سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ 9

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ﴾ [آل عمران: ١٤٤] قَالَ: «يَرْتَدُّ»
٦ ‏/ ١٠٢
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ أَبِيهِ وَحَدَّثني الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ مَرَّ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ وَهُوَ يَتَشَحَّطُ فِي دَمِهِ، فَقَالَ: «يَا فُلَانُ، أَشَعُرْتَ أَنَّ مُحَمَّدًا قَدْ قُتِلَ؟ فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ: إِنْ كَانَ مُحَمَّدٌ قَدْ قُتِلَ فَقَدْ بَلَّغَ، فَقَاتِلُوا عَنْ دِينِكُمْ»
٦ ‏/ ١٠٢
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، قَالَ: ثني ابْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثني الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ رَافِعٍ أَخُو بَنِي عَبْدِ النَّجَّارِ، قَالَ: «انْتَهَى أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ عَمُّ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ إِلَى عُمَرَ وَطَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ فِي رِجَالٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَقَدْ أَلْقَوْا بِأَيْدِيهِمْ، فَقَالَ: مَا يُجْلِسُكُمْ؟ قَالُوا: قَدْ قُتِلَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، قَالَ: فَمَا تَصْنَعُونَ بِالْحَيَاةِ بَعْدَهُ؟ قُومُوا فَمُوتُوا عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ وَاسْتَقْبَلَ الْقَوْمَ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، وَبِهِ سُمِّيَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ»
٦ ‏/ ١٠٢
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا أَبُو زُهَيْرٍ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، قَالَ: «نَادَى مُنَادٍ يَوْمَ أُحُدٍ حِينَ هُزِمَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ ﷺ: أَلَا إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ قُتِلَ، فَارْجِعُوا إِلَى دِينِكُمُ الْأَوَّلِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ﴾ [آل عمران: ١٤٤] الْآيَةَ»
٦ ‏/ ١٠٣
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «أُلْقِيَ فِي أَفْوَاهِ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ أُحُدٍ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَدْ قُتِلَ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ﴾ [آل عمران: ١٤٤] الْآيَةَ»
٦ ‏/ ١٠٣
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ اعْتَزَلَ هُوَ وَعِصَابَةٌ مَعَهُ يَوْمَئِذٍ عَلَى أَكَمَةٍ، وَالنَّاسِ يَفِرُّونَ، وَرَجُلٌ قَائِمٌ عَلَى الطَّرِيقِ يَسْأَلُهُمْ: مَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ؟ وَجَعَلَ كُلَّمَا مَرُّوا عَلَيْهِ يَسْأَلُهُمْ، فَيَقُولُونَ: وَاللَّهِ مَا نَدْرِي مَا فَعَلَ فَقَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَئِنْ كَانَ النَّبِيُّ ﷺ قُتِلَ لَنُعْطِيَنَّهُمْ بِأَيْدِينَا، إِنَّهُمْ لَعَشَائِرُنَا وَإِخْوَانُنَا وَقَالُوا: إِنَّ مُحَمَّدًا إِنْ كَانَ حَيًّا لَمْ يُهْزَمْ، وَلَكِنَّهُ قَدْ قُتِلَ، فَتَرَخَّصُوا فِي الْفِرَارِ حِينَئِذٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل عَلَى نَبِيِّهِ ﷺ: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ﴾ [آل عمران: ١٤٤] الْآيَةَ “
٦ ‏/ ١٠٣
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ﴾ [آل عمران: ١٤٤] الْآيَةَ: «نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الِارْتِيَابِ وَالْمَرَضِ وَالنِّفَاقِ، قَالُوا يَوْمَ فَرَّ النَّاسُ عَنْ نَبِيِّ اللَّهِ ﷺ، وَشُجَّ فَوْقَ حَاجِبِهِ، وَكُسِرَتْ رُبَاعِيَتُهُ: قُتِلَ مُحَمَّدٌ، فَالْحَقُوا بِدِينِكُمُ الْأَوَّلِ فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ﴾ [آل عمران: ١٤٤]»
٦ ‏/ ١٠٤
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ﴾ [آل عمران: ١٤٤] قَالَ: «مَا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ أَنْ تَدَّعُوا الْإِسْلَامَ وَتَنْقَلِبُوا عَلَى أَعْقَابِكُمْ، إِلَّا أَنْ يَمُوتَ مُحَمَّدٌ أَوْ يُقْتَلَ، فَسَوْفَ يَكُونُ أَحَدُ هَذَيْنِ، فَسَوْفَ يَمُوتُ أَوْ يُقْتَلُ»
٦ ‏/ ١٠٤
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ﴾ [آل عمران: ١٤٤] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ﴾ [آل عمران: ١٤٤] «أَيْ لِقَوْلِ النَّاسِ: قُتِلَ مُحَمَّدٌ، وَانْهِزَامِهِمْ عِنْدَ ذَلِكَ وَانْصِرَافِهِمْ عَنْ عَدُوِّهِمْ، أَيْ أَفَإِنْ مَاتَ نَبِيُّكُمْ أَوْ قُتِلَ رَجَعْتُمْ عَنْ دِينِكُمْ كُفَّارًا كَمَا كُنْتُمْ، وَتَرَكْتُمْ جِهَادَ عَدُوِّكُمْ وَكِتَابَ اللَّهِ، وَمَا قَدْ خَلَّفَ نَبِيُّهُ مِنْ دِينِهِ مَعَكُمْ وَعِنْدَكُمْ؛ وَقَدْ بَيَّنَ لَكُمْ فِيمَا جَاءَكُمْ عَنِي أَنَّهُ مَيِّتٌ وَمُفَارِقُكُمْ؟ ﴿وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ﴾ [آل عمران: ١٤٤] أَيْ يَرْجِعْ عَنْ دِينِهِ، ﴿فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا﴾ [آل عمران: ١٤٤] أَيْ لَنْ يَنْقُصَ ذَلِكَ مِنْ عِزِّ اللَّهِ وَلَا مُلْكِهِ وَلَا سُلْطَانِهِ»
٦ ‏/ ١٠٤
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قَالَ: «أَهْلُ الْمَرَضِ وَالِارْتِيَابِ وَالنِّفَاقِ حِينَ فَرَّ النَّاسُ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: قَدْ قُتِلَ مُحَمَّدٌ، فَالْحَقُوا بِدِينِكُمُ الْأَوَّلِ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ» وَمَعْنَى الْكَلَامِ: وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ، أَفَتَنْقَلِبُونَ عَلَى أَعْقَابِكُمْ إِنْ مَاتَ مُحَمَّدٌ أَوْ قُتِلَ؟ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا فَجَعَلَ الِاسْتِفْهَامَ فِي حَرْفِ الْجَزَاءِ، وَمَعْنَاهُ أَنْ يَكُونَ فِي جَوَابِهِ خَبَرٌ وَكَذَلِكَ كُلُّ اسْتِفْهَامٍ دَخَلَ عَلَى جَزَاءٍ، فَمَعْنَاهُ أَنْ يَكُونَ فِي جَوَابِهِ خَبَرٌ لِأَنَّ الْجَوَابَ خَبَرٌ يَقُومُ بِنَفْسِهِ وَالْجَزَاءَ شَرْطٌ لِذَلِكَ الْخَبَرِ ثُمَّ يُجْزَمُ جَوَابُهُ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَمَعْنَاهُ الرَّفْعُ لِمَجِيئِهِ بَعْدَ الْجَزَاءِ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الطويل] حَلَفْتُ لَهُ إِنْ تُدْلِجِ اللَّيْلَ لَا يَزَلْ … أَمَامَكَ بَيْتٌ مِنْ بُيُوتِيَ سَائِرُ
فَمَعْنَى «لَا يَزَلْ» رَفْعٌ، وَلَكِنَّهُ جُزِمَ لِمَجِيئِهِ بَعْدَ الْجَزَاءِ فَصَارَ كَالْجَوَابِ، وَمِثْلُهُ: ﴿أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ﴾ [الأنبياء: ٣٤] وَ﴿فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ﴾ [المزمل: ١٧]، وَلَوْ كَانَ مَكَانَ ﴿فَهُمُ الْخَالِدُونَ﴾ [الأنبياء: ٣٤] يَخْلُدُونَ؛ وَقِيلَ: أَفَإِنْ مُتَّ يَخْلُدُوا جَازَ الرَّفْعُ فِيهِ وَالْجَزْمُ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ مَكَانَ ﴿انْقَلَبْتُمْ﴾ [آل عمران: ١٤٤] «تَنْقَلِبُوا» جَازَ الرَّفْعُ وَالْجَزْمُ لِمَا وَصَفْتُ قَبْلُ، وَتُرِكَتْ إِعَادَةُ الِاسْتِفْهَامِ ثَانِيَةً مَعَ قَوْلِهِ: ﴿انْقَلَبْتُمْ﴾ [آل عمران: ١٤٤] اكْتِفَاءً بِالِاسْتِفْهَامِ فِي أَوَّلِ الْكَلَامِ وَأَنَّ الِاسْتِفْهَامَ فِي أَوَّلِهِ دَالٌّ عَلَى مَوْضِعِهِ وَمَكَانِهِ،
٦ ‏/ ١٠٥
وَقَدْ كَانَ بَعْضُ الْقُرَّاءِ يَخْتَارُ فِي قَوْلِهِ: ﴿أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ﴾ [المؤمنون: ٨٢] تَرْكَ إِعَادَةِ الِاسْتِفْهَامِ مَعَ ﴿أَئِنَّا﴾ [المؤمنون: ٨٢]، اكْتِفَاءً بِالِاسْتِفْهَامِ فِي قَوْلِهِ: ﴿أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا﴾ [المؤمنون: ٨٢]، وَيَسْتَشْهِدُ عَلَى صِحَّةِ وَجْهِ ذَلِكَ بِاجْتِمَاعِ الْقُرَّاءِ عَلَى تَرْكِهِمْ إِعَادَةَ الِاسْتِفَهَامِ مَعَ قَوْلِهِ: ﴿انْقَلَبْتُمْ﴾ [آل عمران: ١٤٤]، اكْتِفَاءً بِالِاسْتِفْهَامِ فِي قَوْلِهِ: ﴿أَفَإِنْ مَاتَ﴾ [آل عمران: ١٤٤] إِذَا كَانَ دَالًّا عَلَى مَعْنَى الْكَلَامِ وَمَوْضِعِ الِاسْتِفْهَامِ مِنْهُ، وَكَانَ يَفْعَلُ مِثْلَ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ الْقُرْآنِ، وَسَنَأْتِي عَلَى الصَّوَابِ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ إِذَا انْتَهَيْنَا إِلَيْهِ
٦ ‏/ ١٠٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا﴾ [آل عمران: ١٤٥] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِذَلِكَ: وَمَا يَمُوتُ مُحَمَّدٌ وَلَا غَيْرُهُ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ إِلَّا بَعْدَ بُلُوغِ أَجَلِهِ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ غَايَةً لِحَيَاتِهِ وَبَقَائِهِ، فَإِذَا بَلَغَ ذَلِكَ مِنَ الْأَجَلِ الَّذِي كَتَبَهُ اللَّهُ لَهُ وَأَذِنَ لَهُ بِالْمَوْتِ فَحِينَئِذٍ يَمُوتُ، فَأَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ فَلَنْ تَمُوتَ بِكَيْدِ كَائِدٍ وَلَا بِحِيلَةِ مُحْتَالٍ
٦ ‏/ ١٠٦
كَمَا: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: ﴿وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا﴾ [آل عمران: ١٤٥] «أَيْ أَنَّ لِمُحَمَّدٍ أَجَلًا هُوَ بَالِغُهُ إِذَا أَذِنَ اللَّهُ لَهُ فِي ذَلِكَ كَانَ» ⦗١٠٧⦘ وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ مَعْنَى ذَلِكَ: وَمَا كَانَتْ نَفْسٌ لِتَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ. وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي مَعْنَى النَّاصِبِ قَوْلَهُ: ﴿كِتَابًا مُؤَجَّلًا﴾ [آل عمران: ١٤٥]؛ فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ: هُوَ تَوْكِيدٌ، وَنَصْبُهُ عَلَى: كَتَبَ اللَّهُ كِتَابًا مُؤَجَّلًا، قَالَ: وَكَذَلِكَ كُلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ مِنْ قَوْلِهِ «حَقًّا»، إِنَّمَا هُوَ: أَحَقَّ ذَلِكَ حَقًّا، وَكَذَلِكَ: ﴿وَعْدَ اللَّهِ﴾ [النساء: ١٢٢]، وَ﴿رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ﴾ [الإسراء: ٢٨]، وَ﴿صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ﴾ [النمل: ٨٨]، وَ﴿كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ﴾ [النساء: ٢٤] إِنَّمَا هُوَ: صَنَعَ اللَّهُ هَكَذَا صُنْعًا، فَهَكَذَا تَفْسِيرُ كُلِّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ مِنْ نَحْوِ هَذَا، فَإِنَّهُ كَثِيرٌ. وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ [آل عمران: ١٤٥] مَعْنَاهُ: كَتَبَ اللَّهُ آجَالَ النُّفُوسِ، ثُمَّ قِيلَ: كِتَابًا مُؤَجَّلًا، فَأَخْرَجَ قَوْلَهُ: كِتَابًا مُؤَجَّلًا، نَصَبًا مِنَ الْمَعْنَى الَّذِي فِي الْكَلَامِ، إِذْ كَانَ قَوْلُهُ: ﴿وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ [آل عمران: ١٤٥] قَدْ أَدَّى عَنْ مَعْنَى «كَتَبَ»، قَالَ: وَكَذَلِكَ سَائِرُ مَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ نَظَائِرِ ذَلِكَ، فَهُوَ عَلَى هَذَا النَّحْوِ. وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ: قَوْلُ الْقَائِلِ: زَيْدٌ قَائِمٌ حَقًّا، بِمَعْنَى: أَقُولُ زَيْدٌ قَائِمٌ حَقًّا؛ لِأَنَّ كُلَّ كَلَامٍ قَوْلٌ، فَأَدَّى الْمَقُولُ عَنِ الْقَوْلِ، ثُمَّ خَرَجَ مَا بَعْدَهُ مِنْهُ، كَمَا تَقُولُ: أَقُولُ قَوْلًا حَقًّا، وَكَذَلِكَ ظَنًّا وَيَقِينًا، وَكَذَلِكَ وَعَدَ اللَّهِ، وَمَا أَشْبَهَهُ. ⦗١٠٨⦘ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي، أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَصْدَرِ مِنْ مَعْنَى الْكَلَامِ الَّذِي قَبْلَهُ، لِأَنَّ فِي كُلِّ مَا قَبْلَ الْمَصَادِرِ الَّتِي هِيَ مُخَالِفَةٌ أَلْفَاظُهَا أَلْفَاظَ مَا قَبْلَهَا مِنَ الْكَلَامِ مَعَانِي أَلْفَاظِ الْمَصَادِرِ وَإِنْ خَالَفَهَا فِي اللَّفْظِ فَنَصْبُهَا مِنْ مَعَانِي مَا قَبْلَهَا دُونَ أَلْفَاظِهِ
٦ ‏/ ١٠٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ﴾ [آل عمران: ١٤٥] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثناؤُهُ: مَنْ يُرِدْ مِنْكُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِعَمَلِهِ جَزَاءً مِنْهُ بَعْضَ أَعْرَاضِ الدُّنْيَا دُونَ مَا عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الْكَرَامَةِ، لِمَنِ ابْتَغَى بِعَمَلِهِ مَا عِنْدَهُ ﴿نُؤْتِهِ مِنْهَا﴾ [آل عمران: ١٤٥] يَقُولُ: نُعْطِهِ مِنْهَا، يَعْنِي: مِنَ الدُّنْيَا، يَعْنِي: أَنَّهُ يُعْطِيهِ مِنْهَا مَا قُسِمَ لَهُ فِيهَا مِنْ رِزْقٍ أَيَّامَ حَيَاتِهِ، ثُمَّ لَا نَصِيبُ لَهُ فِي كَرَامَةِ اللَّهِ الَّتِي أَعَدَّهَا لِمَنْ أَطَاعَهُ، وَطَلَبَ مَا عِنْدَهُ فِي الْآخِرَةِ ﴿وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ﴾ [آل عمران: ١٤٥] يَقُولُ: وَمَنْ يُرِدْ مِنْكُمْ بِعَمَلِهِ جَزَاءً مِنْهُ ثَوَابَ الْآخِرَةِ، يَعْنِي مَا عِنْدَ اللَّهِ مِنْ كَرَامَتِهِ الَّتِي أَعَدَّهَا لِلْعَامِلِينَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ، ﴿نُؤْتِهِ مِنْهَا﴾ [آل عمران: ١٤٥] يَقُولُ: نُعْطِهِ مِنْهَا، يَعْنِي مِنَ الْآخِرَةِ؛ وَالْمَعْنَى: مِنْ كَرَامَةِ اللَّهِ الَّتِي خَصَّ بِهَا أَهْلَ طَاعَتِهِ فِي الْآخِرَةِ. فَخَرَجَ الْكَلَامُ عَلَى الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَالْمَعْنَى مَا فِيهِمَا
٦ ‏/ ١٠٨
كَمَا: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: ﴿وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا﴾ [آل عمران: ١٤٥] «أَيْ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُرِيدُ الدُّنْيَا لَيْسَتْ لَهُ رَغْبَةٌ فِي الْآخِرَةِ، نُؤْتِهِ مَا قُسِمَ لَهُ مِنْهَا مِنْ رِزْقٍ، وَلَا حَظَّ لَهُ فِي الْآخِرَةِ، وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا مَا وَعْدَهُ مَعَ مَا يُجْرَى عَلَيْهِ مِنْ رِزْقِهِ فِي دُنْيَاهُ» ⦗١٠٩⦘ وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَسَنَجْزِيِ الشَّاكِرِينَ﴾ [آل عمران: ١٤٥] يَقُولُ: وَسَأُثِيبُ مَنْ شَكَرَ لِي مَا أَوْلَيْتُهُ مِنْ إِحْسَانِي إِلَيْهِ بِطَاعَتِهِ إِيَّايَ وَانْتِهَائِهِ إِلَى أَمْرِي وَتَجَنُّبِهِ مَحَارِمِي فِي الْآخِرَةِ مِثْلَ الَّذِي وَعَدْتُ أَوْلِيَائِي مِنَ الْكَرَامَةِ عَلَى شُكْرِهِمْ إِيَّايَ وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي ذَلِكَ
٦ ‏/ ١٠٨
بِمَا: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: ﴿وَسَنَجْزِيِ الشَّاكِرِينَ﴾ [آل عمران: ١٤٥] «أَيْ ذَلِكَ جَزَاءُ الشَّاكِرِينَ، يَعْنِي بِذَلِكَ إِعْطَاءَ اللَّهِ إِيَّاهُ مَا وَعْدَهُ فِي الْآخِرَةِ مَعَ مَا يُجْرِي عَلَيْهِ مِنَ الرِّزْقِ فِي الدُّنْيَا»
٦ ‏/ ١٠٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ﴾ [آل عمران: ١٤٦] اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَهُ بَعْضُهُمْ: ﴿وَكَأَيِّنْ﴾ [آل عمران: ١٤٦] بِهَمْزِ الْأَلْفِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَقَرَأَهُ آخَرُونَ: بِمَدِّ الْأَلْفِ وَتَخْفِيفِ الْيَاءِ، وَهُمَا قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ فِي قِرَاءَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَلُغَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ لَا اخْتِلَافَ فِي مَعْنَاهُمَا، فَبِأَيِّ الْقِرَاءَتَيْنِ قَرَأَ ذَلِكَ قَارِئٌ فَمُصِيبٌ، لِاتِّفَاقِ مَعْنَى ذَلِكَ وَشُهْرَتِهِمَا فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، وَمَعْنَاهُ: وَكَمْ مِنْ نَبِيٍّ
٦ ‏/ ١٠٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ﴾ [آل عمران: ١٤٦] اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ﴾ [آل عمران: ١٤٦]؛ فَقَرَأَ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ قُرَّاءِ الْحِجَازِ وَالْبَصْرَةِ: (قُتِلَ) بِضَمِّ الْقَافِ، وَقَرَأَهُ جَمَاعَةٌ
٦ ‏/ ١٠٩
أُخْرَى بِفَتْحِ الْقَافِ وَبِالْأَلِفِ، وَهِيَ قِرَاءَةُ جَمَاعَةٍ مِنْ قُرَّاءِ الْحِجَازِ وَالْكُوفَةِ، فَأَمَّا مَنْ قَرَأَ ﴿قَاتَلَ﴾ [آل عمران: ١٤٦] فَإِنَّهُ اخْتَارَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ قَالَ: لَوْ قُتِلُوا لَمْ يَكُنْ لِقَوْلِهِ: ﴿فَمَا وَهَنُوا﴾ [آل عمران: ١٤٦] وَجْهٌ مَعْرُوفٌ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ أَنْ يُوصَفُوا بِأَنَّهُمْ لَمْ يَهِنُوا وَلَمْ يَضْعُفُوا بَعْدَ مَا قُتِلُوا، وَأَمَّا الَّذِينَ قَرَءُوا ذَلِكَ: (قُتِلَ) فَإِنَّهُمْ قَالُوا: إِنَّمَا عَنَى بِالْقَتْلِ النَّبِيَّ وَبَعْضَ مَنْ مَعَهُ مِنَ الرِّبِّيِّينَ دُونَ جَمِيعِهِمْ، وَإِنَّمَا نَفَى الْوَهْنَ وَالضَّعْفَ عَمَّنْ بَقِيَ مِنَ الرِّبِّيِّينَ مِمَّنْ لَمْ يُقْتَلْ. وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا بِالصَّوَابِ، قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ بِضَمِّ الْقَافِ: (قُتِلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ) لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل إِنَّمَا عَاتَبَ بِهَذِهِ الْآيَةِ، وَالْآيَاتِ الَّتِي قَبْلَهَا مِنْ قَوْلِهِ: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ﴾ [آل عمران: ١٤٢] الَّذِينَ انْهَزَمُوا يَوْمَ أُحُدٍ، وَتَرَكُوا الْقِتَالَ، أَوْ سَمِعُوا الصَّائِحَ يَصِيحُ: إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ قُتِلَ، فَعَذَّلَهُمُ اللَّهُ عز وجل عَلَى فِرَارِهِمْ وَتَرْكِهِمُ الْقِتَالَ، فَقَالَ: أَفَإِنْ مَاتَ مُحَمَّدٌ أَوْ قُتِلَ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ ارْتَدَدْتُمْ عَنْ دِينِكُمْ، وَانْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ؟ ثُمَّ أَخْبَرَهُمْ عَمَّا كَانَ مِنْ فِعْلِ كَثِيرٍ مِنْ أَتْبَاعِ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلَهُمْ وَقَالَ لَهُمْ: هَلَّا فَعَلْتُمْ كَمَا كَانَ أَهْلُ الْفَضْلِ وَالْعِلْمِ مِنْ أَتْبَاعِ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلَكُمْ يَفْعَلُونَهُ إِذَا قُتِلَ نَبِيُّهُمْ، مِنَ الْمُضِيِّ عَلَى مِنْهَاجِ نَبِيِّهِمْ وَالْقِتَالِ عَلَى دِينِهِ أَعْدَاءَ دِينِ اللَّهِ عَلَى نَحْوِ مَا كَانُوا يُقَاتِلُونَ مَعَ نَبِيِّهِمْ، وَلَمْ تَهِنُوا وَلَمْ تَضْعُفُوا كَمَا لَمْ يَضْعُفِ الَّذِينَ كَانُوا قَبْلَكُمْ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ
٦ ‏/ ١١٠
وَالْبَصَائِرِ مِنْ أَتْبَاعِ الْأَنْبِيَاءِ إِذَا قُتِلَ نَبِيُّهُمْ، وَلَكِنَّهُمْ صَبَرُوا لِأَعْدَائِهِمْ حَتَّى حَكَمَ اللَّهُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُمْ وَبِذَلِكَ مِنَ التَّأْوِيلِ جَاءَ تَأْوِيلُ الْمُتَأَوِّلِ. وَأَمَّا «الرِّبِّيُّونَ»، فَإِنَّهُمْ مَرْفُوعُونَ بِقَوْلِهِ: «مَعَهُ»، لَا بِقَوْلِهِ: «قُتِلَ» . وَإِنَّمَا تَأْوِيلُ الْكَلَامِ: وَكَائِنٌ مِنْ نَبِيٍّ قُتِلَ وَمَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ، فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَفِي الْكَلَامِ إِضْمَارُ وَاو؛ لِأَنَّهَا وَاوٌ تَدُلُّ عَلَى مَعْنَى حَالِ قَتْلِ النَّبِيِّ ﷺ، غَيْرَ أَنَّهُ اجْتَزَأَ بِدَلَالَةِ مَا ذُكِرَ مِنَ الْكَلَامِ عَلَيْهَا مِنْ ذِكْرِهَا، وَذَلِكَ كَقَوْلِ الْقَائِلِ فِي الْكَلَامِ: قُتِلَ الْأَمِيرُ مَعَهُ جَيْشٌ عَظِيمٌ، بِمَعْنَى: قُتِلَ وَمَعَهُ جَيْشٌ عَظِيمٌ. وَأَمَّا الرِّبِّيُّونَ، فَإِنَّ أَهْلَ الْعَرَبِيَّةِ اخْتَلَفُوا فِي مَعْنَاهُ، فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ: هُمُ الَّذِينَ يَعْبُدُونَ الرَّبَّ، وَاحِدُهُمْ رَبِّيُّ، وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ: لَوْ كَانُوا مَنْسُوبِينَ إِلَى عِبَادَةِ الرَّبِّ لَكَانُوا «رَبِّيُّونَ» بِفَتْحِ الرَّاءِ، وَلَكِنَّهُ الْعُلَمَاءُ وَالْأُلُوفُ، وَالرِّبِّيُّونَ عِنْدَنَا: الْجَمَاعَةُ الْكَثِيرَةُ، وَاحِدُهُمْ رِبِّيُّ، وَهُمْ جَمَاعَةٌ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَاهُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ مِثْلَ مَا قُلْنَا
٦ ‏/ ١١١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ ⦗١١٢⦘ زِرٍّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ: «الرِّبِّيُّونَ: الْأُلُوفُ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، قَالَ: ثنا عَمْرُو، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، مِثْلَهُ
٦ ‏/ ١١١
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَوْفٌ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ﴾ [آل عمران: ١٤٦] قَالَ: «جُمُوعٌ كَثِيرَةٌ»
٦ ‏/ ١١٢
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: (قُتِلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ) قَالَ: «جُمُوعٌ»
٦ ‏/ ١١٢
حَدَّثَنِي حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ، قَالَ: ثنا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ: (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قُتِلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ) قَالَ: «الْأُلُوفُ» وَقَالَ آخَرُونَ بِمَا
٦ ‏/ ١١٣
حَدَّثَنِي بِهِ سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّلْتِ، قَالَ: ثنا أَبُو كُدَيْنَةَ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قُتُلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ) قَالَ: «عُلَمَاءُ كَثِيرٌ»
٦ ‏/ ١١٣
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَوْفٌ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قُتِلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ) قَالَ: «فُقَهَاءُ عُلَمَاءُ»
٦ ‏/ ١١٣
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ،. عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: «وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قُتِلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ» قَالَ: «الْجُمُوعُ الْكَثِيرَةُ»
٦ ‏/ ١١٣
قَالَ يَعْقُوبُ: «وَكَذَلِكَ قَرَأَهَا إِسْمَاعِيلُ: (قُتِلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ)»
٦ ‏/ ١١٣
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قُتِلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ) يَقُولُ: «جُمُوعٌ كَثِيرَةٌ»
٦ ‏/ ١١٣
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ: (قُتِلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ) قَالَ: «عُلَمَاءُ كَثِيرَةٌ»
٦ ‏/ ١١٤
وَقَالَ قَتَادَةُ: «جُمُوعٌ كَثِيرَةٌ»
٦ ‏/ ١١٤
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عِكْرِمَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ﴾ [آل عمران: ١٤٦] قَالَ: «جُمُوعٌ كَثِيرَةٌ» حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْآمُلِيُّ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عِكْرِمَةَ، مِثْلَهُ
٦ ‏/ ١١٤
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ عز وجل: (قُتِلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ) قَالَ: «جُمُوعٌ كَثِيرَةٌ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
٦ ‏/ ١١٤
حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ: (قُتِلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ) يَقُولُ: «جُمُوعٌ كَثِيرَةٌ»
٦ ‏/ ١١٤
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا أَبُو زُهَيْرٍ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، فِي قَوْلِهِ: (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قُتِلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ) يَقُولُ: «جُمُوعٌ كَثِيرَةٌ قُتِلَ نَبِيُّهُمْ»
٦ ‏/ ١١٥
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ حِبَّانٍ، وَالْمُبَارَكُ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ﴾ [آل عمران: ١٤٦] قَالَ جَعْفَرٌ: «عُلَمَاءُ صَبَرُوا»، وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: «أَتْقِيَاءُ صَبَرُوا»
٦ ‏/ ١١٥
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: (قُتِلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ) «يَعْنِي الْجُمُوعَ الْكَثِيرَةَ قُتِلَ نَبِيُّهُمْ»
٦ ‏/ ١١٥
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ﴾ [آل عمران: ١٤٦] يَقُولُ: «جُمُوعٌ كَثِيرَةٌ»
٦ ‏/ ١١٥
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَوْلُهُ: (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قُتِلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ) قَالَ: «وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ أَصَابَهُ الْقَتْلُ، وَمَعَهُ جَمَاعَاتٌ»
٦ ‏/ ١١٦
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قُتِلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ) «الرِّبِّيُّونَ: الْجُمُوعُ الْكَثِيرَةُ» وَقَالَ آخَرُونَ: الرِّبِّيُّونَ: الْأَتْبَاعُ
٦ ‏/ ١١٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قُتِلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ) قَالَ: «الرِّبِّيُّونَ: الْأَتْبَاعُ، وَالرَّبَّانِيُّونَ: الْوُلَاةُ، وَالرِّبِّيُّونَ: الرَّعِيَّةُ، وَبِهَذَا عَاتَبَهُمُ اللَّهُ حِينَ انْهَزَمُوا عَنْهُ، حِينَ صَاحَ الشَّيْطَانُ إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ قُتِلَ، قَالَ: كَانَتِ الْهَزِيمَةُ عِنْدَ صِيَاحِهِ فِي سَنِينَةٍ صَاحَ: أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ مُحَمَّدًا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ قُتِلَ، فَارْجِعُوا إِلَى عَشَائِرِكُمْ يُؤَمِّنُوكُمْ»
٦ ‏/ ١١٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: ﴿فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ﴾ [آل عمران: ١٤٦] يَعْنِي بِقَوْلِهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [آل عمران: ١٤٦] فَمَا عَجَزُوا لِمَا نَالَهُمْ مِنْ أَلَمِ الْجِرَاحِ الَّذِي نَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَلَا لَقَتْلِ مَنْ قُتِلَ مِنْهُمْ عَنْ حَرْبِ أَعْدَاءِ اللَّهِ، وَلَا نَكَلُوا عَنْ جِهَادِهِمْ. ﴿وَمَا ضَعُفُوا﴾ [آل عمران: ١٤٦] يَقُولُ: وَمَا ضَعُفَتْ قُوَاهُمْ لَقَتْلِ نَبِيِّهِمْ. ﴿وَمَا اسْتَكَانُوا﴾ [آل عمران: ١٤٦] يَعْنِي: وَمَا ذَلُّوا فَيَتَخَشَّعُوا لِعَدُوِّهِمْ بِالدُّخُولِ فِي دِينِهِمْ، وَمُدَاهَنَتِهِمْ فِيهِ، خِيفَةً مِنْهُمْ، وَلَكِنْ مَضَوْا قُدُمًا عَلَى بَصَائِرِهِمْ وَمِنْهَاجِ نَبِيِّهِمْ، صَبْرًا عَلَى أَمْرِ اللَّهِ وَأَمْرِ نَبِيِّهِمْ، وَطَاعَةِ اللَّهِ، وَاتِّبَاعًا لَتَنْزِيلِهِ وَوَحْيِهِ. ﴿وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ﴾ [آل عمران: ١٤٦] يَقُولُ: وَاللَّهُ يُحِبُّ هَؤُلَاءِ وَأَمْثَالَهُمْ مِنَ الصَّابِرِينَ لَأَمْرِهِ وَطَاعَتِهِ، وَطَاعَةِ رَسُولِهِ، فِي جِهَادِ عَدُوِّهِ، لَا مَنْ فَشِلَ فَفَرَّ عَنْ عَدُوِّهِ، وَلَا مَنِ انْقَلَبَ عَلَى عَقِبَيْهِ فَذَلَّ لِعَدُوِّهِ لِأَنْ قُتِلَ نَبِيُّهُ أَوْ مَاتَ، وَلَا مَنْ دَخَلَهُ وَهَنٌ عَنْ عَدُوِّهِ وَضَعْفٍ لِفَقْدِ نَبِيِّهِ. وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٦ ‏/ ١١٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا﴾ [آل عمران: ١٤٦] يَقُولُ: «مَا عَجَزُوا، وَمَا تَضَعْضَعُوا ⦗١١٨⦘ لِقَتْلِ نَبِيِّهِمْ» ﴿وَمَا اسْتَكَانُوا﴾ [آل عمران: ١٤٦] يَقُولُ: «مَا ارْتَدُّوا عَنْ نُصْرَتِهِمْ وَلَا عَنْ دِينِهِمْ، بَلْ قَاتَلُوا عَلَى مَا قَاتَلَ عَلَيْهِ نَبِيُّ اللَّهِ حَتَّى لَحِقُوا بِاللَّهِ»
٦ ‏/ ١١٧
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا﴾ [آل عمران: ١٤٦] يَقُولُ: «مَا عَجَزُوا، وَمَا ضَعُفُوا لَقَتْلِ نَبِيِّهِمْ» ﴿وَمَا اسْتَكَانُوا﴾ [آل عمران: ١٤٦] يَقُولُ: «وَمَا ارْتَدُّوا عَنْ نُصْرَتِهِمْ، قَاتَلُوا عَلَى مَا قَاتَلَ عَلَيْهِ نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ حَتَّى لَحِقُوا بِاللَّهِ»
٦ ‏/ ١١٨
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿فَمَا وَهَنُوا﴾ [آل عمران: ١٤٦] «فَمَا وَهَنَ الرِّبِّيُّونَ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، مِنْ قَتْلِ النَّبِيِّ ﷺ» ﴿وَمَا ضَعُفُوا﴾ [آل عمران: ١٤٦] يَقُولُ: «مَا ضَعُفُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَقَتْلِ النَّبِيِّ» ﴿وَمَا اسْتَكَانُوا﴾ [آل عمران: ١٤٦] يَقُولُ: “مَا ذَلُّوا حِينَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «اللَّهُمَّ لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَعْلُونَا» ﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران: ١٣٩]
٦ ‏/ ١١٨
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: ﴿فَمَا وَهَنُوا﴾ [آل عمران: ١٤٦] «لِفَقْدِ نَبِيِّهِمْ» ﴿وَمَا ضَعُفُوا﴾ [آل عمران: ١٤٦] «عَنْ عَدُوِّهِمْ» ﴿وَمَا اسْتَكَانُوا﴾ [آل عمران: ١٤٦] «لِمَا أَصَابَهُمْ فِي الْجِهَادِ عَنِ ⦗١١٩⦘ اللَّهِ، وَعَنْ دِينِهِمْ، وَذَلِكَ الصَّبْرُ» ﴿وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ﴾ [آل عمران: ١٤٦]
٦ ‏/ ١١٨
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ﴿وَمَا اسْتَكَانُوا﴾ [آل عمران: ١٤٦] قَالَ: «تَخَشَّعُوا»
٦ ‏/ ١١٩
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: ﴿وَمَا اسْتَكَانُوا﴾ [آل عمران: ١٤٦] قَالَ: «مَا اسْتَكَانُوا لِعَدُوِّهِمْ» ﴿وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ﴾ [آل عمران: ١٤٦]
٦ ‏/ ١١٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾ [آل عمران: ١٤٧] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ﴾ [آل عمران: ١٤٧] وَمَا كَانَ قَوْلَ الرِّبِّيِّينَ، وَالْهَاءُ وَالْمِيمُ مِنْ ذِكْرِ أَسْمَاءِ الرِّبِّيِّينَ ﴿إِلَّا أَنْ قَالُوا﴾ [آل عمران: ١٤٧] يَعْنِي مَا كَانَ لَهُمْ قَوْلٌ سِوَى هَذَا الْقَوْلِ إِذْ قُتِلَ نَبِيُّهُمْ. وَقَوْلُهُ: ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا﴾ [آل عمران: ١٤٧] يَقُولُ: “لَمْ يَعْتَصِمُوا إِذْ قُتِلَ نَبِيُّهُمْ إِلَّا بِالصَّبِرِ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ، وَمُجَاهَدَةِ عَدُوِّهِمْ، وَبِمَسْأَلَةِ رَبِّهِمُ الْمَغْفِرَةَ وَالنَّصْرَ عَلَى عَدُوِّهِمْ، وَمَعْنَى الْكَلَامِ: ﴿وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا﴾ [آل عمران: ١٤٧] وَأَمَّا الْإِسْرَافُ: فَإِنَّهُ الْإِفْرَاطُ فِي الشَّيْءِ، يُقَالُ مِنْهُ: أَسْرَفَ فُلَانٌ فِي هَذَا
٦ ‏/ ١١٩
الْأَمْرِ إِذَا تَجَاوَزَ مِقْدَارَهُ فَأَفْرَطَ، وَمَعْنَاهُ هَاهُنَا: اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا الصِّغَارَ مِنْهَا وَمَا أَسْرَفْنَا فِيهِ مِنْهَا فَتَخَطَّيْنَا إِلَى الْعِظَامِ، وَكَانَ مَعْنَى الْكَلَامِ: اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا الصَّغَائِرَ مِنْهَا وَالْكَبَائِرَ
٦ ‏/ ١٢٠
كَمَا: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا﴾ [آل عمران: ١٤٧] قَالَ: «خَطَايَانَا»
٦ ‏/ ١٢٠
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا﴾ [آل عمران: ١٤٧] «خَطَايَانَا وَظُلْمَنَا أَنْفُسَنَا»
٦ ‏/ ١٢٠
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا﴾ [آل عمران: ١٤٧] «يَعْنِي الْخَطَايَا الْكِبَارَ»
٦ ‏/ ١٢٠
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا أَبُو تُمَيْلَةَ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ، قَالَ: «الْكَبَائِرُ»
٦ ‏/ ١٢٠
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ﴿وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا﴾ [آل عمران: ١٤٧] قَالَ: «خَطَايَانَا»
٦ ‏/ ١٢٠
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَإِسْرَافَنَا فِي أَمِرْنَا﴾ [آل عمران: ١٤٧] يَقُولُ: «خَطَايَانَا» وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا﴾ [آل عمران: ١٤٧] فَإِنَّهُ يَقُولُ: اجْعَلْنَا مِمَّنْ يَثْبُتُ لِحَرْبِ عَدُوِّكَ وَقِتَالِهِمْ، وَلَا تَجْعَلْنَا مِمَّنْ يَنْهَزِمُ فَيَفِرُّ مِنْهُمْ، وَلَا يَثْبُتُ قَدَمُهُ فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ لِحَرْبِهِمْ. ﴿وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾ [البقرة: ٢٥٠] يَقُولُ: وَانْصُرْنَا عَلَى الَّذِينَ جَحَدُوا وَحْدَانِيَّتَكَ وَنُبُوَّةَ نَبِيِّكَ. وَإِنَّمَا هَذَا تَأْنِيبٌ مِنَ اللَّهِ عز وجل عِبَادَهُ الَّذِينَ فَرُّوا عَنِ الْعَدُوِّ يَوْمَ أُحُدٍ وَتَرَكُوا قِتَالَهُمْ، وَتَأْدِيبٌ لَهُمْ، يَقُولُ اللَّهُ عز وجل: هَلَّا فَعَلْتُمْ إِذْ قِيلَ لَكُمْ: قُتِلَ نَبِيُّكُمْ، كَمَا فَعَلَ هَؤُلَاءِ الرِّبِّيُّونَ، الَّذِينَ كَانُوا قَبْلَكُمْ مِنْ أَتْبَاعِ الْأَنْبِيَاءِ، إِذْ قُتِلَتْ أَنْبِيَاؤُهُمْ، فَصَبَرْتُمْ لِعَدُوِّكُمْ صَبْرَهُمْ، وَلَمْ تَضْعُفُوا وَتَسْتَكِينُوا لِعَدُوِّكُمْ، فَتُحَاوِلُوا الِارْتِدَادَ عَلَى أَعْقَابِكُمْ، كَمَا لَمْ يَضْعُفْ هَؤُلَاءِ الرِّبِّيُّونَ وَلَمْ يَسْتَكِينُوا لِعَدُوِّهِمْ، وَسَأَلْتُمْ رَبَّكُمُ النَّصْرَ وَالظَّفَرَ كَمَا سَأَلُوا، فَيَنْصُرَكُمُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ كَمَا نُصِرُوا، فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ مَنْ صَبَرَ لَأَمْرِهِ وَعَلَى جِهَادِ عَدُوِّهِ، فَيُعْطِيهِ النَّصْرَ وَالظَّفَرَ عَلَى عَدُوِّهِ
٦ ‏/ ١٢١
كَمَا: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: ﴿وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾ [آل عمران: ١٤٧] «أَيْ فَقُولُوا كَمَا قَالُوا، وَاعْلَمُوا أَنَّمَا ذَلِكَ بِذُنُوبٍ مِنْكُمْ، وَاسْتَغْفِرُوا كَمَا اسْتَغْفَرُوا، وَامْضُوا عَلَى دِينِكُمْ كَمَا مَضَوْا عَلَى دِينِهُمْ، وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَعْقَابِكُمْ رَاجِعِينَ، وَاسْأَلُوهُ كَمَا سَأَلُوهُ أَنْ يُثَبِّتَ أَقْدَامَكُمْ، وَاسْتَنْصِرُوهُ كَمَا اسْتَنْصَرُوهُ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ، فَكُلُّ هَذَا مِنْ قَوْلِهِمْ قَدْ كَانَ وَقَدْ قُتِلَ نَبِيُّهُمْ، فَلَمْ ⦗١٢٢⦘ يَفْعَلُوا كَمَا فَعَلْتُمْ» وَالْقِرَاءَةُ الَّتِي هِيَ الْقِرَاءَةُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ﴾ [آل عمران: ١٤٧] النَّصَبُ لِإِجْمَاعِ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ عَلَى ذَلِكَ نَقْلًا مُسْتَفِيضًا وِرَاثَةً عَنِ الْحُجَّةِ، وَإِنَّمَا اخْتِيرَ النَّصَبُ فِي الْقَوْلِ؛ لِأَنَّ «إِلَّا أَنْ» لَا تَكُونُ إِلَّا مَعْرِفَةً، فَكَانَتْ أَوْلَى بِأَنْ تَكُونَ هِيَ الِاسْمَ دُونَ الْأَسْمَاءِ الَّتِي قَدْ تَكُونُ مَعْرِفَةً أَحْيَانًا وَنَكِرَةً أَحْيَانًا، وَلِذَلِكَ اخْتِيرَ النَّصَبُ فِي كُلِّ اسْمٍ وَلِيَ «كَانَ» إِذَا كَانَ بَعْدَهُ «أَنِ» الْخَفِيفَةُ، كَقَوْلِهِ: ﴿فَمَا كَانَ جَوَّابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ﴾ [العنكبوت: ٢٤]، وَقَوْلِهِ: ﴿ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا﴾ [الأنعام: ٢٣]، فَأَمَّا إِذَا كَانَ الَّذِي يَلِي كَانَ اسْمًا مَعْرِفَةً، وَالَّذِي بَعْدَهُ مِثْلُهُ، فَسَوَاءٌ الرَّفْعُ وَالنُّصْبُ فِي الَّذِي وَلِيَ «كَانَ»، فَإِنْ جَعَلْتَ الَّذِي وَلِيَ «كَانَ» هُوَ الِاسْمَ رَفَعْتَهُ وَنَصَبْتَ الَّذِي بَعْدَهُ، وَإِنْ جَعَلْتَ الَّذِي وَلِيَ «كَانَ» هُوَ الْخَبَرَ نَصَبْتَهُ وَرَفَعْتَ الَّذِي بَعْدَهُ، وَذَلِكَ كَقَوْلِهِ جَلَّ ثناؤُهُ: ﴿ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى﴾، إِنْ جَعَلْتَ «الْعَاقِبَةَ» الِاسْمَ رَفَعْتَهَا، وَجَعَلْتَ «السُّوأَى» هِيَ الْخَبَرَ مَنْصُوبَةً، وَإِنْ جَعَلْتَ «الْعَاقِبَةَ» الْخَبَرَ نَصَبْتَ، فَقُلْتَ: وَكَانَ عَاقَبَهَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى، وَجَعَلْتَ السُّوأَى هِيَ الِاسْمَ، فَكَانَتْ مَرْفُوعَةً، وَكَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الطويل] ⦗١٢٣⦘ لَقَدْ عَلِمَ الْأَقْوَامُ مَا كَانَ دَاءَهَا … بِثَهْلَانَ إِلَّا الْخِزْيُ مِمَّنْ يَقُودُهَا
رُوِيَ أَيْضًا: مَا كَانَ دَاؤُهَا بِثَهْلَانَ إِلَّا الْخِزْيَ نَصَبًا وَرَفْعًا، عَلَى مَا قَدْ بَيَّنْتُ، وَلَوْ فُعِلَ مِثْلُ ذَلِكَ مَعَ «أَنْ» كَانَ جَائِزًا، غَيْرَ أَنَّ أَفْصَحَ الْكَلَامِ مَا وَصَفْتُ عِنْدَ الْعَرَبِ
٦ ‏/ ١٢١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الِآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [آل عمران: ١٤٨] يَعْنِي بِذَلِكَ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَأَعْطَى اللَّهُ الَّذِينَ وَصَفَهُمْ بِمَا وَصَفَهُمْ مِنَ الصَّبْرِ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ بَعْدَ مَقْتَلِ أَنْبِيَائِهِمْ، وَعَلَى جِهَادِ عَدُوِّهِمْ، وَالِاسْتِعَانَةِ بِاللَّهِ فِي أُمُورِهِمْ، وَاقْتِفَائِهِمْ مَنَاهِجَ إِمَامِهِمْ، عَلَى مَا أَبْلَوْا فِي اللَّهِ ﴿ثَوَابَ الدُّنْيَا﴾ [آل عمران: ١٤٥] يَعْنِي: جَزَاءَ فِي الدُّنْيَا، وَذَلِكَ النَّصْرُ عَلَى عَدُوِّهِمْ وَعَدُوِّ اللَّهِ، وَالظَّفَرُ وَالْفَتْحُ عَلَيْهِمْ، وَالتَّمْكِينُ لَهُمْ فِي الْبِلَادِ؛ ﴿وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ﴾ [آل عمران: ١٤٨] يَعْنِي: وَخَيْرَ جَزَاءِ الْآخِرَةِ، عَلَى مَا أَسْلَفُوا فِي الدُّنْيَا مِنْ أَعْمَالِهِمُ الصَّالِحَةِ، وَذَلِكَ الْجَنَّةُ وَنَعِيمُهَا
٦ ‏/ ١٢٣
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا﴾ [آل عمران: ١٤٧] فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ: ﴿وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [آل عمران: ١٣٤] «أَيْ وَاللَّهِ لَآتَاهُمُ اللَّهُ الْفَتْحَ وَالظُّهُورَ وَالتَّمْكِينَ وَالنَّصْرَ عَلَى عَدُوِّهِمْ فِي الدُّنْيَا» ﴿وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ﴾ [آل عمران: ١٤٨] يَقُولُ: «حُسْنُ الثَّوَابِ فِي الْآخِرَةِ هِيَ الْجَنَّةُ» ⦗١٢٤⦘ حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، قَوْلُهُ: ﴿وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ﴾ [آل عمران: ١٤٧] ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَهُ
٦ ‏/ ١٢٣
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا﴾ [آل عمران: ١٤٨] قَالَ: «النَّصْرَ وَالْغَنِيمَةَ» ﴿وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ﴾ [آل عمران: ١٤٨] قَالَ: «رِضْوَانَ اللَّهِ وَرَحْمَتَهُ»
٦ ‏/ ١٢٤
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: ﴿فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا﴾ [آل عمران: ١٤٨] «حُسْنَ الظُّهُورِ عَلَى عَدُوِّهِمْ» ﴿وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ﴾ [آل عمران: ١٤٨] «الْجَنَّةَ، وَمَا أَعَدَّ فِيهَا» وَقَوْلُهُ: ﴿وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [آل عمران: ١٣٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ بِإِحْسَانِهِمْ، فَإِنَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ، وَهُمُ الَّذِينَ يَفْعَلُونَ مِثْلَ الَّذِي وَصَفَ عَنْهُمْ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَنَّهُمْ فَعَلُوهُ حِينَ قُتِلَ نَبِيُّهُمْ
٦ ‏/ ١٢٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ﴾ [آل عمران: ١٤٩] يَعْنِي بِذَلِكَ تَعَالَى ذِكْرُهُ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ صَدَقُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ، فِي وَعْدِ اللَّهِ وَوَعِيدِهِ وَأَمْرِهِ وَنَهْيِهِ ﴿إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [آل عمران: ١٤٩]، يَعْنِي: الَّذِينَ جَحَدُوا نُبُوَّةَ نَبِيِّكُمْ مُحَمَّدٍ ﷺ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، فِيمَا يَأْمُرُونَكُمْ بِهِ، وَفِيمَا يَنْهَوْنَكُمْ عَنْهُ، فَتَقْبَلُوا رَأْيَهُمْ فِي ذَلِكَ، وَتَنْتَصِحُوهُمْ فِيمَا تَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ لَكُمْ فِيهِ
٦ ‏/ ١٢٤
نَاصِحُونَ، ﴿يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ﴾ [آل عمران: ١٤٩] يَقُولُ: يَحْمِلُوكُمْ عَلَى الرِّدَّةِ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ بِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَبِرَسُولِهِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ، ﴿فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ﴾ [آل عمران: ١٤٩] يَقُولُ: فَتَرْجِعُوا عَنْ إِيمَانِكُمْ وَدِينِكُمُ الَّذِي هَدَاكُمُ اللَّهُ لَهُ خَاسِرِينَ، يَعْنِي: هَالِكِينَ، قَدْ خَسِرْتُمْ أَنْفُسَكُمْ، وَضَلَلْتُمْ عَنْ دِينِكُمْ، وَذَهَبَتْ دُنْيَاكُمْ وَآخِرَتُكُمْ، يَنْهَى بِذَلِكَ أَهْلَ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ أَنْ يُطِيعُوا أَهْلَ الْكُفْرِ فِي آرَائِهِمْ، وَيَنْتَصِحُوهُمْ فِي أَدْيَانِهِمْ
٦ ‏/ ١٢٥
كَمَا: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ﴾ [آل عمران: ١٤٩] «أَيْ عَنْ دِينِكُمْ: فَتَذْهَبُ دُنْيَاكُمْ وَآخِرَتُكُمْ»
٦ ‏/ ١٢٥
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَوْلُهُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [آل عمران: ١٤٩] قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: يَقُولُ: «لَا تَنْتَصِحُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى عَلَى دِينِكُمْ، وَلَا تُصَدِّقُوهُمْ بِشَيْءٍ فِي دِينِكُمْ»
٦ ‏/ ١٢٥
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ﴾ [آل عمران: ١٤٩] يَقُولُ: «إِنْ تُطِيعُوا أَبَا سُفْيَانَ يَرُدَّكُمْ كُفَّارًا»
٦ ‏/ ١٢٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿بَلْ اللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ﴾ [آل عمران: ١٥٠] يَعْنِي بِذَلِكَ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَنَّ اللَّهَ مُسَدِّدُكُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ، فَمُنْقِذُكُمْ مِنْ طَاعَةِ الَّذِينَ كَفَرُوا. وَإِنَّمَا قِيلَ: ﴿بَلْ اللَّهُ مَوْلَاكُمْ﴾ [آل عمران: ١٥٠] لِأَنَّ قَوْلَهُ: ﴿إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ﴾ [آل عمران: ١٤٩] نَهْي لَهُمْ عَنْ طَاعَتِهِمْ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا، فَيَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ، ثُمَّ ابْتَدَأَ الْخَبَرَ، فَقَالَ: ﴿بَلِ اللَّهُ مَوْلَاكُمْ﴾ [آل عمران: ١٥٠] فَأَطِيعِوهُ دُونَ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُوَ خَيْرٌ مِنْ نَصْرٍ، وَلِذَلِكَ رُفِعَ اسْمُ اللَّهِ، وَلَوْ كَانَ مَنْصُوبًا عَلَى مَعْنَى: بَلْ أَطِيعُوا اللَّهَ مَوْلَاكُمْ دُونَ الَّذِينَ كَفَرُوا، كَانَ وَجْهًا صَحِيحًا. وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ: ﴿بَلِ اللَّهُ مَوْلَاكُمْ﴾ [آل عمران: ١٥٠] وَلِيُّكُمْ وَنَاصِرُكُمْ عَلَى أَعْدَائِكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا، ﴿وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ﴾ [آل عمران: ١٥٠] لَا مَنْ فَرَرْتُمْ إِلَيْهِ مِنَ الْيَهُودِ وَأَهْلِ الْكُفْرِ بِاللَّهِ، فَبِاللَّهِ الَّذِي هُوَ نَاصِرُكُمْ وَمَوْلَاكُمْ فَاعْتَصِمُوا وَإِيَّاهُ فَاسْتَنْصِرُوا دُونَ غَيْرِهِ مِمَّنْ يَبْغِيكُمُ الْغَوَائِلَ وَيَرْصُدُكُمْ بِالْمَكَارِهِ
٦ ‏/ ١٢٦
كَمَا: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: ﴿بَلِ اللَّهُ مَوْلَاكُمْ﴾ [آل عمران: ١٥٠] «إِنْ كَانَ مَا تَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِكُمْ صِدْقًا فِي قُلُوبِكُمْ، ﴿وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ﴾ [آل عمران: ١٥٠] أَيْ فَاعْتَصِمُوا بِهِ وَلَا تَسْتَنْصِرُوا بِغَيْرِهِ، وَلَا تَرْجِعُوا عَلَى أَعْقَابِكُمْ مُرْتَدِّينَ عَنْ دِينِكُمْ»
٦ ‏/ ١٢٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا
٦ ‏/ ١٢٦
أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ﴾ [آل عمران: ١٥١] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثناؤُهُ: سَيُلْقِيِ اللَّهُ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ، وَجَحَدُوا نُبُوَّةَ مُحَمَّدٍ ﷺ مِمَّنْ حَارَبَكُمْ بِأَحَدِ الرُّعْبِ، وَهُوَ الْجَزَعُ وَالْهَلَعُ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ، يَعْنِي بِشِرْكِهِمْ بِاللَّهِ وَعِبَادَتِهِمُ الْأَصْنَامَ، وَطَاعَتِهِمُ الشَّيْطَانَ الَّتِي لَمْ أَجْعَلْ لَهُمْ بِهَا حُجَّةً، وَهِيَ السُّلْطَانُ الَّتِي أَخْبَرَ عز وجل أَنَّهُ لَمْ يَنْزِلْهُ بِكُفْرِهِمْ وَشِرْكِهِمْ، وَهَذَا وَعْدٌ مِنَ اللَّهِ جَلَّ ثناؤُهُ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِالنَّصْرِ عَلَى أَعْدَائِهِمْ، وَالْفَلَجِ عَلَيْهِمْ مَا اسْتَقَامُوا عَلَى عَهْدِهِ، وَتَمَسَّكُوا بِطَاعَتِهِ، ثُمَّ أَخْبَرَهُمْ مَا هُوَ فَاعِلٌ بِأَعْدَائِهِمْ بَعْدَ مَصِيرِهُمْ إِلَيْهِ، فَقَالَ جَلَّ ثناؤُهُ: ﴿وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ﴾ [آل عمران: ١٥١] يَعْنِي: وَمَرْجِعُهُمُ الَّذِي يَرْجِعُونَ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ النَّارُ ﴿وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ﴾ [آل عمران: ١٥١] يَقُولُ: وَبِئْسَ مُقَامُ الظَّالِمِينَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ بِاكْتِسَابِهِمْ مَا أَوْجَبَ لَهَا عِقَابُ اللَّهِ النَّارَ
٦ ‏/ ١٢٧
كَمَا: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: ﴿سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ﴾ [آل عمران: ١٥١] «إِنِّي سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ الَّذِي بِهِ كُنْتُ أَنْصُرُكُمْ عَلَيْهِمْ، بِمَا أَشْرَكُوا بِي مَا لَمْ أَجْعَلْ لَهُمْ بِهِ حُجَّةً، أَيْ فَلَا تَظُنُّوا أَنَّ لَهُمُ عَاقِبَةَ نَصْرٍ، وَلَا ظُهُورًا عَلَيْكُمْ مَا اعْتَصَمْتُمْ وَاتَّبَعْتُمْ أَمْرِي، لِلْمُصِيبَةِ الَّتِي أَصَابَتْكُمْ مِنْهُمْ بِذُنُوبٍ قَدَّمْتُمُوهَا لِأَنْفُسِكُمْ، خَالَفْتُمْ ⦗١٢٨⦘ بِهَا أَمْرِي، وَعَصَيْتُمْ فِيهَا نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ»
٦ ‏/ ١٢٧
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: «لَمَّا ارْتَحَلَ أَبُو سُفْيَانَ وَالْمُشْرِكُونَ يَوْمَ أُحُدٍ مُتَوَجِّهِينَ نَحْوَ مَكَّةَ، انْطَلَقَ أَبُو سُفْيَانَ حَتَّى بَلَغَ بَعْضَ الطَّرِيقِ، ثُمَّ إِنَّهُمْ نَدِمُوا فَقَالُوا: بِئْسَ مَا صَنَعْتُمْ، إِنَّكُمْ قَتَلْتُمُوهُمْ، حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ إِلَّا الشِّرِّيرُ تَرَكْتُمُوهُمُ، ارْجِعُوا فَاسْتَأْصِلُوهُمْ، فَقَذَفَ اللَّهُ عز وجل فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ، فَانْهَزَمُوا، فَلَقُوا أَعْرَابِيًّا، فَجَعَلُوا لَهُ جُعْلًا، وَقَالُوا لَهُ: إِنْ لَقِيتَ مُحَمَّدًا فَأَخْبِرْهُ بِمَا قَدْ جَمَعْنَا لَهُمْ فَأَخْبَرَ اللَّهُ عز وجل رَسُولَهُ ﷺ، فَطَلَبَهُمْ حَتَّى بَلَغَ حَمْرَاءَ الْأَسَدِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل فِي ذَلِكَ، فَذَكَرَ أَبَا سُفْيَانَ حِينَ أَرَادَ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ وَمَا قَذَفَ فِي قَلْبِهِ مِنَ الرُّعْبِ، فَقَالَ: ﴿سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ﴾ [آل عمران: ١٥١]»
٦ ‏/ ١٢٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ لَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾ يَعْنِي بِقَوْلِهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ ﷺ بِأُحُدٍ وَعْدَهُ الَّذِي وَعَدَهُمْ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ مُحَمَّدٍ ﷺ. ⦗١٢٩⦘ وَالْوَعْدُ الَّذِي كَانَ وَعَدَهُمْ عَلَى لِسَانِهِ بِأُحُدٍ قَوْلُهُ لِلرُّمَاةِ: «اثْبُتُوا مَكَانَكُمْ وَلَا تَبْرَحُوا وَإِنْ رَأَيْتُمُونَا قَدْ هَزَمْنَاهُمْ، فَإِنَّا لَنْ نَزَالَ غَالِبِينَ مَا ثَبَتُّمْ مَكَانَكُمْ» وَكَانَ وَعَدَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ النَّصْرَ يَوْمَئِذٍ إِنِ انْتَهَوْا إِلَى أَمْرِهِ
٦ ‏/ ١٢٨
كَالَّذِي: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: «لَمَّا بَرَزَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِلَى الْمُشْرِكِينَ بِأُحُدٍ، أَمَرَ الرُّمَاةَ، فَقَامُوا بِأَصْلِ الْجَبَلِ فِي وُجُوهِ خَيْلِ الْمُشْرِكِينَ، وَقَالَ: «لَا تَبْرَحُوا مَكَانَكُمْ إِنْ رَأَيْتُمُونَا قَدْ هَزَمْنَاهُمْ، فَإِنَّا لَنْ نَزَالَ غَالِبِينَ مَا ثَبَتُّمْ مَكَانَكُمْ» وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جُبَيْرٍ أَخَا خَوَّاتِ بْنِ جُبَيْرٍ، ثُمَّ إِنَّ طَلْحَةَ بْنَ عُثْمَانَ صَاحِبَ لِوَاءِ الْمُشْرِكِينَ قَامَ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ، إِنَّكُمْ تَزْعُمُونَ أَنَّ اللَّهَ يُعَجِّلُنَا بِسُيُوفِكُمْ إِلَى النَّارِ، وَيُعَجِّلُكُمْ بِسُيُوفِنَا إِلَى الْجَنَّةِ، فَهَلْ مِنْكُمْ أَحَدٌ يُعَجِّلُهُ اللَّهُ بِسَيْفِي إِلَى الْجَنَّةِ، أَوْ يُعَجِّلُنِي بِسَيْفِهِ إِلَى النَّارِ؟ فَقَامَ إِلَيْهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا أُفَارِقُكَ حَتَّى يُعَجِّلُكَ اللَّهُ بِسَيْفِي إِلَى النَّارِ، أَوْ يُعَجِّلُنِي بِسَيْفِكَ إِلَى الْجَنَّةِ فَضَرَبَهُ عَلِيٌّ، فَقَطَعَ رِجْلَهُ فَسَقَطَ، فَانْكَشَفَتْ عَوْرَتُهُ، فَقَالَ: أُنْشِدُكَ اللَّهَ وَالرَّحِمَ يَا ابْنَ عَمِّ فَكَبَّرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، وَقَالَ لِعَلِيٍّ أَصْحَابُهُ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تُجْهِزَ عَلَيْهِ؟ قَالَ: إِنَّ ابْنَ عَمِّي نَاشَدَنِي حِينَ انْكَشَفَتْ عَوْرَتُهُ فَاسْتَحْيَيْتُ مِنْهُ. ثُمَّ شَدَّ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ وَالْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ عَلَى الْمُشْرِكِينَ، فَهَزَمَاهُمْ، وَحَمَلَ النَّبِيُّ ﷺ، وَأَصْحَابُهُ، فَهَزَمُوا أَبَا سُفْيَانَ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَهُوَ عَلَى خَيْلِ الْمُشْرِكِينَ حَمَلَ فَرَمَتْهُ الرُّمَاةُ، فَانْقَمَعَ؛ فَلَمَّا نَظَرَ الرُّمَاةُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَأَصْحَابِهِ فِي جَوْفِ عَسْكَرِ الْمُشْرِكِينَ يُنْهَبُونَهُ، بَادَرُوا الْغَنِيمَةَ، فَقَالْ بَعْضُهُمْ: لَا نَتْرُكُ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَانْطَلَقَ عَامَّتُهُمْ، فَلَحِقُوا بِالْعَسْكَرِ؛ فَلَمَّا رَأَى خَالِدٌ قِلَّةَ الرُّمَاةِ، صَاحَ فِي خَيْلِهِ، ثُمَّ حَمَلَ فَقَتَلَ الرُّمَاةَ، ثُمَّ حَمَلَ عَلَى أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ؛ فَلَمَّا ⦗١٣٠⦘ رَأَى الْمُشْرِكُونَ أَنَّ خَيْلَهُمْ تُقَاتِلُ، تَنَادَوْا، فَشَدُّوا عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَهَزَمُوهُمْ وَقَتَلُوهُمْ»
٦ ‏/ ١٢٩
حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثنا مُصْعَبُ بْنُ الْمِقْدَامِ، قَالَ: ثنا إِسْرَائِيلُ، قَالَ: ثنا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمِ أُحُدٍ وَلَقِينَا الْمُشْرِكِينَ، أَجْلَسَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ رِجَالًا بِإِزَاءِ الرُّمَاةِ، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جُبَيْرٍ أَخَا خَوَّاتِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَقَالَ لَهُمْ: «لَا تَبْرَحُوا مَكَانَكُمْ إِنْ رَأَيْتُمُونَا ظَهَرْنَا عَلَيْهِمْ فَلَا تَبْرَحُوا، وَإِنْ رَأَيْتُمُوهُمْ ظَهَرُوا عَلَيْنَا فَلَا تُعِينُونَا» فَلَمَّا الْتَقَى الْقَوْمُ، هُزِمَ الْمُشْرِكُونَ حَتَّى رَأَيْتُ النِّسَاءَ قَدْ رَفَعْنَ عَنْ سُوقِهِنَّ، وَبَدَتْ خَلَاخِلُهُنَّ، فَجَعَلُوا يَقُولُونَ: الْغَنِيمَةَ الْغَنِيمَةَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: مَهْلًا، أَمَا عَلِمْتُمْ مَا عَهِدَ إِلَيْكُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ؟ فَأَبَوْا، فَانْطَلَقُوا، فَلَمَّا أَتَوْهُمْ صَرَفَ اللَّهُ وُجُوهَهُمْ، فَأُصِيبَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ سَبْعُونَ قَتِيلًا ” حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ، بِنَحْوِهِ
٦ ‏/ ١٣٠
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ﴾ [آل عمران: ١٥٢] ” فَإِنَّ أَبَا سُفْيَانَ أَقْبَلَ فِي ثَلَاثِ لَيَالٍ خَلَوْنَ مِنْ شَوَّالٍ، حَتَّى نَزَلَ أُحُدًا، وَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَأَذَّنَ فِي النَّاسِ، فَاجْتَمَعُوا، وَأَمَّرَ عَلَى
٦ ‏/ ١٣٠
الْخَيْلِ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ، وَمَعَهُ يَوْمَئِذٍ الْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ الْكِنْدِيُّ، وَأَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ اللِّوَاءَ رَجُلًا مِنْ قُرَيْشٍ يُقَالُ لَهُ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، وَخَرَجَ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بِالْحُسَّرِ، وَبَعَثَ حَمْزَةَ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَأَقْبَلَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ عَلَى خَيْلِ الْمُشْرِكِينَ وَمَعَهُ عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ، فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الزُّبَيْرَ، وَقَالَ: اسْتَقْبِلْ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ فَكُنْ بِإِزَائِهِ حَتَّى أُوذِنَكَ وَأَمَرَ بِخَيْلٍ أُخْرَى، فَكَانُوا مِنْ جَانِبٍ آخَرَ، فَقَالَ: لَا تَبْرَحُوا حَتَّى أُوذِنَكُمْ وَأَقْبَلَ أَبُو سُفْيَانَ يَحْمِلُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى، فَأَرْسَلَ النَّبِيُّ ﷺ إِلَى الزُّبَيْرِ أَنْ يَحْمِلَ، فَحَمَلَ عَلَى خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، فَهَزَمَهُ وَمَنْ مَعَهُ ” كَمَا قَالَ: ﴿لَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ﴾ [آل عمران: ١٥٢] «وَإِنَّ اللَّهَ وَعَدَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَنْصُرَهُمْ، وَأَنَّهُ مَعَهُمْ»
٦ ‏/ ١٣١
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثني مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الزُّهْرِيُّ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ، وَعَاصِمَ بْنَ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، وَالْحُصَيْنَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، وَغَيْرَهُمْ مِنْ عُلَمَائِنَا فِي قِصَّةٍ ذَكَرَهَا عَنْ أُحُدٍ، ذَكَرَ أَنَّ كُلَّهُمْ قَدْ حَدَّثَ بِبَعْضِهَا، وَأَنَّ حَدِيثَهُمُ اجْتَمَعَ فِيمَا سَاقَ مِنَ الْحَدِيثِ، فَكَانَ فِيمَا ذَكَرَ فِي ذَلِكَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ نَزَلَ الشِّعْبَ مِنْ أُحُدٍ فِي عَدُوِّهِ الْوَادِي إِلَى الْجَبَلِ، فَجَعَلَ ظَهْرَهُ وَعَسْكَرَهُ إِلَى أُحُدٍ، وَقَالَ: «لَا تُقَاتِلُوا حَتَّى نَأْمُرَ بِالْقِتَالِ»، وَقَدْ سَرَّحَتْ قُرَيْشٌ الظَّهْرَ وَالْكُرَاعَ فِي زُرُوعٍ كَانَتْ
٦ ‏/ ١٣١
بِالصَّمْغَةِ مِنْ قَنَاةٍ لِلْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ حِينَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنِ الْقِتَالِ: أَتُرْعَى زُرُوعُ بَنِي قَيْلَةَ وَلَمَّا نُضَارِبْ؟ وَصَفَّنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِلْقِتَالِ، وَهُوَ فِي سَبْعِمِائَةِ رَجُلٍ، وَتَصَافَّ قُرَيْشٌ وَهُمْ ثَلَاثَةُ آلَافٍ، وَمَعَهُمْ مِائَتَا فَرَسٍ قَدْ جَنَّبُوهَا، فَجَعَلُوا عَلَى مَيْمَنَةِ الْخَيْلِ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ، وَعَلَى مَيْسَرَتِهَا عِكْرِمَةَ بْنَ أَبِي جَهْلٍ، وَأَمَّرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلَى الرُّمَاةِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جُبَيْرٍ أَخَا بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ مُعَلَّمٌ بِثِيَابٍ بِيضٍ، وَالرُّمَاةُ خَمْسُونَ رَجُلًا، وَقَالَ: «انْضَحْ عَنَّا الْخَيْلَ بِالنَّبْلِ لَا يَأْتُونَا مِنْ خَلْفِنَا إِنْ كَانَتْ لَنَا أَوْ عَلَيْنَا فَاثْبُتْ مَكَانَكَ، لَا نُؤْتَيَنَّ مِنْ قِبَلِكَ» فَلَمَّا الْتَقَى النَّاسُ، وَدَنَا بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ، وَاقْتَتَلُوا حَتَّى حَمَيَتِ الْحَرْبُ، وَقَاتِلُ أَبُو دُجَانَةَ حَتَّى أَمْعَنَ فِي النَّاسِ، وَحَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَعَلِيُّ بْنُ أَبَى طَالِبٍ فِي رِجَالٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل نَصَرَهُ، وَصَدَقَهُمْ وَعْدَهُ، فَحَسُّوهُمْ بِالسُّيُوفِ حَتَّى كَشَفُوهُمْ، وَكَانَتِ الْهَزِيمَةُ لَا شَكَّ فِيهَا “
٦ ‏/ ١٣٢
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ الزُّبَيْرُ: «وَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُنِي أَنْظُرُ إِلَى خَدَمِ ⦗١٣٣⦘ هِنْدَ بِنْتِ عُتْبَةَ وَصَوَاحِبِهَا مُشَمِّرَاتٍ هَوَازِمَ، مَا دُونَ إِحْدَاهُنَّ قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ، إِذْ مَالَتِ الرُّمَاةُ إِلَى الْعَسْكَرِ حِينَ كَشَفْنَا الْقَوْمَ عَنْهُ، يُرِيدُونَ النَّهْبَ، وَخَلَّوْا ظُهُورَنَا لِلْخَيْلِ، فَأُتِينَا مِنْ أَدْبَارِنَا، وَصَرَخَ صَارِخٌ: أَلَا إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ قُتِلَ فَانْكَفَأْنَا وَأَنْكَفَأَ عَلَيْنَا الْقَوْمُ بَعْدَ أَنْ هَزَمْنَا أَصْحَابَ اللِّوَاءِ، حَتَّى مَا يَدْنُو مِنْهُ أَحَدٌ مِنَ الْقَوْمِ»
٦ ‏/ ١٣٢
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ﴾ [آل عمران: ١٥٢] «أَيْ لَقَدْ وَفَّيْتُ لَكُمْ بِمَا وَعَدْتُكُمْ مِنَ النَّصْرِ عَلَى عَدُوِّكُمْ»
٦ ‏/ ١٣٣
حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، قَوْلُهُ: ﴿وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ﴾ [آل عمران: ١٥٢]، «وَذَلِكَ يَوْمَ أُحُدٍ، قَالَ لَهُمْ: «إِنَّكُمْ سَتُظْهَرُونَ فَلَا تَأْخُذُوا مَا أَصَبْتُمْ مِنْ غَنَائِمِهِمْ شَيْئًا حَتَّى تَفْرُغُوا» فَتَرَكُوا أَمْرَ نَبِيِّ اللَّهِ ﷺ، وَعَصَوْا، وَوَقَعُوا فِي الْغَنَائِمِ، وَنَسُوا عَهْدَهُ الَّذِي عَهِدَهُ إِلَيْهِمْ، وَخَالَفُوا إِلَى غَيْرِ مَا أَمَرَهُمْ بِهِ»
٦ ‏/ ١٣٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ﴾ [آل عمران: ١٥٢] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِذَلِكَ: وَلَقَدْ وَفَّى اللَّهُ لَكُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِمَا وَعَدَكُمْ مِنَ النَّصْرِ عَلَى عَدُوِّكُمْ بِأُحُدٍ، حِينَ تَحُسُّونَهُمْ، يَعْنِي: حِينَ تَقْتُلُونَهُمْ، يُقَالُ مِنْهُ: حَسَّهُ يَحُسُّهُ حَسًّا: إِذَا قَتَلَهُ
٦ ‏/ ١٣٣
كَمَا: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ الْوَاسِطِيُّ، قَالَ: ثنا يَعْقُوبُ بْنُ عِيسَى، قَالَ: ثني عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عِمْرَانَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ﴾ [آل عمران: ١٥٢] قَالَ: «الْحَسُّ: الْقَتْلُ»
٦ ‏/ ١٣٤
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، يَقُولُ فِي قَوْلِ اللَّهِ عز وجل: ﴿إِذْ تَحُسُّونَهُمْ﴾ [آل عمران: ١٥٢] قَالَ: «الْقَتْلُ»
٦ ‏/ ١٣٤
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ﴾ [آل عمران: ١٥٢] قَالَ: «تَقْتُلُونَهُمْ»
٦ ‏/ ١٣٤
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ﴾ [آل عمران: ١٥٢] «أَيْ قَتْلًا بِإِذْنِهِ»
٦ ‏/ ١٣٤
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: ﴿إِذْ تَحُسُّونَهُمْ﴾ [آل عمران: ١٥٢] يَقُولُ: «إِذْ تَقْتُلُونَهُمْ»
٦ ‏/ ١٣٤
حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ: ﴿إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ﴾ [آل عمران: ١٥٢] «وَالْحَسُّ الْقَتْلُ»
٦ ‏/ ١٣٥
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ﴾ [آل عمران: ١٥٢] يَقُولُ: «تَقْتُلُونَهُمْ»
٦ ‏/ ١٣٥
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: ﴿إِذْ تَحُسُّونَهُمْ﴾ [آل عمران: ١٥٢] بِالسُّيُوفِ: «أَيْ بِالْقَتْلِ»
٦ ‏/ ١٣٥
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنْ مُبَارَكٍ، عَنِ الْحَسَنِ: ﴿إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ﴾ [آل عمران: ١٥٢] «يَعْنِي الْقَتْلَ»
٦ ‏/ ١٣٥
حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ﴾ [آل عمران: ١٥٢] يَقُولُ: “تَقْتُلُونَهُمْ وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿بِإِذْنِهِ﴾ [آل عمران: ١٥٢] فَإِنَّهُ يَعْنِي: بِحُكْمِي وَقَضَائِي لَكُمْ بِذَلِكَ وَتَسْلِيطِي إِيَّاكُمْ عَلَيْهِمْ
٦ ‏/ ١٣٥
كَمَا: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: ﴿إِذْ تَحُسُّونَهُمْ﴾ [آل عمران: ١٥٢] «بِإِذْنِي وَتَسْلِيطِي أَيْدِيكُمْ عَلَيْهِمْ، وَكَفِّي أَيْدِيهِمْ عَنْكُمْ»
٦ ‏/ ١٣٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ﴾ [آل عمران: ١٥٢] يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثناؤُهُ: ﴿حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ﴾ [آل عمران: ١٥٢] حَتَّى إِذَا جَبُنْتُمْ وَضَعُفْتُمْ، ﴿وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرُ﴾ [آل عمران: ١٥٢] يَقُولُ: وَاخْتَلَفْتُمْ فِي أَمْرِ اللَّهِ؛ يَقُولُ: وَعَصَيْتُمْ وَخَالَفْتُمْ نَبِيَّكُمْ، فَتَرَكْتُمْ أَمْرَهُ، وَمَا عَهِدَ إِلَيْكُمْ، وَإِنَّمَا يَعْنِي بِذَلِكَ الرُّمَاةَ الَّذِينَ كَانَ أَمَرَهُمْ ﷺ بِلُزُومِ مَرْكَزِهِمْ وَمَقْعَدِهِمْ مِنْ فَمِ الشِّعْبِ بِأُحُدٍ، بِإِزَاءِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ وَمَنْ كَانَ مَعَهُ مِنْ فُرْسَانِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ ذَكَرْنَا قَبْلُ أَمَرَهُمْ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ﴾ [آل عمران: ١٥٢] فَإِنَّهُ يَعْنِي بِذَلِكَ: مِنْ بَعْدِ الَّذِي أَرَاكُمُ اللَّهُ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِمُحَمَّدٍ مِنَ النَّصْرِ وَالظَّفَرِ بِالْمُشْرِكِينَ، وَذَلِكَ هُوَ الْهَزِيمَةُ الَّتِي كَانُوا هَزَمُوهُمْ عَنْ نِسَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ قَبْلَ تَرْكِ الرُّمَاةِ مَقَاعِدَهُمُ الَّتِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَقْعَدَهُمْ فِيهَا، وَقَبْلَ خُرُوجِ خَيْلِ الْمُشْرِكِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ مِنْ وَرَائِهِمْ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا تَظَاهَرَتِ الْأَخْبَارُ عَنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ، وَقَدْ مَضَى ذِكْرُ بَعْضِ مَنْ قَالَ، وَسَنَذْكُرُ قَوْلَ بَعْضِ مَنْ لَمْ يُذْكَرْ قَوْلُهُ فِيمَا مَضَى
٦ ‏/ ١٣٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ﴾ [آل عمران: ١٥٢] «أَيِ اخْتَلَفْتُمْ فِي الْأَمْرِ» ﴿وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ﴾ [آل عمران: ١٥٢] «وَذَاكُمْ يَوْمَ أُحُدٍ، عَهِدَ إِلَيْهِمْ نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ وَأَمَرَهُمْ بِأَمْرٍ، فَنَسُوا الْعَهْدَ وَجَاوَزُوا وَخَالَفُوا مَا أَمَرَهُمْ نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ، فَانْصَرَفَ عَلَيْهِمْ عَدُوُّهُمْ بَعْدَ مَا أَرَاهُمْ مِنْ عَدُوِّهِمْ مَا يُحِبُّونَ»
٦ ‏/ ١٣٦
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ بَعَثَ نَاسًا مِنَ النَّاسِ – يَعْنِي: يَوْمَ أُحُدٍ – فَكَانُوا مِنْ وَرَائِهِمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «كُونُوا هَاهُنَا فَرُدُّوا وَجْهَ مَنْ قَدِمَنَا، وَكُونُوا حَرَسًا لَنَا مِنْ قِبَلِ ظُهُورِنَا» وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لَمَّا هَزَمَ الْقَوْمَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ، اخْتَلَفَ الَّذِينَ كَانُوا جُعِلُوا مِنْ وَرَائِهِمْ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ لَمَّا رَأَوُا النِّسَاءَ مُصْعِدَاتٍ فِي الْجَبَلِ، وَرَأَوُا الْغَنَائِمَ، قَالُوا: انْطَلِقُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى فَأَدْرِكُوا الْغَنِيمَةَ قَبْلَ أَنْ تُسْبَقُوا إِلَيْهَا، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ أُخْرَى: بَلْ نُطِيعُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَنَثْبُتُ مَكَانَنَا «فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا﴾ [آل عمران: ١٥٢] «لِلَّذِينَ أَرَادُوا الْغَنِيمَةَ» ﴿وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ﴾ [آل عمران: ١٥٢] لِلَّذِينَ قَالُوا:»نُطِيعُ رَسُولَ اللَّهِ وَنَثْبُتُ مَكَانَنَا، فَأَتَوْا مُحَمَّدًا ﷺ فَكَانَ فَشَلًا حِينَ تَنَازَعُوا بَيْنَهُمْ؛ يَقُولُ: ﴿وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ﴾ [آل عمران: ١٥٢] «كَانُوا قَدْ رَأَوُا الْفَتْحَ وَالْغَنِيمَةَ»
٦ ‏/ ١٣٧
حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ: ﴿حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ﴾ [آل عمران: ١٥٢] يَقُولُ: «جَبُنْتُمْ عَنْ عَدُوِّكُمْ» ﴿وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ﴾ [آل عمران: ١٥٢] يَقُولُ: «اخْتَلَفْتُمْ وَعَصَيْتُمْ» ﴿مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ﴾ [آل عمران: ١٥٢] «وَذَلِكَ يَوْمَ أُحُدٍ، قَالَ لَهُمْ: «إِنَّكُمْ سَتَظْهَرُونَ فَلَا أَعْرِفَنَّ مَا أَصَبْتُمْ مِنْ غَنَائِمِهِمْ شَيْئًا حَتَّى تَفْرُغُوا» فَتَرَكُوا أَمْرَ نَبِيِّ اللَّهِ ﷺ وَعَصَوْا، وَوَقَعُوا فِي الْغَنَائِمِ، وَنَسُوا عَهْدَهُ الَّذِي عَهِدَهُ إِلَيْهِمْ، وَخَالَفُوا إِلَى غَيْرِ مَا أَمَرَهُمْ بِهِ، فَانْصَرَفَ عَلَيْهِمْ عَدُوُّهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاهُمْ فِيهِمْ ⦗١٣٨⦘ مَا يُحِبُّونَ»
٦ ‏/ ١٣٧
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: ﴿حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ﴾ [آل عمران: ١٥٢] قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «الْفَشَلُ: الْجُبْنُ»
٦ ‏/ ١٣٨
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ﴾ [آل عمران: ١٥٢] «مِنَ الْفَتْحِ»
٦ ‏/ ١٣٨
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: ﴿حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ﴾ [آل عمران: ١٥٢] «أَيْ تَخَاذَلْتُمْ» ﴿وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ﴾ [آل عمران: ١٥٢] «أَيِ اخْتَلَفْتُمْ فِي أَمْرِي» ﴿وَعَصَيْتُمْ﴾ [آل عمران: ١٥٢] «أَيْ تَرَكْتُمْ أَمْرَ نَبِيِّكُمْ ﷺ وَمَا عَهِدَ إِلَيْكُمْ، يَعْنِي الرُّمَاةَ» ﴿مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ﴾ [آل عمران: ١٥٢] «أَيِ الْفَتْحَ لَا شَكَّ فِيهِ، وَهَزِيمَةَ الْقَوْمِ عَنْ نِسَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ»
٦ ‏/ ١٣٨
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ الْمُبَارَكِ، عَنِ الْحَسَنِ: ﴿مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ﴾ [آل عمران: ١٥٢] «يَعْنِي مِنَ الْفَتْحِ» وَقِيلَ: مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ﴾ [آل عمران: ١٥٢] حَتَّى إِذَا تَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ فَشِلْتُمْ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ، إِنَّهُ مِنَ الْمُقَدَّمِ الَّذِي مَعْنَاهُ التَّأْخِيرُ، وَإِنَّ الْوَاوَ دَخَلَتْ فِي ذَلِكَ،
٦ ‏/ ١٣٨
وَمَعْنَاهَا: السَّقُوطُ كَمَا قُلْنَا فِي: ﴿فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وَنَادَيْنَاهُ﴾ [الصافات: ١٠٤]، مَعْنَاهُ: نَادَيْنَاهُ، وَهَذَا مَقُولٌ فِي «حَتَّى إِذَا» وَفِي «فَلَمَّا أَنْ»، وَمِنْهُ قَوْلُ اللَّهِ عز وجل: ﴿حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ﴾ [الأنبياء: ٩٦] ثُمَّ قَالَ: ﴿وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ﴾ [الأنبياء: ٩٧] وَمَعْنَاهُ: اقْتَرَبَ، وَكَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الكامل] حَتَّى إِذَا قَمِلَتْ بُطُونُكُمُ … وَرَأَيْتُمُ أَبْنَاءَكُمْ شَبُّوا
وَقَلَبْتُمُ ظَهْرَ الْمِجَنِّ لَنَا … إِنَّ اللَّئِيمَ الْعَاجِزُ الْخِبُّ
٦ ‏/ ١٣٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ﴾ [آل عمران: ١٥٢] يَعْنِي جَلَّ ثناؤُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا﴾ [آل عمران: ١٥٢] الَّذِينَ تَرَكُوا مَقْعَدَهُمُ الَّذِي أَقْعَدَهُمْ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي الشِّعْبِ مِنْ أُحُدٍ لِخَيْلِ الْمُشْرِكِينَ، وَلَحِقُوا بِمُعَسْكَرِ الْمُسْلِمِينَ طَلَبَ النَّهْبِ إِذْ رَأَوْا هَزِيمَةَ الْمُشْرِكِينَ ﴿وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ﴾ [آل عمران: ١٥٢] يَعْنِي بِذَلِكَ: الَّذِينَ ثَبَتُوا مِنَ الرُّمَاةِ فِي مَقَاعِدِهِمُ الَّتِي أَقْعَدَهُمْ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، وَاتَّبَعُوا أَمْرَهُ، مُحَافَظَةً عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَابْتِغَاءَ مَا عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الثَّوَابِ بِذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِمْ، وَالدَّارَ الْآخِرَةَ
٦ ‏/ ١٣٩
كَمَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، ⦗١٤٠⦘ عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكِمُ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ﴾ [آل عمران: ١٥٢] «فَالَّذِينَ انْطَلَقُوا يُرِيدُونَ الْغَنِيمَةَ، هُمْ أَصْحَابُ الدُّنْيَا وَالَّذِينَ بَقُوا، وَقَالُوا: لَا نُخَالِفُ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَرَادُوا الْآخِرَةَ» حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، مِثْلَهُ
٦ ‏/ ١٣٩
حَدَّثَنَا عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ﴾ [آل عمران: ١٥٢] ” فَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ أَمَرَ يَوْمَ أُحُدٍ طَائِفَةً مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ: «كُونُوا مَسْلَحَةً لِلنَّاسِ» بِمَنْزِلَةٍ أَمَرَهُمْ أَنْ يَثْبُتُوا بِهَا، وَأَمَرَهُمْ أَنْ لَا يَبْرَحُوا مَكَانَهُمْ حَتَّى يَأْذَنَ لَهُمْ، فَلَمَّا لَقِيَ نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ أُحُدٍ أَبَا سُفْيَانَ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ هَزَمَهُمْ نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ: فَلَمَّا رَأَى الْمَسْلَحَةُ أَنَّ اللَّهَ عز وجل هَزَمَ الْمُشْرِكِينَ، انْطَلَقَ بَعْضُهُمْ وَهُمْ يَتَنَادَوْنَ: الْغَنِيمَةَ الْغَنِيمَةَ لَا تَفُتْكُمْ وَثَبَتَ بَعْضُهُمْ مَكَانَهُمْ، وَقَالُوا: لَا نُرِيمُ مَوْضِعَنَا حَتَّى يَأْذَنَ لَنَا نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ، فَفِي ذَلِكَ نَزَلَ: ﴿مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ﴾ [آل عمران: ١٥٢]
٦ ‏/ ١٤٠
فَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يَقُولُ: «مَا شَعُرْتُ أَنَّ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ كَانَ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَعَرَضَهَا حَتَّى كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ»
٦ ‏/ ١٤٠
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قَالَ ⦗١٤١⦘ ابْنُ عَبَّاسٍ: «لَمَّا هَزَمَ اللَّهُ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ أُحُدٍ، قَالَ الرُّمَاةُ: أَدْرِكُوا النَّاسَ وَنَبِيَّ اللَّهِ ﷺ لَا يَسْبِقُوكُمْ إِلَى الْغَنَائِمِ فَتَكُونَ لَهُمْ دُونَكُمْ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا نُرِيمُ حَتَّى يَأْذَنَ لَنَا النَّبِيُّ ﷺ، فَنَزَلَتْ: ﴿مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ﴾ [آل عمران: ١٥٢]»
٦ ‏/ ١٤٠
قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: «مَا عَلِمْنَا أَنَّ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ كَانَ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَعَرَضَهَا حَتَّى كَانَ يَوْمَئِذٍ»
٦ ‏/ ١٤١
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ الْمُبَارَكِ، عَنِ الْحَسَنِ: ﴿مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا﴾ [آل عمران: ١٥٢] «هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَحُوزُونَ الْغَنَائِمَ» ﴿وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ﴾ [آل عمران: ١٥٢] «الَّذِينَ يَتَّبِعُونَهُمْ يَقْتُلُونَهُمْ»
٦ ‏/ ١٤١
حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَمْرِو بْنِ مُحَمَّدٍ الْعَنْقَزِيُّ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ عَبْدِ خَيْرٍ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: «مَا كُنْتُ أَرَى أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يُرِيدُ الدُّنْيَا، حَتَّى نَزَلَ فِينَا يَوْمَ أُحُدٍ»: ﴿مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ﴾ [آل عمران: ١٥٢]
٦ ‏/ ١٤١
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ عَبْدِ خَيْرٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: «مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَنَّ مِنَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَوْمَئِذٍ أَحَدًا يُرِيدُ الدُّنْيَا حَتَّى قَالَ اللَّهُ مَا قَالَ»
٦ ‏/ ١٤١
حُدِّثْتُ عَنِ عَمَّارٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ ⦗١٤٢⦘ بْنُ مَسْعُودٍ «لَمَّا رَآهُمْ وَقَعُوا فِي الْغَنَائِمِ: مَا كُنْتُ أَحْسَبُ أَنَّ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يُرِيدُ الدُّنْيَا حَتَّى كَانَ الْيَوْمُ»
٦ ‏/ ١٤١
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يَقُولُ: «مَا شَعُرْتُ أَنَّ أَحَدًا، مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ كَانَ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَعَرَضَهَا حَتَّى كَانَ يَوْمَئِذٍ»
٦ ‏/ ١٤٢
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، ﴿مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا﴾ [آل عمران: ١٥٢] «أَيِ الَّذِينَ أَرَادُوا النَّهْبَ رَغْبَةً فِي الدُّنْيَا وَتَرَكَ مَا أُمِرُوا بِهِ مِنَ الطَّاعَةِ الَّتِي عَلَيْهَا ثَوَابُ الْآخِرَةِ» ﴿وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ﴾ [آل عمران: ١٥٢] «أَيِ الَّذِينَ جَاهَدُوا فِي اللَّهِ لَمْ يُخَالِفُوا إِلَى مَا نُهُوا عَنْهُ لِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا رَغْبَةً فِي رَجَاءِ مَا عِنْدَ اللَّهِ مِنْ حُسْنِ ثَوَابِهِ فِي الْآخِرَةِ»
٦ ‏/ ١٤٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ﴾ [آل عمران: ١٥٢] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثناؤُهُ: ثُمَّ صَرَفَكُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ عَنِ الْمُشْرِكِينَ بَعْدَ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ فِيهِمْ، وَفِي أَنْفُسِكُمْ مِنْ هَزِيمَتِكُمْ إِيَّاهُمْ، وَظُهُورِكُمْ عَلَيْهِمْ، فَرَدَّ وُجُوهَكُمْ عَنْهُمْ لِمَعْصِيَتِكُمْ أَمْرَ رَسُولِي، وَمُخَالَفَتِكُمْ طَاعَتَهُ، وَإِيثَارَكُمُ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ؛ عُقُوبَةً لَكُمْ عَلَى مَا فَعَلْتُمْ، لِيَبْتَلِيَكُمْ، يَقُولُ: لِيَخْتَبِرَكُمْ، فَيَتَمَيَّزَ الْمُنَافِقُ مِنْكُمْ مِنَ الْمُخْلِصِ، الصَّادِقُ فِي إِيمَانِهِ مِنْكُمْ
٦ ‏/ ١٤٢
كَمَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: «ثُمَّ ذَكَرَ حِينَ مَالَ عَلَيْهِمْ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ: ﴿ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ ⦗١٤٣⦘ لِيَبْتَلِيَكُمْ﴾ [آل عمران: ١٥٢]»
٦ ‏/ ١٤٢
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنْ مُبَارَكٍ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ﴾ [آل عمران: ١٥٢] قَالَ: “صَرَفَ الْقَوْمَ عَنْهُمْ، فَقُتِلَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بِعِدَّةِ مَنْ أُسِرُوا يَوْمَ بَدْرٍ، وَقُتِلَ عَمُّ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَكُسِرَتْ رُبَاعِيَتُهُ، وَشُجَّ فِي وَجْهِهِ، وَكَانَ يَمْسَحُ الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ، وَيَقُولُ: «كَيْفَ يُفْلِحُ قَوْمٌ فَعَلُوا هَذَا بِنَبِيِّهِمْ وَهُوَ يَدْعُوهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ؟»؛ فَنَزَلَتْ: ﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ﴾ [آل عمران: ١٢٨] الْآيَةَ، فَقَالُوا: أَلَيْسَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَعَدَنَا النَّصْرَ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل: ﴿وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ﴾ [آل عمران: ١٥٢] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ﴾ [آل عمران: ١٥٢]
٦ ‏/ ١٤٣
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: ﴿ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ﴾ [آل عمران: ١٥٢] «أَيْ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَخْتَبِرَكُمْ، وَذَلِكَ بِبَعْضِ ذُنُوبَكُمْ»
٦ ‏/ ١٤٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران: ١٥٢] يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثناؤُهُ: ﴿وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ﴾ [آل عمران: ١٥٢] وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ أَيُّهَا الْمُخَالِفُونَ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَالتَّارِكُونَ طَاعَتَهُ، فِيمَا تَقَدَّمَ إِلَيْكُمْ مِنْ لُزُومِ الْمَوْضِعِ الَّذِي أَمَرَكُمْ بِلُزُومِهِ عَنْكُمْ، فَصَفَحَ لَكُمْ مِنْ عُقُوبَةِ ذَنْبِكُمُ الَّذِي أَتَيْتُمُوهُ عَمَّا هُوَ أَعْظَمُ مِمَّا عَاقَبَكُمْ بِهِ مِنْ هَزِيمَةِ أَعْدَائِكُمْ إِيَّاكُمْ، وَصَرَفَ وُجُوهَكُمْ عَنْهُمْ إِذْ لَمْ يْسَتَأْصِلْ جَمْعَكُمْ
٦ ‏/ ١٤٣
كَمَا: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنْ مُبَارَكٍ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ﴾ [آل عمران: ١٥٢] قَالَ: قَالَ الْحَسَنُ وَصَفَّقَ بِيَدَيْهِ: «وَكَيْفَ عَفَا عَنْهُمْ وَقَدْ قُتِلَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ، وَقُتِلَ عَمُّ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَكُسِرَتْ رُبَاعِيَتُهُ، وَشُجَّ فِي وَجْهِهِ؟ قَالَ: ثُمَّ يَقُولُ: قَالَ اللَّهُ عز وجل: قَدْ عَفَوْتُ عَنْكُمْ إِذْ عَصَيْتُمُونِي أَنْ لَا أَكُونَ اسْتَأْصَلْتُكُمْ. قَالَ: ثُمَّ يَقُولُ الْحَسَنُ: هَؤُلَاءِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ غِضَابٌ لِلَّهِ، يُقَاتِلُونَ أَعْدَاءَ اللَّهِ، نُهُوا عَنْ شَيْءٍ فَصَنَعُوهُ، فَوَاللَّهِ مَا تُرِكُوا حَتَّى غُمُّوا بِهَذَا الْغَمِّ، فَأَفْسَقُ الْفَاسِقِينَ الْيَوْمَ يَتَجَرَّأُ عَلَى كُلِّ كَبِيرَةٍ، وَيَرْكَبُ كُلَّ دَاهِيَةٍ، وَيَسْحَبُ عَلَيْهَا ثِيَابَهُ، وَيَزْعُمُ أَنْ لَا بَأْسَ عَلَيْهِ، فَسَوْفَ يَعْلَمُ»
٦ ‏/ ١٤٤
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ﴾ [آل عمران: ١٥٢] قَالَ: «لَمْ يَسْتَأْصِلْكُمْ»
٦ ‏/ ١٤٤
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: ﴿وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ﴾ [آل عمران: ١٥٢] «وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْ عَظِيمِ ذَلِكَ لَمْ يُهْلِكُّمْ بِمَا أَتَيْتُمْ مِنْ مَعْصِيَةِ نَبِيِّكُمْ، وَلَكِنْ عُدْتُ بِفَضْلِي عَلَيْكُمْ» وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران: ١٥٢] فَإِنَّهُ يَعْنِي: وَاللَّهُ ذُو طَوْلٍ عَلَى أَهْلِ الْإِيمَانِ بِهِ وَبِرَسُولِهِ بِعَفْوِهِ لَهُمْ عَنْ كَثِيرِ مَا يَسْتَوْجِبُونَ بِهِ الْعُقُوبَةَ عَلَيْهِ مِنْ ذُنُوبِهِمْ، فَإِنْ عَاقَبَهُمْ عَلَى بَعْضِ ذَلِكَ، فَذُو إِحْسَانٍ إِلَيْهِمْ بِجَمِيلِ أَيَادِيهِ عِنْدَهُمْ
٦ ‏/ ١٤٤
كَمَا: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: ﴿وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران: ١٥٢] يَقُولُ: «وَكَذَلِكَ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَنْ عَاقَبَهُمْ بِبَعْضِ الذُّنُوبِ فِي عَاجِلِ الدُّنْيَا أَدَبًا وَمَوْعِظَةً، فَإِنَّهُ غَيْرُ مُسْتَأْصِلٍ لِكُلِ مَا فِيهِمْ مِنَ الْحَقِّ لَهُ عَلَيْهِمْ، لِمَا أَصَابُوا مِنْ مَعْصِيَتِهِ؛ رَحْمَةً لَهُمْ، وَعَائِدَةً عَلَيْهِمْ لِمَا فِيهِمْ مِنَ الْإِيمَانِ»
٦ ‏/ ١٤٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ [آل عمران: ١٥٣] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثناؤُهُ: وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ إِذْ لَمْ يَسَتَأْصِلْكُمْ، إِهْلَاكًا مِنْهُ جَمْعَكُمْ بِذُنُوبِكُمْ، وَهَرَبِكُمْ؛ ﴿إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ﴾ [آل عمران: ١٥٣] وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ وَالشَّامِ سِوَى الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ: ﴿إِذْ تُصْعِدُونَ﴾ [آل عمران: ١٥٣] بِضَمِّ التَّاءِ وَكَسْرِ الْعَيْنِ، وَبِهِ الْقِرَاءَةُ عِنْدَنَا لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَى الْقِرَاءَةِ بِهِ، وَاسْتِنْكَارِهِمْ مَا خَالَفَهُ
٦ ‏/ ١٤٥
وَرُوِي عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهُ: (إِذْ تَصْعَدُونَ) بِفَتْحِ التَّاءِ وَالْعَيْنِ حَدَّثَنِي بِذَلِكَ أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: ثنا الْقَاسِمُ بْنُ سَلَامٍ، قَالَ: ثنا حَجَّاجٌ، عَنْ هَارُونَ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ ⦗١٤٦⦘ فَأَمَّا الَّذِينَ قَرَءُوا: ﴿تُصْعِدُونَ﴾ [آل عمران: ١٥٣] بِضَمِّ التَّاءِ وَكَسْرِ الْعَيْنِ، فَإِنَّهُمْ وَجَّهُوا مَعْنَى ذَلِكَ إِلَى أَنَّ الْقَوْمَ حِينَ انْهَزَمُوا عَنْ عَدُوِّهِمْ أَخَذُوا فِي الْوَادِي هَارِبِينَ. وَذَكَرُوا أَنَّ ذَلِكَ فِي قِرَاءَةِ أُبَيٍّ: «إِذْ تُصْعِدُونَ فِي الْوَادِي»
٦ ‏/ ١٤٥
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: ثنا أَبُو عُبَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَجَّاجٌ، عَنْ هَارُونَ قَالُوا: «الْهَرَبُ فِي مُسْتَوَى الْأَرْضِ، وَبُطُونِ الْأَوْدِيَةِ وَالشِّعَابِ إِصْعَادٌ لَا صُعُودٌ، قَالُوا وَإِنَّمَا يَكُونُ الصَّعُودُ عَلَى الْجِبَالِ وَالسَّلَالِيمِ وَالدَّرَجِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الصَّعُودِ الِارْتِقَاءُ وَالِارْتِفَاعُ عَلَى الشَّيْءِ عُلُوًّا، قَالُوا: فَأَمَّا الْأَخْذُ فِي مُسْتَوَى الْأَرْضِ الْهُبُوطُ، فَإِنَّمَا هُوَ إِصْعَادٌ، كَمَا يُقَالُ: أَصْعَدْنَا مِنْ مَكَّةَ، إِذَا ابْتَدَأْتَ فِي السَّفَرِ مِنْهَا وَالْخُرُوجِ، وَأَصْعَدْنَا مِنَ الْكُوفَةِ إِلَى خُرَاسَانَ، بِمَعْنَى خَرَجْنَا مِنْهَا سَفَرًا إِلَيْهَا، وَابْتَدَأْنَا مِنْهَا الْخُرُوجَ إِلَيْهَا، قَالُوا: وَإِنَّمَا جَاءَ تَأْوِيلُ أَكْثَرِ أَهْلِ التَّأْوِيلِ بِأَنَّ الْقَوْمَ أَخَذُوا عِنْدَ انْهِزَامِهِمْ عَنْ عَدُوِّهِمْ فِي بَطْنِ الْوَادِي»
٦ ‏/ ١٤٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ﴾ [آل عمران: ١٥٣] ذَاكُمْ يَوْمَ أُحُدٍ أَصْعَدُوا فِي الْوَادِي فِرَارًا، وَنَبِيُّ اللَّهِ ﷺ يَدْعُوهُمْ فِي أُخْرَاهُمْ، قَالَ: «إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ، إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ» ⦗١٤٧⦘ وَأَمَّا الْحَسَنُ فَإِنِّي أُرَاهُ ذَهَبَ فِي قِرَاءَتِهِ: (إِذْ تَصْعَدُونَ) بِفَتْحِ التَّاءِ وَالْعَيْنِ إِلَى أَنَّ الْقَوْمَ حِينَ انْهَزَمُوا عَنِ الْمُشْرِكِينَ صَعِدُوا الْجَبَلَ. وَقَدْ قَالَ ذَلِكَ عَدَدٌ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ
٦ ‏/ ١٤٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: لَمَّا شَدَّ الْمُشْرِكُونَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِأُحُدٍ فَهَزَمُوهُمْ، دَخَلَ بَعْضُهُمُ الْمَدِينَةَ، وَانْطَلَقَ بَعْضُهُمْ فَوْقَ الْجَبَلِ إِلَى الصَّخْرَةِ، فَقَامُوا عَلَيْهَا، وَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَدْعُو النَّاسَ: «إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ، إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ» فَذَكَرَ اللَّهُ صُعُودَهُمْ عَلَى الْجَبَلِ، ثُمَّ ذَكَرَ دُعَاءَ نَبِيِّ اللَّهِ ﷺ إِيَّاهُمْ، فَقَالَ: ﴿إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ﴾ [آل عمران: ١٥٣]
٦ ‏/ ١٤٧
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «انْحَازُوا إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَجَعَلُوا يَصْعَدُونَ فِي الْجَبَلِ، وَالرَّسُولُ يَدْعُوهُمْ فِي أُخْرَاهُمْ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
٦ ‏/ ١٤٧
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ﴾ [آل عمران: ١٥٣] قَالَ: «صَعِدُوا فِي أُحُدٍ فِرَارًا» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ أَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ بِالصَّوَابِ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ: ﴿إِذْ تُصْعِدُونَ﴾ [آل عمران: ١٥٣] بِضَمِّ التَّاءِ وَكَسْرِ الْعَيْنِ، بِمَعْنَى السَّبَقِ وَالْهَرَبِ فِي مُسْتَوَى الْأَرْضِ، أَوْ فِي الْمَهَابِطِ، لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْقِرَاءَةُ الصَّحِيحَةُ، فَفِي إِجْمَاعِهَا عَلَى ذَلِكَ الدَّلِيلُ الْوَاضِحُ عَلَى أَنَّ أَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ بِالْآيَةِ تَأْوِيلُ مَنْ قَالَ: أَصْعَدُوا فِي الْوَادِي، وَمَضَوْا فِيهِ، دُونَ قَوْلِ مَنْ قَالَ: صَعِدُوا عَلَى الْجَبَلِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ﴾ [آل عمران: ١٥٣] فَإِنَّهُ يَعْنِي: وَلَا تَعْطِفُونَ عَلَى أَحَدٍ مِنْكُمْ، وَلَا يَلْتَفِتْ بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ هَرَبًا مِنْ عَدُوِّكُمْ مُصْعِدِينَ فِي الْوَادِي. وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ: ﴿وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ﴾ [آل عمران: ١٥٣] وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَدْعُوكُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِهِ مِنْ أَصْحَابِهِ فِي أُخْرَاكُمْ، يَعْنِي أَنَّهُ يُنَادِيكُمْ مِنْ خَلْفِكُمْ: «إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ، إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ»
٦ ‏/ ١٤٨
كَمَا: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ﴿وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ﴾ [آل عمران: ١٥٣] «إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ ارْجِعُوا، إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ ارْجِعُوا»
٦ ‏/ ١٤٨
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿وَالرَّسُولُ ⦗١٤٩⦘ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ﴾ [آل عمران: ١٥٣] «رَأَوْا نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ يَدْعُوهُمْ: إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ» حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، مِثْلَهُ
٦ ‏/ ١٤٨
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: «أَنَّبَهُمُ اللَّهُ بِالْفِرَارِ عَنْ نَبِيِّهِمْ ﷺ، وَهُوَ يَدْعُوهُمْ لَا يَعْطِفُونَ عَلَيْهِ لِدُعَائِهِ إِيَّاهُمْ» فَقَالَ: ﴿إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ﴾ [آل عمران: ١٥٣]
٦ ‏/ ١٤٩
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ﴾ [آل عمران: ١٥٣] «هَذَا يَوْمَ أُحُدٍ حِينَ انْكَشَفَ النَّاسُ عَنْهُ»
٦ ‏/ ١٤٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ [آل عمران: ١٥٣] يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثناؤُهُ: ﴿فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ﴾ [آل عمران: ١٥٣] يَعْنِي: فَجَازَاكُمْ بِفِرَارِكُمْ عَنْ نَبِيِّكُمْ، وَفَشَلِكُمْ عَنْ عَدُوِّكُمْ، وَمَعْصِيَتِكُمْ رَبَّكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ، يَقُولُ: غَمًّا عَلَى غَمٍّ. وَسَمَّى الْعُقُوبَةَ الَّتِي عَاقَبَهُمْ بِهَا مِنْ تَسْلِيطِ عَدُوِّهِمْ عَلَيْهِمْ حَتَّى نَالَ مِنْهُمْ مَا نَالَ ثَوَابًا، إِذْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ عَمَلِهِمُ الَّذِي سَخَطِهِ وَلَمْ يَرْضَهُ مِنْهُمْ، فَدَلَّ بِذَلِكَ جَلَّ ثناؤُهُ أَنَّ كُلَّ عِوَضٍ كَالْمُعَوَّضِ مِنْ شَيْءٍ مِنَ الْعَمَلِ، خَيْرًا كَانَ أَوْ شَرًّا، أَوِ الْعِوَضُ الَّذِي بَذَلَهُ رَجُلٌ لِرَجُلٍ أَوْ يَدٌ سَلَفَتْ لَهُ إِلَيْهِ، فَإِنَّهُ مُسْتَحِقٌّ اسْمَ ثَوَابٍ كَانَ ذَلِكَ الْعِوَضُ تَكْرِمَةٌ أَوْ عُقُوبَةً، وَنَظِيرُ ذَلِكَ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
[البحر الطويل]
٦ ‏/ ١٤٩
أَخَافُ زِيَادًا أَنْ يَكُونَ عَطَاؤُهُ … أَدَاهَمَ سُودًا أَوْ مُحَدْرَجَةً سُمْرَا
فَجَعَلَ الْعَطَاءَ الْعُقُوبَةَ، وَذَلِكَ كَقَوْلِ الْقَائِلِ لِآخَرَ سَلَفَ إِلَيْهِ مِنْهُ مَكْرُوهٌ: لَأُجَازِيَنَّكَ عَلَى فِعْلِكَ، وَلَأُثِيبِنَّكَ ثَوَابَكَ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿غَمًّا بِغَمٍّ﴾ [آل عمران: ١٥٣] فَإِنَّهُ قِيلَ: غَمًّا بِغَمٍّ، مَعْنَاهُ: غَمًّا عَلَى غَمٍّ، كَمَا قِيلَ: ﴿وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ﴾ [طه: ٧١]، بِمَعْنَى: وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ عَلَى جُذُوعِ النَّخْلِ، وَإِنَّمَا جَازَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِ الْقَائِلِ: أَثَابَكَ اللَّهُ غَمًّا عَلَى غَمٍّ: جَزَاكَ اللَّهُ غَمًّا بَعْدَ غَمٍّ تَقَدَّمَهُ، فَكَانَ كَذَلِكَ مَعْنَى: فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ: فَجَزَاكُمُ اللَّهُ غَمًّا بِعَقِبِ غَمٍّ تَقَدَّمَهُ، وَهُوَ نَظِيرُ قَوْلِ الْقَائِلِ: نَزَلْتُ بِبَنِي فُلَانٍ، وَنَزَلْتُ عَلَى بَنِي فُلَانٍ، وَضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ، وَعَلَى السَّيْفِ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْغَمِّ الَّذِي أُثِيبَ الْقَوْمُ عَلَى الْغَمِّ، وَمَا كَانَ غَمَّهُمُ الْأَوَّلَ وَالثَّانِي، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَمَّا الْغَمُّ الْأَوَّلُ، فَكَانَ مَا تَحَدَّثَ بِهِ الْقَوْمُ أَنَّ نَبِيَّهُمْ ﷺ قَدْ قُتِلَ، وَأَمَّا الْغَمُّ الْآخَرُ، فَإِنَّهُ كَانَ مَا نَالَهُمْ مِنَ الْقَتْلِ وَالْجِرَاحِ
٦ ‏/ ١٥٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ﴾ [آل عمران: ١٥٣] «كَانُوا تَحَدَّثُوا يَوْمَئِذٍ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ أُصِيبَ، وَكَانَ الْغَمُّ الْآخَرُ قَتْلَ أَصْحَابِهِمْ وَالْجَرَاحَاتِ الَّتِي أَصَابَتْهُمْ؛ قَالَ: وَذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ قُتِلَ يَوْمَئِذٍ سَبْعُونَ رَجُلًا ⦗١٥١⦘ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ سِتَّةٌ وَسِتُّونَ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ، وَأَرْبَعَةٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ» وَقَوْلُهُ: ﴿لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ﴾ [آل عمران: ١٥٣] يَقُولُ: مَا فَاتَكُمْ مِنْ غَنِيمَةِ الْقَوْمِ، وَلَا مَا أَصَابَكُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ مِنَ الْقَتْلِ وَالْجِرَاحَاتِ
٦ ‏/ ١٥٠
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ﴾ [آل عمران: ١٥٣] قَالَ: «فَرَّةً بَعْدَ فَرَّةٍ، الْأُولَى: حِينَ سَمِعُوا الصَّوْتَ أَنَّ مُحَمَّدًا قَدْ قُتِلَ؛ وَالثَّانِيَةُ: حِينَ رَجَعَ الْكُفَّارُ فَضَرَبُوهُمْ مُدْبِرِينَ، حَتَّى قَتَلُوا مِنْهُمْ سَبْعِينَ رَجُلًا، ثُمَّ انْحَازُوا إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَجَعَلُوا يُصْعِدُونَ فِي الْجَبَلِ، وَالرَّسُولُ يَدْعُوهُمْ فِي أُخْرَاهُمْ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، نَحْوَهُ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ غَمُّهُمُ الْأَوَّلُ كَانَ قَتْلَ مَنْ قُتِلَ مِنْهُمْ، وَجَرْحَ مَنْ جُرِحَ مِنْهُمْ، وَالْغَمُّ الثَّانِي كَانَ مِنْ سَمَاعِهِمْ صَوْتَ الْقَائِلِ: قُتِلَ مُحَمَّدٌ ﷺ
٦ ‏/ ١٥١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿غَمًّا بِغَمٍّ﴾ [آل عمران: ١٥٣] قَالَ: «الْغَمُّ الْأَوَّلُ: الْجِرَاحُ وَالْقَتْلُ؛ وَالْغَمُّ الثَّانِي: حِينَ سَمِعُوا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ قَدْ قُتِلَ، فَأَنْسَاهُمُ الْغَمُّ الْآخَرُ مَا أَصَابَهُمْ مِنَ الْجَرَّاحِ ⦗١٥٢⦘ وَالْقَتْلِ وَمَا كَانُوا يَرْجُونَ مِنَ الْغَنِيمَةِ» وَذَلِكَ حِينَ يَقُولُ: ﴿لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ﴾ [آل عمران: ١٥٣]
٦ ‏/ ١٥١
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ: ﴿فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ﴾ [آل عمران: ١٥٣] قَالَ: «الْغَمُّ الْأَوَّلُ الْجِرَاحُ وَالْقَتْلُ؛ وَالْغَمُّ الْآخَرُ حِينَ سَمِعُوا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَدْ قُتِلَ، فَأَنْسَاهُمُ الْغَمُّ الْآخَرُ مَا أَصَابَهُمْ مِنَ الْجِرَاحِ وَالْقَتْلِ، وَمَا كَانُوا يَرْجُونَ مِنَ الْغَنِيمَةِ» وَذَلِكَ حِينَ يَقُولُ اللَّهُ: ﴿لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ﴾ [آل عمران: ١٥٣] وَقَالَ آخَرُونَ: بَلِ الْغَمُّ الْأَوَّلُ مَا كَانَ فَاتَهُمْ مِنَ الْفَتْحِ وَالْغَنِيمَةِ؛ وَالثَّانِي إِشْرَافُ أَبِي سُفْيَانَ عَلَيْهِمْ فِي الشِّعْبِ، وَذَلِكَ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ فِيمَا زَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ السِّيَرِ لَمَّا أَصَابَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مَا أَصَابَ، وَهَرَبَ الْمُسْلِمُونَ، جَاءَ حَتَّى أَشْرَفَ عَلَيْهِمْ وَفِيهِمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي شِعْبٍ أُحُدٍ الَّذِي كَانُوا وَلَّوْا إِلَيْهِ عِنْدَ الْهَزِيمَةِ، فَخَافُوا أَنْ يَصْطَلِمَهُمْ أَبُو سُفْيَانَ وَأَصْحَابُهُ
٦ ‏/ ١٥٢
ذِكْرُ الْخَبَرِ بِذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: «انْطَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَوْمَئِذٍ يَدْعُو النَّاسَ حَتَّى انْتَهَى إِلَى أَصْحَابِ الصَّخْرَةِ، فَلَمَّا رَأَوْهُ، وَضَعَ رَجُلٌ سَهْمًا فِي قَوْسِهِ، فَأَرَادَ أَنْ يَرْمِيَهُ، فَقَالَ: «أَنَا رَسُولُ اللَّهِ» فَفَرِحُوا بِذَلِكَ حِينَ وَجَدُوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ حَيًّا، وَفَرِحَ رَسُولُ اللَّهِ حِينَ رَأَى ⦗١٥٣⦘ أَنَّ فِيَ أَصْحَابِهِ مَنْ يَمْتَنِعُ، فَلَمَّا اجْتَمَعُوا وَفِيهِمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حِينَ ذَهَبَ عَنْهُمُ الْحُزْنُ، فَأَقْبَلُوا يَذْكُرُونَ الْفَتْحَ وَمَا فَاتَهُمْ مِنْهُ، وَيَذْكُرُونَ أَصْحَابَهُمُ الَّذِينَ قُتِلُوا، فَأَقْبَلَ أَبُو سُفْيَانَ حَتَّى أَشْرَفَ عَلَيْهِمْ؛ فَلَمَّا نَظَرُوا إِلَيْهِ، نَسُوا ذَلِكَ الَّذِي كَانُوا عَلَيْهِ، وَهَمْهَمَ أَبُو سُفْيَانَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَعْلُونَا، اللَّهُمَّ إِنْ تُقْتَلْ هَذِهِ الْعِصَابَةُ لَا تَعْبُدْ» ثُمَّ نَدَبَ أَصْحَابَهُ فَرَمَوْهُمْ بِالْحِجَارَةِ حَتَّى أَنْزَلُوهُمْ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ يَوْمَئِذٍ: اعْلُ هُبَلُ حَنْظَلَةٌ بِحَنْظَلَةٍ، وَيَوْمٌ بِيَوْمِ بَدْرٍ، وَقَتَلُوا يَوْمَئِذٍ حَنْظَلَةَ بْنَ الرَّاهِبِ وَكَانَ جُنُبًا فَغَسَّلَتْهُ الْمَلَائِكَةُ، وَكَانَ حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ؛ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: لَنَا الْعُزَّى، وَلَا عُزَّى لَكُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِعُمَرَ: «قُلِ اللَّهُ مَوْلَانَا وَلَا مَوْلَى لَكُمْ» . فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: فِيكُمْ مُحَمَّدٌ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: أَمَا إِنَّهَا قَدْ كَانَتْ فِيكُمْ مُثْلَةٌ، مَا أَمَرْتُ بِهَا، وَلَا نَهَيْتُ عَنْهَا، وَلَا سَرَّتْنِي، وَلَا سَاءَتْنِي، فَذَكَرَ اللَّهُ إِشْرَافَ أَبِي سُفْيَانَ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ: ﴿فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ﴾ [آل عمران: ١٥٣] الْغَمُّ الْأَوَّلُ: مَا فَاتَهُمْ مِنَ الْغَنِيمَةِ وَالْفَتْحِ؛ وَالْغَمُّ الثَّانِي إِشْرَافُ الْعَدُوِّ عَلَيْهِمْ، لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ مِنَ الْغَنِيمَةِ، وَلَا مَا أَصَابَكُمْ مِنَ الْقَتْلِ حِينَ تَذْكُرُونَ، فَشَغَلَهُمْ أَبُو سُفْيَانَ»
٦ ‏/ ١٥٢
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثني ابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ، وَعَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، وَالْحُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، وَغَيْرُهُمْ مِنْ عُلَمَائِنَا فِيمَا ذَكَرُوا مِنْ حَدِيثِ أُحُدٍ، قَالُوا: «كَانَ الْمُسْلِمُونَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ لَمَّا أَصَابَهُمْ فِيهِ مِنْ شِدَّةِ الْبَلَاءِ أَثْلَاثًا: ثُلُثٌ قَتِيلٌ، ⦗١٥٤⦘ وَثُلُثٌ جَرِيحٌ، وَثُلُثٌ مُنْهَزِمٌ، وَقَدْ بَلَّغَتْهُ الْحَرْبُ حَتَّى مَا يَدْرِي مَا يَصْنَعُ، وَحَتَّى خَلَصَ الْعَدُوُّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَدُثَّ بِالْحِجَارَةِ حَتَّى وَقَعَ لِشِقِّهِ، وَأُصِيبَتْ رُبَاعِيَتُهُ، وَشُجَّ فِي وَجْهِهِ، وَكُلِمَتْ شَفَتُهُ، وَكَانَ الَّذِي أَصَابَهُ عُتْبَةُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَقَاتِلَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَمَعَهُ لِوَاؤُهُ حَتَّى قُتِلَ، وَكَانَ الَّذِي أَصَابَهُ ابْنَ قَمِيئَةَ اللَّيْثِيَّ، وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَرَجَعَ إِلَى قُرَيْشٍ فَقَالَ: قَتَلْتُ مُحَمَّدًا»
٦ ‏/ ١٥٣
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: «فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ عَرَفَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ بَعْدَ الْهَزِيمَةِ، وَقَوْلُ النَّاسِ: قُتِلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ»
٦ ‏/ ١٥٤
كَمَا حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثني ابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ، ثنا كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ أَخُو بَنِي سَلَمَةَ، قَالَ: «عَرَفْتُ عَيْنَيْهِ تُزْهِرَانِ تَحْتَ الْمِغْفَرِ، فَنَادَيْتُ بِأَعْلَى صَوْتِي: يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ أَبْشِرُوا، هَذَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَأَشَارَ إِلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ أَنْ أُنْصِتَ، فَلَمَّا عَرَفَ الْمُسْلِمُونَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ نَهَضُوا بِهِ وَنَهَضَ نَحْوَ الشِّعْبِ مَعَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي قُحَافَةَ، وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَطَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَالزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ، وَالْحَارِثُ بْنُ الصَّامِتِ فِي رَهْطٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، قَالَ: فَبَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي الشِّعْبِ وَمَعَهُ أُولَئِكَ النَّفْرُ مِنْ أَصْحَابِهِ، إِذْ عَلَتْ عَالِيَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ الْجَبَلَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ «اللَّهُمَّ إِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَعْلُونَا» فَقَاتَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَرَهْطٌ مَعَهُ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، حَتَّى أَهْبَطُوهُمْ عَنِ ⦗١٥٥⦘ الْجَبَلِ، وَنَهَضَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِلَى صَخْرَةٍ مِنَ الْجَبَلِ لِيَعْلُوَهَا، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قَدْ بَدَّنَ، فَظَاهَرَ بَيْنَ دِرْعَيْنِ، فَلَمَّا ذَهَبَ لِيَنْهَضَ، فَلَمْ يَسْتَطِعْ، جَلَسَ تَحْتَهُ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، فَنَهَضَ حَتَّى اسْتَوَى عَلَيْهَا ثُمَّ إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ حِينَ أَرَادَ الِانْصِرَافَ، أَشْرَفَ عَلَى الْجَبَلِ، ثُمَّ صَرَخَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ أَنِعْمَتْ فَعَالٌ، إِنَّ الْحَرْبَ سِجَالٌ، يَوْمٌ بِيَوْمِ بَدْرٍ، أُعْلُ هُبَلُ أَيْ أَظْهِرْ دِينَكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِعُمَرَ:»قُمْ فَأَجِبْهُ فَقُلِ: اللَّهُ أَعْلَى وَأَجَلُّ، لَا سَوَاءٌ، قَتْلَانَا فِي الْجَنَّةِ، وَقَتْلَاكُمْ فِي النَّارِ ” فَلَمَّا أَجَابَ عُمَرُ رضي الله عنه أَبَا سُفْيَانَ، قَالَ لَهُ أَبُو سُفْيَانَ: هَلُمَّ إِلَيَّ يَا عُمَرُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «ائْتِهِ فَانْظُرْ مَا شَأْنُهُ» فَجَاءَهُ فَقَالَ لَهُ أَبُو سُفْيَانَ: أُنْشِدُكَ اللَّهَ يَا عُمَرُ، أَقَتَلْنَا مُحَمَّدًا؟ فَقَالَ عُمَرُ: اللَّهُمَّ لَا، وَإِنَّهُ لَيَسْمَعُ كَلَامَكَ الْآنَ، فَقَالَ: أَنْتَ أَصْدَقُ عِنْدِي مِنَ ابْنِ قُمَيْئَةَ، وَأَشَارَ لِقَوْلِ ابْنِ قُمَيْئَةَ لَهُمْ: إِنِّي قَتَلْتُ مُحَمَّدًا ثُمَّ نَادَى أَبُو سُفْيَانَ، فَقَالَ: إِنَّهُ قَدْ كَانَ فِي قَتْلَاكُمْ مُثْلَةٌ، وَاللَّهِ مَا رَضِيتُ، وَلَا سَخِطْتَ، وَلَا نَهَيْتُ، وَلَا أَمَرْتُ
٦ ‏/ ١٥٤
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، قَالَ: ثني ابْنُ إِسْحَاقَ: ﴿فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ﴾ [آل عمران: ١٥٣] «أَيْ كَرْبًا بَعْدَ كَرِبٍ قَتْلُ مَنْ قُتِلَ مِنْ إِخْوَانِكُمْ، وَعُلُوُّ عَدُوِّكُمْ عَلَيْكُمْ، وَمَا وَقَعَ فِي أَنْفُسِكُمْ مِنْ ⦗١٥٦⦘ قَوْلِ مَنْ قَالَ: قُتِلَ نَبِيُّكُمْ، فَكَانَ ذَلِكَ مِمَّا تَتَابَعَ عَلَيْكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ، لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ مِنْ ظُهُورِكُمْ عَلَى عَدُوِّكُمْ بَعْدَ أَنْ رَأَيْتُمُوهُ بِأَعْيُنِكُمْ، وَلَا مَا أَصَابَكُمْ مِنْ قَتْلِ إِخْوَانِكُمْ؛ حَتَّى فَرَّجْتَ بِذَلِكَ الْكَرْبَ عَنْكُمْ، وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ، وَكَانَ الَّذِي فَرَّجَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا فِيهِ مِنَ الْكَرْبِ وَالْغَمِّ الَّذِي أَصَابَهُمْ أَنَّ اللَّهَ عز وجل رَدَّ عَنْهُمْ كَذْبَةَ الشَّيْطَانِ بِقَتْلِ نَبِيِّهِمْ، فَلَمَّا رَأَوْا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ حَيًّا بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ هَانَ عَلَيْهِمْ مَا فَاتَهُمْ مِنَ الْقَوْمِ، فَهَانَ الظُّهُورُ عَلَيْهِمْ وَالْمُصِيبَةُ الَّتِي أَصَابَتْهُمْ فِي إِخْوَانِهِمْ، حِينَ صَرَفَ اللَّهُ الْقَتْلَ عَنْ نَبِيِّهِمْ ﷺ»
٦ ‏/ ١٥٥
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: ﴿فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ﴾ [آل عمران: ١٥٣] قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قَالَ مُجَاهِدٌ: «أَصَابَ النَّاسَ حُزْنٌ وَغَمٌّ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ فِي أَصْحَابِهِمُ الَّذِينَ قُتِلُوا، فَلَمَّا تَوَلَّجُوا فِي الشِّعْبِ يَتَصَافُّونَ وَقَفَ أَبُو سُفْيَانَ وَأَصْحَابُهُ بِبَابِ الشِّعْبِ، فَظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ أَنَّهُمْ سَوْفَ يَمِيلُونَ عَلَيْهِمْ فَيَقْتُلُونَهُمْ أَيْضًا، فَأَصَابَهُمْ حَزْنٌ فِي ذَلِكَ أَيْضًا أَنْسَاهُمْ حُزْنَهُمْ فِي أَصْحَابِهِمْ» فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ﴾ [آل عمران: ١٥٣] قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قَوْلُهُ: ﴿عَلَى مَا فَاتَكُمْ﴾ [آل عمران: ١٥٣] يَقُولُ: «عَلَى مَا فَاتَكُمْ مِنْ غَنَائِمِ الْقَوْمِ» ﴿وَلَا مَا أَصَابَكُمْ﴾ [آل عمران: ١٥٣] «فِي أَنْفُسِكُمْ»
٦ ‏/ ١٥٦
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ:
٦ ‏/ ١٥٦
أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَثِيرٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، قَالَ: «جَاءَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ، وَمَنْ مَعَهُ، حَتَّى وَقَفَ بِالشِّعْبِ، ثُمَّ نَادَى: أَفِي الْقَوْمِ ابْنُ أَبِي كَبْشَةَ؟ فَسَكَتُوا، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: قُتِلَ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ، ثُمَّ قَالَ: أَفِي الْقَوْمِ ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ؟ فَسَكَتُوا، فَقَالَ: قُتِلَ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ ثُمَّ قَالَ: أَفِي الْقَوْمِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ؟ فَسَكَتُوا، فَقَالَ: قُتِلَ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ ثُمَّ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: اعْلُ هُبَلُ، يَوْمٌ بِيَوْمِ بَدْرٍ، وَحَنْظَلَةٌ بِحَنْظَلَةٍ، وَأَنْتُمْ وَاجِدُونَ فِي الْقَوْمِ مُثْلًا لَمْ يَكُنْ عَنْ رَأْيِ سَرَّاتِنَا وَخِيَارِنَا، وَلَمْ نَكْرَهْهُ حِينَ رَأَيْنَاهُ فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ:»قُمْ فَنَادِ فَقُلْ: اللَّهُ أَعْلَى وَأَجَلُّ، نَعَمْ هَذَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، وَهَذَا أَبُو بَكْرٍ، وَهَا أَنَا ذَا؛ لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ، أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ، قَتْلَانَا فِي الْجَنَّةِ، وَقَتْلَاكُمْ فِي النَّارِ “
٦ ‏/ ١٥٧
وَقَالَ آخَرُونَ فِي ذَلِكَ بِمَا: حَدَّثَنِي بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ﴾ [آل عمران: ١٥٣] «فَرَجَعُوا فَقَالُوا: وَاللَّهِ لَنَأْتِيَنَّهُمْ، ثُمَّ لَنَقْتُلَنَّهُمْ، قَدْ خَرَجُوا مِنَّا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَهْلًا فَإِنَّمَا أَصَابَكُمُ الَّذِي أَصَابَكُمْ مِنْ أَجْلِ أَنَّكُمْ عَصَيْتُمُونِي» . فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ، إِذْ أَتَاهُمُ الْقَوْمُ، قَدْ أُنْسُوا، وَقَدِ اخْتَرَطُوا سُيُوفَهُمْ، فَكَانَ غَمُّ الْهَزِيمَةِ وَغَمُّهُمْ حِينَ أَتَوْهُمْ» ﴿لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ﴾ [آل عمران: ١٥٣] «مِنَ الْقَتْلِ» ﴿وَلَا مَا أَصَابَكُمْ﴾ [آل عمران: ١٥٣] «مِنَ الْجِرَاحَةِ» ﴿فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا﴾ [آل عمران: ١٥٣] الْآيَةَ، «وَهُوَ يَوْمَ أُحُدٍ» ⦗١٥٨⦘ وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ﴾ [آل عمران: ١٥٣] أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِحِرْمَانِ اللَّهِ إِيَّاكُمْ غَنِيمَةَ الْمُشْرِكِينَ، وَالظَّفَرَ بِهِمْ، وَالنَّصْرَ عَلَيْهِمْ، وَمَا أَصَابَكُمْ مِنَ الْقَتْلِ وَالْجِرَاحِ يَوْمَئِذٍ بَعْدَ الَّذِي كَانَ قَدْ أَرَاكُمْ فِي كُلِّ ذَلِكَ مَا تُحِبُّونَ بِمَعْصِيَتِكُمْ رَبَّكُمْ، وَخِلَافِكُمْ أَمْرَ نَبِيِّكُمْ ﷺ، غَمُّ ظَنِّكُمْ أَنَّ نَبِيَّكُمْ ﷺ قَدْ قُتِلَ، وَمَيْلُ الْعَدُوِّ عَلَيْكُمْ بَعْدَ فُلُولِكُمْ مِنْهُمْ. وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ أَوْلَى بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ مِمَّا خَالَفَهُ، قَوْلُهُ: ﴿لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ﴾ [آل عمران: ١٥٣] وَالْفَائِتُ لَا شَكَّ أَنَّهُ هُوَ مَا كَانُوا رَجَوُا الْوُصُولَ إِلَيْهِ مِنْ غَيْرِهِمْ، إِمَّا مِنْ ظُهُورٍ عَلَيْهِمْ بِغَلَبِهِمْ، وَإِمَّا مِنْ غَنِيمَةٍ يَحْتَازُونَهَا، وَأَنَّ قَوْلَهُ: ﴿وَلَا مَا أَصَابَكُمْ﴾ [آل عمران: ١٥٣] هُوَ مَا أَصَابَهُمْ إِمَّا فِي أَبْدَانِهِمْ، وَإِمَّا فِي إِخْوَانِهِمْ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَمَعْلُومٌ أَنَّ الْغَمَّ الثَّانِي هُوَ مَعْنًى غَيْرُ هَذَيْنِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل أَخْبَرَ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ بِهِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، أَنَّهُ أَثَابَهُمْ غَمًّا بِغَمٍّ، لِئَلَّا يُحْزِنَهُمْ مَا نَالَهُمْ مِنَ الْغَمِّ النَّاشِئِ عَمَّا فَاتَهُمْ مِنْ غَيْرِهِمْ، وَلَا مَا أَصَابَهُمْ قَبْلَ ذَلِكَ فِي أَنْفُسِهِمْ، وَهُوَ الْغَمُّ الْأَوَّلُ عَلَى مَا قَدْ بَيَّنَّاهُ قَبْلُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ﴾ [آل عمران: ١٥٣] فَإِنَّ تَأْوِيلَهُ عَلَى مَا قَدْ بَيَّنْتُ مِنْ أَنَّهُ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ فَلَمْ تُدْرِكُوهُ مِمَّا كُنْتُمْ تَرْجُونَ إِدْرَاكَهُ مِنْ عَدُوِّكُمْ بِالظَّفَرِ عَلَيْهِمْ وَالظُّهُورِ وَحِيَازَةِ غَنَائِمِهِمْ، وَلَا مَا أَصَابَكُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ مِنْ جَرْحِ مَنْ جُرِحَ وَقَتْلِ مَنْ قُتِلَ مِنْ إِخْوَانِكُمْ. وَقَدْ ذَكَرْنَا اخْتِلَافَ أَهْلِ التَّأْوِيلِ فِيهِ قَبْلُ عَلَى السَّبِيلِ الَّتِي اخْتَلَفُوا فِيهِ
٦ ‏/ ١٥٧
كَمَا: حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا وَهْبٌ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ﴾ [آل عمران: ١٥٣] قَالَ: «عَلَى مَا فَاتَكُمْ مِنَ الْغَنِيمَةِ الَّتِي كُنْتُمْ تَرْجُونَ» ﴿وَلَا مَا أَصَابَكُمْ﴾ [آل عمران: ١٥٣] «مِنَ الْهَزِيمَةِ» وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ [آل عمران: ١٥٣] فَإِنَّهُ يَعْنِي جَلَّ ثناؤُهُ: وَاللَّهُ بِالَّذِي تَعْمَلُونَ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ مِنْ إِصْعَادِكُمْ فِي الْوَادِي هَرَبًا مِنْ عَدُوِّكُمْ، وَانْهِزَامِكُمْ مِنْهُمْ، وَتَرْكِكُمْ نَبِيَّكُمْ وَهُوَ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ، وَحُزْنِكُمْ عَلَى مَا فَاتَكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ، وَمَا أَصَابَكُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ ذُو خِبْرَةٍ وَعِلْمٍ، وَهُوَ مُحْصٍ ذَلِكَ كُلَّهُ عَلَيْكُمْ حَتَّى يُجَازِيَكُمْ بِهِ الْمُحْسِنَ مِنْكُمْ بِإِحْسَانِهِ، وَالْمُسِيءَ بِإِسَاءَتِهِ، أَوْ يَعْفُو عَنْهُ
٦ ‏/ ١٥٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ [آل عمران: ١٥٤] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثناؤُهُ: ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ الَّذِي أَثَابَكُمْ رَبُّكُمْ بَعْدَ غَمٍّ يَقْدُمُهُ قَبْلَهُ أَمَنَةٌ، وَهِيَ الْأَمَانُ عَلَى أَهْلِ الْإِخْلَاصِ مِنْكُمْ وَالْيَقِينِ، دُونَ أَهْلِ النِّفَاقِ وَالشَّكِّ، ثُمَّ بَيَّنَ جَلَّ ثناؤُهُ عَنِ الْأَمَنَةِ الَّتِي أَنْزَلَهَا عَلَيْهِمْ مَا هِيَ؟ فَقَالَ: نُعَاسًا، بِنَصْبِ النُّعَاسِ عَلَى الْإِبْدَالِ مِنَ الْأَمَنَةِ. ثُمَّ اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿يَغْشَى﴾ [آل عمران: ١٥٤] فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ الْحِجَازِ وَالْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ وَبَعْضُ الْكُوفِيِّينَ بِالتَّذْكِيرِ بِالْيَاءِ: ﴿يَغْشَى﴾ [آل عمران: ١٥٤]
٦ ‏/ ١٥٩
وَقَرَأَ جَمَاعَةٌ مِنْ قُرَّاءِ الْكُوفِيِّينَ بِالتَّأْنِيثِ: (تَغْشَى) بِالتَّاءِ، وَذَهَبَ الَّذِينَ قَرَءُوا ذَلِكَ بِالتَّذْكِيرِ إِلَى أَنَّ النُّعَاسَ هُوَ الَّذِي يَغْشَى الطَّائِفَةَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ دُونَ الْأَمَنَةِ، فَذَكَّرَهُ بِتَذْكِيرِ النُّعَاسِ، وَذَهَبَ الَّذِينَ قَرَءُوا ذَلِكَ بِالتَّأْنِيثِ إِلَى أَنَّ الْأَمَنَةَ هِيَ الَّتِي تَغْشَاهُمْ، فَأَنَّثُوهُ لِتَأْنِيثِ الْأَمَنَةِ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ مُسْتَفِيضَتَانِ فِي قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ غَيْرُ مُخْتَلِفَتَيْنِ فِي مَعْنًى وَلَا غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْأَمَنَةَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ هِيَ النُّعَاسُ، وَالنُّعَاسُ: هُوَ الْأَمَنَةُ، وَسَوَاءٌ ذَلِكَ، وَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَهُوَ مُصِيبٌ الْحَقَّ فِي قِرَاءَتِهِ، وَكَذَلِكَ جَمِيعُ مَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ نَظَائِرِهِ مِنْ نَحْوِ قَوْلِهِ: ﴿إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعَامُ الْأَثِيمِ كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ﴾ [الدخان: ٤٤]، وَ﴿أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى﴾ [القيامة: ٣٧]، ﴿وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ﴾ [مريم: ٢٥] فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَمَا كَانَ السَّبَبُ الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ افْتَرَقَتِ الطَّائِفَتَانِ اللَّتَانِ ذَكَرَهُمَا اللَّهُ عز وجل فِيمَا افْتَرَقَتَا فِيهِ مِنْ صِفَتِهِمَا، فَآمَنَتْ إِحْدَاهُمَا بِنَفْسِهَا حَتَّى نَعَسَتْ، وَأَهَمَّتِ الْأُخْرَى نَفْسُهَا حَتَّى ظَنَّتْ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ؟ قِيلَ: كَانَ سَبَبُ ذَلِكَ فِيمَا ذُكِرَ لَنَا
٦ ‏/ ١٦٠
كَمَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ ” أَنَّ الْمُشْرِكِينَ، انْصَرَفُوا يَوْمَ أُحُدٍ بَعْدَ الَّذِي كَانَ مِنْ أَمْرِهِمْ وَأَمْرِ الْمُسْلِمِينَ؛ فَوَاعَدُوا النَّبِيَّ ﷺ بَدْرًا مِنْ قَابِلٍ، فَقَالَ لَهُمْ: «نَعَمْ» فَتَخَوَّفَ الْمُسْلِمُونَ أَنْ يَنْزِلُوا الْمَدِينَةَ، فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ رَجُلًا، فَقَالَ: «انْظُرْ فَإِنْ رَأَيْتَهُمْ قَعَدُوا عَلَى أَثْقَالِهِمْ وَجَنَّبُوا خُيُولَهُمْ، فَإِنَّ
٦ ‏/ ١٦٠
الْقَوْمَ ذَاهِبُونَ، وَإِنْ رَأَيْتَهُمْ قَدْ قَعَدُوا عَلَى خُيُولِهِمْ وَجَنَّبُوا عَلَى أَثْقَالِهِمْ، فَإِنَّ الْقَوْمَ يَنْزِلُونَ الْمَدِينَةَ، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَاصْبِرُوا» وَوَطَّنَهُمْ عَلَى الْقِتَالِ؛ فَلَمَّا أَبْصَرَهُمُ الرَّسُولُ تَعَدَّوْا عَلَى الْأَثْقَالِ سِرَاعًا عِجَالًا، نَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ بِذَهَابِهِمْ؛ فَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ ذَلِكَ صَدَّقُوا نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ، فَنَامُوا، وَبَقِيَ أُنَاسٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ يَظُنُّونَ أَنَّ الْقَوْمَ يَأْتُونَهُمْ، فَقَالَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ يَذْكُرُ حِينَ أَخْبَرَهُمُ النَّبِيُّ ﷺ إِنْ كَانُوا رَكَّبُوا الْأَثْقَالَ فَإِنَّهُمْ مُنْطَلِقُونَ فَنَامُوا: ﴿ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ﴾ [آل عمران: ١٥٤]
٦ ‏/ ١٦١
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «أَمَّنَهُمْ يَوْمَئِذٍ بِنُعَاسٍ غَشَّاهُمْ، وَإِنَّمَا يَنْعَسُ مَنْ يَأْمَنُ» ﴿يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ﴾ [آل عمران: ١٥٤]
٦ ‏/ ١٦١
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي طَلْحَةَ، قَالَ: «كُنْتُ فِيمَنْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ النُّعَاسُ يَوْمَ أُحُدٍ أَمَنَةً، حَتَّى سَقَطَ مِنْ يَدِي مِرَارًا» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي سَوْطَهُ، أَوْ سَيْفَهُ
٦ ‏/ ١٦١
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، قَالَ: ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي طَلْحَةَ، قَالَ: «رَفَعْتُ رَأْسِي يَوْمَ أُحُدٍ، فَجَعَلْتُ ⦗١٦٢⦘ مَا أَرَى أَحَدًا مِنَ الْقَوْمِ إِلَّا تَحْتَ حَجَفَتِهِ يَمِيدُ مِنَ النُّعَاسِ»
٦ ‏/ ١٦١
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، وَابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَا: ثنا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: ثنا عِمْرَانُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي طَلْحَةَ قَالَ: «كُنْتُ فِيمَنْ صُبَّ عَلَيْهِ النُّعَاسُ يَوْمَ أُحُدٍ»
٦ ‏/ ١٦٢
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: ثنا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي طَلْحَةَ: «أَنَّهُ كَانَ يَوْمَئِذٍ مِمَّنْ غَشِيَهُ النُّعَاسُ، قَالَ: كَانَ السَّيْفُ يَسْقُطُ مِنْ يَدِي ثُمَّ آخُذُهُ مِنَ النُّعَاسِ»
٦ ‏/ ١٦٢
حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ: ذُكِرَ لَنَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ، حَدَّثَهُمْ «أَنَّهُ، كَانَ يَوْمَئِذٍ مِمَّنْ غَشِيَهُ النُّعَاسُ، قَالَ: فَجَعَلَ سَيْفِي يَسْقُطُ مِنْ يَدِي وَآخُذُهُ، وَيَسْقُطُ وَآخُذُهُ وَيَسْقُطُ، وَالطَّائِفَةُ الْأُخْرَى: الْمُنَافِقُونِ، لَيْسَ لَهُمْ هِمَّةٌ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ ﴿يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ﴾ [آل عمران: ١٥٤] الْآيَةَ كُلَّهَا»
٦ ‏/ ١٦٢
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ التِّرْمِذِيُّ، قَالَ: ثنا ضِرَارُ بْنُ صُرَدٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَأَلْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ، عز وجل: ﴿ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا﴾ [آل عمران: ١٥٤] قَالَ: «أُلْقِيَ عَلَيْنَا النَّوْمُ ⦗١٦٣⦘ يَوْمَ أُحُدٍ»
٦ ‏/ ١٦٢
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا﴾ [آل عمران: ١٥٤] الْآيَةَ، «وَذَاكُمْ يَوْمَ أُحُدٍ، كَانُوا يَوْمَئِذٍ فَرِيقَيْنِ؛ فَأَمَّا الْمُؤْمِنُونَ فَغَشَّاهُمُ اللَّهُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَرَحْمَةً» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، نَحْوَهُ
٦ ‏/ ١٦٣
حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، قَوْلُهُ: ﴿أَمَنَةً نُعَاسًا﴾ [آل عمران: ١٥٤] قَالَ: «أُلْقِيَ عَلَيْهِمُ النُّعَاسُ، فَكَانَ ذَلِكَ أَمَنَةً لَهُمْ»
٦ ‏/ ١٦٣
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي رَزِينٍ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: «النُّعَاسُ فِي الْقِتَالِ أَمَنَةٌ، وَالنُّعَاسُ فِي الصَّلَاةِ مِنَ الشَّيْطَانِ»
٦ ‏/ ١٦٣
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: ﴿ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا﴾ [آل عمران: ١٥٤] قَالَ: «أَنْزَلَ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ عَلَى أَهْلِ الْيَقِينِ بِهِ، فَهُمْ نِيَامٌ لَا يَخَافُونَ»
٦ ‏/ ١٦٣
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿أَمَنَةً نُعَاسًا﴾ [آل عمران: ١٥٤] قَالَ: «أَلْقَى اللَّهُ عَلَيْهِمُ النُّعَاسَ، فَكَانَ أَمَنَةً لَهُمْ» وَذُكِرَ أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ قَالَ: أُلْقِيَ عَلَيَّ النُّعَاسُ يَوْمَئِذٍ، فَكُنْتُ أَنْعَسُ حَتَّى يَسْقُطَ سَيْفِي مِنْ يَدِي
٦ ‏/ ١٦٤
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِدْرِيسَ، قَالَ: ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي طَلْحَةَ، وَهِشَامِ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُمَا قَالَا: «لَقَدْ رَفَعْنَا رُءُوسَنَا يَوْمَ أُحُدٍ، فَجَعَلْنَا نَنْظُرُ، فَمَا مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَهُوَ يَمِيلُ بِجَنْبِ حَجَفَتِهِ» قَالَ: وَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا﴾ [آل عمران: ١٥٤]
٦ ‏/ ١٦٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ﴾ [آل عمران: ١٥٤] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثناؤُهُ: وَطَائِفَةٌ مِنْكُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ، يَقُولُ: هُمُ الْمُنَافِقُونَ لَا هَمَّ لَهُمْ غَيْرُ أَنْفُسِهِمْ، فَهُمْ مِنْ حَذَرِ الْقَتْلِ ⦗١٦٥⦘ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، وَخَوْفِ الْمَنِيَّةِ عَلَيْهَا فِي شُغْلٍ، قَدْ طَارَ عَنْ أَعْيُنِهِمُ الْكَرَى، يَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَ الْكَاذِبَةَ، ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ بِاللَّهِ، شَكًّا فِي أَمْرِ اللَّهِ، وَتَكْذِيبًا لِنَبِيِّهِ ﷺ، وَمَحْسَبَةً مِنْهُمْ أَنَّ اللَّهَ خَاذِلٌ نَبِيَّهُ، وَمُعْلٍ عَلَيْهِ أَهْلَ الْكُفْرِ بِهِ، يَقُولُونَ: هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ
٦ ‏/ ١٦٤
كَالَّذِي: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: «وَالطَّائِفَةُ الْأُخْرَى: الْمُنَافِقُونَ، لَيْسَ لَهُمْ هَمٌّ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ، أَجْبَنُ قَوْمٍ وَأَرْعَبُهُ، وَأَخْذَلُهُ لِلْحَقِّ، يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظُنُونًا كَاذِبَةً، إِنَّمَا هُمْ أَهْلُ شَكٍّ وَرِيبَةٍ فِي أَمْرِ اللَّهِ»، يَقُولُونَ: ﴿لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ﴾ [آل عمران: ١٥٤]
٦ ‏/ ١٦٥
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، قَالَ: «وَالطَّائِفَةُ الْأُخْرَى: الْمُنَافِقُونَ لَيْسَ لَهُمْ هِمَّةٌ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ، يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ، يَقُولُونَ: ﴿لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا﴾ [آل عمران: ١٥٤] قَالَ اللَّهُ عز وجل: ﴿قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ﴾ [آل عمران: ١٥٤]» الْآيَةَ
٦ ‏/ ١٦٥
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: ﴿وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ﴾ [آل عمران: ١٥٤] قَالَ: «أَهْلُ النِّفَاقِ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ تَخَوُّفَ الْقَتْلِ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ لَا يَرْجُونَ عَاقِبَةً»
٦ ‏/ ١٦٥
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ﴾ [آل عمران: ١٥٤] ” إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، قَالَ: «هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ» وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ﴾ [آل عمران: ١٥٤] فَإِنَّهُ يَعْنِي أَهْلَ الشِّرْكِ
٦ ‏/ ١٦٦
كَالَّذِي: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ﴾ [آل عمران: ١٥٤] قَالَ: «ظَنَّ أَهْلِ الشِّرْكِ»
٦ ‏/ ١٦٦
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، قَوْلُهُ: ﴿ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ﴾ [آل عمران: ١٥٤] قَالَ: «ظَنَّ أَهْلِ الشِّرْكِ» وَفِي رَفْعِ قَوْلِهِ: ﴿وَطَائِفَةٌ﴾ [آل عمران: ١٥٤] وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا أَنْ تَكُونَ مَرْفُوعَةً بِالْعَائِدِ مِنْ ذِكْرِهَا فِي قَوْلِهِ: ﴿قَدْ أَهَمَّتْهُمْ﴾ [آل عمران: ١٥٤]، وَالْآخَرُ بِقَوْلِهِ: ﴿يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ﴾ [آل عمران: ١٥٤] وَلَوْ كَانَتْ مَنْصُوبَةً كَانَ جَائِزًا، وَكَانَتِ الْوَاوُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَطَائِفَةٌ﴾ [آل عمران: ١٥٤] ظَرْفًا لِلْفِعْلِ، بِمَعْنَى: وَأَهَمَّتْ طَائِفَةً أَنْفُسُهُمْ، كَمَا قَالَ: ﴿وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ﴾ [الذاريات: ٤٧]
٦ ‏/ ١٦٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا﴾ [آل عمران: ١٥٤] يَعْنِي بِذَلِكَ الطَّائِفَةَ الْمُنَافِقَةَ الَّتِي قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ، يَقُولُونَ: لَيْسَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ، قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ، وَلَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا خَرَجْنَا لِقِتَالِ مَنْ ⦗١٦٧⦘ قَاتَلْنَا فَقَتَلُونَا
٦ ‏/ ١٦٦
كَمَا: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قِيلَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ: قُتِلَ بَنُو الْخَزْرَجِ الْيَوْمَ قَالَ: «وَهَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ؟ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ» وَهَذَا أَمْرٌ مُبْتَدَأٌ مِنَ اللَّهِ عز وجل، يَقُولُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ، يَصْرِفُهُ كَيْفَ يَشَاءُ وَيُدَبِّرُهُ كَيْفَ يُحِبُّ، ثُمَّ عَادَ إِلَى الْخَبَرِ عَنْ ذِكْرِ نِفَاقِ الْمُنَافِقِينَ، فَقَالَ: ﴿يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ﴾ [آل عمران: ١٥٤] يَقُولُ: يُخْفِي يَا مُحَمَّدُ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ الَّذِينَ وَصَفْتُ لَكَ صِفَتَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ مِنَ الْكُفْرِ وَالشَّكِّ فِي اللَّهِ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ، ثُمَّ أَظْهَرَ نَبِيَّهُ ﷺ عَلَى مَا كَانُوا يُخْفُونَهُ بَيْنَهُمْ مِنْ نِفَاقِهِمْ، وَالْحَسْرَةِ الَّتِي أَصَابَتْهُمْ عَلَى حُضُورِهِمْ مَعَ الْمُسْلِمِينَ مَشْهَدَهُمْ بِأُحُدٍ، فَقَالَ مُخْبِرًا عَنْ قِيلِهِمُ الْكُفْرَ، وَإِعْلَانِهِمُ النِّفَاقَ بَيْنَهُمْ، يَقُولُونَ: لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا، يَعْنِي بِذَلِكَ أَنَّ هَؤُلَاءَ الْمُنَافِقِينَ يَقُولُونَ: لَوْ كَانَ الْخُرُوجُ إِلَى حَرْبِ مَنْ خَرَجْنَا لِحَرْبِهِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِلَيْنَا، مَا خَرَجْنَا إِلَيْهِمْ، وَلَا قُتِلَ مِنَّا أَحَدٌ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي قُتِلُوا فِيهِ بِأُحُدٍ وَذُكِرَ أَنَّ مِمَّنْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ مُعَتِّبُ بْنُ قُشَيْرٍ أَخُو بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ
٦ ‏/ ١٦٧
ذِكْرُ الْخَبَرِ بِذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، قَالَ: قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: ثني يَحْيَى بْنُ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: «وَاللَّهِ إِنِّي لَأَسْمَعُ قَوْلَ مُعَتِّبِ بْنِ قُشَيْرٍ أَخِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، وَالنُّعَاسُ يَغْشَانِي مَا أَسْمَعُهُ إِلَّا كَالْحُلْمِ حِينَ قَالَ: لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا» حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى الْأُمَوِيُّ، قَالَ: ثني أَبِي، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثني يَحْيَى بْنُ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ، بِمِثْلِهِ. وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ: ﴿قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ﴾ [آل عمران: ١٥٤] بِنَصْبِ الْكَلِّ عَلَى وَجْهِ النَّعْتِ لِلْأَمْرِ وَالصِّفَةِ لَهُ، وَقَرَأَهُ بَعْضُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ: (قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلُّهُ لِلَّهِ) بِرَفْعِ الْكَلِّ عَلَى تَوْجِيهِ الْكَلِّ إِلَى أَنَّهُ اسْمٌ، وَقَوْلُهُ ﴿لِلَّهِ﴾ [آل عمران: ١٥٤] خَبَرُهُ، كَقَوْلِ الْقَائِلِ: إِنَّ الْأَمْرَ بَعْضَهُ لِعَبْدِ اللَّهِ، وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْكَلُّ فِي قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَهُ بِالنَّصْبِ مَنْصُوبًا عَلَى الْبَدَلِ، وَالْقِرَاءَةُ الَّتِي هِيَ الْقِرَاءَةُ عِنْدَنَا النَّصْبُ فِي الْكَلِّ لِإِجْمَاعِ أَكْثَرِ الْقُرَّاءِ عَلَيْهِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ تَكُونَ الْقِرَاءَةُ الْأُخْرَى خَطَأً فِي مَعْنًى أَوْ عَرَبِيَّةٍ. وَلَوْ كَانَتِ الْقِرَاءَةُ بِالرَّفْعِ فِي ذَلِكَ مُسْتَفِيضَةً فِي الْقُرَّاءِ، لَكَانَتْ سَوَاءً عِنْدِي الْقِرَاءَةُ بِأَيِّ ذَلِكَ قُرِئَ لِاتِّفَاقِ مَعَانِي ذَلِكَ بِأَيِّ وَجْهَيْهِ قُرِئَ
٦ ‏/ ١٦٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ [آل عمران: ١٥٤] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثناؤُهُ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِلَّذِينَ وَصَفْتُ لَكَ صِفَتَهُمْ مِنَ الْمُنَافِقِينَ: لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَمْ تَشْهَدُوا مَعَ الْمُؤْمِنِينَ مَشْهَدَهُمْ، وَلَمْ تَحْضُرُوا مَعَهُمْ حَرْبَ أَعْدَائِهِمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَيَظْهَرُ لِلْمُؤْمِنِينَ مَا كُنْتُمْ تُخْفُونَهُ مِنْ نِفَاقِكُمْ، وَتَكْتُمُونَهُ مِنْ شِرْكِكُمْ فِي دِينِكِمْ، ﴿لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ﴾ [آل عمران: ١٥٤]، يَقُولُ: لَظَهَرَ لِلْمَوْضِعِ الَّذِي كُتِبَ عَلَيْهِ مَصْرَعُهُ فِيهِ مَنْ قَدْ كُتِبَ عَلَيْهِ الْقَتْلُ مِنْهُمْ، وَيَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهِ إِلَيْهِ، حَتَّى يُصْرَعَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي كُتِبَ عَلَيْهِ أَنْ يُصْرَعَ فِيهِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ﴾ [آل عمران: ١٥٤] فَإِنَّهُ يَعْنِي بِهِ: وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ أَيُّهَا الْمُنَافِقُونَ كُنْتُمْ تَبْرُزُونَ مِنْ بُيُوتِكُمْ إِلَى مَضَاجِعِكُمْ، وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ: ﴿وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ﴾ [آل عمران: ١٥٤] وَلِيُخْتَبِرَ اللَّهُ الَّذِي فِي صُدُورِكُمْ مِنَ الشَّكِّ، فَيُمَيِّزُكُمْ بِمَا يُظْهِرُهُ لِلْمُؤْمِنِينَ مِنْ نِفَاقِكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ. وَقَدْ دَلَّلْنَا فِيمَا مَضَى عَلَى أَنَّ مَعَانِيَ نَظَائِرِ قَوْلِهِ: ﴿لِيَبْتَلِيَ اللَّهُ﴾ [آل عمران: ١٥٤] ﴿وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ﴾ [آل عمران: ١٤٠] وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ فِي ظَاهِرِ الْكَلَامِ مُضَافًا إِلَى اللَّهِ الْوَصْفُ بِهِ، فَمُرَادً بِهِ أَوْلِيَاؤُهُ وَأَهْلُ طَاعَتِهِ؛ وَأَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ: وَلِيَخْتَبِرَ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ
٦ ‏/ ١٦٩
وَأَهْلَ طَاعَتِهِ الَّذِي فِي صُدُورِكُمْ مِنَ الشَّكِّ وَالْمَرَضِ، فَيَعْرِفُوكُمْ مِنْ أَهْلِ الْإِخْلَاصِ وَالْيَقِينِ ﴿وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ﴾ [آل عمران: ١٥٤] يَقُولُ: وَلِيَتَبَيَّنُوا مَا فِي قُلُوبِكُمْ مِنَ الِاعْتِقَادِ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ ﷺ وَلِلْمُؤْمِنِينَ مِنَ الْعَدَاوَةِ أَوِ الْوَلَايَةِ. ﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ [آل عمران: ١٥٤] يَقُولُ: وَاللَّهُ ذُو عِلْمٍ بِالَّذِي فِي صُدُورِ خَلْقِهِ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ وَإِيمَانٍ وَكُفْرٍ، لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ أُمُورِهِمْ، سَرَائِرِهَا وَعَلَانِيَتِهَا، وَهُوَ لِجَمِيعِ ذَلِكَ حَافِظٌ، حَتَّى يُجَازِيَ جَمِيعَهُمْ جَزَاءَهُمْ عَلَى قَدْرِ اسْتِحْقَاقِهِمْ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ كَانَ ابْنُ إِسْحَاقَ يَقُولُ
٦ ‏/ ١٧٠
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: «ذَكَرَ اللَّهُ تَلَاوُمَهُمْ، يَعْنِي: تَلَاوُمَ الْمُنَافِقِينَ وَحَسْرَتَهُمْ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ ثُمَّ قَالَ لِنَبِيِّهِ ﷺ: قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَمْ تَحْضُرُوا هَذَا الْمَوْضِعَ الَّذِي أَظْهَرَ اللَّهُ جَلَّ ثناؤُهُ فِيهِ مِنْكُمْ مَا أَظْهَرَ مِنْ سَرَائِرِكُمْ، لَأُخْرِجَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَوْطِنٍ غَيْرِهِ يُصْرَعُونَ فِيهِ، حَتَّى يَبْتَلِي بِهِ مَا فِي صُدُورِكُمْ؛ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ، وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ، أَيْ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِمَّا فِي صُدُورِهِمْ مِمَّا اسَتَخْفَوْا بِهِ مِنْكُمْ»
٦ ‏/ ١٧٠
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا الْحَرْثُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ بَحْرٍ السِّقَاءِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ: ﴿قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ﴾ [آل عمران: ١٥٤] قَالَ: «كَتَبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يُقَاتِلُوا فِي سَبِيلِهِ، وَلَيْسَ كُلُّ مَنْ يُقَاتِلُ يُقْتَلُ، وَلَكِنْ يُقْتَلُ مَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْقَتْلَ»
٦ ‏/ ١٧١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ﴾ [آل عمران: ١٥٥] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثناؤُهُ: إِنَّ الَّذِينَ وَلَّوْا عَنِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ أُحُدٍ وَانْهَزَمُوا عَنْهُمْ، وَقَوْلُهُ: ﴿تَوَلَّوْا﴾ [البقرة: ١١٥] تَفَعَّلُوا، مِنْ قَوْلِهِمْ: وَلَّى فُلَانٌ ظَهْرَهُ، وَقَوْلِهِ: ﴿يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ﴾ [آل عمران: ١٥٥] يَعْنِي: يَوْمَ الْتَقَى جَمْعُ الْمُشْرِكِينَ وَالْمُسْلِمِينَ بِأُحُدٍ، ﴿إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ﴾ [آل عمران: ١٥٥] أَيْ إِنَّمَا دَعَاهُمْ إِلَى الزَّلَّةِ الشَّيْطَانُ، وَقَوْلُهُ اسْتَزَلَّ: اسْتَفْعَلَ، مِنَ الزَّلَّةِ، وَالزَّلَّةُ: هِيَ الْخَطِيئَةُ ﴿بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا﴾ [آل عمران: ١٥٥]
٦ ‏/ ١٧١
يَعْنِي: بِبَعْضِ مَا عَمِلُوا مِنَ الذُّنُوبِ. ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي أَعْيَانِ الْقَوْمِ الَّذِينَ عُنُوا بِهَذِهِ الْآيَةِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عُنِيَ بِهَا كُلُّ مَنْ وَلَّى الدُّبُرَ عَنِ الْمُشْرِكِينَ بِأُحُدٍ
٦ ‏/ ١٧٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ، قَالَ: ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، قَالَ: ثنا عَاصِمُ بْنُ كُلَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: خَطَبَ عُمَرُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَقَرَأَ آلَ عِمْرَانَ، وَكَانَ يُعْجِبُهُ إِذَا خَطَبَ أَنْ يَقْرَأْهَا، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى قَوْلِهِ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ﴾ [آل عمران: ١٥٥] قَالَ: «لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ هَزَمْنَاهُمْ، فَفَرَرْتُ حَتَّى صَعِدْتُ الْجَبَلَ، فَلَقَدْ رَأَيْتُنِي أَنْزُو كَأَنَّنِي أَرْوَى، وَالنَّاسُ يَقُولُونَ: قُتِلَ مُحَمَّدٌ، فَقُلْتُ: لَا أَجِدُ أَحَدًا يَقُولُ قُتِلَ مُحَمَّدٌ إِلَّا قَتَلْتُهُ. حَتَّى اجْتَمَعْنَا عَلَى الْجَبَلِ، فَنَزَلَتْ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ﴾ [آل عمران: ١٥٥] الْآيَةَ كُلَّهَا»
٦ ‏/ ١٧٢
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ﴾ [آل عمران: ١٥٥] الْآيَةَ، «وَذَلِكَ يَوْمَ أُحُدٍ، نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ تَوَلَّوْا عَنِ الْقِتَالِ وَعَنْ نَبِيِّ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ، وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ أَمْرِ الشَّيْطَانِ وَتَخْوِيفِهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل مَا تَسْمَعُونَ أَنَّهُ قَدْ تَجَاوَزَ لَهُمْ عَنْ ذَلِكَ، وَعَفَا عَنْهُمْ» ⦗١٧٣⦘ حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثني عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ﴾ [آل عمران: ١٥٥] الْآيَةَ، فَذَكَرَ نَحْوَ قَوْلِ قَتَادَةَ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عُنِيَ بِذَلِكَ خَاصٌ مِمَّنْ وَلَّى الدُّبُرَ يَوْمَئِذٍ، قَالُوا: وَإِنَّمَا عُنِيَ بِهِ الَّذِينَ لَحِقُوا بِالْمَدِينَةَ مِنْهُمْ دُونَ غَيْرِهِمْ
٦ ‏/ ١٧٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: «لَمَّا انْهَزَمُوا يَوْمَئِذٍ تَفَرَّقَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَصْحَابُهُ، فَدَخَلَ بَعْضُهُمُ الْمَدِينَةَ، وَانْطَلَقَ بَعْضُهُمْ فَوْقَ الْجَبَلِ إِلَى الصَّخْرَةِ، فَقَامُوا عَلَيْهَا، فَذَكَرَ اللَّهُ عز وجل الَّذِينَ انْهَزَمُوا، فَدَخَلُوا الْمَدِينَةَ» فَقَالَ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ﴾ [آل عمران: ١٥٥] الْآيَةَ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ نَزَلَ ذَلِكَ فِي رِجَالٍ بِأَعْيَانِهِمْ مَعْرُوفِينَ
٦ ‏/ ١٧٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ عِكْرِمَةَ، قَوْلُهُ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ﴾ [آل عمران: ١٥٥] قَالَ: «نَزَلَتْ فِي رَافِعِ بْنِ الْمُعَلَّى وَغَيْرِهِ مِنَ الْأَنْصَارِ وَأَبِي حُذَيْفَةَ بْنِ عُتْبَةَ، وَرَجُلٍ آخَرَ»
٦ ‏/ ١٧٣
قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ﴾ [آل عمران: ١٥٥] «إِذْ لَمْ يُعَاقِبْهُمْ»
٦ ‏/ ١٧٤
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: “فَرَّ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، وَعُقْبَةُ بْنُ عُثْمَانَ، وَسَعْدُ بْنُ عُثْمَانَ – رَجُلَانِ مِنَ الْأَنْصَارِ – حَتَّى بَلَغُوا الْجُلْعُبَ، جَبَلٌ بِنَاحِيَةِ الْمَدِينَةِ مِمَّا يَلِي الْأَعْوَصَ، فَأَقَامُوا بِهِ ثَلَاثًا، ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ لَهُمْ: «لَقَدْ ذَهَبْتُمْ فِيهَا عَرِيضَةً»
٦ ‏/ ١٧٤
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَوْلُهُ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا﴾ [آل عمران: ١٥٥] الْآيَةَ، «وَالَّذِينَ اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ: عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، وَسَعْدُ بْنُ عُثْمَانَ، وَعُقْبَةُ بْنُ عُثْمَانَ الْأَنْصَارِيَّانِ، ثُمَّ الزُّرَقِيَّانِ» وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ﴾ [آل عمران: ١٥٥] فَإِنَّ مَعْنَاهُ: وَلَقَدْ تَجَاوَزَ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ، أَنْ يُعَاقِبَهُمْ بِتَوَلِّيهِمْ عَنْ عَدُوِّهِمْ
٦ ‏/ ١٧٤
كَمَا: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قَوْلُهُ: ﴿وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ﴾ [آل عمران: ١٥٥] يَقُولُ: «وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِذْ لَمْ يُعَاقِبْهُمْ»
٦ ‏/ ١٧٤
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ فِي تَوَلِّيهِمْ يَوْمَ أُحُدٍ: ﴿وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ﴾ [آل عمران: ١٥٥] «فَلَا أَدْرِي أَذَلِكَ الْعَفْوُ عَنْ تِلْكِ الْعِصَابَةِ، أَمْ عَفْوٌ عَنِ الْمُسْلِمِينَ كُلِّهِمْ» ﴿إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ﴾ [آل عمران: ١٥٥] يَعْنِي بِهِ: مُغَطٍّ عَلَى ذُنُوبِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَاتَّبَعَ رَسُولَهُ بِعَفْوِهِ عَنْ عُقُوبَتِهِ إِيَّاهُمْ عَلَيْهَا. ﴿حَلِيمٌ﴾ [آل عمران: ١٥٥] يَعْنِي: أَنَّهُ ذُو أَنَاةٍ، لَا يُعَجِّلُ عَلَى مَنْ عَصَاهُ وَخَالَفَ أَمْرَهُ بِالنِّقْمَةِ. وَقَدْ بَيَّنَّا تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: ﴿إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ﴾ [آل عمران: ١٥٥] فِيمَا مَضَى
٦ ‏/ ١٧٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ [آل عمران: ١٥٦] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثناؤُهُ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ صَدَقُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَأَقَرُّوا بِمَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، لَا تَكُونُوا كَمَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ، فَجَحَدَ نُبُوَّةَ مُحَمَّدٍ ﷺ، وَقَالَ لِإِخْوَانِهِ مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ ﴿إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ﴾ [آل عمران: ١٥٦] فَخَرَجُوا مِنْ بِلَادِهِمْ سَفَرًا فِي تِجَارَةٍ، ﴿أَوْ كَانُوا غُزًّى﴾ [آل عمران: ١٥٦] يَقُولُ: أَوْ كَانَ خُرُوجُهُمْ مِنْ بِلَادِهِمْ غَزَاةً، فَهَلَكُوا فَمَاتُوا فِي سَفَرِهِمْ، أَوْ قُتِلُوا فِي غَزْوِهِمْ، ﴿لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا﴾ [آل عمران: ١٥٦] يُخْبِرُ بِذَلِكَ عَنْ قَوْلِ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارِ، أَنَّهُمْ يَقُولُونَ لِمَنْ غَزَا مِنْهُمْ فَقُتِلَ أَوْ مَاتَ فِي سَفَرٍ خَرَجَ فِيهِ فِي طَاعَةٍ اللَّهِ أَوْ تِجَارَةٍ: لَوْ لَمْ يَكُونُوا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِنَا، وَكَانُوا أَقَامُوا فِي بِلَادِهِمْ مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا ﴿لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ﴾ [آل عمران: ١٥٦] يَعْنِي: أَنَّهُمْ يَقُولُونَ ذَلِكَ، كَيْ يَجْعَلَ اللَّهُ قَوْلَهُمْ ذَلِكَ حُزْنًا فِي قُلُوبِهِمْ وَغَمًّا، وَيَجْهَلُونَ أَنَّ ذَلِكَ إِلَى اللَّهِ جَلَّ ثناؤُهُ وَبِيَدِهِ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ الَّذِينَ نَهَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ بِهَذِهِ الْآيَةِ أَنْ يَتَشَبَّهُوا بِهِمْ فِيمَا نَهَاهُمْ عَنْهُ
٦ ‏/ ١٧٥
مِنْ سُوءِ الْيَقِينِ بِاللَّهِ، هُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولَ وَأَصْحَابُهُ
٦ ‏/ ١٧٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ﴾ [آل عمران: ١٥٦] الْآيَةَ، قَالَ: «هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ أَصْحَابُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ»
٦ ‏/ ١٧٦
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى﴾ [آل عمران: ١٥٦] «قَوْلُ الْمُنَافِقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولَ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ وَقَالَ آخَرُونَ فِي ذَلِكَ: هُمْ جَمِيعُ الْمُنَافِقِينَ
٦ ‏/ ١٧٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا مَسْلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ﴾ [آل عمران: ١٥٦] الْآيَةَ: «أَيْ لَا تَكُونُوا كَالْمُنَافِقِينَ الَّذِي يَنْهَوْنَ إِخْوَانَهُمْ عَنِ الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَالضَّرْبُ فِي الْأَرْضِ فِي طَاعَةِ اللَّهِ، وَطَاعَةِ رَسُولِهِ، وَيَقُولُونَ إِذَا مَاتُوا أَوْ قُتِلُوا: لَوْ أَطَاعُونَا مَا مَاتُوا، وَمَا قُتِلُوا» ⦗١٧٧⦘ وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ﴾ [آل عمران: ١٥٦] فَإِنَّهُ اخْتَلَفَ فِي تَأْوِيلِهِ، فَقَالْ بَعْضُهُمْ: هُوَ السَّفَرُ فِي التِّجَارَةِ، وَالسَّيْرُ فِي الْأَرْضِ لِطَلَبِ الْمَعِيشَةِ
٦ ‏/ ١٧٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ﴾ [آل عمران: ١٥٦] «وَهِيَ التِّجَارَةُ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ هُوَ السَّيْرُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ ﷺ
٦ ‏/ ١٧٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: ﴿إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ﴾ [آل عمران: ١٥٦] «الضَّرْبُ فِي الْأَرْضِ فِي طَاعَةِ اللَّهِ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ» وَأَصْلُ الضَّرْبِ فِي الْأَرْضِ: الْإِبْعَادُ فِيهَا سَيْرًا وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿أَوْ كَانُوا غُزًّى﴾ [آل عمران: ١٥٦] فَإِنَّهُ يَعْنِي: أَوْ كَانُوا غَزَاةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَالْغُزَّى: جَمْعُ غَازٍ، جُمِعَ عَلَى «فُعَّلٍ» كَمَا يُجْمَعُ شَاهِدٌ: شُهَّدٍ، وَقَائِلٌ: قُوَّلٍ وَقَدْ يُنْشَدُ بَيْتُ رُؤْبَةَ:
[البحر الرجز] فَالْيَوْمَ قَدْ نَهْنَهَنِي تَنَهْنُهِي … ⦗١٧٨⦘ وَأَوْلُ حِلْمٍ لَيْسَ بِالْمُسَفَّهِ
وَقُوَّلٌ إِلَّا دَهٍ فَلَا دَهِ
وَيُنْشَدُ أَيْضًا:
وَقَوْلُهُمْ إِلَّا دَهٍ فَلَا دَهِ
وَإِنَّمَا قِيلَ: ﴿لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى﴾ [آل عمران: ١٥٦] بِإِصْحَابِ مَاضِي الْفِعْلِ الْحَرْفَ الَّذِي لَا يَصْحَبُ مَعَ الْمَاضِي مِنْهُ إِلَّا الْمُسْتَقْبَلُ، فَقِيلَ: وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ ثُمَّ قِيلَ: إِذَا ضَرَبُوا، وَإِنَّمَا يُقَالُ فِي الْكَلَامِ: أَكْرَمْتُكَ إِذْ زُرْتَنِي، وَلَا يُقَالُ: أَكْرَمْتُكَ إِذَا زُرْتَنِي؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ الَّذِي فِي قَوْلِهِ: ﴿وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ﴾ [آل عمران: ١٥٦] وَإِنْ كَانَ فِي لَفْظِ الْمَاضِي فَإِنَّهُ بِمَعْنَى الْمُسْتَقْبَلِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَبَ تَذْهَبُ بِالَّذِينَ مَذْهَبَ الْجَزَاءِ، وَتُعَامِلُهَا فِي ذَلِكَ مُعَامَلَةَ «مَنْ» وَ«مَا» لِتَقَارُبِ مَعَانِي ذَلِكَ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ، وَإِنَّ جَمَعَهُنَّ أَشْيَاءُ مَجْهُولَاتٌ غَيْرُ مُؤَقَّتَاتٍ تَوْقِيتَ عَمْرٍو وَزَيْدٍ، فَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَكَانَ صَحِيحًا فِي الْكَلَامِ فَصِيحًا أَنْ يُقَالَ لِلرِّجَالِ: أَكْرِمْ مَنْ أَكْرَمَكَ، وَأَكْرِمْ كُلَّ رَجُلٍ أَكْرَمَكَ، فَيَكُونُ الْكَلَامُ خَارِجًا بِلَفْظِ الْمَاضِي مَعَ مَنْ وَكُلٍّ مَجْهُولًا، ⦗١٧٩⦘ وَمَعْنَاهُ الِاسْتِقْبَالُ، إِذْ كَانَ الْمَوْصُوفُ بِالْفِعْلِ غَيْرَ مُوَقَّتٍ، وَكَانَ «الَّذِينَ» فِي قَوْلِهِ: ﴿لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ﴾ [آل عمران: ١٥٦] غَيْرَ مُوَقَّتَيْنِ، أُجْرِيَتْ مَجْرَى «مَنْ» وَ«مَا» فِي تَرْجَمَتِهَا الَّتِي تَذْهَبُ مَذْهَبَ الْجَزَاءِ وَإِخْرَاجِ صَلَاتِهَا بِأَلْفَاظِ الْمَاضِي مِنَ الْأَفْعَالِ وَهِيَ بِمَعْنَى الِاسْتِقْبَالِ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ فِي «مَا»:
[البحر الطويل] وَإِنِّي لَآتِيَكُمْ تَشَكُّرَ مَا مَضَى … مِنَ الْأَمْرِ وَاسْتِيجَابَ مَا كَانَ فِي غَدِ
فَقَالَ: مَا كَانَ فِي غَدٍ، وَهُوَ يُرِيدُ: مَا يَكُونُ فِي غَدٍ، وَلَوْ كَانَ أَرَادَ الْمَاضِيَ لَقَالَ: مَا كَانَ فِي أَمْسِ، وَلَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَقُولَ: مَا كَانَ فِي غَدٍ، وَلَوْ كَانَ الَّذِي مُوَقَّتًا، لَمْ يَجُزْ أَنْ يُقَالَ: ذَلِكَ خَطَأٌ أَنْ يُقَالَ لَكَ: مَنْ هَذَا الَّذِي أَكْرَمَكَ إِذَا زُرْتَهُ؟ لِأَنَّ الَّذِي هَاهُنَا مُوَقَّتٌ، فَقَدْ خَرَجَ مِنْ مَعْنَى الْجَزَاءِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْكَلَامِ هَذَا، لَكَانَ جَائِزًا فَصِيحًا؛ لِأَنَّ الَّذِي يَصِيرُ حِينَئِذٍ مَجْهُولًا غَيْرَ مُوَقَّتٍ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عز وجل: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [الحج: ٢٥] فَرَدَّ ﴿يَصُدُّونَ﴾ [الحج: ٢٥] عَلَى ﴿كَفَرُوا﴾ [الحج: ٢٥]؛ لِأَنَّ «الَّذِينَ» غَيْرُ مُوَقَّتَةٍ، فَقَوْلُهُ: ﴿كَفَرُوا﴾ [الحج: ٢٥] وَإِنْ كَانَ فِي لَفْظٍ مَاضٍ، فَمَعْنَاهُ الِاسْتِقْبَالُ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا﴾ [مريم: ٦٠]، وَقَوْلُهُ: ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ﴾ [المائدة: ٣٤] مَعْنَاهُ: إِلَّا الَّذِينَ يَتُوبُونَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ، وَإِلَّا مَنْ يَتُوبُ وَيُؤْمِنُ، وَنَظَائِرُ ذَلِكَ فِي ⦗١٨٠⦘ الْقُرْآنِ وَالْكَلَامِ كَثِيرٌ؛ وَالْعِلَّةُ فِي كُلِّ ذَلِكَ وَاحِدَةٌ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ﴾ [آل عمران: ١٥٦] فَإِنَّهُ يَعْنِي بِذَلِكَ: حُزْنًا فِي قُلُوبِهِمْ
٦ ‏/ ١٧٧
كَمَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿فِي قُلُوبِهِمْ﴾ [آل عمران: ١٥٦] قَالَ: «يُحْزِنُهُمْ قَوْلُهُمْ لَا يَنْفَعُهُمْ شَيْئًا» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
٦ ‏/ ١٨٠
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: ﴿لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ﴾ [آل عمران: ١٥٦] «لِقِلَّةِ الْيَقِينِ بِرَبِّهِمْ جَلَّ ثناؤُهُ»
٦ ‏/ ١٨٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ [آل عمران: ١٥٦] يَعْنِي جَلَّ ثناؤُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ﴾ [آل عمران: ١٥٦] وَاللَّهُ الْمُعَجِّلُ الْمَوْتَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ حَيْثُ يَشَاءُ، وَالْمُمِيتُ مَنْ يَشَاءُ كُلَّمَا شَاءَ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ سَائِرِ خَلْقِهِ. وَهَذَا مِنَ اللَّهِ عز وجل تَرْغِيبٌ لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى جِهَادِ عَدُوِّهِ، وَالصَّبْرِ عَلَى
٦ ‏/ ١٨٠
قِتَالِهِمْ، وَإِخْرَاجِ هَيْبَتِهِمْ مِنْ صُدُورِهِمْ، وَإِنْ قُلَّ عَدَدُهُمْ، وَكَثُرَ عَدَدُ أَعْدَائِهِمْ وَأَعْدَاءِ اللَّهِ، وَإِعْلَامٌ مِنْهُ لَهُمْ أَنَّ الِإمَاتَةَ وَالْإِحْيَاءَ بِيَدِهِ، وَأَنَّهُ لَنْ يَمُوتَ أَحَدٌ وَلَا يُقْتَلُ إِلَّا بَعْدَ فَنَاءِ أَجَلِهِ الَّذِي كُتِبَ لَهُ، وَنَهْي مِنْهُ لَهُمْ إِذْ كَانَ كَذَلِكَ أَنْ يَجْزَعُوا لِمَوْتِ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ أَوْ قَتْلِ مَنْ قَتِلَ مِنْهُمْ فِي حَرْبِ الْمُشْرِكِينَ. ثُمَّ قَالَ جَلَّ ثناؤُهُ: ﴿وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ [البقرة: ٢٦٥] يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ يَرَى مَا تَعْمَلُونَ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ، فَاتَّقُوهُ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ، فَإِنَّهُ مُحْصٍ ذَلِكَ كُلَّهُ، حَتَّى يُجَازِيَ كُلَّ عَامَلٍ بِعَمَلِهِ عَلَى قَدْرِ اسْتِحْقَاقِهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ
٦ ‏/ ١٨١
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: ﴿وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ﴾ [آل عمران: ١٥٦] «أَيْ يُعَجِّلُ مَا يَشَاءُ وَيُؤَخِّرُ مَا يَشَاءُ مِنْ آجَالِهِمْ بِقُدْرَتِهِ»
٦ ‏/ ١٨١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَئِنْ قَتَلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾ [آل عمران: ١٥٧] يُخَاطِبُ جَلَّ ثناؤُهُ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ يَقُولُ لَهُمْ: لَا تَكُونُوا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ فِي شَكٍّ مِنْ أَنَّ الْأُمُورَ كُلَّهَا بِيَدِ اللَّهِ، وَأَنَّ إِلَيْهِ الْإِحْيَاءَ وَالْإِمَاتَةَ، كَمَا شَكَّ ⦗١٨٢⦘ الْمُنَافِقُونَ فِي ذَلِكَ، وَلَكِنْ جَاهِدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَقَاتِلُوا أَعْدَاءَ اللَّهِ عَلَى يَقِينٍ مِنْكُمْ بِأَنَّهُ لَا يُقْتَلُ فِي حَرْبٍ، وَلَا يَمُوتُ فِي سَفَرٍ إِلَّا مَنْ بَلَغَ أَجَلَهُ وَحَانَتْ وَفَاتُهُ، ثُمَّ وَعَدَهُمْ عَلَى جِهَادِهِمْ فِي سَبِيلِهِ الْمَغْفِرَةَ وَالرَّحْمَةَ، وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ مَوْتًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَتْلًا فِي اللَّهِ خَيْرٌ لَهُمْ مِمَّا يَجْمَعُونَ فِي الدُّنْيَا مِنْ حُطَامِهَا وَرَغِيدِ عَيْشِهَا الَّذِي مِنْ أَجَلِهِ يَتَثَاقَلُونَ عَنِ الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَيَتَأَخَّرُونَ عَنْ لِقَاءِ الْعَدُوِّ
٦ ‏/ ١٨١
كَمَا: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: ﴿وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾ [آل عمران: ١٥٧] «أَيْ أَنَّ الْمَوْتَ كَائِنٌ لَا بُدَّ مِنْهُ، فَمَوْتٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ قَتْلٌ خَيْرٌ لَوْ عَلِمُوا فَأَيْقَنُوا مِمَّا يَجْمَعُونَ فِي الدُّنْيَا الَّتِي لَهَا يَتَأَخَّرُونَ عَنِ الْجِهَادِ، تَخَوُّفًا مِنَ الْمَوْتِ وَالْقَتْلِ لِمَا جَمَعُوا مِنْ زَهِيدِ الدُّنْيَا وَزَهَادَةٍ فِي الْآخِرَةِ» وَإِنَّمَا قَالَ اللَّهُ عز وجل: ﴿لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾ [آل عمران: ١٥٧] وَابْتِدَأُ الْكَلَامِ: ﴿وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ﴾ [آل عمران: ١٥٨] بِحَذْفِ جَزَاءِ «لَئِنْ» لِأَنَّ فِي قَوْلِهِ ⦗١٨٣⦘: ﴿لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾ [آل عمران: ١٥٧] مَعْنَى جَوَازٍ لِلْجَزَاءِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ وَعْدٌ خَرَجَ مَخْرَجَ الْخَبَرِ. فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ: وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ، لَيَغْفِرَنَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَيَرْحَمَنَّكُمْ، فَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ﴿لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾ [آل عمران: ١٥٧] وَجَمَعَ مَعَ الدَّلَالَةِ بِهِ عَلَيْهِ الْخَبَرَ عَنْ فَضْلِ ذَلِكَ عَلَى مَا يُؤْثِرُونَهُ مِنَ الدُّنْيَا، وَمَا يَجْمَعُونَ فِيهَا. وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ أَنَّهُ إِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَكُونُ: ﴿لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ﴾ [آل عمران: ١٥٧] جَوَابًا لِقَوْلِهِ: ﴿وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ﴾ [آل عمران: ١٥٧]؟ فَإِنَّ الْقَوْلَ فِيهِ أَنْ يُقَالَ فِيهِ: كَأَنَّهُ قَالَ: وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ، فَذَكَرَ لَهُمْ رَحْمَةً مِنَ اللَّهِ وَمَغْفِرَةً، إِذْ كَانَ ذَلِكَ فِي السَّبِيلِ، فَقَالَ: ﴿لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ﴾ [آل عمران: ١٥٧] يَقُولُ: لِذَلِكَ ﴿خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾ [آل عمران: ١٥٧] يَعْنِي لَتِلْكَ الْمَغْفِرَةُ وَالرَّحْمَةُ خَيْرٌ مِمَّا تَجْمَعُونَ، وَدَخَلَتِ اللَّامُ فِي قَوْلِهِ: ﴿لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ﴾ [آل عمران: ١٥٧] لِدُخُولِهَا فِي قَوْلِهِ: «وَلَئِنْ»، كَمَا قِيلَ: ﴿وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ﴾ [الحشر: ١٢]
٦ ‏/ ١٨٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ﴾ [آل عمران: ١٥٨] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثناؤُهُ: وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ، فَإِنَّ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعَكُمْ وَمَحْشَرَكُمْ، فَيُجَازِيكُمْ بِأَعْمَالِكُمْ، فَآثِرُوا مَا يُقَرِّبُكُمْ مِنَ اللَّهِ، وَيُوجِبُ لَكُمْ رِضَاهُ، ⦗١٨٤⦘ وَيُقَرِّبُكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ، مِنَ الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَالْعَمَلِ بِطَاعَتِهِ عَلَى الرُّكُونِ إِلَى الدُّنْيَا، وَمَا تَجْمَعُونَ فِيهَا مِنْ حُطَامِهَا الَّذِي هُوَ غَيْرُ بَاقٍ لَكُمْ، بَلْ هُوَ زَائِلٌ عَنْكُمْ، وَعَلَى تَرْكِ طَاعَةِ اللَّهِ وَالْجِهَادِ، فَإِنَّ ذَلِكَ يُبْعِدُكُمْ عَنْ رَبِّكُمْ، وَيُوجِبُ لَكُمْ سَخَطَهُ، وَيُقَرِّبُكُمْ مِنَ النَّارِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ
٦ ‏/ ١٨٣
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: ﴿وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ﴾ [آل عمران: ١٥٨] «أَيْ ذَلِكَ كَانَ» ﴿لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ﴾ [آل عمران: ١٥٨] «أَيْ أَنَّ إِلَى اللَّهِ الْمَرْجِعَ، فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا، وَلَا تَغْتَرُّوا بِهَا، وَلْيَكُنِ الْجِهَادُ وَمَا رَغَّبَكُمُ اللَّهُ فِيهِ مِنْهُ آثَرَ عِنْدَكُمْ مِنْهَا» وَأُدْخِلَتِ اللَّامُ فِي قَوْلِهِ: ﴿لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ﴾ [آل عمران: ١٥٨] لِدُخُولِهَا فِي قَوْلِهِ ﴿وَلَئِنْ﴾ [آل عمران: ١٥٨]، وَلَوْ كَانَتِ اللَّامُ مُؤَخَّرَةً، إِلَى قَوْلِهِ: ﴿تُحْشَرُونَ﴾ [آل عمران: ١٥٨]، لَأُحْدِثَتِ النُّونُ الثَّقِيلَةُ فِيهِ، كَمَا تَقُولُ فِي الْكَلَامِ: لَئِنْ أَحْسَنْتَ إِلَيَّ لَأُحْسِنِنَّ إِلَيْكَ، بَنُونٍ مُثَقَّلَةٍ، فَكَانَ كَذَلِكَ قَوْلُهُ: «وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَتُحْشَرُنَّ إِلَى اللَّهِ»، وَلَكِنْ لَمَّا حُيِّزَ بَيْنَ اللَّامِ وَبَيْنَ «تُحْشَرُونَ» بِالصِّفَةِ أُدْخِلَتْ فِي الصِّفَةِ، وَسَلِمَتْ «تُحْشَرُونَ»، فَلَمْ تَدْخُلْهَا النُّونُ الثَّقِيلَةُ، كَمَا تَقُولُ فِي الْكَلَامِ: لَئِنْ أَحْسَنْتَ إِلَيَّ لَإِلَيْكَ أُحْسِنُ، ⦗١٨٥⦘ بِغَيْرِ نُونٍ مُثَقَّلَةٍ
٦ ‏/ ١٨٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾ [آل عمران: ١٥٩] يَعْنِي جَلَّ ثناؤُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ﴾ [آل عمران: ١٥٩] فَبِرَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَ«مَا» صِلَةٌ، وَقَدْ بَيَّنْتُ وَجْهَ دُخُولِهَا فِي الْكَلَامِ فِي قَوْلِهِ: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا﴾ [البقرة: ٢٦]، وَالْعَرَبُ تَجْعَلُ «مَا» صِلَةً فِي الْمَعْرِفَةِ وَالنَّكِرَةِ، كَمَا قَالَ: ﴿فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ﴾ [النساء: ١٥٥]، وَالْمَعْنَى: فَبِنَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ. وَهَذَا فِي الْمَعْرِفَةِ، وَقَالَ فِي النَّكِرَةِ: ﴿عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ﴾ [المؤمنون: ٤٠]، وَالْمَعْنَى: عَنْ قَلِيلٍ، وَرُبَّمَا جُعِلَتِ اسْمًا وَهِيَ فِي مَذْهَبِ صِلَةٍ، فَيُرْفَعُ مَا بَعْدَهَا أَحْيَانًا عَلَى وَجْهِ الصَّلَةِ، وَيُخْفَضُ عَلَى إِتْبَاعِ الصِّلَةِ مَا قَبْلَهَا، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الكامل] فَكَفَى بِنَا فَضْلًا عَلَى مَنْ … غَيْرِنَا حُبُّ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ إِيَّانَا
إِذَا جُعِلَتْ غَيْرَ صِلَةٍ رُفِعَتْ بِإِضْمَارِ هُوَ، وَإِنْ خُفِضَتْ أَتْبَعَتْ مَنْ فَأَعْرَبَتْهُ، فَذَلِكَ حُكْمُهُ عَلَى مَا وَصَفْنَا مَعَ النَّكِرَاتِ، فَأَمَّا إِذَا كَانَتِ الصِّلَةُ مَعْرِفَةً، كَانَ الْفَصِيحُ مِنَ الْكَلَامِ الْإِتْبَاعَ، كَمَا قِيلَ: ﴿فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ﴾ [النساء: ١٥٥]، وَالرَّفْعُ جَائِزٌ فِي الْعَرَبِيَّةِ. وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي قَوْلِهِ: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ﴾ [آل عمران: ١٥٩] قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ
٦ ‏/ ١٨٥
أَهْلِ التَّأْوِيلِ
٦ ‏/ ١٨٦
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ﴾ [آل عمران: ١٥٩] يَقُولُ: «فَبِرَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ» وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾ [آل عمران: ١٥٩] فَإِنَّهُ يَعْنِي بِالْفَظِّ الْجَافِيَ، وَبِالْغَلِيظِ الْقَلْبِ الْقَاسِيَ الْقَلْبِ غَيْرَ ذِي رَحْمَةٍ وَلَا رَأْفَةٍ، وَكَذَلِكَ صِفَتُهُ ﷺ، كَمَا وَصَفَهُ اللَّهُ: ﴿بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾، فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ: فَبِرَحْمَةِ اللَّهِ يَا مُحَمَّدُ وَرَأْفَتِهِ بِكَ، وَبِمَنْ آمَنَ بِكَ مِنْ أَصْحَابِكَ، لِنْتَ لَهُمْ لِتُبَّاعُكَ وَأَصْحَابِكَ فَسَهُلَتْ لَهُمْ خَلَائِقُكَ، وَحَسَّنْتَ لَهُمْ أَخْلَاقَكَ، حَتَّى احْتَمَلْتَ أَذَى مَنْ نَالَكَ مِنْهُمْ أَذَاهُ، وَعَفَوْتَ عَنْ ذِي الْجُرْمِ مِنْهُمْ جُرْمَهَ، وَأَغْضَيْتَ عَنْ كَثِيرٍ مِمَّنْ لَوْ جَفَوْتَ بِهِ وَأَغْلَظْتَ عَلَيْهِ لَتَرَكَكَ فَفَارَقَكَ، وَلَمْ يَتْبَعْكَ، وَلَا مَا بُعِثْتَ بِهِ مِنَ الرَّحْمَةِ، وَلَكِنَّ اللَّهَ رَحِمَهُمْ وَرَحِمَكَ مَعَهُمْ، فَبِرَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ
٦ ‏/ ١٨٦
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا ⦗١٨٧⦘ غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾ [آل عمران: ١٥٩] ” إِي وَاللَّهِ، لَطَهَّرَهُ اللَّهُ مِنَ الْفَظَاظَةِ وَالْغِلْظَةِ، وَجَعَلَهُ قَرِيبًا رَحِيمًا بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفًا. وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَعْتَ مُحَمَّدٍ ﷺ فِي التَّوْرَاةِ: «لَيْسَ بِفَظٍّ وَلَا غَلِيظٍ وَلَا صَخُوبٍ فِي الْأَسْوَاقِ، وَلَا يَجْزِي بِالسَّيِّئَةِ مِثْلَهَا، وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَصْفَحُ» حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، بِنَحْوِهِ
٦ ‏/ ١٨٦
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾ [آل عمران: ١٥٩] قَالَ: «ذَكَرَ لِينَهُ لَهُمْ، وَصَبْرَهُ عَلَيْهِمْ لِضَعْفِهِمْ، وَقِلَّةِ صَبْرِهِمْ عَلَى الْغِلْظَةِ لَوْ كَانَتْ مِنْهُ فِي كُلِّ مَا خَالَفُوا فِيهِ مِمَّا افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ مِنْ طَاعَةِ نَبِيِّهِمْ» وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾ [آل عمران: ١٥٩] فَإِنَّهُ يَعْنِي: لَتَفَرَّقُوا عَنْكَ
٦ ‏/ ١٨٧
كَمَا: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَوْلُهُ: ﴿لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾ [آل عمران: ١٥٩] قَالَ: «انْصَرَفُوا عَنْكَ»
٦ ‏/ ١٨٧
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: ﴿لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾ [آل عمران: ١٥٩] «أَيْ لَتَرَكُوكَ»
٦ ‏/ ١٨٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾ [آل عمران: ١٥٩] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿فَاعْفُ عَنْهُمْ﴾ [آل عمران: ١٥٩] فَتَجَاوَزْ يَا مُحَمَّدُ عَنْ تُبَّاعِكَ وَأَصْحَابِكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بِكَ، وَبِمَا جِئْتَ بِهِ مِنْ عِنْدِي، مَا نَالَكَ مِنْ أَذَاهُمْ وَمَكْرُوهٍ فِي نَفْسِكَ ﴿وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ﴾ [آل عمران: ١٥٩] وَادْعُ رَبَّكَ لَهُمْ بِالْمَغْفِرَةِ لِمَا أَتَوْا مِنْ جُرْمٍ، وَاسْتَحَقُّوا عَلَيْهِ عُقُوبَةً مِنْهُ
٦ ‏/ ١٨٨
كَمَا: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: ﴿فَاعْفُ عَنْهُمْ﴾ [آل عمران: ١٥٩]: «أَيْ فَتَجَاوَزْ عَنْهُمْ» ﴿وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ﴾ [آل عمران: ١٥٩] «ذُنُوبَ مَنْ قَارَفَ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ مِنْهُمْ» ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمَعْنَى الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ أَمَرَ تَعَالَى ذِكْرُهُ نَبِيَّهُ ﷺ أَنْ يُشَاوِرَهُمْ، وَمَا الْمَعْنَى الَّذِي أَمَرَهُ أَنْ يُشَاوِرَهُمْ فِيهِ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ ﷺ بِقَوْلِهِ: ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ﴾ [آل عمران: ١٥٩] بِمُشَاوَرَةِ أَصْحَابِهِ فِي مَكَايِدِ الْحَرْبِ وَعِنْدَ لِقَاءِ الْعَدُوِّ، تَطْيِيبًا مِنْهُ بِذَلِكَ أَنْفُسَهُمْ، وَتَأَلُّفًا لَهُمْ عَلَى دِينِهِمْ، وَلِيَرَوْا أَنَّهُ يَسْمَعُ مِنْهُمْ وَيَسْتَعِينُ بِهِمْ، وَإِنْ كَانَ اللَّهُ عز وجل قَدْ أَغْنَاهُ بِتَدْبِيرِهِ لَهُ أُمُورَهُ وَسِيَاسَتِهِ إِيَّاهُ وَتَقْوِيمِهِ أَسْبَابَهُ عَنْهُمْ
٦ ‏/ ١٨٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾ [آل عمران: ١٥٩] «أَمَرَ اللَّهُ عز وجل نَبِيَّهُ ﷺ أَنْ يُشَاوِرَ أَصْحَابَهُ فِي الْأُمُورِ، وَهُوَ يَأْتِيهِ وَحْي السَّمَاءِ؛ لِأَنَّهُ أَطْيَبُ لِأَنْفُسِ الْقَوْمِ، ⦗١٨٩⦘ وَإِنَّ الْقَوْمَ إِذَا شَاوَرَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَأَرَادُوا بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ عَزَمَ لَهُمْ عَلَى أَرْشَدِهِ»
٦ ‏/ ١٨٨
حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ: ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ﴾ [آل عمران: ١٥٩] قَالَ: «أَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ ﷺ أَنْ يُشَاوِرَ أَصْحَابَهُ فِي الْأُمُورِ، وَهُوَ يَأْتِيهِ الْوَحْي مِنَ السَّمَاءِ؛ لِأَنَّهُ أَطْيَبُ لِأَنْفُسِهِمْ»
٦ ‏/ ١٨٩
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ﴾ [آل عمران: ١٥٩] «أَيْ لِتُرِيَهُمْ أَنَّكَ تَسْمَعُ مِنْهُمْ وَتَسْتَعِينُ بِهِمْ وَإِنْ كُنْتَ عَنْهُمْ غَنِيًّا، تُؤَلِّفُهُمْ بِذَلِكَ عَلَى دِينِهِمْ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ أَمَرَهُ بِذَلِكَ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ لَهُ الرَّأْي وَأَصْوَبُ الْأُمُورِ فِي التَّدْبِيرِ، لِمَا عَلِمَ فِي الْمَشُورَةِ تَعَالَى ذِكْرُهُ مِنَ الْفَضْلِ
٦ ‏/ ١٨٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ نُبَيْطٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ، قَوْلُهُ: ﴿وُشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ﴾ [آل عمران: ١٥٩] قَالَ: «مَا أَمَرَ اللَّهُ عز وجل نَبِيَّهُ ﷺ بِالْمَشُورَةِ إِلَّا لِمَا عَلِمَ فِيهَا مِنَ الْفَضْلِ»
٦ ‏/ ١٨٩
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ إِيَاسِ بْنِ دَغْفَلٍ، عَنِ الْحَسَنِ: «مَا شَاوَرَ قَوْمٌ قَطُّ، إِلَّا هُدُوا لِأَرْشَدِ أُمُورِهِمْ» وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّمَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِمُشَاوَرَةِ أَصْحَابِهِ فِيمَا أَمَرَهُ بِمُشَاوَرَتِهِمْ فِيهِ، مَعَ إِغْنَائِهِ بِتَقْوِيمِهِ إِيَّاهُ، وَتَدْبِيرِهِ أَسْبَابَهُ عَنْ آرَائِهِمْ، لِيَتَّبِعَهُ الْمُؤْمِنُونَ مِنْ بَعْدِهِ، فِيمَا حَزَّ بِهِمْ مِنْ أَمْرِ دِينِهِمْ، وَيَسْتَنُّوا بِسُنَّتِهِ فِي ذَلِكَ، وَيَحْتَذُوا الْمِثَالَ الَّذِي رَأَوْهُ يَفْعَلُهُ فِي حَيَاتِهِ مِنْ مُشَاوَرَتِهِ فِي أُمُورِهِ مَعَ الْمَنْزِلَةِ الَّتِي هُوَ بِهَا مِنَ اللَّهِ أَصْحَابَهُ وَتُبَّاعَهُ فِي الْأَمْرِ، يَنْزِلُ بِهِمْ مِنْ أَمْرِ دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ، فَيَتَشَاوَرُوا بَيْنَهُمْ، ثُمَّ يُصْدِرُوا عَمَّا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ مَلَؤُهُمْ؛ لِأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا تَشَاوَرُوا فِي أُمُورِ دِينِهِمْ مُتَّبِعِينَ الْحَقَّ فِي ذَلِكَ، لَمْ يُخْلِهُمُ اللَّهُ عز وجل مِنْ لُطْفِهِ، وَتَوْفِيقِهِ لِلصَّوَابِ مِنَ الرَّأْي وَالْقَوْلِ فِيهِ. قَالُوا: وَذَلِكَ نَظِيرُ قَوْلِهِ عز وجل الَّذِي مَدَحَ بِهِ أَهْلَ الْإِيمَانِ: ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ﴾ [الشورى: ٣٨]
٦ ‏/ ١٩٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا سَوَّارُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْعَنْبَرِيُّ، قَالَ: قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ﴾ [آل عمران: ١٥٩] قَالَ: «هِيَ لِلْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَتَشَاوَرُوا فِيمَا لَمْ يَأْتِهِمْ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ فِيهِ أَثَرٌ» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ عز وجل أَمَرَ نَبِيَّهُ ﷺ بِمُشَاوَرَةِ أَصْحَابِهِ، فِيمَا حَزَّ بِهِ مِنْ أَمْرِ عَدُوِّهِ وَمَكَايِدِ حَرْبِهِ، تَأَلُّفًا مِنْهُ بِذَلِكَ
٦ ‏/ ١٩٠
مَنْ لَمْ تَكُنْ بَصِيرَتُهُ بِالْإِسْلَامِ الْبَصَيْرَةَ الَّتِي يُؤْمِنُ عَلَيْهِ مَعَهَا فِتْنَةُ الشَّيْطَانِ، وَتَعْرِيفًا مِنْهُ أُمَّتَهُ مَا فِي الْأُمُورِ الَّتِي تَحْزُبُهُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَمَطْلَبَهَا، لِيَقْتَدُوا بِهِ فِي ذَلِكَ عِنْدَ النَّوَازِلِ الَّتِي تَنْزِلُ بِهِمْ، فَيَتَشَاوَرُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ، كَمَا كَانُوا يَرَوْنَهُ فِي حَيَاتِهِ ﷺ يَفْعَلُهُ، فَأَمَّا النَّبِيُّ ﷺ، فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ يُعَرِّفُهُ مَطَالِبَ وُجُوهِ مَا حَزَبَهُ مِنَ الْأُمُورِ بِوَحْيِهِ أَوْ إِلْهَامِهِ إِيَّاهُ صَوَابَ ذَلِكَ. وَأَمَّا أُمَّتُهُ، فَإِنَّهُمْ إِذَا تَشَاوَرُوا مُسْتَنِّينَ بِفِعْلِهِ فِي ذَلِكَ عَلَى تَصَادُقٍ وَتَأخٍّ لِلْحَقِّ وَإِرَادَةِ جَمِيعِهِمْ لِلصَّوَابِ، مِنْ غَيْرِ مَيْلٍ إِلَى هَوًى، وَلَا حَيْدٍ عَنْ هُدًى؛ فَاللَّهُ مُسَدِّدُهُمْ وَمُوَفِّقُهُمْ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ﴾ [آل عمران: ١٥٩] فَإِنَّهُ يَعْنِي: فَإِذَا صَحَّ عَزْمُكَ بِتَثْبِيتِنَا إِيَّاكَ وَتَسْدِيدِنَا لَكَ فِيمَا نَابَكَ وَحَزَبَكَ مِنْ أَمْرِ دِينِكَ وَدُنْيَاكَ، فَامْضِ لِمَا أَمَرْنَاكَ بِهِ عَلَى مَا أَمَرْنَاكَ بِهِ، وَافَقَ ذَلِكَ آرَاءَ أَصْحَابِكَ وَمَا أَشَارُوا بِهِ عَلَيْكَ أَوْ خَالَفَهَا، وَتَوَكَّلْ فِيمَا تَأْتِي مِنْ أُمُورِكَ وَتَدَعُ وَتُحَاوِلُ أَوْ تُزَاوِلُ عَلَى رَبِّكَ، فَثِقْ بِهِ فِي كُلِّ ذَلِكَ، وَارْضَ بِقَضَائِهِ فِي جَمِيعِهِ دُونَ آرَاءِ سَائِرِ خَلْقِهِ وَمَعُونَتِهِمْ، فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ، وَهُمُ الرَّاضُونَ بِقَضَائِهِ، وَالْمُسْتَسْلِمُونَ لِحُكْمِهِ فِيهِمْ، وَافَقَ ذَلِكَ مِنْهُمْ هَوًى أَوْ خَالَفَهُ
٦ ‏/ ١٩١
كَمَا: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: ﴿فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾ [آل عمران: ١٥٩] «فَإِذَا عَزَمْتَ: أَيْ عَلَى أَمْرٍ جَاءَكَ مِنِّي، أَوْ أَمْرٍ مِنْ دِينِكِ فِي جِهَادِ عَدُوِّكَ، لَا يُصْلِحُكَ وَلَا يُصْلِحُهُمْ إِلَّا ذَلِكَ، فَامْضِ عَلَى مَا أُمِرْتَ بِهِ عَلَى خِلَافِ مَنْ خَالَفَكَ، وَمُوَافَقَةِ مَنْ وَافَقَكَ، وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ: ⦗١٩٢⦘ أَيِ ارْضَ بِهِ مِنَ الْعِبَادِ، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ»
٦ ‏/ ١٩١
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ﴾ [آل عمران: ١٥٩] «أَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ ﷺ، إِذَا عَزَمَ عَلَى أَمْرٍ أَنْ يَمْضِيَ فِيهِ، وَيَسْتَقِيمَ عَلَى أَمْرِ اللَّهِ، وَيَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ»
٦ ‏/ ١٩٢
حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، قَوْلُهُ: ﴿فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ﴾ [آل عمران: ١٥٩] الْآيَةَ، «أَمَرَهُ اللَّهُ إِذَا عَزَمَ عَلَى أَمْرٍ أَنْ يَمْضِيَ فِيهِ وَيَتَوَكَّلَ عَلَيْهِ»
٦ ‏/ ١٩٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ [آل عمران: ١٦٠] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِذَلِكَ إنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، عَلَى مَنْ نَاوَأَكُمْ وَعَادَاكُمْ مِنْ أَعْدَائِهِ، وَالْكَافِرِينَ بِهِ، فَلَا غَالِبَ لَكُمْ مِنَ النَّاسِ، يَقُولُ: فَلَنْ يَغْلِبَكُمْ مَعَ نَصْرِهِ إِيَّاكُمْ أَحَدٌ، وَلَوِ اجْتَمَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَيْنِ أَقْطَارِهَا مَنْ خَلَقَهُ، فَلَا تَهَابُوا أَعْدَاءَ اللَّهِ لِقِلَّةِ عَدَدِكُمْ، وَكَثْرَةِ عَدَدِهِمْ، مَا كُنْتُمْ عَلَى أَمْرِهِ، وَاسْتَقَمْتُمْ عَلَى طَاعَتِهِ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ، فَإِنَّ الْغَلَبَةَ لَكُمْ وَالظَّفَرَ دُونَهُمْ. ﴿وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ﴾ [آل عمران: ١٦٠] يَعْنِي إِنْ يَخْذُلْكُمْ رَبُّكُمْ، بِخِلَافِكُمْ أَمْرَهُ، وَتَرْكِكُمْ طَاعَتَهُ وَطَاعَةَ رَسُولِهِ، فَيَكِلْكُمْ إِلَى أَنْفُسِكُمْ، فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ، يَقُولُ: فَأَيِسُوا مِنْ نُصْرَةِ النَّاسِ، فَإِنَّكُمْ لَا تَجِدُونَ أَمْرًا مِنْ بَعْدِ خُذْلَانِ اللَّهِ إِيَّاكُمْ إِنْ خَذَلَكُمْ، يَقُولُ: فَلَا تَتْرُكُوا أَمْرِي، وَطَاعَتِي وَطَاعَةَ
٦ ‏/ ١٩٢
رَسُولِي، فَتَهْلِكُوا بِخُذْلَانِي إِيَّاكُمْ. ﴿وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ [آل عمران: ١٢٢] يَعْنِي: وَلَكِنْ عَلَى رَبِّكُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ فَتَوَكَّلُوا دُونَ سَائِرِ خَلْقِهِ، وَبِهِ فَارْضَوْا مِنْ جَمِيعِ مَنْ دُونَهُ، وَلِقَضَائِهِ فَاسْتَسْلِمُوا، وَجَاهِدُوا فِيهِ أَعْدَاءَهُ، يَكْفِكُمْ بِعَوْنِهِ، وَيُمْدِدْكُمْ بِنَصْرِهِ
٦ ‏/ ١٩٣
كَمَا: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: ﴿إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ [آل عمران: ١٦٠] «أَيْ إِنْ يَنْصُرْكَ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكَ مِنَ النَّاسِ، لَنْ يَضُرَّكَ خُذْلَانُ مَنْ خَذَلَكَ، وَإِنْ يَخْذُلْكَ، فَلَنْ يَنْصُرَكَ النَّاسُ، فَمَنِ الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ: أَيْ لَا تَتْرُكْ أَمْرِي لِلنَّاسِ، وَارْفُضْ أَمْرَ النَّاسِ لِأَمْرِي ﴿وَعَلَى اللَّهِ﴾ [آل عمران: ١٥٩] «لَا عَلَى النَّاسِ» ﴿فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ [آل عمران: ١٥٩]»
٦ ‏/ ١٩٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ [آل عمران: ١٦١] اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ جَمَاعَةٌ مِنْ قُرَّاءِ الْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ: ﴿وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ﴾ [آل عمران: ١٦١] بِمَعْنَى: أَنْ يَخُونَ أَصْحَابَهُ فِيمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ أَمْوَالِ أَعْدَائِهِمْ، ⦗١٩٤⦘ وَاحْتَجَّ بَعْضُ قَارِئِي هَذِهِ الْقِرَاءَةِ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فِي قَطِيفَةٍ فُقِدَتْ مِنْ مَغَانِمِ الْقَوْمِ يَوْمَ بَدْرٍ، فَقَالَ بَعْضُ مَنْ كَانَ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ: لَعَلَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَخَذَهَا. وَرَوَوْا فِي ذَلِكَ رِوَايَاتٍ
٦ ‏/ ١٩٣
فَمِنْهَا مَا: حَدَّثَنَا بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي الشَّوَارِبِ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ، قَالَ: ثنا خُصَيْفٌ، قَالَ: ثنا مِقْسَمٌ، قَالَ: ثني ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ﴾ [آل عمران: ١٦١] «نَزَلَتْ فِي قَطِيفَةٍ حَمْرَاءَ فُقِدَتْ يَوْمَ بَدْرٍ، قَالَ: فَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: أَخَذَهَا قَالَ: فَأَكْثَرُوا فِي ذَلِكَ» فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل: ﴿وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ [آل عمران: ١٦١]
٦ ‏/ ١٩٤
حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي الشَّوَارِبِ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْوَاحِدِ، قَالَ: ثنا خُصَيْفٌ، قَالَ: سَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ: كَيْفَ تَقْرَأُ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ﴾ [آل عمران: ١٦١] أَوْ يُغَلَّ؟ قَالَ: «لَا، بَلْ ﴿يَغُلَّ﴾ [آل عمران: ١٦١]، فَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ وَاللَّهِ يُغَلُّ وَيُقْتَلُ»
٦ ‏/ ١٩٤
حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ حَبِيبِ بْنِ الشَّهِيدِ، قَالَ: ثنا عَتَّابُ بْنُ بَشِيرٍ، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ﴾ [آل عمران: ١٦١] قَالَ: «كَانَ ذَلِكَ فِي قَطِيفَةٍ حَمْرَاءَ فُقِدَتْ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ، فَقَالَ أُنَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ: فَلَعَلَّ النَّبِيَّ أَخَذَهَا» فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل: ﴿وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ﴾ [آل عمران: ١٦١] قَالَ سَعِيدٌ: «بَلْ وَاللَّهِ إِنَّ النَّبِيَّ لَيُغَلُّ وَيُقْتَلُ»
٦ ‏/ ١٩٤
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا خَلَّادٌ، عَنْ زُهَيْرٍ، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «كَانَتْ قَطِيفَةٌ فُقِدَتْ يَوْمَ بَدْرٍ، فَقَالُوا: أَخَذَهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ» فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل: ﴿وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ﴾ [آل عمران: ١٦١]
٦ ‏/ ١٩٥
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: ثنا زُهَيْرٌ، قَالَ: ثنا خُصَيْفٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَعِكْرِمَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ﴾ [آل عمران: ١٦١] قَالَا: «يَغُلَّ»، قَالَ: قَالَ عِكْرِمَةُ أَوْ غَيْرُهُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «كَانَتْ قَطِيفَةٌ فُقِدَتْ يَوْمَ بَدْرٍ، فَقَالُوا: أَخَذَهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، قَالَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ»: ﴿وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ﴾ [آل عمران: ١٦١]
٦ ‏/ ١٩٥
حَدَّثَنَا مُجَاهِدُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ ٠ ثنا قَزَعَةُ بْنُ سُوَيْدٍ الْبَاهِلِيُّ، عَنْ حُمَيْدٍ الْأَعْرَجِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ﴾ [آل عمران: ١٦١] «فِي قَطِيفَةٍ حَمْرَاءَ فُقِدَتْ يَوْمَ بَدْرٍ مِنَ الْغَنِيمَةِ»
٦ ‏/ ١٩٥
حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ، قَالَ: ثنا مُعْتَمِرٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سُلَيْمَانَ الْأَعْمَشِ، قَالَ: كَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يَقْرَأُ: ﴿مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ﴾ [آل عمران: ١٦١] فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «بَلَى، وَيُقْتَلُ، قَالَ: فَذَكَرَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّهُ إِنَّمَا كَانَتْ فِي قَطِيفَةٍ، قَالُوا: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، غَلَّهَا يَوْمَ بَدْرٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ﴾ [آل عمران: ١٦١]» وَقَالَ آخَرُونَ مِمَّنْ قَرَأَ ذَلِكَ كَذَلِكَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّ الْغَيْنِ: إِنَّمَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ ⦗١٩٦⦘ فِي طَلَائِعَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَجَّهَهُمْ فِي وَجْهٍ، ثُمَّ غَنِمَ النَّبِيُّ ﷺ، فَلَمْ يَقْسِمْ لِلطَّلَائِعِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل هَذِهِ الْآيَةَ عَلَى نَبِيِّهِ ﷺ، يُعَلِّمُهُ فِيهَا أَنَّ فِعْلَهُ الَّذِي فَعَلَهُ خَطَأٌ، وَأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ فِي الْحُكْمِ أَنْ يَقْسِمَ لِلطَّلَائِعِ مِثْلَ مَا قَسَمَ لِغَيْرِهِمْ، وَيُعَرِّفُهُ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ مِنَ الْحُكْمِ فِيمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنَ الْغَنَائِمِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَخُصَّ بِشَيْءٍ مِنْهَا أَحَدًا مِمَّنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ أَوْ مِمَّنْ كَانَ رِدْءًا لَهُمْ فِي غَزْوِهِمْ دُونَ أَحَدٍ
٦ ‏/ ١٩٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ [آل عمران: ١٦١] يَقُولُ: «مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ أَنْ يَقْسِمَ لِطَائِفَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَيَتْرُكَ طَائِفَةً وَيَجُورَ فِي الْقَسْمِ، وَلَكِنْ يَقْسِمُ بِالْعَدْلِ، وَيَأْخُذُ فِيهِ بِأَمْرِ اللَّهِ، وَيَحْكُمُ فِيهِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهِ، يَقُولُ: مَا كَانَ اللَّهُ لِيَجْعَلَ نَبِيًّا يَغُلُّ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ النَّبِيُّ ﷺ، اسْتَنُّوا بِهِ»
٦ ‏/ ١٩٦
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ: ﴿مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ﴾ [آل عمران: ١٦١] قَالَ: «أَنْ يُعْطِيَ بَعْضًا، وَيَتْرُكَ بَعْضًا، إِذَا أَصَابَ مَغْنَمًا»
٦ ‏/ ١٩٦
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ نُبَيْطٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، قَالَ: «بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ طَلَائِعَ، فَغَنِمَ النَّبِيُّ ﷺ، فَلَمْ يَقْسِمْ لِلطَّلَائِعِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل: ﴿وَمَا ⦗١٩٧⦘ كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ﴾ [آل عمران: ١٦١]»
٦ ‏/ ١٩٦
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنِ الضَّحَّاكِ: ﴿مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ﴾ [آل عمران: ١٦١] يَقُولُ: «مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَقْسِمَ لِطَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَيَتْرُكَ طَائِفَةً، وَلَكِنْ يَعْدِلُ، وَيَأْخُذُ فِي ذَلِكَ بِأَمْرِ اللَّهِ عز وجل، وَيَحْكُمُ فِيهِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ»
٦ ‏/ ١٩٧
حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا جُوَيْبِرٌ، عَنِ الضَّحَّاكِ فِي قَوْلِهِ: ﴿مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ﴾ [آل عمران: ١٦١] قَالَ: «مَا كَانَ لَهُ إِذَا أَصَابَ مَغْنَمًا أَنْ يَقْسِمَ لِبَعْضِ أَصْحَابِهِ وَيَدَعَ بَعْضًا، وَلَكِنْ يَقْسِمُ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ» وَقَالَ آخَرُونَ مِمَّنْ قَرَأَ ذَلِكَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّ الْغَيْنِ: إِنَّمَا أَنْزَلَ ذَلِكَ تَعْرِيفًا لِلنَّاسِ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ، لَا يَكْتُمُ مِنْ وَحْيِ اللَّهِ شَيْئًا
٦ ‏/ ١٩٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: ﴿مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ [آل عمران: ١٦١] «أَيْ مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكْتُمَ النَّاسَ مَا بَعَثَهُ اللَّهُ بِهِ إِلَيْهِمْ عَنْ رَهْبَةٍ مِنَ النَّاسِ وَلَا رَغْبَةٍ، وَمَنْ يَعْمَلْ ذَلِكَ يَأْتِ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» فَتَأْوِيلُ قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ كَذَلِكَ: مَا يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ غَالًّا، بِمَعْنَى: أَنَّهُ ⦗١٩٨⦘ لَيْسَ مِنْ أَفْعَالِ الْأَنْبِيَاءِ خِيَانَةُ أُمَمِهِمْ، يُقَالُ مِنْهُ: غَلَّ الرَّجُلُ فَهُوَ يَغُلُّ، إِذَا خَانَ، غُلُولًا، وَيُقَالُ أَيْضًا مِنْهُ: أَغَلَّ الرَّجُلُ فَهُوَ يَغُلُّ إِغْلَالًا، كَمَا قَالَ شُرَيْحٌ: لَيْسَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ غَيْرِ الْمُغِلِّ ضَمَانٌ، يَعْنِي غَيْرَ الْخَائِنِ؛ وَيُقَالُ مِنْهُ: أَغَلَّ الْجَازِرُ: إِذَا سَرَقَ مِنَ اللَّحْمِ شَيْئًا مَعَ الْجِلْدِ. وَبِمَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ جَاءَ تَأْوِيلُ أَهْلِ التَّأْوِيلِ
٦ ‏/ ١٩٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ﴾ [آل عمران: ١٦١] يَقُولُ: «مَا كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَخُونَ، فَكَمَا لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَخُونَ فَلَا تَخُونُوا»
٦ ‏/ ١٩٨
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ﴾ [آل عمران: ١٦١] قَالَ: «أَنْ يَخُونَ» وَقَرَأَ ذَلِكَ آخَرُونَ: (وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يُغَلَّ) بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ الْغَيْنِ، وَهِيَ قِرَاءَةُ عُظْمِ قُرَّاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْكُوفَةِ. وَاخْتَلَفَ قَارِئُو ذَلِكَ كَذَلِكَ فِي تَأْوِيلِهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّهُ أَصْحَابُهُ، ثُمَّ أَسْقَطَ الْأَصْحَابَ، فَبَقِيَ الْفِعْلُ غَيْرَ مُسَمًّى فَاعِلُهُ؛ وَتَأْوِيلُهُ: وَمَا ⦗١٩٩⦘ كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يُخَانَ
٦ ‏/ ١٩٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَوْفٌ، عَنِ الْحَسَنِ، أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ: (وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يُغَلَّ) قَالَ عَوْفٌ: قَالَ الْحَسَنُ: «أَنْ يُخَانَ»
٦ ‏/ ١٩٩
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: (وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يُغَلَّ) يَقُولُ: «وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّهُ أَصْحَابُهُ الَّذِينَ مَعَهُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، ذُكِرَ لَنَا أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ يَوْمَ بَدْرٍ، وَقَدْ غَلَّ طَوَائِفُ مِنْ أَصْحَابِهِ»
٦ ‏/ ١٩٩
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: (وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يُغَلَّ) قَالَ: «أَنْ يَغُلَّهُ أَصْحَابُهُ»
٦ ‏/ ١٩٩
حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، قَوْلُهُ: (وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يُغَلَّ) قَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ، يَقُولُ: «مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّهُ أَصْحَابُهُ الَّذِينَ مَعَهُ، قَالَ: ذُكِرَ لَنَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ أُنْزِلَتْ عَلَى نَبِيِّ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ بَدْرٍ، وَقَدْ غَلَّ طَوَائِفُ مِنْ أَصْحَابِهِ» وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يُتَّهَمَ بِالْغُلُولِ فَيَخُونَ وَيَسْرِقَ، وَكَأَنَّ مُتَأَوِّلِي ذَلِكَ كَذَلِكَ وَجَّهُوا قَوْلَهُ: (وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يُغَلَّ)
٦ ‏/ ١٩٩
إِلَى أَنَّهُ مُرَادٌ بِهِ «يُغْلَلْ»، ثُمَّ خُفِّفَتِ الْغَيْنُ مِنْ «يُفَعَّلَ» فَصَارَتْ «يُفْعَلَ»، كَمَا قَرَأَ مَنْ قَرَأَ قَوْلَهُ: فَإِنَّهُمْ لَا يُكْذِبُونَكَ بِتَأَوُّلِ ﴿يُكَذِّبُونَكَ﴾ [الأنعام: ٣٣] . وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ: ﴿وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ﴾ [آل عمران: ١٦١] بِمَعْنَى: مَا الْغُلُولُ مِنْ صِفَاتِ الْأَنْبِيَاءِ، وَلَا يَكُونُ نَبِيًّا مَنْ غَلَّ، وَإِنَّمَا اخْتَرْنَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل أَوْعَدَ عُقَيْبَ قَوْلِهِ: ﴿وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ﴾ [آل عمران: ١٦١] أَهْلَ الْغُلُولِ، فَقَالَ: ﴿وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ [آل عمران: ١٦١] الْآيَةَ، وَالَّتِي بَعْدَهَا، فَكَانَ فِي وَعِيدِهِ عُقَيْبَ ذَلِكَ أَهْلَ الْغُلُولِ، الدَّلِيلُ الْوَاضِحُ عَلَى أَنَّهُ إِنَّمَا نَهَى بِذَلِكَ عَنِ الْغُلُولِ، وَأَخْبَرَ عِبَادَهُ أَنَّ الْغُلُولَ لَيْسَ مِنْ صِفَاتِ أَنْبِيَائِهِ بِقَوْلِهِ: ﴿وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ﴾ [آل عمران: ١٦١] لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ إِنَّمَا نَهَى بِذَلِكَ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنْ يَتَّهِمُوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ بِالْغُلُولِ، لَعَقَّبَ ذَلِكَ بِالْوَعِيدِ عَلَى التُّهْمَةِ، وَسُوءِ الظَّنِّ بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ، لَا بِالْوَعِيدِ عَلَى الْغُلُولِ، وَفِي تَعْقِيبِهِ ذَلِكَ بِالْوَعِيدِ عَلَى الْغُلُولِ بَيَانٌ بَيِّنٌ، أَنَّهُ إِنَّمَا عَرَّفَ الْمُؤْمِنِينَ وَغَيْرَهُمْ مِنْ عِبَادِهِ أَنَّ الْغُلُولَ مُنْتَفٍ مِنْ صِفَةِ الْأَنْبِيَاءِ وَأَخْلَاقِهِمْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ جُرْمٌ عَظِيمٌ، وَالْأَنْبِيَاءُ لَا تَأْتِي مِثْلَهُ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ مِمَّنْ قَرَأَ ذَلِكَ كَذَلِكَ: فَأَوْلَى مِنْهُ: وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يُخَوِّنَهُ أَصْحَابُهُ إِنْ كَانَ ذَلِكَ كَمَا ذَكَرْتُ، وَلَمْ يُعَقِّبِ اللَّهُ قَوْلَهُ: ﴿وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ﴾ [آل عمران: ١٦١] إِلَّا بِالْوَعِيدِ عَلَى الْغُلُولِ، وَلَكِنَّهُ إِنَّمَا وَجَبَ الْحُكْمُ بِالصِّحَّةِ لِقِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ: (يُغَلَّ) بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ الْغَيْنِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ: وَمَا كَانَ لِلنَّبِيِّ أَنْ يُغِلَّهُ أَصْحَابُهُ،

عن معز نوني

متحصّل على شهادة ختم الدروس للمعهد الأعلى لتكوين المعلمين بقفصة دفعة 2000، يعمل حاليًّا أستاذ مدارس إبتدائية

شاهد أيضاً

سُورَةُ الْفَاتِحَةِ

مَكِّيَّةٌ وَآيَاتُهَا سَبْعٌ ١ ‏/ ١١١ ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ [الفاتحة: ١] الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ …