سُورَةُ النِّسَاءِ 12

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾ [النساء: ١٣٨] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ﴾ [النساء: ١٣٨] أَخْبَرَ الْمُنَافِقِينَ، وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى التَّبْشِيرِ فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ ﴿بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾ [النساء: ١٣٨] يَعْنِي: بِأَنَّ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ اللَّهِ عَلَى نِفَاقِهِمْ، عَذَابًا أَلِيمًا، وَهُوَ الْمُوجِعُ، وَذَلِكَ عَذَابُ جَهَنَّمَ
٧ ‏/ ٦٠١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونَ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا﴾ [النساء: ١٣٩] أَمَّا قَوْلُهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [النساء: ١٣٩] فَمِنْ صِفَةِ الْمُنَافِقِينَ. يَقُولُ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ: يَا مُحَمَّدُ، بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ أَهْلَ الْكُفْرِ بِي وَالْإِلْحَادِ فِي دِينِي أَوْلِيَاءَ: يَعْنِي أَنْصَارًا وَأَخِلَّاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ، يَعْنِي: مِنْ غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ ﴿أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ﴾ [النساء: ١٣٩] يَقُولُ: «أَيَطْلُبُونَ عِنْدَهُمُ الْمَنْعَةَ وَالْقُوَّةَ بِاتِّخَاذِهِمْ إِيَّاهُمْ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ أَهْلِ الْإِيمَانِ بِي ﴿فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا﴾ [النساء: ١٣٩] يَقُولُ:»فَإِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوهُمْ مِنَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ ابْتِغَاءَ الْعِزَّةِ عِنْدَهُمْ، هُمُ الْأَذِلَّاءُ الْأَقِلَّاءُ، فَهَلَا اتَّخَذُوا الْأَوْلِيَاءَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، فَيَلْتَمِسُوا الْعِزَّةَ وَالْمَنَعَةُ وَالنُّصْرَةَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، الَّذِي لَهُ الْعِزَّةُ وَالْمَنْعَةُ، الَّذِي يُعِزُّ مَنْ يَشَاءٍ، وَيُذِلَّ مَنْ يَشَاءُ فَيُعِزَّهُمْ وَيَمْنَعَهُمْ؟ وَأَصْلُ الْعِزَّةِ: الشِّدَّةُ؛ وَمِنْهُ قِيلَ لِلْأَرْضِ الصَّلْبَةِ الشَّدِيدَةِ: عِزَازٌ، وَقِيلَ: قَدِ
٧ ‏/ ٦٠١
اسْتُعِزَّ عَلَى الْمَرِيضِ: إِذَا اشْتَدَّ مَرَضُهُ وَكَادَ يَشْفَى، وَيُقَالَ: تَعَزَّزَ اللَّحْمُ: إِذَا اشْتَدَّ؛ وَمِنْهُ قِيلَ: عَزَّ عَلَيَّ أَنْ يَكُونَ كَذَا وَكَذَا، بِمَعْنَى: اشْتَدَّ عَلَيَّ
٧ ‏/ ٦٠٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَقَدْ نُزِّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكَفِّرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مَثَلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا﴾ [النساء: ١٤٠] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونَ الْمُؤْمِنِينَ. ﴿وَقَدْ نُزِّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ﴾ [النساء: ١٤٠] يَقُولُ: “أُخْبِرَ مَنِ اتَّخَذَ مِنْ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ الْكُفَّارِ أَنْصَارًا وَأَوْلِيَاءَ بَعْدَمَا نَزَلَ عَلَيْهِمْ مِنَ الْقُرْآنِ ﴿أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ﴾ [النساء: ١٤٠] يَعْنِي: بَعْدَمَا عَلِمُوا نَهْيَ اللَّهِ عَنْ مُجَالَسَةِ الْكُفَّارِ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِحُجَجِ اللَّهِ وَآيِ كِتَابِهِ، وَيَسْتَهْزِئُونَ بِهَا ﴿حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ﴾ [النساء: ١٤٠] يَعْنِي بِقَوْلِهِ: ﴿يَخُوضُوا﴾ [النساء: ١٤٠] يَتَحَدَّثُوا حَدِيثًا غَيْرَهُ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا. وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ﴾ [النساء: ١٤٠] يَعْنِي: وَقَدْ نُزِّلَ عَلَيْكُمْ أَنَّكُمْ إِنْ جَالَسْتُمْ مَنْ يَكْفُرُ بِآيَاتِ اللَّهِ، وَيَسْتَهْزِئُ بِهَا وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ فَأَنْتُمْ مِثْلُهُ، يَعْنِي: فَأَنْتُمْ إِنْ لَمْ تَقُومُوا عَنْهُمْ فِي تِلْكَ الْحَالِ مَثَلُهُمْ فِي فِعْلِهِمْ، لِأَنَّكُمْ قَدْ عَصَيْتُمُ اللَّهَ بِجُلُوسِكُمْ مَعَهُمْ، وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا، كَمَا عَصَوْهُ بِاسْتِهْزَائِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ، فَقَدْ أَتَيْتُمْ مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ نَحْوَ الَّذِي أَتَوْهُ مِنْهَا، فَأَنْتُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ فِي رُكُوبِكُمْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ، وَإِتْيَانِكُمْ مَا نَهَاكُمُ اللَّهُ عَنْهُ.
٧ ‏/ ٦٠٢
وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ الدَّلَالَةُ الْوَاضِحَةُ عَلَى النَّهْيِ عَنْ مُجَالَسَةِ أَهْلِ الْبَاطِلِ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ مِنَ الْمُبْتَدِعَةِ وَالْفَسَقَةِ عِنْدَ خَوْضِهِمْ فِي بَاطِلِهِمْ. وبِنَحْوِ ذَلِكَ كَانَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأُمَّةِ الْمَاضِيَةِ يَقُولُونَ تَأَوُّلًا مِنْهُمْ هَذِهِ الْآيَةِ، إِنَّهُ مُرَادٌ بِهَا النَّهْي عَنْ مُشَاهَدَةِ كُلِّ بَاطِلٍ عِنْدَ خَوْضِ أَهْلِهِ فِيهِ
٧ ‏/ ٦٠٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنِ الْعَوَّامِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، قَالَ: “إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ فِي الْمَجْلِسِ مِنَ الْكَذِبِ لِيُضْحِكَ بِهَا جُلَسَاءَهُ، فَيَسْخَطُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ. قَالَ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، فَقَالَ: صَدَقَ أَبُو وَائِلٍ. أوَلَيْسَ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ: ﴿أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ﴾ [النساء: ١٤٠]
٧ ‏/ ٦٠٣
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ الْمِنْهَالِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، قَالَ: أَخَذَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَوْمًا عَلَى شَرَابٍ، فَضَرَبَهُمْ وَفِيهِمْ صَائِمٌ، فَقَالُوا: إِنَّ هَذَا صَائِمٌ فَتَلَا: ﴿فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ ⦗٦٠٤⦘ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ﴾ [النساء: ١٤٠]
٧ ‏/ ٦٠٣
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ، يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا﴾ [النساء: ١٤٠] وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ﴾ [الأنعام: ١٥٣] وَقَوْلُهُ: ﴿أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ﴾ [الشورى: ١٣] وَنَحْوُ هَذَا مِنَ الْقُرْآنِ، قَالَ: أَمَرَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ بِالْجَمَاعَةِ، وَنَهَاهُمْ عَنِ الاخْتِلَافِ وَالْفُرْقَةِ، وَأَخْبَرَهُمْ: إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِالْمِرَاءِ وَالْخُصُومَاتِ فِي دِينِ اللَّهِ «وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ﴾ [النساء: ١٤٠] يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْفَرِيقَيْنِ مِنْ أَهُلِ الْكُفْرِ وَالنِّفَاقِ فِي الْقِيَامَةِ فِي النَّارِ، فَمُوَفَّقٌ بَيْنَهُمْ فِي عِقَابِهِ فِي جَهَنَّمَ وَأَلِيمٌ عَذَابُهُ، كَمَا اتَّفَقُوا فِي الدُّنْيَا فَاجْتمَعُوا عَلَى عَدَاوَةِ الْمُؤْمِنِينَ وَتَوَازَرُوا عَلَى التَّخْذِيلِ عَنْ دِينِ اللَّهِ وَعَنِ الَّذِي ارْتَضَاهُ وَأَمَرَ بِهِ أَهْلَهُ. وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: «وَقَدْ نُزِّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ» فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ الْقُرَّاءَ بِضَمِّ النُّونِ وَتَثْقِيلِ الزَّايِ وَتَشْدِيدِهَا عَلَى وَجْهِ مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ. وَقَرَأَ بَعْضُ الْكُوفِيِّينَ بِفَتْحِ النُّونِ وَتَشْدِيدِ الزَّايِ عَلَى مَعْنَى: وَقَدْ نَزَّلَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ. وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ الْمَكِّيِّينَ: «وَقَدْ نَزَلَ عَلَيْكُمْ» بِفَتْحِ النُّونِ وَتَخْفِيفِ الزَّايِ، بِمَعْنَى: وَقَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ. ⦗٦٠٥⦘ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَلَيْسَ فِي هَذِهِ الْقِرَاءَاتِ الثَّلَاثَةِ وَجْهٌ يَبْعُدُ مَعْنَاهُ مِمَّا يَحْتِمُلُهُ الْكَلَامُ، غَيْرَ أَنَّ الَّذِيَ أَخْتَارُ الْقِرَاءَةَ بِهِ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ: (وَقَدْ نُزِّلَ) بِضَمِّ النُّونِ وَتَشْدِيدِ الزَّايِ، عَلَى وَجْهِ مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ فِيهِ: التَّقْدِيمُ عَلَى مَا وَصَلْتَ قَبْلُ، عَلَى مَعْنَى ﴿الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [النساء: ١٣٩] ﴿وَقَدْ نُزِّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا﴾ [النساء: ١٤٠] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿حَدِيثٍ غَيْرِهِ﴾ [النساء: ١٤٠] ﴿أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ﴾ [النساء: ١٣٩] فَقَوْلُهُ: ﴿فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا﴾ [النساء: ١٣٩] يَعْنِي التَّأْخِيرَ، فَلِذَلِكَ كَانَ ضَمُّ النُّونِ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿نُزِّلَ﴾ [النساء: ١٤٠] أَصَوْبَ عِنْدَنَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ. وكَذَا اخْتَلَفُوا فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ»﴾ [النساء: ١٣٦] فَقَرَأَهُ بفَتْحٍ ﴿أَنْزَلَ﴾ [البقرة: ٤] أَكْثَرُ الْقُرَّاءَ، بِمَعْنَى: وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ، وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ. وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ قُرَّاءِ الْبَصْرَةِ بِضَمِّهِ فِي الْحَرْفَيْنِ كِلَاهُمَا، بِمَعْنَى: مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ. وهُمَا مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى، غَيْرَ أَنَّ الْفَتْحَ فِي ذَلِكَ أَعْجَبُ إِلَيَّ مِنَ الضَّمِّ، لِأَنَّ ذِكْرَ اللَّهِ قَدْ جَرَى قَبْلَ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: ﴿آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ [النساء: ١٣٦]
٧ ‏/ ٦٠٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ
٧ ‏/ ٦٠٥
سَبِيلًا﴾ [النساء: ١٤١] يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ﴾ [النساء: ١٤١] الَّذِينَ يَنْتَظِرُونَ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِكُمْ ﴿فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ﴾ [النساء: ١٤١] يَعْنِي: فَإِنْ فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتْحًا مِنْ عَدُوِّكُمْ، فَأَفَاءَ عَلَيْكُمْ فَيْئًا مِنَ الْمَغَانِمِ. ﴿قَالُوا﴾ [البقرة: ١١] لَكُمْ ﴿أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ﴾ [النساء: ١٤١] نُجَاهِدُ عَدُوَّكُمْ، وَنَغْزُوهُمْ مَعَكُمْ، فَأَعْطُونَا نَصِيبًا مِنَ الْغَنِيمَةِ، فَإِنَّا قَدْ شَهِدْنَا الْقِتَالَ مَعَكُمْ. ﴿وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ﴾ [النساء: ١٤١] يَعْنِي: وَإِنْ كَانَ لِأَعْدَائِكُمْ مِنَ الْكَافِرِينَ حَظٌّ مِنْكُمْ بِإِصَابَتِهِمْ مِنْكُمْ. ﴿قَالُوا أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ﴾ [النساء: ١٤١] يَعْنِي: قَالَ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ لِلْكَافِرِينَ: ﴿أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ﴾ [النساء: ١٤١] يَعْنِي: قَالَ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ لِلْكَافِرِينَ: ﴿أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ﴾ [النساء: ١٤١] أَلَمْ نَغْلِبْ عَلَيْكُمْ حَتَّى قَهَرْتُمُ الْمُؤْمِنِينَ، وَنَمْنَعْكُمْ مِنْهُمْ بِتَخْذِيلِنَا إِيَّاهُمْ، حَتَّى امْتَنَعُوا مِنْكُمْ فَانْصَرَفُوا. ﴿فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ [البقرة: ١١٣] يَعْنِي: فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُنَافِقِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيَفْصِلُ بَيْنَكُمْ بِالْقَضَاءِ الْفَاصِلِ بِإِدْخَالِ أَهْلِ الْإِيمَانِ جَنَّتَهُ وَأَهْلِ النِّفَاقِ مَعَ أَوْلِيَائِهِمْ مِنَ الْكُفَّارِ نَارَهُ. ﴿وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا﴾ [النساء: ١٤١] يَعْنِي: حُجَّةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَذَلِكَ وَعْدٌ مِنَ اللَّهِ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهُ لَنْ يُدْخِلَ الْمُنَافِقِينَ مُدْخَلَهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ مُدْخَلَ الْمُنَافِقِينَ، فَيَكُونُ بِذَلِكَ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حُجَّةٌ، بِأَنْ يَقُولُوا لَهُمْ: أَنِ ادْخِلُوا مُدْخَلَهُمْ، هَا أَنْتُمْ كُنْتُمْ فِي الدُّنْيَا أَعْدَاءَنَا، وَكَانَ الْمُنَافِقُونَ أَوْلِيَاءَنَا، وَقَدِ اجْتَمَعْتُمْ فِي النَّارِ فَيُجْمَعُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ أَوْلِيَائِنَا، فَأَيْنَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ أَنَّكُمْ تُقَاتِلُونَنَا مِنْ أَجْلِهِ فِي الدُّنْيَا؟ فَذَلِكَ هُوَ السَّبِيلُ الَّذِي وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ لَا يَجْعَلَهَا عَلَيْهِمْ لِلْكَافِرِينَ.
٧ ‏/ ٦٠٦
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٧ ‏/ ٦٠٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَوْلُهُ: ﴿فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ﴾ [النساء: ١٤١] قَالَ: «الْمُنَافِقُونَ يَتَرَبَّصُونَ بِالْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ قَالَ: إِنْ أَصَابَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ عَدُوِّهِمْ غَنِيمَةً، قَالَ الْمُنَافِقُونَ: أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ؟ قَدْ كُنَّا مَعَكُمْ فَأَعْطُونَا غَنِيمَةً مِثْلَ مَا تَأْخُذُونَ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ يُصِيبُونَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، قَالَ الْمُنَافِقُونَ لِلْكَافِرِينَ: أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ، وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَدْ كُنَّا نُثَبِّطُهُمْ عَنْكُمْ» وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأَوُّلِ قَوْلِهِ: ﴿أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ﴾ [النساء: ١٤١] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: أَلَمْ نَغْلِبْ عَلَيْكُمْ
٧ ‏/ ٦٠٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، فِي قَوْلِهِ: ﴿أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ﴾ [النساء: ١٤١] قَالَ: «نَغْلِبُ عَلَيْكُمْ» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: أَلَمْ نُبَيِّنْ لَكُمْ أَنَّا مَعَكُمْ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ
٧ ‏/ ٦٠٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: ﴿أَلَمْ
٧ ‏/ ٦٠٧
نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ﴾ [النساء: ١٤١] أَلَمْ نُبَيِّنْ لَكُمْ أَنَّا مَعَكُمْ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ ” قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ مُتَقَارِبًا الْمَعْنَى، وَذَلِكَ أَنَّ مَنْ تَأَوَّلَهُ بِمَعْنَى: أَلَمْ نُبَيِّنْ لَكُمْ إِنَّمَا أَرَادَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ أَلَمْ نَغْلِبْ عَلَيْكُمْ بِمَا كَانَ مِنَّا مِنَ الْبَيَانِ لَكُمْ أَنَّا مَعَكُمْ. وَأَصْلُ الِاسْتِحْوَاذِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ فِيمَا بَلَغَنَا الْغَلَبَةُ، وَمِنْهُ قَوْلُ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ﴾ [المجادلة: ١٩] بِمَعْنَى غَلَبَ عَلَيْهِمْ، يُقَالَ مِنْهُ: حَاذَ عَلَيْهِ، وَاسْتَحَاذَ يَحِيذُ وَيَسْتَحِيذُ، وَأَحَاذَ يَحِيذُ. وَمِنْ لُغَةِ مَنْ قَالَ حَاذَ، قَوْلُ الْعَجَّاجِ فِي صِفَةِ ثَوْرٍ وَكَلْبٍ:
[البحر الرجز] يَحُوذُهُنَّ وَلَهُ حُوذِيُّ
وَقَدْ أَنْشَدَ بَعْضُهُمْ:
يَحُوزُهُنَّ وَلَهُ حُوزِي
وَهُمَا مُتَقَارِبَا الْمَعْنَى. ومِنْ لُغَةِ مَنْ قَالَ أَحَاذَ، قَوْلُ لَبِيدٍ فِي صِفَةِ عِيرٍ وأُتُنٍ:
[البحر الوافر] إِذَا اجْتَمَعَتْ وَأَحْوَذَ جَانِبَيْهَا … وَأَوْرَدَهَا عَلَى عُوجٍ طُوَالِ
يَعْنِي بِقَوْلِهِ: وَأَحْوَذَ جَانِبَيْهَا: غَلَبَهَا وَقَهَرَهَا حَتَّى حَاذَ كِلَا جَانِبَيْهِ فَلَمْ يَشِذَّ مِنْهَا شَيْءٌ.
٧ ‏/ ٦٠٨
وَكَانَ الْقِيَاسُ فِي قَوْلِهِ: ﴿اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ﴾ [المجادلة: ١٩] أَنْ يَأْتِيَ اسْتَحَاذَ عَلَيْهِمْ، لِأَنَّ الْوَاوَ إِذَا كَانَتْ عَيْنَ الْفِعْلِ وَكَانَتْ مُتَحَرِّكَةً بِالْفَتْحِ وَمَا قَبْلَهَا سَاكِنٌ، جَعَلَتِ الْعَرَبُ حَرَكَتَهَا فِي فَاءِ الْفِعْلِ قَبْلَهَا، وَحَوَّلُوهَا أَلِفًا مُتْبَعَةً حَرَكَةَ مَا قَبْلَهَا، كَقَوْلِهِمُ: اسْتَحَالَ هَذَا الشَّيْءُ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ حَالَ يَحُولُ، وَاسْتَنَارَ فُلَانٌ بِنُورِ اللَّهِ مِنَ النُّورِ، وَاسْتَعَاذَ بِاللَّهِ مِنْ عَاذَ يَعُوذُ. وَرُبَّمَا تَرَكُوا ذَلِكَ عَلَى أَصْلِهِ، كَمَا قَالَ لَبِيدٌ: وَأَحْوَذَ، وَلَمْ يَقُلْ: وَأَحَاذَ، وَبِهَذِهِ اللُّغَةِ جَاءَ الْقُرْآنُ فِي قَوْلِهِ: ﴿اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ﴾ [المجادلة: ١٩]
٧ ‏/ ٦٠٩
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا﴾ [النساء: ١٤١] فَلَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي أَنَّ مَعْنَاهُ: وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ يَوْمَئِذٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا.
٧ ‏/ ٦٠٩
ذِكْرُ الْخَبَرِ عَمَّنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ ذَرٍّ، عَنْ يُسَيْعٍ الْحَضْرَمِيِّ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَرَأَيْتَ قَوْلَ اللَّهِ: ﴿وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا﴾ [النساء: ١٤١] وَهُمْ يُقَاتِلُونَنَا فَيَظْهَرُونَ وَيَقْتُلُونَ؟ قَالَ لَهُ عَلِيُّ: ادْنُهْ. ثُمَّ قَالَ: ﴿فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا﴾ [النساء: ١٤١] يَوْمَ الْقِيَامَةِ “
٧ ‏/ ٦٠٩
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ ذَرٍّ، عَنْ يُسَيْعٍ الْكِنْدِيِّ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى ⦗٦١٠⦘ الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا﴾ [النساء: ١٤١] قَالَ: “جَاءَ رَجُلٌ إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ: كَيْفَ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا﴾ [النساء: ١٤١] فَقَالَ عَلِيُّ: ادْنُهْ ﴿فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ﴾ [النساء: ١٤١] يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴿لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا﴾ [النساء: ١٤١] حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ ذَرٍّ، عَنْ ٍ يُسَيْعَ الْحَضْرَمِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ بِنَحْوِهِ
٧ ‏/ ٦٠٩
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا غُنْدَرٌ، عَنْ شُعْبَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ سُلَيْمَانَ يُحَدِّثُ عَنْ ذَرٍّ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا﴾ [النساء: ١٤١] قَالَ: «فِي الْآخِرَةِ»
٧ ‏/ ٦١٠
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ: ﴿وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا﴾ [النساء: ١٤١] يَوْمَ الْقِيَامَةِ “
٧ ‏/ ٦١٠
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا﴾ [النساء: ١٤١] قَالَ: «ذَاكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» ⦗٦١١⦘ وَأَمَّا السَّبِيلُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ فَالْحُجَّةُ. كَمَا:
٧ ‏/ ٦١٠
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا﴾ [النساء: ١٤١] قَالَ: «حُجَّةً»
٧ ‏/ ٦١١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا﴾ قَدْ دَلَّلْنَا فِيمَا مَضَى قَبْلُ عَلَى مَعْنَى خِدَاعِ الْمُنَافِقِ رَبَّهُ وَوَجْهِ خِدَاعِ اللَّهِ إِيَّاهُمْ، بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، مَعَ اخْتِلَافِ الْمُخْتَلِفِينَ فِي ذَلِكَ. فَتَأْوِيلُ ذَلِكَ: أَنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ بِإِحْرَازِهِمْ بِنِفَاقِهِمْ دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ، وَاللَّهُ خَادِعُهُمْ بِمَا حَكَمَ فِيهِمْ مِنْ مَنْعِ دِمَائِهِمْ بِمَا أَظْهَرُوا بِأَلْسِنَتِهِمْ مِنَ الْإِيمَانِ، مَعَ عِلْمِهِ بِبَاطِنِ ضَمَائِرِهِمْ، وَاعْتِقَادِهِمُ الْكُفْرَ، اسْتِدْرَاجًا مِنْهُ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا حَتَّى يَلْقَوْهُ فِي الْآخِرَةِ، فَيُورِدُهُمْ بِمَا اسْتَبْطَنُوا مِنَ الْكُفْرِ نَارَ جَهَنَّمَ. كَمَا:
٧ ‏/ ٦١١
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ﴾ [النساء: ١٤٢] قَالَ: «يُعْطِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ نُورًا يَمْشُونَ بِهِ مَعَ الْمُسْلِمِينَ كَمَا كَانُوا مَعَهُمْ فِي الدُّنْيَا، ثُمَّ يَسْلُبُهُمْ ذَلِكَ النُّورَ فَيُطْفِئُهُ، فَيَقُومُونَ فِي ظُلْمَتِهِمْ وَيُضْرَبُ بَيْنَهُمْ بِالسُّوَرِ»
٧ ‏/ ٦١١
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ﴾ [النساء: ١٤٢] قَالَ: «نَزَلَتْ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ ⦗٦١٢⦘ وَأَبِي عَامِرِ بْنِ النُّعْمَانِ، وَفِي الْمُنَافِقِينَ؛ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ، قَالَ: مِثْلُ قَوْلِهِ فِي الْبَقَرَةِ: ﴿يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ﴾ [البقرة: ٩] . قَالَ: وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَهُوَ خَادِعُهُمْ﴾ [النساء: ١٤٢] فَيَقُولُ: فِي النُّورِ الَّذِي يُعْطَى الْمُنَافِقُونَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ، فَيُعْطَوْنَ النُّورَ، فَإِذَا بَلَغُوا السُّورَ سُلِبَ، وَمَا ذَكَرَ اللَّهُ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ﴾ [الحديد: ١٣] قَالَ:»قَوْلُهُ: ﴿وَهُوَ خَادِعُهُمْ﴾ [النساء: ١٤٢]
٧ ‏/ ٦١١
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنِ الْحَسَنِ، أَنَّهُ كَانَ إِذَا قَرَأَ: ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ﴾ [النساء: ١٤٢] قَالَ: «يُلْقَى عَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ وَمُنَافِقٍ نُورٌ يَمْشُونَ بِهِ، حَتَّى إِذَا انْتَهَوْا إِلَى الصِّرَاطِ طُفِئَ نُورُ الْمُنَافِقِينَ، وَمَضَى الْمُؤْمِنُونَ بِنُورِهِمْ، فَيُنَادُونَهُمْ: ﴿انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ﴾ [الحديد: ١٣] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ﴾ [الحديد: ١٤] قَالَ الْحَسَنُ: فَتِلْكَ خَدِيعَةُ اللَّهِ إِيَّاهُمْ» وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ﴾ فَإِنَّهُ يَعْنِي: أَنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْمَلُونَ شَيْئًا مِنَ الْأَعْمَالِ الَّتِي فَرَضَهَا اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ عَلَى وَجْهِ التَّقَرُّبِ بِهَا إِلَى اللَّهِ، لِأَنَّهُمْ غَيْرُ مُوقِنِينَ بِمَعَادٍ وَلَا ثَوَابٍ وَلَا عِقَابٍ، وَإِنَّمَا يَعْمَلُونَ مَا عَمِلُوا مِنَ الْأَعْمَالِ الظَّاهِرَةِ بَقَاءً عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَحَذَرًا ⦗٦١٣⦘ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهَا أَنْ يُقْتُلُوا أَوْ يَسْلُبُوا أَمْوَالَهُمْ، فَهُمْ إِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ الَّتِي هِيَ مِنَ الْفَرَائِضِ الظَّاهِرَةِ، قَامُوا كُسَالَى إِلَيْهَا، رِيَاءً لِلْمُؤْمِنِينَ، لِيَحْسَبُوهُمْ مِنْهُمْ وَلَيْسُوا مِنْهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ غَيْرُ مُعْتَقِدِي فَرْضَهَا وَوُجُوبَهَا عَلَيْهِمْ، فَهُمْ فِي قِيَامِهِمْ إِلَيْهَا كُسَالَى. كَمَا:
٧ ‏/ ٦١٢
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى﴾ [النساء: ١٤٢] قَالَ: «وَاللَّهِ لَوْلَا النَّاسُ مَا صَلَّى الْمُنَافِقُ وَلَا يُصَلِّي إِلَّا رِيَاءً وَسُمْعَةً»
٧ ‏/ ٦١٣
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ﴾ قَالَ: «هُمُ الْمُنَافِقُونَ، لَوْلَا الرِّيَاءُ مَا صَلُّوا» وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [النساء: ١٤٢] فَلَعَلَّ قَائِلًا أَنْ يَقُولَ: وَهَلْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ شَيْءٌ قَلِيلٌ؟ قِيلَ لَهُ: إِنَّ مَعْنَى ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا إِلَيْهِ ذَهَبْتَ، إِنَّمَا مَعْنَاهُ: وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا ذِكْرًا رِيَاءً، لِيَدْفَعُوا بِهِ عَنْ أَنْفُسِهِمُ الْقَتْلَ وَالسِّبَاءِ وَسَلْبَ الْأَمْوَالِ، لَا ذِكْرَ مُوقِنٍ مُصَدِّقٍ بِتَوْحِيدِ اللَّهِ مُخْلِصٍ لَهُ الرُّبُوبِيَّةَ، فَلِذَلِكَ سَمَّاهُ اللَّهُ قَلِيلًا، لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ بِهِ اللَّهُ وَلَا مُبْتَغًى بِهِ التَّقَرُّبَ إِلَى اللَّهِ، وَلَا مُرَادًا بِهِ ثَوَابَ اللَّهِ، وَمَا عِنْدَهُ فَهُوَ وَإِنْ كَثُرَ مِنْ وَجْهِ نَصْبِ عَامِلِهِ، وَذَاكِرُهُ فِي مَعْنَى السَّرَابِ الَّذِي لَهُ ظَاهِرٌ بِغَيْرِ حَقِيقَةِ مَاءٍ.
٧ ‏/ ٦١٣
وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٧ ‏/ ٦١٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ أَبِي الْأَشْهَبِ، قَالَ: قَرَأَ الْحَسَنُ: ﴿وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [النساء: ١٤٢] قَالَ: «إِنَّمَا قَلَّ لِأَنَّهُ كَانَ لِغَيْرِ اللَّهِ»
٧ ‏/ ٦١٤
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [النساء: ١٤٢] قَالَ: «إِنَّمَا قِلَّ ذِكْرُ الْمُنَافِقِ لِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَقْبَلْهُ، وَكُلُّ مَا رَدَّ اللَّهُ قَلِيلٌ وَكُلُّ مَا قَبِلَ اللَّهُ كَثِيرٌ»
٧ ‏/ ٦١٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا﴾ [النساء: ١٤٣] يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿مُذَبْذَبِينَ﴾ [النساء: ١٤٣] مُرَدَّدِينَ، وَأَصْلُ التَّذَبْذُبِ: التَّحَرُّكُ وَالِاضْطِرَابِ، كَمَا قَالَ النَّابِغَةُ:
[البحر الطويل] أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَعْطَاكَ سُورَةً … تَرَى كُلَّ مَلْكٍ دُونَهَا يَتَذَبْذَبُ
وَإِنَّمَا عَنَى بِذَلِكَ: أَنَّ الْمُنَافِقِينَ مُتَحَيِّرُونَ فِي دِينِهِمْ، لَا يَرْجِعُونَ إِلَى اعْتِقَادِ شَيْءٍ عَلَى صِحَّةٍ فَهُمْ لَا مَعَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى بَصِيرَةٍ، وَلَا مَعَ الْمُشْرِكِينَ عَلَى جَهَالَةٍ، وَلَكِنَّهُمْ حَيَارَى بَيْنَ ذَلِكَ، فَمَثَلُهُمُ الْمَثَلُ الَّذِي ضَرَبَ لَهُمْ رَسُولُ ⦗٦١٥⦘ اللَّهِ ﷺ، الَّذِي:
٧ ‏/ ٦١٤
حَدَّثَنَا بِهِ، مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ، قَالَ: ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، قَالَ: «مَثَلُ الْمُنَافِقِ كَمَثَلِ الشَّاةِ الْعَائِرَةِ بَيْنَ الْغَنَمَيْنِ، تَعِيرُ إِلَى هَذِهِ مَرَّةً وَإِلَى هَذِهِ مَرَّةَ، لَا تَدْرِي أَيَّتَهُمَا تَتْبَعُ» وَحَدَّثَنَا بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى مَرَّةً أُخْرَى عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ، فَوَقَفَهُ عَلَى ابْنِ عُمَرَ وَلَمْ يَرْفَعْهُ. قَالَ: ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ مَرَّتَيْنِ كَذَلِكَ. ثني عِمْرَانُ بْنُ بَكَّارٍ، قَالَ: ثنا أَبُو رَوْحٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ عَيَّاشٍ، قَالَ: ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، مِثْلَهُ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٧ ‏/ ٦١٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ﴾ [النساء: ١٤٣] يَقُولُ: «لَيْسُوا بِمُشْرِكِينَ فَيُظْهِرُوا الشِّرْكَ، وَلَيْسُوا بِمُؤْمِنِينَ»
٧ ‏/ ٦١٥
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ﴾ [النساء: ١٤٣] يَقُولُ: “لَيْسُوا بِمُؤْمِنِينَ مُخْلِصِينَ وَلَا مُشْرِكِينَ مُصَرِّحِينَ بِالشِّرْكِ. قَالَ: وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ عليه الصلاة والسلام كَانَ يَضْرِبُ مَثَلًا لِلْمُؤْمِنِ وَالْمُنَافِقِ وَالْكَافِرِ، كَمَثَلِ رَهْطٍ ثَلَاثَةٍ دَفَعُوا إِلَى نَهْرٍ، فَوَقَعَ الْمُؤْمِنُ فَقَطَعَ، ثُمَّ وَقَعَ الْمُنَافِقُ حَتَّى إِذَا كَادَ يَصِلُ إِلَى الْمُؤْمِنِ، نَادَاهُ الْكَافِرُ: أَنْ هَلُمَّ إِلَيَّ فَإِنِّي أَخْشَى عَلَيْكَ، وَنَادَاهُ الْمُؤْمِنُ: أَنْ هَلُمَّ إِلَيَّ فَإِنَّ عِنْدِي وَعِنْدِي، يُحْصِي لَهُ مَا عِنْدَهُ. فمَا زَالَ الْمُنَافِقُ يَتَرَدَّدُ بَيْنَهُمَا حَتَّى أَتَى عَلَيْهِ الْمَاءُ فَغَرَّقَهُ، وَإِنَّ الْمُنَافِقَ لَمْ يَزَلْ فِي شَكٍّ وَشُبْهَةٍ حَتَّى أَتَى عَلَيْهِ الْمَوْتُ وَهُوَ كَذَلِكَ. قَالَ: وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ كَانَ يَقُولُ: «مَثَلُ الْمُنَافِقِ كَمَثَلِ ثَاغِيَةٍ بَيْنَ غَنَمَيْنِ رَأَتْ غَنَمًا عَلَى نَشَزٍ، فَأَتَتْهَا فَلَمْ تُعْرَفْ، ثُمَّ رَأَتْ غَنَمًا عَلَى نَشَزٍ فَأَتَتْهَا وَشَامَّتْهَا فَلَمْ تُعْرَفْ»
٧ ‏/ ٦١٦
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿مُذَبْذَبِينَ﴾ [النساء: ١٤٣] قَالَ: «الْمُنَافِقُونَ»
٧ ‏/ ٦١٦
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ﴾ [النساء: ١٤٣] يَقُولُ: «لَا إِلَى ⦗٦١٧⦘ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ ﷺ، وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ الْيَهُودِ»
٧ ‏/ ٦١٦
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَوْلُهُ: ﴿مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ﴾ [النساء: ١٤٣] قَالَ: «لَمْ يَخْلُصُوا الْإِيمَانَ فَيَكُونُوا مَعَ الْمُؤْمِنِينَ، وَلَيْسُوا مَعَ أَهْلِ الشِّرْكِ»
٧ ‏/ ٦١٧
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ﴾ [النساء: ١٤٣] بَيْنَ الْإِسْلَامِ وَالْكُفْرِ ﴿لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ﴾ [النساء: ١٤٣] ” وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا﴾ [النساء: ٨٨] فَإِنَّهُ يَعْنِي: مَنْ يَخْذُلْهُ اللَّهُ عَنْ طَرِيقِ الرَّشَادِ وَذَلِكَ هُوَ الْإِسْلَامُ الَّذِي دَعَا اللَّهُ إِلَيْهِ عِبَادَهُ، يَقُولُ: مَنْ يَخْذُلْهُ اللَّهُ عَنْهُ فَلَمْ يُوَفِّقْهُ لَهُ، فَلَنْ تَجِدَ لَهُ يَا مُحَمَّدُ سَبِيلًا: يَعْنِي طَرِيقًا يَسْلُكُهُ إِلَى الْحَقِّ غَيْرُهُ. وأَيُّ سَبِيلٍ يَكُونُ لَهُ إِلَى الْحَقِّ غَيْرَ الْإِسْلَامِ؟ وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: أَنَّهُ مَنْ يَتَّبِعْ غَيْرَهُ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ، وَمَنْ أَضَلَّهُ اللَّهُ عَنْهُ فَقَدْ غَوَى، فَلَا هَادِيَ لَهُ غَيْرُهُ
٧ ‏/ ٦١٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا﴾ [النساء: ١٤٤] وَهَذَا نَهْي مِنَ اللَّهِ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَتَخَلَّقُوا بِأَخْلَاقِ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ، فَيَكُونُوا مِثْلَهُمْ فِي رُكُوبِ مَا نَهَاهُمْ عَنْهُ مِنْ
٧ ‏/ ٦١٧
مُوَالَاةِ أَعْدَائِهِ. يَقُولُ لَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، لَا تُوَالُوا الْكُفَّارَ فَتُؤَازِرُوهُمْ مِنْ دُونِ أَهْلِ مِلَّتِكُمْ وَدِينِكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، فَتَكُونُوا كَمَنْ أَوْجَبَ لَهُ النَّارَ مِنَ الْمُنَافِقِينَ. ثُمَّ قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ مُتَوَعِّدًا مَنِ اتَّخَذَ مِنْهُمُ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ إِنْ هُوَ لَمْ يَرْتَدِعْ عَنْ مُوَالَاتِهِ وَيَنْزَجِرْ عَنْ مُخَالَفَتِهِ أَنْ يَلْحَقَهُ بِأَهْلِ وَلَايَتِهِمْ مِنَ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ أَمَرَ نَبِيَّهُ ﷺ بِتَبْشِيرِهِمْ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا: أَتُرِيدُونَ أَيُّهَا الْمُتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ، مِمَّنْ قَدْ آمَنَ بِي وَبِرَسُولِي أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا، يَقُولُ: حُجَّةً بِاتِّخَاذِكُمُ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ، فَتَسْتَوْجِبُوا مِنْهُ مَا اسْتَوْجَبَهُ أَهْلُ النِّفَاقِ الَّذِينَ وَصَفَ لَكُمْ صِفَتَهُمْ وَأَخْبَرَكُمْ بِمَحِلِّهِمْ عِنْدَهُ ﴿مُبِينًا﴾ [النساء: ٢٠] يَعْنِي: عَنْ صِحَّتِهَا وَحَقِّيَتِهَا، يَقُولُ: لَا تَعَرَّضُوا لِغَضَبِ اللَّهِ بِإِيجَابِكُمُ الْحُجَّةَ عَلَى أَنْفُسِكُمْ فِي تَقَدُّمِكُمْ عَلَى مَا نَهَاكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ مُوَالَاةِ أَعْدَائِهِ وَأَهْلِ الْكُفْرِ بِهِ. وَبِمِثْلِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٧ ‏/ ٦١٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا﴾ [النساء: ١٤٤] قَالَ: «إِنَّ لِلَّهِ السُّلْطَانَ عَلَى خَلْقِهِ، وَلَكِنَّهُ يَقُولُ عُذْرًا مُبِينًا»
٧ ‏/ ٦١٨
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: «مَا كَانَ فِي الْقُرْآنِ مِنْ سُلْطَانٍ فَهُوَ حُجَّةٌ»
٧ ‏/ ٦١٩
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿سُلْطَانًا مُبِينًا﴾ [النساء: ٩١] قَالَ: «حُجَّةٌ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
٧ ‏/ ٦١٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا﴾ [النساء: ١٤٥] يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ﴾ [النساء: ١٤٥] إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الطَّبَقِ الْأَسْفَلِ مِنْ أَطْبَاقِ جَهَنَّمَ. وَكُلُّ طَبَقٍ مِنْ أَطْبَاقِ جَهَنَّمَ دَرْكٌ، وَفِيهِ لُغَتَانِ: دَرَكِ بِفَتْحِ الرَّاءِ، وَدَرْكِ بِتَسْكِينِهَا، فَمَنْ فَتَحَ الرَّاءِ جَمَعَهُ فِي الْقِلَّةِ: أَدْرَاكٌ، وَإِنْ شَاءَ جَمَعَهُ فِي الْكَثْرَةِ الدُّرُوكُ، وَمَنْ سَكَّنَ الرَّاءَ قَالَ: ثَلَاثَةُ أَدْرُكٍ، وَلِلْكَثِيرِ: الدُّرُوكُ. وقَدِ اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءَ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ: (فِي الدَّرَكِ) بِفَتْحِ الرَّاءِ. وَقَرَأتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ بِتَسْكِينِ الرَّاءِ، وَهُمَا قِرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ، لِاتِّفَاقِ مَعْنَى ذَلِكَ وَاسْتِفَاضَةِ الْقِرَاءَةِ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فِي قِرَاءَةِ الْإِسْلَامِ، غَيْرَ أَنِّي رَأَيْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ بِالْعَرَبِيَّةِ يَذْكُرُونَ أَنَّ
٧ ‏/ ٦١٩
فَتْحَ الرَّاءِ مِنْهُ فِي الْعَرَبِ أَشْهُرُ مِنْ تَسْكِينِهَا، وَحَكَمُوا سَمَاعًا مِنْهُمُ: اعْطِنِي دَرَكًا أَصِلْ بِهِ حَبْلِي، وَذَلِكَ إِذَا سَأَلَ مَا يَصِلُ بِهِ حَبْلَهُ الَّذِي قَدْ عَجَزَ عَنْ بُلُوغِ الرَّكِيَّةِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٧ ‏/ ٦٢٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ خَيْثَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ: ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ﴾ [النساء: ١٤٥] الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ قَالَ: «فِي تَوَابِيتَ مِنْ حَدِيدٍ مُبْهَمَةٍ عَلَيْهِمْ»
٧ ‏/ ٦٢٠
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سَلَمَةَ، عَنْ خَيْثَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: «إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي تَوَابِيتَ مِنْ حَدِيدٍ مَقْفَلَةٍ عَلَيْهِمْ فِي النَّارِ»
٧ ‏/ ٦٢٠
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ ذَكْوَانَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ﴾ [النساء: ١٤٥] قَالَ: «فِي تَوَابِيتَ تَرْتَجُّ عَلَيْهِمْ»
٧ ‏/ ٦٢٠
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثنا مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ ⦗٦٢١⦘ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ﴾ [النساء: ١٤٥] يَعْنِي: فِي أَسْفَلِ النَّارِ “
٧ ‏/ ٦٢٠
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ لِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَثِيرٍ، قَوْلُهُ: ﴿فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ﴾ [النساء: ١٤٥] قَالَ: «سَمِعْنَا أَنَّ جَهَنَّمَ أَدْرَاكٌ، مَنَازِلُ»
٧ ‏/ ٦٢١
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ خَيْثَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ: ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ﴾ [النساء: ١٤٥] الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ قَالَ: «تَوَابِيتُ مِنْ نَارٍ تُطْبَقُ عَلَيْهِمْ» وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا﴾ [النساء: ١٤٥] فَإِنَّهُ يَعْنِي: وَلَنْ تَجِدَ لِهَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ يَا مُحَمَّدُ مِنَ اللَّهِ إِذَا جَعَلَهُمْ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ نَاصِرًا يَنْصُرُهُمْ مِنْهُ، فَيُنْقِذُهُمْ مِنْ عَذَابِهِ، وَيَدْفَعُ عَنْهُمْ أَلِيمَ عِقَابِهِ
٧ ‏/ ٦٢١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ [النساء: ١٤٦] وَهَذَا اسْتِثْنَاءٌ مِنَ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ، اسْتَثْنَى التَّائِبِينَ مِنْ نِفَاقِهِمْ إِذَا أَصْلَحُوا وَأَخْلَصُوا الدِّينَ لِلَّهِ وَحْدَهُ وَتَبَرَّءُوا مِنَ الْأَلِهَةِ وَالْأَنْدَادِ، وَصَدَّقُوا رَسُولَهُ، أَنْ يَكُونُوا مَعَ الْمُصِرِّينَ عَلَى نِفَاقِهِمْ، حَتَّى يُوَفِّيَهُمْ مَنَايَاهُمْ فِي الْآخِرَةِ، وَأَنْ يَدْخُلُوا
٧ ‏/ ٦٢١
مَدَاخِلَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ، بَلْ وَعَدَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنْ يُحِلَّهُمْ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ مَحِلَّ الْكَرَامَةِ، وَيُسْكِنَهُمْ مَعَهُمْ مَسَاكِنَهُمْ فِي الْجَنَّةِ، وَوَعَدَهُمْ مِنَ الْجَزَاءِ عَلَى تَوْبَتِهِمُ الْجَزِيلَ مِنَ الْعَطَاءِ، فَقَالَ: ﴿وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ [النساء: ١٤٦] فَتَأْوِيلُ الْآيَةِ: ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا﴾ [البقرة: ١٦٠] أَيْ رَاجَعُوا الْحَقَّ، وَأَبَوْا إِلَّا الْإِقْرَارَ بِوَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ وَتَصْدِيقِ رَسُولِهِ وَمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ، مِنْ نِفَاقِهِمْ، ﴿وَأَصْلَحُوا﴾ [البقرة: ١٦٠] يَعْنِي وَأَصْلَحُوا أَعْمَالَهُمْ، فَعَمِلُوا بِمَا أَمَرَهُمُ اللَّهُ بِهِ وَأَدَّوْا فَرَائِضَهُ، وَانْتَهَوْا عَمَّا نَهَاهُمْ عَنْهُ وَانْزَجَرُوا عَنْ مَعَاصِيهِ ﴿وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ﴾ [النساء: ١٤٦] يَقُولُ: «وَتَمَسَّكُوا بِعَهْدِ اللَّهِ، وَقَدْ دَلَّلْنَا فِيمَا مَضَى قَبْلُ، عَلَى أَنَّ الِاعْتِصَامَ: التَّمَسُّكُ وَالتَّعَلُّقُ، فَالِاعْتِصَامُ بِاللَّهِ: التَّمَسُّكُ بِعَهْدِهِ وَمِيثَاقِهِ الَّذِي عَهِدَ فِي كِتَابِهِ إِلَى خَلْقِهِ مِنْ طَاعَتِهِ وَتَرْكِ مَعْصِيَتِهِ ﴿وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ﴾ [النساء: ١٤٦] يَقُولُ:»وَأَخْلَصُوا طَاعَتَهُمْ وَأَعْمَالَهُمُ الَّتِي يَعْمَلُونَهَا لِلَّهِ، فَأَرَادُوهُ بِهَا، وَلَمْ يَعْمَلُوهَا رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا عَلَى شَكٍّ مِنْهُمْ فِي دِينِهِمْ وَامْتِرَاءً مِنْهُمْ، فِي أَنَّ اللَّهَ مُحْصٍ عَلَيْهِمْ مَا عَمِلُوا، فَيُجَازِي الْمُحْسِنَ بِإِحْسَانِهِ وَالْمُسِيءَ بِإِسَاءَتِهِ؛ وَلَكِنَّهُمْ عَمِلُوهَا عَلَى يَقِينٍ مِنْهُمْ فِي ثَوَابِ الْمُحْسِنِ عَلَى إِحْسَانِهِ وَجَزَاءِ الْمُسِيءِ عَلَى إِسَاءَتِهِ، أَوْ يَتَفَضَّلُ عَلَيْهِ رَبُّهُ فَيَعْفُو، مُتَقَرِّبِينَ بِهَا إِلَى اللَّهِ مُرِيدِينَ بِهَا وَجْهَ اللَّهِ؛ فَذَلِكَ مَعْنَى إِخْلَاصِهِمْ لِلَّهِ دِينَهُمْ. ثُمَّ قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [النساء: ١٤٦] يَقُولُ: “فَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ
٧ ‏/ ٦٢٢
وَصَفَ صِفَتَهُمْ مِنَ الْمُنَافِقِينَ بَعْدَ تَوْبَتِهِمْ وَإِصْلَاحِهِمْ وَاعْتِصَامِهِمْ بِاللَّهِ وَإِخْلَاصِهِمْ لَهُ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْجَنَّةِ، لَا مَعَ الْمُنَافِقِينَ الَّذِي مَاتُوا عَلَى نِفَاقِهِمْ، الَّذِي أَوْعَدَهُمُ الدَّرَكَ الْأَسْفَلَ مِنَ النَّارِ ثُمَّ قَالَ: ﴿وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ [النساء: ١٤٦] يَقُولُ: “وَسَوْفَ يُعْطِي اللَّهُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ هَذِهِ صِفَتُهُمْ عَلَى تَوْبَتِهِمْ وَإِصْلَاحِهِمْ وَاعْتِصَامِهِمْ بِاللَّهِ وَإِخْلَاصِهِمْ دِينَهُمْ لَهُ عَلَى إِيمَانِهِمْ، ثَوَابًا عَظِيمًا، وَذَلِكَ دَرَجَاتٌ فِي الْجَنَّةِ، كَمَا أَعْطَى الَّذِينَ مَاتُوا عَلَى النِّفَاقِ مَنَازِلَ فِي النَّارِ، وَهِيَ السُّفْلَى مِنْهَا؛ لِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ وَعَدَ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يُؤْتِيَهُمْ عَلَى إِيمَانِهِمْ ذَلِكَ، كَمَا أَوْعَدَ الْمُنَافِقِينَ عَلَى نِفَاقِهِمْ مَا ذَكَرَ فِي كِتَابِهِ. وَهَذَا الْقَوْلُ، هُوَ مَعْنَى قَوْلِ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ الَّذِي:
٧ ‏/ ٦٢٣
حَدَّثَنَا بِهِ ابْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ وَكِيعٍ، قَالَا: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ حُذَيْفَةُ: لَيَدْخُلَنَّ الْجَنَّةَ قَوْمٌ كَانُوا مُنَافِقِينَ. فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: وَمَا عِلْمُكَ بِذَلِكَ؟ فَغَضِبَ حُذَيْفَةُ، ثُمَّ قَامَ فَتَنَحَّى، فَلَمَّا تَفَرَّقُوا مَرَّ بِهِ عَلْقَمَةُ فَدَعَاهُ، فَقَالَ: أَمَا إِنَّ صَاحِبَكَ يَعْلَمُ الَّذِي قُلْتُ، ثُمَّ قَرَأَ ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ [النساء: ١٤٦]
٧ ‏/ ٦٢٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا﴾ [النساء: ١٤٧] يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ﴾ [النساء: ١٤٧] مَا يَصْنَعُ اللَّهُ أَيُّهَا الْمُنَافِقُونَ بِعَذَابِكُمْ، إِنْ أَنْتُمْ تُبْتُمْ إِلَى اللَّهِ
٧ ‏/ ٦٢٣
وَرَجَعْتُمْ إِلَى الْحَقِّ الْوَاجِبِ لِلَّهِ عَلَيْكُمْ، فَشَكَرْتُمُوهُ عَلَى مَا أَنْعَمَ عَلَيْكُمْ مِنْ نِعَمِهِ فِي أَنْفُسِكُمْ وَأَهَالِيكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ، بِالْإِنَابَةِ إِلَى تَوْحِيدِهِ وَالِاعْتِصَامِ بِهِ، وَإِخْلَاصِكُمْ أَعْمَالَكُمْ لِوَجْهِهِ، وَتَرْكِ رِيَاءَ النَّاسِ بِهَا، وَآمَنْتُمْ بِرَسُولِهِ مُحَمَّدٍ ﷺ فَصَدَّقْتُمُوهُ وَأَقْرَرْتُمْ بِمَا جَاءَكُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِهِ فَعَمِلْتُمْ بِهِ. يَقُولُ: لَا حَاجَةُ بِاللَّهِ أَنْ يَجْعَلَكُمْ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ إِنْ أَنْتُمْ أَنَبْتُمْ إِلَى طَاعَتِهِ وَرَاجَعْتُمُ الْعَمَلَ بِمَا أَمَرَكُمْ بِهِ وَتَرَكَ مَا نَهَاكُمْ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجْتَلِبُ بِعَذَابِكُمْ إِلَى نَفْسِهِ نَفْعًا وَلَا يَدْفَعُ عَنْهَا ضَرًّا، وَإِنَّمَا عُقُوبَتُهُ مَنْ عَاقَبَ مِنْ خَلْقِهِ جَزَاءٌ مِنْهُ لَهُ عَلَى جَرَاءَتِهِ عَلَيْهِ وَعَلَى خِلَافِهِ أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ وَكُفْرَانِهِ شُكْرَ نِعَمِهِ عَلَيْهِ. فَإِنْ أَنْتُمْ شَكَرْتُمْ لَهُ عَلَى نِعَمِهِ وَأَطَعْتُمُوهُ فِي أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ، فَلَا حَاجَةَ بِهِ إِلَى تَعْذِيبِكُمْ، بَلْ يَشْكُرُ لَكُمْ مَا يَكُونُ مِنْكُمْ مِنْ طَاعَةٍ لَهُ وَشُكْرٍ، بِمُجَازَاتِكُمْ عَلَى ذَلِكَ بِمَا تَقْصُرُ عَنْهُ أَمَانِيِّكُمْ فَلَمْ تَبْلُغْهُ آمَالُكُمْ. ﴿وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا﴾ [النساء: ١٤٧] لَكُمْ وَلِعِبَادِهِ عَلَى طَاعَتِهِمْ إِيَّاهُ بِإِجْزَالِهِ لَهُمُ الثَّوَابَ عَلَيْهَا، وَإِعْظَامِهِ لَهُمُ الْعِوَضَ مِنْهَا. ﴿عَلِيمًا﴾ [النساء: ١١] بِمَا تَعْمَلُونَ أَيُّهَا الْمُنَافِقُونَ وَغَيْرُكُمْ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ وَصَالِحٍ وَطَالِحٍ، مُحْصٍ ذَلِكَ كُلَّهُ عَلَيْكُمْ مُحِيطٌ بِجَمِيعِهِ، حَتَّى يُجَازِيَكُمْ جَزَاءَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، الْمُحْسِنَ بِإِحْسَانِهِ وَالْمُسِيءَ بِإِسَاءَتِهِ. وَقَدْ:
٧ ‏/ ٦٢٤
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا﴾ [النساء: ١٤٧] قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَا يُعَذَّبُ شَاكِرًا وَلَا مُؤْمِنًا»
٧ ‏/ ٦٢٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا﴾ [النساء: ١٤٨]⦗٦٢٥⦘ اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءَ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ بِضَمِّ الظَّاءِ، وَقَرَأَهُ بَعْضُهُمْ: (إِلَّا مَنْ ظَلَمَ) بِفَتْحِ الظَّاءِ، ثُمَّ اخْتَلَفَ الَّذِينَ قَرَءُوا ذَلِكَ بِضَمِّ الظَّاءِ فِي تَأْوِيلِهِ؛ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى ذَلِكَ: لَا يُحِبُّ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَنْ يَجْهَرَ أَحَدُنَا بِالدُّعَاءِ عَلَى أَحَدٍ، وَذَلِكَ عِنْدَهُمْ هُوَ الْجَهْرُ بِالسُّوءِ ﴿إِلَّا مَنْ ظُلِمَ﴾ [النساء: ١٤٨] يَقُولُ: “إِلَّا مَنْ ظُلِمَ فَيَدْعُو عَلَى ظَالِمِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَا يَكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ قَدْ رَخَّصَ لَهُ فِي ذَلِكَ
٧ ‏/ ٦٢٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ﴾ [النساء: ١٤٨] يَقُولُ: «لَا يُحِبُّ اللَّهُ أَنْ يَدْعُوَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَظْلُومًا، فَإِنَّهُ قَدْ أَرْخَصَ لَهُ أَنْ يَدْعُوَ عَلَى مَنْ ظَلَمَهُ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿إِلَّا مِنْ ظُلِمَ﴾ [النساء: ١٤٨] وَإِنْ صَبَرَ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ»
٧ ‏/ ٦٢٥
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ﴾ [النساء: ١٤٨] فَإِنَّهُ يُحِبُّ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ “
٧ ‏/ ٦٢٥
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا﴾ [النساء: ١٤٨] عَذَرَ اللَّهُ الْمَظْلُومَ كَمَا تَسْمَعُونَ أَنْ يَدْعُوَ “
٧ ‏/ ٦٢٦
حَدَّثَنِي الْحَرْثُ، قَالَ: ثنا أَبُو عُبَيْدٍ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: “هُوَ الرَّجُلُ يَظْلِمُ الرَّجُلَ، فَلَا يَدْعُ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ لِيَقُلِ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَيْهِ. اللَّهُمَّ اسْتَخْرِجْ، لِي حَقِّي، اللَّهُمَّ حُلْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا يُرِيدُ، وَنَحْوَهُ مِنَ الدُّعَاءِ. فَـ «مَنْ» عَلَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذَا فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ؛ لِأَنَّهُ وَجَّهُهُ إِلَى أَنَّ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ فِي مَعْنَى الدُّعَاءِ، وَاسْتَثْنَى الْمَظْلُومَ مِنْهُ، فَكَانَ مَعْنَى الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ: لَا يُحِبُّ اللَّهُ أَنْ يَجْهَرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ، إِلَّا الْمَظْلُومَ فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ فِي الْجَهْرِ بِهِ، وَهَذَا مَذْهَبٌ يَرَاهُ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ خَطَأً فِي الْعَرَبِيَّةِ، وَذَلِكَ أَنَّ مَنْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَفْعًا عِنْدَهُمْ بِالْجَهْرِ، لِأَنَّهَا فِي صِلَةِ أَنْ، وَأَنْ لَمْ يَنَلْهُ الْجَحْدُ فَلَا يَجُوزُ الْعَطْفُ عَلَيْهِ؛ مِنَ الْخَطَأِ عِنْدَهُمْ أَنْ يُقَالَ: لَا يُعْجِبُنِي أَنْ يَقُومَ إِلَّا زَيْدٌ. وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ مِنْ نَصَبًا عَلَى تَأْوِيلِ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَيَكُونَ قَوْلُهُ: ﴿لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ﴾ [النساء: ١٤٨] كَلَامًا تَامًّا، ثُمَّ قِيلَ: ﴿إِلَّا مَنْ ظُلِمَ﴾ [النساء: ١٤٨] فَلَا
٧ ‏/ ٦٢٦
حَرَجَ عَلَيْهِ، فَيَكُونَ مِنَ اسْتِثْنَاءً مِنَ الْفِعْلِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَبْلَ الِاسْتِثْنَاءِ شَيْءٌ ظَاهِرٌ يُسْتَثْنَى مِنْهُ، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ إِلَّا مِنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ﴾ [الغاشية: ٢٣] وَكَقَوْلِهِمْ: إِنِّي لَأَكْرَهُ الْخُصُومَةَ وَالْمِرَاءَ، اللَّهُمَّ إِلَّا رَجُلًا يُرِيدُ اللَّهَ بِذَلِكَ. وَلَمْ يُذْكَرْ قَبْلَهُ شَيْءٌ مِنَ الْأَسْمَاءِ، وَمِنْ عَلَى قَوْلِ الْحَسَنِ هَذَا نُصِبَ عَلَى أَنَّهُ مُسْتَثْنَى مِنْ مَعْنَى الْكَلَامِ، لَا مِنَ الِاسْمِ كَمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ إِذَا وَجَّهَ مِنْ إِلَى النَّصَبِ، وَكَقَوْلِ الْقَائِلِ: كَانَ مِنَ الْأَمْرِ كَذَا وَكَذَا، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنَّ فُلَانًا جَزَاهُ اللَّهُ خَيْرًا فَعَلَ كَذَا وَكَذَا. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ، إِلَّا مَنْ ظُلِمَ فَيُخْبِرُ بِمَا نِيلَ مِنْهُ
٧ ‏/ ٦٢٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «هُوَ الرَّجُلُ يَنْزِلُ بِالرَّجُلِ، فَلَا يُحْسِنُ ضِيَافَتَهُ، فَيَخْرُجُ مِنْ عِنْدِهِ، فَيَقُولُ: أَسَاءَ ضِيَافَتِي وَلَمْ يُحْسِنْ»
٧ ‏/ ٦٢٧
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ ⦗٦٢٨⦘ مُجَاهِدٍ: ﴿إِلَّا مَنْ ظُلِمَ﴾ [النساء: ١٤٨] قَالَ: «إِلَّا مَنْ أَثَرَ مَا قِيلَ لَهُ»
٧ ‏/ ٦٢٧
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ، قَالَ: ثنا حَمَّادٌ، عنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ﴾ [النساء: ١٤٨] قَالَ: «هُوَ الضَّيْفُ الْمُحَوِّلُ رَحْلَهُ، فَإِنَّهُ يَجْهَرُ لِصَاحِبِهِ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ» وَقَالَ آخَرُونَ: عَنَى بِذَلِكَ الرَّجُلَ يَنْزِلُ بِالرَّجُلِ فَلَا يَقْرِيهِ، فَيَنَالُ مِنَ الَّذِي لَمْ يُقْرِهْ
٧ ‏/ ٦٢٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿إِلَّا مَنْ ظُلِمَ﴾ [النساء: ١٤٨] قَالَ: «إِلَّا مَنْ ظُلِمَ فَانْتَصَرَ يَجْهَرُ بِالسُّوءِ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، مِثْلَهُ
٧ ‏/ ٦٢٨
وَحَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، وَعَنْ حُمَيْدٍ الْأَعْرَجِ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ﴾ [النساء: ١٤٨] قَالَ: «هُوَ الرَّجُلُ يَنْزِلُ بِالرَّجُلِ فَلَا يُحْسِنُ إِلَيْهِ، فَقَدْ رَخَّصَ اللَّهُ لَهُ أَنْ يَقُولَ فِيهِ»
٧ ‏/ ٦٢٨
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ حَمَّادٍ الدُّولَابِيُّ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ﴾ [النساء: ١٤٨] قَالَ: «هُوَ فِي الضِّيَافَةِ يَأْتِي الرَّجُلُ الْقَوْمَ فَيَنْزِلُ عَلَيْهِمْ فَلَا يُضِيفُونَهُ، رَخَّصَ اللَّهُ لَهُ أَنْ يَقُولَ فِيهِمْ»
٧ ‏/ ٦٢٩
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْمُثَنَّى بْنُ الصَّبَّاحِ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ﴾ [النساء: ١٤٨] الْآيَةُ، قَالَ: ضَافَ رَجُلٌ رَجُلًا، فَلَمْ يُؤَدِّ إِلَيْهِ حَقَّ ضِيَافَتِهِ، فَلَمَّا خَرَجَ أَخْبَرَ النَّاسَ، فَقَالَ: ضِفْتُ فُلَانًا فَلَمْ يُؤَدِّ حَقَّ ضِيَافَتِي، فَذَلِكَ جَهْرٌ بِالسُّوءِ ﴿إِلَّا مَنْ ظُلِمَ﴾ [النساء: ١٤٨] حِينَ لَمْ يُؤَدِّ إِلَيْهِ ضِيَافَتَهُ “
٧ ‏/ ٦٢٩
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ مُجَاهِدٌ: إِلَّا مَنْ ظُلِمَ فَانْتَصَرَ يَجْهَرُ بِسُوءٍ. قَالَ مُجَاهِدٌ: نَزَلَتْ فِي رَجُلٍ ضَافَ رَجُلًا بِفَلَاةٍ مِنَ الْأَرْضِ فَلَمْ يُضِفْهُ، فَنَزَلَتْ ﴿إِلَّا مَنْ ظُلِمَ﴾ [النساء: ١٤٨] ذَكَرَ أَنَّهُ لَمْ يُضِفْهُ، لَا يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ ” وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: إِلَّا مَنْ ظُلِمَ فَانْتَصَرَ مِنْ ظَالِمِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَذِنَ لَهُ فِي ذَلِكَ.
٧ ‏/ ٦٢٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ﴾ [النساء: ١٤٨] يَقُولُ: «إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْخَلْقِ، وَلَكِنْ مَنْ ظُلِمَ فَانْتَصَرَ بِمِثْلِ مَا ظُلِمَ، فَلَيْسَ عَلَيْهِ جُنَاحٌ» فَـ «مَنْ» عَلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا سِوَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى انْقِطَاعِهِ مِنَ الْأَوَّلِ، وَالْعَرَبُ مِنْ شَأْنِهَا أَنْ تَنْصِبَ مَا بَعْدَ إِلَّا فِي الِاسْتِثْنَاءِ الْمُنْقَطِعِ؛ فَكَانَ مَعْنَى الْكَلَامِ عَلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ سِوَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ، وَلَكِنْ مَنْ ظُلِمَ فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ أَنْ يُخْبِرَ بِمَا نِيلَ مِنْهُ أَوْ يَنْتَصِرَ مِمَّنْ ظَلَمَهُ. وَقَرَأَ ذَلِكَ آخَرُونَ بِفَتْحِ الظاءِ: (إِلَّا مَنْ ظَلَمَ) وَتَأَوَّلُوهُ: لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ، إِلَّا مَنْ ظَلَمَ، فَلَا بَأْسَ أَنْ يُجْهَرَ لَهُ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ
٧ ‏/ ٦٣٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: كَانَ أَبِي يَقْرَأُ: «لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظَلَمَ» قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: يَقُولُ: “إِلَّا مَنْ أَقَامَ عَلَى ذَلِكَ النِّفَاقِ فَيُجْهَرُ لَهُ بِالسُّوءِ حَتَّى يَنْزِعَ. قَالَ: وَهَذِهِ مِثْلُ: ﴿وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ﴾ [الحجرات: ١١] أَنْ تُسَمِّيَهُ بِالْفِسْقِ ﴿بَعْدَ الْإِيمَانِ﴾ [الحجرات: ١١]⦗٦٣١⦘ بَعْدَ إِذْ كَانَ مُؤْمِنًا ﴿وَمَنْ لَمْ يَتُبْ﴾ [الحجرات: ١١] مِنْ ذَلِكَ الْعَمَلِ الَّذِي قِيلَ لَهُ ﴿فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [البقرة: ٢٢٩] قَالَ: «هُوَ أَشَرُّ مِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ لَهُ»
٧ ‏/ ٦٣٠
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ «لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظَلَمَ» فَقَرَأَ: ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ﴾ [النساء: ١٤٥] حَتَّى بَلَغَ: ﴿وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ [النساء: ١٤٦] ثُمَّ قَالَ بَعْدَ مَا قَالَ: هُمْ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ ﴿مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا﴾ [النساء: ١٤٧] «لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظَلَمَ» قَالَ: لَا يُحِبُّ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ لِهَذَا: أَلَسْتَ نَافَقْتَ؟ أَلَسْتَ الْمُنَافِقَ الَّذِي ظَلَمْتَ وَفَعَلْتَ وَفَعَلْتَ؟ مِنْ بَعْدِ مَا تَابَ «إِلَّا مَنْ ظَلَمَ» إِلَّا مَنْ أَقَامَ عَلَى النِّفَاقِ. قَالَ: وَكَانَ أَبِي يَقُولُ ذَلِكَ لَهُ وَيَقْرَؤُهَا: «إِلَّا مَنْ ظَلَمَ» فَـ «مَنْ» عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ نُصِبَ لِتَعَلُّقِهِ بِالْجَهْرِ. وتَأْوِيلُ الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِ قَائِلِ هَذَا الْقَوْلِ: لَا يُحِبُّ اللَّهُ أَنْ يَجْهَرَ أَحَدٌ لِأَحَدٍ مِنَ الْمُنَافِقِينَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ «إِلَّا مَنْ ظَلَمَ» مِنْهُمْ، فَأَقَامَ عَلَى نِفَاقِهِ فَإِنَّهُ لَا بَأْسَ بِالْجَهْرِ لَهُ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ: ﴿إِلَّا مَنْ ظُلِمَ﴾ [النساء: ١٤٨] بِضَمِّ الظَّاءِ، لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءَ وَأَهْلِ التَّأْوِيلِ عَلَى صِحَّتِهَا، وَشُذُوذِ قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ بِالْفَتْحِ، فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ أَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ بِالصَّوَابِ، فَالصَّوَابُ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ: لَا يُحِبُّ
٧ ‏/ ٦٣١
اللَّهُ أَيُّهَا النَّاسُ أَنْ يَجْهَرَ أَحَدٌ لِأَحَدٍ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ ﴿إِلَّا مَنْ ظُلِمَ﴾ [النساء: ١٤٨] بِمَعْنَى: إِلَّا مَنْ ظُلِمَ فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ أَنْ يُخْبِرَ بِمَا أُسِيءَ إِلَيْهِ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مَعْنَاهُ، دَخَلَ فِيهِ إِخْبَارُ مَنْ لَمْ يُقْرَ أَوْ أُسِيءَ قِرَاهُ، أَوْ نِيلَ بِظُلْمٍ فِي نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ عَنْوَةً مِنْ سَائِرِ النَّاسِ، وَكَذَلِكَ دُعَاؤُهُ عَلَى مَنْ نَالَهُ بِظُلْمٍ؛ أَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ، لِأَنَّ فِي دُعَائِهِ عَلَيْهِ إِعْلَامًا مِنْهُ لِمَنْ سَمِعَ دُعَاءَهُ عَلَيْهِ بِالسُّوءِ لَهُ، وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَـ «مَنْ» فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ، لِأَنَّهُ مُنْقَطِعٌ عَمَّا قَبْلَهُ، وَأَنَّهُ لَا أَسْمَاءَ قَبْلَهُ يُسْتَثْنَى مِنْهَا، فَهُوَ نَظِيرُ قَوْلِ: ﴿لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ﴾ [الغاشية: ٢٣] . وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا﴾ [النساء: ١٤٨] فَإِنَّهُ يَعْنِي: وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا لِمَا يَجْهَرُونَ بِهِ مِنْ سُوءِ الْقَوْلِ لِمَنْ يَجْهَرُونَ لَهُ بِهِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَصْوَاتِكُمْ وَكَلَامِكُمْ، عَلِيمًا بِمَا تُخْفُونَ مِنْ سُوءِ قَوْلِكُمْ وَكَلَامِكُمْ لِمَنْ تُخْفُونَ لَهُ بِهِ، فَلَا تَجْهَرُونَ لَهُ بِهِ، مُحْصٍ كُلَّ ذَلِكَ عَلَيْكُمْ حَتَّى يُجَازِيَكُمْ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ جَزَاءَكُمُ الْمُسِيءَ بِإِسَاءَتِهِ وَالْمُحْسِنَ بِإِحْسَانِهِ
٧ ‏/ ٦٣٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا﴾ [النساء: ١٤٩] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ﴿إِنْ تُبْدُوا﴾ [البقرة: ٢٧١] أَيُّهَا النَّاسُ خَيْرًا يَقُولُ: إِنْ تَقُولُوا جَمِيلًا مِنَ الْقَوْلِ لِمَنْ أَحْسَنَ إِلَيْكُمْ، فَتُظْهِرُوا ذَلِكَ
٧ ‏/ ٦٣٢
شُكْرًا مِنْكُمْ لَهُ عَلَى مَا كَانَ مِنْهُ مِنْ حُسْنٍ إِلَيْكُمْ، ﴿أَوْ تُخْفُوهُ﴾ [البقرة: ٢٨٤] يَقُولُ: «أَوْ تَتْرُكُوا إِظْهَارَ ذَلِكَ فَلَا تُبْدُوهُ، ﴿أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ﴾ [النساء: ١٤٩] يَقُولُ:»أَوْ تَصْفَحُوا لِمَنْ أَسَاءَ إِلَيْكُمْ عَنْ إِسَاءَتِهِ، فَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ الَّذِي قَدْ أَذِنْتُ لَكُمْ أَنْ تَجْهَرُوا لَهُ بِهِ. ﴿فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا﴾ [النساء: ١٤٩] يَقُولُ: «لَمْ يَزَلْ ذَا عَفْو عَنْ خَلْقِهِ، يَصْفَحُ لَهُمْ عَمَّنْ عَصَاهُ وَخَالَفَ أَمْرَهُ. ﴿قَدِيرًا﴾ [النساء: ١٣٣] يَقُولُ:»ذَا قُدْرَةٍ عَلَى الِانْتِقَامِ مِنْهُمْ. وَإِنَّمَا يَعْنِي بِذَلِكَ: أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَزَلْ ذَا عَفْو مِنْ عِبَادِهِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى عِقَابِهِمْ عَلَى مَعْصِيَتِهِمْ إِيَّاهُ. يَقُولُ: فَاعْفُوا أَنْتُمْ أَيْضًا أَيُّهَا النَّاسُ عَمَّنْ أَتَى إِلَيْكُمْ ظُلْمًا، وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ وَإِنْ قَدَرْتُمْ عَلَى الْإِسَاءَةِ إِلَيْهِ، كَمَا يَعْفُو عَنْكُمْ رَبُّكُمْ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى عِقَابِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْصُونَهُ وَتُخَالِفُونَ أَمْرَهُ. وَفِي قَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا﴾ [النساء: ١٤٩] الدَّلَالَةُ الْوَاضِحَةُ عَلَى أَنَّ تَأْوِيلَ قَوْلِهِ: ﴿لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ﴾ [النساء: ١٤٨] بِخِلَافِ التَّأْوِيلِ الَّذِي تَأَوَّلَهُ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ فِي زَعْمِهِ أَنَّ مَعْنَاهُ: لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ لِأَهْلِ النِّفَاقِ، إِلَّا مَنْ أَقَامَ عَلَى نِفَاقِهِ، فَإِنَّهُ لَا بَأْسُ بِالْجَهْرِ لَهُ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ. وَذَلِكَ أَنَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَالَ عُقَيْبَ ذَلِكَ: ﴿إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ﴾ [النساء: ١٤٩] وَمَعْقُولٌ أَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَمْ يَأْمُرِ الْمُؤْمِنِينَ بِالْعَفْوِ عَنِ الْمُنَافِقِينَ عَلَى نِفَاقِهِمْ، وَلَا نَهَاهُمْ أَنْ يُسَمُّوا مَنْ كَانَ
٧ ‏/ ٦٣٣
مِنْهُمْ مُعْلِنَ النِّفَاقِ مُنَافِقًا، بَلِ الْعَفْو عَنْ ذَلِكَ مِمَّا لَا وَجْهَ لَهُ مَعْقُولٌ، لِأَنَّ الْعَفْوَ الْمَفْهُومَ إِنَّمَا هُوَ صَفْحُ الْمَرْءِ عَمَّا لَهُ قَبْلَ غَيْرِهِ مِنْ حَقٍّ، وَتَسْمِيَةُ الْمُنَافِقِ بِاسْمِهِ لَيْسَ بِحَقٍّ لِأَحَدٍ قَبْلَهُ فَيُؤْمَرُ بِعَفْوِهِ عَنْهُ، وَإِنَّمَا هُوَ اسْمٌ لَهُ، وَغَيْرُ مَفْهُومٍ الْأَمْرُ بِالْعَفْوِ عَنْ تَسْمِيَةِ الشَّيْءِ بِمَا هُوَ اسْمُهُ
٧ ‏/ ٦٣٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا﴾ [النساء: ١٥١] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ﴾ [النساء: ١٥٠] مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى ﴿وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ﴾ [النساء: ١٥٠] بِأَنْ يُكَذِّبُوا رُسُلَ اللَّهِ الَّذِينَ أَرْسَلَهُمْ إِلَى خَلْقِهِ بِوَحْيِهِ، وَيَزْعُمُونَ أَنَّهُمُ افْتَرَوْا عَلَى رَبِّهِمْ، وَذَلِكَ هُوَ مَعْنَى إِرَادَتِهِمُ التَّفْرِيقَ بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ، بِنِحْلَتِهِمْ إِيَّاهُمُ الْكَذِبَ وَالْفِرْيَةَ عَلَى اللَّهِ، وَادِّعَائِهِمْ عَلَيْهِمُ الْأَبَاطِيلَ. ﴿وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ﴾ [النساء: ١٥٠] يَعْنِي أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: نُصَدِّقُ بِهَذَا وَنُكَذِّبُ بِهَذَا، كَمَا فَعَلَتِ الْيَهُودُ مِنْ تَكْذِيبِهِمْ عِيسَى وَمُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمَا وَسَلَّمَ وَتَصْدِيقِهِمْ بِمُوسَى وَسَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلَهُ بِزَعْمِهِمْ، وَكَمَا فَعَلَتِ النَّصَارَى مِنْ تَكْذِيبِهِمْ مُحَمَّدًا ﷺ وَتَصْدِيقِهِمْ بِعِيسَى وَسَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلَهُ بِزَعْمِهِمْ. ﴿وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا﴾ [النساء: ١٥٠] يَقُولُ: “وَيُرِيدُ الْمُفَرِّقُونَ بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ، الزَّاعِمُونَ أَنَّهُمْ يُؤْمِنُونَ بِبَعْضٍ ويَكْفُرُونَ
٧ ‏/ ٦٣٤
بِبَعْضٍ، أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ أَضْعَافِ قَوْلِهِمْ: نُؤْمِنُ بِبَعْضِ الْأَنْبِيَاءِ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ، سَبِيلًا: يَعْنِي طَرِيقًا إِلَى الضَّلَالَةِ الَّتِي أَحْدَثُوهَا وَالْبِدْعَةِ الَّتِي ابْتَدَعُوهَا، يَدْعُونَ أَهْلَ الْجَهْرِ مِنَ النَّاسِ إِلَيْهِ. فَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِعِبَادِهِ، مُنَبِّهًا لَهُمْ عَلَى ضَلَالَتِهِمْ وَكُفْرِهِمْ: ﴿أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا﴾ [النساء: ١٥١] يَقُولُ: “أَيُّهَا النَّاسُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ وَصَفْتُ لَكُمْ صِفَتَهُمْ هُمْ أَهْلُ الْكُفْرِ بِي، الْمُسْتَحِقُّونَ عَذَابِي وَالْخُلُودَ فِي نَارِي حَقًّا، فَاسْتَيْقِنُوا ذَلِكَ، وَلَا يُشَكِّكَنَّكُمْ فِي أَمْرِهِمُ انْتِحَالُهُمُ الْكَذِبَ وَدَعْوَاهُمْ أَنَّهُمْ يُقِرُّونَ بِمَا زَعَمُوا أَنَّهُمْ بِهِ مُقِرُّونَ مِنَ الْكُتُبِ وَالرُّسُلِ، فَإِنَّهُمْ فِي دَعْوَاهُمْ مَا ادَّعَوْا مِنْ ذَلِكَ كَذَبَةٌ. وَذَلِكَ أَنَّ الْمُؤْمِنَ بِالْكُتُبِ وَالرُّسُلِ، هُوَ الْمُصَدِّقُ بِجَمِيعِ مَا فِي الْكِتَابِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ بِهِ مُصَدِّقٌ وَبِمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ بِهِ مُؤْمِنٌ، فَأَمَّا مَنْ صَدَّقَ بِبَعْضِ ذَلِكَ وَكَذَّبَ بِبَعْضٍ، فَهُوَ لِنُبُوَّةِ مَنْ كَذَبَ بِبَعْضِ مَا جَاءَ بِهِ جَاحِدٌ، وَمَنْ جَحَدَ نُبُوَّةَ نَبِيٍّ فَهُوَ بِهِ مُكَذِّبٌ، وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ جَحَدُوا نُبُوَّةَ بَعْضِ الْأَنْبِيَاءِ وَزَعَمُوا أَنَّهُمْ مُصَدَّقُونَ بِبَعْضٍ، مُكَذِّبُونَ مَنْ زَعَمُوا أَنَّهُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ، لِتَكْذِيبِهِمْ بِبَعْضِ مَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِمْ، فَهُمْ بِاللَّهِ وَبِرُسُلِهِ، الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ بِهِمْ مُصَدِّقُونَ، وَالَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ بِهِمْ مُكَذِّبُونَ، كَافِرُونَ، فَهُمُ
٧ ‏/ ٦٣٥
الْجَاحِدُونَ وَحْدَانِيَّةَ اللَّهِ وَنُبُوَّةَ أَنْبِيَائِهِ حَقَّ الْجُحُودِ الْمُكَذِّبُونَ بِذَلِكَ حَقَّ التَّكْذِيبِ، فَاحْذَرُوا أَنْ تَغْتَرُّوا بِهِمْ وَبِبِدْعَتِهِمْ، فَإِنَّا قَدْ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا. وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا﴾ [النساء: ٣٧] فَإِنَّهُ يَعْنِي: وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ جَحَدَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ جُحُودَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ وَصَفْتُ لَكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ أَمْرَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلِغَيْرِهِمْ مِنْ سَائِرِ أَجْنَاسِ الْكُفَّارِ عَذَابًا فِي الْآخِرَةِ مُهِينًا، يَعْنِي: يُهِينُ مَنْ عُذِّبَ بِهِ بِخُلُودِهِ فِيهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٧ ‏/ ٦٣٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا﴾ [النساء: ١٥١] أُولَئِكَ أَعْدَاءُ اللَّهِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، آمَنَتِ الْيَهُودُ بِالتَّوْرَاةِ وَمُوسَى وَكَفَرُوا بِالْإِنْجِيلِ وَعِيسَى؛ وَآمَنَتِ النَّصَارَى بِالْإِنْجِيلِ وَعِيسَى وَكَفَرُوا بِالْقُرْآنِ وَبِمُحَمَّدٍ ﷺ، فَاتَّخَذُوا الْيَهُودِيَّةَ وَالنَّصْرَانِيَّةَ، وَهُمَا بِدْعَتَانِ لَيْسَتَا مِنَ اللَّهِ، ⦗٦٣٧⦘ وَتَرَكُوا الْإِسْلَامَ وَهُوَ دِينُ اللَّهِ الَّذِي بَعَثَ بِهِ رُسُلَهُ “
٧ ‏/ ٦٣٦
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ﴾ [النساء: ١٥٠] يَقُولُونَ: مُحَمَّدٌ لَيْسَ بِرَسُولِ لِلَّهِ وَتَقُولُ الْيَهُودُ: عِيسَى لَيْسَ بِرَسُولِ لِلَّهِ، فَقَدْ فَرَّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَ رُسُلِهِ ﴿وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ﴾ [النساء: ١٥٠] فَهَؤُلَاءِ يُؤْمِنُونَ بِبَعْضٍ ويَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ “
٧ ‏/ ٦٣٧
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ قَوْلُهُ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ﴾ [النساء: ١٥٠] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا﴾ [النساء: ١٥٠] قَالَ: “الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى: آمَنَتِ الْيَهُودُ بِعُزَيْرٍ وَكَفَرَتْ بِعِيسَى، وَآمَنَتِ النَّصَارَى بِعِيسَى وَكَفَرَتْ بِعُزَيْرٍ، وَكَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالنَّبِيِّ ويَكْفُرُونَ بِالْآخَرِ ﴿وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا﴾ [النساء: ١٥٠] قَالَ: «دِينًا يَدِينُونَ بِهِ لِلَّهِ»
٧ ‏/ ٦٣٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [النساء: ١٥٢] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَالَّذِينَ صَدَّقُوا بِوَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ، وَأَقَرُّوا بِنُبُوَّةِ رُسُلِهِ أَجْمَعِينَ، وَصَدَّقُوهُمْ فِيمَا جَاءُوهُمْ بِهِ مِنْ
٧ ‏/ ٦٣٧
عِنْدِ اللَّهِ مِنْ شَرَائِعَ دِينِهِ ﴿وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ﴾ [النساء: ١٥٢] يَقُولُ: «وَلَمْ يُكَذِّبُوا بَعْضَهُمْ، وَيُصَدِّقُوا بَعْضَهُمْ، وَلَكِنَّهُمْ أَقَرُّوا أَنَّ كُلَّ مَا جَاءُوا بِهِ مِنْ عِنْدَ رَبِّهِمْ حَقٌّ. ﴿أُولَئِكَ﴾ [البقرة: ٥] يَقُولُ:»هَؤُلَاءِ الَّذِينَ هَذِهِ صِفَتُهُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ﴿سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ﴾ [النساء: ١٥٢] يَقُولُ: «سَوْفَ يُعْطِيهِمْ ﴿أُجُورَهُمْ﴾ [آل عمران: ٥٧] يَعْنِي: جَزَاءَهُمْ، وَثَوَابَهُمْ عَلَى تَصْدِيقِهِمُ الرُّسُلَ فِي تَوْحِيدِ اللَّهِ وَشَرَائِعِ دِينِهِ وَمَا جَاءَتْ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ﴿وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا﴾ [النساء: ٩٦] يَقُولُ:»يَغْفِرُ لِمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْ خَلْقِهِ مَا سَلَفَ لَهُ مِنْ آثَامِهِ، فَيَسْتُرُ عَلَيْهِ بِعَفْوِهِ لَهُ عَنْهُ وَتَرْكِهِ الْعُقُوبَةَ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَزَلْ لِذُنُوبِ الْمُنِيبِينَ إِلَيْهِ مِنْ خَلْقِهِ ﴿غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [النساء: ٢٣] يَعْنِي: وَلَمْ يَزَلْ بِهِمْ رَحِيمًا بِتَفَضُّلِهِ عَلَيْهِمُ الْهِدَايَةَ إِلَى سَبِيلِ الْحَقِّ وَتَوْفِيقِهِ إِيَّاهُمْ لِمَا فِيهِ خَلَاصُ رِقَابِهِمْ مِنَ النَّارِ.
٧ ‏/ ٦٣٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِن ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَن ذَلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُّبِينًا﴾ [النساء: ١٥٣] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿يَسْأَلُكَ﴾ [النساء: ١٥٣] يَا مُحَمَّدُ ﴿أَهْلُ الْكِتَابِ﴾ [البقرة: ١٠٥] يَعْنِي بِذَلِكَ: أَهْلَ التَّوْرَاةِ مِنَ الْيَهُودِ ﴿أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ﴾ [النساء: ١٥٣] وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْكِتَابِ الَّذِي سَأَلَ الْيَهُودُ مُحَمَّدًا ﷺ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: سَأَلُوهُ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ مَكْتُوبًا، كَمَا جَاءَ ⦗٦٣٩⦘ مُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِالتَّوْرَاةِ مَكْتُوبَةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ.
٧ ‏/ ٦٣٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ﴾ [النساء: ١٥٣] قَالَتِ الْيَهُودُ: «إِنْ كُنْتَ صَادِقًا أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، فَأْتِنَا كِتَابًا مَكْتُوبًا مِنَ السَّمَاءِ كَمَا جَاءَ بِهِ مُوسَى»
٧ ‏/ ٦٣٩
حَدَّثَنِي الْحَرْثُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: ثنا أَبُو مَعْشَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، قَالَ: جَاءَ أُنَاسٌ مِنَ الْيَهُودِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقَالُوا: إِنَّ مُوسَى جَاءَ بِالْأَلْوَاحِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، فَأْتِنَا بِالْأَلْوَاحِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ حَتَّى نُصَدِّقَكَ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ﴾ [النساء: ١٥٣] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَقَوْلُهُمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا﴾ [النساء: ١٥٦] وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ سَأَلُوهُ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا خَاصَّةً لَهُمْ
٧ ‏/ ٦٣٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ﴾ [النساء: ١٥٣] أَيْ كِتَابًا خَاصَّةً ⦗٦٤٠⦘ ﴿فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً﴾ [النساء: ١٥٣] ” وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ سَأَلُوهُ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَى رِجَالٍ مِنْهُمْ بِأَعْيَانِهِمْ كُتُبًا بِالْأَمْرِ بِتَصْدِيقِهِ وَاتِّبَاعِهِ
٧ ‏/ ٦٣٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، قَوْلُهُ: ﴿يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ﴾ [النساء: ١٥٣] وَذَلِكَ أَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَتَوُا النَّبِيَّ ﷺ، فَقَالُوا: لَنْ نُتَابِعَكَ عَلَى مَا تَدْعُونَا إِلَيْهِ، حَتَّى تَأْتِيَنَا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِلَى فُلَانٍ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، وَإِلَى فُلَانٍ بِكِتَابٍ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ. قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً﴾ [النساء: ١٥٣] ” قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ أَهْلَ التَّوْرَاةِ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَنْ يَسْأَلَ رَبَّهُ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ آيَةً، مُعْجِزَةً جَمِيعَ الْخَلْقِ عَنْ أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِهَا، شَاهِدَةً لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِالصِّدْقِ، آمِرَةً لَهُمْ بِاتِّبَاعِهِ. وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ الَّذِي سَأَلُوهُ مِنْ ذَلِكَ كِتَابًا مَكْتُوبًا يَنْزِلُ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى جَمَاعَتِهِمْ، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ كُتُبًا إِلَى أَشْخَاصٍ بِأَعْيُنِهِمْ.
٧ ‏/ ٦٤٠
بَلِ الَّذِي هُوَ أَوْلَى بِظَاهِرِ التِّلَاوَةِ أَنْ تَكُونَ مَسْأَلَتُهُمْ إِيَّاهُ ذَلِكَ كَانَتْ مَسْأَلَةً لِيُنَزِّلَ الْكِتَابَ الْوَاحِدَ إِلَى جَمَاعَتِهِمْ لِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى فِي خَبَرِهِ عَنْهُمُ الْكِتَابَ بِلَفْظِ الْوَاحِدِ، بِقَوْلِهِ: ﴿يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ﴾ [النساء: ١٥٣] وَلَمْ يَقُلْ: كُتُبًا. وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ﴾ [النساء: ١٥٣] فَإِنَّهُ تَوْبِيخٌ مِنَ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ سَائِلِي الْكِتَابِ الَّذِي سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَنْ يُنَزِّلَهُ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ فِي مَسْأَلَتِهِمْ إِيَّاهُ ذَلِكَ، وَتَقْرِيعٌ مِنْهُ لَهُمْ. يَقُولُ لِنَبِيِّهِ ﷺ: يَا مُحَمَّدُ لَا يَعْظُمَنَّ عَلَيْكَ مَسْأَلَتُهُمْ ذَلِكَ، فَإِنَّهُمْ مِنْ جَهْلِهِمْ بِاللَّهِ وَجَرَاءَتِهِمْ عَلَيْهِ وَاغْتِرَارِهِمْ بِحِلْمِهِ، لَوْ أَنْزَلْتَ عَلَيْهِمُ الْكِتَابَ الَّذِي سَأَلُوكَ أَنْ تُنْزِلَهُ عَلَيْهِمْ، لَخَالَفُوا أَمْرَ اللَّهِ كَمَا خَالَفُوهُ بَعْدَ إِحْيَاءِ اللَّهِ أَوَائِلِهِمْ مِنْ صَعْقَتِهِمْ، فعَبَدُوا الْعِجْلَ، وَاتَّخَذُوهُ إِلَهًا يَعْبُدُونَهُ مِنْ دُونِ خَالِقِهِمْ وَبَارِئِهِمُ الَّذِي أَرَاهُمْ مِنْ قُدْرَتِهِ وَعَظِيَمِ سُلْطَانِهِ مَا أَرَاهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ لَنْ يَعْدُوا أَنْ يَكُونُوا كَأَوَائِلِهِمْ وَأَسْلَافِهِمْ. ثُمَّ قَصَّ اللَّهُ مِنْ قِصَّتِهِمْ وَقِصَّةِ مُوسَى مَا قَصَّ، يَقُولُ اللَّهُ: ﴿فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ﴾ [النساء: ١٥٣] يَعْنِي: فَقَدْ سَأَلَ أَسْلَافُ هَؤُلَاءِ الْيَهُودِ وَأَوَائِلُهُمْ مُوسَى عليه السلام أَعْظَمَ مِمَّا سَأَلُوكَ مِنْ تَنْزِيلِ كِتَابٍ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ فَقَالُوا لَهُ ﴿أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً﴾ [النساء: ١٥٣] أَيْ عِيَانًا نُعَايِنُهُ وَنَنْظُرُ إِلَيْهِ. وَقَدْ أَتَيْنَا عَلَى مَعْنَى الْجَهْرَةِ بِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ الرِّوَايَةِ وَالشَّوَاهِدِ
٧ ‏/ ٦٤١
عَلَى صِحَّةِ مَا قُلْنَا فِي مَعْنَاهُ فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ
٧ ‏/ ٦٤٢
وَقَدْ ذُكِرَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي ذَلِكَ بِمَا: حَدَّثَنِي بِهِ الْحَرْثُ، قَالَ: ثنا أَبُو عُبَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَجَّاجٌ، عَنْ هَارُونَ بْنِ مُوسَى، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي هَذِهِ الْآيَةِ، قَالَ: إِنَّهُمْ إِذَا رَأَوْهُ فَقَدْ رَأَوْهُ، إِنَّمَا قَالُوا: جَهْرَةً أَرِنَا اللَّهَ، قَالَ: هُوَ مُقَدَّمٌ وَمُؤَخَّرٌ ” وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَتَأَوَّلُ ذَلِكَ أَنَّ سُؤَالَهُمْ مُوسَى كَانَ جَهْرَةً. وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ﴾ [النساء: ١٥٣] فَإِنَّهُ يَقُولُ: فَصُعِقُوا بِظُلْمِهِمْ أَنْفُسَهُمْ، وَظُلْمُهُمْ أَنْفُسَهُمْ كَانَ مَسْأَلَتَهُمْ مُوسَى أَنْ يُرِيَهُمُ رَبَّهُمْ جَهْرَةً، لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مَسْأَلَتُهُ. وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الصَّاعِقَةِ فِيمَا مَضَى بِاخْتِلَافِ الْمُخْتَلِفِينَ فِي تَأْوِيلِهَا وَالدَّلِيلُ عَلَى أَوْلَى مَا قِيلَ فِيهَا بِالصَّوَابِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ﴾ [النساء: ١٥٣] فَإِنَّهُ يَعْنِي: ثُمَّ اتَّخَذَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ سَأَلُوا مُوسَى مَا سَأَلُوهُ مِنْ رُؤْيَةِ رَبِّهِمْ جَهْرَةً، بَعْدَ مَا أَحْيَاهُمُ اللَّهُ، فَبَعَثَهُمْ مِنْ صَعْقَتِهِمْ، الْعِجْلَ الَّذِي كَانَ السَّامِرِيُّ نَبَذَ فِيهِ مَا نَبَذَ مِنَ الْقَبْضَةِ الَّتِي قَبَضَهَا مِنْ أَثَرِ فَرَسِ جِبْرِيلَ عليه السلام، إِلَهًا يَعْبُدُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ،
٧ ‏/ ٦٤٢
وَقَدْ أَتَيْنَا عَلَى ذِكْرِ السَّبَبِ الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ وَكَيْفَ كَانَ أَمرُهُمْ وَأَمْرُهُ فِيمَا مَضَى بِمَا فِيهِ الْكِفَايَةُ. وَقَوْلُهُ: ﴿مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ﴾ [البقرة: ٢١٣] يَعْنِي: مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ سَأَلُوا مُوسَى مَا سَأَلُوا الْبَيِّنَاتِ مِنَ اللَّهِ، وَالدَّلَالَاتُ الْوَاضِحَاتُ بِأَنَّهُمْ لَنْ يَرَوُا اللَّهَ عِيَانًا جِهَارًا. وَإِنَّمَا عَنَى بِالْبَيِّنَاتِ: أَنَّهَا آيَاتٌ تُبَيِّنُ عَنْ أَنَّهُمْ لَنْ يَرَوُا اللَّهَ فِي أَيَّامِ حَيَاتِهِمْ فِي الدُّنْيَا جَهْرَةً، وَكَانَتْ تِلْكَ الْآيَاتُ الْبَيِّنَاتُ لَهُمْ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ، إِصْعَاقَ اللَّهِ إِيَّاهُمْ عِنْدَ مَسْأَلَتِهِمْ مُوسَى أَنْ يُرِيَهُمُ رَبَّهُ جَهْرَةً، ثُمَّ إِحْيَاءَهُ إِيَّاهُمْ بَعْدَ مَمَاتِهِمْ مَعَ سَائِرِ الْآيَاتِ الَّتِي أَرَاهُمُ اللَّهُ دَلَالَةً عَلَى ذَلِكَ. يَقُولُ اللَّهُ مُقَبِّحًا إِلَيْهِمْ فِعْلَهُمْ ذَلِكَ وَمُوَضِّحًا لِعِبَادِهِ جَهْلَهُمْ وَنَقْصَ عُقُولِهِمْ وَأَحْلَامِهِمْ: ثُمَّ أَقَرُّوا لِلْعِجْلِ بِأَنَّهُ لَهُمْ إِلَهٌ، وَهُمْ يَرَوْنَهُ عِيَانًا وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ جِهَارًا، بَعْدَ مَا أَرَاهُمْ رَبُّهُمْ مِنَ الْآيَاتِ الْبَيِّنَاتِ مَا أَرَاهُمْ، أَنَّهُمْ لَا يَرَوْنَ رَبَّهُمْ جَهْرَةً وَعِيَانًا فِي حَيَاتِهِمُ الدُّنْيَا، فَعَكَفُوا عَلَى عِبَادَتِهِ مُصَدِّقِينَ بِأُلُوهَتِهِ. وَقَوْلُهُ: ﴿فَعَفَوْنَا عَنْ ذَلِكَ﴾ [النساء: ١٥٣] يَقُولُ: «فَعَفَوْنَا لِعَبَدَةِ الْعِجْلِ عَنْ عِبَادَتِهِمْ إِيَّاهُ، وِلِلْمُصَدِّقِينَ مِنْهُمْ بِأَنَّهُ إِلَهُهُمْ، بَعْدَ الَّذِي أَرَاهُمُ اللَّهُ أَنَّهُمْ لَا يَرَوْنَ رَبَّهُمْ فِي حَيَاتِهِمْ مِنَ الْآيَاتِ مَا أَرَاهُمْ عَنْ تَصْدِيقِهِمْ بِذَلِكَ بِالتَّوْبَةِ الَّتِي تَابُوهَا إِلَى رَبِّهِمْ بِقَتْلِهِمْ أَنْفُسَهُمْ وَصَبْرِهِمْ فِي ذَلِكَ عَلَى أَمْرِ رَبِّهِمْ. ﴿وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُبِينًا﴾ [النساء: ١٥٣] يَقُولُ:»وَآتَيْنَا مُوسَى حُجَّةً تُبَيِّنُ عَنْ صِدْقِهِ وَحَقِيَّةِ نُبُوَّتِهِ، وَتِلْكَ الْحُجَّةُ هِيَ الْآيَاتُ الْبَيِّنَاتُ الَّتِي آتَاهُ اللَّهُ إِيَّاهَا
٧ ‏/ ٦٤٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا﴾ [النساء: ١٥٤] يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ﴾ [النساء: ١٥٤] يَعْنِي: الْجَبَلَ، وَذَلِكَ لَمَّا امْتَنَعُوا مِنَ الْعَمَلِ بِمَا فِي التَّوْرَاةِ، وَقَبُولِ مَا جَاءَهُمْ بِهِ مُوسَى فِيهَا ﴿بِمِيثَاقِهِمْ﴾ [النساء: ١٥٤] يَعْنِي: بِمَا أَعْطُوا اللَّهَ الْمِيثَاقَ وَالْعَهْدَ: لَنَعْمَلَنَّ بِمَا فِي التَّوْرَاةِ ﴿وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا﴾ [النساء: ١٥٤] يَعْنِي: بَابَ حِطَّةٍ، حِينَ أُمِرُوا أَنْ يَدْخُلُوا مِنْهُ سُجُودًا، فَدَخَلُوا يَزْحَفُونَ عَلَى أَسْتَاهِهِمْ. ﴿وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ﴾ [النساء: ١٥٤] يَعْنِي بِقَوْلِهِ: ﴿لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ﴾ [النساء: ١٥٤] لَا تَتَجَاوَزُوا فِي يَوْمِ السَّبْتِ مَا أُبِيحَ لَكُمْ إِلَى مَا لَمْ يُبَحْ لَكُمْ. كَمَا:
٧ ‏/ ٦٤٤
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا﴾ [النساء: ١٥٤] قَالَ: «كُنَّا نُحَدِّثُ أَنَّهُ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ» ﴿وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ﴾ [النساء: ١٥٤] أُمِرَ الْقَوْمُ أَنْ لَا يَأْكُلُوا الْحِيتَانَ يَوْمَ السَّبْتِ وَلَا يَعْرِضُوا لَهَا، وَأَحَلَّ لَهُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكَ. وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءَ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ أَمْصَارِ الْإِسْلَامِ: ﴿لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ﴾ [النساء: ١٥٤] بِتَخْفِيفِ الْعَيْنِ؛ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: عَدَوْتُ فِي الْأَمْرِ: إِذَا تَجَاوَزْتُ الْحَقَّ فِيهِ، أَعْدُو عَدْوًا وَعُدْوَانًا وَعَدَاءً.
٧ ‏/ ٦٤٤
وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ: “وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُّوا بِتَسْكِينِ الْعَيْنِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِ وَالْجَمْعِ بَيْنَ سَاكِنَيْنِ، بِمَعْنَى: تَعْتَدُوا، ثُمَّ تُدْغَمُ التَّاءُ فِي الدَّالِ فَتَصِيرُ دَالًّا مُشَدَّدَةً مَضْمُومَةً، كَمَا قَرَأَ مَنْ قَرَأَ: «أَمْ مَنْ لَا يَهْدِّي» بِتَسْكِينِ الْهَاءِ. وَقَوْلُهُ ﴿وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا﴾ [النساء: ١٥٤] يَعْنِي: عَهْدًا مُؤَكَّدًا شَدِيدًا، بِأَنَّهُمْ يَعْمَلُونَ بِمَا أَمَرَهُمُ اللَّهُ بِهِ وَيَنْتَهُونَ عَمَّا نَهَاهُمُ اللَّهُ عَنْهُ مِمَّا ذَكَرَهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَمِمَّا فِي التَّوْرَاةِ. وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى السَّبَبَ الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ كَانُوا أُمِرُوا بِدُخُولِ الْبَابِ سُجَّدًا، وَمَا كَانَ مِنْ أَمْرِهِمْ فِي ذَلِكَ، وَخَبَرِهِمْ وَقِصَّتِهِمْ، وَقِصَّةِ السَّبْتِ، وَمَا كَانَ اعْتِدَاؤُهُمْ فِيهِ، بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ.
٧ ‏/ ٦٤٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [النساء: ١٥٥] يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ: فَبِنَقْضِ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ وَصَفْتُ صِفَتَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِيثَاقَهُمْ، يَعْنِي عُهُودَهُمُ الَّتِي عَاهَدُوا اللَّهَ أَنْ يَعْمَلُوا بِمَا فِي
٧ ‏/ ٦٤٥
التَّوْرَاةِ. ﴿وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ﴾ [النساء: ١٥٥] يَقُولُ: «وَجُحُودِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ، يَعْنِي: بِأَعْلَامِ اللَّهِ وَأَدِلَّتِهِ الَّتِي احْتَجَّ بِهَا عَلَيْهِمْ فِي صِدْقِ أَنْبِيَائِهِ وَرُسُلِهِ، وَحَقِّيَّةِ مَا جَاءُوهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِهِ. ﴿وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ﴾ [آل عمران: ١٨١] يَقُولُ:»وَبِقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بَعْدَ قِيَامِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ بِنُبُوَّتِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ، يَعْنِي: بِغَيْرِ اسْتِحْقَاقٍ مِنْهُمْ ذَلِكَ لَكَبِيرَةٍ أَتَوْهَا وَلَا خَطِيئَةٍ اسْتَوْجَبُوا الْقَتْلَ عَلَيْهَا. وَقَوْلُهُمْ: ﴿قُلُوبُنَا غُلْفٌ﴾ [البقرة: ٨٨] يَعْنِي: وَبِقَوْلِهِمْ: قُلُوبَنَا غُلْفٌ، يَعْنِي يَقُولُونَ: عَلَيْهَا غِشَاوَةٌ وَأَغْطِيَةٌ عَمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ، فَلَا نَفْقَهُ مَا تَقُولُ، وَلَا نَعْقِلُهُ، وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْغُلْفِ، وَذَكَرْنَا مَا فِي ذَلِكَ مِنَ الرِّوَايَةِ فِيمَا مَضَى قَبْلُ. ﴿بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ﴾ [النساء: ١٥٥] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: كَذَبُوا فِي قَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ، مَا هِيَ بِغُلْفٍ وَلَا عَلَيْهَا أَغْطِيَةٍ؛ وَلَكِنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ جَعَلَ عَلَيْهَا طَابِعًا بِكُفْرِهِمْ بِاللَّهِ. وَقَدْ بَيَّنَّا صِفَةَ الطَّبْعِ عَلَى الْقَلْبِ فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ. ﴿فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [النساء: ٤٦] يَقُولُ: فَلَا يُؤْمِنُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ وَصَفَ اللَّهُ صِفَتَهُمْ لِطَبْعِهِ عَلَى قُلُوبِهِمْ، فَيُصَدِّقُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَمَا جَاءَتْهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِلَّا إِيمَانًا قَلِيلًا يَعْنِي: تَصْدِيقًا قَلِيْلًا. وَإِنَّمَا صَارَ قَلِيْلًا لِأَنَّهُمْ لَمْ يُصَدِّقُوا عَلَى مَا أَمَرَهُمْ اللَّهُ بِهِ وَلَكِنْ صَدَّقُوا بِبَعْضِ الْأَنْبِيَاءِ وَبِبَعْضِ
٧ ‏/ ٦٤٦
الْكُتُبِ وَكَذَّبُوا بِبَعْضِ فَكَانَ تَصْدِيقُهُمْ بِمَا صَدَّقُوا بِهِ قَلِيْلًا لِأَنَّهُمْ وَإِنْ صَدَّقُوا بِهِ مِنْ وَجْهٍ، فَهُمْ بِهِ مُكَذِّبُونَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ. وَذَلِكَ مِنْ وَجْهِ تَكْذِيبِهِمْ مَنْ كَذَّبُوا بِهِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَمَا جَاءُوا بِهِ مِنْ كُتُبِ اللَّهِ وَرُسُلِ اللَّهِ يُصَدِّقُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَبِذَلِكَ أَمَرَ كُلُّ نَبِيٍّ أُمَّتَهُ، وَكَذِلِكَ كَتَبَ اللَّهُ يُصَدِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا وَيُحِقْقُ بَعْضٌ بَعْضًا، فَالْمُكَذِّبُ بِبِعْضِهَا مُكَذِّبٌ بِجَمِيعِهَا مِنْ جِهَةِ جُحُودِهِ مَا صَدَّقَهُ الْكِتَابُ الَّذِي يُقِرُّ بِصِحَّتِهِ فَلِذَلِكَ صَارَ إِيمَانُهُمْ بِمَا آمَنُوا مِنْ ذَلِكَ قَلِيْلًا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
٧ ‏/ ٦٤٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ﴾ [النساء: ١٥٥] يَقُولُ: “فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ ﴿وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ﴾ [النساء: ١٥٥] «أَيْ لَا نَفْقَهُ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ وَلَعَنَهُمْ حِينَ فَعَلُوا ذَلِكَ» وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿فَبِمَا نَقْضِهِمْ﴾ [النساء: ١٥٥] الْآيَةُ، هَلْ هُوَ مُوَاصِلٌ لِمَا قَبْلَهُ مِنَ الْكَلَامِ، أَوْ هُوَ مُنْفَصِلٌ مِنْهُ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ مُنْفَصِلٌ مِمَّا قَبْلَهُ، وَمَعْنَاهُ: فَبِنَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ﴿وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ﴾ [النساء: ١٥٥] وَلَعَنَهُمْ.
٧ ‏/ ٦٤٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [النساء: ٤٦] «لَمَّا تَرَكَ الْقَوْمُ أَمْرَ اللَّهِ، وَقَتَلُوا رُسُلَهُ، وَكَفَرُوا بِآيَاتِهِ، وَنَقَضُوا الْمِيثَاقَ الَّذِي أُخِذَ عَلَيْهِمْ ﴿طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ﴾ [النساء: ١٥٥] وَلَعَنَهُمْ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ هُوَ مُوَاصِلٌ لِمَا قَبْلَهُ؛ قَالُوا: وَمَعْنَى الْكَلَامِ: فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ، فَبِنَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ، وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ، وَبِقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَبِكَذَا وَكَذَا أَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ، قَالُوا: فَتَبِعَ الْكَلَامُ بَعْضُهُ بَعْضًا، وَمَعْنَاهُ مَرْدُودٌ إِلَى أَوَّلِهِ، وَتَفْسِيرُ ظُلْمِهِمُ الَّذِي أَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ مِنْ أَجْلِهِ بِمَا فَسَّرَ بِهِ تَعَالَى ذِكْرَهُ مِنْ نَقْضِهِمُ الْمِيثَاقَ، وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ، وَسَائِرِ مَا بَيَّنَ مِنْ أَمْرِهِمُ الَّذِي ظَلَمُوا فِيهِ أَنْفُسَهُمْ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ: ﴿فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ﴾ [النساء: ١٥٥] وَمَا بَعْدَهُ مُنْفَصِلٌ مَعْنَاهُ مِنْ مَعْنَى مَا قَبْلَهُ؛ وَأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ: فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ، وَبِكَذَا وَبِكَذَا، لَعَنَّاهُمْ وَغَضِبْنَا عَلَيْهِمْ، فَتَرَكَ ذِكْرَ لَعَنَّاهُمْ لِدَلَالَةِ قَوْلِهِ: ﴿بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ﴾ [النساء: ١٥٥] عَلَى مَعْنَى ذَلِكَ، إِذْ كَانَ مَنْ طُبِعَ عَلَى قَلْبِهِ فَقَدْ لُعَنَ وَسُخِطَ عَلَيْهِ. وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ، لِأَنَّ الَّذِينَ أَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ إِنَّمَا كَانُوا عَلَى عَهْدِ مُوسَى وَالَّذِينَ قَتَلُوا الْأَنْبِيَاءَ وَالَّذِينَ رَمَوْا مَرْيَمَ بِالْبُهْتَانِ الْعَظِيمِ، وَقَالُوا: قَتَلْنَا الْمَسِيحَ، كَانُوا بَعْدَ مُوسَى بِدَهْرٍ طَوِيلٍ، وَلَمْ يُدْرِكِ الَّذِينَ رَمَوْا مَرْيَمَ بِالْبُهْتَانِ الْعَظِيمِ زَمَانَ مُوسَى وَلَا مَنْ صُعِقَ مِنْ قَوْمِهِ، وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَمَعْلُومٌ أَنَّ الَّذِينَ أَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ لَمْ تَأْخُذْهُمْ ⦗٦٤٩⦘ عُقُوبَةً لِرَمْيِهِمْ مَرْيَمَ بِالْبُهْتَانِ الْعَظِيمِ، وَلَا لِقَوْلِهِمْ: إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ. وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَبَيِّنٌ أَنَّ الْقَوْمَ الَّذِينَ قَالُوا هَذِهِ الْمَقَالَةَ، غَيْرُ الَّذِينَ عُوقِبُوا بِالصَّاعِقَةِ. وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، كَانَ بَيِّنًا انْفِصَالُ مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ﴾ [النساء: ١٥٥] مِنْ مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ﴾ [النساء: ١٥٣]
٧ ‏/ ٦٤٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا﴾ [النساء: ١٥٦] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَبِكُفْرِ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ وَصَفَ صِفَتَهُمْ ﴿وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا﴾ [النساء: ١٥٦] يَعْنِي: بِفِرْيَتِهِمْ عَلَيْهَا، وَرَمْيِهِمْ إِيَّاهَا بِالزِّنَا، وَهُوَ الْبُهْتَانُ الْعَظِيمُ؛ لِأَنَّهُمْ رَمَوْهَا بِذَلِكَ وَهِيَ مِمَّا رَمَوْهَا بِهِ بِغَيْرِ ثَبَتٍ وَلَا بُرْهَانَ بَرِيئَةً، فَبَهَتُوهَا بِالْبَاطِلِ مِنَ الْقَوْلِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٧ ‏/ ٦٤٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا﴾ [النساء: ١٥٦] يَعْنِي أَنَّهُمْ رَمَوْهَا بِالزِّنَا “
٧ ‏/ ٦٤٩
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: قَوْلُهُ: ﴿وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا﴾ [النساء: ١٥٦] حِينَ قَذَفُوهَا بِالزِّنَا “
٧ ‏/ ٦٤٩
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا﴾ [النساء: ١٥٦] قَالَ: «قَالُوا زَنَتْ»
٧ ‏/ ٦٥٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا﴾ [النساء: ١٥٧] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَبِقَوْلِهِمْ ﴿إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ﴾ [النساء: ١٥٧] ثُمَّ كَذَّبَهُمُ اللَّهُ فِي قِيلِهِمْ، فَقَالَ: ﴿وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ﴾ [النساء: ١٥٧] يَعْنِي: وَمَا قَتَلُوا عِيسَى وَمَا صَلَبُوهُ، وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي صِفَةِ التَّشْبِيهِ الَّذِي شُبِّهَ لِلْيَهُودِ فِي أَمْرِ عِيسَى، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَمَّا أَحَاطَتِ الْيَهُودُ بِهِ وَبِأَصْحَابِهِ، أَحَاطُوا بِهِمْ، وَهُمْ لَا يُثْبِتُونَ مَعْرِفَةَ عِيسَى بِعَيْنِهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ جَمِيعًا حُوِّلُوا فِي صُورَةِ عِيسَى، فَأُشْكِلَ عَلَى الَّذِينَ كَانُوا يُرِيدُونَ قَتْلَ عِيسَى، عِيسَى مِنْ غَيْرِهِ مِنْهُمْ، وَخَرَجَ إِلَيْهِمْ بَعْضُ مَنْ كَانَ فِي الْبَيْتِ مَعَ عِيسَى، فَقَتَلُوهُ وَهُمْ يَحْسَبُونَهُ عِيسَى
٧ ‏/ ٦٥٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَعْقُوبُ الْقُمِّيُّ، عَنْ هَارُونِ بْنِ عَنْتَرَةَ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: أَتَى عِيسَى وَمَعَهُ سَبْعَةَ عَشَرَ مِنَ الْحَوَارِيِّينَ فِي بَيْتٍ، وَأَحَاطُوا بِهِمْ، فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِمْ صُوَّرَهُمُ اللَّهُ كُلَّهُمْ عَلَى صُورَةِ عِيسَى، فَقَالُوا لَهُمْ: سَحَرْتُمُونَا لَتُبْرِزُنَّ لَنَا عِيسَى أَوْ لَنَقْتُلَنَّكُمْ جَمِيعًا، فَقَالَ عِيسَى لِأَصْحَابِهِ: مَنْ يَشْتَرِي نَفْسَهُ ⦗٦٥١⦘ مِنْكُمُ الْيَوْمَ بِالْجَنَّةِ؟ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ: أَنَا فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ: أَنَا عِيسَى، وَقَدْ صَوَّرَهُ اللَّهُ عَلَى صُورَةِ عِيسَى، فَأَخَذُوهُ فَقَتَلُوهُ وَصَلَبُوهُ، فَمِنْ ثَمَّ شُبِّهَ لَهُمْ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ قَتَلُوا عِيسَى، وَظَنَّتِ النَّصَارَى مِثْلَ ذَلِكَ أَنَّهُ عِيسَى، وَرَفَعَ اللَّهُ عِيسَى مِنْ يَوْمِهِ ذَلِكَ ” وَقَدْ رُوِيَ عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهِ غَيْرُ هَذَا الْقَوْلِ، وَهُوَ مَا:
٧ ‏/ ٦٥٠
حَدَّثَنِي بِهِ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ، قَالَ: ثني عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ مَعْقِلِ، أَنَّهُ سَمِعَ وَهْبًا، يَقُولُ: إِنَّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ لَمَّا أَعْلَمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ خَارِجٌ مِنَ الدُّنْيَا جَزِعَ مِنَ الْمَوْتِ وَشَقَّ عَلَيْهِ، فَدَعَا الْحَوَارِيِّينَ وَصَنَعَ لَهُمْ طَعَامًا، فَقَالَ: احْضُرُونِي اللَّيْلَةَ، فَإِنَّ لِي إِلَيْكُمْ حَاجَةً، فَلَمَّا اجْتَمَعُوا إِلَيْهِ مِنَ اللَّيْلِ عَشَّاهُمْ، وَقَامَ يَخْدُمُهُمْ، فَلَمَّا فَرَغُوا مِنَ الطَّعَامِ أَخَذَ يَغْسِلُ أَيْدِيَهُمْ وَيُوَضِّئُهُمْ بِيَدِهِ وَيَمْسَحُ أَيْدِيَهُمْ بِثِيَابِهِ، فَتَعَاظَمُوا ذَلِكَ وَتَكَارَهُوهُ، فَقَالَ: أَلَا مَنْ رَدَّ عَلَيَّ شَيْئًا اللَّيْلَةَ مِمَّا أَصْنَعُ فَلَيْسَ مِنِّي وَلَا أَنَا مِنْهُ، فَأَقَرُّوهُ حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: أَمَّا مَا صَنَعْتُ بِكُمُ اللَّيْلَةَ مِمَّا خَدَمْتُكُمْ عَلَى الطَّعَامِ وَغَسَلِتُ أَيْدِيَكُمْ بِيَدِي، فَلْيَكُنْ لَكُمْ بِي أُسْوَةٌ، فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَ أَنِّي خَيْرُكُمْ، فَلَا يَتَعَظَّمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ، وَلْيَبْذُلْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْسَهُ كَمَا بَذَلْتُ نَفْسِي لَكُمْ، وَأَمَّا حَاجَتِي الَّتِي اسْتَعَنْتُكُمْ عَلَيْهَا، فَتَدْعُونَ لِيَ اللَّهَ وَتَجْتَهِدُونَ فِي الدُّعَاءِ أَنْ يُؤَخِّرَ أَجَلِي. فَلَمَّا نَصَبُوا أَنْفُسَهُمْ
٧ ‏/ ٦٥١
لِلدُّعَاءِ، وَأَرَادُوا أَنْ يَجْتَهِدُوا، أَخَذَهُمُ النَّوْمُ حَتَّى لَمْ يَسْتَطِيعُوا دُعَاءً، فَجَعَلَ يُوقِظُهُمْ وَيَقُولُ: سُبْحَانَ اللَّهِ، أَمَا تَصْبِرُونَ لِي لَيْلَةً وَاحِدَةً تُعِينُونِي فِيهَا؟ قَالُوا: وَاللَّهِ مَا نَدْرِي مَا لَنَا، لَقَدْ كُنَّا نَسْمُرُ فَنُكْثِرُ السَّمَرَ، وَمَا نُطِيقُ اللَّيْلَةَ سَمَرًا وَمَا نُرِيدُ دُعَاءً إِلَّا حِيلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ. فَقَالَ: يُذْهَبُ بِالرَّاعِي وَتَتَفَرَّقُ الْغَنَمُ. وجَعَلَ يَأْتِي بِكَلَامٍ نَحْوِ هَذَا يَنْعَى بِهِ نَفْسَهُ، ثُمَّ قَالَ: الْحَقُّ لَيَكْفُرَنَّ بِي أَحَدُكُمْ قَبْلَ أَنْ يَصِيحَ الدِّيكُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَلَيَبِيعَنِي أَحَدُكُمْ بِدَرَاهِمَ يَسِيرَةٍ، وَلَيَأْكُلَنَّ ثَمَنِي، فَخَرَجُوا وَتَفَرَّقُوا، وَكَانَتِ الْيَهُودُ تَطْلُبُهُ، فَأَخَذُوا شَمْعُونَ أَحَدَ الْحَوَارِيِّينَ، فَقَالُوا: هَذَا مِنْ أَصْحَابِهِ، فَجَحَدَ، وَقَالَ: مَا أَنَا بِصَاحِبِهِ، فَتَرَكُوهُ، ثُمَّ أَخَذَهُ آخَرُونَ، فَجَحَدَ كَذَلِكَ، ثُمَّ سَمِعَ صَوْتَ دِيكٍ، فَبَكَى وَأَحْزَنَهُ. فَلَمَّا أَصْبَحَ أَتَى أَحَدُ الْحَوَارِيِّينَ إِلَى الْيَهُودِ، فَقَالَ: مَا تَجْعَلُونَ لِي إِنْ دَلَلْتُكُمْ عَلَى الْمَسِيحِ؟ فَجَعَلُوا لَهُ ثَلَاثِينَ دِرْهَمًا، فَأَخَذَهَا وَدَلَّهُمْ عَلَيْهِ، وَكَانَ شُبِّهَ عَلَيْهِمْ قَبْلَ ذَلِكَ، فَأَخَذُوهُ فَاسْتَوْثَقُوا مِنْهُ وَرَبَطُوهُ بِالْحَبَلِ، فَجَعَلُوا يَقُودُونَهُ وَيَقُولُونَ لَهُ: أَنْتَ كُنْتَ تُحْيِي الْمَوْتَى وَتَنْتِهِرُ الشَّيْطَانَ وَتُبْرِئُ الْمَجْنُونَ؟ أَفَلَا تُنْجِي نَفْسَكَ مِنْ هَذَا الْحَبْلِ؟ وَيَبْصُقُونَ عَلَيْهِ، وَيُلْقُونَ عَلَيْهِ الشَّوْكَ، حَتَّى أَتَوْا بِهِ الْخَشَبَةَ الَّتِي أَرَادُوا أَنْ يَصْلُبُوهُ عَلَيْهَا، فَرَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ، وَصَلَبُوا مَا شُبِّهَ لَهُمْ، فَمَكَثَ سَبْعًا، ثُمَّ إِنَّ أُمَّهُ وَالْمَرْأَةَ الَّتِي كَانَ يُدَاوِيهَا عِيسَى فَأَبْرَأَهَا اللَّهُ مِنَ الْجُنُونِ جَاءَتَا تَبْكِيَانِ حَيْثُ كَانَ الْمَصْلُوبُ، فَجَاءَهُمَا عِيسَى، فَقَالَ: عَلَامَ تَبْكِيَانِ؟ قَالَتَا: عَلَيْكَ. فَقَالَ: إِنِّي قَدْ
٧ ‏/ ٦٥٢
رَفَعَنِي اللَّهُ إِلَيْهِ، وَلَمْ يُصِبْنِي إِلَّا خَيْرٌ، وَإِنَّ هَذَا شَيْءٌ شُبِّهَ لَهُمْ، فَأَمَرَا الْحَوَارِيِّينَ أَنْ يُلْقُونِي إِلَى مَكَانِ كَذَا وَكَذَا. فلَقُوهُ إِلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ أَحَدَ عَشَرَ، وَفُقِدَ الَّذِي كَانَ بَاعَهُ وَدَلَّ عَلَيْهِ الْيَهُودَ، فَسَأَلَ عَنْهُ أَصْحَابُهُ، فَقَالُوا: إِنَّهُ نَدِمَ عَلَى مَا صَنَعَ، فَاخْتَنَقَ وَقَتَلَ نَفْسَهُ. فَقَالَ: لَوْ تَابَ لَتَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ سَأَلَهُمْ عَنْ غُلَامٍ يَتَّبِعُهُمْ يُقَالَ لَهُ: يُحَنَّا، فَقَالَ: هُوَ مَعَكُمْ فَانْطَلِقُوا فَإِنَّهُ سَيُصْبِحُ كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْكُمْ يُحَدِّثُ بِلُغَةِ قَوْمٍ، فَلْيُنْذِرْهُمْ وَلْيَدَعْهُمْ ” وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ سَأَلَ عِيسَى مَنْ كَانَ مَعَهُ فِي الْبَيْتِ أَنْ يُلْقَى عَلَى بَعْضِهِمْ شَبَهَهُ، فَانْتَدَبَ لِذَلِكَ رَجُلٌ، فَأُلْقِيَ عَلَيْهِ شَبَهُهُ، فَقُتِلَ ذَلِكَ الرَّجُلُ وَرُفِعَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عليه السلام
٧ ‏/ ٦٥٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ﴾ [النساء: ١٥٧] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا﴾ [النساء: ١٥٨] أُولَئِكَ أَعْدَاءُ اللَّهِ الْيَهُودُ اشْتَهَرُوا بِقَتْلِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ رَسُولِ اللَّهِ، وَزَعَمُوا أَنَّهُمْ قَتَلُوهُ وَصَلَبُوهُ، وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: أَيُّكُمْ يُقْذَفَ عَلَيْهِ شَبَهِي فَإِنَّهُ مَقْتُولٌ؟ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ: أَنَا يَا نَبِيَّ اللَّهِ. فقُتِلَ ⦗٦٥٤⦘ ذَلِكَ الرَّجُلُ، وَمَنَعَ اللَّهُ نَبِيَّهُ وَرَفَعَهُ إِلَيْهِ “
٧ ‏/ ٦٥٣
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ﴾ [النساء: ١٥٧] قَالَ: «أُلْقِيَ شَبَهُهُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْحَوَارِيِّينَ فَقُتِلَ، وَكَانَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عَرَضَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ: أَيُّكُمْ أُلْقِيَ شَبَهِي عَلَيْهِ وَلَهُ الْجَنَّةٌ؟ فَقَالَ رَجُلٌ: عَلَيَّ»
٧ ‏/ ٦٥٤
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ، حَصَرُوا عِيسَى وَتِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا مِنَ الْحَوَارِيِّينَ فِي بَيْتٍ، فَقَالَ عِيسَى لِأَصْحَابِهِ: مَنْ يَأْخُذْ صُورَتِي فَيُقْتَلْ وَلَهُ الْجَنَّةُ؟ فَأَخَذَهَا رَجُلٌ مِنْهُمْ. وصُعِدَ بِعِيسَى إِلَى السَّمَاءِ، فَلَمَّا خَرَجَ الْحَوَارِيُّونَ أَبْصَرُوهُمْ تِسْعَةَ عَشَرَ، فَأَخْبَرُوهُمْ أَنَّ عِيسَى عليه السلام قَدْ صُعِدَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ، فَجَعَلُوا يَعُدُّونَ الْقَوْمَ فَيَجِدُونَهُمْ يَنْقُصُونَ رَجُلًا مِنَ الْعِدَّةِ، وَيَرَوْنَ صُورَةَ عِيسَى فِيهِمْ، فَشَكُّوا فِيهِ، وَعَلَى ذَلِكَ قَتَلُوا الرَّجُلَ وَهُمْ يَرَوْنَ أَنَّهُ عِيسَى وَصَلَبُوهُ، فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تبارك وتعالى: ﴿وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ﴾ [النساء: ١٥٧] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا﴾ [النساء: ١٥٨]
٧ ‏/ ٦٥٤
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ: أَنَّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ، قَالَ: أَيُّكُمْ يُلْقَى عَلَيْهِ شَبَهِي فَيُقْتَلُ مَكَانِي؟ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. فأُلْقِيَ عَلَيْهِ شَبَهُهُ، فَقَتَلُوهُ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ﴾ [النساء: ١٥٧]
٧ ‏/ ٦٥٥
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: “كَانَ اسْمُ مَلِكِ بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّذِي بَعَثَ إِلَى عِيسَى لِيَقْتُلَهُ رَجُلًا مِنْهُمْ يُقَالَ لَهُ: دَاوُدُ، فَلَمَّا أَجْمَعُوا لِذَلِكَ مِنْهُ لَمْ يَفْظَعْ عَبْدٌ مِنِ عِبَادِ اللَّهِ بِالْمَوْتِ فِيمَا ذِكِرَ لِي فَظَعَهُ، وَلَمْ يَجْزَعْ مِنْهُ جَزَعَهُ، وَلَمْ يَدْعُ اللَّهَ فِي صَرْفِهِ عَنْهُ دُعَاءَهُ؛ حَتَّى إِنَّهُ لَيَقُولُ فِيمَا يَزْعُمُونَ: اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ صَارِفًا هَذِهِ الْكَأَسَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ خَلْقِكَ فَاصْرِفْهَا عَنِّي، وَحَتَّى إِنَّ جِلْدَهُ مِنْ كَرْبِ ذَلِكَ لَيَتَفَصَّدُ دَمًا. فدَخَلَ الْمَدْخَلَ الَّذِي أَجْمَعُوا أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهِ فِيهِ لِيَقْتُلُوهُ هُوَ وَأَصْحَابَهُ، وَهُمْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ بِعِيسَى، فَلَمَّا أَيْقَنَ أَنَّهُمْ دَاخِلُونَ عَلَيْهِ، قَالَ لِأَصْحَابِهِ مِنَ الْحَوَارِيِّينَ وَكَانُوا اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا: بُطْرُسُ، وَيَعْقُوبُ بْنُ زَبْدِي، وَيُحَنَّسُ أَخُو يَعْقُوبَ، وأندراوس، وفيلبس، وأبرثلما، ومتى،
٧ ‏/ ٦٥٥
وتوماس، وَيَعْقُوبُ بْنُ حلقيَا، وتداوس، وفتاتيَا، وَيُودُسُ زَكَرِيَّا يُوطَا. قَالَ ابْنُ حُمَيْدٍ: قَالَ سَلَمَةُ: قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَكَانَ فِيهِمْ فِيمَا ذُكِرَ لِي رَجُلٌ اسْمُهُ سَرْجِسُ، فَكَانُوا ثَلَاثَةَ عَشَرَ رَجُلًا سِوَى عِيسَى جَحَدَتْهُ النَّصَارَى، وَذَلِكَ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي شُبِّهَ لِلْيَهُودِ مَكَانَ عِيسَى. قَالَ: فَلَا أَدْرِي مَا هُوَ مِنْ هَؤُلَاءِ الِاثْنَي عَشَرَ أَمْ كَانُوا ثَلَاثَةَ عَشَرَ، فَجَحَدُوهُ حِينَ أَقَرُّوا لِلْيَهُودِ بِصَلْبِ عِيسَى وَكَفَرُوا بِمَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ ﷺ مِنَ الْخَبَرِ عَنْهُ. فَإِنْ كَانُوا ثَلَاثَةَ عَشَرَ فَإِنَّهُمْ دَخَلُوا الْمَدْخَلَ حِينَ دَخَلُوا وَهُمْ بِعِيسَى أَرْبَعَةَ عَشَرَ، وَإِنْ كَانُوا اثْنَيْ عَشَرَ فَإِنَّهُمْ دَخَلُوا الْمَدْخَلَ حِينَ دَخَلُوا وَهُمْ بِعِيسَى ثَلَاثَةَ عَشَرَ “
٧ ‏/ ٦٥٦
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثني رَجُلٌ كَانَ نَصْرَانِيًّا فَأَسْلَمَ أَنَّ عِيسَى حِينَ جَاءَهُ مِنَ اللَّهِ ﴿وَرَافِعُكَ إِلَيَّ﴾ [آل عمران: ٥٥] قَالَ: “يَا مَعْشَرَ الْحَوَارِيِّينَ، أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ رَفِيقِي فِي الْجَنَّةِ حَتَّى يُشَبَّهَ لِلْقَوْمِ فِي صُورَتِي
٧ ‏/ ٦٥٦
فَيَقْتُلُوهُ مَكَانِي؟ فَقَالَ سَرْجِسُ: أَنَا يَا رُوحَ اللَّهِ. قَالَ: فَاجْلِسْ فِي مَجْلِسِي. فجَلَسَ فِيهِ، وَرُفِعَ عِيسَى صَلَوَاتُ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَأَخَذُوهُ، فَصَلَبُوهُ، فَكَانَ هُوَ الَّذِي صَلَبُوهُ وَشُبِّهَ لَهُمْ بِهِ، وَكَانَتْ عِدَّتُهُمْ حِينَ دَخَلُوا مَعَ عِيسَى مَعْلُومَةً، قَدْ رَأَوْهُمْ فَأَحْصَوْا عِدَّتَهُمْ، فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ لِيَأْخُذُوهُ وَجَدُوا عِيسَى فِيمَا يَرَوْنَ وَأَصْحَابَهُ وَفَقَدُوا رَجُلًا مِنَ الْعِدَّةِ، فَهُوَ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ، وَكَانُوا لَا يَعْرِفُونَ عِيسَى، حَتَّى جَعَلُوا لِيُودُسَ زَكَرِيَّا يُوطَا ثَلَاثِينَ دِرْهَمًا عَلَى أَنْ يَدُلَّهُمْ عَلَيْهِ وَيُعَرِّفَهُمْ إِيَّاهُ، فَقَالَ لَهُمْ: إِذَا دَخَلْتُمْ عَلَيْهِ فَإِنِّي سَأُقَبِّلُهُ، وَهُوَ الَّذِي أُقَبِّلُ فَخُذُوهُ، فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ، وَقَدْ رُفِعَ عِيسَى، رَأَى سَرْجِسَ فِي صُورَةِ عِيسَى، فَلَمْ يَشُكَّ أَنَّهُ هُوَ عِيسَى، فَأَكَبَّ عَلَيْهِ فَقَبَّلَهُ، فَأَخَذُوهُ فَصَلَبُوهُ، ثُمَّ إِنَّ يُودُسَ زَكَرِيَّا يُوطَا نَدِمَ عَلَى مَا صَنَعَ، فَاخْتَنَقَ بِحَبْلٍ حَتَّى قَتَلَ نَفْسَهُ، وَهُوَ مَلْعُونٌ فِي النَّصَارَى، وَقَدْ كَانَ أَحَدَ الْمَعْدُودِينَ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَبَعْضُ النَّصَارَى يَزْعُمُ أَنَّ يُودُوسَ زَكَرِيَّا يُوطَا هُوَ الَّذِي شُبِّهَ لَهُمْ فَصَلَبُوهُ، وَهُوَ يَقُولُ: إِنِّي لَسْتُ بِصَاحِبِكُمْ، أَنَا الَّذِي دَلَلْتُكُمْ عَلَيْهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَيَّ ذَلِكَ كَانَ “
٧ ‏/ ٦٥٧
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: بَلَغَنَا أَنَّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ، قَالَ لِأَصْحَابِهِ: «أَيُّكُمْ يَنْتَدِبُ فَيُلْقَى عَلَيْهِ شَبَهِي فَيُقْتَلُ؟ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ: أَنَا يَا نَبِيَّ اللَّهِ. فأُلْقِيَ عَلَيْهِ شَبَهُهُ فَقُتِلَ، وَرَفَعَ اللَّهُ نَبِيَّهُ ⦗٦٥٨⦘ إِلَيْهِ»
٧ ‏/ ٦٥٧
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿شُبِّهَ لَهُمْ﴾ [النساء: ١٥٧] قَالَ: «صَلَبُوا رَجُلًا غَيْرَ عِيسَى يَحْسَبُونَهُ إِيَّاهُ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ﴾ [النساء: ١٥٧] فَذَكَرَ مِثْلَهُ
٧ ‏/ ٦٥٨
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «صَلَبُوا رَجُلًا شَبَّهُوهُ بِعِيسَى يَحْسَبُونَهُ إِيَّاهُ، وَرَفَعَ اللَّهُ إِلَيْهِ عِيسَى عليه السلام حَيًّا» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ بِالصَّوَابِ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرْنَاهُمَا عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، مِنْ أَنَّ شَبَهَ عِيسَى أُلْقِيَ عَلَى جَمِيعِ مَنْ كَانَ فِي الْبَيْتِ مَعَ عِيسَى حِينَ أُحِيطَ بِهِ وَبِهِمْ، مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةِ عِيسَى إِيَّاهُمْ ذَلِكَ، وَلَكِنْ لِيُخْزِيَ اللَّهُ بِذَلِكَ الْيَهُودَ وَيُنْقِذَ بِهِ نَبِيَّهُ عليه السلام مِنْ مَكْرُوهٍ مَا أَرَادُوا بِهِ مِنَ الْقَتْلِ، وَيَبْتَلِيَ بِهِ مَنْ أَرَادَ ابْتِلَاءَهُ مِنْ عِبَادِهِ فِي قِيلِهِ فِي عِيسَى وَصِدْقِ الْخَبَرِ عَنْ أَمْرِهِ. أَوِ الْقَوْلِ الَّذِي رَوَاهُ عَبْدُ الْعَزِيزِ عَنْهُ. ⦗٦٥٩⦘ وَإِنَّمَا قُلْنَا: ذَلِكَ أَوْلَى الْقَوْلَيْنِ بِالصَّوَابِ، لِأَنَّ الَّذِينَ شَهِدُوا عِيسَى مِنَ الْحَوَارِيِّينَ لَوْ كَانُوا فِي حَالِ مَا رُفِعَ عِيسَى، وَأُلْقِي شَبَهُهُ عَلَى مَنْ أُلْقِيَ عَلَيْهِ شَبَهُهُ، كَانُوا قَدْ عَايَنُوا عِيسَى وَهُوَ يُرْفَعُ مِنْ بَيْنِهِمْ، وَأَثْبَتُوا الَّذِي أُلْقِيَ عَلَيْهِ شَبَهَهُ، وَعَايَنُوهُ مُتَحَوِّلًا فِي صُورَتِهِ بَعْدَ الَّذِي كَانَ بِهِ مِنْ صُورَةِ نَفْسِهِ بِمَحْضَرٍ مِنْهُمْ، لَمْ يَخْفَ ذَلِكَ مِنْ أَمْرِ عِيسَى، وَأَمْرِ مِنْ أُلْقِيَ عَلَيْهِ شَبَهُهُ عَلَيْهِمْ مَعَ مُعَايَنَتِهِمْ ذَلِكَ كُلَّهُ، وَلَمْ يَلْتَبِسْ وَلَمْ يُشْكَلْ عَلَيْهِمْ وَإِنْ أَشْكَلَ عَلَى غَيْرِهِمْ مِنْ أَعْدَائِهِمْ مِنَ الْيَهُودِ أَنَّ الْمَقْتُولَ وَالْمَصْلُوبَ كَانَ غَيْرَ عِيسَى، وَأَنَّ عِيسَى رُفِعَ مِنْ بَيْنِهِمْ حَيًّا. وَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَدْ أُشْكِلَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، وَقَدْ سَمِعُوا مِنْ عِيسَى مَقَالَتَهُ: مَنْ يُلْقَى عَلَيْهِ شَبَهِي وَيَكُونُ رَفِيقِي فِي الْجَنَّةِ؟ إِنْ كَانَ قَالَ لَهُمْ ذَلِكَ، وَسَمِعُوا جَوَابَ مُجِيبِهِ مِنْهُمْ: أَنَا، وَعَايَنُوا تَحَوُّلَ الْمُجِيبِ فِي صُورَةِ عِيسَى بِعَقِبِ جَوَابِهِ، وَلَكِنَّ ذَلِكَ كَانَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ عَلَى نَحْوِ مَا وَصَفَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ، إِمَّا أَنْ يَكُونَ الْقَوْمُ الَّذِينَ كَانُوا مَعَ عِيسَى فِي الْبَيْتِ الَّذِي رُفِعَ مِنْهُ مِنْ حَوَارِيِّهِ حَوَّلَهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فِي صُورَةِ عِيسَى حِينَ أَرَادَ اللَّهُ رَفْعَهُ، فَلَمْ يُثْبِتُوا عِيسَى مَعْرِفَةً بِعَيْنِهِ مِنْ غَيْرِهِ لِتَشَابُهِ صُوَرِ جَمِيعِهِمْ، فَقَتَلِتِ الْيَهُودُ مِنْهُمْ مَنْ قَتَلَتْ وَهُمْ يَرَوْنَهُ بِصُورَةِ عِيسَى وَيَحْسَبُونَهُ إِيَّاهُ، لَأَنَّهُمْ كَانُوا بِهِ عَارِفِينَ قَبْلَ ذَلِكَ، وَظَنَّ الَّذِينَ كَانُوا فِي الْبَيْتِ مَعَ عِيسَى مِثْلَ الَّذِي ظَنَّتِ الْيَهُودُ، لِأَنَّهُمْ لَمْ يُمَيِّزُوا شَخَصَ عِيسَى مِنْ شَخْصِ غَيْرِهِ لِتَشَابُهِ شَخْصِهِ وَشَخْصِ غَيْرِهِ مِمَّنْ كَانَ مَعَهُ فِي الْبَيْتِ، فَاتَّفَقُوا جَمِيعُهُمْ، أَعْنِي الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْمَقْتُولَ كَانَ عِيسَى، وَلَمْ يَكُنْ بِهِ، وَلَكِنَّهُ شُبِّهَ لَهُمْ، كَمَا قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ﴾ [النساء: ١٥٧] .
٧ ‏/ ٦٥٨
أَوْ يَكُونَ الْأَمْرُ فِي ذَلِكَ كَانَ
٧ ‏/ ٦٥٩
عَلَى نَحْوِ مَا رَوَى عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ مَعْقِلٍ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، أَنَّ الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا مَعَ عِيسَى فِي الْبَيْتِ تَفَرَّقُوا عَنْهُ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهِ الْيَهُودُ، وَبَقِيَ عِيسَى، وَأُلْقِيَ شَبَهُهُ عَلَى بَعْضِ أَصْحَابِهِ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ فِي الْبَيْتِ بَعْدَ مَا تَفَرَّقَ الْقَوْمُ غَيْرَ عِيسَى وَغَيْرَ الَّذِي أُلْقِيَ عَلَيْهِ شَبَهُهُ، وَرُفِعَ عِيسَى، فَقُتِلَ الَّذِي تَحَوَّلَ فِي صُورَةِ عِيسَى مِنْ أَصْحَابِهِ، وَظَنَّ أَصْحَابُهُ وَالْيَهُودُ أَنَّ الَّذِيَ قُتِلَ وَصُلِبَ هُوَ عِيسَى لَمَّا رَأَوْا مِنْ شَبَهِهِ بِهِ وَخَفَاءِ أَمْرِ عِيسَى عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ رَفْعَهُ وَتَحَوُّلَ الْمَقْتُولِ فِي صُورَتِهِ كَانَ بَعْدَ تَفَرُّقِ أَصْحَابِهِ عَنْهُ، وَقَدْ كَانُوا سَمِعُوا عِيسَى مِنَ اللَّيْلِ يَنْعَى نَفْسَهُ وَيَحْزَنُ لِمَا قَدْ ظَنَّ أَنَّهُ نَازِلٌ بِهِ مِنَ الْمَوْتِ، فَحَكَوْا مَا كَانَ عِنْدَهُمْ حَقًّا، وَالْأَمْرُ عِنْدَ اللَّهِ فِي الْحَقِيقَةِ بِخِلَافِ مَا حَكَوْا، فَلَمْ يَسْتَحِقَّ الَّذِينَ حَكَوْا ذَلِكَ مِنْ حَوَارِيَّيْهِ أَنْ يَكُونُوا كَذَبَةً، أَوْ حَكَوْا مَا كَانَ حَقًّا عِنْدَهُمْ فِي الظَّاهِرِ وَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ عِنْدَ اللَّهِ فِي الْحَقِيقَةِ بِخِلَافِ الَّذِي حَكَوْا “
٧ ‏/ ٦٦٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا﴾ [النساء: ١٥٧] يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ﴾ [النساء: ١٥٧] الْيَهُودَ الَّذِينَ أَحَاطُوا بِعِيسَى وَأَصْحَابِهِ حِينَ أَرَادُوا قَتْلَهُ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا قَدْ عَرَفُوا عِدَّةَ مَنْ فِي الْبَيْتِ قَبْلَ دُخُولِهِمْ فِيمَا ذُكِرَ؛ فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِمْ، فَقَدُوا وَاحِدًا مِنْهُمْ، فَالْتَبَسَ أَمْرُ عِيسَى عَلَيْهِمْ بِفَقْدِهِمْ وَاحِدًا مِنَ الْعِدَّةَ الَّتِي كَانُوا
٧ ‏/ ٦٦٠
قَدْ أَحْصَوْهَا، وَقَتَلُوا مَنْ قَتَلُوا عَلَى شَكٍّ مِنْهُمْ فِي أَمْرِ عِيسَى. وَهَذَا التَّأْوِيلُ عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ: لَمْ يُفَارِقِ الْحَوَارِيُّونَ عِيسَى حَتَّى رُفِعَ وَدَخَلَ عَلَيْهِمُ الْيَهُودُ. وَأَمَّا تَأْوِيلُهُ عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ: تَفَرَّقُوا عَنْهُ مِنَ اللَّيْلِ، فَإِنَّهُ: وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي عِيسَى، هَلْ هُوَ الَّذِي بَقِيَ فِي الْبَيْتِ مِنْهُمْ بَعْدَ خُرُوجِ مَنْ خَرَجَ مِنْهُمْ مِنَ الْعِدَّةِ الَّتِي كَانَتْ فِيهِ أَمْ لَا؟ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ، يَعْنِي: مِنْ قَتْلِهِ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا أَحْصَوْا مِنَ الْعِدَّةِ حِينَ دَخَلُوا الْبَيْتَ أَكْثَرَ مِمَّنْ خَرَجَ مِنْهُ وَمَنْ وُجِدَ فِيهِ، فَشَكُّوا فِي الَّذِي قَتَلُوهُ هَلْ هُوَ عِيسَى أَمْ لَا مِنْ أَجْلِ فَقْدِهِمْ مَنْ فَقَدُوا مِنَ الْعَدَدِ الَّذِي كَانُوا أَحْصَوْهُ، وَلَكِنَّهُمْ قَالُوا: قَتَلْنَا عِيسَى لِمُشَابَهِةِ الْمَقْتُولِ عِيسَى فِي الصُّورَةِ. يَقُولُ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عَلِمَ﴾ [النساء: ١٥٧] يَعْنِي: أَنَّهُمْ قَتَلُوا مَنْ قَتَلُوهُ عَلَى شَكٍّ مِنْهُمْ فِيهِ وَاخْتِلَافٍ، هَلْ هُوَ عِيسَى أَمْ غَيْرُهُ؟ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ بِمَنْ قَتَلُوهُ عِلْمٌ مَنْ هُوَ، هُوَ عِيسَى أَمْ هُوَ غَيْرُهُ؟ ﴿إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ﴾ [النساء: ١٥٧] يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ: مَا كَانَ لَهُمْ بِمَنْ قَتَلُوهُ مِنْ عِلْمٍ، وَلَكِنَّهُمُ اتَّبَعُوا ظَنَّهُمْ، فَقَتَلُوهُ ظَنًّا مِنْهُمْ أَنَّهُ عِيسَى وَأَنَّهُ الَّذِي يُرِيدُونَ قَتْلَهُ، وَلَمْ يَكُنْ بِهِ ﴿وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا﴾ [النساء: ١٥٧] يَقُولُ: “وَمَا قَتَلُوا هَذَا الَّذِي اتَّبَعُوهُ فِي الْمَقْتُولِ الَّذِي قَتَلُوهُ وَهُمْ يَحْسَبُونَهُ عِيسَى يَقِينًا أَنَّهُ عِيسَى، وَلَا أَنَّهُ غَيْرُهُ، وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا مِنْهُ عَلَى ظَنٍّ وَشُبْهَةٍ؛ وَهَذَا كَقَوْلِ الرَّجُلِ لِلرَّجُلِ: مَا قَتَلْتَ هَذَا الْأَمْرَ عِلْمًا وَمَا قَتَلْتَهُ يَقِينًا، إِذَا
٧ ‏/ ٦٦١
تَكَلَّمَ فِيهِ بِالظَّنِّ عَلَى غَيْرِ يَقِينِ عِلْمٍ؛ فَالْهَاءُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَا قَتَلُوهُ﴾ [النساء: ١٥٧] عَائِدَةٌ عَلَى الظَّنِّ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٧ ‏/ ٦٦٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا﴾ [النساء: ١٥٧] قَالَ: «يَعْنِي: لَمْ يَقْتُلُوا ظَنَّهُمْ يَقِينًا»
٧ ‏/ ٦٦٢
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا﴾ [النساء: ١٥٧] قَالَ: «مَا قَتَلُوا ظَنَّهُمْ يَقِينًا»
٧ ‏/ ٦٦٢
وَقَالَ السُّدِّيُّ فِي ذَلِكَ مَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا﴾ [النساء: ١٥٧] وَمَا قَتَلُوا أَمْرَهُ يَقِينًا أَنَّ الرَّجُلَ هُوَ عِيسَى، بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ “
٧ ‏/ ٦٦٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا﴾ [النساء: ١٥٨] أَمَّا قَوْلُهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ﴾ [النساء: ١٥٨] فَإِنَّهُ يَعْنِي: بَلْ رَفَعَ اللَّهُ الْمَسِيحَ إِلَيْهِ، يَقُولُ: لَمْ يَقْتُلُوهُ وَلَمْ يَصْلُبُوهُ، وَلَكِنَّ اللَّهَ رَفَعَهُ إِلَيْهِ، فَطَهَّرَهُ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا.
٧ ‏/ ٦٦٢
وَقَدْ بَيَّنَّا كَيْفَ كَانَ رَفْعُ اللَّهِ إِيَّاهُ فِيمَا مَضَى وَذَكَرْنَا اخْتِلَافَ الْمُخْتَلِفِينَ فِي ذَلِكَ، وَالصَّحِيحُ مِنَ الْقَوْلِ فِيهِ بِالْأَدِلَّةِ الشَّاهِدَةِ عَلَى صِحَّتِهِ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا﴾ [النساء: ١٥٨] فَإِنَّهُ يَعْنِي: وَلَمْ يَزَلِ اللَّهُ مُنْتَقِمًا مِنْ أَعْدَائِهِ، كَانْتِقَامِهِ مِنَ الَّذِينَ أَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ، وَكَلَعْنِهِ الَّذِينَ قَصَّ قِصَّتَهُمْ بِقَوْلِهِ: ﴿فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ﴾ [النساء: ١٥٥] حَكِيمًا، يَقُولُ: ذَا حِكْمَةٍ فِي تَدْبِيرِهِ وَتَصْرِيفِهِ خَلْقَهُ فِي قَضَائِهِ، يَقُولُ: فَاحْذَرُوا أَيُّهَا السَّائِلُونَ مُحَمَّدًا أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ مِنْ حُلُولِ عُقُوبَتِي بِكُمْ، كَمَا حَلَّ بَأَوَائِلِكُمُ الَّذِينَ فَعَلُوا فِعْلَكُمْ فِي تَكْذِيبِهِمْ رُسُلِي، وَافْتِرَائِهِمْ عَلَى أَوْلِيَائِي. وَقَدْ:
٧ ‏/ ٦٦٣
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ أَبِي سَارَةَ الرُّؤَاسِيُّ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنِ الْمِنْهَالِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا﴾ [النساء: ١٥٨] قَالَ: «مَعْنَى ذَلِكَ: أَنَّهُ كَذَلِكَ»
٧ ‏/ ٦٦٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيَؤُمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا﴾ [النساء: ١٥٩]⦗٦٦٤⦘ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى ذَلِكَ: ﴿وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيَؤُمِنَنَّ بِهِ﴾ [النساء: ١٥٩] يَعْنِي بِعِيسَى ﴿قَبْلَ مَوْتِهِ﴾ [النساء: ١٥٩] يَعْنِي: قَبْلَ مَوْتِ عِيسَى، يُوَجَّهُ ذَلِكَ إِلَى أَنَّ جَمِيعَهُمْ يُصَدِّقُونَ بِهِ إِذَا نَزَلَ لَقَتَلَ الدَّجَّالَ، فَتَصِيرُ الْمِلَلِ كُلُّهَا وَاحِدَةً، وَهِيَ مِلَّةُ الْإِسْلَامِ الْحَنِيفِيَّةُ، دِينُ إِبْرَاهِيمَ ﷺ.
٧ ‏/ ٦٦٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ﴾ [النساء: ١٥٩] قَالَ: «قَبْلَ مَوْتِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ»
٧ ‏/ ٦٦٤
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ﴾ [النساء: ١٥٩] قَالَ: «قَبْلَ مَوْتِ عِيسَى»
٧ ‏/ ٦٦٤
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حُصَيْنٌ، عَنْ أَبِي ⦗٦٦٥⦘ مَالِكٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ﴾ [النساء: ١٥٩] قَالَ: «ذَلِكَ عِنْدَ نُزُولِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ لَا يَبْقَى أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ»
٧ ‏/ ٦٦٤
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ، قَالَ: ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: ﴿قَبْلَ مَوْتِهِ﴾ [النساء: ١٥٩] قَالَ: «قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ»
٧ ‏/ ٦٦٥
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ﴾ [النساء: ١٥٩] قَالَ: «قَبْلَ مَوْتِ عِيسَى، وَاللَّهِ إِنَّهُ الْآنَ لَحَيُّ عِنْدَ اللَّهِ، وَلَكِنْ إِذَا نَزَلَ آمَنُوا بِهِ أَجْمَعُونَ»
٧ ‏/ ٦٦٥
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ﴾ [النساء: ١٥٩] يَقُولُ: «قَبْلَ مَوْتِ عِيسَى»
٧ ‏/ ٦٦٥
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ﴾ [النساء: ١٥٩] قَالَ: «قَبْلَ مَوْتِ عِيسَى»
٧ ‏/ ٦٦٥
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ﴾ [النساء: ١٥٩] قَالَ: «قَبْلَ مَوْتِ عِيسَى إِذَا نَزَلَ آمَنَتْ بِهِ الْأَدْيَانُ كُلُّهَا»
٧ ‏/ ٦٦٥
حَدَّثَنَا أَبُو وَكِيعٍ قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيِّ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: قَبْلَ مَوْتِ عِيسَى “
٧ ‏/ ٦٦٥
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ عَوْفٍ، عَنِ الْحَسَنِ: ﴿إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ﴾ [النساء: ١٥٩] قَالَ: «عِيسَى وَلَمْ يَمُتْ بَعْدُ»
٧ ‏/ ٦٦٦
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا عِمْرَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ، قَالَ: «لَا يَبْقَى أَحَدٌ مِنْهُمْ عِنْدَ نُزُولِ عِيسَى إِلَّا آمَنَ بِهِ»
٧ ‏/ ٦٦٦
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ، قَالَ: «قَبْلَ مَوْتِ عِيسَى»
٧ ‏/ ٦٦٦
حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ﴾ [النساء: ١٥٩] قَالَ: «إِذَا نَزَلَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ فَقَتَلَ الدَّجَّالَ لَمْ يَبْقَ يَهُودِيُّ فِي الْأَرْضِ إِلَّا آمَنَ بِهِ، قَالَ: وَذَلِكَ حِينَ لَا يَنْفَعُهُمُ الْإِيمَانُ»
٧ ‏/ ٦٦٦
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ﴾ [النساء: ١٥٩] يَعْنِي: أَنَّهُ سَيُدْرِكُ أُنَاسٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ حِينَ يُبْعَثُ عِيسَى، فَيُؤْمِنُونَ بِهِ، وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا “
٧ ‏/ ٦٦٦
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ زَاذَانَ، عَنِ الْحَسَنِ، أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ ⦗٦٦٧⦘ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ﴾ [النساء: ١٥٩] قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: أَظُنُّهُ إِنَّمَا قَالَ: إِذَا خَرَجَ عِيسَى آمَنَتْ بِهِ الْيَهُودُ “، وَقَالَ آخَرُونَ: يَعْنِي بِذَلِكَ: وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِعِيسَى قَبْلَ مَوْتِ الْكِتَابِيِّ ذِكْرُ مَنْ كَانَ يُوَجِّهُ ذَلِكَ إِلَى أَنَّهُ إِذَا عَايَنَ عِلْمَ الْحَقِّ مِنَ الْبَاطِلِ، لِأَنَّ كُلَّ مَنْ نَزَلَ بِهِ الْمَوْتُ لَمْ تَخْرُجْ نَفْسُهُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُ الْحَقُّ مِنَ الْبَاطِلِ فِي دِينِهِ:
٧ ‏/ ٦٦٦
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ﴾ [النساء: ١٥٩] قَالَ: «لَا يَمُوتُ يَهُودِيُّ حَتَّى يُؤْمِنَ بِعِيسَى»
٧ ‏/ ٦٦٧
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، وَابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَا: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ﴾ [النساء: ١٥٩] قَالَ: «لَا تَخْرُجُ نَفْسُهُ، حَتَّى يُؤْمِنَ بِعِيسَى، وَإِنْ غَرِقَ، أَوْ تَرَدَّى مِنْ حَائِطٍ، أَوْ أَيَّ مِيتَةٍ كَانَتْ»
٧ ‏/ ٦٦٧
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ﴾ [النساء: ١٥٩] كُلُّ صَاحِبِ كِتَابٍ ⦗٦٦٨⦘ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ بِعِيسَى قَبْلَ مَوْتِهِ، مَوْتِ صَاحِبِ الْكِتَابِ “
٧ ‏/ ٦٦٧
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ﴾ [النساء: ١٥٩] كُلُّ صَاحِبِ كِتَابٍ يُؤْمِنُ بِعِيسَى قَبْلَ مَوْتِهِ، قَبْلَ مَوْتِ صَاحِبِ الْكِتَابِ؛ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَوْ ضُرِبَتْ عُنُقُهُ، لَمْ تَخْرُجْ نَفْسُهُ حَتَّى يُؤْمِنَ بِعِيسَى “
٧ ‏/ ٦٦٨
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا أَبُو تُمَيْلَةَ يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ بْنُ وَاقِدٍ، عَنْ يَزِيدَ النَّحْوِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «لَا يَمُوتُ الْيَهُودِيُّ، حَتَّى يَشْهَدَ أَنَّ عِيسَى عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، وَلَوْ عُجِلَ عَلَيْهِ بِالسِّلَاحِ»
٧ ‏/ ٦٦٨
حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ حَبِيبِ بْنِ الشَّهِيدِ، قَالَ: ثنا عَتَّابُ بْنُ بَشِيرٍ، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ﴾ [النساء: ١٥٩] قَالَ: «هِيَ فِي قِرَاءَةِ أُبَيٍّ: «قَبْلَ مَوْتِهِمْ» لَيْسَ يَهُودِيُّ يَمُوتُ أَبَدًا حَتَّى يُؤْمِنَ بِعِيسَى؛ قِيلَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: أَرَأَيْتَ إِنْ خَرَّ مِنْ فَوْقِ بَيْتٍ؟ قَالَ: يَتَكَلَّمُ بِهِ فِي الْهَوِيَّ. فقِيلَ: أَرَأَيْتَ إِنْ ضُرِبَتْ عُنُقُ أَحَدٍ مِنْهُمْ؟ قَالَ: يَتَلَجْلَجُ بِهَا لِسَانُهُ»
٧ ‏/ ٦٦٨
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثني أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ خُصَيْفٍ، ⦗٦٦٩⦘ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ﴾ [النساء: ١٥٩] قَالَ: «لَا يَمُوتُ يَهُودِيُّ حَتَّى يُؤْمِنَ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، قِيلَ: وَإِنْ ضُرِبَ بِالسَّيْفِ؟ قَالَ: يَتَكَلَّمُ بِهِ، قِيلَ: وَإِنْ هَوَى؟ قَالَ: يَتَكَلَّمُ بِهِ وَهُوَ يَهْوِي»
٧ ‏/ ٦٦٨
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثني مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي هَارُونَ الْغَنَوِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ﴾ [النساء: ١٥٩] قَالَ: «لَوْ أَنَّ يَهُودِيًّا وَقَعَ مِنْ فَوْقِ هَذَا الْبَيْتِ لَمْ يَمُتْ حَتَّى يُؤْمِنَ بِهِ؛ يَعْنِي: بِعِيسَى»
٧ ‏/ ٦٦٩
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثني عَبْدُ الصَّمَدِ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ مَوْلًى، لِقُرَيْشٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ، يَقُولُ: «لَوْ وَقَعَ يَهُودِيُّ مِنْ فَوْقِ الْقَصْرِ، لَمْ يَبْلُغْ إِلَى الْأَرْضِ، حَتَّى يُؤْمِنَ بِعِيسَى»
٧ ‏/ ٦٦٩
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي هَاشِمٍ الرُّمَّانِيِّ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ﴾ [النساء: ١٥٩] قَالَ: «وَإِنْ وَقَعَ مِنْ فَوْقِ الْبَيْتِ لَا يَمُوتُ حَتَّى يُؤْمِنَ بِهِ»
٧ ‏/ ٦٦٩
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي قَيْسٍ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ﴾ [النساء: ١٥٩] قَالَ: «لَا يَمُوتُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ حَتَّى يُؤْمِنَ بِهِ، وَإِنْ غَرِقَ، أَوْ تَرَدَّى، أَوْ مَاتَ بِشَيْءٍ»
٧ ‏/ ٦٧٠
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ﴾ [النساء: ١٥٩] قَالَ: «لَا تَخْرُجُ نَفْسُهُ حَتَّى يُؤْمِنَ بِهِ»
٧ ‏/ ٦٧٠
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ: ﴿وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ﴾ [النساء: ١٥٩] قَالَ: «لَا يَمُوتُ أَحَدُهُمْ حَتَّى يُؤْمِنَ بِهِ، يَعْنِي: بِعِيسَى، وَإِنْ خَرَّ مِنْ فَوْقِ بَيْتٍ يُؤْمِنُ بِهِ وَهُوَ يَهْوِي»
٧ ‏/ ٦٧٠
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، قَالَ: «لَيْسَ أَحَدٌ مِنَ الْيَهُودِ يَخْرُجُ مِنَ الدُّنْيَا حَتَّى يُؤْمِنَ بِعِيسَى»
٧ ‏/ ٦٧٠
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ فُرَاتٍ الْقَزَّازِ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ﴾ [النساء: ١٥٩] قَالَ: «لَا يَمُوتُ أَحَدٌ مِنْهُمْ، حَتَّى يُؤْمِنَ بِعِيسَى، يَعْنِي: الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى»
٧ ‏/ ٦٧٠
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ فُرَاتٍ، عَنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ﴾ [النساء: ١٥٩] قَالَ: «لَا يَمُوتُ أَحَدٌ مِنْهُمْ، حَتَّى يُؤْمِنَ بِعِيسَى قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ»
٧ ‏/ ٦٧٠
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا الْحَكَمُ بْنُ عَطِيَّةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ: ﴿وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ﴾ [النساء: ١٥٩] قَالَ: «مَوْتُ الرَّجُلِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ»
٧ ‏/ ٦٧١
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ﴾ [النساء: ١٥٩] قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَيْسَ مِنْ يَهُودِيٍّ وَلَا نَصْرَانِيٍّ يَمُوتُ حَتَّى يُؤْمِنَ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ. فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ: كَيْفَ وَالرَّجُلُ يَغْرَقَ، أَوْ يَحْتَرِقُ، أَوْ يَسْقُطُ عَلَيْهِ الْجِدَارُ، أَوْ يَأْكُلُهُ السَّبُعُ؟ فَقَالَ: لَا تَخْرُجُ رُوحُهُ مِنْ جَسَدِهِ حَتَّى يُقْذَفَ فِيهِ الْإِيمَانُ بِعِيسَى “
٧ ‏/ ٦٧١
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ﴾ [النساء: ١٥٩] قَالَ: «لَا يَمُوتُ أَحَدٌ مِنَ الْيَهُودِ حَتَّى يَشْهَدَ أَنَّ عِيسَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ»
٧ ‏/ ٦٧١
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا يَعْلَى، عَنْ جُوَيْبِرٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ﴾ [النساء: ١٥٩] قَالَ: “فِي قِرَاءَةِ أُبَيٍّ: «قَبْلَ مَوْتِهِمْ» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِمُحَمَّدٍ ﷺ قَبْلَ مَوْتِ الْكِتَابِيِّ
٧ ‏/ ٦٧١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ، قَالَ: ثنا حَمَّادٌ، عَنْ حُمَيْدٍ، قَالَ: قَالَ عِكْرِمَةُ: “لَا يَمُوتُ النَّصْرَانِيُّ وَالْيَهُودِيُّ حَتَّى يُؤْمِنَ بِمُحَمَّدٍ ﷺ، يَعْنِي فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ﴾ [النساء: ١٥٩] قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ بِالصِّحَّةِ وَالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: تَأْوِيلُ ذَلِكَ: وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِعِيسَى قَبْلَ مَوْتِ عِيسَى. وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ مِنْ غَيْرِهِ مِنَ الْأَقْوَالِ، لِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ حَكَمَ لِكُلِّ مُؤْمِنٍ بِمُحَمَّدٍ ﷺ بِحُكْمِ أَهْلِ الْإِيمَانِ فِي الْمُوَارَثَةِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَإِلْحَاقِ صِغَارِ أَوْلَادِهِ بِحُكْمِهِ فِي الْمِلَّةِ، فَلَوْ كَانَ كُلُّ كِتَابِيٍّ يُؤْمِنُ بِعِيسَى قَبْلَ مَوْتِهِ، لَوَجَبَ أَنْ لَا يَرِثَ الْكِتَابِيُّ إِذَا مَاتَ عَلَى مِلَّتِهِ إِلَّا أَوْلَادُهُ الصِّغَارُ أَوِ الْبَالِغُونَ مِنْهُمْ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ، إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ صَغِيرٌ أَوْ بَالِغٌ مُسْلِمٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ صَغِيرٌ وَلَا بَالِغٌ مُسْلِمٌ، كَانَ مِيرَاثُهُ مَصْرُوفًا حَيْثُ يُصْرَفُ مَالُ الْمُسْلِمِ، يَمُوتُ وَلَا وَارِثَ لَهُ، وَأَنْ يَكُونَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْمُسْلِمِينَ فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ ⦗٦٧٣⦘ وَغُسْلِهِ وَتَقْبِيرِهِ، لِأَنَّ مَنْ مَاتَ مُؤْمِنًا بِعِيسَى فَقَدْ مَاتَ مُؤْمِنًا بِمُحَمَّدٍ وَبِجَمِيعِ الرُّسُلِ؛ وَذَلِكَ أَنَّ عِيسَى صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ جَاءَ بِتَصْدِيقِ مُحَمَّدٍ وَجَمِيعِ الْمُرْسَلِينَ، فَالْمُصَدِّقُ بِعِيسَى وَالْمُؤْمِنُ بِهِ مُصَدِّقٌ بِمُحَمَّدٍ وَبِجَمِيعِ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ وَرُسُلِهِ، كَمَا أَنَّ الْمُؤْمِنَ بِمُحَمَّدٍ مُؤْمِنٌ بِعِيسَى وَبِجَمِيعِ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ وَرُسُلِهِ، فَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ مُؤْمِنًا بِعِيسَى مَنْ كَانَ بِمُحَمَّدٍ مُكَذِّبًا. فَإِنْ ظَنَّ ظَانٌّ أَنَّ مَعْنَى إِيمَانِ الْيَهُودِيِّ بِعِيسَى، الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ﴾ [النساء: ١٥٩] إِنَّمَا هُوَ إِقْرَارُهُ بِأَنَّهُ لِلَّهِ نَبِيُّ مَبْعُوثٌ دُونَ تَصْدِيقِهِ بِجَمِيعِ مَا أَتَى بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، فَقَدْ ظَنَّ خَطَأً. وَذَلِكَ أَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ مَنْسُوبًا إِلَى الْإِقْرَارِ بِنُبُوَّةِ نَبِيٍّ مَنْ كَانَ لَهُ مُكَذِّبًا فِي بَعْضِ مَا جَاءَ بِهِ مِنْ وَحْيِ اللَّهِ وَتَنْزِيلِهِ، بَلْ غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ مَنْسُوبًا إِلَّا الْإِقْرَارِ بِنُبُوَّةِ أَحَدٍ مِنْ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ لِأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ جَاءَتِ الْأُمَمَ بِتَصْدِيقِ جَمِيعِ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ وَرُسُلِهِ؛ فَالْمُكَذِّبُ بَعْضَ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ فِيمَا أَتَى بِهِ أُمَّتَهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُكَذِّبٌ جَمِيعَ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ فِيمَا دَعَوْا إِلَيْهِ مِنْ دِينِ عِبَادِ اللَّهِ. وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، كَانَ فِي إِجْمَاعِ الْجَمِيعِ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ عَلَى أَنَّ كُلَّ كِتَابِيٍّ مَاتَ قَبْلَ إِقْرَارِهِ بِمُحَمَّدٍ صَلَوَاتُ اللَّهُ عَلَيْهِ وَمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، مَحْكُومٌ لَهُ بِحُكْمِ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا أَيَّامَ حَيَاتِهِ، غَيْرُ مَنْقُولٍ شَيْءٌ ⦗٦٧٤⦘ مِنْ أَحْكَامِهِ فِي نَفْسِهِ وَمَالِهِ وَوَلَدِهِ صِغَارِهِمْ وَكِبَارِهِمْ بِمَوْتِهِ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ فِي حَيَاتِهِ، أَدَلُّ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ مَعْنَى قَوْلِ اللَّهِ: ﴿وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ﴾ [النساء: ١٥٩] إِنَّمَا مَعْنَاهُ: إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِعِيسَى قَبْلَ مَوْتِ عِيسَى، وَأَنَّ ذَلِكَ فِي خَاصٍّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَمَعْنِيُّ بِهِ أَهْلُ زَمَانٍ مِنْهُمْ دُونَ أَهْلِ كُلِّ الْأَزْمِنَةِ الَّتِي كَانَتْ بَعْدَ عِيسَى، وَأَنَّ ذَلِكَ كَائِنٌ عِنْدَ نُزُولِهِ. كالَّذِي:
٧ ‏/ ٦٧٢
حَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثني يَزِيدُ قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ آدَمَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «الْأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ لِعَلَّاتٍ أُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ، وَإِنِّي أَوْلَى النَّاسِ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَيْنِي وَبَيْنَهُ نَبِيُّ. وَإِنَّهُ نَازِلٌ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَاعْرِفُوهُ، فَإِنَّهُ رَجُلٌ مَرْبُوعُ الْخَلْقِ إِلَى الْحُمْرَةِ وَالْبَيَاضِ، سَبْطُ الشَّعْرِ كَأَنَّ رَأْسَهُ يَقْطُرُ وَإِنْ لَمْ يُصِبْهُ بَلَلٌ، بَيْنَ مُمَصَّرَتَيْنِ، فَيَدُقُّ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ، وَيَضَعُ الْجِزْيَةَ، وَيَفِيضُ الْمَالُ، وَيُقَاتِلُ النَّاسَ عَلَى الْإِسْلَامِ حَتَّى يُهْلِكَ اللَّهُ فِي زَمَانِهِ الْمِلَلِ كُلَّهَا غَيْرَ الْإِسْلَامِ، وَيُهْلِكَ اللَّهُ فِي زَمَانِهِ مَسِيحَ الضَّلَالَةِ الْكَذَّابَ الدَّجَّالَ، وَتَقَعُ الْأَمَنَةُ فِي الْأَرْضِ فِي زَمَانِهِ حَتَّى تَرْتَعَ الْأَسْوَدُ مَعَ الْإِبِلِ وَالنُّمُورُ مَعَ الْبَقَرِ وَالذِّئَابُ مَعَ الْغَنَمِ، وَتَلْعَبُ الْغِلْمَانُ وَالصِّبْيَانُ بِالْحَيَّاتِ لَا يَضُرُّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، ثُمَّ يَلْبَثُ فِي الْأَرْضِ مَا شَاءَ اللَّهُ» وَرُبَّمَا قَالَ: «أَرْبَعِينَ سَنَةً، ثُمَّ يُتَوَفَّى وَيُصَلِّي عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ وَيَدْفِنُونَهُ» وَأَمَّا الَّذِي قَالَ: عَنَى بِقَوْلِهِ: ﴿لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ﴾ [النساء: ١٥٩] لَيُؤْمِنَنَّ ⦗٦٧٥⦘ بِمُحَمَّدٍ ﷺ قَبْلَ مَوْتِ الْكِتَابِيِّ، فَمِمَّا لَا وَجْهَ لَهُ مَفْهُومٌ؛ لِأَنَّهُ مَعَ فَسَادِهِ مِنَ الْوَجْهِ الَّذِي دَلَّلْنَا عَلَى فَسَادِ قَوْلِ مَنْ قَالَ: عَنَى بِهِ: لَيُؤْمِنَنَّ بِعِيسَى قَبْلَ مَوْتِ الْكِتَابِيِّ، يَزِيدُهُ فَسَادًا أَنَّهُ لَمْ يَجْرِ لِمُحَمَّدٍ عليه الصلاة والسلام فِي الْآيَاتِ الَّتِي قَبْلَ ذَلِكَ ذِكْرٌ، فَيَجُوزُ صَرْفُ الْهَاءِ الَّتِي فِي قَوْلِهِ: ﴿لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ﴾ [النساء: ١٥٩] إِلَى أَنَّهَا مِنْ ذِكْرِهِ، وَإِنَّمَا قَوْلُهُ: ﴿لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ﴾ [النساء: ١٥٩] فِي سِيَاقِ ذِكْرِ عِيسَى وَأُمِّهِ وَالْيَهُودِ، فَغَيْرُ جَائِزٍ صَرْفُ الْكَلَامِ عَمَّا هُوَ فِي سِيَاقِهِ إِلَى غَيْرِهِ إِلَّا بِحَجَّةٍ يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهَا مِنْ دَلَالَةِ ظَاهِرِ التَّنْزِيلِ أَوْ خَبَرٍ عَنِ الرَّسُولِ تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ؛ فَأَمَّا الدَّعَاوَى فَلَا تَتَعَذَّرُ عَلَى أَحَدٍ. فتَأْوِيلُ الْآيَةِ إِذْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا وَصَفْتُ: وَمَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا مَنْ لَيُؤْمِنَنَّ بِعِيسَى قَبْلَ مَوْتِ عِيسَى، وَحَذَفَ مِنْ بَعْدَ إِلَّا لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ، فَاسْتَغْنَى بِدَلَالَتِهِ عَنْ إِظْهَارِهِ كَسَائِرِ مَا قَدْ تَقَدَّمَ مِنْ أَمْثَالِهِ الَّتِي قَدْ أَتَيْنَا عَلَى الْبَيَانِ عَنْهَا
٧ ‏/ ٦٧٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا﴾ [النساء: ١٥٩] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ﴾ [النساء: ١٥٩] عِيسَى عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ ﴿شَهِيدًا﴾ [البقرة: ١٤٣] يَعْنِي: شَاهِدًا عَلَيْهِمْ بِتَكْذِيبِ مَنْ ⦗٦٧٦⦘ كَذَّبَهُ مِنْهُمْ، وَتَصْدِيقِ مَنْ صَدَّقَهُ مِنْهُمْ فِيمَا أَتَاهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَبِإِبْلَاغِهِ رِسَالَةَ رَبِّهِ. كالَّذِي:
٧ ‏/ ٦٧٥
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: ﴿وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا﴾ [النساء: ١٥٩] أَنَّهُ قَدْ أَبْلَغَهُمْ مَا أَرْسَلَهُ بِهِ إِلَيْهِمْ “
٧ ‏/ ٦٧٦
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا﴾ [النساء: ١٥٩] يَقُولُ: «يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، عَلَى أَنَّهُ قَدْ بَلَّغَ رِسَالَةَ رَبِّهِ وَأَقَرَّ بِالْعُبُودِيَّةِ عَلَى نَفْسِهِ»
٧ ‏/ ٦٧٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾ [النساء: ١٦١] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: فَحَرَّمْنَا عَلَى الْيَهُودِ الَّذِينَ نَقَضُوا مِيثَاقَهُمُ الَّذِي وَاثَقُوا رَبَّهُمْ، وَكَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ، وَقَتَلُوا أَنْبِيَاءَهُمْ، وَقَالُوا الْبُهْتَانَ عَلَى مَرْيَمَ، وَفَعَلُوا مَا وَصَفَهُمُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ طَيِّبَاتٍ مِنَ الْمَآكِلِ وَغَيْرِهَا كَانَتْ لَهُمْ حَلَالًا، عُقُوبَةً لَهُمْ بِظُلْمِهِمُ الَّذِي أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي كِتَابِهِ. كَمَا:
٧ ‏/ ٦٧٦
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ﴾ [النساء: ١٦٠] الْآيَةُ، عُوقِبَ الْقَوْمُ ⦗٦٧٧⦘ بِظُلْمٍ ظَلَمُوهُ وَبَغْي بَغَوْهُ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ أَشْيَاءُ بِبَغْيِهِمْ وَبِظُلْمِهِمْ ” وَقَوْلِهِ: ﴿وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا﴾ [النساء: ١٦٠] يَعْنِي: وَبِصَدِّهِمْ عِبَادَ اللَّهِ عَنْ دِينِهِ وَسُبُلِهِ الَّتِي شَرَعَهَا لِعِبَادِهِ صَدًّا كَثِيرًا، وَكَانَ صَدُّهُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِقَوْلِهِمْ عَلَى اللَّهِ الْبَاطِلَ، وَادِّعَائِهِمْ أَنَّ ذَلِكَ عَنِ اللَّهِ، وَتَبْدِيلِهِمْ كِتَابَ اللَّهِ وَتَحْرِيفِ مَعَانِيهِ عَنْ وُجُوهِهِ، وَكَانَ مِنْ عَظِيمِ ذَلِكَ جُحُودُهُمْ نُبُوَّةَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ ﷺ وَتَرْكِهِمْ بَيَانَ مَا قَدْ عَلِمُوا مِنْ أَمْرِهِ لِمَنْ جَهَلَ أَمْرَهُ مِنَ النَّاسِ. وَبِنَحْوِ ذَلِكَ كَانَ مُجَاهِدٌ يَقُولُ
٧ ‏/ ٦٧٦
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثني أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثني عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، كَثِيرًا﴾ [النساء: ١٦٠] قَالَ: «أَنْفُسَهُمْ وَغَيْرَهُمْ عَنِ الْحَقِّ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ. وَقَوْلِهِ: ﴿وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا﴾ [النساء: ١٦١] وَهُوَ أَخْذُهُمْ مَا أَفْضَلُوا عَلَى رُءُوسِ أَمْوَالِهِمْ لِفَضْلِ تَأْخِيرٍ فِي الْأَجَلِ بَعْدَ مَحِلِّهَا. وَقَدْ بَيَّنْتُ مَعْنَى الرِّبَا فِيمَا مَضَى قَبْلُ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ ﴿وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ﴾ [النساء: ١٦١] يَعْنِي عَنْ أَخْذِ الرِّبَا. ⦗٦٧٨⦘ وَقَوْلُهُ: ﴿وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ﴾ [النساء: ١٦١] يَعْنِي: مَا كَانُوا يَأْخُذُونَ مِنَ الرُّشَا عَلَى الْحُكْمِ، كَمَا وَصَفَهُمُ اللَّهُ بِهِ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [المائدة: ٦٢] وَكَانَ مِنْ أَكْلِهِمْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ مَا كَانُوا يَأْخُذُونَ مِنْ أَثْمَانِ الْكُتُبِ الَّتِي كَانُوا يَكْتُبُونَهَا بِأَيْدِيهِمْ، ثُمَّ يَقُولُونَ: هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْمَآكِلِ الْخَسِيسَةِ الْخَبِيثَةِ، فَعَاقَبَهُمُ اللَّهُ عَلَى جَمِيعِ ذَلِكَ بِتَحْرِيمِهِ مَا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ الَّتِي كَانَتْ لَهُمْ حَلَالًا قَبْلَ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا وَصَفَهُمُ اللَّهُ بِأَنَّهُمْ أَكَلُوا مَا أَكَلُوا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ كَذَلِكَ بِالْبَاطِلِ بِأَنَّهُمْ أَكَلُوهُ بِغَيْرِ اسْتِحْقَاقٍ وَأَخَذُوا أَمْوَالَهُمْ مِنْهُمْ بِغَيْرِ اسْتِيجَابٍ، فَقَوْلُهُ: ﴿وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾ [النساء: ١٦١] يَعْنِي: وَجَعَلْنَا لِلْكَافِرِينَ بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ مُحَمَّدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ الْيَهُودِ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ، وَهُوَ الْمُوجِعُ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، عِدَّةً يَصْلَوْنَهَا فِي الْآخِرَةِ، إِذَا وَرَدُوا عَلَى رَبِّهِمْ فَيُعَاقِبُهُمْ بِهَا
٧ ‏/ ٦٧٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ [النساء: ١٦٢] هَذَا مِنَ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ اسْتِثْنَاءٌ، اسْتَثْنَى مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنَ الْيَهُودِ الَّذِينَ وَصَفَ صِفَتَهُمْ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ الَّتِي مَضَتْ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ﴾ [النساء: ١٥٣]
٧ ‏/ ٦٧٨
ثُمَّ قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِعِبَادِهِ، مُبَيِّنًا لَهُمْ حُكْمَ مَنْ قَدْ هَدَاهُ لِدِينِهِ مِنْهُمْ وَوَفَّقَهُ لِرُشْدِهِ: مَا كُلُّ أَهْلِ الْكِتَابِ صِفَتُهُمُ الصِّفَةُ الَّتِي وَصَفْتُ لَكُمْ ﴿لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ﴾ [النساء: ١٦٢] وَهُمُ الَّذِينَ قَدْ رَسَخُوا فِي الْعِلْمِ بِأَحْكَامِ اللَّهِ الَّتِي جَاءَتْ بِهَا أَنْبِيَاؤُهُ، وَأَتْقَنُوا ذَلِكَ، وَعَرَفُوا حَقِيقَتَهُ. وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الرُّسُوخِ فِي الْعِلْمِ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ. ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ﴾ [البقرة: ٢٨٥] يَعْنِي: وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ، وَهُمْ يُؤْمِنُونَ بِالْقُرْآنِ الَّذِي أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ، وَبِالْكُتُبِ الَّتِي أَنْزَلَهَا عَلَى مَنْ قَبْلَكَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ، وَلَا يَسْأَلُونَكَ كَمَا سَأَلَ هَؤُلَاءِ الْجَهَلَةُ مِنْهُمْ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ، لِأَنَّهُمْ قَدْ عَلِمُوا بِمَا قَرَءُوا مِنْ كُتُبِ اللَّهِ وَأَتَتْهُمْ بِهِ أَنْبِيَاؤُهُمْ، أَنَّكَ لِلَّهِ رَسُولٌ وَاجِبٌ عَلَيْهِمُ اتِّبَاعُكَ، لَا يَسَعُهُمْ غَيْرُ ذَلِكَ، فَلَا حَاجَةَ بِهِمْ إِلَى أَنْ يَسْأَلُوكَ آيَةً مُعْجِزَةً، وَلَا دَلَالَةَ غَيْرُ الَّذِي قَدْ عَلِمُوا مِنْ أَمْرِكَ بِالْعِلْمِ الرَّاسِخِ فِي قُلُوبِهِمْ مِنْ أَخْبَارِ أَنْبِيَائِهِمْ إِيَّاهُمْ بِذَلِكَ وَبِمَا أَعْطَيْتُكَ مِنَ الْأَدِلَّةِ عَلَى نُبُوَّتِكَ، فَهُمْ لِذَلِكَ مِنْ عِلْمِهِمْ وَرُسُوخِهِمْ فِيهِ ﴿يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ﴾ [البقرة: ٤] مِنَ الْكِتَابِ ﴿وَبِمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ﴾ مِنْ سَائِرِ الْكُتُبِ. كَمَا:
٧ ‏/ ٦٧٩
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ﴾ [النساء: ١٦٢] اسْتَثْنَى اللَّهُ ثَنِيَّةً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَكَانَ مِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ، وَمَا أُنْزِلَ ⦗٦٨٠⦘ عَلَيْهِمْ، وَمَا أُنْزِلَ عَلَى نَبِيِّ اللَّهِ، يُؤْمِنُونَ بِهِ وَيُصَدِّقُونَ بِهِ، وَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ ” ثُمَّ اخْتُلِفَ فِي الْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ، أَهُمُ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ، أَمْ هُمْ غَيْرُهُمْ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُمْ هُمْ. ثُمَّ اخْتَلَفَ قَائِلُو ذَلِكَ فِي سَبَبِ مُخَالَفَةِ إِعْرَابِهِمْ إِعْرَابَ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ، وَهُمَا مِنْ صِفَةِ نَوْعٍ مِنَ النَّاسِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: ذَلِكَ غَلَطٌ مِنَ الْكَاتِبِ، وَإِنَّمَا هُوَ: لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ، وَالْمُقِيمُونَ الصَّلَاةَ
٧ ‏/ ٦٧٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ، قَالَ: ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: قُلْتُ لَأَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ: مَا شَأْنُهَا كُتِبَتْ ﴿لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ﴾ [النساء: ١٦٢] قَالَ: «إِنَّ الْكَاتِبَ لَمَّا كَتَبَ ﴿لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ﴾ [النساء: ١٦٢] حَتَّى إِذَا بَلَغَ قَالَ: مَا أَكْتُبُ؟ قِيلَ لَهُ اكْتُبْ ﴿وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ﴾ [النساء: ١٦٢] فَكَتَبَ مَا قِيلَ لَهُ»
٧ ‏/ ٦٨٠
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ عَنْ قَوْلِهِ: ﴿وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ﴾ [النساء: ١٦٢] وَعَنْ قَوْلِهِ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ﴾ وَعَنْ قَوْلِهِ: ﴿إِنْ هَذَانِ ⦗٦٨١⦘ لَسَاحِرَانِ﴾ [طه: ٦٣] فَقَالَتْ: يَا ابْنَ أُخْتِي هَذَا عَمَلُ الْكُتَّابِ أَخْطَئُوا فِي الْكِتَابِ «وَذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ:»وَالْمُقِيمُونَ الصَّلَاةَ. وَقَالَ آخَرُونَ، وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ: وَالْمُقِيمُونَ الصَّلَاةَ مِنْ صِفَةِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ، وَلَكِنَّ الْكَلَامَ لَمَّا تَطَاوَلَ وَاعْتَرَضَ بَيْنَ الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ مَا اعْتَرَضَ مِنَ الْكَلَامِ فَطَالَ نَصْبُ الْمُقِيمِينَ عَلَى وَجْهِ الْمَدْحِ، قَالُوا: وَالْعَرَبُ تَفْعَلُ ذَلِكَ فِي صِفَةِ الشَّيْءِ الْوَاحِدِ وَنَعْتِهِ إِذَا تَطَاوَلَتْ بِمَدْحٍ أَوْ ذَمٍّ خَالَفُوا بَيْنَ إِعْرَابِ أَوَّلِهِ وَأَوْسَطِهِ أَحْيَانًا ثُمَّ رَجَعُوا بِآخِرِهِ إِلَى إِعْرَابِ أَوَّلِهِ، وَرُبَّمَا أَجْرَوْا إِعْرَابَ آخِرِهِ عَلَى إِعْرَابِ أَوْسَطِهِ، وَرُبَّمَا أَجْرَوْا ذَلِكَ عَلَى نَوْعٍ وَاحِدٍ مِنَ الْإِعْرَابِ، وَاسْتَشْهَدُوا لِقَوْلِهِمْ ذَلِكَ بِالْآيَاتِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي ⦗٦٨٢⦘ قَوْلِهِ: ﴿وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ﴾ [البقرة: ١٧٧] وَقَالَ آخَرُونَ: بَلِ الْمُقِيمُونَ الصَّلَاةَ مِنْ صِفَةِ غَيْرِ الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَإِنْ كَانَ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنَ الْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ، وَقَالَ قَائِلُو هَذِهِ الْمَقَالَةِ جَمِيعًا: مَوْضِعُ الْمُقِيمِينَ فِي الْإِعْرَابِ خَفْضٌ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَوْضِعُهُ خَفْضٌ عَلَى الْعَطْفِ عَلَى مَا الَّتِي فِي قَوْلِهِ: ﴿يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ﴾ [البقرة: ٤] وَيُؤْمِنُونَ بِالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ. ثُمَّ اخْتَلَفَ مُتَأَوِّلُو ذَلِكَ فِي هَذَا التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى الْكَلَامِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ، وَبِإِقَامِ الصَّلَاةِ. قَالُوا: ثُمَّ ارْتَفَعَ قَوْلُهُ: وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ، عَطْفًا عَلَى مَا فِي يُؤْمِنُونَ مِنْ ذِكْرِ الْمُؤْمِنِينَ، كَأَنَّهُ قِيلَ: وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ هُمْ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلِ الْمُقِيمُونَ الصَّلَاةَ: الْمَلَائِكَةُ. قَالُوا: وَإِقَامَتُهُمُ الصَّلَاةَ: تَسْبِيحُهُمْ رَبَّهُمْ وَاسْتِغْفَارُهُمْ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ. قَالُوا: وَمَعْنَى الْكَلَامِ: وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْمَلَائِكَةِ وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ، وَيُؤْمِنُونَ بِالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ، هُمْ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [التوبة: ٦١] وَأَنْكَرَ قَائِلُو هَذِهِ الْمَقَالَةِ أَنْ يَكُونَ ⦗٦٨٣⦘ الْمُقِيمِينَ مَنْصُوبًا عَلَى الْمَدْحِ؛ وَقَالُوا: إِنَّمَا تَنْصِبُ الْعَرَبُ عَلَى الْمَدْحِ مَنْ نُعِتَ مَنْ ذَكَرْتَهُ بَعْدَ تَمَامِ خَبَرِهِ؛ قَالُوا: وَخَبَرُ الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ قَوْلُهُ: ﴿أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ [النساء: ١٦٢] قَالَ: «فَغَيْرُ جَائِزٍ نَصْبُ الْمُقِيمِينَ عَلَى الْمَدْحِ وَهُوَ فِي وَسَطِ الْكَلَامِ وَلَمَّا يَتِمَّ خَبَرُ الِابْتِدَاءِ وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ، وَمِنَ الْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ. وَقَالُوا: مَوْضِعُ الْمُقِيمِينَ خَفْضٌ وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَاهُ: وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَإِلَى الْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَهَذَا الْوَجْهُ وَالَّذِي قَبْلَهُ مُنْكَرٌ عِنْدَ الْعَرَبِ، وَلَا تَكَادُ الْعَرَبُ تَعْطِفُ الظَّاهِرَ عَلَى مَكْنِيٍّ فِي حَالِ الْخَفْضِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ قَدْ جَاءَ فِي بَعْضِ أَشْعَارِهَا. وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ عِنْدِي بِالصَّوَابِ، أَنْ يَكُونَ الْمُقِيمِينَ فِي مَوْضِعِ خَفْضٍ نَسَقًا عَلَى مَا الَّتِي فِي قَوْلِهِ: ﴿بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ﴾ [البقرة: ٤] وَأَنْ يُوَجِّهَ مَعْنَى الْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ، فَيَكُونُ تَأْوِيلُ الْكَلَامِ: وَالْمُؤْمِنُونَ مِنْهُمْ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ مِنَ الْكِتَابِ وَبِمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ مِنْ كُتُبِي وَبِالْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ؛ ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى صِفَةِ الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ فَيَقُولُ: لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ، وَالْمُؤْمِنُونَ بِالْكُتُبِ، وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ، وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ. ⦗٦٨٤⦘ وَإِنَّمَا اخْتَرْنَا هَذَا عَلَى غَيْرِهِ، لِأَنَّهُ قَدْ ذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي قِرَاءَةِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: وَالْمُقِيمِينَ، وَكَذَلِكَ هُوَ فِي مُصْحَفِهِ فِيمَا ذَكَرُوا، فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ خَطَأً مِنَ الْكَاتِبِ لَكَانَ الْوَاجِبُ أَنْ يَكُونَ فِي كُلِّ الْمَصَاحِفِ غَيْرَ مُصْحَفِنَا الَّذِي كَتَبَهُ لَنَا الْكَاتِبُ الَّذِي أَخْطَأَ فِي كِتَابِهِ بِخِلَافِ مَا هُوَ فِي مُصْحَفِنَا وَفِي اتِّفَاقِ مُصْحَفِنَا وَمُصْحَفِ أُبَيٍّ فِي ذَلِكَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الَّذِيَ فِي مُصْحَفِنَا مِنْ ذَلِكَ صَوَابٌ غَيْرُ خَطَأٍ، مَعَ أَنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ خَطَأً مِنْ جِهَةِ الْخَطِّ، لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ أُخِذَ عَنْهُمُ الْقُرْآنُ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَعْلَمُونَ مَنْ عَلِمُوا ذَلِكَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى وَجْهِ اللَّحْنِ، وَلَأَصْلَحُوهُ بِأَلْسِنَتِهِمْ، وَلَقَّنُوهُ لِلْأُمَّةِ تَعْلِيمًا عَلَى وَجْهِ الصَّوَابِ. وَفِي نَقْلِ الْمُسْلِمِينَ جَمِيعًا ذَلِكَ قِرَاءَةً عَلَى مَا هُوَ بِهِ فِي الْخَطِّ مَرْسُومًا أَدَلُّ الدَّلِيلِ عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ وَصَوَابِهِ، وَأَنْ لَا صُنْعَ فِي ذَلِكَ لِلْكَاتِبِ. وَأَمَّا مَنْ وَجَّهَ ذَلِكَ إِلَى النَّصَبِ عَلَى وَجْهِ الْمَدْحِ لِلرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ قَدْ يُحْتَمَلُ عَلَى بُعْدٍ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ لِمَا قَدْ ذَكَرْنَا قَبْلُ مِنَ الْعِلَّةِ، وَهُوَ أَنَّ الْعَرَبَ لَا تَعْدِلُ عَنْ إِعْرَابِ الِاسْمِ الْمَنْعُوتِ بِنَعْتٍ فِي نَعْتِهِ إِلَّا بَعْدَ تَمَامِ خَبَرِهِ، وَكَلَامُ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَفْصَحُ الْكَلَامِ، فَغَيْرُ جَائِزٍ تَوْجِيهُهُ إِلَّا إِلَى الَّذِي هُوَ بِهِ مِنَ الْفَصَاحَةِ. وَأَمَّا تَوْجِيهُ مَنْ وَجَّهَ ذَلِكَ إِلَى الْعَطْفِ بِهِ عَلَى الْهَاءِ وَالْمِيمِ فِي قَوْلِهِ: ﴿لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ﴾ [النساء: ١٦٢] أَوْ إِلَى الْعَطْفِ بِهِ عَلَى الْكَافِ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ﴾ [البقرة: ٤] أَوْ إِلَى الْكَافِ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ﴾ [البقرة: ٤] فَإِنَّهُ أَبْعَدُ مِنَ الْفَصَاحَةِ ⦗٦٨٥⦘ مِنْ نَصْبِهِ عَلَى الْمَدْحِ لِمَا قَدْ ذَكَرْتُ قَبْلُ مِنْ قُبْحِ رَدِّ الظَّاهِرِ عَلَى الْمَكْنِيِّ فِي الْخَفْضِ. وَأَمَّا تَوْجِيهُ مَنْ وَجَّهَ الْمُقِيمِينَ إِلَى الْإِقَامَةِ، فَإِنَّهُ دَعْوَى لَا بُرْهَانَ عَلَيْهَا مِنْ دَلَالَةِ ظَاهِرِ التَّنْزِيلِ وَلَا خَبَرَ تَثْبُتُ حُجَّتُهُ، وَغَيْرُ جَائِزٍ نَقْلُ ظَاهِرِ التَّنْزِيلِ إِلَى بَاطِنٍ بِغَيْرِ بُرْهَانٍ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ﴾ [النساء: ١٦٢] فَإِنَّهُ مَعْطُوفٌ بِهِ عَلَى قَوْلِهِ: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ﴾ [النساء: ١٦٢] وَهُوَ مِنْ صِفَتِهِمْ. وتَأْوِيلُهُ: وَالَّذِينَ يُعْطُونَ زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ مَنْ جَعَلَهَا اللَّهُ لَهُ وَصَرَفَهَا إِلَيْهِ ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ [النساء: ١٦٢] يَعْنِي: وَالْمُصَدِّقُونَ بِوَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ وَأُلُوهِيَّتِهِ، وَالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَمَاتِ، وَالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ ﴿أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ [النساء: ١٦٢] يَقُولُ:»هَؤُلَاءِ الَّذِينَ هَذِهِ صِفَتُهُمْ سَنُؤْتِيهِمْ، يَقُولُ: سَنُعْطِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا، يَعْنِي: جَزَاءً عَلَى مَا كَانَ مِنْهُمْ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ، وَاتِّبَاعِ أَمْرِهِ، وَثَوَابًا عَظِيمًا، وَذَلِكَ الْجَنَّةُ
٧ ‏/ ٦٨٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا﴾ يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ﴾ [النساء: ١٦٣] إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ بِالنُّبُوَّةِ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى نُوحٍ وَإِلَى سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ سَمَّيْتُهُمْ لَكَ مِنْ بَعْدِهِ وَالَّذِينَ لَمْ أُسَمِّهِمْ لَكَ. كَمَا:
٧ ‏/ ٦٨٥
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُنْذِرٍ الثَّوْرِيِّ، عَنِ ⦗٦٨٦⦘ الرَّبِيعِ بْنِ خُثَيْمٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ﴾ [النساء: ١٦٣] قَالَ: «أُوحِيَ إِلَيْكَ كَمَا أُوحِيَ إِلَى جَمِيعِ النَّبِيِّينَ مِنْ قَبْلِهِ» وَذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، لِأَنَّ بَعْضَ الْيَهُودِ لَمَّا فَضَحَهُمُ اللَّهُ بِالْآيَاتِ الَّتِي أَنْزَلَهَا عَلَى رَسُولِهِ ﷺ، وَذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ﴾ [النساء: ١٥٣] فَتَلَا ذَلِكَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، قَالُوا: مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ بَعْدَ مُوسَى. فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَاتِ تَكْذِيبًا لَهُمْ، وَأَخْبَرَ نَبِيَّهُ وَالْمُؤْمِنِينَ بِهِ أَنَّهُ قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ بَعْدَ مُوسَى وَعَلَى مَنْ سَمَّاهُمْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَعَلَى آخَرِينَ لَمْ يُسَمِّهِمْ. كَمَا:
٧ ‏/ ٦٨٥
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، وَحَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثني مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مُحَمَّدٍ، مَوْلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: ثني سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ أَوْ عِكْرِمَةُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ سُكَيْنٌ وَعَدِيُّ بْنُ زَيْدٍ: يَا مُحَمَّدُ مَا نَعْلَمُ اللَّهَ أَنْزَلَ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ بَعْدَ مُوسَى، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمَا: ﴿إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ﴾ [النساء: ١٦٣] إِلَى آخِرِ الْآيَاتِ ” ⦗٦٨٧⦘ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ قَالُوا: لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ الْآيَاتِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ فِي ذِكْرِهِمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ، وَلَا عَلَى مُوسَى، وَلَا عَلَى عِيسَى، فَأَنْزَلَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ﴾ [الأنعام: ٩١] وَلَا عَلَى مُوسَى، وَلَا عَلَى عِيسَى.
٧ ‏/ ٦٨٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْحَرْثُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: ثنا أَبُو مَعْشَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، قَالَ: أَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ﴾ [النساء: ١٥٣] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا﴾ [النساء: ١٥٦] فَلَمَّا تَلَاهَا عَلَيْهِمْ، يَعْنِي عَلَى الْيَهُودِ، وَأَخْبَرَهُمْ بِأَعْمَالِهِمُ الْخَبِيثَةِ، جَحَدُوا كُلَّ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ، وَقَالُوا: مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ، وَلَا عَلَى مُوسَى، وَلَا عَلَى عِيسَى، وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى نَبِيٍّ مِنْ شَيْءٍ. قَالَ: فَحَلَّ حَبْوَتَهُ، وَقَالَ: وَلَا عَلَى أَحَدٍ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ﴾ [الأنعام: ٩١] وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا﴾ فَإِنَّ الْقُرَّاءَ اخْتَلَفَتْ فِي قِرَاءَتِهِ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ أَمْصَارِ الْإِسْلَامِ غَيْرَ نَفَرٍ مِنْ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ: ﴿وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا﴾ بِفَتْحِ الزَّايِ عَلَى التَّوْحِيدِ، بِمَعْنَى: وَآتَيْنَا دَاوُدَ الْكِتَابَ الْمُسَمَّى زَبُورًا. وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ قُرَّاءِ الْكُوفِيِّينَ: «وَآتَيْنَا دَاوُدَ زُبُورًا» بِضَمِّ الزَّايِ جَمْعُ ⦗٦٨٨⦘ زُبُرٍ، كَأَنَّهُمْ وَجَّهُوا تَأْوِيلَهُ: وَآتَيْنَا دَاوُدَ كُتُبًا وَصُحُفًا مَزْبُورَةً، مِنْ قَوْلِهِمْ: زَبَرْتُ الْكِتَابَ أَزْبُرُهُ زَبْرًا، وَذَبَرْتُهُ أَذْبُرُهُ ذَبْرًا: إِذَا كَتَبْتُهُ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ عِنْدَنَا، قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ: ﴿وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا﴾ بِفَتْحِ الزَّايِ عَلَى أَنَّهُ اسْمُ الْكِتَابِ الَّذِي أُوتِيَهُ دَاوُدُ، كَمَا سَمَّى الْكِتَابَ الَّذِي أُوتِيَهُ مُوسَى التَّوْرَاةَ، وَالَّذِي أُوتِيَهُ عِيسَى الْإِنْجِيلَ، وَالَّذِي أُوتِيَهُ مُحَمَّدٌ الْفُرْقَانَ، لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الِاسْمُ الْمَعْرُوفُ بِهِ مَا أُوتِيَ دَاوُدُ، وَإِنَّمَا تَقُولُ الْعَرَبُ زَبُورُ دَاوُدَ، وَبِذَلِكَ يَعْرِفُ كِتَابَهُ سَائِرُ الْأُمَمِ
٧ ‏/ ٦٨٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا﴾ [النساء: ١٦٤] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ، كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ، وَإِلَى رُسُلٍ قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ، وَرُسُلٍ لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ. فلَعَلَّ قَائِلًا أَنْ يَقُولَ: فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مَعْنَاهُ، فَمَا بَالُ قَوْلِهِ: ﴿وَرُسُلًا﴾ [النساء: ١٦٤] مَنْصُوبًا غَيْرَ مَخْفُوضٍ؟ قِيلَ: نُصِبَ ذَلِكَ إِذَا لَمْ تَعُدْ عَلَيْهِ إِلَى الَّتِي خَفَضَتِ الْأَسْمَاءَ قَبْلَهُ، وَكَانَتِ الْأَسْمَاءُ قَبْلَهَا وَإِنْ كَانَتْ مَخْفُوضَةً، فَإِنَّهَا فِي مَعْنَى النَّصْبِ، لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ: إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ رَسُولًا كَمَا أَرْسَلْنَا نُوحًا وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ، فَعُطِفَتِ الرُّسُلُ عَلَى مَعْنَى الْأَسْمَاءِ قَبْلَهَا فِي الْإِعْرَابِ، لِانْقِطَاعِهَا عَنْهَا دُونَ
٧ ‏/ ٦٨٨
أَلْفَاظِهَا، إِذْ لَمْ يَعُدْ عَلَيْهَا مَا خَفَضَهَا، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الرجز] لَوْ جِئْتَ بِالْخُبْزِ لَهُ مُنَشَّرًا … وَالْبَيْضَ مَطْبُوخًا مَعًا وَالسُّكَّرَا
لَمْ يُرْضِهِ ذَلِكَ حَتَّى يَسْكَرَا
وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ نَصَبَ الرُّسُلَ، لِتَعَلُّقِ الْوَاوِ بِالْفِعْلِ بِمَعْنَى: وَقَصَصْنَا رُسُلًا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾ [الإنسان: ٣١] وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي قِرَاءَةِ أُبَيٍّ: «وَرُسُلٌ قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلٌ لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ» فَرُفِعَ ذَلِكَ إِذَا قُرِئَ كَذَلِكَ بِعَائِدِ الذِّكْرِ فِي قَوْلِهِ: ﴿قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ﴾ [النساء: ١٦٤] وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا﴾ [النساء: ١٦٤] فَإِنَّهُ يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَخَاطَبَ اللَّهُ بِكَلَامِهِ مُوسَى خِطَابًا. وَقَدْ:
٧ ‏/ ٦٨٩
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثنا نُوحُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، وَسُئِلَ: «كَيْفَ كَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا؟ فَقَالَ: مُشَافَهَةً»
٧ ‏/ ٦٨٩
وَقَدْ حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبُو أُسَامَةَ، عَنِ ابْنِ مُبَارَكٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، وَيُونُسَ، ⦗٦٩٠⦘ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي جَزْءُ بْنُ جَابِرٍ الْخَثْعَمِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ كَعْبًا، يَقُولُ: «إِنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَمَّا كَلَّمَ مُوسَى كَلَّمَهُ بِالْأَلْسِنَةِ كُلِّهَا قَبْلَ كَلَامِهِ، يَعْنِي كَلَامَ مُوسَى، فَجَعَلَ يَقُولُ: يَا رَبِّ لَا أَفْهَمُ. حَتَّى كَلَّمَهُ بِلِسَانِهِ آخِرَ الْأَلْسِنَةِ، فَقَالَ: يَا رَبِّ هَكَذَا كَلَامُكَ؟ قَالَ: لَا، وَلَوْ سَمِعْتَ كَلَامِيَ، أَيْ عَلَى وَجْهِهِ، لَمْ تَكُ شَيْئًا. قَالَ ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ أَبُو أُسَامَةَ: وَزَادَنِي أَبُو بَكْرٍ الصَّغَانِيُّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: أَنَّ مُوسَى قَالَ: يَا رَبِّ هَلْ فِي خَلْقِكَ شَيْءٌ يُشْبِهُ كَلَامَكَ؟ قَالَ: لَا، وَأَقْرَبُ خَلْقِي شَبَهًا بِكَلَامِي، أَشَدُّ مَا تَسْمَعُ النَّاسُ مِنَ الصَّوَاعِقِ»
٧ ‏/ ٦٨٩
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ كَعْبٍ الْقُرَظِيَّ، يَقُولُ: «سُئِلَ مُوسَى: مَا شَبَّهْتَ كَلَامَ رَبِّكَ مِمَّا خَلَقَ؟ فَقَالَ مُوسَى: الرَّعْدُ السَّاكِنُ»
٧ ‏/ ٦٩٠
حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّهُ أَخْبَرَهُ عَنْ جَزْءِ بْنِ جَابِرٍ الْخَثْعَمِيِّ، قَالَ: «لَمَّا كَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى بِالْأَلْسِنَةِ كُلِّهَا قَبْلَ لِسَانِهِ، فَطَفِقَ يَقُولُ: وَاللَّهِ يَا رَبِّ مَا أَفْقَهُ هَذَا، حَتَّى كَلَّمَهُ بِلِسَانِهِ آخِرَ الْأَلْسِنَةِ بِمِثْلِ صَوْتِهِ، فَقَالَ مُوسَى: يَا رَبِّ هَذَا كَلَامُكَ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: هَلْ فِي خَلَقِكَ شَيْءٌ يُشْبِهُ كَلَامَكَ؟ قَالَ: لَا، وَأَقْرَبُ خَلْقِي شَبَهًا بِكَلَامِي، أَشَدُّ مَا يَسْمَعُ النَّاسُ مِنَ الصَّوَاعِقِ»
٧ ‏/ ٦٩١
حَدَّثَنِي أَبُو يُونُسَ الْمَكِّيُّ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَخِي، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَتِيقٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ ⦗٦٩٢⦘ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، أَنَّهُ أَخْبَرَهُ جَزْءُ بْنُ جَابِرٍ الْخَثْعَمِيُّ، أَنَّهُ سَمِعَ الْأَحْبَارَ تَقُولُ: لَمَّا كَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى بِالْأَلْسِنَةِ كُلِّهَا قَبْلَ لِسَانِهِ، فَطَفِقَ مُوسَى يَقُولُ: أَيْ رَبِّ، وَاللَّهِ مَا أَفْقَهُ هَذَا. حَتَّى كَلَّمَهُ آخِرَ الْأَلْسِنَةِ بِلِسَانِهِ بِمِثْلِ صَوْتِهِ، فَقَالَ مُوسَى: أَيْ رَبِّ، أَهَكَذَا كَلَامُكَ؟ فَقَالَ: لَوْ كَلَّمْتُكَ بِكَلَامِي لَمْ تَكُنْ شَيْئًا. قَالَ: أَيْ رَبِّ هَلْ فِي خَلَقِكَ شَيْءٌ يُشْبِهُ كَلَامَكَ؟ فَقَالَ: لَا، وَأَقْرَبُ خَلْقِي شَبَهًا بِكَلَامِي، أَشَدُّ مَا يُسْمَعُ مِنَ الصَّوَاعِقِ “
٧ ‏/ ٦٩١
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا زُهَيْرٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ جَزْءِ بْنِ جَابِرٍ، أَنَّهُ سَمِعَ كَعْبًا يَقُولُ: لَمَّا كَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى بِالْأَلْسِنَةِ قَبْلَ لِسَانِهِ، طَفِقَ مُوسَى يَقُولُ: أَيْ رَبِّ، إِنِّي لَا أَفْقَهُ هَذَا. حَتَّى كَلَّمَهُ اللَّهُ آخِرَ الْأَلْسِنَةِ بِمِثْلِ لِسَانِهِ، فَقَالَ مُوسَى: أَيْ رَبِّ هَذَا كَلَامُكَ؟ قَالَ اللَّهُ: لَوْ كَلَّمْتُكَ بِكَلَامِي لَمْ تَكُنْ شَيْئًا. قَالَ: يَا رَبِّ، فَهَلْ مِنْ خَلْقِكَ شَيْءٌ يُشْبِهُ كَلَامَكَ؟ قَالَ: لَا، وَأَقْرَبُ خَلْقِي شَبَهًا بِكَلَامِي، أَشَدُّ مَا يُسْمَعُ مِنَ الصَّوَاعِقِ “
٧ ‏/ ٦٩٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا﴾ [النساء: ١٦٥] يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِذَلِكَ: ﴿إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ﴾ [النساء: ١٦٣] وَمَنْ ذَكَرَ مِنَ الرُّسُلِ ﴿رُسُلًا﴾ [النساء: ١٦٥] فَنَصَبَ بِهِ الرُّسُلَ عَلَى الْقَطْعِ مِنْ أَسْمَاءِ الْأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ ذَكَرَ أَسْمَاءَهُمْ ﴿مُبَشِّرِينَ﴾ [البقرة: ٢١٣] يَقُولُ: “أَرْسَلْتُهُمْ رُسُلًا إِلَى خَلْقِي وَعِبَادِي مُبَشِّرِينَ بِثَوَابِي مَنْ أَطَاعَنِي وَاتَّبَعَ أَمْرِي وَصَدَّقَ رُسُلِي ﴿وَمُنْذِرِينَ﴾ [البقرة: ٢١٣] عِقَابِي مَنْ عَصَانِي
٧ ‏/ ٦٩٢
وَخَالَفَ أَمْرِي وَكَذَّبَ رُسُلِي ﴿لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ﴾ [النساء: ١٦٥] يَقُولُ: “أَرْسَلْتُ رُسُلِي إِلَى عِبَادِي مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ، لِئَلَّا يَحْتَجَّ مَنْ كَفَرَ بِي وَعَبَدَ الْأَنْدَادَ مِنْ دُونِي، أَوْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِي بِأَنْ يَقُولَ إِنْ أَرَدْتُ عِقَابَهُ: ﴿لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى﴾ [طه: ١٣٤] فَقَطَعَ حُجَّةَ كُلِّ مُبْطِلٍ أَلْحَدَ فِي تَوْحِيدِهِ وَخَالَفَ أَمْرَهُ بِجَمِيعِ مَعَانِي الْحُجَجِ الْقَاطِعَةِ عُذْرَهُ، إِعْذَارًا مِنْهُ بِذَلِكَ إِلَيْهِمْ، لِتَكُونَ لِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ عَلَيْهِمْ وَعَلَى جَمِيعِ خَلْقِهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٧ ‏/ ٦٩٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ﴾ [النساء: ١٦٥] فَيَقُولُوا: مَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رُسُلَّا «﴿وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا﴾ [النساء: ١٥٨] يَقُولُ:»وَلَمْ يَزَلِ اللَّهُ ذَا عِزَّةٍ فِي انْتِقَامِهِ مِمَّنِ انْتَقَمَ مِنْ خَلْقِهِ عَلَى كُفْرِهِ بِهِ وَمَعْصِيَتِهِ إِيَّاهُ بَعْدَ تَثْبِيتِهِ حُجَّتَهُ عَلَيْهِ بِرُسُلِهِ وَأَدِلَّتِهِ، حَكِيمًا فِي تَدْبِيرِهِ فِيهِمْ مَا دَبَّرَهُ
٧ ‏/ ٦٩٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا﴾ [النساء: ١٦٦]
٧ ‏/ ٦٩٣
يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: إِنْ يَكْفُرْ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ الْيَهُودُ الَّذِينَ سَأَلُوكَ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ، وَقَالُوا لَكَ: مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ فَكَذَّبُوكَ فَقَدْ كَذَبُوا، مَا الْأَمْرُ كَمَا قَالُوا: لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِتَنْزِيلِهِ إِلَيْكَ مَا أَنْزَلَهُ مِنْ كِتَابِهِ وَوَحْيِهِ، أَنْزَلَ ذَلِكَ إِلَيْكَ بِعِلْمٍ مِنْهُ بِأَنَّكَ خِيرَتُهُ مِنْ خَلْقِهِ وَصَفِيُّهُ مِنْ عِبَادِهِ، وَيَشْهَدُ لَكَ بِذَلِكَ مَلَائِكَتُهُ، فَلَا يَحْزُنْكَ تَكْذِيبُ مَنْ كَذَّبَكَ، وَخِلَافُ مَنْ خَالَفَكَ ﴿وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا﴾ [النساء: ٧٩] يَقُولُ: “وَحَسْبُكَ بِاللَّهِ شَاهِدًا عَلَى صِدْقِكَ دُونَ مَا سِوَاهُ مِنْ خَلْقِهِ، فَإِنَّهُ إِذَا شَهِدَ لَكَ بِالصِّدْقِ رَبُّكَ لَمْ يَضُرَّكَ تَكْذِيبُ مَنْ كَذَّبَكَ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ مِنَ الْيَهُودِ دَعَاهُمُ النَّبِيُّ ﷺ إِلَى اتِّبَاعِهِ، وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ حَقِيقَةَ نُبُوَّتِهِ، فَجَحَدُوا نُبُوَّتَهَ وَأَنْكَرُوا مَعْرِفَتَهُ.
٧ ‏/ ٦٩٤
ذِكْرُ الْخَبَرِ بِذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا يُونُسُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثني مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مُحَمَّدٍ مَوْلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: ثني سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، أَوْ عِكْرِمَةُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ جَمَاعَةٌ مِنْ يَهُودَ، فَقَالَ لَهُمْ: «إِنِّي وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ» فَقَالُوا: مَا نَعْلَمُ ذَلِكَ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا﴾ [النساء: ١٦٦] ” ⦗٦٩٥⦘ حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، قَالَ: ثني ابْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثني مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مُحَمَّدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: دَخَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عِصَابَةٌ مِنَ الْيَهُودِ، ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَهُ
٧ ‏/ ٦٩٤
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا﴾ [النساء: ١٦٦] شُهُودٌ وَاللَّهِ غَيْرُ مُتَّهَمَةٍ “
٧ ‏/ ٦٩٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلَالًا بَعِيدًا﴾ [النساء: ١٦٧] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: إِنَّ الَّذِينَ جَحَدُوا يَا مُحَمَّدُ نُبُوَّتَكَ بَعْدَ عِلْمِهِمْ بِهَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِينَ اقْتَصَصْتُ عَلَيْكَ قِصَّتَهُمْ، وَأَنْكَرُوا أَنْ يَكُونَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَوْحَى إِلَيْكَ كِتَابَهُ ﴿وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [النساء: ١٦٧] يَعْنِي عَنِ الدِّينِ الَّذِي بَعَثَكَ اللَّهُ بِهِ إِلَى خَلْقِهِ وَهُوَ الْإِسْلَامُ. وَكَانَ صَدُّهُمْ عَنْهُ: قِيلَهُمْ لِلنَّاسِ الَّذِينَ يَسْأَلُونَهُمْ عَنْ مُحَمَّدٍ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ: مَا نَجِدُ صِفَةَ مُحَمَّدٍ فِي كِتَابِنَا، وَادِّعَاءَهُمْ أَنَّهُمْ عُهِدَ إِلَيْهِمْ أَنَّ النُّبُوَّةَ لَا تَكُونُ إِلَّا فِي وَلَدِ هَارُونَ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ دَاوُدَ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي كَانُوا يُثَبِّطُونَ النَّاسَ بِهَا عَنِ اتِّبَاعِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَالتَّصْدِيقِ بِهِ وَبِمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ. وَقَوْلُهُ: ﴿قَدْ ضَلُّوا ضَلَالًا بَعِيدًا﴾ [النساء: ١٦٧] يَعْنِي: قَدْ جَارُوا عَنْ قَصْدِ الطَّرِيقِ جَوْرًا شَدِيدًا، وَزَالُوا عَنِ الْمَحَجَّةِ، وَإِنَّمَا يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِجَوْرِهِمْ عَنِ الْمَحَجَّةِ،
٧ ‏/ ٦٩٥
وَضَلَالِهِمْ عَنْهَا: إِخْطَاءَهُمْ دِينَ اللَّهِ الَّذِي ارْتَضَاهُ لِعِبَادِهِ وَابْتَعَثَ بِهِ رُسُلَهُ، يَقُولُ: مَنْ جَحَدَ رِسَالَةَ مُحَمَّدٍ ﷺ وَصَدَّ عَمَّا بُعِثَ بِهِ مِنَ الْمِلَّةِ مَنْ قَبِلَ مِنْهُ، فَقَدْ ضَلَّ فَذَهَبَ عَنِ الدِّينِ الَّذِي هُوَ دِينُ اللَّهِ الَّذِي ابْتَعَثَ بِهِ أَنْبِيَاءَهُ ضَلَالًا بَعِيدًا
٧ ‏/ ٦٩٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا﴾ [النساء: ١٦٩] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: إِنَّ الَّذِينَ جَحَدُوا رِسَالَةَ مُحَمَّدٍ ﷺ، وَكَفَرُوا بِاللَّهِ بِجُحُودِ ذَلِكَ وَظَلَمُوا بِمَقَامِهِمْ عَلَى الْكُفْرِ، عَلَى عِلْمٍ مِنْهُمْ بِظُلْمِهِمْ عِبَادَ اللَّهِ، وَحَسَدًا لِلْعَرَبِ، وَبَغْيًا عَلَى رَسُولِهِ مُحَمَّدٍ ﷺ، ﴿لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ﴾ [النساء: ١٣٧] يَعْنِي: لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَعْفُوَ عَنْ ذُنُوبِهِمْ بِتَرْكِهِ عُقُوبَتَهُمْ عَلَيْهَا، وَلَكِنَّهُ يِفْضَحُهُمْ بِهَا بِعُقُوبَتِهِ إِيَّاهُمْ عَلَيْهَا. ﴿وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا﴾ [النساء: ١٦٨] يَقُولُ: “وَلَمْ يَكُنِ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِيَهْدِيَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا، الَّذِينَ وَصَفْنَا صِفَتَهُمْ، فَيُوَفِّقَهُمْ لِطَرِيقٍ مِنَ الطُّرُقِ الَّتِي يَنَالُونَ بِهَا ثَوَابَ اللَّهِ، وَيَصِلُونَ بِلُزُومِهِمْ إِيَّاهُ إِلَى الْجَنَّةِ، وَلَكِنَّهُ يَخْذُلُهُمْ عَنْ ذَلِكَ، حَتَّى يَسْلُكُوا طَرِيقَ جَهَنَّمَ، وَإِنَّمَا كَنَّى بِذِكْرِ الطَّرِيقِ عَنِ الدِّينِ؛ وَإِنَّمَا مَعْنَى الْكَلَامِ: لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيُوَفِّقَهُمْ لِلْإِسْلَامِ، وَلَكِنَّهُ يَخْذُلُهُمْ عَنْهُ إِلَى طَرِيقِ جَهَنَّمَ، وَهُوَ الْكُفْرُ، يَعْنِي: حَتَّى يَكْفُرُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ فَيَدْخُلُوا جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا يَقُولُ:
٧ ‏/ ٦٩٦
مُقِيمِينَ فِيهَا أَبَدًا ﴿وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا﴾ [النساء: ٣٠] يَقُولُ: “وَكَانَ تَخْلِيدُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ وَصَفْتُ لَكُمْ صِفَتَهُمْ فِي جَهَنَّمَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا، لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ مَنْ أَرَادَ ذَلِكَ بِهِ عَلَى الامْتِنَاعِ مِنْهُ، وَلَا لَهُ أَحَدٌ يَمْنَعُهُ مِنْهُ، وَلَا يُسْتَصْعَبُ عَلَيْهِ مَا أَرَادَ فِعْلَهُ بِهِ مِنْ ذَلِكَ، وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا، لِأَنَّ الْخَلْقَ خَلْقُهُ، وَالْأَمْرُ أَمْرُهُ
٧ ‏/ ٦٩٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْرًا لَكُمْ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ﴾ [البقرة: ٢١] مُشْرِكِي الْعَرَبِ، وَسَائِرِ أَصْنَافِ الْكُفْرِ ﴿قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ﴾ [النساء: ١٧٠] يَعْنِي: مُحَمَّدًا ﷺ، قَدْ جَاءَكُمْ ﴿بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [النساء: ١٧٠] يَقُولُ: «بِالْإِسْلَامِ الَّذِي ارْتَضَاهُ اللَّهُ لِعِبَادِهِ دِينًا، يَقُولُ: مِنْ رَبَّكُمْ: يَعْنِي مِنْ عِنْدِ رَبِّكُمْ. ﴿فَآمِنُوا خَيْرًا لَكُمْ﴾ [النساء: ١٧٠] يَقُولُ:»فَصَدِّقُوهُ وَصَدِّقُوا بِمَا جَاءَكُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ رَبِّكُمْ مِنَ الدِّينِ، فَإِنَّ الْإِيمَانَ بِذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ مِنَ الْكُفْرِ بِهِ. ﴿وَإِنْ تَكْفُرُوا﴾ [النساء: ١٣١] يَقُولُ: وَإِنْ تَجْحَدُوا رِسَالَتَهُ، وَتُكَذِّبُوا بِهِ وَبِمَا جَاءَكُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ رَبِّكُمْ فَإِنَّ جُحُودَكُمْ ذَلِكَ وَتَكْذِيبَكُمْ بِهِ لَنْ يَضُرَّ غَيْرَكُمْ، وَإِنَّمَا مَكْرُوهُ ذَلِكَ، عَائِدُ عَلَيْكُمْ دُونَ الَّذِي اللَّهُ أَمَرَكُمْ بِالَّذِي بَعَثَ بِهِ إِلَيْكُمْ رَسُولَهُ مُحَمَّدًا ﷺ، وَذَلِكَ أَنَّ ﴿لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ مُلْكًا وَخَلْقًا لَا يَنْقُصُ كُفْرُكُمْ بِمَا كَفَرْتُمْ بِهِ مِنْ أَمْرِهِ، وَعِصْيَانِكُمْ إِيَّاهُ فِيمَا عَصَيْتُمُوهُ فِيهِ مِنْ مُلْكِهِ وَسُلْطَانِهِ شَيْئًا. ﴿وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمَا﴾ [النساء: ١٧] يَقُولُ: وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا بِمَا أَنْتُمْ صَائِرُونَ إِلَيْهِ مِنْ طَاعَتِهِ فِيمَا أَمَرَكُمْ بِهِ وَفِيمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ وَمَعْصِيَتِهِ فِي ذَلِكَ،
٧ ‏/ ٦٩٧
وَعَلَى عِلْمٍ مِنْهُ بِذَلِكَ مِنْكُمْ أَمَرَكُمْ وَنَهَاكُمْ، ﴿حَكِيمًا﴾ [النساء: ١١] يَعْنِي: حَكِيمًا فِي أَمْرِهِ إِيَّاكُمْ بِمَا أَمَرَكُمْ بِهِ وَفِي نَهْيهِ إِيَّاكُمْ عَمَّا نَهَاكُمْ عَنْهُ، وَفِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ تَدْبِيرِهِ فِيكُمْ وَفِي غَيْرِكُمْ مِنْ خَلْقِهِ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي الْمَعْنَى الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ نُصِبَ قَوْلُهُ: ﴿خَيْرًا لَكُمْ﴾ [النساء: ١٧٠] فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ: نُصِبَ خَيْرًا عَلَى الْخُرُوجِ مِمَّا قَبْلَهُ مِنَ الْكَلَامِ، لِأَنَّ مَا قَبْلَهُ مِنَ الْكَلَامِ قَدْ تَمَّ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿فَآمِنُوا﴾ [آل عمران: ١٧٩] وَقَالَ: قَدْ سَمِعْتُ الْعَرَبَ تَفْعَلُ ذَلِكَ فِي كُلِّ خَبَرٍ كَانَ تَامًّا ثُمَّ اتَّصَلَ بِهِ كَلَامٌ بَعْدَ تَمَامِهِ عَلَى نَحْوِ اتِّصَالِ خَيْرٌ بِمَا قَبْلَهُ، فَتَقُولُ: لَتَقُومَنَّ خَيْرًا لَكَ، وَلَوْ فَعَلْتَ ذَلِكَ خَيْرًا لَكَ، وَاتَّقِ اللَّهَ خَيْرًا لَكَ. قَالَ: وَأَمَّا إِذَا كَانَ الْكَلَامُ نَاقِصًا، فَلَا يَكُونُ إِلَّا بِالرَّفْعِ كَقَوْلِكَ: إِنْ تَتَّقِ اللَّهَ خَيْرٌ لَكَ، وَ﴿وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ﴾ [النساء: ٢٥] . وَقَالَ آخَرُ مِنْهُمْ: جَاءَ النَّصْبُ فِي خَيْرٍ، لِأَنَّ أَصْلَ الْكَلَامِ: فَآمِنُوا هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ، فَلَمَّا سَقَطَ هُوَ الَّذِي هُوَ مَصْدَرٌ اتَّصَلَ الْكَلَامُ بِمَا قَبْلَهُ، وَالَّذِي قَبْلَهُ مَعْرِفَةٌ وَخَيْرٌ نَكِرَةٌ، فَانْتَصَبَ لِاتِّصَالِهِ بِالْمَعْرِفَةِ، لِأَنَّ الْإِضْمَارَ مِنَ الْفِعْلِ: قُمْ فَالْقِيَامُ خَيْرٌ لَكَ، وَلَا تَقُمْ فَتَرْكُ الْقِيَامِ خَيْرٌ لَكَ؛ فَلَمَّا سَقَطَ اتَّصَلَ بِالْأَوَّلِ. وَقَالَ: أَلَا تَرَى أَنَّكَ تَرَى الْكِنَايَةَ عَنِ الْأَمْرِ تَصْلُحُ قَبْلَ الْخَبَرِ، فَتَقُولُ لِلرَّجُلِ: اتَّقِ اللَّهَ هُوَ خَيْرٌ لَكَ، أَيِ الِاتِّقَاءُ خَيْرٌ لَكَ. وَقَالَ: لَيْسَ نَصْبُهُ عَلَى إِضْمَارِ يَكُنْ، لِأَنَّ ذَلِكَ يَأْتِي
٧ ‏/ ٦٩٨
بِقِيَاسٍ يُبْطِلُ هَذَا، أَلَا تَرَى أَنَّكَ تَقُولُ: اتَّقِ اللَّهَ تَكُنْ مُحْسِنًا، وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَقُولَ: اتَّقِ اللَّهَ مُحْسِنًا، وَأَنْتَ تُضْمِرُ كَانَ، وَلَا يَصْلُحُ أَنْ تَقُولَ: انْصُرْنَا أَخَانَا، وَأَنْتَ تُرِيدُ: تَكُنْ أَخَانَا. وزَعَمَ قَائِلُ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّهُ لَا يُجِيزُ ذَلِكَ إِلَّا فِي أَفْعَلَ خَاصَّةً، فَتَقُولُ: افْعَلْ هَذَا خَيْرًا لَكَ، وَلَا تَفْعَلْ هَذَا خَيْرًا لَكَ وَأَفْضَلَ لَكَ؛ وَلَا تَقُولُ: صَلَاحًا لَكَ. وزَعَمَ أَنَّهُ إِنَّمَا قِيلَ مَعَ أَفْعَلَ، لِأَنَّ أَفْعَلَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا أَصْلَحُ مِنْ ذَلِكَ. وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ: نَصَبَ خَيْرًا لِأَنَّهُ حِينَ قَالَ لَهُمْ: آمِنُوا، أَمَرَهُمْ بِمَا هُوَ خَيْرٌ لَهُمْ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: اعْمَلُوا خَيْرًا لَكُمْ، وَكَذَلِكَ: انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ، قَالَ: وَهَذَا إِنَّمَا يَكُونُ فِي الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ خَاصَّةً، وَلَا يَكُونُ فِي الْخَبَرِ، لَا تَقُولُ: أَنْ أَنْتَهِي خَيْرًا لِي، وَلَكِنْ يُرْفَعُ عَلَى كَلَامَيْنِ لِأَنَّ الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ يُضْمَرُ فِيهِمَا، فَكَأَنَّكَ أَخْرَجْتَهُ مِنْ شَيْءٍ إِلَى شَيْءٍ، لِأَنَّكَ حِينَ قُلْتُ لَهُ انْتَهِ، كَأَنَّكَ قُلْتَ لَهُ: اخْرُجْ مِنْ ذَا، وَادْخُلْ فِي آخَرَ؛ وَاسْتَشْهَدَ بِقَوْلِ الشَّاعِرِ عُمَرَ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ:
[البحر السريع] فَوَاعِدِيهِ سَرْحَتَيْ مَالِكٍ … أَوِ الرُّبَا بَيْنَهُمَا أَسْهَلَا
٧ ‏/ ٦٩٩
كَمَا تَقُولُ: وَاعِدِيهِ خَيْرًا لَكِ. قَالَ: وَقَدْ سَمِعْتُ نَصْبَ هَذَا فِي الْخَبَرِ، تَقُولُ الْعَرَبُ: آتِي الْبَيْتَ خَيْرًا لِي وَأَتْرُكُهُ خَيْرًا لِي، وَهُوَ عَلَى مَا فَسَّرْتُ لَكَ فِي الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ. وَقَالَ آخَرُ مِنْهُمْ: نُصِبَ خَيْرًا بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ، وَاكْتَفَى مِنْ ذَلِكَ الْمُضْمَرِ بِقَوْلِهِ: لَا تَفْعَلْ هَذَا وَافْعَلِ الْخَيْرَ، وَأَجَازَهُ فِي غَيْرِ أَفْعَلَ، فَقَالَ: لَا تَفْعَلْ ذَاكَ صَلَاحًا لَكَ. وَقَالَ آخَرُ مِنْهُمْ: نَصَبَ خَيْرًا عَلَى ضَمِيرِ جَوَابٍ: يَكُنْ خَيْرًا لَكُمْ، وَقَالَ: كَذَلِكَ كُلُّ أَمْرٍ وَنَهْي
٧ ‏/ ٧٠٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا﴾ يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ﴾ [آل عمران: ٦٤] يَا أَهْلَ الْإِنْجِيلِ مِنَ النَّصَارَى ﴿لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ﴾ [النساء: ١٧١] يَقُولُ: “لَا تُجَاوِزُوا الْحَقَّ فِي دِينِكُمْ فَتُفْرِطُوا فِيهِ، وَلَا تَقُولُوا فِي عِيسَى غَيْرَ الْحَقِّ، فَإِنَّ قِيلَكُمْ فِي عِيسَى إِنَّهُ ابْنُ اللَّهِ قَوْلٌ مِنْكُمْ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ، لِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا، فَيَكُونُ عِيسَى أَوْ غَيْرُهُ مِنْ خَلْقِهِ لَهُ ابْنًا ﴿وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ﴾ [النساء: ١٧١]

عن معز نوني

متحصّل على شهادة ختم الدروس للمعهد الأعلى لتكوين المعلمين بقفصة دفعة 2000، يعمل حاليًّا أستاذ مدارس إبتدائية

شاهد أيضاً

سُورَةُ الْفَاتِحَةِ

مَكِّيَّةٌ وَآيَاتُهَا سَبْعٌ ١ ‏/ ١١١ ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ [الفاتحة: ١] الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ …