سُورَةُ النَّحْلِ 1

مَكِّيَّةٌ، وَآيَاتُهَا ثَمَانٍ وَعِشْرُونَ وَمِائَةٌ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
١٤ ‏/ ١٥٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ، سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [النحل: ١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَقَرُبَ مِنْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَدَنَا، فَلَا تَسْتَعْجِلُوا وقُوعَهُ ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْأَمْرِ الَّذِي أَعْلَمَ اللَّهُ عِبَادَهُ مَجِيئَهُ وَقُرْبَهُ مِنْهُمْ مَا هُوَ، وَأَيُّ شَيْءٍ هُوَ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ فَرَائِضُهُ وَأَحْكَامُهُ
١٤ ‏/ ١٥٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ﴾ [النحل: ١] قَالَ: «الْأَحْكَامُ وَالْحُدُودُ وَالْفَرَائِضُ» . وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ ذَلِكَ وَعِيدٌ مِنَ اللَّهِ لِأَهْلِ الشِّرْكِ بِهِ، أَخْبَرَهُمْ أَنَّ السَّاعَةَ قَدْ قُرُبَتْ، وَأَنَّ عَذَابَهُمْ قَدْ حَضَرَ أَجَلُهُ فَدَنَا
١٤ ‏/ ١٥٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، ⦗١٥٩⦘ قَالَ: «لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، يَعْنِي: ﴿أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ﴾ [النحل: ١] قَالَ رِجَالٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: إِنَّ هَذَا يَزْعُمُ أَنَّ أَمْرَ اللَّهِ أَتَى، فَأَمْسِكُوا عَنْ بَعْضِ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ حَتَّى تَنْظُرُوا مَا هُوَ كَائِنٌ فَلَمَّا رَأَوْا أَنَّهُ لَا يَنْزِلُ شَيْءٌ، قَالُوا: مَا نَرَاهُ نَزَلَ شَيْءٌ، فَنَزَلَتْ: ﴿اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ﴾ [الأنبياء: ١]، فَقَالُوا: إنَّ هَذَا يَزْعُمُ مِثْلَهَا أَيْضًا فَلَمَّا رَأَوْا أَنَّهُ لَا يَنْزِلُ شَيْءٌ، قَالُوا: مَا نَرَاهُ نَزَلَ شَيْءٌ، فَنَزَلَتْ: ﴿وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولَنَّ مَا يَحْبِسُهُ، أَلَا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾»
١٤ ‏/ ١٥٨
حَدَّثَنَا أَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَفْصٍ، قَالَ: «لَمَّا نَزَلَتْ: ﴿أَتَى أَمْرُ اللَّهِ﴾ [النحل: ١] رَفَعُوا رُءُوسَهُمْ، فَنَزَلَتْ: ﴿فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ﴾ [النحل: ١]»
١٤ ‏/ ١٥٩
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ شُعَيْبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا صَادِقٍ، يَقْرَأُ: (يَا عِبَادِي، أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ) وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ، قَوْلُ مَنْ قَالَ: هُوَ تَهْدِيدٌ مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ بِهِ وَبِرَسُولِهِ، وَإِعْلَامٌ مِنْهُ لَهُمْ قُرْبَ الْعَذَابِ مِنْهُمْ وَالْهَلَاكِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ عَقَّبَ ⦗١٦٠⦘ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ سبحانه وتعالى: ﴿عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [النحل: ١] فَدَلَّ بِذَلِكَ عَلَى تَقْرِيعِهِ الْمُشْرِكِينَ وَوَعِيدِهِ لَهُمْ وَبَعْدُ، فَإِنَّهُ لَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ اسْتَعْجَلَ فَرَائِضَ قَبْلَ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْهِمْ فَيُقَالُ لَهُمْ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ: قَدْ جَاءَتْكُمْ فَرَائِضُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهَا، وَأَمَّا مُسْتَعْجِلُو الْعَذَابِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَقَدْ كَانُوا كَثِيرًا
١٤ ‏/ ١٥٩
وَقَوْلُهُ سبحانه وتعالى: ﴿عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [الأعراف: ١٩٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: تَنْزِيهًا للَّهِ وَعُلُوًّا لَهُ عَنِ الشِّرْكِ الَّذِي كَانَتْ قُرَيْشٌ وَمَنْ كَانَ مِنَ الْعَرَبِ عَلَى مِثْلِ مَا هُمْ عَلَيْهِ يَدِينُ بِهِ. وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [الأعراف: ١٩٠] فَقَرَأَ ذَلِكَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَبَعْضُ الْبَصْرِيِّينَ وَالْكُوفِيِّينَ: ﴿عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [الأعراف: ١٩٠] بِالْيَاءِ عَلَى الْخَبَرِ عَنْ أَهْلِ الْكُفْرِ بِاللَّهِ وَتَوْجِيهٍ لِلْخِطَابِ بِالِاسْتِعْجَالِ إِلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَكَذَلِكَ قَرَءُوا الثَّانِيَةَ بِالْيَاءِ وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ بِالتَّاءِ عَلَى تَوْجِيهِ الْخِطَابِ بِقَوْلِهِ: ﴿فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ﴾ [النحل: ١] إِلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [الأعراف: ١٩٠] إِلَى الْمُشْرِكِينَ، وَالْقِرَاءَةُ بِالتَّاءِ فِي الْحَرْفَيْنِ جَمِيعًا عَلَى وَجْهِ الْخِطَابِ لِلْمُشْرِكِينَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ، لِمَا بَيَّنْتُ مِنَ التَّأْوِيلِ أَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ وَعِيدٌ مِنَ اللَّهِ
١٤ ‏/ ١٦٠
لِلْمُشْرِكِينَ، ابْتَدَأَ أَوَّلَ الْآيَةَ بِتَهْدِيدِهِمْ وَخَتَمَ آخِرَهَا بِنَكِيرِ فِعْلِهِمْ، وَاسْتِعْظَامِ كُفْرِهِمْ، عَلَى وَجْهِ الْخِطَابِ لَهُمْ
١٤ ‏/ ١٦١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ﴾ [النحل: ٢] اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ﴾ [النحل: ٢] فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَالْكُوفَةِ: ﴿يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ﴾ [النحل: ٢] بِالْيَاءِ وَتَشْدِيدِ الزَّايِ وَنَصْبِ الْمَلَائِكَةِ، بِمَعْنَى يُنَزِّلُ اللَّهُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ الْبَصْرِيِّينَ وَبَعْضُ الْمَكِّيِّينَ: (يُنْزِلُ الْمَلَائِكَةَ) بِالْيَاءِ وَتَخْفِيفِ الزَّايِ وَنَصْبِ الْمَلَائِكَةِ، وَحُكِيَ عَنْ بَعْضِ الْكُوفِيِّينَ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهُ: (تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةَ)، بِالتَّاءِ وَتَشْدِيدِ الزَّايِ وَالْمَلَائِكَةِ بِالرَّفْعِ، عَلَى اخْتِلَافٍ عَنْهُ فِي ذَلِكَ وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ مُوَافَقَةُ سَائِرِ قُرَّاءِ بَلَدِهِ. وَأَوْلَى الْقِرَاءَاتِ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ: ﴿يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ﴾ [النحل: ٢] بِمَعْنَى: يُنَزِّلُ اللَّهُ مَلَائِكَةً، وَإِنَّمَا اخْتَرْتُ ذَلِكَ، لِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُنَزِّلُ مَلَائِكَتَهُ بِوَحْيِهِ إِلَى رُسُلِهِ، فَإِضَافَةُ فِعْلِ ذَلِكَ إِلَيْهِ أَوْلَى وَأَحَقُّ وَاخْتَرْتُ «يُنَزِّلُ» بِالتَّشْدِيدِ عَلَى التَّخْفِيفِ، لِأَنَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ كَانَ يُنَزِّلُ مِنَ الْوَحْيِ عَلَى مَنْ نَزَّلَهُ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ، وَالتَّشْدِيدُ بِهِ إِذْ كَانَ ذَلِكَ مَعْنَاهُ أَوْلَى مِنَ التَّخْفِيفِ. فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ: يُنَزِّلُ اللَّهُ مَلَائِكَتَهُ بِمَا يَحْيَا بِهِ الْحَقُّ وَيَضْمَحِلُّ بِهِ
١٤ ‏/ ١٦١
الْبَاطِلُ مِنْ أَمْرِهِ ﴿عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ﴾ [البقرة: ٩٠] يَعْنِي عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ رُسُلِهِ ﴿أَنْ أَنْذِرُوا﴾ [النحل: ٢] فَ «أَنْ» الْأُولَى فِي مَوْضِعِ خَفْضٍ، رَدًّا عَلَى «الرُّوحِ»، وَالثَّانِيَةُ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِ «أَنْذِرُوا» وَمَعْنَى الْكَلَامِ: يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ، بِأَنْ أَنْذِرُوا عِبَادِي سَطْوَتِي عَلَى كُفْرِهِمْ بِي وَإِشْرَاكِهِمْ فِي اتِّخَاذِهِمْ مَعِي الْآلِهَةَ وَالْأَوْثَانَ، فَإِنَّهُ ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا أنا﴾ [النحل: ٢] يَقُولُ: لَا تَنْبَغِي الْأُلُوهَةُ إِلَّا لِي، وَلَا يَصْلُحُ أَنْ يُعْبَدَ شَيْءٌ سِوَايَ، ﴿فَاتَّقُونِ﴾ [البقرة: ٤١] يَقُولُ: فَاحْذَرُونِي بِأَدَاءِ فَرَائِضِي وَإِفْرَادِ الْعِبَادَةِ وَإِخْلَاصِ الرُّبُوبِيَّةِ لِي، فَإِنَّ ذَلِكَ نَجَاتُكُمْ مِنَ الْهَلَكَةِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٤ ‏/ ١٦٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ﴾ [النحل: ٢] يَقُولُ: بِالْوَحْيِ»
١٤ ‏/ ١٦٢
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ﴾ [النحل: ٢] يَقُولُ: يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ»
١٤ ‏/ ١٦٢
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَرْثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ﴾ [النحل: ٢] «إِنَّهُ لَا ⦗١٦٣⦘ يَنْزِلُ مَلَكٌ إِلَّا وَمَعَهُ رُوحٌ»
١٤ ‏/ ١٦٢
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ مُجَاهِدٌ: قَوْلُهُ: ﴿يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ﴾ [النحل: ٢] قَالَ: «لَا يَنْزِلُ مَلَكٌ إِلَّا مَعَهُ رُوحٌ ﴿يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ﴾ [النحل: ٢] قَالَ: «بِالنُّبُوَّةِ» . قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَسَمِعْتُ أَنَّ الرُّوحَ خَلْقٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ، قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي﴾ [الإسراء: ٨٥]»
١٤ ‏/ ١٦٣
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ﴾ [النحل: ٢] قَالَ: «كُلُّ كَلِمٍ تَكَلَّمَ بِهِ رَبُّنَا فَهُوَ رُوحٌ مِنْهُ، ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا﴾ [الشورى: ٥٢]، إِلَى قَوْلِهِ: ﴿أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ﴾ [الشورى: ٥٣]»
١٤ ‏/ ١٦٣
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ﴾ [النحل: ٢] يَقُولُ: «يُنَزِّلُ بِالرَّحْمَةِ وَالْوَحْيِ مِنْ أَمْرِهِ، ﴿عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ﴾ [البقرة: ٩٠] فَيَصْطَفِي مِنْهُمْ رُسُلًا»
١٤ ‏/ ١٦٣
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿⦗١٦٤⦘ يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ﴾ [النحل: ٢] قَالَ: «بِالْوَحْيِ وَالرَّحْمَةِ» وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ﴾ [النحل: ٢] فَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَاهُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٤ ‏/ ١٦٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ﴾ [النحل: ٢] «إِنَّمَا بَعَثَ اللَّهُ الْمُرْسَلِينَ أَنْ يُوَحَّدَ اللَّهُ وَحْدَهُ، وَيُطَاعَ أَمْرُهُ، وَيُجْتَنَبَ سَخَطُهُ»
١٤ ‏/ ١٦٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُعَرِّفًا خَلْقَهُ حُجَّتَهُ عَلَيْهِمْ فِي تَوْحِيدِهِ، وَأَنَّهُ لَا تَصْلُحُ الْأُلُوهَةُ إِلَّا لَهُ: خَلَقَ رَبُّكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْعَدْلِ وَهُوَ الْحَقُّ مُنْفَرِدًا بِخَلْقِهَا لَمْ يُشْرِكْهُ فِي إِنْشَائِهَا وَإِحْدَاثِهَا شَرِيكٌ وَلَمْ يُعِنْهُ عَلَيْهِ مُعِينٌ، فَأَنَّى يَكُونُ لَهُ شَرِيكٌ ﴿تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [النحل: ٣] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: عَلَا رَبُّكُمْ أَيُّهَا الْقَوْمُ عَنْ شِرْكِكُمْ وَدَعْوَاكُمْ إِلَهًا دُونَهُ، فَارْتَفَعَ عَنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ مِثْلٌ أَوْ شَرِيكٌ أَوْ ظَهِيرٌ، ⦗١٦٥⦘ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إِلَهًا إِلَّا مَنْ يَخْلُقُ وَيُنْشِئُ بِقُدْرَتِهِ مِثْلَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ، وَيَبْتَدِعُ الْأَجْسَامَ فَيُحْدِثُهَا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ، وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي قُدْرَةِ أَحَدٍ سِوَى اللَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ، الَّذِي لَا تَنْبَغِي الْعِبَادَةُ إِلَّا لَهُ، وَلَا تَصْلُحُ الْأُلُوهَةُ لِشَيْءٍ سِوَاهُ
١٤ ‏/ ١٦٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ﴾ [النحل: ٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمِنْ حُجَجِهِ عَلَيْكُمْ أَيْضًا أَيُّهَا النَّاسُ، أَنَّهُ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ، فَأَحْدَثَ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ خَلْقًا عَجِيبًا، قَلَبَهُ تَارَاتٍ خَلْقًا بَعْدَ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ إِلَى ضِيَاءِ الدُّنْيَا بَعْدَ مَا تَمَّ خَلْقُهُ، وَنَفَخَ فِيهِ الرُّوحَ، فَغَذَّاهُ وَرَزَقَهُ الْقُوتَ وَنَمَّاهُ، حَتَّى إِذَا اسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ كَفَرَ بِنِعْمَةِ رَبِّهِ، وَجَحَدَ مُدَبِّرَهُ، وَعَبَدَ مَنْ لَا يَضُرُّ وَلَا يَنْفَعُ، وَخَاصَمَ إِلَهَهُ، فَقَالَ ﴿مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ﴾ [يس: ٧٨]، وَنَسِيَ الَّذِي خَلْقَهُ فَسَوَّاهُ خَلْقًا سَوِيًّا مِنْ مَاءِ مِهِينٍ. وَيَعْنِي بِالْمُبِينِ: أَنَّهُ يُبِينُ عَنْ خُصُومَتِهِ بِمَنْطِقِهِ وَيُجَادِلُ بِلِسَانِهِ، فَذَلِكَ إِبَانَتُهُ. وَعَنَى بِالْإِنْسَانِ: جَمِيعَ النَّاسِ، أُخْرِجَ بِلَفْظِ الْوَاحِدِ وَهُوَ فِي مَعْنَى الْجَمِيعِ
١٤ ‏/ ١٦٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا، لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ﴾ [النحل: ٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمِنْ حُجَجِهِ عَلَيْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ مَا خَلَقَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ، فَسَخَّرَهَا لَكُمْ، وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا مَلَابِسَ تَدْفَئُونَ بِهَا، وَمَنَافِعَ مِنْ أَلْبَانِهَا، وَظُهُورِهَا تَرْكَبُونَهَا ﴿وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ﴾ [النحل: ٥] يَقُولُ: وَمِنَ ⦗١٦٦⦘ الْأَنْعَامِ مَا تَأْكُلُونَ لَحْمَهُ كَالْإِبِلِ، وَالْبَقَرِ، وَالْغَنَمِ، وَسَائِرِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ، وَحُذِفَتْ «مَا» مِنَ الْكَلَامِ لِدَلَالَةِ مِنْ عَلَيْهَا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٤ ‏/ ١٦٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، وَعَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ، قَالَ: الْمُثَنَّى: أَخْبَرَنَا وَقَالَ ابْنُ دَاوُدَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ﴾ [النحل: ٥] يَقُولُ: الثِّيَابُ»
١٤ ‏/ ١٦٦
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ﴾ [النحل: ٥] يَعْنِي بِالدِّفْءِ: الثِّيَابَ، وَالْمَنَافِعَ: مَا يَنْتَفِعُونَ بِهِ مِنَ الْأَطْعِمَةِ وَالْأَشْرِبَةِ»
١٤ ‏/ ١٦٦
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَرْثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ﴾ [النحل: ٥] قَالَ: «لِبَاسٌ يُنْسَجُ، وَمِنْهَا مَرْكَبٌ، وَلَبَنٌ، وَلَحْمٌ»
١٤ ‏/ ١٦٦
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ﴾ [النحل: ٥] لِبَاسٌ يُنْسَجُ وَمَنَافِعُ، مَرْكَبٌ، وَلَحْمٌ، وَلَبَنٌ». ⦗١٦٧⦘ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٤ ‏/ ١٦٦
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ﴾ [النحل: ٥] قَالَ: «نَسْلُ كُلِّ دَابَّةٍ» . حَدَّثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ: ثنا إِسْرَائِيلُ بِإِسْنَادِهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، مِثْلَهُ
١٤ ‏/ ١٦٧
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: «﴿وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ﴾ [النحل: ٥] يَقُولُ: لَكُمْ فِيهَا لِبَاسٌ وَمَنْفَعَةٌ وَبُلْغَةٌ»
١٤ ‏/ ١٦٧
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ﴿وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ، وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ﴾ [النحل: ٥] قَالَ: «هُوَ مَنَافِعُ وَمَآكِلُ»
١٤ ‏/ ١٦٧
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ﴾ [النحل: ٥] قَالَ: «دِفْءُ اللُّحُفِ الَّتِي جَعَلَهَا اللَّهُ مِنْهَا»
١٤ ‏/ ١٦٧
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: بَلَغَنِي، عَنْ مُجَاهِدٍ: “﴿وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ﴾ [النحل: ٥] قَالَ: «نِتَاجُهَا، ⦗١٦٨⦘ وَرُكُوبُهَا، وَأَلْبَانُهَا، وَلُحُومُهَا»
١٤ ‏/ ١٦٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ. وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ، إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَكُمْ فِي هَذِهِ الْأَنْعَامِ وَالْمَوَاشِي الَّتِي خَلَقَهَا لَكُمْ ﴿جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ﴾ [النحل: ٦] يَعْنِي: تَرُدُّونَهَا بِالْعَشِيِّ مِنْ مَسَارِحِهَا إِلَى مَرَاحِهَا وَمَنَازِلِهَا الَّتِي تَأْوِي إِلَيْهَا، وَلِذَلِكَ سُمِّيَ الْمَكَانُ الْمَرَاحُ، لِأَنَّهَا تُرَاحُ إِلَيْهِ عَشِيًّا فَتَأْوِي إِلَيْهِ، يُقَالُ مِنْهُ: أَرَاحَ فُلَانٌ مَاشِيَتَهُ فَهُوَ يَرِيحُهَا إِرَاحَةً. وَقَوْلُهُ: ﴿وَحِينَ تَسْرَحُونَ﴾ [النحل: ٦] يَقُولُ: وَفِي وَقْتِ إِخْرَاجِكُمُوهَا غُدْوَةً مِنْ مَرَاحِهَا إِلَى مَسَارِحِهَا، يُقَالُ مِنْهُ: سَرَّحَ فُلَانٌ مَاشِيَتَهُ يُسَرِّحُهَا تَسْرِيحًا، إِذَا أَخْرَجَهَا لِلرَّعْيِ غُدْوَةً، وَسَرَحَتِ الْمَاشِيَةُ: إِذَا خَرَجَتْ لِلْمَرْعَى تَسْرَحُ سَرْحًا وَسُرُوحًا، فَالسَّرْحُ بِالْغَدَاةِ وَالْإِرَاحَةُ بِالْعَشِيِّ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
[البحر الطويل] كَأَنَّ بَقَايَا الْأُتْنِ فَوْقَ مُتُونِهِ … مَدَبُّ الدَّبَى فَوْقَ النَّقَا وَهُوَ سَارِحُ
١٤ ‏/ ١٦٨
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٤ ‏/ ١٦٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ﴾ [النحل: ٦] «وَذَلِكَ أَعْجَبُ مَا يَكُونُ، إِذَا رَاحَتْ عِظَامًا ضُرُوعُهَا، طُوَالًا أَسْنِمَتُهَا، وَحِينَ تَسْرَحُونَ إِذَا سَرَحَتْ لِرَعْيِهَا»
١٤ ‏/ ١٦٩
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ﴾ [النحل: ٦] قَالَ: «إِذَا رَاحَتْ كَأَعْظَمِ مَا تَكُونُ أَسْنِمَةً، وَأَحْسَنِ مَا تَكُونُ ضُرُوعًا»
١٤ ‏/ ١٦٩
وَقَوْلُهُ: ﴿وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ﴾ [النحل: ٧] يَقُولُ: وَتَحْمِلُ هَذِهِ الْأَنْعَامُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ آخَرَ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِجَهْدٍ مِنْ أَنْفُسِكُمْ شَدِيدٍ، وَمَشَقَّةٍ عَظِيمَةٍ، كَمَا:
١٤ ‏/ ١٦٩
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا شَرِيكٌ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ: ﴿وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ﴾ [النحل: ٧] قَالَ: «لَوْ تُكَلَّفُونَهُ لَمْ تَبْلُغُوهُ إِلَّا بِجَهْدٍ شَدِيدٍ»
١٤ ‏/ ١٦٩
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ ⦗١٧٠⦘ عِكْرِمَةَ: ﴿إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ﴾ [النحل: ٧] قَالَ: «لَوْ كُلِّفْتُمُوهُ لَمْ تَبْلُغُوهُ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ»
١٤ ‏/ ١٦٩
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا الْحِمَّانِيُّ، قَالَ: ثنا شَرِيكٌ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ: ﴿إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ﴾ [النحل: ٧] قَالَ: «الْبَلَدُ: مَكَّةُ»
١٤ ‏/ ١٧٠
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَرْثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ﴾ [النحل: ٧] قَالَ: «مَشَقَّةٌ عَلَيْكُمْ» . حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ “
١٤ ‏/ ١٧٠
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: «﴿وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ﴾ [النحل: ٧] يَقُولُ: بِجَهْدِ الْأَنْفُسِ». حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، بِنَحْوِهِ ⦗١٧١⦘ وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ بِكَسْرِ الشِّينِ: ﴿إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ﴾ [النحل: ٧] سِوَى أَبِي جَعْفَرٍ الْقَارِئِ، فَإِنَّ:
١٤ ‏/ ١٧٠
الْمُثَنَّى حَدَّثَنِي قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَمَّادٍ، قَالَ: ثني أَبُو سَعِيدٍ الرَّازِيُّ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ قَارِئِ الْمَدِينَةِ أَنَّهُ «كَانَ يَقْرَأُ: (لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشَقِّ الْأَنْفُسِ) بِفَتْحِ الشِّينِ، وَكَانَ يَقُولُ: إِنَّمَا الشَّقُّ: شَقُّ النَّفْسِ». وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَمَّادٍ: وَكَانَ مُعَاذٌ الْهَرَّاءُ يَقُولُ: هِيَ لُغَةٌ، تَقُولُ الْعَرَبُ بِشِقٍّ وَبِشَقٍّ، وَبِرِقٍّ وَبَرَقٍّ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا مَا عَلَيْهِ قُرَّاءُ الْأَمْصَارِ وَهِيَ كَسْرُ الشِّينِ، لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَيْهِ وَشُذُوذِ مَا خَالَفَهُ، وَقَدْ يُنْشَدُ هَذَا الْبَيْتُ بِكَسْرِ الشِّينِ وَفَتْحِهَا، وَذَلِكَ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
[البحر الطويل] وَذِي إِبِلٍ يَسْعَى وَيَحْسِبُهَا لَهُ … أَخِي نَصَبٍ مِنْ شَقِّهَا وَدَءُوبُ
وَ«مِنْ شِقِّيهَا» أَيْضًا بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُ الْعَجَّاجِ:
[البحر الرجز] أَصْبَحَ مَسْحُولٌ يُوَازِي شَقًّا
وَ«شَقًّا» بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ: «يُوَازِي شَقًّا»: يُقَاسِي مَشَقَّةً وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ يَذْهَبُ بِالْفَتْحِ إِلَى الْمَصْدَرِ مِنْ شَقَقْتُ عَلَيْهِ أَشُقُّ شَقًّا، وَبِالْكَسْرِ إِلَى الِاسْمِ وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الَّذِينَ قَرَءُوا بِالْكَسْرِ أَرَادُوا إِلَّا بِنَقْصٍ مِنَ الْقُوَّةِ وَذَهَابِ شَيْءٍ مِنْهَا حَتَّى لَا يَبْلُغُهُ إِلَّا بَعْدَ نَقْصِهَا، فَيَكُونُ مَعْنَاهُ عِنْدَ ذَلِكَ: لَمْ
١٤ ‏/ ١٧١
تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشَقِّ قُوَى أَنْفُسِكُمْ وَذَهَابِ شِقِّهَا الْآخَرَ وَيُحْكَى عَنِ الْعَرَبِ: خُذْ هَذَا الشِّقَّ: لِشِقَّةِ الشَّاةَ بِالْكَسْرِ، فَأَمَّا فِي شَقَّتْ عَلَيْكَ شَقًّا فَلَمْ يُحْكَ فِيهِ إِلَّا النَّصَبُ
١٤ ‏/ ١٧٢
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ رَبَّكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ ذُو رَأْفَةٍ بِكُمْ وَرَحْمَةٍ، مِنْ رَحْمَتِهِ بِكُمْ، خَلَقَ لَكُمُ الْأَنْعَامَ لِمَنَافِعِكُمْ وَمَصَالِحِكُمْ، وَخَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَدِلَّةً لَكُمْ عَلَى وَحْدَانِيَّةِ رَبِّكُمْ وَمَعْرِفَةِ إِلَهِكُمْ، لِتَشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ عَلَيْكُمْ، فَيَزِيدُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ
١٤ ‏/ ١٧٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً، وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ [النحل: ٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَخَلَقَ الْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لَكُمْ أَيْضًا ﴿لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً﴾ [النحل: ٨] يَقُولُ: وَجَعَلَهَا لَكُمْ زِينَةً تَتَزَيَّنُونَ بِهَا مَعَ الْمَنَافِعِ الَّتِي فِيهَا لَكُمْ، لِلرُّكُوبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَنَصَبَ الْخَيْلَ وَالْبِغَالَ عَطَفًا عَلَى الْهَاءِ وَالْأَلِفِ فِي قَوْلِهِ: ﴿خَلَقَهَا﴾ [النحل: ٥] وَنَصَبَ الزِّينَةَ بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ عَلَى مَا بَيَّنْتُ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا وَاوٌ وَكَانَ الْكَلَامُ: «لِتَرْكَبُوهَا زِينَةً» كَانَتْ مَنْصُوبَةً بِالْفِعْلِ الَّذِي قَبْلَهَا الَّذِي هِيَ بِهِ مُتَّصِلَةٌ، وَلَكِنْ دُخُولِ الْوَاوِ آذَنَتْ بِأَنَّ مَعَهَا ضَمِيرَ فِعْلٍ وَبِانْقِطَاعِهَا عَنِ الْفِعْلِ الَّذِي قَبْلَهَا. ⦗١٧٣⦘ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٤ ‏/ ١٧٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً﴾ [النحل: ٨] قَالَ: «جَعَلَهَا لِتَرْكَبُوهَا، وَجَعَلَهَا زِينَةً لَكُمْ» . وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ يَرَى أَنَّ فِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلَالَةً عَلَى تَحْرِيمِ أَكْلِ لُحُومِ الْخَيْلِ
١٤ ‏/ ١٧٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثنا أَبُو ضَمْرَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ رَجُلٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا﴾ [النحل: ٨] قَالَ: “هَذِهِ لِلرُّكُوبِ ﴿وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ﴾ [النحل: ٥] قَالَ: «هَذِهِ لِلْأَكْلِ»
١٤ ‏/ ١٧٣
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ قَالَ: ثنا هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ مَوْلَى نَافِعِ بْنِ عَلْقَمَةَ: أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ «كَانَ يَكْرَهُ لُحُومَ الْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ، وَكَانَ يَقُولُ: قَالَ اللَّهُ ﴿وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ﴾ [النحل: ٥] فَهَذِهِ لِلْأَكْلِ، ﴿وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ ⦗١٧٤⦘ لِتَرْكَبُوهَا﴾ [النحل: ٨] فَهَذِهِ لِلرُّكُوبِ»
١٤ ‏/ ١٧٣
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ الْمِنْهَالِ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ لُحُومِ الْخَيْلِ، فَكَرِهَهَا، وَتَلَا هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا﴾ [النحل: ٨] الْآيَةَ»
١٤ ‏/ ١٧٤
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ: ثنا قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ «سُئِلَ عَنْ لُحُومِ الْخَيْلِ، فَقَالَ: اقْرَأِ الَّتِي قَبْلَهَا: ﴿وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ﴾ [النحل: ٥] . ﴿وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً﴾ [النحل: ٨] فَجَعَلَ هَذِهِ لِلْأَكْلِ، وَهَذِهِ لِلرُّكُوبِ»
١٤ ‏/ ١٧٤
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي غَنِيَّةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْحَكَمِ: ﴿وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ﴾ [النحل: ٥] فَجَعَلَ مِنْهُ الْأَكْلَ، ثُمَّ قَرَأَ حَتَّى بَلَغَ: ﴿وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا﴾ [النحل: ٨] قَالَ: «لَمْ يَجْعَلْ لَكُمْ فِيهَا أَكْلًا» قَالَ: وَكَانَ الْحَكَمُ يَقُولُ: «وَالْخَيْلُ وَالْبِغَالُ وَالْحَمِيرُ حَرَامٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ»
١٤ ‏/ ١٧٤
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي غَنِيَّةَ، عَنِ الْحَكَمِ، قَالَ: «لُحُومُ الْخَيْلِ حَرَامٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ، ثُمَّ قَرَأَ: ﴿وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ﴾ [النحل: ٥] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿لِتَرْكَبُوهَا﴾ [النحل: ٨]» وَكَانَ جَمَاعَةٌ غَيْرُهُمْ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يُخَالِفُونَهُمْ فِي هَذَا التَّأْوِيلِ، وَيَرَوْنَ أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ دَالٍّ عَلَى تَحْرِيمِ شَيْءٍ، وَأَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ إِنَّمَا عَرَّفَ عِبَادَهُ بِهَذِهِ الْآيَةِ وَسَائِرِ مَا فِي أَوَائِلِ هَذِهِ السُّورَةِ نِعَمَهُ عَلَيْهِمْ، وَنَبَّهَهُمْ بِهِ عَلَى حُجَجِهِ عَلَيْهِمْ، وَأَدِلَّتِهِ عَلَى وَحْدَانِيَّتِهِ، وَخَطَأِ فِعْلِ مَنْ يُشْرِكُ بِهِ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ ٠ ذِكْرُ بَعْضِ مَنْ كَانَ لَا يَرَى بَأْسًا بِأَكْلِ لَحْمِ الْفَرَسِ
١٤ ‏/ ١٧٥
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْأَسْوَدِ: «أَنَّهُ أَكَلَ لَحْمَ الْفَرَسِ» . حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْأَسْوَدِ، بِنَحْوِهِ
١٤ ‏/ ١٧٥
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: «نَحَرَ أَصْحَابُنَا فَرَسًا فِي النَّجْعِ وَأَكَلُوا مِنْهُ، وَلَمْ يَرَوْا بِهِ بَأْسًا» وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا مَا قَالَهُ أَهْلُ الْقَوْلِ الثَّانِي، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ
١٤ ‏/ ١٧٥
كَانَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿لِتَرْكَبُوهَا﴾ [النحل: ٨] دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهَا لَا تَصْلُحُ إِذْ كَانَتْ لِلرُّكُوبِ لِلْأَكْلِ لَكَانَ فِي قَوْلِهِ: ﴿فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ﴾ [النحل: ٥] دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهَا لَا تَصْلُحُ إِذْ كَانَتْ لِلْأَكْلِ وَالدِّفْءِ لِلرُّكُوبِ، وَفِي إِجْمَاعِ الْجَمِيعِ عَلَى أَنَّ رُكُوبَ مَا قَالَ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ﴾ [النحل: ٥] جَائِزٌ حَلَالٌ غَيْرُ حَرَامٍ، دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى أَنَّ أَكْلَ مَا قَالَ: ﴿لِتَرْكَبُوهَا﴾ [النحل: ٨] جَائِزٌ حَلَالٌ غَيْرُ حَرَامٍ، إِلَّا بِمَا نُصَّ عَلَى تَحْرِيمِهِ أَوْ وُضِعَ عَلَى تَحْرِيمِهِ دَلَالَةٌ مِنْ كِتَابٍ أَوْ وَحْيٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَأَمَّا بِهَذِهِ الْآيَةِ فَلَا يَحْرُمُ أَكْلُ شَيْءٍ، وَقَدْ وَضَعَ الدَّلَالَةَ عَلَى تَحْرِيمِ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ بِوَحْيِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَعَلَى الْبِغَالِ بِمَا قَدْ بَيَّنَّا فِي كِتَابِنَا كِتَابِ الْأَطْعِمَةِ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، إِذْ لَمْ يَكُنْ هَذَا الْمَوْضِعُ مِنْ مَوَاضِعِ الْبَيَانِ عَنْ تَحْرِيمِ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا ذَكَرْنَا مَا ذَكَرْنَا لِيَدُلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا وَجْهَ لِقَوْلِ مَنِ اسْتَدَلَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى تَحْرِيمِ لَحْمِ الْفَرَسِ
١٤ ‏/ ١٧٦
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: «كُنَّا نَأْكُلُ لَحْمَ الْخَيْلِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، قُلْتُ: فَالْبِغَالُ؟ قَالَ: أَمَّا الْبِغَالُ فَلَا»
١٤ ‏/ ١٧٦
وَقَوْلُهُ: ﴿وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ [النحل: ٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَيَخْلُقُ رَبُّكُمْ مَعَ خَلْقِهِ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ الَّتِي ذَكَرَهَا لَكُمْ مَا لَا تَعْلَمُونَ، مِمَّا أَعَدَّ فِي الْجَنَّةِ لِأَهْلِهَا، وَفِي ⦗١٧٧⦘ النَّارِ لِأَهْلِهَا، مِمَّا لَمْ تَرَهُ عَيْنٌ، وَلَا سَمِعَتْهُ أُذُنٌ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ
١٤ ‏/ ١٧٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ﴾ [النحل: ٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَعَلَى اللَّهِ أَيُّهَا النَّاسُ بَيَانُ طَرِيقِ الْحَقِّ لَكُمْ، فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ، فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَالسَّبِيلُ: هِيَ الطَّرِيقُ، وَالْقَصْدُ مِنَ الطَّرِيقِ: الْمُسْتَقِيمِ الَّذِي لَا اعْوِجَاجَ فِيهِ، كَمَا قَالَ الرَّاجِزُ:
[البحر الرجز] فَصَدَّ عَنْ نَهْجِ الطَّرِيقِ الْقَاصِدِ
وَقَوْلُهُ: ﴿وَمِنْهَا جَائِرٌ﴾ [النحل: ٩] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمِنَ السَّبِيلِ جَائِرٌ عَنِ الِاسْتِقَامَةِ مُعْوَجٌّ، فَالْقَاصِدُ مِنَ السَّبِيلِ: الْإِسْلَامُ، وَالْجَائِرُ مِنْهَا: الْيَهُودِيَّةُ وَالنَّصْرَانِيَّةُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ مِلَلِ الْكُفْرِ كُلِّهَا جَائِرٌ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ وَقَصْدِهَا، سِوَى الْحَنِيفِيَّةِ الْمُسْلِمَةِ، وَقِيلَ: وَمِنْهَا جَائِرٌ، لِأَنَّ السَّبِيلَ يُؤَنَّثُ وَيُذَكَّرُ، فَأُنِّثَتْ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، وَقَدْ كَانَ بَعْضُهُمْ يَقُولُ: وَإِنَّمَا قِيلَ: «وَمِنْهَا» لِأَنَّ السَّبِيلَ وَإِنْ كَانَ لَفْظُهَا لَفْظُ وَاحِدٍ فَمَعْنَاهَا الْجَمْعُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٤ ‏/ ١٧٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ﴾ [النحل: ٩] يَقُولُ: الْبَيَانُ»
١٤ ‏/ ١٧٧
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ﴾ [النحل: ٩] يَقُولُ: «عَلَى اللَّهِ الْبَيَانُ، أَنْ يُبَيِّنَ الْهُدَى وَالضَّلَالَةَ»
١٤ ‏/ ١٧٨
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَرْثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ﴾ [النحل: ٩] قَالَ: «طَرِيقُ الْحَقِّ عَلَى اللَّهِ» . حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٤ ‏/ ١٧٨
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ﴾ [النحل: ٩] يَقُولُ: «عَلَى اللَّهِ الْبَيَانُ، بَيَانُ حَلَالِهِ وَحَرَامِهِ، وَطَاعَتِهِ وَمَعْصِيَتِهِ»
١٤ ‏/ ١٧٨
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ﴾ [النحل: ٩] قَالَ: «السَّبِيلُ: طَرِيقُ الْهُدَى»
١٤ ‏/ ١٧٨
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ: ﴿وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ﴾ [النحل: ٩] قَالَ: «إِنَارَتُهَا»
١٤ ‏/ ١٧٩
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: ثنا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ﴾ [النحل: ٩] يَقُولُ: «عَلَى اللَّهِ الْبَيَانُ، يُبَيِّنُ الْهُدَى مِنَ الضَّلَالَةِ، وَيُبَيِّنُ السَّبِيلَ الَّتِي تَفَرَّقَتْ عَنْ سُبُلِهِ، وَمِنْهَا جَائِرٌ»
١٤ ‏/ ١٧٩
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿وَمِنْهَا جَائِرٌ﴾ [النحل: ٩] «أَيْ مِنَ السُّبُلِ، سُبُلُ الشَّيْطَانِ، وَفِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: (وَمِنْكُمْ جَائِرٌ، وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ)»
١٤ ‏/ ١٧٩
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿وَمِنْهَا جَائِرٌ﴾ [النحل: ٩] قَالَ: «فِي حَرْفِ ابْنِ مَسْعُودٍ: (وَمِنْكُمْ جَائِرٌ)»
١٤ ‏/ ١٧٩
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَمِنْهَا جَائِرٌ﴾ [النحل: ٩] يَعْنِي: السُّبُلَ الْمُتَفَرِّقَةَ»
١٤ ‏/ ١٧٩
حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ⦗١٨٠⦘ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَمِنْهَا جَائِرٌ﴾ [النحل: ٩] يَقُولُ: الْأَهْوَاءُ الْمُخْتَلِفَةُ»
١٤ ‏/ ١٧٩
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يُقَالُ: ثنا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: «﴿وَمِنْهَا جَائِرٌ﴾ [النحل: ٩] يَعْنِي السُّبُلَ الَّتِي تَفَرَّقَتْ عَنْ سَبِيلِهِ»
١٤ ‏/ ١٨٠
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: «﴿وَمِنْهَا جَائِرٌ﴾ [النحل: ٩] السُّبُلُ الْمُتَفَرِّقَةُ عَنْ سَبِيلِهِ»
١٤ ‏/ ١٨٠
حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمِنْهَا جَائِرٌ﴾ [النحل: ٩] قَالَ: «مِنَ السُّبُلِ جَائِرٌ عَنِ الْحَقِّ، قَالَ: قَالَ اللَّهُ: ﴿وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ﴾ [الأنعام: ١٥٣]»
١٤ ‏/ ١٨٠
وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ﴾ [النحل: ٩] يَقُولُ: وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَلَطَفَ بِجَمِيعِكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ بِتَوْفِيقِهِ، فَكُنْتُمْ تَهْتَدُونَ وَتَلْزَمُونَ قَصْدَ السَّبِيلِ، وَلَا تَجُورُونَ عَنْهُ فَتَتَفَرَّقُونَ فِي سُبُلٍ عَنِ الْحَقِّ جَائِرَةٍ، كَمَا:
١٤ ‏/ ١٨٠
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ﴾ [النحل: ٩] قَالَ: «لَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ لِقَصْدِ السَّبِيلِ الَّذِي هُوَ الْحَقُّ، وَقَرَأَ: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا﴾ [يونس: ٩٩] الْآيَةَ، وَقَرَأَ: ﴿وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا﴾ [السجدة: ١٣] الْآيَةَ»
١٤ ‏/ ١٨٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ﴾ [النحل: ١٠]
١٤ ‏/ ١٨٠
يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَالَّذِي أَنْعَمَ عَلَيْكُمْ هَذِهِ النِّعَمِ وَخَلَقَ لَكُمُ الْأَنْعَامَ وَالْخَيْلَ وَسَائِرَ الْبَهَائِمِ لِمَنَافِعِكُمْ وَمَصَالِحِكُمْ، هُوَ الرَّبُّ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً، يَعْنِي: مَطَرًا لَكُمْ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ شَرَابٌ تَشْرَبُونَهُ وَمِنْهُ شَرَابُ أَشْجَارِكُمْ وَحَيَاةُ غُرُوسِكُمْ وَنَبَاتِهَا ﴿فِيهِ تُسِيمُونَ﴾ [النحل: ١٠] يَقُولُ: فِي الشَّجَرِ الَّذِي يَنْبُتُ مِنَ الْمَاءِ الَّذِي أُنْزِلَ مِنَ السَّمَاءِ تُسِيمُونَ، تَرْعَوْنَ، يُقَالُ مِنْهُ: أَسَامَ فُلَانٌ إِبِلَهُ يُسِيمُهَا إِسَامَةً إِذَا أَرْعَاهَا، وَسَوَّمَهَا أَيْضًا يُسَوِّمُهَا، وَسَامَتْ هِيَ: إِذْ رَعَتْ، فَهِيَ تَسُومُ، وَهِيَ إِبِلٌ سَائِمَةٌ، وَمِنْ ذَلِكَ قِيلَ لِلْمَوَاشِي الْمُطْلَقَةِ فِي الْفَلَاةِ وَغَيْرِهَا لِلرَّعْيِ، سَائِمَةٌ وَقَدْ وَجَّهَ بَعْضُهُمْ مَعْنَى السَّوْمِ فِي الْبَيْعِ إِلَى أَنَّهُ مِنْ هَذَا، وَأَنَّهُ ذَهَابُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُتَبَايِعَيْنِ فِيمَا يَنْبَغِي لَهُ مِنْ زِيَادَةِ ثَمَنٍ وَنُقْصَانِهِ، كَمَا تَذْهَبُ سَوَائِمُ الْمَوَاشِي حَيْثُ شَاءَتْ مِنْ مَرَاعِيهَا، وَمِنْهُ قَوْلُ الْأَعْشَى:
[البحر الخفيف] وَمَشَى الْقَوْمُ بِالْعِمَادِ إِلَى الْمَرْعَى … وَأَعْيَا الْمُسِيمَ أَيْنَ الْمَسَاقُ
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٤ ‏/ ١٨١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنِ النَّضْرِ بْنِ عَرَبِيٍّ، عَنْ عِكْرِمَةَ: ﴿وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ﴾ [النحل: ١٠] قَالَ: «تَرْعَوْنَ»
١٤ ‏/ ١٨١
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سُهَيْلٍ الْوَاسِطِيُّ قَالَ: ثنا قُرَّةُ بْنُ عِيسَى، عَنِ النَّضْرِ بْنِ عَرَبِيٍّ، ⦗١٨٢⦘ عَنْ عِكْرِمَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿فِيهِ تُسِيمُونَ﴾ [النحل: ١٠] قَالَ: «تَرْعَوْنَ»
١٤ ‏/ ١٨١
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «تَرْعَوْنَ» . حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، مِثْلَهُ
١٤ ‏/ ١٨٢
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ﴾ [النحل: ١٠] يَقُولُ: شَجَرٌ يَرْعَوْنَ فِيهِ أَنْعَامَهُمْ وَشَاءَهُمْ»
١٤ ‏/ ١٨٢
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ﴿فِيهِ تُسِيمُونَ﴾ [النحل: ١٠] قَالَ: «تَرْعَوْنَ»
١٤ ‏/ ١٨٢
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، وَأَبُو خَالِدٍ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ: «فِيهِ تَرْعَوْنَ»
١٤ ‏/ ١٨٢
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: ثنا عُبَيْدٌ، عَنِ الضَّحَّاكِ، فِي قَوْلِهِ: «﴿تُسِيمُونَ﴾ [النحل: ١٠] يَقُولُ: تَرْعَوْنَ أَنْعَامَكُمْ»
١٤ ‏/ ١٨٢
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ الْقَنَّادُ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى، قَالَ: «فِيهِ تَرْعَوْنَ»
١٤ ‏/ ١٨٢
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: «﴿شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ﴾ [النحل: ١٠] يَقُولُ: تَرْعَوْنَ»
١٤ ‏/ ١٨٢
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: «تَرْعَوْنَ»
١٤ ‏/ ١٨٣
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ قَالَ: ثنا سُلَيْمَانُ قَالَ: ثنا أَبُو هِلَالٍ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ﴾ [النحل: ١٠] قَالَ: «تَرْعَوْنَ»
١٤ ‏/ ١٨٣
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ﴾ [النحل: ١٠] قَالَ:»تَرْعَوْنَ، قَالَ: الْإِسَامَةُ: الرَّعِيَّةُ ” وَقَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الكامل] مِثْلَ ابْنِ بَزْعَةَ أَوْ كَآخَرَ مِثْلِهِ … أَوْلَى لَكَ ابْنَ مُسِيمَةِ الْأَجْمَالِ
قَالَ: يَا ابْنَ رَاعِيَةِ الْأَجْمَالِ
١٤ ‏/ ١٨٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ، وَالزَّيْتُونَ، وَالنَّخِيلَ، وَالْأَعْنَابَ، وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ، إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [النحل: ١١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: يُنْبِتُ لَكُمْ رَبُّكُمْ بِالْمَاءِ الَّذِي أَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ زَرْعَكُمْ، وَزَيْتُونَكُمْ، وَنَخِيلَكُمْ، وَأَعْنَابَكُمْ. ﴿وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ﴾ [الرعد: ٣] يَعْنِي مِنْ كُلِّ الْفَوَاكِهِ غَيْرِ ذَلِكَ أَرْزَاقًا لَكُمْ وَأَقْوَاتًا وَإِدَامًا وَفَاكِهَةً، نِعْمَةً مِنْهُ عَلَيْكُمْ بِذَلِكَ وَتَفَضُّلًا، وَحُجَّةً عَلَى مَنْ كَفَرَ بِهِ مِنْكُمْ. ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً﴾ [البقرة: ٢٤٨] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: إِنَّ فِي إِخْرَاجِ اللَّهِ بِمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ مَا وَصَفَ لَكُمْ ﴿لَآيَةً﴾ [البقرة: ٢٤٨] يَقُولُ: لَدَلَالَةٌ وَاضِحَةٌ وَعَلَامَةٌ بَيِّنَةٌ. ﴿لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [يونس: ٢٤] يَقُولُ: لِقَوْمٍ يَعْتَبِرُونَ مَوَاعِظَ اللَّهِ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي حُجَجِهِ، فَيَتَذَكَّرُونَ وَيُنِيبُونَ
١٤ ‏/ ١٨٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ، وَالنَّهَارَ، وَالشَّمْسَ، وَالْقَمَرَ، وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ، إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ [النحل: ١٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمِنْ نِعَمِهِ عَلَيْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ مَعَ الَّتِي ذَكَرَهَا قَبْلُ أَنْ سَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ يَتَعَاقَبَانِ عَلَيْكُمْ، هَذَا لِتَصَرُّفِكُمْ فِي مَعَاشِكُمْ وَهَذَا لِسَكَنِكُمْ فِيهِ ﴿وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ﴾ [الأنعام: ٩٦] لِمَعْرِفَةِ أَوْقَاتِ أَزْمِنَتِكُمْ، وَشُهُورِكُمْ، وَسِنِينِكُمْ، وَصَلَاحِ مَعَايِشِكُمْ. ﴿وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ﴾ [الأعراف: ٥٤] لَكُمْ بِأَمْرِ اللَّهِ تَجْرِي فِي فَلَكِهَا لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ. ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ [الرعد: ٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ فِي تَسْخِيرِ اللَّهِ ذَلِكَ عَلَى مَا سَخَّرَهُ لَدَلَالَاتٌ وَاضِحَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ حُجَجَ اللَّهِ وَيَفْهَمُونَ عَنْهُ تَنْبِيهَهُ إِيَّاهُمْ
١٤ ‏/ ١٨٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ، إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ﴾ [النحل: ١٣] يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ﴾ [النحل: ١٣] وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا ذَرَأَ: أَيْ مَا خَلَقَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ مِنَ الدَّوَابِّ وَالثِّمَارِ، كَمَا:
١٤ ‏/ ١٨٤
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ﴾ [النحل: ١٣] يَقُولُ: «وَمَا خَلَقَ لَكُمْ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ مِنَ الدَّوَابِّ وَمِنَ الشَّجَرِ وَالثِّمَارِ، نِعَمٌ مِنَ اللَّهِ مُتَظَاهِرَةٌ فَاشْكُرُوهَا للَّهِ»
١٤ ‏/ ١٨٤
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ ⦗١٨٥⦘ قَتَادَةَ، قَالَ: «مِنَ الدَّوَابِّ وَالْأَشْجَارِ وَالثِّمَارِ» وَنَصَبَ قَوْلَهُ: «مُخْتَلِفًا» لِأَنَّ قَوْلَهُ: «وَمَا» فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِالْمَعْنَى الَّذِي وَصَفْتُ. وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَجَبَ أَنْ يَكُونَ «مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ» حَالًا مِنْ «مَا»، وَالْخَبَرُ دُونَهُ تَامٌّ، وَلَوْ لَمْ تَكُنْ «مَا» فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ، وَكَانَ الْكَلَامُ مُبْتَدَأً مِنْ قَوْلِهِ: ﴿وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ﴾ [النحل: ١٣] لَمْ يَكُنْ فِي مُخْتَلِفٍ إِلَّا الرَّفْعُ، لِأَنَّهُ كَانَ يَصِيرُ مُرَافِعَ «مَا» حِينَئِذٍ
١٤ ‏/ ١٨٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا، وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا، وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ، وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ، وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [النحل: ١٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَالَّذِي فَعَلَ هَذِهِ الْأَفْعَالَ بِكُمْ وَأَنْعَمَ عَلَيْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ هَذِهِ النِّعَمَ، الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ، وَهُوَ كُلُّ نَهْرٍ مِلْحًا مَاؤُهُ أَوْ عَذْبًا ﴿لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا﴾ [النحل: ١٤] وَهُوَ السَّمَكُ الَّذِي يُصْطَادُ مِنْهُ ﴿وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا﴾ [النحل: ١٤] وَهُوَ اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ، كَمَا:
١٤ ‏/ ١٨٥
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا﴾ [النحل: ١٤] قَالَ: “مِنْهُمَا جَمِيعًا ﴿وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا﴾ [النحل: ١٤] قَالَ: «هَذَا اللُّؤْلُؤُ»
١٤ ‏/ ١٨٥
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا﴾ [النحل: ١٤] يَعْنِي حِيتَانَ الْبَحْرِ»
١٤ ‏/ ١٨٦
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا حَمَّادٌ، عَنْ يَحْيَى، قَالَ: ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى أَبِي جَعْفَرٍ، فَقَالَ: «هَلْ فِي حُلِيِّ النِّسَاءِ صَدَقَةٌ؟» قَالَ: «لَا، هِيَ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ﴾ [النحل: ١٤] يَعْنِي السُّفُنَ، ﴿مَوَاخِرَ فِيهِ﴾ [النحل: ١٤] وَهِيَ جَمْعُ مَاخِرَةٍ». وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: ﴿مَوَاخِرَ﴾ [النحل: ١٤]، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْمَوَاخِرَ: الْمَوَاقِرَ
١٤ ‏/ ١٨٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُوسَى الْقَزَّازُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْوَارِثِ، قَالَ: ثنا يُونُسُ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ﴾ [النحل: ١٤] قَالَ: «الْمَوَاقِرَ»
١٤ ‏/ ١٨٦
وَقَالَ آخَرُونَ فِي ذَلِكَ مَا: حَدَّثَنَا بِهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْأَسْوَدِ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَبِيعَةَ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْأَصَمِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ﴾ [النحل: ١٤] قَالَ: «مَا أُخِذَ عَنْ يَمِينِ السَّفِينَةِ وَعَنْ يَسَارِهَا مِنَ الْمَاءِ، فَهُوَ الْمَوَاخِرُ»
١٤ ‏/ ١٨٦
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ أَبِي مَكِينٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ﴾ [النحل: ١٤] قَالَ: «هِيَ السَّفِينَةُ تَقُولُ بِالْمَاءِ هَكَذَا، يَعْنِي ⦗١٨٧⦘ تَشُقُّهُ»
١٤ ‏/ ١٨٦
وَقَالَ آخَرُونَ فِيهِ مَا: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ: ﴿وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ﴾ [النحل: ١٤] قَالَ: «تَجْرِي فِيهِ مُتَعَرِّضَةً»
١٤ ‏/ ١٨٧
وَقَالَ آخَرُونَ فِيهِ بِمَا: حَدَّثَنِي بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ﴾ [النحل: ١٤] قَالَ: «تَمْخُرُ السَّفِينَةُ الرِّيَاحَ، وَلَا تَمْخُرُ الرِّيحَ مِنَ السُّفُنِ إِلَّا الْفُلْكُ الْعِظَامُ» . حَدَّثَنِي الْحَرْثُ قَالَ: ثنا الْحَسَنُ قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: ثنا شِبْلُ، وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ نَحْوَهُ، غَيْرَ أَنَّ الْحَرْثَ قَالَ فِي حَدِيثِهِ: وَلَا تُمْخَرُ الرِّيَاحُ مِنَ السُّفُنِ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، نَحْوَهُ
١٤ ‏/ ١٨٧
حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿مَوَاخِرَ﴾ [النحل: ١٤] قَالَ: «تَمْخُرُ الرِّيحُ»
١٤ ‏/ ١٨٧
وَقَالَ آخَرُونَ فِيهِ مَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ⦗١٨٨⦘: ﴿وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ﴾ [النحل: ١٤] «تَجْرِي بِرِيحٍ وَاحِدَةٍ، مُقْبِلَةً وَمُدْبِرَةً»
١٤ ‏/ ١٨٧
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: «تَجْرِي مُقْبِلَةً وَمُدْبِرَةً بِرِيحٍ وَاحِدَةٍ»
١٤ ‏/ ١٨٨
حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ: ﴿وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ﴾ [النحل: ١٤] قَالَ: «مُقْبِلَةً وَمُدْبِرَةً بِرِيحٍ وَاحِدَةٍ» وَالْمَخْرُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ: صَوْتُ هُبُوبِ الرِّيحِ إِذَا اشْتَدَّ هُبُوبُهَا، وَهُوَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: صَوْتُ جَرْيِ السَّفِينَةِ بِالرِّيحِ إِذَا عَصَفَتْ وَشَقَّهَا الْمَاءُ حِينَئِذٍ بِصَدْرِهَا، يُقَالُ مِنْهُ: مَخْرَتِ السَّفِينَةُ تَمْخُرُ مَخْرًا وَمُخُورًا، وَهِيَ مَاخِرَةٌ، وَيُقَالُ: امْتَخَرْتَ الرِّيحَ وَتَمَخَّرْتَهَا: إِذَا نَظَرْتَ مِنْ أَيْنَ هُبُوبُهَا وَتَسَمَّعْتَ صَوْتَ هُبُوبِهَا، وَمِنْهُ قَوْلُ وَاصِلٍ مَوْلَى ابْنِ عُيَيْنَةَ: كَانَ يُقَالُ: إِذَا أَرَادَ أَحَدُكُمُ الْبَوْلَ فَلْيَتَمَخَّرِ الرِّيحَ، يُرِيدُ بِذَلِكَ: لَيَنْظُرُ مِنْ أَيْنَ مَجْرَاهَا وَهُبُوبُهَا لِيَسْتَدْبِرَهَا فَلَا تُرْجِعُ عَلَيْهِ الْبَوْلَ وَتَرُدُّهُ عَلَيْهِ
١٤ ‏/ ١٨٨
وَقَوْلُهُ: ﴿وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ﴾ [النحل: ١٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلْتَتَصَرَّفُوا فِي طَلَبِ مَعَايشِكُمْ بِالتِّجَارَةِ سَخَّرَ لَكُمْ كَمَا:
١٤ ‏/ ١٨٨
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ﴾ [النحل: ١٤] قَالَ: «تِجَارَةُ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ»
١٤ ‏/ ١٨٨
وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [البقرة: ١٨٥] يَقُولُ: وَلِتَشْكُرُوا رَبَّكُمْ عَلَى مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْكُمْ مِنْ ذَلِكَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا سَخَّرَ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي عَدَّدَهَا فِي هَذِهِ الْآيَاتِ
١٤ ‏/ ١٨٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ [النحل: ١٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمِنْ نِعَمِهِ عَلَيْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ أَيْضًا، أَنْ أَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ، وَهِيَ جَمْعُ رَاسِيَةٍ، وَهِيَ الثَّوَابِتُ فِي الْأَرْضِ مِنَ الْجِبَالِ وَقَوْلُهُ: ﴿أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ﴾ [النحل: ١٥] يَعْنِي: أَنْ لَا تَمِيدَ بِكُمْ، وَذَلِكَ كَقَوْلِهِ: ﴿يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا﴾ [النساء: ١٧٦] وَالْمَعْنَى: أَنْ لَا تَضِلُّوا وَذَلِكَ أَنَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَرْسَى الْأَرْضَ بِالْجِبَالِ لِئَلَّا يَمِيدَ خَلْقُهُ الَّذِي عَلَى ظَهْرِهَا، بَلْ وَقَدْ كَانَتْ مَائِدَةً قَبْلَ أَنْ تُرْسَى بِهَا، كَمَا:
١٤ ‏/ ١٨٩
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ قَيْسِ بْنِ عَبَّادٍ: «أَنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى لَمَّا خَلَقَ الْأَرْضَ جَعَلَتْ تَمُورُ، قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ: مَا هَذِهِ بِمُقِرَّةٍ عَلَى ظَهْرِهَا أَحَدًا فَأَصْبَحَتْ صُبْحًا وَفِيهَا رَوَاسِيهَا»
١٤ ‏/ ١٨٩
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ، قَالَ: ثنا حَمَّادٌ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَبِيبٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: «لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الْأَرْضَ قَمَصَتْ، وَقَالَتْ: أَيْ رَبِّ أَتَجْعَلُ عَلَيَّ بَنِي آدَمَ يَعْمَلُونَ عَلَيَّ الْخَطَايَا، وَيَجْعَلُونَ ⦗١٩٠⦘ عَلَيَّ الْخَبَثَ؟ قَالَ: فَأَرْسَى اللَّهُ عَلَيْهَا مِنَ الْجِبَالِ مَا تَرَوْنَ وَمَا لَا تَرَوْنَ، فَكَانَ قَرَارُهَا كَاللَّحْمِ يَتَرَجَرَجُ». وَالْمَيْدُ: هُوَ الِاضْطِرَابُ وَالتَّكَفُّؤُ، يُقَالُ: مَادَتِ السَّفِينَةُ تَمِيدُ مَيْدًا: إِذَا تَكَفَّأَتْ بِأَهْلِهَا وَمَالَتْ، وَمِنْهُ الْمَيْدُ الَّذِي يَعْتَرِي رَاكِبَ الْبَحْرِ، وَهُوَ الدُّوَارُ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٤ ‏/ ١٨٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ﴾ [النحل: ١٥] أَنْ تَكَفَّأَ بِكُمْ». حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٤ ‏/ ١٩٠
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ﴾ [النحل: ١٥] قَالَ: «الْجِبَالُ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ»
١٤ ‏/ ١٩٠
قَالَ قَتَادَةُ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُولُ: «لَمَّا خُلِقَتِ الْأَرْضُ كَادَتْ تَمِيدُ، فَقَالُوا: مَا هَذِهِ بِمُقِرَّةٍ عَلَى ظَهْرِهَا أَحَدًا فَأَصْبَحُوا وَقَدْ خُلِقَتِ الْجِبَالُ، فَلَمْ تَدْرِ الْمَلَائِكَةُ مِمَّ خُلِقَتِ الْجِبَالُ»
١٤ ‏/ ١٩٠
وَقَوْلُهُ: ﴿وَأَنْهَارًا﴾ [الرعد: ٣] يَقُولُ: وَجَعَلَ فِيهَا أَنْهَارًا، فَعَطَفَ بِالْأَنْهَارِ عَلَى الرَّوَاسِي، وَأَعْمَلَ فِيهَا مَا أَعْمَلَ فِي الرَّوَاسِي، إِذْ كَانَ مَفْهُومًا مَعْنَى الْكَلَامِ وَالْمُرَادُ مِنْهُ، وَذَلِكَ نَظِيرُ قَوْلِ الرَّاجِزِ:
[البحر الرجز] تَسْمَعُ فِي أَجْوَافِهِنَّ صَوْرَا … وَفِي الْيَدَيْنِ حَشَّةً وَبَوْرَا
وَالْحَشَّةُ: الْيُبْسُ، فَعَطَفَ بِالْحَشَّةِ عَلَى الصَّوْتِ، وَالْحَشَّةُ لَا تُسْمَعُ، إِذْ كَانَ مَفْهُومًا الْمُرَادُ مِنْهُ وَأَنَّ مَعْنَاهُ وَتَرَى فِي الْيَدَيْنِ حَشَّةً
١٤ ‏/ ١٩١
وَقَوْلُهُ: ﴿وَسُبُلًا﴾ [النحل: ١٥] وَهِيَ جَمْعُ سَبِيلٍ، كَمَا الطُّرُقُ جَمْعُ طَرِيقٍ، وَمَعْنَى الْكَلَامِ: وَجَعَلَ لَكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ فِي الْأَرْضِ سُبُلًا وَفِجَاجًا تَسْلُكُونَهَا وَتَسِيرُونَ فِيهَا فِي حَوَائِجِكُمْ وَطَلَبِ مَعَايِشِكُمْ رَحْمَةً بِكُمْ، وَنِعْمَةً مِنْهُ بِذَلِكَ عَلَيْكُمْ، وَلَوْ عَمَّاهَا عَلَيْكُمْ لَهَلَكْتُمْ ضَلَالًا وَحِيرَةً. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٤ ‏/ ١٩١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: «﴿سُبُلًا﴾ [طه: ٥٣] أَيْ طُرُقًا»
١٤ ‏/ ١٩١
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿سُبُلًا﴾ [طه: ٥٣] قَالَ: «طُرُقًا»
١٤ ‏/ ١٩١
وَقَوْلُهُ ﴿لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ [البقرة: ٥٣] يَقُولُ: لِكَيْ تَهْتَدُوا بِهَذِهِ السُّبُلِ الَّتِي جَعَلَهَا ⦗١٩٢⦘ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ إِلَى الْأَمَاكِنِ الَّتِي تَقْصِدُونَ، وَالْمَوَاضِعِ الَّتِي تُرِيدُونَ، فَلَا تَضِلُّوا وَتَتَحَيَّرُوا
١٤ ‏/ ١٩١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَعَلَامَاتٍ، وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ﴾ [النحل: ١٦] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمَعْنِيِّ بِالْعَلَامَاتِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عُنِيَ بِهَا مَعَالِمُ الطُّرُقِ بِالنَّهَارِ
١٤ ‏/ ١٩٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَعَلَامَاتٍ، وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ﴾ [النحل: ١٦] «يَعْنِي بِالْعَلَامَاتِ: مَعَالِمَ الطُّرُقِ بِالنَّهَارِ، وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ بِاللَّيْلِ». وَقَالَ آخَرُونَ: عُنِيَ بِهَا النُّجُومُ
١٤ ‏/ ١٩٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ: ﴿وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ﴾ [النحل: ١٦] قَالَ: «مِنْهَا مَا يَكُونُ عَلَامَاتٍ، وَمِنْهَا مَا يَهْتَدُونَ بِهِ»
١٤ ‏/ ١٩٢
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ﴾ [النحل: ١٦] قَالَ: «مِنْهَا مَا يَكُونُ عَلَامَةً، وَمِنْهَا مَا يُهْتَدَى بِهِ» . ⦗١٩٣⦘ حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: ثنا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: ثنا قَبِيصَةُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، مِثْلَهُ. قَالَ الْمُثَنَّى: قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، خَالَفَ قَبِيصَةُ وَكِيعًا فِي الْإِسْنَادِ
١٤ ‏/ ١٩٢
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ﴾ [النحل: ١٦] «وَالْعَلَامَاتُ: النُّجُومُ، وَإِنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى إِنَّمَا خَلَقَ هَذِهِ النُّجُومَ لِثَلَاثِ خَصْلَاتٍ: جَعَلَهَا زِينَةً لِلسَّمَاءٍ، وَجَعَلَهَا يَهْتَدِي بِهَا، وَجَعَلَهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ، فَمَنْ تَعَاطَى فِيهَا غَيْرَ ذَلِكَ، فَقَدَ رَأْيَهُ، وَأَخْطَأَ حَظَّهُ، وَأَضَاعَ نَصِيبَهُ، وَتَكَلَّفَ مَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ»
١٤ ‏/ ١٩٣
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿وَعَلَامَاتٍ﴾ [النحل: ١٦] قَالَ: «النُّجُومُ» . وَقَالَ آخَرُونَ: عُنِيَ بِهَا الْجِبَالُ
١٤ ‏/ ١٩٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الْكَلْبِيِّ: ﴿وَعَلَامَاتٍ﴾ [النحل: ١٦] قَالَ: «الْجِبَالُ» .
١٤ ‏/ ١٩٣
وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ عَدَّدَ عَلَى عِبَادِهِ مِنْ نِعَمِهِ، إِنْعَامَهُ عَلَيْهِمْ بِمَا جَعَلَ لَهُمْ مِنَ الْعَلَامَاتِ الَّتِي يَهْتَدُونَ بِهَا فِي مَسَالِكِهِمْ وَطُرُقِهِمُ الَّتِي يَسِيرُونَهَا، وَلَمْ يُخَصِّصْ بِذَلِكَ بَعْضَ الْعَلَامَاتِ دُونَ بَعْضٍ، فَكُلُّ عَلَامَةٍ اسْتَدَلَّ بِهَا النَّاسُ عَلَى طُرُقِهِمْ وَفِجَاجِ سُبُلِهِمْ فَدَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَعَلَامَاتٍ﴾ [النحل: ١٦] وَالطَّرْقُ الْمَسْبُولَةِ: الْمَوْطُوءَةِ، عَلَامَةٌ لِلنَّاحِيَةِ الْمَقْصُودَةِ، وَالْجِبَالُ عَلَامَاتٍ يَهْتَدِي بِهِنَّ إِلَى قَصْدِ السَّبِيلِ، وَكَذَلِكَ النُّجُومُ بِاللَّيْلِ غَيْرَ أَنَّ الَّذِيَ هُوَ أَوْلَى بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ أَنْ تَكُونَ الْعَلَامَاتُ مِنْ أَدِلَّةِ النَّهَارِ، إِذْ كَانَ اللَّهُ قَدْ فَصَلَ مِنْهَا أَدِلَّةَ اللَّيْلِ بِقَوْلِهِ: ﴿وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ﴾ [النحل: ١٦] وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ أَشْبَهُ وَأَوْلَى بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ، فَالْوَاجِبُ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ فِي ذَلِكَ مَا قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي الْخَبَرِ الَّذِي رُوِّينَاهُ عَنْ عَطِيَّةَ عَنْهُ، وَهُوَ أَنَّ الْعَلَامَاتِ مَعَالِمُ الطُّرُقِ وَأَمَارَاتُهَا الَّتِي يُهْتَدَى بِهَا إِلَى الْمُسْتَقِيمِ مِنْهَا نَهَارًا، وَأَنْ يَكُونَ النَّجْمُ الَّذِي يُهْتَدَى بِهِ لَيْلًا هُوَ الْجَدْيُ وَالْفَرْقَدَانِ، لِأَنَّ بِهَا اهْتَدَاءَ السَّفَرِ دُونَ غَيْرِهَا مِنَ النُّجُومِ، فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ إِذَنْ: وَجَعَلَ لَكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ عَلَامَاتٍ تَسْتَدِلُّونَ بِهَا نَهَارًا عَلَى طُرُقِكُمْ فِي أَسْفَارِكُمْ، وَنُجُومًا تَهْتَدُونَ بِهَا لَيْلًا فِي سُبُلِكُمْ
١٤ ‏/ ١٩٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ، أَفَلَا تَذَكَّرُونَ. وإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [النحل: ١٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ وَالْأَصْنَامِ: أَفَمَنْ يَخْلُقُ هَذِهِ الْخَلَائِقَ الْعَجِيبَةَ الَّتِي عَدَدْنَاهَا عَلَيْكُمْ وَيُنْعِمَ عَلَيْكُمْ هَذِهِ النِّعَمَ الْعَظِيمَةَ، كَمَنْ لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَلَا يُنْعِمُ عَلَيْكُمْ نِعْمَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً؟ يَقُولُ: أَتُشْرِكُونَ هَذَا فِي عِبَادَةِ هَذَا؟ يُعَرِّفُهُمْ بِذَلِكَ عِظَمِ جَهْلِهِمْ، وَسُوءِ نَظَرِهِمْ لِأَنْفُسِهِمْ، وَقِلَّةِ شُكْرِهِمْ لِمَنْ أَنْعَمَ عَلَيْهِمْ بِالنِّعَمِ الَّتِي عَدَّدَهَا عَلَيْهِمُ، الَّتِي لَا يُحْصِيهَا أَحَدٌ غَيْرُهُ، قَالَ لَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ مُوَبِّخُهُمْ
١٤ ‏/ ١٩٤
: ﴿أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾ [يونس: ٣] أَيُّهَا النَّاسُ، يَقُولُ: أَفَلَا تَذْكُرُونَ نِعَمَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ، وَعَظِيمَ سُلْطَانِهِ وَقُدْرَتِهِ عَلَى مَا شَاءَ، وَعَجْزِ أَوْثَانِكُمْ، وَضَعْفِهَا، وَمَهَانَتِهَا، وَأَنَّهَا لَا تَجْلِبُ إِلَى نَفْسِهَا نَفْعًا، وَلَا تَدْفَعُ عَنْهَا ضَرًّا، فَتَعْرِفُوا بِذَلِكَ خَطَأَ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ مُقِيمُونَ مِنْ عِبَادَتِكُمُوهَا، وَإِقْرَارِكُمْ لَهَا بِالْأُلُوهَةِ؟ كَمَا:
١٤ ‏/ ١٩٥
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: «﴿أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾ [النحل: ١٧] وَاللَّهُ هُوَ الْخَالِقُ الرَّازِقُ، وَهَذِهِ الْأَوْثَانُ الَّتِي تُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ تُخْلَقُ وَلَا تَخْلُقُ شَيْئًا، وَلَا تَمْلِكُ لِأَهْلِهَا ضَرًّا وَلَا نَفْعًا، قَالَ اللَّهُ: ﴿أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾ [النحل: ١٧]» وَقِيلَ: ﴿كَمَنْ لَا يَخْلُقُ﴾ [النحل: ١٧] هُوَ الْوَثَنُ وَالصَّنَمُ، وَ«مَنْ» لِذَوِي التَّمْيِيزِ خَاصَّةً، فَجَعَلَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ لِغَيْرِهِمْ لِلتَّمْيِيزِ، إِذْ وَقَعَ تَفْصِيلًا بَيْنَ مَنْ يَخْلُقُ وَمَنْ لَا يَخْلُقُ، وَمَحْكِيٌّ عَنِ الْعَرَبِ: اشْتَبَهَ عَلَيَّ الرَّاكِبُ وَجَمَلُهُ، فَمَا أَدْرِي مَنْ ذَا وَمَنْ ذَا، حَيْثُ جُمِعَا، وَأَحَدُهُمَا إِنْسَانٌ حَسُنَتْ «مَنْ» فِيهِمَا جَمِيعًا، وَمِنْهُ قَوْلُ اللَّهِ عز وجل: ﴿فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ﴾ [النور: ٤٥]
١٤ ‏/ ١٩٥
وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا﴾ [النحل: ١٨] لَا تُطِيقُوا أَدَاءَ شُكْرِهَا. ﴿إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [النحل: ١٨] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ لِمَا كَانَ مِنْكُمْ مِنْ تَقْصِيرٍ فِي شُكْرِ بَعْضِ ذَلِكَ إِذَا تُبْتُمْ وَأَنَبْتُمْ إِلَى طَاعَتِهِ وَاتِّبَاعِ مَرْضَاتِهِ، ⦗١٩٦⦘ رَحِيمٌ بِكُمْ أَنْ يُعَذِّبَكُمْ عَلَيْهِ بَعْدَ الْإِنَابَةِ إِلَيْهِ وَالتَّوْبَةِ
١٤ ‏/ ١٩٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ. وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ﴾ [النحل: ٢٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَاللَّهُ الَّذِي هُوَ إِلَهُكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ، يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ فِي أَنْفُسِكُمْ مِنْ ضَمَائِرِكُمْ، فَتُخْفُونَهُ عَنْ غَيْرِكُمْ، فَمَا تُبْدُونَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَجَوَارِحِكُمْ، وَمَا تُعْلِنُونَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَجَوَارِحِكُمْ وَأَفْعَالِكُمْ، وَهُوَ مَحْضُ ذَلِكَ كُلِّهِ عَلَيْكُمْ، حَتَّى يُجَازِيَكُمْ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، الْمُحْسِنُ مِنْكُمْ بِإِحْسَانِهِ، وَالْمُسِيءُ مِنْكُمْ بِإِسَاءَتِهِ، وَمُسَائِلِكُمْ عَمَّا كَانَ مِنْكُمْ مِنَ الشُّكْرِ فِي الدُّنْيَا عَلَى نِعَمِهِ الَّتِي أَنْعَمَهَا عَلَيْكُمْ، فَمَا الَّتِي أَحْصَيْتُمْ وَالَّتِي لَمْ تُحْصُوا
١٤ ‏/ ١٩٦
وَقَوْلُهُ: (وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ) يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَأَوْثَانُكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَيُّهَا النَّاسُ آلِهَةٌ لَا تَخْلُقُ شَيْئًا وَهِيَ تُخْلَقُ، فَكَيْفَ يَكُونُ إِلَهًا مَا كَانَ مَصْنُوعًا مُدَبَّرًا لَا تَمْلِكُ لِأَنْفُسِهَا نَفْعًا وَلَا ضَرًّا؟
١٤ ‏/ ١٩٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ﴾ [النحل: ٢١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ قُرَيْشٍ: وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَيُّهَا النَّاسُ ﴿أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ﴾ [النحل: ٢١] وَجَعَلَهَا جَلَّ ثَنَاؤُهُ ⦗١٩٧⦘ أَمْوَاتًا غَيْرَ أَحْيَاءٍ، إِذْ كَانَتْ لَا أَرْوَاحَ فِيهَا، كَمَا:
١٤ ‏/ ١٩٦
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ﴾ [النحل: ٢١] «وَهِيَ هَذِهِ الْأَوْثَانُ الَّتِي تُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ لَا أَرْوَاحَ فِيهَا، وَلَا تَمْلِكُ لِأَهْلِهَا ضَرًّا وَلَا نَفْعًا» . وَفِي رَفْعِ الْأَمْوَاتِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ خَبَرًا لِلَّذِينَ، وَالْآخَرُ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ
١٤ ‏/ ١٩٧
وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَا يَشْعُرُونَ﴾ [البقرة: ٩] يَقُولُ: وَمَا تَدْرِي أَصْنَامُكُمُ الَّتِي تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَتَى تُبْعَثُ. وَقِيلَ: إِنَّمَا عَنَى بِذَلِكَ الْكُفَّارَ، أَنَّهُمْ لَا يَدْرُونَ مَتَى يُبْعَثُونَ
١٤ ‏/ ١٩٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ، فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ، وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ﴾ [النحل: ٢٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: مَعْبُودُكُمُ الَّذِي يَسْتَحِقُّ عَلَيْكُمُ الْعِبَادَةَ وَإِفْرَادَ الطَّاعَةِ لَهُ دُونَ سَائِرِ الْأَشْيَاءِ مَعْبُودٌ وَاحِدٌ، لِأَنَّهُ لَا تَصْلُحُ الْعِبَادَةُ إِلَّا لَهُ، فَأَفْرِدُوا لَهُ الطَّاعَةَ، وَأَخْلِصُوا لَهُ الْعِبَادَةَ، وَلَا تَجْعَلُوا مَعَهُ شَرِيكًا سِوَاهُ ﴿فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ﴾ [النحل: ٢٢] . يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَالَّذِينَ لَا يُصَدِّقُونَ بِوَعْدِ اللَّهِ وَوَعِيدِهِ وَلَا يُقِرُّونَ بِالْمَعَادِ إِلَيْهِ بَعْدَ الْمَمَاتِ ﴿قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ﴾ [النحل: ٢٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: مُسْتَنْكِرَةٌ لِمَا نَقُصُّ عَلَيْهِمْ مِنْ قُدْرَةِ اللَّهِ وَعَظَمَتِهِ وَجَمِيلِ نِعَمِهِ عَلَيْهِمْ، وَأَنَّ الْعِبَادَةَ لَا تَصْلُحُ إِلَّا لَهُ، وَالْأُلُوهَةُ لَيْسَتْ لِشَيْءٍ غَيْرِهِ، يَقُولُ: وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ عَنْ إِفْرَادِ اللَّهِ بِالْأُلُوهَةِ، وَالْإِقْرَارِ لَهُ بِالْوَحْدَانِيَّةِ، اتِّبَاعًا مِنْهُمْ لِمَا مَضَى عَلَيْهِ مِنَ الشِّرْكِ بِاللَّهِ أَسْلَافُهُمْ، كَمَا:
١٤ ‏/ ١٩٧
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: «﴿فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ﴾ [النحل: ٢٢] لِهَذَا الْحَدِيثِ الَّذِي مَضَى، وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ عَنْهُ»
١٤ ‏/ ١٩٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لَا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ. إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ﴾ [النحل: ٢٣] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: لَا جَرَمَ حَقًّا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ مِنْ إِنْكَارِهِمْ مَا ذَكَرْنَا مِنَ الْأَنْبَاءِ فِي هَذِهِ السُّورَةِ، وَاعْتِقَادِهِمْ نَكِيرَ قَوْلِنَا لَهُمْ: ﴿إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾ [النحل: ٢٢]، وَاسْتِكْبَارُهُمْ عَلَى اللَّهِ، وَمَا يُعْلِنُونَ مِنْ كُفْرِهِمْ بِاللَّهِ وَفِرْيَتِهِمْ عَلَيْهِ ﴿إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ﴾ [النحل: ٢٣] يَقُولُ: إنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ عَلَيْهِ أَنْ يُوَحِّدُوهُ، وَيَخْلَعُوا مَا دُونَهُ مِنَ الْآلِهَةِ وَالْأَنْدَادِ، كَمَا:
١٤ ‏/ ١٩٨
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، قَالَ: ثنا مِسْعَرٌ، عَنْ رَجُلٍ: أَنَّ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ كَانَ يَجْلِسُ إِلَى الْمَسَاكِينِ، ثُمَّ يَقُولُ: ﴿إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ﴾ [النحل: ٢٣]
١٤ ‏/ ١٩٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾ [النحل: ٢٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَإِذَا قِيلَ لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ: ﴿مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ﴾ [النحل: ٢٤] أَيُّ شَيْءٍ أَنْزَلَ رَبُّكُمْ؟ قَالُوا: الَّذِي أَنْزَلَ مَا سَطَّرَهُ الْأَوَّلُونَ مِنْ قَبْلِنَا مِنَ الْأَبَاطِيلِ. ⦗١٩٩⦘ وَكَانَ ذَلِكَ كَمَا:
١٤ ‏/ ١٩٨
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ، قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾ [النحل: ٢٤] يَقُولُ: «أَحَادِيثُ الْأَوَّلِينَ وَبَاطِلُهُمْ، قَالَ ذَلِكَ قَوْمٌ مِنْ مُشْرِكِي الْعَرَبِ، كَانُوا يَقْعُدُونَ بِطَرِيقِ مَنْ أَتَى نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ، فَإِذَا مَرَّ بِهِمْ أَحَدٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يُرِيدُ نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ، قَالُوا لَهُمْ: أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ، يُرِيدُ: أَحَادِيثَ الْأَوَّلِينَ وَبَاطِلَهُمْ»
١٤ ‏/ ١٩٩
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾ [النحل: ٢٤] يَقُولُ: أَحَادِيثُ الْأَوَّلِينَ»
١٤ ‏/ ١٩٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ، أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ﴾ [النحل: ٢٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: يَقُولُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ لِمَنْ سَأَلَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمُ: الَّذِي أَنْزَلَ رَبُّنَا فِيمَا يَزْعُمُ مُحَمَّدٌ عَلَيْهِ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ، لِتَكُونَ لَهُمْ ذُنُوبُهُمُ الَّتِي هُمْ عَلَيْهَا مُقِيمُونَ مِنْ تَكْذِيبِهِمُ اللَّهَ، وَكُفْرِهِمْ بِمَا أَنْزَلَ عَلَى رَسُولِهِ ﷺ، وَمِنْ ذُنُوبِ الَّذِينَ يَصُدُّونَهُمْ عَنِ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ يَضِلُّونَ يُفْتَنُونَ مِنْهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ، وَقَوْلُهُ: ﴿أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ﴾ [الأنعام: ٣١] يَقُولُ: أَلَا سَاءَ الْإِثْمُ الَّذِي يَأْثَمُونَ، وَالثِّقَلُ الَّذِي يَتَحَمَّلُونَ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٤ ‏/ ١٩٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: «﴿لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ [النحل: ٢٥] وَمِنْ أَوْزَارِ مَنْ أَضَلُّوا احْتِمَالُهُمْ ذُنُوبَ أَنْفُسِهِمْ وَذُنُوبَ مَنْ أَطَاعَهُمْ، وَلَا يُخَفِّفُ ذَلِكَ عَمَّنْ أَطَاعَهُمْ مِنَ الْعَذَابِ شَيْئًا». حَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثنا الْحَسَنُ قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ نَحْوَهُ، إِلَّا أَنَّهُ، قَالَ: وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ حَمْلُهُمْ ذُنُوبَ أَنْفُسِهِمْ، وَسَائِرَ الْحَدِيثِ مِثْلَهُ
١٤ ‏/ ٢٠٠
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ﴾ [النحل: ٢٥] كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ قَالَ: «حَمْلُهُمْ ذُنُوبَ أَنْفُسِهِمْ وَذُنُوبَ مَنْ أَطَاعَهُمْ، وَلَا يُخَفِّفُ ذَلِكَ عَمَّنْ أَطَاعَهُمْ مِنَ الْعَذَابِ شَيْئًا» . حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، نَحْوَهُ
١٤ ‏/ ٢٠٠
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ [النحل: ٢٥] أَيْ ذُنُوبَهُمْ وَذُنُوبَ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ، ﴿أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ﴾ [الأنعام: ٣١]»
١٤ ‏/ ٢٠١
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ [النحل: ٢٥] يَقُولُ: «يَحْمِلُونَ ذُنُوبَهُمْ، وَذَلِكَ مِثْلُ قَوْلِهِ: ﴿وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ﴾ [العنكبوت: ١٣] يَقُولُ: يَحْمِلُونَ مَعَ ذُنُوبِهِمُ ذُنُوبَ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ»
١٤ ‏/ ٢٠١
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ: ﴿لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمِنْ أَوْزَارَ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ، أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ﴾ [النحل: ٢٥] قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «أَيُّمَا دَاعٍ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ فَاتُّبِعَ، فَإِنَّ عَلَيْهِ مِثْلَ أَوْزَارِ مَنِ اتَّبَعَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ، وَأَيُّمَا دَاعٍ دَعَا إِلَى هُدًى فَاتُّبِعَ، فَلَهُ مِثْلَ أُجُورِهِمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ»
١٤ ‏/ ٢٠١
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: أَخْبَرَنَا سُوَيْدٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ رَجُلٍ، قَالَ: قَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: إِنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّهُ يَتَمَثَّلُ لِلْكَافِرِ عَمَلُهُ فِي صُورَةٍ أَقْبَحُ مَا خَلَقَ اللَّهُ وَجْهًا وَأَنْتَنُهُ رِيحًا، فَيَجْلِسُ إِلَى جَنْبِهِ، كُلَّمَا أَفْزَعَهُ شَيْءٌ زَادَهُ فَزَعًا، وَكُلَّمَا تَخَوَّفَ شَيْئًا زَادَهُ ⦗٢٠٢⦘ خَوْفًا، فَيَقُولُ: بِئْسَ الصَّاحِبُ أَنْتَ وَمَنْ أَنْتَ؟ فَيَقُولُ: وَمَا تَعْرِفُنِي؟ فَيَقُولُ: لَا، فَيَقُولُ: أَنَا عَمَلُكَ كَانَ قَبِيحًا فَلِذَلِكَ تَرَانِي قَبِيحًا، وَكَانَ مُنْتِنًا فَلِذَلِكَ تَرَانِي مُنْتِنًا، طَأْطِئْ إِلَيَّ أَرْكَبُكَ فَطَالَمَا رَكِبْتَنِي فِي الدُّنْيَا فَيَرْكَبُهُ، وَهُوَ قَوْلُهُ: ﴿لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ [النحل: ٢٥]
١٤ ‏/ ٢٠١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ﴾ [النحل: ٢٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ أَرَادَ اتِّبَاعَ دِينِ اللَّهِ، فَرَامُوا مُغَالَبَةَ اللَّهِ بِبِنَاءٍ بَنَوْهُ، يُرِيدُونَ بِزَعْمِهِمُ الِارْتِفَاعُ إِلَى السَّمَاءِ لِحَرْبِ مَنْ فِيهَا وَكَانَ الَّذِي رَامَ ذَلِكَ فِيمَا ذُكِرَ لَنَا جَبَّارٌ مِنْ جَبَابِرَةِ النِّبْطِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ نَمْرُوذُ بْنُ كَنْعَانَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ بُخْتُنْصُرُ، وَقَدْ ذُكِرَتُ بَعْضُ أَخْبَارِهِمَا فِي سُورَةِ إِبْرَاهِيمَ وَقِيلَ: إِنَّ الَّذِي ذُكِرَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي سُورَةِ إِبْرَاهِيمَ
١٤ ‏/ ٢٠٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطُ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: “أَمَرَ الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ بِإِبْرَاهِيمَ فَأُخُرِجَ، يَعْنِي مِنْ مَدِينَتِهِ، قَالَ:
١٤ ‏/ ٢٠٢
فَلَقِيَ لُوطًا عَلَى بَابِ الْمَدِينَةِ وَهُوَ ابْنُ أَخِيهِ، فَدَعَاهُ فَآمَنَ بِهِ، وَقَالَ: إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي، وَحَلَفَ نَمْرُودُ أَنْ يَطْلُبَ إِلَهَ إِبْرَاهِيمَ، فَأَخَذَ أَرْبَعَةَ أَفْرَاخٍ مِنْ فِرَاخِ النُّسُورِ، فَرَبَّاهُنَّ بِاللَّحْمِ وَالْخُبْزِ حَتَّى كَبِرْنَ وَغَلُظْنَ وَاسْتَعْلَجْنَ، فَرَبَطَهُنَّ فِي تَابُوتٍ، وَقَعَدَ فِي ذَلِكَ التَّابُوتِ ثُمَّ رَفَعَ لَهُنَّ رِجْلًا مِنْ لَحْمٍ، فَطِرْنَ، حَتَّى إِذَا ذَهَبْنَ فِي السَّمَاءِ أَشْرَفَ يَنْظُرُ إِلَى الْأَرْضِ، فَرَأَى الْجِبَالَ تَدِبُّ كَدَبِيبِ النَّمْلِ ثُمَّ رَفَعَ لَهُنَّ اللَّحْمَ، ثُمَّ نَظَرَ فَرَأَى الْأَرْضَ مُحِيطًا بِهَا بَحْرٌ كَأَنَّهَا فَلْكَةٌ فِي مَاءٍ، ثُمَّ رُفِعَ طَوِيلًا فَوَقَعَ فِي ظُلْمَةٍ، فَلَمْ يَرَ مَا فَوْقَهُ وَمَا تَحْتَهُ، فَفَزِعَ، فَأَلْقَى اللَّحْمَ، فَاتَّبَعَتْهُ مُنْقَضَّاتٍ، فَلَمَّا نَظَرَتِ الْجِبَالُ إِلَيْهِنَّ، وَقَدْ أَقْبَلْنَ مُنْقَضَّاتٍ وَسَمِعَتْ حَفِيفَهُنَّ، فَزِعَتِ الْجِبَالُ، وَكَادَتْ أَنْ تَزُولَ مِنْ أَمْكِنَتِهَا وَلَمْ يَفْعَلْنَ، وَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ، وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ﴾ [إبراهيم: ٤٦]، وَهِيَ فِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ: (وَإِنْ
١٤ ‏/ ٢٠٣
كَادَ مَكْرُهُمْ) فَكَانَ طَيْرُورَتِهِنَّ بِهِ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَوُقُوعِهِنَّ بِهِ فِي جَبَلِ الدُّخَانِ، فَلَمَّا رَأَى أَنَّهُ لَا يُطِيقُ شَيْئًا أَخَذَ فِي بُنْيَانِ الصَّرْحِ، فَبَنَى حَتَّى إِذَا شَيَّدَهُ إِلَى السَّمَاءِ ارْتَقَى فَوْقَهُ يَنْظُرُ، يَزْعُمُ إِلَى إِلَهِ إِبْرَاهِيمَ، فَأَحْدَثَ، وَلَمْ يَكُنْ يُحْدِثُ، وَأَخَذَ اللَّهُ بُنْيَانَهُ مِنَ الْقَوَاعِدِ ﴿فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ، وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ﴾ [النحل: ٢٦] يَقُولُ: مِنْ مَأْمَنِهِمْ، وَأَخَذَهُمْ مِنْ أَسَاسِ الصَّرْحِ، فَتَنَقَّضَ بِهِمْ فَسَقَطَ فَتَبَلْبَلَتْ أَلْسُنُ النَّاسِ يَوْمَئِذٍ مِنَ الْفَزَعِ، فَتَكَلَّمُوا بِثَلَاثَةٍ وَسَبْعِينَ لِسَانًا، فَلِذَلِكَ سُمِّيَتْ بَابِلَ، وَإِنَّمَا كَانَ لِسَانُ النَّاسِ مِنْ قَبْلِ ذَلِكَ بِالسُّرْيَانِيَّةِ “
١٤ ‏/ ٢٠٤
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ﴾ [النحل: ٢٦] قَالَ: «هُوَ نَمْرُودُ حِينَ بَنَى الصَّرْحَ»

عن معز نوني

متحصّل على شهادة ختم الدروس للمعهد الأعلى لتكوين المعلمين بقفصة دفعة 2000، يعمل حاليًّا أستاذ مدارس إبتدائية

شاهد أيضاً

سُورَةُ الْفَاتِحَةِ

مَكِّيَّةٌ وَآيَاتُهَا سَبْعٌ ١ ‏/ ١١١ ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ [الفاتحة: ١] الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ …