ النِّسَاءِ الْحَرَائِرِ وَمِنَ الْإِمَاءِ
٦ / ٥٨١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ﴾ [النساء: ٢٤] قَالَ: «مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ، مَا نَحْنُ مُبَيِّنُوهُ؛ وَهُوَ أَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بَيَّنَ لِعِبَادِهِ الْمُحَرَّمَاتِ بِالنَّسَبِ وَالصِّهْرِ، ثُمَّ الْمُحَرَّمَاتِ مِنَ الْمُحْصَنَاتِ مِنَ النِّسَاءِ، ثُمَّ أَخْبَرَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّهُ قَدْ أَحَلَّ لَهُمْ مَا عَدَا هَؤُلَاءِ الْمُحَرَّمَاتِ الْمُبَيَّنَاتِ فِي هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ أَنْ نَبْتَغِيَهُ بِأَمْوَالِنَا نِكَاحًا وَمِلْكَ يَمِينٍ لَا سِفَاحًا. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: عَرَفْنَا الْمُحَلَّلَاتِ اللَّوَاتِي هُنَّ وَرَاءَ الْمُحَرَّمَاتِ بِالْأَنْسَابِ وَالْأَصْهَارِ، فَمَا الْمُحَلَّلَاتُ مِنَ الْمُحْصَنَاتِ وَالْمُحَرَّمَاتُ مِنْهُنَّ؟ قِيلَ: هُوَ مَا دُونَ الْخَمْسِ مِنْ وَاحِدَةِ إِلَى أَرْبَعٍ عَلَى مَا ذَكَرْنَا عَنْ عُبَيْدَةَ وَالسُّدِّيِّ مِنَ الْحَرَائِرِ، فَأَمَّا مَا عَدَا ذَوَاتِ الْأَزْوَاجِ فَغَيْرُ عَدَدٍ مَحْصُورٍ بِمِلْكِ الْيَمِينِ وَإِنَّمَا قُلْنَا إِنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ، لِأَنَّ قَوْلَهُ: ﴿وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ﴾ [النساء: ٢٤] عَامٌّ فِي كُلِّ مُحَلَّلٍ لَنَا مِنَ النِّسَاءِ أَنْ نَبْتَغِيَهَا بِأَمْوَالِنَا، فَلَيْسَ تَوْجِيهُ مَعْنَى ذَلِكَ إِلَى بَعْضٍ مِنْهُنَّ بِأَوْلَى مِنْ بَعْضٍ، إِلَّا أَنْ تَقُومَ بِأَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ حُجَّةٌ يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهَا، وَلَا حُجَّةَ بِأَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ
٦ / ٥٨٢
وَاخْتَلَفَ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ﴾ [النساء: ٢٤] فَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ: (وَأَحَلَّ لَكُمْ)، بِفَتْحِ الْأَلِفِ مِنْ أَحَلَّ، بِمَعْنَى: كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ ” وَقَرَأَهُ آخَرُونَ: ﴿وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ﴾ [النساء: ٢٤] اعْتِبَارًا بِقَوْلِهِ: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ﴾ [النساء: ٢٣] . ﴿وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ﴾ [النساء: ٢٤] قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالَّذِي نَقُولُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ مُسْتَفِيضَتَانِ فِي قِرَاءَةِ الْإِسْلَامِ غَيْرُ مُخْتَلِفَتَيِ الْمَعْنَى، فَبِأَيِّ ذَلِكَ قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ الْحَقَّ وَأَمَّا مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ﴾ [النساء: ٢٤] فَإِنَّهُ يَعْنِي: مَا عَدَا هَؤُلَاءِ اللَّوَاتِي حَرَّمْتُهُنَّ عَلَيْكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ، يَقُولُ: أَنْ تَطْلُبُوا وَتَلْتَمِسُوا بِأَمْوَالِكُمْ، إِمَّا شِرَاءً بِهَا وَإِمَّا نِكَاحًا بِصَدَاقٍ مَعْلُومٍ، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ﴾ [البقرة: ٩١] يَعْنِي: بِمَا عَدَاهُ وَبِمَا سِوَاهُ. وَأَمَّا مَوْضِعُ أَنْ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ﴾ [النساء: ٢٤] فَرَفْعٌ تَرْجَمَةً عَنْ مَا الَّتِي فِي قَوْلِهِ: ﴿وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ﴾ [النساء: ٢٤] فِي قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ: وَأُحِلَّ بِضَمِّ الْأَلِفِ. ونُصِبَ عَلَى ذَلِكَ فِي قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ: وَأَحَلَّ، بِفَتْحِ الْأَلِفِ. وَقَدْ يُحْتَمَلُ النَّصْبُ فِي ذَلِكَ فِي الْقِرَاءَتَيْنِ عَلَى مَعْنَى: وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ لِأَنْ تَبْتَغُوا، فَلَمَّا حُذِفَتِ اللَّامُ الْخَافِضَةُ اتَّصَلَتْ بِالْفِعْلِ قَبْلَهَا فَنُصِبَتْ.
٦ / ٥٨٣
وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ فِي مَوْضِعِ خَفْضٍ بِهَذَا الْمَعْنَى إِذْ كَانَتِ اللَّامُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مَعْلُومًا أَنَّ بِالْكَلَامِ إِلَيْهَا الْحَاجَةَ “
٦ / ٥٨٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ﴾ [النساء: ٢٤] يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿مُحْصِنِينَ﴾ [النساء: ٢٤]: أَعِفَّاءَ بِابْتِغَائِكُمْ مَا وَرَاءَ مَا حُرِّمَ عَلَيْكُمْ مِنَ النِّسَاءِ بِأَمْوَالِكُمْ ﴿غَيْرَ مُسَافِحِينَ﴾ [النساء: ٢٤] يَقُولُ: “غَيْرَ مُزَانِينَ. كَمَا:
٦ / ٥٨٤
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ ﴿مُحْصِنِينَ﴾ [النساء: ٢٤] قَالَ: «مُتَنَاكِحِينَ» . ﴿غَيْرَ مُسَافِحِينَ﴾ [النساء: ٢٤] قَالَ: «زَانِينَ بِكُلِّ زَانِيَةٍ»
٦ / ٥٨٤
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: ثنا شِبْلٌ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: ﴿مُحْصِنِينَ﴾ [النساء: ٢٤] مُتَنَاكِحِينَ. ﴿غَيْرَ مُسَافِحِينَ﴾ [النساء: ٢٤] السِّفَاحُ: الزِّنَا “
٦ / ٥٨٤
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ﴾ [النساء: ٢٤] يَقُولُ: «مُحْصِنِينَ غَيْرَ زُنَاةٍ»
٦ / ٥٨٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً﴾ [النساء: ٢٤]⦗٥٨٥⦘ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: ﴿فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ﴾ [النساء: ٢٤] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: فَمَا نَكَحْتُمْ مِنْهُنَّ فَجَامَعْتُمُوهُنَّ، يَعْنِي مِنَ النِّسَاءِ ﴿فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً﴾ [النساء: ٢٤] يَعْنِي: صَدُقَاتِهِنَّ فَرِيضَةً مَعْلُومَةً
٦ / ٥٨٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ ﴿فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً﴾ [النساء: ٢٤] يَقُولُ: «إِذَا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ مِنْكُمْ ثُمَّ نَكَحَهَا مَرَّةً وَاحِدَةً فَقَدْ وَجَبَ صَدَاقُهَا كُلُّهُ. وَالِاسْتِمْتَاعُ هُوَ النِّكَاحُ، وَهُوَ قَوْلُهُ: ﴿وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً﴾ [النساء: ٤]»
٦ / ٥٨٥
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ﴾ [النساء: ٢٤] قَالَ: «هُوَ النِّكَاحُ»
٦ / ٥٨٥
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ﴾ [النساء: ٢٤] النِّكَاحُ “
٦ / ٥٨٥
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ﴾ [النساء: ٢٤] قَالَ: «النِّكَاحَ أَرَادَ»
٦ / ٥٨٥
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿فَمَا ⦗٥٨٦⦘ اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً﴾ [النساء: ٢٤] الْآيَةُ، قَالَ: «هَذَا النِّكَاحُ، وَمَا فِي الْقُرْآنِ الْإِنْكَاحُ إِذَا أَخَذْتَهَا وَاسْتَمْتَعْتَ بِهَا، فَأَعْطِهَا أَجْرَهَا الصَّدَاقَ، فَإِنْ وَضَعَتْ لَكَ مِنْهُ شَيْئًا فَهُوَ لَكَ سَائِغٌ فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهَا الْعِدَّةَ وَفَرَضَ لَهَا الْمِيرَاثَ. قَالَ: وَالِاسْتِمْتَاعُ هُوَ النِّكَاحُ هَهُنَا إِذَا دَخَلَ بِهَا» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: فَمَا تَمَتَّعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ بِأَجْرٍ تَمَتُّعَ اللَّذَّةِ، لَا بِنِكَاحٍ مُطْلَقٍ عَلَى وَجْهِ النِّكَاحِ الَّذِي يَكُونُ بِوَلِيٍّ وَشُهُودٍ وَمَهْرٍ
٦ / ٥٨٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ، فَهَذِهِ الْمُتْعَةُ؛ الرَّجُلُ يَنْكِحُ الْمَرْأَةَ بِشَرْطٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى، وَيَشْهَدُ شَاهِدَيْنِ، وَيَنْكِحُ بِإِذْنِ وَلِيِّهَا، وَإِذَا انْقَضَتِ الْمُدَّةُ فَلَيْسَ لَهُ عَلَيْهَا سَبِيلٌ وَهِيَ مِنْهُ بَرِيَّةٌ، وَعَلَيْهَا أَنْ تَسْتَبْرِئَ مَا فِي رَحِمِهَا، وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا مِيرَاثٌ، لَيْسَ يَرِثُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ “
٦ / ٥٨٦
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ﴾ [النساء: ٢٤] قَالَ: «يَعْنِي نِكَاحَ الْمُتْعَةِ»
٦ / ٥٨٦
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ عِيسَى، قَالَ: ثنا نُصَيْرُ بْنُ أَبِي الْأَشْعَثِ، قَالَ: ثني حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أَعْطَانِي ابْنُ عَبَّاسٍ ⦗٥٨٧⦘ مُصْحَفًا، فَقَالَ: هَذَا عَلَى قِرَاءَةِ أُبَيٍّ. قَالَ أَبُو كُرَيْبٍ: قَالَ يَحْيَى: فَرَأَيْتُ الْمُصْحَفَ عِنْدَ نُصَيْرٍ فِيهِ: «فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى»
٦ / ٥٨٦
حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ، قَالَ: ثنا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا دَاوُدُ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ مُتْعَةِ النِّسَاءِ، قَالَ: «أَمَا تَقْرَأُ سُورَةَ النِّسَاءِ؟ قَالَ: قُلْتُ: بَلَى. قَالَ: فَمَا تَقْرَأُ فِيهَا: «فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى»؟ قُلْتُ: لَا، لَوْ قَرَأْتُهَا هَكَذَا مَا سَأَلْتُكَ. قَالَ: فَإِنَّهَا كَذَا» حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: ثني عَبْدُ الْأَعْلَى قَالَ: ثني دَاوُدُ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنِ الْمُتْعَةِ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ “
٦ / ٥٨٧
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي مَسْلَمَةَ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ قَالَ: قَرَأْتُ هَذِهِ الْآيَةَ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ﴾ [النساء: ٢٤] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى» . قَالَ: قُلْتُ: مَا أَقْرَؤُهَا كَذَلِكَ. قَالَ: «وَاللَّهِ لَأَنْزَلَهَا اللَّهُ كَذَلِكَ»، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ
٦ / ٥٨٧
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عُمَيْرٍ: أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ، قَرَأَ: «فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى» حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ وَثَنَا خَلَّادُ بْنُ ⦗٥٨٨⦘ أَسْلَمَ قَالَ: أَخْبَرَنَا النَّضْرُ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، بِنَحْوِهِ
٦ / ٥٨٧
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: فِي قِرَاءَةِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: «فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى»
٦ / ٥٨٨
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ [النساء: ٢٤] إِلَى هَذَا الْمَوْضِعِ: ﴿فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ﴾ [النساء: ٢٤] أَمَنْسُوخَةٌ هِيَ؟ قَالَ: لَا. قَالَ الْحَكَمُ: قَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه: لَوْلَا أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه نَهَى عَنِ الْمُتْعَةِ مَا زَنَى إِلَّا شَقِيٌّ “
٦ / ٥٨٨
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى بْنُ عُمَرَ الْقَارِئُ الْأَسَدِيُّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ، يَقْرَأُ: «فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ تَأْوِيلُ مَنْ تَأَوَّلَهُ: فَمَا نَكَحْتُمُوهُ مِنْهُنَّ فَجَامَعْتُمُوهُ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ؛ لَقِيَامِ الْحُجَّةِ بِتَحْرِيمِ اللَّهِ مُتْعَةَ النِّسَاءِ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ النِّكَاحِ الصَّحِيحِ أَوِ الْمَلْكِ الصَّحِيحِ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ ﷺ
٦ / ٥٨٨
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: ⦗٥٨٩⦘ ثني الرَّبِيعُ بْنُ سَبْرَةَ الْجُهَنِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «اسْتَمْتِعُوا مِنْ هَذِهِ النِّسَاءِ» وَالِاسْتِمْتَاعُ عِنْدَنَا يَوْمَئِذٍ التَّزْوِيجُ ” وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَى أَنَّ الْمُتْعَةَ عَلَى غَيْرِ النِّكَاحِ الصَّحِيحِ حَرَامٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ مِنْ كُتُبَنَا بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ. وَأَمَّا مَا رُوِي عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ قِرَاءَتِهِمَا: «فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى»، فَقِرَاءَةٌ بِخِلَافِ مَا جَاءَتْ بِهِ مَصَاحِفُ الْمُسْلِمِينَ، وَغَيْرُ جَائِزٍ لِأَحَدٍ أَنْ يُلْحِقَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى شَيْئًا لَمْ يَأْتِ بِهِ الْخَبَرُ الْقَاطِعُ الْعُذْرُ عَمَّنْ لَا يَجُوزُ خِلَافُهُ
٦ / ٥٨٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ [النساء: ٢٤] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى ذَلِكَ: لَا حَرَجُ عَلَيْكُمْ أَيُّهَا الْأَزْوَاجُ إِنْ أَدْرَكَتْكُمْ عُسْرَةٌ بَعْدَ أَنْ فَرَضْتُمْ لِنِسَائِكُمْ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ، مِنْ حَطٍّ وَبَرَاءَةٍ، بَعْدَ الْفَرْضِ الَّذِي سَلَفَ مِنْكُمْ لَهُنَّ مَا كُنْتُمْ فَرَضْتُمْ
٦ / ٥٨٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: زَعَمَ حَضْرَمِيُّ أَنَّ رِجَالًا كَانُوا يَفْرِضُونَ الْمَهْرَ، ثُمَّ عَسَى أَنْ يُدْرِكَ أَحَدَهُمُ الْعُسْرَةُ، ⦗٥٩٠⦘ فَقَالَ اللَّهُ: ﴿وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ﴾ [النساء: ٢٤] ” وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ أَنْتُمْ وَالنِّسَاءُ وَاللَّوَاتِي اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِنَّ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى، إِذَا انْقَضَى الْأَجَلُ الَّذِي أَجَّلْتُمُوهُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ فِي الْفِرَاقِ، أَنْ يَزِدْنَكُمْ فِي الْأَجَلِ وَتَزِيدُوا مِنَ الْأَجْرِ وَالْفَرِيضَةِ قَبْلَ أَنْ يَسْتَبْرِئْنَ أَرْحَامَهُنَّ
٦ / ٥٨٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ﴾ [النساء: ٢٤] إِنْ شَاءَ أَرْضَاهَا مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ الْأُولَى، يَعْنِي: الْأَجْرَةَ الَّتِي أَعْطَاهَا عَلَى تَمَتُّعِهِ بِهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ الْأَجَلِ بَيْنَهُمَا، فَقَالَ: أَتَمَتَّعُ مِنْكِ أَيْضًا بِكَذَا وَكَذَا، فَازْدَادَ قَبْلَ أَنْ يَسْتَبْرِئَ رَحِمَهَا، ثُمَّ تَنْقَضِي الْمُدَّةُ، وَهُوَ قَوْلُهُ: ﴿فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ﴾ [النساء: ٢٤] «وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ أَنْتُمْ وَنِسَاؤُكُمْ بَعْدَ أَنْ تُؤْتُوهُنَّ أُجُورَهُمْ عَلَى اسْتِمْتَاعِكِمْ بِهِنَّ مِنْ مَقَامَ وَفِرَاقٍ»
٦ / ٥٩٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثنا مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ ⦗٥٩١⦘ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ﴾ [النساء: ٢٤] «وَالتَّرَاضِي أَنْ يُوَفِّيهَا صَدَاقَهَا، ثُمَّ يُخَيِّرَهَا» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا وَضَعَتْ عَنْكُمْ نِسَاؤُكُمْ مِنْ صَدُقَاتِهِنَّ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ
٦ / ٥٩٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ﴾ [النساء: ٢٤] قَالَ: «إِنْ وَضَعَتْ لَكَ مِنْهُ شَيْئًا فَهُوَ لَكَ سَائِغٌ» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَلَا حَرَجَ عَلَيْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ أَنْتُمْ وَنِسَاؤُكُمْ مِنْ بَعْدِ إِعْطَائِهِنَّ أُجُورَهُنَّ عَلَى النِّكَاحِ الَّذِي جَرَى بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُنَّ مِنْ حَطِّ مَا وَجَبَ لَهُنَّ عَلَيْكُمْ، أَوْ إِبْرَاءٍ أَوْ تَأْخِيرٍ وَوَضْعٍ. وَذَلِكَ نَظِيرُ قَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا﴾ [النساء: ٤] فَأَمَّا الَّذِي قَالَهُ السُّدِّيُّ فَقَوْلٌ لَا مَعْنَى لَهُ لِفَسَادِ الْقَوْلِ بِإِحْلَالِ جِمَاعِ امْرَأَةٍ بِغَيْرِ نِكَاحٍ وَلَا مِلْكِ يَمِينٍ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ [النساء: ١١] فَإِنَّهُ يَعْنِي: إِنَّ اللَّهَ كَانَ ذَا عِلْمٍ بِمَا يُصْلِحُكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ فِي مَنَاكِحِكُمْ وَغَيْرِهَا مِنْ أُمُورِكُمْ وَأُمُورِ سَائِرِ خَلْقِهِ بِمَا يُدَبِّرُ لَكُمْ وَلَهُمْ مِنَ التَّدْبِيرِ، وَفِيمَا يَأْمُرُكُمْ وَيَنْهَاكُمْ؛ لَا يَدْخُلُ حِكْمَتَهُ خَلَلٌ وَلَا زَلَلٌ
٦ / ٥٩١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مِّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُم مِّنْ بَعْضٍ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى الطَّوْلِ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ، فَقَالَ ⦗٥٩٢⦘ بَعْضُهُمْ: هُوَ الْفَضْلُ وَالْمَالُ وَالسَّعَةُ
٦ / ٥٩١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا﴾ [النساء: ٢٥] قَالَ: «الْغِنَى» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
٦ / ٥٩٢
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا﴾ [النساء: ٢٥] يَقُولُ: «مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ سَعَةٌ»
٦ / ٥٩٢
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا﴾ [النساء: ٢٥] يَقُولُ: «مَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ سَعَةً»
٦ / ٥٩٢
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: ثنا أَبُو بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا﴾ [النساء: ٢٥] قَالَ: «الطَّوْلُ: الْغِنَى»
٦ / ٥٩٢
حَدَّثَنِي ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا حَبَّانُ بْنُ مُوسَى قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ قَالَ: ⦗٥٩٣⦘ أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا﴾ [النساء: ٢٥] قَالَ: «الطَّوْلُ: السَّعَةُ»
٦ / ٥٩٢
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا﴾ [النساء: ٢٥] أَمَّا قَوْلُهُ طَوْلًا: فَسَعَةٌ مِنَ الْمَالِ “
٦ / ٥٩٣
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا﴾ [النساء: ٢٥] الْآيَةُ، قَالَ: طَوْلًا: لَا يَجِدُ مَا يَنْكِحُ بِهِ حُرَّةً ” وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى الطَّوْلِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: الْهَوَى
٦ / ٥٩٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: ثني عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ رَبِيعَةَ، أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا﴾ [النساء: ٢٥] قَالَ: «الطَّوْلُ: الْهَوَى، قَالَ: يَنْكِحُ الْأَمَةَ إِذَا كَانَ هَوَاهُ فِيهَا»
٦ / ٥٩٣
حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: كَانَ رَبِيعَةُ يُلَيِّنُ فِيهِ بَعْضَ التَّلْيِينِ، كَانَ يَقُولُ: إِذَا خَشِيَ عَلَى نَفْسِهِ إِذَا أَحَبَّهَا أَيِ الْأَمَةُ وَإِنْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى نِكَاحِ غَيْرِهَا فَإِنِّي أَرَى أَنْ يَنْكِحَهَا “
٦ / ٥٩٣
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا حَبَّانُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ⦗٥٩٤⦘ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ: أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْحُرِّ، يَتَزَوَّجُ الْأَمَةَ، فَقَالَ: «إِنْ كَانَ ذَا طَوْلٍ فَلَا. قِيلَ: إِنْ وَقَعَ حُبُّ الْأَمَةِ فِي نَفْسِهِ؟ قَالَ: إِنْ خَشِيَ الْعَنَتَ فَلْيَتَزَوَّجْهَا»
٦ / ٥٩٣
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ عُبَيْدَةَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: «لَا يَتَزَوَّجُ الْحُرُّ الْأَمَةَ إِلَّا أَنْ لَا يَجِدَ» . وَكَانَ إِبْرَاهِيمُ يَقُولُ: «لَا بَأْسَ بِهِ»
٦ / ٥٩٤
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا حَبَّانُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَطَاءً، يَقُولُ: «لَا نَكْرَهُ أَنْ يَنْكِحَ، ذُو الْيَسَارِ الْأَمَةَ إِذَا خَشِيَ أَنْ يَسْعَى بِهَا» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَى الطَّوْلِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: السَّعَةُ وَالْغِنَى مِنَ الْمَالِ، لِإِجْمَاعِ الْجَمِيعِ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى لَمْ يُحَرِّمْ شَيْئًا مِنَ الْأَشْيَاءِ سِوَى نِكَاحِ الْإِمَاءِ لِوَاجِدِ الطَّوْلِ إِلَى الْحُرَّةِ، فَأَحَلَّ مَا حَرَّمَ مِنْ ذَلِكَ عِنْدَ غَلَبَتِهِ الْمُحَرَّمُ عَلَيْهِ لَهُ لِقَضَاءِ لَذَّةٍ. فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ إِجْمَاعًا مِنَ الْجَمِيعِ فِيمَا عَدَا نِكَاحَ الْإِمَاءِ لِوَاجِدِ الطَّوْلِ، فَمَثَلُهُ فِي التَّحْرِيمِ نِكَاحُ الْإِمَاءِ لِوَاجِدِ الطَّوْلِ: لَا يَحِلُّ لَهُ مِنْ أَجْلِ غَلَبَةِ هَوًى
٦ / ٥٩٤
سَرَّهُ فِيهَا، لِأَنَّ ذَلِكَ مَعَ وُجُودِهِ الطَّوْلَ إِلَى الْحُرَّةِ مِنْهُ قَضَاءُ لَذَّةٍ وَشَهْوَةٍ وَلَيْسَ بِمَوْضِعِ ضَرُورَةٍ تَدْفَعُ تَرَخُّصَهُ كَالْمَيْتَةِ لِلْمُضْطَرِّ الَّذِي يُخَافُ هَلَاكُ نَفْسِهِ فَيَتَرَخَّصُ فِي أَكْلِهَا لِيُحْيِيَ بِهَا نَفْسَهُ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ اللَّوَاتِي رَخَّصَ اللَّهُ لِعِبَادِهِ فِي حَالِ الضَّرُورَةِ وَالْخَوْفِ عَلَى أَنْفُسِهِمُ الْهَلَاكَ مِنْهُ مَا حُرِّمَ عَلَيْهِمْ مِنْهَا فِي غَيْرِهَا مِنَ الْأَحْوَالِ. وَلَمْ يُرَخِّصِ اللَّهُ تبارك وتعالى لِعَبْدٍ فِي حَرَامٍ لِقَضَاءِ لَذَّةٍ، وَفِي إِجْمَاعِ الْجَمِيعِ عَلَى أَنَّ رَجُلًا لَوْ غَلَبَهُ هَوَى امْرَأَةٍ حُرَّةِ أَوِ امْرَأَةٍ أَنَّهَا لَا تَحِلُّ لَهُ إِلَّا بِنِكَاحٍ أَوْ شِرَاءٍ عَلَى مَا أَذِنَ اللَّهُ بِهِ، مَا يُوَضِّحُ فَسَادَ قَوْلِ مَنْ قَالَ: مَعْنَى الطَّوْلِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: الْهَوَى، وَأَجَازَ لِوَاجِدِ الطَّوْلِ لِحُرَّةٍ نِكَاحَ الْإِمَاءِ. فَتَأْوِيلُ الْآيَةِ إِذْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا وَصَفْنَا: وَمَنْ لَمْ يَجِدْ مِنْكُمْ سَعَةً مِنْ مَالٍ لِنِكَاحِ الْحَرَائِرِ، فَلْيَنْكِحْ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ. وَأَصْلُ الطَّوْلِ: الْإِفْضَالُ، يُقَالَ مِنْهُ: طَالَ عَلَيْهِ يَطُولُ طَوْلًا فِي الْإِفْضَالِ، وَطَالَ يَطُولُ طَوْلًا فِي الطُّولُ الَّذِي هُوَ خِلَافُ الْقِصَرِ
٦ / ٥٩٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ﴾ [النساء: ٢٥] يَعْنِي بِذَلِكَ: وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ طَوْلًا، يَعْنِي: مِنَ الْأَحْرَارِ أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ وَهُنَّ الْحَرَائِرُ الْمُؤْمِنَاتُ اللَّوَاتِي قَدْ صَدَّقْنَ بِتَوْحِيدِ اللَّهِ وَبِمَا جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِنَ الْحَقِّ ⦗٥٩٦⦘ وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي الْمُحْصَنَاتِ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٦ / ٥٩٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ،﴾ [النساء: ٢٥] يَقُولُ: «أَنْ يَنْكِحَ الْحَرَائِرَ، فَلْيَنْكِحْ مِنْ إِمَاءِ الْمُؤْمِنِينَ»
٦ / ٥٩٦
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ﴾ [النساء: ٢٥]، الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ قَالَ: «الْمُحْصَنَاتُ الْحَرَائِرُ، فَلْيَنْكِحِ الْأَمَةَ الْمُؤْمِنَةَ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
٦ / ٥٩٦
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: «أَمَّا فَتَيَاتُكُمْ فَإِمَاؤُكُمْ»
٦ / ٥٩٦
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: ﴿أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ، فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ﴾ [النساء: ٢٥] قَالَ: «أَمَّا مَنْ لَمْ يَجِدْ مَا يَنْكِحُ بِهِ الْحُرَّةَ فَيَتَزَوَّجِ ⦗٥٩٧⦘ الْأَمَةَ»
٦ / ٥٩٦
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿أَنْ يَنْكِحَ، الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ﴾ [النساء: ٢٥] قَالَ: «مَنْ لَمْ يَجِدْ مَا يَنْكِحُ بِهِ حُرَّةً فَيَنْكِحُ هَذِهِ الْأَمَةَ فَيَتَعَفَّفُ بِهَا وَيَكْفِيهِ أَهْلُهَا مُؤْنَتَهَا، وَلَمْ يُحِلَّ اللَّهُ ذَلِكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِمَنْ لَا يَجِدُ مَا يَنْكِحُ بِهِ حُرَّةً وَيُنْفِقُ عَلَيْهَا، وَلَمْ يُحِلَّ لَهُ حَتَّى يَخْشَى الْعَنَتَ»
٦ / ٥٩٧
حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا حَبَّانُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ، عَنْ عَامِرٍ الْأَحْوَلِ، عَنِ الْحَسَنِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ «نَهَى أَنْ تُنْكَحَ الْأَمَةُ عَلَى الْحُرَّةِ وَتُنْكَحَ الْحُرَّةُ عَلَى الْأَمَةِ، وَمَنْ وَجَدَ طَوْلًا لِحُرَّةٍ فَلَا يَنْكِحْ أَمَةً» وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ جَمَاعَةٌ مِنْ قُرَّاءِ الْكُوفِيِّينَ وَالْمَكِّيِّينَ: (أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصِنَاتِ) بِكَسْرِ الصَّادِ مَعَ سَائِرِ مَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ نَظَائِرِ ذَلِكَ سِوَى قَوْلِهِ: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ [النساء: ٢٤] فَإِنَّهُمْ فَتَحُوا الصَّادَ مِنْهَا، وَوَجَّهُوا تَأْوِيلَهُ إِلَى أَنَّهُنَّ مُحْصَنَاتٌ بِأَزْوَاجِهِنَّ، وَأَنَّ أَزْوَاجَهُنَّ هُمْ ⦗٥٩٨⦘ أَحْصَنُوهُنَّ. وَأَمَّا سَائِرُ مَا فِي الْقُرْآنِ فَإِنَّهُمْ تَأَوَّلُوا فِي كَسْرِهِمُ الصَّادَ مِنْهُ إِلَى أَنَّ النِّسَاءَ هُنَّ أَحْصَنَّ أَنْفُسَهُنَّ بِالْعِفَّةِ. وَقَرَأتِ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَالْعِرَاقِ ذَلِكَ كُلَّهُ بِالْفَتْحِ، بِمَعْنَى أَنَّ بَعْضَهُنَّ أَحْصَنَهُنَّ أَزْوَاجُهُنَّ، وَبَعْضَهُنَّ أَحْصَنَهُنَّ حُرِّيَتُهُنَّ أَوْ إِسْلَامُهُنَّ. وَقَرَأَ بَعْضُ الْمُتَقَدِّمِينَ كُلَّ ذَلِكَ بِالْكَسْرِ، بِمَعْنَى أَنَّهُنَّ عَفَفْنَ وَأَحْصَنَّ أَنْفُسَهُنَّ. وذُكِرَتْ هَذِهِ الْقِرَاءَةُ أَعِنِّي بِكَسْرِ الْجَمِيعِ عَنْ عَلْقَمَةَ عَلَى الاخْتِلَافِ فِي الرِّوَايَةِ عَنْهُ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالصَّوَابُ عِنْدَنَا مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مُسْتَفِيضَتَانِ فِي قِرَاءَةِ الْأَمْصَارِ مَعَ اتِّفَاقِ ذَلِكَ فِي الْمَعْنَى، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ الصَّوَابَ، إِلَّا فِي الْحَرْفِ الْأَوَّلِ مِنْ سُورَةِ النِّسَاءِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ [النساء: ٢٤] فَإِنِّي لَا أَسْتَجِيزُ الْكَسْرَ فِي صَادِهِ لِاتِّفَاقِ قِرَاءَةِ الْأَمْصَارِ عَلَى فَتْحِهَا. وَلَوْ كَانَتِ الْقِرَاءَةُ بِكَسْرِهَا مُسْتَفِيضَةً اسْتِفَاضَتَهَا بِفَتْحِهَا كَانَ صَوَابًا الْقِرَاءَةُ بِهَا كَذَلِكَ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ تَصَرُّفِ الْإِحْصَانِ فِي الْمَعَانِي الَّتِي بَيَّنَّاهَا، فَيَكُونُ مَعْنَى ذَلِكَ لَوْ كُسِرَ: وَالْعَفَائِفُ مِنَ النِّسَاءِ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ، إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ، بِمَعْنَى أَنَّهُنَّ أَحْصَنَّ أَنْفُسَهُنَّ بِالْعِفَّةِ. وَأَمَّا الْفَتَيَاتُ فَإِنَّهُنَّ جَمْعُ فَتَاةٍ، وَهُنَّ الشَّوَابُّ مِنَ النِّسَاءِ، ثُمَّ يُقَالَ لِكُلِّ مَمْلُوكَةٍ ذَاتِ سِنٍّ أَوْ شَابَّةٍ فَتَاةُ، وَالْعَبْدُ فَتًى ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي نِكَاحِ الْفَتَيَاتِ غَيْرِ الْمُؤْمِنَاتِ، وَهَلْ عَنَى اللَّهُ بِقَوْلِهِ ⦗٥٩٩⦘: ﴿مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ﴾ [النساء: ٢٥] تَحْرِيمُ مَا عَدَا الْمُؤْمِنَاتِ مِنْهُنَّ، أَمْ ذَلِكَ مِنَ اللَّهِ تَأْدِيبٌ لِلْمُؤْمِنِينَ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: ذَلِكَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ دَلَالَةٌ عَلَى تَحْرِيمِ نِكَاحِ إِمَاءِ الْمُشْرِكِينَ
٦ / ٥٩٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ﴾ [النساء: ٢٥] قَالَ: «لَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَزَوَّجَ مَمْلُوكَةً نَصْرَانِيَّةً»
٦ / ٥٩٩
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ﴾ [النساء: ٢٥] قَالَ: «لَا يَنْبَغِي لِلْحُرِّ الْمُسْلِمِ أَنْ يَنْكِحَ الْمَمْلُوكَةَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ»
٦ / ٥٩٩
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: ثنا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَمْرٍو، وَسَعِيدَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَمَالِكَ بْنَ أَنَسٍ، وَمَالِكَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، يَقُولُونَ: «لَا يَحِلُّ لِحُرٍّ مُسْلِمٍ وَلَا لِعَبْدٍ مُسْلِمٍ الْأَمَةُ النَّصْرَانِيَّةُ، لِأَنَّ اللَّهَ يَقُولُ: ﴿مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ﴾ [النساء: ٢٥] يَعْنِي بِالنِّكَاحِ» ⦗٦٠٠⦘ وَقَالَ آخَرُونَ: ذَلِكَ مِنَ اللَّهِ عَلَى الْإِرْشَادِ وَالنَّدْبِ، لَا عَلَى التَّحْرِيمِ. وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ
٦ / ٥٩٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُغِيرَةَ، قَالَ: قَالَ أَبُو مَيْسَرَةَ، أَمَّا أَهْلُ الْكِتَابِ بِمَنْزِلَةِ الْحَرَائِرِ ” وَمِنْهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ. وَاعْتَلُّوا لِقَوْلِهِمْ بِقَوْلِ اللَّهِ: ﴿أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلَكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ﴾ [المائدة: ٥] قَالُوا: فَقَدْ أَحَلَّ اللَّهُ مُحْصَنَاتِ أَهْلِ الْكِتَابِ عَامًا، فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَخُصَّ مِنْهُنَّ أَمَةً وَلَا حُرَّةً. قَالُوا: وَمَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ﴾ [النساء: ٢٥] غَيْرُ الْمُشْرِكَاتِ مِنْ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: هُوَ دَلَالَةٌ عَلَى تَحْرِيمِ نِكَاحِ إِمَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ فَإِنَّهُنَّ لَا يَحْلِلْنَ إِلَّا بِمِلْكِ الْيَمِينِ؛ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَحَلَّ نِكَاحَ الْإِمَاءِ بِشُرُوطٍ، فَمَا لَمْ تَجْتَمِعِ الشُّرُوطُ الَّتِي سَمَّاهَا فِيهِنَّ، فَغَيْرُ جَائِزٍ لِمُسْلِمٍ نِكَاحُهُنَّ. ⦗٦٠١⦘ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَإِنَّ الْآيَةَ الَّتِي فِي الْمَائِدَةِ تَدُلُّ عَلَى إِبَاحَتِهِنَّ بِالنِّكَاحِ؟ قِيلَ: إِنَّ الَّتِي فِي الْمَائِدَةِ قَدْ أَبَانَ أَنَّ حُكْمَهَا فِي خَاصٍّ مِنْ مُحْصَنَاتِهِمْ، وَأَنَّهَا مَعْنِيُّ بِهَا حَرَائِرُهُمْ دُونَ إِمَائِهِمْ، قَوْلُهُ: ﴿مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ﴾ [النساء: ٢٥] وَلَيْسَتْ إِحْدَى الْآيَتَيْنِ دَافِعَةً حُكْمَهَا حُكْمَ الْأُخْرَى، بَلْ إِحْدَاهُمَا مُبَيِّنَةٌ حُكْمَ الْأُخْرَى، وَإِنَّمَا تَكُونُ إِحْدَاهُمَا دَافِعَةٌ حُكْمَ الْأُخْرَى لَوْ لَمْ يَكُنْ جَائِزًا اجْتِمَاعُ حُكْمَيْهِمَا عَلَى صِحَّةِ، فَأَمَّا وَهُمَا جَائِزٌ اجْتِمَاعُ حُكْمُهُمَا عَلَى الصِّحَّةِ، فَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَحْكُمَ لِإِحْدَاهُمَا بِأَنَّهَا دَافِعَةٌ حُكْمَ الْأُخْرَى إِلَّا بِحَجَّةِ التَّسْلِيمِ لَهَا مِنْ خَبَرٍ أَوْ قِيَاسٍ، وَلَا خَبَرَ بِذَلِكَ وَلَا قِيَاسَ، وَالْآيَةُ مُحْتَمِلَةٌ مَا قُلْنَا: وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ حَرَائِرِ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ دُونَ إِمَائِهِمْ