سُورَةُ النِّسَاءِ 13

وَأَصْلُ الْغُلُوِّ فِي كُلِّ شَيْءٍ: مُجَاوَزَةُ حَدِّهِ الَّذِي هُوَ حَدُّهُ، يُقَالَ مِنْهُ فِي الدِّينِ قَدْ غَلَا فَهُوَ يَغْلُو غُلُوًّا، وَغَلَا بِالْجَارِيَةِ عَظْمُهَا وَلَحْمُهَا: إِذَا أَسْرَعَتِ الشَّبَابَ، فَجَاوَزَتْ لِدَاتِهَا، يَغْلُو بِهَا غُلُوًّا وَغَلَاءً؛ وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ الْحَارِثِ بْنِ خَالِدٍ الْمَخْزُومِيِّ:
[البحر الكامل] خُمْصَانَةٌ قَلِقٌ مُوَشَّحُهَا … رُؤْدُ الشَّبَابِ غَلَا بِهَا عَظْمُ
٧ ‏/ ٧٠١
وَقَدْ حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، قَالَ: صَارُوا فَرِيقَيْنِ: «فَرِيقٌ غَلَوْا فِي الدِّينِ، فَكَانَ غُلُوُّهُمْ فِيهِ: الشَّكَّ فِيهِ وَالرَّغْبَةَ عَنْهُ، وَفَرِيقٌ مِنْهُمْ قَصَرُوا عَنْهُ فَفَسَقُوا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ»
٧ ‏/ ٧٠١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ﴾ [النساء: ١٧١] يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ﴾ [النساء: ١٧١] مَا الْمَسِيحُ أَيُّهَا الْغَالُونَ فِي دِينِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ بِابْنِ اللَّهِ كَمَا تَزْعُمُونَ، وَلَكِنَّهُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ دُونَ غَيْرِهَا مِنَ الْخَلْقِ، لَا نَسَبَ لَهُ غَيْرُ ذَلِكَ. ثُمَّ نَعَتَهُ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِنَعْتِهِ وَوَصَفَهُ بِصِفَتِهِ، فَقَالَ: هُوَ رَسُولُ اللَّهِ، أَرْسَلَهُ اللَّهُ بِالْحَقِّ إِلَى مَنْ أَرْسَلَهُ إِلَيْهِ مِنْ خَلْقِهِ ” وَأَصْلُ الْمَسِيحِ: الْمَمْسُوحُ، صُرِفَ مِنْ مَفْعُولٍ إِلَى فَعِيلٍ، وَسَمَّاهُ اللَّهُ
٧ ‏/ ٧٠١
بِذَلِكَ لِتَطْهِيرِهِ إِيَّاهُ مِنَ الذُّنُوبِ؛ وَقِيلَ: مُسِحَ مِنَ الذُّنُوبِ وَالْأَدْنَاسِ الَّتِي تَكُونُ فِي الْآدَمِيِّينَ، كَمَا يُمْسَحُ الشَّيْءُ مِنَ الْأَذَى الَّذِي يَكُونُ فِيهِ فَيُطَهَّرُ مِنْهُ، وَلِذَلِكَ قَالَ مُجَاهِدٌ وَمَنْ قَالَ مِثْلَ قَوْلِهِ: الْمَسِيحُ: الصِّدِّيقُ. وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ أَصْلَ هَذِهِ الْكَلِمَةِ عِبْرَانِيَّةٌ أَوْ سُرْيَانِيَّةٌ: «مشيحا» فُعِرِّبَتْ، فَقِيلَ الْمَسِيحُ، كَمَا عُرِّبَ سَائِرُ أَسْمَاءِ الْأَنْبِيَاءِ الَّتِي فِي الْقُرْآنِ مِثْلُ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَمُوسَى وَعِيسَى. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَلَيْسَ مَا مُثِّلَ بِهِ مِنْ ذَلِكَ لِلْمَسِيحِ بِنَظِيرٍ؛ وَذَلِكَ أَنَّ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، أَسْمَاءٌ لَا صِفَاتٌ، وَالْمَسِيحُ صِفَةٌ، وَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ تُخَاطَبَ الْعَرَبُ وَغَيْرُهَا مِنْ أَجْنَاسِ الْخَلْقِ فِي صِفَةِ شَيْءٍ إِلَّا بِمِثْلِ مَا يُفْهَمُ عَمَّنْ خَاطَبَهَا، وَلَوْ كَانَ الْمَسِيحُ مِنْ غَيْرِ كَلَامِ الْعَرَبِ وَلَمْ تَكُنِ الْعَرَبُ تَعْقِلُ مَعْنَاهُ مَا خُوطِبَتْ بِهِ. وَقَدْ أَتَيْنَا مِنَ الْبَيَانِ عَنْ نَظَائِرِ ذَلِكَ فِيمَا مَضَى بِمَا فِيهِ الْكِفَايَةُ عَنْ إِعَادَتِهِ. وَأَمَّا الْمَسِيحُ الدَّجَّالُ، فَإِنَّهُ أَيْضًا بِمَعْنَى الْمَمْسُوحِ الْعَيْنِ، صُرِفَ مِنْ مَفْعُولٍ إِلَى فَعِيلٍ، فَمَعْنَى الْمَسِيحِ فِي عِيسَى ﷺ: الْمَمْسُوحُ الْبَدَنِ مِنَ الْأَدْنَاسِ وَالْآثَامِ، وَمَعْنَى الْمَسِيحِ فِي الدَّجَّالِ: الْمَمْسُوحُ الْعَيْنِ الْيُمْنَى أَوِ الْيُسْرَى كَالَّذِي رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي ذَلِكَ.
٧ ‏/ ٧٠٢
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ﴾ [النساء: ١٧١] فَإِنَّهُ يَعْنِي بِالْكَلِمَةَ: الرِّسَالَةَ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ مَلَائِكَتَهُ أَنْ تَأْتِيَ مَرْيَمَ بِهَا، بِشَارَةً مِنَ اللَّهِ لَهَا الَّتِي ذَكَرَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي قَوْلِهِ: ﴿إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ﴾ [آل عمران: ٤٥] يَعْنِي: بِرِسَالَةٍ مِنْهُ، وَبِشَارَةٍ مِنْ عِنْدِهِ وَقَدْ قَالَ قَتَادَةُ فِي ذَلِكَ مَا:
٧ ‏/ ٧٠٣
حَدَّثَنَا بِهِ الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ﴾ [النساء: ١٧١] قَالَ: «هُوَ قَوْلُهُ: كُنْ فَكَانَ» وَقَدْ بَيَّنَّا اخْتِلَافَ الْمُخْتَلِفِينَ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ فِي ذَلِكَ فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ. وَقَوْلُهُ: ﴿أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ﴾ [النساء: ١٧١] يَعْنِي: أَعْلَمَهَا بِهَا وَأَخْبَرَهَا، كَمَا يُقَالَ: أَلْقَيْتُ إِلَيْكَ كَلِمَةً حَسَنَةً، بِمَعْنَى أَخْبَرْتُكَ بِهَا، وَكَلَّمْتُكَ بِهَا. وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَرُوحٌ مِنْهُ﴾ [النساء: ١٧١] فَإِنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ اخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿وَرُوحٌ مِنْهُ﴾ [النساء: ١٧١] وَنَفْخَةٌ مِنْهُ، لِأَنَّهُ حَدَثَ عَنْ نَفْخَةِ جِبْرِيلَ عليه السلام فِي دِرْعِ مَرْيَمَ بِأَمْرِ اللَّهِ إِيَّاهُ بِذَلِكَ، فَنُسِبَ إِلَى أَنَّهُ رُوحٌ مِنَ اللَّهِ، لِأَنَّهُ بِأَمْرِهِ، كَانَ، قَالَ: وَإِنَّمَا سَمَّى النَّفْخَ رُوحًا لِأَنَّهَا رِيحٌ تَخْرُجُ مِنَ الرُّوحِ، ⦗٧٠٤⦘ وَاسْتَشْهَدُوا عَلَى ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ بِقَوْلِ ذِي الرُّمَّةِ فِي صِفَةِ نَارٍ نَعَتَهَا:
[البحر الطويل] فَلَمَّا بَدَتْ كَفَّنْتُهَا وَهِيَ طِفْلَةٌ … بِطَلْسَاءَ لَمْ تَكْمُلْ ذِرَاعًا وَلَا شِبْرَا
وَقُلْتُ لَهُ ارْفَعْهَا إِلَيْكَ وَأَحْيِهَا … بِرُوحِكَ وَاقْتَتْهُ لَهَا قِيتَةً قَدْرًا
وَظَاهِرْ لَهَا مِنْ بَائِسِ الشَّخْتِ وَاسْتَعِنْ … عَلَيْهَا الصَّبَا وَاجْعَلْ يَدَيْكَ لَهَا سِتْرَا
فَلَمَّا جَرَتْ لَلْجَزْلِ جَرْيًا كَأَنَّهُ … سَنَا الْبَرْقِ أَحْدَثْنَا لِخَالِقِهَا شُكْرَا
وَقَالُوا: يَعْنِي بِقَوْلِهِ: أَحْيِهَا بِرُوحِكَ: أَيْ أَحْيِهَا بِنَفْخِكَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَعْنِي بِقَوْلِهِ: ﴿وَرُوحٌ مِنْهُ﴾ [النساء: ١٧١] أَنَّهُ كَانَ إِنْسَانًا بِإِحْيَاءِ اللَّهِ لَهُ بِقَوْلِهِ: كُنْ، قَالُوا: وَإِنَّمَا مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿وَرُوحٌ مِنْهُ﴾ [النساء: ١٧١] وَحَيَاةٌ مِنْهُ، بِمَعْنَى: إِحْيَاءِ اللَّهِ إِيَّاهُ بِتَكْوِينِهِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿وَرُوحٌ مِنْهُ﴾ [النساء: ١٧١] وَرَحْمَةٌ مِنْهُ كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: ﴿وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ﴾ [المجادلة: ٢٢] . قَالَ: وَمَعْنَاهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: وَرَحْمَةٌ مِنْهُ. قَالَ: فَجَعَلَ اللَّهُ عِيسَى رَحْمَةً مِنْهُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَهُ وَآمَنَ بِهِ وَصَدَّقَهُ، لِأَنَّهُ هَدَاهُمْ إِلَى سَبِيلِ الرَّشَادِ. ⦗٧٠٥⦘ وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَرُوحٌ مِنَ اللَّهِ خَلَقَهَا فَصَوَّرَهَا، ثُمَّ أَرْسَلَهَا إِلَى مَرْيَمَ، فَدَخَلَتْ فِي فِيهَا، فَصَيَّرَهَا اللَّهُ تَعَالَى رُوحَ عِيسَى عليه السلام
٧ ‏/ ٧٠٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ﴾ [الأعراف: ١٧٢] قَالَ: «أَخَذَهُمْ فَجَعَلَهُمْ أَرْوَاحًا، ثُمَّ صَوَّرَهُمْ، ثُمَّ اسْتَنْطَقَهُمْ، فَكَانَ رُوحُ عِيسَى مِنْ تِلْكَ الْأَرْوَاحِ الَّتِي أَخَذَ عَلَيْهَا الْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ، فَأَرْسَلَ ذَلِكَ الرُّوحَ إِلَى مَرْيَمَ، فَدَخَلَ فِي فِيهَا فَحَمَلَتِ الَّذِي خَاطَبَهَا، وَهُوَ رُوحُ عِيسَى عليه السلام» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى الرُّوحِ هَهُنَا: جِبْرِيلُ عليه السلام. قَالُوا: وَمَعْنَى الْكَلَامِ: وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ، وَأَلْقَاهَا أَيْضًا إِلَيْهَا رُوحٌ مِنَ اللَّهِ، ثُمَّ مِنْ جِبْرِيلَ عليه السلام. ولِكُلِّ هَذِهِ الْأَقْوَالِ وَجْهٌ وَمَذْهَبٌ غَيْرُ بَعِيدٍ مِنَ الصَّوَابِ
٧ ‏/ ٧٠٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا
٧ ‏/ ٧٠٥
خَيْرًا لَكُمْ﴾ [النساء: ١٧١] يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ﴾ [آل عمران: ١٧٩] فَصَدِّقُوا يَا أَهْلَ الْكِتَابِ بِوَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ وَرُبُوبِيَّتِهِ، وَأَنَّهُ لَا وَلَدَ لَهُ، وَصَدِّقُوا رُسُلَهُ فِيمَا جَاءُوكُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَفِيمَا أَخْبَرْتُكُمْ بِهِ أَنَّ اللَّهَ وَاحِدٌ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَلَا صَاحِبَةَ لَهُ، وَلَا وَلَدَ لَهُ. ﴿وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ﴾ [النساء: ١٧١] يَعْنِي: وَلَا تَقُولُوا الْأَرْبَابُ ثَلَاثَةٌ. ورُفِعَتِ الثَّلَاثَةُ بِمَحْذُوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ الظَّاهِرُ، وَهُوَ هُمْ. وَمَعْنَى الْكَلَامِ: وَلَا تَقُولُوا هُمْ ثَلَاثَةٌ. وَإِنَّمَا جَازَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْقَوْلَ حِكَايَةٌ، وَالْعَرَبُ تَفْعَلُ ذَلِكَ فِي الْحِكَايَةِ، وَمِنْهُ قَوْلُ اللَّهِ: ﴿سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ﴾ [الكهف: ٢٢] وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا وَرَدَ مِنْ مَرْفُوعٍ بَعْدَ الْقَوْلِ لَا رَافِعَ مَعَهُ، فَفِيهِ إِضْمَارُ اسْمٍ رَافِعٍ لِذَلِكَ الِاسْمِ. ثُمَّ قَالَ لَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ مُتَوَعِّدًا لَهُمْ فِي قَوْلِهِمُ الْعَظِيمِ الَّذِي قَالُوهُ فِي اللَّهِ: انْتَهُوا أَيُّهَا الْقَائِلُونَ اللَّهُ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ عَمَّا تَقُولُونَ مِنَ الزُّورِ وَالشَّكِّ بِاللَّهِ، فَإِنَّ الِانْتِهَاءَ عَنْ ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ قِيلِهِ، لِمَا لَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الْعِقَابِ الْعَاجِلِ لَكُمْ عَلَى قِيلِكُمْ ذَلِكَ، إِنْ أَقَمْتُمْ عَلَيْهِ وَلَمْ تُنِيبُوا إِلَى الْحَقِّ الَّذِي أَمَرْتُكُمْ بِالْإِنَابَةِ إِلَيْهِ وَالْأَجَلِ فِي مَعَادِكُمْ
٧ ‏/ ٧٠٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا﴾
٧ ‏/ ٧٠٦
يَعْنِي بِقَوْلِهِ: ﴿إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾ [النساء: ١٧١] مَا اللَّهُ أَيُّهَا الْقَائِلُونَ: اللَّهُ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ كَمَا تَقُولُونَ، لِأَنَّ مَنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَلَيْسَ بِإِلَهٍ، وَكَذَلِكَ مَنْ كَانَ لَهُ صَاحِبَةٌ فَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ إِلَهًا مَعْبُودًا، وَلَكِنَّ اللَّهَ الَّذِي لَهُ الْأُلُوهَةُ وَالْعِبَادَةُ، إِلَهٌ وَاحِدٌ مَعْبُودٌ، لَا وَلَدَ لَهُ، وَلَا وَالِدَ، وَلَا صَاحِبَةَ، وَلَا شَرِيكَ. ثُمَّ نَزَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ نَفْسَهُ وَعَظَّمَهَا وَرَفَعَهَا عَمَّا قَالَ فِيهِ أَعْدَاؤُهُ الْكَفَرَةُ بِهِ، فَقَالَ: ﴿سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ﴾ [النساء: ١٧١] يَقُولُ: «عَلَا اللَّهُ وَجَلَّ وَعَزَّ وَتَعَظَّمَ وَتَنَزَّهَ عَنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ أَوْ صَاحِبَةٌ ﴿لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾ ثُمَّ أَخْبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عِبَادَهُ أَنَّ عِيسَى وَأُمَّهُ، وَمَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ عَبِيدُهُ، وَمُلْكُهُ، وَخَلْقُهُ، وَأَنَّهُ رَازِقُهُمْ وَخَالِقُهُمْ، وَأَنَّهُمْ أَهْلُ حَاجَةٍ وَفَاقَةٍ إِلَيْهِ، احْتِجَاجًا مِنْهُ بِذَلِكَ عَلَى مَنِ ادَّعَى أَنَّ الْمَسِيحَ ابْنُهُ، وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ ابْنَهُ كَمَا قَالُوا لَمْ يَكُنْ ذَا حَاجَةٍ إِلَيْهِ، وَلَا كَانَ لَهُ عَبْدًا مَمْلُوكًا، فَقَالَ: ﴿لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾ يَعْنِي: لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنَ الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا، مُلْكًا وَخَلْقًا، وَهُوَ يَرْزُقُهُمْ وَيَقُوتُهُمْ وَيُدَبِّرُهُمْ، فَكَيْفَ يَكُونُ الْمَسِيحُ ابْنًا لِلَّهِ وَهُوَ فِي الْأَرْضِ أَوْ فِي السَّمَوَاتِ غَيْرُ خَارِجٍ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِي بَعْضِ هَذِهِ الْإِمَاكِنِ. وَقَوْلُهُ ﴿وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا﴾ [النساء: ٨١] يَقُولُ:»وَحَسْبُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ بِاللَّهِ قَيِّمًا وَمُدَبِّرًا وَرَازِقًا، مِنَ الْحَاجَةِ مَعَهُ إِلَى غَيْرِهِ
٧ ‏/ ٧٠٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ ⦗٧٠٨⦘ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا﴾ [النساء: ١٧٢] يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ﴾ [النساء: ١٧٢] لَنْ يَأْنَفَ وَلَنْ يَسْتَكْبِرَ الْمَسِيحُ ﴿أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ﴾ [النساء: ١٧٢] يَعْنِي: مِنْ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ. كَمَا:
٧ ‏/ ٧٠٧
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ﴾ [النساء: ١٧٢] لَنْ يَحْتَشِمَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدَ اللَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ ” وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ﴾ [النساء: ١٧٢] فَإِنَّهُ يَعْنِي: وَلَنْ يَسْتَنْكِفَ أَيْضًا مِنَ الْإِقْرَارِ لِلَّهِ بِالْعُبُودِيَّةِ، وَالْإِذْعَانِ لَهُ بِذَلِكَ رُسُلُهُ الْمُقَرَّبُونَ الَّذِينَ قَرَّبَهُمُ اللَّهُ وَرَفَعَ مَنَازِلَهُمْ عَلَى غَيْرِهِمْ مِنْ خَلْقِهِ وَرُوِيَ عَنِ الضَّحَّاكِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي ذَلِكَ مَا:
٧ ‏/ ٧٠٨
حَدَّثَنِي بِهِ، جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبُزْوَرِيُّ، قَالَ: ثنا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ، عَنِ الْأَجْلَحِ، قَالَ: قُلْتُ لِلضَّحَّاكِ: مَا الْمُقَرَّبُونَ؟ قَالَ: «أَقْرَبُهُمْ إِلَى السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ»
٧ ‏/ ٧٠٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا﴾ [النساء: ١٧٢] يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِذَلِكَ: وَمَنْ يَتَعَظَّمْ ⦗٧٠٩⦘ عَنْ عِبَادَةِ رَبِّهِ، وَيَأْنَفْ مِنَ التَّذَلُّلِ وَالْخُضُوعِ لَهُ بِالطَّاعَةِ مِنَ الْخَلْقِ كُلِّهِمْ، وَيَسْتَكْبِرْ عَنْ ذَلِكَ ﴿فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا﴾ [النساء: ١٧٢] يَقُولُ: “فَسَيَبْعَثُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ جَمِيعًا، فَيَجْمَعُهُمْ لِمَوْعِدِهِمْ عِنْدَهُ
٧ ‏/ ٧٠٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا﴾ [النساء: ١٧٣] يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِذَلِكَ: فَأَمَّا الْمُؤْمِنُونَ الْمُقِرُّونَ بِوَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ، الْخَاضِعُونَ لَهُ بِالطَّاعَةِ، الْمُتَذَلِّلُونَ لَهُ بِالْعُبُودِيَّةِ، وَالْعَامِلُونَ الصَّالِحَاتِ مِنَ الْأَعْمَالِ، وَذَلِكَ أَنْ يَرُدُّوا عَلَى رَبِّهِمْ، قَدْ آمَنُوا بِهِ وَبِرُسُلِهِ، وَعَمِلُوا بِمَا أَتَاهُمْ بِهِ رُسُلُهُ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِمْ، مِنْ فِعْلِ مَا أَمَرَهُمْ بِهِ، وَاجْتِنَابِ مَا أَمَرَهُمْ بِاجْتِنَابِهِ ﴿فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ﴾ [آل عمران: ٥٧] يَقُولُ: “فَيُؤْتِيهِمْ جَزَاءَ أَعْمَالِهِمُ الصَّالِحَةِ وَافِيًا تَامًّا. ﴿وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ﴾ [النساء: ١٧٣] يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَيَزِيدُهُمْ عَلَى مَا وَعَدَهُمْ مِنَ الْجَزَاءِ عَلَى أَعْمَالِهِمُ الصَّالِحَةِ وَالثَّوَابِ عَلَيْهَا مِنَ الْفَضْلِ وَالزِّيَادَةِ مَا لَمْ يُعَرِّفْهُمْ مَبْلَغَهُ وَلَمْ يَحُدَّ لَهُمْ مُنْتَهَاهُ. وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ وَعَدَ مَنْ جَاءَ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ بِالْحَسَنَةِ الْوَاحِدَةِ عَشْرَ أَمْثَالِهَا مِنَ الثَّوَابِ وَالْجَزَاءِ، فَذَلِكَ هُوَ أَجْرُ كُلِّ عَامِلٍ عَلَى عَمَلِهِ الصَّالِحِ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ الْمَحْدُودِ مَبْلَغُهُ، وَالزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ تَفَضُّلٌ مِنَ اللَّهِ عَلَيْهِمْ، وَإِنْ كَانَ كُلُّ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى عِبَادِهِ؛ غَيْرَ أَنَّ الَّذِيَ وَعَدَ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يُوَفِّيَهُمْ فَلَا يُنْقِصَهُمْ مِنَ الثَّوَابِ عَلَى أَعْمَالِهِمُ الصَّالِحَةِ، هُوَ مَا حَدَّ مَبْلَغَهُ مِنَ الْعَشْرِ، وَالزِّيَادَةِ
٧ ‏/ ٧٠٩
عَلَى ذَلِكَ غَيْرُ مَحْدُودٍ مَبْلَغُهَا، فَيَزِيدُ مَنْ شَاءَ مِنْ خَلْقِهِ عَلَى ذَلِكَ قَدْرَ مَا يَشَاءُ، لَا حَدَّ لِقَدَرِهِ يُوقَفُ عَلَيْهِ. وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمُ: الزِّيَادَةُ إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ. وَقَالَ آخَرُونَ: إِلَى أَلْفَيْنِ. وَقَدْ ذَكَرْتُ اخْتِلَافَ الْمُخْتَلِفِينَ فِي ذَلِكَ فِيمَا مَضَى قَبْلُ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ. وَقَوْلُهُ: ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا﴾ [النساء: ١٧٣] فَإِنَّهُ يَعْنِي: وَأَمَّا الَّذِينَ تَعَظَّمُوا عَنِ الْإِقْرَارِ لِلَّهِ بِالْعُبُودَةِ وَالْإِذْعَانِ لَهُ بِالطَّاعَةِ، وَاسْتَكْبَرُوا عَنِ التَّذَلُّلِ لِأُلُوهَتِهِ وَعِبَادَتِهِ وَتَسْلِيمِ الرُّبُوبِيَّةِ وَالْوَحْدَانِيَّةِ لَهُ ﴿فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾ [النساء: ١٧٣] يَعْنِي: عَذَابًا مُوجِعًا ﴿وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا﴾ [النساء: ١٧٣] يَقُولُ: “وَلَا يَجِدُ الْمُسْتَنْكِفُونَ مِنْ عِبَادَتِهِ وَالْمُسْتَكْبِرُونَ عَنْهَا إِذَا عَذَّبَهُمُ اللَّهُ الْأَلِيمَ مِنْ عَذَابِهِ سِوَى اللَّهِ لِأَنْفُسِهِمْ وَلِيًّا يُنْجِيهِمْ مِنْ عَذَابِهِ وَيُنْقِذُهُمْ مِنْهُ. وَلَا نَصِيرًا: وَلَا نَاصِرًا يَنْصُرُهُمْ، فَيَسْتَنْقِذُهُمْ مِنْ رَبِّهِمْ، وَيَدْفَعُ عَنْهُمْ بِقُوَّتِهِ مَا أَحَلَّ بِهِمْ مِنْ نِقْمَتِهِ، كَالَّذِي كَانُوا يَفْعَلُونَ بِهِمْ إِذَا أَرَادَهُمْ غَيْرُهُمْ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا فِي الدُّنْيَا بِسُوءٍ مِنْ نُصْرَتِهِمْ وَالْمُدَافَعَةِ عَنْهُمْ
٧ ‏/ ٧١٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا﴾ [النساء: ١٧٤] يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ
٧ ‏/ ٧١٠
قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [النساء: ١٧٤] يَا أَيُّهَا النَّاسُ مِنْ جَمِيعِ أَصْنَافِ الْمِلَلِ، يَهُودِهَا وَنَصَارَاهَا وَمُشْرِكِيهَا، الَّذِينَ قَصَّ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَصَصَهُمْ فِي هَذِهِ السُّورَةِ ﴿قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [النساء: ١٧٤] يَقُولُ: «قَدْ جَاءَتْكُمْ حُجَّةٌ مِنَ اللَّهِ تُبَرْهِنُ لَكُمْ بِطُولِ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ مُقِيمُونَ مِنْ أَدْيَانِكُمْ وَمِلَلِكُمْ، وَهُوَ مُحَمَّدٌ ﷺ، الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ عَلَيْكُمْ حُجَّةً قَطَعَ بِهَا عُذْرَكُمْ، وَأَبْلَغَ إِلَيْكُمْ فِي الْمَعْذِرَةِ بِإِرْسَالِهِ إِلَيْكُمْ، مَعَ تَعْرِيفِهِ إِيَّاكُمْ صِحَّةَ نُبُوَّتِهِ وَتَحْقِيقَ رِسَالَتِهِ. ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا﴾ [النساء: ١٧٤] يَقُولُ:»وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ مَعَهُ نُورًا مُبِينًا، يَعْنِي: يُبَيِّنُ لَكُمُ الْمَحَجَّةَ الْوَاضِحَةَ وَالسُّبُلَ الْهَادِيَةَ إِلَى مَا فِيهِ لَكُمُ النَّجَاةُ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ وَأَلِيمِ عِقَابِهِ إِنْ سَلَكْتُمُوهَا وَاسْتَنَرْتُمْ بِضَوْئِهِ. وَذَلِكَ النُّورُ الْمُبِينُ هُوَ الْقُرْآنُ الَّذِي أَنْزَلَهُ اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ ﷺ. وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٧ ‏/ ٧١١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [النساء: ١٧٤] قَالَ: «حُجَّةٌ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
٧ ‏/ ٧١١
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿يَا أَيُّهَا ⦗٧١٢⦘ النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [النساء: ١٧٤] أَيْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا﴾ [النساء: ١٧٤] وَهُوَ هَذَا الْقُرْآنُ “
٧ ‏/ ٧١١
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [النساء: ١٧٤] يَقُولُ: «حُجَّةٌ»
٧ ‏/ ٧١٢
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: “بُرْهَانٌ، قَالَ: بَيِّنَةٌ ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا﴾ [النساء: ١٧٤] قَالَ: «الْقُرْآنُ»
٧ ‏/ ٧١٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا﴾ [النساء: ١٧٥] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: فَأَمَّا الَّذِينَ صَدَّقُوا بِاللَّهِ، وَأَقَرُّوا بِوَحْدَانِيَّتِهِ، وَمَا بَعَثَ بِهِ مُحَمَّدًا ﷺ مِنْ أَهْلِ الْمِلَلِ ﴿وَاعْتَصَمُوا بِهِ﴾ [النساء: ١٧٥] يَقُولُ: “وَتَمَسَّكُوا بِالنُّورِ الْمُبِينِ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَى نَبِيِّهِ؛ كَمَا:
٧ ‏/ ٧١٢
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: ﴿وَاعْتَصَمُوا بِهِ﴾ [النساء: ١٧٥] قَالَ: «بِالْقُرْآنِ» ﴿فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ﴾ [النساء: ١٧٥] يَقُولُ: «فَسَوْفَ تَنَالُهُمْ رَحْمَتُهُ الَّتِي تُنْجِيهِمْ مِنْ عِقَابِهِ وَتُوجِبُ لَهُمْ ثَوَابَهُ وَرَحْمَتَهُ وَجَنَّتَهُ، وَيُلْحِقُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ مَا ⦗٧١٣⦘ أَلْحَقَ أَهْلَ الْإِيمَانِ بِهِ وَالتَّصْدِيقِ بِرُسُلِهِ ﴿وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا﴾ [النساء: ١٧٥] يَقُولُ:»وَيُوَفِّقُهُمْ لِإِصَابَةِ فَضْلِهِ الَّذِي تَفَضَّلَ بِهِ عَلَى أَوْلِيَائِهِ، وَيُسَدِّدُهُمْ لِسُلُوكِ مَنْهَجِ مَنْ أَنْعَمَ عَلَيْهِ مِنْ أَهْلِ طَاعَتِهِ، وَلِاقْتِفَاءِ آثَارِهِمْ، وَاتِّبَاعِ دِينِهِمْ. وَذَلِكَ هُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ، وَهُوَ دِينُ اللَّهِ الَّذِي ارْتَضَاهُ لِعِبَادِهِ، وَهُوَ الْإِسْلَامُ. ونَصَبَ الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ عَلَى الْقَطْعِ مِنَ الْهَاءِ الَّتِي فِي قَوْلِهِ ﴿إِلَيْهِ﴾ [النساء: ١٧٥]
٧ ‏/ ٧١٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثَنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [النساء: ١٧٦] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿يَسْتَفْتُونَكَ﴾ [النساء: ١٧٦] يَسْأَلُونَكَ يَا مُحَمَّدُ أَنْ تُفْتِيَهُمْ فِي الْكَلَالَةِ. وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْكَلَالَةِ فِيمَا مَضَى بِالشَّوَاهِدِ الدَّالَّةِ عَلَى صِحَّتِهِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا اخْتِلَافَ الْمُخْتَلِفِينَ فِيهِ فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إِعَادَتِهِ، وَبَيَّنَّا أَنَّ الْكَلَالَةَ عِنْدَنَا مَا عَدَا الْوَلَدَ وَالْوَالِدَ ﴿إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ﴾ [النساء: ١٧٦] يَعْنِي بِقَوْلِهِ: ﴿إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ﴾ [النساء: ١٧٦] إِنْ إِنْسَانٌ مِنَ النَّاسِ مَاتَ. كَمَا:
٧ ‏/ ٧١٣
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ﴾ [النساء: ١٧٦] يَقُولُ: “مَاتَ ﴿لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ﴾ [النساء: ١٧٦] ذَكَرٌ وَلَا أُنْثَى ﴿وَلَهُ أُخْتٌ﴾ [النساء: ١٧٦] يَعْنِي: وَلِلْمَيِّتِ أُخْتٌ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ، أَوْ لِأَبِيهِ، ﴿فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ﴾ [النساء: ١٧٦] يَقُولُ: «فَلِأُخْتِهِ الَّتِي تَرَكَهَا بَعْدَهُ بِالصِّفَةِ الَّتِي وَصَفْنَا نِصْفُ تَرِكْتِهِ مِيرَاثًا عَنْهُ دُونَ سَائِرِ عَصَبَتِهِ، وَمَا بَقِيَ فَلِعَصَبَتِهِ. ⦗٧١٤⦘ وذُكِرَ أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ هَمَّهُمْ شَأْنُ الْكَلَالَةِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تبارك وتعالى فِيهَا هَذِهِ الْآيَةَ»
٧ ‏/ ٧١٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ﴾ [النساء: ١٧٦] فَسَأَلُوا عَنْهَا نَبِيَّ اللَّهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي ذَلِكَ الْقُرْآنِ: ﴿إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ﴾ [النساء: ١٧٦] فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ: ﴿وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [النساء: ١٧٦] قَالَ: «وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رضي الله عنه قَالَ فِي خُطْبَتِهِ: أَلَا إِنَّ الْآيَةَ الَّتِي أَنْزَلَ اللَّهُ فِي أَوَّلِ سُورَةِ النِّسَاءِ فِي شَأْنِ الْفَرَائِضِ أَنْزَلَهَا اللَّهُ فِي الْوَلَدِ وَالْوَالِدِ، وَالْآيَةَ الثَّانِيَةَ أَنْزَلَهَا فِي الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ وَالْإِخْوَةِ مِنَ الْأُمِّ، وَالْآيَةَ الَّتِي خَتَمَ بِهَا سُورَةَ النِّسَاءِ أَنْزَلَهَا فِي الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ مِنَ الْأَبِ وَالْأُمِّ، وَالْآيَةَ الَّتِي خَتَمَ بِهَا سُورَةَ الْأَنْفَالِ أَنْزَلَهَا فِي أُولِي الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِمَّا جَرَتِ الرَّحِمُ مِنَ الْعَصَبَةِ»
٧ ‏/ ٧١٤
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: سَأَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ النَّبِيَّ ﷺ عَنِ الْكَلَالَةِ، فَقَالَ: «أَلَيْسَ قَدْ بَيَّنَ اللَّهُ ذَلِكَ؟» قَالَ فَنَزَلَتْ: ﴿يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ﴾ [النساء: ١٧٦]
٧ ‏/ ٧١٤
حَدَّثَنَا مُؤَمَّلُ بْنُ هِشَامٍ أَبُو هِشَامٍ، قَالَ: ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ هِشَامٍ ⦗٧١٥⦘ الدَّسْتُوَائِيِّ، قَالَ: ثنا أَبُو الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: اشْتَكَيْتُ وَعِنْدِي تِسْعُ أَخَوَاتٍ لِي أَوْ سَبْعٌ، أَبُو جَعْفَرٍ الَّذِي يَشُكُّ، فَدَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ ﷺ، فَنَفَخَ وَجْهِي، فَأَفَقْتُ وَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَا أُوصِي لِأَخَوَاتِي بِالثُّلُثِ؟ قَالَ: «أَحْسَنُ»، قُلْتُ: الشَّطْرُ؟ قَالَ: «أَحْسَنُ» ثُمَّ خَرَجَ وَتَرَكَنِي، ثُمَّ رَجَعَ إِلَيَّ فَقَالَ: «يَا جَابِرُ إِنِّي لَا أَرَاكُ مَيِّتًا مِنْ وَجَعِكَ هَذَا، وَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَنْزَلَ فِي الَّذِي لِأَخَوَاتِكَ فَجَعَلَ لَهُنَّ الثُّلُثَيْنِ» . قَالَ: فَكَانَ جَابِرٌ يَقُولُ: أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِيَّ: ﴿يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ﴾ [النساء: ١٧٦] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ هِشَامٍ، يَعْنِي الدَّسْتُوَائِيَّ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، مِثْلَهُ
٧ ‏/ ٧١٤
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: مَرِضْتُ فَأَتَانِي النَّبِيُّ ﷺ يَعُودُنِي هُوَ وَأَبُو بَكْرٍ، وَهُمَا مَاشِيَانِ، فَوَجَدُونِي قَدْ أُغْمِيَ عَلَيَّ، فَتَوَضَّأَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ثُمَّ صَبَّ عَلَيَّ مِنْ ⦗٧١٦⦘ وَضُوئِهِ، فَأَفَقْتُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ أَقْضِي فِي مَالِي، أَوْ كَيْفَ أَصْنَعُ فِي مَالِي؟ وَكَانَ لَهُ تِسْعُ أَخَوَاتٍ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَالِدٌ وَلَا وَلَدٌ. قَالَ: فَلَمْ يُجِبْنِي شَيْئًا حَتَّى نَزَلَتْ آيَةُ الْمِيرَاثِ: ﴿يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ﴾ [النساء: ١٧٦] إِلَى آخِرِ السُّورَةِ. قَالَ ابْنُ الْمُنْكَدِرِ: قَالَ جَابِرٌ: إِنَّمَا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِيَّ ” وَكَانَ بَعْضُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ هِيَ آخِرُ آيَةٍ أُنْزِلَتْ مِنَ الْقُرْآنِ
٧ ‏/ ٧١٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ بْنُ وَاقِدٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: إِنَّ آخِرَ آيَةٍ نَزَلَتْ مِنَ الْقُرْآنِ: ﴿يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ﴾ [النساء: ١٧٦]
٧ ‏/ ٧١٦
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنِ ابْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ، قَالَ: آخِرُ آيَةٍ نَزَلَتْ مِنَ الْقُرْآنِ: ﴿يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ﴾ [النساء: ١٧٦]
٧ ‏/ ٧١٦
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَلَفٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ النُّعْمَانِ، قَالَ: ثنا مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ، عَنْ أَبِي السَّفَرِ، عَنِ الْبَرَاءِ، قَالَ: آخِرُ آيَةٍ نَزَلَتْ مِنَ الْقُرْآنِ: ﴿يَسْتَفْتُونَكَ ⦗٧١٧⦘ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ﴾ [النساء: ١٧٦]
٧ ‏/ ٧١٦
حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيُّ، قَالَ: ثنا مُصْعَبُ بْنُ الْمِقْدَامِ، قَالَ: ثنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ، قَالَ: “آخِرُ سُورَةٍ نَزَلَتْ كَامِلَةً بَرَاءَةٌ، وَآخِرُ آيَةٍ نَزَلَتْ خَاتِمَةً سُورَةُ النِّسَاءِ: ﴿يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ﴾ [النساء: ١٧٦] وَاخْتُلِفَ فِي الْمَكَانِ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ الْآيَةُ، فَقَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: نَزَلَتْ فِي الْمَدِينَةِ. وَقَدْ ذَكَرْتُ الرِّوَايَةَ بِذَلِكَ عَنْهُ فِيمَا مَضَى بَعْضُهَا فِي أَوَّلِ السُّورَةِ عِنْدَ فَاتِحَةِ آيَةِ الْمَوَارِيثِ، وَبَعْضُهَا فِي مُبْتَدَأِ الْأَخْبَارِ عَنِ السَّبَبِ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ هَذِهِ الْآيَةُ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ أُنْزِلَتْ فِي مَسِيرٍ كَانَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَأَصْحَابُهُ
٧ ‏/ ٧١٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، قَالَ: نَزَلَتْ: ﴿يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ﴾ [النساء: ١٧٦] وَالنَّبِيُّ فِي مَسِيرٍ لَهُ، وَإِلَى جَنْبِهِ حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ، فَبَلَّغَهَا النَّبِيُّ ﷺ حُذَيْفَةَ، وَبَلَّغَهَا حُذَيْفَةُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَهُوَ يَسِيرُ خَلْفَهُ. فَلَمَّا اسْتُخْلِفَ عُمَرُ سَأَلَ عَنْهَا حُذَيْفَةَ، وَرَجَا أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ تَفْسِيرُهَا، فَقَالَ لَهُ حُذَيْفَةُ: وَاللَّهِ إِنَّكَ لَعَاجِزٌ إِنْ ظَنَنْتَ أَنَّ إَمَارَتَكَ تَحْمِلَنِي أَنْ أُحَدِّثَكَ فِيهَا بِمَا لَمْ أُحَدِّثْكَ يَوْمَئِذٍ. فَقَالَ عُمَرَ: لَمْ أُرِدْ هَذَا رَحِمَكَ اللَّهُ ” ⦗٧١٨⦘ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ بِنَحْوِهِ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ فِي حَدِيثِهِ: فَقَالَ لَهُ حُذَيْفَةُ: وَاللَّهِ إِنَّكَ لَأَحْمَقُ إِنْ ظَنَنْتَ
٧ ‏/ ٧١٧
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ: ثنا ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، قَالَ: كَانُوا فِي مَسِيرٍ وَرَأْسُ رَاحِلَةِ حُذَيْفَةَ عِنْدَ رِدْفِ رَاحِلَةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَرَأْسُ رَاحِلَةِ عُمَرَ عِنْدَ رِدْفِ رَاحِلَةِ حُذَيْفَةَ قَالَ: وَنَزَلَتْ: ﴿يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ﴾ [النساء: ١٧٦] فَلَقَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حُذَيْفَةَ، فَلَقَّاهَا حُذَيْفَةُ عُمَرَ. فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ سَأَلَ عُمَرُ عَنْهَا حُذَيْفَةَ. فَقَالَ: وَاللَّهِ إِنَّكَ لَأَحْمَقُ إِنْ كُنْتَ ظَنَنْتَ أَنَّهُ لَقَّانِيهَا رَسُولُ اللَّهِ فَلَقَّيْتُكَهَا كَمَا لَقَّانِيهَا، وَاللَّهِ لَا أَزِيدُكَ عَلَيْهَا شَيْئًا أَبَدًا. قَالَ: وَكَانَ عُمَرُ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ بَيَّنْتَهَا لَهُ، فَإِنَّهَا لَمْ تُبَيَّنْ لِي ” وَاخْتُلِفَ عَنْ عُمَرَ فِي الْكَلَالَةِ، فَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ فِيهَا عِنْدَ وَفَاتِهِ: هُوَ مَنْ لَا وَلَدَ ⦗٧١٩⦘ لَهُ وَلَا وَالِدَ، وَقَدْ ذَكَرْنَا الرِّوَايَةَ عَنْهُ بِذَلِكَ فِيمَا مَضَى فِي أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ فِي آيَةِ الْمِيرَاثِ. وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ قَبْلَ وَفَاتِهِ: هُوَ مَا خَلَا الْأَبَ
٧ ‏/ ٧١٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ، قَالَ: ثنا شَبَابَةُ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ مَعْدَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ الْيَعْمُرِيِّ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: مَا أَغْلَظَ لِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، أَوْ مَا نَازَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فِي شَيْءٍ مَا نَازَعَتْهُ فِي آيَةِ الْكَلَالَةِ، حَتَّى ضَرَبَ صَدْرِي، وَقَالَ: «يَكْفِيكَ مِنْهَا آيَةُ الصَّيْفِ الَّتِي أُنْزِلَتْ فِي آخِرِ سُورَةِ النِّسَاءِ ﴿يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ﴾ [النساء: ١٧٦]» وَسَأَقْضِي فِيهَا بِقَضَاءٍ يَعْلَمُهُ مَنْ يَقْرَأُ وَمَنْ لَا يَقْرَأُ: هُوَ مَا خَلَا الْأَبَ. كَذَا أَحْسِبُ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ، قَالَ شَبَابَةُ: الشَّكُّ مِنْ شُعْبَةَ ” وَرُوِي عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: إِنِّي لَأَسْتَحْيِي أَنْ أُخَالِفَ فِيهِ أَبَا بَكْرٍ. وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يَقُولُ: هُوَ مَا خَلَا الْوَلَدَ وَالْوَالِدَ، وَقَدْ ذَكَرْنَا الرِّوَايَةَ بِذَلِكَ عَنْهُ فِيمَا مَضَى فِي أَوَّلِ السُّورَةِ. وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ عِنْدَ وَفَاتِهِ: قَدْ كُنْتُ كَتَبْتُ فِي الْكَلَالَةِ كِتَابًا وَكُنْتُ ⦗٧٢٠⦘ أَسْتَخِيرُ اللَّهَ فِيهِ، وَقَدْ رَأَيْتُ أَنْ أَتْرُكَكُمْ عَلَى مَا كُنْتُمْ عَلَيْهِ. وَأَنَّهُ كَانَ يَتَمَنَّى فِي حَيَاتِهِ أَنْ يَكُونَ لَهُ بِهَا عِلْمٌ
٧ ‏/ ٧١٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ الْمَعْمَرِيُّ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، كَتَبَ فِي الْجَدِّ وَالْكَلَالَةِ كِتَابًا، فَمَكَثَ يَسْتَخِيرُ اللَّهَ فِيهِ، يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنْ عَلِمْتَ فِيهِ خَيْرًا فَأَمْضِهِ. حَتَّى إِذَا طُعِنَ دَعَا بِالْكِتَابِ فَمُحِيَ، فَلَمْ يَدْرِ أَحَدٌ مَا كَتَبَ فِيهِ، فَقَالَ: إِنِّي كُنْتُ كَتَبْتُ فِي الْجَدِّ وَالْكَلَالَةِ كِتَابًا وَكُنْتُ أَسْتَخِيرُ اللَّهَ فِيهِ، فَرَأَيْتُ أَنْ أَتْرُكَكُمْ عَلَى مَا كُنْتُمْ عَلَيْهِ ” حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ عُمَرَ، بِنَحْوِهِ
٧ ‏/ ٧٢٠
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ، عَنْ مُرَّةَ الْهَمْدَانِيِّ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ: «ثَلَاثٌ لَأَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ ﷺ بَيَّنَهُنَّ لَنَا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا: الْكَلَالَةُ، وَالْخِلَافَةُ، وَأَبْوَابُ الرِّبَا»
٧ ‏/ ٧٢٠
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا عَثَّامٌ، قَالَ: ثنا الْأَعْمَشُ، قَالَ: سَمِعْتُهُمْ ⦗٧٢١⦘ يَذْكُرُونَ، وَلَا أُرَى إِبْرَاهِيمَ إِلَّا فِيهِمْ، عَنْ عُمَرَ، قَالَ: «لَأَنْ أَكُونَ أَعْلَمُ الْكَلَالَةَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِي مِثْلُ جِزْيَةِ قُصُورِ الرُّومِ»
٧ ‏/ ٧٢٠
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا عَثَّامٌ، قَالَ: ثنا الْأَعْمَشُ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخَذَ عُمَرُ كَتِفًا، وَجَمَعَ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ ﷺ، ثُمَّ قَالَ: «لَأَقْضِيَنَّ فِي الْكَلَالَةِ قَضَاءً تُحَدِّثُ بِهِ النِّسَاءُ فِي خُدُورِهِنَّ. فَخَرَجَتْ حِينَئِذٍ حَيَّةٌ مِنَ الْبَيْتِ، فَتَفَرَّقُوا، فَقَالَ: لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُتِمَّ هَذَا الْأَمْرَ لَأَتَمَّهُ»
٧ ‏/ ٧٢١
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ: ثنا أَبُو حَيَّانَ، قَالَ: ثني الشَّعْبِيُّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، يَخْطُبُ عَلَى مِنْبَرِ الْمَدِينَةِ، فَقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ: ثَلَاثٌ وَدِدْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لَمْ يُفَارِقْنَا حَتَّى يَعْهَدَ إِلَيْنَا فِيهِنَّ عَهْدًا يُنْتَهَى إِلَيْهِ: الْجَدُّ، وَالْكَلَالَةُ، وَأَبْوَابُ الرِّبَا»
٧ ‏/ ٧٢١
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ مَعْدَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، قَالَ: مَا سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنْ شَيْءٍ أَكْثَرَ مِمَّا سَأَلْتُ عَنِ الْكَلَالَةِ، حَتَّى طَعَنَ بِأُصْبُعِهِ فِي صَدْرِي، وَقَالَ: «تَكْفِيكَ آيَةُ الصَّيْفِ الَّتِي فِي آخِرِ سُورَةِ النِّسَاءِ»
٧ ‏/ ٧٢١
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَكْرٍ السَّهْمِيُّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ مَعْدَانَ، عَنْ عُمَرَ، قَالَ: “لَمْ أَدَعْ شَيْئًا أَهَمَّ عِنْدِي مِنْ أَمْرِ الْكَلَالَةِ، فَمَا أَغْلَظَ لِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي شَيْءٍ مَا أَغْلَظَ لِي فِيهَا، حَتَّى طَعَنَ بِأُصْبُعِهِ فِي صَدْرِي، أَوْ قَالَ فِي جَنْبِي، فَقَالَ: «تَكْفِيكَ الْآيَةُ الَّتِي أُنْزِلَتْ فِي آخِرِ النِّسَاءِ»
٧ ‏/ ٧٢٢
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ عَدِيٍّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ مَعْدَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ خَطَبَ النَّاسَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَقَالَ: «إِنِّي وَاللَّهِ مَا أَدَعُ بَعْدِي شَيْئًا هُوَ أَهَمُّ إِلَيَّ مِنْ أَمْرِ الْكَلَالَةِ، وَقَدْ سَأَلْتُ عَنْهَا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَمَا أَغْلَظَ لِي فِي شَيْءٍ مَا أَغْلَظَ لِي فِيهَا، حَتَّى طَعَنَ فِي نَحْرِي وَقَالَ: «تَكْفِيكَ آيَةُ الصَّيْفِ الَّتِي أُنْزِلَتْ فِي آخِرِ سُورَةِ النِّسَاءِ» وَإِنْ أَعِشْ أَقْضِ فِيهَا بِقَضِيَّةٍ لَا يَخْتَلِفُ فِيهَا أَحَدٌ قَرَأَ الْقُرْآنَ» حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: ثنا هِشَامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ مَعْدَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، بِنَحْوِهِ
٧ ‏/ ٧٢٢
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: أَخْبَرَنَا أَبُو حَمْزَةَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَسْرُوقٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَأَلْتُ عُمَرَ وَهُوَ يَخْطُبُ النَّاسَ عَنْ ذِي قَرَابَةٍ لِي وَرِثَ كَلَالَةً، فَقَالَ: الْكَلَالَةُ، الْكَلَالَةُ، الْكَلَالَةُ. وَأَخَذَ بِلِحْيَتِهِ، ثُمَّ قَالَ: «وَاللَّهِ لَأَنْ أَعْلَمْهَا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِي مَا عَلَى الْأَرْضِ مِنْ شَيْءٍ، سَأَلْتُ عَنْهَا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ: «أَلَمْ تَسْمَعِ ⦗٧٢٣⦘ الْآيَةَ الَّتِي أُنْزِلَتْ فِي الصَّيْفِ؟» فَأَعَادَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ»
٧ ‏/ ٧٢٢
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ زَكَرِيَّا، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَسَأَلَهُ عَنِ الْكَلَالَةِ، فَقَالَ: “أَلَمْ تَسْمَعِ الْآيَةَ الَّتِي أُنْزِلَتْ فِي الصَّيْفِ ﴿وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً﴾ [النساء: ١٢] «إِلَى آخِرِ الْآيَةِ»
٧ ‏/ ٧٢٣
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ خَلَفٍ، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ بْنُ عِيسَى، قَالَ: ثنا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي الْخَيْرِ: أَنَّ رَجُلًا، سَأَلَ عُقْبَةَ عَنِ الْكَلَالَةِ، فَقَالَ: «أَلَا تَعْجَبُونَ مِنْ هَذَا؟ يَسْأَلُنِي عَنِ الْكَلَالَةِ، وَمَا عَضَلَ بِأَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ شَيْءٌ مَا أَعْضَلَتْ بِهِمُ الْكَلَالَةُ» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَمَا وَجْهُ قَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ﴾ [النساء: ١٧٦] وَلَقَدْ عَلِمْتَ اتِّفَاقَ جَمِيعِ أَهْلِ الْقِبْلَةِ مَا خَلَا ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ، عَلَى أَنَّ الْمَيِّتَ لَوْ تَرَكَ ابْنَةً وَأُخْتًا، أَنَّ لِابْنَتِهِ النِّصْفَ، وَمَا بَقِيَ فَلِأُخْتِهِ إِذَا كَانَتْ أُخْتَهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ أَوْ لِأَبِيهِ؟ وَأَيْنَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ﴾ [النساء: ١٧٦] وَقَدْ وَرَّثُوهَا النِّصْفَ مَعَ الْوَلَدِ؟ قِيلَ: إِنَّ الْأَمْرَ فِي ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا ذَهَبْتَ إِلَيْهِ، إِنَّمَا جَعَلَ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ﴾ [النساء: ١٧٦] إِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ ⦗٧٢٤⦘ وَلَدٌ ذَكَرٌ وَلَا أُنْثَى وَكَانَ مَوْرُوثًا كَلَالَةً، النِّصْفُ مِنْ تَرِكَتِهِ فَرِيضَةً لَهَا مُسَمَّاةً؛ فَأَمَّا إِذَا كَانَ لِلْمَيِّتِ وَلَدٌ أُنْثَى فَهِيَ مَعَ عَصَبَةٍ يَصِيرُ لَهَا مَا كَانَ يَصِيرُ لِلْعَصَبَةِ غَيْرِهَا لَوْ لَمْ تَكُنْ، وَذَلِكَ غَيْرُ مَحْدُودٍ بِحَدٍّ، وَلَا مَفْرُوضٍ لَهَا فَرْضَ سِهَامِ أَهْلِ الْمِيرَاثِ بِمِيرَاثِهِمْ عَنْ مَيِّتِهِمْ. وَلَمْ يَقُلِ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ: فَإِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَلَا شَيْءَ لِأُخْتِهِ مَعَهُ، فَيَكُونُ لِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسِ وَابْنِ الزُّبَيْرِ فِي ذَلِكَ وَجْهٌ يُوَجَّهَ إِلَيْهِ، وَإِنَّمَا بَيَّنَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ مَبْلَغَ حَقِّهَا إِذَا وُرِثَ الْمَيِّتُ كَلَالَةً وَتَرَكَ بَيَانَ مَا لَهَا مِنْ حَقٍّ إِذَا لَمْ يُورَثْ كَلَالَةً فِي كِتَابِهِ وَبَيَّنَهُ بِوَحْيِهِ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ ﷺ، فَجَعَلَهَا عَصَبَةً مَعَ إِنَاثِ وَلَدِ الْمَيِّتِ، وَذَلِكَ مَعْنَى غَيْرُ مَعْنَى وِرَاثَتِهَا الْمَيِّتَ إِذَا كَانَ مَوْرُوثًا كَلَالَةً
٧ ‏/ ٧٢٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَهُوَ يَرِثُهَا إِنَّ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ﴾ [النساء: ١٧٦] يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِذَلِكَ: وَأَخُو الْمَرْأَةِ يَرِثُهَا إِنْ مَاتَتْ قَبْلَهُ إِذَا وُرِثَتْ كَلَالَةً وَلَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ وَلَا وَالِدٌ
٧ ‏/ ٧٢٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: ﴿فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ﴾ [النساء: ١٧٦] يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ﴾ [النساء: ١٧٦] فَإِنْ ⦗٧٢٥⦘ كَانَتِ الْمَتْرُوكَةُ مِنَ الْأَخَوَاتِ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ أَوْ لِأَبِيهِ اثْنَتَيْنِ، فَلَهُمَا ثُلُثَا مَا تَرَكَ أَخُوهُمَا الْمَيِّتُ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوُرِثَ كَلَالَةً ﴿وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً﴾ [النساء: ١٧٦] يَعْنِي: وَإِنْ كَانَ الْمَتْرُوكُونَ مِنْ إِخْوَتِهِ رِجَالًا وَنِسَاءً. ﴿فَلِلذَّكَرِ﴾ [النساء: ١٧٦] مِنْهُمْ بِمِيرَاثِهِمْ عَنْهُ مِنْ تَرِكَتِهِ ﴿مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ﴾ [النساء: ١١] يَعْنِي: مِثْلَ نَصِيبِ اثْنَتَيْنِ مِنْ أَخَوَاتِهِ، وَذَلِكَ إِذَا وُرِثَ كَلَالَةً، وَالْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ إِخْوَتُهُ وَأَخَوَاتُهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ، أَوْ لِأَبِيهِ
٧ ‏/ ٧٢٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا﴾ [النساء: ١٧٦] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ قِسْمَةَ مَوَارِيثِكُمْ، وَحُكْمَ الْكَلَالَةِ، وَكَيْفَ فَرَائِضُهُمْ ﴿أَنْ تَضِلُّوا﴾ [النساء: ٤٤] بِمَعْنَى: لِئَلَّا تَضِلُّوا فِي أَمْرِ الْمَوَارِيثِ وَقِسْمَتِهَا: أَيْ لِئَلَّا تَجُورُوا عَنِ الْحَقِّ فِي ذَلِكَ، وَتُخْطِئُوا الْحُكْمَ فِيهِ، فَتَضِلُّوا عَنْ قَصْدِ السَّبِيلِ. كَمَا:
٧ ‏/ ٧٢٥
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَوْلُهُ: ﴿يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا﴾ [النساء: ١٧٦] قَالَ: «فِي شَأْنِ الْمَوَارِيثِ»
٧ ‏/ ٧٢٥
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ الْمَعْمَرِيُّ، وَحَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَا جَمِيعًا: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، قَالَ: كَانَ عُمَرُ إِذَا قَرَأَ: ﴿يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا﴾ [النساء: ١٧٦] قَالَ: «اللَّهُمَّ مَنْ بَيَّنْتَ لَهُ الْكَلَالَةَ فَلَمْ تُبَيَّنْ لِي» ⦗٧٢٦⦘ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَمَوْضِعُ أَنْ فِي قَوْلِهِ: ﴿يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا﴾ [النساء: ١٧٦] نَصْبٌ فِي قَوْلِ بَعْضِ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ لِاتِّصَالِهَا بِالْفِعْلِ، وَفِي قَوْلِ بَعْضِهِمْ خَفْضٌ، بِمَعْنَى: يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ بِأَنْ لَا تَضِلُّوا، وَلِئَلَّا تَضِلُّوا؛ وَأُسْقِطَتْ لَا مِنَ اللَّفْظِ وَهِيَ مَطْلُوبَةٌ فِي الْمَعْنَى، لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهَا، وَالْعَرَبُ تَفْعَلُ ذَلِكَ، تَقُولُ: جِئْتُكَ أَنْ تَلُومَنِي، بِمَعْنَى: جِئْتُكَ أَنْ لَا تَلُومَنِي، كَمَا قَالَ الْقُطَامِيُّ فِي صِفَةِ نَاقَةٍ:
[البحر الوافر]رَأَيْنَا مَا يَرَى الْبُصَرَاءُ فِيهَا … فَآلَيْنَا عَلَيْهَا أَنْ تُبَاعَا
بِمَعْنَى: أَلَا تُبَاعَ

٧ ‏/ ٧٢٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: ٢٨٢] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ﴾ [البقرة: ٢٨٢] مِنْ مَصَالِحِ عِبَادِهِ فِي قِسْمَةِ مَوَارِيثِهِمْ وَغَيْرِهَا وَجَمِيعِ الْأَشْيَاءِ ﴿عَلِيمٌ﴾ [البقرة: ٢٩] يَقُولُ: “هُوَ بِذَلِكَ كُلِّهِ ذُو عِلْمٍ
٧ ‏/ ٧٢٦

عن معز نوني

متحصّل على شهادة ختم الدروس للمعهد الأعلى لتكوين المعلمين بقفصة دفعة 2000، يعمل حاليًّا أستاذ مدارس إبتدائية

شاهد أيضاً

سُورَةُ الْفَاتِحَةِ

مَكِّيَّةٌ وَآيَاتُهَا سَبْعٌ ١ ‏/ ١١١ ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ [الفاتحة: ١] الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ …