سُورَةُ إِبْرَاهِيمَ 1

مَكِّيَّةٌ، وَآيَاتُهَا ثِنْتَانِ وَخَمْسُونَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
١٣ ‏/ ٥٨٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿الر. كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾ [إبراهيم: ١] قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّبَرِيُّ: قَدْ تَقَدَّمَ مِنَّا الْبَيَانُ عَنْ مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿الر﴾ [يونس: ١] فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، أَمَّا قَوْلُهُ: ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ﴾ [إبراهيم: ١] فَإِنَّ مَعْنَاهُ: هَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ، يَعْنِي الْقُرْآنَ ﴿لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾ [إبراهيم: ١] يَقُولُ: لِتَهْدِيهِمْ بِهِ مِنْ ظُلُمَاتِ الضَّلَالَةِ وَالْكُفْرِ إِلَى نُورِ الْإِيمَانِ وَضِيَائِهِ، وَتُبَصِّرُ بِهِ أَهْلَ الْجَهْلِ وَالْعَمَى سُبُلَ الرَّشَادِ وَالْهُدَى
١٣ ‏/ ٥٨٨
وَقَوْلُهُ: ﴿بِإِذْنِ رَبِّهِمْ﴾ [إبراهيم: ١] يَعْنِي: بِتَوْفِيقِ رَبِّهِمْ لَهُمْ بِذَلِكَ وَلُطْفِهِ بِهِمْ، ﴿إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾ [إبراهيم: ١] يَعْنِي: إِلَى طَرِيقِ اللَّهِ الْمُسْتَقِيمِ، وَهُوَ دِينُهُ الَّذِي ارْتَضَاهُ وَشَرَعَهُ لِخَلْقِهِ وَالْحَمِيدُ: فَعِيلٌ، صُرِفَ مِنْ مَفْعُولٍ إِلَى فَعِيلٍ، وَمَعْنَاهُ: الْمَحْمُودُ بِآلَائِهِ، وَأَضَافَ تَعَالَى ذِكْرُهُ إِخْرَاجَ النَّاسِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ لَهُمْ بِذَلِكَ إِلَى نَبِيِّهِ ﷺ، وَهُوَ الْهَادِي خَلْقَهُ وَالْمُوَفِّقَ مَنْ أَحَبَّ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ، إِذْ كَانَ مِنْهُ دُعَاؤُهُمْ إِلَيْهِ، وَتَعْرِيفُهُمْ مَا لَهُمْ فِيهِ وَعَلَيْهِمْ، فَبَيَّنَ بِذَلِكَ صِحَّةَ قَوْلِ أَهْلِ الْإِثْبَاتِ الَّذِينَ ⦗٥٨٩⦘ أَضَافُوا أَفْعَالَ الْعِبَادِ إِلَيْهِمْ كَسْبًا، وَإِلَى اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ إِنْشَاءً وَتَدْبِيرًا، وَفَسَادُ قَوْلِ أَهْلِ الْقَدَرِ الَّذِينَ أَنْكَرُوا أَنْ يَكُونَ للَّهِ فِي ذَلِكَ صُنْعٌ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٣ ‏/ ٥٨٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾ [إبراهيم: ١]: «أَيْ مِنَ الضَّلَالَةِ إِلَى الْهُدَى»
١٣ ‏/ ٥٨٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ، وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ﴾ اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَالشَّامِ: (اللَّهُ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ)، بِرَفْعِ اسْمِ اللَّهِ عَلَى الِابْتِدَاءِ، وَتَصْيِيرِ قَوْلِهِ: ﴿الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ﴾ خَبَرَهُ. وَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَالْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ: ﴿اللَّهِ الَّذِي﴾ [النساء: ١] بِخَفْضِ اسْمِ اللَّهِ عَلَى اتِّبَاعِ ذَلِكَ ﴿الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾ [إبراهيم: ١] وَهُمَا خَفْضٌ. وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي تَأْوِيلِهِ إِذَا قُرِئَ كَذَلِكَ، فَذُكِرَ عَنْ أَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهُ بِالْخَفْضِ، وَيَقُولُ: مَعْنَاهُ: بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ، الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ، وَيَقُولُ: هُوَ مِنَ الْمُؤَخَّرِ الَّذِي مَعْنَاهُ
١٣ ‏/ ٥٨٩
التَّقْدِيمُ، وَيُمَثِّلُهُ بِقَوْلِ الْقَائِلِ: مَرَرْتُ بِالظَّرِيفِ عَبْدِ اللَّهِ، وَالْكَلَامُ الَّذِي يُوضَعُ مَكَانَ الِاسْمِ: النَّعْتِ، ثُمَّ يُجْعَلُ الِاسْمُ مَكَانَ النَّعْتِ، فَيَتْبَعُ إِعْرَابَهُ إِعْرَابَ النَّعْتِ الَّذِي وُضِعَ مَوْضِعَ الِاسْمِ، كَمَا قَالَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ:
[البحر الرجز] لَوْ كُنْتَ ذَا نَبْلٍ وَذَا شَرِيبِ … مَا خِفْتَ شَدَّاتِ الْخَبِيثِ الذِّيبِ
وَأَمَّا الْكَسَائِيُّ فَإِنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِيمَا ذُكِرَ عَنْهُ: مَنْ خَفَضَ أَرَادَ أَنْ يَجْعَلَهُ كَلَامًا وَاحِدًا وَأَتْبَعَ الْخَفْضَ الْخَفْضَ، وَبِالْخَفْضِ كَانَ يَقْرَأُهُ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي، أَنَّهُمْ قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ قَدْ قَرَأَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا أَئِمَّةٌ مِنَ الْقُرَّاءِ مَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ، وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الَّذِي قَرَأَهُ بِالرَّفْعِ، أَرَادَ مَعْنَى مَنْ خَفَضَ فِي إِتْبَاعِ الْكَلَامِ بَعْضُهُ بَعْضًا، وَلَكِنَّهُ رَفَعَ لِانْفِصَالِهِ مِنَ الْآيَةِ الَّتِي قَبْلَهُ، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ﴾ [التوبة: ١١١] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، ثُمَّ قَالَ: ﴿التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ﴾ [التوبة: ١١٢] وَمَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾ اللَّهُ الَّذِي يَمْلِكُ جَمِيعَ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ، يَقُولُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْكِتَابَ لِتَدْعُوَ عِبَادِي إِلَى عِبَادَةِ مَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ، وَيَدَعُوا عِبَادَةَ مَنْ لَا يَمْلِكُ لَهُمْ وَلَا لِنَفْسِهِ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا مِنَ الْآلِهَةِ وَالْأَوْثَانِ، ثُمَّ تَوَعَّدَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ مَنْ كَفَرَ بِهِ وَلَمْ يَسْتَجِبْ لِدُعَاءِ رَسُولِهِ إِلَى مَا دَعَاهُ إِلَيْهِ مِنْ إِخْلَاصِ التَّوْحِيدِ لَهُ، فَقَالَ: ﴿وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ﴾ [إبراهيم: ٢] يَقُولُ: الْوَادِي الَّذِي يَسِيلُ مِنْ صَدِيدِ
١٣ ‏/ ٥٩٠
أَهْلِ جَهَنَّمَ، لِمَنْ جَحَدَ وَحْدَانِيَّتَهُ وَعَبَدَ مَعَهُ غَيْرَهُ، مِنْ عَذَابِ اللَّهِ الشَّدِيدِ
١٣ ‏/ ٥٩١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا، أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ﴾ [إبراهيم: ٣] يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ﴾ [إبراهيم: ٣] الَّذِينَ يَخْتَارُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا، وَمَتَاعَهَا، وَمَعَاصِي اللَّهِ فِيهَا عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ، وَمَا يُقَرِّبُهُمْ إِلَى رِضَاهُ، مِنَ الْأَعْمَالِ النَّافِعَةِ فِي الْآخِرَةِ ﴿وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [الأنفال: ٤٧] يَقُولُ: وَيَمْنَعُونَ مَنْ أَرَادَ الْإِيمَانَ بِاللَّهِ وَاتِّبَاعِ رَسُولِهِ عَلَى مَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مِنَ الْإِيمَانِ بِهِ وَاتِّبَاعِهِ ﴿وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا﴾ [الأعراف: ٤٥] يَقُولُ: وَيَلْتَمِسُونَ سَبِيلَ اللَّهِ، وَهِيَ دِينُهُ الَّذِي ابْتَعَثَ بِهِ رَسُولَهُ عِوَجًا: تَحْرِيفًا وَتَبْدِيلًا بِالْكَذِبِ وَالزُّورِ «وَالْعِوَجِ» بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَفَتْحِ الْوَاوِ فِي الدِّينِ وَالْأَرْضِ وَكُلِّ مَا لَمْ يَكُنْ قَائِمًا، فَأَمَّا فِي كُلِّ مَا كَانَ قَائِمًا كَالْحَائِطِ وَالرُّمْحِ وَالسِّنِّ فَإِنَّهُ يُقَالُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالْوَاوِ جَمِيعًا «عَوَجٌ» . يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ ذِكْرُهُ: ﴿أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ﴾ [إبراهيم: ٣] يَعْنِي: هَؤُلَاءِ الْكَافِرِينَ الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ، يَقُولُ: هُمْ فِي ذَهَابٍ عَنِ الْحَقِّ بَعِيدٍ، وَأَخْذٍ عَلَى غَيْرِ هُدًى، وَجَوْرٍ عَنْ قَصْدِ السَّبِيلِ. وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي وَجْهِ دُخُولِ «عَلَى» فِي قَوْلِهِ: ﴿عَلَى الْآخِرَةِ﴾ [إبراهيم: ٣] فَكَانَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ يَقُولُ: أَوْصِلِ الْفِعْلَ بِـ «عَلَى»، كَمَا قِيلَ: ضَرَبُوهُ فِي السَّيْفِ، يُرِيدُ بِالسَّيْفِ، وَذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ الْحُرُوفَ يُوصَلُ بِهَا كُلَّهَا وَتُحْذَفُ، نَحْوَ قَوْلِ الْعَرَبِ: نَزَلْتُ زَيْدًا، وَمَرَرْتُ زَيْدًا، يُرِيدُونَ: مَرَرْتُ بِهِ، وَنَزَلْتُ عَلَيْهِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّمَا أَدْخَلَ ذَلِكَ، لِأَنَّ الْفِعْلَ يُؤَدِّي عَنْ مَعْنَاهُ مِنَ الْأَفْعَالِ،
١٣ ‏/ ٥٩١
فَفِي قَوْلِهِ: ﴿يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ﴾ [إبراهيم: ٣] وَلِذَلِكَ أُدْخِلَتْ «عَلَى» وَقَدْ بَيَّنْتُ هَذَا وَنَظَائِرَهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنَ الْكِتَابِ، بِمَا أَغْنَى عَنِ الْإِعَادَةِ
١٣ ‏/ ٥٩٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ، فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ، وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ، وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [إبراهيم: ٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَّةٍ مِنَ الْأُمَمِ يَا مُحَمَّدُ مِنْ قَبْلِكَ وَمِنْ قَبْلِ قَوْمِكَ رَسُولًا إِلَّا بِلِسَانِ الْأُمَّةِ الَّتِي أَرْسَلْنَاهُ إِلَيْهَا وَلُغَتِهِمْ، ﴿لِيُبَيِّنَ لَهُمْ﴾ [إبراهيم: ٤] يَقُولُ: لِيُفْهِمَهُمْ مَا أَرْسَلَهُ اللَّهُ بِهِ إِلَيْهِمْ مِنْ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ، لِيُثْبِتَ حُجَّةَ اللَّهِ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ التَّوْفِيقُ وَالْخِذْلَانُ بِيَدِ اللَّهِ، فَيَخْذِلَ عَنْ قَبُولِ مَا أَتَاهُ بِهِ رَسُولُهُ مِنْ عِنْدِهِ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ، وَيُوَفِّقُ لِقَبُولِهِ مَنْ شَاءَ، وَلِذَلِكَ رَفَعَ «فَيُضِلُّ»، لِأَنَّهُ أُرِيدَ بِهِ الِابْتِدَاءُ لَا الْعَطْفُ عَلَى مَا قَبْلَهُ، كَمَا قِيلَ: ﴿لِنُبَيِّنَ لَكُمْ، وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ﴾ [الحج: ٥] وَهُوَ الْعَزِيزُ الَّذِي لَا يَمْتَنِعُ مِمَّا أَرَادَهُ مِنْ ضَلَالٍ أَوْ هِدَايَةٍ مَنْ أَرَادَ ذَلِكَ بِهِ، وَالْحَكِيمُ فِي تَوْفِيقِهِ لِلْإِيمَانِ مَنْ وَفَّقَهُ لَهُ وَهِدَايَتُهُ لَهُ مَنْ هَدَاهُ إِلَيْهِ، وَفِي إِضْلَالِهِ مَنْ أَضَلَّ عَنْهُ، وَفِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ تَدْبِيرِهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٣ ‏/ ٥٩٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ﴾ [إبراهيم: ٤]: «أَيْ بِلُغَةِ قَوْمِهِ مَا كَانَتْ، قَالَ اللَّهُ عز وجل: ﴿لِيُبَيِّنَ لَهُمْ﴾ [إبراهيم: ٤] الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ لِيَتَّخِذَ بِذَلِكَ الْحُجَّةَ، قَالَ اللَّهُ عز وجل: ﴿فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [إبراهيم: ٤]»
١٣ ‏/ ٥٩٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ، وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ، إنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ﴾ [إبراهيم: ٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِأَدِلَّتِنَا وَحُجَجِنَا مِنْ قَبْلِكَ يَا مُحَمَّدُ، كَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَى قَوْمِكَ بِمِثْلِهَا مِنَ الْأَدِلَّةِ وَالْحُجَجِ كَمَا
١٣ ‏/ ٥٩٣
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، ح. وَحَدَّثني الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ الْأَشْيَبُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ح. وَحَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: ثنا شَبَابَةُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا﴾ [إبراهيم: ٥] قَالَ: «بِالْبَيِّنَاتِ»
١٣ ‏/ ٥٩٣
حَدَّثني الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا﴾ [إبراهيم: ٥] قَالَ: «التِّسْعُ الْآيَاتِ: الطُّوفَانُ وَمَا مَعَهُ»
١٣ ‏/ ٥٩٣
حَدَّثني الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: “﴿أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا﴾ [إبراهيم: ٥] قَالَ: «التِّسْعُ الْبَيِّنَاتُ» . حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٣ ‏/ ٥٩٤
وَقَوْلُهُ: ﴿أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾ [إبراهيم: ٥] كَمَا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ هَذَا الْكِتَابَ، لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ﴿بِإِذْنِ رَبِّهِمْ﴾ [إبراهيم: ١] وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ: ﴿أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾ [إبراهيم: ٥]: “أَيِ ادْعُهُمْ مِنَ الضَّلَالَةِ إِلَى الْهُدَى، وَمِنَ الْكُفْرِ إِلَى الْإِيمَانِ كَمَا
١٣ ‏/ ٥٩٤
حَدَّثني مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾ [إبراهيم: ٥] يَقُولُ: مِنَ الضَّلَالَةِ إِلَى الْهُدَى». حَدَّثني الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا هِشَامٌ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، مِثْلَهُ
١٣ ‏/ ٥٩٤
وَقَوْلُهُ: ﴿وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ﴾ [إبراهيم: ٥] يَقُولُ عز وجل: وَعِظْهُمْ بِمَا سَلَفَ مِنْ نِعَمِي عَلَيْهِمْ فِي الْأَيَّامِ الَّتِي خَلَتْ فَاجْتُزِئَ بِذِكْرِ الْأَيَّامِ مِنْ ذِكْرِ النِّعَمِ الَّتِي عَنَاهَا، لِأَنَّهَا أَيَّامٌ كَانَتْ مَعْلُومَةٌ عِنْدَهُمْ، أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ فِيهَا نِعَمًا جَلِيلَةً، أَنْقَذَهُمْ فِيهَا مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ بَعْدَ مَا كَانُوا فِيمَا كَانُوا مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ، وَغَرَّقَ عَدُوَّهُمْ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ، وَأَوْرَثَهُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ.
١٣ ‏/ ٥٩٤
وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ يَقُولُ: مَعْنَاهُ: خَوَّفَهُمْ بِمَا نَزَلَ بِعَادٍ وَثَمُودَ وَأَشْبَاهِهِمْ مِنَ الْعَذَابِ، وَبِالْعَفْوِ عَنِ الْآخَرِينَ قَالَ: وَهُوَ فِي الْمَعْنَى كَقَوْلِكَ: خُذْهُمْ بِالشِّدَّةِ وَاللِّينِ، وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ: قَدْ وَجَدْنَا لِتَسْمِيَةِ النِّعَمِ بِالْأَيَّامِ شَاهِدًا فِي كَلَامِهِمْ، ثُمَّ اسْتَشْهَدَ لِذَلِكَ بِقَوْلِ عَمْرِو بْنِ كُلْثُومٍ:
[البحر الوافر] وَأَيَّامٍ لَنَا غُرٍّ طُوَالٍ … عَصَيْنَا الْمَلْكَ فِيهَا أَنْ نَدِينَا
وَقَالَ: فَقَدْ يَكُونُ إِنَّمَا جَعَلَهَا غُرًّا طُوَالًا لِإِنْعَامِهِمْ عَلَى النَّاسِ فِيهَا. وَقَالَ: فَهَذَا شَاهِدٌ لِمَنْ قَالَ: ﴿وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ﴾ [إبراهيم: ٥] بِنِعَمِ اللَّهِ ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ يَكُونُ تَسْمِيَتُهَا غُرًّا، لِعُلُوِّهِمْ عَلَى الْمَلِكِ وَامْتِنَاعِهِمْ مِنْهُ، فَأَيَّامُهُمْ غُرٌّ لَهُمْ وَطُوَالٌ عَلَى أَعْدَائِهِمْ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَلَيْسَ لِلَّذِي قَالَ هَذَا الْقَوْلَ، مِنْ أَنَّ فِي هَذَا الْبَيْتِ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ الْأَيَّامَ مَعْنَاهَا النِّعَمُ وَجْهٌ، لِأَنَّ عَمْرَو بْنَ كُلْثُومٍ إِنَّمَا وَصَفَ مَا وَصَفَ مِنَ الْأَيَّامِ بِأَنَّهَا غُرٌّ، لِعِزِّ عَشِيرَتِهِ فِيهَا، وَامْتِنَاعِهِمْ عَلَى الْمَلِكِ مِنَ الْإِذْعَانِ لَهُ بِالطَّاعَةِ، وَذَلِكَ كَقَوْلِ النَّاسِ: مَا كَانَ لِفُلَانٍ قَطُّ يَوْمٌ أَبْيَضُ، يَعْنُونَ بِذَلِكَ: أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ يَوْمٌ مَذْكُورٌ بِخَيْرٍ، وَأَمَّا وَصْفُهُ إِيَّاهَا بِالطُّولِ، فَإِنَّهَا لَا تُوصَفُ بِالطُّولِ إِلَّا فِي حَالِ شِدَّةٍ، كَمَا قَالَ النَّابِغَةُ:
[البحر الطويل] كِلِينِي لِهَمٍّ يَا أُمَيْمَةَ نَاصِبِ … وَلَيْلٍ أُقَاسِيهِ بَطِيءِ الْكَوَاكِبِ
فَإِنَّمَا وَصَفَهَا عَمْرُو بِالطُّولِ لِشِدَّةِ مَكْرُوهِهَا عَلَى أَعْدَاءِ قَوْمِهِ، وَلَا وَجْهَ لِذَلِكَ
١٣ ‏/ ٥٩٥
غَيْرَ مَا قُلْتُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٣ ‏/ ٥٩٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثني يَحْيَى بْنُ طَلْحَةَ الْيَرْبُوعِيُّ، قَالَ: ثنا فُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ﴾ [إبراهيم: ٥] قَالَ: «بِأَنْعُمِ اللَّهِ»
١٣ ‏/ ٥٩٦
حَدَّثني إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ حَبِيبِ بْنِ الشَّهِيدِ قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عُبَيْدٍ الْمُكْتِبِ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ﴾ [إبراهيم: ٥] قَالَ: «بِنِعَمِ اللَّهِ» . حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ عُبَيْدٍ الْمُكْتِبِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ: ثنا عَبْثَرٌ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٣ ‏/ ٥٩٦
حَدَّثني مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثنا عِيسَى ح، وَحَدَّثني الْحَرْثُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿بِأَيَّامِ اللَّهِ﴾ [إبراهيم: ٥] قَالَ: «بِنِعَمِ اللَّهِ» . حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: ثنا شَبَابَةُ قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، ⦗٥٩٧⦘ عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٣ ‏/ ٥٩٦
حَدَّثني الْمُثَنَّى، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ﴾ [إبراهيم: ٥] قَالَ: «بِالنِّعَمِ الَّتِي أَنْعَمَ بِهَا عَلَيْهِمْ: أَنْجَاهُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ، وَفَلَقَ لَهُمُ الْبَحْرَ، وَظَلَّلَ عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى»
١٣ ‏/ ٥٩٧
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا حَبِيبُ بْنُ حَسَّانَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: ﴿وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ﴾ [إبراهيم: ٥] قَالَ: «بِنِعَمِ اللَّهِ»
١٣ ‏/ ٥٩٧
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ﴾ [إبراهيم: ٥] يَقُولُ: «ذَكِّرْهُمْ بِنِعَمِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ»
١٣ ‏/ ٥٩٧
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ﴾ [إبراهيم: ٥] قَالَ: «بِنِعَمِ اللَّهِ»
١٣ ‏/ ٥٩٧
حَدَّثني يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ﴾ [إبراهيم: ٥] قَالَ: «أَيَّامُهُ الَّتِي انْتَقَمَ فِيهَا مِنْ أَهْلِ مَعَاصِيهِ مِنَ الْأُمَمِ، خَوِّفْهُمْ بِهَا، وَحَذِّرْهُمْ إِيَّاهَا، وَذَكِّرْهُمْ أَنْ يُصِيبَهُمْ مَا أَصَابَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ»
١٣ ‏/ ٥٩٧
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا الْحِمَّانِيُّ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانَ، عَنْ أَبِي ⦗٥٩٨⦘ إِسْحَاقَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أُبَيٍّ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ قَالَ: «نِعَمِ اللَّهِ»
١٣ ‏/ ٥٩٧
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، أَوْ غَيْرِهِ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ﴾ [إبراهيم: ٥] قَالَ: «بِنِعَمِ اللَّهِ»
١٣ ‏/ ٥٩٨
﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ﴾ [إبراهيم: ٥] يَقُولُ: إِنَّ فِي الْأَيَّامِ الَّتِي سَلَفَتْ بِنِعَمِي عَلَيْهِمْ، يَعْنِي عَلَى قَوْمِ مُوسَى لَآيَاتٍ، يَعْنِي: لَعِبَرًا وَمَوَاعِظَ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ، يَقُولُ: لِكُلِّ ذِي صَبْرٍ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ وَشُكْرٍ لَهُ عَلَى مَا أَنْعَمَ عَلَيْهِ مِنْ نِعَمِهِ
١٣ ‏/ ٥٩٨
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا هِشَامٌ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِ اللَّهِ عز وجل: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ﴾ [إبراهيم: ٥] قَالَ: «نِعْمَ الْعَبْدُ عَبْدٌ إِذَا ابْتُلِيَ صَبَرَ، وَإِذَا أُعْطِيَ شَكَرَ»
١٣ ‏/ ٥٩٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ، وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ، وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ، وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ﴾ [إبراهيم: ٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: وَاذْكُرْ يَا مُحَمَّدُ إِذْ قَالَ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ
١٣ ‏/ ٥٩٨
لِقَوْمِهِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ: ﴿اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ﴾ [المائدة: ٢٠] الَّتِي أَنْعَمَ بِهَا عَلَيْكُمْ ﴿إِذْ أَنْجَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ﴾ [إبراهيم: ٦] يَقُولُ: حِينَ أَنْجَاكُمْ مِنْ أَهْلِ دِينِ فِرْعَوْنَ وَطَاعَتِهِ ﴿يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ﴾ [البقرة: ٤٩]: أَيْ يُذِيقُونَكُمْ شَدِيدَ الْعَذَابِ ﴿وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ﴾ [إبراهيم: ٦] وَأُدْخِلَتِ الْوَاوُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ لِأَنَّهُ أُرِيدَ بِقَوْلِهِ: ﴿وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ﴾ [إبراهيم: ٦] الْخَبَرَ عَنْ أَنَّ آلَ فِرْعَوْنَ كَانُوا يُعَذِّبُونَ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِأَنْوَاعٍ مِنَ الْعَذَابِ غَيْرِ التَّذْبِيحِ وَبِالتَّذْبِيحِ، وَأَمَّا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنَ الْقُرْآنِ، فَإِنَّهُ جَاءَ بِغَيْرِ الْوَاوِ: ﴿يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ﴾ [البقرة: ٤٩] فِي مَوْضِعٍ، وَفِي مَوْضِعٍ: ﴿يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ﴾ [الأعراف: ١٤١] وَلَمْ تَدْخُلِ الْوَاوُ فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي لَمْ تَدْخُلْ فِيهَا لِأَنَّهُ أُرِيدَ بِقَوْلِهِ: ﴿يُذَبِّحُونَ﴾ [البقرة: ٤٩] وَبِقَوْلِهِ: ﴿يُقَتِّلُونَ﴾ [المائدة: ٧٠] تَبْيِيِنُهُ صِفَاتِ الْعَذَابِ الَّذِي كَانُوا يَسُومُونَهُمْ، وَكَذَلِكَ الْعَمَلُ فِي كُلِّ جُمْلَةٍ أُرِيدَ تَفْصِيلِهَا فَبِغَيْرِ الْوَاوِ تَفْصِيلِهَا، وَإِذَا أُرِيدَ الْعَطْفُ عَلَيْهَا بِغَيْرِهَا وَغَيْرِ تَفْصِيلِهَا فَالْوَاوُ
١٣ ‏/ ٥٩٩
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ﴾ [إبراهيم: ٦]: أَيَادِي اللَّهِ عِنْدَكُمْ وَأَيَّامِهِ»
١٣ ‏/ ٥٩٩
وَقَوْلُهُ: ﴿وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ﴾ [البقرة: ٤٩] يَقُولُ: وَيُبْقُونَ نِسَاءَكُمْ فَيَتْرُكُونَ ⦗٦٠٠⦘ قَتَلَهُنَّ، وَذَلِكَ اسْتِحْيَاؤُهُمْ كَانَ إِيَّاهُنَّ، وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، وَمَعْنَاهُ: يَتْرُكُونَهُمْ، وَالْحَيَاةُ: هِيَ التَّرْكُ، وَمِنْهُ الْخَبَرُ الَّذِي رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «اقْتُلُوا شُيُوخَ الْمُشْرِكِينَ، وَاسْتَحْيُوا شَرْخَهُمْ» بِمَعْنَى: اسْتَبْقُوهُمْ فَلَا تَقْتُلُوهُمْ
١٣ ‏/ ٥٩٩
﴿وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ﴾ [البقرة: ٤٩] يَقُولُ تَعَالَى: وَفِيمَا يَصْنَعُ بِكُمْ آلُ فِرْعَوْنَ مِنْ أَنْوَاعِ الْعَذَابِ بَلَاءٌ لَكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ: أَيِ ابْتِلَاءٌ وَاخْتِبَارٌ لَكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ، وَقَدْ يَكُونُ الْبَلَاءُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ نَعْمَاءَ، وَقَدْ يَكُونُ مَعْنَاهُ: مِنَ الْبَلَاءِ الَّذِي قَدْ يُصِيبُ النَّاسَ فِي الشَّدَائِدِ وَغَيْرِهَا
١٣ ‏/ ٦٠٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ، وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾ [إبراهيم: ٧] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَاذْكُرُوا أَيْضًا حِينَ آذَنَكُمْ رَبُّكُمْ وَتَأَذَّنَ: تَفَعَّلَ مِنْ أَذِنَ، وَالْعَرَبُ رُبَّمَا وَضَعَتْ «تَفَعَّلَ» مَوْضِعَ «أَفْعَلَ»، كَمَا قَالُوا: أَوْعَدْتُهُ وَتَوَعَّدْتُهُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَآذَنَ: أَعْلَمَ، كَمَا قَالَ الْحَارِثُ بْنُ حِلِّزَةَ:
[البحر الخفيف] ⦗٦٠١⦘ آذَنَتْنَا بِبَيْنِهَا أَسْمَاءُ … رُبَّ ثَاوٍ يُمَلُّ مِنْهُ الثَّوَاءُ
يَعْنِي بِقَوْلِهِ: آذَنَتْنَا: أَعْلَمَتْنَا
١٣ ‏/ ٦٠٠
وَذُكِرَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه أَنَّهُ ” كَانَ يَقْرَأُ: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ﴾ [إبراهيم: ٧] (وَإِذْ قَالَ رَبُّكُمْ) . حَدَّثَنِي بِذَلِكَ الْحَارِثُ، قَالَ: ثني عَبْدُ الْعَزِيزِ قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْهُ
١٣ ‏/ ٦٠١
حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ﴾ [إبراهيم: ٧]: «وَإِذْ قَالَ رَبُّكُمْ ذَلِكَ التَّأَذُّنَ»
١٣ ‏/ ٦٠١
وَقَوْلُهُ: ﴿لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾ [إبراهيم: ٧] يَقُولُ: لَئِنْ شَكَرْتُمْ رَبَّكُمْ بِطَاعَتِكُمْ إِيَّاهُ فِيمَا أَمَرَكُمْ وَنَهَاكُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ فِي أَيَادِيهِ عِنْدَكُمْ، وَنِعَمِهِ عَلَيْكُمْ، عَلَى مَا قَدْ أَعْطَاكُمْ مِنَ النَّجَاةِ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ، وَالْخَلَاصِ مِنْ عَذَابِهِمْ، وَقِيلَ فِي ذَلِكَ قَوْلٌ غَيْرُهُ، وَهُوَ مَا
١٣ ‏/ ٦٠١
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ صَالِحٍ، يَقُولُ فِي قَوْلِ اللَّهِ عز وجل: ﴿لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾ [إبراهيم: ٧] قَالَ: «أَيْ مِنْ طَاعَتِي» . حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا يَزِيدُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ صَالِحٍ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ
١٣ ‏/ ٦٠١
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ: ﴿لَئِنْ ⦗٦٠٢⦘ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾ [إبراهيم: ٧] قَالَ: «مِنْ طَاعَتِي»
١٣ ‏/ ٦٠١
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: ثنا مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ، عَنْ أَبَانَ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾ [إبراهيم: ٧] قَالَ: «مِنْ طَاعَتِي» وَلَا وَجْهَ لِهَذَا الْقَوْلِ يُفْهَمُ، لِأَنَّهُ لَمْ يَجَرِ لِلطَّاعَةِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ ذِكْرٌ، فَيُقَالُ: إِنْ شَكَرْتُمُونِي عَلَيْهَا زِدْتُكُمْ مِنْهَا، وَإِنَّمَا جَرَى ذِكْرُ الْخَبَرِ عَنْ إِنْعَامِ اللَّهِ عَلَى قَوْمِ مُوسَى بِقَوْلِهِ: ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ﴾ [إبراهيم: ٦] ثُمَّ أَخْبَرَهُمْ أَنَّ اللَّهَ أَعْلَمَهُمْ إِنْ شَكَرُوهُ عَلَى هَذِهِ النِّعْمَةِ زَادَهُمْ، فَالْوَاجِبُ فِي الْمَفْهُومِ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى الْكَلَامِ: زَادَهُمْ مِنْ نِعَمِهِ، لَا مِمَّا لَمْ يَجْرِ لَهُ ذِكْرٌ مِنَ الطَّاعَةِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ أُرِيدَ بِهِ: لَئِنْ شَكَرْتُمْ فَأَطَعْتُمُونِي بِالشُّكْرِ لَأَزِيدَنَّكُمْ مِنْ أَسْبَابِ الشُّكْرِ مَا يُعِينُكُمْ عَلَيْهِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ وَجْهًا
١٣ ‏/ ٦٠٢
وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾ [إبراهيم: ٧] يَقُولُ: وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ أَيُّهَا الْقَوْمُ نِعْمَةَ اللَّهِ، فَجَحَدْتُمُوهَا، بِتَرْكِ شُكْرِهِ عَلَيْهَا، وَخِلَافِهِ فِي أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ، وَرُكُوبِكُمْ مَعَاصِيهِ ﴿إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾ [إبراهيم: ٧]: أُعَذِّبُكُمْ كَمَا أُعَذِّبُ مَنْ كَفَرَ بِي مِنْ خَلْقِي. وَكَانَ بَعْضُ الْبَصْرِيِّينَ يَقُولُ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ﴾ [إبراهيم: ٧] وَيَقُولُ: «إِذْ» مِنْ حُرُوفِ الزَّوَائِدِ، وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَى فَسَادِ ذَلِكَ فِيمَا مَضَى قَبْلُ
١٣ ‏/ ٦٠٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَقَالَ مُوسَى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا، ⦗٦٠٣⦘ فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيُّ حَمِيدٌ﴾ [إبراهيم: ٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَقَالَ مُوسَى﴾ [الأعراف: ١٠٤] لِقَوْمِهِ: ﴿إِنْ تَكْفُرُوا﴾ [إبراهيم: ٨] أَيُّهَا الْقَوْمُ، فَتَجْحَدُوا نِعْمَةَ اللَّهِ الَّتِي أَنْعَمَهَا عَلَيْكُمْ أَنْتُمْ، وَيَفْعَلُ فِي ذَلِكَ مِثْلَ فِعْلِكُمْ ﴿مَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا، فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيُّ﴾ [إبراهيم: ٨] عَنْكُمْ وَعَنْهُمْ مِنْ جَمِيعِ خَلْقِهِ، لَا حَاجَةَ بِهِ إِلَى شُكْرِكُمْ إِيَّاهُ عَلَى نِعَمِهِ عِنْدَ جَمِيعِكُمْ، ﴿حُمَيْدٌ﴾ [البقرة: ٢٦٧] ذُو حَمْدٍ إِلَى خَلْقِهِ بِمَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِمْ، كَمَا
١٣ ‏/ ٦٠٢
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هَاشِمٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سَيْفٌ، عَنْ أَبِي رَوْقٍ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ، عَنْ عَلِيٍّ: ﴿فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيُّ﴾ [إبراهيم: ٨] قَالَ: “غَنِيُّ عَنْ خَلْقِهِ، ﴿حَمِيدٌ﴾ [إبراهيم: ٨] قَالَ: «مُسْتَحْمِدٌ إِلَيْهِمْ»
١٣ ‏/ ٦٠٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ، لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ، جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ، وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ، وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ﴾ [إبراهيم: ٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُخْبِرًا عَنْ قِيلِ مُوسَى لِقَوْمِهِ: يَا قَوْمِ ﴿أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ [إبراهيم: ٩] يَقُولُ: خَبَرُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْأُمَمِ الَّتِي مَضَتْ قَبْلَكُمْ، ﴿قَوْمِ نُوحٍ، وَعَادٍ، وَثَمُودَ﴾ [التوبة: ٧٠] وَقَوْمِ عَادٍ فَبَيَّنَ بِهِمْ عَنِ «الَّذِينَ»، وَعَادٌ مَعْطُوفٌ بِهَا عَلَى قَوْمِ نُوحٍ ﴿وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ﴾ [إبراهيم: ٩] يَعْنِي: مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ، وَعَادٍ وَثَمُودَ ﴿لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ﴾ [إبراهيم: ٩] يَقُولُ: لَا يُحْصِي عَدَدَهُمْ وَلَا يَعْلَمُ مَبْلَغُهُمْ إِلَّا اللَّهُ، ⦗٦٠٤⦘ كَمَا
١٣ ‏/ ٦٠٣
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ: ﴿وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ، لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ﴾ [إبراهيم: ٩] قَالَ: “كَذَبَ النَّسَّابُونَ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، بِمِثْلِ ذَلِكَ
١٣ ‏/ ٦٠٤
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: ثنا شَبَابَةُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ مَسْعُودٍ، أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهَا: (وَعَادًا وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ، لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ)، ثُمَّ يَقُولُ: «كَذَبَ النَّسَّابُونَ» . حَدَّثَنِي ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ قَالَ: ثنا عِيسَى بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، مِثْلَهُ
١٣ ‏/ ٦٠٤
وَقَوْلُهُ: ﴿جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ﴾ [الأعراف: ١٠١] يَقُولُ: جَاءَتْ هَؤُلَاءِ الْأُمَمَ رُسُلُهُمُ الَّذِينَ أَرْسَلَهُمُ اللَّهُ إِلَيْهِمْ بِدُعَائِهِمْ إِلَى إِخْلَاصِ الْعِبَادَةِ لَهُ بِالْبَيِّنَاتِ، يَعْنِي بِالْحُجَجِ الْوَاضِحَاتِ، وَالدَّلَالَاتِ الْبَيِّنَاتِ الظَّاهِرَاتِ عَلَى حَقِيقَةِ مَا دَعَوْهُمْ إِلَيْهِ مِنْ مُعْجِزَاتٍ
١٣ ‏/ ٦٠٤
وَقَوْلُهُ: ﴿فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ﴾ [إبراهيم: ٩] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى ذَلِكَ: فَعَضُّوا عَلَى أَصَابِعِهِمْ تَغَيُّظًا عَلَيْهِمْ فِي دُعَائِهِمْ إِيَّاهُمْ مَا دَعَوْهُمْ إِلَيْهِ
١٣ ‏/ ٦٠٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَا: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ ثنا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ: ﴿فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ﴾ [إبراهيم: ٩] قَالَ: «عَضُّوا عَلَيْهَا تَغَيُّظًا»
١٣ ‏/ ٦٠٥
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ﴾ [إبراهيم: ٩] قَالَ: «غَيْظًا هَكَذَا، وَعَضَّ يَدَهُ»
١٣ ‏/ ٦٠٥
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ: ﴿فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ﴾ [إبراهيم: ٩] قَالَ: «عَضُّوهَا»
١٣ ‏/ ٦٠٥
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ الْبَصْرِيُّ قَالَ: ثنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ فِي قَوْلِ اللَّهِ عز وجل: ﴿فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ﴾ [إبراهيم: ٩] قَالَ: «عَضُّوا عَلَى أَصَابِعِهِمْ»
١٣ ‏/ ٦٠٥
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا الْحِمَّانِيُّ قَالَ: ثنا شَرِيكٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ: ﴿فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ﴾ [إبراهيم: ٩] قَالَ: «عَضُّوا عَلَى أَطْرَافِ أَصَابِعِهِمْ»
١٣ ‏/ ٦٠٥
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي ⦗٦٠٦⦘ إِسْحَاقَ، عَنْ هُبَيْرَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ﴾ [إبراهيم: ٩] قَالَ: «أَنْ يَحْمِلَ إِصْبَعَهُ فِي فِيهِ»
١٣ ‏/ ٦٠٥
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَا: ثنا أَبُو قَطَنٍ قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ هُبَيْرَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ فِي قَوْلِ اللَّهِ عز وجل: ﴿فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ﴾ [إبراهيم: ٩]، وَوَضَعَ شُعْبَةُ أَطْرَافَ أَنَامِلِهِ الْيُسْرَى عَلَى فِيهِ “
١٣ ‏/ ٦٠٦
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ عَبَّادٍ قَالَ: ثنا شُعْبَةُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ هُبَيْرَةَ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ ﴿فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ﴾ [إبراهيم: ٩] قَالَ: «هَكَذَا، وَأَدْخَلَ أَصَابِعَهُ فِي فِيهِ»
١٣ ‏/ ٦٠٦
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثنا عَفَّانُ قَالَ: ثنا شُعْبَةُ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: أَنْبَأَنَا عَنْ هُبَيْرَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ﴾ [إبراهيم: ٩] قَالَ أَبُو عَلِيٍّ: وَأَرَانَا عَفَّانُ، وَأَدْخَلَ أَطْرَافَ أَصَابِعِ كَفِّهِ مَبْسُوطَةً فِي فِيهِ، وَذَكَرَ أَنَّ شُعْبَةَ أَرَاهُ كَذَلِكَ “
١٣ ‏/ ٦٠٦
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ: ثنا سُفْيَانُ وَإِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ: ﴿فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ﴾ [إبراهيم: ٩] قَالَ: «عَضُّوا عَلَى أَنَامِلِهِمْ» وَقَالَ سُفْيَانُ: عَضُّوا غَيْظًا “
١٣ ‏/ ٦٠٦
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ﴾ [إبراهيم: ٩] فَقَرَأَ: ﴿عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ﴾ [آل عمران: ١١٩] قَالَ: «وَمَعْنَى: ﴿رَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ﴾ قَالَ:»⦗٦٠٧⦘ أَدْخَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ، وَقَالَ: «إِذَا اغْتَاظَ الْإِنْسَانُ عَضَّ يَدَهُ» . وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: أَنَّهُمْ لَمَّا سَمِعُوا كِتَابَ اللَّهِ عَجِبُوا مِنْهُ، وَوَضَعُوا أَيْدِيَهُمْ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ
١٣ ‏/ ٦٠٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ﴾ [إبراهيم: ٩] قَالَ: «لَمَّا سَمِعُوا كِتَابَ اللَّهِ عَجِبُوا، وَرَجَعُوا بِأَيْدِيهِمْ إِلَى أَفْوَاهِهِمْ» . وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُمْ كَذَّبُوهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ
١٣ ‏/ ٦٠٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ” ح. وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ﴾ [إبراهيم: ٩] قَالَ: «رَدُّوا عَلَيْهِمْ قَوْلَهُمْ وَكَذَّبُوهُمْ» . حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: ثنا شَبَابَةُ قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا الْحَسَنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٣ ‏/ ٦٠٧
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ﴾ [إبراهيم: ٩] يَقُولُ: «قَوْمُهُمْ كَذَّبُوا رُسُلَهُمْ، وَرَدُّوا عَلَيْهِمْ مَا جَاءُوا بِهِ مِنَ الْبَيِّنَاتِ، وَرَدُّوا عَلَيْهِمْ بِأَفْوَاهِهِمْ، وَقَالُوا: ﴿إِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ﴾ [إبراهيم: ٩]»
١٣ ‏/ ٦٠٨
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ﴾ [إبراهيم: ٩] قَالَ: «رَدُّوا عَلَى الرُّسُلِ مَا جَاءَتْ بِهِ» . وَكَأَنَّ مُجَاهِدًا وَجَّهَ قَوْلَهُ: ﴿فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ﴾ [إبراهيم: ٩] إِلَى مَعْنَى: رَدُّوا أَيَادِي اللَّهِ الَّتِي لَوْ قَبِلُوهَا كَانَتْ أَيَادِي وَنِعِمًا عِنْدَهُمْ، فَلَمْ يَقْبَلُوهَا، وَوَجَّهَ قَوْلَهُ: ﴿فِي أَفْوَاهِهِمْ﴾ [إبراهيم: ٩] إِلَى مَعْنَى: بِأَفْوَاهِهِمْ، يَعْنِي: بِأَلْسِنَتِهِمُ الَّتِي فِي أَفْوَاهِهِمْ، وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ بَعْضِ الْعَرَبِ سَمَاعًا: أَدْخَلَكَ اللَّهُ بِالْجَنَّةِ، يَعْنُونَ فِي الْجَنَّةِ، وَيُنْشَدُ هَذَا الْبَيْتُ:
[البحر الطويل] وَأَرْغَبُ فِيهَا عَنْ لَقِيطٍ وَرَهْطِهِ … وَلَكِنَّنِي عَنْ سِنْبِسٍ لَسْتُ أَرْغَبُ
يُرِيدُ: وَأَرْغَبُ فِيهَا: يَعْنِي أَرْغَبُ بِهَا عَنْ لَقِيطٍ، وَلَا أَرْغَبُ بِهَا عَنْ قَبِيلَتِي. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: أَنَّهُمْ كَانُوا يَضَعُونَ أَيْدِيَهُمْ عَلَى أَفْوَاهِ الرُّسُلِ رَدًّا عَلَيْهِمْ قَوْلَهُمْ، وَتَكْذِيبًا لَهُمْ وَقَالَ آخَرُونَ: هَذَا مَثَلٌ، وَإِنَّمَا أُرِيدَ أَنَّهُمْ كَفُّوا عَمَّا أُمِرُوا بِقَبُولِهِ مِنَ الْحَقِّ وَلَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ وَلَمْ يُسْلِمُوا، وَقَالَ: يُقَالُ الرَّجُلُ إِذَا أَمْسَكَ عَنِ الْجَوَابِ فَلَمْ يُجِبْ: رَدَّ يَدَهُ ⦗٦٠٩⦘ فِي فَمِهِ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ: كَلَّمْتُ فُلَانًا فِي حَاجَةٍ فَرَدَّ يَدَهُ فِي فِيهِ: إِذَا سَكَتَ عَنْهُ فَلَمْ يُجِبْ، وَهَذَا أَيْضًا قَوْلٌ لَا وَجْهَ لَهُ، لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل ذِكْرُهُ قَدْ أَخْبَرَ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوا: ﴿إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ﴾ [إبراهيم: ٩] فَقَدْ أَجَابُوا بِالتَّكْذِيبِ. وَأَشْبَهُ هَذِهِ الْأَقْوَالِ عِنْدِي بِالصَّوَابِ فِي تَأْوِيلِ هَذِهِ الْآيَةِ الْقَوْلُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُمْ رَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ، فَعَضُّوا عَلَيْهَا غَيْظًا عَلَى الرُّسُلِ، كَمَا وَصَفَ اللَّهُ عز وجل بِهِ إِخْوَانَهُمْ مِنَ الْمُنَافِقِينَ فَقَالَ: ﴿وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ﴾ [آل عمران: ١١٩] فَهَذَا هُوَ الْكَلَامُ الْمَعْرُوفُ وَالْمَعْنَى الْمَفْهُومُ مِنْ رَدِّ الْيَدِ إِلَى الْفَمِ
١٣ ‏/ ٦٠٨
وَقَوْلُهُ: ﴿وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ﴾ [إبراهيم: ٩] يَقُولُ عز وجل: وَقَالُوا لِرُسُلِهِمْ: إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أَرْسَلَكُمْ بِهِ مَنْ أَرْسَلَكُمْ مِنَ الدُّعَاءِ إِلَى تَرْكِ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ وَالْأَصْنَامِ، وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِنْ حَقِيقَةِ مَا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مِنْ تَوْحِيدِ اللَّهِ ﴿مُرِيبٍ﴾ [هود: ٦٢] يَقُولُ: يُرِيبُنَا ذَلِكَ الشَّكُّ: أَيْ يُوجِبُ لَنَا الرِّيبَةَ وَالتُّهَمَةَ فِيهِ، يُقَالُ مِنْهُ: أَرَابَ الرَّجُلُ: إِذَا أَتَى بِرِيبَةٍ، يَرِيبُ إِرَابَةً
١٣ ‏/ ٦٠٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ، وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى، قَالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا، فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَتْ رُسُلُ الْأُمَمِ الَّتِي أَتَتْهَا رُسُلُهَا: أَفِي اللَّهِ أَنَّهُ الْمُسْتَحِقُّ عَلَيْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ الْأُلُوهَةُ وَالْعِبَادَةُ دُونَ جَمِيعِ خَلْقِهِ، شَكٌّ؟
١٣ ‏/ ٦٠٩
وَقَوْلُهُ: ﴿فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ يَقُولُ: خَالِقُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴿يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ﴾ [إبراهيم: ١٠] يَقُولُ: يَدْعُوكُمْ إِلَى تَوْحِيدِهِ وَطَاعَتِهِ ﴿لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ﴾ [إبراهيم: ١٠] يَقُولُ: فَيَسْتُرُ عَلَيْكُمْ بَعْضَ ذُنُوبِكُمْ بِالْعَفْوِ عَنْهَا، فَلَا يُعَاقِبُكُمْ عَلَيْهَا ﴿وَيُؤَخِّرَكُمْ﴾ [إبراهيم: ١٠] يَقُولُ: وَيُنْسِئُ فِي آجَالِكُمْ، فَلَا يُعَاقِبُكُمْ فِي الْعَاجِلِ فَيُهْلِكَكُمْ، وَلَكِنْ يُؤَخِّرَكُمْ إِلَى الْوَقْتِ الَّذِي كَتَبَ فِي أَمْ الْكِتَابِ أَنَّهُ يَقْبِضُكُمْ فِيهِ، وَهُوَ الْأَجَلُ الَّذِي سَمَّى لَكُمْ، فَقَالَتِ الْأُمَمُ لَهُمْ: ﴿إِنْ أَنْتُمْ﴾ [المائدة: ١٠٦] أَيُّهَا الْقَوْمُ ﴿إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا﴾ [إبراهيم: ١٠] فِي الصُّورَةِ وَالْهَيْئَةِ، وَلَسْتُمْ مَلَائِكَةً، وَإِنَّمَا تُرِيدُونَ بِقَوْلِكُمْ هَذَا الَّذِي تَقُولُونَ لَنَا ﴿أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا﴾ [إبراهيم: ١٠] يَقُولُ: إِنَّمَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصْرِفُونَا بِقَوْلِكُمْ عَنْ عِبَادَةِ مَا كَانَ يَعْبُدُهُ مِنَ الْأَوْثَانِ آبَاؤُنَا: ﴿فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ﴾ [إبراهيم: ١٠] يَقُولُ: فَأْتُونَا بِحُجَّةٍ عَلَى مَا تَقُولُونَ تُبَيِّنُ لَنَا حَقِيقَتَهُ وَصِحَّتَهُ، فَنَعْلَمُ أَنَّكُمْ فِيمَا تَقُولُونَ مُحِقُّونَ
١٣ ‏/ ٦١٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ، وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ، وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ، وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ [إبراهيم: ١١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ الْأُمَمُ الَّتِي أَتَتْهُمُ الرُّسُلُ لِرُسُلِهِمْ، ﴿إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ﴾ [إبراهيم: ١١] صَدَقْتُمْ فِي قَوْلِكُمْ ﴿إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا﴾ [إبراهيم: ١٠] فَمَا نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِنْ بَنِي آدَمَ إِنْسٌ مِثْلُكُمْ، ﴿وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ﴾ [إبراهيم: ١١] يَقُولُ: وَلَكِنَّ اللَّهَ يَتَفَضَّلُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ خَلْقِهِ، فَيَهْدِيهِ وَيُوَفِّقُهُ
١٣ ‏/ ٦١٠
لِلْحَقِّ، وَيُفَضِّلُهُ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ خَلْقِهِ ﴿وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ﴾ [إبراهيم: ١١] يَقُولُ: وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِحُجَّةٍ وَبُرْهَانٍ عَلَى مَا نَدْعُوكُمْ إِلَيْهِ ﴿إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ [البقرة: ١٠٢] يَقُولُ: إِلَّا بِأَمْرِ اللَّهِ لَنَا بِذَلِكَ ﴿وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ [آل عمران: ١٢٢] يَقُولُ: وَبِاللَّهِ فَلْيَثِقْ بِهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَأَطَاعَهُ، فَإِنَّا بِهِ نَثِقُ، وَعَلَيْهِ نَتَوَكَّلُ
١٣ ‏/ ٦١١
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَا: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ﴾ [إبراهيم: ١٠] قَالَ: «السُّلْطَانُ الْمُبِينُ: الْبُرْهَانُ وَالْبَيِّنَةُ» وَقَوْلُهُ: ﴿مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا﴾ [آل عمران: ١٥١] قَالَ: «بَيِّنَةً وَبُرْهَانًا»
١٣ ‏/ ٦١١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا، وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا، وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ﴾ [إبراهيم: ١٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُخْبِرًا عَنْ قِيلِ الرُّسُلِ لِأُمَمِهَا: ﴿وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ﴾ [إبراهيم: ١٢] فَنَثِقُ بِهِ وَبِكِفَايَتِهِ وَدِفَاعِهِ إِيَّاكُمْ عَنَّا، ﴿وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا﴾ [إبراهيم: ١٢] يَقُولُ: وَقَدْ بَصَّرَنَا طَرِيقَ النَّجَاةِ مِنْ عَذَابِهِ، فَبَيَّنَ لَنَا ﴿وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا﴾ [إبراهيم: ١٢] فِي اللَّهِ وَعَلَى مَا نَلْقَى مِنْكُمْ مِنَ الْمَكْرُوهِ فِيهِ بِسَبَبِ دُعَائِنَا إِلَيْكُمْ إِلَى مَا نَدْعُوكُمْ إِلَيْهِ مِنَ الْبَرَاءَةِ مِنَ الْأَوْثَانِ وَالْأَصْنَامِ وَإِخْلَاصِ الْعِبَادَةِ لَهُ ﴿وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ﴾ [إبراهيم: ١٢] يَقُولُ: وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ مَنْ كَانَ بِهِ وَاثِقًا مِنْ خَلْقِهِ، فَأَمَّا مَنْ كَانَ بِهِ كَافِرًا فَإِنَّ وَلِيُّهُ الشَّيْطَانَ
١٣ ‏/ ٦١١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا، فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ. وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ
١٣ ‏/ ٦١١
الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ، ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي، وَخَافَ وَعِيدِ﴾ [إبراهيم: ١٤] يَقُولُ عَزَّ ذِكْرُهُ: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِاللَّهِ لِرُسُلِهِمُ الَّذِينَ أُرْسِلُوا إِلَيْهِمْ حِينَ دَعَوْهُمْ إِلَى تَوْحِيدِ اللَّهِ وَإِخْلَاصِ الْعِبَادَةِ لَهُ وَفِرَاقِ عِبَادَةِ الْآلِهَةِ وَالْأَوْثَانِ: ﴿لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا﴾ [إبراهيم: ١٣] يَعْنُونَ: مِنْ بِلَادِنَا، فَنَطْرُدُكُمْ عَنْهَا ﴿أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا﴾ [الأعراف: ٨٨] يَعْنُونَ: إِلَّا أَنْ تَعُودُوا فِي دِينِنَا الَّذِي نَحْنُ عَلَيْهِ مِنْ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ، وَأُدْخِلَتْ فِي قَوْلِهِ: ﴿لَتَعُودُنَّ﴾ [الأعراف: ٨٨] لَامٍ، وَهُوَ فِي مَعْنَى شَرْطٍ، كَأَنَّهُ جَوَّابٌ لِلْيَمِينِ. وَإِنَّمَا مَعْنَى الْكَلَامِ: لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ تَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا، وَمَعْنَى «أَوْ» هَهُنَا مَعْنَى «إِلَّا» أَوْ مَعْنَى «حَتَّى» كَمَا يُقَالُ فِي الْكَلَامِ: لَأَضْرِبَنَّكَ أَوْ تُقِرَّ لِي، فَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَجْعَلُ مَا بَعْدَ «أَوْ» فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْضِعِ عَطْفًا عَلَى مَا قَبْلَهُ جَزْمًا جَزَمُوهُ، وَإِنْ كَانَ نَصْبًا نَصَبُوهُ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ لَامٌ جَعَلُوا فِيهِ لَامًا، إِذْ كَانَتْ «أَوْ» حَرْفُ نَسَقٍ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْصِبُ «مَا» بَعْدَ «أَوْ» بِكُلِّ حَالٍ، لِيَعْلَمَ بِنَصْبِهِ أَنَّهُ عَنِ الْأَوَّلِ مُنْقَطِعٌ عَمَّا قَبْلَهُ، كَمَا قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:
[البحر الطويل] بَكَى صَاحِبِي لَمَّا رَأَى الدَّرْبَ دُونَهُ … وَأَيْقَنَ أَنَّا لَاحِقَانِ بِقَيْصَرَا
فَقُلْتُ لَهُ: لَا تَبْكِ عَيْنُكَ إِنَّمَا … نُحَاوِلُ مُلْكًا أَوْ نَمُوتَ فَنُعْذَرَا
فَنَصَبَ «نَمُوتَ فَنُعْذَرَا» وَقَدْ رَفَعَ «نُحَاوِلُ»، لِأَنَّهُ أَرَادَ مَعْنَى: إِلَّا أَنْ نَمُوتَ، أَوْ حَتَّى نَمُوتَ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْآخَرِ:
[البحر البسيط] لَا أَسْتَطِيعُ نُزُوعًا عَنْ مَوَدَّتِهَا … أَوْ يَصْنَعُ الْحُبُّ بِي غَيْرَ الَّذِي صَنَعَا
١٣ ‏/ ٦١٢
وَقَوْلُهُ: ﴿فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ﴾ [إبراهيم: ١٣] الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ، فَأَوْجَبُوا لَهَا عِقَابَ اللَّهِ بِكُفْرِهِمْ، وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قِيلَ لَهُمُ: الظَّالِمُونَ لِعِبَادَتِهِمْ، مَنْ لَا تَجُوزُ عِبَادَتُهُ مِنَ الْأَوْثَانِ وَالْآلِهَةِ، فَيَكُونُ بِوَضْعِهِمُ الْعِبَادَةَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا إِذْ كَانَ ظُلْمًا سُمُّوا بِذَلِكَ ظَالِمِينَ
١٣ ‏/ ٦١٣
وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ﴾ [إبراهيم: ١٤] هَذَا وَعَدٌ مِنَ اللَّهِ مَنْ وَعَدَ مِنْ أَنْبِيَائِهِ النَّصْرَ عَلَى الْكَفَرَةِ بِهِ مِنْ قَوْمِهِ، يَقُولُ: لَمَّا تَمَادَتْ أُمَمُ الرُّسُلِ فِي الْكُفْرِ، وَتَوَعَّدُوا رُسُلَهُمْ بِالْوُقُوعِ بِهِمْ، أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِمْ بِإِهْلَاكِ مَنْ كَفَرَ بِهِمْ مِنْ أُمَمِهِمْ وَوَعَدَهُمُ النَّصْرَ وَكُلُّ ذَلِكَ كَانَ مِنَ اللَّهِ وَعِيدًا وَتَهْدِيدًا لِمُشْرِكِي قَوْمِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ ﷺ عَلَى كُفْرِهِمْ بِهِ وَجَرَاءَتِهِمْ عَلَى نَبِيِّهِ، وَتَثْبِيتًا لِمُحَمَّدٍ ﷺ، وَأَمْرًا لَهُ بِالصَّبْرِ عَلَى مَا لَقِيَ مِنَ الْمَكْرُوهِ فِيهِ مِنْ مُشْرِكِي قَوْمِهِ، كَمَا صَبَرَ مَنْ كَانَ قَبْلَهُ مِنْ أُولِي الْعَزْمِ مِنْ رُسُلِهِ، وَمَعْرِفَةَ أَنَّ عَاقِبَةَ أَمْرِ مَنْ كَفَرَ بِهِ الْهَلَاكُ، وَعَاقِبَتَهُ النَّصْرُ عَلَيْهِمْ، ﴿سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ﴾ [الأحزاب: ٣٨]
١٣ ‏/ ٦١٣
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ﴾ [إبراهيم: ١٤] قَالَ: «وَعَدَهُمُ النَّصْرَ فِي الدُّنْيَا، وَالْجَنَّةَ فِي الْآخِرَةِ»
١٣ ‏/ ٦١٣
وَقَوْلُهُ: ﴿ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ﴾ [إبراهيم: ١٤] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: هَكَذَا فِعْلِي لِمَنْ خَافَ مَقَامَهُ بَيْنَ يَدَيَّ، وَخَافَ وَعِيدِي، فَاتَّقَانِي بِطَاعَتِهِ وَتَجَنَّبَ سَخَطِي، أَنْصُرُهُ عَلَى مَنْ أَرَادَ بِهِ سُوءًا وَبَغَاهُ مَكْرُوهًا مِنْ أَعْدَائِي، أُهْلِكْ عَدُوَّهُ وَأَخْزِيهِ، وَأُوَرِّثُهُ أَرْضَهُ وَدِيَارَهُ، وَقَالَ: ﴿لِمَنْ خَافَ مَقَامِي﴾ [إبراهيم: ١٤] وَمَعْنَاهُ مَا ⦗٦١٤⦘ قُلْتُ مِنْ أَنَّهُ لِمَنْ خَافَ مَقَامَهِ بَيْنَ يَدَيَّ بِحَيْثُ أُقِيمُهُ هُنَالِكَ لِلْحِسَابِ، كَمَا قَالَ: ﴿وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ﴾ [الواقعة: ٨٢] مَعْنَاهُ: وَتَجْعَلُونَ رِزْقِي إِيَّاكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ، وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَبَ تُضِيفُ أَفْعَالَهَا إِلَى أَنْفُسِهَا، وَإِلَى مَا أَوْقَعَتْ عَلَيْهِ، فَتَقُولُ: قَدْ سُرِرْتُ بِرُؤْيَتِكَ وَبِرُؤْيَتِي إِيَّاكَ، فَكَذَلِكَ ذَلِكَ
١٣ ‏/ ٦١٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ﴾ [إبراهيم: ١٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَاسْتَفْتَحَتِ الرُّسُلُ عَلَى قَوْمِهَا: أَيْ اسْتَنْصَرَتِ اللَّهَ عَلَيْهَا ﴿وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ﴾ [إبراهيم: ١٥] يَقُولُ: هَلَكَ كُلُّ مُتَكَبِّرٍ جَائِرٍ حَائِدٍ عَنِ الْإِقْرَارِ بِتَوْحِيدِ اللَّهِ وَإِخْلَاصِ الْعِبَادَةِ لَهُ، وَالْعَنِيدُ وَالْعَانِدُ وَالْعَنُودُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَمِنَ الْجَبَّارِ تَقُولُ: هُوَ جَبَّارٌ بَيْنَ الْجَبَرِيَّةِ وَالْجَبَرُوتِيَّةِ وَالْجَبْرُوَّةِ وَالْجَبَرُوتِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٣ ‏/ ٦١٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَاسْتَفْتَحُوا﴾ [إبراهيم: ١٥] قَالَ:»الرُّسُلُ كُلُّهَا، يَقُولُ: «اسْتَنْصَرُوا عَلَى أَعْدَائِهِمْ وَمُعَانِدِيهِمْ: أَيْ عَلَى مَنْ عَانَدَ عَنِ اتِّبَاعِ الْحَقِّ وَتَجَنَّبَهُ». ⦗٦١٥⦘ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: ثنا شَبَابَةُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٣ ‏/ ٦١٤
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ح. وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَاسْتَفْتَحُوا﴾ [إبراهيم: ١٥] قَالَ: “الرُّسُلُ كُلُّهَا اسْتَنْصَرُوا ﴿وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ﴾ [إبراهيم: ١٥] قَالَ: «مُعَانِدٌ لِلْحَقِّ مُجَانِبُهُ» . حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: اسْتَفْتَحُوا عَلَى قَوْمِهِمْ
١٣ ‏/ ٦١٥
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ﴾ [إبراهيم: ١٥] قَالَ: «كَانَتِ الرُّسُلُ وَالْمُؤْمِنُونَ يَسْتَضْعِفُهُمْ قَوْمُهُمْ، وَيَقْهَرُونَهُمْ، وَيُكَذِّبُونَهُمْ، وَيَدْعُونَهُمْ إِلَى أَنْ يَعُودُوا فِي مِلَّتِهِمْ، فَأَبَى اللَّهُ عز وجل لِرُسُلِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَعُودُوا فِي مِلَّةِ الْكُفْرِ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَتَوَكَّلُوا عَلَى اللَّهِ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَسْتَفْتِحُوا عَلَى الْجَبَابِرَةِ، وَوَعَدَهُمْ أَنْ يُسْكِنَهُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ، فَأَنْجَزَ اللَّهُ لَهُمْ مَا وَعَدَهُمْ، وَاسْتَفْتَحُوا كَمَا أَمَرَهُمْ أَنْ يَسْتَفْتِحُوا ﴿وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ﴾ [إبراهيم: ١٥]»
١٣ ‏/ ٦١٥
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ، قَالَ: ثنا أَبُو عَوَانَةَ، عَنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ﴾ [إبراهيم: ١٥] قَالَ: «هُوَ النَّاكِبُ عَنِ الْحَقِّ؛ أَيِ الْحَائِدِ عَنِ اتِّبَاعِ طَرِيقِ الْحَقِّ»
١٣ ‏/ ٦١٥
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ قَالَ: ثنا مُطَرِّفٌ، عَنْ بِشْرٍ، عَنْ هُشَيْمٍ، ⦗٦١٦⦘ عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ: ﴿وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ﴾ [إبراهيم: ١٥] قَالَ: «النَّاكِبُ عَنِ الْحَقِّ»
١٣ ‏/ ٦١٥
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَاسْتَفْتَحُوا﴾ [إبراهيم: ١٥] يَقُولُ: «اسْتَنْصَرَتِ الرُّسُلُ عَلَى قَوْمِهَا، قَوْلُهُ: ﴿وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ﴾ [إبراهيم: ١٥] وَالْجَبَّارُ الْعَنِيدُ: الَّذِي أَبَى أَنْ يَقُولَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ»
١٣ ‏/ ٦١٦
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿وَاسْتَفْتَحُوا﴾ [إبراهيم: ١٥] قَالَ: «اسْتَنْصَرَتِ الرُّسُلُ عَلَى قَوْمِهَا ﴿وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ﴾ [إبراهيم: ١٥] يَقُولُ: بَعِيدٍ عَنِ الْحَقِّ مُعْرِضٍ عَنْهُ». حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، مِثْلَهُ، وَزَادَ فِيهِ: مُعْرِضٌ عَنْهُ، أَبَى أَنْ يَقُولَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ “
١٣ ‏/ ٦١٦
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ﴾ [إبراهيم: ١٥] قَالَ: «الْعَنِيدُ عَنِ الْحَقِّ الَّذِي يَعْنِدُ عَنِ الطَّرِيقِ» قَالَ: وَالْعَرَبُ تَقُولُ: شَرُّ الْإِبِلِ الْعَنِيدُ، الَّذِي يَخْرُجُ عَنِ الطَّرِيقِ “
١٣ ‏/ ٦١٦
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ﴾ [إبراهيم: ١٥] قَالَ: «الْجَبَّارُ: هُوَ الْمُتَجَبِّرُ» وَكَانَ ابْنُ زَيْدٍ يَقُولُ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿وَاسْتَفْتَحُوا﴾ [إبراهيم: ١٥] خِلَافَ قَوْلِ هَؤُلَاءِ، ⦗٦١٧⦘ وَيَقُولُ: إِنَّمَا اسْتَفْتَحَتِ الْأُمَمُ، فَأُجِيبَتْ
١٣ ‏/ ٦١٦
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَاسْتَفْتَحُوا﴾ [إبراهيم: ١٥] قَالَ: «اسْتِفْتَاحُهُمْ بِالْبَلَاءِ، قَالُوا: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا الَّذِي أَتَى بِهِ مُحَمَّدٌ هُوَ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ، كَمَا أَمْطَرْتَهَا عَلَى قَوْمِ لُوطٍ، أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ قَالَ:»كَانَ اسْتِفْتَاحُهُمْ بِالْبَلَاءِ كَمَا اسْتَفْتَحَ قَوْمُ هُودٍ، ﴿ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾ قَالَ: «فَالِاسْتِفْتَاحُ: الْعَذَابُ. قَالَ: قِيلَ لَهُمْ: إِنَّ لِهَذَا أَجَلًا، حِينَ سَأَلُوا اللَّهَ أَنْ يَنْزِلَ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ: بَلْ نُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ، فَقَالُوا: لَا نُرِيدُ أَنْ نُؤَخَّرَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ﴿رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا﴾ [ص: ١٦] عَذَابَنَا ﴿قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ﴾ [ص: ١٦] وَقَرَأَ: ﴿وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلَا أَجْلٌ مُسَمًّى لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ﴾ [العنكبوت: ٥٣] حَتَّى بَلَغَ: ﴿وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ، وَيَقُولُ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [العنكبوت: ٥٥]»
١٣ ‏/ ٦١٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ. يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ، وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ، وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ﴾ [إبراهيم: ١٧] يَقُولُ عَزَّ ذِكْرُهُ: ﴿مِنْ وَرَائِهِ﴾ [إبراهيم: ١٦] مِنْ أَمَامِ كُلِّ جَبَّارٍ ﴿جَهَنَّمُ﴾ [البقرة: ٢٠٦] يَرِدُونَهَا وَوَرَاءَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: يَعْنِي أَمَامَ، كَمَا يُقَالُ: إِنَّ الْمَوْتَ مِنْ وَرَائِكَ: أَيْ قُدَّامِكَ، وَكَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الوافر]
١٣ ‏/ ٦١٧
أَتُوعِدُنِي وَرَاءَ بَنِي رِيَاحٍ … كَذَبْتَ لَتَقْصُرَنَّ يَدَاكَ دُونِي
يَعْنِي وَرَاءَ بَنِي رِيَاحٍ: قُدَّامَ بَنِي رِيَاحٍ وَأَمَامَهُمْ. وَكَانَ بَعْضُ نَحْوِيِّي أَهْلِ الْبَصْرَةِ يَقُولُ: إِنَّمَا يَعْنِي بِقَوْلِهِ: ﴿مِنْ وَرَائِهِ﴾ [إبراهيم: ١٦] أَيْ مِنْ أَمَامِهِ، لِأَنَّهُ وَرَاءَ مَا هُوَ فِيهِ، كَمَا يَقُولُ لَكَ: وَكُلُّ هَذَا مِنْ وَرَائِكَ: أَيْ سَيَأْتِي عَلَيْكَ، وَهُوَ مِنْ وَرَاءِ مَا أَنْتَ فِيهِ لِأَنَّ مَا أَنْتَ فِيهِ قَدْ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ وَهُوَ مِنْ وَرَائِهِ وَقَالَ: ﴿وَرَاءَهُمْ مَلَكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا﴾ [الكهف: ٧٩] مِنْ هَذَا الْمَعْنَى: أَيْ كَانَ وَرَاءَ مَا هُمْ فِيهِ أَمَامَهُمْ. وَكَانَ بَعْضُ نَحْوِيِّي أَهْلِ الْكُوفَةِ يَقُولُ: أَكْثَرُ مَا يَجُوزُ هَذَا فِي الْأَوْقَاتِ، لِأَنَّ الْوَقْتَ يَمُرُّ عَلَيْكَ فَيَصِيرُ خَلْفَكَ إِذَا جُزْتَهُ، وَكَذَلِكَ كَانَ وَرَاءَهُمْ مَلَكٌ، لِأَنَّهُمْ يَجُوزُونَهُ فَيَصِيرُ وَرَاءَهُمْ. وَكَانَ بَعْضُهُمْ يَقُولُ: هُوَ مِنْ حُرُوفِ الْأَضْدَادِ، يَعْنِي وَرَاءَ يَكُونُ قُدَّامًا وَخَلْفًا
١٣ ‏/ ٦١٨
وَقَوْلُهُ: ﴿وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ﴾ [إبراهيم: ١٦] يَقُولُ: وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ، ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ الْمَاءَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ وَمَا هُوَ، فَقَالَ: هُوَ صَدِيدٌ، وَلِذَلِكَ رَدَّ الصَّدِيدَ فِي إِعْرَابِهِ عَلَى الْمَاءِ، لِأَنَّهُ بَيَانٌ عَنْهُ، وَالصَّدِيدُ: هُوَ الْقَيْحُ وَالدَّمُ، وَكَذَلِكَ تَأَوَّلَهُ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٣ ‏/ ٦١٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، ح. وَحَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: ثنا ⦗٦١٩⦘ شَبَابَةُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ﴾ [إبراهيم: ١٦] قَالَ: «قَيْحٌ وَدَمٌ» . حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٣ ‏/ ٦١٨
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ﴾ [إبراهيم: ١٦] «وَالصَّدِيدُ: مَا يَسِيلُ مِنْ دَمِهِ وَلَحْمِهِ وَجِلْدِهِ»
١٣ ‏/ ٦١٩
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ﴾ [إبراهيم: ١٦] قَالَ: «مَا يَسِيلُ مِنْ بَيْنِ لَحْمِهِ وَجِلْدِهِ»
١٣ ‏/ ٦١٩
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا هِشَامٌ، عَمَّنْ ذَكَرَهُ عَنِ الضَّحَّاكِ: ﴿وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ﴾ [إبراهيم: ١٦] قَالَ: «يَعْنِي بِالصَّدِيدِ: مَا يَخْرُجُ مِنْ جَوْفِ الْكَافِرِ قَدْ خَالَطَ الْقَيْحَ وَالدَّمَ»
١٣ ‏/ ٦١٩
وَقَوْلُهُ: ﴿يَتَجَرَّعُهُ﴾ [إبراهيم: ١٧] يَتَحَسَّاهُ، ﴿وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ﴾ [إبراهيم: ١٧] يَقُولُ: وَلَا يَكَادُ يَزْدَرِدَهُ مِنْ شِدَّةِ كَرَاهَتِهِ، وَهُوَ يُسِيغُهُ مِنْ شِدَّةِ الْعَطَشِ. وَالْعَرَبُ تَجْعَلُ «لَا يَكَادُ» فِيمَا قَدْ فُعِلَ، وَفِيمَا لَمْ يُفْعَلْ فَأَمَّا مَا قَدْ فُعِلَ فَمِنْهُ ⦗٦٢٠⦘ هَذَا، لِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ جَعَلَ لَهُمْ ذَلِكَ شَرَابًا، وَأَمَّا مَا لَمْ يُفْعَلْ وَقَدْ دَخَلَتْ فِيهِ «كَادَ» فَقَوْلُهُ: ﴿إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا﴾ [النور: ٤٠] فَهُوَ لَا يَرَاهَا. وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ﴾ [إبراهيم: ١٧] وَهُوَ يُسِيغُهُ، جَاءَ الْخَبَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ
١٣ ‏/ ٦١٩
ذِكْرُ الرِّوَايَةِ بِذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِبْرَاهِيمُ أَبُو إِسْحَاقَ الطَّالْقَانِيُّ، قَالَ: ثنا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ يَتَجَرَّعُهُ﴾ [إبراهيم: ١٧]: «فَإِذَا شَرِبَهُ قَطَّعَ أَمْعَاءَهُ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ دُبُرِهِ» يَقُولُ اللَّهُ عز وجل: ﴿وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ﴾ [محمد: ١٥] وَيَقُولُ: ﴿وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ﴾ [الكهف: ٢٩]». حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا مَعْمَرٌ، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ قَالَ: ثنا صَفْوَانُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ﴾ [إبراهيم: ١٦] فَذَكَرَ مِثْلَهُ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ ﴿سُقُوا مَاءً حَمِيمًا﴾ [محمد: ١٥] . حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ خَلَفٍ الْعَسْقَلَانِيُّ قَالَ: ثنا حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ الْحِمْصِيُّ قَالَ: ⦗٦٢١⦘ ثنا بَقِيَّةُ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: ثني عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ بُسْرٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ مِثْلَهُ سَوَاءً
١٣ ‏/ ٦٢٠
وَقَوْلُهُ: ﴿وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ﴾ [إبراهيم: ١٧] فَإِنَّهُ يَقُولُ: وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ، وَعَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ، وَمِنْ كُلِّ مَوْضِعٍ مِنْ أَعْضَاءِ جَسَدِهِ ﴿وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ﴾ [إبراهيم: ١٧] لِأَنَّهُ لَا تَخْرُجُ نَفْسُهُ فَيَمُوتُ فَيَسْتَرِيحُ، وَلَا يَحْيَا لِتَعَلُّقِ نَفْسِهِ بِالْحَنَاجِرَ، فَلَا تَرْجِعُ إِلَى مَكَانِهَا، كَمَا
١٣ ‏/ ٦٢١
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ﴾ [إبراهيم: ١٧] قَالَ: «تُعَلَّقُ نَفْسُهُ عِنْدَ حَنْجَرَتِهِ، فَلَا تَخْرُجُ مِنْ فِيهِ فَيَمُوتُ وَلَا تَرْجِعُ إِلَى مَكَانِهَا مِنْ جَوْفِهِ فَيَجِدُ لِذَلِكَ رَاحَةً فَتَنْفَعُهُ الْحَيَاةُ»
١٣ ‏/ ٦٢١
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثنا الْعَوَّامُ بْنُ حَوْشَبٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، قَوْلُهُ: “﴿وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ﴾ [إبراهيم: ١٧] قَالَ: «مِنْ تَحْتِ كُلِّ شَعْرَةٍ فِي جَسَدِهِ»
١٣ ‏/ ٦٢١
وَقَوْلُهُ: ﴿وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ﴾ [إبراهيم: ١٧] يَقُولُ: وَمِنْ وَرَاءِ مَا هُوَ فِيهِ مِنَ الْعَذَابِ، يَعْنِي أَمَامَهُ وَقُدَّامَهُ عَذَابٌ غَلِيظٌ
١٣ ‏/ ٦٢١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ
١٣ ‏/ ٦٢١
اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ، لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ، ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ﴾ [إبراهيم: ١٨] اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي رَافِعِ ﴿مَثَلُ﴾ [البقرة: ١١٣]، فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ: إِنَّمَا هُوَ كَأَنَّهُ قَالَ: وَمِمَّا نَقَصَ عَلَيْكَ ﴿مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [إبراهيم: ١٨] ثُمَّ أَقْبَلَ يُفَسِّرُ كَمَا قَالَ: ﴿مَثَلُ الْجَنَّةِ﴾ [الرعد: ٣٥] وَهَذَا كَثِيرٌ. وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفِيِّينَ: إِنَّمَا الْمَثَلُ لِلْأَعْمَالِ، وَلَكِنَّ الْعَرَبَ تُقَدِّمُ الْأَسْمَاءَ لِأَنَّهَا أَعْرَفُ، ثُمَّ تَأْتِي بِالْخَبَرِ الَّذِي تُخْبِرُ عَنْهُ مَعَ صَاحِبِهِ، وَمَعْنَى الْكَلَامِ: مَثَلُ أَعْمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ كَرَمَادٍ، كَمَا قِيلَ: ﴿وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ﴾ [الزمر: ٦٠] وَمَعْنَى الْكَلَامِ: تَرَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ وُجُوهَ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ مُسْوَدَّةً قَالَ: وَلَوْ خَفَضَ الْأَعْمَالَ جَازَ، كَمَا قَالَ: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ﴾ [البقرة: ٢١٧] الْآيَةَ وَقَوْلُهُ: ﴿مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾ [الرعد: ٣٥] قَالَ: “فَتَجْرِي هُوَ فِي مَوْضِعِ الْخَبَرِ، كَأَنَّهُ قَالَ: أَنْ تَجْرِيَ، وَأَنْ يَكُونَ كَذَا وَكَذَا، فَلَوْ أَدْخَلَ «أَنَّ» جَازَ، قَالَ: وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
[البحر الوافر] ذَرِينِي إِنَّ أَمْرَكِ لَنْ يُطَاعَا … وَمَا أَلْفَيْتِنِي حِلْمِي مُضَاعَا
قَالَ: فَالْحِلْمُ مَنْصُوبٌ بِـ «أَلْفَيْتِ» عَلَى التَّكْرِيرِ، قَالَ: وَلَوْ رَفَعَهُ كَانَ صَوَابًا. قَالَ: وَهَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِأَعْمَالِ الْكُفَّارِ، فَقَالَ: مَثَلُ أَعْمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الَّتِي كَانُوا يَعْمَلُونَهَا فِي الدُّنْيَا يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ يُرِيدُونَ اللَّهَ بِهَا، مَثَلُ رَمَادٍ
١٣ ‏/ ٦٢٢
عَصَفَتِ الرِّيحُ عَلَيْهِ فِي يَوْمِ رِيحٍ عَاصِفٍ، فَنَسَفَتْهُ وَذَهَبَتْ بِهِ، فَكَذَلِكَ أَعْمَالُ أَهْلِ الْكُفْرِ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، لَا يَجِدُونَ مِنْهَا شَيْئًا يَنْفَعُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ فَيُنْجِيهِمْ مِنْ عَذَابِهِ، لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَعْمَلُونَهَا للَّهِ خَالِصًا، بَلْ كَانُوا يُشْرِكُونَ فِيهَا الْأَوْثَانَ وَالْأَصْنَامَ. يَقُولُ اللَّهُ عز وجل: ﴿ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ﴾ [إبراهيم: ١٨] يَعْنِي أَعْمَالَهُمُ الَّتِي كَانُوا يَعْمَلُونَهَا فِي الدُّنْيَا الَّتِي يُشْرِكُونَ فِيهَا مَعَ اللَّهِ شُرَكَاءَ، هِيَ أَعْمَالٌ عُمِلَتْ عَلَى غَيْرِ هُدًى وَاسْتِقَامَةٍ، بَلْ عَلَى جَوْرٍ عَنِ الْهُدَى بَعِيدٍ، وَأَخْذٍ عَلَى غَيْرِ اسْتِقَامَةٍ شَدِيدٍ. وَقِيلَ: ﴿فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ﴾ [إبراهيم: ١٨] فَوُصِفَ بِالْعُصُوفِ، وَهُوَ مِنْ صِفَةِ الرِّيحِ، لِأَنَّ الرِّيحَ تَكُونُ فِيهِ كَمَا يُقَالُ: يَوْمٌ بَارِدٌ، وَيَوْمٌ حَارٌّ، لِأَنَّ الْبَرْدَ وَالْحَرَارَةَ يَكُونَانِ فِيهِ؛ وَكَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الرجز] يَوْمَيْنِ غَيْمَيْنِ وَيَوْمًا شَمْسَا
فَوَصَفَ الْيَوْمَيْنِ بِالْغَيْمَيْنِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ الْغَيْمُ فِيهِمَا وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أُرِيدَ بِهِ فِي يَوْمٍ عَاصِفِ الرِّيحِ، فَحُذِفَتِ الرِّيحُ لِأَنَّهَا قَدْ ذُكِرَتْ قَالَ ذَلِكَ، فَيَكُونُ ذَلِكَ نَظِيرَ قَوْلِ الشَّاعِرِ:
[البحر الطويل] إِذَا جَاءَ يَوْمٌ مُظْلِمُ الشَّمْسِ كَاسِفُ
يُرِيدُ: كَاسِفَ الشَّمْسِ
١٣ ‏/ ٦٢٣
وَقِيلَ: هُوَ مِنْ نَعْتِ الرِّيحِ خَاصَّةً، غَيْرَ أَنَّهُ لَمَّا جَاءَ بَعْدَ الْيَوْمِ أُتْبِعَ إِعْرَابَهُ، وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَبَ تُتْبِعُ الْخَفْضَ الْخَفْضَ فِي النُّعُوتِ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر البسيط] تُرِيكَ سُنَّةَ وَجْهٍ غَيْرِ مُقْرِفَةٍ … مَلْسَاءَ لَيْسَ بِهَا خَالٌ وَلَا نَدَبُ
فَخَفَضَ «غَيْرِ» إِتْبَاعًا لِإِعْرَابِ الْوَجْهِ، وَإِنَّمَا هِيَ مِنْ نَعْتِ السُّنَّةِ، وَالْمَعْنَى: سُنَّةَ وَجْهٍ غَيْرَ مُقْرِفَةٍ، وَكَمَا قَالُوا: هَذَا جُحْرُ ضَبٍّ خَرِبٍ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٣ ‏/ ٦٢٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ﴾ [إبراهيم: ١٨] قَالَ: «حَمَلَتْهُ الرِّيحُ ﴿فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ﴾ [إبراهيم: ١٨]»
١٣ ‏/ ٦٢٤
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ﴾ [إبراهيم: ١٨] يَقُولُ: الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وعَبَدُوا غَيْرَهُ، فَأَعْمَالُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ، لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ أَعْمَالِهِمْ يَنْفَعُهُمْ، كَمَا لَا يَقْدِرُ عَلَى الرَّمَادِ إِذَا أَرْسَلَ عَلَيْهِ ⦗٦٢٥⦘ الرِّيحَ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ “
١٣ ‏/ ٦٢٤
وَقَوْلُهُ: ﴿ذَلِكَ هُوَ الضُّلَّالُ الْبَعِيدُ﴾ [إبراهيم: ١٨] أَيِ الْخَطَأُ الْبَيِّنُ الْبَعِيدُ عَنْ طَرِيقِ الْحَقِّ
١٣ ‏/ ٦٢٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ، إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ﴾ يَقُولُ عَزَّ ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: أَلَمْ تَرَ يَا مُحَمَّدُ بِعَيْنِ قَلْبِكَ، فَتَعْلَمَ أَنَّ اللَّهَ أَنْشَأَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ مُنْفَرِدًا بِإِنْشَائِهَا بِغَيْرِ ظَهِيرٍ وَلَا مُعِينٍ ﴿إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ [إبراهيم: ١٩] يَقُولُ: إِنَّ الَّذِي تَفَرَّدَ بِخَلْقِ ذَلِكَ وَإِنْشَائِهِ مِنْ غَيْرِ مُعِينٍ وَلَا شَرِيكٍ، إِنْ هُوَ شَاءَ أَنْ يُذْهِبَكُمْ فَيُفْنِيَكُمْ أَذْهَبَكُمْ وَأَفْنَاكُمْ، وَيَأْتِ بِخَلْقٍ آخَرَ سِوَاكُمْ مَكَانَكُمْ، فَيُجَدِّدَ خَلْقَهُمْ
١٣ ‏/ ٦٢٥
﴿وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ﴾ [إبراهيم: ٢٠] يَقُولُ: وَمَا إِذْهَابُكُمْ وَإِفْنَاؤُكُمْ وَإِنْشَاءُ خَلْقٍ آخَرَ سِوَاكُمْ مَكَانَكُمْ عَلَى اللَّهِ بِمُمْتَنِعٍ وَلَا مُتَعَذَّرٍ، لِأَنَّهُ الْقَادِرُ عَلَى مَا يَشَاءُ. وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ﴾ [إبراهيم: ١٩] فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ وَبَعْضُ الْكُوفِيِّينَ: «خَلَقَ» عَلَى «فَعَلَ» وَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْكُوفَةِ (خَالِقُ) عَلَى «فَاعِلُ»، وَهُمَا قِرَاءَتَانِ مُسْتَفِيضَتَانِ، قَدْ قَرَأَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا أَئِمَّةٌ مِنَ الْقُرَّاءِ مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ
١٣ ‏/ ٦٢٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَبَرَزُوا للَّهِ جَمِيعًا، فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا
١٣ ‏/ ٦٢٥
إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا، فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ، قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ، سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ﴾ [إبراهيم: ٢١] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَبَرَزُوا للَّهِ جَمِيعًا﴾ [إبراهيم: ٢١] وَظَهَرَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ قُبُورِهِمْ فَصَارُوا بِالْبَرَازِ مِنَ الْأَرْضِ جَمِيعًا، يَعْنِي كُلَّهُمْ ﴿فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا﴾ [إبراهيم: ٢١] يَقُولُ: فَقَالَ التُّبَّاعُ مِنْهُمْ لِلْمَتْبُوعِينَ، وَهُمُ الَّذِينَ كَانُوا يَسْتَكْبِرُونَ فِي الدُّنْيَا عَنْ إِخْلَاصِ الْعِبَادَةِ للَّهِ وَاتِّبَاعِ الرُّسُلِ الَّذِينَ أُرْسِلُوا إِلَيْهِمْ: ﴿إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا﴾ [إبراهيم: ٢١] فِي الدُّنْيَا، وَالتَّبَعُ: جَمْعُ تَابِعٍ، كَمَا الْغَيَبُ جَمْعُ غَائِبٍ، وَإِنَّمَا عَنَوْا بِقَوْلِهِمْ: ﴿إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا﴾ [إبراهيم: ٢١] أَنَّهُمْ كَانُوا أَتْبَاعَهُمْ فِي الدُّنْيَا، يَأْتَمِرُونَ لِمَا يَأْمُرُونَهُمْ بِهِ مِنْ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ وَالْكُفْرِ بِاللَّهِ، وَيَنْتَهُونَ عَمَّا نَهَوْهُمْ عَنْهُ مِنِ اتِّبَاعِ رُسُلِ اللَّهِ، ﴿فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ﴾ [إبراهيم: ٢١] يَعْنُونَ: فَهَلْ أَنْتُمْ دَافِعُونَ عَنَّا الْيَوْمَ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ، وَكَانَ ابْنُ جُرَيْجٍ يَقُولُ نَحْوَ ذَلِكَ
١٣ ‏/ ٦٢٦
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَوْلُهُ: ﴿فَقَالَ الضُّعَفَاءُ﴾ [إبراهيم: ٢١] قَالَ: “الْأَتْبَاعُ ﴿لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا﴾ [إبراهيم: ٢١] قَالَ: «لِلْقَادَةِ»
١٣ ‏/ ٦٢٦
قَوْلُهُ: ﴿لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ﴾ [إبراهيم: ٢١] يَقُولُ عَزَّ ذِكْرُهُ: قَالَتِ الْقَادَةُ عَلَى الْكُفْرِ بِاللَّهِ لِتُبَّاعِهَا: ﴿لَوْ هَدَانَا اللَّهُ﴾ [إبراهيم: ٢١] يَعْنُونَ: لَوْ بَيَّنَ لَنَا شَيْئًا نَدْفَعُ بِهِ عَذَابَهُ عَنَّا الْيَوْمَ، ﴿لَهَدَيْنَاكُمْ﴾ [إبراهيم: ٢١] لَبَيَّنَّا ذَلِكَ لَكُمْ حَتَّى تَدْفَعُوا الْعَذَابَ عَنْ أَنْفُسِكُمْ، وَلَكِنَّا قَدْ جَزَعْنَا مِنَ الْعَذَابِ، فَلَمْ يَنْفَعْنَا جَزَعُنَا مِنْهُ وَصَبْرُنَا عَلَيْهِ، ﴿سَوَاءٌ عَلَيْنَا ⦗٦٢٧⦘ أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصِ﴾ [إبراهيم: ٢١] يَعْنُونَ: مَا لَهُمْ مِنْ مَزَاغٍ يَزُوغُونَ عَنْهُ، يُقَالُ مِنْهُ: حَاصَ عَنْ كَذَا إِذَا زَاغَ عَنْهُ يَحِيصُ حَيْصًا وَحُيُوصًا وَحَيَصَانًا
١٣ ‏/ ٦٢٦
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي لَيْلَى، أَحَدِ بَنِي عَامِرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ كَعْبٍ الْقُرَظِيَّ، يَقُولُ: «بَلَغَنِي أَوْ ذُكِرَ لِي أَنَّ» أَهْلَ النَّارِ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: يَا هَؤُلَاءِ، إِنَّهُ قَدْ نَزَلَ بِكُمْ مِنَ الْعَذَابِ وَالْبَلَاءِ مَا قَدْ تَرَوْنَ، فَهَلُمَّ فَلْنَصْبِرْ، فَلَعَلَّ الصَّبْرَ يَنْفَعُنَا كَمَا صَبَرَ أَهْلُ الدُّنْيَا عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ فَنَفَعَهُمُ الصَّبْرُ إِذْ صَبَرُوا قَالَ: فَيُجْمِعُونَ رَأْيَهُمْ عَلَى الصَّبْرِ، قَالَ: فَصَبَرُوا فَطَالَ صَبْرُهُمْ، ثُمَّ جَزَعُوا فَنَادَوْا: ﴿سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصِ﴾ [إبراهيم: ٢١] أَيْ مَنْجًى “
١٣ ‏/ ٦٢٧
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصِ﴾ [إبراهيم: ٢١] قَالَ: «إِنَّ» أَهْلَ النَّارِ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: تَعَالَوْا، فَإِنَّمَا أَدْرَكَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ بِبُكَائِهِمْ وَتَضَرُّعِهِمْ إِلَى اللَّهِ، ⦗٦٢٨⦘ فَتَعَالَوْا نَبْكِي وَنَتَضَرَّعُ إِلَى اللَّهِ قَالَ: فَبَكَوْا، فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ لَا يَنْفَعُهُمْ قَالُوا: تَعَالَوْا، فَمَا أَدْرَكَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ إِلَّا بِالصَّبْرِ، تَعَالَوْا نَصْبِرْ فَصَبَرُوا صَبْرًا لَمْ يُرَ مِثْلُهُ، فَلَمْ يَنْفَعُهُمْ ذَلِكَ فَعِنْدَ ذَلِكَ قَالُوا ﴿سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصِ﴾ [إبراهيم: ٢١]
١٣ ‏/ ٦٢٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ، وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي، فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ، مَا أنا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ، إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ، إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [إبراهيم: ٢٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَقَالَ إِبْلِيسُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ، يَعْنِي لَمَّا أُدْخِلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ وَأَهْلُ النَّارِ النَّارَ وَاسْتَقَرَّ بِكُلِّ فَرِيقٍ مِنْهُمْ قَرَارُهُمْ: إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ أَيُّهَا الْأَتْبَاعُ النَّارَ، وَوَعَدْتُكُمُ النُّصْرَةَ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَعْدِي، وَوَفَّى اللَّهُ لَكُمْ بِوَعْدِهِ ﴿وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ﴾ [إبراهيم: ٢٢] يَقُولُ: وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ فِيمَا وَعَدْتُكُمْ مِنَ النُّصْرَةِ مِنْ حُجَّةٍ تَثْبُتُ لِي عَلَيْكُمْ بِصِدْقِ قَوْلِي؛ ﴿إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ﴾ [إبراهيم: ٢٢] وَهَذَا الِاسْتِثْنَاءُ الْمُنْقَطِعُ عَنِ الْأَوَّلِ كَمَا تَقُولُ: مَا ضَرَبْتُهُ إِلَّا أَنَّهُ أَحْمَقُ، وَمَعْنَاهُ: وَلَكِنْ دَعَوْتُكُمْ ﴿فَاسْتَجَبْتُمْ لِي﴾ [إبراهيم: ٢٢] يَقُولُ: إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ إِلَى طَاعَتِي وَمَعْصِيَةِ اللَّهِ، فَاسْتَجَبْتُمْ لِدُعَائِي ﴿فَلَا تَلُومُونِي﴾ [إبراهيم: ٢٢] عَلَى إِجَابَتِكُمْ إِيَّايَ
١٣ ‏/ ٦٢٨
﴿وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ [إبراهيم: ٢٢] عَلَيْهَا ﴿مَا أنا بِمُصْرِخِكُمْ﴾ [إبراهيم: ٢٢] يَقُولُ: مَا أَنَا بِمُغِيثِكُمْ ﴿وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ﴾ [إبراهيم: ٢٢] وَلَا أَنْتُمْ بِمُغِيثِيَّ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ فَمُنَجِّيَّ مِنْهُ ﴿إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ﴾ [إبراهيم: ٢٢] يَقُولُ: إِنِّي جَحَدْتُ أَنْ أَكُونَ شَرِيكًا للَّهِ فِيمَا أَشْرَكْتُمُونِي فِيهِ مِنْ عِبَادَتِكُمْ مِنْ قَبْلُ فِي الدُّنْيَا ﴿إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [إبراهيم: ٢٢] يَقُولُ: إِنَّ الْكَافِرِينَ بِاللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ مِنَ اللَّهِ مُوجِعٌ. يُقَالُ: أَصْرَخْتُ الرَّجُلَ: إِذَا أَغَثْتَهُ إِصْرَاخًا، وَقَدْ صَرَخَ الصَّارِخُ يَصْرُخُ، وَيَصْرَخُ قَلِيلَةٌ وَهُوَ الصَّرِيخُ وَالصُّرَاخُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٣ ‏/ ٦٢٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا دَاوُدُ، عَنْ عَامِرٍ، فِي هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿مَا أنا بِمُصْرِخِكُمْ، وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ، إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ﴾ [إبراهيم: ٢٢] قَالَ: «خَطِيبَانِ يَقُومَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: إِبْلِيسُ، وَعِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ، فَأَمَّا إِبْلِيسُ فَيَقُومُ فِي حِزْبِهِ فَيَقُولُ هَذَا الْقَوْلَ، وَأَمَّا عِيسَى عليه السلام فَيَقُولُ: ﴿مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ، أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ، وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ، فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ، وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ [المائدة: ١١٧]»
١٣ ‏/ ٦٢٩
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ دَاوُدَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: «يَقُومُ خَطِيبَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: أَحَدُهُمَا عِيسَى، وَالْآخَرُ إِبْلِيسُ، فَأَمَّا إِبْلِيسُ فَيَقُومُ فِي حِزْبِهِ فَيَقُولُ: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ﴾ [إبراهيم: ٢٢] فَتَلَا دَاوُدُ حَتَّى بَلَغَ: ﴿بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ﴾ [إبراهيم: ٢٢] فَلَا أَدْرِي أَتَمَّ الْآيَةَ أَمْ لَا؟ وَأَمَّا عِيسَى عليه السلام فَيُقَالُ لَهُ ⦗٦٣٠⦘: ﴿أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ [المائدة: ١١٦] فَتَلَا حَتَّى بَلَغَ: ﴿إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [البقرة: ١٢٩]»
١٣ ‏/ ٦٢٩
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: ثنا عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ عَامِرٍ قَالَ: «يَقُومُ خَطِيبَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رُءُوسِ النَّاسِ، يَقُولُ اللَّهُ عز وجل: يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ ﴿أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ [المائدة: ١١٦] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿هَذَا يَوْمٌ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ﴾ [المائدة: ١١٩] قَالَ:»وَيَقُومُ إِبْلِيسُ فَيَقُولُ: ﴿وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ، فَاسْتَجَبْتُمْ لِي، فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ، مَا أنا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ﴾ [إبراهيم: ٢٢] مَا أَنَا بِمُغِيثِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُغِيثِيَّ “
١٣ ‏/ ٦٣٠
حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ: ثني خَالِدٌ، عَنْ دَاوُدَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ فِي قَوْلِهِ: ﴿مَا أنا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ﴾ [إبراهيم: ٢٢] قَالَ: «خَطِيبَانِ يَقُومَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَأَمَّا إِبْلِيسُ فَيَقُولُ هَذَا، وَأَمَا عِيسَى فَيَقُولُ: ﴿مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ﴾ [المائدة: ١١٧]»
١٣ ‏/ ٦٣٠
حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ رِشْدِينَ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِيَادٍ، عَنْ دُخَيْنٍ الْحَجْرِيِّ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، ذَكَرَ الْحَدِيثَ قَالَ: «يَقُولُ عِيسَى: ذَلِكُمُ النَّبِيُّ الْأُمِّيُّ فَيَأْتُونَنِي، فَيَأْذَنُ اللَّهُ لِي أَنْ أَقُومَ فَيَثُورُ مِنْ مَجْلِسِي مِنْ أَطْيَبِ رِيحٍ شَمَّهَا أَحَدٌ حَتَّى آتِيَ رَبِّي، فَيُشَفِّعَنِي، وَيَجْعَلَ لِي نُورًا إِلَى نُورٍ مِنْ شَعْرِ رَأْسِي إِلَى ظُفُرِ ⦗٦٣١⦘ قَدَمِي، ثُمَّ يَقُولُ الْكَافِرُونَ: قَدْ وَجَدَ الْمُؤْمِنُونَ مَنْ يَشْفَعُ لَهُمْ فَقُمْ أَنْتَ فَاشْفَعْ لَنَا، فَإِنَّكَ أَنْتَ أَضْلَلْتَنَا، فَيَقُومُ فَيَثُورُ مِنْ مَجْلِسِهِ أَنْتَنُ رِيحٍ شَمَّهَا أَحَدٌ، ثُمَّ يَعْظُمُ نَحِيبُهُمْ، وَيَقُولُ عِنْدَ ذَلِكَ: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ، وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ﴾ [إبراهيم: ٢٢] الْآيَةَ»
١٣ ‏/ ٦٣٠
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ رَجُلٍ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ﴾ [إبراهيم: ٢٢] قَالَ: «إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، قَامَ إِبْلِيسُ خَطِيبًا عَلَى مِنْبَرٍ مِنْ نَارٍ، فَقَالَ: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ﴾ [إبراهيم: ٢٢] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ﴾ [إبراهيم: ٢٢] قَالَ:»بِنَاصِرِيَّ؛ ﴿إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ﴾ [إبراهيم: ٢٢] قَالَ: «بِطَاعَتِكُمْ إِيَّايَ فِي الدُّنْيَا»
١٣ ‏/ ٦٣١
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا سُوَيْدٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَمَّنْ ذَكَرَهُ قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ كَعْبٍ الْقُرَظِيَّ، قَالَ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ﴾ [إبراهيم: ٢٢] قَالَ: «قَامَ إِبْلِيسُ يَخْطُبُهُمْ فَقَالَ: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ﴾ [إبراهيم: ٢٢] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿مَا أنا بِمُصْرِخِكُمْ﴾ [إبراهيم: ٢٢] يَقُولُ: بِمُغْنٍ عَنْكُمْ شَيْئًا، ﴿وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ﴾ [إبراهيم: ٢٢] قَالَ:»فَلَمَّا سَمِعُوا مَقَالَتَهُ مَقَتُوا أَنْفُسَهُمْ، ⦗٦٣٢⦘ قَالَا: فَنُودُوا: ﴿لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ﴾ [غافر: ١٠] الْآيَةَ “
١٣ ‏/ ٦٣١
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿مَا أنا بِمُصْرِخِكُمْ، وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ﴾ [إبراهيم: ٢٢] مَا أَنَا بِمُغِيثِكُمْ، وَمَا أَنْتُمْ بِمُغِيثِيَّ “
١٣ ‏/ ٦٣٢
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ﴾ [إبراهيم: ٢٢] يَقُولُ: عَصَيْتُ اللَّهَ قَبْلَكُمْ
١٣ ‏/ ٦٣٢
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿مَا أنا بِمُصْرِخِكُمْ، وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ﴾ [إبراهيم: ٢٢] قَالَ: «هَذَا قَوْلُ إِبْلِيسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَقُولُ: مَا أَنْتُمْ بِنَافِعِيَّ وَمَا أَنَا بِنَافِعِكُمْ، إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ قَالَ: شَرِكَتُهُ: عِبَادَتُهُ»
١٣ ‏/ ٦٣٢
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَرْثُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿بِمُصْرِخِيَّ﴾ [إبراهيم: ٢٢] قَالَ: «بِمُغِيثِيَّ» . حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: ثنا شَبَابَةُ قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. ⦗٦٣٣⦘ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٣ ‏/ ٦٣٢
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيِّ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، قَالَ: «مَا أَنَا بِمُنْجِيكُمْ، وَمَا أَنْتُمْ بِمُنْجِيَّ»
١٣ ‏/ ٦٣٣
حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ قَالَ: «خَطِيبُ السُّوءِ إِبْلِيسُ الصَّادِقُ، أَفَرَأَيْتُمْ صَادِقًا لَمْ يَنْفَعْهُ صِدْقُهُ ﴿إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ، وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ﴾ [إبراهيم: ٢٢] أَقْهَرُكُمْ بِهِ، ﴿إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي﴾ [إبراهيم: ٢٢] قَالَ:»أَطَعْتُمُونِي، ﴿فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ [إبراهيم: ٢٢] حِينَ أَطَعْتُمُونِي، ﴿مَا أنا بِمُصْرِخِكُمْ﴾ [إبراهيم: ٢٢] مَا أَنَا بِنَاصِرِكُمْ وَلَا مُغِيثِكُمْ، ﴿وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ﴾ [إبراهيم: ٢٢]: وَمَا أَنْتُمْ بِنَاصِرِيَّ وَلَا مُغِيثِيَّ لِمَا بِي، ﴿إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ، إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [إبراهيم: ٢٢]
١٣ ‏/ ٦٣٣
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا سُوَيْدٌ، قَالَ: ثنا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي لَيْلَى أَحَدِ بَنِي عَامِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ كَعْبٍ الْقُرَظِيَّ، يَقُولُ: ﴿وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ﴾ [إبراهيم: ٢٢] قَالَ: «قَامَ إِبْلِيسُ عِنْدَ ذَلِكَ، يَعْنِي حِينَ قَالَ أَهْلُ جَهَنَّمَ: ﴿سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصِ﴾ [إبراهيم: ٢١] فَخَطَبَ فَقَالَ: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ، وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ﴾ [إبراهيم: ٢٢] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿مَا أنا بِمُصْرِخِكُمْ﴾ [إبراهيم: ٢٢] يَقُولُ: بِمُغْنٍ عَنْكُمْ شَيْئًا، ﴿وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ، إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ﴾ [إبراهيم: ٢٢] قَالَ:»فَلَمَّا سَمِعُوا مَقَالَتَهُ مَقَتُوا أَنْفُسَهُمْ، قَالَ: فَنُودُوا ⦗٦٣٤⦘: ﴿لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ﴾ [غافر: ١٠]
١٣ ‏/ ٦٣٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ، خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ، تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ. أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ. تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا، وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾ [إبراهيم: ٢٤] يَقُولُ عَزَّ ذِكْرُهُ: وَأُدْخِلَ الَّذِينَ صَدَقُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَقَرُّوا بِوَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ وَبِرِسَالَةِ رُسُلِهِ وَأَنَّ مَا جَاءَتْ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ حَقٌّ، ﴿وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ [البقرة: ٢٥] يَقُولُ: وَعَمِلُوا بِطَاعَةِ اللَّهِ فَانْتَهُوا إِلَى أَمْرِ اللَّهِ وَنَهْيِهِ، ﴿جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾ [البقرة: ٢٥] بَسَاتِينَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ، ﴿خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ﴾ [إبراهيم: ٢٣] يَقُولُ: ادْخُلُوهَا بِأَمْرِ اللَّهِ لَهُمْ بِالدُّخُولِ ﴿تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ﴾ [إبراهيم: ٢٣] وَذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، كَمَا
١٣ ‏/ ٦٣٤
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَوْلُهُ: ﴿تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ﴾ [إبراهيم: ٢٣] قَالَ: «الْمَلَائِكَةُ يُسَلِّمُونَ عَلَيْهِمْ فِي الْجَنَّةِ»
١٣ ‏/ ٦٣٤
وَقَوْلُهُ: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ﴾ [إبراهيم: ٢٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: أَلَمْ تَرَ يَا مُحَمَّدُ بِعَيْنِ قَلْبِكَ فَتَعْلَمَ كَيْفَ مَثَّلَ اللَّهُ مَثَلًا وَشَبَّهَ شَبَهًا كَلِمَةً طَيِّبَةً، وَيَعْنِي بِالطَّيِّبَةِ: الْإِيمَانَ بِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةِ الثَّمَرَةِ، وَتَرَكَ ذِكْرَ الثَّمَرَةِ اسْتِغْنَاءً بِمَعْرِفَةِ السَّامِعِينَ عَنْ ذِكْرِهَا بِذِكْرِ الشَّجَرَةِ.
١٣ ‏/ ٦٣٤
وَقَوْلُهُ: ﴿أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ﴾ [إبراهيم: ٢٤] يَقُولُ عَزَّ ذِكْرُهُ: أَصْلُ هَذِهِ الشَّجَرَةِ ثَابِتٌ فِي الْأَرْضِ، وَفَرْعُهَا وَهُوَ أَعْلَاهَا فِي السَّمَاءِ: يَقُولُ: مُرْتَفِعٌ عُلُوًّا نَحْوَ السَّمَاءِ وَقَوْلُهُ: ﴿تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا﴾ [إبراهيم: ٢٥] يَقُولُ: تُطْعِمُ مَا يُؤْكَلُ مِنْهَا مِنْ ثَمَرِهَا، ﴿كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا، وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ﴾ [إبراهيم: ٢٥] يَقُولُ: وَيُمَثِّلُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَيُشَبِّهُ لَهُمُ الْأَشْيَاءَ، ﴿لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾ [البقرة: ٢٢١] يَقُولُ: لِيَتَذَكَّرُوا حُجَّةَ اللَّهِ عَلَيْهِمْ، فَيَعْتَبِرُوا بِهَا وَيَتَّعِظُوا، فَيَنْزَجِرُوا عَمَّا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْكُفْرِ بِهِ إِلَى الْإِيمَانِ. وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمَعْنَى بِالْكَلِمَةِ الطَّيِّبَةِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَنَى بِهَا: إِيمَانَ الْمُؤْمِنِ
١٣ ‏/ ٦٣٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿كَلِمَةً طَيِّبَةً﴾ [إبراهيم: ٢٤] شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، ﴿كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ﴾ [إبراهيم: ٢٤] وَهُوَ الْمُؤْمِنُ، ﴿أَصْلُهَا ثَابِتٌ﴾ [إبراهيم: ٢٤] يَقُولُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ثَابِتٌ فِي قَلْبِ الْمُؤْمِنِ، ﴿وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ﴾ [إبراهيم: ٢٤] يَقُولُ: يُرْفَعُ بِهَا عَمَلُ الْمُؤْمِنِ إِلَى السَّمَاءِ “
١٣ ‏/ ٦٣٥
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ: ﴿كَلِمَةً طَيِّبَةً﴾ [إبراهيم: ٢٤] قَالَ: «هَذَا مَثَلُ الْإِيمَانِ، فَالْإِيمَانُ: الشَّجَرَةُ الطَّيِّبَةُ، وَأَصْلُهُ الثَّابِتُ الَّذِي لَا يَزُولُ: الْإِخْلَاصُ للَّهِ، وَفَرْعُهُ فِي السَّمَاءِ، فَرْعُهُ: خَشْيَةُ اللَّهِ»
١٣ ‏/ ٦٣٥
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ ⦗٦٣٦⦘ مُجَاهِدٌ: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ﴾ [إبراهيم: ٢٤] قَالَ: «كَنَخْلَةٍ» . قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَقَالَ آخَرُونَ: الْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ أَصْلُهَا ثَابِتٌ فِي ذَاتِ أَصْلٍ فِي الْقَلْبِ ﴿وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ﴾ [إبراهيم: ٢٤] تَعْرُجُ فَلَا تُحْجَبُ حَتَّى تَنْتَهِي إِلَى اللَّهِ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عَنَى بِهَا الْمُؤْمِنَ نَفْسَهُ
١٣ ‏/ ٦٣٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا﴾ [إبراهيم: ٢٥] «يَعْنِي بِالشَّجَرَةِ الطَّيِّبَةِ: الْمُؤْمِنَ، وَيَعْنِي بِالْأَصْلِ الثَّابِتِ: فِي الْأَرْضِ، وَبِالْفَرْعِ فِي السَّمَاءِ: يَكُونُ الْمُؤْمِنُ يَعْمَلُ فِي الْأَرْضِ، وَيَتَكَلَّمُ فَيَبْلُغُ عَمَلُهُ وَقَوْلُهُ السَّمَاءَ وَهُوَ فِي الْأَرْضِ»
١٣ ‏/ ٦٣٦
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا فُضَيْلُ بْنُ مَرْزُوقٍ، عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ، فِي قَوْلِهِ: ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ﴾ [إبراهيم: ٢٤] قَالَ: «ذَلِكَ مَثَلُ الْمُؤْمِنِ، لَا يَزَالُ يَخْرُجُ مِنْهُ كَلَامٌ طَيِّبٌ وَعَمَلٌ صَالِحٌ يَصْعَدُ إِلَيْهِ»
١٣ ‏/ ٦٣٦
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، قَالَ: «أَصْلُهَا ثَابِتٌ فِي الْأَرْضِ» وَكَذَلِكَ كَانَ يَقْرَؤُهَا، قَالَ: «ذَلِكَ الْمُؤْمِنُ ضَرَبَ مَثَلَهُ، قَالَ: الْإِخْلَاصُ للَّهِ وَحْدَهُ وَعِبَادَتُهُ، لَا شَرِيكَ لَهُ، قَالَ ⦗٦٣٧⦘: ﴿أَصْلُهَا ثَابِتٌ﴾ [إبراهيم: ٢٤] قَالَ:»أَصْلُ عَمَلِهِ ثَابِتٌ فِي الْأَرْضِ ﴿وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ﴾ [إبراهيم: ٢٤] قَالَ: «ذِكْرُهُ فِي السَّمَاءِ» . وَاخْتَلَفُوا فِي هَذِهِ الشَّجَرَةِ الَّتِي جُعِلَتْ لِلْكَلِمَةِ الطَّيِّبَةِ مَثَلًا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ النَّخْلَةُ
١٣ ‏/ ٦٣٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، فِي هَذَا الْحَرْفِ: ﴿كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ﴾ [إبراهيم: ٢٤] قَالَ: «هِيَ النَّخْلَةُ» . حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: ثنا أَبُو قَطَنٍ قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ، عَنْ أَنَسٍ، مِثْلَهُ
١٣ ‏/ ٦٣٧
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثنا شَبَابَةُ قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: “﴿كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ﴾ [إبراهيم: ٢٤] قَالَ: «النَّخْلُ»
١٣ ‏/ ٦٣٧
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، وَالْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَا: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ: ثنا شُعَيْبٌ، قَالَ: قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ أَبِي الْعَالِيَةِ نُرِيدُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ: فَأَتَيْنَاهُ، فَدَعَا لَنَا بِقِنْو عَلَيْهِ ⦗٦٣٨⦘ رُطَبٍ، فَقَالَ: «كُلُوا مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ الَّتِي قَالَ اللَّهُ عز وجل: ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِثٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ﴾ وَقَالَ الْحَسَنُ فِي حَدِيثِهِ: بِقِنَاعٍ»
١٣ ‏/ ٦٣٧
حَدَّثَنَا خَلَّادُ بْنُ أَسْلَمَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبُ بْنُ الْحَبْحَابِ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أُتِيَ بِقِنَاعِ بُسْرٍ، فَقَالَ: «مَثَلُ كَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ» قَالَ: «هِيَ النَّخْلَةُ»
١٣ ‏/ ٦٣٨
حَدَّثَنَا سَوَّارُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: ثنا أَبِي قَالَ: ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ شُعَيْبِ بْنِ الْحَبْحَابِ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أُتِيَ بِقِنَاعٍ فِيهِ بُسْرٌ، فَقَالَ: «مَثَلُ كَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ» قَالَ: «هِيَ النَّخْلَةُ» . قَالَ شُعَيْبٌ، فَأَخْبَرْتُ بِذَلِكَ أَبَا الْعَالِيَةِ، فَقَالَ: كَذَلِكَ كَانُوا يَقُولُونَ “
١٣ ‏/ ٦٣٨
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا حَجَّاجٌ، قَالَ: ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ شُعَيْبِ بْنِ الْحَبْحَابِ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ أَنَسٍ، فَأُتِينَا بِطَبَقٍ أَوْ قُنْعٍ عَلَيْهِ رُطَبٍ، فَقَالَ: كُلْ يَا أَبَا الْعَالِيَةِ، فَإِنَّ هَذَا مِنَ الشَّجَرَةِ الَّتِي ذَكَرَ اللَّهُ عز وجل فِي كِتَابِهِ ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ، أَصْلُهَا ثَابِتٌ﴾ [إبراهيم: ٢٤]
١٣ ‏/ ٦٣٨
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ، قَالَ: ثنا مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ، عَنْ شُعَيْبِ بْنِ الْحَبْحَابِ قَالَ: كَانَ أَبُو الْعَالِيَةِ يَأْتِينِي، فَأَتَانِي يَوْمًا فِي مَنْزِلِي بَعْدَ مَا ⦗٦٣٩⦘ صَلَّيْتُ الْفَجْرَ، فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ إِلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، فَدَخَلْنَا مَعَهُ إِلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، فَجِيءَ بِطَبَقٍ عَلَيْهِ رُطَبٍ، فَقَالَ أَنَسٌ لِأَبِي الْعَالِيَةِ: “كُلْ يَا أَبَا الْعَالِيَةِ، فَإِنَّ هَذِهِ مِنَ الشَّجَرَةِ الَّتِي قَالَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ﴾ [إبراهيم: ٢٤] قَالَ: «هَكَذَا قَرَأَهَا يَوْمَئِذٍ أَنَسٌ» . حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا طَلْقٌ، قَالَ: ثنا شَرِيكٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، مِثْلَهُ
١٣ ‏/ ٦٣٨
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْغَفَّارِ بْنُ الْقَاسِمِ، عَنْ جَامِعِ بْنِ أَبِي رَاشِدٍ، عَنْ مُرَّةَ بْنِ شَرَاحِيلَ الْهَمْدَانِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ: ﴿كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ﴾ [إبراهيم: ٢٤] قَالَ: «النَّخْلَةُ» . حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، ح وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا شَبَابَةُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، ح. وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. ⦗٦٤٠⦘ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا إِسْرَائِيلُ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، مِثْلَهُ
١٣ ‏/ ٦٣٩
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ، قَالَ: ثنا خَالِدٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حُصَيْنٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ﴾ [إبراهيم: ٢٤] قَالَ: «هِيَ النَّخْلَةُ، لَا تَزَالُ فِيهَا مَنْفَعَةٌ»
١٣ ‏/ ٦٤٠
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَغْرَاءَ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ﴾ [إبراهيم: ٢٤] قَالَ: «ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلَ الْمُؤْمِنِ كَمَثَلِ النَّخْلَةِ، تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ»
١٣ ‏/ ٦٤٠
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ﴾ [إبراهيم: ٢٤] «كُنَّا نُحَدِّثُ أَنَّهَا النَّخْلَةُ»
١٣ ‏/ ٦٤٠
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ﴾ [إبراهيم: ٢٤] قَالَ: «يَزْعُمُونَ أَنَّهَا النَّخْلَةُ»
١٣ ‏/ ٦٤٠
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ﴾ [إبراهيم: ٢٥] قَالَ: «هِيَ النَّخْلَةُ»

عن معز نوني

متحصّل على شهادة ختم الدروس للمعهد الأعلى لتكوين المعلمين بقفصة دفعة 2000، يعمل حاليًّا أستاذ مدارس إبتدائية

شاهد أيضاً

سُورَةُ الْفَاتِحَةِ

مَكِّيَّةٌ وَآيَاتُهَا سَبْعٌ ١ ‏/ ١١١ ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ [الفاتحة: ١] الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ …