سُورَةُ التَّوْبَةِ 1

مَدَنِيَّةٌ وَآيَاتُهَا تِسْعٌ وَعِشْرُونَ وَمِائَةٌ
١١ ‏/ ٣٠٣
الْقَوْلُ فِي تَفْسِيرِ السُّورَةِ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا التَّوْبَةُ: ﴿بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ﴾ [التوبة: ٢] يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ [التوبة: ١] هَذِهِ بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ. فَـ بَرَاءَةٌ مَرْفُوعَةٌ بِمَحْذُوفٍ، وَهُوَ هَذِهِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ: ﴿سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا﴾ [النور: ١] مَرْفُوعَةٌ بِمَحْذُوفٍ هُوَ هَذِهِ، وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ: بَرَاءَةٌ مَرْفُوعَةٌ بِالْعَائِدِ مِنْ ذِكْرِهَا فِي قَوْلِهِ: ﴿إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ﴾ [التوبة: ١] وَجَعَلَهَا كَالْمَعْرِفَةِ تَرْفَعُ مَا بَعْدَهَا؛ إِذْ كَانَتْ قَدْ صَارَتْ بِصِلَتِهَا وَهِيَ قَوْلُهُ: ﴿مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ [البقرة: ٢٧٩] كَالْمَعْرِفَةِ، وَصَارَ مَعْنَى الْكَلَامِ: بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، كَانَ مَذْهَبًا غَيْرَ مَدْفُوعَةٍ صِحَّتُهُ، وَإِنْ كَانَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَعْجَبَ إِلَيَّ؛ لِأَنَّ مِنْ شَأْنِ الْعَرَبِ أَنْ يُضْمِرُوا لِكُلِّ مُعَايَنٍ نَكْرَةً كَانَ أَوْ مَعْرِفَةً ذَلِكَ الْمُعَايَنُ، هَذَا وَهَذِهِ، فَيَقُولُونَ عِنْدَ مُعَايَنَتِهِمُ الشَّيْءَ الْحَسَنَ: حَسَنٌ وَاللَّهِ، وَالْقَبِيحَ: قَبِيحٌ وَاللَّهِ، يُرِيدُونَ: هَذَا حَسَنٌ وَاللَّهِ، وَهَذَا قَبِيحٌ وَاللَّهِ، فَلِذَلِكَ اخْتَرْتُ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ. وَقَالَ: ﴿بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ﴾ [التوبة: ١] وَالْمَعْنَى: إِلَى الَّذِينَ عَاهَدَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِنَ الْمُشْرِكِينَ؛ لِأَنَّ الْعُهُودَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ لَمْ يَكُنْ يَتَوَلَّى عَقْدَهَا إِلَّا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَوْ مَنْ يَعْقِدُهَا بِأَمْرِهِ،
١١ ‏/ ٣٠٣
وَلَكِنَّهُ خَاطَبَ الْمُؤْمِنِينَ بِذَلِكَ لِعِلْمِهِمْ بِمَعْنَاهُ، وَأَنَّ عُقُودَ النَّبِيِّ ﷺ عَلَى أُمَّتِهِ كَانَتْ عُقُودَهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا لِكُلِّ أَفْعَالِهِ فِيهِمْ رَاضِينَ، وَلِعُقُودِهِ عَلَيْهِمْ مُسَلِّمِينَ، فَصَارَ عَقْدُهُ عَلَيْهِمْ كَعُقُودِهِمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، فَلِذَلِكَ قَالَ: ﴿إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [التوبة: ١] لِمَا كَانَ مِنْ عَقْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَعَهْدِهِ. وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِيمَنْ بَرِئَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَيْهِ مِنَ الْعَهْدِ الَّذِي كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَأَذِنَ لَهُ فِي السِّيَاحَةِ فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: صِنْفَانِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ: أَحَدُهُمَا: كَانَتْ مُدَّةُ الْعَهْدِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، وَأُمْهِلَ بِالسِّيَاحَةِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، وَالْآخَرُ مِنْهُمَا كَانَتْ مُدَّةُ عَهْدِهِ بِغَيْرِ أَجَلٍ مَحْدُودٍ فَقَصُرَ بِهِ عَلَى أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ لِيَرْتَادَ لِنَفْسِهِ، ثُمَّ هُوَ حَرْبٌ بَعْدَ ذَلِكَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَقْتُلُ حَيْثُمَا أَدْرَكَ وَيُؤْسِرُ إِلَّا أَنْ يَتُوبَ
١١ ‏/ ٣٠٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: «بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رضي الله عنه أَمِيرًا عَلَى الْحَاجِّ مِنْ سَنَةِ تِسْعٍ لِيُقِيمَ لِلنَّاسِ حَجَّهُمْ، وَالنَّاسُ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ عَلَى مَنَازِلِهِمْ مِنْ حَجِّهِمْ. فَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَنَزَلَتْ سُورَةُ بَرَاءَةٌ فِي نَقْضِ مَا بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَبَيْنَ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الْعَهْدِ الَّذِي كَانُوا عَلَيْهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ: أَنْ لَا يُصَدَّ عَنِ الْبَيْتِ أَحَدٌ ⦗٣٠٥⦘ جَاءَهُ، وَأَنْ لَا يَخَافَ أَحَدٌ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ. وَكَانَ ذَلِكَ عَهْدًا عَامًّا بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ، وَكَانَتْ بَيْنَ ذَلِكَ عُهُودٌ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَبَيْنَ قَبَائِلَ مِنَ الْعَرَبِ خَصَائِصَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى، فَنَزَلَتْ فِيهِ وَفِيمَنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ مِنَ الْمُنَافِقِينَ فِي تَبُوكَ وَفِي قَوْلِ مَنْ قَالَ مِنْهُمْ، فَكَشَفَ اللَّهُ فِيهَا سَرَائِرَ أَقْوَامٍ كَانُوا يَسْتَخْفُونَ بِغَيْرِ مَا يُظْهِرُونَ، مِنْهُمْ مَنْ سُمِّيَ لَنَا، وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُسَمَّ لَنَا، فَقَالَ: ﴿بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [التوبة: ١] أَيْ لِأَهْلِ الْعَهْدِ الْعَامِّ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ مِنَ الْعَرَبِ ﴿فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ﴾ [التوبة: ٢] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ﴾ [التوبة: ٣] أَيْ بَعْدَ هَذِهِ الْحِجَّةِ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ كَانَ إِمْهَالُ اللَّهِ عز وجل بِسِيَاحَةِ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ مَنْ كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عَهْدٌ، فَأَمَّا مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ عَهْدٌ فَإِنَّمَا كَانَ أَجَلُهُ خَمْسِينَ لَيْلَةً، وَذَلِكَ عِشْرُونَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ كُلُّهُ. قَالُوا: وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ أَجَلَ الَّذِينَ لَا عَهْدَ لَهُمْ كَانَ إِلَى انْسِلَاخِ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ، كَمَا قَالَ اللَّهُ: ﴿فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ﴾ [التوبة: ٥] الْآيَةَ، قَالُوا: وَالنِّدَاءُ بِبَرَاءَةٌ كَانَ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ، وَذَلِكَ يَوْمَ النَّحْرِ فِي قَوْلِ قَوْمٍ، وَفِي قَوْلِ آخَرِينَ: يَوْمُ عَرَفَةَ، وَذَلِكَ خَمْسُونَ يَوْمًا. قَالُوا: وَأَمَّا تَأْجِيلُ الْأَشْهُرِ الْأَرْبَعَةِ، فَإِنَّمَا كَانَ لِأَهْلِ الْعَهْدِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِنْ يَوْمَ نَزَلَتْ بَرَاءَةٌ. قَالُوا: وَنَزَلَتْ فِي أَوَّلِ شَوَّالٍ، فَكَانَ انْقِضَاءُ مُدَّةِ أَجَلِهِمُ انْسِلَاخَ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ. وَقَدْ كَانَ بَعْضُ مَنْ يَقُولُ هَذِهِ الْمَقَالَةَ يَقُولُ: ابْتِدَاءُ التَّأْجِيلِ كَانَ لِلْفَرِيقَيْنِ وَاحِدًا، أَعْنِي الَّذِي لَهُ الْعَهْدُ وَالَّذِي لَا عَهْدَ لَهُ، غَيْرَ أَنَّ أَجَلَ ⦗٣٠٦⦘ الَّذِي كَانَ لَهُ عَهْدٌ كَانَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، وَالَّذِي لَا عَهْدَ لَهُ: انْسِلَاخُ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ، وَذَلِكَ انْقِضَاءُ الْمُحَرَّمِ
١١ ‏/ ٣٠٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ﴾ [التوبة: ٢] قَالَ: حَدَّ اللَّهُ لِلَّذِينَ عَاهَدُوا رَسُولَهُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ يَسِيحُونَ فِيهَا حَيْثُمَا شَاءُوا، وَحَدَّ أَجَلَ مَنْ لَيْسَ لَهُ عَهْدٌ انْسِلَاخَ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ إِلَى انْسِلَاخِ الْمُحَرَّمِ، فَذَلِكَ خَمْسُونَ لَيْلَةً، فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ أَمَرَهُ بِأَنْ يَضَعَ السَّيْفَ فِيمَنْ عَاهَدَ»
١١ ‏/ ٣٠٦
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «لَمَّا نَزَلَتْ ﴿بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ﴾ [التوبة: ١] إِلَى: ﴿وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ﴾ [التوبة: ٢] يَقُولُ: بَرَاءَةٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ كَانَ لَهُمْ عَهْدٌ، يَوْمَ نَزَلَتْ بَرَاءَةُ. فَجَعَلَ مُدَّةَ مَنْ كَانَ لَهُ عَهْدٌ قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ بَرَاءَةُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، وَجَعَلَ مُدَّةَ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ عَهْدٌ قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ بَرَاءَةُ انْسِلَاخَ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ، وَانْسِلَاخُ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ مِنْ يَوْمِ أُذِّنَ بِبَرَاءَةَ إِلَى انْسِلَاخِ الْمُحَرَّمِ وَهِيَ خَمْسُونَ لَيْلَةً: عِشْرُونَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، وَثَلَاثُونَ مِنَ الْمُحَرَّمِ. ﴿فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ﴾ [التوبة: ٥] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مُرْصَدٍ﴾ [التوبة: ٥] يَقُولُ: لَمْ يَبْقَ لِأَحَدٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ وَلَا ذِمَّةٌ مُنْذُ نَزَلَتْ بَرَاءَةُ، ⦗٣٠٧⦘ وَانْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ، وَمُدَّةُ مَنْ كَانَ لَهُ عَهْدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ بَرَاءَةُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ أُذِّنَ بِبَرَاءَةَ إِلَى عَشْرٍ مِنْ أَوَّلِ رَبِيعِ الْآخَرِ، فَذَلِكَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ»
١١ ‏/ ٣٠٦
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: «﴿بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [التوبة: ١] قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ بَرَاءَةُ عَاهَدَ نَاسًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَغَيْرِهِمْ، فَنَزَلَتْ بَرَاءَةُ مِنَ اللَّهِ إِلَى كُلِّ أَحَدٍ مِمَّنْ كَانَ عَاهَدَكَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَإِنِّي أَنْقُضُ الْعَهْدَ الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُمْ، فَأُؤَجِّلُهُمْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ يَسِيحُونَ حَيْثُ شَاءُوا مِنَ الْأَرْضِ آمِنِينَ، وَأَجَلُ مَنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّبِيِّ ﷺ عَهْدٌ انْسِلَاخُ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ مِنْ يَوْمِ أُذِّنَ بِبَرَاءَةَ وَأَذِنَ بِهَا يَوْمَ النَّحْرِ، فَكَانَ عِشْرِينَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، وَالْمُحَرَّمُ ثَلَاثِينَ، فَذَلِكَ خَمْسُونَ لَيْلَةً. فَأَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ إِذَا انْسَلَخَ الْمُحَرَّمُ أَنْ يَضَعَ السَّيْفَ فِيمَنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَبِيِّ اللَّهِ ﷺ عَهْدٌ يَقْتُلُهُمْ حَتَّى يَدْخُلُوا فِي الْإِسْلَامِ، وَأَمَرَ بِمَنْ كَانَ لَهُ عَهْدٌ إِذَا انْسَلَخَ أَرْبَعَةٌ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ أَنْ يَضَعَ فِيهِمُ السَّيْفَ أَيْضًا يَقْتُلُهُمْ حَتَّى يَدْخُلُوا فِي الْإِسْلَامِ. فَكَانَتْ مُدَّةُ مَنْ لَا عَهْدَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ خَمْسِينَ لَيْلَةً مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ، وَمُدَّةُ مَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عَهْدٌ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ إِلَى عَشْرٍ يَخْلُونَ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْآخَرِ»
١١ ‏/ ٣٠٧
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: «﴿بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ ⦗٣٠٨⦘ وَرَسُولِهِ﴾ [التوبة: ١] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [التوبة: ٣] قَالَ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ عَلِيًّا نَادَى بِالْأَذَانِ، وَأُمِّرَ عَلَى الْحَاجِّ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنهما، وَكَانَ الْعَامُ الَّذِي حَجَّ فِيهِ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ، وَلَمْ يَحُجَّ الْمُشْرِكُونَ بَعْدَ ذَلِكَ الْعَامِ. قَوْلُهُ: ﴿الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [التوبة: ١] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿إِلَى مُدَّتِهِمْ﴾ [التوبة: ٤] قَالَ: هُمْ مُشْرِكُو قُرَيْشٍ الَّذِينَ عَاهَدَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَكَانَ بَقِيَ مِنْ مُدَّتِهِمْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ وَأَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ أَنْ يُوفِّيَ بِعَهْدِهِمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ وَمَنْ لَا عَهْدَ لَهُ انْسِلَاخُ الْمُحَرَّمِ، وَنَبَذَ إِلَى كُلِّ ذِي عَهْدٍ عَهْدَهُ، وَأَمَرَ بِقِتَالِهِمْ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُمْ إِلَّا ذَلِكَ» وَقَالَ آخَرُونَ: كَانَ ابْتِدَاءُ تَأْخِيرِ الْمُشْرِكِينَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، وَانْقَضَاءُ ذَلِكَ لِجَمِيعِهِمْ وَقْتًا وَاحِدًا. قَالُوا: وَكَانَ ابْتِدَاؤُهُ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ، وَانْقِضَاؤُهُ انْقِضَاءَ عَشْرٍ مِنْ رَبِيعِ الْآخَرِ
١١ ‏/ ٣٠٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: «﴿بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [التوبة: ١] قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، بَرِئَ مِنْ عَهْدِ كُلِّ مُشْرِكٍ، وَلَمْ يُعَاهِدْ بَعْدَهَا إِلَّا مَنْ كَانَ عَاهَدَ، وَأَجْرَى لِكُلٍّ مُدَّتَهُمْ. ﴿فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ﴾ [التوبة: ٢] لِمَنْ دَخَلَ عَهْدُهُ فِيهَا مِنْ عَشَرِ ذِي الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمِ، وَصَفَرٍ وَشَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، وَعَشْرٍ مِنْ رَبِيعٍ الْآخَرِ»
١١ ‏/ ٣٠٨
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: ثنا أَبُو مَعْشَرٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ، وَغَيْرُهُ، قَالُوا: «بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَبَا بَكْرٍ أَمِيرًا عَلَى الْمَوْسِمِ سَنَةَ تِسْعٍ، وَبَعَثَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه بِثَلَاثِينَ أَوْ أَرْبَعِينَ آيَةً مِنْ بَرَاءَةَ، فَقَرَأَهَا عَلَى النَّاسِ يُؤَجِّلُ الْمُشْرِكِينَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ يَسِيحُونَ فِي الْأَرْضِ، فَقَرَأَ عَلَيْهِمْ بَرَاءَةَ يَوْمَ عَرَفَةَ أَجَّلَ الْمُشْرِكِينَ عِشْرِينَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، وَالْمُحَرَّمَ، وَصَفَرَ، وَشَهْرَ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، وَعَشْرًا مِنْ رَبِيعِ الْآخَرِ، وَقَرَأَهَا عَلَيْهِمْ فِي مَنَازِلِهِمْ، وَقَالَ: لَا يَحُجَّنَّ بَعْدَ عَامِنَا هَذَا مُشْرِكٌ وَلَا يَطُوفَنَّ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ»
١١ ‏/ ٣٠٩
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ﴾ [التوبة: ٢] عِشْرُونَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، وَالْمُحَرَّمُ، وَصَفَرُ، وَرَبِيعٌ الْأَوَّلُ، وَعَشْرٌ مِنْ رَبِيعٍ الْآخَرِ، كَانَ ذَلِكَ عَهْدَهُمُ الَّذِي بَيْنَهُمْ»
١١ ‏/ ٣٠٩
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ [التوبة: ١] إِلَى أَهْلِ الْعَهْدِ: خُزَاعَةَ، وَمُدْلَجَ، وَمَنْ كَانَ لَهُ عَهْدٌ مِنْ غَيْرِهِمْ. أَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِنْ تَبُوكَ حِينَ فَرَغَ، فَأَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الْحَجَّ، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّهُ يَحْضُرُ الْمُشْرِكُونَ فَيَطُوفُونَ عُرَاةً، فَلَا أُحِبُّ أَنْ أَحُجَّ حَتَّى لَا يَكُونَ ذَلِكَ» . فَأَرْسَلَ أَبَا بَكْرِ وَعَلِيًّا رضي الله عنهما، فَطَافَا بِالنَّاسِ بِذِي الْمَجَازِ وَبِأَمْكِنَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا يَتَبَايَعُونَ بِهَا وَبِالْمَوَاسِمِ كُلِّهَا، فَآذَنُوا أَصْحَابَ الْعَهْدِ بِأَنْ يَأْمَنُوا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، فَهِيَ الْأَشْهُرُ الْمُتَوَالِيَاتُ عِشْرُونَ مِنْ آخِرِ ذِي الْحِجَّةِ إِلَى عَشْرٍ يَخْلُونَ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْآخَرِ، ثُمَّ لَا عَهْدَ لَهُمْ. وَآذَنَ النَّاسَ كُلَّهَا ⦗٣١٠⦘ بِالْقِتَالِ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا
١١ ‏/ ٣٠٩
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [التوبة: ١] قَالَ: أَهْلُ الْعَهْدِ مُدْلِجُ، وَالْعَرَبُ الَّذِينَ عَاهَدَهُمْ، وَمَنْ كَانَ لَهُ عَهْدٌ. قَالَ: أَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِنْ تَبُوكَ حِينَ فَرَغَ مِنْهَا وَأَرَادَ الْحَجَّ، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّهُ يَحْضُرُ الْبَيْتَ مُشْرِكُونَ يَطُوفُونَ عُرَاةً فَلَا أُحِبُّ أَنْ أَحُجَّ حَتَّى لَا يَكُونَ ذَلِكَ» فَأَرْسَلَ أَبَا بَكْرٍ وَعَلِيًّا رضي الله عنهما، فَطَافَا بِالنَّاسِ بِذِي الْمَجَازِ، وَبِأَمْكِنَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا يَتَبَايَعُونَ بِهَا وَبِالْمَوْسِمِ كُلِّهِ، وَآذَنُوا أَصْحَابَ الْعَهْدِ بِأَنْ يَأْمَنُوا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ الْمُنْسَلِخَاتِ الْمُتَوَالِيَاتِ: عِشْرُونَ مِنْ آخِرِ ذِي الْحِجَّةِ إِلَى عَشْرٍ يَخْلُونَ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْآخَرِ، ثُمَّ لَا عَهْدَ لَهُمْ. وَآذَنَ النَّاسَ كُلَّهُمْ بِالْقِتَالِ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا، فَآمَنَ النَّاسُ أَجْمَعُونَ حِينَئِذٍ وَلَمْ يَسِحْ أَحَدٌ. وَقَالَ: حِينَ رَجَعَ مِنَ الطَّائِفِ مَضَى مِنْ فَوْرِهِ ذَلِكَ، فَغَزَا تَبُوكَ بَعْدَ إِذْ جَاءَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَقَالَ آخَرُونَ مِمَّنْ قَالَ: ابْتِدَاءُ الْأَجَلِ لِجَمِيعِ الْمُشْرِكِينَ وَانْقِضَاؤُهُ كَانَ وَاحِدًا. كَانَ ابْتِدَاؤُهُ يَوْمَ نَزَلَتْ بَرَاءَةُ، وَانْقِضَاؤُهُ انْقِضَاءُ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ، وَذَلِكَ انْقِضَاءُ الْمُحَرَّمِ
١١ ‏/ ٣١٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ ⦗٣١١⦘ الزُّهْرِيِّ: «﴿فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ﴾ [التوبة: ٢] قَالَ: نَزَلَتْ فِي شَوَّالٍ، فَهَذِهِ الْأَرْبَعَةُ الْأَشْهُرِ: شَوَّالٌ، وَذُو الْقَعْدَةِ، وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ» وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّمَا كَانَ تَأْجِيلُ اللَّهِ الْأَشْهُرَ الْأَرْبَعَةَ الْمُشْرِكِينَ فِي السِّيَاحَةِ لِمَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عَهْدٌ مُدَّتُهُ أَقَلُّ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، أَمَّا مَنْ كَانَ لَهُ عَهْدٌ مُدَّتُهُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنَّهُ أُمِرَ ﷺ أَنْ يُتِمَّ لَهُ عَهْدَهُ إِلَى مُدَّتِهِ
١١ ‏/ ٣١٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، قَالَ: قَالَ الْكَلْبِيُّ: «إِنَّمَا كَانَتِ الْأَرْبَعَةُ الْأَشْهُرِ لِمَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عَهْدٌ دُونَ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ، فَأَتَمَّ لَهُ الْأَرْبَعَةَ. وَمَنْ كَانَ لَهُ عَهْدٌ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَهُوَ الَّذِي أُمِرَ أَنْ يُتِمَّ لَهُ عَهْدَهُ، وَقَالَ: ﴿أَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ﴾» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ رحمه الله: وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: الْأَجَلُ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ لِأَهْلِ الْعَهْدِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَأَذِنَ لَهُمْ بِالسِّيَاحَةِ فِيهِ بِقَوْلِهِ: ﴿فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ﴾ [التوبة: ٢] إِنَّمَا هُوَ لِأَهْلِ الْعَهْدِ الَّذِينَ ظَاهَرُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَنَقَضُوا عَهْدَهُمْ قَبْلَ انْقِضَاءِ مُدَّتِهِ، فَأَمَّا الَّذِينَ لَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَهُمْ وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْهِ، فَإِنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَمَرَ نَبِيَّهُ ﷺ بِإِتْمَامِ الْعَهْدِ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِ بِقَوْلِهِ: ﴿إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا
١١ ‏/ ٣١١
عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ﴾ [التوبة: ٤] فَإِنْ ظَنَّ ظَانٌّ أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ﴾ [التوبة: ٥] يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ؛ إِذْ كَانَ ذَلِكَ يُنْبِئُ عَنْ أَنَّ الْفَرْضَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كَانَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ قَتْلُ كُلِّ مُشْرِكٍ، فَإِنَّ الْأَمْرَ فِي ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا ظَنَّ، وَذَلِكَ أَنَّ الْآيَةَ الَّتِي تَتْلُو ذَلِكَ تُنْبِئُ عَنْ صِحَّةِ مَا قُلْنَا وَفَسَادِ مَا ظَنَّهُ مَنْ ظَنَّ أَنَّ انْسِلَاخَ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ كَانَ يُبِيحُ قَتْلَ كُلِّ مُشْرِكٍ كَانَ لَهُ عَهْدٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْهُ عَهْدٌ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ﴾ [التوبة: ٧] فَهَؤُلَاءِ مُشْرِكُونَ، وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ ﷺ وَالْمُؤْمِنِينَ بِالِاسْتِقَامَةِ لَهُمْ فِي عَهْدِهِمْ مَا اسْتَقَامُوا لَهُمْ بِتَرْكِ نَقْضِ صُلْحِهِمْ وَتَرْكِ مُظَاهَرَةِ عَدُوِّهِمْ عَلَيْهِمْ. وَبَعْدُ: فَفِي الْأَخْبَارِ الْمُتَظَاهِرَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ حِينَ بَعَثَ عَلِيًّا رضي الله عنه بِبَرَاءَةَ إِلَى أَهْلِ الْعُهُودِ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ أَمَرَهُ فِيمَا أَمَرَهُ أَنْ يُنَادِيَ بِهِ فِيهِمْ، وَمَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عَهْدٌ، فَعَهْدُهُ إِلَى مُدَّتِهِ أَوْضَحُ الدَّلِيلِ عَلَى صِحَّةِ مَا قُلْنَا؛ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَأْمُرْ نَبِيَّهُ ﷺ بِنَقْضِ عَهْدِ قَوْمٍ كَانَ عَاهَدَهُمْ إِلَى أَجَلٍ، فَاسْتَقَامُوا عَلَى عَهْدِهِ بِتَرْكِ نَقْضِهِ، وَأَنَّهُ إِنَّمَا أَجَّلَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ مَنْ كَانَ قَدْ نَقْضَ عَهْدَهُ قَبْلَ التَّأْجِيلِ أَوْ مَنْ كَانَ لَهُ عَهْدٌ إِلَى أَجَلٍ غَيْرِ مَحْدُودٍ، فَأَمَّا مَنْ كَانَ أَجَلُ عَهْدِهِ مَحْدُودًا وَلَمْ يَجْعَلْ بِنِقْضِهِ عَلَى نَفْسِهِ سَبِيلًا، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ بِإِتْمَامِ
١١ ‏/ ٣١٢
عَهْدِهِ إِلَى غَايَةِ أَجَلِهِ مَأْمُورًا، بِذَلِكَ بَعَثَ مُنَادِيَهُ يُنَادِي بِهِ فِي أَهْلِ الْمَوْسِمِ مِنَ الْعَرَبِ
١١ ‏/ ٣١٣
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا قَيْسٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: ثني مُحَرَّرُ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رضي الله عنه قَالَ: «كُنْتُ مَعَ عَلِيٍّ رضي الله عنه حِينَ بَعَثَهُ النَّبِيُّ ﷺ يُنَادِي، فَكَانَ إِذَا صَحِلَ صَوْتُهُ نَادَيْتُ، قُلْتُ: بِأَيِّ شَيْءٍ كُنْتُمْ تُنَادُونَ؟ قَالَ: بِأَرْبَعٍ: لَا يَطُفْ بِالْكَعْبَةِ عُرْيَانٌ، وَمَنْ كَانَ لَهُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عَهْدٌ فَعَهْدُهُ إِلَى مُدَّتِهِ، وَلَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا نَفْسٌ مُؤْمِنَةٌ، وَلَا يَحُجُّ بَعْدَ عَامِنَا هَذَا مُشْرِكٌ» حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثنا عَفَّانُ، قَالَ: ثنا قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ، قَالَ: ثنا الشَّيْبَانِيُّ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْمُحَرَّرُ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُنْتُ مَعَ عَلِيٍّ رضي الله عنه، فَذَكَرَ نَحْوَهُ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: «وَمَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عَهْدٌ فَعَهْدُهُ إِلَى أَجَلِهِ» وَقَدْ حَدَّثَ بِهَذَا الْحَدِيثِ شُعْبَةُ، فَخَالَفَ قَيْسًا فِي الْأَجَلِ
١١ ‏/ ٣١٣
فَحَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنِ الْمُغِيرَةِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ الْمُحَرَّرِ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «كُنْتُ مَعَ عَلِيٍّ حِينَ بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِبَرَاءَةَ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ، فَكُنْتُ أُنَادِي حَتَّى ⦗٣١٤⦘ صَحِلَ صَوْتِي، فَقُلْتُ: بِأَيِّ شَيْءٍ كُنْتَ تُنَادِي؟ قَالَ: أَمَرَنَا أَنْ نُنَادِيَ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا مُؤْمِنٌ، وَمَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عَهْدٌ فَأَجَلُهُ إِلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، فَإِذَا حَلَّ الْأَجَلُ فَإِنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ، وَلَا يَطُفْ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ، وَلَا يَحُجُّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ رحمه الله: وَأَخْشَى أَنْ يَكُونَ هَذَا الْخَبَرُ وَهْمًا مِنْ نَاقِلِهِ فِي الْأَجَلِ؛ لِأَنَّ الْأَخْبَارَ مُتَظَاهِرَةٌ فِي الْأَجَلِ بِخِلَافِهِ مَعَ خِلَافِ قَيْسٍ شُعْبَةَ فِي نَفْسِ هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى مَا بَيَّنْتُهُ
١١ ‏/ ٣١٣
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْحَارِثِ الْأَعْوَرِ، عَنْ عَلِيٍّ، رضي الله عنه، قَالَ: «أُمِرْتُ بِأَرْبَعٍ: أُمِرْتُ أَنْ لَا يَقْرَبَ الْبَيْتَ بَعْدَ هَذَا الْعَامِ مُشْرِكٌ، وَلَا يَطوُفَ رَجُلٌ بِالْبَيْتِ عُرْيَانًا، وَلَا يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا كُلُّ نَفْسٍ مُسْلِمَةٍ، وَأَنْ يُتَمَّ إِلَى كُلِّ ذِي عَهْدٍ عَهْدُهُ»
١١ ‏/ ٣١٤
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ يُثَيْعٍ، قَالَ: «نَزَلَتْ بَرَاءَةُ، فَبَعَثَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَبَا بَكْرٍ، ثُمَّ أَرْسَلَ عَلِيًّا فَأَخَذَهَا مِنْهُ. فَلَمَّا رَجَعَ أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: هَلْ نَزَلَ فِيَّ شَيْءٌ؟ قَالَ: لَا، ⦗٣١٥⦘ وَلَكِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أُبَلِّغَهَا أَنَا أَوْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي فَانْطَلَقَ إِلَى مَكَّةَ، فَقَامَ فِيهِمْ بِأَرْبَعٍ: أَنْ لَا يَدْخُلَ مَكَّةَ مُشْرِكٌ بَعْدَ عَامِهِ هَذَا، وَلَا يَطُوفَ بِالْكَعْبَةِ عُرْيَانٌ، وَلَا يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ، وَمَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ عَهْدٌ فَعَهْدُهُ إِلَى مُدَّتِهِ»
١١ ‏/ ٣١٤
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ زَكَرِيَّا، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ يُثَيْعٍ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: «بَعَثَنِي النَّبِيُّ ﷺ حِينَ أُنْزِلَتْ بَرَاءَةُ بِأَرْبَعٍ: أَنْ لَا يَطُوفَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ، وَلَا يَقْرَبَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ مُشْرِكٌ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا، وَمَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عَهْدٌ فَهُوَ إِلَى مُدَّتِهِ، وَلَا يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ» حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه، قَالَ: بَعَثْتُ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ بِأَرْبَعٍ، ثُمَّ ذَكَرَ الْحَدِيثَ
١١ ‏/ ٣١٥
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ: ثنا حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ قَرْمٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ،. عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ بَعَثَ أَبَا بَكْرٍ بِبَرَاءَةَ، ثُمَّ أَتْبَعَهُ عَلِيًّا، فَأَخَذَهَا مِنْهُ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه: يَا رَسُولَ اللَّهِ حَدَثَ فِيَّ شَيْءٌ؟ قَالَ: «لَا، أَنْتَ صَاحِبِي فِي الْغَارِ وَعَلَى الْحَوْضِ، وَلَا يُؤَدِّي عَنِّي إِلَّا أَنَا أَوْ عَلِيٌّ» وَكَانَ الَّذِي بَعَثَ بِهِ عَلِيًّا أَرْبَعًا: «لَا ⦗٣١٦⦘ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ، وَلَا يَحُجَّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ، وَلَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ، وَمَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عَهْدٌ فَهُوَ إِلَى مُدَّتِهِ»
١١ ‏/ ٣١٥
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنِ ابْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ عَامِرٍ، قَالَ: «بَعَثَ النَّبِيُّ ﷺ عَلِيًّا رضي الله عنه، فَنَادَى: أَلَا لَا يَحُجَّنَّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ، وَلَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ، وَلَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ، وَمَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عَهْدٌ فَأَجَلُهُ إِلَى مُدَّتِهِ، وَاللَّهُ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ»
١١ ‏/ ٣١٦
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ حَكِيمِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ حُنَيْفٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ، قَالَ: «لَمَّا نَزَلَتْ بَرَاءَةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَقَدْ كَانَ بَعَثَ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رضي الله عنه لِيُقِيمَ الْحَجَّ لِلنَّاسِ، قِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ بَعَثْتَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ: «لَا يُؤَدِّي عَنِّي إِلَّا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي» ثُمَّ دَعَا عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه فَقَالَ:»اخْرُجْ بِهَذِهِ الْقِصَّةِ مِنْ صَدْرِ بَرَاءَةَ، وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ يَوْمَ النَّحْرِ إِذَا اجْتَمَعُوا بِمِنًى: أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ كَافِرٌ، وَلَا يَحُجُّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ، وَلَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ، وَمَنْ كَانَ لَهُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عَهْدٌ فَهُوَ إِلَى مُدَّتِهِ ” فَخَرَجَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه عَلَى نَاقَةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ الْعَضْبَاءِ، حَتَّى أَدْرَكَ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ بِالطَّرِيقِ، فَلَمَّا رَآهُ أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: أَمِيرٌ أَوْ مَأْمُورٌ؟ قَالَ: مَأْمُورٌ. ثُمَّ مَضَيَا رضي الله عنهما، فَأَقَامَ أَبُو بَكْرٍ لِلنَّاسِ الْحَجَّ وَالْعَرَبُ إِذْ ذَاكَ فِي تِلْكَ السَّنَةِ عَلَى مَنَازِلِهِمْ مِنَ الْحَجِّ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ، قَامَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه، فَأَذَّنَ فِي النَّاسِ بِالَّذِي أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ لَا
١١ ‏/ ٣١٦
يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ، وَلَا يَحُجُّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ، وَلَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ، وَمَنْ كَانَ لَهُ عَهْدٌ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَهُوَ لَهُ إِلَى مُدَّتِهِ، فَلَمْ يَحُجَّ بَعْدَ ذَلِكَ الْعَامِ مُشْرِكٌ، وَلَمْ يَطُفْ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ. ثُمَّ قَدِمَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَكَانَ هَذَا مِنْ بَرَاءَةَ فِيمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ مِنْ أَهْلِ الْعَهْدِ الْعَامِّ وَأَهْلِ الْمُدَّةِ إِلَى الْأَجَلِ الْمُسَمَّى “
١١ ‏/ ٣١٧
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: «لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَاتُ إِلَى رَأْسِ أَرْبَعِينَ آيَةً، بَعَثَ بِهِنَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مَعَ أَبِي بَكْرٍ وَأَمَّرَهُ عَلَى الْحَجِّ، فَلَمَّا سَارَ فَبَلَغَ الشَّجَرَةَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ أَتْبَعَهُ بِعَلِيٍّ فَأَخَذَهَا مِنْهُ، فَرَجَعَ أَبُو بَكْرٍ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي أَنَزَلَ فِي شَأْنِي شَيْءٌ؟ قَالَ: «لَا، وَلَكِنْ لَا يُبَلِّغُ عَنِّي غَيْرِي أَوْ رَجُلٌ مِنِّي أَمَا تَرْضَى يَا أَبَا بَكْرِ أَنَّكَ كُنْتَ مَعِي فِي الْغَارِ، وَأَنَّكَ صَاحِبِي عَلَى الْحَوْضِ؟» قَالَ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ فَسَارَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى الْحَاجِّ، وَعَلِيٌّ يُؤَذِّنُ بِبَرَاءَةَ، فَقَامَ يَوْمَ الْأَضْحَى، فَقَالَ: لَا يَقْرَبَنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ مُشْرِكٌ بَعْدَ عَامِهِ هَذَا، وَلَا يَطُوفَنَّ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ، وَمَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عَهْدٌ فَلَهُ عَهْدُهُ إِلَى مُدَّتِهِ، وَإِنَّ هَذِهِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ، وَإِنَّ اللَّهَ لَا يُدْخِلُ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ مُسْلِمًا. فَقَالُوا: نَحْنُ نَبْرَأُ مِنْ عَهْدِكَ وَعَهْدِ ابْنِ عَمِّكَ إِلَّا مِنَ الطَّعْنِ وَالضَّرْبِ، فَرَجَعَ الْمُشْرِكُونَ فَلَامَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَقَالُوا: مَا تَصْنَعُونَ وَقَدْ أَسْلَمَتْ قُرَيْشٌ؟ فَأَسْلَمُوا»
١١ ‏/ ٣١٧
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ يُثَيْعٍ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: «أُمِرْتُ بِأَرْبَعٍ: أَنْ لَا يَقْرَبَ ⦗٣١٨⦘ الْبَيْتَ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ، وَلَا يَطُوفَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ، وَلَا يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ، وَأَنْ يُتَمَّ إِلَى كُلِّ ذِي عَهْدٍ عَهْدُهُ» قَالَ مَعْمَرٌ: وَقَالَهُ قَتَادَةُ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ رحمه الله: فَقَدْ أَنْبَأَتْ هَذِهِ الْأَخْبَارُ وَنَظَائِرُهَا عَنْ صِحَّةِ مَا قُلْنَا، وَأَنَّ أَجَلَ الْأَشْهُرِ الْأَرْبَعَةِ إِنَّمَا كَانَ لِمَنْ وَصَفْنَا، فَأَمَّا مَنْ كَانَ عَهْدُهُ إِلَى مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ فَلَمْ يَجْعَلْ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَلِلْمُؤْمِنِينَ لِنَقْضِهِ وَمُظَاهَرَةِ أَعْدَائِهِمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَدْ وَفَّى لَهُ عَهْدَهُ إِلَى مُدَّتِهِ عَنْ أَمْرِ اللَّهِ إِيَّاهُ بِذَلِكَ، وَعَلَى ذَلِكَ دَلَّ ظَاهِرُ التَّنْزِيلِ وَتَظَاهَرَتْ بِهِ الْأَخْبَارُ عَنِ الرَّسُولِ ﷺ. وَأَمَّا الْأَشْهُرُ الْأَرْبَعَةُ فَإِنَّهَا كَانَتْ أَجَلَ مَنْ ذَكَرْنَا، وَكَانَ ابْتِدَاؤُهَا يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ وَانْقِضَاؤُهَا انْقِضَاءَ عَشْرٍ مِنْ رَبِيعٍ الْآخَرِ، فَذَلِكَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ مُتَتَابِعَةٌ، جُعِلَ لِأَهْلِ الْعَهْدِ الَّذِينَ وَصَفْنَا أَمْرَهُمْ فِيهَا السِّيَاحَةُ فِي الْأَرْضِ، يَذْهَبُونَ حَيْثُ شَاءُوا، لَا يَعْرِضُ لَهُمْ فِيهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَحَدٌ بِحَرْبٍ وَلَا قَتْلٍ وَلَا سَلْبٍ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ فِي ذَلِكَ كَمَا وَصَفْتُ، فَمَا وَجْهُ قَوْلِهِ: ﴿فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ﴾ [التوبة: ٥] وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ انْسِلَاخَهَا انْسِلَاخُ الْمُحَرَّمِ، وَقَدْ زَعَمَتْ أَنَّ تَأْجِيلَ الْقَوْمِ مِنَ اللَّهِ وَمِنْ رَسُولِهِ كَانَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، وَإِنَّمَا بَيْنَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ وَانْسِلَاخِ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ خَمْسُونَ يَوْمًا أَكْثَرُهُ، فَأَيْنَ الْخَمْسُونَ يَوْمًا مِنَ الْأَشْهُرِ الْأَرْبَعَةِ؟ قِيلَ: إِنَّ انْسِلَاخَ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ إِنَّمَا كَانَ أَجَلَ مَنْ لَا عَهْدَ لَهُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَالْأَشْهُرُ الْأَرْبَعَةُ لِمَنْ لَهُ عَهْدَ، إِمَّا إِلَى أَجَلٍ غَيْرِ مَحْدُودٍ وَإِمَّا إِلَى أَجَلٍ مَحْدُودٍ قَدْ نَقَضَهُ، فَصَارَ بِنَقْضِهِ إِيَّاهُ بِمَعْنَى مَنْ خِيفَ خِيَانَتُهُ، فَاسْتَحَقَّ النَّبْذَ إِلَيْهِ ⦗٣١٩⦘ عَلَى سَوَاءٍ، غَيْرَ أَنَّهُ جَعَلَ لَهُ الِاسْتِعْدَادَ لِنَفْسِهِ وَالِارْتِيَادَ لَهَا مِنَ الْأَجَلِ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ، أَلَا تَرَى اللَّهَ يَقُولُ لِأَصْحَابِ الْأَشْهُرِ الْأَرْبَعَةِ، وَيَصِفُهُمْ بِأَنَّهُمْ أَهْلُ عَهْدٍ ﴿بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ﴾ [التوبة: ٢] وَوَصَفَ الْمَجْعُولَ لَهُمُ انْسِلَاخُ الْأَشْهُرِ الْحَرَامِ أَجَلًا بِأَنَّهُمْ أَهْلُ شِرْكٍ لَا أَهْلَ عَهْدٍ، فَقَالَ: ﴿وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ﴾ [التوبة: ٣] الْآيَةَ ﴿إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [التوبة: ٤] الْآيَةَ، ثُمَّ قَالَ: ﴿فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ﴾ [التوبة: ٥] فَأَمَرَ بِقَتْلِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لَا عَهْدَ لَهُمْ بَعْدَ انْسِلَاخِ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ، وَبِإِتْمَامِ عَهْدِ الَّذِينَ لَهُمْ عَهْدٌ إِذَا لَمْ يَكُونُوا نَقَضُوا عَهْدَهُمْ بِالْمُظَاهَرَةِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَإِدْخَالِ النَّقْصِ فِيهِ عَلَيْهِمْ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَمَا الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ ابْتِدَاءَ التَّأْجِيلِ كَانَ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ دُونَ أَنْ يَكُونَ كَانَ مِنْ شَوَّالٍ عَلَى مَا قَالَهُ قَائِلُو ذَلِكَ؟ قِيلَ لَهُ: إِنَّ قَائِلِي ذَلِكَ زَعَمُوا أَنَّ التَّأْجِيلَ كَانَ مِنْ وَقْتِ نُزُولِ بَرَاءَةَ، وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا؛ لِأَنَّ الْمَجْعُولَ لَهُ أَجَلُ السِّيَاحَةِ إِلَى وَقْتٍ مَحْدُودٍ إِذَا لَمْ يَعْلَمْ مَا جُعِلَ لَهُ، وَلَا سِيَّمَا مَعَ عَهْدٍ لَهُ قَدْ تَقَدَّمَ قَبْلَ ذَلِكَ بِخِلَافِهِ، فَكَمَنْ لَمْ يُجْعَلْ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَعْلَمْ مَا لَهُ فِي الْأَجَلِ الَّذِي جُعِلَ لَهُ وَمَا عَلَيْهِ بَعْدَ انْقِضَائِهِ فَهُوَ كَهَيْئَتِهِ قَبْلَ الَّذِي جُعِلَ لَهُ مِنَ الْأَجَلِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْقَوْمَ لَمْ يَعْلَمُوا بِمَا جُعِلَ لَهُمْ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا حِينَ نُودِيَ فِيهِمْ بِالْمَوْسِمِ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ صَحَّ أَنَّ ابْتِدَاءَهُ مَا قُلْنَا وَانْقِضَاءَهُ كَانَ مَا وَصَفْنَا
١١ ‏/ ٣١٧
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ﴾ [التوبة: ٢] فَإِنَّهُ يَعْنِي: فَسِيرُوا فِيهَا مُقْبِلِينَ وَمُدْبِرِينَ، آمِنَيْنِ غَيْرَ خَائِفِينَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَأَتْبَاعِهِ، ⦗٣٢٠⦘ يُقَالُ مِنْهُ: سَاحَ فُلَانٌ فِي الْأَرْضِ يَسِيحُ سِيَاحَةً وَسُيُوحًا وَسَيَحَانًا
١١ ‏/ ٣١٩
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ﴾ [التوبة: ٢] فَإِنَّهُ يَقُولُ لِأَهْلِ الْعَهْدِ مِنَ الَّذِينَ كَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عَهْدٌ قَبْلَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ: اعْلَمُوا أَيُّهَا الْمُشْرِكُونَ أَنَّكُمْ إِنْ سِحْتُمْ فِي الْأَرْضِ وَاخْتَرْتُمْ ذَلِكَ مَعَ كُفْرِكُمْ بِاللَّهِ عَلَى الْإِقْرَارِ بِتَوْحِيدٍ وَتَصْدِيقِ رَسُولِهِ ﴿غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ﴾ [التوبة: ٢] يَقُولُ: غَيْرُ مُفِيتِيهِ بِأَنْفُسِكُمْ؛ لِأَنَّكُمْ حَيْثُ ذَهَبْتُمْ وَأَيْنَ كُنْتُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَفِي قَبْضَتِهِ وَسُلْطَانِهِ، لَا يَمْنَعُكُمْ مِنْهُ وَزِيرٌ وَلَا يَحُولُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ إِذَا أَرَادَكُمْ بِعَذَابٍ مَعْقِلٌ وَلَا مَوْئِلٌ إِلَّا الْإِيمَانَ بِهِ وَبِرَسُولِهِ وَالتَّوْبَةَ مِنْ مَعْصِيَتِهِ. يَقُولُ: فَبَادِرُوا عُقُوبَتَهُ بِتَوْبَةٍ، وَدَعُوا السِّيَاحَةَ الَّتِي لَا تَنْفَعُكُمْ
١١ ‏/ ٣٢٠
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ﴾ [التوبة: ٢] يَقُولُ: وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مُذِلُّ الْكَافِرِينَ، وَمُوَرِّثُهُمُ الْعَارَ فِي الدُّنْيَا وَالنَّارَ فِي الْآخِرَةِ
١١ ‏/ ٣٢٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [التوبة: ٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَإِعْلَامٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ. وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْأَذَانِ فِيمَا مَضَى مِنْ كِتَابِنَا هَذَا بِشَوَاهِدِهِ
١١ ‏/ ٣٢٠
وَكَانَ سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى يَقُولُ فِي ذَلِكَ مَا: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: زَعَمَ سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى الشَّامِيُّ أَنَّ ⦗٣٢١⦘ قَوْلَهُ: «﴿وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ [التوبة: ٣] قَالَ: الْأَذَانُ الْقَصَصُ، فَاتِحَةُ بَرَاءَةَ حَتَّى تُخْتَمَ: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾ [التوبة: ٢٨] فَذَلِكَ ثَمَانٌ وَعِشْرُونَ آيَةً»
١١ ‏/ ٣٢٠
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ [التوبة: ٣] قَالَ: إِعْلَامٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ» وَرَفَعَ قَوْلَهُ: ﴿وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ﴾ [التوبة: ٣] عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ: ﴿بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ﴾ [التوبة: ١] كَأَنَّهُ قَالَ: هَذِهِ بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ
١١ ‏/ ٣٢١
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ﴾ [التوبة: ٣] فَإِنَّ فِيهِ اخْتِلَافًا بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ يَوْمُ عَرَفَةَ
١١ ‏/ ٣٢١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو زُرْعَةَ وَهْبُ اللَّهِ بْنُ رَاشِدٍ، قَالَا: أَخْبَرَنَا حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو صَخْرٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا مُعَاوِيَةَ الْبَجَلِيَّ، مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا الصَّهْبَاءِ الْبَكْرِيَّ، وَهُوَ يَقُولُ: سَأَلْتُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه عَنْ يَوْمِ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ فَقَالَ: «إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ بَعَثَ أَبَا بَكْرِ بْنَ أَبِي قُحَافَةَ رضي الله عنه يُقِيمُ لِلنَّاسِ الْحَجَّ، وَبَعَثَنِي مَعَهُ بِأَرْبَعِينَ آيَةً مِنْ بَرَاءَةَ، حَتَّى أَتَى عَرَفَةَ، فَخَطَبَ النَّاسَ يَوْمَ عَرَفَةَ، فَلَمَّا قَضَى خُطْبَتَهُ الْتَفَتَ إِلَيَّ، فَقَالَ قُمْ يَا عَلِيُّ وَأَدِّ رِسَالَةَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقُمْتُ فَقَرَأْتُ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ آيَةً مِنْ بَرَاءَةَ ثُمَّ صَدَرْنَا حَتَّى أَتَيْنَا مِنًى، فَرَمَيْتُ
١١ ‏/ ٣٢١
الْجَمْرَةَ، وَنَحَرْتُ الْبَدَنَةَ، ثُمَّ حَلَقْتُ رَأْسِي، وَعَلِمْتُ أَنَّ أَهْلَ الْجَمْعِ لَمْ يَكُونُوا حَضَرُوا خُطْبَةَ أَبِي بَكْرٍ يَوْمَ عَرَفَةَ، فَطَفِقْتُ أَتَتَبَّعُ بِهَا الْفَسَاطِيطَ أَقْرَؤُهَا عَلَيْهِمْ، فَمِنْ ثَمَّ إِخَالُ حَسِبْتُمْ أَنَّهُ يَوْمَ النَّحْرِ، أَلَا وَهُوَ يَوْمُ عَرَفَةَ»
١١ ‏/ ٣٢٢
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جُحَيْفَةَ عَنْ يَوْمِ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ، فَقَالَ: «يَوْمُ عَرَفَةَ، فَقُلْتُ: أَمِنْ عِنْدِكَ أَوْ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ؟ قَالَ: كُلُّ ذَلِكَ»
١١ ‏/ ٣٢٢
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: «الْحَجُّ الْأَكْبَرُ: يَوْمُ عَرَفَةَ»
١١ ‏/ ٣٢٢
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْوَلِيدِ الشَّنِّيِّ، عَنْ شِهَابِ بْنِ عَبَّادٍ الْعَصَرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: «يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ: يَوْمُ عَرَفَةَ. فَذَكَرْتُهُ لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، فَقَالَ: أُخْبِرُكَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ قَالَ: الْحَجُّ الْأَكْبَرُ عَرَفَةُ»
١١ ‏/ ٣٢٢
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: ثنا عُمَرُ بْنُ الْوَلِيدِ الشَّنِّيُّ، قَالَ: ثنا شِهَابُ بْنُ عَبَّادٍ الْعَصَرِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ يَقُولُ: «هَذَا يَوْمُ عَرَفَةَ يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ فَلَا يَصُومَنَّهُ أَحَدٌ، قَالَ: فَحَجَجْتُ بَعْدَ أَبِي، فَأَتَيْتُ الْمَدِينَةَ، فَسَأَلْتُ عَنْ أَفْضَلِ أَهْلِهَا، فَقَالُوا: سَعِيدُ بْنُ ⦗٣٢٣⦘ الْمُسَيِّبِ. فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: إِنِّي سَأَلْتُ عَنْ أَفْضَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، فَقَالُوا: سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، فَأَخْبَرَنِي عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ، فَقَالَ: أُخْبِرُكَ عَمَّنْ هُوَ أَفْضَلُ مِنِّي أَضْعَافًا: عُمَرُ أَوِ ابْنُ عُمَرَ، كَانَ يَنْهَى عَنْ صَوْمِهِ، وَيَقُولُ: هُوَ يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ»
١١ ‏/ ٣٢٢
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ حَبِيبٍ، عَنْ مَعْقِلِ بْنِ دَاوُدَ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ الزُّبَيْرِ، يَقُولُ: «يَوْمُ عَرَفَةَ هَذَا يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ فَلَا يَصُمْهُ أَحَدٌ»
١١ ‏/ ٣٢٣
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: ثنا غَالِبُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: سَأَلْتُ عَطَاءً عَنْ يَوْمِ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ، فَقَالَ: «يَوْمُ عَرَفَةَ، فَأَفْضِ مِنْهَا قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ»
١١ ‏/ ٣٢٣
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ قَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ، قَالَ: “خَطَبَ النَّبِيُّ ﷺ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ، ثُمَّ قَالَ: «أَمَا بَعْدُ» وَكَانَ لَا يَخْطُبُ إِلَّا قَالَ: «أَمَا بَعْدُ» فَإِنَّ هَذَا يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ
١١ ‏/ ٣٢٣
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ، عَنْ ⦗٣٢٤⦘ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ يَوْمُ عَرَفَةَ»
١١ ‏/ ٣٢٣
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ مُحِبٍّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ يَوْمُ عَرَفَةَ»
١١ ‏/ ٣٢٤
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ طَاوُسٍ، عَنْ أبيه، قَالَ: قُلْنَا: مَا الْحَجُّ الْأَكْبَرُ؟ قَالَ: «يَوْمُ عَرَفَةَ»
١١ ‏/ ٣٢٤
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ إِدْرِيسَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ خَطَبَ يَوْمَ عَرَفَةَ فَقَالَ: «هَذَا يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ» وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ يَوْمُ النَّحْرِ
١١ ‏/ ٣٢٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: «يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ يَوْمُ النَّحْرِ»
١١ ‏/ ٣٢٤
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا مُصْعَبُ بْنُ سَلَّامٍ، عَنِ الْأَجْلَحِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، ⦗٣٢٥⦘ عَنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: «يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ يَوْمُ النَّحْرِ»
١١ ‏/ ٣٢٤
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدِ، قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، قَالَ: ثنا عَنْبَسَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْحَارِثِ، قَالَ: سَأَلْتُ عَلِيًّا عَنِ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ، فَقَالَ: «هُوَ يَوْمُ النَّحْرِ»
١١ ‏/ ٣٢٥
حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي الشَّوَارِبِ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْوَاحِدِ، قَالَ: ثنا سُلَيْمَانُ الشَّيْبَانِيُّ، قَالَ: سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى عَنِ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ قَالَ: فَقَالَ: «يَوْمُ النَّحْرِ»
١١ ‏/ ٣٢٥
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ عَيَّاشٍ الْعَامِرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى، قَالَ: «يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ يَوْمُ النَّحْرِ»
١١ ‏/ ٣٢٥
قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى، قَالَ: «يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ يَوْمُ النَّحْرِ»
١١ ‏/ ٣٢٥
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَأَبُو سَلَمَةَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى، قَالَ: فَسَأَلْتُهُ عَنْ يَوْمِ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ، فَقَالَ: «يَوْمُ النَّحْرِ، يَوْمٌ يُهَرَاقُ فِيهِ الدَّمُ»
١١ ‏/ ٣٢٥
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ بَيَانٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: «يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ يَوْمُ النَّحْرِ»
١١ ‏/ ٣٢٥
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ وَأَبُو السَّائِبِ، قَالَا: ثنا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، قَالَ: ⦗٣٢٦⦘ سَأَلْتُ ابْنَ أَبِي أَوْفَى عَنْ يَوْمِ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ؟ قَالَ: «يَوْمُ النَّحْرِ»
١١ ‏/ ٣٢٥
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّيْبَانِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى، قَالَ: «يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ يَوْمُ النَّحْرِ»
١١ ‏/ ٣٢٦
قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى، وَسُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ: «﴿يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ﴾ [التوبة: ٣] قَالَ: هُوَ الْيَوْمُ الَّذِي يُرَاقُ فِيهِ الدَّمُ وَيُحْلَقُ فِيهِ الشَّعْرُ»
١١ ‏/ ٣٢٦
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ الْجَزَّارِ، يُحَدِّثُ عَنْ عَلِيٍّ: أَنَّهُ خَرَجَ يَوْمَ النَّحْرِ عَلَى بَغْلَةٍ بَيْضَاءَ يُرِيدُ الْجَبَّانَةَ، فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَأَخَذَ بِلِجَامِ بَغْلَتِهِ، فَسَأَلَهُ عَنِ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ، فَقَالَ: «هُوَ يَوْمُكَ هَذَا، خَلِّ سَبِيلَهَا»
١١ ‏/ ٣٢٦
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ بَيَانٍ، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، عَنْ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ وَشُتَيْرٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: «يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ يَوْمُ النَّحْرِ»
١١ ‏/ ٣٢٦
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: سُئِلَ عَنْ يَوْمِ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ، قَالَ: «هُوَ يَوْمُ النَّحْرِ»
١١ ‏/ ٣٢٦
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ الْجَزَّارِ، ⦗٣٢٧⦘ عَنْ عَلِيٍّ، أَنَّهُ لَقِيَهُ رَجُلٌ يَوْمَ النَّحْرِ، فَأَخَذَ بِلِجَامِهِ، فَسَأَلَهُ عَنْ يَوْمِ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ، قَالَ: «هُوَ هَذَا الْيَوْمُ»
١١ ‏/ ٣٢٦
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ وَعَيَّاشٍ الْعَامِرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى، قَالَ: «هُوَ الْيَوْمُ الَّذِي يُهَرَاقُ فِيهِ الدِّمَاءُ»
١١ ‏/ ٣٢٧
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى، قَالَ: «الْحَجُّ الْأَكْبَرُ، يَوْمٌ تُهَرَاقُ فِيهِ الدِّمَاءُ، وَيُحْلَقُ فِيهِ الشَّعْرُ، وَيَحِلُّ فِيهِ الْحَرَامُ»
١١ ‏/ ٣٢٧
حَدَّثَنِي عِيسَى بْنُ عُثْمَانَ بْنِ عِيسَى الرَّمْلِيُّ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ عِيسَى، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: ثنا الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ، يَوْمَ الْأَضْحَى عَلَى بَعِيرٍ، فَقَالَ: «هَذَا يَوْمُ الْأَضْحَى، وَهَذَا يَوْمُ النَّحْرِ، وَهَذَا يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ»
١١ ‏/ ٣٢٧
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: خَطَبَنَا الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ يَوْمَ الْأَضْحَى عَلَى بَعِيرٍ، وَقَالَ: «هَذَا يَوْمُ الْأَضْحَى، وَهَذَا يَوْمُ النَّحْرِ، وَهَذَا يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ» حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: ⦗٣٢٨⦘ خَطَبَنَا الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ
١١ ‏/ ٣٢٧
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «الْحَجُّ الْأَكْبَرُ يَوْمُ النَّحْرِ»
١١ ‏/ ٣٢٨
حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي الشَّوَارِبِ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْوَاحِدِ، قَالَ: ثنا سُلَيْمَانُ الشَّيْبَانِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ، يَقُولُ: «الْحَجُّ الْأَكْبَرُ يَوْمُ النَّحْرِ»
١١ ‏/ ٣٢٨
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ، قَالَ: «الْحَجُّ الْأَكْبَرُ يَوْمُ النَّحْرِ»
١١ ‏/ ٣٢٨
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، قَالَ: اخْتَصَمَ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَرَجُلٌ مِنْ آلِ شَيْبَةَ فِي يَوْمِ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ، قَالَ عَلِيٌّ: هُوَ يَوْمُ النَّحْرِ، وَقَالَ الَّذِي مِنْ آلِ شَيْبَةَ: هُوَ يَوْمُ عَرَفَةَ. فَأَرْسَلَ إِلَى سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فَسَأَلُوهُ، فَقَالَ: «هُوَ يَوْمُ النَّحْرِ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ فَاتَهُ يَوْمُ عَرَفَةَ لَمْ يَفُتْهُ الْحَجُّ، فَإِذَا فَاتَهُ يَوْمُ النَّحْرِ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ»
١١ ‏/ ٣٢٨
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، أَنَّهُ قَالَ: «الْحَجُّ الْأَكْبَرُ: يَوْمُ النَّحْرِ». قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ شَيْبَةَ وَمُحَمَّدَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ اخْتَلَفَا فِي ذَلِكَ، فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ: هُوَ يَوْمُ النَّحْرِ، وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: هُوَ يَوْمُ عَرَفَةَ. فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: «أَرَأَيْتَ لَوَ أَنَّ رَجُلًا فَاتَهُ يَوْمُ عَرَفَةَ ⦗٣٢٩⦘ أَكَانَ يَفُوتُهُ الْحَجُّ؟ وَإِذَا فَاتَهُ يَوْمُ النَّحْرِ فَاتَهُ الْحَجُّ»
١١ ‏/ ٣٢٨
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ وَأَبُو السَّائِبِ، قَالَا: ثنا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: «الْحَجُّ الْأَكْبَرُ يَوْمُ النَّحْرِ»
١١ ‏/ ٣٢٩
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا: الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: ثني رَجُلٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادَةَ، قَالَ: «ذُو الْحِجَّةِ الْعَاشِرُ النَّحْرُ، وَهُوَ يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ»
١١ ‏/ ٣٢٩
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ، قَالَ: «يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ: يَوْمُ النَّحْرِ، وَالْحَجُّ الْأَصْغَرُ: الْعُمْرَةُ»
١١ ‏/ ٣٢٩
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ بَيَانٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ، قَالَ: «الْحَجُّ الْأَكْبَرُ يَوْمُ النَّحْرِ»
١١ ‏/ ٣٢٩
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ مُسْلِمٍ الْحَجَبِيِّ، قَالَ: سَأَلْتُ نَافِعَ بْنَ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ يَوْمِ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ، قَالَ: «يَوْمُ النَّحْرِ»
١١ ‏/ ٣٢٩
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: «كَانَ يُقَالُ: الْحَجُّ الْأَكْبَرُ يَوْمُ النَّحْرِ»
١١ ‏/ ٣٢٩
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ عَامِرٍ، قَالَ: «يَوْمُ ⦗٣٣٠⦘ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ يَوْمٌ يُهَرَاقُ فِيهِ الدَّمُ، وَيَحِلُّ فِيهِ الْحَرَامُ»
١١ ‏/ ٣٢٩
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُغِيرَةُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، أَنَّهُ قَالَ: «يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ يَوْمُ النَّحْرِ الَّذِي يَحِلُّ فِيهِ كُلُّ حَرَامٍ»
١١ ‏/ ٣٣٠
حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: «يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ يَوْمُ النَّحْرِ»
١١ ‏/ ٣٣٠
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبُو أُسَامَةَ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، قَالَ: سَأَلْتُ مُحَمَّدًا عَنْ يَوْمِ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ، فَقَالَ: «كَانَ يَوْمًا وَافَقَ فِيهِ حَجُّ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَحَجُّ أَهْلِ الْوَبَرِ»
١١ ‏/ ٣٣٠
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا الْحَكَمُ بْنُ بَشِيرٍ، قَالَ: ثنا عُمَرُ بْنُ ذَرٍّ، قَالَ: سَأَلْتُ مُجَاهِدًا عَنْ يَوْمِ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ، فَقَالَ: «هُوَ يَوْمُ النَّحْرِ»
١١ ‏/ ٣٣٠
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ يَوْمُ النَّحْرِ»
١١ ‏/ ٣٣٠
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ ثَوْرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ «يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ يَوْمُ النَّحْرِ»
١١ ‏/ ٣٣٠
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ عَامِرٍ، قَالَ: «يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ يَوْمُ النَّحْرِ»
١١ ‏/ ٣٣٠
وَقَالَ عِكْرِمَةُ: «يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ يَوْمُ النَّحْرِ، يَوْمٌ يُهَرَاقُ فِيهِ الدِّمَاءُ، وَيَحِلُّ فِيهِ الْحَرَامُ»
١١ ‏/ ٣٣٠
قَالَ: وَقَالَ مُجَاهِدٌ: «يَوْمٌ يُجْمَعُ فِيهِ الْحَجُّ كُلُّهُ، ⦗٣٣١⦘ وَهُوَ يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ»
١١ ‏/ ٣٣٠
قَالَ: ثنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ: «يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ يَوْمُ النَّحْرِ» قَالَ: ثنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَهُ. قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَهُ
١١ ‏/ ٣٣١
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ: «الْحَجُّ الْأَكْبَرُ يَوْمُ النَّحْرِ»
١١ ‏/ ٣٣١
قَالَ: وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: «يَوْمُ النَّحْرِ يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ»
١١ ‏/ ٣٣١
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَهْبٍ، قَالَ: ثنا عَمِّي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ، وَعَمْرٌو، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مَعَ أَبِي بَكْرٍ فِي الْحَجَّةِ الَّتِي أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلَيْهَا قَبْلَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ فِي رَهْطٍ يُؤَذِّنُونَ فِي النَّاسِ يَوْمَ النَّحْرِ: «أَلَا لَا يَحُجُّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ، وَلَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ»، قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَكَانَ حُمَيْدٌ يَقُولُ: «يَوْمُ النَّحْرِ يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ»
١١ ‏/ ٣٣١
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّعْبِيُّ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ شَدَّادٍ عَنِ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ وَالْحَجِّ الْأَصْغَرِ، فَقَالَ: «الْحَجُّ الْأَكْبَرُ: يَوْمُ النَّحْرِ، وَالْحَجُّ الْأَصْغَرُ: الْعُمْرَةُ» قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ شَدَّادٍ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ
١١ ‏/ ٣٣٢
قَالَ أخبرنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ: قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى يَقُولُ: «يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ: يَوْمٌ يُوضَعُ فِيهِ الشَّعْرُ، وَيُهْرَاقُ فِيهِ الدَّمُ، وَيَحِلُّ فِيهِ الْحَرَامُ»
١١ ‏/ ٣٣٢
قَالَ: ثنا الثَّوْرِيُّ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: «الْحَجُّ الْأَكْبَرُ يَوْمُ النَّحْرِ»
١١ ‏/ ٣٣٢
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا قَيْسٌ، عَنْ عَيَّاشٍ الْعَامِرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى، أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ يَوْمِ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ، فَقَالَ: «سُبْحَانَ اللَّهِ، هُوَ يَوْمٌ يُهَرَاقُ فِيهِ الدِّمَاءُ، وَيَحِلُّ فِيهِ الْحَرَامُ، وَيُوضَعُ فِيهِ الشَّعْرُ، وَهُوَ يَوْمُ النَّحْرِ»
١١ ‏/ ٣٣٢
قَالَ: ثنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: خَطَبَنَا الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ عَلَى نَاقَةٍ لَهُ، فَقَالَ: «هَذَا يَوْمُ النَّحْرِ، وَهَذَا يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ»
١١ ‏/ ٣٣٢
قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا حَسَنُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: «⦗٣٣٣⦘ يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ يَوْمُ النَّحْرِ»
١١ ‏/ ٣٣٢
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ طَهْمَانَ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ: «يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ يَوْمُ النَّحْرِ، وَيَحِلُّ فِيهِ الْحَرَامُ»
١١ ‏/ ٣٣٣
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ الْمِقْدَامِ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ ذَلِكَ، قَعَدَ عَلَى بَعِيرٍ لَهُ النَّبِيُّ، وَأَخَذَ إِنْسَانٌ بِخِطَامِهِ أَوْ زِمَامِهِ، فَقَالَ: «أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟» قَالَ: فَسَكَتْنَا حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ غَيْرَ اسْمِهِ، فَقَالَ: «أَلَيْسَ يَوْمَ الْحَجِّ؟»
١١ ‏/ ٣٣٣
حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَسَّانِيُّ، قَالَ: ثنا أَبُو جَابِرٍ الْحَرِثِيُّ، قَالَ: ثنا هِشَامُ بْنُ الْغَازِي الْجُرَشِيُّ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: وَقَفَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ النَّحْرِ عِنْدَ الْجَمَرَاتِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَقَالَ: «هَذَا يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ»
١١ ‏/ ٣٣٣
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ ⦗٣٣٤⦘ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مُرَّةَ الْهَمْدَانِيِّ، عَنْ رَجُلٍ، مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: “قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلَى نَاقَةٍ حَمْرَاءَ مُخَضْرَمَةٍ، فَقَالَ: «أَتَدْرُونَ أَيُّ يَوْمٍ يَوْمُكُمْ؟» قَالُوا: يَوْمُ النَّحْرِ، قَالَ: «صَدَقْتُمْ يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ» حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ، قَالَ: ثنا مُرَّةُ، قَالَ: ثنا رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ، قَالَ: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَذَكَرَ نَحْوَهُ
١١ ‏/ ٣٣٣
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ إِدْرِيسَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلِيًّا بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ حِينَ حَجَّ أَبُو بَكْرٍ بِالنَّاسِ، فَنَادَى بِبَرَاءَةَ: إِنَّهُ يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ، «أَلَا إِنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ، أَلَا وَلَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ، أَلَا وَلَا يَحُجُّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ، أَلَا وَمَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُحَمَّدٍ عَهْدٌ فَأَجَلُهُ إِلَى مُدَّتِهِ، وَاللَّهُ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ»
١١ ‏/ ٣٣٤
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثني هُشَيْمٌ، عَنْ حَجَّاجِ بْنِ أَرْطَأَةَ، عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: «يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ يَوْمُ النَّحْرِ»
١١ ‏/ ٣٣٤
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ﴾ [التوبة: ٣] قَالَ: يَوْمُ النَّحْرِ: يَوْمٌ يَحِلُّ فِيهِ الْمُحْرِمُ، وَيُنْحَرُ فِيهِ الْبُدْنُ» ⦗٣٣٥⦘ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ: هُوَ يَوْمُ النَّحْرِ، وَكَانَ أَبِي يَقُولُهُ. وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: هُوَ يَوْمُ عَرَفَةَ. وَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا يَقُولُ إِنَّهُ يَوْمُ عَرَفَةَ إِلَّا ابْنَ عَبَّاسٍ. قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: «وَالْحَجُّ يَفُوتُ بِفَوْتِ يَوْمِ النَّحْرِ وَلَا يَفُوتُ بِفَوْتِ يَوْمِ عَرَفَةَ، إِنْ فَاتَهُ الْيَوْمُ لَمْ يَفُتْهُ اللَّيْلُ، يَقِفُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ طُلُوعِ الْفَجْرِ»
١١ ‏/ ٣٣٤
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: «يَوْمُ الْأَضْحَى: يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ»
١١ ‏/ ٣٣٥
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، قَالَ: ثني رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي غُرْفَتِي هَذِهِ، حَسِبْتُهُ قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ النَّحْرِ عَلَى نَاقَةٍ حَمْرَاءَ مُخَضْرَمَةٍ، فَقَالَ: «أَتَدْرُونَ: أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟ هَذَا يَوْمُ النَّحْرِ وَهَذَا يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ﴾ [التوبة: ٣] حِينَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ وَوَقْتُهُ. قَالَ: وَذَلِكَ أَيَّامُ الْحَجِّ كُلُّهَا لَا يَوْمٌ بِعَيْنِهِ
١١ ‏/ ٣٣٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ﴾ [التوبة: ٣] حِينَ الْحَجِّ، أَيَّامُهُ كُلُّهُ»
١١ ‏/ ٣٣٥
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ ⦗٣٣٦⦘ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «الْحَجُّ الْأَكْبَرُ: أَيَّامُ مِنًى كُلُّهَا، وَمَجَامِعُ الْمُشْرِكِينَ حِينَ كَانُوا بِذِي الْمَجَازِ وَعُكَاظٍ وَمَجَنَّةٍ، حِينَ نُودِيَ فِيهِمْ: أَنْ لَا يَجْتَمِعَ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَأَنْ لَا يَطُوفَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ وَمَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عَهْدٌ فَعَهْدُهُ إِلَى مُدَّتِهِ»
١١ ‏/ ٣٣٥
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا أَبُو عُبَيْدٍ، قَالَ: كَانَ سُفْيَانُ يَقُولُ: «يَوْمُ الْحَجِّ، وَيَوْمُ الْجَمَلِ، وَيَوْمُ صِفِّينَ: أَيْ أَيَّامُهُ كُلُّهَا»
١١ ‏/ ٣٣٦
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ﴾ [التوبة: ٣] قَالَ حِينَ الْحَجِّ، أَيْ أَيَّامُهُ كُلُّهَا» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصِّحَّةِ عِنْدَنَا: قَوْلُ مَنْ قَالَ: ﴿يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ﴾ [التوبة: ٣] يَوْمُ النَّحْرِ؛ لِتَظَاهُرِ الْأَخْبَارِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّ عَلِيًّا نَادَى بِمَا أَرْسَلَهُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِنَ الرِّسَالَةِ إِلَى الْمُشْرِكِينَ، وَتَلَا عَلَيْهِمْ بَرَاءَةَ يَوْمَ النَّحْرِ. هَذَا مَعَ الْأَخْبَارِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ يَوْمَ النَّحْرِ: أَتَدْرُونَ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟ هَذَا يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ. وَبَعْدُ: فَإِنَّ الْيَوْمَ إِنَّمَا يُضَافُ إِلَى مَعْنَى الَّذِي يَكُونُ فِيهِ، كَقَوْلِ النَّاسِ: يَوْمُ عَرَفَةَ، وَذَلِكَ يَوْمُ وقُوفِ النَّاسِ بِعَرَفَةَ، وَيَوْمُ الْأَضْحَى، وَذَلِكَ يَوْمٌ يُضَحُّونَ فِيهِ، وَيَوْمُ الْفِطْرِ، وَذَلِكَ يَوْمٌ يُفْطِرُونَ فِيهِ، وَكَذَلِكَ يَوْمُ الْحَجِّ، يَوْمٌ يَحُجُّونَ فِيهِ. وَإِنَّمَا يَحُجُّ النَّاسُ وَيَقْضُونَ مَنَاسِكَهُمْ يَوْمَ النَّحْرِ؛ لِأَنَّ فِي لَيْلَةِ نَهَارِ يَوْمِ النَّحْرِ الْوقُوفَ بِعَرَفَةَ كَانَ إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَفِي صَبِيحَتِهَا يُعْمَلُ أَعْمَالُ ⦗٣٣٧⦘ الْحَجِّ، فَأَمَّا يَوْمُ عَرَفَةَ فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ الْوقُوفُ بِعَرَفَةَ فَغَيْرُ فَائِتٍ الْوقُوفُ بِهِ إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ لَيْلَةِ النَّحْرِ، وَالْحَجُّ كُلُّهُ يَوْمَ النَّحْرِ. وَأَمَّا مَا قَالَ مُجَاهِدٌ مِنْ أَنَّ يَوْمَ الْحَجِّ إِنَّمَا هُوَ أَيَّامُهُ كُلُّهَا، فَإِنَّ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ جَائِزًا فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، فَلَيْسَ بِالْأَشْهَرِ الْأَعْرَفِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ مِنْ مَعَانِيهِ، بَلْ غَلَبَ عَلَى مَعْنَى الْيَوْمِ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ مِنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ إِلَى مِثْلِهِ مِنَ الْغَدِ، وَإِنَّمَا مَحْمَلُ تَأْوِيلِ كِتَابِ اللَّهِ عَلَى الْأَشْهَرِ الْأَعْرَفِ مِنْ كَلَامِ مَنْ نَزَلَ الْكِتَابُ بِلِسَانِهِ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي السَّبَبِ الَّذِي مِنْ أَجَلِهِ قِيلَ لِهَذَا الْيَوْمِ: يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي سَنَةٍ اجْتَمَعَ فِيهَا حَجُّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ
١١ ‏/ ٣٣٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: «إِنَّمَا سُمِّيَ الْحَجَّ الْأَكْبَرَ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ حَجَّ أَبُو بَكْرٍ الْحَجَّةَ الَّتِي حَجَّهَا، وَاجْتَمَعَ فِيهَا الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ، فَلِذَلِكَ سُمِّيَ الْحَجَّ الْأَكْبَرَ، وَوَافَقَ أَيْضًا عِيدَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى»
١١ ‏/ ٣٣٧
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ، قَالَ: «يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ ⦗٣٣٨⦘ كَانَتْ حَجَّةُ الْوَدَاعِ اجْتَمَعَ فِيهِ حَجُّ الْمُسْلِمِينَ وَالنَّصَارَى وَالْيَهُودِ وَلَمْ يَجْتَمِعْ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ»
١١ ‏/ ٣٣٧
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا أَبُو سُفْيَانَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ قَوْلُهُ: «﴿يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ﴾ [التوبة: ٣] قَالَ: إِنَّمَا سُمِّيَ الْحَجَّ الْأَكْبَرَ لِأَنَّهُ يَوْمٌ حَجَّ فِيهِ أَبُو بَكْرٍ، وَنُبِذَتْ فِيهِ الْعُهُودُ» وَقَالَ آخَرُونَ: الْحَجُّ الْأَكْبَرُ: الْقِرَانُ، وَالْحَجُّ الْأَصْغَرُ: الْإِفْرَادُ
١١ ‏/ ٣٣٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا أَبُو بَكْرٍ النَّهْشَلِيُّ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: كَانَ يَقُولُ: «الْحَجُّ الْأَكْبَرُ وَالْحَجُّ الْأَصْغَرُ، فَالْحَجُّ الْأَكْبَرُ: الْقِرَانُ، وَالْحَجُّ الْأَصْغَرُ: إِفْرَادُ الْحَجِّ» وَقَالَ آخَرُونَ: الْحَجُّ الْأَكْبَرُ: الْحَجُّ، وَالْحَجُّ الْأَصْغَرُ: الْعُمْرَةُ
١١ ‏/ ٣٣٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: «الْحَجُّ الْأَكْبَرُ: الْحَجُّ، وَالْحَجُّ الْأَصْغَرُ: الْعُمْرَةُ»
١١ ‏/ ٣٣٨
قَالَ: ثنا عَبْدُ الْأَعْلَى، عَنْ دَاوُدَ، عَنْ عَامِرٍ، قَالَ: «قُلْتُ لَهُ: هَذَا الْحَجُّ الْأَكْبَرُ، فَمَا الْحَجُّ الْأَصْغَرُ؟ قَالَ: الْعُمْرَةُ»
١١ ‏/ ٣٣٨
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي ⦗٣٣٩⦘ هِنْدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: كَانَ يُقَالُ: «الْحَجُّ الْأَصْغَرُ: الْعُمْرَةُ فِي رَمَضَانَ»
١١ ‏/ ٣٣٨
قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: كَانَ يُقَالُ: «الْحَجُّ الْأَصْغَرُ: الْعُمْرَةُ»
١١ ‏/ ٣٣٩
قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ، قَالَ: «يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ: يَوْمُ النَّحْرِ، وَالْحَجُّ الْأَصْغَرُ الْعُمْرَةُ»
١١ ‏/ ٣٣٩
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: «أَنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ، كَانُوا يُسَمُّونَ الْحَجَّ الْأَصْغَرَ: الْعُمْرَةَ» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي قَوْلُ مَنْ قَالَ: الْحَجُّ الْأَكْبَرُ الْحَجُّ؛ لِأَنَّهُ أَكْبَرُ مِنَ الْعُمْرَةِ بِزِيَادَةِ عَمَلِهِ عَلَى عَمَلِهَا، فَقِيلَ لَهُ الْأَكْبَرُ لِذَلِكَ. وَأَمَّا الْأَصْغَرُ فَالْعُمْرَةُ؛ لِأَنَّ عَمَلَهَا أَقَلُّ مِنْ عَمَلِ الْحَجِّ، فَلِذَلِكَ قِيلَ لَهَا الْأَصْغَرُ لِنُقْصَانِ عَمَلِهَا عَنْ عَمَلِهِ
١١ ‏/ ٣٣٩
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ﴾ [التوبة: ٣] فَإِنَّ مَعْنَاهُ: إِنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنْ عَهْدِ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ بَعْدَ هَذِهِ الْحُجَّةِ. وَمَعْنَى الْكَلَامِ: وَإِعْلَامٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ فِي يَوْمِ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ، أَنَّ اللَّهَ ⦗٣٤٠⦘ وَرَسُولَهُ مِنْ عَهْدِ الْمُشْرِكِينَ بَرِيئَانِ
١١ ‏/ ٣٣٩
كَمَا: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: «﴿أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ﴾ [التوبة: ٣] أَيْ بَعْدَ الْحَجَّةِ»
١١ ‏/ ٣٤٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [التوبة: ٣] يَقُولُ تَعَالَى: فَإِنْ تُبْتُمْ مِنْ كُفْرِكُمْ أَيُّهَا الْمُشْرِكُونَ، وَرَجَعْتُمْ إِلَى تَوْحِيدِ اللَّهِ وَإِخْلَاصِ الْعِبَادَةِ لَهُ دُونَ الْآلِهَةِ وَالْأَنْدَادِ، فَالرُّجُوعُ إِلَى ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ مِنَ الْإِقَامَةِ عَلَى الشِّرْكِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ﴿وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ﴾ [التوبة: ٣] يَقُولُ: وَإِنْ أَدْبَرْتُمْ عَنِ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَأَبَيْتُمْ إِلَّا الْإِقَامَةَ عَلَى شِرْكِكُمْ. ﴿فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ﴾ [التوبة: ٣] يَقُولُ: فَأَيْقِنُوا أَنَّكُمْ لَا تُفِيتُونَ اللَّهَ بِأَنْفُسِكُمْ مِنْ أَنْ يُحِلَّ بِكُمْ عَذَابَهُ الْأَلِيمَ وَعِقَابَهُ الشَّدِيدَ عَلَى إِقَامَتِكُمْ عَلَى الْكُفْرِ، كَمَا فُعِلَ بِذَوِيكُمْ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ، مِنْ إِنْزَالِ نِقَمِهِ بِهِ وَإِحْلَالِهِ الْعَذَابَ عَاجِلًا بِسَاحَتِهِ. ﴿وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [التوبة: ٣] يَقُولُ: وَأَعْلِمْ يَا مُحَمَّدُ الَّذِينَ جَحَدُوا نُبُوَّتَكَ وَخَالَفُوا أَمْرَ رَبِّهِمْ بِعَذَابٍ مُوجِعٍ يَحِلُّ بِهِمْ
١١ ‏/ ٣٤٠
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَوْلُهُ: «﴿فَإِنْ تُبْتُمْ﴾ [التوبة: ٣] قَالَ آمَنْتُمْ»
١١ ‏/ ٣٤٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ
١١ ‏/ ٣٤٠
شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ﴾ [التوبة: ٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ﴾ [التوبة: ٣] ﴿إِلَّا﴾ [البقرة: ٩] مِنْ عَهْدٍ ﴿الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [التوبة: ١] أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ ﴿ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا﴾ [التوبة: ٤] مِنْ عَهْدِكُمُ الَّذِي عَاهَدْتُمُوهُمْ ﴿وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا﴾ [التوبة: ٤] مِنْ عَدُوِّكُمْ، فَيُعِينُوهُمْ بِأَنْفُسِهِمْ وَأَبْدَانِهِمْ، وَلَا بِسِلَاحٍ وَلَا خَيْلٍ وَلَا رِجَالٍ. ﴿فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ﴾ [التوبة: ٤] يَقُولُ: فَفُوا لَهُمْ بِعَهْدِهِمُ الَّذِي عَاهَدْتُمُوهُمْ عَلَيْهِ، وَلَا تَنْصِبُوا لَهُمْ حَرْبًا إِلَى انْقِضَاءِ أَجَلِ عَهْدِهِمُ الَّذِي بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ. ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ﴾ [التوبة: ٤] يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ مَنِ اتَّقَاهُ بِطَاعَتِهِ بِأَدَاءِ فَرَائِضِهِ وَاجْتِنَابِ مَعَاصِيهِ
١١ ‏/ ٣٤١
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: «﴿فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ﴾ [التوبة: ٤] يَقُولُ: إِلَى أَجَلِهِمْ»
١١ ‏/ ٣٤١
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: «﴿إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [التوبة: ٤] أَيِ الْعَهْدُ الْخَاصُّ إِلَى الْأَجَلِ الْمُسَمَّى. ﴿ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا﴾ [التوبة: ٤] الْآيَةَ»
١١ ‏/ ٣٤١
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: «﴿إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا﴾ [التوبة: ٤]⦗٣٤٢⦘ الْآيَةَ، قَالَ: هُمْ مُشْرِكُو قُرَيْشٍ الَّذِينَ عَاهَدَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ. وَكَانَ بَقِيَ مِنْ مُدَّتِهِمْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ، فَأَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ أَنْ يُوَفِّيَ لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ، وَمَنْ لَا عَهْدَ لَهُ إِلَى انْسِلَاخِ الْمُحَرَّمِ، وَيَنْبُذَ إِلَى كُلِّ ذِي عَهْدٍ عَهْدَهُ، وَأَمَرَهُ بِقِتَالِهِمْ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَأَنْ لَا يُقْبَلَ مِنْهُمْ إِلَّا ذَلِكَ»
١١ ‏/ ٣٤١
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «مُدَّةُ مَنْ كَانَ لَهُ عَهْدُ الْمُشْرِكِينَ قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ بَرَاءَةُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ أُذِّنَ بِبَرَاءَةَ إِلَى عَشْرٍ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْآخَرِ، وَذَلِكَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ، فَإِنْ نَقَضَ الْمُشْرِكُونَ عَهْدَهُمْ وَظَاهَرُوا عَدُوًّا فَلَا عَهْدَ لَهُمْ، وَإِنْ وَفَّوْا بَعْدِهِمُ الَّذِي بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْهِ عَدُوًّا، فَقَدْ أُمِرَ أَنْ يُؤَدِّيَ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ وَيَفِيَ بِهِ»
١١ ‏/ ٣٤٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [التوبة: ٥] يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ﴾ [التوبة: ٥] فَإِذَا انْقَضَى وَمَضَى وَخَرَجَ، يُقَالُ مِنْهُ: سَلَخْنَا شَهْرَ كَذَا نَسْلَخُهُ سَلْخًا وَسُلُوخًا، بِمَعْنَى: خَرَجْنَا مِنْهُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: شَاةٌ مَسْلُوخَةٌ، بِمَعْنَى: الْمَنْزُوعَةُ مِنْ جِلْدِهَا الْمُخْرَجَةُ مِنْهُ.
١١ ‏/ ٣٤٢
وَيَعْنِي بِالْأَشْهُرِ الْحُرُمِ: ذَا الْقَعْدَةَ، وَذَا الْحِجَّةِ، وَالْمُحَرَّمَ، أَوْ إِنَّمَا أُرِيدَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ انْسِلَاخُ الْمُحَرَّمِ وَحْدَهُ؛ لِأَنَّ الْأَذَانَ كَانَ بِبَرَاءَةَ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ، فَمَعْلُومٌ أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا أَجَّلُّوا الْأَشْهُرَ الْحُرُمَ كُلَّهَا، وَقَدْ دَلَلْنَا عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ فِيمَا مَضَى. وَلَكِنَّهُ لَمَّا كَانَ مُتَّصِلًا بِالشَّهْرَيْنِ الْآخَرَيْنِ قَبْلَهُ الْحَرَامَيْنِ وَكَانَ هُوَ لَهُمَا ثَالِثًا وَهِيَ كُلُّهَا مُتَّصِلٌ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ، قِيلَ: فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ. وَمَعْنَى الْكَلَامِ: فَإِذَا انْقَضَتِ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ الثَّلَاثَةُ عَنِ الَّذِينَ لَا عَهْدَ لَهُمْ، أَوْ عَنِ الَّذِينَ كَانَ لَهُمْ عَهْدٌ، فَنَقَضُوا عَهْدَهُمْ بِمُظَاهَرَتِهِمُ الْأَعْدَاءَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ وَعَلَى أَصْحَابِهِ، أَوْ كَانَ عَهْدُهُمْ إِلَى أَجَلٍ غَيْرِهِ مَعْلُومٍ ﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ﴾ [التوبة: ٥] يَقُولُ: فَاقْتُلُوهُمْ ﴿حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ﴾ [النساء: ٨٩] يَقُولُ: حَيْثُ لَقِيتُمُوهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فِي الْحَرَمِ وَغَيْرِ الْحَرَمِ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ وَغَيْرِ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ. ﴿وَخُذُوهُمْ﴾ [التوبة: ٥] يَقُولُ: وَأْسِرُوهُمْ ﴿وَاحْصُرُوهُمْ﴾ [التوبة: ٥] يَقُولُ: وَامْنَعُوهُمْ مِنَ التَّصَرُّفِ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ وَدُخُولِ مَكَّةَ. ﴿وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ﴾ [التوبة: ٥] يَقُولُ: وَاقْعُدُوا لَهُمْ بِالطَّلَبِ لِقَتْلِهِمْ أَوْ أَسْرِهِمْ كُلَّ مَرْصَدٍ. يَعْنِي: كُلَّ طَرِيقٍ وَمَرْقَبٍ، وَهُوَ مَفْعَلٍ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ رَصَدْتُ فُلَانًا أَرْصُدُهُ رَصْدًا، بِمَعْنَى: رَقَبْتُهُ. ﴿فَإِنْ تَابُوا﴾ [التوبة: ٥] يَقُولُ: فَإِنْ رَجَعُوا عَمَّا نَهَاهُمْ عَلَيْهِ مِنَ الشِّرْكِ بِاللَّهِ وَجُحُودِ نُبُوَّةِ نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ إِلَى تَوْحِيدِ اللَّهِ وَإِخْلَاصِ الْعِبَادَةِ لَهُ، دُونَ الْآلِهَةِ وَالْأَنْدَادِ، وَالْإِقْرَارِ بِنُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ. ﴿وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ﴾ [البقرة: ٢٧٧] يَقُولُ: وَأَدَّوْا مَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ الصَّلَاةِ بِحُدُودِهَا وَأَعْطَوُا الزَّكَاةَ الَّتِي أَوْجَبَهَا اللَّهُ عَلَيْهِمْ فِي أَمْوَالِهِمْ أَهْلَهَا. ﴿فَخَلُّوا
١١ ‏/ ٣٤٣
سَبِيلَهُمْ﴾ [التوبة: ٥] يَقُولُ: فَدَعُوهُمْ يَتَصَرَّفُونَ فِي أَمْصَارِكُمْ وَيَدْخُلُونَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ. ﴿إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [البقرة: ١٧٣] لِمَنْ تَابَ مِنْ عِبَادِهِ، فَأَنَابَ إِلَى طَاعَتِهِ بَعْدَ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ مِنْ مَعْصِيَتِهِ، سَاتِرٌ عَلَى ذَنْبِهِ، رَحِيمٌ بِهِ أَنْ يُعَاقِبَهُ عَلَى ذُنُوبِهِ السَّالِفَةِ قَبْلَ تَوْبَتِهِ بَعْدَ التَّوْبَةِ. وَقَدْ ذَكَرْنَا اخْتِلَافَ الْمُخْتَلِفِينَ فِي الَّذِينَ أُجِّلُوا إِلَى انْسِلَاخِ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ. وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١١ ‏/ ٣٤٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ وَاصِلٍ الْأَسَدِيُّ، قَالَ: ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ، عَنِ الرَّبِيعِ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَنْ فَارَقَ الدُّنْيَا عَلَى الْإِخْلَاصِ لِلَّهِ وَحْدَهُ وَعِبَادَتِهِ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، فَارَقَهَا وَاللَّهُ عَنْهُ رَاضٍ» قَالَ: وَقَالَ أَنَسٌ: هُوَ دِينُ اللَّهِ الَّذِي جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ، وَبَلَّغُوهُ عَنْ رَبِّهِمْ قَبْلَ هَرْجِ الْأَحَادِيثِ وَاخْتِلَافِ الْأَهْوَاءِ، وَتَصْدِيقُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فِي آخِرِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ، قَالَ اللَّهُ: ﴿فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ﴾ [التوبة: ٥] قَالَ: تَوْبَتُهُمْ خَلْعُ الْأَوْثَانِ وَعُبَادَةُ رَبِّهِمْ، وَإِقَامُ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ. ثُمَّ قَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: ﴿فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ﴾ [التوبة: ١١]
١١ ‏/ ٣٤٤
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿فَإِذَا ⦗٣٤٥⦘ انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ﴾ [التوبة: ٥] حَتَّى خَتَمَ آخِرَ الْآيَةِ وَكَانَ قَتَادَةُ يَقُولُ: «خَلُّوا سَبِيلَ مَنْ أَمَرَكُمُ اللَّهُ أَنْ تُخَلُّوا سَبِيلَهُ، فَإِنَّمَا النَّاسُ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ: مُسْلِمٌ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ، وَمُشْرِكٌ عَلَيْهِ الْجِزْيَةُ، وَصَاحِبُ حَرْبٍ يَأْمَنُ بِتِجَارَتِهِ فِي الْمُسْلِمِينَ إِذَا أَعْطَى عُشُورَ مَالِهِ»
١١ ‏/ ٣٤٤
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: «﴿فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ﴾ [التوبة: ٥] وَهِيَ الْأَرْبَعَةُ الَّتِي عَدَدْتُ لَكَ، يَعْنِي عِشْرِينَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمَ وَصَفَرَ وَرَبِيعًا الْأَوَّلَ وَعَشْرًا مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْآخَرِ» وَقَالَ قَائِلُو هَذِهِ الْمَقَالَةِ: قِيلَ لِهَذِهِ الْأَشْهُرِ: الْحُرُمُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل حَرَّمَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فِيهَا دِمَاءَ الْمُشْرِكِينَ وَالْعَرْضَ لَهُمْ إِلَّا بِسَبِيلِ خَيْرٍ
١١ ‏/ ٣٤٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، أَنَّهُ أَخْبَرَهُ، عَنْ مُجَاهِدٍ، وَعَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ﴾ [التوبة: ٥] أَنَّهَا الْأَرْبَعَةُ الَّتِي قَالَ اللَّهُ: ﴿فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ﴾ [التوبة: ٢] قَالَ: هِيَ الْحُرُمُ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمْ أُومِنُوا فِيهَا حَتَّى يَسِيحُوهَا»
١١ ‏/ ٣٤٥
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ ⦗٣٤٦⦘ أَشْهُرٍ﴾ [التوبة: ٢] قَالَ: ضُرِبَ لَهُمْ أَجَلٌ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ، وَتَبَرَّأَ مِنْ كُلِّ مُشْرِكٍ، ثُمَّ أَمَرَ إِذَا انْسَلَخَتْ تِلْكَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ ﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ﴾ [التوبة: ٥] لَا تَتْرُكُوهُمْ يَضْرِبُونَ فِي الْبِلَادِ، وَلَا يَخْرُجُونَ لِلتِّجَارَةِ، ضَيِّقُوا عَلَيْهِمْ، بَعْدَهَا أَمَرَ بِالْعَفْوِ: ﴿فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [التوبة: ٥]»
١١ ‏/ ٣٤٥
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: «﴿فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ﴾ [التوبة: ٥] يَعْنِي الْأَرْبَعَةَ الَّتِي ضَرَبَ اللَّهُ لَهُمْ أَجَلًا لِأَهْلِ الْعَهْدِ الْعَامِّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ. ﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ﴾ [التوبة: ٥] الْآيَةَ»
١١ ‏/ ٣٤٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [التوبة: ٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ: وَإِنِ اسْتَأْمَنَكَ يَا مُحَمَّدُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ أَمَرْتُكَ بِقِتَالِهِمْ وَقَتْلِهِمْ بَعْدَ انْسِلَاخِ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ أَحَدٌ لِيَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ مِنْكَ، وَهُوَ الْقُرْآنُ الَّذِي أَنْزَلَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ ﴿فَأَجِرْهُ﴾ [التوبة: ٦] يَقُولُ: فَأَمِّنْهُ ﴿حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ﴾ [التوبة: ٦] وَتَتْلُوهُ عَلَيْهِ. ﴿ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ﴾ [التوبة: ٦] يَقُولُ: ثُمَّ رُدَّهُ بَعْدَ سَمَاعِهِ كَلَامَ اللَّهِ إِنْ هُوَ أَبَى أَنْ يُسْلِمَ وَلَمْ يَتَّعِظْ لِمَا تَلَوْتَهُ عَلَيْهِ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ فَيُؤْمِنَ، إِلَى مَأْمَنِهِ، يَقُولُ: إِلَى حَيْثُ يَأْمَنُ مِنْكَ وَمِمَّنْ فِي طَاعَتِكَ حَتَّى يَلْحَقَ بِدَارِهِ وَقَوْمِهِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ. ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ
١١ ‏/ ٣٤٦
قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [التوبة: ٦] يَقُولُ: تَفْعَلُ ذَلِكَ بِهِمْ مِنْ إِعْطَائِكَ إِيَّاهُمُ الْأَمَانَ، لِيَسْمَعُوا الْقُرْآنَ، وَرَدِّكَ إِيَّاهُمْ إِذَا أَبَوْا الْإِسْلَامَ إِلَى مَأْمَنِهِمْ، مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمْ قَوْمٌ جَهَلَةٌ لَا يَفْقَهُونَ عَنِ اللَّهِ حُجَّةً وَلَا يَعْلَمُونَ مَا لَهُمْ بِالْإِيمَانِ بِاللَّهِ لَوْ آمَنُوا وَمَا عَلَيْهِمْ مِنَ الْوِزْرِ وَالْإِثْمِ بِتَرْكِهِمُ الْإِيمَانَ بِاللَّهِ. وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١١ ‏/ ٣٤٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: «﴿وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ﴾ [التوبة: ٦] أَيْ مِنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَمَرْتُكَ بِقِتَالِهِمْ ﴿فَأَجِرْهُ﴾ [التوبة: ٦]»
١١ ‏/ ٣٤٧
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: «﴿فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ﴾ [التوبة: ٦] أَمَّا كَلَامُ اللَّهِ: فَالْقُرْآنُ»
١١ ‏/ ٣٤٧
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ﴾ [التوبة: ٦] قَالَ: إِنْسَانٌ يَأْتِيكَ فَيَسْمَعُ مَا تَقُولُ وَيَسْمَعُ مَا أُنْزِلَ عَلَيْكَ، فَهُوَ آمِنٌ حَتَّى يَأْتِيَكَ فَيَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ، وَحَتَّى يَبْلُغَ مَأْمَنَهُ حَيْثُ جَاءَ». حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، بِنَحْوِهِ
١١ ‏/ ٣٤٧
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَعْقُوبُ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدٍ، قَالَ: «خَرَجَ ⦗٣٤٨⦘ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ غَازِيًا، فَلَقِيَ الْعَدُوَّ، وَأَخْرَجَ الْمُسْلِمُونَ رَجُلًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَأَشْرَعُوا فِيهِ الْأَسِنَّةَ، فَقَالَ الرَّجُلُ ارْفَعُوا عَنِّي سِلَاحَكُمْ، وَأَسْمِعُونِي كَلَامَ اللَّهِ تَعَالَى، فَقَالُوا: تَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَتَخْلَعُ الْأَنْدَادَ وَتَتَبَرَّأُ مِنَ اللَّاتِ وَالْعُزَّى؟ فَقَالَ: فَإِنِّي أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ فَعَلْتُ»
١١ ‏/ ٣٤٧
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ﴾ [التوبة: ٦] قَالَ: إِنْ لَمْ يُوَافِقْهُ مَا تَقُولُ عَلَيْهِ وَتُحَدِّثُهُ، فَأَبْلِغْهُ. قَالَ: وَلَيْسَ هَذَا بِمَنْسُوخٍ» وَاخْتُلِفَ فِي حُكْمِ هَذِهِ الْآيَةِ، وَهَلْ هُوَ مَنْسُوخٌ أَوْ هُوَ غَيْرُ مَنْسُوخٍ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ غَيْرُ مَنْسُوخٍ. وَقَدْ ذَكَرْنَا قَوْلَ مَنْ قَالَ ذَلِكَ. وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ مَنْسُوخٌ
١١ ‏/ ٣٤٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ: «﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ﴾ [التوبة: ٥] نَسَخَتْهَا: ﴿فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً﴾ [محمد: ٤]» قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ السُّدِّيِّ، مِثْلَهُ. ⦗٣٤٩⦘ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ نَسْخَ قَوْلُهُ: ﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ﴾ [التوبة: ٥] قَوْلَهُ: ﴿فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ﴾ [محمد: ٤]
١١ ‏/ ٣٤٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ﴾ [محمد: ٤] نَسَخَهَا قَوْلُهُ: ﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ»﴾ [التوبة: ٥] وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي قَوْلُ مَنْ قَالَ: لَيْسَ ذَلِكَ بِمَنْسُوخٍ، وَقَدْ دَلَلْنَا عَلَى أَنَّ مَعْنَى النَّسْخِ هُوَ نَفْي حُكْمٍ قَدْ كَانَ ثَبَتَ بِحُكْمٍ آخَرَ غَيْرِهِ، وَلَمْ تَصِحَّ حُجَّةٌ بِوُجُوبِ حُكْمِ اللَّهِ فِي الْمُشْرِكِينَ بِالْقَتْلِ بِكُلِّ حَالٍ ثُمَّ نَسَخَهُ بِتَرْكِ قَتْلِهِمْ عَلَى أَخْذِ الْفِدَاءِ وَلَا عَلَى وَجْهِ الْمَنِّ عَلَيْهِمْ. فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَكَانَ الْفِدَاءُ وَالْمَنُّ وَالْقَتْلُ لَمْ يَزَلْ مِنْ حُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِيهِمْ مِنْ أَوَّلِ حَرْبٍ حَارَبَهُمْ، وَذَلِكَ مِنْ يَوْمِ بَدْرٍ، كَانَ مَعْلُومًا أَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ، وَخُذُوهُمْ لِلْقَتْلِ أَوِ الْمَنِّ أَوِ الْفِدَاءِ وَاحْصُرُوهُمْ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مَعْنَاهُ صَحَّ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ دُونَ غَيْرِهِ
١١ ‏/ ٣٤٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ﴾ [التوبة: ٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَنَّى يَكُونُ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَبِأَيِّ مَعْنًى
١١ ‏/ ٣٤٩
يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ بِرَبِّهِمْ عَهْدٌ وَذِمَّةٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ، يُوَفَّى لَهُمْ بِهِ، وَيُتْرَكُوا مِنْ أَجْلِهِ آمِنِينَ يَتَصَرَّفُونَ فِي الْبِلَادِ، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ: لَا عَهْدَ لَهُمْ، وَأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ قَتْلُهُمْ حَيْثُ وَجَدُوهُمْ إِلَّا الَّذِينَ أُعْطُوا الْعَهْدَ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ مِنْهُمْ، فَإِنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِالْوَفَاءِ لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ وَالِاسْتِقَامَةِ لَهُمْ عَلَيْهِ، مَا دَامُوا عَلَيْهِ لِلْمُؤْمِنِينَ مُسْتَقِيمِينَ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الَّذِينَ عُنُوا بِقَوْلِهِ: ﴿إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ [التوبة: ٧] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُمْ قَوْمٌ مِنْ جَذِيمَةَ بْنِ الدِّيلِ
١١ ‏/ ٣٥٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: «﴿كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ﴾ [التوبة: ٧] هُمْ بَنُو جَذِيمَةَ بْنِ الدِّيلِ»
١١ ‏/ ٣٥٠
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ، قَوْلُهُ: «﴿إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [التوبة: ٤] قَالَ: هُمْ ⦗٣٥١⦘ جَذِيمَةُ بَكْرٍ مِنْ كِنَانَةَ»
١١ ‏/ ٣٥٠
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: «﴿كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ﴾ [التوبة: ٧] الَّذِينَ كَانُوا وَأَنْتُمْ عَلَى الْعَهْدِ الْعَامِّ بِأَنْ لَا تَمْنَعُوهُمْ وَلَا يَمْنَعُوكُمْ مِنَ الْحَرَمِ وَلَا فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ ﴿عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ [التوبة: ٧] وَهِيَ قَبَائِلُ بَنِي بَكْرٍ الَّذِينَ كَانُوا دَخَلُوا فِي عَهْدِ قُرَيْشٍ وَعَقَدْتُمْ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ إِلَى الْمُدَّةِ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَبَيْنَ قُرَيْشٍ، فَلَمْ يَكُنْ نَقَضَهَا إِلَّا هَذَا الْحَيُّ مِنْ قُرَيْشٍ وَبَنُو الدِّيلِ مِنْ بَكْرٍ، فَأُمِرَ بِإِتْمَامِ الْعَهْدِ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ نَقَضَ عَهْدَهُ مِنْ بَنِي بَكْرٍ إِلَى مُدَّتِهِ ﴿فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ﴾ [التوبة: ٧] الْآيَةَ» وَقَالَ آخَرُونَ: هُمْ قُرَيْشٌ
١١ ‏/ ٣٥١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ [التوبة: ٧] هُمْ قُرَيْشٌ»
١١ ‏/ ٣٥١
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «﴿إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ [التوبة: ٧] يَعْنِي: أَهْلَ مَكَّةَ»
١١ ‏/ ٣٥٢
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «﴿إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ [التوبة: ٧] يَقُولُ: هُمْ قَوْمٌ كَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ النَّبِيِّ ﷺ مُدَّةٌ، وَلَا يَنْبَغِي لِمُشْرِكٍ أَنْ يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ، وَلَا مَنْ يُعْطِي الْمُسْلِمَ الْجِزْيَةَ»
١١ ‏/ ٣٥٢
﴿فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ﴾ [التوبة: ٧] يَعْنِي أَهْلَ الْعَهْدِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ
١١ ‏/ ٣٥٢
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: «﴿إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ﴾ [التوبة: ٧] قَالَ: هَؤُلَاءِ قُرَيْشٌ. وَقَدْ نَسَخَ هَذَا الْأَشْهُرَ الَّتِي ضُرِبَتْ لَهُمْ، وَغَدَرُوا بِهِمْ فَلَمْ يَسْتَقِيمُوا، كَمَا قَالَ اللَّهُ، فَضَرَبَ لَهُمْ بَعْدَ الْفَتْحِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ يَخْتَارُونَ مِنْ أَمْرِهِمْ: إِمَّا أَنْ يُسْلِمُوا، وَإِمَّا أَنْ يَلْحَقُوا بِأَيِّ بِلَادٍ شَاءُوا قَالَ: فَأَسْلَمُوا قَبْلَ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ، وَقَبْلَ قَتْلٍ»
١١ ‏/ ٣٥٢
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ﴾ [التوبة: ٧] قَالَ: هُمْ قَوْمُ جَذِيمَةَ. قَالَ: فَلَمْ يَسْتَقِيمُوا، نَقَضُوا عَهْدَهُمْ، أَيْ أَعَانُوا بَنِي بَكْرٍ ⦗٣٥٣⦘ حِلْفَ قُرَيْشٍ عَلَى خُزَاعَةَ حِلْفَ النَّبِيِّ ﷺ» وَقَالَ آخَرُونَ: هُمْ قَوْمٌ مِنْ خُزَاعَةَ
١١ ‏/ ٣٥٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ [التوبة: ٧] قَالَ: أَهْلُ الْعَهْدِ مِنْ خُزَاعَةَ» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ بِالصَّوَابِ عِنْدِي قَوْلُ مَنْ قَالَ: هُمْ بَعْضُ بَنِي بَكْرٍ مِنْ كِنَانَةَ، مِمَّنْ كَانَ أَقَامَ عَلَى عَهْدِهِ وَلَمْ يَكُنْ دَخَلَ فِي نَقْضِ مَا كَانَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَبَيْنَ قُرَيْشٍ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ مِنَ الْعَهْدِ مَعَ قُرَيْشٍ حِينَ نَقَضُوهُ بِمَعُونَتِهِمْ حُلَفَاءَهُمْ مِنْ بَنِي الدِّيلِ عَلَى حُلَفَاءِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِنْ خُزَاعَةَ وَإِنَّمَا قُلْتُ: هَذَا الْقَوْلُ أَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ أَمَرَ نَبِيَّهُ وَالْمُؤْمِنِينَ بِإِتْمَامِ الْعَهْدِ لِمَنْ كَانُوا عَاهَدُوهُ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، مَا اسْتَقَامُوا عَلَى عَهْدِهِمْ. وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ هَذِهِ الْآيَاتِ إِنَّمَا نَادَى بِهَا عَلِيٌّ فِي سَنَةِ تِسْعٍ مِنَ الْهِجْرَةِ، وَذَلِكَ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ بِسَنَةٍ، فَلَمْ يَكُنْ بِمَكَّةَ مِنْ قُرَيْشٍ وَلَا خُزَاعَةَ كَافِرٌ يَوْمَئِذٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عَهْدٌ فَيُؤْمَرُ بِالْوَفَاءِ لَهُ بِعَهْدِهِ مَا اسْتَقَامَ عَلَى عَهْدِهِ؛ لِأَنَّ مَنْ كَانَ
١١ ‏/ ٣٥٣
مِنْهُمْ مِنْ سَاكِنِي مَكَّةَ كَانَ قَدْ نَقْضَ الْعَهْدَ وَحُورِبَ قَبْلَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَاتِ
١١ ‏/ ٣٥٤
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ﴾ [التوبة: ٤] فَإِنَّ مَعْنَاهُ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ مَنِ اتَّقَى وَرَاقَبَهُ فِي أَدَاءِ فَرَائِضِهِ، وَالْوَفَاءَ بِعَهْدِهِ لِمَنْ عَاهَدَهُ، وَاجْتِنَابَ مَعَاصِيهِ، وَتَرْكَ الْغَدْرِ بِعُهُودِهِ لِمَنْ عَاهَدَهُ
١١ ‏/ ٣٥٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ﴾ [التوبة: ٨] يعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: كَيْفَ يَكُونُ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ نَقَضُوا عَهْدَهُمْ أَوْ لِمَنْ لَا عَهْدَ لَهُ مِنْهُمْ مِنْكُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ عَهْدٌ وَذِمَّةٌ، وَهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَغْلِبُوكُمْ، لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً. وَاكْتَفَى بِـ كَيْفَ دَلِيلًا عَلَى مَعْنَى الْكَلَامِ، لِتَقَدُّمِ مَا يُرَادُ مِنَ الْمَعْنَى بِهَا قَبْلَهَا، وَكَذَلِكَ تَفْعَلُ الْعَرَبُ إِذَا أَعَادَتِ الْحَرْفَ بَعْدَ مُضِيِّ مَعْنَاهُ اسْتَجَازُوا حَذْفَ الْفِعْلِ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الطويل] وَخَبَّرْتُمَانِي أَنَّمَا الْمَوْتُ فِي الْقُرَى … فَكَيْفَ وَهَذِي هَضْبَةٌ وَكثَيِبُ
فَحَذَفَ الْفِعْلَ بَعْدَ كَيْفَ لِتَقَدُّمِ مَا يُرَادُ بَعْدَهَا قَبْلَهَا. وَمَعْنَى الْكَلَامِ: فَكَيْفَ يَكُونُ الْمَوْتُ فِي الْقُرَى وَهَذِي هَضْبَةٌ وَكَثِيبٌ لَا يَنْجُو فِيهِمَا مِنْهُ أَحَدٌ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: ﴿لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً﴾ [التوبة: ٨] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: لَا يُرَاقِبُوا اللَّهَ فِيكُمْ وَلَا عَهْدًا
١١ ‏/ ٣٥٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا﴾ [التوبة: ١٠] قَالَ: اللَّهُ»
١١ ‏/ ٣٥٥
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً﴾ [التوبة: ١٠] قَالَ: مِثْلُ قَوْلِهِ جِبْرَائِيلَ مِيكَائِيلَ إِسْرَافِيلَ، كَأَنَّهُ يُقَالُ: يُضَافُ «جِبْرَ» وَ«مِيكَا» وَ«إِسْرَافِ» إِلَى «إِيلَ»، يَقُولُ: عَبْدُ اللَّهِ ﴿لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا﴾ [التوبة: ١٠] كَأَنَّهُ يَقُولُ: لَا يَرْقُبُونَ اللَّهَ»
١١ ‏/ ٣٥٥
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثني مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿إِلًّا وَلَا ذِمَّةً﴾ [التوبة: ٨] لَا يَرْقُبُونَ اللَّهَ وَلَا غَيْرَهُ» وَقَالَ آخَرُونَ: الْإِلُّ: الْقَرَابَةُ
١١ ‏/ ٣٥٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً﴾ [التوبة: ١٠] يَقُولُ: قَرَابَةً وَلَا عَهْدًا. ⦗٣٥٦⦘ وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً﴾ [التوبة: ٨] قَالَ: الْإِلُّ: يَعْنِي الْقَرَابَةَ، وَالذِّمَّةُ: الْعَهْدُ»
١١ ‏/ ٣٥٥
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «﴿لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً﴾ [التوبة: ٨] الْإِلُّ: الْقَرَابَةُ، وَالذِّمَّةُ: الْعَهْدُ. يَعْنِي أَهْلَ الْعَهْدِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، يَقُولُ: ذِمَّتُهُمْ»
١١ ‏/ ٣٥٦
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، وَعَبْدةُ، عَنْ حَوْشَبٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ: «الْإِلُّ: الْقَرَابَةُ»
١١ ‏/ ٣٥٦
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «﴿لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً﴾ [التوبة: ١٠] قَالَ: الْإِلُّ: الْقَرَابَةُ، وَالذِّمَّةُ: الْعَهْدُ»
١١ ‏/ ٣٥٦
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: «﴿لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً﴾ [التوبة: ١٠] الْإِلُّ: الْقَرَابَةُ، وَالذِّمَّةُ: الْمِيثَاقُ»
١١ ‏/ ٣٥٦
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: «﴿كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ﴾ [التوبة: ٨] الْمُشْرِكُونَ، لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ عَهْدًا وَلَا قَرَابَةً وَلَا مِيثَاقًا» ⦗٣٥٧⦘ وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَاهُ: الْحِلْفُ
١١ ‏/ ٣٥٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: «﴿لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً﴾ [التوبة: ٨] قَالَ: الْإِلُّ: الْحِلْفُ، وَالذِّمَّةُ: الْعَهْدُ» وَقَالَ آخَرُونَ: الْإِلُّ: هُوَ الْعَهْدُ، وَلَكِنَّهُ كُرِّرَ لَمَّا اخْتَلَفَ اللَّفْظَانِ وَإِنْ كَانَ مَعْنَاهُمَا وَاحِدًا
١١ ‏/ ٣٥٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ. ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿إِلًّا﴾ [البقرة: ٩] قَالَ: عَهْدًا»
١١ ‏/ ٣٥٧
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً﴾ [التوبة: ٨] قَالَ: لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ عَهْدًا وَلَا ذِمَّةً. قَالَ: إِحْدَاهُمَا مِنْ صَاحِبَتِهَا كَهَيْئَةِ ﴿غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [البقرة: ١٧٣] قَالَ: فَالْكَلِمَةُ وَاحِدَةٌ وَهِيَ تَفْتَرِقُ، قَالَ: وَالْعَهْدُ هُوَ الذِّمَّةُ»
١١ ‏/ ٣٥٧
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ «﴿وَلَا ذِمَّةً﴾ [التوبة: ٨] قَالَ: الْعَهْدُ»
١١ ‏/ ٣٥٧
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: ثنا قَيْسٌ، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ
١١ ‏/ ٣٥٧
مُجَاهِدٍ: «﴿وَلَا ذِمَّةً﴾ [التوبة: ٨] قَالَ: الذِّمَّةُ الْعَهْدُ» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَخْبَرَ عَنْ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ أَمَرَ نَبِيَّهُ وَالْمُؤْمِنِينَ بِقَتْلِهِمْ بَعْدَ انْسِلَاخِ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ وَحَصْرِهِمْ وَالْقُعُودِ لَهُمْ عَلَى كُلِّ مَرْصَدٍ أَنَّهُمْ لَوْ ظَهَرُوا عَلَى الْمُؤْمِنِينَ لَمْ يَرْقُبُوا فِيهِمْ إِلًّا، وَالْإِلُّ: اسْمٌ يَشْتَمِلُ عَلَى مُعَانٍ ثَلَاثَةٍ: وَهِيَ الْعَهْدُ وَالْعَقْدُ، وَالْحِلْفُ، وَالْقَرَابَةُ، وَهُوَ أَيْضًا بِمَعْنَى اللَّهِ. فَإِذْ كَانَتِ الْكَلِمَةُ تَشْمَلُ هَذِهِ الْمَعَانِي الثَّلَاثَةَ، وَلَمْ يَكُنِ اللَّهُ خَصَّ مِنْ ذَلِكَ مَعْنًى دُونَ مَعْنًى، فَالصَّوَابُ أَنْ يَعُمَّ ذَلِكَ كَمَا عَمَّ بِهَا جَلَّ ثَنَاؤُهُ مَعَانِيَهَا الثَّلَاثَةَ، فَيُقَالُ: لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ اللَّهَ، وَلَا قَرَابَةً، وَلَا عَهْدًا، وَلَا مِيثَاقًا. وَمِنَ الدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّهُ يَكُونُ بِمَعْنَى الْقَرَابَةِ قَوْلُ ابْنِ مُقْبِلٍ:
[البحر الرمل] أَفْسَدَ النَّاسَ خُلُوفٌ خَلَفُوا … قَطَعُوا الْإِلَّ وَأَعْرَاقَ الرَّحِيمْ
بِمَعْنَى: قَطَعُوا الْقَرَابَةَ، وَقَوْلُ حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ:
[البحر الوافر] لَعَمْرُكَ إِنَّ إِلَّكَ مِنْ قُرَيْشٍ … كَإِلِّ السَّقْبِ مِنْ رَأْلِ النَّعَامِ
وَأَمَّا مَعْنَاهُ: إِذَا كَانَ بِمَعْنَى الْعَهْدِ. فَقَوْلُ الْقَائِلِ:
[البحر المتقارب]
١١ ‏/ ٣٥٨
وَجَدْنَاهُمُ كَاذِبًا إِلُّهُمْ … وَذُو الْإِلِّ وَالْعَهْدِ لَا يَكْذِبُ
وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ مَنْ يُنْسَبُ إِلَى مَعْرِفَةِ كَلَامِ الْعَرَبِ مِنَ الْبَصْرِيِّينَ أَنَّ الْإِلَّ وَالْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ وَالْيَمِينَ وَاحِدٌ، وَأَنَّ الذِّمَّةَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: التَّذَمُّمُ مِمَّنْ لَا عَهْدَ لَهُ، وَالْجَمْعُ: ذِمَمٌ. وَكَانَ ابْنُ إِسْحَاقَ يَقُولُ: عَنَى بِهَذِهِ الْآيَةِ أَهْلَ الْعَهْدِ الْعَامِّ
١١ ‏/ ٣٥٩
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: «﴿كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ﴾ [التوبة: ٨] أَيِ الْمُشْرِكُونَ الَّذِينَ لَا عَهْدَ لَهُمْ إِلَى مُدَّةٍ مِنْ أَهْلِ الْعَهْدِ الْعَامِّ ﴿لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً﴾ [التوبة: ٨]»
١١ ‏/ ٣٥٩
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ﴾ [التوبة: ٨] فَإِنَّهُ يَقُولُ: يُعْطُونَكُمْ بِأَلْسِنَتِهِمْ مِنَ الْقَوْلِ خِلَافَ مَا يُضْمِرُونَهُ لَكُمْ فِي نُفُوسِهِمْ مِنَ الْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ. ﴿وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ﴾ [التوبة: ٨] أَيْ تَأْبَى عَلَيْهِمْ قُلُوبُهُمْ أَنْ يُذْعِنُوا لَكُمْ بِتَصْدِيقِ مَا يُبْدُونَهُ لَكُمْ بِأَلْسِنَتِهِمْ. يُحَذِّرُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَمْرَهُمُ الْمُؤْمِنِينَ وَيُشْحِذُهُمْ عَلَى قَتْلِهِمْ وَاجْتِيَاحِهِمْ حَيْثُ وَجَدُوا مِنْ أَرْضِ اللَّهِ، وَأَلَّا يُقَصِّرُوا فِي مَكْرُوهِهِمْ بِكُلِّ مَا قَدَرُوا عَلَيْهِ. ﴿وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ﴾ [التوبة: ٨] يَقُولُ: وَأَكْثَرُهُمْ مُخَالِفُونَ عَهْدَكُمْ نَاقِضُونَ لَهُ، كَافِرُونَ بِرَبِّهِمْ خَارِجُونَ عَنْ طَاعَتِهِ
١١ ‏/ ٣٥٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿اشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِه إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [التوبة: ٩]⦗٣٦٠⦘ يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ابْتَاعَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ الَّذِينَ أَمَرَكُمُ اللَّهُ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِقَتْلِهِمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ بِتَرْكِهِمُ اتِّبَاعَ مَا احْتَجَّ اللَّهُ بِهِ عَلَيْهِمْ مِنْ حُجَجِهِ يَسِيرًا مِنَ الْعِوَضِ قَلِيلًا مِنْ عَرَضِ الدُّنْيَا، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ فِيمَا ذُكِرَ عَنْهُمْ كَانُوا نَقَضُوا الْعَهْدَ الَّذِي كَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِأَكْلَةٍ أَطْعَمْهُمُوهَا أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ
١١ ‏/ ٣٥٩
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: «﴿اشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا﴾ [التوبة: ٩] قَالَ: أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ أَطْعَمَ حُلَفَاءَهُ، وَتَرَكَ حُلَفَاءَ مُحَمَّدٍ ﷺ». حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ
١١ ‏/ ٣٦٠
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ﴾ [التوبة: ٩] فَإِنَّ مَعْنَاهُ: فَمَنَعُوا النَّاسَ مِنَ الدُّخُولِ فِي الْإِسْلَامِ، وَحَاوَلُوا رَدَّ الْمُسْلِمِينَ عَنْ دِينِهِمْ. ﴿إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [التوبة: ٩] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: إِنَّ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ وَصَفْتُ صِفَاتِهِمْ، سَاءَ عَمَلُهُمُ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ مِنَ اشْتِرَائِهِمُ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ وَالضَّلَالَةَ بِالْهُدَى، وَصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ أَوْ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُؤْمِنَ
١١ ‏/ ٣٦٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ﴾ [التوبة: ١٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: لَا يَتَّقِي هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ الَّذِينَ أَمَرْتُكُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِقَتْلِهِمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ فِي قَتْلِ مُؤْمِنٍ لَوْ قَدَرُوا عَلَيْهِ ﴿إِلًّا وَلَا ذِمَّةً﴾ [التوبة: ٨] يَقُولُ: ⦗٣٦١⦘ فَلَا تُبْقُوا عَلَيْهِمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ، كَمَا لَا يُبْقُونَ عَلَيْكُمْ لَوْ ظَهَرُوا عَلَيْكُمْ. ﴿وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ﴾ [التوبة: ١٠] يَقُولُ: الْمُتَجَاوِزُونَ فِيكُمْ إِلَى مَا لَيْسَ لَهُمْ بِالظُّلْمِ وَالِاعْتِدَاءِ
١١ ‏/ ٣٦٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ [التوبة: ١١] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: فَإِنْ رَجَعَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ الَّذِينَ أَمَرْتُكُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِقَتْلِهِمْ عَنْ كُفْرِهِمْ وَشِرْكِهِمْ بِاللَّهِ إِلَى الْإِيمَانِ بِهِ وَبِرَسُولِهِ وَأَنَابُوا إِلَى طَاعَتِهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ الْمَكْتُوبَةَ فَأَدَّوْهَا بِحُدُودِهَا وَآتَوُا الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ أَهْلَهَا ﴿فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ﴾ [التوبة: ١١] يَقُولُ: فَهُمْ إِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ الَّذِي أَمَرَكُمُ اللَّهُ بِهِ، وَهُوَ الْإِسْلَامُ. ﴿وَنُفَصِّلُ الْآيَاتِ﴾ [التوبة: ١١] يَقُولُ: وَنُبَيِّنُ حُجَجَ اللَّهِ وَأَدِلَّتَهُ عَلَى خَلْقِهِ ﴿لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: ٢٣٠] مَا بُيِّنَ لَهُمْ فَنَشْرَحُهَا لَهُمْ مُفَصَّلَةً دُونَ الْجُهَّالِ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ عَنِ اللَّهِ بَيَانَهُ وَمُحْكَمَ آيَاتِهِ. وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١١ ‏/ ٣٦١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: «﴿فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ﴾ [التوبة: ١١] يَقُولُ: إِنْ تَرَكُوا اللَّاتَ وَالْعُزَّى، وَشَهِدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ﴿فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ [التوبة: ١١]»
١١ ‏/ ٣٦١
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ رَجُلٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «﴿فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ﴾ [التوبة: ٥] قَالَ: حَرَّمَتْ هَذِهِ الْآيَةُ دِمَاءَ أَهْلِ الْقِبْلَةِ»
١١ ‏/ ٣٦٢
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: «افْتُرِضَتِ الصَّلَاةُ وَالزَّكَاةُ جَمِيعًا لَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَهُمَا وَقَرَأَ: ﴿فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ﴾ [التوبة: ١١] وَأَبَى أَنْ يَقْبَلَ الصَّلَاةَ إِلَّا بِالزَّكَاةِ. وَقَالَ: رَحِمَ اللَّهُ أَبَا بَكْرٍ مَا كَانَ أَفْقَهَهُ»
١١ ‏/ ٣٦٢
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا شَرِيكٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: «أُمِرْتُمْ بِإِقَامَةِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَمَنْ لَمْ يُزَكِ فَلَا صَلَاةَ لَهُ» وَقِيلَ: ﴿فَإِخْوَانُكُمْ﴾ [التوبة: ١١] فَرُفِعَ بِضَمِيرٍ: فَهُمْ إِخْوَانُكُمْ، إِذْ كَانَ قَدْ جَرَى ذِكْرُهُمْ قَبْلُ، كَمَا قَالَ: ﴿فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ﴾ [الأحزاب: ٥]
١١ ‏/ ٣٦٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ﴾ [التوبة: ١٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَإِنْ نَقَضَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ الَّذِينَ عَاهَدْتُمُوهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ عُهُودَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا عَاقَدُوكُمْ، أَنْ لَا يُقَاتِلُوكُمْ وَلَا يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا مِنْ أَعْدَائِكُمْ ﴿وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ﴾ [التوبة: ١٢] يَقُولُ: وَقَدَحُوا فِي دِينِكُمُ الْإِسْلَامِ،
١١ ‏/ ٣٦٢
فَثَلَمُوهُ وَعَابُوهُ. ﴿فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ﴾ [التوبة: ١٢] يَقُولُ: فَقَاتِلُوا رُؤَسَاءَ الْكُفْرِ بِاللَّهِ. ﴿إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ﴾ [التوبة: ١٢] يَقُولُ: إِنَّ رُؤَسَاءَ الْكُفْرِ لَا عَهْدَ لَهُمْ. ﴿لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ﴾ [التوبة: ١٢] لِكَيْ يَنْتَهُوا عَنِ الطَّعْنِ فِي دِينِكُمْ وَالْمُظَاهَرَةِ عَلَيْكُمْ. وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ عَلَى اخْتِلَافٍ بَيْنَهُمْ فِي الْمَعْنَيَيْنِ بِأَئِمَّةِ الْكُفْرِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُمْ أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ، وَعُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ وَنُظَرَاؤُهُمْ. وَكَانَ حُذَيْفَةُ يَقُولُ: لَمْ يَأْتِ أَهْلُهَا بَعْدُ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ هُمْ مَنْ سَمَّيْتُ
١١ ‏/ ٣٦٣
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ﴾ [التوبة: ١٢] إِلَى: ﴿لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ﴾ [التوبة: ١٢] يَعْنِي: أَهْلَ الْعَهْدِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، سَمَّاهُمْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ، وَهُمْ كَذَلِكَ. يَقُولُ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ: وَإِنْ نَكَثُوا الْعَهْدَ الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُمْ فَقَاتِلْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ؛ لِأَنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ، لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ»
١١ ‏/ ٣٦٣
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿وَإِنْ نَكَثُوا﴾ [التوبة: ١٢] أَيْمَانَهُمْ ⦗٣٦٤⦘ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ إِلَى: ﴿يَنْتَهُونَ﴾ [التوبة: ١٢] فَكَانَ مِنْ أَئِمَّةِ الْكُفْرِ: أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ، وَأُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ، وَعُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَأَبُو سُفْيَانَ، وَسُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو، وَهُمُ الَّذِينَ هَمُّوا بِإِخْرَاجِهِ»
١١ ‏/ ٣٦٣
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: «أَئِمَّةُ الْكُفْرِ: أَبُو سُفْيَانَ، وَأَبُو جَهْلٍ، وَأُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ، وَسُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو، وَعُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ»
١١ ‏/ ٣٦٤
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ ابْنُ وَكِيعٍ: ثنا غُنْدَرٌ، وَقَالَ ابْنُ بَشَّارٍ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ﴾ [التوبة: ١٢] قَالَ أَبُو سُفْيَانَ مِنْهُمْ»
١١ ‏/ ٣٦٤
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: «﴿وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ﴾ [التوبة: ١٢] إِلَى: ﴿يَنْتَهُونَ﴾ [التوبة: ١٢] هَؤُلَاءِ قُرَيْشٌ، يَقُولُ: إِنْ نَكَثُوا عَهْدَهُمُ الَّذِي عَاهَدُوا عَلَى الْإِسْلَامِ وَطَعَنُوا فِيهِ، فَقَاتِلُوهُمْ»
١١ ‏/ ٣٦٤
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: «﴿فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ﴾ [التوبة: ١٢] يَعْنِي: رَأْسَ الْمُشْرِكِينَ أَهْلَ مَكَّةَ»
١١ ‏/ ٣٦٤
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: «﴿فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ﴾ [التوبة: ١٢] أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ، وَأُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ، وَعُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَأَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ، وَسُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو، وَهُمُ الَّذِينَ نَكَثُوا عَهْدَ اللَّهِ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ، وَلَيْسَ وَاللَّهِ كَمَا تَأَوَّلَهُ أَهْلُ الشُّبُهَاتِ وَالْبِدَعِ وَالْفِرَى عَلَى اللَّهِ وَعَلَى كِتَابِهِ»
١١ ‏/ ٣٦٥
ذِكْرُ الرِّوَايَةِ عَنْ حُذَيْفَةَ بِالَّذِي ذَكَرْنَا عَنْهُ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ: «﴿فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ﴾ [التوبة: ١٢] قَالَ: مَا قُوتِلَ أَهْلُ هَذِهِ الْآيَةِ بَعْدُ»
١١ ‏/ ٣٦٥
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدٍ، قَالَ: ثنا حَبِيبُ بْنُ حَسَّانَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ حُذَيْفَةَ، فَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ: «﴿فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ﴾ [التوبة: ١٢] فَقَالَ: مَا قُوتِلَ أَهْلُ هَذِهِ الْآيَةِ بَعْدُ»
١١ ‏/ ٣٦٥
حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ، قَالَ: ثنا الْأَعْمَشُ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، قَالَ: قَرَأَ حُذَيْفَةُ: «﴿فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ﴾ [التوبة: ١٢] قَالَ: مَا قُوتِلَ أَهْلُ هَذِهِ الْآيَةِ بَعْدُ»
١١ ‏/ ٣٦٥
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، وَإِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ صِلَةَ بْنِ زُفَرٍ: «﴿إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ﴾ [التوبة: ١٢] لَا عَهْدَ لَهُمْ»
١١ ‏/ ٣٦٥
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ ⦗٣٦٦⦘ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: «﴿وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ﴾ [التوبة: ١٢] قَالَ: عَهْدَهُمْ»
١١ ‏/ ٣٦٥
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: «﴿وَإِنْ نَكَثُوا﴾ [التوبة: ١٢] أَيْمَانَهُمْ عَهْدَهُمُ الَّذِي عَاهَدُوا عَلَى الْإِسْلَامِ»
١١ ‏/ ٣٦٦
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ صِلَةَ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿لَا أَيْمَانَ لَهُمْ﴾ [التوبة: ١٢] قَالَ: لَا عَهْدَ لَهُمْ»
١١ ‏/ ٣٦٦
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الْمُحَارِبِيُّ، قَالَ: ثنا أَبُو الْأَحْوَصِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ صِلَةَ بْنِ زُفَرٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ، فِي قَوْلِهِ: «﴿فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ﴾ [التوبة: ١٢] قَالَ: لَا عَهْدَ لَهُمْ» وَأَمَّا النَّكْثُ فَإِنَّ أَصْلَهُ: النَّقْضُ، يُقَالُ مِنْهُ: نَكَثَ فُلَانٌ قُوَى حَبْلِهِ إِذَا نَقَضَهَا، وَالْأَيْمَانُ: جَمْعُ الْيَمِينِ وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ﴾ [التوبة: ١٢] فَقَرَأَهُ قُرَّاءُ الْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ وَغَيْرِهِمْ: ﴿إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ﴾ [التوبة: ١٢] بِفَتْحِ الْأَلْفِ مِنَ أَيْمَانَ بِمَعْنَى: لَا عُهُودَ لَهُمْ عَلَى مَا قَدْ ذَكَرْنَا مِنْ قَوْلِ أَهْلِ التَّأْوِيلِ فِيهِ. وَذُكِرَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ ذَلِكَ: (إِنَّهُمْ لَا إِيمَانَ) لَهُمْ بِكَسْرِ الْأَلْفِ، بِمَعْنَى: لَا إِسْلَامَ لَهُمْ. ⦗٣٦٧⦘ وَقَدْ يُتَوَجَّهُ لِقِرَاءَتِهِ كَذَلِكَ وَجْهٌ غَيْرُ هَذَا، وَذَلِكَ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِقِرَاءَتِهِ ذَلِكَ كَذَلِكَ: أَنَّهُمْ لَا أَمَانَ لَهُمْ: أَيْ لَا تُؤَمِّنُوهُمْ، وَلَكِنِ اقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ، كَأَنَّهُ أَرَادَ الْمَصْدَرَ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: آمَنْتُهُ، فَأَنَا أُومِنُهُ إِيمَانًا. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَاتِ فِي ذَلِكَ الَّذِي لَا أَسْتَجِيزُ الْقِرَاءَةَ بِغَيْرِهِ، قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ بِفَتْحِ الْأَلْفِ دُونَ كَسْرِهَا؛ لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَى الْقِرَاءَةِ بِهِ وَرَفْضِ خِلَافِهِ؛ وَلِإِجْمَاعِ أَهْلِ التَّأْوِيلِ عَلَى مَا ذَكَرْتُ مِنْ أَنَّ تَأْوِيلَهُ لَا عَهْدَ لَهُمْ. وَالْأَيْمَانُ الَّتِي هِيَ بِمَعْنَى الْعَهْدِ، لَا تَكُونُ إِلَّا بِفَتْحِ الْأَلْفِ؛ لِأَنَّهَا جَمْعُ يَمِينٍ كَانَتْ عَلَى عَقْدٍ كَانَ بَيْنَ الْمُتَوَادِعِينَ
١١ ‏/ ٣٦٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِلْمُؤْمِنِينَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ حَاضًّا لَهُمْ عَلَى جِهَادِ أَعْدَائِهِمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ: أَلَا تُقَاتِلُونَ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ نَقَضُوا الْعَهْدَ الَّذِي بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَيْكُمْ أَعْدَاءَكُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِهِمْ فَأَخْرَجُوهُ. ﴿وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ بِالْقِتَالِ، يَعْنِي فِعْلَهُمْ ذَلِكَ يَوْمَ بَدْرٍ. وَقِيلَ: قِتَالُهُمْ حُلَفَاءَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِنْ خُزَاعَةَ ﴿أَتَخْشَوْنَهُمْ﴾ [التوبة: ١٣] يَقُولُ: أَتَخَافُونَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، فَتَتْرُكُوا قِتَالَهُمْ خَوْفًا عَلَى أَنْفُسِكُمْ مِنْهُمْ؟ ﴿فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ﴾ [التوبة: ١٣] يَقُولُ: فَاللَّهُ أَوْلَى بِكُمْ أَنْ تَخَافُوا عُقُوبَتَهُ بِتَرْكِكُمْ جِهَادَهُمْ، وَتَحْذَرُوا سَخَطَهُ عَلَيْكُمْ مِنْ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ
١١ ‏/ ٣٦٧
الَّذِينَ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ. ﴿إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [البقرة: ٩١] يَقُولُ: إِنْ كُنْتُمْ مُقِرِّينَ أَنَّ خَشْيَةَ اللَّهِ لَكُمْ أَوْلَى مِنْ خَشْيَةِ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ عَلَى أَنْفُسِكُمْ. وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١١ ‏/ ٣٦٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَوْلُهُ: «﴿أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ﴾ [التوبة: ١٣] مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ ﴿وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ﴾ [التوبة: ١٣] يَقُولُ: هَمُّوا بِإِخْرَاجِهِ فَأَخْرَجُوهُ. ﴿وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ بِالْقِتَالِ»
١١ ‏/ ٣٦٨
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ قَالَ: قِتَالُ قُرَيْشٍ حُلَفَاءَ مُحَمَّدٍ ﷺ». حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، بِنَحْوِهِ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ
١١ ‏/ ٣٦٨
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: «أَمَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ بِجِهَادِ أَهْلِ الشِّرْكِ مِمَّنْ نَقَضَ مِنْ أَهْلِ الْعَهْدِ وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْعَهْدِ ⦗٣٦٩⦘ الْعَامِّ بَعْدَ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ الَّتِي ضَرَبَ لَهُمْ أَجَلًا، إِلَّا أَنْ يَعُودُوا فِيهَا عَلَى دِينِهِمْ فَيُقْبِلَ بَعْدُ. ثُمَّ قَالَ: ﴿أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ﴾ [التوبة: ١٣] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ [التوبة: ١٦]»
١١ ‏/ ٣٦٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ﴾ [التوبة: ١٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَاتِلُوا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَنَقَضُوا عُهُودَهُمْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ، وَأَخْرَجُوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِهِمْ. ﴿يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ﴾ [التوبة: ١٤] يَقُولُ: يَقْتُلُهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ. ﴿وَيُخْزِهِمْ﴾ [التوبة: ١٤] يَقُولُ: وَيُذِلُّهُمْ بِالْأَسْرِ وَالْقَهْرِ. ﴿وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ﴾ [التوبة: ١٤] فَيُعْطِيكُمُ الظَّفَرَ عَلَيْهِمْ وَالْغَلَبَةَ. ﴿وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ﴾ [التوبة: ١٤] يَقُولُ: وَيُبْرِئْ دَاءَ صُدُورِ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ بِقَتْلِ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ بِأَيْدِيكُمْ وَإِذْلَالِكُمْ وَقَهْرِكُمْ إِيَّاهُمْ، وَذَلِكَ الدَّاءُ هُوَ مَا كَانَ فِي قُلُوبِهِمْ عَلَيْهِمْ مِنَ الْمَوْجِدَةِ بِمَا كَانُوا يَنَالُونَهُمْ بِهِ مِنَ الْأَذَى وَالْمَكْرُوهِ. وَقِيلَ: إِنَّ اللَّهَ عَنَى بِقَوْلِهِ: ﴿وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ﴾ [التوبة: ١٤] صُدُورَ خُزَاعَةَ حُلَفَاءَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَذَلِكَ أَنَّ قُرَيْشًا نَقَضُوا الْعَهْدَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِمَعُونَتِهِمْ بِكْرًا عَلَيْهِمْ
١١ ‏/ ٣٦٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، وَابْنُ وَكِيعٍ، قَالَا: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، ⦗٣٧٠⦘ عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي هَذِهِ الْآيَةِ: «﴿وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ﴾ [التوبة: ١٤] قَالَ: خُزَاعَةُ»
١١ ‏/ ٣٦٩
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَنْقَزِيُّ، عَنْ أَسْبَاطٍ، عَنِ السُّدِّيِّ: «﴿وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ﴾ [التوبة: ١٤] قَالَ: خُزَاعَةُ يَشْفِ صُدُورَهُمْ مِنْ بَنِي بَكْرٍ». حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ: ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ مِثْلَهُ
١١ ‏/ ٣٧٠
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: “﴿وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ﴾ [التوبة: ١٤] خُزَاعَةُ حُلَفَاءُ مُحَمَّدٍ ﷺ
١١ ‏/ ٣٧٠
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ﴾ [التوبة: ١٤] قَالَ: حُلَفَاءَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِنْ خُزَاعَةَ». حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ
١١ ‏/ ٣٧٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [التوبة: ١٥]⦗٣٧١⦘ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَيُذْهِبُ وَجْدَ قُلُوبِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ خُزَاعَةَ، عَلَى هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ الَّذِينَ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَغَمَّهَا وَكَرْبَهَا بِمَا فِيهَا مِنَ الْوَجْدِ عَلَيْهِمْ، بِمَعُونَتِهِمْ بَكْرًا
١١ ‏/ ٣٧٠
كَمَا: حَدَّثَنِي ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَنْقَزِيُّ، عَنْ أَسْبَاطٍ، عَنِ السُّدِّيِّ: «﴿وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ﴾ [التوبة: ١٥] حِينَ قَتَلَهُمْ بَنُو بَكْرٍ وَأَعَانَتَهُمْ قُرَيْشٌ». حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ مِثْلَهُ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: وَأَعَانَهُمْ عَلَيْهِمْ قُرَيْشٌ
١١ ‏/ ٣٧١
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ﴾ [التوبة: ١٥] فَإِنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ، وَلِذَلِكَ رُفِعَ وَجُزِمَ الْأَحْرُفُ الثَّلَاثَةُ قَبْلَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْمُجَازَاةِ، كَأَنَّهُ قَالَ: قَاتِلُوهُمْ فَإِنَّكُمْ إِنْ تُقَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ، وَيُخْزِهِمْ، وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ. ثُمَّ ابْتَدَأَ فَقَالَ: ﴿وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ﴾ [التوبة: ١٥] لَأَنَّ الْقِتَالَ غَيْرُ مُوجِبٍ لَهُمُ التَّوْبَةَ مِنَ اللَّهِ، وَهُوَ مُوجِبٌ لَهُمُ الْعَذَابَ مِنَ اللَّهِ وَالْخِزْيَ وَشِفَاءَ صُدُورِ الْمُؤْمِنِينَ وَذَهَابَ غَيْظِ قُلُوبِهِمْ، فَجُزِمَ ذَلِكَ شَرْطًا وَجَزَاءً عَلَى الْقِتَالِ، وَلَمْ يَكُنْ مُوجِبًا الْقِتَالُ التَّوْبَةَ، فَابْتُدِئَ الْحُكْمُ بِهِ وَرُفِعَ. وَمَعْنَى الْكَلَامِ: وَيَمُنُّ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ الْكَافِرِينَ، فَيُقْبِلُ بِهِ إِلَى التَّوْبَةِ بِتَوْفِيقِهِ إِيَّاهُ، وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِسَرَائِرِ عِبَادِهِ وَمَنْ هُوَ لِلتَّوْبَةِ أَهْلٌ فَيَتُوبُ عَلَيْهِ، وَمَنْ مِنْهُمْ غَيْرُ أَهْلٍ لَهَا فَيُخْذِلُهُ، حَكِيمٌ فِي تَصْرِيفِ عِبَادِهِ مِنْ حَالِ كُفْرٍ إِلَى حَالِ
١١ ‏/ ٣٧١
إِيمَانٍ بِتَوْفِيقِ مَنْ وَفَّقَهُ لِذَلِكَ، وَمَنْ حَالِ إِيمَانٍ إِلَى كُفْرٍ بِخُذْلَانِهِ مَنْ خَذَلَ مِنْهُمْ عَنْ طَاعَتِهِ وَتَوْحِيدِهِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَمْرِهِمْ
١١ ‏/ ٣٧٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ [التوبة: ١٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِلْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ أَمَرَهُمْ بِقِتَالِ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ، الَّذِينَ نَقَضُوا عَهْدَهُمُ الَّذِي بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ﴾ [التوبة: ١٤] الْآيَةَ، حَاضًّا عَلَى جِهَادِهِمْ: أَمْ حَسِبْتُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ أَنْ يَتْرُكَكُمُ اللَّهُ بِغَيْرِ مِحْنَةٍ يَمْتَحِنُكُمْ بِهَا وَبِغَيْرِ اخْتِبَارٍ يَخْتَبِرُكُمْ بِهِ، فَيَعْرِفُ الصَّادِقَ مِنْكُمْ فِي دِينِهِ مِنَ الْكَاذِبِ فِيهِ. ﴿وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا﴾ [آل عمران: ١٤٢] يَقُولُ: أَحَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا بِغَيْرِ اخْتِبَارٍ يُعْرَفُ بِهِ أَهْلُ وِلَايَتِهِ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ فِي سَبِيلِهِ، مِنَ الْمُضَيِّعِينَ أَمْرَ اللَّهِ فِي ذَلِكَ الْمُفَرِّطِينَ. ﴿وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ﴾ [التوبة: ١٦] يَقُولُ: وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ، وَالَّذِينَ لَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَا مِنْ دُونِ رَسُولِهِ، وَلَا مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ﴿وَلِيجَةً﴾ [التوبة: ١٦] هُوَ الشَّيْءُ يَدْخُلُ فِي آخَرَ غَيْرِهِ، يُقَالُ مِنْهُ: وَلَجَ فُلَانٌ فِي كَذَا يَلِجُهُ فَهُوَ وَلِيجَةٌ. وَإِنَّمَا عَنَى بِهَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: الْبِطَانَةَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، نَهَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَتَّخِذُوا مِنْ عَدُوِّهِمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ أَوْلِيَاءَ يُفْشُونَ إِلَيْهِمْ أَسْرَارَهُمْ. ﴿وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا
١١ ‏/ ٣٧٢
تَعْمَلُونَ﴾ [آل عمران: ١٥٣] يَقُولُ: وَاللَّهُ ذُو خِبْرَةٍ بِمَا تَعْمَلُونَ مِنَ اتِّخَاذِكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَدُونِ رَسُولِهِ وَالْمُؤْمِنِينَ بِهِ أَوْلِيَاءَ وَبِطَانَةً بَعْدَ مَا قَدْ نَهَاكُمْ عَنْهُ، لَا يَخْفَى ذَلِكَ عَلَيْهِ وَلَا غَيْرُهُ مِنْ أَعْمَالِكُمْ، وَاللَّهُ مُجَازِيكُمْ عَلَى ذَلِكَ إِنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ وَإِنْ شَرًّا فَشَرٌّ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْتُ فِي مَعْنَى الْوَلِيجَةِ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١١ ‏/ ٣٧٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: «﴿وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً﴾ [التوبة: ١٦] يَتَوَلَّجَهَا مِنَ الْوَلَايَةِ لِلْمُشْرِكِينَ»
١١ ‏/ ٣٧٣
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ: «﴿وَلِيجَةً﴾ [التوبة: ١٦] قَالَ: دَخَلًا»
١١ ‏/ ٣٧٣
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا﴾ [التوبة: ١٦] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَلِيجَةً﴾ [التوبة: ١٦] قَالَ: أَبِي أَنْ يَدَعَهُمْ دُونَ التَّمْحِيصِ، وَقَرَأَ: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا﴾ [التوبة: ١٦] الْجَنَّةَ ﴿وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهِدُوا مِنْكُمْ﴾ [آل عمران: ١٤٢] وَقَرَأَ: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ﴾ [آل عمران: ١٤٢] ﴿وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ [البقرة: ٢١٤] الْآيَاتُ كُلُّهَا، أَخْبَرَهُمْ أَنْ لَا يَتْرُكَهُمْ حَتَّى يُمَحِّصَهُمْ وَيَخْتَبِرَهُمْ، وَقَرَأَ ﴿الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ﴾ [العنكبوت: ٢] لَا يُخْتَبَرُونَ ⦗٣٧٤⦘ ﴿وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهُمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ﴾ [العنكبوت: ٣] أَبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُمَحِّصَ»
١١ ‏/ ٣٧٣
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الْحَسَنِ: «﴿وَلِيجَةً﴾ [التوبة: ١٦] قَالَ: هُوَ الْكُفْرُ وَالنِّفَاقُ، أَوْ قَالَ أَحَدَهُمَا» وَقِيلَ: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ﴾ [التوبة: ١٦] وَلَمْ يَقُلْ: أَحَسِبْتُمْ؛ لِأَنَّهُ مِنَ الِاسْتِفْهَامِ الْمُعْتَرَضِ فِي وَسَطِ الْكَلَامِ، فَأُدْخِلَتْ فِيهِ أَمْ لِيُفَرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الِاسْتِفْهَامِ الْمُبْتَدَأَ، وَقَدْ بَيَّنْتُ نَظَائِرَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنَ الْكِتَابِ.
١١ ‏/ ٣٧٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ﴾ [التوبة: ١٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: مَا يَنْبَغِي لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ وَهُمْ شَاهِدُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ. يَقُولُ: إِنَّ الْمَسَاجِدَ إِنَّمَا تُعْمَرُ لِعُبَادَةِ اللَّهِ فِيهَا لَا لِلْكُفْرِ بِهِ، فَمَنْ كَانَ بِاللَّهِ كَافِرًا فَلَيْسَ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَعْمُرَ مَسَاجِدَ اللَّهِ. وَأَمَّا شَهَادَتُهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ، فَإِنَّهَا
١١ ‏/ ٣٧٤
كَمَا: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَوْلُهُ: «﴿مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ﴾ [التوبة: ١٧] يَقُولُ: مَا يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَعْمُرُوهَا» وَأَمَّا ﴿شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ﴾ [التوبة: ١٧] فَإِنَّ النَّصْرَانِيَّ يُسْأَلُ: مَا ⦗٣٧٥⦘ أَنْتَ؟ فَيَقُولُ: نَصْرَانِيُّ، وَالْيَهُودِيُّ، فَيَقُولُ: يَهُودِيُّ، وَالصَّابِئُ، فَيَقُولُ: صَابِئٌ، وَالْمُشْرِكُ يَقُولُ إِذَا سَأَلْتَهُ: مَا دِينُكَ؟ فَيَقُولُ: مُشْرِكٌ، لَمْ يَكُنْ لَيَقُولَهُ أَحَدٌ إِلَّا الْعَرَبَ
١١ ‏/ ٣٧٤
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا عَمْرٌو الْعَنْقَزِيُّ، عَنْ أَسْبَاطٍ، عَنِ السُّدِّيِّ: «﴿مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ﴾ [التوبة: ١٧] قَالَ: يَقُولُ: مَا كَانَ يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَعْمُرُوهَا»
١١ ‏/ ٣٧٥
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، عَنْ أَسْبَاطٍ، عَنِ السُّدِّيِّ: «﴿شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ﴾ [التوبة: ١٧] قَالَ: النَّصْرَانِيُّ يُقَالُ لَهُ: مَا أَنْتَ؟ فَيَقُولُ: نَصْرَانِيُّ، وَالْيَهُودِيُّ يُقَالُ لَهُ: مَا أَنْتَ؟ فَيَقُولُ: يَهُودِيُّ، وَالصَّابِئُ يُقَالُ لَهُ: مَا أَنْتَ؟ فَيَقُولُ: صَابِئٌ»
١١ ‏/ ٣٧٥
وَقَوْلُهُ: ﴿أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ﴾ [التوبة: ١٧] يَقُولُ: بَطَلَتْ وَذَهَبَتْ أُجُورُهَا؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ لِلَّهِ، بَلْ كَانَتْ لِلشَّيْطَانِ. ﴿وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ﴾ [التوبة: ١٧] يَقُولُ: مَاكِثُونَ فِيهَا أَبَدًا، لَا أَحْيَاءً وَلَا أَمْوَاتًا وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ﴾ [التوبة: ١٧] فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْكُوفَةِ: ﴿مَسَاجِدَ اللَّهِ﴾ [البقرة: ١١٤] عَلَى الْجَمْعِ. وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ الْمَكِّيِّينَ وَالْبَصْرِيِّينَ: (مَسْجِدَ اللَّهِ) . عَلَى التَّوْحِيدِ، بِمَعْنَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ. ⦗٣٧٦⦘ وَهُمْ جَمِيعًا مُجْمِعُونَ عَلَى قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿مَسَاجِدَ اللَّهِ﴾ [البقرة: ١١٤] عَلَى الْجَمْعِ؛ لِأَنَّهُ إِذَا قُرِئَ كَذَلِكَ احْتَمَلَ مَعْنَى الْوَاحِدِ وَالْجَمْعِ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ قَدْ تَذْهَبُ بِالْوَاحِدِ إِلَى الْجَمْعِ وَبِالْجَمْعِ إِلَى الْوَاحِدِ، كَقَوْلِهِمْ: عَلَيْهِ ثَوْبٌ أَخْلَاقٍ
١١ ‏/ ٣٧٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ الْمُصَدِّقُ بِوَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ الْمُخْلِصُ لَهُ الْعِبَادَةَ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، يَقُولُ: الَّذِي يُصَدِّقُ بِبَعْثِ اللَّهِ الْمَوْتَى أَحْيَاءً مِنْ قُبُورِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَقَامَ الصَّلَاةَ الْمَكْتُوبَةَ بِحُدُودِهَا، وَأَدَّى الزَّكَاةَ الْوَاجِبَةَ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ إِلَى مَنْ أَوْجَبَهَا اللَّهُ لَهُ. ﴿وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ﴾ [التوبة: ١٨] يَقُولُ: وَلَمْ يَرْهَبْ عُقُوبَةَ شَيْءٍ عَلَى مَعْصِيَتِهِ إِيَّاهُ سِوَى اللَّهِ. ﴿فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ﴾ يَقُولُ: فَخَلِيقٌ بِأُولَئِكَ الَّذِينَ هَذِهِ صِفَتُهُمْ أَنْ يَكُونُوا عِنْدَ اللَّهِ مِمَّنْ قَدْ هَدَاهُ اللَّهُ لِلْحَقِّ وَإِصَابَةِ الصَّوَابِ
١١ ‏/ ٣٧٦
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثنا مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ [التوبة: ١٨] يَقُولُ مَنْ وَحَّدَ اللَّهَ. وَآمَنَ بِالْيَوْمِ الْآخِرِ، يَقُولُ: أَقَرَّ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ. ﴿وَأَقَامَ الصَّلَاةَ﴾ [البقرة: ١٧٧] يَعْنِي الصَّلَوَاتَ الْخَمْسَ. ﴿وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ﴾ [التوبة: ١٨] يَقُولُ: ثُمَّ لَمْ يَعْبُدْ إِلَّا اللَّهَ، قَالَ: ﴿فَعَسَى أُولَئِكَ﴾ [التوبة: ١٨] يَقُولُ: إِنَّ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ، كَقَوْلِهِ لِنَبِيِّهِ: ﴿عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا﴾ [الإسراء: ٧٩] يَقُولُ: إِنَّ ⦗٣٧٧⦘ رَبَّكَ سَيَبْعَثُكَ مَقَامًا مَحْمُودًا. وَهِيَ الشَّفَاعَةُ، وَكُلُّ عَسَى فِي الْقُرْآنِ فَهِيَ وَاجِبَةٌ»
١١ ‏/ ٣٧٦
ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: «ثُمَّ ذَكَرَ قَوْلَ قُرَيْشٍ: إِنَّا أَهْلُ الْحَرَمِ، وَسَقَاةُ الْحَاجِّ، وَعَمَّارُ هَذَا الْبَيْتِ، وَلَا أَحَدَ أَفْضَلُ مِنَّا، فَقَالَ: ﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ [التوبة: ١٨] . أَيْ إِنَّ عِمَارَتَكُمْ لَيْسَتْ عَلَى ذَلِكَ، إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ: أَيْ مَنْ عَمَرَهَا بِحَقِّهَا. ﴿مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ﴾ [التوبة: ١٨] فَأُولَئِكَ عُمَّارُهَا. ﴿فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ﴾ وَعَسَى مِنَ اللَّهِ حَقٌّ»
١١ ‏/ ٣٧٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ [التوبة: ١٩] وَهَذَا تَوْبِيخٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِقَوْمٍ افْتَخَرُوا بِالسِّقَايَةِ وَسِدَانَةِ الْبَيْتِ، فَأَعْلَمَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّ الْفَخْرَ فِي الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْجِهَادِ فِي سَبِيلِهِ لَا فِي الَّذِي افْتَخَرُوا بِهِ مِنَ السِّدَانَةِ وَالسِّقَايَةِ. وَبِذَلِكَ جَاءَتِ الْآثَارُ وَتَأْوِيلُ أَهْلِ التَّأْوِيلِ
١١ ‏/ ٣٧٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ الدِّمَشْقِيُّ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ بْنُ سَلَّامٍ، عَنْ جَدِّهِ أَبِي سَلَّامٍ الْأَسْوَدِ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: «كُنْتُ عِنْدَ مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ رَجُلٌ ⦗٣٧٨⦘ مِنْهُمْ: مَا أُبَالِي أَلَّا أَعْمَلَ عَمَلًا بَعْدَ الْإِسْلَامِ، إِلَّا أَنْ أَسْقِيَ الْحَاجَّ، وَقَالَ آخَرُ: بَلْ عِمَارَةُ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَقَالَ آخَرُ: بَلِ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِمَّا قُلْتُمْ، فَزَجَرَهُمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه، وَقَالَ: لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ عِنْدَ مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَذَلِكَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ وَلَكِنْ إِذَا صَلَّيْتُ الْجُمُعَةَ دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَاسْتَفْتَيْتُهُ فِيمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ، قَالَ: فَفَعَلَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تبارك وتعالى: ﴿أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ﴾ [التوبة: ١٩] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ [التوبة: ١٩]»
١١ ‏/ ٣٧٧
حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ [التوبة: ١٩] قَالَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ حِينَ أُسِرَ يَوْمَ بَدْرٍ: لَئِنْ كُنْتُمْ سَبَقْتُمُونَا بِالْإِسْلَامِ وَالْهِجْرَةِ وَالْجِهَادِ، لَقَدْ كُنَّا نَعْمُرُ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ، وَنَسْقِي الْحَاجَّ، وَنَفُكُّ الْعَانِيَ، قَالَ اللَّهُ: ﴿أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ﴾ [التوبة: ١٩] . إِلَى قَوْلِهِ: ﴿الظَّالِمِينَ﴾ [التوبة: ١٩] يَعْنِي أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي الشِّرْكِ، وَلَا أَقْبَلُ مَا كَانَ فِي الشِّرْكِ»
١١ ‏/ ٣٧٨
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ﴾ [التوبة: ١٩] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿الظَّالِمِينَ﴾ [التوبة: ١٩] وَذَلِكَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ قَالُوا: عُمَارَةُ بَيْتِ اللَّهِ وَقِيَامٌ عَلَى السِّقَايَةِ خَيْرٌ مِمَّنْ آمَنَ وَجَاهَدَ، وَكَانُوا يَفْخَرُونَ بِالْحَرَمِ وَيَسْتَكْبِرُونَ بِهِ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمْ أَهْلُهُ وَعُمَّارُهُ. ⦗٣٧٩⦘ فَذَكَرَ اللَّهُ اسْتِكْبَارَهُمْ وَإِعْرَاضَهُمْ، فَقَالَ لِأَهْلِ الْحَرَمِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ: ﴿قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنْكِصُونَ مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ﴾ [المؤمنون: ٦٧] يَعْنِي أَنَّهُمْ يَسْتَكْبِرُونَ بِالْحَرَمِ، وَقَالَ: بِهِ سَامِرًا لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَسْمُرُونَ وَيَهْجُرُونَ الْقُرْآنَ وَالنَّبِيَّ ﷺ. فَخَيَّرَ الْإِيمَانَ بِاللَّهِ وَالْجِهَادَ مَعَ نَبِيِّ اللَّهِ ﷺ عَلَى عِمْرَانَ الْمُشْرِكِينَ الْبَيْتَ وَقِيَامِهِمْ عَلَى السِّقَايَةِ. وَلَمْ يَكُنْ يَنْفَعُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ مَعَ الشِّرْكِ بِهِ أَنْ كَانُوا يَعْمُرُونَ بَيْتَهُ وَيَخْدِمُونَهُ، قَالَ اللَّهُ: ﴿لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ [التوبة: ١٩] يَعْنِي: الَّذِينَ زَعَمُوا أَنَّهُمْ أَهْلُ الْعِمَارَةِ، فَسَمَّاهُمُ اللَّهُ ظَالِمِينَ بِشِرْكِهِمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْهُمُ الْعِمَارَةُ شَيْئًا»
١١ ‏/ ٣٧٨
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، «أَنَّ رَجُلًا قَالَ: مَا أُبَالِي أَنْ لَا أَعْمَلَ عَمَلًا بَعْدَ الْإِسْلَامِ إِلَّا أَنْ أَسْقِيَ الْحَاجَّ، وَقَالَ آخَرُ: مَا أُبَالِي أَنْ لَا أَعْمَلَ عَمَلًا بَعْدَ الْإِسْلَامِ إِلَّا أَنْ أُعْمِرَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ، وَقَالَ آخَرُ: الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَفْضَلُ مِمَّا قُلْتُمْ. فَزَجَرَهُمْ عُمَرُ وَقَالَ: لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ عِنْدَ مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَذَلِكَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلَكِنْ إِذَا صَلَّى الْجُمُعَةَ دَخَلْنَا عَلَيْهِ. فَنَزَلَتْ: ﴿أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ [التوبة: ١٩] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ﴾ [التوبة: ١٩]»
١١ ‏/ ٣٧٩
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ عَمْرٍو، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: «نَزَلَتْ فِي عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ وَعُثْمَانَ وَشَيْبَةَ، تَكَلَّمُوا فِي ذَلِكَ، فَقَالَ الْعَبَّاسُ: مَا أُرَانِي إِلَّا تَارِكَ سِقَايَتِنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أَقِيمُوا عَلَى سِقَايَتِكُمْ فَإِنَّ لَكُمْ فِيهَا خَيْرًا»
١١ ‏/ ٣٨٠
قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ،. قَالَ: «نَزَلَتْ فِي عَلِيٍّ وَالْعَبَّاسِ، تَكَلَّمَا فِي ذَلِكَ»
١١ ‏/ ٣٨٠
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أُخْبِرْتُ عَنْ أَبِي صَخْرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ كَعْبٍ الْقُرَظِيَّ، يَقُولُ: «افْتَخَرَ طَلْحَةُ بْنُ شَيْبَةَ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ، وَعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ. فَقَالَ طَلْحَةُ: أَنَا صَاحِبُ الْبَيْتِ، مَعِي مُفْتَاحُهُ، لَوْ أَشَاءُ بِتُّ فِيهِ، وَقَالَ عَبَّاسٌ: أَنَا صَاحِبُ السِّقَايَةِ وَالْقَائِمُ عَلَيْهَا، وَلَوْ أَشَاءُ بِتُّ فِي الْمَسْجِدِ، وَقَالَ عَلِيُّ: مَا أَدْرِي مَا تَقُولَانِ، لَقَدْ صَلَّيْتُ إِلَى الْقِبْلَةِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ قَبْلَ النَّاسِ، وَأَنَا صَاحِبُ الْجِهَادِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ [التوبة: ١٩] الْآيَةَ كُلَّهَا»
١١ ‏/ ٣٨٠
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ ﴿أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ﴾ [التوبة: ١٩] قَالَ الْعَبَّاسُ: مَا أُرَانِي إِلَّا تَارِكَ سِقَايَتِنَا، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «أَقِيمُوا عَلَى سِقَايَتِكُمْ فَإِنَّ لَكُمْ فِيهَا خَيْرًا»
١١ ‏/ ٣٨٠
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ ⦗٣٨١⦘ السُّدِّيِّ: «﴿أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ﴾ [التوبة: ١٩] قَالَ: افْتَخَرَ عَلِيٌّ وَعَبَّاسٌ وَشَيْبَةُ بْنُ عُثْمَانَ، فَقَالَ الْعَبَّاسُ: أَنَا أَفْضَلُكُمْ، أَنَا أَسْقِي حُجَّاجَ بَيْتِ اللَّهِ، وَقَالَ شَيْبَةُ: أَنَا أَعْمُرُ مَسْجِدَ اللَّهِ، وَقَالَ عَلِيٌّ: أَنَا هَاجَرْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَأُجَاهِدُ مَعَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [التوبة: ٢٠] إِلَى: ﴿نُعَيْمٍ مُقِيمٍ﴾ [التوبة: ٢١]»
١١ ‏/ ٣٨٠
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: «﴿أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ﴾ [التوبة: ١٩] الْآيَةَ، أَقْبَلَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى الْعَبَّاسِ وَأَصْحَابِهِ الَّذِينَ أُسِرُوا يَوْمَ بَدْرٍ يُعَيِّرُونَهُمْ بِالشِّرْكِ، فَقَالَ الْعَبَّاسُ: أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ كُنَّا نَعْمُرُ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ، وَنَفُكُّ الْعَانِيَ، وَنَحْجِبُ الْبَيْتَ، وَنَسْقِي الْحَاجَّ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ﴾ [التوبة: ١٩] الْآيَةَ» فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ إِذَنْ: أَجَعَلْتُمْ أَيُّهَا الْقَوْمُ سِقَايَةَ الْحَاجِّ، وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَإِيمَانِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، لَا يَسْتَوُونَ هَؤُلَاءِ وَأُولَئِكَ، وَلَا تَعْتَدِلُ أَحْوَالُهُمَا عِنْدَ اللَّهِ وَمَنَازِلُهُمَا؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَقْبَلُ بِغَيْرِ الْإِيمَانِ بِهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ عَمَلًا. ﴿وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ [التوبة: ١٩] يَقُولُ: وَاللَّهُ لَا يُوَفِّقُ لِصَالِحِ الْأَعْمَالِ مَنْ كَانَ بِهِ كَافِرًا وَلِتَوْحِيدِهِ جَاحِدًا. وَوَضَعَ الِاسْمَ مَوْضِعَ الْمَصْدَرِ فِي قَوْلِهِ: ﴿كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ﴾ [التوبة: ١٩] إِذْ كَانَ مَعْلُومًا مَعْنَاهُ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الطويل]

لَعَمْرُكَ مَا الْفِتْيَانُ أَنْ تَنْبُتَ اللِّحَى … وَلَكِنَّمَا الْفِتْيَانُ كُلُّ فَتًى نَدِي

١١ ‏/ ٣٨١
فَجَعَلَ خَبَرَ الْفِتْيَانِ أَنْ وَهُوَ كَمَا يُقَالُ: إِنَّمَا السَّخَاءُ حَاتِمٌ وَالشِّعْرُ زُهَيْرٌ
١١ ‏/ ٣٨٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ﴾ [التوبة: ٢٠] وَهَذَا قَضَاءٌ مِنَ اللَّهِ بَيْنَ فِرَقِ الْمُفْتَخِرِينَ الَّذِينَ افْتَخَرَ أَحَدُهُمْ بِالسِّقَايَةِ، وَالْآخَرُ بِالسِّدَانَةِ، وَالْآخَرُ بِالْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَالْجِهَادِ فِي سَبِيلِهِ. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ: صَدَّقُوا بِتَوْحِيدِهِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وَهَاجَرُوا دُورَ قَوْمِهِمْ، وَجَاهَدُوا الْمُشْرِكِينَ فِي دِينِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ، أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأَرْفَعُ مَنْزِلَةً عِنْدَهُ مِنْ سُقَاةِ الْحَاجِّ وَعُمَّارِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَهُمْ بِاللَّهِ مُشْرِكُونَ. ﴿وَأُولَئِكَ﴾ [البقرة: ٥] يَقُولُ: وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ وَصَفْنَا صِفَتَهُمْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا ﴿هُمُ الْفَائِزُونَ﴾ [التوبة: ٢٠] بِالْجَنَّةِ النَّاجُونَ مِنَ النَّارِ
١١ ‏/ ٣٨٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نُعَيْمٌ مُقِيمٌ﴾ [التوبة: ٢١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: يُبَشِّرُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ لَهُمْ أَنَّهُ قَدْ رَحِمَهُمْ مِنْ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ وَبِرِضْوَانٍ مِنْهُ لَهُمْ، بِأَنَّهُ قَدْ رَضِيَ عَنْهُمْ بِطَاعَتِهِمْ إِيَّاهُ وَأَدَائِهِمْ مَا كَلَّفَهُمْ. ﴿وَجَنَّاتٍ﴾ [آل عمران: ١٣٦] يَقُولُ: وَبَسَاتِينَ لَهُمْ فِيهَا نُعَيْمٌ مُقِيمٌ لَا يَزُولُ وَلَا يَبِيدُ، ثَابِتٌ دَائِمٌ أَبَدًا لَهُمْ
١١ ‏/ ٣٨٢
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ الْمُوسَوِيُّ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ مُحَمَّدِ ⦗٣٨٣⦘ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: «إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ: أُعْطِيكُمْ أَفْضَلَ مِنْ هَذَا، فَيَقُولُونَ: رَبَّنَا أَيُّ شَيْءٍ أَفْضَلُ مِنْ هَذَا؟ قَالَ: رِضْوَانِي»
١١ ‏/ ٣٨٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ [التوبة: ٢٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿خَالِدِينَ فِيهَا﴾ [البقرة: ١٦٢] مَاكِثِينَ فِيهَا، يَعْنِي فِي الْجَنَّاتِ. ﴿أَبَدًا﴾ [البقرة: ٩٥] لَا نِهَايَةَ لِذَلِكَ وَلَا حَدَّ. ﴿إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ [التوبة: ٢٢] يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ لِهَؤُلَاءِ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ نَعَتَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ النَّعْتَ الَّذِي ذَكَرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَجْرٌ: ثَوَابٌ عَلَى طَاعَتِهِمْ لِرَبِّهِمْ وَأَدَائِهِمْ مَا كَلَّفَهُمْ مِنَ الْأَعْمَالِ عَظِيمٌ، وَذَلِكَ النَّعِيمُ الَّذِي وَعَدَهُمْ أَنْ يُعْطِيَهُمْ فِي الْآخِرَةِ
١١ ‏/ ٣٨٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [التوبة: ٢٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِلْمُؤْمِنِينَ بِهِ وَبِرَسُولِهِ: لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ بِطَانَةً وَأَصْدِقَاءَ تُفْشُونَ إِلَيْهِمْ أَسْرَارَكُمْ وَتُطْلِعُونَهُمْ عَلَى عَوْرَةِ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ، وَتُؤْثِرُونَ الْمُكْثَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ عَلَى الْهِجْرَةِ إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ. ﴿إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ﴾ [التوبة: ٢٣] يَقُولُ: إِنِ اخْتَارُوا الْكُفْرَ بِاللَّهِ عَلَى التَّصْدِيقِ بِهِ وَالْإِقْرَارِ بِتَوْحِيدِهِ. ﴿وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ﴾ [المائدة: ٥١] يَقُولُ: وَمَنْ يَتَّخِذَهُمْ مِنْكُمْ بِطَانَةً مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ، وَيُؤْثِرُ الْمُقَامَ مَعَهُمْ عَلَى الْهِجْرَةِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ وَدَارِ الْإِسْلَامِ ﴿فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [البقرة: ٢٢٩] يَقُولُ: فَالَّذِينَ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ مِنْكُمْ هُمُ الَّذِينَ خَالَفُوا أَمْرَ اللَّهِ، فَوَضَعُوا الْوَلَايَةَ فِي غَيْرِ
١١ ‏/ ٣٨٣
مَوْضِعَهَا وَعَصَوُا اللَّهَ فِي أَمْرِهِ. وَقِيلَ: إِنَّ ذَلِكَ نَزَلَ نَهْيًا مِنَ اللَّهِ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ مُوَالَاةِ أَقْرِبَائِهِمُ الَّذِينَ لَمْ يُهَاجِرُوا مِنْ أَرْضِ الشِّرْكِ إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ
١١ ‏/ ٣٨٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ [التوبة: ١٩] قَالَ: أُمِرُوا بِالْهِجْرَةِ، فَقَالَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ: أَنَا أَسْقِي الْحَاجَّ، وَقَالَ طَلْحَةُ أَخُو بَنِي عَبْدِ الدَّارِ: أَنَا صَاحِبُ الْكَعْبَةِ فَلَا نُهَاجِرُ، فَأُنْزِلَتْ: ﴿لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ﴾ [التوبة: ٢٣] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ﴾ [البقرة: ١٠٩] بِالْفَتْحِ، فِي أَمْرِهِ إِيَّاهُمْ بِالْهِجْرَةِ، هَذَا كُلُّهُ قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ»
١١ ‏/ ٣٨٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ [التوبة: ٢٤] يَقُولُ تبارك وتعالى لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِلْمُتَخَلِّفِينَ عَنِ الْهِجْرَةِ إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ الْمُقِيمِينَ بِدَارِ الشِّرْكِ: إِنْ كَانَ الْمُقَامُ مَعَ آبَائِكُمْ وَأَبْنَائِكُمْ وَإِخْوَانِكُمْ وَأَزْوَاجِكُمْ وَعَشِيرَتِكُمْ. وَكَانَتْ ﴿أَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا﴾ [التوبة: ٢٤] يَقُولُ: اكْتَسَبْتُمُوهَا. ﴿وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا﴾ [التوبة: ٢٤] بِفِرَاقِكُمْ بَلَدَكُمْ. ﴿وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا﴾ [التوبة: ٢٤] فَسَكَنْتُمُوهَا. ﴿أَحَبَّ إِلَيْكُمْ﴾ [التوبة: ٢٤] مِنَ الْهِجْرَةِ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ مِنْ دَارِ الشِّرْكِ
١١ ‏/ ٣٨٤
وَمِنْ جِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ، يَعْنِي فِي نُصْرَةِ دِينِ اللَّهِ الَّذِي ارْتَضَاهُ. ﴿فَتَربَّصُوا﴾ [التوبة: ٢٤] يَقُولُ: فَتَنَظَّرُوا. ﴿حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ﴾ [البقرة: ١٠٩] حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِفَتْحِ مَكَّةَ. ﴿وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ [المائدة: ١٠٨] يَقُولُ: وَاللَّهُ لَا يُوَفِّقُ لِلْخَيْرِ الْخَارِجِينَ عَنْ طَاعَتِهِ وَفِي مَعْصِيَتِهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١١ ‏/ ٣٨٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ﴾ [البقرة: ١٠٩] بِالْفَتْحِ»
١١ ‏/ ٣٨٥
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ﴾ [التوبة: ٢٤] فَتْحِ مَكَّةَ»
١١ ‏/ ٣٨٥
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: «﴿وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا﴾ [التوبة: ٢٤] يَقُولُ: تَخْشَوْنَ أَنْ تَكْسَدَ فَتَبِيعُوهَا. ﴿وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا﴾ [التوبة: ٢٤] قَالَ: هِيَ الْقُصُورُ وَالْمَنَازِلُ»
١١ ‏/ ٣٨٥
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: «﴿وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا﴾ [التوبة: ٢٤] يَقُولُ: أَصَبْتُمُوهَا»
١١ ‏/ ٣٨٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمَّ مُدْبِرِينَ﴾ [التوبة: ٢٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ فِي أَمَاكِنَ حَرْبٍ تُوَطِّنُونَ فِيهَا أَنْفُسَكُمْ عَلَى لِقَاءِ عَدُوِّكُمْ وَمَشَاهِدَ تَلْتَقُونَ فِيهَا أَنْتُمْ وَهُمْ كَثِيرَةٍ. ﴿وَيَوْمَ حُنَيْنٍ﴾ [التوبة: ٢٥] يَقُولُ: وَفِي يَوْمِ حُنَيْنٍ أَيْضًا قَدْ نَصَرَكُمْ. وَحُنَيْنٌ: وَادٍ فِيمَا ذُكِرَ بَيْنَ مَكَّةَ وَالطَّائِفِ، وَأُجْرِيَ لِأَنَّهُ مُذَكَّرٌ اسْمَ الْمُذَكَّرِ، وَقَدْ يُتْرَكُ إِجْرَاؤُهُ وَيُرَادُ بِهِ أَنْ يُجْعَلَ اسْمًا لِلْبَلْدَةِ الَّتِي هُوَ بِهَا، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
[البحر الكامل] نَصَرُوا نَبِيَّهُمُ وَشَدُّوا أَزْرَهُ … بِحُنَيْنَ يَوْمَ تَوَاكُلِ الْأَبْطَالِ
١١ ‏/ ٣٨٦
حَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثنا أَبَانُ الْعَطَّارُ، قَالَ: ثنا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: «حُنَيْنٌ: وَادٍ إِلَى جَنْبِ ذِي الْمَجَازِ» ﴿إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ﴾ [التوبة: ٢٥] وَكَانُوا ذَلِكَ الْيَوْمَ فِيمَا ذُكِرَ لَنَا اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا. وَرُوِي أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ ذَلِكَ الْيَوْمَ: «لَنْ نُغْلَبَ مِنْ قِلَّةٍ» وَقِيلَ: قَالَ ذَلِكَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَهُوَ قَوْلُ اللَّهِ: ﴿إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ ⦗٣٨٧⦘ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا﴾ [التوبة: ٢٥] يَقُولُ: فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ كَثْرَتُكُمْ شَيْئًا. ﴿وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ﴾ [التوبة: ٢٥] يَقُولُ: وَضَاقَتِ الْأَرْضُ بِسِعَتِهَا عَلَيْكُمْ. وَالْبَاءُ هَاهُنَا فِي مَعْنَى فِي وَمَعْنَاهُ: وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ فِي رَحَبِهَا وَبِرَحَبِهَا، يُقَالُ مِنْهُ: مَكَانٌ رَحِيبٌ: أَيْ وَاسِعٌ، وَإِنَّمَا سُمِّيَتِ الرِّحَابُ رِحَابًا لِسِعَتِهَا. ﴿ثُمَّ وَلَّيْتُمَّ مُدْبِرِينَ﴾ [التوبة: ٢٥] عَنْ عَدُوِّكُمْ مُنْهَزِمِينَ مُدْبِرِينَ، يَقُولُ: وَلَّيْتُمُوهُمُ الْأَدْبَارَ، وَذَلِكَ الْهَزِيمَةُ. يُخْبِرُهُمْ تبارك وتعالى أَنَّ النَّصْرَ بِيَدِهِ وَمِنْ عِنْدِهِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ بِكَثْرَةِ الْعَدَدِ وَشِدَّةِ الْبَطْشِ، وَأَنَّهُ يَنْصُرُ الْقَلِيلَ عَلَى الْكَثِيرِ إِذَا شَاءَ وَيُخَلِّي الْقَلِيلَ فَيَهْزِمُ الْكَثِيرُ. وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١١ ‏/ ٣٨٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ﴾ [التوبة: ٢٥] حَتَّى بَلَغَ: ﴿وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ﴾ [التوبة: ٢٦] قَالَ: وَحُنَيْنٌ مَاءٌ بَيْنَ مَكَّةَ وَالطَّائِفِ قَاتَلَ عَلَيْهَا نَبِيُّ اللَّهِ هَوَازِنَ وَثَقِيفًا، وَعَلَى هَوَازِنَ مَالِكُ بْنُ عَوْفٍ أَخُو بَنِي نَصْرٍ، وَعَلَى ثَقِيفٍ عَبْدُ يَالِيلَ بْنُ عَمْرٍو الثَّقَفِيُّ. قَالَ: وَذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ خَرَجَ يَوْمَئِذٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا، عَشَرَةُ آلَافٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَأَلْفَانِ مِنَ الطُّلَقَاءِ، وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ رَجُلًا قَالَ
١١ ‏/ ٣٨٧
يَوْمَئِذٍ لَنْ نُغْلَبَ الْيَوْمَ بِكَثْرَةٍ، قَالَ: وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ الطُّلَقَاءَ انْجَفَلُوا يَوْمَئِذٍ بِالنَّاسِ، وَجَلَوْا عَنْ نَبِيِّ اللَّهِ ﷺ حَتَّى نَزَلَ عَنْ بَغْلَتِهِ الشَّهْبَاءِ. وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ قَالَ: «أَيْ رَبِّ آتِنِي مَا وَعَدْتَنِي» قَالَ: وَالْعَبَّاسُ آخِذٌ بِلِجَامِ بَغْلَةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ: «نَادِ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ وَيَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ» فَجَعَلَ يُنَادِي الْأَنْصَارَ فَخْذًا فَخْذًا، ثُمَّ نَادَى: يَا أَصْحَابَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، قَالَ: فَجَاءَ النَّاسُ عُنُقًا وَاحِدًا. فَالْتَفَتَ نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ، وَإِذَا عِصَابَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ: «هَلْ مَعَكُمْ غَيْرُكُمْ؟» فَقَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، وَاللَّهِ لَوْ عَمَدْتَ إِلَى بِرَكِ الْغِمَادِ مِنْ ذِي يَمَنٍ لَكُنَّا مَعَكَ، ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ نَصْرَهُ، وَهَزَمَ عَدُوَّهُمْ، وَتَرَاجَعَ الْمُسْلِمُونَ. قَالَ: وَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ كَفًّا مِنْ تُرَابٍ، أَوْ قَبْضَةً مِنْ حَصْبَاءَ، فَرَمَى بِهَا وُجُوهَ الْكُفَّارِ، وَقَالَ: شَاهَتِ الْوُجُوهُ، فَانْهَزَمُوا. فَلَمَّا جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الْغَنَائِمَ، وَأَتَى الْجِعْرَانَةَ، فَقَسَمَ بِهَا مَغَانِمَ حُنَيْنٍ، وَتَأَلَّفَ أُنَاسًا مِنَ النَّاسِ فِيهِمْ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ وَالْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ وَسُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو وَالْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ، فَقَالَتِ الْأَنْصَارُ: حَنَّ الرَّجُلُ إِلَى قَوْمِهِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وَهُوَ فِي قُبَّةٍ لَهُ مِنْ أَدَمٍ، فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ، مَا هَذَا الَّذِي بَلَغَنِي؟ أَلَمْ تَكُونُوا ضُلَّالًا فَهَدَاكُمُ اللَّهُ، وَكُنْتُمْ أَذِلَّةً فَأَعَزَّكُمُ اللَّهُ وَكُنْتُمْ وَكُنْتُمْ» قَالَ: فَقَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ رحمه الله: ائْذَنْ لِي فَأَتَكَلَّمَ، قَالَ: «تَكَلَّمْ» قَالَ: أَمَّا قَوْلُكَ: كُنْتُمْ ضُلَّالًا فَهَدَاكُمُ اللَّهُ، فَكُنَّا كَذَلِكَ،
١١ ‏/ ٣٨٨
وَكُنْتُمْ أَذِلَّةً فَأَعَزَّكُمُ اللَّهُ، فَقَدْ عَلِمَتِ الْعَرَبُ مَا كَانَ حَيٌّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ أَمْنَعَ لِمَا وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ مِنَّا، فَقَالَ الرَّسُولُ: «يَا سَعْدُ أَتَدْرِي مَنْ تُكَلِّمُ؟» فَقَالَ: نَعَمْ أُكَلِّمُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ سَلَكَتِ الْأَنْصَارُ وَادِيًا وَالنَّاسُ وَادِيًا لَسَلَكْتُ وَادِيَ الْأَنْصَارِ، وَلَوْلَا الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنَ الْأَنْصَارِ» . وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ كَانَ يَقُولُ: «الْأَنْصَارُ كَرِشِي وَعَيْبَتِي، فَاقْبَلُوا مِنْ مُحْسِنِهِمْ وَتَجَاوَزُوا عَنْ مُسِيئِهِمْ» . ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ أَمَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَنْقَلِبَ النَّاسُ بِالْإِبِلِ وَالشَّاءِ، وَتَنْقَلِبُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ إِلَى بُيُوتِكُمْ؟» فَقَالَتِ الْأَنْصَارُ: رَضِينَا عَنِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَاللَّهِ مَا قُلْنَا ذَلِكَ إِلَّا حِرْصًا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُصَدِّقَانِكُمْ وَيَعْذِرَانِكُمْ»
١١ ‏/ ٣٨٩
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ أُمَّ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ الَّتِي أَرْضَعَتْهُ أَوْ ظِئْرُهُ مِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ أَتَتْهُ فَسَأَلْتُهُ سَبَايَا يَوْمِ حُنَيْنٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنِّي لَا أَمْلِكُهُمْ وَإِنَّمَا لِي مِنْهُمْ نَصِيبِي، وَلَكِنِ ائْتِينِي غَدًا فَسَلِينِي وَالنَّاسُ عِنْدِي، فَإِنِّي إِذَا أَعْطَيْتُكِ نَصِيبِي أَعْطَاكِ النَّاسُ» فَجَاءَتِ الْغَدَ فَبَسَطَ لَهَا ثَوْبًا، فَقَعَدَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ سَأَلْتُهُ، فَأَعْطَاهَا نَصِيبَهُ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ النَّاسُ أَعْطَوْهَا أَنْصِبَاءَهُمْ “
١١ ‏/ ٣٨٩
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ﴾ [التوبة: ٢٥] الْآيَةَ: إِنَّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ ⦗٣٩٠⦘ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ حُنَيْنٍ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَنْ نُغْلَبَ الْيَوْمَ مِنْ قِلَّةٍ، وَأَعْجَبَتْهُ كَثْرَةُ النَّاسِ، وَكَانُوا اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا. فَسَارَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَوُكِّلُوا إِلَى كَلِمَةِ الرَّجُلِ، فَانْهَزَمُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، غَيْرَ الْعَبَّاسِ وَأَبِي سُفْيَانَ بْنِ الْحَارِثِ وَأَيْمَنَ ابْنِ أُمِّ أَيْمَنَ، قُتِلَ يَوْمَئِذٍ بَيْنَ يَدَيْهِ. فَنَادَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «أَيْنَ الْأَنْصَارُ؟ أَيْنَ الَّذِينَ بَايَعُوا تَحْتَ الشَّجَرَةِ؟» فَتَرَاجَعَ النَّاسُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ الْمَلَائِكَةَ بِالنَّصْرِ، فَهَزَمُوا الْمُشْرِكِينَ يَوْمَئِذٍ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا﴾ [التوبة: ٢٦] الْآيَةَ
١١ ‏/ ٣٨٩
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ حُنَيْنٍ الْتَقَى الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ، فَوَلَّى الْمُسْلِمُونَ يَوْمَئِذٍ، قَالَ: فَلَقَدْ رَأَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ وَمَا مَعَهُ أَحَدٌ إِلَّا أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، آخِذًا بِغَرْزِ النَّبِيِّ ﷺ، لَا يَأْلُو مَا أَسْرَعَ نَحْوَ الْمُشْرِكِينَ. قَالَ: فَأَتَيْتُ حَتَّى أَخَذْتُ بِلِجَامِهِ وَهُوَ عَلَى بَغْلَةٍ لَهُ شَهْبَاءَ، فَقَالَ: «يَا عَبَّاسُ نَادِ أَصْحَابَ السَّمُرَةِ» وَكُنْتُ رَجُلًا صَيِّتًا، فَأَذَّنْتُ بِصَوْتِي الْأَعْلَى: أَيْنَ أَصْحَابُ السَّمُرَةِ؟ فَالْتَفَتُوا كَأَنَّهَا الْإِبِلُ إِذَا حَنَّتْ إِلَى أَوْلَادِهَا، يَقُولُونَ: يَا لَبَّيْكَ يَا لَبَّيْكَ يَا لَبَّيْكَ، وَأَقْبَلَ الْمُشْرِكُونَ فَالْتَقَوْا هُمْ وَالْمُسْلِمُونَ، وَتَنَادَتِ الْأَنْصَارُ: يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ، ثُمَّ قَصُرَتِ الدَّعْوَةُ فِي بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، فَتَنَادَوْا: يَا بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، فَنَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَهُوَ عَلَى بَغْلَتِهِ كَالْمُتَطَاوِلِ إِلَى قِتَالِهِمْ، فَقَالَ: «هَذَا حِينَ حَمِيَ الْوَطِيسُ» . ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِهِ مِنَ ⦗٣٩١⦘ الْحَصْبَاءِ فَرَمَاهُمْ بِهَا، ثُمَّ قَالَ: «انْهَزِمُوا وَرَبِّ الْكَعْبَةِ، انْهَزِمُوا وَرَبِّ الْكَعْبَةِ» قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا زَالَ أَمْرُهُمْ مُدْبِرًا وَحَدُّهُمْ كَلِيلًا حَتَّى هَزَمَهُمُ اللَّهُ. قَالَ: فَلَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَرْكُضُ خَلْفَهُمْ عَلَى بَغْلَتِهِ
١١ ‏/ ٣٩٠
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، أَنَّهُمْ أَصَابُوا يَوْمَئِذٍ سِتَّةَ آلَافِ سَبْيٍ، ثُمَّ جَاءَ قَوْمُهُمْ مُسْلِمِينَ بَعْدَ ذَلِكَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنْتَ خَيْرُ النَّاسِ، وَأَبَرُّ النَّاسِ، وَقَدْ أَخَذْتَ أَبْنَاءَنَا وَنِسَاءَنَا وَأَمْوَالَنَا. فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «إِنَّ عِنْدِي مَنْ تَرَوْنَ، وَإِنَّ خَيْرَ الْقَوْلِ أَصْدَقُهُ، اخْتَارُوا إِمَّا ذَرَارِيَّكُمْ وَنِسَاءَكُمْ وَإِمَّا أَمْوَالَكُمْ» قَالُوا: مَا كُنَّا نَعْدِلُ بِالْأَحْسَابِ شَيْئًا. فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ: «إِنَّ هَؤُلَاءِ قَدْ جَاءُونِي مُسْلِمِينَ، وَإِنَّا خَيَّرْنَاهُمْ بَيْنَ الذَّرَارِيِّ وَالْأَمْوَالِ فَلَمْ يَعْدِلُوا بِالْأَحْسَابِ شَيْئًا، فَمَنْ كَانَ بِيَدِهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ فَطَابَتْ نَفْسُهُ أَنْ يَرُدَّهُ فَلْيَفْعَلْ ذَلِكَ، وَمَنْ لَا فَلْيُعْطِنَا، وَلْيَكُنْ قَرْضًا عَلَيْنَا حَتَّى نُصِيبَ شَيْئًا فَنُعْطِيَهُ مَكَانَهُ» فَقَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ رَضِينَا وَسَلَّمْنَا. فَقَالَ: «إِنِّي لَا أَدْرِي، لَعَلَّ مِنْكُمْ مَنْ لَا يَرْضَى، فَمُرُوا عُرَفَاءَكُمْ فَلْيَرْفَعُوا ذَلِكَ إِلَيْنَا» فَرَفَعَتْ إِلَيْهِ الْعُرَفَاءُ أَنْ قَدْ رَضُوا وَسَلَّمُوا
١١ ‏/ ٣٩١
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: ثنا مُؤَمَّلٌ، قَالَ: ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: ثنا يَعْلَى بْنُ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِي هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، يَعْنِي الْفِهْرِيَّ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ ⦗٣٩٢⦘ النَّبِيِّ ﷺ فِي غَزْوَةِ حُنَيْنٍ، فَلَمَّا رَكَدَتِ الشَّمْسُ لَبِسْتُ لَأْمَتِي وَرَكِبْتُ فَرَسِي، حَتَّى أَتَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ وَهُوَ فِي ظِلِّ شَجَرَةٍ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ حَانَ الرَّوَاحُ، فَقَالَ: «أَجَلْ» فَنَادَى: «يَا بِلَالُ يَا بِلَالُ» فَقَامَ بِلَالٌ مِنْ تَحْتِ سَمُرَةٍ، فَأَقْبَلَ كَأَنَّ ظِلَّهُ ظِلُّ طَيْرٍ، فَقَالَ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَنَفْسِي فِدَاؤُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ: «أَسْرِجْ فَرَسِي» فَأَخْرَجَ سَرْجًا دَفَّتَاهُ حَشْوُهُمَا لِيفٌ، لَيْسَ فِيهِمَا أَشَرٌ وَلَا بَطَرٌ. قَالَ: فَرَكِبَ النَّبِيُّ ﷺ، فَصَافَفْنَاهُمْ يَوْمَنَا وَلَيْلَتَنَا، فَلَمَّا الْتَقَى الْخِيلَانِ وَلَّى الْمُسْلِمُونَ مُدْبِرِينَ، كَمَا قَالَ اللَّهُ، فَنَادَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «يَا عِبَادَ اللَّهِ، يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ» قَالَ: وَمَالَ النَّبِيُّ ﷺ عَنْ فَرَسِهِ، فَأَخَذَ حَفْنَةً مِنْ تُرَابٍ فَرَمَى بِهَا وُجُوهَهُمْ، فَوَلَّوْا مُدْبِرِينَ. قَالَ يَعْلَى بْنُ عَطَاءٍ: فَحَدَّثَنِي أَبْنَاؤُهُمْ عَنْ آبَائِهِمْ أَنَّهُمْ قَالُوا: مَا بَقِيَ مِنَّا أَحَدٌ إِلَّا وَقَدِ امْتَلَأَتْ عَيْنَاهُ مِنْ ذَلِكَ التُّرَابِ
١١ ‏/ ٣٩١
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ، وَسَأَلَهُ رَجُلٌ مِنْ قَيْسٍ: فَرَرْتُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ حُنَيْنٍ؟ فَقَالَ الْبَرَاءُ: «لَكِنْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لَمْ يَفِرَّ، وَكَانَتْ هَوَازِنُ يَوْمَئِذٍ رُمَاةً، وَإِنَّا لَمَّا حَمَلْنَا عَلَيْهِمُ انْكَشَفُوا فَأَكْبَبْنَا عَلَى الْغَنَائِمِ فَاسْتَقْبَلُونَا بِالسِّهَامِ، وَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَلَى بَغْلَتِهِ الْبَيْضَاءِ وَإِنَّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ الْحَارِثِ آخِذٌ بِلِجَامِهَا، وَهُوَ ⦗٣٩٣⦘ يَقُولُ» أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ “
١١ ‏/ ٣٩٢
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ، قَالَ: سَأَلَهُ رَجُلٌ: يَا أَبَا عُمَارَةَ، وَلَّيْتُمَّ يَوْمَ حُنَيْنٍ؟ فَقَالَ الْبَرَاءُ وَأَنَا أَسْمَعُ: أَشْهَدُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ لَمْ يُوَلِّ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ، وَأَبُو سُفْيَانَ يَقُودُ بَغْلَتَهُ، فَلَمَّا غَشِيَهُ الْمُشْرِكُونَ نَزَلَ فَجَعَلَ يَقُولُ: «أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ» فَمَا رُئِيَ يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ كَانَ أَشَدَّ مِنْهُ
١١ ‏/ ٣٩٣
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ عَوْفٍ الْأَعْرَابِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَوْلَى أُمِّ بُرْثُنٍ، قَالَ: ثني رَجُلٌ كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ حُنَيْنٍ، قَالَ: «لَمَّا الْتَقَيْنَا نَحْنُ وَأَصْحَابُ مُحَمَّدٍ عليه الصلاة والسلام لَمْ يَقِفُوا لَنَا حَلْبَ شَاةٍ أَنْ كَشَفْنَاهُمْ. فَبَيْنَا نَحْنُ نَسُوقُهُمْ، إِذِ انْتَهَيْنَا إِلَى صَاحِبِ الْبَغْلَةِ الشَّهْبَاءِ، فَتَلَقَّانَا رِجَالٌ بِيضٌ حِسَانُ الْوُجُوهِ، فَقَالُوا لَنَا: شَاهَتِ الْوُجُوهُ ارْجِعُوا، فَرَجَعْنَا، وَرَكِبْنَا الْقَوْمَ فَكَانَتْ إِيَّاهَا»
١١ ‏/ ٣٩٣
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ يَعْقُوبَ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدٍ، قَالَ: «⦗٣٩٤⦘ أَمَدَّ اللَّهُ نَبِيَّهُ ﷺ يَوْمَ حُنَيْنٍ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ قَالَ: وَيَوْمَئِذٍ سَمَّى اللَّهُ الْأَنْصَارَ مُؤْمِنِينَ. قَالَ: ﴿أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا﴾ [التوبة: ٢٦]»
١١ ‏/ ٣٩٣
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا﴾ [التوبة: ٢٥] قَالَ: كَانُوا اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا»
١١ ‏/ ٣٩٤
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الْآدَمَيُّ، قَالَ: ثنا مَعْنُ بْنُ عِيسَى، عَنْ سَعِيدِ بْنِ السَّائِبِ الطَّائِفِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: لَمَّا كَانَتِ انْكِشَافَةُ الْمُسْلِمِينَ حِينَ انْكَشَفُوا يَوْمَ حُنَيْنٍ، ضَرَبَ النَّبِيُّ ﷺ يَدَهُ إِلَى الْأَرْضِ، فَأَخَذَ مِنْهَا قَبْضَةً مِنْ تُرَابٍ، فَأَقْبَلَ بِهَا عَلَى الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ يَتَّبِعُونَ الْمُسْلِمِينَ، فَحَثَاهَا فِي وُجُوهِمْ وَقَالَ: «ارْجِعُوا شَاهَتِ الْوُجُوهُ» قَالَ: فَانْصَرَفْنَا مَا يَلْقَى أَحَدٌ أَحَدًا إِلَّا وَهُوَ يَمْسَحُ الْقَذَى عَنْ عَيْنَيْهِ
١١ ‏/ ٣٩٤
وَبِهِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَامِرٍ السُّوَائِيِّ، قَالَ: قِيلَ لَهُ: يَا أَبَا حَاجِزٍ، الرُّعْبُ الَّذِي أَلْقَى اللَّهُ فِي قُلُوبِ الْمُشْرِكِينَ مَاذَا وَجَدْتُمْ؟ قَالَ: «وَكَانَ أَبُو حَاجِزٍ مَعَ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ حُنَيْنٍ، فَكَانَ يَأْخُذُ الْحَصَاةَ فَيَرْمِي بِهَا فِي الطَّسْتِ فَيَطِنُّ، ثُمَّ يَقُولُ: كَانَ فِي ⦗٣٩٥⦘ أَجْوَافِنَا مِثْلُ هَذَا»
١١ ‏/ ٣٩٤
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ، قَالَ: ثني الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ عَوْفٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ مَوْلَى أُمِّ بُرْثُنٍ أَوْ أُمِّ مَرْيَمَ، قَالَ: ثني رَجُلٌ كَانَ فِي الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ حُنَيْنٍ، قَالَ: «لَمَّا الْتَقَيْنَا نَحْنُ وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ حُنَيْنٍ، لَمْ يَقُومُوا لَنَا حَلْبَ شَاةٍ، قَالَ: فَلَمَّا كَشَفْنَاهُمْ جَعَلْنَا نَسُوقُهُمْ فِي أَدْبَارِهِمْ، حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى صَاحِبِ الْبَغْلَةِ الْبَيْضَاءِ، فَإِذَا هُوَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ. قَالَ: فَتَلَقَّانَا عِنْدَهُ رِجَالٌ بِيضٌ حِسَانُ الْوُجُوهِ، فَقَالُوا لَنَا: شَاهَتِ الْوُجُوهُ ارْجِعُوا، قَالَ: فَانْهَزَمْنَا وَرَكِبُوا أَكْتَافَنَا، فَكَانَتْ إِيَّاهَا»
١١ ‏/ ٣٩٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَعذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ﴾ [التوبة: ٢٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ثُمَّ مِنْ بَعْدِ مَا ضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَتَوْلِيَتِكُمُ الْأَعْدَاءَ أَدْبَارَكُمْ، كَشَفَ اللَّهُ نَازِلَ الْبَلَاءِ عَنْكُمْ، بِإِنْزَالِهِ السَّكِينَةَ وَهِيَ الْأَمَنَةُ وَالطُّمَأْنِينَةُ عَلَيْكُمْ. وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهَا فَعِيلَةٌ مِنَ السُّكُونِ فِيمَا مَضَى مِنْ كِتَابِنَا هَذَا قَبْلُ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ. ﴿وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا﴾ [التوبة: ٢٦] وَهِيَ الْمَلَائِكَةُ الَّتِي ذُكِرَتْ فِي الْأَخْبَارِ الَّتِي قَدْ مَضَى ذِكْرُهَا. ﴿وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [التوبة: ٢٦] يَقُولُ: وَعَذَّبَ اللَّهُ الَّذِينَ جَحَدُوا
١١ ‏/ ٣٩٥
وَحْدَانِيَّتَهُ وَرِسَالَةَ رَسُولِهِ مُحَمَّدٍ ﷺ بِالْقَتْلِ وَسَبْيِ الْأَهْلِينَ وَالذَّرَارِيِّ وَسَلْبِ الْأَمْوَالِ وَالذِّلَّةِ. ﴿وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ﴾ [التوبة: ٢٦] يَقُولُ: هَذَا الَّذِي فَعَلْنَا بِهِمْ مِنَ الْقَتْلِ وَالسَّبْيِ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ، يَقُولُ: هُوَ ثَوَابُ أَهْلِ جُحُودِ وَحْدَانِيَّتِهِ وَرِسَالَةِ رَسُولِهِ
١١ ‏/ ٣٩٦
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: «﴿وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [التوبة: ٢٦] يَقُولُ: قَتَلَهُمْ بِالسَّيْفِ»
١١ ‏/ ٣٩٦
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبُو دَاوُدَ الْحَفَرِيُّ، عَنْ يَعْقُوبَ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدٍ: «﴿وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [التوبة: ٢٦] قَالَ: بِالْهَزِيمَةِ وَالْقَتْلِ»
١١ ‏/ ٣٩٦
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ﴾ [التوبة: ٢٦] قَالَ: مَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ»
١١ ‏/ ٣٩٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [التوبة: ٢٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ثُمَّ يَتَفَضَّلُ اللَّهُ بِتَوْفِيقِهِ لِلتَّوْبَةِ وَالْإِنَابَةِ إِلَيْهِ مِنْ بَعْدِ عَذَابِهِ الَّذِي بِهِ عذَّبَ مَنْ هَلَكَ مِنْهُمْ قَتْلًا بِالسَّيْفِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ، أَيْ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنَ الْأَحْيَاءِ يُقْبِلُ بِهِ إِلَى طَاعَتِهِ. ﴿وَاللَّهُ غَفُورٌ﴾ [البقرة: ٢١٨] لِذُنُوبِ مَنْ أَنَابَ ⦗٣٩٧⦘ وَتَابَ إِلَيْهِ مِنْهُمْ وَمِنْ غَيْرِهِمْ مِنْهَا. ﴿رَحِيمٌ﴾ [البقرة: ١٤٣] بِهِمْ فَلَا يُعَذِّبُهُمْ بَعْدَ تَوْبَتِهِمْ، وَلَا يُؤَاخِذُهُمْ بِهَا بَعْدَ إِنَابَتِهِمْ
١١ ‏/ ٣٩٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَاءَ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [التوبة: ٢٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِلْمُؤْمِنِينَ بِهِ وَبِرَسُولِهِ وَأَقَرُّوا بِوَحْدَانِيَّتِهِ: مَا الْمُشْرِكُونَ إِلَّا نَجَسٌ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى النَّجَسِ وَمَا السَّبَبُ الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ سَمَّاهُمْ بِذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: سَمَّاهُمْ بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ يُجْنِبُونَ فَلَا يَغْتَسِلُونَ، فَقَالَ: هُمْ نَجَسٌ، وَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ؛ لِأَنَّ الْجُنُبَ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ.
١١ ‏/ ٣٩٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ﴾ [التوبة: ٢٨] لَا أَعْلَمُ قَتَادَةَ إِلَّا قَالَ: النَّجَسُ: الْجَنَابَةُ»
١١ ‏/ ٣٩٧
وَبِهِ عَنْ مَعْمَرٍ، قَالَ: وَبَلَغَنِي أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَقِيَ حُذَيْفَةَ وَأَخَذَ النَّبِيُّ ﷺ بِيَدِهِ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي جُنُبٌ، فَقَالَ: «إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يَنْجُسُ»
١١ ‏/ ٣٩٧
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: «﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ﴾ [التوبة: ٢٨] أَيْ أَجْنَابٌ» ⦗٣٩٨⦘ وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: مَا الْمُشْرِكُونَ إِلَّا رِجْسُ خِنْزِيرٍ أَوْ كَلْبٍ وَهَذَا قَوْلٌ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ وَجْهٍ غَيْرِ حَمِيدٍ، فَكَرِهْنَا ذِكْرَهُ
١١ ‏/ ٣٩٧
وَقَوْلُهُ: ﴿فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا﴾ [التوبة: ٢٨] يَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ: فَلَا تَدْعُوهُمْ أَنْ يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بِدُخُولِهِمُ الْحَرَمَ. وَإِنَّمَا عَنَى بِذَلِكَ مَنْعَهُمْ مِنْ دُخُولِ الْحَرَمِ؛ لِأَنَّهُمْ إِذَا دَخَلُوا الْحَرَمَ فَقَدْ قَرِبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ. وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ فِيهِ نَحْوَ الَّذِي قُلْنَاهُ
١١ ‏/ ٣٩٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، وَابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَا: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ عَطَاءٌ: «الْحَرَمُ كُلُّهُ قِبْلَةٌ وَمَسْجِدٌ، قَالَ: ﴿فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ﴾ [التوبة: ٢٨] لَمْ يَعْنِ الْمَسْجِدَ وَحْدَهُ، إِنَّمَا عَنَى مَكَّةَ وَالْحَرَمَ. قَالَ ذَلِكَ غَيْرَ مَرَّةٍ»
١١ ‏/ ٣٩٨
وَذُكِرَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي ذَلِكَ مَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ أَبِي عُمَيْرٍ، قَالَ: ثني الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ: ثنا أَبُو عَمْرٍو، أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ: «أَنِ امْنَعُوا الْيَهُودَ، وَالنَّصَارَى مِنْ دُخُولِ مَسَاجِدِ الْمُسْلِمِينَ، وَأَتْبَعَ فِي نَهْيِهِ قَوْلَ اللَّهِ: ﴿إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ﴾ [التوبة: ٢٨]»
١١ ‏/ ٣٩٨
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنِ الْحَسَنِ: «﴿إِنَّمَا ⦗٣٩٩⦘ الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ﴾ [التوبة: ٢٨] قَالَ: لَا تُصَافِحُوهُمْ، فَمَنْ صَافَحَهُمْ فَلْيَتَوَضَّأْ»
١١ ‏/ ٣٩٨
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا﴾ [التوبة: ٢٨] فَإِنَّهُ يَعْنِي: بَعْدَ الْعَامِ الَّذِي نَادَى فِيهِ عَلِيُّ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ بِبَرَاءَةَ، وَذَلِكَ عَامَ حَجَّ بِالنَّاسِ أَبُو بَكْرٍ، وَهِيَ سَنَةُ تِسْعٍ مِنَ الْهِجْرَةِ
١١ ‏/ ٣٩٩
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: «﴿فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا﴾ [التوبة: ٢٨] وَهُوَ الْعَامُ الَّذِي حَجَّ فِيهِ أَبُو بَكْرٍ، وَنَادَى عَلِيُّ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا بِالْأَذَانِ، وَذَلِكَ لِتِسْعِ سِنِينَ مَضَيْنَ مِنْ هِجْرَةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. وَحَجَّ نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ حَجَّةَ الْوَدَاعِ لَمْ يَحُجَّ قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا»
١١ ‏/ ٣٩٩
وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً﴾ [التوبة: ٢٨] يَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ: وَإِنْ خِفْتُمْ فَاقَةً وَفَقْرًا، بِمَنْعِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَنْ يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ. ﴿فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ﴾ [التوبة: ٢٨] يُقَالُ مِنْهُ: عَالَ يَعِيلُ عَيْلَةً وَعُيُولًا، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
[البحر الوافر] وَمَا يَدْرِي الْفَقِيرُ مَتَى غِنَاهُ … وَمَا يَدْرِي الْغَنِيُّ مَتَى يَعِيلُ
وَقَدْ حُكِيَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ مِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَقُولُ فِي الْفَاقَةِ: عَالَ يَعُولُ بِالْوَاوِ. وَذُكِرَ عَنْ عُمَرَ بْنِ فَائِدٍ أَنَّهُ كَانَ تَأَوَّلَ قَوْلَهُ: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً﴾ [التوبة: ٢٨] بِمَعْنَى: وَإِذْ خِفْتُمْ، وَيَقُولُ: كَانَ الْقَوْمُ قَدْ خَافُوا وَذَلِكَ نَحْوُ قَوْلِ الْقَائِلِ لِأَبِيهِ: إِنْ كُنْتَ أَبِي فَأَكْرِمْنِي، بِمَعْنَى: إِذْ كُنْتَ أَبِي. وَإِنَّمَا قِيلَ ذَلِكَ لَهُمْ؛ لِأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ خَافُوا بِانْقِطَاعِ
١١ ‏/ ٣٩٩
الْمُشْرِكِينَ عَنْ دُخُولِ الْحَرَمِ انْقِطَاعَ تِجَارَاتِهِمْ وَدُخُولَ ضَرَرٍ عَلَيْهِمْ بِانْقِطَاعِ ذَلِكَ، وَأَمَّنَهُمُ اللَّهُ مِنَ الْعَيْلَةِ وَعَوَّضَهُمْ مِمَّا كَانُوا يَكْرَهُونَ انْقِطَاعَهُ عَنْهُمْ مَا هُوَ خَيْرٌ لَهُمْ مِنْهُ، وَهُوَ الْجِزْيَةُ، فَقَالَ لَهُمْ: ﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ﴾ [التوبة: ٢٩] إِلَى: ﴿صَاغِرُونَ﴾ [التوبة: ٢٩] وَقَالَ قَوْمٌ بِإِدْرَارِ الْمَطَرِ عَلَيْهِمْ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ

عن معز نوني

متحصّل على شهادة ختم الدروس للمعهد الأعلى لتكوين المعلمين بقفصة دفعة 2000، يعمل حاليًّا أستاذ مدارس إبتدائية

شاهد أيضاً

سُورَةُ الْفَاتِحَةِ

مَكِّيَّةٌ وَآيَاتُهَا سَبْعٌ ١ ‏/ ١١١ ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ [الفاتحة: ١] الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ …