سُورَةُ النِّسَاءِ 2

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا﴾ [النساء: ٥] قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى ذَلِكَ: عِدْهُمْ عِدَةً جَمِيلَةً مِنَ الْبِرِّ وَالصِّلَةِ
٦ ‏/ ٤٠١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا﴾ [النساء: ٥] قَالَ: «أُمِرُوا أَنْ يَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا فِي الْبِرِّ وَالصِّلَةِ، يَعْنِي النِّسَاءَ وَهُنَّ السُّفَهَاءُ عِنْدَهُ»
٦ ‏/ ٤٠١
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا﴾ [النساء: ٥] قَالَ: «عِدَةٌ تَعِدُونَهُمْ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: ادْعُوا لَهُمْ
٦ ‏/ ٤٠٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا﴾ [النساء: ٥] «إِنْ كَانَ لَيْسَ مِنْ وَلَدِكَ، وَلَا مِمَّنْ يَجِبُ عَلَيْكَ أَنْ تُنْفِقَ عَلَيْهِ، فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا، قُلْ لَهُمْ: عَافَانَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ، وَبَارَكَ اللَّهُ فِيكَ» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصِّحَّةِ، مَا قَالَهُ ابْنُ جُرَيْجٍ، وَهُوَ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا﴾ [النساء: ٥] أَيْ قُولُوا يَا مَعْشَرَ وُلَاةِ السُّفَهَاءِ قَوْلًا مَعْرُوفًا لِلسُّفَهَاءِ، إِنْ صَلَحْتُمْ وَرَشَدْتُمْ سَلَّمْنَا إِلَيْكُمْ أَمْوَالَكُمْ وَخَلَّيْنَا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهَا، فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي أَنْفُسِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْقَوْلِ الَّذِي فِيهِ حَثٌّ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ وَنَهْي عَنْ مَعْصِيَتِهِ
٦ ‏/ ٤٠٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا﴾ [النساء: ٦] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَابْتَلُوا الْيَتَامَى﴾ [النساء: ٦] وَاخْتَبِرُوا عُقُولَ يَتَامَاكُمْ فِي ⦗٤٠٣⦘ أَفْهَامِهِمْ، وَصَلَاحِهِمْ فِي أَدْيَانِهِمْ، وَإِصْلَاحِهِمْ أَمْوَالَهُمْ
٦ ‏/ ٤٠٢
كَمَا: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، وَالْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَابْتَلُوا الْيَتَامَى﴾ [النساء: ٦] قَالَا: يَقُولُ: «اخْتَبِرُوا الْيَتَامَى»
٦ ‏/ ٤٠٣
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: «أَمَّا ابْتَلُوا الْيَتَامَى: فَجَرِّبُوا عُقُولَهُمْ»
٦ ‏/ ٤٠٣
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَابْتَلُوا الْيَتَامَى﴾ [النساء: ٦] قَالَ: «عُقُولَهُمْ»
٦ ‏/ ٤٠٣
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَابْتَلُوا الْيَتَامَى﴾ [النساء: ٦] قَالَ: «اخْتَبِرُوهُمْ»
٦ ‏/ ٤٠٣
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ﴾ [النساء: ٦] قَالَ: «اخْتَبِرُوهُ فِي رَأْيِهِ وَفِي عَقْلِهِ كَيْفَ هُوَ إِذَا عَرَفَ أَنَّهُ قَدْ أُنُسَ مِنْهُ رُشْدٌ دَفَعَ إِلَيْهِ مَالَهُ» قَالَ: «وَذَلِكَ بَعْدَ الِاحْتِلَامِ» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَقَدْ دَلَّلْنَا فِيمَا مَضَى قَبْلُ عَلَى أَنَّ مَعْنَى الِابْتِلَاءِ: الِاخْتِبَارُ، بِمَا فِيهِ ⦗٤٠٤⦘ الْكِفَايَةُ عَنْ إِعَادَتِهِ
٦ ‏/ ٤٠٣
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ﴾ [النساء: ٦] فَإِنَّهُ يَعْنِي: إِذَا بَلَغُوا الْحُلُمَ
٦ ‏/ ٤٠٤
كَمَا: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ﴾ [النساء: ٦] «حَتَّى إِذَا احْتَلَمُوا»
٦ ‏/ ٤٠٤
حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ﴾ [النساء: ٦] قَالَ: «عِنْدَ الْحُلُمِ»
٦ ‏/ ٤٠٤
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ﴾ [النساء: ٦] قَالَ: «الْحُلُمَ»
٦ ‏/ ٤٠٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: ﴿فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا﴾ [النساء: ٦] يَعْنِي قَوْلَهُ: ﴿فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا﴾ [النساء: ٦] فَإِنْ وَجَدْتُمْ مِنْهُمْ وَعَرَفْتُمْ
٦ ‏/ ٤٠٤
كَمَا: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا﴾ [النساء: ٦] قَالَ: «عَرَفْتُمْ مِنْهُمْ» ⦗٤٠٥⦘ يُقَالُ: آنَسْتُ مِنْ فُلَانٍ خَيْرًا وَبِرًّا بِمَدِّ الْأَلِفِ إيِنَاسًا، وَأَنِسْتُ بِهِ آنَسُ أُنْسًا بِقَصْرِ أَلِفِهَا: إِذَا أَلِفَهُ. وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّهَا فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ: «فَإِنْ أَحْسَيْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا» بِمَعْنَى: أَحْسَسْتُمْ: أَيْ وَجَدْتُمْ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى الرُّشْدِ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى الرُّشْدِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: الْعَقْلُ وَالصَّلَاحُ فِي الدِّينِ
٦ ‏/ ٤٠٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا﴾ [النساء: ٦] «عُقُولًا وَصَلَاحًا»
٦ ‏/ ٤٠٥
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا﴾ [النساء: ٦] يَقُولُ: «صَلَاحًا فِي عَقْلِهِ وَدِينِهِ» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: صَلَاحًا فِي دِينِهِمْ، وَإِصْلَاحًا لِأَمْوَالِهِمْ
٦ ‏/ ٤٠٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ مُبَارَكٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: «رُشْدًا فِي ⦗٤٠٦⦘ الدِّينِ وَصَلَاحًا وَحِفْظًا لِلْمَالِ»
٦ ‏/ ٤٠٥
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا﴾ [النساء: ٦] «فِي حَالِهِمْ، وَالْإِصْلَاحَ فِي أَمْوَالِهِمْ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ ذَلِكَ الْعَقْلُ خَاصَّةً
٦ ‏/ ٤٠٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «لَا نَدْفَعُ إِلَى الْيَتِيمِ مَالَهُ، وَإِنْ أَخَذَ بِلِحْيَتِهِ، وَإِنْ كَانَ شَيْخًا، حَتَّى يُؤْنَسَ مِنْهُ رُشْدُهُ: الْعَقْلُ»
٦ ‏/ ٤٠٦
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا﴾ [النساء: ٦] قَالَ: «الْعَقْلَ»
٦ ‏/ ٤٠٦
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو شُبْرُمَةَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «إِنَّ الرَّجُلَ لِيَأْخُذُ بِلِحْيَتِهِ وَمَا بَلَغَ رُشْدَهُ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ هُوَ الصَّلَاحُ وَالْعِلْمُ بِمَا يُصْلِحُهُ
٦ ‏/ ٤٠٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: ﴿فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا﴾ [النساء: ٦] قَالَ: «صَلَاحًا وَعِلْمًا بِمَا يُصْلِحُهُ» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ عِنْدِي بِمَعْنَى الرُّشْدِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: الْعَقْلُ وَإِصْلَاحُ الْمَالِ؛ لِإِجْمَاعِ الْجَمِيعِ عَلَى أَنَّهُ إِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ يَسْتَحِقُّ الْحَجْرَ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ، وَحَوْزَ مَا فِي يَدِهِ عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ فَاجِرًا فِي دِينِهِ، وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ إِجْمَاعًا مِنَ الْجَمِيعِ، فَكَذَلِكَ حُكْمُهُ إِذَا بَلَغَ وَلَهُ مَالٌ فِي يَدَيْ وَصِيِّ أَبِيهِ أَوْ فِي يَدِ حَاكِمٍ قَدْ وَلِيَ مَالَهُ لِطُفُولَتِهِ، وَاجِبٌ عَلَيْهِ تَسْلِيمُ مَالِهِ إِلَيْهِ، إِذَا كَانَ عَاقِلًا بَالِغًا، مُصْلِحًا لِمَالِهِ، غَيْرَ مُفْسِدٍ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي بِهِ يَسْتَحِقُّ أَنْ يُوَلَّى عَلَى مَالِهِ الَّذِي هُوَ فِي يَدِهِ، هُوَ الْمَعْنَى الَّذِي بِهِ يَسْتَحِقُّ أَنْ يَمْنَعَ يَدَهُ مِنْ مَالِهِ الَّذِي هُوَ فِي يَدِ وَلِيٍّ، فَإِنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ ذَلِكَ، وَفِي إِجْمَاعِهِمْ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ حِيَازَةُ مَا فِي يَدِهِ فِي حَالِ صِحَّةِ عَقْلِهِ وَإِصْلَاحِ مَا فِي يَدِهِ، الدَّلِيلُ الْوَاضِحُ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ مَنْعُ يَدِهِ مِمَّا هُوَ لَهُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْحَالِ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ فِي يَدِ غَيْرِهِ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا، وَمَنْ فَرَّقَ بَيْنَ ذَلِكَ عُكِسَ عَلَيْهِ
٦ ‏/ ٤٠٧
الْقَوْلُ فِي ذَلِكَ، وَسُئِلَ الْفَرَقَ بَيْنَهُمَا مِنْ أَصْلٍ أَوْ نَظِيرٍ، فَلَنْ يَقُولَ فِي أَحَدِهِمَا قَوْلًا إِلَّا أُلْزِمَ فِي الْآخَرِ مِثْلَهُ، فَإِنْ كَانَ مَا وَصَفْنَا مِنَ الْجَمِيعِ إِجْمَاعًا، فَبَيِّنٌ أَنَّ الرُّشْدَ الَّذِي بِهِ يَسْتَحِقُّ الْيَتِيمُ إِذَا بَلَغَ فَأُونِسَ مِنْهُ دُفِعَ مَالُهُ إِلَيْهِ، مَا قُلْنَا مِنْ صِحَّةِ عَقْلِهِ وَإِصْلَاحِ مَالِهِ
٦ ‏/ ٤٠٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا﴾ [النساء: ٦] يَعْنِي بِذَلِكَ تَعَالَى ذِكْرُهُ وُلَاةَ أَمْوَالِ الْيَتَامَى، يَقُولُ اللَّهُ لَهُمْ: فَإِذَا بَلَغَ أَيْتَامُكُمُ الْحُلُمَ، فَآنَسْتُمْ مِنْهُمْ عَقْلًا وَإِصْلَاحًا لِأَمْوَالِهِمْ، فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ، وَلَا تَحْبِسُوهَا عَنْهُمْ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا﴾ [النساء: ٦] يَعْنِي: بِغَيْرِ مَا أَبَاحَهُ اللَّهُ لَكُمْ
٦ ‏/ ٤٠٨
كَمَا: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، وَالْحَسَنِ: ﴿وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا﴾ [النساء: ٦] يَقُولُ: «لَا تُسْرِفْ فِيهَا»
٦ ‏/ ٤٠٨
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا﴾ [النساء: ٦] قَالَ: «يُسْرِفُ فِي الْأَكْلِ» وَأَصْلُ الْإِسْرَافِ: تَجَاوُزُ الْحَدِّ الْمُبَاحِ إِلَى مَا لَمْ يُبَحْ، وَرُبَّمَا كَانَ ذَلِكَ فِي ⦗٤٠٩⦘ الْإِفْرَاطِ، وَرُبَّمَا كَانَ فِي التَّقْصِيرِ، غَيْرَ أَنَّهُ إِذَا كَانَ فِي الْإِفْرَاطِ فَاللُّغَةُ الْمُسْتَعْمَلَةُ فِيهِ أَنْ يُقَالَ: أَسْرَفَ يُسْرِفُ إِسْرَافًا، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فِي التَّقْصِيرِ، فَالْكَلَامُ مِنْهُ: سَرِفَ يَسْرَفُ سَرَفًا، يُقَالُ: مَرَرْتُ بِكُمْ فَسَرَفْتُكُمْ، يُرَادُ مِنْهُ: فَسَهَوْتُ عَنْكُمْ وَأَخْطَأْتُكُمْ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر البسيط] أَعْطَوْا هُنَيْدَةَ يَحْدُوهَا ثَمَانِيَةٌ … مَا فِي عَطَائِهِمُ مَنًّ وَلَا سَرَفٌ
يَعْنِي بِقَوْلِهِ: وَلَا سَرَفٌ: لَا خَطَأَ فِيهِ، يُرَادُ بِهِ: أَنَّهُمْ يُصِيبُونَ مَوَاضِعَ الْعَطَاءِ فَلَا يُخْطِئُونَهَا
٦ ‏/ ٤٠٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا﴾ [النساء: ٦] يَعْنِي جَلَّ ثناؤُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَبِدَارًا﴾ [النساء: ٦] وَمُبَادَرَةً؛ وَهُوَ مَصْدَرٌ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: بَادَرْتُ هَذَا الْأَمْرَ مُبَادَرَةً وَبِدَارًا. وَإِنَّمَا يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثناؤُهُ وُلَاةَ أَمْوَالِ الْيَتَامَى، يَقُولُ لَهُمْ: لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِسْرَافًا، يَعْنِي: مَا أَبَاحَ اللَّهُ لَكُمْ أَكْلُهُ، وَلَا مُبَادَرَةَ مِنْكُمْ بُلُوغَهُمْ، وِإِينَاسَ الرُّشْدِ مِنْهُمْ حَذَرًا أَنْ يَبْلُغُوا فَيَلْزَمَكُمْ تَسْلِيمُهُ إِلَيْهِمْ
٦ ‏/ ٤٠٩
كَمَا: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿إِسْرَافًا وَبِدَارًا﴾ [النساء: ٦] «يَعْنِي أَكْلَ مَالِ الْيَتِيمِ مُبَادِرًا أَنْ يَبْلُغَ فَيَحُولَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَالِهِ»
٦ ‏/ ٤٠٩
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، وَالْحَسَنِ: ﴿وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا﴾ [النساء: ٦] يَقُولُ: «لَا تُسْرِفْ فِيهَا، وَلَا تُبَادِرْ»
٦ ‏/ ٤١٠
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿وَبِدَارًا﴾ [النساء: ٦] «تَبَادُرًا أَنْ يَكْبَرُوا، فَيَأْخُذُوا أَمْوَالَهُمْ»
٦ ‏/ ٤١٠
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿إِسْرَافًا وَبِدَارًا﴾ [النساء: ٦] قَالَ: «هَذِهِ لِوَلِيِّ الْيَتِيمِ خَاصَّةً، جَعَلَ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مَعَهُ إِذَا لَمْ يَجِدْ شَيْئًا يَضَعُ يَدَهُ مَعَهُ، فَيَذْهَبُ بِوَجْهِهِ، يَقُولُ: لَا أَدْفَعُ إِلَيْهِ مَالَهُ، وَجَعَلْتَ تَأْكُلُهُ تَشْتَهِي أَكْلَهُ؛ لِأَنَّكَ إِنْ لَمْ تَدْفَعْهُ إِلَيْهِ لَكَ فِيهِ نَصِيبٌ، وَإِذَا دَفَعْتَهُ إِلَيْهِ فَلَيْسَ لَكَ فِيهِ نَصِيبٌ «وَمَوْضِعُ» أَنْ» فِي قَوْلِهِ: ﴿أَنْ يَكْبَرُوا﴾ [النساء: ٦] نُصِبَ بِالْمُبَادَرَةِ، لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ: لَا تَأْكُلُوهَا مُبَادَرَةَ كِبَرِهِمْ
٦ ‏/ ٤١٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [النساء: ٦]⦗٤١١⦘ يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثناؤُهُ: ﴿وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا﴾ [النساء: ٦] مِنْ وُلَاةِ أَمْوَالِ الْيَتَامَى عَلَى أَمْوَالِهِمْ، ﴿فَلْيَسْتَعْفِفْ﴾ [النساء: ٦] ” بِمَالِهِ عَنْ أَكْلِهَا بِغَيْرِ الْإِسْرَافِ وَالْبِدَارِ أَنْ يَكْبَرُوا، بِمَا أَبَاحَ اللَّهُ لَهُ أَكْلَهَا بِهِ
٦ ‏/ ٤١٠
كَمَا: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، وَابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ﴾ [النساء: ٦] قَالَ: «لِغِنَاهُ مِنْ مَالِهِ، حَتَّى يَسْتَغْنِيَ عَنْ مَالِ الْيَتِيمِ»
٦ ‏/ ٤١١
وَبِهِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ﴾ [النساء: ٦] «بِغِنَاهُ»
٦ ‏/ ٤١١
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [النساء: ٦] قَالَ: «مِنْ مَالِ نَفْسِهِ، وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا مِنْهُمْ إِلَيْهَا مُحْتَاجًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمَعْرُوفِ الَّذِي أَذِنَ اللَّهُ جَلَّ ثناؤُهُ لِولَاةِ أَمْوَالِهِمْ أَكْلَهَا بِهِ إِذَا كَانُوا أَهْلَ فَقْرٍ وَحَاجَةٍ إِلَيْهَا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: ذَلِكَ هُوَ الْقَرْضُ يَسْتَقْرِضُهُ مِنْ مَالِهِ ثُمَّ يَقْضِيهِ
٦ ‏/ ٤١١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، وَإِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ حَارِثَةَ بْنِ مُضَرِّبٍ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه: «إِنِّي أَنْزَلْتُ مَالَ اللَّهِ تَعَالَى مِنِّي بِمَنْزِلَةِ مَالِ الْيَتِيمِ، إِنِ اسْتَغْنَيْتُ اسْتَعْفَفْتُ، وَإِنِ افْتَقَرْتُ أَكَلْتُ بِالْمَعْرُوفِ، فَإِذَا أُيْسِرْتُ قَضَيْتُ»
٦ ‏/ ٤١٢
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ عَطِيَّةَ، عَنْ زُهَيْرٍ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [النساء: ٦] قَالَ: «هُوَ الْقَرْضُ»
٦ ‏/ ٤١٢
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا الْمُعْتَمِرُ، قَالَ: سَمِعْتُ يُونُسَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ عَبِيدَةَ السَّلْمَانِيِّ، أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [النساء: ٦] قَالَ: «الَّذِي يُنْفِقُ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ يَكُونُ عَلَيْهِ قَرْضًا»
٦ ‏/ ٤١٢
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ بْنُ عَلْقَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، قَالَ: سَأَلْتُ عَبِيدَةَ عَنْ قَوْلِهِ: ﴿وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا ⦗٤١٣⦘ فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [النساء: ٦] قَالَ: «إِنَّمَا هُوَ قَرْضٌ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَالَ»: ﴿فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ﴾ [النساء: ٦] قَالَ: «فَظَنَنْتُ أَنَّهُ قَالَهَا بِرَأْيهِ»
٦ ‏/ ٤١٢
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبِيدَةَ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [النساء: ٦] «وَهُوَ عَلَيْهِ قَرْضٌ»
٦ ‏/ ٤١٣
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ عَلْقَمَةَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ عَبِيدَةَ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [النساء: ٦] قَالَ: «الْمَعْرُوفُ: الْقَرْضُ» أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ: ﴿فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ﴾ [النساء: ٦] حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ عُبَيْدَةَ، مِثْلَ حَدِيثِ هِشَامٍ
٦ ‏/ ٤١٣
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [النساء: ٦] «يَعْنِي الْقَرْضَ»
٦ ‏/ ٤١٣
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [النساء: ٦] يَقُولُ: «إِنْ كَانَ غَنِيًّا فَلَا يَحِلُّ لَهُ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ شَيْئًا، وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَسْتَقْرِضْ مِنْهُ، فَإِذَا وَجَدَ مَيْسَرَةً فَلْيُعْطِهِ مَا اسْتَقْرَضَ مِنْهُ؛ فَذَلِكَ أَكْلُهُ بِالْمَعْرُوفِ»
٦ ‏/ ٤١٤
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ إِدْرِيسَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَذْكُرُ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: «يَأْكُلُ قَرْضًا بِالْمَعْرُوفِ»
٦ ‏/ ٤١٤
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حَجَّاجٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: «هُوَ الْقَرْضُ مَا أَصَابَ مِنْهُ مِنْ شَيْءٍ قَضَاهُ إِذَا أَيْسَرَ» يَعْنِي قَوْلَهُ: ﴿وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [النساء: ٦]
٦ ‏/ ٤١٤
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ، قَالَ: ثنا حَمَّادٌ، قَالَ: سَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [النساء: ٦] قَالَ: «إِنْ أَخَذَ مِنْ مَالِهِ قَدْرَ قُوتِهِ قَرْضًا، فَإِنْ أَيْسَرَ بَعْدُ قَضَاهُ وَإِنْ حَضَرَهُ الْمَوْتُ وَلَمْ يُوسِرْ تَحَلَّلَهُ مِنَ الْيَتِيمِ، وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا تَحَلَّلَهُ مِنْ وَلِيِّهِ»
٦ ‏/ ٤١٤
حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ، قَالَ: ثنا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: «فَلْيَأْكُلْ قَرْضًا»
٦ ‏/ ٤١٤
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: ﴿وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [النساء: ٦] قَالَ: «هُوَ ⦗٤١٥⦘ الْقَرْضُ»
٦ ‏/ ٤١٤
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي قَيْسٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ: ﴿وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [النساء: ٦] قَالَ: «لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا أَنْ يُضْطَرَّ إِلَيْهِ كَمَا يُضْطَرُّ إِلَى الْمَيْتَةِ، فَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ شَيْئًا قَضَاهُ»
٦ ‏/ ٤١٥
حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ، قَالَ: ثنا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [النساء: ٦] قَالَ: «قَرْضًا» حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
٦ ‏/ ٤١٥
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [النساء: ٦] قَالَ: «سَلَفًا مِنْ مَالِ يَتِيمِهِ»
٦ ‏/ ٤١٥
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، وَعَنْ حَمَّادٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: ﴿فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [النساء: ٦] قَالَا: «هُوَ الْقَرْضُ» قَالَ الثَّوْرِيُّ: وَقَالَهُ الْحَكَمُ أَيْضًا، أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَالَ: ﴿فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ﴾ [النساء: ٦]
٦ ‏/ ٤١٥
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: ثنا حَجَّاجٌ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «هُوَ الْقَرْضُ مَا أَصَابَ مِنْهُ مِنْ شَيْءٍ قَضَاهُ إِذَا أَيْسَرَ» يَعْنِي: ﴿وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [النساء: ٦]
٦ ‏/ ٤١٦
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ: ﴿فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [النساء: ٦] قَالَ: «الْقَرْضُ» أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ: ﴿فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ﴾ [النساء: ٦]
٦ ‏/ ٤١٦
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، قَالَ: «قَرْضًا»
٦ ‏/ ٤١٦
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: «إِذَا احْتَاجَ الْوَلِيُّ أَوِ افْتَقَرَ فَلَمْ يَجِدْ شَيْئًا، أَكَلَ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ، وَكَتَبَهُ، فَإِنْ أُيْسِرَ قَضَاهُ، وَإِنْ لَمْ يُوسَرْ حَتَّى تَحْضُرَهُ الْوَفَاةُ دَعَا الْيَتِيمَ فَاسْتَحَلَّ مِنْهُ مَا أَكَلَ»
٦ ‏/ ٤١٦
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [النساء: ٦] «مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ بِغَيْرِ إِسْرَافٍ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ فِيمَا أَكَلَ مِنْهُ» ⦗٤١٧⦘ وَاخْتَلَفَ قَائِلُو هَذَا الْقَوْلِ فِي مَعْنَى أَكْلِ ذَلِكَ بِالْمَعْرُوفِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَنْ يَأْكُلَ مِنْ طَعَامِهِ بِأَطْرَافِ الْأَصَابِعِ، وَلَا يَلْبَسُ مِنْهُ
٦ ‏/ ٤١٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مَنْ، سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ، يَقُولُ: ﴿وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [النساء: ٦] قَالَ: «بِأَطْرَافِ أَصَابِعِهِ» حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ الْأَشْجَعِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَمَّنْ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ؛ فَذَكَرَ مِثْلَهُ
٦ ‏/ ٤١٧
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [النساء: ٦] يَقُولُ: ﴿وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا﴾ [النساء: ٦] «مَنْ وَلِيَ مَالَ الْيَتِيمِ فَلْيَسْتَعْفِفْ عَنْ مَالِهِ» ﴿وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا﴾ [النساء: ٦] «مَنْ وَلِيَ مَالَ الْيَتِيمِ فَلْيَأْكُلْ مَعَهُ بِأَصَابِعِهِ، لَا يُسْرِفْ فِي الْأَكْلِ، وَلَا يَلْبَسْ»
٦ ‏/ ٤١٨
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا حَرَمِيُّ بْنُ عُمَارَةَ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ عُمَارَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ «فِي مَالِ الْيَتِيمِ: يَدُكَ مَعَ أَيْدِيهِمْ، وَلَا تَتَّخِذْ مِنْهُ قَلَنْسُوَةً»
٦ ‏/ ٤١٨
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَطَاءٍ، وَعِكْرِمَةَ، قَالَا: «تَضَعُ يَدَكَ مَعَ يَدِهِ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلِ الْمَعْرُوفُ فِي ذَلِكَ، أَنْ يَأْكُلَ مَا يَسُدُّ جُوعَهُ وَيَلْبَسَ مَا وَارَى الْعَوْرَةَ
٦ ‏/ ٤١٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُغِيرَةُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: «إِنَّ الْمَعْرُوفَ لَيْسَ يَلْبَسُ الْكَتَّانَ وَلَا الْحُلَلَ، وَلَكِنْ مَا سَدَّ الْجُوعَ ⦗٤١٩⦘ وَوَارَى الْعَوْرَةَ»
٦ ‏/ ٤١٨
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: «كَانَ يُقَالُ: لَيْسَ الْمَعْرُوفُ يَلْبَسُ الْكَتَّانَ وَالْحُلَلَ، وَلَكِنَّ الْمَعْرُوفَ مَا سَدَّ الْجُوعَ وَوَارَى الْعَوْرَةَ» حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ نَحْوَهُ
٦ ‏/ ٤١٩
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: ثنا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ: ثنا أَبُو مَعْبَدٍ، قَالَ: سُئِلَ مَكْحُولٌ عَنْ وَلِيِّ الْيَتِيمِ، مَا أَكْلُهُ بِالْمَعْرُوفِ إِذَا كَانَ فَقِيرًا؟ قَالَ: «يَدُهُ مَعَ يَدِهِ» قِيلَ لَهُ: فَالْكِسْوَةُ؟ قَالَ: «يَلْبَسُ مِنْ ثِيَابِهِ، فَأَمَّا أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ مَالِهِ مَالًا لِنَفْسِهِ فَلَا»
٦ ‏/ ٤١٩
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا الْأَشْجَعِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ فِي قَوْلِهِ: ﴿فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [النساء: ٦] قَالَ: «مَا سَدَّ الْجُوعَ، وَوَارَى الْعَوْرَةَ، أَمَا إِنَّهُ لَيْسَ لَبُوسَ الْكَتَّانِ وَالْحُلَلِ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ ذَلِكَ الْمَعْرُوفُ أَكْلُ تَمْرِهِ وَشُرْبُ رِسْلِ مَاشِيَتِهِ بِقِيَامِهِ عَلَى ذَلِكَ، فَأَمَّا الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ فَلَيْسَ لَهُ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْهُمَا إِلَّا عَلَى وَجْهِ الْقَرْضِ
٦ ‏/ ٤١٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ: إِنَّ فِي حِجْرِي أَمْوَالَ أَيْتَامٍ، وَهُوَ يَسْتَأْذِنُهُ أَنْ يُصِيبَ مِنْهَا، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «أَلَسْتَ تَبْغِي ضَالَّتَهَا؟» قَالَ: بَلَى، قَالَ: «أَلَسْتَ تَهْنَأُ جُرَّبَاهَا؟» قَالَ: بَلَى. قَالَ: «أَلَسْتَ تُلِيطُ حِيَاضَهَا؟» قَالَ: بَلَى، قَالَ: «أَلَسْتَ تُفْرِطُ عَلَيْهَا يَوْمَ ورُودِهَا؟» قَالَ: بَلَى. قَالَ: «فَأَصِبْ مِنْ رِسْلِهَا» يَعْنِي: مِنْ لَبَنِهَا
٦ ‏/ ٤٢٠
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: إِنَّ فِي حِجْرِي أَيْتَامًا، وَإِنَّ لَهُمْ إِبِلًا وَلِي إِبِلٌ، وَأَنَا أَمْنَحُ مِنْ إِبِلِي فُقَرَاءَ، فَمَاذَا يَحِلُّ لِي مِنْ أَلْبَانِهَا؟ قَالَ: «إِنْ كُنْتَ تَبْغِي ضَالَّتَهَا، وَتَهْنَأُ جُرَّبَاهَا، وَتَلُوطُ حَوْضَهَا، وَتَسْعَى عَلَيْهَا فَاشْرَبْ غَيْرَ مُضَرٍّ بِنَسْلٍ، وَلَا ⦗٤٢١⦘ نَاهِكٍ فِي الْحَلْبِ»
٦ ‏/ ٤٢٠
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ، قَالَ: ثنا دَاوُدُ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، فِي هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [النساء: ٦] قَالَ: «مِنْ فَضْلِ الرِّسْلِ وَالثَّمَرَةِ»
٦ ‏/ ٤٢١
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا دَاوُدُ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ فِي وَالِي مَالِ الْيَتِيمِ، قَالَ: «يَأْكُلُ مِنْ رِسْلِ الْمَاشِيَةِ، وَمِنَ الثَّمَرَةِ لِقِيَامِهِ عَلَيْهِ، وَلَا يَأْكُلُ مِنَ الْمَالِ» وَقَالَ: أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَالَ: ﴿فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ﴾ [النساء: ٦]؟
٦ ‏/ ٤٢١
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ إِدْرِيسَ، قَالَ: سَمِعْتُ دَاوُدَ، عَنْ رُفَيْعٍ أَبِي الْعَالِيَةِ، قَالَ: «رَخَّصَ لِوَلِيِّ الْيَتِيمِ أَنْ يُصِيبَ مِنَ الرِّسْلِ، وَيَأْكُلَ مِنَ الثَّمَرَةِ؛ وَأَمَّا الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ فَلَا بُدَّ أَنْ تُرَدَّ» ثُمَّ قَرَأَ: ﴿فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ﴾ [النساء: ٦] «أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَالَ: لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَدْفَعَ؟»
٦ ‏/ ٤٢١
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَوْفٌ، عَنِ الْحَسَنِ، أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّمَا كَانَتْ أَمْوَالُهُمْ إِدْخَالَ النَّخْلِ وَالْمَاشِيَةِ، فَرَخَّصَ لَهُمْ إِذَا كَانَ أَحَدُهُمْ مُحْتَاجًا أَنْ ⦗٤٢٢⦘ يُصِيبَ مِنَ الرِّسْلِ»
٦ ‏/ ٤٢١
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ سَالِمٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [النساء: ٦] قَالَ: «إِذَا كَانَ فَقِيرًا أَكَلَ مِنَ التَّمْرِ، وَشَرِبَ مِنَ اللَّبَنِ وَأَصَابَ مِنَ الرِّسْلِ»
٦ ‏/ ٤٢٢
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [النساء: ٦] ذُكِرَ لَنَا أَنَّ عَمَّ ثَابِتِ بْنِ رِفَاعَةَ – وَثَابِتٌ يَوْمَئِذٍ يَتِيمٌ فِي حِجْرِهِ – مِنَ الْأَنْصَارِ، أَتَى نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، إِنَّ ابْنَ أَخِي يَتِيمٌ فِي حِجْرِي، فَمَا يَحِلُّ لِي مِنْ مَالِهِ؟ قَالَ: «أَنْ تَأْكُلَ بِالْمَعْرُوفِ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَقِيَ مَالَكَ بِمَالِهِ، وَلَا تَتَّخِذْ مِنْ مَالِهِ وَفْرًا» وَكَانَ الْيَتِيمُ يَكُونُ لَهُ الْحَائِطُ مِنَ النَّخْلِ، فَيَقُومُ وَلِيُّهُ عَلَى صَلَاحِهِ وَسَقْيِهِ، فَيُصِيبُ مِنْ ثَمَرَتِهِ، أَوْ تَكُونُ لَهُ الْمَاشِيَةُ، فَيَقُومُ وَلِيُّهُ عَلَى صَلَاحِهَا، أَوْ يَلِي عِلَاجَهَا وَمُؤْنَتَهَا فَيُصِيبُ مِنْ جُزَازِهَا وَعَوَارِضِهَا وَرِسْلِهَا، فَأَمَّا رِقَابُ الْمَالِ وَأُصُولُ الْمَالِ، فَلَيْسَ لَهُ ⦗٤٢٣⦘ أَنْ يَسْتَهْلِكَهُ
٦ ‏/ ٤٢٢
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [النساء: ٦] «يَعْنِي رُكُوبَ الدَّابَّةِ وَخَدَمَةَ الْخَادِمِ، فَإِنْ أَخَذَ مِنْ مَالِهِ قَرْضًا فِي غِنًى، فَعَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَهُ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ مَالِهِ شَيْئًا» وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ: لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ إِذَا كَانَ يَلِي ذَلِكَ وَإِنْ أَتَى عَلَى الْمَالِ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ
٦ ‏/ ٤٢٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ صُبَيْحٍ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، وَرَبِيعَةَ، جَمِيعًا، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ: سُئِلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه عَمَّا يَصْلُحُ لِوَلِيِّ الْيَتِيمِ، قَالَ: «إِنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ، وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ»
٦ ‏/ ٤٢٣
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، كَانَ يَقُولُ: «يَحِلُّ لِوَلِيِّ الْأَمْرِ مَا يَحِلُّ لِوَلِيِّ الْيَتِيمِ، مَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ، وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا ⦗٤٢٤⦘ فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ»
٦ ‏/ ٤٢٣
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ عَطِيَّةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [النساء: ٦] قَالَ: «إِذَا احْتَاجَ فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ، فَإِنْ أُيْسِرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ»
٦ ‏/ ٤٢٤
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ بْنُ وَاقِدٍ، عَنْ يَزِيدَ النَّحْوِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، قَالَا: «ذَكَرَ اللَّهُ تبارك وتعالى مَالَ الْيَتَامَى، فَقَالَ: ﴿وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [النساء: ٦] وَمَعْرُوفٌ ذَلِكَ: أَنْ يَتَّقِيَ اللَّهَ فِي يَتِيمِهِ»
٦ ‏/ ٤٢٤
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ: «أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى قَضَاءً عَلَى وَلِيِّ الْيَتِيمِ إِذَا أَكَلَ وَهُوَ مُحْتَاجٌ»
٦ ‏/ ٤٢٤
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ: ﴿فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [النساء: ٦] «فِي الْوَصِيِّ قَالَ: لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ»
٦ ‏/ ٤٢٤
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [النساء: ٦] قَالَ: «إِذَا عَمِلَ فِيهِ وَلِيُّ الْيَتِيمِ أَكَلَ بِالْمَعْرُوفِ»
٦ ‏/ ٤٢٤
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: كَانَ الْحَسَنُ يَقُولُ: «إِذَا احْتَاجَ أَكَلَ بِالْمَعْرُوفِ مِنَ الْمَالِ، طُعْمَةً مِنَ اللَّهِ لَهُ»
٦ ‏/ ٤٢٥
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ ﷺ: إِنَّ فِي حِجْرِي يَتِيمًا أَفَأَضْرِبُهُ؟ قَالَ: «فِيمَا كُنْتَ ضَارِبًا مِنْهُ وَلَدَكَ»؟ قَالَ: أَفَأُصِيبُ مِنْ مَالِهِ؟ قَالَ: «بِالْمَعْرُوفِ غَيْرَ مُتَأَثِّلٍ مَالًا، وَلَا وَاقٍ مَالَكَ بِمَالِهِ» حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ مُوسَى، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، مِثْلَهُ
٦ ‏/ ٤٢٥
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ عَطَاءٍ، أَنَّهُ قَالَ: «يَضَعُ يَدَهُ مَعَ أَيْدِيهِمْ، فَيَأْكُلُ مَعَهُمْ كَقَدْرِ خِدْمَتِهِ وَقَدْرِ عَمَلِهِ»
٦ ‏/ ٤٢٥
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «وَلِيُّ الْيَتِيمِ إِذَا كَانَ مُحْتَاجًا يَأْكُلُ ⦗٤٢٦⦘ بِالْمَعْرُوفِ لِقِيَامِهِ بِمَالِهِ»
٦ ‏/ ٤٢٥
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: وَسَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ، تبارك وتعالى: ﴿وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [النساء: ٦] قَالَ: «إِنِ اسْتَغْنَى كَفَّ، وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا أَكَلَ بِالْمَعْرُوفِ» قَالَ: «أَكَلَ بِيَدِهِ مَعَهُمْ لِقِيَامِهِ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَحِفْظِهِ إِيَّاهَا، يَأْكُلُ مِمَّا يَأْكُلُونَ مِنْهُ، وَإِنِ اسْتَغْنَى كَفَّ عَنْهُ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ شَيْئًا» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ، قَوْلُ مَنْ قَالَ بِالْمَعْرُوفِ الَّذِي عَنَاهُ اللَّهُ تبارك وتعالى فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [النساء: ٦] أَكَلَ مَالَ الْيَتِيمِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَالْحَاجَةِ إِلَيْهِ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِقْرَاضِ مِنْهُ، فَأَمَّا عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ الْوَجْهِ فَغَيْرُ جَائِزٍ لَهُ أَكْلُهُ، وَذَلِكَ أَنَّ الْجَمِيعَ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ وَالِيَ الْيَتِيمِ لَا يَمْلِكُ مِنْ مَالِ يَتِيمِهِ إِلَّا الْقِيَامَ بِمَصْلَحَتِهِ. فَلَمَّا كَانَ إِجْمَاعًا مِنْهُمْ أَنَّهُ غَيْرُ مَالِكِهِ، وَكَانَ غَيْرَ جَائِزٍ لِأَحَدٍ أَنْ يَسْتَهْلِكَ مَالَ أَحَدٍ غَيْرِهِ، يَتِيمًا كَانَ رَبُّ الْمَالِ أَوْ مُدْرِكًا رَشِيدًا، وَكَانَ عَلَيْهِ إِنْ تَعَدَّى ⦗٤٢٧⦘ فَاسْتَهْلَكَهُ بِأَكْلٍ أَوْ غَيْرِهِ ضَمَانُهُ لِمَنِ اسْتَهْلَكَهُ عَلَيْهِ بِإِجْمَاعٍ مِنَ الْجَمِيعِ، وَكَانَ وَالِي الْيَتِيمِ سَبِيلُهُ سَبِيلُ غَيْرِهِ فِي أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ مَالَ يَتِيمِهِ، كَانَ كَذَلِكَ حُكْمُهُ فِيمَا يَلْزَمُهُ مِنْ قَضَائِهِ إِذَا أَكَلَ مِنْهُ سَبِيلُهُ سَبِيلُ غَيْرِهِ وَإِنْ فَارَقَهُ فِي أَنَّ لَهُ الِاسْتِقْرَاضَ مِنْهُ عِنْدَ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ كَمَا لَهُ الِاسْتِقْرَاضُ عَلَيْهِ عِنْدَ حَاجَتِهِ إِلَى مَا يَسْتَقْرِضُ عَلَيْهِ إِذَا كَانَ قَيِّمًا بِمَا فِيهِ مَصْلَحَتُهُ، وَلَا مَعْنَى لِقَوْلِ مَنْ قَالَ: إِنَّمَا عَنَى بِالْمَعْرُوفِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ أَكْلَ وَالِي الْيَتِيمِ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ؛ لِقِيَامِهِ عَلَى وَجْهِ الِاعْتِيَاضِ عَلَى عَمَلِهِ وَسَعْيِهِ؛ لِأَنَّ لِوَالِي الْيَتِيمِ أَنْ يُؤَاجِرَ نَفْسَهُ مِنْهُ لِلْقِيَامِ بِأْمُورِهِ إِذَا كَانَ الْيَتِيمُ مُحْتَاجًا إِلَى ذَلِكَ بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ، كَمَا يَسْتَأْجِرُ لَهُ غَيْرَهُ مِنَ الْأُجَرَاءِ، وَكَمَا يَشْتَرِي لَهُ مِنْ نَصِيبِهِ، غَنِيًّا كَانَ الْوَالِي أَوْ فَقِيرًا، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَكَانَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ قَدْ دَلَّ بِقَوْلِهِ: ﴿وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [النساء: ٦] عَلَى أَنَّهُ أَكَلَ مَالَ الْيَتِيمِ إِنَّمَا أَذِنَ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ مِنْ ولَاتُهُ فِي حَالِ الْفَقْرِ وَالْحَاجَةِ، وَكَانَتِ الْحَالُ الَّتِي لِلْوُلَاةِ أَنْ يُؤْجِرُوا أَنْفُسَهُمْ مِنَ الْأَيْتَامِ مَعَ حَاجَةِ الْأَيْتَامِ إِلَى الْأُجَرَاءِ، غَيْرِ مَخْصُوصٍ بِهَا حَالُ غِنًى وَلَا حَالُ فَقْرٍ، كَانَ مَعْلُومًا أَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي أُبِيحَ لَهُمْ مِنْ أَمْوَالِ أَيْتَامِهِمْ فِي كُلِّ أَحْوَالَهُمْ، غَيْرُ الْمَعْنَى الَّذِي أُبِيحَ لَهُمْ ذَلِكَ فِيهِ فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ. ⦗٤٢٨⦘ وَمَنْ أَبَى مَا قُلْنَا مِمَّنْ زَعَمَ أَنَّ لِوَلِيِّ الْيَتِيمِ أَكَلَ مَالَ يَتِيمَهُ عِنْدَ حَاجَتَهُ إِلَيْهِ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ الْقَرْضِ اسْتِدْلَالًا بِهَذِهِ الْآيَةِ، قِيلَ لَهُ: أَمُجْمَعٌ عَلَى أَنَّ الَّذِيَ قُلْتَ تَأْوِيلُ قَوْلِهِ: ﴿وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [النساء: ٦] فَإِنْ قَالَ لَا، قِيلَ لَهُ: فَمَا بُرْهَانُكَ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ تَأْوِيلُهُ، وَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّهُ غَيْرُ مَالِكَ مَالُ يَتِيمِهِ؟ فَإِنْ قَالَ: لِأَنَّ اللَّهَ أَذِنَ لَهُ بِأَكْلِهِ، قِيلَ لَهُ: أَذِنَ لَهُ بِأَكْلِهِ مُطْلَقًا، أَمْ بِشَرْطٍ؟ فَإِنْ قَالَ بِشَرْطٍ، وَهُو أَنْ يَأْكُلُهُ بِالْمَعْرُوفِ، قِيلَ لَهُ: وَمَا ذَلِكَ الْمَعْرُوفُ وَقَدْ عَلِمْتُ الْقَائِلِينَ مِنَ الصَّحَابَةَ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ الْخَالِفِينَ إِنَّ ذَلِكَ هُوَ أَكَلَهُ قَرْضًا وَسَلَفًا؟ وَيُقَالُ لَهُمْ أَيْضًا مَعَ ذَلِكَ: أَرَأَيْتُ الْمَوْلَى عَلَيْهِمْ فِي أَمْوَالِهِمْ مِنَ الْمَجَانِينَ وَالْمَعَاتِيهِ الْوُلَاةَ أَمْوَالِهِمْ أَنْ يَأْكُلُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ عِنْدَ حَاجَتِهِمْ إِلَيْهِ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ الْقَرْضِ لَا الِاعْتِيَاضُ مِنْ قِيَامِهِمْ بِهَا، كَمَا قُلْتُمْ ذَلِكَ فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى فَأَبَحْتُمُوهَا لَهُمْ؟ فَإِنْ قَالُوا ذَلِكَ لَهُمْ، خَرَجُوا مِنْ قَوْلِ جَمِيعِ الْحِجَّةِ، وَإِنَّ قَالُوا لَيْسَ ذَلِكَ لَهُمْ، قِيلَ لَهُمْ: فَمَا الْفَرَقُ بَيْنَ أَمْوَالِهِمْ وَأَمْوَالِ الْيَتَامَى وَحُكْمِ وُلَاتِهِمْ وَاحِدٌ فِي أَنَّهُمْ وُلَاةُ أَمْوَالِ غَيْرِهِمْ؟ فَلَنْ يَقُولُوا فِي أَحَدِهِمَا شَيْئًا إِلَّا أَلْزَمُوا فِي الْآخَرِ مِثْلَهُ. وَيَسْأَلُونَ كَذَلِكَ عَنِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ، هَلْ لِمَنْ يَلِي مَالِهِ أَنْ يَأْكُلَ مَالِهِ عِنْدَ حَاجَتِهِ إِلَيْهِ؟ نَحْوَ سُؤَالِنَاهُمْ عَنْ أَمْوَالِ الْمَجَانِينِ وَالْمَعَاتِيهِ
٦ ‏/ ٤٢٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ﴾ [النساء: ٦] قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثناؤُهُ: وَإِذَا دَفَعْتُمْ يَا مَعْشَرَ وُلَاةِ ⦗٤٢٩⦘ أَمْوَالِ الْيَتَامَى إِلَى الْيَتَامَى أَمْوَالِهِمْ، فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ، يَقُولُ: فَأَشْهِدُوا عَلَى الْأَيْتَامِ بِاسْتِيفَائِهِمْ ذَلِكَ مِنْكُمْ وَدَفَعَكُمُوهُ إِلَيْهِمْ
٦ ‏/ ٤٢٨
كَمَا: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ﴾ [النساء: ٦] يَقُولُ: «إِذَا دَفَعَ إِلَى الْيَتِيمِ مَالِهِ، فَلْيَدْفَعْهُ إِلَيْهِ بِالشُّهُودِ، كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى»
٦ ‏/ ٤٢٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا﴾ [النساء: ٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَكَفَى بِاللَّهِ كَافِيًا مِنَ الشُّهُودِ الَّذِي يُشْهِدُهُمْ وَالِي الْيَتِيمِ عَلَى دَفْعِهِ مَالَ يَتِيمِهِ إِلَيْهِ
٦ ‏/ ٤٢٩
كَمَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا﴾ [النساء: ٦] يَقُولُ: «شَهِيدًا» يُقَالُ مِنْهُ: قَدْ أَحْسَبَنِي الَّذِي عِنْدِي، يُرَادُ بِهِ: كَفَانِي، وَسُمِعَ مِنَ الْعَرَبِ: لَأَحْسِبَنَّكُمْ مِنَ الْأَسْوَدَيْنِ، يَعْنِي بِهِ: مِنَ الْمَاءِ وَالتَّمْرِ، وَالْمُحْسَبُ مِنَ الرِّجَالِ: الْمُرْتَفِعُ الْحَسَبِ، وَالْمُحْسِبُ: الْمُكْفِي
٦ ‏/ ٤٢٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قُلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا﴾ [النساء: ٧] يَعْنِي بِذَلِكَ تَعَالَى ذِكْرُهُ: لِلذُّكُورِ مِنْ أَوْلَادِ الرَّجُلِ الْمَيِّتِ حِصَّةٌ مِنْ مِيرَاثِهِ وَلِلْإِنَاثِ مِنْهُمْ حِصَّةٌ مِنْهُ، مِنْ قَلِيلِ مَا خَلَّفَ بَعْدَهُ وَكَثِيرِهِ حِصَّةٌ مَفْرُوضَةٌ وَاجِبَةُ مَعْلُومَةُ مَؤَقَّتَةٌ. ⦗٤٣٠⦘ وَذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ مِنْ أَجْلِ أَنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يُوَرِّثُونَ الذُّكُورَ دُونَ الْإِنَاثِ
٦ ‏/ ٤٢٩
كَمَا: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: «كَانُوا لَا يُوَرِّثُونَ النِّسَاءَ، فَنَزَلَتْ: ﴿وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ﴾ [النساء: ٧]»
٦ ‏/ ٤٣٠
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: «نَزَلَتْ فِي أُمِّ كَحَّةَ وَابْنَةِ كَحَّةَ وَثَعْلَبَةَ وَأَوْسِ بْنِ سُوَيْدٍ، وَهُمْ مِنَ الْأَنْصَارِ، كَانَ أَحَدُهُمْ زَوْجِهَا، وَالْآخَرُ عَمَّ وَلَدِهَا، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ تُوُفِّيَ زَوْجِي وَتَرَكَنِي وَابْنَتِهِ، فَلَمْ نُورَثُ، فَقَالَ عَمُّ وَلَدِهَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا تَرْكَبُ فَرَسًا، وَلَا تَحْمِلُ كَلَّا، وَلَا تَنْكَأُ عَدُوًّا يَكْسِبُ عَلَيْهَا، وَلَا تَكْتَسِبُ. ⦗٤٣١⦘ فَنَزَلَتْ: ﴿لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قُلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا﴾ [النساء: ٧]»
٦ ‏/ ٤٣٠
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ﴾ [النساء: ٧] قَالَ: «كَانَ النِّسَاءُ لَا يَرِثْنَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنَ الْآبَاءِ، وَكَانَ الْكَبِيرُ يَرِثُ وَلَا يَرِثُ الصَّغِيرُ وَإِنْ كَانَ ذِكْرًا، فَقَالَ اللَّهُ تبارك وتعالى: ﴿لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ﴾ [النساء: ٧] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿نَصِيبًا مَفْرُوضًا﴾ [النساء: ٧]» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَنَصَبَ قَوْلَهُ: ﴿نَصِيبًا مَفْرُوضًا﴾ [النساء: ٧] وَهُوَ نَعْتٌ لِلنَّكِرَةِ لِخُرُوجِهِ مَخْرَجَ الْمَصْدَرِ، كَقَوْلِ الْقَائِلِ: لَكَ عَلَيَّ حَقٌّ وَاجِبًا، وَلَوْ كَانَ مَكَانَ قَوْلِهِ: ﴿نَصِيبًا مَفْرُوضًا﴾ [النساء: ٧] اسْمٌ صَحِيحٌ لَمْ يَجُزْ نَصْبُهُ، لَا يُقَالُ: لَكَ عِنْدِي حَقٌّ دِرْهَمًا، فَقَوْلُهُ: ﴿نَصِيبًا مَفْرُوضًا﴾ [النساء: ٧] كَقَوْلِهِ: نَصِيبًا فَرِيضَةً وَفَرْضًا، كَمَا يُقَالُ: عِنْدِي دِرْهَمٌ هِبَةٌ مَقْبُوضَةٌ
٦ ‏/ ٤٣١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا﴾ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي حُكْمِ هَذِهِ الْآيَةِ، هَلْ هُوَ مُحْكَمٌ، أَوْ مَنْسُوخٌ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ مُحْكَمٌ
٦ ‏/ ٤٣١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ ⦗٤٣٢⦘ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ «مُحْكَمَةٌ، وَلَيْسَتْ مَنْسُوخَةً، يَعْنِي قَوْلَهُ: ﴿وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى﴾ الْآيَةَ» حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا الْأَشْجَعِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، مِثْلَهُ
٦ ‏/ ٤٣١
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، وَالشَّعْبِيِّ، قَالَا: «هِيَ مُحْكَمَةٌ»
٦ ‏/ ٤٣٢
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «وَاجِبٌ، مَا طَابَتْ بِهِ أَنْفُسُ أَهْلِ الْمِيرَاثِ»
٦ ‏/ ٤٣٢
وَحَدَّثنا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا الْأَشْجَعِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ﴾ قَالَ: «هِيَ وَاجِبَةٌ عَلَى أَهْلِ الْمِيرَاثِ مَا طَابَتْ بِهِ أَنْفُسُهُمْ»
٦ ‏/ ٤٣٢
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا الْأَشْجَعِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، وَالشَّعْبِيِّ، قَالَا: «هِيَ مُحْكَمَةٌ لَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ»
٦ ‏/ ٤٣٢
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُفْيَانَ، وَثنا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «هِيَ وَاجِبَةٌ عَلَى أَهْلِ الْمِيرَاثِ مَا طَابَتْ بِهِ أَنْفُسُهُمْ»
٦ ‏/ ٤٣٣
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ: ﴿وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا﴾ فَقَالَ سَعِيدٌ: «هَذِهِ الْآيَةُ يَتَهَاوَنُ بِهَا النَّاسُ. قَالَ: وَهُمَا وَلِيَّانِ: أَحَدُهُمَا يَرِثُ وَالْآخَرُ لَا يَرِثُ، وَالَّذِي يَرِثُ هُوَ الَّذِي أُمِرَ أَنْ يَرْزُقَهُمْ، قَالَ: يُعْطِيهِمْ؛ قَالَ: وَالَّذِي لَا يَرِثُ هُوَ الَّذِي أُمِرَ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا، وَهِيَ مُحْكَمَةٌ وَلَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ» حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُغِيرَةُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، بِنَحْوِ ذَلِكَ، وَقَالَ: «هِيَ مُحْكَمَةٌ وَلَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ»
٦ ‏/ ٤٣٣
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: «هِيَ ثَابِتَةٌ، وَلَكِنَّ النَّاسَ بَخِلُوا وَشَحُّوا»
٦ ‏/ ٤٣٣
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَنْصُورٌ، وَالْحَسَنُ، قَالَا: «هِيَ مُحْكَمَةٌ وَلَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ»
٦ ‏/ ٤٣٤
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ، عَنِ الْحَجَّاجِ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «هِيَ قَائِمَةٌ يُعْمَلُ بِهَا»
٦ ‏/ ٤٣٤
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ﴾ «مَا طَابَتْ بِهِ الْأَنْفُسُ حَقًّا وَاجِبًا»
٦ ‏/ ٤٣٤
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا أَبُو سُفْيَانَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الْحَسَنِ، وَالزُّهْرِيِّ، قَالَا فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ﴾ قَالَ: «هِيَ مُحْكَمَةٌ»
٦ ‏/ ٤٣٤
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَنْصُورٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ، قَالَ: «ثَلَاثُ آيَاتٍ مُحْكَمَاتٌ مَدَنِيَّاتٌ تَرَكَهُنَّ النَّاسُ: هَذِهِ الْآيَةُ، وَآيَةُ الِاسْتِئْذَانِ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ [النور: ٥٨]، وَهَذِهِ الْآيَةُ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى﴾ [الحجرات: ١٣]»
٦ ‏/ ٤٣٤
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: كَانَ الْحَسَنُ يَقُولُ: «هِيَ ثَابِتَةٌ» وَقَالَ آخَرُونَ: مَنْسُوخَةٌ
٦ ‏/ ٤٣٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَا: ثنا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدٍ، أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ﴾ قَالَ: «كَانَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قِسْمَةً قَبْلَ الْمَوَارِيثِ، فَلَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ الْمَوَارِيثَ لِأَهْلِهَا جُعِلَتِ الْوَصِيَّةُ لِذَوِي الْقَرَابَةِ الَّذِينَ يَحْزَنُونَ وَلَا يَرِثُونَ»
٦ ‏/ ٤٣٥
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: سَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ﴾ قَالَ: «هِيَ مَنْسُوخَةٌ»
٦ ‏/ ٤٣٥
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: «كَانَتْ هَذِهِ قَبْلَ الْفَرَائِضِ وَقِسْمَةِ الْمِيرَاثِ، فَلَمَّا كَانَتِ الْفَرَائِضُ وَالْمَوَارِيثُ نُسِخَتْ»
٦ ‏/ ٤٣٥
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ، قَالَ: «نَسَخَتْهَا آيَةُ الْمِيرَاثِ» ⦗٤٣٦⦘ حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا الْأَشْجَعِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ، مِثْلَهُ
٦ ‏/ ٤٣٥
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى﴾ الْآيَةَ، إِلَى قَوْلِهِ: ﴿قَوْلًا مَعْرُوفًا﴾ [البقرة: ٢٣٥] «وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ الْفَرَائِضُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تبارك وتعالى بَعْدَ ذَلِكَ الْفَرَائِضَ، فَأَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فَجُعِلَتِ الصَّدَقَةُ فِيمَا سَمَّى الْمُتَوَفَّى»
٦ ‏/ ٤٣٦
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا جُوَيْبِرٌ، عَنِ الضَّحَّاكِ، قَالَ: «نَسَخَتْهَا الْمَوَارِيثُ» وَقَالَ آخَرُونَ: هِيَ مُحْكَمَةٌ وَلَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ، غَيْرَ أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ: وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ، يَعْنِي بِهَا: قِسْمَةَ الْمَيِّتِ مَالَهُ بِوَصِيَّتِهِ لِمَنْ كَانَ يُوصِي لَهُ بِهِ، قَالُوا: وَأُمِرَ بِأَنْ يَجْعَلَ وَصِيَّتَهُ فِي مَالِهِ لِمَنْ سَمَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ
٦ ‏/ ٤٣٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى الْأُمَوِيُّ، قَالَ: ثنا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَسَّمَ مِيرَاثَ أَبِيهِ وَعَائِشَةُ حَيَّةٌ، فَلَمْ يَدَعْ فِي الدَّارِ أَحَدًا إِلَّا أَعْطَاهُ، وَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو ⦗٤٣٧⦘ الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ﴾ قَالَ الْقَاسِمُ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِابْنِ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: «مَا أَصَابَ إِنَّمَا هَذِهِ الْوَصِيَّةُ، يُرِيدُ الْمَيِّتُ، أَنْ يُوصِيَ لِقَرَابَتِهِ» حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ قَسَّمَ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ “
٦ ‏/ ٤٣٦
حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مُوسَى الصَّفَّارُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: ثنا دَاوُدُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ﴾ قَالَ: «أُمِرَ أَنْ يُوصِيَ بِثُلُثِهِ فِي قَرَابَتِهِ»
٦ ‏/ ٤٣٧
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا دَاوُدُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: «إِنَّمَا ذَلِكَ عِنْدَ الْوَصِيَّةِ فِي ثُلُثِهِ»
٦ ‏/ ٤٣٧
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ، قَالَ: ثنا دَاوُدُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: ﴿وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ﴾ قَالَ: «هِيَ الْوَصِيَّةُ مِنَ النَّاسِ»
٦ ‏/ ٤٣٧
حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ﴾ قَالَ: “الْقِسْمَةُ الْوَصِيَّةُ، كَانَ الرَّجُلُ إِذَا أَوْصَى قَالُوا: فُلَانٌ يَقْسِمُ مَالَهُ، فَقَالَ: ارْزُقُوهُمْ مِنْهُ، يَقُولُ: أَوْصُوا لَهُمْ، يَقُولُ لِلَّذِي
٦ ‏/ ٤٣٧
يُوصِي “: ﴿وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا﴾ [النساء: ٥] «فَإِنْ لَمْ تُوصُوا لَهُمْ، فَقُولُوا لَهُمْ خَيْرًا» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصِّحَّةِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: هَذِهِ الْآيَةُ مُحْكَمَةٌ غَيْرُ مَنْسُوخَةٍ، وَإِنَّمَا عَنَى بِهَا الْوَصِيَّةَ لِأُولِي قُرْبَى الْمُوصِي، وَعُنِيَ بِالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ أَنْ يُقَالَ لَهُمْ قَوْلٌ مَعْرُوفٌ. وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى بِالصِّحَّةِ مِنْ غَيْرِهِ لِمَا قَدْ بَيَّنَّا فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا وَغَيْرِهِ أَنَّ شَيْئًا مِنْ أَحْكَامِ اللَّهِ تبارك وتعالى الَّتِي أَثْبَتَهَا فِي كِتَابِهِ أَوْ بَيَّنَهَا عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ ﷺ غَيْرُ جَائِزٍ فِيهِ أَنْ يُقَالَ لَهُ نَاسِخٌ لِحُكْمٍ آخَرَ، أَوْ مَنْسُوخٌ بِحُكْمٍ آخَرَ، إِلَّا وَالْحُكْمَانِ اللَّذَانِ قَضَى لِأَحَدِهِمَا بِأَنَّهُ نَاسِخٌ، وَالْآخَرُ بِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ نَافٍ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ، غَيْرُ جَائِزٍ اجْتِمَاعُ الْحُكْمِ بِهِمَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، وَإِنْ كَانَ جَائِزًا صَرْفُهُ إِلَى غَيْرِ النَّسْخِ، أَوْ يَقُومَ بِأَنَّ أَحَدَهُمَا نَاسِخٌ وَالْآخَرُ مَنْسُوخٌ حُجَّةٌ يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهَا. وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ لِمَا قَدْ دَلَّلْنَا فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ، وَكَانَ قَوْلُهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ﴾ مُحْتِمَلًا أَنْ يَكُونَ مُرَادًا بِهِ: وَإِذَا حَضَرَ قِسْمَةَ مَالِ قَاسِمٍ مَالَهُ بِوَصِيَّةٍ، أُولُو قَرَابَتِهِ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ، فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ، يُرَادُ: فَأَوْصُوا لِأُولِي قَرَابَتِكُمُ الَّذِينَ لَا يَرِثُونَكُمْ مِنْهُ، وَقُولُوا لِلْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ قَوْلًا مَعْرُوفًا، كَمَا قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: ﴿كُتِبَ
٦ ‏/ ٤٣٨
عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ﴾ [البقرة: ١٨٠]، وَلَا يَكُونُ مَنْسُوخًا بِآيَةِ الْمِيرَاثِ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ صَرْفُهُ إِلَى أَنَّهُ مَنْسُوخٌ بِآيَةِ الْمِيرَاثِ، إِذْ كَانَ لَا دَلَالَةَ عَلَى أَنَّهُ مَنْسُوخٌ بِهَا مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ ثَابِتَةٍ، وَهُوَ مُحْتَمِلٌ مِنَ التَّأْوِيلِ مَا بَيَّنَّا. وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَتَأْوِيلُ قَوْلِهِ: ﴿وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ﴾ [النساء: ٨] قِسْمَةَ الْمُوصِي مَالِهِ بِالْوَصِيَّةِ أُولُو قَرَابَتِهِ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ، فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ، يَقُولُ: فَاقْسِمُوا لَهُمْ مِنْهُ بِالْوَصِيَّةِ، يَعْنِي: فَأَوْصُوا لِأُولِي الْقُرْبَى مِنْ أَمْوَالِكُمْ، وَقُولُوا لَهُمْ، يَعْنِي الْآخَرِينَ وَهُمُ الْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ، قَوْلًا مَعْرُوفًا، يَعْنِي: يَدْعِي لَهُمْ بِخَيْرٍ، كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَسَائِرُ مَنْ ذَكَرْنَا قَوْلَهُ قَبْلُ. وَأَمَّا الَّذِينَ قَالُوا: إِنَّ الْآيَةَ مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ الْمَوَارِيثِ، وَالَّذِينَ قَالُوا: هِيَ مُحْكَمَةٌ وَالْمَأْمُورُ بِهَا وَرَثَةُ الْمَيِّتِ، فَإِنَّهُمْ وَجَّهُوا قَوْلَهُ: ﴿وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ﴾ يَقُولُ: فَأَعْطَوْهُمْ مِنْهُ، وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا. وَقَدْ ذَكَرْنَا بَعْضَ مَنْ قَالَ ذَلِكَ، وَسَنَذْكُرُ بَقِيَّةَ مَنْ قَالَ ذَلِكَ مِمَّنْ لَمْ نَذْكُرْهُ
٦ ‏/ ٤٣٩
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ﴾ «أَمَرَ اللَّهُ جَلَّ ثناؤُهُ الْمُؤْمِنِينَ عِنْدَ قِسْمَةِ مَوَارِيثِهِمْ أَنْ يَصِلُوا أَرْحَامَهُمْ وَيَتَامَاهُمْ مِنَ الْوَصِيَّةِ إِنْ كَانَ أَوْصَى، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ وَصِيَّةٌ وَصَلَ إِلَيْهِمْ مِنْ ⦗٤٤٠⦘ مَوَارِيثِهِمْ»
٦ ‏/ ٤٣٩
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى﴾ الْآيَةَ، يَعْنِي: «عِنْدَ قِسْمَةِ الْمِيرَاثِ»
٦ ‏/ ٤٤٠
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ: أَنَّ أَبَاهُ «أَعْطَاهُ مِنْ مِيرَاثِ الْمُصْعَبِ حِينَ قَسَمَ مَالَهُ»
٦ ‏/ ٤٤٠
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَوْفٌ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، قَالَ: «كَانُوا يُرْضَخُونَ لَهُمْ عِنْدَ الْقِسْمَةِ»
٦ ‏/ ٤٤٠
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ مَطَرٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ حِطَّانَ، أَنَّ أَبَا مُوسَى «أَمَرَ أَنْ يُعْطَوْا إِذَا حَضَرَ قِسْمَةَ الْمِيرَاثِ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ وَالْجِيرَانُ مِنَ الْفُقَرَاءِ»
٦ ‏/ ٤٤٠
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، وَابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ يُونُسَ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ حِطَّانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الرَّقَاشِيِّ، قَالَ: «قَسَمَ أَبُو مُوسَى بِهَذِهِ الْآيَةِ: ﴿وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ﴾»
٦ ‏/ ٤٤٠
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدٌ، وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ يُونُسَ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ حِطَّانَ، عَنْ أَبِي مُوسَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ﴾ [النساء: ٨] الْآيَةَ، قَالَ: «قَضَى بِهَا أَبُو مُوسَى»
٦ ‏/ ٤٤١
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ بَدْرٍ، فِي الْمِيرَاثِ إِذَا قُسِّمَ، قَالَ: «كَانُوا يُعْطُونَ مِنْهُ التَّابُوتَ، وَالشَّيْءَ الَّذِي يُسْتَحْيَا مِنْ قَسَمْتِهِ»
٦ ‏/ ٤٤١
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا دَاوُدُ، عَنِ الْحَسَنِ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، كَانَا يَقُولَانِ: «ذَاكَ عِنْدَ قِسْمَةِ الْمِيرَاثِ»
٦ ‏/ ٤٤١
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، وَالْحَسَنِ، قَالَا: «يُرْضَخُونَ وَيَقُولُونَ قَوْلًا مَعْرُوفًا فِي هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ﴾ [النساء: ٨]» ثُمَّ اخْتَلَفَ الَّذِينَ قَالُوا: هَذِهِ الْآيَةُ مُحْكَمَةٌ، وَإِنَّ الْقِسْمَةَ لِأُولِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَاجِبَةٌ عَلَى أَهْلِ الْمِيرَاثِ إِنْ كَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْمِيرَاثِ صَغِيرًا فَقَسَمَ عَلَيْهِ الْمِيرَاثَ وَلِيُّ مَالِهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَيْسَ لِوَلِيِّ مَالِهِ أَنْ يَقْسِمَ مِنْ مَالِهِ
٦ ‏/ ٤٤١
وَوَصِيَّتِهِ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ مِنَ الْمَالِ شَيْئًا، وَلَكِنَّهُ يَقُولُ لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا، قَالُوا: وَالَّذِي أَمَرَهُ اللَّهُ بِأَنْ يَقُولَ لَهُمْ مَعْرُوفًا هُوَ وَلِيُّ مَالِ الْيَتِيمِ إِذَا قَسَّمَ مَالَ الْيَتِيمِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ شُرَكَاءِ الْيَتِيمِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ وَلِيُّ مَالِهِ أَحَدَ الْوَرَثَةِ، فَيُعْطِيهِمْ مِنْ نَصِيبِهِ وَيُعْطِيهِمْ مَنْ يَجُوزُ أَمْرُهُ فِي مَالِهِ مِنْ أَنْصِبَائِهِمْ. قَالُوا: فَأَمَّا مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ الَّذِي يُوَلَّى عَلَى مَالِهِ لَا يَجُوزُ لِوَلِيٍّ أَنْ يُعْطِيَهُمْ مِنْهُ شَيْئًا
٦ ‏/ ٤٤٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: سَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ﴾ قَالَ: «إِنْ كَانَ الْمَيِّتُ أَوْصَى لَهُمْ بِشَيْءٍ أُنْفِذَتْ لَهُمْ وَصِيَّتُهُمْ، وَإِنْ كَانَ الْوَرَثَةُ كِبَارًا رَضَخُوا لَهُمْ، وَإِنْ كَانُوا صِغَارًا قَالَ وَلِيُّهُمْ إِنِّي لَسْتُ أَمْلِكُ هَذَا الْمَالَ وَلَيْسَ لِي وَإِنَّمَا هُوَ لِلصِّغَارِ» فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا﴾ [النساء: ٥]
٦ ‏/ ٤٤٢
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فِي هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا﴾ قَالَ: «هُمَا وَلِيَّانِ: وَلِيُّ يَرِثُ، وَوَلِيُّ لَا ⦗٤٤٣⦘ يَرِثُ، فَأَمَّا الَّذِي يَرِثُ فَيُعْطَى، وَأَمَّا الَّذِي لَا يَرِثُ، فَقُولُوا لَهُ قَوْلًا مَعْرُوفًا»
٦ ‏/ ٤٤٢
حَدَّثَنِي ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ دَاوُدَ، عَنِ الْحَسَنِ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، كَانَا يَقُولَانِ: «ذَلِكَ عِنْدَ قِسْمَةِ الْمِيرَاثِ، إِنْ كَانَ الْمِيرَاثُ لِمَنْ قَدْ أَدْرَكَ، فَلَهُ أَنْ يَكْسُوَ مِنْهُ، وَأَنْ يُطْعِمَ الْفُقَرَاءَ وَالْمَسَاكِينَ، وَإِنْ كَانَ الْمِيرَاثُ لِيَتَامَى صِغَارٍ، فَيَقُولُ الْوَلِيُّ: إِنَّهُ لِيَتَامَى صِغَارٍ، وَيَقُولُ لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا»
٦ ‏/ ٤٤٣
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: «إِنْ كَانُوا كِبَارًا رَضَخُوا، وَإِنْ كَانُوا صِغَارًا اعْتَذَرُوا إِلَيْهِمْ»
٦ ‏/ ٤٤٣
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ: ﴿وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى﴾ قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: «إِذَا وَلِيَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ يُرْضَخُ لِأَقْرِبَاءِ الْمَيِّتِ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلِ اعْتَذَرَ إِلَيْهِمْ وَقَالَ لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا»
٦ ‏/ ٤٤٣
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا﴾ «هَذِهِ تَكُونُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: أَمَّا الْأَوَّلُ: فَيُوصِي لَهُمْ وَصِيَّةً ⦗٤٤٤⦘ فَيَحْضُرُونَ وَيَأْخُذُونَ وَصِيَّتَهُمْ، وَأَمَّا الثَّانِي: فَإِنَّهُمْ يَحْضُرُونَ فَيَقْتَسِمُونَ إِذَا كَانُوا رِجَالًا فَيَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يُعْطُوهُمْ، وَأَمَّا الثَّالِثُ: فَتَكُونُ الْوَرَثَةُ صِغَارًا، فَيَقُومُ وَلِيُّهُمْ إِذَا قَسَمَ بَيْنَهُمْ، فَيَقُولُ لِلَّذِينَ حَضَرُوا: حَقُّكُمْ حَقٌّ وَقَرَابَتُكُمْ قَرَابَةٌ وَلَوْ كَانَ لِي فِي الْمِيرَاثِ نَصِيبٌ لَأَعْطَيْتُكُمْ، وَلَكِنَّهُمْ صِغَارٌ، فَإِنْ يَكْبَرُوا فَسَيَعْرِفُونَ حَقَّكُمْ» فَهَذَا الْقَوْلُ الْمَعْرُوفُ
٦ ‏/ ٤٤٣
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ، قَالَ: ثنا دَاوُدُ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ: ﴿وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا﴾ قَالَ: «إِذَا كَانَ الْوَارِثُ عِنْدَ الْقِسْمَةِ، فَكَانَ الْإِنَاءُ وَالشَّيْءُ الَّذِي لَا يُسْتَطَاعُ أَنْ يُقْسَمَ فَلْيُرْضَخْ لَهُمْ، وَإِنْ كَانَ الْمِيرَاثُ لِلْيَتَامَى، فَلْيَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا» وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ: ذَلِكَ وَاجِبٌ فِي أَمْوَالِ الصِّغَارِ وَالْكُبَّارِ لِأُولِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ، فَإِنْ كَانَ الْوَرَثَةُ كِبَارًا، تَوَلَّوْا عِنْدَ الْقِسْمَةِ إِعْطَاءَهُمْ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانُوا صِغَارًا تَوَلَّى إِعْطَاءَ ذَلِكَ مِنْهُمْ وَلِيُّ مَالِهِمْ
٦ ‏/ ٤٤٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ يُونُسَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ﴾ فَحَدَّثَ عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبِيدَةَ أَنَّهُ وَلِيَ وَصِيَّةً، فَأَمَرَ بِشَاةٍ فَذُبِحَتْ، وَصَنَعَ طَعَامًا لِأَجْلِ هَذِهِ ⦗٤٤٥⦘ الْآيَةِ، وَقَالَ: «لَوْلَا هَذِهِ الْآيَةُ لَكَانَ هَذَا مِنْ مَالِي»
٦ ‏/ ٤٤٤
قَالَ: وَقَالَ الْحَسَنُ: «لَمْ تُنْسَخْ، كَانُوا يَحْضُرُونَ فَيُعْطَوْنَ الشَّيْءَ وَالثَّوْبَ الْخَلِقَ»
٦ ‏/ ٤٤٥
قَالَ يُونُسُ: إِنَّ مُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ وَلِيَ وَصِيَّةً أَوْ قَالَ: أَيْتَامًا فَأَمَرَ بِشَاةٍ فَذُبِحَتْ فَصَنَعَ طَعَامًا، كَمَا صَنَعَ عُبَيْدَةُ “
٦ ‏/ ٤٤٥
حَدَّثَنَا مُجَاهِدُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، أَنَّ عَبِيدَةَ قَسَّمَ مِيرَاثَ أَيْتَامٍ، فَأَمَرَ بِشَاةٍ فَاشْتُرِيَتْ مِنْ مَالِهِمْ، وَبِطَعَامٍ فَصُنِعَ، وَقَالَ: «لَوْلَا هَذِهِ الْآيَةُ لَأَحْبَبْتُ أَنْ يَكُونَ مِنْ مَالِي» ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ﴾ الْآيَةَ ” فَكَأَنَّ مَنْ ذَهَبَ مِنَ الْقَائِلِينَ الْقَوْلَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَمَنْ قَالَ: يُرْضَخُ عِنْدَ قِسْمَةِ الْمِيرَاثِ لِأُولِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ تَأَوَّلَ قَوْلَهُ: ﴿فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ﴾ [النساء: ٨] فَأَعْطَوْهُمْ مِنْهُ، وَكَأَنَّ الَّذِينَ ذَهَبُوا إِلَى مَا قَالَ عُبَيْدَةُ، وَابْنُ سِيرِينَ، تَأَوَّلُوا قَوْلَهُ: ﴿فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ﴾ [النساء: ٨] فَأَطْعِمُوهُمْ مِنْهُ. وَاخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: ﴿وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا﴾ [النساء: ٥] فَقَالْ بَعْضُهُمْ: هُوَ أَمْرٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ وُلَاةَ الْيَتَامَى أَنْ يَقُولُوا لِأُولِي قَرَابَتِهِمْ وَلِلْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ إِذَا حَضَرُوا قِسْمَتَهُمْ مَالَ مَنْ وُلُّوا عَلَيْهِ مَالَهُ مِنَ الْأَمْوَالِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ شُرَكَائِهِمْ مِنَ الْوَرَثَةِ ⦗٤٤٦⦘ فِيهَا أَنْ يَعْتَذِرُوا إِلَيْهِمْ عَلَى نَحْوِ مَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِيمَا مَضَى مِنَ الِاعْتِذَارِ
٦ ‏/ ٤٤٥
كَمَا: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: ثنا أَبُو بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: ﴿وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا﴾ [النساء: ٥] قَالَ: «هُوَ الَّذِي لَا يَرِثُ أُمِرَ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا، قَالَ: يَقُولُ: إِنَّ هَذَا الْمَالَ لِقَوْمٍ غُيَّبٍ، أَوْ لِيَتَامَى صِغَارٍ وَلَكِنْ فِيهِ حَقٌّ، وَلَسْنَا نَمْلِكُ أَنْ نُعْطِيَكُمْ مِنْهُ شَيْئًا» قَالَ: فَهَذَا الْقَوْلُ الْمَعْرُوفُ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلِ الْمَأْمُورُ بِالْقَوْلِ الْمَعْرُوفِ الَّذِي أَمَرَ جَلَّ ثناؤُهُ أَنْ يُقَالَ لَهُ هُوَ الرَّجُلُ الَّذِي يُوصِي فِي مَالِهِ، وَالْقَوْلُ الْمَعْرُوفُ هُوَ الدُّعَاءُ لَهُمْ بِالرِّزْقِ وَالْغِنَى وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ الْخَيْرِ. وَقَدْ ذَكَرْنَا قَائِلِي ذَلِكَ أَيْضًا فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ
٦ ‏/ ٤٤٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا﴾ [النساء: ٩] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: ﴿وَلْيَخْشَ﴾ [النساء: ٩] لِيَخْفِ الَّذِينَ يَحْضُرُونَ مُوصِيًا يُوصِي فِي مَالِهِ أَنْ يَأْمُرَهُ بِتَفْرِيقِ مَالِهِ وَصِيَّةً بِهِ فِيمَنْ لَا يَرِثُهُ، وَلَكِنْ لِيَأْمُرْهُ أَنْ يُبْقِيَ مَالَهُ لِوَلَدِهِ، كَمَا لَوْ كَانَ هُوَ الْمُوصِي، يَسُرُّهُ أَنْ يَحُثَّهُ مَنْ يَحْضُرُهُ عَلَى حِفْظِ مَالِهِ لِوَلَدِهِ، وَأَنْ لَا يَدَعَهُمْ عَالَةً مَعَ ضَعْفِهِمْ وَعَجَزِهِمْ عَنِ التَّصَرُّفِ وَالِاحْتِيَالِ
٦ ‏/ ٤٤٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ ⦗٤٤٧⦘ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ﴾ [النساء: ٩] . إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، «فَهَذَا فِي الرَّجُلِ يَحْضُرُهُ الْمَوْتُ فَيَسْمَعُهُ يُوصِي بِوَصِيَّةٍ تَضُرُّ بِوَرَثَتِهِ، فَأَمَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ الَّذِي يَسْمَعُهُ أَنْ يَتَّقِيَ اللَّهَ وَيُوَفِّقَهُ وَيُسَدِّدَهُ لِلصَّوَابِ، وَلْيَنْظُرْ لِوَرَثَتِهِ كَمَا كَانَ يُحِبُّ أَنْ يَصْنَعَ لِوَرَثَتِهِ إِذَا خَشِيَ عَلَيْهِمُ الضَّيْعَةَ»
٦ ‏/ ٤٤٦
حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ﴾ [النساء: ٩] يَعْنِي: «الَّذِي يَحْضُرُهُ الْمَوْتُ، فَيُقَالُ لَهُ: تَصَدَّقْ مِنْ مَالِكَ، وَأَعْتِقْ، وَأَعْطِ مِنْهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَنُهُوا أَنْ يَأْمُرُوهُ بِذَلِكَ، يَعْنِي: أَنَّ مَنَ حَضَرَ مِنْكُمْ مَرِيضًا عِنْدَ الْمَوْتِ، فَلَا يَأْمُرْهُ أَنْ يُنْفِقَ مَالَهُ فِي الْعِتْقِ أَوِ الصَّدَقَةِ أَوْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَلَكِنْ يَأْمُرُهُ أَنْ يُبَيِّنَ مَالَهُ، وَمَا عَلَيْهِ مِنْ دَيْنٍ، وَيُوصِيَ فِي مَالِهِ لِذَوِي قَرَابَتِهِ الَّذِينَ لَا يَرِثُونَ، وَيُوصِيَ لَهُمْ بِالْخُمُسِ أَوِ الرُّبُعِ، يَقُولُ: أَلَيْسَ يَكْرَهُ أَحَدُكُمْ إِذَا مَاتَ وَلَهُ وَلَدٌ ضِعَافٌ – يَعْنِي صِغَارًا – أَنْ يَتْرُكَهُمْ بِغَيْرِ مَالٍ، فَيَكُونُوا عِيَالًا عَلَى النَّاسِ؟ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ تَأْمُرُوهُ بِمَا لَا تَرْضَوْنَ بِهِ لِأَنْفُسِكُمْ وَلَا أَوْلَادِكُمْ وَلَكِنْ قُولُوا الْحَقَّ مِنْ ذَلِكَ»
٦ ‏/ ٤٤٧
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿⦗٤٤٨⦘ وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا﴾ [النساء: ٩] قَالَ: يَقُولُ: «مَنْ حَضَرَ مَيِّتًا فَلْيَأْمُرْهُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ، وَلْيَنْهَهُ عَنِ الْحَيْفِ وَالْجَوْرِ فِي وَصِيَّتِهِ، وَلْيَخْشَ عَلَى عِيَالِهِ مَا كَانَ خَائِفًا عَلَى عِيَالِهِ لَوْ نَزَلَ بِهِ الْمَوْتُ»
٦ ‏/ ٤٤٧
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا﴾ [النساء: ٩] قَالَ: «إِذَا حَضَرْتَ وَصِيَّةَ مَيِّتٍ، فَمُرْهُ بِمَا كُنْتَ آمِرًا نَفْسَكَ بِمَا تَتَقَرَّبُ بِهِ إِلَى اللَّهِ، وَخَفْ فِي ذَلِكَ مَا كُنْتَ خَائِفًا عَلَى ضَعَفَتِكَ لَوْ تَرَكْتَهُمْ بَعْدَكَ، يَقُولُ: فَاتَّقِ اللَّهَ وَقُلْ قَوْلًا سَدِيدًا، إِنْ هُوَ زَاغَ»
٦ ‏/ ٤٤٨
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا﴾ [النساء: ٩] «الرَّجُلُ يَحْضُرُهُ الْمَوْتُ، فَيَحْضُرُهُ الْقَوْمُ عِنْدَ الْوَصِيَّةِ، فَلَا يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَقُولُوا لَهُ: أَوْصِ بِمَالِكَ كُلِّهِ وَقَدِّمْ لِنَفْسِكَ، فَإِنَّ اللَّهَ سَيَرْزُقُ عِيَالَكَ، وَلَا يَتْرُكُوهُ يُوصِي بِمَالِهِ كُلِّهِ، يَقُولُ لِلَّذِينَ حَضَرُوا: ﴿وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ﴾ [النساء: ٩] فَيَقُولُ كَمَا يَخَافُ أَحَدُكُمْ عَلَى عِيَالِهِ لَوْ مَاتَ إِذْ يَتْرُكَهُمْ صِغَارًا ضِعَافًا لَا شَيْءَ لَهُمْ الضَّيْعَةَ بَعْدَهُ، فَلْيَخَفْ ذَلِكَ عَلَى عِيَالِ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ، فَيَقُولُ لَهُ الْقَوْلَ السَّدِيدَ»
٦ ‏/ ٤٤٨
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ حَبِيبٍ، ⦗٤٤٩⦘ قَالَ: ذَهَبْتُ أَنَا وَالْحَكَمُ بْنُ عُيَيْنَةَ، إِلَى سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فَسَأَلْنَاهُ عَنْ قَوْلِهِ: ﴿وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا﴾ [النساء: ٩] الْآيَةَ، قَالَ: «قَالَ الرَّجُلُ يَحْضُرُهُ الْمَوْتُ، فَيَقُولُ لَهُ مَنْ يَحْضُرُهُ: اتَّقِ اللَّهَ، صِلْهُمْ، أَعْطِهِمْ، بِرَّهُمْ، وَلَوْ كَانُوا: هُمُ الَّذِينَ يَأْمُرَهُمْ بِالْوَصِيَّةِ لَأَحَبُّوا أَنْ يُبْقُوا لِأَوْلَادِهِمْ»
٦ ‏/ ٤٤٨
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا﴾ [النساء: ٩] قَالَ: «يَحْضُرُهُمُ الْيَتَامَى فَيَقُولُونَ: اتَّقِ اللَّهَ وَصِلْهُمْ وَأَعْطِهِمْ، فَلَوْ كَانُوا هُمْ لَأَحَبُّوا أَنْ يُبْقُوا لِأَوْلَادِهِمْ»
٦ ‏/ ٤٤٩
حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا جُوَيْبِرٌ، عَنِ الضَّحَّاكِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا﴾ [النساء: ٩] الْآيَةَ، يَقُولُ: «إِذَا حَضَرَ أَحَدُكُمْ مَنْ حَضَرَهُ الْمَوْتُ عِنْدَ وَصِيَّتِهِ، فَلَا يَقُلْ: أَعْتِقْ مِنْ مَالِكَ وَتَصَدَّقْ، فَيُفَرِّقَ مَالَهُ وَيَدَعَ أَهْلَهُ عَيْلًا، وَلَكِنْ مُرُوهُ فَلْيَكْتُبْ مَالَهُ مِنْ دَيْنٍ وَمَا عَلَيْهِ، وَيَجْعَلُ مِنْ مَالِهِ لِذَوِي قَرَابَتِهِ خُمْسَ مَالِهِ، وَيَدَعُ سَائِرَهُ لِوَرَثَتِهِ»
٦ ‏/ ٤٤٩
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ﴾ [النساء: ٩] الْآيَةَ، قَالَ: «هَذَا يُفَرِّقُ الْمَالَ حِينَ يُقْسَمُ، فَيَقُولُ الَّذِينَ يَحْضُرُونَ: أَقْلَلْتَ زِدْ فُلَانًا» فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ﴾ [النساء: ٩] «⦗٤٥٠⦘ فَلْيَخْشَ أُولَئِكَ وَلْيَقُولُوا فِيهِمْ مِثْلَ مَا يُحِبُّ أَحَدُهُمْ أَنْ يُقَالَ فِي وَلَدِهِ بِالْعَدْلِ إِذَا أَكْثَرَ: أَبْقِ عَلَى وَلَدِكَ، وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: وَلْيَخْشَ الَّذِينَ يَحْضُرُونَ الْمُوصِيَ وَهُوَ يُوصِي، الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا فَخَافُوا عَلَيْهِمُ الضَّيْعَةَ مِنْ ضَعْفِهِمْ وَطُفُولَتِهِمْ، أَنْ يَنْهَوْهُ عَنِ الْوَصِيَّةِ لِأَقْرِبَائِهِ، وَأَنْ يَأْمُرَهُ بِإِمْسَاكِ مَالِهِ وَالتَّحَفُظِ بِهِ لِوَلَدِهِ، وَهُمْ لَوْ كَانُوا مِنْ أَقْرِبَاءِ الْمُوصِي لَسَرَّهُمْ أَنْ يُوصِيَ لَهُمْ»
٦ ‏/ ٤٤٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ حَبِيبٍ، قَالَ: ذَهَبْتُ أَنَا وَالْحَكَمُ بْنُ عُيَيْنَةَ، فَأَتَيْنَا مِقْسَمًا، فَسَأَلْنَاهُ، يَعْنِي عَنْ قَوْلِهِ: ﴿وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا﴾ [النساء: ٩] الْآيَةَ، فَقَالَ: «مَا قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ؟ فَقُلْنَا: كَذَا وَكَذَا. فَقَالَ:»وَلَكِنَّهُ الرَّجُلُ يَحْضُرُهُ الْمَوْتُ، فَيَقُولُ لَهُ مَنْ يَحْضُرُهُ: اتَّقِ اللَّهَ وَأَمْسِكْ عَلَيْكَ مَالَكَ، فَلَيْسَ أَحَدٌ أَحَقَّ بِمَالِكَ مِنْ وَلَدِكِ، وَلَوْ كَانَ الَّذِي يُوصِي ذَا قَرَابَةٍ لَهُمْ، لَأَحَبُّوا أَنْ يُوصِيَ لَهُمْ “
٦ ‏/ ٤٥٠
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، قَالَ: قَالَ مِقْسَمٌ: «هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ: اتَّقِ اللَّهَ وَأَمْسِكْ عَلَيْكَ مَالَكَ، فَلَوْ كَانَ ذَا قَرَابَةٍ لَهُمْ لَأَحَبُّوا أَنْ يُوصِيَ لَهُمْ»
٦ ‏/ ٤٥٠
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: زَعَمَ حَضْرَمِيُّ، وَقَرَأَ: ﴿وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا﴾ [النساء: ٩] قَالَ: «قَالُوا حَقِيقٌ أَنْ يَأْمُرَ صَاحِبَ الْوَصِيَّةِ بِالْوَصِيَّةِ لِأَهْلِهَا، كَمَا أَنْ لَوَ كَانَتْ ذُرِّيَّةُ نَفْسِهِ بِتِلْكَ الْمَنْزِلَةِ لَأَحَبَّ أَنْ يُوصِيَ لَهُمْ، وَإِنْ كَانَ هُوَ الْوَارِثَ فَلَا يَمْنَعُهُ ذَلِكَ أَنْ يَأْمُرَهُ بِالَّذِي يَحِقُّ عَلَيْهِ، فَإِنَّ وَلَدَهُ لَوْ كَانُوا بِتِلْكَ الْمَنْزِلَةِ أَحَبَّ أَنْ يُحَثَّ عَلَيْهِ، فَلْيَتَّقِ اللَّهَ هُوَ، فَلْيَأْمُرْهُ بِالْوَصِيَّةِ وَإِنْ كَانَ هُوَ الْوَارِثَ» أَوْ نَحْوًا مِنْ ذَلِكَ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ أَمْرٌ مِنَ اللَّهِ وُلَاةَ الْيَتَامَى أَنْ يَلُوهُمْ بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِمْ فِي أَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ، وَلَا يَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا، وَأَنْ يَكُونُوا لَهُمْ كَمَا يُحِبُّونَ أَنْ يَكُونَ وُلَاةُ وَلَدِهِ الصِّغَارِ بَعْدَهُمْ لَهُمْ بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِمْ لَوْ كَانُوا هُمُ الَّذِينَ مَاتُوا وَتَرَكُوا أَوْلَادَهُمْ يَتَامَى صِغَارًا
٦ ‏/ ٤٥١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ﴾ [النساء: ٩] يَعْنِي بِذَلِكَ: «الرَّجُلُ يَمُوتُ وَلَهُ أَوْلَادٌ صِغَارٌ ضِعَافٌ يَخَافُ عَلَيْهِمُ الْعَيْلَةَ وَالضَّيْعَةَ، وَيَخَافُ بَعْدَهُ أَنْ لَا يُحْسِنَ إِلَيْهِ مَنْ يَلِيهِمْ، يَقُولُ: فَإِنْ وَلِيَ مِثْلَ ذُرِّيَّتِهِ ضِعَافًا يَتَامَى، فَلْيُحْسِنْ إِلَيْهِمْ، وَلَا يَأْكُلْ أَمْوَالَهُمْ إِسْرَافًا وَبِدَارًا خَشْيَةَ أَنْ يَكْبَرُوا، فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ، وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا» ⦗٤٥٢⦘ وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ، فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا، يَكْفِيهُمُ اللَّهُ أَمْرَ ذُرِّيَّتِهِمْ بَعْدَهُمْ
٦ ‏/ ٤٥١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَطِيَّةَ بْنِ دُرَيْجِ بْنِ عَطِيَّةَ، قَالَ: ثني عَمِّي مُحَمَّدُ بْنُ دُرَيْجٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، قَالَ: كُنَّا بِالْقُسْطَنْطِينِيَّةِ أَيَّامَ مَسْلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَفِينَا ابْنُ مُحَيْرِيزٍ، وَابْنُ الدَّيْلَمِيِّ، وَهَانِئُ بْنُ كُلْثُومٍ، قَالَ: فَجَعَلْنَا نَتَذَاكَرُ مَا يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ، قَالَ: فَضِقْتُ ذَرْعًا بِمَا سَمِعْتُ، قَالَ: فَقُلْتُ لِابْنِ الدَّيْلَمِيِّ: يَا أَبَا بِشْرٍ بِوُدِّي أَنَّهُ لَا يُولَدُ لِي وَلَدٌ أَبَدًا، قَالَ: فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى مَنْكِبِي وَقَالَ: «يَا ابْنَ أَخِي لَا تَفْعَلْ، فَإِنَّهُ لَيْسَتْ مِنْ نَسَمَةٍ كَتَبَ اللَّهُ لَهَا أَنْ تَخْرُجَ مِنْ صُلْبِ رَجُلٍ، إِلَّا وَهِيَ خَارِجَةٌ إِنْ شَاءَ وَإِنْ أَبَى» . قَالَ: «أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى أَمْرٍ إِنْ أَنْتَ أَدْرَكْتَهُ نَجَّاكَ اللَّهُ مِنْهُ، وَإِنْ تَرَكْتَ وَلَدَكَ مِنْ بَعْدِكَ حِفْظِهِمُ اللَّهُ فِيكَ؟ قَالَ: قُلْتُ بَلَى، قَالَ: فَتَلَا عِنْدَ ذَلِكَ هَذِهِ الْآيَةَ»: ﴿وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا﴾ [النساء: ٩] قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى التَّأْوِيلَاتِ بِالْآيَةِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: تَأْوِيلُ ذَلِكَ: وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمُ الْعَيْلَةَ لَوْ كَانُوا فَرَّقُوا أَمْوَالَهُمْ فِي حَيَاتِهِمْ، أَوْ قَسَّمُوهَا وَصِيَّةً مِنْهُمْ بِهَا لِأُولِي قَرَابَتِهِمْ وَأَهْلُ الْيُتْمِ وَالْمَسْكَنَةِ، فَأَبْقَوْا أَمْوَالَهُمْ لِوَلَدِهِمْ خَشْيَةَ الْعَيْلَةِ عَلَيْهِمْ بَعْدَهُمْ مَعَ ضَعْفِهِمْ وَعَجَزِهِمْ عَنِ الْمَطَالِبِ، فَلْيَأْمُرُوا مَنْ حَضَرُوهُ، وَهُوَ يُوصِي لِذَوِي قَرَابَتِهِ وَفِي الْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَفِي غَيْرِ
٦ ‏/ ٤٥٢
ذَلِكَ بِمَالِهِ بِالْعَدْلِ، وَلْيَتَّقُوا اللَّهَ، وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا، وَهُوَ أَنْ يُعَرِّفُوهُ مَا أَبَاحَ اللَّهُ لَهُ مِنَ الْوَصِيَّةِ وَمَا اخْتَارَهُ الْمُؤْمِنُونَ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَبِكِتَابِهِ وَسُنَّتِهِ. وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ مِنَ التَّأْوِيلَاتِ لِمَا قَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا مَضَى قَبْلُ، مِنْ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا﴾ وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَأَوْصُوا لَهُمْ، بِمَا قَدْ دَلَّلْنَا عَلَيْهِ مِنَ الْأَدِلَّةِ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ تَأْوِيلَ قَوْلِهِ: ﴿وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ﴾ الْآيَةَ، فَالْوَاجِبُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ﴾ [النساء: ٩] تَأْدِيبًا مِنْهُ عِبَادَهُ فِي أَمْرِ الْوَصِيَّةِ بِمَا أَذِنَهُمْ فِيهِ، إِذْ كَانَ ذَلِكَ عُقَيْبَ الْآيَةِ الَّتِي قَبْلَهَا فِي حُكْمِ الْوَصِيَّةِ، وَكَانَ أَظْهَرَ مَعَانِيهِ مَا قُلْنَا، فَإِلْحَاقُ حُكْمِهِ بِحُكْمِ مَا قَبْلَهُ أَوْلَى مَعَ اشْتِبَاهِ مَعَانِيهِمَا مِنْ صَرْفِ حُكْمِهِ إِلَى غَيْرِهِ بِمَا هُوَ لَهُ غَيْرُ مُشْبِهٍ. وَبِمَعْنَى مَا قُلْنَا فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: ﴿وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا﴾ [النساء: ٩] قَالَ مَنْ ذَكَرْنَا قَوْلَهُ فِي مُبْتَدَأِ تَأْوِيلِ هَذِهِ الْآيَةِ، وَبِهِ كَانَ ابْنُ زَيْدٍ يَقُولُ
٦ ‏/ ٤٥٣
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا﴾ [النساء: ٩] قَالَ: «يَقُولُ قَوْلًا سَدِيدًا، يَذْكُرُ هَذَا الْمِسْكِينَ وَيَنْفَعُهُ، وَلَا يُجْحِفِ بِهَذَا الْيَتِيمِ وَارِثِ الْمُؤَدِّي وَلَا يَضُرُّ بِهِ، لِأَنَّهُ صَغِيرٌ لَا يَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهِ، فَانْظُرْ لَهُ كَمَا تَنْظُرُ إِلَى وَلَدِكَ لَوْ كَانُوا صِغَارًا» وَالسَّدِيدُ مِنَ الْكَلَامِ: هُوَ الْعَدْلُ وَالصَّوَابُ
٦ ‏/ ٤٥٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا﴾ [النساء: ١٠] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثناؤُهُ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا﴾ [النساء: ١٠] يَقُولُ: بِغَيْرِ حَقٍّ، ﴿إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا﴾ [النساء: ١٠] يَوْمَ الْقِيَامَةِ، بِأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا فِي الدُّنْيَا، نَارَ جَهَنَّمَ. ﴿وَسَيَصْلَوْنَ﴾ [النساء: ١٠] بِأَكْلِهِمْ ﴿سَعِيرًا﴾ [النساء: ١٠]
٦ ‏/ ٤٥٤
كَمَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا﴾ [النساء: ١٠] قَالَ: «إِذَا قَامَ الرَّجُلُ يَأْكُلُ مَالَ الْيَتِيمِ ظُلْمًا، يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَهَبُ النَّارِ يَخْرُجُ مِنْ فِيهِ وَمِنْ مَسَامِعِهِ وَمِنْ أُذُنَيْهِ وَأَنْفِهِ وَعَيْنَيْهِ، يَعْرِفُهُ مَنْ رَآهُ يَأْكُلُ مَالَ الْيَتِيمِ»
٦ ‏/ ٤٥٤
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو هَارُونَ الْعَبْدِيُّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: ثنا النَّبِيُّ ﷺ عَنْ لَيْلَةِ أُسْرِيَ بِهِ، قَالَ: «نَظَرْتُ فَإِذَا أَنَا بِقَوْمُ لَهُمْ مَشَافِرُ كَمَشَافِرِ الْإِبِلِ وَقَدْ وُكِّلَ بِهِمْ مَنْ يَأْخُذُ بِمَشَافِرِهِمْ، ثُمَّ يَجْعَلُ فِي أَفْوَاهِهِمْ صَخْرًا مِنْ نَارٍ يَخْرُجُ مِنْ أَسَافِلِهِمْ، قُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ مَنْ هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا»
٦ ‏/ ٤٥٤
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ
٦ ‏/ ٤٥٤
سَعِيرًا﴾ [النساء: ١٠] قَالَ: قَالَ أَبِي: إِنَّ «هَذِهِ لِأَهْلِ الشِّرْكِ حِينَ كَانُوا لَا يُوَرِّثُونَهُمْ وَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَهُمْ» وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا﴾ [النساء: ١٠] فَإِنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنَ الصَّلَا، وَالصَّلَا: الِاصْطِلَاءُ بِالنَّارِ، وَذَلِكَ التَّسَخُّنُ بِهَا، كَمَا قَالَ الْفَرَزْدَقُ:
[البحر الطويل] وَقَاتَلَ كَلْبُ الْحَيِّ عَنْ نَارِ أَهْلِهِ … لِيَرْبِضَ فِيهَا وَالصَّلَا مُتَكَنِّفُ
وَكَمَا قَالَ الْعَجَّاجُ:
[البحر الرجز] وَصَالِيَانِ لِلصَّلَا صُلِيُّ
ثُمَّ اسْتُعْمِلَ ذَلِكَ فِي كُلِّ مَنْ بَاشَرَ بِيَدِهِ أَمْرًا مِنَ الْأُمُورِ، مِنْ حَرْبٍ أَوْ قِتَالٍ أَوْ خُصُومَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الخفيف] لَمْ أَكُنْ مِنْ جُنَاتِهَا عَلِمَ اللَّهُ … وَإِنِّي بِحَرِّهَا الْيَوْمَ صَالِي
فَجَعَلَ مَا بَاشَرَ مِنْ شِدَّةِ الْحَرْبِ وِإِجْرَاءِ الْقِتَالِ، بِمَنْزِلَةِ مُبَاشَرَةِ أَذَى النَّارِ وَحَرِّهَا. وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأْتُهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَالْعِرَاقِ: ﴿وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا﴾ [النساء: ١٠] بِفَتْحِ الْيَاءِ عَلَى التَّأْوِيلَ الَّذِي قُلْنَا.
٦ ‏/ ٤٥٥
وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ الْمَكِّيِّينَ وَبَعْضُ الْكُوفِيِّينَ: (وَسَيُصْلَوْنَ سَعِيرًا) بِضَمِّ الْيَاءِ، بِمَعْنَى يُحْرَقُونَ مِنْ قَوْلِهِمْ: شَاةٌ مَصْلِيَّةٌ، يَعْنِي مَشْوِيَّةً. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالْفَتْحُ بِذَلِكَ أَوْلَى مِنَ الضَّمِّ لِإِجْمَاعِ جَمِيعِ الْقُرَّاءِ عَلَى فَتْحِ الْيَاءِ فِي قَوْلِهِ: ﴿لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى﴾ [الليل: ١٥] وَلِدَلَالَةِ قَوْلِهِ: ﴿إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ﴾ [الصافات: ١٦٣] عَلَى أَنَّ الْفَتْحَ بِهَا أَوْلَى مِنَ الضَّمِ، وَأَمَّا السَّعِيرُ: فَإِنَّهُ شِدَّةُ حَرِّ جَهَنَّمَ، وَمِنْهُ قِيلَ: اسْتَعَرَتِ الْحَرْبُ: إِذَا اشْتَدَّتْ، وَإِنَّمَا هُوَ مَسْعُورٌ، ثُمَّ صُرِفَ إِلَى سَعِيرٍ، قِيلَ: كَفٌّ خَضِيبٌ، وَلِحْيَةٌ دَهِينٌ، وَإِنَّمَا هِيَ مَخْضُوبَةٌ صُرِفَتْ إِلَى فَعِيلٍ. فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ إِذًا: وَسَيُصْلَوْنَ نَارًا مُسَعَّرَةً: أَيْ مَوْقُودَةً مُشْعَلَةً، شَدِيدًا حَرُّهَا. وَإِنَّمَا قُلْنَا: إِنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثناؤُهُ قَالَ: ﴿وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ﴾ [التكوير: ١٢] فَوَصَفَهَا بِأَنَّهَا مَسْعُورَةٌ، ثُمَّ أَخْبَرَ جَلَّ ثناؤُهُ أَنَّ أَكَلَةَ أَمْوَالِ الْيَتَامَى يَصْلَونَهَا، وَهِيَ كَذَلِكَ، فَالسَّعِيرُ إِذًا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ صِفَةٌ لُلْجَحِيمِ عَلَى مَا وَصَفْنَا
٦ ‏/ ٤٥٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَآؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ يَعْنِي جَلَّ ثناؤُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ﴾ [النساء: ١١] يَعْهَدُ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ﴿فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ﴾ [النساء: ١١] يَقُولُ يَعْهَدُ إِلَيْكُمْ رَبُّكُمْ إِذَا مَاتَ الْمَيِّتُ مِنْكُمْ،
٦ ‏/ ٤٥٦
وَخَلَّفَ أَوْلَادًا ذُكُورًا وَإِنَاثًا، فَلِوَلَدِهِ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ مِيرَاثُهُ أَجْمَعُ بَيْنَهُمْ، لِلذَّكَرِ مِنْهُمْ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ غَيْرُهُمْ، سَوَاءٌ فِيهِ صِغَارُ وَلَدِهِ وَكِبَارُهُمْ وَإِنَاثُهُمْ فِي أَنَّ جَمِيعَ ذَلِكَ بَيْنَهُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَرُفِعَ قَوْلُهُ: ﴿مِثْلُ﴾ [البقرة: ١١٣]، بِالصِّفَةِ، وَهِيَ اللَّامُ الَّتِي فِي قَوْلِهِ: ﴿لِلذَّكَرِ﴾ [النساء: ١١] وَلَمْ يُنْصَبْ بِقَوْلِهِ: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ﴾ [النساء: ١١] لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ عَهْدٌ وَإِعْلَامٌ بِمَعْنَى الْقَوْلِ، وَالْقَوْلُ لَا يَقَعُ عَلَى الْأَسْمَاءِ الْمُخْبَرِ عَنْهَا، فَكَأَنَّهُ قِيلَ: يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: لَكُمْ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِنْهُمْ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ. وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ تَبْيِينًا مِنَ اللَّهِ الْوَاجِبَ مِنَ الْحُكْمِ فِي مِيرَاثِ مَنْ مَاتَ وَخَلَّفَ وَرَثَةً عَلَى مَا بَيَّنَ؛ لِأَنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا لَا يَقْسِمُونَ مِنْ مِيرَاثِ الْمَيِّتِ لِأَحَدٍ مِنْ وَرَثَتِهِ بَعْدَهُ مِمَّنْ كَانَ لَا يُلَاقِي الْعَدُوَّ وَلَا يُقَاتِلُ فِي الْحُرُوبِ مِنْ صِغَارِ وَلَدِهِ، وَلَا لِلنِّسَاءِ مِنْهُمْ، وَكَانُوا يَخُصُّونَ بِذَلِكَ الْمُقَاتِلَةَ دُونَ الذُّرِّيَّةِ، فَأَخْبَرَ اللَّهُ جَلَّ ثناؤُهُ أَنَّ مَا خَلَّفَهُ الْمَيِّتُ بَيْنَ مَنْ سَمَّى وَفَرَضَ لَهُ مِيرَاثًا فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَفِي آخِرِ هَذِهِ السُّورَةِ، فَقَالَ فِي صِغَارِ وَلَدِ الْمَيِّتِ وَكِبَارِهِمْ وَإِنَاثِهِمْ: لَهُمْ مِيرَاثُ أَبِيهِمْ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ غَيْرُهُمْ، لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ
٦ ‏/ ٤٥٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ﴾ [النساء: ١١] «كَانَ أَهْلَ ⦗٤٥٨⦘ الْجَاهِلِيَّةُ لَا يُوَرِّثُونَ الْجَوَارِيَ، وَلَا الصِّغَارَ مِنَ الْغِلْمَانِ، لَا يَرِثُ الرَّجُلَ مِنْ وَلَدِهِ إِلَّا مَنْ أَطَاقَ الْقِتَالَ. فَمَاتَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ أَخُو حَسَّانَ الشَّاعِرِ، وَتَرَكَ امْرَأَةً يُقَالُ لَهَا أُمُّ كَحَّةَ وَتَرَكَ خَمْسَ أَخَوَاتٍ، فَجَاءَتِ الْوَرَثَةُ يَأْخُذُونَ مَالَهُ، فَشَكَتْ أُمُّ كَحَّةَ ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تبارك وتعالى هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ﴾ [النساء: ١١] ثُمَّ قَالَ فِي أُمِّ كَحَّةَ: ﴿وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثَّمَنُ﴾ [النساء: ١٢]»
٦ ‏/ ٤٥٧
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ﴾ [النساء: ١١] «وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَتِ الْفَرَائِضُ الَّتِي فَرَضَ اللَّهُ فِيهَا مَا فَرَضَ لِلْوَلَدِ الذِّكْرِ وَالْأُنْثَى وَالْأَبَوْينِ كَرِهَهَا النَّاسُ أَوْ بَعْضُهُمْ، وَقَالُوا: تُعْطَى الْمَرْأَةُ الرُّبُعَ وَالثُّمُنَ، وَتُعْطَى الِابْنَةُ النِّصْفَ، وَيُعْطَى الْغُلَامُ الصَّغِيرُ، وَلَيْسَ مِنْ هَؤُلَاءِ أَحَدٌ يُقَاتِلُ الْقَوْمَ وَلَا يَحُوزُ الْغَنِيمَةَ اسْكُتُوا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، لَعَلَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَنْسَاهُ، أَوْ نَقُولُ لَهُ فَيُغَيِّرُهُ فَقَالْ بَعْضُهُمْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنُعْطِي الْجَارِيَةَ نِصْفَ مَا تَرَكَ أَبُوهَا، وَلَيْسَتْ تَرْكَبُ الْفَرَسَ، وَلَا تُقَاتِلُ الْقَوْمَ، وَنُعْطِي الصَّبِيَّ الْمِيرَاثَ، وَلَيْسَ يُغْنِي شَيْئًا؟ وَكَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، لَا يُعْطُونَ الْمِيرَاثَ إِلَّا مَنْ قَاتَلَ، وَيُعْطُونَهُ الْأَكْبَرَ ⦗٤٥٩⦘ فَالْأَكْبَرَ، وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ نَزَلَ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ أَنَّ الْمَالَ كَانَ لِلْوَلَدِ قَبْلِ نُزُولِهِ، وَلِلْوَالِدَيْنِ الْوَصِيَّةُ، فَنَسَخَ اللَّهُ تبارك وتعالى ذَلِكَ بِهَذِهِ الْآيَةِ»
٦ ‏/ ٤٥٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ أَوْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ﴾ [النساء: ١١] قَالَ: «كَانَ الْمَالُ لِلْوَلَدِ، وَكَانَتِ الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ، فَنَسَخَ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ مَا أَحَبَّ، فَجَعَلَ لِلذَّكَرِ مِثْلَ حَظَّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَجَعَلَ لِلْأَبَوَيْنِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسَ مَعَ الْوَلَدِ، وَلِلزَّوْجِ الشَّطْرَ وَالرُّبُعَ، وَلِلزَّوْجَةِ الرُّبُعَ وَالثُّمُنَ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ﴾ [النساء: ١١] قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: «كَانَ الْمَالُ وَكَانَتِ الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ، فَنَسَحَ اللَّهُ تبارك وتعالى مِنْ ذَلِكَ مَا أَحَبَّ، فَجَعَلَ لِلذَّكَرِ مِثْلَ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَهُ» حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَهُ “
٦ ‏/ ٤٥٩
وَرُوِيَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ مَا: حَدَّثَنَا بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، ⦗٤٦٠⦘ قَالَ: «دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَأَنَا مَرِيضٌ، فَتَوَضَّأَ وَنَضَحَ عَلَيَّ مِنْ وَضُوئِهِ فَأَفَقْتُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا يَرِثُنِي كَلَالَةٌ، فَكَيْفَ بِالْمِيرَاثِ؟ فَنَزَلَتْ آيَةُ الْفَرَائِضِ»
٦ ‏/ ٤٥٩
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: ثني مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: «عَادَنِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَأَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه فِي بَنِي سَلَمَةَ يَمْشِيَانِ، فَوَجَدَانِي لَا أَعْقِلُ، فَدَعَا بِوَضُوءٍ فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ رَشَّ عَلَيَّ فَأَفَقْتُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ أَصْنَعُ فِي مَالِي؟ فَنَزَلَتْ ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ﴾ [النساء: ١١] الْآيَةَ»
٦ ‏/ ٤٦٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ﴾ [النساء: ١١] يَعْنِي بِقَوْلِهِ: ﴿فَإِنْ كُنَّ﴾ [النساء: ١١] فَإِنْ كَانَ الْمَتْرُوكَاتُ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ. وَيَعْنِي بِقَوْلِ نِسَاءٍ: بَنَاتِ الْمَيِّتِ فَوْقَ اثْنَتَيْنِ، يَقُولُ: أَكْثَرُ فِي الْعَدَدِ مِنَ اثْنَتَيْنِ. ﴿فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ﴾ [النساء: ١١] يَقُولُ: فَلِبَنَاتِهِ الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ بَعْدَهُ مِنْ مِيرَاثِهِ دُونَ سَائِرِ وَرَثَتِهِ إِذَا لَمْ يَكُنْ الْمَيِّتُ خَلَّفَ وَلَدًا ذِكْرًا مَعَهُنَّ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي الْمَعْنِيِّ بِقَوْلِهِ: ﴿فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً﴾ [النساء: ١١] فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي
٦ ‏/ ٤٦٠
الْبَصْرَةِ بِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا: فَإِنْ كَانَ الْمَتْرُوكَاتُ نِسَاءً، وَهُوَ أَيْضًا قَوْلُ بَعْضِ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ. وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: فَإِنْ كَانَ الْأَوْلَادُ نِسَاءً، وَقَالَ: إِنَّمَا ذَكَرَ اللَّهُ الْأَوْلَادَ، فَقَالَ: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ﴾ [النساء: ١١] ثُمَّ قَسَّمَ الْوَصِيَّةَ، فَقَالَ: ﴿فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً﴾ [النساء: ١١] وَإِنْ كَانَ الْأَوْلَادُ وَاحِدَةً، تَرْجَمَةً مِنْهُ بِذَلِكَ عَنِ الْأَوْلَادِ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ الَّذِي حَكَيْنَاهُ عَمَّنْ حَكَيْنَاهُ عَنْهُ مِنَ الْبَصْرِيِّينَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: ﴿وَإِنْ كُنَّ﴾ [الطلاق: ٦]، لَوْ كَانَ مَعْنِيًّا بِهِ الْأَوْلَادُ، لَقِيلَ: وَإِنْ كَانُوا، لِأَنَّ الْأَوْلَادَ تَجْمَعُ الذُّكُورَ وَالْإِنَاثَ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ، فَإِنَّمَا يُقَالُ: كَانُوا لَا «كُنَّ»
٦ ‏/ ٤٦١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ﴾ [النساء: ١١] يَعْنِي بِقَوْلِهِ: وَإِنْ كَانَتِ الْمَتْرُوكَةُ ابْنَةً وَاحِدَةً، فَلَهَا النِّصْفُ، يَقُولُ: فَلِتِلْكَ الْوَاحِدَةِ نِصْفُ مَا تَرَكَ الْمَيِّتُ مِنْ مِيرَاثِهِ إِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهَا غَيْرُهَا مِنْ وَلَدِ الْمَيِّتِ ذُكَرٌ وَلَا أُنْثَى. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَهَذَا فَرْضُ الْوَاحِدَةِ مِنَ النِّسَاءِ، وَمَا فَوْقَ الِاثْنَتَيْنِ، فَأَيْنَ فَرِيضَةُ الِاثْنَتَيْنِ؟ قِيلَ: فَرِيضَتُهُمْ بِالسُّنَّةِ الْمَنْقُولَةِ نَقْلَ الْوِرَاثَةِ الَّتِي لَا يَجُوزُ فِيهَا الشَّكُّ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَلِأَبَوَيْهِ﴾ [النساء: ١١] فَإِنَّهُ يَعْنِي: وَلِأَبَوَيِ الْمَيِّتِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِنْ تَرِكَتِهِ وَمَا خَلَّفَ مِنْ مَالِهِ سَوَاءٌ فِيهِ الْوَالِدَةُ وَالْوَالِدُ، لَا يَزْدَادُ وَاحِدٌ
٦ ‏/ ٤٦١
مِنْهُمَا عَلَى السُّدُسِ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ ذِكْرًا كَانَ الْوَلَدُ أَوْ أُنْثَى، وَاحِدًا كَانَ أَوْ جَمَاعَةً. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ التَّأْوِيلُ، فَقَدْ يَجِبُ أَنْ لَا يُزَادَ الْوَالِدُ مَعَ الِابْنَةِ الْوَاحِدَةِ عَلَى السُّدُسِ مِنْ مِيرَاثِهِ عَنْ وَلَدِهِ الْمَيِّتِ، وَذَلِكَ إِنْ قُلْتَهُ قَوْلَ خِلَافٍ لِمَا عَلَيْهِ الْأُمَّةُ مُجْمِعُونَ مِنْ تَصْيِيرِهِمْ بَاقِيَ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ مَعَ الِابْنَةِ الْوَاحِدَةِ بَعْدَ أَخْذِهَا نَصِيبَهَا مِنْهَا لِوَالِدِهِ أَجْمَعَ؟ قِيلَ: لَيْسَ الْأَمْرُ فِي ذَلِكَ كَالَّذِي ظَنَنْتَ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَبَوَيِ الْمَيِّتِ السُّدُسُ مِنْ تَرِكَتِهِ مَعَ وَلَدِهِ ذِكْرًا كَانَ الْوَلَدُ أَوْ أُنْثَى، وَاحِدًا كَانَ أَوْ جَمَاعَةً، فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ لَهُ مُسَمَّاةَ، فَإِنْ زَيْدَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ بَقِيَّةِ النِّصْفِ مَعَ الِابْنَةِ الْوَاحِدَةِ إِذَا لَمْ يَكُنْ غَيْرُهُ وَغَيْرُ ابْنَةٍ لِلْمَيِّتِ وَاحِدَةٍ فَإِنَّمَا زِيدَهَا ثَانِيًا لِقُرْبِ عَصَبَةِ الْمَيِّتِ إِلَيْهِ، إِذْ كَانَ حُكْمُ كُلِّ مَا أَبْقَتْهُ سِهَامُ الْفَرَائِضِ، فَلِأَوْلَى عَصَبَةِ الْمَيِّتِ وَأَقْرَبِهِمْ إِلَيْهِ بِحُكْمِ ذَلِكَ لَهَا عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَكَانَ الْأَبُ أَقْرَبَ عَصَبَةِ ابْنِهِ وَأَوْلَاهَا بِهِ إِذَا لَمْ يَكُنْ لِابْنِهِ الْمَيِّتِ ابْنٌ
٦ ‏/ ٤٦٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدُ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ﴾ [النساء: ١١] يَعْنِي جَلَّ ثناؤُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ﴾ [النساء: ١١] فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ وَلَدٌ ذَكَرٌ وَلَا أُنْثَى، وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ دُونَ غَيْرِهِمَا مِنْ وَلَدٍ وَارِثٍ ﴿فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ﴾ [النساء: ١١] يَقُولُ: فَلِأُمِّهِ مِنْ تَرَكْتِهِ وَمَا خَلَّفَ بَعْدَهُ ثُلُثُ جَمِيعِ ذَلِكَ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَمَنِ الَّذِي لَهُ الثُّلُثَانِ الْآخَرَانِ؟ قِيلَ لَهُ الْأَبُ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: بِمَاذَا؟
٦ ‏/ ٤٦٢
قُلْتُ: بِأَنَّهُ أَقْرَبُ أَهْلِ الْمَيِّتِ إِلَيْهِ، وَلِذَلِكَ تَرَكَ ذِكْرَ تَسْمِيَةِ مَنْ لَهُ الثُّلُثَانِ الْبَاقِيَانِ، إِذْ كَانَ قَدْ بَيَّنَ عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ لِعِبَادِهِ أَنَّ كُلَّ مَيِّتٍ فَأَقْرَبُ عَصَبَتِهِ بِهِ أَوْلَى بِمِيرَاثِهِ بَعْدَ إِعْطَاءِ ذَوِي السِّهَامِ الْمَفْرُوضَةِ سِهَامَهُمْ مِنْ مِيرَاثِهِ، وَهَذِهِ الْعِلَّةُ هِيَ الْعِلَّةُ الَّتِي مِنْ أَجْلِهَا سُمِّيَ لِلْأُمِّ مَا سُمِّيَ لَهَا، إِذَا لَمْ يَكُنْ الْمَيِّتُ خَلَّفَ وَارِثًا غَيْرَ أَبَوَيْهِ؛ لِأَنَّ الْأُمَّ لَيْسَتْ بِعَصَبَةٍ فِي حَالٍ لِلْمَيِّتِ، فَبَيَّنَ اللَّهُ جَلَّ ثناؤُهُ لِعِبَادِهِ مَا فَرَضَ لَهَا مِنْ مِيرَاثِ وَلَدِهَا الْمَيِّتِ، وَتَرَكَ ذِكْرَ مَنْ لَهُ الثُّلُثَانِ الْبَاقِيَانِ مِنْهُ مَعَهَا، إِذْ كَانَ قَدْ عَرَّفَهُمْ فِي جُمْلَةِ بَيَانِهِ لَهُمْ مَنْ لَهُ بَقَايَا تَرِكَةِ الْأَمْوَالِ بَعْدَ أَخْذِ أَهْلِ السِّهَامِ سِهَامَهُمْ وَفَرَائِضَهُمْ، وَكَانَ بَيَانُهُ ذَلِكَ مُعِينًا لَهُمْ عَلَى تَكْرِيرِ حُكْمِهِ مَعَ كُلِّ مَنْ قَسَمَ لَهُ حَقًّا مِنْ مِيرَاثِ مَيِّتٍ وَسَمَّى لَهُ مِنْهُ سَهْمًا
٦ ‏/ ٤٦٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ﴾ [النساء: ١١] إِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَمَا الْمَعْنَى الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ ذَكَرَ حُكْمَ الْأَبَوَيْنِ مَعَ الْإِخْوَةِ، وَتَرَكَ ذِكْرَ حُكْمِهِمَا مَعَ الْأَخِ الْوَاحِدِ؟ قُلْتُ: اخْتِلَافُ حُكْمِهِمَا مَعَ الْإِخْوَةِ الْجَمَاعَةِ وَالْأَخِ الْوَاحِدِ، فَكَانَ فِي إِبَانَةِ اللَّهِ جَلَّ ثناؤُهُ لِعِبَادِهِ حُكْمَهُمَا فِيمَا يَرِثَانِ مِنْ وَلَدِهِمَا الْمَيِّتِ مَعَ إِخْوَتِهِ غِنًى، وَكِفَايَةٌ عَنْ أَنَّ حُكْمَهُمَا فِيمَا وَرِثَا مِنْهُ غَيْرُ مُتَغَيِّرٍ عَمَّا كَانَ لَهُمَا، وَلَا أَخَ لِلْمَيِّتِ، وَلَا وَارِثَ غَيْرُهُمَا، إِذْ كَانَ مَعْلُومًا عِنْدَهُمْ أَنَّ كُلَّ مُسْتَحِقٍّ حَقًّا بِقَضَاءِ اللَّهِ ذَلِكَ لَهُ، لَا يَنْتَقِلُ حَقُّهُ الَّذِي قَضَى بِهِ لَهُ رَبُّهُ جَلَّ ثناؤُهُ، عَمَّا قَضَى بِهِ لَهُ إِلَى غَيْرِهِ، إِلَّا بِنَقْلِ اللَّهِ ذَلِكَ عَنْهُ إِلَى مَنْ نَقَلَهُ إِلَيْهِ مِنْ خَلْقِهِ، فَكَانَ فِي فَرْضِهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِلْأُمِّ مَا
٦ ‏/ ٤٦٣
فَرَضَ، إِذَا لَمْ يَكُنْ لِوَلَدِهَا الْمَيِّتِ وَارِثٌ غَيْرُهَا وَغَيْرُ وَالِدِهِ، لَوَائِحُ الدَّلَالَةِ الْوَاضِحَةِ لِلْخَلْقِ أَنَّ ذَلِكَ الْمَفْرُوضَ هُوَ ثُلُثُ مَالِ وَلَدِهَا الْمَيِّتِ حَقٌّ لَهَا وَاجِبٌ، حَتَّى يُغَيِّرَ ذَلِكَ الْفَرْضَ مَنْ فَرَضَ لَهَا، فَلَمَّا غَيَّرَ تَعَالَى ذِكْرُهُ مَا فَرَضَ لَهَا مِنْ ذَلِكَ مَعَ الْإِخْوَةِ الْجَمَاعَةِ وَتَرَكَ تَغْيِيرَهُ مَعَ الْأَخِ الْوَاحِدِ، عُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ فَرْضَهَا غَيْرُ مُتَغَيِّرٍ عَمَّا فُرِضَ لَهَا إِلَّا فِي الْحَالِ الَّتِي غَيَّرَهُ فِيهَا مَنْ لَزِمَ الْعِبَادَ طَاعَتُهُ دُونَ غَيْرِهَا مِنَ الْأَحْوَالِ. ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي عَدَدِ الْإِخْوَةِ الَّذِينَ عَنَاهُمُ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ﴾ [النساء: ١١] فَقَالَ جَمَاعَةُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ عُلَمَاءِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ فِي كُلِّ زَمَانٍ: عَنَى اللَّهُ جَلَّ ثناؤُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ﴾ [النساء: ١١] اثْنَيْنِ كَانَ الْإِخْوَةُ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُمَا، أُنْثَيَيْنِ كَانَتَا أَوْ كُنَّ إِنَاثًا، أَوْ ذَكَرَيْنِ كَانَا أَوْ كَانُوا ذُكُورًا، أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا ذَكَرًا وَالْآخَرُ أُنْثَى. وَاعْتَلَّ كَثِيرٌ مِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ بِأَنَّ ذَلِكَ قَالَتْهُ الْأُمَّةُ عَنْ بَيَانِ اللَّهِ جَلَّ ثناؤُهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ ﷺ فَنَقَلَتْهُ أُمَّةُ نَبِيِّهِ نَقْلًا مُسْتَفِيضًا قَطَعَ الْعُذْرَ مَجِيئُهُ، وَدَفَعَ الشَّكَّ فِيهِ عَنْ قُلُوبِ الْخَلْقِ وُرُودُهُ. وَرُوِي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: بَلْ عَنَى اللَّهُ جَلَّ ثناؤُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ﴾ [النساء: ١١] جَمَاعَةً أَقَلُّهَا ثَلَاثَةٌ، وَكَانَ يُنْكِرُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ جَلَّ ثناؤُهُ حَجَبَ الْأُمَّ عَنْ ثُلُثِهَا مَعَ الْأَبِ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ إِخْوَةٍ، فَكَانَ يَقُولُ فِي أَبَوَيْنِ وَأَخَوَيْنِ: لِلْأُمِّ الثُّلُثُ وَمَا بَقِيَ فَلِلْأَبِ كَمَا قَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي أَبَوَيْنِ وَأَخٍ وَاحِدٍ
٦ ‏/ ٤٦٤
ذِكْرُ الرِّوَايَةِ عَنْهُ بِذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ، قَالَ: ثني ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ شُعْبَةَ، مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى عُثْمَانَ رضي الله عنه، فَقَالَ: «لِمَ صَارَ الْأَخَوَانِ يَرُدَّانِ الْأُمَّ إِلَى السُّدُسِ» وَإِنَّمَا قَالَ اللَّهُ: ﴿فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ﴾ [النساء: ١١] «وَالْأَخَوَانِ فِي لِسَانِ قَوْمِكَ وَكَلَامِ قَوْمَكَ لَيْسَا بِإِخْوَةٍ؟» فَقَالَ عُثْمَانُ رضي الله عنه: “هَلْ أَسْتَطِيعُ نَقْضَ أَمْرٍ كَانَ قَبْلِي، وَتَوَارَثَهُ النَّاسُ، وَمَضَى فِي الْأَمْصَارِ؟ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّ الْمَعْنِيَّ بِقَوْلِهِ: ﴿فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ﴾ [النساء: ١١] اثْنَانِ مِنْ إِخْوَةِ الْمَيِّتِ فَصَاعِدًا، عَلَى مَا قَالَهُ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ دُونَ مَا قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، لِنَقْلِ الْأُمَّةِ وَرَاثَةَ صِحَّةِ مَا قَالُوهُ مِنْ ذَلِكَ عَنِ الْحُجَّةِ وَإِنْكَارِهِمْ مَا قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي ذَلِكَ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَكَيْفَ قِيلَ فِي الْأَخَوَيْنِ إِخْوَةٌ، وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ لِلْأَخَوْيِنِ فِي مَنْطِقِ الْعَرَبِ مِثَالًا لَا يُشْبِهُ مِثَالَ الْإِخْوَةِ فِي مَنْطِقِهَا؟ قِيلَ: إِنَّ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ مِنْ شَأْنِهَا التَّأْلِيفَ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ بِتَقَارُبِ مَعْنَيَيْهِمَا وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي بَعْضِ وَجُوهِهِمَا، فَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَكَانَ مُسْتَفِيضًا فِي مَنْطِقِهَا مُنْتَشِرًا مْسُتَعْمَلًا فِي كَلَامِهَا: ضَرَبْتُ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ وَعَمْرٍو رُءُوسَهُمَا، وَأَوْجَعْتُ مِنْهُمَا ظُهُورَهُمَا، وَكَانَ ذَلِكَ أَشَدَّ اسْتِفَاضَةً فِي مَنْطِقِهَا مِنْ أَنْ يُقَالَ: أَوْجَعْتُ مِنْهُمَا ظَهْرَهُمَا، وَإِنْ كَانَ مَقُولًا: أَوْجَعْتُ ظَهْرَهُمَا كَمَا قَالَ ⦗٤٦٦⦘ الْفَرَزْدَقُ:
[البحر الطويل]

بِمَا فِي فُؤَادَيْنَا مِنَ الْحُبِّ وَالْهَوَى … فَيَبْرَأُ مِنْهَاضُ الْفُؤَادِ الْمُشَغَّفُ
غَيْرَ أَنَّ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ مَقُولًا، فَأَفْصَحُ مِنْهُ: بِمَا فِي أَفْئِدَتِنَا، كَمَا قَالَ جَلَّ ثناؤُهُ: ﴿إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا﴾ [التحريم: ٤]، فَلَمَّا كَانَ مَا وَصَفْتُ مِنْ إِخْرَاجِ كُلِّ مَا كَانَ فِي الْإِنْسَانِ وَاحِدًا إِذَا ضُمَّ إِلَى الْوَاحِدِ مِنْهُ آخَرُ مِنْ إِنْسَانٍ آخَرَ، فَصَارَ اثْنَيْنِ مِنَ اثْنَيْنِ، فَلَفْظُ الْجَمْعِ أَفْصَحُ فِي مَنْطِقِهَا وَأَشْهُرُ فِي كَلَامِهَا، وَكَانَ الْأَخَوَانِ شَخْصَيْنِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا غَيْرُ صَاحِبِهِ مِنْ نَفَسَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ أَشْبَهَ مَعْنَاهُمَا مَعْنَى مَا كَانَ فِي الْإِنْسَانِ مِنْ أَعْضَائِهِ، وَاحِدًا لَا ثَانِيَ لَهُ، فَأَخْرَجَ أُنْثَيَيْهِمَا بِلَفْظِ أُنْثَى الْعُضْوَيْنِ اللَّذَيْنِ وَصَفْتُ، فَقِيلَ إِخْوَةٌ فِي مَعْنَى الْأَخَوَيْنِ، كَمَا قِيلَ ظُهُورٌ فِي مَعْنَى الظِّهْرَيْنِ، وَأَفْوَاهٌ فِي مَعْنَى فَمَوَيْنِ، وَقُلُوبٌ فِي مَعْنَى قَلْبَيْنِ، وَقَدْ قَالَ بَعْضُ النَّحْوِيِّينَ: إِنَّمَا قِيلَ إِخْوَةٌ؛ لِأَنَّ أَقَلَّ الْجَمْعِ اثْنَانِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا ضُمَّ شَيْءٌ إِلَى شَيْءٍ صَارَا جَمِيعًا بَعْدَ أَنْ كَانَا فَرْدَيْنِ فَجُمِعَا، لِيَعْلَمَ أَنَّ الِاثْنَيْنِ جَمْعٌ، ⦗٤٦٧⦘ وَهَذَا وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فِي الْمَعْنَى، فَلَيْسَ بِعِلَّةٍ تُنْبِئُ عَنْ جَوَازِ إِخْرَاجِ مَا قَدْ جَرَى الْكَلَامُ مُسْتَعْمَلًا مُسْتَفِيضًا عَلَى أَلْسُنِ الْعَرَبِ لِاثْنَيْنِ بِمِثَالٍ، وَصُورَةٍ غَيْرِ مِثَالِ ثَلَاثَةٍ فَصَاعِدًا مِنْهُ، وَصُورَتِهَا؛ لِأَنَّ مَنْ قَالَ أَخَوَاكِ قَامَا، فَلَا شَكَّ أَنَّهُ قَدْ عَلِمَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَخَوَيْنِ فَرْدٌ ضُمَّ أَحَدُهُمَا إِلَى الْآخَرِ، فَصَارَا جَمِيعًا بَعْدَ أَنْ كَانَا شَتَّى عُنْوَانَ الْأَمْرِ، وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَلَا تَسْتَجِيزُ الْعَرَبُ فِي كَلَامِهَا أَنْ يُقَالَ: أَخَوَاكَ قَامُوا، فَيَخْرُجُ قَوْلُهُمْ: قَامُوا، وَهُوَ لَفْظٌ لِلْخَبَرِ عَنِ الْجَمِيعِ خَبَرًا عَنِ الْأَخَوَيْنِ وَهُمَا بِلَفْظِ الِاثْنَيْنِ؛ لِأَنَّ لِكُلِّ مَا جَرَى بِهِ الْكَلَامُ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ مِثَالًا مَعْرُوفًا عِنْدَهُمْ، وَصُورَةً إِذَا غَيَّرَ مُغَيِّرٌ مَا قَدْ عَرَفُوهُ فِيهِمْ أَنْكَرُوهُ، فَكَذَلِكَ الْأَخَوَانِ وَإِنْ كَانَ مَجْمُوعَيْنِ ضُمَّ أَحَدُهُمَا إِلَى صَاحِبِهِ، فَلَهُمَا مِثَالٌ فِي الْمَنْطَقِ، وَصُورَةٌ غَيْرُ مِثَالِ الثَّلَاثَةِ مِنْهُمْ فَصَاعِدًا وَصُورَتِهِمْ، فَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يُغَيَّرَ أَحَدُهُمَا إِلَى الْآخَرِ إِلَّا بِمَعْنًى مَفْهُومٍ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلَا قَوْلَ أَوْلَى بِالصِّحَّةِ مِمَّا قُلْنَا قَبْلُ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَلِمَ نَقَصَتِ الْأُمُّ عَنْ ثُلُثِهَا بِمَصِيرِ إِخْوَةِ الْمَيِّتِ مَعَهَا اثْنَيْنِ فَصَاعِدًا؟ قِيلَ: اخْتَلَفَتِ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: نَقَصَتِ الْأُمُّ عَنْ ذَلِكَ دُونَ الْأَبِ، لِأَنَّ عَلَى الْأَبِ مُؤَنَهُمْ دُونَ أُمِّهِمْ

٦ ‏/ ٤٦٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ ⦗٤٦٨⦘ السُّدُسُ﴾ [النساء: ١١] «أَنْزَلُوا الْأُمَّ وَلَا يَرِثُونَ، وَلَا يَحْجُبُهَا الْأَخُ الْوَاحِدُ مِنَ الثُّلُثِ، وَيَحْجُبُهَا مَا فَوْقَ ذَلِكَ» وَكَانَ أَهْلَ الْعِلْمُ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ إِنَّمَا حَجَبُوا أُمَّهُمْ مِنَ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّ أَبَاهُمْ يَلِي نِكَاحَهُمْ، وَالنَّفَقَةَ عَلَيْهِمْ دُونَ أُمِّهِمْ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ نُقِصَتِ الْأُمُّ السُّدُسَ وَقُصِرَ بِهَا عَلَى سُدُسٍ وَاحِدٍ مَعُونَةً لِإِخْوَةِ الْمَيِّتِ بِالسُّدُسِ الَّذِي حَجَبُوا أُمَّهُمْ عَنْهُ
٦ ‏/ ٤٦٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «السُّدُسُ الَّذِي حَجَبَتْهُ الْإِخْوَةُ الْأُمَّ لَهُمْ إِنَّمَا حَجَبُوا أُمَّهُمْ عَنْهُ لِيَكُونَ لَهُمْ دُونَ أُمِّهِمْ» وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ خِلَافُ هَذَا الْقَوْلِ
٦ ‏/ ٤٦٨
وَذَلِكَ مَا: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «الْكَلَالَةُ: مَنْ لَا وَلَدٌ لَهُ وَلَا وَالِدٌ» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَالَ فِي ذَلِكَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ فَرَضَ لِلْأُمِّ مَعَ الْإِخْوَةِ السُّدُسَ لِمَا هُوَ أَعْلَمُ بِهِ مِنْ مَصْلَحَةِ خَلْقِهِ، وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ كَانَ لِمَا أَلْزَمَ الْآبَاءَ لِأَوْلَادِهِمْ، وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِغَيْرِ ذَلِكَ، وَلَيْسَ ⦗٤٦٩⦘ ذَلِكَ مِمَّا كُلِّفْنَا عِلْمَهُ، وَإِنَّمَا أُمِرْنَا بِالْعَمَلِ بِمَا عَلِمْنَا، وَأَمَّا الَّذِي رُوِيَ عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَقَوْلٌ لِمَا عَلَيْهِ الْأُمَّةُ مُخَالِفٌ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَ الْجَمِيعِ أَنْ لَا مِيرَاثَ لِأَخِي مَيِّتٍ مَعَ وَالِدِهِ، فَكَفَى إِجْمَاعُهُمْ عَلَى خِلَافِهِ شَاهِدًا عَلَى فَسَادِهِ
٦ ‏/ ٤٦٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ﴾ [النساء: ١١] يَعْنِي جَلَّ ثناؤُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ﴾ [النساء: ١١] أَنَّ الَّذِيَ قَسَمَ اللَّهُ تبارك وتعالى لِوَلَدِ الْمَيِّتِ الذُّكُورِ مِنْهُمْ وَالْإِنَاثِ وَلِأَبَوَيْهِ مِنْ تَرِكَتِهِ مِنْ بَعْدِ وَفَاتِهِ، إِنَّمَا يَقْسِمُهُ لَهُمْ عَلَى مَا قَسَمَهُ لَهُمْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مِنْ بَعْدِ قَضَاءِ دَيْنِ الْمَيِّتِ الَّذِي مَاتَ وَهُوَ عَلَيْهِ مِنْ تَرِكَتِهِ وَمِنْ بَعْدِ تَنْفِيذِ وَصِيَّتِهِ فِي بَابِهَا، بَعْدَ قَضَاءِ دَيْنِهِ كُلِّهِ. فَلَمْ يَجْعَلْ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِأَحَدٍ مِنْ وَرَثَةِ الْمَيِّتِ وَلَا لِأَحَدٍ مِمَّنْ أَوْصَى لَهُ بِشَيْءٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ قَضَاءِ دَيْنِهِ مِنْ جَمِيعِ تَرِكَتِهِ، وَإِنْ أَحَاطَ بِجَمِيعِ ذَلِكَ، ثُمَّ جَعَلَ أَهْلَ الْوَصَايَا بَعْدَ قَضَاءِ دَيْنِهِ شُرَكَاءَ وَرَثَتِهِ فِيمَا بَقِيَ لَمَّا أَوْصَى لَهُمْ بِهِ مَا لَمْ يُجَاوِزْ ذَلِكَ ثُلُثَهُ، فَإِنْ جَاوَزَ ذَلِكَ ثُلُثَهُ جَعَلَ الْخِيَارَ فِي إِجَازَةِ مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ مِنْ ذَلِكَ أَوْ رَدِّهِ إِلَى وَرَثَتِهِ، إِنْ أَحَبُّوا أَجَازُوا الزِّيَادَةَ عَلَى ثُلُثِ ذَلِكَ، وَإِنْ شَاءُوا رُدُّوهُ؛ فَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ إِلَى الثُّلُثِ فَهُوَ مَاضٍ عَلَيْهِمْ. وَعَلَى كُلِّ مَا قُلْنَا مِنْ ذَلِكَ الْأُمَّةُ مُجْمِعَةٌ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِذَلِكَ خَبَرٌ
٦ ‏/ ٤٦٩
وَهُوَ مَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْحَرْثِ الْأَعْوَرِ، عَنْ عَلِيٍّ، رضي الله عنه قَالَ: إِنَّكُمْ تَقْرَءُونَ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ﴾ [النساء: ١١] «إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَقَضَى بِالدَّيْنِ قَبْلَ الْوَصِيَّةِ» ⦗٤٧٠⦘ حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثنا زَكَرِيَّاءُ بْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْحَرْثِ، عَنْ عَلِيٍّ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ بِمِثْلِهِ. حَدَّثَنَا أَبُو السَّائِبِ، قَالَ: ثنا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، قَالَ: ثنا أَشْعَثُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْحَرْثِ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِثْلَهُ
٦ ‏/ ٤٦٩
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا هَارُونُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنِ ابْنِ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِيهِ: ﴿مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ﴾ [النساء: ١١] قَالَ: «يَبْدَأُ بِالدَّيْنِ قَبْلَ الْوَصِيَّةِ» وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْعِرَاقِ: ﴿يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ﴾ [النساء: ١١]، وَقَرَأَ بَعْضُ أَهْلِ مَكَّةَ وَالشَّامِ وَالْكُوفَةِ: (يُوصَى بِهَا) عَلَى مَعْنَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ بِالصَّوَابِ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ: ﴿مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ﴾ [النساء: ١١] عَلَى مَذْهَبِ مَا قَدْ سُمِّيَ فَاعِلُهُ؛ لِأَنَّ الْآيَةَ كُلَّهَا خَبَرٌ عَمَّنْ قَدْ سُمِّيَ فَاعِلُهُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَقُولُ: ﴿وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ﴾ [النساء: ١١] فَكَذَلِكَ الَّذِي هُوَ أَوْلَى بِقَوْلِهِ: ﴿يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ﴾ [النساء: ١١] أَنْ
٦ ‏/ ٤٧٠
يَكُونَ خَبَرًا عَمَّنْ قَدْ سُمِّيَ فَاعِلُهُ؛ لِأَنَّ تَأْوِيلَ الْكَلَامِ: وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ، مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا، أَوْ دَيْنٍ يُقْضَى عَنْهُ
٦ ‏/ ٤٧١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا﴾ [النساء: ١١] يَعْنِي جَلَّ ثناؤُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ﴾ [النساء: ١١] هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَوْصَاكُمُ اللَّهُ بِهِ فِيهِمْ مِنْ قِسْمَةِ مِيرَاثِ مَيِّتِكُمْ فِيهِمْ عَلَى مَا سَمَّى لَكُمْ وَبَيَّنَهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ﴿آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمُ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا﴾ [النساء: ١١] يَقُولُ: أَعْطَوْهُمْ حُقُوقَهُمْ مِنْ مِيرَاثِ مَيِّتِهِمُ الَّذِي أَوْصَيْتُكُمْ أَنْ تُعْطُوهُمُوهَا، فَإِنَّكُمْ لَا تَعْلَمُونَ أَيُّهُمْ أَدْنَى وَأَشَدُّ نَفْعًا لَكُمْ فِي عَاجِلِ دُنْيَاكُمْ وآجِلِ أُخْرَاكُمْ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: ﴿لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا﴾ [النساء: ١١] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَعْنِي بِذَلِكَ: أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فِي الْآخِرَةِ
٦ ‏/ ٤٧١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثَنَّى مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا﴾ [النساء: ١١] يَقُولُ: «أَطْوَعُكُمْ لِلَّهُ مِنَ الْآبَاءِ وَالْأَبْنَاءِ، أَرْفَعُكُمْ دَرَجَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ يُشَفِّعُ الْمُؤْمِنِينَ بَعْضَهُمْ فِي بَعْضٍ» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فِي الدُّنْيَا
٦ ‏/ ٤٧١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي ⦗٤٧٢⦘ نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا﴾ [النساء: ١١] «فِي الدُّنْيَا» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
٦ ‏/ ٤٧١
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَوْلُهُ: ﴿لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا﴾ [النساء: ١١] «قَالَ بَعْضُهُمْ: فِي نَفْعِ الْآخِرَةِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: فِي نَفْعِ الدُّنْيَا»
٦ ‏/ ٤٧٢
وَقَالَ آخَرُونَ فِي ذَلِكَ بِمَا قُلْنَا. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا﴾ [النساء: ١١] قَالَ: «أَيُّهُمْ خَيْرٌ لَكُمْ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا الْوَالِدُ أَوِ الْوَلَدُ الَّذِينَ يَرِثُونَكُمْ لَمْ يَدْخُلْ عَلَيْكُمْ غَيْرُهُمْ، فَرَضِيَ لَهُمُ الْمَوَارِيثَ لَمْ يَأْتِ بِآخَرِينَ يُشْرِكُونَهُمْ فِي أَمْوَالِكُمْ»
٦ ‏/ ٤٧٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ [النساء: ١١] يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثناؤُهُ: ﴿فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ﴾ [النساء: ١١] وَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ، فَرِيضَةً، يَقُولُ: سِهَامًا مَعْلُومَةً مُوَقَّتَةً بَيَّنَهَا اللَّهُ لَهُمْ. وَنُصِبَ قَوْلُهُ: ﴿فَرِيضَةً﴾ [البقرة: ٢٣٦] عَلَى الْمَصْدَرِ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ﴾ [النساء: ١١]، ﴿فَرِيضَةً﴾ [البقرة: ٢٣٦] فَأَخْرَجَ فَرِيضَةً
٦ ‏/ ٤٧٢
مِنْ مَعْنَى الْكَلَامِ، إِذْ كَانَ مَعْنَاهُ مَا وَصَفْتُ. وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نَصَبَهُ عَلَى الْخُرُوجِ مِنْ قَوْلِهِ: فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ فَرِيضَةً، فَتَكُونُ الْفَرِيضَةُ مَنْصُوبَةً عَلَى الْخُرُوجِ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ﴾ [النساء: ١١] كَمَا تَقُولُ: هُوَ لَكَ هِبَةً، وَهُوَ لَكَ صَدَقَةً مِنِّي عَلَيْكَ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ [النساء: ١١] فَإِنَّهُ يَعْنِي جَلَّ ثناؤُهُ: إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَزَلْ ذَا عِلْمٍ بِمَا يُصْلِحُ خَلْقَهُ أَيُّهَا النَّاسُ، فَانْتَهُوا إِلَى مَا يَأْمُرُكُمْ يُصْلِحْ لَكُمْ أُمُورَكُمْ. ﴿حَكِيمًا﴾ [النساء: ١١] يَقُولُ: لَمْ يَزَلْ ذَا حِكْمَةٍ فِي تَدْبِيرِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ فِيمَا يَقْسِمُ لِبَعْضِكُمْ مِنْ مِيرَاثِ بَعْضٍ وَفِيمَا يَقْضِي بَيْنَكُمْ مِنَ الْأَحْكَامِ، لَا يَدْخُلُ حُكْمَهُ خَلَلٌ وَلَا زَلَلٌ؛ لِأَنَّهُ قَضَاءُ مَنْ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مَوَاضِعُ الْمَصْلَحَةِ فِي الْبَدْءِ وَالْعَقَابَةِ
٦ ‏/ ٤٧٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٌ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصَيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ﴾ [النساء: ١٢] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثناؤُهُ: وَلَكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ بَعْدَ وَفَاتِهِنَّ مِنْ مَالٍ وَمِيرَاثٍ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ يَوْمَ يَحْدُثُ لَهُنَّ الْمَوْتُ لَا ذَكَرٌ وَلَا أُنْثَى. ﴿فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ﴾ [النساء: ١٢] أَيْ فَإِنْ كَانَ لِأَزْوَاجِكُمْ يَوْمَ يَحْدُثُ لَهُنَّ الْمَوْتُ وَلَدْ ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى، فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ مَالٍ وَمِيرَاثٍ، مِيرَاثًا لَكُمْ عَنْهُنَّ، ﴿مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ﴾ [النساء: ١٢] يَقُولُ: ذَلِكُمْ لَكُمْ، مِيرَاثًا عَنْهُنَّ مِمَّا يَبْقَى مِنْ تَرِكَاتِهِنَّ وَأَمْوَالِهِنَّ مِنْ بَعْدِ قَضَاءِ دُيُونِهِنَّ الَّتِي يَمُتْنَ وَهِيَ عَلَيْهِنَّ، وَمِنْ بَعْدِ إِنْفَاذِ وَصَايَاهُنَّ الْجَائِزَةِ إِنْ كُنَّ أَوْصَيْنَ بِهَا
٦ ‏/ ٤٧٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٌ﴾ [النساء: ١٢] يَعْنِي جَلَّ ثناؤُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ﴾ [النساء: ١٢] وَلِأَزْوَاجِكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ رُبْعُ مَا تَرَكْتُمْ بَعْدَ وَفَاتِكُمْ مِنْ مَالٍ وَمِيرَاثٍ إِنْ حَدَثَ بِأَحَدِكُمْ حَدَثُ الْوَفَاةِ وَلَا وَلَدَ لَهُ: ذَكَرٌ وَلَا أُنْثَى ﴿فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ﴾ [النساء: ١٢] يَقُولُ: فَإِنْ حَدَثَ بِأَحَدِكُمْ حَدَثُ الْمَوْتِ وَلَهُ وَلَدٌ ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى، وَاحِدًا كَانَ الْوَلَدُ أَوْ جَمَاعَةً، ﴿فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ﴾ [النساء: ١٢] يَقُولُ: فَلِأَزْوَاجِكِمْ حِينَئِذٍ مِنْ أَمْوَالِكُمْ وَتَرِكَتِكُمُ الَّتِي تُخَلِّفُونَهَا بَعْدَ وَفَاتِكُمُ الثُّمُنُ مِنْ بَعْدِ قَضَاءِ دُيُونِكُمُ الَّتِي حَدَثَ بِكُمْ حَدَثَ الْوَفَاةُ وَهِيَ عَلَيْكُمْ، وَمِنْ بَعْدِ إِنْفَاذِ وَصَايَاكُمُ الْجَائِزَةُ الَّتِي تُوصُونَ بِهَا، وَإِنَّمَا قِيلَ: ﴿مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ﴾ [النساء: ١٢] فَقَدَّمَ ذِكْرَ الْوَصِيَّةِ عَلَى ذِكْرِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ أَنَّ الَّذِي فَرَضْتُ لِمَنْ فَرَضْتُ لَهُ مِنْكُمْ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ إِنَّمَا هُوَ لَهُ مِنْ بَعْدِ إِخْرَاجِ أَيِّ هَذَيْنِ كَانَ فِي مَالِ الْمَيِّتِ مِنْكُمْ، مِنْ وَصِيَّةٍ أَوْ دَيْنٍ، فَلِذَلِكَ كَانَ سَوَاءً تَقْدِيمُ ذِكْرِ الْوَصِيَّةِ قَبْلَ ذِكْرِ الدَّيْنِ، وَتَقْدِيمُ ذِكْرِ الدَّيْنِ قَبْلَ ذِكْرِ الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ مِنْ مَعْنَى ذَلِكَ إِخْرَاجَ أَحَدِ الشَّيْئَيْنِ: الدَّيْنِ وَالْوَصِيَّةِ مِنْ مَالِهِ، فَيَكُونُ ذِكْرُ الدَّيْنِ أَوْلَى أَنْ يَبْدَأَ بِهِ مِنْ ذِكْرِ الْوَصِيَّةِ
٦ ‏/ ٤٧٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ﴾ [النساء: ١٢] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثناؤُهُ: وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ أَوِ امْرَأَةٌ يُورَثُ كَلَالَةً. ثُمَّ اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ: ﴿وَإِنْ ⦗٤٧٥⦘ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً﴾ [النساء: ١٢] يَعْنِي: وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ مُتَكَلِّلَ النَّسَبِ، فَالْكَلَالَةُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ مَصْدَرٌ مِنْ قَوْلِهِمْ: تَكَلَّلَهُ النَّسَبُ تَكَلُّلًا وَكَلَالَةً، بِمَعْنَى: تَعَطَّفَ عَلَيْهِ النَّسَبُ، وَقَرَأَهُ بَعْضُهُمْ: (وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُوَرِّثُ كَلَالَةً) بِمَعْنَى: وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُوَرِّثُ مَنْ يَتَكَلَّلُهُ، بِمَعْنَى: مَنْ يَتَعَطَّفُ عَلَيْهِ بِنَسَبِهِ مِنْ أَخٍ أَوْ أُخْتٍ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْكَلَالَةِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ مَا خَلَا الْوَالِدَ وَالْوَلَدَ
٦ ‏/ ٤٧٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ شُجَاعٍ السَّكُونِيُّ، قَالَ: ثني عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه: «إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ فِيَ الْكَلَالَةِ رَأَيًا، فَإِنْ كَانَ صَوَابًا فَمِنَ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَإِنْ يَكُنْ خَطَأً فَمِنِّي وَالشَّيْطَانِ، وَاللَّهُ مِنْهُ بَرِيءٌ؛ إِنَّ الْكَلَالَةَ مَا خَلَا الْوَلَدَ وَالْوَالِدَ» فَلَمَّا اسْتُخْلِفَ عُمَرُ رضي الله عنه، قَالَ: إِنِّي لَأَسْتَحْيِي مِنَ اللَّهِ تبارك وتعالى أَنْ أُخَالِفَ أَبَا بَكْرٍ فِي رَأْي رَآهُ
٦ ‏/ ٤٧٥
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَاصِمٌ الْأَحْوَلُ، قَالَ: ثنا الشَّعْبِيُّ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه، قَالَ فِي الْكَلَالَةِ: «أَقُولُ فِيهَا بِرَأْيِي، فَإِنْ ⦗٤٧٦⦘ كَانَ صَوَابًا فَمِنَ اللَّهِ: هُوَ مَا دُونَ الْوَلَدِ وَالْوَالِدِ» قَالَ: فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ رضي الله عنه، قَالَ: إِنِّي لَأَسْتَحْيِي مِنَ اللَّهِ أَنْ أُخَالِفَ أَبَا بَكْرٍ
٦ ‏/ ٤٧٥
حَدَّثَنَا أَبُو بِشْرِ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، رضي الله عنهما قَالَا: «الْكَلَالَةُ مَنْ لَا وَلَدَ لَهُ وَلَا وَالِدَ»
٦ ‏/ ٤٧٦
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُدَيْرٍ، عَنِ السُّمَيْطِ، قَالَ: كَانَ عُمَرُ رَجُلًا أَيْسَرَ، فَخَرَجَ يَوْمًا وَهُوَ يَقُولُ بِيَدِهِ هَكَذَا، يُدِيرُهَا إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: «أَتَى عَلَيَّ حِينٌ وَلَسْتُ أَدْرِي مَا الْكَلَالَةُ؟ أَلَا وَإِنَّ الْكَلَالَةَ: مَا خَلَا الْوَلَدَ وَالْوَالِدَ»
٦ ‏/ ٤٧٦
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: «الْكَلَالَةُ مَا خَلَا الْوَلَدَ وَالْوَالِدَ»
٦ ‏/ ٤٧٦
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «الْكَلَالَةُ مَنْ لَا وَلَدَ لَهُ وَلَا وَالِدَ»
٦ ‏/ ٤٧٧
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ جُرَيْجٍ يُحَدِّثُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «الْكَلَالَةُ مَنْ لَا وَلَدَ لَهُ وَلَا وَالِدَ»
٦ ‏/ ٤٧٧
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا مُؤَمَّلٌ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «الْكَلَالَةُ: مَا خَلَا الْوَلَدَ وَالْوَالِدَ» حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، وَابْنُ وَكِيعٍ، قَالَا: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ سُلَيْمِ بْنِ عَبْدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، بِمِثْلِهِ
٦ ‏/ ٤٧٧
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ سُلَيْمِ بْنِ عَبْدِ السَّلُولِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «الْكَلَالَةُ: مَا خَلَا الْوَلَدَ وَالْوَالِدَ»
٦ ‏/ ٤٧٧
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ ⦗٤٧٨⦘ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ﴾ [النساء: ١٢] قَالَ: «الْكَلَالَةُ: مَنْ لَمْ يَتْرُكْ وَلَدًا وَلَا وَالِدًا»
٦ ‏/ ٤٧٧
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الْمُحَارِبِيُّ، قَالَ: ثنا أَبُو الْأَحْوَصِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ سُلَيْمِ بْنِ عَبْدٍ قَالَ: «مَا رَأَيْتُهُمْ إِلَّا قَدِ اتَّفَقُوا أَنَّ مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَدَعْ وَلَدًا وَلَا وَالِدًا أَنَّهُ كَلَالَةٌ»
٦ ‏/ ٤٧٨
حَدَّثَنَا تَمِيمُ بْنُ الْمُنْتَصِرِ، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ سُلَيْمِ بْنِ عَبْدٍ، قَالَ: «مَا رَأَيْتُهُمْ إِلَّا قَدْ أَجْمَعُوا أَنَّ الْكَلَالَةَ: الَّذِي لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَا وَالِدٌ»
٦ ‏/ ٤٧٨
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ سُلَيْمِ بْنِ عَبْدٍ، قَالَ: «الْكَلَالَةُ: مَا خَلَا الْوَلَدَ وَالْوَالِدَ»
٦ ‏/ ٤٧٨
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ سُلَيْمِ بْنِ عَبْدٍ، قَالَ: «أَدْرَكْتُهُمْ وَهُمْ يَقُولُونَ: إِذَا لَمْ يَدَعِ الرَّجُلُ وَلَدًا وَلَا وَالِدًا وُرِثَ كَلَالَةً»
٦ ‏/ ٤٧٨
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوْ امْرَأَةٌ﴾ [النساء: ١٢] «وَالْكَلَالَةُ: الَّذِي لَا وَلَدَ لَهُ وَلَا وَالِدَ، لَا أَبَ وَلَا جَدَّ وَلَا ابْنَ وَلَا ابْنَةَ، فَهَؤُلَاءِ الْإِخْوَةُ مِنَ الْأُمِّ»
٦ ‏/ ٤٧٨
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الْحَكَمِ، قَالَ فِي الْكَلَالَةِ: مَا دُونَ الْوَلَدِ وَالْوَالِدِ “
٦ ‏/ ٤٧٨
حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: «الْكَلَالَةُ كُلُّ مَنْ لَا يَرِثُهُ وَالِدٌ وَلَا وَلَدٌ، وَكُلُّ مَنْ لَا وَلَدَ لَهُ وَلَا وَالِدَ فَهُوَ يُورَثُ كَلَالَةً مِنْ رِجَالِهِمْ وَنِسَائِهِمْ»
٦ ‏/ ٤٧٩
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، وَالزُّهْرِيِّ، وَأَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: «الْكَلَالَةُ: مِنْ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَا وَالِدٌ» حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَقَتَادَةَ، وَأَبِي إِسْحَاقَ، مِثْلَهُ. وَقَالَ آخَرُونَ: الْكَلَالَةُ: مَا دُونَ الْوَلَدِ، وَهَذَا قَوْلٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَهُوَ الْخَبَرُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ مِنْ رِوَايَةِ طَاوُسٍ عَنْهُ أَنَّهُ وَرَّثَ الْإِخْوَةَ مِنَ الْأُمِّ السُّدُسَ مَعَ الْأَبَوَيْنِ. وَقَالَ آخَرُونَ: الْكَلَالَةُ: مَا خَلَا الْوَالِدَ
٦ ‏/ ٤٧٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا سَهْلُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ شُعْبَةَ، قَالَ: سَأَلْتُ الْحَكَمَ عَنِ الْكَلَالَةِ، قَالَ: «فَهُوَ مَا دُونَ الْأَبِ» وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي النَّاصِبِ لِلْكَلَالَةِ؛ فَقَالَ بَعْضُ الْبَصْرِيِّينَ: إِنْ شِئْتَ نَصَبْتَ كَلَالَةً عَلَى خَبَرِ كَانَ، وَجَعَلْتَ ﴿يُورَثُ﴾ [النساء: ١٢] مِنْ صِفَةِ
٦ ‏/ ٤٧٩
الرَّجُلِ، وَإِنْ شِئْتَ جَعَلْتَ ﴿كَانَ﴾ [النساء: ١٢] تَسْتَغْنِي عَنِ الْخَبَرِ نَحْوَ: وَقَعَ، وَجَعَلْتَ نَصْبَ كَلَالَةٍ عَلَى الْحَالِ: أَيْ يُورَثُ كَلَالَةً، كَمَا يُقَالُ: يَضْرِبُ قَائِمًا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَوْلُهُ ﴿كَلَالَةً﴾ [النساء: ١٢] خَبَرُ «كَانَ»، لَا يَكُونُ الْمَوْرُوثُ كَلَالَةً، وَإِنَّمَا الْوَارِثُ الْكَلَالَةُ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي: أَنَّ الْكَلَالَةَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْخُرُوجِ مِنْ قَوْلِهِ ﴿يُورَثُ﴾ [النساء: ١٢] وَخَبَرُ ﴿كَانَ﴾ [النساء: ١٢] ﴿يُورَثُ﴾ [النساء: ١٢] وَالْكَلَالَةُ وَإِنْ كَانَتْ مَنْصُوبَةً بِالْخُرُوجِ مِنْ يُورَثُ، فَلَيْسَتْ مَنْصُوبَةً عَلَى الْحَالِ، وَلَكِنْ عَلَى الْمَصْدَرِ مِنْ مَعْنَى الْكَلَامِ، لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ مُتَكَلِّلُهُ النَّسَبُ كَلَالَةً، ثُمَّ تَرَكَ ذِكْرَ «مُتَكَلِّلُهُ» اكْتِفَاءً بِدَلَالَةِ قَوْلِهِ: ﴿يُورَثُ﴾ [النساء: ١٢] عَلَيْهِ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْمُسَمَّى كَلَالَةً، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْكَلَالَةُ: الْمَوْرُوثُ، وَهُوَ الْمَيِّتُ نَفْسُهُ، سُمِّيَ بِذَلِكَ إِذَا وَرِثَهُ غَيْرُ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ
٦ ‏/ ٤٨٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَوْلُهُ فِي «الْكَلَالَةِ، قَالَ: الَّذِي لَا يَدَعُ وَالِدًا وَلَا وَلَدًا»
٦ ‏/ ٤٨٠
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ الْأَحْوَلِ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كُنْتُ آخِرَ النَّاسِ عَهْدًا بِعُمَرَ رضي الله عنه، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ مَا قُلْتُ، قُلْتُ: وَمَا قُلْتَ؟ قَالَ: «الْكَلَالَةُ: مَنْ لَا وَلَدَ لَهُ»
٦ ‏/ ٤٨٠
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، وَيَحْيَى بْنُ آدَمَ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ سُلَيْمِ بْنِ عَبْدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «الْكَلَالَةُ: مَنْ لَا وَلَدَ لَهُ وَلَا وَالِدَ» وَقَالَ آخَرُونَ: الْكَلَالَةُ: هِيَ الْوَرَثَةُ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْمَيِّتَ إِذَا كَانُوا إِخْوَةً أَوْ أَخَوَاتٍ أَوْ غَيْرَهُمْ إِذَا لَمْ يَكُونُوا وَلَدًا وَلَا وَالِدًا عَلَى مَا قَدْ ذَكَرْنَا مِنَ اخْتِلَافِهِمْ فِي ذَلِكَ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلِ الْكَلَالَةُ: الْمَيِّتُ وَالْحَيُّ جَمِيعًا
٦ ‏/ ٤٨١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: «الْكَلَالَةُ: الْمَيِّتُ الَّذِي لَا وَلَدَ لَهُ وَلَا وَالِدَ، وَالْحَيُّ كُلُّهُمْ كَلَالَةٌ، هَذَا يَرِثُ بِالْكَلَالَةِ، وَهَذَا يُورَثُ بِالْكَلَالَةِ» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي مَا قَالَهُ هَؤُلَاءِ، وَهُوَ أَنَّ الْكَلَالَةَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْمَيِّتَ مِنْ عَدَا وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ، وَذَلِكَ لِصِحَّةِ الْخَبَرِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّمَا يَرِثني كَلَالَةٌ، فَكَيْفَ ⦗٤٨٢⦘ بِالْمِيرَاثِ؟
٦ ‏/ ٤٨١
وَبِمَا: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: كُنَّا مَعَ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي سُوقِ الرَّقِيقِ، قَالَ: فَقَامَ مِنْ عِنْدِنَا ثُمَّ رَجَعَ، فَقَالَ: هَذَا آخِرُ ثَلَاثَةٍ مِنْ بَنِي سَعْدٍ حَدَّثُونِي هَذَا الْحَدِيثَ، قَالُوا: مَرِضَ سَعْدٌ بِمَكَّةَ مَرَضًا شَدِيدًا، قَالَ: فَأَتَاهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَعُودُهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لِي مَالٌ كَثِيرٌ، وَلَيْسَ لِي وَارِثٌ إِلَّا كَلَالَةً، فَأُوصِي بِمَالِي كُلِّهِ؟ فَقَالَ: «لَا»
٦ ‏/ ٤٨٢
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ بْنُ سُوَيْدٍ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ زِيَادٍ، قَالَ: جَاءَ شَيْخٌ إِلَى عُمَرَ رضي الله عنه، فَقَالَ: “إِنِّي شَيْخٌ وَلَيْسَ لِي وَارِثٌ إِلَّا كَلَالَةٌ أَعْرَابٌ مُتَرَاخٍ نَسَبُهُمْ، أَفَأُوصِي بِثُلُثِ مَالِي؟ قَالَ: «لَا» فَقَدْ أَنْبَأَتْ هَذِهِ الْأَخْبَارُ عَنْ صِحَّةِ مَا قُلْنَا فِي مَعْنَى الْكَلَالَةِ وَأَنَّهَا وَرَثَةُ الْمَيِّتِ دُونَ الْمَيِّتِ مِمَّنْ عَدَا وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ
٦ ‏/ ٤٨٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ﴾ [النساء: ١٢] يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثناؤُهُ: ﴿وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ﴾ [النساء: ١٢] وَلِلرَّجُلِ الَّذِي يُورَثُ كَلَالَةً ⦗٤٨٣⦘ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ يَعْنِي أَخَا أَوْ أُخْتًا مِنْ أُمِّهِ
٦ ‏/ ٤٨٢
كَمَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ يَعْلِي بْنِ عَطَاءٍ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ سَعْدٍ، أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ: ﴿وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً﴾ [النساء: ١٢] أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ قَالَ سَعْدٌ: «لِأُمِّهِ»
٦ ‏/ ٤٨٣
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ، قَالَ: سَمِعْتُ الْقَاسِمَ بْنَ رَبِيعَةَ يَقُولُ: قَرَأْتُ عَلَى سَعْدٍ: ﴿وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً﴾ [النساء: ١٢] أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ قَالَ سَعْدٌ: «لِأُمِّهِ» حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ قَانِفٍ، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى سَعْدٍ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ
٦ ‏/ ٤٨٣
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَعْلَى بْنُ عَطَاءٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ رَبِيعَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ قَرَأَ: «وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ مِنْ أُمِّهِ»
٦ ‏/ ٤٨٣
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ﴾ [النساء: ١٢] «فَهَؤُلَاءِ الْإِخْوَةُ مِنَ الْأُمِّ إِنْ كَانَ وَاحِدًا فَلَهُ السُّدُسُ، وَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ، ذَكَرُهُمْ وَأُنْثَاهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ»
٦ ‏/ ٤٨٣
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ﴾ [النساء: ١٢] «فَهَؤُلَاءِ الْإِخْوَةُ مِنَ الْأُمِّ، فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ، سَوَاءٌ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى» وَقَوْلُهُ: ﴿فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ﴾ [النساء: ١٢] إِذَا انْفَرَدَ الْأَخُ وَحْدَهُ أَوِ الْأُخْتُ وَحْدَهَا، وَلَمْ يَكُنْ أَخٌ غَيْرُهُ أَوْ غَيْرُهَا مِنْ أُمِّهِ فَلَهُ السُّدُسُ مِنْ مِيرَاثِ أَخِيهِ لِأُمِّهِ، فَإِنِ اجْتَمَعَ أَخٌ وَأُخْتٌ أَوْ أَخَوَانِ لَا ثَالِثَ مَعَهُمَا لِأُمِّهِمَا، أَوْ أُخْتَانِ كَذَلِكَ، أَوْ أَخٌ وَأُخْتٌ لَيْسَ مَعَهُمَا غَيْرُهُمَا مِنْ أُمِّهِمَا، فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ مِيرَاثِ أَخِيهِمَا لِأُمِّهِمَا السُّدُسُ. ﴿فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ﴾ [النساء: ١٢] يَعْنِي: فَإِنْ كَانَ الْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ لِأُمِّ الْمَيِّتِ الْمَوْرُوثِ كَلَالَةً أَكْثَرَ مِنَ اثْنَيْنِ، ﴿فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ﴾ [النساء: ١٢] يَقُولُ: فَالثُّلُثُ الَّذِي فَرَضْتُ لِاثنيهِمْ إِذَا لَمْ يَكُنْ غَيْرُهُمَا مِنْ أُمِّهِمَا مِيرَاثًا لَهُمَا مِنْ أَخِيهِمَا الْمَيِّتِ الْمَوْرُوثِ كَلَالَةً شَرِكَةٌ بَيْنَهُمْ إِذَا كَانُوا أَكْثَرَ مِنَ اثْنَيْنِ إِلَى مَا بَلَغَ عَدَدُهُمْ عَلَى عَدَدِ رَءُوسِهِمْ، لَا يُفَضَّلُ ذَكَرٌ مِنْهُمْ عَلَى أُنْثًى فِي ذَلِكَ، وَلَكِنَّهُ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَكَيْفَ قِيلَ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ، وَلَمْ يُقَلْ لَهُمَا أَخٌ أَوْ أُخْتٌ، وَقَدْ ذُكِرَ قَبْلَ ذَلِكَ رَجُلٌ أَوِ امْرَأَةٌ، فَقِيلَ: وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ؟ قِيلَ: إِنَّ مِنْ شَأْنِ الْعَرَبِ إِذَا قَدَّمَتْ ذِكْرَ اسْمَيْنِ قَبْلَ الْخَبَرِ فَعَطَفَتْ أَحَدَهُمَا عَلَى الْآخَرِ بِأَوْ ثُمَّ أَتَتْ بِالْخَبَرِ أَضَافَتِ الْخَبَرَ إِلَيْهِمَا أَحْيَانًا وَأَحْيَانًا إِلَى أَحَدِهِمَا، وَإِذَا أَضَافَتْ إِلَى أَحَدِهِمَا، كَانَ سَوَاءً عِنْدَهَا إِضَافَةُ ذَلِكَ إِلَى أَيِّ الِاسْمَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرْتُهُمَا إِضَافَتُهُ، فَتَقُولَ: مَنْ كَانَ عِنْدَهُ غُلَامٌ أَوْ جَارِيَةٌ فَلْيُحْسِنْ إِلَيْهِ، يَعْنِي: فَلْيُحْسِنْ إِلَى الْغُلَامِ، وَفَلْيُحْسِنْ إِلَيْهَا، يَعْنِي: فَلْيُحْسِنْ
٦ ‏/ ٤٨٤
إِلَى الْجَارِيَةِ، وَفَلْيُحْسِنْ إِلَيْهِمَا، وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ﴾ [النساء: ١٢] وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ الْأَخِ وَالْأُخْتِ بِعَطْفِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ، وَالدَّلَالَةُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِمَعْنَى الْكَلَامِ أَحَدُهُمَا فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ﴾ [النساء: ١٢] فَإِنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا جَازَ لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ: فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْمَذْكُورِينَ السُّدُسُ
٦ ‏/ ٤٨٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمُ﴾ [النساء: ١٢] يَعْنِي جَلَّ ثناؤُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا﴾ [النساء: ١٢] أَيْ هَذَا الَّذِي فَرَضْتُ لِأَخِي الْمَيِّتِ الْمَوْرُوثِ كَلَالَةً وَأُخْتِهِ أَوْ إِخْوَتِهِ وَأَخَوَاتِهِ مِنْ مِيرَاثِهِ وَتَرِكَتِهِ، إِنَّمَا هُوَ لَهُمْ مِنْ بَعْدِ قَضَاءِ دَيْنِ الْمَيِّتِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ يَوْمَ حَدَثَ بِهِ حَدَثُ الْمَوْتِ مِنْ تَرِكَتِهِ، وَبَعْدَ إِنْفَاذِ وَصَايَاهُ الْجَائِزَةِ الَّتِي يُوصِي بِهَا فِي حَيَاتِهِ لِمَنْ أَوْصَى لَهُ بِهَا بَعْدَ وَفَاتِهِ
٦ ‏/ ٤٨٥
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ﴾ [النساء: ١٢] «وَالدَّيْنُ أَحَقُّ مَا بُدِئَ بِهِ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ، فَيُؤَدَّى عَنْ أَمَانَةِ الْمَيِّتِ، ثُمَّ الْوَصِيَّةُ، ثُمَّ يَقْسِمُ أَهْلُ الْمِيرَاثِ مِيرَاثَهُمْ» وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿غَيْرَ مُضَارٍّ﴾ [النساء: ١٢] فَإِنَّهُ يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا غَيْرَ مُضَارٍّ وَرَثَتُهُ فِي مِيرَاثِهِمْ عَنْهُ
٦ ‏/ ٤٨٥
كَمَا: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿غَيْرَ مُضَارٍّ﴾ [النساء: ١٢] قَالَ: «فِي مِيرَاثِ أَهْلِهِ»
٦ ‏/ ٤٨٥
حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿غَيْرَ مُضَارٍّ﴾ [النساء: ١٢] قَالَ: «فِي مِيرَاثِ أَهْلِهِ»
٦ ‏/ ٤٨٥
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثني يَزِيدُ، قَالَ: ثني سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ﴾ [النساء: ١٢] «إِنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى كَرِهَ الضِّرَارَ فِي الْحَيَاةِ وَعِنْدَ الْمَوْتِ وَنَهَى عَنْهُ وَقَدَّمَ فِيهِ، فَلَا تَصْلُحُ مُضَارَّةٌ فِي حَيَاةٍ وَلَا مَوْتٍ»
٦ ‏/ ٤٨٦
حَدَّثَنِي نَصْرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَوْدِيُّ، قَالَ: ثنا عَبِيدَةُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَثني يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، جَمِيعًا، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ﴾ [النساء: ١٢] قَالَ: «الضِّرَارُ فِي الْوَصِيَّةِ مِنَ الْكَبَائِرِ»
٦ ‏/ ٤٨٦
حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي الشَّوَارِبِ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، قَالَ: ثنا دَاوُدُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «الضِّرَارُ فِي الْوَصِيَّةِ مِنَ الْكَبَائِرِ» حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ، قَالَ: ثنا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا دَاوُدُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَهُ
٦ ‏/ ٤٨٦
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ، قَالَ: ثنا دَاوُدُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «الْحَيْفُ فِي الْوَصِيَّةِ مِنَ الْكَبَائِرِ»
٦ ‏/ ٤٨٦
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ وَعَبْدُ الْأَعْلَى، قَالَا: ثنا دَاوُدُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «الضِّرَارُ وَالْحَيْفُ فِي الْوَصِيَّةِ مِنَ الْكَبَائِرِ»
٦ ‏/ ٤٨٦
حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ سَهْلٍ الرَّمْلِيُّ، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَبُو النَّصْرِ، قَالَ: ثنا عُمَرُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: ثنا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «الضِّرَارُ فِي الْوَصِيَّةِ مِنَ الْكَبَائِرِ»
٦ ‏/ ٤٨٧
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ مَسْرُوقٍ عَلَى مَرِيضٍ، فَإِذَا هُوَ يُوصِي، قَالَ: فَقَالَ لَهُ مَسْرُوقٌ: «اعْدِلْ لَا تَضْلُلْ» وَنُصِبَتْ ﴿غَيْرَ مُضَارٍّ﴾ [النساء: ١٢] عَلَى الْخُرُوجِ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿يُوصَى بِهَا﴾ [النساء: ١٢] وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَصِيَّةً﴾ [النساء: ١٢] فَإِنَّ نَصْبَهُ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ﴾ [النساء: ١١] وَسَائِرُ مَا أَوْصَى بِهِ فِي الِاثْنَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: ﴿وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ﴾ [النساء: ١٢] مَصْدَرًا مِنْ قَوْلِهِ: ﴿يُوصِيكُمْ﴾ [النساء: ١١] وَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ: ذَلِكَ مَنْصُوبٌ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ﴾ [النساء: ١٢]، ﴿وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ﴾ [النساء: ١٢] قَالَ: هُوَ مِثْلُ قَوْلِكَ: لَكَ دِرْهَمَانِ نَفَقَةً إِلَى أَهْلِكَ. وَالَّذِي قُلْنَاهُ بِالصَّوَابِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثناؤُهُ افْتَتَحَ ذِكْرَ قِسْمَةِ الْمَوَارِيثِ فِي
٦ ‏/ ٤٨٧
هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ بِقَوْلِهِ: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ﴾ [النساء: ١١] ثُمَّ خَتَمَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ﴿وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ﴾ [النساء: ١٢] أَخْبَرَ أَنَّ جَمِيعَ ذَلِكَ وَصِيَّةٌ مِنْهُ بِهِ عِبَادَهُ، فَنَصْبُ قَوْلِهِ: ﴿وَصِيَّةً﴾ [النساء: ١٢] عَلَى الْمَصْدَرِ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿يُوصِيكُمْ﴾ [النساء: ١١] أَوْلَى مِنْ نَصْبِهِ عَلَى التَّفْسِيرِ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ﴾ [النساء: ١٢] لِمَا ذَكَرْنَا. وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ﴾ [النساء: ١٢] عَهْدًا مِنَ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فِيمَا يَجِبُ لَكُمْ مِنْ مِيرَاثِ مِنْ مَاتَ مِنْكُمْ ﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ﴾ [النساء: ١٢] يَقُولُ: ذُو عِلْمٍ بِمَصَالِحِ خَلْقِهِ وَمَضَارِّهِمْ، وَمَنْ يَسْتَحِقُّ أَنْ يُعْطَى مِنْ أَقْرِبَاءِ مَنْ مَاتَ مِنْكُمْ وَأَنْسِبَائِهِ مِنْ مِيرَاثِهِ، وَمَنْ يُحْرَمُ ذَلِكَ مِنْهُمْ، وَمَبْلَغِ مَا يَسْتَحِقُّ بِهِ كُلُّ مَنِ اسْتَحَقَّ مِنْهُمْ قَسْمًا، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أُمُورِ عِبَادِهِ وَمَصَالِحِهِمْ ﴿حَلِيمٌ﴾ [النساء: ١٢] يَقُولُ: ذُو حِلْمٍ عَلَى خَلْقِهِ، وَذُو أَنَاةٍ فِي تَرْكِهِ مَعَاجَلَتَهُمْ بِالْعُقُوبَةِ عَلَى ظُلْمِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا فِي إِعْطَائِهِمُ الْمِيرَاثَ لِأَهْلِ الْجَلَدِ وَالْقُوَّةِ مِنْ وَلَدِ الْمَيِّتِ وَأَهْلِ الْغِنَاءِ وَالْبَأْسِ مِنْهُمْ، دُونَ أَهْلِ الضَّعْفِ وَالْعَجْزِ مِنْ صِغَارِ وَلَدِهِ وَإِنَاثِهِمْ
٦ ‏/ ٤٨٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ [النساء: ١٣] قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ﴾ [البقرة: ١٨٧]، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَعْنِي بِهِ: تِلْكَ شُرُوطُ اللَّهِ
٦ ‏/ ٤٨٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ ⦗٤٨٩⦘ السُّدِّيِّ: ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ﴾ [النساء: ١٣] يَقُولُ: «شُرُوطُ اللَّهِ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: تِلْكَ طَاعَةُ اللَّهِ
٦ ‏/ ٤٨٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثنا مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ﴾ [البقرة: ١٨٧] يَعْنِي: «طَاعَةَ اللَّهِ، يَعْنِي الْمَوَارِيثَ الَّتِي سَمَّى اللَّهُ» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: تِلْكَ سُنَّةُ اللَّهِ وَأَمْرُهُ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: تِلْكَ فَرَائِضُ اللَّهِ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ مَا نَحْنُ مُبَيِّنُوهُ، وَهُوَ أَنَّ حَدَّ كُلِّ شَيْءٍ مَا فَصَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ، وَلِذَلِكَ قِيلَ لِحُدُودِ الدَّارِ وَحُدِودِ الْأَرَضِينَ حُدُودٌ، لِفُصُولِهَا بَيْنَ مَا جَدَّ بِهَا وَبَيْنَ غَيْرِهِ، فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ﴾ [البقرة: ١٨٧] مَعْنَاهُ: هَذِهِ الْقِسْمَةُ الَّتِي قَسَمَهَا لَكُمْ رَبُّكُمْ، وَالْفَرَائِضُ الَّتِي فَرَضَهَا لِأَحْيَائِكُمْ مِنْ مَوْتَاكُمْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى مَا فَرَضَ وَبَيَّنَ فِي هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ حُدُودَ اللَّهِ، يَعْنِي فُصُولَ مَا بَيْنَ طَاعَةِ اللَّهِ وَمَعْصِيَتِهِ فِي قَسْمِكُمْ مَوَارِيثَ مَوْتَاكُمْ، كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَإِنَّمَا تَرَكَ طَاعَةَ اللَّهِ، وَالْمَعْنِيُّ بِذَلِكَ حُدُودُ طَاعَةِ اللَّهِ اكْتِفَاءً بِمَعْرِفَةِ الْمُخَاطَبِينَ بِذَلِكَ بِمَعْنَى الْكَلَامِ مِنْ ذِكْرِهَا. وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ⦗٤٩٠⦘ قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ [النساء: ١٣] وَالْآيَةُ الَّتِي بَعْدَهَا: ﴿وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ [النساء: ١٤] فَتَأْوِيلُ الْآيَةِ إِذًا: هَذِهِ الْقِسْمَةُ الَّتِي قَسَمَ بَيْنَكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيْهَا رَبُّكُمْ مَوَارِيثَ مَوْتَاكُمْ، فُصُولٌ فَصَلَ بِهَا لَكُمْ بَيْنَ طَاعَتِهِ وَمَعْصِيَتِهِ، وَحُدُودٌ لَكُمْ تَنْتَهُونَ إِلَيْهَا فَلَا تَتَعَدَّوْهَا، وَفَصَلَ مِنْكُمْ أَهْلَ طَاعَتِهِ مِنْ أَهْلِ مَعْصِيَتِهِ فِيمَا أَمَرَكُمْ بِهِ مِنْ قِسْمَةِ مَوَارِيثِ مَوْتَاكُمْ بَيْنَكُمْ، وَفِيمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ مِنْهَا. ثُمَّ أَخْبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَمَّا أَعَدَّ لِكُلِّ فَرِيقٍ مِنْهُمْ، فَقَالَ لِفَرِيقِ أَهْلِ طَاعَتِهِ فِي ذَلِكَ ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولِهِ﴾ [النساء: ١٣] فِي الْعَمَلِ بِمَا أَمَرَهُ بِهِ وَالانْتِهَاءُ إِلَى مَا حَدَّهُ لَهُ فِي قِسْمَةِ الْمَوَارِيثِ وَغَيْرِهَا، وَيَجْتَنِبُ مَا نَهَاهُ عَنْهُ فِي ذَلِكَ غَيْرُهُ ﴿يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾ [النساء: ١٣] فَقَولُهُ ﴿يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ﴾ [النساء: ١٣] يَعْنِي بَسَاتِينَ تَجْرِي مِنْ تَحْتَ غُرُوسِهَا وَأَشْجَارِهَا الْأَنْهَارُ ﴿خَالِدِينَ فِيهَا﴾ [النساء: ١٣] يَقُولُ بَاقِينَ فِيْهَا أَبَدًا لَا يَمُوتُونَ فِيْهَا وَلَا يَفْنُونَ، وَلَا يَخْرُجُونَ مِنْهَا ﴿وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ [النساء: ١٣] يَقُولُ وَإِدْخَالُ اللَّهِ إِيَّاهُمُ الْجِنَانَ الَّتِي وَصَفَهَا علَى مَا وَصَفَ مِنْ ذَلِكَ الْفَوزُ الْعَظِيمُ يَعْنِي الْفَلَحَ الْعَظِيمَ وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٦ ‏/ ٤٨٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ ⦗٤٩١⦘ مُجَاهِدٍ: ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ﴾ [النساء: ١٣] الْآيَةَ، قَالَ: «فِي شَأْنِ الْمَوَارِيثِ الَّتِي ذَكَرَ قَبْلُ»
٦ ‏/ ٤٩٠
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ﴾ [النساء: ١٣] «الَّتِي حَدَّ لِخَلْقِهِ وَفَرَائِضُهُ بَيْنَهُمْ مِنَ الْمِيرَاثِ وَالْقِسْمَةِ، فَانْتَهُوا إِلَيْهَا وَلَا تَعُدَّوْهَا إِلَى غَيْرِهَا»
٦ ‏/ ٤٩١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾ [النساء: ١٤] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثناؤُهُ: ﴿وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ [النساء: ١٤] فِي الْعَمَلِ بِمَا أَمَرَاهُ بِهِ مِنْ قِسْمَةِ الْمَوَارِيثِ عَلَى مَا أَمَرَاهُ بِقَسْمِهِ ذَلِكَ بَيْنَهُمْ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ مُخَالِفًا أَمْرَهُمَا إِلَى مَا نَهَيَاهُ عَنْهُ، ﴿وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ﴾ [النساء: ١٤] يَقُولُ: وَيَتَجَاوَزُ فُصُولَ طَاعَتِهِ الَّتِي جَعَلَهَا تَعَالَى فَاصِلَةً بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَعْصِيَتِهِ إِلَى مَا نَهَاهُ عَنْهُ مِنْ قِسْمَةِ تَرِكَاتِ مَوْتَاهُمْ بَيْنَ وَرَثَتِهِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ حُدُودِهِ. ﴿يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا﴾ [النساء: ١٤] يَقُولُ: بَاقِيًا فِيهَا أَبَدًا لَا يَمُوتُ وَلَا يَخْرُجُ مِنْهَا أَبَدًا ﴿وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾ [النساء: ١٤] يَعْنِي: وَلَهُ عَذَابٌ مُذِلٌّ مَنْ عُذِّبَ بِهِ مُخْزٍ لَهُ وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٦ ‏/ ٤٩١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ
٦ ‏/ ٤٩١
حُدُودَهُ﴾ [النساء: ١٤] الْآيَةَ، فِي شَأْنِ الْمَوَارِيثِ الَّتِي ذَكَرَ قَبْلُ ” قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: ﴿وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ [النساء: ١٤]، قَالَ: «مَنْ أَصَابَ مِنَ الذُّنُوبِ مَا يُعَذِّبُ اللَّهُ عَلَيْهِ» فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: أَوَ يُخَلَّدُ فِي النَّارِ مَنْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ فِي قِسْمَةِ الْمَوَارِيثِ؟ قِيلَ: نَعَمْ، إِذَا جَمَعَ إِلَى مَعْصِيَتِهِمَا فِي ذَلِكَ شَكًّا فِي أَنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَيْهِ مَا فَرَضَ عَلَى عِبَادِهِ فِي هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ، أَوْ عَلِمَ ذَلِكَ، فَحَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فِي أَمْرِهِمَا عَلَى مَا ذَكَرَ ابْنُ عَبَّاسٍ مِنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ حِينَ نَزَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَوْلُ اللَّهِ تبارك وتعالى: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ﴾ [النساء: ١١] إِلَى تَمَامِ الْآيَتَيْنِ: أَيُوَرَّثُ مَنْ لَا يَرْكَبُ الْفَرَسَ، وَلَا يُقَاتِلُ الْعَدُوَّ، وَلَا يَحُوزُ الْغَنِيمَةَ نِصْفَ الْمَالِ أَوْ جَمِيعَ الْمَالِ؟ اسْتِنْكَارًا مِنْهُمْ قِسْمَةَ اللَّهِ مَا قَسَمَ لِصِغَارِ وَلَدِ الْمَيِّتِ وَنِسَائِهِ وَإِنَاثِ وَلَدِهِ، مِمَّنْ خَالَفَ قِسْمَةَ اللَّهِ مَا قَسَمَ مِنْ مِيرَاثِ أَهْلِ الْمِيرَاثِ بَيْنَهُمْ، عَلَى مَا قَسَمَهُ فِي كِتَابِهِ، وَخَالَفَ حُكْمَهُ فِي ذَلِكَ وَحُكْمَ رَسُولِهِ، اسْتِنْكَارًا مِنْهُ حُكْمَهُمَا، كَمَا اسْتَنْكَرَهُ الَّذِينَ ذَكَرَ أَمْرَهُمُ ابْنُ عَبَّاسٍ مِمَّنْ كَانَ بَيْنَ أَظْهُرِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِنَ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ فِيهِمْ نَزَلَتْ وَفِي أَشْكَالِهِمْ هَذِهِ الْآيَةُ، فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْخُلُودِ فِي النَّارِ؛ لِأَنَّهُ بِاسْتِنْكَارِهِ حُكْمَ اللَّهِ أَيْ تِلْكَ يَصِيرُ بِاللَّهِ كَافِرًا وَمِنْ مِلَّةِ الْإِسْلَامِ خَارِجًا
٦ ‏/ ٤٩٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ
٦ ‏/ ٤٩٢
يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا﴾ [النساء: ١٥] يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثناؤُهُ: ﴿وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ﴾ [النساء: ١٥] وَالنِّسَاءَ يَأْتِينَ بِالزِّنَا: أَيْ يَزْنِينَ ﴿مِنْ نِسَائِكُمْ﴾ [النساء: ١٥] وَهُنَّ مُحْصَنَاتٌ ذَوَاتُ أَزْوَاجٍ، أَوْ غَيْرُ ذَوَاتِ أَزْوَاجٍ. ﴿فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ﴾ [النساء: ١٥] يَقُولُ: فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ بِمَا أَتَيْنَ مِنَ الْفَاحِشَةِ أَرْبَعَةَ رِجَالٍ مِنْ رِجَالِكُمْ، يَعْنِي: مِنَ الْمُسْلِمِينَ. ﴿فَإِنْ شَهِدُوا﴾ [النساء: ١٥] عَلَيْهِنَّ، ﴿فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ﴾ [النساء: ١٥] يَقُولُ: فَاحْبِسُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ، ﴿حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ﴾ [النساء: ١٥] يَقُولُ: حَتَّى يَمُتْنَ، ﴿أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا﴾ [النساء: ١٥] يَعْنِي: أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ مَخْرَجًا وَطَرِيقًا إِلَى النَّجَاةِ مِمَّا أَتَيْنَ بِهِ مِنَ الْفَاحِشَةِ. وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٦ ‏/ ٤٩٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ﴾ [النساء: ١٥] «أَمَرَ بِحَبْسِهِنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَمُتْنَ» ﴿أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا﴾ [النساء: ١٥] قَالَ: «الْحَدُّ»
٦ ‏/ ٤٩٣
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ﴾ [النساء: ١٥] قَالَ: «الزِّنَا، كَانَ أَمَرَ بِحَبْسِهِنَّ حِينَ يَشْهَدُ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةٌ حَتَّى يَمُتْنَ» ﴿أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا﴾ [النساء: ١٥] «⦗٤٩٤⦘ وَالسَّبِيلُ: الْحَدُّ»
٦ ‏/ ٤٩٣
حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ﴾ [النساء: ١٥] إِلَى: ﴿أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا﴾ [النساء: ١٥] «فَكَانَتِ الْمَرْأَةُ إِذَا زَنَتْ حُبِسَتْ فِي الْبَيْتِ حَتَّى تَمُوتَ، ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ تبارك وتعالى بَعْدَ ذَلِكَ»: ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ﴾ «فَإِنْ كَانَا مُحْصَنَيْنِ رُجِمَا، فَهَذِهِ سَبِيلُهُمَا الَّذِي جَعَلَ اللَّهُ لَهُمَا»
٦ ‏/ ٤٩٤
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا﴾ [النساء: ١٥] «فَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ، وَهُوَ الْجَلْدُ وَالرَّجْمُ»
٦ ‏/ ٤٩٤
حَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ: ﴿وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ﴾ [النساء: ١٥] حَتَّى بَلَغَ: ﴿أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا﴾ [النساء: ١٥] «كَانَ هَذَا مِنْ قَبْلِ الْحُدُودِ، فَكَانَا يُؤْذَيَانِ بِالْقَوْلِ جَمِيعًا، وَبِحَبْسِ الْمَرْأَةِ، ثُمَّ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا، فَكَانَ سَبِيلُ مَنْ أُحْصِنَ جَلْدُ مِائَةٍ ثُمَّ رَمْيٌ بِالْحِجَارَةِ، وَسَبِيلُ مَنْ لَمْ يُحْصَنْ جَلْدُ مِائَةٍ وَنَفْيُ سَنَةٍ»
٦ ‏/ ٤٩٤
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَثِيرٍ: «الْفَاحِشَةُ: الزِّنَا، وَالسَّبِيلُ: ⦗٤٩٥⦘ الرَّجْمُ وَالْجَلْدُ»
٦ ‏/ ٤٩٤
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ﴾ [النساء: ١٥] إِلَى: ﴿أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا﴾ [النساء: ١٥] «هَؤُلَاءِ اللَّاتِي قَدْ نَكَحْنَ وَأُحْصِنَّ، إِذَا زَنَتِ الْمَرْأَةُ فَإِنَّهَا كَانَتْ تُحْبَسُ فِي الْبَيْتِ وَيَأْخُذُ زَوْجُهَا مَهْرَهَا فَهُوَ لَهُ» فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [النساء: ١٩] «حَتَّى جَاءَتِ الْحُدُودُ فَنَسَخَتْهَا، فَجُلِدَتْ وَرُجِمَتْ، وَكَانَ مَهْرُهَا مِيرَاثًا، فَكَانَ السَّبِيلُ هُوَ الْجِلْدَ»
٦ ‏/ ٤٩٥
حَدَّثَتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ بْنُ سَلْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ بْنَ مُزَاحِمٍ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا﴾ [النساء: ١٥] قَالَ: «الْحَدُّ، نَسَخَ الْحَدُّ هَذِهِ الْآيَةَ»
٦ ‏/ ٤٩٥
حَدَّثَنَا أَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ، قَالَ: ثنا يَحْيَى، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا﴾ [النساء: ١٥] قَالَ: «جَلْدُ مِائَةَ الْفَاعِلَ وَالْفَاعِلَةَ»
٦ ‏/ ٤٩٥
حَدَّثَنَا الرِّفَاعِيُّ، قَالَ: ثنا يَحْيَى، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «الْجَلْدُ»
٦ ‏/ ٤٩٦
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ حِطَّانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الرَّقَاشِيِّ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ إِذَا نَزَلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ نَكَّسَ رَأْسَهُ، وَنَكَّسَ أَصْحَابُهُ رُءُوسَهُمْ؛ فَلَمَّا سُرِّيَ عَنْهُ رَفَعَ رَأْسَهُ، فَقَالَ: «قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا، الثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ، وَالْبِكْرُ بِالْبِكْرِ؛ أَمَّا الثَّيِّبُ فَتُجْلَدُ ثُمَّ تُرْجَمُ؛ وَأَمَّا الْبِكْرُ فَتُجْلَدُ ثُمَّ تُنْفَى»
٦ ‏/ ٤٩٦
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ حِطَّانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ: قَالَ نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ: «خُذُوا عَنِي قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا؛ الثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ تُجْلَدُ مِائَةً وَتُرْجَمُ بِالْحِجَارَةِ، وَالْبِكْرُ جَلْدُ مِائَةٍ وَنَفْي سَنَةٍ»
٦ ‏/ ٤٩٦
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ حِطَّانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَخِي بَنِي رَقَاشٍ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَدْ كَانَ إِذَا نَزَلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ كَرِبَ لِذَلِكَ وَتَرَبَّدَ لَهُ وَجْهُهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ ذَاتَ يَوْمٍ، فَلَقِيَ ذَلِكَ فَلَمَّا سُرِّيَ عَنْهُ قَالَ: «خُذُوا عَنِي قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا؛ الثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ ثُمَّ رَجْمٌ بِالْحِجَارَةِ، وَالْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ ثُمَّ نَفْيُ سَنَةٍ»
٦ ‏/ ٤٩٦
حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ، فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا﴾ [النساء: ١٥] قَالَ: «يَقُولُ: لَا تُنْكِحُوهُنَّ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ، وَلَمْ يُخْرِجْهُنَّ مِنَ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ نُسِخَ هَذَا، وَجُعِلَ السَّبِيلُ الَّتِي ذَكَرَ أَنْ يَجْعَلَ لَهُنَّ سَبِيلًا، قَالَ: فَجُعِلَ لَهَا السَّبِيلُ إِذَا زَنَتْ وَهِيَ مُحْصَنَةٌ رُجِمَتْ وَأُخْرِجَتْ، وَجُعِلَ السَّبِيلُ لِلْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ»
٦ ‏/ ٤٩٧
حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا جُوَيْبِرٌ، عَنِ الضَّحَّاكِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا﴾ [النساء: ١٥] قَالَ: «الْجَلْدُ وَالرَّجْمُ»
٦ ‏/ ٤٩٧
حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ حِطَّانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الرَّقَاشِيِّ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «خُذُوا عَنِي قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا: الثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ وَالْبِكْرُ بِالْبِكْرِ، الثَّيِّبُ تُجْلَدُ وَتُرْجَمُ وَالْبِكْرُ تُجْلَدُ وَتُنْفَى»
٦ ‏/ ٤٩٧
حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمَسْعُودِيُّ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ ⦗٤٩٨⦘ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ الْبَصْرِيِّ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ إِذْ احْمَرَّ وَجْهُهُ، وَكَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ إِذَا نَزَلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ، فَأَخَذَهُ كَهَيْئَةِ الْغَشْيِ لِمَا يَجِدُ مِنْ ثِقَلِ ذَلِكَ، فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ: «خُذُوا عَنِّي قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا، الْبِكْرَانِ يُجْلَدَانِ وَيُنْفَيَانِ سَنَةً، وَالثَّيِّبَانِ يُجْلَدَانِ وُيُرْجَمَانِ» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ بِالصِّحَّةِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: ﴿أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا﴾ [النساء: ١٥] قَوْلُ مَنْ قَالَ السَّبِيلُ الَّتِي جَعَلَهَا اللَّهُ جَلَّ ثناؤُهُ لِلثَّيِّبَيْنِ الْمُحْصَنَيْنِ الرَّجْمُ بِالْحِجَارَةِ، وَلِلْبِكْرَيْنِ جَلْدُ مِائَةٍ، وَنَفْيُ سَنَةٍ لِصِحَّةِ الْخَبَرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ رَجَمَ وَلَمْ يَجْلِدْ؛ وَإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ الَّتِي لَا يَجُوزُ عَلَيْهَا فِيمَا نَقَلَتْهُ مُجْمِعَةً عَلَيْهِ الْخَطَأُ وَالسَّهْوُ وَالْكَذِبُ؛ وَصِحَّةِ الْخَبَرِ عَنْهُ أَنَّهُ قَضَى فِي الْبِكْرَيْنِ بِجَلْدِ مِائَةٍ، وَنَفْيِ سَنَةٍ، فَكَانَ فِي الَّذِي صَحَّ عَنْهُ مِنْ تَرْكِهِ جَلْدَ مِنْ رَجَمَ مِنَ الزُّنَاةِ فِي عَصْرِهِ دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى وَهْيِ الْخَبَرِ الَّذِي رُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ حِطَّانَ، عَنْ عُبَادَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «السَّبِيلُ لِلثَّيِّبِ الْمُحْصَنِ الْجَلْدُ وَالرَّجْمُ» وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ: «وَاللَّاتِي يَأْتِينَ بِالْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ» وَالْعَرَبُ تَقُولُ: أَتَيْتَ أَمْرًا عَظِيمًا، وَبِأَمْرٍ عَظِيمٍ، وَتَكَلَّمْتَ بِكَلَامٍ قَبِيحٍ، وَكَلَامًا قَبِيحًا
٦ ‏/ ٤٩٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا﴾ [النساء: ١٦] يَعْنِي جَلَّ ثناؤُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ﴾ [النساء: ١٦] وَالرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ اللَّذَانِ
٦ ‏/ ٤٩٨
يَأْتِيَانِهَا، يَقُولُ: يَأْتِيَانِ الْفَاحِشَةَ وَالْهَاءُ وَالْأَلِفُ فِي قَوْلِهِ: ﴿يَأْتِيَانِهَا﴾ [النساء: ١٦] عَائِدَةٌ عَلَى الْفَاحِشَةِ الَّتِي فِي قَوْلِهِ: ﴿وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ﴾ [النساء: ١٥] وَالْمَعْنَى: وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِ مِنْكُمُ الْفَاحِشَةَ فَآذُوهُمَا. ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمَعْنِيِّ بِقَوْلِهِ: ﴿وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا﴾ [النساء: ١٦] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُمَا الْبِكْرَانِ اللَّذَانِ لَمْ يُحْصَنا، وَهُمَا غَيْرُ اللَّاتِي عُنِينَ بِالْآيَةِ قَبْلَهَا. وَقَالُوا: قَوْلُهُ: ﴿وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ﴾ [النساء: ١٥] مَعْنِيُّ بِهِ الثَّيِّبَاتُ الْمُحْصَنَاتُ بَالْأَزْوَاجِ، وَقَوْلُهُ: ﴿وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ﴾ [النساء: ١٦] يَعْنِي بِهِ الْبِكْرَيْنِ غَيْرَ الْمُحْصَنَيْنِ
٦ ‏/ ٤٩٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ذَكَرَ الْجَوَارِيَ وَالْفِتْيَانَ الَّذِينَ لَمْ يَنْكِحُوا، فَقَالَ: ﴿وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا﴾ [النساء: ١٦]
٦ ‏/ ٤٩٩
حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ﴾ [النساء: ١٦] «الْبِكْرَانِ فَآذُوهُمَا» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عُنِيَ بِقَوْلِهِ: ﴿وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ﴾ [النساء: ١٦] ” الرَّجُلَانِ الزَّانِيَانِ
٦ ‏/ ٤٩٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ، قَالَ: ثنا يَحْيَى، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿⦗٥٠٠⦘ وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا﴾ [النساء: ١٦] قَالَ: «الرَّجُلَانِ الْفَاعِلَانِ لَا يُكَنِّي»
٦ ‏/ ٤٩٩
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ﴾ [النساء: ١٦] «الزَّانِيَانِ، وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عُنِيَ بِذَلِكَ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يُقْصَدْ بِهِ بَكْرٌ دُونَ ثَيِّبٍ»
٦ ‏/ ٥٠٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ، قَالَ: ثنا يَحْيَى، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، ﴿وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا﴾ [النساء: ١٦] قَالَ: «الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ»
٦ ‏/ ٥٠٠
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، عَنْ يَزِيدَ النَّحْوِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، قَالَا: «﴿وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ﴾ [النساء: ١٥] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا﴾ [النساء: ١٥] فَذَكَرَ الرَّجُلَ بَعْدَ الْمَرْأَةِ ثُمَّ جَمَعَهُمَا جَمِيعًا، فَقَالَ: ﴿وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا﴾ [النساء: ١٦]»
٦ ‏/ ٥٠٠
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ عَطَاءٌ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَثِيرٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ﴾ [النساء: ١٦] قَالَ: «هَذِهِ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ جَمِيعًا»

عن معز نوني

متحصّل على شهادة ختم الدروس للمعهد الأعلى لتكوين المعلمين بقفصة دفعة 2000، يعمل حاليًّا أستاذ مدارس إبتدائية

شاهد أيضاً

سُورَةُ الْفَاتِحَةِ

مَكِّيَّةٌ وَآيَاتُهَا سَبْعٌ ١ ‏/ ١١١ ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ [الفاتحة: ١] الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ …