سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ 8

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِذْ غَدَوْتُ مِنْ أَهْلِكِ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [آل عمران: ١٢١] يَعْنِي جَلَّ ثناؤُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران: ١٢١] وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ كَيَدُ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارِ مِنَ الْيَهُودِ شَيْئًا، وَلَكِنَّ اللَّهَ يَنْصُرُكُمْ عَلَيْهِمْ إِنْ صَبَرْتُمْ عَلَى طَاعَتِي، وَاتِّبَاعِ أَمْرِ رَسُولِي، كَمَا نَصَرْتُكُمْ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ، وَإِنْ أَنْتُمْ خَالَفْتُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ أَمْرِي، وَلَمْ تَصْبِرُوا عَلَى مَا كَلَّفْتُكُمْ مِنْ فَرَائِضِي، وَلَمْ تَتَّقُوا مَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ، وَخَالَفْتُمْ أَمْرِي، وَأَمْرَ رَسُولِي، فَإِنَّهُ نَازِلٌ بِكُمْ مَا نَزَلَ بِكُمْ بِأُحُدٍ، وَاذْكُرُوا ذَلِكَ الْيَوْمَ إِذْ غَدَا نَبِيُّكُمْ يُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ؛ فَتُرِكَ ذِكْرُ الْخَبَرِ عَنْ أَمْرِ الْقَوْمِ إِنْ لَمْ يَصْبِرُوا عَلَى أَمْرِ رَبِّهِمْ وَلَمْ يَتَّقُوهُ اكْتِفَاءً بِدَلَالَةُ مَا ظَهَرَ مِنَ الْكَلَامِ عَلَى مَعْنَاهُ، إِذْ ذَكَرَ مَا هُوَ فَاعِلٌ بِهِمْ مِنْ صَرْفِ كَيَدِ أَعْدَائِهِمْ عَنْهُمْ، إِنْ صَبَرُوا عَلَى أَمْرِهِ، وَاتَّقُوا مَحَارِمَهُ، وَتَعْقِيبُهُ ذَلِكَ بِتَذْكِيرِهِمْ مَا حَلَّ بِهِمْ مِنَ الْبَلَاءِ بِأُحُدٍ، إِذْ خَالَفَ بَعْضُهُمْ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَتَنَازَعُوا الرَّأْيَ بَيْنَهُمْ. وَأُخْرِجَ الْخِطَابُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكِ﴾ [آل عمران: ١٢١] عَلَى وَجْهِ الْخِطَابِ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَالْمُرَادُ بِمَعْنَاهُ الَّذِينَ نَهَاهُمْ أَنْ يَتَّخِذَ الْكُفَّارَ مِنَ الْيَهُودِ بِطَانَةً مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَدْ بَيَّنَ إِذًا أَنَّ قَوْلَهُ: «وَإِذْ» إِنَّمَا جَرَّهَا فِي مَعْنَى الْكَلَامِ عَلَى مَا قَدْ بَيَّنْتُ وَأَوْضَحْتُ.
٦ ‏/ ٥
وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْيَوْمِ الَّذِي عَنَى اللَّهُ عز وجل بِقَوْلِهِ: ﴿وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ﴾ [آل عمران: ١٢١] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَنَى بِذَلِكَ يَوْمَ أُحُدٍ
٦ ‏/ ٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ﴾ [آل عمران: ١٢١] قَالَ: «مَشَى النَّبِيُّ ﷺ يَوْمَئِذٍ عَلَى رِجْلَيْهِ يُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ»
٦ ‏/ ٦
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ﴾ [آل عمران: ١٢١] «ذَلِكَ يَوْمَ أُحُدٍ، غَدَا نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ مِنْ أَهْلِهِ إِلَى أُحُدٍ يُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ»
٦ ‏/ ٦
حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، قَوْلُهُ: ﴿وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ﴾ [آل عمران: ١٢١] «فَغَدَا النَّبِيُّ ﷺ مِنْ أَهْلِهِ إِلَى أُحُدٍ يُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ»
٦ ‏/ ٦
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ﴾ [آل عمران: ١٢١] «فَهُوَ يَوْمُ أُحُدٍ»
٦ ‏/ ٦
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران: ١٢١] قَالَ: «هُنَا يَوْمَ أُحُدٍ»
٦ ‏/ ٧
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: «مِمَّا نَزَلَ فِي يَوْمِ أُحُدٍ»: ﴿وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران: ١٢١] وَقَالَ آخَرُونَ: عَنَى بِذَلِكَ يَوْمَ الْأَحْزَابِ
٦ ‏/ ٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ الْقَزَّازُ، قَالَ: ثنا أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ، قَالَ: ثنا عَبَّادٌ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ﴾ [آل عمران: ١٢١] قَالَ: يَعْنِي مُحَمَّدًا ﷺ غَدَا يُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ يَوْمَ الْأَحْزَابِ ” وَأَوْلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: عَنَى بِذَلِكَ يَوْمَ أُحُدٍ؛ لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل يَقُولُ فِي الْآيَةِ الَّتِي بَعْدَهَا: ﴿إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا﴾ [آل عمران: ١٢٢] وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ التَّأْوِيلِ أَنَّهُ عَنَى بِالطَّائِفَتَيْنِ بَنِي سَلَمَةَ وَبَنِي حَارِثَةَ، وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ السِّيَرِ وَالْمَعْرِفَةِ بِمَغَازِي رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّ الَّذِيَ ذَكَرَ اللَّهُ مِنْ أَمْرِهِمَا إِنَّمَا كَانَ يَوْمَ أُحُدٍ دُونَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ. ⦗٨⦘ فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِلٌ: وَكَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ يَوْمَ أُحُدٍ وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِنَّمَا رَاحَ إِلَى أُحُدٍ مِنْ أَهْلِهِ لِلْقِتَالِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بَعْدَ مَا صَلَّى الْجُمُعَةَ فِي أَهْلِهِ بِالْمَدِينَةِ بِالنَّاسِ
٦ ‏/ ٧
كَالَّذِي: حَدَّثَكُمُ ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثني مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ، وَعَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، وَالْحُصَيْنِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ وَغَيْرُهُمْ مِنْ عُلَمَائِنَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ رَاحَ حِينَ صَلَّى الْجُمُعَةَ إِلَى أُحُدٍ، دَخَلَ فَلَبِسَ لَأْمَتَهُ، وَذَلِكَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ حِينَ فَرَغَ مِنَ الصَّلَاةِ، وَقَدْ مَاتَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، ثُمَّ خَرَجَ عَلَيْهِمْ وَقَالَ: «مَا يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ إِذَا لَبِسَ لَأْمَتَهُ أَنْ يَضَعَهَا حَتَّى يُقَاتِلَ» قِيلَ: إِنَّ النَّبِيَّ ﷺ وَإِنْ كَانَ خُرُوجُهُ لِلْقَوْمِ كَانَ رَواحًا فَلَمْ يَكُنْ تَبْوِئَتُهُ لِلْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَهُمْ لِلْقِتَالِ عِنْدَ خُرُوجِهِ، بَلْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ خُرُوجِهِ لِقِتَالِ عَدُوِّهِ؛ وَذَلِكَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ نَزَلُوا مَنْزِلَهُمْ مِنْ أُحُدٍ فِيمَا بَلَغَنَا يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ، فَأَقَامُوا بِهِ ذَلِكَ الْيَوْمَ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ وَيَوْمَ الْجُمُعَةِ، حَتَّى رَاحَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بَعْدَ مَا صَلَّى بِأَصْحَابِهِ الْجُمُعَةَ، فَأَصْبَحَ بِالشِّعْبِ مِنْ أُحُدٍ يَوْمَ السَّبْتِ لِلنِّصْفِ مِنْ شَوَّالٍ حَدَّثَنَا بِذَلِكَ ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثني مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ الزُّهْرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ، وَعَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ وَالْحُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَغَيْرُهُمْ. ⦗٩⦘ فَإِنْ قَالَ: وَكَيْفَ كَانَتْ تَبْوِئَتُهُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ غَدَوْا قَبْلَ خُرُوجِهِ، وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ التَّبْوِئَةَ اتِّخَاذُ الْمَوْضِعِ؟ قِيلَ: كَانَتْ تَبْوِئَتُهُ إِيَّاهُمْ ذَلِكَ قَبْلَ مُنَاهَضَتِهِ عَدُوَّهُ عِنْدَ مَشُورَتِهِ عَلَى أَصْحَابِهِ بِالرَّأْي الَّذِي رَآهُ لَهُمْ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ، وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لَمَّا سَمِعَ بِنُزُولِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ قُرَيْشٍ وَأَتْبَاعِهَا أُحُدًا
٦ ‏/ ٨
قَالَ فِيمَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، لِأَصْحَابِهِ: «أَشِيرُوا عَلَيَّ مَا أَصْنَعُ؟» فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ اخْرُجْ إِلَى هَذِهِ الْأَكْلُبِ، فَقَالَتِ الْأَنْصَارُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا غَلَبَنَا عَدُوٌّ لَنَا أَتَانَا فِي دِيَارِنَا، فَكَيْفَ وَأَنْتَ فِينَا؟ فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولَ، وَلَمْ يَدْعُهُ قَطُّ قَبْلَهَا، فَاسْتَشَارَهُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اخْرُجْ بِنَا إِلَى هَذِهِ الْأَكْلُبِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُعْجِبُهُ أَنْ يَدْخُلُوا عَلَيْهِ الْمَدِينَةَ، فَيُقَاتَلُوا فِي الْأَزِقَّةِ، فَأَتَاهُ النُّعْمَانُ بْنُ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيُّ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَا تَحْرِمْنِي الْجَنَّةَ، فَوَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَأَدْخُلَنَّ الْجَنَّةَ فَقَالَ لَهُ: «بِمَ؟» قَالَ: بِأَنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، وَأَنِّي لَا أَفِرُّ مِنَ الزَّحْفِ، قَالَ: «صَدَقْتَ» فَقُتِلَ يَوْمَئِذٍ، ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ دَعَا بِدِرْعِهِ فَلَبِسَهَا، فَلَمَّا رَأَوْهُ وَقَدْ لَبِسَ السِّلَاحَ، نَدِمُوا، وَقَالُوا: بِئْسَمَا صَنَعْنَا نُشِيرُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَالْوَحْي يَأْتِيِهِ، فَقَامُوا وَاعْتَذَرُوا إِلَيْهِ، وَقَالُوا: اصْنَعْ مَا رَأَيْتَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لَا يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ أَنْ يَلْبَسَ لَأْمَتَهُ فَيَضَعَهَا حَتَّى يُقَاتِلَ»
٦ ‏/ ٩
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثني ابْنُ
٦ ‏/ ٩
شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ، وَعَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، وَالْحُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، وَغَيْرُهُمْ مِنْ عُلَمَائِنَا قَالُوا: «لَمَّا سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَالْمُسْلِمُونَ بِالْمُشْرِكِينَ قَدْ نَزَلُوا مَنْزِلَهُمْ مِنْ أُحُدٍ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ بَقَرًا فَأَوَّلْتُهَا خَيْرًا، وَرَأَيْتُ فِيَ ذُبَابِ سَيْفِي ثَلْمًا، وَرَأَيْتُ أَنِّي أَدْخَلْتُ يَدِي فِي دِرْعٍ حَصِينَةٍ، فَأَوَّلْتُهَا الْمَدِينَةَ فَإِنْ رَأَيْتُمْ إِذْ تُقِيمُوا بِالْمَدِينَةِ وَتَدَعُوهُمْ حَيْثُ نَزَلُوا، فَإِنْ أَقَامُوا أَقَامُوا بِشَرِّ مُقَامٍ، وَإِنْ هُمْ دَخَلُوا عَلَيْنَا قَاتَلْنَاهُمْ فِيهَا»، وَكَانَ رَأْي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولَ مَعَ رَأْي رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، يَرَى رَأْيَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي ذَلِكَ أَنْ لَا يَخْرُجَ إِلَيْهِمْ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَكْرَهُ الْخُرُوجَ مِنَ الْمَدِينَةِ، فَقَالَ رِجَالٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِمَّنْ أَكْرَمَ اللَّهُ بِالشَّهَادَةِ يَوْمَ أُحُدٍ وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ كَانَ فَاتَهُ بَدْرٌ وَحَضَرُوهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اخْرُجْ بِنَا إِلَى أَعْدَائِنَا لَا يَرَوْنَ أَنَّا جَبُنَّا عَنْهُمْ وَضَعُفْنَا فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَقِمْ بِالْمَدِينَةِ لَا تَخْرُجْ إِلَيْهِمْ، فَوَاللَّهِ مَا خَرَجْنَا مِنْهَا إِلَى عَدُوٍّ لَنَا قَطُّ إِلَّا أَصَابَ مِنَّا، وَلَا دَخَلَهَا عَلَيْنَا قَطُّ إِلَّا أَصَبْنَا مِنْهُ فَدَعْهُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَإِنْ أَقَامُوا أَقَامُوا بِشَرِّ مَحْبِسٍ، وَإِنْ دَخَلُوا قَاتَلهُمُ الرِّجَالُ فِي وُجُوهِهِمْ، وَرَمَاهُمُ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ بِالْحِجَارَةِ مِنْ فَوْقِهِمْ، وَإِنْ رَجَعُوا رَجَعُوا خَائِبِينَ كَمَا جَاءُوا، فَلَمْ يَزَلِ النَّاسُ بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ الَّذِينَ كَانَ مِنْ أَمْرِهِمْ حُبُّ لِقَاءِ الْقَوْمِ حَتَّى دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَلَبِسَ لَأْمَتِهِ» فَكَانَتْ تَبْوِئَةُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ، مَا ذَكَرْنَا مِنْ
٦ ‏/ ١٠
مَشُورَتِهِ عَلَى أَصْحَابِهِ بِالرَّأْيِ الَّذِي ذَكَرْنَا عَلَى مَا وَصَفَهُ الَّذِينَ حَكَيْنَا قَوْلَهُمْ؛ يُقَالُ مِنْهُ: بَوَّأْتُ الْقَوْمَ مَنْزِلًا وَبَوَّأْتُهُ لَهُمْ فَأَنَا أُبَوِّئُهُمُ الْمَنْزِلَ تَبْوِئَةً، وَأُبَوِّئُ لَهُمْ مَنْزِلًا تَبْوِئَةً، وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ فِيَ قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: «وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ» وَذَلِكَ جَائِزٌ، كَمَا يُقَالُ: رَدِفَكَ وَرَدِفَ لَكَ، ونَقَدْتُ لَهَا صَدَاقَهَا وَنَقَدْتُهَا، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر البسيط]

أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ ذَنْبًا لَسْتُ مُحْصِيَهُ … رَبَّ الْعِبَادِ إِلَيْهِ الْوَجْهُ وَالْعَمَلُ
وَالْكَلَامُ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِذَنْبٍ، وَقَدْ حُكِيَ عَنِ الْعَرَبِ سَمَاعًا: أَبَأْتُ الْقَوْمَ مَنْزِلًا فَأَنَا أُبِيئُهُمْ إِبَاءَةً، وَيُقَالُ مِنْهُ: أَبَأْتُ الْإِبِلَ: إِذَا رَدَدْتُهَا إِلَى الْمَبَاءَةِ، وَالْمَبَاءَةُ: الْمُرَاحُ الَّذِي تَبِيتُ فِيهِ، وَالْمَقَاعِدُ جَمْعُ مَقْعَدٍ وَهُوَ الْمَجْلِسُ. فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ: وَاذْكُرْ إِذْ غَدَوْتَ يَا مُحَمَّدُ مِنْ أَهْلِكَ تَتَّخِذُ لِلْمُؤْمِنِينَ مُعَسْكَرًا وَمَوْضِعًا لِقِتَالِ عَدُوِّهِمْ. وَقَوْلُهُ: ﴿وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [آل عمران: ١٢١] يَعْنِي بِذَلِكَ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَاللَّهُ سَمِيعٌ لِمَا يَقُولُ الْمُؤْمِنُونَ لَكَ، فِيمَا شَاوَرْتَهُمْ فِيهِ مِنْ مَوْضِعِ لِقَائِكَ وَلِقَائِهِمْ عَدُوَّكَ وَعَدُوَّهُمْ مِنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ: اخْرُجْ بِنَا إِلَيْهِمْ حَتَّى نَلْقَاهُمْ خَارِجَ الْمَدِينَةِ، وَقَوْلُ مَنْ قَالَ لَكَ: لَا تَخْرُجْ إِلَيْهِمْ وَأَقِمْ بِالْمَدِينَةِ حَتَّى يَدْخُلُوهَا عَلَيْنَا، عَلَى مَا قَدْ بَيَّنَّا قَبْلُ، وَمِمَّا تُشِيرَ بِهِ عَلَيْهِمْ أَنْتَ يَا مُحَمَّدُ، عَلِيمٌ بِأَصْلَحِ تِلْكَ الْآرَاءِ لَكَ وَلَهُمْ، وَبِمَا تُخْفِيهِ صُدُورُ

٦ ‏/ ١١
الْمُشِيرِينَ عَلَيْكَ بِالْخُرُوجِ إِلَى عَدُوِّكَ، وَصُدُورُ الْمُشِيرِينَ عَلَيْكَ بِالْمُقَامِ فِي الْمَدِينَةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَمْرِكَ وَأُمُورِهِمْ
٦ ‏/ ١٢
كَمَا: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: ٢٢٤] «أَيْ سَمِيعٌ لِمَا يَقُولُونَ، عَلِيمٌ بِمَا يُخْفُونَ»
٦ ‏/ ١٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ [آل عمران: ١٢٢] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثناؤُهُ: وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ حِينَ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا، وَالطَّائِفَتَانِ اللَّتَانِ هَمَّتَا بِالْفَشَلِ ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُمْ بَنُو سَلَمَةَ وَبَنُو حَارِثَةَ
٦ ‏/ ١٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا﴾ [آل عمران: ١٢٢] قَالَ: «بَنُو حَارِثَةَ كَانُوا نَحْوَ أُحُدٍ، وَبَنُو سَلَمَةَ نَحْوَ سَلْعٍ، وَذَلِكَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ يَوْمَ أُحُدٍ فِيمَا مَضَى بِمَا فِيهِ الْكِفَايَةُ عَنْ إِعَادَتِهِ
٦ ‏/ ١٢
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا﴾ [آل عمران: ١٢٢] الْآيَةَ، وَذَلِكَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَالطَّائِفَتَانِ: بَنُو سَلَمَةَ، وَبَنُو ⦗١٣⦘ حَارِثَةَ، حَيَّانِ مِنَ الْأَنْصَارِ، هَمُّوا بِأَمْرٍ، فَعَصَمَهُمُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ ” قَالَ قَتَادَةُ: وَقَدْ ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ لَمَّا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قَالُوا: مَا يَسُرُّنَا أَنَّا لَمْ نَهُمَّ بِالَّذِي هَمَمْنَا بِهِ، وَقَدْ أَخْبَرَنَا اللَّهُ أَنَّهُ وَلِيُّنَا
٦ ‏/ ١٢
حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، قَوْلُهُ: ﴿إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ﴾ [آل عمران: ١٢٢] الْآيَةَ «وَذَلِكَ يَوْمَ أُحُدٍ، فَالطَّائِفَتَانِ: بَنُو سَلَمَةَ، وَبَنُو حَارِثَةَ، حَيَّانِ مِنَ الْأَنْصَارِ» فَذَكَرَ مِثْلَ قَوْلِ قَتَادَةَ
٦ ‏/ ١٣
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنْ السُّدِّيِّ، قَالَ: «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِلَى أُحُدٍ فِي أَلْفِ رَجُلٍ، وَقَدْ وَعَدَهُمُ الْفَتْحَ إِنْ صَبَرُوا؛ فَلَمَّا رَجَعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولَ فِي ثَلاَثِمِائَةٍ، فَتَبِعَهُمْ أَبُو جَابِرٍ السَّلِمِيُّ يَدْعُوهُمْ، فَلَمَّا غَلَبُوهُ وَقَالُوا لَهُ: مَا نَعْلَمُ قِتَالًا، وَلَئِنْ أَطَعْتَنَا لَتَرْجِعَنَّ مَعَنَا»، وَقَالَ: ﴿إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا﴾ [آل عمران: ١٢٢] «وَهُمْ بَنُو سَلَمَةَ، وَبَنُو حَارِثَةَ، هَمُّوا بِالرُّجُوعِ حِينَ رَجَعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ، فَعَصَمَهُمُ اللَّهُ، وَبَقِيَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي سَبْعِمِائَةٍ»
٦ ‏/ ١٣
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ عِكْرِمَةُ: «نَزَلَتْ فِي بَنِي سَلَمَةَ مِنَ الْخَزْرَجِ، وَبَنِي حَارِثَةَ مِنَ الْأَوْسِ، وَرَأْسُهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولَ»
٦ ‏/ ١٣
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا﴾ [آل عمران: ١٢٢] «فَهُوَ بَنُو حَارِثَةَ وَبَنُو سَلَمَةَ»
٦ ‏/ ١٤
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: ﴿إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا﴾ [آل عمران: ١٢٢] «وَالطَّائِفَتَانِ: بَنُو سَلَمَةَ مِنْ جُشَمِ بْنِ الْخَزْرَجِ، وَبَنُو حَارِثَةَ بْنِ النَّبِيتِ مِنَ الْأَوْسِ، وَهُمَا الْجَنَاحَانِ»
٦ ‏/ ١٤
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، قَالَ: ثنا أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ، عَنْ عَبَّادٍ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا﴾ [آل عمران: ١٢٢] الْآيَةَ، قَالَ: «هُمَا طَائِفَتَانِ مِنَ الْأَنْصَارِ هَمَّا أَنْ يَفْشَلَا، فَعَصَمَهُمُ اللَّهُ، وَهَزَمَ عَدُوَّهُمْ»
٦ ‏/ ١٤
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، يَقُولُ: ﴿إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا﴾ [آل عمران: ١٢٢] قَالَ: «هُمْ بَنُو سَلَمَةَ، وَبَنُو حَارِثَةَ وَمَا نُحِبُّ أَنْ لَوَ لَمْ تَكُنْ هَمَّتَا» لِقَوْلِ اللَّهِ عز وجل: ﴿وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا﴾ [آل عمران: ١٢٢] حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ حَازِمٍ، قَالَ: ثنا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو، ⦗١٥⦘ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ
٦ ‏/ ١٤
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: ﴿إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا﴾ [آل عمران: ١٢٢] قَالَ: «هَذَا يَوْمَ أُحُدٍ» وَأَمَّا قَوْلُهُ ﴿أَنْ تَفْشَلَا﴾ [آل عمران: ١٢٢] فَإِنَّهُ يَعْنِي: هَمَّا أَنْ يَضْعُفَا وَيَجْبُنَا عَنْ لِقَاءِ عَدُوِّهِمَا، يُقَالُ مِنْهُ: فَشِلَ فُلَانٌ عَنْ لِقَاءِ عَدُوِّهِ يَفْشَلُ فَشَلًا
٦ ‏/ ١٥
كَمَا: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «الْفَشَلُ: الْجُبْنُ» وَكَانَ هَمُّهُمَا الَّذِي هَمَّا بِهِ مِنَ الْفَشَلِ الِانْصِرَافَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَالْمُؤْمِنِينَ حِينَ انْصَرَفَ عَنْهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبِيٍّ ابْنِ سَلُولَ بِمَنْ مَعَهُ، جُبْنًا مِنْهُمْ مِنْ غَيْرِ شَكٍّ مِنْهُمْ فِي الْإِسْلَامِ وَلَا نِفَاقٍ؛ فَعَصَمَهُمُ اللَّهُ مِمَّا هَمُّوا بِهِ مِنْ ذَلِكَ، وَمَضَوْا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ لِوَجْهِهِ الَّذِي مَضَى لَهُ، وَتَرَكُوا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولَ وَالْمُنَافِقِينَ مَعَهُ، فَأَثْنَى اللَّهُ عز وجل عَلَيْهِمَا بِثُبُوتِهِمَا عَلَى الْحَقِّ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ وَلِيُّهُمَا وَنَاصِرُهُمَا عَلَى أَعْدَائِهِمَا مِنَ الْكُفَّارِ
٦ ‏/ ١٥
كَمَا: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: ﴿وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا﴾ [آل عمران: ١٢٢] «أَيِ الدَّافِعُ عَنْهُمَا مَا هُمَا بِهِ مِنْ فَشَلِهِمَا، وَذَلِكَ أَنَّهُ إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ مِنْهُمَا عَنْ ضَعْفٍ وَوَهَنٍ أَصَابَهُمَا مِنْ غَيْرِ شَكٍّ أَصَابَهُمَا فِي دِينِهِمَا، فَتَوَلَّى دَفْعَ ذَلِكَ عَنْهُمَا بِرَحْمَتِهِ وَعَائِدَتِهِ، حَتَّى سَلِمَتَا مِنْ ⦗١٦⦘ وَهَنِهِمَا وَضَعْفِهِمَا، وَلَحِقَتَا بِنَبِيِّهِمَا ﷺ؛ يَقُولُ: ﴿وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ [آل عمران: ١٢٢] أَيْ مَنْ كَانَ بِهِ ضَعْفٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَوْ وَهْنٌ فَلْيَتَوَكَّلْ عَلَيَّ وَلْيَسْتَعِنْ بِي أُعِنْهُ عَلَى أَمْرِهِ، وَأَدْفَعْ عَنْهُ، حَتَّى أَبْلُغَ بِهِ وَأُقَوِّيَهُ عَلَى نِيَّتِهِ» وَذُكِرَ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ رضي الله عنه كَانَ يَقْرَأُ: «وَاللَّهُ وَلِيُّهُمْ» وَإِنَّمَا جَازَ أَنْ يَقْرَأَ ذَلِكَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الطَّائِفَتَيْنِ وَإِنْ كَانَتَا فِي لَفْظِ اثْنَيْنِ، فَإِنَّهُمَا فِي مَعْنَى جِمَاعٍ بِمَنْزِلَةِ الْخَصْمَيْنِ وَالْحِزْبَيْنِ
٦ ‏/ ١٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [آل عمران: ١٢٣] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثناؤُهُ: وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا، لَا يَضُرَّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا، وَيَنْصُرْكُمْ رَبُّكُمْ، ﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ﴾ [آل عمران: ١٢٣] عَلَى أَعْدَائِكُمْ ﴿وَأَنْتُمْ﴾ [البقرة: ٢٢] يَوْمَئِذٍ ﴿أَذِلَّةٌ﴾ [آل عمران: ١٢٣] يَعْنِي قَلِيلُونَ، فِي غَيْرِ مَنَعَةٍ مِنَ النَّاسِ، حَتَّى أَظْهَرَكُمُ اللَّهُ عَلَى عَدُوِّكُمْ مَعَ كَثْرَةِ عَدَدِهِمْ، وَقِلَّةِ عَدَدِكُمْ، وَأَنْتُمْ الْيَوْمَ أَكْثَرُ عَدَدًا مِنْكُمْ حِينَئِذٍ، فَإِنْ تَصْبِرُوا لِأَمْرِ اللَّهِ يَنْصُرْكُمْ كَمَا نَصَرَكُمْ ذَلِكَ الْيَوْمَ ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ﴾ [آل عمران: ٥٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَاتَّقُوا رَبَّكُمْ بِطَاعَتِهِ وَاجْتِنَابِ مَحَارِمِهِ ﴿لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [البقرة: ٥٢] يَقُولُ: لِتَشْكُرُوهُ عَلَى مَا مَنَّ بِهِ عَلَيْكُمْ مِنَ النَّصْرِ عَلَى أَعْدَائِكُمْ، وَإِظْهَارِ دِينِكُمْ، وَلِمَا هَدَاكُمْ لَهُ مِنَ الْحَقِّ الَّذِي ضَلَّ عَنْهُ مُخَالِفُوكُمْ
٦ ‏/ ١٦
كَمَا: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: ﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ﴾ [آل عمران: ١٢٣] يَقُولُ: وَأَنْتُمْ أَقَلُّ عَدَدًا، وَأَضْعَفُ قُوَّةً ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ ⦗١٧⦘ تَشْكُرُونَ﴾ [آل عمران: ١٢٣] أَيْ فَاتَّقُونِ، فَإِنَّهُ شُكْرُ نِعْمَتِي ” وَاخْتُلِفَ فِي الْمَعْنَى الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ سُمِّيَ بَدْرٌ بَدْرًا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: سُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مَاءً لِرَجُلٍ يُسَمَّى بَدْرًا، فَسُمِّيَ بِاسْمِ صَاحِبِهِ
٦ ‏/ ١٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ زَكَرِيَّا، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: «كَانَتْ بَدْرٌ لِرَجُلٍ يُقَالُ لَهُ بَدْرٌ، فَسُمِّيَتْ بِهِ»
٦ ‏/ ١٧
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا زَكَرِيَّا، عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ قَالَ: ﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ﴾ [آل عمران: ١٢٣] قَالَ: «كَانَتْ بَدْرٌ بِئْرًا لِرَجُلٍ يُقَالُ لَهُ بَدْرٌ، فَسُمِّيَتْ بِهِ» وَأَنْكَرَ ذَلِكَ آخَرُونَ وَقَالُوا: ذَلِكَ اسْمٌ سُمِّيَتْ بِهِ الْبُقْعَةُ كَمَا سُمِّيَ سَائِرُ الْبُلْدَانِ بِأَسْمَائِهَا
٦ ‏/ ١٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْحَرْثُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِيُّ، قَالَ: ثنا مَنْصُورٌ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ زَكَرِيَّا، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: «إِنَّمَا سُمِّيَ بَدْرًا لِأَنَّهُ كَانَ مَاءً لِرَجُلٍ مِنْ جُهَيْنَةَ يُقَالُ لَهُ بَدْرٌ، وَقَالَ الْحَرْثُ: قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: قَالَ الْوَاقِدِيُّ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ صَالِحٍ، فَأَنْكَرَاهُ، ⦗١٨⦘ وَقَالَا: فَلِأَيِّ شَيْءٍ سُمِّيَتِ الصَّفْرَاءُ؟ وَلِأَيِّ شَيْءٍ سُمِّيَتِ الْحَمْرَاءُ؟ وَلِأَيِّ شَيْءٍ سُمِّيَ رَابِغٌ؟ هَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ، إِنَّمَا هُوَ اسْمُ الْمَوْضِعِ» قَالَ: «وَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِيَحْيَى بْنِ النُّعْمَانِ الْغِفَارِيِّ، فَقَالَ: سَمِعْتُ شُيُوخَنَا مِنْ بَنِي غِفَارٍ يَقُولُونَ: هُوَ مَاؤُنَا وَمَنْزِلُنَا، وَمَا مَلَكَهُ أَحَدٌ قَطُّ يُقَالُ لَهُ بَدْرٌ، وَمَا هُوَ مِنْ بِلَادِ جُهَيْنَةَ إِنَّمَا هِيَ بِلَادُ غِفَارٍ قَالَ الْوَاقِدِيُّ: فَهَذَا الْمَعْرُوفُ عِنْدَنَا»
٦ ‏/ ١٧
حُدِّثْتُ عَنِ الحَسَنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ: «بَدْرٌ مَاءٌ عَنْ يَمِينِ طَرِيقِ مَكَّةَ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ» وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿أَذِلَّةٌ﴾ [آل عمران: ١٢٣] فَإِنَّهُ جَمْعُ ذَلِيلٍ، كَمَا الْأَعِزَّةُ جَمْعُ عَزِيزٍ، وَالْأَلِبَّةُ جَمْعُ لَبِيبٍ، وَإِنَّمَا سَمَّاهُمُ اللَّهُ عز وجل أَذِلَّةً لِقِلَّةِ عَدَدِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا ثَلَاثَمِائَةِ نَفْسٍ وَبِضْعَةَ عَشَرَ، وَعَدُوُّهُمْ مَا بَيْنَ التِّسْعِمِائَةِ إِلَى الْأَلْفِ، عَلَى مَا قَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى، فَجَعَلَهُمْ لِقِلَّةِ عَدَدِهِمْ أَذِلَّةً. وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٦ ‏/ ١٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ ⦗١٩⦘ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [آل عمران: ١٢٣] «وَبَدْرٌ: مَاءٌ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، الْتَقَى عَلَيْهِ نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ وَالْمُشْرِكُونَ، وَكَانَ أَوَّلَ قِتَالٍ قَاتَلَهُ نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ» وَذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ قَالَ لِأَصْحَابِهِ يَوْمَئِذٍ: «أَنْتُمْ الْيَوْمَ بِعِدَّةِ أَصْحَابِ طَالُوتَ يَوْمَ لَقِيَ جَالُوتَ»: فَكَانُوا ثَلَاثَمِائَةٍ وَبِضْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا، وَالْمُشْرِكُونَ يَوْمَئِذٍ أَلْفٌ أَوْ رَاهَقُوا ذَلِكَ “
٦ ‏/ ١٨
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، قَالَ: ثنا أَبُو بَكْرٍ، عَنْ عَبَّادٍ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [آل عمران: ١٢٣] قَالَ: «يَقُولُ: وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ قَلِيلٌ، وَهُمْ يَوْمَئِذٍ بَضْعَةَ عَشَرَ وَثَلَاثُمِائَةٍ» حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، نَحْوَ قَوْلِ قَتَادَةَ
٦ ‏/ ١٩
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: ﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ﴾ [آل عمران: ١٢٣] «أَقَلُّ عَدَدًا وَأَضْعَفُ قُوَّةً» وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [آل عمران: ١٢٣] فَإِنَّ تَأْوِيلَهُ كَالَّذِي قَدْ بَيَّنْتُ
٦ ‏/ ١٩
كَمَا: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ ⦗٢٠⦘ تَشْكُرُونَ﴾ [آل عمران: ١٢٣] «أَيْ فَاتَّقُونِي، فَإِنَّهُ شُكْرُ نِعَمِي»
٦ ‏/ ١٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ، بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ﴾ [آل عمران: ١٢٥] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ﴾ [آل عمران: ١٢٣] إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ بِكَ مِنْ أَصْحَابِكَ: ﴿أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ﴾ [آل عمران: ١٢٤] وَذَلِكَ يَوْمَ بَدْرٍ. ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي حُضُورِ الْمَلَائِكَةِ يَوْمَ بَدْرٍ حَرْبَهُمْ، فِي أَيِّ يَوْمٍ وُعِدُوا ذَلِكَ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ اللَّهَ عز وجل كَانَ وَعَدَ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ بَدْرٍ أَنْ يُمِدَّهُمْ بِمَلَائِكَتِهِ إِنْ أَتَاهُمُ الْعَدُوُّ مِنْ فَوْرِهِمْ، فَلَمْ يَأْتُوهُمْ، وَلَمْ يُمَدُّوا
٦ ‏/ ٢٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ، قَالَ: ثنا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا دَاوُدُ، عَنْ عَامِرٍ، قَالَ: حَدَّثَ الْمُسْلِمُونِ، أَنَّ كُرْزَ بْنَ جَابِرٍ الْمُحَارِبِيَّ، يُمِدُّ الْمُشْرِكِينَ، قَالَ: فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَقِيلَ لَهُمْ: ﴿أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةَ مُنْزَلِينَ بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ﴾ [آل عمران: ١٢٥] قَالَ: «فَبَلَغَتْ كُرْزًا الْهَزِيمَةُ فَرَجَعَ، وَلَمْ يُمِدَّهُمْ بِالْخَمْسَةِ»
٦ ‏/ ٢٠
حَدَّثَنِي ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا دَاوُدُ، عَنْ عَامِرٍ، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ بَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَهُ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: ﴿وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا﴾ [آل عمران: ١٢٥]: يَعْنِي كُرْزًا وَأَصْحَابَهُ، ﴿يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ﴾ [آل عمران: ١٢٥] قَالَ: فَبَلَغَ كُرْزًا وَأَصْحَابَهُ الْهَزِيمَةُ، فَلَمْ يُمِدَّهُمْ، وَلَمْ تَنْزِلِ الْخَمْسَةُ، وَأُمِدُّوا بَعْدَ ذَلِكَ بِأَلْفٍ، فَهُمْ أَرْبَعَةُ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مَعَ الْمُسْلِمِينَ
٦ ‏/ ٢١
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، قَالَ: ثنا أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ، عَنْ عَبَّادٍ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبَّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ﴾ [آل عمران: ١٢٤] الْآيَةَ كُلَّهَا، قَالَ: «هَذَا يَوْمَ بَدْرٍ»
٦ ‏/ ٢١
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ دَاوُدَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: «حَدَّثَ الْمُسْلِمُونَ أَنَّ كُرْزَ بْنَ جَابِرٍ الْمُحَارِبِيَّ يُرِيدُ أَنْ يُمِدَّ الْمُشْرِكِينَ بِبَدْرٍ» قَالَ: «فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل: ﴿أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ﴾ [آل عمران: ١٢٤] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ﴾ [آل عمران: ١٢٥] قَالَ: فَبَلَغَتْهُ هَزِيمَةُ الْمُشْرِكِينَ فَلَمْ يُمِدَّ أَصْحَابَهُ، وَلَمْ يُمَدُّوا بِالْخَمْسَةِ» وَقَالَ آخَرُونَ: كَانَ هَذَا الْوَعْدُ مِنَ اللَّهِ لَهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ، فَصَبَرَ الْمُؤْمِنُونَ وَاتَّقَوُا اللَّهَ، فَأَمَدَّهُمْ بِمَلَائِكَتِهِ عَلَى مَا وَعَدَهُمْ
٦ ‏/ ٢١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثني ⦗٢٢⦘ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ بَعْضِ بَنِي سَاعِدَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا أُسَيْدٍ مَالِكَ بْنَ رَبِيعَةَ بَعْدَ مَا أُصِيبَ بَصَرُهُ يَقُولُ: «لَوْ كُنْتُ مَعَكُمْ بِبَدْرٍ الْآنَ وَمَعِي بَصَرِي لَأَخْبَرْتُكُمْ بِالشِّعْبِ الَّذِي خَرَجَتْ مِنْهُ الْمَلَائِكَةُ، لَا أَشُكُّ وَلَا أَتَمَارَى»
٦ ‏/ ٢١
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، قَالَ: قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ، وَثني عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ بَعْضِ بَنِي سَاعِدَةَ، عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ مَالِكِ بْنِ رَبِيعَةَ، وَكَانَ شَهِدَ بَدْرًا أَنَّهُ قَالَ بَعْدَ إِذْ ذَهَبَ بَصَرُهُ: «لَوْ كُنْتُ مَعَكُمُ الْيَوْمَ بِبَدْرٍ، وَمَعِي بَصَرِي، لَأَرَيْتُكُمُ الشِّعْبَ الَّذِي خَرَجَتْ مِنْهُ الْمَلَائِكَةُ لَا أَشُكُّ وَلَا أَتَمَارَى»
٦ ‏/ ٢٢
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثني عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ حَدَّثَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ، قَالَ: ثني رَجُلٌ مِنْ بَنِي غِفَارٍ، قَالَ: «أَقْبَلْتُ أَنَا وَابْنُ عَمٍّ لِي حَتَّى أَصْعَدْنَا فِي جَبَلٍ يُشْرِفُ بِنَا عَلَى بَدْرٍ، وَنَحْنُ مُشْرِكَانِ نَنْتَظِرُ الْوَقْعَةَ عَلَى مَنْ تَكُونُ الدَّبْرَةُ، فَنَنْتَهِبُ مَعَ مَنْ يَنْتَهِبُ. قَالَ: فَبَيْنَا نَحْنُ فِي الْجَبَلِ، إِذْ دَنَتْ مِنَّا سَحَابَةٌ، فَسَمِعْنَا فِيهَا حَمْحَمَةَ الْخَيْلِ، فَسَمِعْتُ قَائِلًا يَقُولُ: أَقْدِمْ حَيْزُومُ، قَالَ: فَأَمَّا ابْنُ عَمِّي فَانْكَشَفَ قِنَاعُ قَلْبِهِ، فَمَاتَ مَكَانَهُ، وَأَمَّا أَنَا فَكِدْتُ أَهْلِكَ، ثُمَّ تَمَاسَكْتُ»
٦ ‏/ ٢٢
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: وَثني الْحُسَيْنُ بْنُ عُمَارَةَ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، عَنْ مِقْسَمٍ، مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «لَمْ تُقَاتِلِ الْمَلَائِكَةُ فِي يَوْمٍ مِنَ الْأَيَّامِ سِوَى يَوْمِ بَدْرٍ، وَكَانُوا يَكُونُونَ فِيمَا سِوَاهُ مِنَ الْأَيَّامِ عَدَدًا وَمَدَدًا لَا يَضْرِبُونَ»
٦ ‏/ ٢٣
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، قَالَ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي أَبِي إِسْحَاقُ بْنُ يَسَارٍ، عَنْ رِجَالٍ، مِنْ بَنِي مَازِنِ بْنِ النَّجَّارِ، عَنْ أَبِي دَاوُدَ الْمَازِنِيِّ، وَكَانَ، شَهِدَ بَدْرًا، قَالَ: «إِنِّي لَأَتْبَعُ رَجُلًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ لِأَضْرِبَهُ إِذْ وَقَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَيْهِ سَيْفِي، فَعَرَفْتُ أَنْ قَدْ قَتَلَهُ غَيْرِي»
٦ ‏/ ٢٣
حَدَّثَنِي ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، قَالَ: قَالَ مُحَمَّدٌ: ثني حُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو رَافِعٍ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: «كُنْتُ غُلَامًا لِلْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَكَانَ الْإِسْلَامُ قَدْ دَخَلَنَا أَهْلَ الْبَيْتِ، فَأَسْلَمَ الْعَبَّاسُ، وَأَسْلَمَتْ أُمُّ الْفَضْلِ وَأَسْلَمْتُ، وَكَانَ الْعَبَّاسُ يَهَابُ قَوْمَهُ، وَيَكْرَهُ أَنْ يُخَالِفَهُمْ، وَكَانَ يَكْتُمُ إِسْلَامَهُ، وَكَانَ ذَا مَالٍ كَثِيرٍ مُتَفَرِّقٍ فِي قَوْمِهِ. وَكَانَ أَبُو لَهَبٍ عَدُوُّ اللَّهِ قَدْ تَخَلَّفَ عَنْ بَدْرٍ، وَبَعَثَ مَكَانَهُ الْعَاصِي بْنَ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، وَكَذَلِكَ صَنَعُوا لَمْ يَتَخَلَّفْ رَجُلٌ إِلَّا بَعَثَ مَكَانَهُ رَجُلًا، فَلَمَّا جَاءَ الْخَبَرُ عَنْ مُصَابِ أَصْحَابِ بَدْرٍ مِنْ قُرَيْشٍ، كَبَتَهُ اللَّهُ وَأَخْزَاهُ، وَوَجَدْنَا فِي ⦗٢٤⦘ أَنْفُسِنَا قُوَّةً وَعَوْنَةً، قَالَ: وَكُنْتُ رَجُلًا ضَعِيفًا، وَكُنْتُ أَعْمَلُ الْقِدَاحَ أَنْحِتُهَا فِي حُجْرَةِ زَمْزَمَ، فَوَاللَّهِ إِنِّي لَجَالِسٌ فِيهَا أَنْحِتُ الْقِدَاحَ، وَعِنْدِي أُمُّ الْفَضْلِ جَالِسَةٌ وَقَدْ سَرَّنَا مَا جَاءَنَا مِنَ الْخَبَرِ، إِذْ أَقْبَلَ الْفَاسِقُ أَبُو لَهَبٍ يَجُرُّ رِجْلَيْهِ بِشَرٍّ، حَتَّى جَلَسَ عَلَى طُنُبِ الْحُجْرَةِ، فَكَانَ ظَهْرُهُ إِلَى ظَهْرِي، فَبَيْنَا هُوَ جَالِسٌ إِذْ قَالَ النَّاسُ: هَذَا أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، قَدْ قَدِمَ، قَالَ: قَالَ أَبُو لَهَبٍ: هَلُمَّ إِلَيَّ يَا ابْنَ أَخِي، فَعِنْدَكَ الْخَبَرُ، قَالَ: فَجَلَسَ إِلَيْهِ، وَالنَّاسُ قِيَامٌ عَلَيْهِ، فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي أَخْبِرْنِي كَيْفَ كَانَ أَمْرُ النَّاسِ؟ قَالَ لَا شَيْءَ وَاللَّهِ إِنْ كَانَ إِلَّا أَنْ لَقِينَاهُمْ، فَمَنَحْنَاهُمْ أَكْتَافِنَا يَقْتُلُونَنَا وَيَأْسِرُونَنَا كَيْفَ شَاءُوا وَايْمِ اللَّهِ مَعَ ذَلِكَ مَا لُمْتُ النَّاسَ، لَقِينَا رِجَالًا بِيضًا عَلَى خَيْلٍ بُلْقٍ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ مَا يَلِيقُ لَهَا شَيْءٌ، وَلَا يَقُومُ لَهَا شَيْءٌ، قَالَ أَبُو رَافِعٍ: فَرَفَعْتُ طُنُبَ الْحُجْرَةِ بِيَدِي ثُمَّ قُلْتُ: تِلْكَ الْمَلَائِكَةُ»
٦ ‏/ ٢٣
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنْ مُحَمَّدٍ، قَالَ: ثني الْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: “كَانَ الَّذِي أَسَرَ الْعَبَّاسَ أَبَا الْيَسَرِ كَعْبَ بْنَ عَمْرٍو أَخَا بَنِي سَلَمَةَ، وَكَانَ أَبُو الْيَسَرِ رَجُلًا مَجْمُوعًا، وَكَانَ ⦗٢٥⦘ الْعَبَّاسُ رَجُلًا جَسِيمًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِأَبِي الْيَسَرِ: «كَيْفَ أَسَرْتَ الْعَبَّاسَ أَبَا الْيَسَرِ؟» قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَقَدْ أَعَانَنِي عَلَيْهِ رَجُلٌ مَا رَأَيْتُهُ قَبْلَ ذَلِكَ وَلَا بَعْدَهُ، هَيْئَتُهُ كَذَا وَكَذَا، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لَقَدْ أَعَانَكَ عَلَيْهِ مَلَكٌ كَرِيمٌ»
٦ ‏/ ٢٤
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ﴾ [آل عمران: ١٢٤] «أُمِدُّوا بِأَلْفٍ، ثُمَّ صَارُوا ثَلَاثَةَ آلَافٍ، ثُمَّ صَارُوا خَمْسَةَ آلَافٍ» ﴿بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ﴾ [آل عمران: ١٢٥] «وَذَلِكَ يَوْمَ بَدْرٍ، أَمَدَّهُمُ اللَّهُ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ» حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، بِنَحْوِهِ
٦ ‏/ ٢٥
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنَّى أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ﴾ [آل عمران: ١٢٥] «فَإِنَّهُمْ أَتَوْا مُحَمَّدًا ﷺ مُسَوِّمِينَ»
٦ ‏/ ٢٥
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «لَمْ تُقَاتِلِ الْمَلَائِكَةُ إِلَّا يَوْمَ بَدْرٍ» ⦗٢٦⦘ وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّ اللَّهَ عز وجل إِنَّمَا وَعَدَهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ أَنْ يُمِدَّهُمْ إِنْ صَبَرُوا عِنْدَ طَاعَتِهِ، وَجِهَادِ أَعْدَائِهِ وَاتَّقَوْهُ بِاجْتِنَابِ مَحَارِمِهِ أَنْ يُمِدَّهُمْ فِي حُرُوبِهِمْ كُلِّهَا، فَلَمْ يَصْبِرُوا وَلَمْ يَتَّقُوا إِلَّا فِي يَوْمِ الْأَحْزَابِ، فَأَمَدَّهُمْ حِينَ حَاصَرُوا قُرَيْظَةَ
٦ ‏/ ٢٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُمَارَةَ الْأَسَدِيُّ، قَالَ: ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ زَيْدٍ أَبُو إدَامٍ الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى، قَالَ: «كُنَّا مُحَاصِرِي قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ نُحَاصِرَهُمْ، فَلَمْ يُفْتَحْ عَلَيْنَا، فَرَجَعْنَا، فَبَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي بَيْتِهِ يَغْسِلُ رَأْسَهُ، إِذْ جَاءَهُ جِبْرِيلُ ﷺ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ وَضَعْتُمْ أَسْلِحَتَكُمْ، وَلَمْ تَضَعِ الْمَلَائِكَةُ أَوْزَارَهَا، فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِخِرْقَةٍ، فَلَفَّ بِهَا رَأْسَهُ وَلَمْ يَغْسِلْهُ، ثُمَّ نَادَى فِينَا فَقُمْنَا كَالزَّمِعِينَ لَا نَعْبَأُ بِالسَّيْرِ شَيْئًا، حَتَّى أَتَيْنَا قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرَ، فَيَوْمَئِذٍ أَمَدَّنَا اللَّهُ عز وجل بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، وَفَتَحَ اللَّهُ لَنَا فَتْحًا يَسِيرًا، فَانْقَلَبْنَا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ» وَقَالَ آخَرُونَ بِنَحْوِ هَذَا الْمَعْنَى، غَيْرَ أَنَّهُمْ قَالُوا: لَمْ يَصْبِرِ الْقَوْمُ، وَلَمْ يَتَّقُوا، وَلَمْ يُمَدُّوا بِشَيْءٍ فِي أُحُدٍ
٦ ‏/ ٢٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: ثني عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، سَمِعَهُ يَقُولُ: ﴿بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا﴾ [آل عمران: ١٢٥] قَالَ: «يَوْمَ بَدْرٍ قَالَ: فَلَمْ يَصْبِرُوا وَلَمْ يَتَّقُوا، فَلَمْ يُمَدُّوا يَوْمَ أُحُدٍ، وَلَوْ مُدُّوا لَمْ يُهْزَمُوا يَوْمَئِذٍ»
٦ ‏/ ٢٧
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ يَقُولُ: «لَمْ يُمَدُّوا يَوْمَ أُحُدٍ وَلَا بِمِلَكٍ وَاحِدٍ أَوْ قَالَ: إِلَّا بِمِلَكٍ وَاحِدٍ» أَبُو جَعْفَرٍ يَشُكُّ
٦ ‏/ ٢٧
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عُبَيْدَ بْنَ سُلَيْمَانَ، عَنِ الضَّحَّاكِ، قَوْلُهُ: ﴿أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ﴾ [آل عمران: ١٢٤] إِلَى: ﴿خَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ﴾ «كَانَ هَذَا مَوْعِدًا مِنَ اللَّهِ يَوْمَ أُحُدٍ، عَرَضَهُ عَلَى نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ إِنِ اتَّقَوْا وَصَبَرُوا أَمَدَّهُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ، فَفَرَّ الْمُسْلِمُونَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَوَلَّوْا مُدْبِرِينَ، فَلَمْ يُمِدَّهُمُ اللَّهُ»
٦ ‏/ ٢٧
حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿بَلَى إِنْ
٦ ‏/ ٢٧
تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا﴾ [آل عمران: ١٢٥] الْآيَةَ كُلَّهَا قَالُوا لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَهُمْ يَنْظُرُونَ الْمُشْرِكِينَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَيْسَ يَمُدُّنَا اللَّهُ كَمَا أَمَدَّنَا يَوْمَ بَدْرٍ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «﴿أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ﴾ [آل عمران: ١٢٤]، وَإِنَّمَا أَمَدَّكُمْ يَوْمَ بَدْرٍ بِأَلْفٍ؟» قَالَ: فَجَاءَتِ الزِّيَادَةُ مِنَ اللَّهِ عَلَى أَنْ يَصْبِرُوا وَيَتَّقُوا، قَالَ: بِشَرْطٍ أَنْ ﴿يَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ﴾ [آل عمران: ١٢٥]، الْآيَةَ كُلَّهَا ” وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ أَخْبَرَ عَنْ نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ أَنَّهُ قَالَ لِلْمُؤْمِنِينَ: ﴿أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ﴾ [آل عمران: ١٢٤] فَوَعَدَهُمُ اللَّهُ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مَدَدًا لَهُمْ، ثُمَّ وَعَدَهُمْ بَعْدَ الثَّلَاثَةِ الْآلَافِ خَمْسَةَ آلَافٍ إِنْ صَبَرُوا لِأَعْدَائِهِمْ، وَاتَّقَوُا اللَّهَ، وَلَا دَلَالَةَ فِي الْآيَةِ عَلَى أَنَّهُمْ أُمِدُّوا بِالثَّلَاثَةِ آلَآفٍ، وَلَا بِالْخَمْسَةِ آلَافٍ، وَلَا عَلَى أَنَّهُمْ لَمْ يُمَدُّوا بِهِمْ. وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ عز وجل أَمَدَّهُمْ عَلَى نَحْوِ مَا رَوَاهُ الَّذِينَ أَثْبَتُوا أَنَّهُ أَمَدَّهُمْ، وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لَمْ يُمِدُّهُمْ عَلَى نَحْوِ الَّذِي ذَكَرَهُ مَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ، وَلَا خَبَرَ عِنْدَنَا صَحَّ مِنَ الْوَجْهِ الَّذِي يُثْبِتُ أَنَّهُمْ أُمِدُّوا بِالثَّلَاثَةِ الْآلَافِ وَلَا بِالْخَمْسَةِ الْآلَافِ، وَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يُقَالَ فِي ذَلِكَ قَوْلٌ إِلَّا بِخَبَرٍ تَقُومُ الْحُجَّةُ بِهِ، وَلَا خَبَرَ بِهِ كَذَلِكَ فَنُسَلِّمَ لِأَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ قَوْلَهُ، غَيْرَ أَنَّ فِيَ الْقُرْآنِ دَلَالَةً عَلَى أَنَّهُمْ قَدْ أُمِدُّوا يَوْمَ بَدْرٍ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ﴾ [الأنفال: ٩] فَأَمَّا فِي يَوْمِ أُحُدٍ، فَالدَّلَالَةُ عَلَى أَنَّهُمْ لَمْ يُمَدَّوا أَبْيَنُ مِنْهَا فِي أَنَّهُمْ أُمِدُّوا، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ لَوْ أُمِدُّوا
٦ ‏/ ٢٨
لَمْ يُهْزَمُوا، وَيَنَالُ مِنْهُمْ مَا نِيلَ مِنْهُمْ. فَالصَّوَابُ فِيهِ مِنَ الْقَوْلِ أَنْ يُقَالَ كَمَا قَالَ تَعَالَى ذِكْرُهُ. وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْإِمْدَادِ فِيمَا مَضَى، وَالْمَدَدِ وَمَعْنَى الصَّبْرِ وَالتَّقْوَى. وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا﴾ [آل عمران: ١٢٥] فَإِنَّ أَهْلَ التَّأْوِيلِ اخْتَلَفُوا فِيهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا﴾ [آل عمران: ١٢٥] مِنْ وَجْهِهِمْ هَذَا
٦ ‏/ ٢٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ غِيَاثٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: ﴿وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا﴾ [آل عمران: ١٢٥] قَالَ: «مِنْ وَجْهِهِمْ هَذَا»
٦ ‏/ ٢٩
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا﴾ [آل عمران: ١٢٥] يَقُولُ: «مِنْ وَجْهِهِمْ هَذَا» حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، مِثْلَهُ
٦ ‏/ ٢٩
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، قَالَ: ثنا أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ، قَالَ: ثنا عَبَّادٌ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا﴾ [آل عمران: ١٢٥] «مِنْ وَجْهِهِمْ هَذَا»
٦ ‏/ ٢٩
حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارِ بْنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، قَوْلُهُ ⦗٣٠⦘: ﴿وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا﴾ [آل عمران: ١٢٥] يَقُولُ: «مِنْ وَجْهِهِمْ هَذَا»
٦ ‏/ ٢٩
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَوْلُهُ: ﴿وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا﴾ [آل عمران: ١٢٥] يَقُولُ: «مِنْ وَجْهِهِمْ هَذَا»
٦ ‏/ ٣٠
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا﴾ [آل عمران: ١٢٥] يَقُولُ: «مِنْ سَفَرِهِمْ هَذَا» وَيُقَالُ: يَعْنِي عَنْ غَيْرِ ابْنِ عَبَّاسٍ، بَلْ هُوَ مِنْ غَضَبِهِمْ هَذَا
٦ ‏/ ٣٠
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: ﴿مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا﴾ [آل عمران: ١٢٥] «مِنْ وَجْهِهِمْ» هَذَا وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: مِنْ غَضَبِهِمْ هَذَا
٦ ‏/ ٣٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا دَاوُدُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ﴾ [آل عمران: ١٢٥] قَالَ: «فَوْرُهُمْ ذَلِكَ كَانَ يَوْمَ أُحُدٍ، غَضِبُوا لِيَوْمِ بَدْرٍ مِمَّا لَقُوا»
٦ ‏/ ٣٠
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُمَارَةَ، قَالَ: ثنا سَهْلُ بْنُ عَامِرٍ، قَالَ: ثنا مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا صَالِحٍ مَوْلَى أُمِّ هَانِئٍ يَقُولُ: ﴿مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا﴾ [آل عمران: ١٢٥] يَقُولُ: «مِنْ ⦗٣١⦘ غَضَبِهِمْ هَذَا»
٦ ‏/ ٣٠
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا﴾ [آل عمران: ١٢٥] قَالَ: «غَضِبَ لَهُمْ، يَعْنِي الْكُفَّارَ، فَلَمْ يُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ تِلْكَ السَّاعَةِ، وَذَلِكَ يَوْمَ أُحُدٍ»
٦ ‏/ ٣١
حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا حَجَّاجٌ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ مُجَاهِدٌ: ﴿مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا﴾ [آل عمران: ١٢٥] قَالَ: «مِنْ غَضَبِهِمْ هَذَا»
٦ ‏/ ٣١
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا﴾ [آل عمران: ١٢٥] يَقُولُ: «مِنْ وَجْهِهِمْ وَغَضَبِهِمْ» وَأَصْلُ الْفَوْرِ: ابْتِدَاءُ الْأَمْرِ يُؤْخَذُ فِيهِ، ثُمَّ يُوصَلُ بِآخَرَ، يُقَالُ مِنْهُ: فَارَتِ الْقِدْرُ فَهِيَ تَفُورُ فَوْرًا وَفَوَرَانًا: إِذَا مَا ابْتَدَأَ مَا فِيهَا بِالْغَلَيَانِ ثُمَّ اتَّصَلَ؛ وَمَضَيْتُ إِلَى فُلَانٍ مِنْ فَوْرِي ذَلِكَ، يُرَادُ بِهِ: مِنْ وَجْهِي الَّذِي ابْتَدَأَتْ فِيهِ فَالَّذِي قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا﴾ [آل عمران: ١٢٥] مِنْ وَجْهِهِمْ هَذَا، قَصَدَ إِلَى أَنَّ تَأْوِيلَهُ: وَيَأْتِيكُمْ كُرْزُ بْنُ جَابِرٍ وَأَصْحَابُهُ يَوْمَ بَدْرٍ، مِنَ ابْتِدَاءِ مَخْرَجِهِمُ الَّذِي خَرَجُوا مِنْهُ لِنُصْرَةِ أَصْحَابِهِمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ. وَأَمَّا الَّذِينَ قَالُوا: مَعْنَى ذَلِكَ: مِنْ غَضَبِهِمْ هَذَا، فَإِنَّمَا عَنَوْا أَنَّ تَأْوِيلَ ذَلِكَ: وَيَأْتِيكُمْ كُفَّارُ قُرَيْشٍ وَتُبَّاعُهُمْ يَوْمَ أُحُدٍ مِنَ ابْتِدَاءِ غَضَبِهِمُ الَّذِي غَضِبُوهُ لِقَتْلَاهُمُ
٦ ‏/ ٣١
الَّذِينَ قُتِلُوا يَوْمَ بَدْرٍ بِهَا ﴿يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ﴾ [آل عمران: ١٢٥] كَذَلِكَ مِنَ اخْتِلَافِ تَأْوِيلِهِمْ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ ﴿وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا﴾ [آل عمران: ١٢٥] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي إِمْدَادِ اللَّهِ الْمُؤْمِنِينَ بِأُحُدٍ بِمَلَائِكَتِهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَمْ يُمَدُّوا بِهِمْ؛ لِأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ لَمْ يَصْبِرُوا لِأَعْدَائِهِمْ، وَلَمْ يَتَّقُوا اللَّهَ عز وجل بِتَرْكِ مَنْ تَرَكَ مِنَ الرُّمَاةِ طَاعَةَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي ثُبُوتِهِ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِالثُّبُوتِ فِيهِ، وَلَكِنَّهُمْ أَخَلُّوا بِهِ طَلَبًا لِلْغَنَائِمِ، فَقُتِلَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَنَالَ الْمُشْرِكُونَ مِنْهُمْ مَا نَالُوا، وَإِنَّمَا كَانَ اللَّهُ عز وجل وَعَدَ نَبِيَّهُ ﷺ إِمْدَادَهُمْ بِهِمْ إِنْ صَبَرُوا وَاتَّقَوُا اللَّهَ. وَأَمَّا الَّذِينَ قَالُوا: كَانَ ذَلِكَ يَوْمَ بَدْرٍ بِسَبَبِ كُرْزِ بْنِ جَابِرٍ، فَإِنَّ بَعْضَهُمْ قَالُوا: لَمْ يَأْتِ كُرْزٌ وَأَصْحَابُهُ إِخْوَانَهُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ مَدَدًا لَهُمْ بِبَدْرٍ، وَلَمْ يُمِدَّ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ بِمَلَائِكَتِهِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل إِنَّمَا وَعَدَهُمْ أَنْ يُمِدَّهُمْ بِمَلَائِكَتِهِ إِنْ أَتَاهُمْ كُرْزٌ وَمَدَدُ الْمُشْرِكِينَ مِنْ فَوْرِهِمْ، وَلَمْ يَأْتِهِمُ الْمَدَدُ. وَأَمَّا الَّذِينَ قَالُوا: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَمَدَّ الْمُسْلِمِينَ بِالْمَلَائِكَةِ يَوْمَ بَدْرٍ، فَإِنَّهُمُ اعْتَلُّوا بِقَوْلِ اللَّهِ عز وجل: ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ﴾ [الأنفال: ٩]، قَالَ: فَالْأَلْفُ مِنْهُمْ قَدْ أَتَاهُمْ مَدَدًا، وَإِنَّمَا الْوَعْدُ الَّذِي كَانَتْ فِيهِ الشُّرُوطُ فِيمَا زَادَ عَلَى الْأَلْفِ، فَأَمَّا الْأَلْفُ فَقَدْ كَانُوا أُمِدُّوا بِهِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل كَانَ قَدْ وَعَدَهُمْ ذَلِكَ، وَلَنْ يَخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ.
٦ ‏/ ٣٢
وَاخْتَلَفَ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿مُسَوِّمِينَ﴾ [آل عمران: ١٢٥] فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْكُوفَةِ: (مُسَوَّمِينَ) بِفَتْحِ الْوَاوِ، بِمَعْنَى أَنَّ اللَّهَ سَوَّمَهَا، وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ: ﴿مُسَوِّمِينَ﴾ [آل عمران: ١٢٥] بِكَسْرِ الْوَاوِ، بِمَعْنَى أَنَّ الْمَلَائِكَةَ سَوَّمَتْ لِنَفْسِهَا. وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قِرَاءَةُ مِنْ قَرَأَ بِكَسْرِ الْوَاوِ لِتَظَاهُرِ الْأَخْبَارِ عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَأَهْلُ التَّأْوِيلِ مِنْهُمْ وَمِنَ التَّابِعِينَ بَعْدَهُمْ، بِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ هِيَ الَّتِي سَوَّمَتْ أَنْفُسَهَا مِنْ غَيْرِ إِضَافَةِ تَسْوِيمِهَا إِلَى اللَّهِ عز وجل أَوْ إِلَى غَيْرِهِ مِنْ خَلْقِهِ. وَلَا مَعْنَى لِقَوْلِ مَنْ قَالَ: إِنَّمَا كَانَ يَخْتَارُ الْكِسَرَ فِي قَوْلِهِ: ﴿مُسَوِّمِينَ﴾ [آل عمران: ١٢٥] لَوْ كَانَ فِي الْبَشَرِ، فَأَمَّا الْمَلَائِكَةُ فَوَصَفَهُمْ غَيْرَ ذَلِكَ ظَنًّا مِنْهُ بِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ غَيْرُ مُمْكِنٍ فِيهَا تَسْوِيمُ أَنْفُسِهَا إِنْ كَانُوا ذَلِكَ فِي الْبَشَرِ وَذَلِكَ أَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَحِيلٍ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ عز وجل مَكَّنَهَا مِنْ تَسْوِيمِ أَنْفُسِهَا بِحَقِّ تَمْكِينِهِ الْبَشَرَ مِنْ تَسْوِيمِ أَنْفُسِهِمْ، فَسَوَّمُوا أَنْفُسَهُمْ بِحَقِّ الَّذِي سَوَّمَ الْبَشَرَ طَلَبًا مِنْهَا بِذَلِكَ طَاعَةَ رَبِّهَا، فَأُضِيفَ تَسْوِيمُهَا أَنْفُسَهَا إِلَيْهَا، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ عَنْ تَسْبِيبِ اللَّهِ لَهُمْ أَسْبَابَهُ، وَهِيَ إِذَا كَانَتْ مَوْصُوفَةً بَتَسْوِيمِهَا أَنْفُسَهَا تَقَرُّبًا مِنْهَا إِلَى رَبِّهَا، كَانَ أَبْلَغَ فِي مَدْحِهَا لِاخْتِيَارِهَا طَاعَةَ اللَّهِ مِنْ أَنْ تَكُونَ مَوْصُوفَةً بِأَنَّ ذَلِكَ مَفْعُولٌ بِهَا.
٦ ‏/ ٣٣
ذِكْرُ الْأَخْبَارِ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ إِضَافَةِ مَنْ أَضَافَ التَّسْوِيمَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ دُونَ إِضَافَةِ ذَلِكَ إِلَى غَيْرِهِمْ، عَلَى نَحْوِ مَا قُلْنَا فِيهِ:
٦ ‏/ ٣٤
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ عُمَيْرِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: “إِنَّ أَوَّلَ مَا كَانَ الصُّوفُ لَيَوْمِئِذٍ يَعْنِي يَوْمَ بَدْرٍ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «تَسَوَّمُوا فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ قَدْ تَسَوَّمَتْ»
٦ ‏/ ٣٤
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا مُخْتَارُ بْنُ غَسَّانَ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْغَسِيلِ، عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْمُنْذِرِ، عَنْ جَدِّهِ أَبِي أُسَيْدٍ، وَكَانَ بَدْرِيًّا، فَكَانَ يَقُولُ: «لَوْ أَنَّ بَصَرِيَ مَعِي ثُمَّ ذَهَبْتُمْ مَعِي إِلَى أُحُدٍ، لَأَخْبَرْتُكُمْ بِالشِّعْبِ الَّذِي خَرَجَتْ مِنْهُ الْمَلَائِكَةُ فِي عَمَائِمَ صُفْرٍ قَدْ طَرَحُوهَا بَيْنَ أَكْتَافِهِمْ»
٦ ‏/ ٣٤
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ﴾ [آل عمران: ١٢٥] يَقُولُ: «مُعَلَّمِينَ مَجْزُوزَةً أَذْنَابُ خَيْلِهِمْ وَنَوَاصِيهَا فِيهَا الصُّوفُ أَوْ الْعِهْنُ، وَذَلِكَ التَّسْوِيمُ»
٦ ‏/ ٣٤
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ ⦗٣٥⦘ مُسَوِّمِينَ﴾ [آل عمران: ١٢٥] قَالَ: «مَجْزُوزَةً أَذْنَابُهَا وَأَعْرَافُهَا، فِيهَا الصُّوفُ أَوِ الْعِهْنُ، فَذَلِكَ التَّسْوِيمُ»
٦ ‏/ ٣٤
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿مُسَوِّمِينَ﴾ [آل عمران: ١٢٥] «ذُكِرَ لَنَا أَنَّ سِيمَاهَا يَوْمَئِذٍ الصُّوفُ بِنَوَاصِي خَيْلِهِمْ وَأَذْنَابِهِمْ، وَأَنَّهُمْ عَلَى خَيْلٍ بُلْقٍ»
٦ ‏/ ٣٥
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿مُسَوِّمِينَ﴾ [آل عمران: ١٢٥] قَالَ: «كَانَ سِيمَاهَا صُوفًا فِي نَوَاصِيهَا»
٦ ‏/ ٣٥
حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: ﴿مُسَوِّمِينَ﴾ [آل عمران: ١٢٥] قَالَ: «كَانَتْ خُيُولُهُمْ مَجْزُوزَةَ الْأَعْرَافِ مُعَلَّمَةً نَوَاصِيهَا وَأَذْنَابُهَا بِالصُّوفِ وَالْعِهْنِ»
٦ ‏/ ٣٥
حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ: «كَانُوا يَوْمَئِذٍ عَلَى خَيْلٍ بُلْقٍ» حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا جُوَيْبِرٌ، عَنِ الضَّحَّاكِ، وَبَعْضِ أَشْيَاخِنَا، عَنِ الْحَسَنِ، نَحْوَ حَدِيثِ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ
٦ ‏/ ٣٥
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿مُسَوِّمِينَ﴾ [آل عمران: ١٢٥] «مُعَلَّمِينَ»
٦ ‏/ ٣٥
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ﴾ [آل عمران: ١٢٥] «فَإِنَّهُمْ أَتَوْا مُحَمَّدًا ﷺ مُسَوَّمِينَ بِالصُّوفِ فَسَوَّمَ مُحَمَّدٌ وَأَصْحَابُهُ أَنْفُسَهُمْ وَخَيْلَهُمْ عَلَى سِيمَاهُمْ بِالصُّوفِ»
٦ ‏/ ٣٦
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ يَمَانٍ، قَالَ: ثنا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ حَمْزَةَ، قَالَ: «نَزَلَتِ الْمَلَائِكَةُ فِي سِيمَا الزُّبَيْرِ، عَلَيْهِمْ عَمَائِمُ صَفَرٌ، وَكَانَتْ عِمَامَةُ الزُّبَيْرِ صَفْرَاءَ»
٦ ‏/ ٣٦
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا جُوَيْبِرٌ، عَنِ الضَّحَّاكِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿مُسَوِّمِينَ﴾ [آل عمران: ١٢٥] قَالَ: «بِالصُّوفِ فِي نَوَاصِيهَا وَأَذْنَابِهَا»
٦ ‏/ ٣٦
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، قَالَ: «نَزَلَتِ الْمَلَائِكَةُ يَوْمَ بَدْرٍ عَلَى خَيْلٍ بُلْقٍ، عَلَيْهِمْ عَمَائِمُ صَفَرٌ، وَكَانَ عَلَى الزُّبَيْرِ يَوْمَئِذٍ عِمَامَةٌ صَفْرَاءُ»
٦ ‏/ ٣٦
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى الصُّوفِيُّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ شَرِيكٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، قَالَ: ثنا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، «أَنَّ الزُّبَيْرَ، كَانَتْ عَلَيْهِ مَلَاءَةٌ صَفْرَاءُ يَوْمَ بَدْرٍ، فَاعْتَمَّ بِهَا، فَنَزَلَتِ الْمَلَائِكَةُ يَوْمَ بَدْرٍ عَلَى نَبِيِّ اللَّهِ ﷺ ⦗٣٧⦘ مُعَمَّمِينَ بِعَمَائِمَ صُفْرٍ» فَهَذِهِ الْأَخْبَارُ الَّتِي ذَكَرْنَا بَعْضَهَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: «تَسَوَّمُوا فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ قَدْ تَسَّوَمَتْ» وَقَوْلُ أَبِي أُسَيْدٍ: خَرَجَتِ الْمَلَائِكَةُ فِي عَمَائِمَ صُفْرٍ قَدْ طَرَحُوهَا بَيْنَ أَكْتَافِهِمْ وَقَوْلُ مَنْ قَالَ مِنْهُمْ: ﴿مُسَوِّمِينَ﴾ [آل عمران: ١٢٥] مُعَلَّمِينَ يُنْبِئُ جَمِيعَ ذَلِكَ عَنْ صِحَّةِ مَا اخْتَرْنَا مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي ذَلِكَ، وَأَنَّ التَّسْوِيمَ كَانَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ بِأَنْفُسِهَا، عَلَى نَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ فِيمَا مَضَى
٦ ‏/ ٣٦
وَأَمَّا الَّذِينَ قَرَءُوا ذَلِكَ (مُسَوَّمِينَ) بِالْفَتْحِ، فَإِنَّهُمْ أَرَاهُمْ تَأَوَّلُوا فِي ذَلِكَ مَا: حَدَّثَنَا بِهِ حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ غِيَاثٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ: ﴿بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ﴾ [آل عمران: ١٢٥] يَقُولُ: «عَلَيْهِمْ سِيمَا الْقِتَالِ»
٦ ‏/ ٣٧
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ﴾ [آل عمران: ١٢٥]، يَقُولُ: «عَلَيْهِمْ سِيَمَا الْقِتَالِ، وَذَلِكَ يَوْمَ بَدْرٍ، أَمَدَّهُمُ اللَّهُ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ، يَقُولُ: عَلَيْهِمْ سِيمَا الْقِتَالِ» فَقَالُوا: كَانَ سِيمَا الْقِتَالِ عَلَيْهِمْ، لَا أَنَّهُمْ كَانُوا تَسَوَّمُوا بِسِيمَا فِيُضَافُ إِلَيْهِمُ التَّسْوِيمُ، فَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ قَرَءُوا: ﴿مُسَوِّمِينَ﴾ [آل عمران: ١٢٥] بِمَعْنَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَضَافَ التَّسْوِيمَ إِلَى ⦗٣٨⦘ مَنْ سَوَّمَهُمْ تِلْكَ السِّيمَا، وَالسِّيمَا الْعَلَامَةُ، يُقَالُ: هِيَ سِيمَا حَسَنَةٌ، وَسِيمِيَاءُ حَسَنَةٌ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الطويل]

غُلَامٌ رَمَاهُ اللَّهُ بِالْحُسْنِ يَافِعًا … لَهُ سِيمِيَاءُ لَا تَشُقُّ عَلَى الْبَصَرِ
يَعْنِي بِذَلِكَ عَلَامَةً مِنْ حُسْنٍ، فَإِذَا أُعْلِمَ الرَّجُلُ بِعَلَامَةٍ يُعْرَفُ بِهَا فِي حَرْبٍ أَوْ غَيْرِهِ، قِيلَ: سَوَّمَ نَفْسَهُ، فَهُوَ يُسَوِّمُهَا تَسْوِيمًا

٦ ‏/ ٣٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ﴾ [آل عمران: ١٢٦] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمَا جَعَلَ اللَّهُ وَعْدَهُ إِيَّاكُمْ مَا وَعَدَكُمْ مِنْ إِمْدَادِهِ إِيَّاكُمْ بِالْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ ذَكَرَ عَدَدَهُمْ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ، يَعْنِي بُشْرَى يُبَشِّرُكُمْ بِهَا، ﴿وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ﴾ [آل عمران: ١٢٦] يَقُولُ: وَكَيْ تَطْمَئِنَّ بِوَعْدِهِ الَّذِي وَعَدَكُمْ مِنْ ذَلِكَ قُلُوبُكُمْ، فَتَسْكُنُ إِلَيْهِ، وَلَا تَجْزَعُ مِنْ كَثْرَةِ عَدَدِ عَدُوِّكُمْ، وَقِلَّةِ عَدَدِكُمْ. ﴿وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾ [آل عمران: ١٢٦] يَعْنِي وَمَا ظَفَرُكُمْ إِنْ ظَفِرْتُمْ بِعَدُوِّكُمْ إِلَّا بِعَوْنِ اللَّهِ، لَا مِنْ قِبَلِ الْمَدَدِ الَّذِي يَأْتِيكُمْ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، يَقُولُ: فَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا، وَبِهِ فَاسْتَعِينُوا، لَا بِالْجُمُوعِ وَكَثْرَةِ الْعَدَدِ، فَإِنَّ نَصْرَكُمْ إِنْ كَانَ إِنَّمَا يَكُونُ بِاللَّهِ وَبِعَوْنِهِ وَمَعَكُمْ مِنْ مَلَائِكَتِهِ خَمْسَةُ آلَافٍ، فَإِنَّهُ إِلَى أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِعَوْنِ اللَّهِ وَبِتَقْوِيَتِهِ إِيَّاكُمْ عَلَى عَدُوِّكُمْ، وَإِنْ كَانَ مَعَكُمْ مِنَ الْبَشَرِ جُمُوعٌ كَثِيرَةٌ أُخْرَى، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَاصْبِرُوا عَلَى جِهَادِهِ عَدُوَّكُمْ، فَإِنَّ اللَّهَ نَاصِرُكُمْ عَلَيْهِمْ
٦ ‏/ ٣٨
كَمَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا ⦗٣٩⦘ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ﴾ [آل عمران: ١٢٦] يَقُولُ: «إِنَّمَا جَعَلَهُمْ لِيَسْتَبْشِرُوا بِهِمْ، وَلِيَطْمِئِنُّوا إِلَيْهِمْ، وَلَمْ يُقَاتِلُوا مَعَهُمْ يَوْمَئِذٍ، يَعْنِي يَوْمَ أُحُدٍ» قَالَ مُجَاهِدٌ: وَلَمْ يُقَاتِلُوا مَعَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ إِلَّا يَوْمَ بَدْرٍ
٦ ‏/ ٣٨
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: ﴿وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ﴾ [آل عمران: ١٢٦] «لِمَا أَعْرِفُ مِنْ ضَعْفِكُمْ، وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِي بِسُلْطَانِي وَقُدْرَتِي، وَذَلِكَ أَنِّي أَعْرِفُ الْحِكْمَةَ الَّتِي لَا إِلَى أَحَدٍ مِنْ خَلْقِي»
٦ ‏/ ٣٩
حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: ﴿وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾ [آل عمران: ١٢٦] «لَوْ شَاءَ أَنْ يَنْصُرَكُمْ بِغَيْرِ الْمَلَائِكَةِ فَعَلَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ» وَأَمَّا مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [آل عمران: ١٢٦] فَإِنَّهُ جَلَّ ثناؤُهُ يَعْنِي: الْعَزِيزُ فِي انْتِقَامِهِ مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ بِأَيْدِي أَوْلِيَائِهِ مِنْ أَهْلِ طَاعَتِهِ، الْحَكِيمُ فِي تَدْبِيرِهِ لَكُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ عَلَى أَعْدَائِكُمْ مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أُمُورِهِ، يَقُولُ: فَأَبْشِرُوا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِتَدْبِيرِي لَكُمْ عَلَى أَعْدَائِكُمْ، وَنَصْرِي إِيَّاكُمْ عَلَيْهِمْ إِنْ أَنْتُمْ أَطَعْتُمُونِي فِيمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ وَصَبَرْتُمْ لِجِهَادِ عَدُوِّي وَعَدُوِّكُمْ
٦ ‏/ ٣٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ﴾ [آل عمران: ١٢٧] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثناؤُهُ: وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ ﴿لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [آل عمران: ١٢٧] وَيَعْنِي بِالطَّرَفِ: الطَّائِفَةَ وَالنَّفَرَ، يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ كَمَا يَهْلِكُ طَائِفَةً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَجَحَدُوا وَحْدَانِيَّةَ رَبِّهِمْ وَنُبُوَّةَ نَبِيِّهِمْ مُحَمَّدٍ ﷺ
٦ ‏/ ٤٠
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [آل عمران: ١٢٧] «فَقَطَعَ اللَّهُ يَوْمَ بَدْرٍ طَرَفًا مِنَ الْكُفَّارِ، وَقَتَلَ صَنَادِيدَهُمْ وَرُؤَسَاءَهُمْ، وَقَادَتَهُمْ فِي الشَّرِّ» حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّار، عَنِ ابْنِ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، نَحْوَهُ
٦ ‏/ ٤٠
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، قَالَ: ثنا أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ، عَنْ عَبَّادٍ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [آل عمران: ١٢٧] الْآيَةَ كُلَّهَا، قَالَ: «هَذَا يَوْمَ بَدْرٍ، قَطَعَ اللَّهُ طَائِفَةً مِنْهُمْ، وَبَقِيَتْ طَائِفَةٌ»
٦ ‏/ ٤٠
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: ﴿لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [آل عمران: ١٢٧] «أَيْ لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ بِقَتْلٍ يَنْتَقِمُ بِهِ مِنْهُمْ» ⦗٤١⦘ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا، وَقَالَ: إِنَّمَا عَنَى بِذَلِكَ مَنْ قُتِلَ بِأُحُدٍ
٦ ‏/ ٤٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: «ذَكَرَ اللَّهُ قَتْلَى الْمُشْرِكِينَ، يَعْنِي بِأُحُدٍ، وَكَانُوا ثَمَانِيَةَ عَشَرَ رَجُلًا» فَقَالَ: ﴿لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [آل عمران: ١٢٧] «ثُمَّ ذَكَرَ الشُّهَدَاءَ» فَقَالَ: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا﴾ [آل عمران: ١٦٩] الْآيَةَ وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿أَوْ يَكْبِتَهُمْ﴾ [آل عمران: ١٢٧] فَإِنَّهُ يَعْنِي بِذَلِكَ أَوْ يُخْزِيَهُمْ بِالْخَيْبَةِ بِمَا رَجَوْا مِنَ الظَّفَرِ بِكُمْ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿أَوْ يَكْبِتَهُمْ﴾ [آل عمران: ١٢٧] أَوْ يَصْرَعَهُمْ لِوُجُوهِهِمْ، ذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ سَمِعَ الْعَرَبَ تَقُولُ: كَبَتَهُ اللَّهُ لِوَجْهِهِ، بِمَعْنَى صَرَعَهُ اللَّهُ. فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ: وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ، لِيُهْلِكَ فَرِيقًا مِنَ الْكُفَّارِ بِالسَّيْفِ، أَوْ يُخْزِيَهُمْ بِخَيْبَتِهِمْ مِمَّا طَمِعُوا فِيهِ مِنَ الظَّفَرِ، ﴿فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ﴾ [آل عمران: ١٢٧] يَقُولُ: فَيَرْجِعُوا عَنْكُمْ خَائِبِينَ لَمْ يُصِيبُوا مِنْكُمْ شَيْئًا مِمَّا رَجَوْا أَنْ يَنَالُوهُ مِنْكُمْ
٦ ‏/ ٤١
كَمَا: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: ﴿أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ﴾ [آل عمران: ١٢٧] «أَوْ يَرُدَّهُمْ خَائِبِينَ، أَوْ يَرْجِعَ مَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ خَائِبِينَ، ⦗٤٢⦘ لَمْ يَنَالُوا شَيْئًا مِمَّا كَانُوا يَأْمَلُونَ»
٦ ‏/ ٤١
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿أَوْ يَكْبِتَهُمْ﴾ [آل عمران: ١٢٧] يَقُولُ: «يَخْزِيَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ» حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، مِثْلَهُ
٦ ‏/ ٤٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ﴾ [آل عمران: ١٢٨] يَعْنِي بِذَلِكَ تَعَالَى ذِكْرُهُ: لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ، أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ، أَوْ يُعَذِّبَهُمْ، فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ، لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ، فَقَوْلُهُ: ﴿أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ﴾ [آل عمران: ١٢٨] مَنْصُوبٌ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ: ﴿أَوْ يَكْبِتَهُمْ﴾ [آل عمران: ١٢٧] وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ تَأْوِيلُهُ: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ حَتَّى يَتُوبَ عَلَيْهِمْ، فَيَكُونُ نَصَبَ «يَتُوبَ» بِمَعْنَى «أَوْ» الَّتِي هِيَ فِي مَعْنَى «حَتَّى» وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَوْلَى بِالصَّوَابِ؛ لِأَنَّهُ لَا شَيْءَ مِنْ أَمَرِ الْخَلْقِ إِلَى أَحَدٍ سِوَى خَالِقِهِمْ قَبْلَ تَوْبَةِ الْكُفَّارِ وَعِقَابِهِمْ وَبَعْدَ ذَلِكَ، وَتَأْوِيلُ قَوْلِهِ: ﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ﴾ [آل عمران: ١٢٨] لَيْسَ إِلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ مِنْ أَمْرِ خَلْقِي إِلَّا أَنْ تُنَفِّذَ فِيهِمْ أَمْرِي، وَتَنْتَهِي فِيهِمْ إِلَى طَاعَتِي، وَإِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَيَّ وَالْقَضَاءُ فِيهِمْ بِيَدِي دُونَ غَيْرِي أَقْضِي فِيهِمْ، وَأَحْكُمُ بِالَّذِي أَشَاءُ مِنَ التَّوْبَةِ عَلَى مَنْ كَفَرَ
٦ ‏/ ٤٢
بِي وَعَصَانِي، وَخَالَفَ أَمْرِي، أَوِ الْعَذَابِ إِمَّا فِي عَاجِلِ الدُّنْيَا بِالْقَتْلِ وَالنِّقَمِ الْمُبِيرَةِ، وَإِمَّا فِي آجِلِ الْآخِرَةِ بِمَا أَعْدَدْتُ لِأَهْلِ الْكُفْرِ بِي
٦ ‏/ ٤٣
كَمَا: حَدَّثَنِي ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: “ثُمَّ قَالَ لِمُحَمَّدٍ ﷺ: ﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ﴾ [آل عمران: ١٢٨] «أَيْ لَيْسَ لَكَ مِنَ الْحُكْمِ فِي شَيْءٍ فِي عِبَادِي إِلَّا مَا أَمَرْتُكَ بِهِ فِيهِمْ، أَوْ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ بِرَحْمَتِي، فَإِنْ شِئْتُ فَعَلْتُ، أَوْ أُعَذِّبُهُمْ بِذُنُوبِهِمْ» ﴿فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ﴾ [آل عمران: ١٢٨] «أَيْ قَدِ اسْتَحَقُّوا ذَلِكَ بِمَعْصِيَتِهِمْ إِيَّايَ» وَذُكِرَ أَنَّ اللَّهَ عز وجل إِنَّمَا أَنْزَلَ هَذِهِ الْآيَةَ عَلَى نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَصَابَهُ بِأُحُدٍ مَا أَصَابَهُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، قَالَ كَالْآيِسِ لَهُمْ مِنَ الْهُدَى أَوْ مِنَ الْإِنَابَةِ إِلَى الْحَقِّ: «كَيْفَ يُفْلِحُ قَوْمٌ فَعَلُوا هَذَا بِنَبِيِّهِمْ»
٦ ‏/ ٤٣
ذَكَرَ الرِّوَايَةَ بِذَلِكَ. حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ، قَالَ: ثنا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا حُمَيْدٌ، قَالَ: قَالَ أَنَسٌ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ يَوْمَ أُحُدٍ، وَكُسِرَتْ رُبَاعِيَّتُهُ وَشُجَّ، فَجَعَلَ يَمْسَحُ عَنْ وَجْهِهِ الدَّمَ وَيَقُولُ: «كَيْفَ يُفْلِحُ قَوْمٌ خَضَّبُوا نَبِيَّهُمْ بِالدَّمِ وَهُوَ يَدْعُوهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ؟» فَأُنْزِلَتْ: ﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ﴾ [آل عمران: ١٢٨]⦗٤٤⦘ حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ بِنَحْوِهِ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ بِنَحْوِهِ
٦ ‏/ ٤٣
حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ طَلْحَةَ الْيَرْبُوعِيُّ، قَالَ: ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حِينَ شُجَّ فِي جَبْهَتِهِ، وَكُسِرَتْ رَبَاعِيَتُهُ: «لَا يُفْلِحُ قَوْمٌ صَنَعُوا هَذَا بِنَبِيِّهِمْ» فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: ﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ﴾ [آل عمران: ١٢٨]
٦ ‏/ ٤٤
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، عَنِ ابْنِ عُلَيَّةَ، قَالَ: ثنا ابْنُ عَوْنٍ، عَنِ الْحَسَنِ، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ يَوْمَ أُحُدٍ: «كَيْفَ يُفْلِحُ قَوْمٌ أَدْمَوْا وَجْهَ نَبِيِّهِمْ وَهُوَ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ عز وجل» فَنَزَلَتْ: ﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ﴾ [آل عمران: ١٢٨] حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، نَحْوَ ذَلِكَ
٦ ‏/ ٤٤
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ﴾ [آل عمران: ١٢٨] ” ذُكِرَ لَنَا أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ أُنْزِلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ أُحُدٍ، وَقَدْ جُرِحَ نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ فِي وَجْهِهِ، وَأُصِيبَ بَعْضُ رَبَاعِيَّتِهِ، فَقَالَ وَسَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ يَغْسِلُ عَنْ وَجْهِهِ الدَّمَ: «كَيْفَ يُفْلِحُ قَوْمٌ خَضَّبُوا وَجْهَ نَبِيِّهِمْ بِالدَّمِ وَهُوَ يَدْعُوهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ؟» فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل: ﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ﴾ [آل عمران: ١٢٨]
٦ ‏/ ٤٥
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ بْنُ وَاقِدٍ، عَنْ مَطَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: أُصِيبَ النَّبِيُّ ﷺ يَوْمَ أُحُدٍ وَكُسِرَتْ رُبَاعِيَّتُهُ، وَفُرِّقَ حَاجِبُهُ، فَوَقَعَ وَعَلَيْهِ دِرْعَانِ وَالدَّمُ يَسِيلُ فَمَرَّ بِهِ سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، فَأَجْلَسَهُ، وَمَسَحَ عَنْ وَجْهِهِ، فَأَفَاقَ وَهُوَ يَقُولُ: «كَيْفَ بِقَوْمٍ فَعَلُوا هَذَا بِنَبِيِّهِمْ وَهُوَ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ؟» فَأَنْزَلَ اللَّهُ تبارك وتعالى: ﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ﴾ [آل عمران: ١٢٨]
٦ ‏/ ٤٥
حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَوْلُهُ: ﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ﴾ [آل عمران: ١٢٨] الْآيَةَ، قَالَ: قَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ، أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ أُحُدٍ وَقَدْ شُجَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي وَجْهِهِ، وَأُصِيبَتْ رُبَاعِيَّتُهُ، فَهَمَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ يَدْعُوَ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ: «كَيْفَ يُفْلِحُ قَوْمٌ أَدْمَوْا وَجْهَ نَبِيِّهِمْ وَهُوَ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ وَهُمْ يَدَعُونَهُ إِلَى الشَّيْطَانِ وَيَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى وَيَدْعُونَهُ إِلَى الضَّلَالَةِ، وَيَدْعُوهُمْ إِلَى ⦗٤٦⦘ الْجَنَّةِ وَيَدْعُونَهُ إِلَى النَّارِ» فَهَمَّ أَنْ يَدْعُوَ عَلَيْهِمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل: ﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ﴾ [آل عمران: ١٢٨] فَكَفَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنِ الدُّعَاءِ عَلَيْهِمْ
٦ ‏/ ٤٥
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، قَالَ: ثنا أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ، قَالَ: ثنا عَبَّادٌ، عَنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ: ﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ﴾ [آل عمران: ١٢٨] الْآيَةَ كُلَّهَا، فَقَالَ: جَاءَ أَبُو سُفْيَانَ مِنَ الْحَوْلِ غَضْبَانَ لِمَا صُنِعَ بِأَصْحَابِهِ يَوْمَ بَدْرٍ، فَقَاتَلَ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ ﷺ يَوْمَ أُحُدٍ قِتَالًا شَدِيدًا، حَتَّى قَتَلَ مِنْهُمْ بِعَدَدِ الْأُسَارَى يَوْمَ بَدْرٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ كَلِمَةً عَلِمَ اللَّهُ أَنَّهَا قَدْ خَالَطَتْ غَضَبًا: «كَيْفَ يُفْلِحُ قَوْمٌ خَضَّبُوا وَجْهَ نَبِيِّهِمْ بِالدَّمِ وَهُوَ يَدْعُوهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ؟» فَقَالَ اللَّهُ عز وجل: ﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ﴾ [آل عمران: ١٢٨]
٦ ‏/ ٤٦
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ: أَنَّ رَبَاعِيَةَ النَّبِيِّ ﷺ أُصِيبَتْ يَوْمَ أُحُدٍ، أَصَابَهَا عُتْبَةُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَشَجَّهُ فِي وَجْهِهِ، وَكَانَ سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ يَغْسِلُ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ الدَّمَ، وَالنَّبِيُّ ﷺ يَقُولُ: «كَيْفَ يُفْلِحُ قَوْمٌ صَنَعُوا بِنَبِيِّهِمْ هَذَا؟» فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل: ﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ﴾ [آل عمران: ١٢٨]
٦ ‏/ ٤٦
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَعَنْ عُثْمَانَ الْجَزَرِيِّ، عَنْ مِقْسَمٍ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ دَعَا عَلَى عُتْبَةَ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ يَوْمَ أُحُدٍ حِينَ كَسَرَ رَبَاعِيَتَهُ، وَوَثَا وَجْهَهُ، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ لَا تُحِلَّ ⦗٤٧⦘ عَلَيْهِ الْحَوْلَ حَتَّى يَمُوتَ كَافِرًا» قَالَ: فَمَا حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ حَتَّى مَاتَ كَافِرًا
٦ ‏/ ٤٦
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «شُجَّ النَّبِيُّ ﷺ فِي فَرْقِ حَاجِبِهِ، وَكُسِرَتْ رُبَاعِيَتُهُ»
٦ ‏/ ٤٧
قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ لَمَّا جُرِحَ، جَعَلَ سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ يَغْسِلُ الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ، وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «كَيْفَ يُفْلِحُ قَوْمٌ خَضَبُوا وَجْهَ نَبِيِّهِمْ بِالدَّمِ وَهُوَ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ؟» فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل: ﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ﴾ [آل عمران: ١٢٨] وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ؛ لِأَنَّهُ دَعَا عَلَى قَوْمٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل: لَيْسَ الْأَمْرُ إِلَيْكَ فِيهِمْ
٦ ‏/ ٤٧
ذِكْرُ الرِّوَايَةِ بِذَلِكَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ حَبِيبِ بْنِ عَرَبِيٍّ، قَالَ: ثنا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَجْلَانَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، كَانَ يَدْعُو عَلَى أَرْبَعَةٍ نَفَرٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل: ﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ﴾ [آل عمران: ١٢٨] قَالَ: «وَهَدَاهُمُ اللَّهُ لِلْإِسْلَامِ»
٦ ‏/ ٤٧
حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ سَلْمُ بْنُ جُنَادَةَ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ سُفْيَانَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ حَمْزَةَ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «اللَّهُمَّ الْعَنْ أَبَا سُفْيَانَ، ⦗٤٨⦘ اللَّهُمَّ الْعَنِ الْحَارِثَ بْنَ هِشَامٍ، اللَّهُمَّ الْعَنْ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ» فَنَزَلَتْ: ﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ﴾ [آل عمران: ١٢٨]
٦ ‏/ ٤٧
حَدَّثَنَا مُجَاهِدُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَيَّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الْفَجْرَ، فَلَمَّا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ، قَالَ: «اللَّهُمَّ أَنْجِ عَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ وَسَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ وَالْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ، اللَّهُمَّ أَنْجِ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ، اللَّهُمَّ سِنِينَ كَسِنِينَ آلِ يُوسُفَ» فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ﴾ [آل عمران: ١٢٨] الْآيَةَ
٦ ‏/ ٤٨
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُمَا سَمِعَا أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ حِينَ يَفْرُغُ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ مِنَ الْقِرَاءَةِ، وَيُكَبِّرُ وَيَرْفَعُ رَأْسَهُ: «سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ» ثُمَّ يَقُولُ وَهُوَ قَائِمٌ: «اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ، وَسَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ، وَعَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ، وَاجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ كَسِنِي يُوسُفَ، اللَّهُمَّ الْعَنْ لِحْيَانَ وَرِعْلًا وَذَكْوَانَ، وَعُصَيَّةَ عَصَتِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ» ثُمَّ بَلَغَنَا أَنَّهُ تَرَكَ ذَلِكَ لَمَّا نَزَلَ قَوْلُهُ: ﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ﴾ [آل عمران: ١٢٨]
٦ ‏/ ٤٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ يَعْنِي بِذَلِكَ تَعَالَى ذِكْرُهُ: لَيْسَ لَكَ يَا مُحَمَّدَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ، وَلِلَّهِ جَمِيعُ مَا بَيْنَ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مِنْ مُشْرِقِ الشَّمْسِ إِلَى مَغْرِبِهَا دُونَكَ وَدُونَهُمْ، يَحْكُمُ فِيهِمْ بِمَا شَاءَ، وَيَقْضِي فِيهِمْ مَا أَحَبَّ، فَيَتُوبُ عَلَى مَنْ أَحَبَّ مِنْ خَلْقِهِ الْعَاصِينَ أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ، ثُمَّ يَغْفِرُ لَهُ وَيُعَاقِبُ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ عَلَى جُرْمِهِ، فَيَنْتَقِمُ مِنْهُ، وَهُوَ الْغَفُورُ الَّذِي يَسْتُرُ ذُنُوبَ مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَسْتُرَ عَلَيْهِ ذُنُوبَهُ مِنْ خَلْقِهِ بِفَضْلِهِ عَلَيْهِمْ بِالْعَفْوِ وَالصَّفْحِ، وَالرَّحِيمُ بِهِمْ فِي تَرْكِهِ عُقُوبَتَهُمْ عَاجِلًا عَلَى عَظِيمِ مَا يَأْتُونَ مِنَ الْمَآثِمِ
٦ ‏/ ٤٩
كَمَا: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: ﴿وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [البقرة: ٢١٨] «أَيْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ، وَيَرْحَمُ الْعِبَادَ عَلَى مَا فِيهِمْ»
٦ ‏/ ٤٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [آل عمران: ١٣٠] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثناؤُهُ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا فِي إِسْلَامِكُمْ، بَعْدَ إِذْ هَدَاكُمْ لَهُ، كَمَا كُنْتُمْ تَأْكُلُونَهُ فِي جَاهِلِيَّتِكُمْ، وَكَانَ أَكْلُهُمْ ذَلِكَ فِي جَاهِلِيَّتِهِمْ أَنَّ الرَّجُلَ مِنْهُمْ كَانَ يَكُونُ لَهُ عَلَى الرَّجُلِ مَالٌ إِلَى أَجَلٍ، فَإِذَا حَلَّ الْأَجَلُ طَلَبَهُ مِنْ صَاحِبِهِ، فَيَقُولُ لَهُ الَّذِي عَلَيْهِ الْمَالُ: أَخِّرْ عَنَى دَيْنَكَ وَأَزِيدُكَ عَلَى مَالِكَ فَيَفْعَلَانِ ذَلِكَ، فَذَلِكَ هُوَ الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً، فَنَهَاهُمُ اللَّهُ عز وجل فِي إِسْلَامِهِمْ عَنْهُ
٦ ‏/ ٤٩
كَمَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، قَالَ: ثنا مُؤَمَّلٌ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: «كَانَتْ ثَقِيفٌ تُدَايِنُ فِي بَنِي الْمُغِيرَةِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَإِذَا حَلَّ الْأَجَلُ، قَالُوا: نَزِيدُكُمْ وَتُؤَخِّرُونَ فَنَزَلَتْ: ﴿لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً﴾ [آل عمران: ١٣٠]»
٦ ‏/ ٥٠
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً﴾ [آل عمران: ١٣٠] «أَيْ لَا تَأْكُلُوا فِي الْإِسْلَامِ إِذْ هَدَاكُمْ لَهُ، مَا كُنْتُمْ تَأْكُلُونَ إِذْ أَنْتُمْ عَلَى غَيْرِهِ مِمَّا لَا يَحِلُّ لَكُمْ فِي دِينِكُمْ»
٦ ‏/ ٥٠
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ عز وجل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً﴾ [آل عمران: ١٣٠] قَالَ: «رِبَا الْجَاهِلِيَّةِ»
٦ ‏/ ٥٠
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ زَيْدٍ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً﴾ [آل عمران: ١٣٠] قَالَ: “كَانَ أَبِي يَقُولُ: إِنَّمَا كَانَ الرِّبَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فِي التَّضْعِيفِ وَفِي السِّنِّ يَكُونُ لِلرَّجُلِ فَضْلُ دَيْنٍ، فَيَأْتِيهُ إِذَا جَلَّ الْأَجَلُ، فَيَقُولُ لَهُ: تَقْضِينِي أَوْ تَزِيدُنِي؟ فَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ شَيْءٌ يَقْضِيَهُ قَضَى، وَإِلَّا حَوَّلَهُ إِلَى السِّنِّ الَّتِي فَوْقَ ذَلِكَ، إِنْ كَانَتِ ابْنَةَ مَخَاضٍ يَجْعَلُهَا ابْنَةَ لَبُونٍ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ، ثُمَّ حِقَّةً، ثُمَّ جَذَعَةً ثُمَّ رَبَاعِيًا، ثُمَّ هَكَذَا إِلَى فَوْقَ، وَفِي الْعَيْنِ يَأْتِيهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ أَضْعَفَهُ فِي الْعَامِ الْقَابِلِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ أَضْعَفَهُ أَيْضًا، فَتَكُونُ مِائَةٌ
٦ ‏/ ٥٠
فَيَجْعَلُهَا إِلَى قَابِلٍ مِائَتَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ جَعَلَهَا أَرْبَعَمِائَةٍ، يُضْعِفُهَا لَهُ كُلَّ سَنَةٍ، أَوْ يَقْضِيهِ، قَالَ: فَهَذَا قَوْلُهُ: ﴿لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً﴾ [آل عمران: ١٣٠] ” وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [البقرة: ١٨٩] فَإِنَّهُ يَعْنِي: وَاتَّقُوا اللَّهَ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ فِي أَمْرِ الرِّبَا فَلَا تَأْكُلُوهُ، وَفِي غَيْرِهِ مِمَّا أَمَرَكُمْ بِهِ، أَوْ نَهَاكُمْ عَنْهُ، وَأَطِيعُوهُ فِيهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ، يَقُولُ: لِتَنْجَحُوا فَتَنْجُوا مِنْ عِقَابِهِ، وَتُدْرِكُوا مَا رَغَّبَكُمْ فِيهِ مِنْ ثَوَابِهِ، وَالْخُلُودِ فِي جِنَانِهِ
٦ ‏/ ٥١
كَمَا: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [البقرة: ١٨٩] «أَيْ فَأَطِيعُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ أَنْ تَنْجُوا مِمَّا حَذَّرَكُمْ مِنْ عَذَابِهِ، وَتُدْرِكُوا مَا رَغَّبَكُمْ فِيهِ مِنْ ثَوَابِهِ»
٦ ‏/ ٥١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ﴾ [آل عمران: ١٣١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِلْمُؤْمِنِينَ: وَاتَّقُوا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ النَّارَ أَنْ تَصْلَوْهَا بِأَكْلِكُمُ الرِّبَا بَعْدَ نَهْيِي إِيَّاكُمْ عَنْهُ الَّتِي أَعْدَدْتُهَا لِمَنْ كَفَرَ بِي، فَتَدْخُلُوا مَدَاخِلَهُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ بِي بِخِلَافِكُمْ أَمْرِي، وَتَرْكِكُمْ طَاعَتِي
٦ ‏/ ٥١
كَمَا: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: ﴿وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ﴾ [آل عمران: ١٣١] «الَّتِي جُعِلَتْ دَارًا لِمَنْ كَفَرَ بِي»
٦ ‏/ ٥١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ [آل عمران: ١٣٢] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثناؤُهُ: وَأَطِيعُوا اللَّهَ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ فِيمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ مِنْ أَكْلِ الرِّبَا ⦗٥٢⦘ وَغَيْرِهِ مِنَ الْأَشْيَاءِ، وَفِيمَا أَمَرَكُمْ بِهِ الرَّسُولُ يَقُولُ: أَطِيعُوا الرَّسُولَ أَيْضًا كَذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ، يَقُولُ: لِتُرْحَمُوا فَلَا تُعَذَّبُوا. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ ذَلِكَ مُعَاتَبَةٌ مِنَ اللَّهِ عز وجل أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ الَّذِينَ خَالَفُوا أَمْرَهُ يَوْمَ أُحُدٍ، فَأَخَلُّوا بِمَرَاكِزِهِمُ الَّتِي أُمِرُوا بِالثَّبَاتِ عَلَيْهَا
٦ ‏/ ٥١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ [آل عمران: ١٣٢] «مُعَاتَبَةٌ لِلَّذِينَ عَصَوْا رَسُولَهُ حِينَ أَمَرَهُمْ بِالَّذِي أَمَرَهُمْ بِهِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَفِي غَيْرِهِ، يَعْنِي فِي يَوْمِ أُحُدٍ»
٦ ‏/ ٥٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾ يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَسَارِعُوا﴾ [آل عمران: ١٣٣] وَبَادِرُوا وَسَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ، يَعْنِي: إِلَى مَا يَسْتُرُ عَلَيْكُمْ ذُنُوبَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ، وَمَا يُغَطِّيهَا عَلَيْكُمْ مِنْ عَفْوِهِ عَنْ عُقُوبَتِكُمْ عَلَيْهَا ﴿وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ﴾ يَعْنِي سَارِعُوا أَيْضًا إِلَى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ، ذُكِرَ أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ وَجَنَّةٌ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ، وَالْأَرَضِينَ السَّبْعِ، إِذَا ضُمَّ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ
٦ ‏/ ٥٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ ⦗٥٣⦘ السُّدِّيِّ: ﴿وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ﴾ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «تُقْرَنُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرَضُونَ السَّبْعُ، كَمَا تُقْرَنُ الثِّيَابُ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ، فَذَاكَ عَرْضُ الْجَنَّةِ» وَإِنَّمَا قِيلَ: ﴿وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ﴾ فَوُصِفَ عَرْضُهَا بِالسَّمَاوَاتِ وَالْأَرَضِينَ، وَالْمَعْنَى مَا وَصَفْنَا مِنْ وَصْفِ عَرْضِهَا بِعَرْضِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، تَشْبِيهًا بِهِ فِي السَّعَةِ وَالْعِظَمِ، كَمَا قِيلَ: ﴿مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾ [لقمان: ٢٨] يَعْنِي إِلَّا كَبَعْثِ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ، وَكَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الوافر] كَأَنَّ عَذِيرَهُمْ بِجَنُوبِ سِلَّى … نَعَامٌ قَاقَ فِي بَلَدٍ قِفَارِ
أَيْ عَذِيرُ نَعَامٍ وَكَمَا قَالَ الْآخَرُ:
[البحر الوافر] حَسِبْتُ بُغَامَ رَاحِلَتِي عَنَاقًا … وَمَا هِيَ وَيْبَ غَيْرِكَ بِالْعَنَاقِ
يُرِيدُ صَوْتَ عَنَاقٍ. ⦗٥٤⦘ وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ سُئِلَ فَقِيلَ لَهُ: هَذِهِ الْجَنَّةُ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ، فَأَيْنَ النَّارُ؟ فَقَالَ: «هَذَا النَّهَارُ إِذَا جَاءَ، أَيْنَ اللَّيْلُ؟»
٦ ‏/ ٥٢
ذِكْرُ الْأَخْبَارِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَغَيْرِهِ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي رَاشِدٍ، عَنْ يَعْلَى بْنِ مُرَّةَ، قَالَ: لَقِيتُ التَّنُوخِيَّ رَسُولَ هِرَقْلٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِحِمْصَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ أُقْعِدَ، قَالَ: قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِكِتَابِ هِرَقْلٍ، فَنَاوَلَ الصَّحِيفَةَ رَجُلًا عَنْ يَسَارِهِ، قَالَ: قُلْتُ مَنْ صَاحِبُكُمُ الَّذِي يَقْرَأُ؟ قَالُوا: مُعَاوِيَةُ، فَإِذَا هُوَ: إِنَّكَ كَتَبْتَ تَدْعُونِي إِلَى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ، فَأَيْنَ النَّارُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «وَسُبْحَانَ اللَّهِ، فَأَيْنَ اللَّيْلُ إِذَا جَاءَ النَّهَارُ؟»
٦ ‏/ ٥٤
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، أَنَّ نَاسًا مِنَ الْيَهُودِ سَأَلُوا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ عَنْ جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ، أَيْنَ النَّارُ؟ قَالَ: أَرَأَيْتُمْ إِذَا جَاءَ اللَّيْلُ أَيْنَ يَكُونُ النَّهَارُ؟ «فَقَالُوا: اللَّهُمَّ نَزَعْتَ مَثَلَهُ مِنَ التَّوْرَاةِ»
٦ ‏/ ٥٥
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ أَنَّ عُمَرَ أَتَاهُ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ مِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ، فَسَأَلُوهُ وَعِنْدَهُ أَصْحَابُهُ، فَقَالُوا: أَرَأَيْتَ قَوْلَهُ: ﴿وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ﴾ فَأَيْنَ النَّارُ؟ فَأَحْجَمَ النَّاسُ، فَقَالَ عُمَرُ: «أَرَأَيْتُمْ إِذَا جَاءَ اللَّيْلُ، أَيْنَ يَكُونُ النَّهَارُ؟ وَإِذَا جَاءَ النَّهَارُ أَيْنَ يَكُونُ اللَّيْلُ؟» فَقَالُوا: نَزَعْتَ مَثَلَهَا مِنَ التَّوْرَاةِ ” حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُمَرَ، بِنَحْوِهِ فِي الثَّلَاثَةِ الرَّهْطِ الَّذِينَ أَتَوْا عُمَرَ، فَسَأَلُوهُ عَنْ جَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، بِمِثْلِ حَدِيثِ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ
٦ ‏/ ٥٥
حَدَّثَنَا مُجَاهِدُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: ثنا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، أَخْبَرَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ إِلَى عُمَرَ، فَقَالَ: تَقُولُونَ: جَنَّةٌ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أَيْنَ تَكُونُ النَّارُ؟ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: «أَرَأَيْتَ النَّهَارَ إِذَا جَاءَ أَيْنَ يَكُونُ اللَّيْلُ؟ أَرَأَيْتَ اللَّيْلَ إِذَا جَاءَ، أَيْنَ يَكُونُ النَّهَارُ؟» فَقَالَ: إِنَّهُ ⦗٥٦⦘ لَمَثَلُهَا فِي التَّوْرَاةِ، فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ: لِمَ أَخْبَرْتَهُ؟ فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ: دَعْهُ إِنَّهُ بِكُلٍّ مُوقِنٌ
٦ ‏/ ٥٥
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ حَازِمٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: ثنا جَعْفَرُ بْنُ بُرْقَانَ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ الْأَصَمِّ، أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أَتَى ابْنَ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: تَقُولُونَ جَنَّةٌ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ، فَأَيْنَ النَّارُ؟ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «أَرَأَيْتَ اللَّيْلَ إِذَا جَاءَ، أَيْنَ يَكُونُ النَّهَارُ؟ وَإِذَا جَاءَ النَّهَارُ، أَيْنَ يَكُونُ اللَّيْلُ؟» وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [آل عمران: ١٣٣] فَإِنَّهُ يَعْنِي أَنَّ الْجَنَّةَ الَّتِي عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرَضِينَ السَّبْعِ أَعَدَّهَا اللَّهُ لِلْمُتَّقِينَ، الَّذِينَ اتَّقَوُا اللَّهَ، فَأَطَاعُوهُ فِيمَا أَمَرَهُمْ وَنَهَاهُمْ، فَلَمْ يَتَعَدَّوْا حُدُودَهُ، وَلَمْ يُقَصِّرُوا فِي وَاجِبِ حَقِّهِ عَلَيْهِمْ فَيُضَيِّعُوهُ
٦ ‏/ ٥٦
كَمَا: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾ «أَيْ ذَلِكَ لِمَنْ أَطَاعَنِي وَأَطَاعَ رَسُولِي»
٦ ‏/ ٥٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [آل عمران: ١٣٤]⦗٥٧⦘ يَعْنِي جَلَّ ثناؤُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ﴾ [آل عمران: ١٣٤] أُعِدَّتِ الْجَنَّةُ الَّتِي عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ لِلْمُتَّقِينَ، وَهُمُ الْمُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إِمَّا فِي صَرْفِهِ عَلَى مُحْتَاجٍ، وَإِمَّا فِي تَقْوِيَةِ مُضْعَفٍ عَلَى النُّهُوضِ لِلْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿فِي السَّرَّاءِ﴾ [آل عمران: ١٣٤] فَإِنَّهُ يَعْنِي: فِي حَالِ السُّرُورِ بِكَثْرَةِ الْمَالِ، وَرَخَاءِ الْعَيْشِ، وَالسَّرَّاءُ: مَصْدَرٌ مِنْ قَوْلِهِمْ سَرَّنِي هَذَا الْأَمْرُ مَسَرَّةً وَسُرُورًا؛ وَالضَّرَّاءُ: مَصْدَرٌ مِنْ قَوْلِهِمْ: قَدْ ضُرَّ فُلَانٌ فَهُوَ يُضَرُّ إِذَا أَصَابَهُ الضُّرُّ، وَذَلِكَ إِذَا أَصَابَهُ الضِّيقُ وَالْجَهْدُ فِي عَيْشِهِ
٦ ‏/ ٥٦
كَمَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: ﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ﴾ [آل عمران: ١٣٤] وَالضَّرَّاءِ يَقُولُ: «فِي الْعُسْرِ وَالْيُسْرِ، فَأُخْبِرَ جَلَّ ثناؤُهُ أَنَّ الْجَنَّةَ الَّتِي وَصَفَ صِفَتَهَا لِمَنِ اتَّقَاهُ وَأَنْفَقَ مَالَهُ فِي حَالِ الرَّخَاءِ وَالسَّعَةِ وَفِي حَالِ الضِّيقِ وَالشِّدَّةِ فِي سَبِيلِهِ» وَقَوْلُهُ: ﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ﴾ [آل عمران: ١٣٤] يَعْنِي: وَالْجَارِعِينَ الْغَيْظَ عِنْدَ امْتِلَاءِ نُفُوسِهِمْ مِنْهُ، يُقَالُ مِنْهُ: كَظَمَ فُلَانٌ غَيْظَهُ: إِذَا تَجَرَّعَهُ فَحَفِظَ نَفْسَهُ مِنْ أَنَّ تُمْضِيَ مَا هِيَ قَادِرَةٌ عَلَى إِمْضَائِهِ بِاسْتِمْكَانِهَا مِمَّنْ غَاظَهَا وَانْتَصَارَهَا مِمَّنْ ظَلَمَهَا، ⦗٥٨⦘ وَأَصْلُ ذَلِكَ مِنْ كَظْمِ الْقِرْبَةِ، يُقَالُ مِنْهُ: كَظَمْتُ الْقِرْبَةَ: إِذَا مَلَأْتُهَا مَاءً، وَفُلَانٌ كَظِيمٌ وَمَكْظُومٌ إِذَا كَانَ مُمْتَلِئًا غَمًّا وَحُزْنًا، وَمِنْهُ قَوْلُ اللَّهِ عز وجل، ﴿وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ﴾ [يوسف: ٨٤] يَعْنِي مُمْتَلِئًا مِنَ الْحُزْنِ، وَمِنْهُ قِيلَ لِمَجَارِي الْمِيَاهِ الْكَظَائِمُ لِامْتِلَائِهَا بِالْمَاءِ، وَمِنْهُ قِيلَ: أَخَذْتُ بِكَظْمِهِ يَعْنِي بِمَجَارِي نَفْسِهِ وَالْغَيْظُ: مَصْدَرٌ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: غَاظَنِي فُلَانٌ فَهُوَ يَغِيظُنِي غَيْظًا، وَذَلِكَ إِذَا أَحْفَظَهُ وَأَغْضَبَهُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ﴾ [آل عمران: ١٣٤] فَإِنَّهُ يَعْنِي: وَالصَّافِحِينَ عَنِ النَّاسِ عُقُوبَةَ ذُنُوبِهِمْ إِلَيْهِمْ، وَهُمْ عَلَى الِانْتِقَامِ مِنْهُمْ قَادِرُونَ، فَتَارِكُوهَا لَهُمْ. وَأَمَّا قَوْلُهُ ﴿وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [آل عمران: ١٣٤] فَإِنَّهُ يَعْنِي: فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ مَنْ عَمِلَ بِهَذِهِ الْأُمُورِ الَّتِي وَصَفَ أَنَّهُ أَعَدَّ لِلْعَامِلِينَ بِهَا الْجَنَّةَ الَّتِي عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ، وَالْعَامِلُونَ بِهَا هُمُ الْمُحْسِنُونَ، وَإِحْسَانُهُمْ هُوَ عَمَلُهُمْ بِهَا
٦ ‏/ ٥٧
كَمَا: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: ﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ﴾ [آل عمران: ١٣٤] الْآيَةَ: ﴿وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [آل عمران: ١٣٤] «أَيْ وَذَلِكَ الْإِحْسَانُ، وَأَنَا أُحِبُّ مَنْ عَمِلَ بِهِ»
٦ ‏/ ٥٨
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿الَّذِينَ ⦗٥٩⦘ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [آل عمران: ١٣٤] «قَوْمٌ أَنْفَقُوا فِي الْعُسْرِ وَالْيُسْرِ، وَالْجَهْدِ وَالرَّخَاءِ، فَمَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَغْلِبَ الشَّرَّ بِالْخَيْرِ فَلْيَفْعَلْ، وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، فَنِعْمَتْ وَاللَّهِ يَا ابْنَ آدَمَ الْجَرَعَةُ تَجْتَرِعُهَا مِنْ صَبْرٍ وَأَنْتَ مَغِيظٌ وَأَنْتَ مَظْلُومٌ»
٦ ‏/ ٥٨
حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، قَالَ: ثنا مُحْرِزٌ أَبُو رَجَاءٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: «يُقَالُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: لِيَقُمْ مَنْ كَانَ لَهُ عَلَى اللَّهِ أَجْرٌ، فَمَا يَقُومُ إِلَّا إِنْسَانٌ عَفَا»، ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [آل عمران: ١٣٤]
٦ ‏/ ٥٩
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا دَاوُدُ بْنُ قَيْسٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ يُقَالُ لَهُ عَبْدُ الْجَلِيلِ، عَنْ عَمٍّ لَهُ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ﴾ [آل عمران: ١٣٤] أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «مَنْ كَظَمَ غَيْظًا وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى إِنْفَاذِهِ مَلَأَهُ اللَّهُ أَمْنًا وَإِيمَانًا»
٦ ‏/ ٥٩
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ﴾ [آل عمران: ١٣٤] إِلَى الْآيَةِ: ﴿وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [آل عمران: ١٣٤]، فَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ كَقَوْلِهِ: ﴿وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ﴾ [الشورى: ٣٧] يَغْضَبُونَ فِي الْأَمْرِ لَوْ وَقَعُوا بِهِ كَانَ حَرَامًا فَيَغْفِرُونَ وَيَعْفُونَ، يَلْتَمِسُونَ بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ ﴿وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ﴾ [آل عمران: ١٣٤] كَقَوْلِهِ: ﴿وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ﴾ إِلَى: ﴿أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ﴾ [النور: ٢٢]⦗٦٠⦘ يَقُولُ: لَا تُقْسِمُوا عَلَى أَنْ لَا تُعْطُوهُمْ مِنَ النَّفَقَةِ شَيْئًا وَاعْفُوا وَاصْفَحُوا»
٦ ‏/ ٥٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ [آل عمران: ١٣٥] يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثناؤُهُ: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً﴾ [آل عمران: ١٣٥] أَنَّ الْجَنَّةَ الَّتِي وَصَفَ صِفَتَهَا أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ، الْمُنْفِقِينَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ، وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً، وَجَمِيعُ هَذِهِ النُّعُوتِ مِنْ صِفَةِ الْمُتَّقِينَ الَّذِينَ قَالَ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾
٦ ‏/ ٦٠
كَمَا: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ، قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [آل عمران: ١٣٤]، ثُمَّ قَرَأَ: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ﴾ [آل عمران: ١٣٥] إِلَى ﴿أَجْرُ الْعَامِلِينَ﴾ [آل عمران: ١٣٦] فَقَالَ: «إِنَّ هَذَيْنِ النَّعْتَيْنِ لِنَعْتِ رَجُلٍ وَاحِدٍ»
٦ ‏/ ٦٠
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ﴾ [آل عمران: ١٣٥] قَالَ: «هَذَانِ ذَنْبَانِ: الْفَاحِشَةُ ذَنْبٌ، وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَنْبُ» ⦗٦١⦘ وَأَمَّا الْفَاحِشَةُ فَهِيَ صِفَةٌ لِمَتْرُوكٍ، وَمَعْنَى الْكَلَامِ: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فِعْلَةً فَاحِشَةً، وَمَعْنَى الْفَاحِشَةِ: الْفِعْلَةُ الْقَبِيحَةُ الْخَارِجَةُ عَمَّا أَذِنَ اللَّهُ عز وجل فِيهِ، وَأَصْلُ الْفُحْشِ الْقُبْحُ وَالْخُرُوجُ عَنِ الْحَدِّ وَالْمِقْدَارِ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَمِنْهُ قِيلَ لِلطَّوِيلِ الْمُفْرِطِ الطُّولِ: إِنَّهُ لَفَاحِشُ الطُّولِ، يُرَادُ بِهِ: قَبِيحُ الطُّولِ، خَارِجٌ عَنِ الْمِقْدَارِ الْمُسْتَحْسَنِ؛ وَمِنْهُ قِيلَ لِلْكَلَامِ الْقَبِيحِ غَيْرِ الْقَصْدِ: كَلَامٌ فَاحِشٌ، وَقِيلَ لِلْمُتَكَلِّمِ بِهِ: أَفْحَشَ فِي كَلَامِهِ: إِذَا نَطَقَ بِفُحْشٍ، وَقِيلَ: إِنَّ الْفَاحِشَةَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مَعْنِيُّ بِهَا الزِّنَا
٦ ‏/ ٦٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْعَظِيمِ، قَالَ: ثنا حِبَّانُ، قَالَ: ثنا حَمَّادٌ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ جَابِرٍ: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً﴾ [آل عمران: ١٣٥] قَالَ: «زَنَى الْقَوْمُ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ»
٦ ‏/ ٦١
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً﴾ [آل عمران: ١٣٥] «أَمَّا الْفَاحِشَةُ: فَالزِّنَا» وَقَوْلُهُ: ﴿أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ﴾ [آل عمران: ١٣٥] يَعْنِي بِهِ: فَعَلُوا بِأَنْفُسِهِمْ غَيْرَ الَّذِي كَانَ ⦗٦٢⦘ يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَفْعَلُوا بِهَا. وَالَّذِي فَعَلُوا مِنْ ذَلِكَ رُكُوبُهُمْ مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ مَا أَوْجَبُوا لَهَا بِهِ عُقُوبَتَهُ
٦ ‏/ ٦١
كَمَا: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَوْلُهُ: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ﴾ [آل عمران: ١٣٥] قَالَ: «الظُّلْمُ مِنَ الْفَاحِشَةِ، وَالْفَاحِشَةُ مِنَ الظُّلْمِ» وَقَوْلُهُ: ﴿ذَكَرُوا اللَّهَ﴾ [آل عمران: ١٣٥] يَعْنِي بِذَلِكَ ذَكَرُوا وَعِيدَ اللَّهِ عَلَى مَا أَتَوْا مِنْ مَعْصِيَتِهِمْ إِيَّاهُ ﴿فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ﴾ [آل عمران: ١٣٥] يَقُولُ: فَسَأَلُوا رَبَّهُمْ أَنْ يَسْتُرَ عَلَيْهِمْ ذُنُوبَهُمْ بِصَفْحِهِ لَهُمْ عَنِ الْعُقُوبَةِ عَلَيْهَا ﴿وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ﴾ [آل عمران: ١٣٥] يَقُولُ: وَهَلْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ: أَيْ يَعْفُو عَنْ رَاكِبِهَا فَيَسْتُرَهَا عَلَيْهِ إِلَّا اللَّهُ؟ ﴿وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا﴾ [آل عمران: ١٣٥] يَقُولُ: وَلَمْ يُقِيمُوا عَلَى ذُنُوبِهِمُ الَّتِي أَتَوْهَا، وَمَعْصِيَتِهِمُ الَّتِي رَكِبُوهَا ﴿وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ [آل عمران: ١٣٥] يَقُولُ: لَمْ يُقِيمُوا عَلَى ذُنُوبِهِمْ عَامِدِينَ لِلْمُقَامِ عَلَيْهَا، وَهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ قَدْ تَقَدَّمَ بِالنَّهْيِ عَنْهَا، وَأَوْعَدَ عَلَيْهَا الْعُقُوبَةَ، مَنْ رَكِبَهَا، وَذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ أَنْزَلَتْ خُصُوصًا بِتَخْفِيفِهَا وَيُسْرِهَا أُمَّتَنَا مِمَّا كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ مُمْتَحَنَةً بِهِ مِنْ عَظِيمِ الْبَلَاءِ فِي ذُنُوبِهَا
٦ ‏/ ٦٢
حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبَى رَبَاحٍ: أَنَّهُمْ قَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، بَنُو إِسْرَائِيلَ أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ مِنَّا، كَانُوا إِذَا أَذْنَبَ أَحَدُهُمْ أَصْبَحَتْ كَفَّارَةُ ذَنْبِهِ مَكْتُوبَةً فِي عَتَبَةِ بَابِهِ: اجْدَعْ أُذُنَكَ، اجْدَعْ أَنْفَكَ، افْعَلْ فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَنَزَلَتْ: ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ ⦗٦٣⦘ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾ إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ﴾ [آل عمران: ١٣٥]، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكَ؟» فَقَرَأَ هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ “
٦ ‏/ ٦٢
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني عُمَرُ بْنُ خَلِيفَةَ الْعَبْدِيُّ، قَالَ: ثنا عَلِيُّ بْنُ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ، قَالَ: قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: «كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ إِذَا أَذْنَبُوا، أَصْبَحَ مَكْتُوبًا عَلَى بَابِهِ الذَّنْبُ وَكَفَّارَتُهُ، فَأُعْطِينَا خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ هَذِهِ الْآيَةِ»
٦ ‏/ ٦٣
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثنا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ﴾ [النساء: ١١٠] «بَكَى إِبْلِيسُ فَزَعًا مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ»
٦ ‏/ ٦٣
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، قَالَ: «بَلَغَنِي أَنَّ إِبْلِيسَ حِينَ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ﴾ [آل عمران: ١٣٥] بَكَى»
٦ ‏/ ٦٣
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، قَالَ: سَمِعْتُ عُثْمَانَ، مَوْلَى آلِ أَبِي عَقِيلٍ الثَّقَفِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ رَبِيعَةَ، يُحَدِّثُ عَنْ رَجُلٍ مِنْ فَزَارَةَ يُقَالُ لَهُ أَسْمَاءُ أَوِ ابْنُ أَسْمَاءَ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: “كُنْتُ إِذَا ⦗٦٤⦘ سَمِعْتُ مِنَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ شَيْئًا نَفَعَنِي اللَّهُ بِمَا شَاءَ أَنْ يَنْفَعَنِي، فَحَدَّثني أَبُو بَكْرٍ وَصَدَقَ أَبُو بَكْرٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، قَالَ: «مَا مِنْ عَبْدٍ» قَالَ شُعْبَةُ: وَأَحْسَبُهُ قَالَ «مُسْلِمٍ يُذْنِبُ ذَنْبًا ثُمَّ يَتَوَضَّأُ ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِذَلِكَ الذَّنْبِ» وَقَالَ شُعْبَةُ: وَقَرَأَ إِحْدَى هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ: ﴿مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ﴾ [النساء: ١٢٣]، ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ﴾ [آل عمران: ١٣٥]
٦ ‏/ ٦٣
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، وَحَدَّثنا الْفَضْلُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثنا وَكِيعٌ، عَنْ مِسْعَرٍ وَسُفْيَانَ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ الثَّقَفِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبِيعَةَ الْوَالِبِيِّ، عَنْ أَسْمَاءِ بْنِ الْحَكَمِ الْفَزَارِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: كُنْتُ إِذَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ حَدِيثًا نَفَعَنِي اللَّهُ بِمَا شَاءَ مِنْهُ، وَإِذَا حَدَّثَنِي عَنْهُ غَيْرُهُ، اسْتَحْلَفْتُهُ، فَإِذَا حَلَفَ لِي صَدَّقْتُهُ، وَحَدَّثني أَبُو بَكْرٍ وَصَدَقَ أَبُو بَكْرٍ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَا مِنْ رَجُلٍ يُذْنِبُ ذَنْبًا ثُمَّ يَتَوَضَّأُ، ثُمَّ يُصَلِّي»، قَالَ أَحَدُهُمَا: «رَكْعَتَيْنِ» وَقَالَ الْآخَرُ: «ثُمَّ يُصَلِّي وَيَسْتَغْفِرُ اللَّهَ إِلَّا غُفِرَ لَهُ»
٦ ‏/ ٦٤
حَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ، قَالَ: ثني سَعْدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيُّ، عَنْ أَخِيهِ، عَنْ جَدِّهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ قَالَ: مَا حَدَّثَنِي أَحَدٌ ⦗٦٥⦘ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إِلَّا سَأَلْتُهُ أَنْ يُقْسِمَ لِي بِاللَّهِ لَهُوَ سَمِعَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إِلَّا أَبَا بَكْرٍ، فَإِنَّهُ كَانَ لَا يَكْذِبُ، قَالَ عَلِيُّ رضي الله عنه: فَحَدَّثني أَبُو بَكْرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «مَا مِنْ عَبْدٍ يُذْنِبُ ذَنْبًا ثُمَّ يَقُومُ عِنْدَ ذِكْرِ ذَنْبِهِ فَيَتَوَضَّأُ ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، وَيَسْتَغْفِرُ اللَّهَ مِنْ ذَنْبَهُ ذَلِكَ إِلَّا غَفَرَ اللَّهُ لَهُ» وَأَمَّا قَوْلُهُ ﴿ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ﴾ [آل عمران: ١٣٥] فَإِنَّهُ كَمَا بَيَّنَّا تَأْوِيلَهُ، وَبِنَحْوِ ذَلِكَ كَانَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ يَقُولُونَ
٦ ‏/ ٦٤
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، قَالَ: ثنا ابْنُ إِسْحَاقَ: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً﴾ [آل عمران: ١٣٥] «أَيْ إِنْ أَتَوْا فَاحِشَةً» ﴿أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ﴾ [آل عمران: ١٣٥] «بِمَعْصِيَةٍ ذَكَرُوا نَهْيَ اللَّهِ عَنْهَا، وَمَا حَرَّمَ اللَّهُ عَنْهَا، فَاسْتَغْفَرُوا لَهَا، وَعَرَفُوا أَنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا هُوَ» وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ﴾ [آل عمران: ١٣٥] فَإِنَّ اسْمَ اللَّهِ مَرْفُوعٌ، وَلَا جَحْدَ قَبْلَهُ، وَإِنَّمَا يُرْفَعُ مَا بَعْدَ إِلَّا بِإِتْبَاعِهِ مَا قَبْلَهُ إِذَا كَانَ نَكِرَةً وَمَعَهُ جَحْدٌ، كَقَوْلِ الْقَائِلِ: مَا فِي الدَّارِ أَحَدٌ إِلَّا أَخُوكَ؛ فَأَمَّا إِذَا قِيلَ: قَامَ الْقَوْمُ إِلَّا أَبَاكَ، فَإِنَّ وَجْهَ الْكَلَامِ فِي الْأَبِ النَّصَبُ. وَ«مَنْ» بِصِلَتِهِ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ﴾ [آل عمران: ١٣٥] مَعْرِفَةٌ فَإِنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا جَاءَ رَفْعًا؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ: وَهَلْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ أَحَدٌ؟ أَوْ مَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ أَحَدٌ إِلَّا اللَّهُ، فَرُفِعَ مَا بَعْدَ إِلَّا مِنَ اللَّهِ عَلَى تَأْوِيلِ الْكَلَامِ، لَا عَلَى لَفْظِهِ. ⦗٦٦⦘ وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ [آل عمران: ١٣٥] فَإِنَّ أَهْلَ التَّأْوِيلِ اخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِ الْإِصْرَارِ وَمَعْنَى الْكَلِمَةِ؛ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى ذَلِكَ: لَمْ يَثْبُتُوا عَلَى مَا أَتَوْا مِنَ الذُّنُوبِ، وَلَمْ يُقِيمُوا عَلَيْهِ، وَلَكِنَّهُمْ تَابُوا وَاسْتَغْفَرُوا، كَمَا وَصَفَهُمُ اللَّهُ بِهِ
٦ ‏/ ٦٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ [آل عمران: ١٣٥] «فَإِيَّاكُمْ وَالْإِصْرَارَ، فَإِنَّمَا هَلَكَ الْمُصِرُّونَ الْمَاضُونَ قُدُمًا، لَا يَنْهَاهُمْ مَخَافَةُ اللَّهِ عَنْ حَرَامٍ حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، وَلَا يَتُوبُونَ مِنْ ذَنْبٍ أَصَابُوهُ، حَتَّى أَتَاهُمُ الْمَوْتُ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ»
٦ ‏/ ٦٦
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ [آل عمران: ١٣٥] قَالَ: «قُدُمًا قُدُمًا فِي مَعَاصِي اللَّهِ، لَا يَنْهَاهُمْ مَخَافَةُ اللَّهِ حَتَّى جَاءَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ»
٦ ‏/ ٦٦
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: ﴿لَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ [آل عمران: ١٣٥] «أَيْ لَمْ يُقِيمُوا عَلَى مَعْصِيَتِي، كَفِعْلِ مَنْ أَشْرَكَ بِي فِيمَا عَمِلُوا بِهِ مِنْ كُفْرٍ بِي» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: لَمْ يُوَاقِعُوا الذَّنْبَ إِذَا هَمُّوا بِهِ
٦ ‏/ ٦٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا﴾ [آل عمران: ١٣٥] قَالَ: «إِتْيَانُ الْعَبْدِ ذَنْبًا إِصْرَارًا حَتَّى يَتُوبَ»
٦ ‏/ ٦٧
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ عز وجل: ﴿وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا﴾ [آل عمران: ١٣٥] قَالُوا: «لَمْ يُوَاقِعُوا» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى الْإِصْرَارِ السُّكُوتُ عَلَى الذَّنْبِ، وَتَرْكُ الِاسْتِغْفَارِ
٦ ‏/ ٦٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ [آل عمران: ١٣٥] «أَمَّا يُصِرُّوا: فَيَسْكُتُوا وَلَا يَسْتَغْفِرُوا» وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ عِنْدَنَا قَوْلُ مَنْ قَالَ: الْإِصْرَارُ الْإِقَامَةُ عَلَى الذَّنْبِ عَامِدًا، أَوْ تَرْكُ التَّوْبَةِ مِنْهُ، وَلَا مَعْنَى لِقَوْلِ مَنْ قَالَ: الْإِصْرَارُ عَلَى الذَّنْبِ: هُوَ مُوَاقِعَتُهُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل ⦗٦٨⦘ مَدَحَ بِتَرْكِ الْإِصْرَارِ عَلَى الذَّنْبِ مُوَاقِعَ الذَّنْبِ، فَقَالَ: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ [آل عمران: ١٣٥] وَلَوْ كَانَ الْمُوَاقِعُ الذَّنْبَ مُصِرًّا بِمُوَاقَعَتِهِ إِيَّاهُ، لَمْ يَكُنْ لِلِاسْتِغْفَارِ وَجْهٌ مَفْهُومٌ؛ لِأَنَّ الِاسْتِغْفَارَ مِنَ الذَّنْبِ إِنَّمَا هُوَ التَّوْبَةُ مِنْهُ وَالنَّدَمُ، وَلَا يُعْرَفُ لِلِاسْتِغْفَارِ مِنْ ذَنْبٍ لَمْ يُوَاقِعْهُ صَاحِبُهُ وَجْهٌ
٦ ‏/ ٦٧
وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «مَا أَصَرَّ مَنِ اسْتَغْفَرَ وَإِنْ عَادَ فِي الْيَوْمِ سَبْعِينَ مَرَّةً» حَدَّثَنِي بِذَلِكَ الْحُسَيْنُ بْنُ يَزِيدَ السَّبِيعِيُّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْحَمِيدِ الْحِمَّانِيُّ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ وَاقِدٍ، عَنْ أَبِي نُصَيْرَةَ، عَنْ مَوْلًى لِأَبِي بَكْرٍ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. فَلَوْ كَانَ مُوَاقِعُ الذَّنْبِ مُصِرًّا، لَمْ يَكُنْ لِقَوْلِهِ «مَا أَصَرَّ مَنِ اسْتَغْفَرَ وَإِنْ عَادَ فِي الْيَوْمِ سَبْعِينَ مَرَّةً» مَعْنًى، لِأَنَّ مُوَاقَعَةَ الذَّنْبِ، إِذَا كَانَتْ هِيَ الْإِصْرَارَ، فَلَا يُزِيلُ الِاسْمُ الَّذِي لَزِمَهُ مَعْنَى غَيْرِهِ، كَمَا لَا يُزِيلُ عَنِ الزَّانِي اسْمَ زَانٍ، وَعَنِ الْقَاتِلِ اسْمَ قَاتِلٍ تَوْبَتُهُ مِنْهُ، وَلَا مَعْنَى غَيْرِهَا، وَقَدْ أَبَانَ هَذَا الْخَبَرُ أَنَّ الْمُسْتَغْفِرَ مِنْ ذَنْبِهِ غَيْرُ مُصِرٍّ عَلَيْهِ، فَمَعْلُومٌ بِذَلِكَ أَنَّ الْإِصْرَارَ غَيْرُ الْمُوَاقَعَةِ، وَأَنَّهُ الْمُقَامُ عَلَيْهِ عَلَى مَا قُلْنَا قَبْلُ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِمْ: ﴿وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ [آل عمران: ١٣٥] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: وَهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّهُمْ قَدْ أَذْنَبُوا
٦ ‏/ ٦٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: أَمَا ﴿وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ [آل عمران: ١٣٥] «فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُمْ قَدْ أَذْنَبُوا، ثُمَّ أَقَامُوا فَلَمْ يَسْتَغْفِرُوا» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّ الَّذِيَ أَتَوْا مَعْصِيَةُ اللَّهِ
٦ ‏/ ٦٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: ﴿وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ [آل عمران: ١٣٥] قَالَ: «يَعْلَمُونَ مَا حَرَّمْتُ عَلَيْهِمْ مِنْ عُبَادَةِ غَيْرِي» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُنَا أَوْلَى ذَلِكَ بِالصَّوَابِ
٦ ‏/ ٦٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ﴾ [آل عمران: ١٣٦] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: أُولَئِكَ الَّذِينَ ذَكَرَ أَنَّهُ أَعَدَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ الَّتِي عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ مِنَ الْمُتَّقِينَ، وَوَصَفَهُمْ بِهِ، ثُمَّ قَالَ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ هَذِهِ صِفَتُهُمْ ﴿جَزَاؤُهُمْ﴾ [آل عمران: ٨٧] يَعْنِي ثَوَابَهُمْ مِنْ أَعْمَالِهِمُ الَّتِي وَصَفَهُمْ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَنَّهُمْ عَمِلُوهَا، ﴿مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ﴾ [آل عمران: ١٣٦] يَقُولُ: عَفْوٌ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ عَنْ عُقُوبَتِهِمْ عَلَى مَا سَلَفَ مِنْ ذُنُوبِهِمْ، وَلَهُمْ عَلَى مَا أَطَاعُوا اللَّهَ فِيهِ مِنْ أَعْمَالِهِمْ بِالْحَسَنِ مِنْهَا جَنَّاتٌ، وَهِيَ الْبَسَاتِينُ ﴿تَجْرِي مِنْ
٦ ‏/ ٦٩
تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾ [البقرة: ٢٥] يَقُولُ: تَجْرِي خِلَالَ أَشْجَارِهَا الْأَنْهَارُ، وَفِي أَسَافِلِهَا جَزَاءً لَهُمْ عَلَى صَالِحِ أَعْمَالِهِمْ، ﴿خَالِدِينَ فِيهَا﴾ [البقرة: ١٦٢] يَعْنِي دَائِمِي الْمُقَامِ فِي هَذِهِ الْجَنَّاتِ الَّتِي وَصَفَهَا، ﴿وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ﴾ [آل عمران: ١٣٦] يَعْنِي وَنِعْمَ جَزَاءُ الْعَامِلِينَ لِلَّهِ الْجَنَّاتُ الَّتِي وَصَفَهَا
٦ ‏/ ٧٠
كَمَا: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: ﴿أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ﴾ [آل عمران: ١٣٦] «أَيْ ثَوَابُ الْمُطِيعِينَ»
٦ ‏/ ٧٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ﴾ [آل عمران: ١٣٧] يَعْنِي بِقَوْلِهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ﴾ [آل عمران: ١٣٧] مَضَتْ وَسَلَفَتْ مِنِّي فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ يَا مَعْشَرَ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ وَأَهْلِ الْإِيمَانِ بِهِ، مِنْ نَحْوِ قَوْمِ عَادٍ وَثَمُودَ، وَقَوْمِ هُودٍ، وَقَوْمِ لُوطٍ وَغَيْرِهِمْ مِنْ سُلَّافِ الْأُمَمِ قَبْلَكُمْ سُنَنٌ، يَعْنِي ثَلَاثَ سِيَرٍ بِهَا فِيهِمْ وَفِيمَنْ كَذَّبُوا بِهِ مِنْ أَنْبِيَائِهِمُ الَّذِينَ أَرْسِلُوا إِلَيْهِمْ، بِإِمْهَالِي أَهْلَ التَّكْذِيبِ بِهِمْ، وَاسْتِدْرَاجِي إِيَّاهُمْ، حَتَّى بَلَغَ الْكِتَابُ فِيهِمْ أَجَلَهُ الَّذِي أَجَّلْتُهُ لِإِدَالَةِ أَنْبِيَائِهِمْ وَأَهْلِ الْإِيمَانِ بِهِمْ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ أَحْلَلْتُ بِهِمْ عُقُوبَتِي، وَنَزَلَتْ بِسَاحَتِهِمْ نِقْمَتِي، فَتَرَكْتُهُمْ لِمَنْ بَعْدَهُمْ أَمْثَالًا وَعِبَرًا ﴿فَسِيرُوا
٦ ‏/ ٧٠
فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ﴾ [آل عمران: ١٣٧] يَقُولُ: فَسِيرُوا أَيُّهَا الظَّانُّونَ أَنَّ إِدَالَتِي مَنْ أَدَلْتُ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ يَوْمَ أُحُدٍ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ لِغَيْرِ اسْتِدْرَاجٍ مِنِّي لِمَنْ أَشْرَكَ بِي، وَكَفَرَ بِرُسُلِي، وَخَالَفَ أَمْرِي فِي دِيَارِ الْأُمَمِ الَّذِينَ كَانُوا قَبْلَكُمْ، مِمَّنْ كَانَ عَلَى مِثْلِ الَّذِي عَلَيْهِ هَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبُونَ بِرَسُولِي، وَالْجَاحِدُونَ وَحْدَانِيَّتِي، فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ تَكْذِيبِهِمْ أَنْبِيَائِي، وَمَا الَّذِي آلَ إِلَيْهِ عَنْ خِلَافِهِمْ أَمْرِي، وَإِنْكَارِهِمْ وَحْدَانِيَّتِي، فَتَعْلَمُوا عِنْدَ ذَلِكَ أَنَّ إِدَالَتِي مَنْ أَدَلْتُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ عَلَى نَبِيِّي مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ بِأُحُدٍ، إِنَّمَا هِيَ اسْتِدْرَاجٌ وَإِمْهَالٌ، لِيَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ الَّذِي أَجَّلْتُ لَهُمْ، ثُمَّ إِمَّا أَنْ يَئُولَ حَالُهُمْ إِلَى مِثْلِ مَا آلَ إِلَيْهِ حَالُ الْأُمَمِ الَّذِينَ سَلَفُوا قَبْلَهُمْ مِنْ تَعْجِيلِ الْعُقُوبَةِ عَلَيْهِمْ، أَوْ يُنِيبُوا إِلَى طَاعَتِي وَاتِّبَاعِ رَسُولِي. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٦ ‏/ ٧١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، قَالَ: ثنا أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: ثنا عَبَّادٌ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ﴾ [آل عمران: ١٣٧] فَقَالَ: «أَلَمْ تَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ، فَتَنْظُرُوا كَيْفَ عَذَّبَ اللَّهُ قَوْمَ نُوحٍ، وَقَوْمَ لُوطٍ، وَقَوْمَ صَالِحٍ، وَالْأُمَمَ الَّتِي عَذَّبَ اللَّهُ عز وجل؟»
٦ ‏/ ٧١
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ ⦗٧٢⦘ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ﴾ [آل عمران: ١٣٧] يَقُولُ: «فِي الْكُفَّارِ وَالْمُؤْمِنِينَ، وَالْخَيْرِ وَالشَّرِّ»
٦ ‏/ ٧١
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ﴾ [آل عمران: ١٣٧] «فِي الْمُؤْمِنِينَ وَالْكُفَّارِ»
٦ ‏/ ٧٢
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: «اسْتَقْبَلَ ذِكْرَ الْمُصِيبَةِ الَّتِي نَزَلَتْ بِهِمْ – يَعْنِي بِالْمُسْلِمِينَ يَوْمَ أُحُدٍ – وَالْبَلَاءَ الَّذِي أَصَابَهُمْ، وَالتَّمْحِيصَ لِمَا كَانَ فِيهِمْ، وَاتِّخَاذَهُ الشُّهَدَاءَ مِنْهُمْ، فَقَالَ تَعْزِيَةً لَهُمْ، وَتَعْرِيفًا لَهُمْ فِيمَا صَنَعُوا وَمَا هُوَ صَانِعٌ بِهِمْ: ﴿قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ﴾ [آل عمران: ١٣٧] أَيْ قَدْ مَضَتْ مِنِّي وَقَائِعُ نِقْمَةً فِي أَهْلِ التَّكْذِيبِ لِرُسُلِي وَالشِّرْكِ بِي: عَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ لُوطٍ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ، فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ تَرَوْا مَثُلَاتٍ قَدْ مَضَتْ فِيهِمْ، وَلِمَنْ كَانَ عَلَى مِثْلِ مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ مِنِّي، وَإِنْ أَمْكَنْتُ لَهُمْ: أَيْ لِئَلَّا يَظُنُّوا أَنَّ نِقْمَتِي انْقَطَعَتْ عَنْ عَدُوِّهِمْ وَعَدُّوِي لِلدَّوْلَةِ الَّتِي أَدَلْتُهَا عَلَيْكُمْ بِهَا؛ لِأَبْتَلِيَكُمْ بِذَلِكَ، لِأَعْلَمَ مَا عِنْدَكُمْ»
٦ ‏/ ٧٢
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ﴾ [آل عمران: ١٣٧] الْمُكَذِّبِينَ يَقُولُ: «مَتَّعَهُمْ فِي الدُّنْيَا قَلِيلًا، ثُمَّ صَيَّرَهُمْ إِلَى النَّارِ» ⦗٧٣⦘ وَأَمَّا السُّنَنُ، فَإِنَّهَا جَمْعُ سُنَّةٍ، وَالسُّنَّةُ، هِيَ الْمِثَالُ الْمُتَّبَعُ، وَالْإِمَامُ الْمُؤْتَمُّ بِهِ، يُقَالُ مِنْهُ: سَنَّ فُلَانٌ فِينَا سُنَّةً حَسَنَةً، وَسَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً: إِذَا عَمِلَ عَمَلًا اتُّبِعَ عَلَيْهِ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ، وَمِنْهُ قَوْلُ لَبِيدِ بْنِ رَبِيعَةَ:
[البحر الكامل] مِنْ مَعْشَرٍ سَنَّتْ لَهُمْ آبَاؤُهُمْ … وَلِكُلِّ قَوْمٍ سُنَّةٌ وَإِمَامُهَا
وَقَوْلُ سُلَيْمَانَ بْنِ قَتَّةَ:
[البحر الطويل]

وَإِنَّ الْأُلَى بِالطَّفِّ مِنْ آلِ هَاشِمٍ … تَآسَوْا فَسَنُّوا لِلْكِرَامِ التَّآسِيَا
وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي ذَلِكَ مَا:

٦ ‏/ ٧٢
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ﴾ [آل عمران: ١٣٧] قَالَ: «أَمْثَالٌ»
٦ ‏/ ٧٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [آل عمران: ١٣٨] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمَعْنَى الَّذِي أُشِيرَ إِلَيْهِ بِهَذَا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَنَى بِقَوْلِهِ «هَذَا» الْقُرْآنَ
٦ ‏/ ٧٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، قَالَ: ثنا أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ، قَالَ: ثنا عَبَّادٌ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [آل عمران: ١٣٨] قَالَ: «هَذَا الْقُرْآنُ»
٦ ‏/ ٧٤
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ﴾ [آل عمران: ١٣٨] «وَهُوَ هَذَا الْقُرْآنُ جَعَلَهُ اللَّهُ بَيَانًا لِلنَّاسِ عَامَّةً، وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ خُصُوصًا»
٦ ‏/ ٧٤
حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، قَالَ فِي قَوْلِهِ: ﴿هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [آل عمران: ١٣٨] «خَاصَّةً»
٦ ‏/ ٧٤
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا سُوَيْدٌ، قَالَ: ثنا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [آل عمران: ١٣٨] «خَاصَّةً» وَقَالَ آخَرُونَ
٦ ‏/ ٧٤
إِنَّمَا أُشِيرَ بِقَوْلِهِ هَذَا إِلَى قَوْلِهِ: ﴿قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلَكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ﴾ [آل عمران: ١٣٧] ثُمَّ قَالَ: “هَذَا الَّذِي عَرَّفْتُكُمْ يَا مَعْشَرَ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ بَيَانٌ لِلنَّاسِ ⦗٧٥⦘ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، بِذَلِكَ. وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: قَوْلُهُ هَذَا إِشَارَةٌ إِلَى مَا تَقَدَّمَ هَذِهِ الْآيَةَ مِنْ تَذْكِيرِ اللَّهِ جَلَّ ثناؤُهُ الْمُؤْمِنِينَ، وَتَعْرِيفِهِمْ حُدُودَهُ، وَحَضِّهِمْ عَلَى لُزُومِ طَاعَتِهِ، وَالصَّبْرِ عَلَى جِهَادِ أَعْدَائِهِ وَأَعْدَائِهِمْ، لِأَنَّ قَوْلَهُ «هَذَا» إِشَارَةٌ إِلَى حَاضِرٍ، إِمَّا مَرْئِي، وَإِمَّا مَسْمُوعٌ، وَهُوَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ إِلَى حَاضِرٍ مَسْمُوعٍ مِنَ الْآيَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ. فَمَعْنَى الْكَلَامِ: هَذَا الَّذِي أَوْضَحْتُ لَكُمْ وَعَرَّفْتُكُمُوهُ، بَيَانٌ لِلنَّاسِ؛ يَعْنِي بِالْبَيَانِ الشَّرْحَ وَالتَّفْسِيرَ
٦ ‏/ ٧٤
كَمَا: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: ﴿هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ﴾ [آل عمران: ١٣٨] «أَيْ هَذَا تَفْسِيرٌ لِلنَّاسِ إِنْ قَبِلُوهُ»
٦ ‏/ ٧٥
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمٍ، وَالْمُثَنَّى، قَالَا: ثنا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ بَيَانٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ: ﴿هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ﴾ [آل عمران: ١٣٨] قَالَ: «مِنَ الْعَمَى» حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، مِثْلَهُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ﴾ [آل عمران: ١٣٨] فَإِنَّهُ يَعْنِي بِالْهُدَى الدَّلَالَةَ عَلَى سَبِيلِ الْحَقِّ وَمَنْهَجِ الدِّينِ، وَبِالْمَوْعِظَةِ التَّذْكِرَةَ لِلصَّوَابِ وَالرَّشَادِ
٦ ‏/ ٧٥
كَمَا: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمٍ، وَالْمُثَنَّى، قَالَا: ثنا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ بَيَانٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ: ﴿وَهُدًى﴾ [آل عمران: ١٣٨] قَالَ: «مِنَ الضَّلَالَةِ» ﴿وَمَوْعِظَةٌ﴾ [آل عمران: ١٣٨] «مِنَ الْجَهْلِ» حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنْ بَيَانٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ مِثْلَهُ
٦ ‏/ ٧٦
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: ﴿لِلْمُتَّقِينَ﴾ [آل عمران: ١٣٨] «أَيْ لِمَنْ أَطَاعَنِي وَعَرَفَ أَمْرِي»
٦ ‏/ ٧٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران: ١٣٩] وَهَذَا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ تَعْزِيَةٌ لِأَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ مِنَ الْجِرَاحِ وَالْقَتْلِ بِأُحُدٍ، قَالَ: وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا يَا أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ، يَعْنِي وَلَا تَضْعُفُوا بِالَّذِي نَالَكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ بِأُحُدٍ مِنَ الْقَتْلِ وَالْقُرُوحِ، عَنْ جِهَادِ عَدُوِّكُمْ وَحَرْبِهِمْ، مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: وَهَنَ فُلَانٌ فِي هَذَا الْأَمْرِ فَهُوَ يَهِنُ وَهْنًا: ﴿وَلَا تَحْزَنُوا﴾ [آل عمران: ١٣٩] وَلَا تَأْسَوْا فَتَجْزَعُوا عَلَى مَا أَصَابَكُمْ مِنَ الْمُصِيبَةِ يَوْمَئِذٍ، فَإِنَّكُمْ أَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ، يَعْنِي الظَّاهِرُونَ عَلَيْهِمْ، وَلَكُمُ الْعُقْبَى فِي الظَّفَرِ وَالنُّصْرَةِ عَلَيْهِمْ، يَقُولُ: إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ، يَقُولُ: إِنْ كُنْتُمْ مُصَدِّقِي نَبِيِّي مُحَمَّدٍ ﷺ فِيمَا يَعِدُكُمْ، وَفِيمَا يُنْبِئُكُمْ
٦ ‏/ ٧٦
مِنَ الْخَبَرِ عَمَّا يَئُولُ إِلَيْهِ أَمْرُكُمْ وَأَمْرُهُمْ
٦ ‏/ ٧٧
كَمَا: حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: “كَثُرَ فِي أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ ﷺ الْقَتْلُ وَالْجِرَاحُ، حَتَّى خَلَصَ إِلَى كُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمُ الْيَأْسُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل الْقُرْآنَ، فَآسَى فِيهِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَحْسَنِ مَا آسَى بِهِ قَوْمًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا قَبْلَهُمْ مِنَ الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ فَقَالَ: ﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران: ١٣٩] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ﴾ [آل عمران: ١٥٤]
٦ ‏/ ٧٧
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران: ١٣٩] «يُعَزِّي أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ ﷺ كَمَا تَسْمَعُونَ، وَيَحُثُّهُمْ عَلَى قِتَالِ عَدُوِّهِمْ، وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْعَجْزِ وَالْوَهَنِ فِي طَلَبِ عَدُوِّهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ»
٦ ‏/ ٧٧
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، قَالَ: ثنا أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ، قَالَ: ثنا عَبَّادٌ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران: ١٣٩] قَالَ: يَأْمُرُ مُحَمَّدًا يَقُولُ: وَلَا تَهِنُوا أَنْ تَمْضُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ “
٦ ‏/ ٧٧
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ عز وجل: ﴿وَلَا تَهِنُوا﴾ [آل عمران: ١٣٩] «وَلَا تَضْعُفُوا» ⦗٧٨⦘ حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
٦ ‏/ ٧٧
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا﴾ [آل عمران: ١٣٩] يَقُولُ: «وَلَا تَضْعُفُوا»
٦ ‏/ ٧٨
حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: ﴿وَلَا تَهِنُوا﴾ [آل عمران: ١٣٩] قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: «وَلَا تَضْعُفُوا فِي أَمْرِ عَدُوِّكُمْ» ﴿وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ﴾ [آل عمران: ١٣٩] قَالَ: “انْهَزَمَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي الشِّعْبِ، فَقَالُوا: مَا فَعَلَ فُلَانٌ؟ مَا فَعَلَ فُلَانٍ؟ فَنَعَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَتَحَدَّثُوا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَدْ قُتِلَ، فَكَانُوا فِي هَمٍّ وَحُزْنٍ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ، إِذْ عَلَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ الْجَبَلَ بِخَيْلِ الْمُشْرِكِينَ فَوْقَهُمْ وَهُمْ أَسْفَلَ فِي الشِّعْبِ؛ فَلَمَّا رَأَوُا النَّبِيَّ ﷺ فَرِحُوا، وَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «اللَّهُمَّ لَا قُوَّةَ لَنَا إِلَّا بِكَ، وَلَيْسَ يَعْبُدُكَ بِهَذِهِ الْبَلْدَةِ غَيْرُ هَؤُلَاءِ النَّفَرِ» قَالَ: وَثَابَ نَفَرٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ رُمَاةٌ فَصَعِدُوا فَرَمَوْا خَيْلَ الْمُشْرِكِينَ حَتَّى هَزَمَهُمُ اللَّهُ، وَعَلَا الْمُسْلِمُونَ الْجَبَلَ؛ فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران: ١٣٩]
٦ ‏/ ٧٨
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: ﴿وَلَا تَهِنُوا﴾ [آل عمران: ١٣٩] «أَيْ لَا ⦗٧٩⦘ تَضْعُفُوا» ﴿وَلَا تَحْزَنُوا﴾ [آل عمران: ١٣٩] «وَلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا أَصَابَكُمْ» ﴿وَأَنْتُمْ الْأَعْلَوْنَ﴾ [آل عمران: ١٣٩] «أَيْ لَكُمْ تَكُونُ الْعَاقِبَةُ وَالظُّهُورُ» ﴿إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [البقرة: ٩١] «إِنْ كُنْتُمْ صَدَّقْتُمْ نَبِيِّي، بِمَا جَاءَكُمْ بِهِ عَنِي»
٦ ‏/ ٧٨
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَقْبَلَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ يُرِيدُ أَنْ يَعْلُوَ عَلَيْهِمُ الْجَبَلَ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «اللَّهُمَّ لَا يَعْلُونَ عَلَيْنَا» فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل: ﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران: ١٣٩]
٦ ‏/ ٧٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾ [آل عمران: ١٤٠] اخْتَلَفَ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْحِجَازِ وَالْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ: ﴿إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ﴾ [آل عمران: ١٤٠] كِلَاهُمَا بِفَتْحِ الْقَافِ، بِمَعْنَى: إِنْ يَمْسَسْكُمُ الْقَتْلُ وَالْجِرَاحُ يَا مَعْشَرَ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ، فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ مِنْ أَعْدَائِكُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَرْحُ قَتْلٍ وَجِرَاحٍ مِثْلُهُ، وَقَرَأَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ: (إِنْ يَمْسَسْكُمْ قُرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قُرْحٌ مِثْلُهُ) وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ بِالصَّوَابِ، قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ: ﴿إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ
٦ ‏/ ٧٩
قَرْحٌ مِثْلُهُ﴾ [آل عمران: ١٤٠] بِفَتْحِ الْقَافِ فِي الْحَرْفَيْنِ لِإِجْمَاعِ أَهْلِ التَّأْوِيلِ عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ الْقَتْلُ وَالْجِرَاحُ، فَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقِرَاءَةَ هِيَ الْفَتْحُ. وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ يَزْعُمُ أَنَّ الْقَرْحَ وَالْقُرْحَ لُغَتَانِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَالْمَعْرُوفُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِكَلَامِ الْعَرَبِ مَا قُلْنَا
٦ ‏/ ٨٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ: إِنَّ الْقَرْحَ الْجِرَاحُ وَالْقَتْلُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ﴾ [آل عمران: ١٤٠] قَالَ: «جِرَاحٌ وَقَتْلٌ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
٦ ‏/ ٨٠
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، قَالَ: ثنا أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ، عَنْ عَبَّادٍ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مُثْلُهُ﴾ [آل عمران: ١٤٠] قَالَ: «إِنْ يَقْتُلُوا مِنْكُمْ يَوْمَ أُحُدٍ، فَقَدْ قَتَلْتُمْ مِنْهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ»
٦ ‏/ ٨٠
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ، ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ﴾ [آل عمران: ١٤٠] «وَالْقَرْحُ: الْجِرَاحَةُ، وَذَاكُمْ يَوْمَ أُحُدٍ، فَشَا فِي أَصْحَابِ نَبِيِّ اللَّهِ ﷺ يَوْمَئِذٍ الْقَتْلُ وَالْجِرَاحَةُ، فَأَخْبَرَهُمُ اللَّهُ عز وجل أَنَّ الْقَوْمَ قَدْ ⦗٨١⦘ أَصَابَهُمْ مِنْ ذَلِكَ مِثْلُ الَّذِي أَصَابَكُمْ، وَأَنَّ الَّذِي أَصَابَكُمْ عُقُوبَةٌ»
٦ ‏/ ٨٠
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ﴾ [آل عمران: ١٤٠] قَالَ: “ذَلِكَ يَوْمَ أُحُدٍ، فَشَا فِي الْمُسْلِمِينَ الْجِرَاحُ، وَفَشَا فِيهِمُ الْقَتْلُ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ﴾ [آل عمران: ١٤٠] يَقُولُ: «إِنْ كَانَ أَصَابَكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ أَصَابَ عَدُوَّكُمْ مِثْلُهُ، يُعَزِّي أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ ﷺ وَيَحُثُّهُمْ عَلَى الْقِتَالِ»
٦ ‏/ ٨١
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ﴾ [آل عمران: ١٤٠] وَالْقَرْحُ: «هِيَ الْجِرَاحَاتُ»
٦ ‏/ ٨١
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: ﴿إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ﴾ [آل عمران: ١٤٠] «أَيْ جِرَاحٌ» ﴿فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ﴾ [آل عمران: ١٤٠] «أَيْ جِرَاحٌ مِثْلُهَا»
٦ ‏/ ٨١
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: ثنا الْحَكَمُ بْنُ أَبَانَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: “نَامَ الْمُسْلِمُونَ وَبِهِمُ الْكُلُومُ – يَعْنِي يَوْمَ أُحُدٍ – قَالَ عِكْرِمَةُ: وَفِيهِمْ أُنْزِلَتْ: ﴿إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ﴾ [آل عمران: ١٤٠] فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَفِيهِمْ أُنْزِلَتْ: ﴿إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا ⦗٨٢⦘ يَرْجُونَ﴾ [النساء: ١٠٤]، وَأَمَّا تَأْوِيلُ قَوْلِهِ: ﴿إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ﴾ [آل عمران: ١٤٠] فَإِنَّهُ: «إِنْ يُصِبْكُمْ»
٦ ‏/ ٨١
كَمَا: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثنا عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿إِنْ يَمْسَسْكُمْ﴾ [آل عمران: ١٤٠] «إِنْ يُصِبْكُمْ»
٦ ‏/ ٨٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ﴾ [آل عمران: ١٤٠] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ﴾ [آل عمران: ١٤٠] أَيَّامَ بَدْرٍ وَأُحُدٍ، وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ: ﴿نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ﴾ [آل عمران: ١٤٠] نَجْعَلُهَا دُوَلًا بَيْنَ النَّاسِ مُصَرَّفَةً، وَيَعْنِي بِالنَّاسِ: الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ عز وجل أَدَالَ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ بِبَدْرٍ، فَقَتَلُوا مِنْهُمْ سَبْعِينَ، وَأَسَرُوا سَبْعِينَ، وَأَدَالَ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بِأُحُدٍ، فَقَتَلُوا مِنْهُمْ سَبْعِينَ سِوَى مَنْ جَرَحُوا مِنْهُمْ، يُقَالُ مِنْهُ: أَدَالَ اللَّهُ فُلَانًا مِنْ فُلَانٍ فَهُوَ يُدِيلُهُ مِنْهُ إِدَالَةً إِذَا ظَفَرَ بِهِ فَانْتَصَرَ مِنْهُ مِمَّا كَانَ نَالَ مِنْهُ الْمُدَالُ مِنْهُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٦ ‏/ ٨٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، قَالَ: ثنا أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ، عَنْ عَبَّادٍ، عَنِ الْحَسَنِ: ﴿وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ﴾ [آل عمران: ١٤٠] قَالَ: «جَعَلَ اللَّهُ الْأَيَّامَ دُوَلًا، أَدَالَ الْكُفَّارَ يَوْمَ أُحُدٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ»
٦ ‏/ ٨٣
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ﴾ [آل عمران: ١٤٠] «إِنَّهُ وَاللَّهِ لَوْلَا الدُّوَلُ مَا أُوذِيَ الْمُؤْمِنُونَ، وَلَكِنْ قَدْ يُدَالُ لِلْكَافِرِ مِنَ الْمُؤْمِنِ، وَيُبْتَلَى الْمُؤْمِنُ بِالْكَافِرِ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يُطِيعُهُ مِمَّنْ يَعْصِيهِ وَيَعْلَمَ الصَّادِقَ مِنَ الْكَاذِبِ»
٦ ‏/ ٨٣
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، قَوْلُهُ: ﴿وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ﴾ [آل عمران: ١٤٠] «فَأَظْهَرَ اللَّهُ عز وجل نَبِيَّهُ ﷺ وَأَصْحَابَهُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ، وَأَظْهَرَ عَلَيْهِمْ عَدُوَّهُمْ يَوْمَ أُحُدٍ. وَقَدْ يُدَالُ الْكَافِرُ مِنَ الْمُؤْمِنِ، وَيُبْتَلَى الْمُؤْمِنُ بِالْكَافِرِ، لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يُطِيعُهُ مِمَّنْ يَعْصِيهِ وَيَعْلَمَ الصَّادِقَ مِنَ الْكَاذِبِ، وَأَمَّا مَنِ ابْتُلِيَ مِنْهُمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ أُحُدٍ، فَكَانَ عُقُوبَةً بِمَعْصِيَتِهِمْ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ»
٦ ‏/ ٨٣
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ﴾ [آل عمران: ١٤٠] «يَوْمًا لَكُمْ، وَيَوْمًا عَلَيْكُمْ»
٦ ‏/ ٨٤
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ﴿نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ﴾ [آل عمران: ١٤٠] قَالَ: «أَدَالَ الْمُشْرِكِينَ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ يَوْمَ أُحُدٍ»
٦ ‏/ ٨٤
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ﴾ [آل عمران: ١٤٠] «فَإِنَّهُ كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ بِيَوْمِ بَدْرٍ، قُتِلَ الْمُؤْمِنُونَ يَوْمَ أُحُدٍ، اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْهُمْ شُهَدَاءَ، وَغَلَبَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ بَدْرٍ الْمُشْرِكِينَ، فَجَعَلَ لَهُ الدَّوْلَةَ عَلَيْهِمْ»
٦ ‏/ ٨٤
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: ثنا الْحَكَمُ بْنُ أَبَانَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:»لَمَّا كَانَ قِتَالُ أُحُدٍ، وَأَصَابَ الْمُسْلِمِينَ مَا أَصَابَ، صَعِدَ النَّبِيُّ ﷺ الْجَبَلَ، فَجَاءَ أَبُو سُفْيَانَ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، يَا مُحَمَّدُ، أَلَا تَخْرُجُ، أَلَا تَخْرُجُ؟ الْحَرْبُ سِجَالٌ، يَوْمٌ لَنَا، وَيَوْمٌ لَكُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِأَصْحَابِهِ: «أَجِيبُوهُ» فَقَالُوا: لَا سَوَاءٌ لَا سَوَاءٌ، قَتْلَانَا فِي الْجَنَّةِ، وَقَتْلَاكُمْ فِي النَّارِ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: لَنَا عُزَّى، وَلَا عُزَّى لَكُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «قُولُوا: اللَّهُ مَوْلَانَا وَلَا مَوْلًى لَكُمْ». فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: اعْلُ هُبَلُ فَقَالَ رَسُولُ ⦗٨٥⦘ اللَّهِ ﷺ، وَقُولُوا: «اللَّهُ أَعْلَى وَأَجَلُّ» . فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: مَوْعِدُكُمْ وَمَوْعِدُنَا بَدْرٌ الصُّغْرَى، قَالَ عِكْرِمَةُ: وَفِيهِمْ أُنْزِلَتْ: ﴿وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ﴾ [آل عمران: ١٤٠]
٦ ‏/ ٨٤
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ﴾ [آل عمران: ١٤٠] «فَإِنَّهُ أَدَالَ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ يَوْمَ أُحُدٍ»
٦ ‏/ ٨٥
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: ﴿وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ﴾ [آل عمران: ١٤٠] «أَيْ نُصَرِّفُهَا لِلنَّاسِ بِالْبَلَاءِ وَالتَّمْحِيصِ»
٦ ‏/ ٨٥
حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ الْحَجَبِيُّ، قَالَ: ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ﴾ [آل عمران: ١٤٠] قَالَ: «يَعْنِي الْأُمَرَاءَ»
٦ ‏/ ٨٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾ [آل عمران: ١٤٠] يَعْنِي بِذَلِكَ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْكَلَامِ وَاوٌ لَكَانَ قَوْلُهُ: «لِيَعْلَمَ» مُتَّصِلًا بِمَا قَبْلَهُ، وَكَانَ: وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ لِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا، وَلَكِنْ لَمَّا دَخَلَتِ الْوَاوُ فِيهِ
٦ ‏/ ٨٥
آذَنَتْ بِأَنَّ الْكَلَامَ مُتَّصِلٌ بِمَا قَبْلَهَا، وَأَنَّ بَعْدَهَا خَبَرًا مَطْلُوبًا لِلَّامِ الَّتِي فِي قَوْلِهِ: «وَلِيَعْلَمَ»، مُتَعَلِّقَةً بِهِ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَكَيْفَ قِيلَ: ﴿وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [آل عمران: ١٤٠] مَعْرِفَةً، وَأَنْتَ لَا تَسْتَجِيزُ فِي الْكَلَامِ: قَدْ سَأَلْتُ فَعَلِمْتُ عَبْدَ اللَّهِ، وَأَنْتَ تُرِيدُ: عَلِمْتُ شَخْصَهُ، إِلَّا أَنْ تُرِيدَ: عَلِمْتُ صِفَتَهُ وَمَا هُوَ؟ قِيلَ: إِنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا جَازَ مَعَ الَّذِينَ؛ لِأَنَّ فِي «الَّذِينَ» تَأْوِيلَ «مَنْ» وَ«أَيٍّ»، وَكَذَلِكَ جَائِزٌ مِثْلُهُ فِي الْأَلْفِ وَاللَّامِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ﴾ [العنكبوت: ٣]؛ لِأَنَّ فِي الْأَلْفِ وَاللَّامِ مِنْ تَأْوِيلِ «أَيٍّ»، وَ«مَنْ» مِثْلَ الَّذِي فِي «الَّذِي»، وَلَوْ جُعِلَ مَعَ الِاسْمِ الْمَعْرِفَةِ اسْمٌ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى «أَيِّ» جَازَ، كَمَا يُقَالُ: سَأَلْتُ لِأَعْلَمَ عَبْدَ اللَّهِ مِنْ عَمْرٍو، وَيُرَادُ بِذَلِكَ: لِأَعْرِفَ هَذَا مِنْ هَذَا. فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ: وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ أَيُّهَا الْقَوْمُ مِنَ الَّذِينَ نَافَقُوا مِنْكُمْ، نُدَاوِلُ بَيْنَ النَّاسِ، فَاسْتَغْنَى بِقَوْلِهِ: ﴿وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [آل عمران: ١٤٠] مِنْكُمْ، عَنْ ذِكْرِ قَوْلِهِ: ﴿الَّذِينَ نَافَقُوا﴾ [آل عمران: ١٦٧] لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ، إِذْ كَانَ فِي قَوْلِهِ: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [البقرة: ١٤] تَأْوِيلُ «أَيٍّ» عَلَى مَا وَصَفْنَا فَكَأَنَّهُ قِيلَ: وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ أَيُّكُمُ الْمُؤْمِنُ، كَمَا قَالَ جَلَّ ثناؤُهُ: ﴿لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى﴾ [الكهف: ١٢] غَيْرَ أَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ وَالَّذِي وَمَنْ، إِذَا وُضِعَتْ مَعَ الْعِلْمِ مَوْضِعَ أَيٍّ نُصِبَتْ بِوُقُوعِ الْعِلْمِ
٦ ‏/ ٨٦
عَلَيْهِ، كَمَا قِيلَ: ﴿وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ﴾ [العنكبوت: ٣]، فَأَمَّا «أَيُّ» فَإِنَّهَا تُرْفَعُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ﴾ [آل عمران: ١٤٠] فَإِنَّهُ يَعْنِي: وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا، وَلِيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ: أَيْ لِيُكْرِمَ مِنْكُمْ بِالشَّهَادَةِ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُكْرِمَهُ بِهَا، وَالشُّهَدَاءُ جَمْعُ شَهِيدٍ
٦ ‏/ ٨٧
كَمَا: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: ﴿وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ﴾ [آل عمران: ١٤٠] «أَيْ لِيُمَيِّزَ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُنَافِقِينَ، وَلْيُكْرِمَ مَنْ أَكْرَمَ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ بِالشَّهَادَةِ»
٦ ‏/ ٨٧
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، قِرَاءَةً عَلَى ابْنِ جُرَيْجٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخُذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ﴾ [آل عمران: ١٤٠] قَالَ: «فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا يَسْأَلُونَ رَبَّهُمْ: رَبَّنَا أَرِنَا يَوْمًا كَيَوْمِ بَدْرٍ، نُقَاتِلُ فِيهِ الْمُشْرِكِينَ، وَنُبْلِيكَ فِيهِ خَيْرًا، وَنَلْتَمِسُ فِيهِ الشَّهَادَةَ فَلَقُوا الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ أُحُدٍ، فَاتَّخَذَ مِنْهُمْ شُهَدَاءَ»
٦ ‏/ ٨٧
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ﴾ [آل عمران: ١٤٠] «فَكَرَّمَ اللَّهُ أَوْلِيَاءَهُ بِالشَّهَادَةِ بِأَيْدِي عَدُوِّهِمْ، ثُمَّ تَصِيرُ حَوَاصِلُ الْأُمُورِ وَعَوَاقِبُهَا لِأَهْلِ طَاعَةِ اللَّهِ»
٦ ‏/ ٨٧
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: ﴿وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ﴾ [آل عمران: ١٤٠] قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «كَانُوا يَسْأَلُونَ الشَّهَادَةَ، فَلَقُوا الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ أُحُدٍ، فَاتَّخَذَ مِنْهُمْ شُهَدَاءَ»
٦ ‏/ ٨٨
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ﴾ [آل عمران: ١٤٠] «كَانَ الْمُسْلِمُونَ يَسْأَلُونَ رَبَّهُمْ أَنْ يُرِيَهُمْ يَوْمًا كَيَوْمِ بَدْرٍ، يُبْلَوْنَ فِيهِ خَيْرًا، وَيُرْزَقُونَ فِيهِ الشَّهَادَةَ، وَيُرْزَقُونَ الْجَنَّةَ وَالْحَيَاةَ وَالرِّزْقَ، فَلَقِيَ الْمُسْلِمُونَ يَوْمَ أُحُدٍ فَاتَّخَذَ اللَّهُ مِنْهُمْ شُهَدَاءَ، وَهُمُ الَّذِينَ ذَكَرَهُمُ اللَّهُ عز وجل، فَقَالَ ﴿وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ﴾ [البقرة: ١٥٤]» الْآيَةَ وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾ [آل عمران: ٥٧] فَإِنَّهُ يَعْنِي بِهِ: «الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَعْصِيَتِهِمْ رَبَّهُمْ»
٦ ‏/ ٨٨
كَمَا: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: ﴿وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾ [آل عمران: ٥٧]: «أَيِ الْمُنَافِقِينَ الَّذِي يُظْهِرُونَ بِأَلْسِنَتِهِمُ الطَّاعَةَ وَقُلُوبُهُمْ مُصِرَّةٌ عَلَى الْمَعْصِيَةِ»
٦ ‏/ ٨٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ﴾ [آل عمران: ١٤١] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [آل عمران: ١٤١] وَلِيَخْتَبِرَ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَيَبْتَلِيَهُمْ بِإِدَالَةِ الْمُشْرِكِينَ مِنْهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ الْمُؤْمِنَ مِنْهُمُ الْمُخْلِصَ الصَّحِيحَ الْإِيمَانِ مِنَ الْمُنَافِقِ
٦ ‏/ ٨٩
كَمَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [آل عمران: ١٤١] قَالَ: «لِيَبْتَلِيَ» حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
٦ ‏/ ٨٩
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، قَالَ: ثنا أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ، عَنْ عَيَّادٍ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [آل عمران: ١٤١] قَالَ: «لِيُمَحِّصَ اللَّهُ الْمُؤْمِنَ حَتَّى يُصَدِّقَ»
٦ ‏/ ٨٩
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [آل عمران: ١٤١] يَقُولُ: «يَبْتَلِيَ الْمُؤْمِنِينَ»
٦ ‏/ ٨٩
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ ⦗٩٠⦘ ابْنُ عَبَّاسٍ: ﴿وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [آل عمران: ١٤١] قَالَ: «يَبْتَلِيَهُمْ»
٦ ‏/ ٨٩
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ﴾ [آل عمران: ١٤١] «فَكَانَ تَمْحِيصًا لِلْمُؤْمِنِينَ، وَمَحْقًا لِلْكَافِرِينَ»
٦ ‏/ ٩٠
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: ﴿وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [آل عمران: ١٤١] «أَيْ يَخْتَبِرَ الَّذِينَ آمَنُوا حَتَّى يُخَلِّصُهُمْ بِالْبَلَاءِ الَّذِي نَزَلَ بِهِمْ، وَكَيْفَ صَبْرُهُمْ وَيَقِينُهُمْ»
٦ ‏/ ٩٠
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ﴾ [آل عمران: ١٤١] قَالَ: «يَمْحَقُ مَنْ مَحَقَ فِي الدُّنْيَا، وَكَانَ بَقِيَّةُ مَنْ يَمْحَقُ فِي الْآخِرَةِ فِي النَّارِ» وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ﴾ [آل عمران: ١٤١] فَإِنَّهُ يَعْنِي بِهِ: أَنَّهُ يُنْقِصُهُمْ وَيُفْنِيهِمْ، يُقَالُ مِنْهُ: مَحَقَ فُلَانٌ هَذَا الطَّعَامَ: إِذَا نَقَصَهُ أَوْ أَفْنَاهُ، يَمْحَقُهُ مَحْقًا، وَمِنْهُ قِيلَ لِمُحَاقِ الْقَمَرِ: مُحَاقٌ، وَذَلِكَ نُقْصَانُهُ وَفَنَاؤُهُ
٦ ‏/ ٩٠
كَمَا: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ﴿وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ﴾ [آل عمران: ١٤١] قَالَ: «يَنْقُصُهُمْ»
٦ ‏/ ٩٠
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، قَالَ: ثنا أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ، عَنْ عَبَّادٍ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ﴾ [آل عمران: ١٤١] قَالَ: «يَمْحَقُ الْكَافِرَ حَتَّى يُكَذِّبَهُ»
٦ ‏/ ٩١
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: ﴿وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ﴾ [آل عمران: ١٤١] «أَيْ يُبْطِلَ مِنَ الْمُنَافِقِينَ قَوْلَهُمْ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ، حَتَّى يُظْهِرَ مِنْهُمْ كُفْرَهُمُ الَّذِي يَسْتَتِرُونَ بِهِ مِنْكُمْ»
٦ ‏/ ٩١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهِدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ﴾ [آل عمران: ١٤٢] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثناؤُهُ: أَمْ حَسِبْتُمْ يَا مَعْشَرَ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ، وَظَنَنْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ، وَتَنَالُوا كَرَامَةَ رَبِّكُمْ، وَشَرَفَ الْمَنَازِلِ عِنْدَهُ؛ ﴿وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ﴾ [آل عمران: ١٤٢] يَقُولُ: وَلَمَّا يَتَبَيَّنْ لِعِبَادِي الْمُؤْمِنِينَ، الْمُجَاهِدُ مِنْكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، عَلَى مَا أَمَرَهُ بِهِ، وَقَدْ بَيَّنْتُ مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ﴾ [آل عمران: ١٤٢] وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ بِأَدِلَّتِهِ فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ وَقَوْلُهُ: ﴿وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ﴾ [آل عمران: ١٤٢] يَعْنِي الصَّابِرِينَ عِنْدَ الْبَأْسِ عَلَى مَا يَنَالُهُمْ فِي ذَاتِ اللَّهِ مِنْ جَرْحٍ وَأَلَمٍ وَمَكْرُوهٍ
٦ ‏/ ٩١
كَمَا: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ﴾ [البقرة: ٢١٤] «وَتُصِيبُوا مِنْ ثَوَابِي الْكَرَامَةَ وَلَمْ أَخْتَبِرْكُمْ بِالشِّدَّةِ أَبْتَلِيَكُمْ بِالْمَكَارِهِ، حَتَّى أَعْلَمَ صِدْقَ ذَلِكَ مِنْكُمُ الْإِيمَانَ بِي وَالصَّبْرَ عَلَى مَا أَصَابَكُمْ فِيَّ» وَنَصَبَ ﴿وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ﴾ [آل عمران: ١٤٢] عَلَى الصَّرْفِ، وَالصَّرْفُ أَنْ يَجْتَمِعَ فِعْلَانِ بِبَعْضِ حُرُوفِ النَّسَقِ، وَفِي أَوَّلِهِ مَا لَا يَحْسُنُ إِعَادَتُهُ مَعَ حَرْفِ النَّسَقِ، فَيُنْصَبُ الَّذِي بَعْدَ حَرْفِ الْعَطْفِ عَلَى الصَّرْفِ؛ لِأَنَّهُ مَصْرُوفٌ عَنْ مَعْنَى الْأَوَّلِ، وَلَكِنْ يَكُونُ مَعَ جَحْدٍ أَوِ اسْتِفْهَامٍ أَوْ نَهْيٍ فِي أَوَّلِ الْكَلَامِ، وَذَلِكَ كَقَوْلِهِمْ: لَا يَسَعُنِي شَيْءٌ وَيَضِيقُ عَنْكَ؛ لِأَنَّ «لَا» الَّتِي مَعَ «يَسَعُنِي» لَا يَحْسُنُ إِعَادَتُهَا مَعَ قَوْلِهِ: «وَيَضِيقُ عَنْكَ»، فَلِذَلِكَ نُصِبَ، وَالْقُرَّاءُ فِي هَذَا الْحَرْفِ عَلَى النَّصَبِ؛ وَقَدْ رُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ: (وَيَعْلَمِ الصَّابِرِينَ) فَيَكْسِرُ الْمِيمَ مِنْ «يَعْلَمِ»؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَنْوِي جَزْمَهَا عَلَى الْعَطْفِ بِهِ عَلَى قَوْلِهِ: ﴿وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ﴾ [آل عمران: ١٤٢]
٦ ‏/ ٩٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ
٦ ‏/ ٩٢
رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ﴾ [آل عمران: ١٤٣] يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثناؤُهُ: ﴿وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ﴾ [آل عمران: ١٤٣] وَلَقَدْ كُنْتُمْ يَا مَعْشَرَ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ يَعْنِي أَسْبَابَ الْمَوْتِ وَذَلِكَ الْقِتَالَ؛ ﴿فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ﴾ [آل عمران: ١٤٣] فَقَدْ رَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَهُ، وَالْهَاءُ فِي قَوْلِهِ ﴿رَأَيْتُمُوهُ﴾ [آل عمران: ١٤٣]، عَائِدَةٌ عَلَى الْمَوْتِ، وَمَعْنَى: ﴿وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ﴾ [البقرة: ٥٠] يَعْنِي: قَدْ رَأَيْتُمُوهُ بِمَرْأًى مِنْكُمْ وَمَنْظَرٍ: أَيْ بِقُرْبٍ مِنْكُمْ، وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ يَزْعُمُ أَنَّهُ قِيلَ: ﴿وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ﴾ [البقرة: ٥٠] عَلَى وَجْهِ التَّوْكِيدِ لِلْكَلَامِ، كَمَا يُقَالُ: رَأَيْتُهُ عِيَانًا، وَرَأَيْتُهُ بِعَيْنَيَّ، وَسَمِعْتُهُ بِأُذُنَيَّ؛ وَإِنَّمَا قِيلَ: ﴿وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ﴾ [آل عمران: ١٤٣]، لِأَنَّ قَوْمًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِمَّنْ لَمْ يَشْهَدْ بَدْرًا، كَانُوا يَتَمَنَّوْنَ قَبْلَ أُحُدٍ يَوْمًا مِثْلَ يَوْمِ بَدْرٍ، فَيُبْلُوا اللَّهَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ خَيْرًا، وَيَنَالُوا مِنَ الْأَجْرِ مِثْلَ مَا نَالَ أَهْلُ بَدْرٍ؛ فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ فَرَّ بَعْضُهُمْ وَصَبَرَ بَعْضُهُمْ، حَتَّى أَوْفَى بِمَا كَانَ عَاهَدَ اللَّهَ قَبْلَ ذَلِكَ، فَعَاتَبَ اللَّهُ مَنْ فَرَّ مِنْهُمْ، فَقَالَ: ﴿وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ﴾ [آل عمران: ١٤٣] الْآيَةَ، وَأَثْنَى عَلَى الصَّابِرِينَ مِنْهُمْ وَالْمُوفِينَ بِعَهْدِهِمْ
٦ ‏/ ٩٣
ذِكْرُ الْأَخْبَارِ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي ⦗٩٤⦘ نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ﴾ [آل عمران: ١٤٣] قَالَ: «غَابَ رِجَالٌ عَنْ بَدْرٍ، فَكَانُوا يَتَمَنَّوْنَ مِثْلَ يَوْمِ بَدْرٍ أَنْ يَلْقَوْهُ، فَيُصِيبُوا مِنَ الْخَيْرِ وَالْأَجْرِ مِثْلَ مَا أَصَابَ أَهْلُ بَدْرٍ. فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ وَلَّى مَنْ وَلَّى، فَعَاتَبَهُمُ اللَّهُ أَوْ فَعَابَهُمْ، أَوْ فَعَتَبَهُمْ عَلَى ذَلِكَ» شَكَّ أَبُو عَاصِمٍ حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ نَحْوَهُ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: فَعَاتَبَهُمُ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ، وَلَمْ يَشُكَّ
٦ ‏/ ٩٣
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ﴾ [آل عمران: ١٤٣] «أُنَاسٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَمْ يَشْهَدُوا يَوْمَ بَدْرٍ وَالَّذِي أَعْطَى اللَّهُ أَهْلَ بَدْرٍ مِنَ الْفَضْلِ وَالشَّرَفِ وَالْأَجْرِ، فَكَانُوا يَتَمَنَّوْنَ أَنْ يُرْزَقُوا قِتَالًا فَيُقَاتِلُوا، فَسِيقَ إِلَيْهِمُ الْقِتَالُ حَتَّى كَانَ فِي نَاحِيَةِ الْمَدِينَةِ يَوْمَ أُحُدٍ، فَقَالَ اللَّهُ عز وجل كَمَا تَسْمَعُونَ: ﴿وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ﴾ [آل عمران: ١٤٣] حَتَّى بَلَغَ: ﴿الشَّاكِرِينَ﴾ [آل عمران: ١٤٤]»
٦ ‏/ ٩٤
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ ⦗٩٥⦘ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ﴾ [آل عمران: ١٤٣] قَالَ: «كَانُوا يَتَمَنَّوْنَ أَنْ يَلْقَوُا الْمُشْرِكِينَ فَيُقَاتِلُوهُمْ، فَلَمَّا لَقُوهُمْ يَوْمَ أُحُدٍ وَلَّوْا»
٦ ‏/ ٩٤
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، قَالَ: «إِنَّ أُنَاسًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَمْ يَشْهَدُوا يَوْمَ بَدْرٍ وَالَّذِي أَعْطَاهُمُ اللَّهُ مِنَ الْفَضْلِ، فَكَانُوا يَتَمَنَّوْنَ أَنْ يَرَوْا قِتَالًا فَيُقَاتِلُوا، فَسِيقَ إِلَيْهِمُ الْقِتَالُ، حَتَّى كَانَ بِنَاحِيَةِ الْمَدِينَةِ يَوْمَ أُحُدٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل: ﴿وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ﴾ [آل عمران: ١٤٣] الْآيَةَ»
٦ ‏/ ٩٥
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا هَوْذَةُ، قَالَ: ثنا عَوْفٌ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ رِجَالًا، مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ كَانُوا يَقُولُونَ: «لَئِنْ لَقِينَا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ لَنَفْعَلَنَّ وَلَنَفْعَلَنَّ فَابْتُلُوا بِذَلِكَ، فَلَا وَاللَّهِ مَا كُلُّهُمْ صَدَقَ» فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل ﴿وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ﴾ [آل عمران: ١٤٣]
٦ ‏/ ٩٥
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: «كَانَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ لَمْ يَشْهَدُوا بَدْرًا، فَلَمَّا رَأَوْا فَضِيلَةَ أَهْلِ بَدْرٍ، قَالُوا: اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تُرِيَنَا يَوْمًا كَيَوْمِ بَدْرٍ، نُبْلِيكَ فِيهِ خَيْرًا، فَرَأَوْا أُحُدًا» فَقَالَ ⦗٩٦⦘ لَهُمْ: ﴿وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ﴾ [آل عمران: ١٤٣]
٦ ‏/ ٩٥
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: ﴿وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ﴾ [آل عمران: ١٤٣] «أَيْ لَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الشَّهَادَةَ عَلَى الَّذِي أَنْتُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْحَقِّ قَبْلَ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ، يَعْنِي الَّذِينَ حَمَلُوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَلَى خُرُوجِهِ بِهِمْ إِلَى عَدُوِّهِمْ لَمَّا فَاتَهُمْ مِنَ الْحُضُورِ فِي الْيَوْمِ الَّذِي كَانَ قَبْلَهُ بِبَدْرٍ؛ رَغْبَةً فِي الشَّهَادَةِ الَّتِي قَدْ فَاتَتْهُمْ بِهِ» يَقُولُ: ﴿فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ﴾ [آل عمران: ١٤٣] «أَيِ الْمَوْتَ بِالسُّيُوفِ فِي أَيْدِيِ الرِّجَالِ، قَدْ حَلَّ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ، وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ إِلَيْهِمْ، فَصَدَدْتُمْ عَنْهُمْ»
٦ ‏/ ٩٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتُلِ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ﴾ [آل عمران: ١٤٤] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِذَلِكَ: وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ كَبَعْضِ رُسُلِ اللَّهِ الَّذِينَ أَرْسَلَهُمْ إِلَى خَلْقِهِ دَاعِيًا إِلَى اللَّهِ وَإِلَى طَاعَتِهِ، الَّذِينَ حِينَ انْقَضَتْ آجَالُهُمْ مَاتُوا وَقَبَضَهُمُ اللَّهُ إِلَيْهِ، يَقُولُ جَلَّ ثناؤُهُ: فَمُحَمَّدٌ ﷺ إِنَّمَا هُوَ فِيمَا اللَّهُ بِهِ صَانِعٌ مِنْ قَبْضِهِ إِلَيْهِ عِنْدَ
٦ ‏/ ٩٦
انْقِضَاءِ مُدَّةِ أَجَلِهِ كَسَائِرِ مُدَّةِ رُسُلِهِ إِلَى خَلْقِهِ الَّذِينَ مَضَوْا قَبْلَهُ وَمَاتُوا عِنْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ آجَالِهِمْ، ثُمَّ قَالَ لِأَصْحَابِ مُحَمَّدٍ مُعَاتِبَهُمْ عَلَى مَا كَانَ مِنْهُمْ مِنَ الْهَلَعِ وَالْجَزَعِ حِينَ قِيلَ لَهُمْ بِأُحُدٍ: إِنَّ مُحَمَّدًا قُتِلَ، وَمُقَبِّحًا إِلَيْهِمُ انْصِرَافَ مَنِ انْصَرَفَ مِنْهُمْ عَنْ عَدُوِّهِمْ وَانْهِزَامَهُ عَنْهُمْ: ﴿أَفَإِنْ مَاتَ﴾ [آل عمران: ١٤٤] مُحَمَّدٌ أَيُّهَا الْقَوْمُ لِانْقِضَاءِ مُدَّةِ أَجَلِهِ، أَوْ قَتَلَهُ عَدُوُّكُمْ، ﴿انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ﴾ [آل عمران: ١٤٤] يَعْنِي ارْتَدَدْتُمْ عَنْ دِينِكُمُ الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّدًا بِالدُّعَاءِ إِلَيْهِ، وَرَجَعْتُمْ عَنْهُ كُفَّارًا بِاللَّهِ بَعْدَ الْإِيمَانِ بِهِ، وَبَعْدَ مَا قَدْ وَضَحَتْ لَكُمْ صِحَّةُ مَا دَعَاكُمْ مُحَمَّدٌ إِلَيْهِ، وَحَقِيقَةُ مَا جَاءَكُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ ﴿وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ﴾ [آل عمران: ١٤٤] يَعْنِي بِذَلِكَ: وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ وَيَرْجِعْ كَافِرًا بَعْدَ إِيمَانِهِ، ﴿فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا﴾ [آل عمران: ١٤٤] يَقُولُ: فَلَنْ يُوهِنَ ذَلِكَ عَزَّةَ اللَّهِ وَلَا سُلْطَانَهُ، وَلَا يَدْخُلَ بِذَلِكَ نَقْصٌ فِي مُلْكِهِ، بَلْ نَفْسَهُ يَضُرُّ بِرِدَّتِهِ، وَحَظَّ نَفْسِهِ يُنْقِصُ بِكُفْرِهِ. ﴿وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ﴾ [آل عمران: ١٤٤] يَقُولُ: وَسَيُثِيبُ اللَّهُ مَنْ شَكَرَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَهِدَايَتِهِ إِيَّاهُ لِدِينِهِ بِنُبُوَّتِهِ عَلَى مَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ ﷺ إِنْ هُوَ مَاتَ أَوْ قُتِلَ وَاسْتِقَامَتِهِ عَلَى مِنْهَاجِهِ، وَتَمَسُّكِهِ بِدِينِهِ وَمِلَّتِهِ بَعْدَهُ
٦ ‏/ ٩٧
كَمَا: حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هَاشِمٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سَيْفُ بْنُ عُمَرَ، عَنْ أَبِي رَوْقٍ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ، عَنْ عَلِيٍّ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ﴾ [آل عمران: ١٤٤] «الثَّابِتِينَ عَلَى دِينِهِمْ: أَبَا بَكْرٍ وَأَصْحَابَهُ، ⦗٩٨⦘ فَكَانَ عَلِيُّ رضي الله عنه يَقُولُ: كَانَ أَبُو بَكْرٍ أَمِينَ الشَّاكِرِينَ وَأَمِينَ أَحِبَّاءِ اللَّهِ، وَكَانَ أَشْكَرَهُمْ وَأَحَبَّهُمْ إِلَى اللَّهِ»
٦ ‏/ ٩٧
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ بَدْرٍ، قَالَ: «إِنَّ أَبَا بَكْرٍ أَمِينُ الشَّاكِرِينَ» وَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿وَسَيَجْزِيِ اللَّهُ الشَّاكِرِينَ﴾ [آل عمران: ١٤٤]
٦ ‏/ ٩٨
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: ﴿وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ﴾ [آل عمران: ١٤٤] «أَيْ مَنْ أَطَاعَهُ وَعَمِلَ بِأَمْرِهِ» وَذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ أُنْزِلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِيمَنِ انْهَزَمَ عَنْهُ بِأُحُدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ
٦ ‏/ ٩٨
ذِكْرُ الْأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ بِذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ﴾ [آل عمران: ١٤٤] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ﴾ [آل عمران: ١٤٤] ” ذَاكُمْ يَوْمَ أُحُدٍ حِينَ أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ وَالْقَتْلُ، ثُمَّ تَنَازَعُوا نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ بَقِيَّةَ ذَلِكَ، فَقَالَ أُنَاسٌ: لَوْ كَانَ نَبِيًّا مَا قُتِلَ، وَقَالَ أُنَاسٌ مِنْ عِلْيَةِ أَصْحَابِ نَبِيِّ اللَّهِ ﷺ: قَاتِلُوا عَلَى مَا قَاتَلَ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ نَبِيُّكُمْ، حَتَّى يَفْتَحَ اللَّهُ لَكُمْ، أَوْ تَلْحَقُوا بِهِ، فَقَالَ اللَّهُ
٦ ‏/ ٩٨
عز وجل: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ﴾ [آل عمران: ١٤٤] يَقُولُ: إِنْ مَاتَ نَبِيُّكُمْ، أَوْ قُتِلَ، ارْتَدَدْتُمْ كُفَّارًا بَعْدَ إِيمَانِكُمْ «حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، بِنَحْوِهِ، وَزَادَ فِيهِ: قَالَ الرَّبِيعُ: وَذُكِرَ لَنَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ مَرَّ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ وَهُوَ يَتَشَحَّطُ فِي دَمِهِ، فَقَالَ: يَا فُلَانُ أَشَعُرْتَ أَنَّ مُحَمَّدًا» قَدْ قُتِلَ؟ فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ: إِنْ كَانَ مُحَمَّدٌ قَدْ قُتِلَ، فَقَدْ بَلَّغَ، فَقَاتِلُوا عَنْ دِينِكُمْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ﴾ [آل عمران: ١٤٤] يَقُولُ: «ارْتَدَدْتُمْ كُفَّارًا بَعْدَ إِيمَانِكُمْ»
٦ ‏/ ٩٩
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: “لَمَّا بَرَزَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ أُحُدٍ إِلَيْهِمْ – يَعْنِي إِلَى الْمُشْرِكِينَ – أَمَرَ الرُّمَاةَ فَقَامُوا بِأَصْلِ الْجَبَلِ فِي وَجْهِ خَيْلِ الْمُشْرِكِينَ، وَقَالَ: «لَا تَبْرَحُوا مَكَانَكُمْ إِنْ رَأَيْتُمُونَا قَدْ هَزَمْنَاهُمْ، فَإِنَّا لَنْ نَزَالَ غَالِبِينَ مَا ثَبَتَّمْ مَكَانَكُمْ» وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جُبَيْرٍ أَخَا خَوَّاتِ بْنِ جُبَيْرٍ، ثُمَّ شَدَّ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ وَالْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ عَلَى الْمُشْرِكِينَ، فَهَزَمَاهُمْ، وَحَمَلَ النَّبِيُّ ﷺ وَأَصْحَابُهُ، فَهَزَمُوا أَبَا سُفْيَانَ؛ فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَهُوَ عَلَى خَيْلِ الْمُشْرِكِينَ قَدِمَ، فَرَمَتْهُ الرُّمَاةُ فَانْقَمَعَ، فَلَمَّا نَظَرَ الرُّمَاةُ إِلَى ⦗١٠٠⦘ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَأَصْحَابِهِ فِي جَوْفِ عَسْكَرِ الْمُشْرِكِينَ يَنْتَهِبُونَهُ، بَادَرُوا الْغَنِيمَةَ، فَقَالْ بَعْضُهُمْ: لَا نَتْرُكُ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَانْطَلَقَ عَامَّتُهُمْ فَلَحِقُوا بِالْعَسْكَرِ؛ فَلَمَّا رَأَى خَالِدٌ قِلَّةَ الرُّمَاةِ، صَاحَ فِي خَيْلِهِ، ثُمَّ حَمَلَ فَقَتَلَ الرُّمَاةَ، وَحَمَلَ عَلَى أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ، فَلَمَّا رَأَى الْمُشْرِكُونَ أَنَّ خَيْلَهُمْ تُقَاتِلُ، تُبَادَرُوا فَشَدُّوا عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَهَزَمُوهُمْ وَقَتَلُوهُمْ، فَأَتَى ابْنُ قُمَيْئَةَ الْحَارِثِيُّ أَحَدُ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ كِنَانَةَ، فَرَمَى رَسُولَ اللَّهِ ﷺ بِحَجَرٍ فَكَسَرَ أَنْفَهُ وَرَبَاعِيَتَهُ، وَشَجَّهُ فِي وَجْهِهِ فَأَثْقَلَهُ، وَتَفَرَّقَ عَنْهُ أَصْحَابُهُ، وَدَخَلَ بَعْضُهُمُ الْمَدِينَةَ، وَانْطَلَقَ بَعْضُهُمْ فَوْقَ الْجَبَلِ إِلَى الصَّخْرَةِ، فَقَامُوا عَلَيْهَا، وَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَدْعُو النَّاسَ: «إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ» فَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ ثَلَاثُونَ رَجُلًا، فَجَعَلُوا يَسِيرُونَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَلَمْ يَقِفْ أَحَدٌ إِلَّا طَلْحَةُ وَسَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ، فَحَمَاهُ طَلْحَةُ، فَرُمِيَ بِسَهْمٍ فِي يَدِهِ فيَبِسَتْ يَدُهُ، وَأَقْبَلَ أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ الْجُمَحِيُّ – وَقَدْ حَلَفَ لَيَقْتُلَنَّ النَّبِيَّ ﷺ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «بَلْ أَنَا أَقْتُلُكَ» – فَقَالَ: يَا كَذَّابُ أَيْنَ تَفِرُّ؟ فَحَمَلَ عَلَيْهِ فَطَعَنَهُ النَّبِيُّ ﷺ فِي جَنْبِ ⦗١٠١⦘ الدِّرْعِ، فَجُرِحَ جُرْحًا خَفِيفًا، فَوَقَعَ يَخُورُ خَوَرَانَ الثَّوْرِ، فَاحْتَمَلُوهُ وَقَالُوا: لَيْسَ بِكَ جِرَاحَةَ، قَالَ: أَلَيْسَ قَالَ: لَأَقْتُلَنَّكَ؟ لَوْ كَانَتْ لِجَمِيعِ رَبِيعَةَ وَمُضَرَ لَقَتَلْتُهُمْ، وَلَمْ يَلْبَثْ إِلَّا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ حَتَّى مَاتَ مِنْ ذَلِكَ الْجَرْحِ، وَفَشَا فِي النَّاسِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَدْ قُتِلَ، فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الصَّخْرَةِ: لَيْتَ لَنَا رَسُولًا إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ، فَنَأْخُذَ لَنَا أَمَنَةً مِنْ أَبِي سُفْيَانَ يَا قَوْمُ إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ قُتِلَ، فَارْجِعُوا إِلَى قَوْمِكُمْ قَبْلَ أَنْ يَأْتُوكُمْ فَيَقْتُلُوكُمْ قَالَ أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ: يَا قَوْمُ إِنْ كَانَ مُحَمَّدٌ قَدْ قُتِلَ، فَإِنَّ رَبَّ مُحَمَّدٍ لَمْ يُقْتَلْ، فَقَاتِلُوا عَلَى مَا قَاتَلَ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ ﷺ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعْتَذِرُ إِلَيْكَ مِمَّا يَقُولُ هَؤُلَاءِ، وَأَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا جَاءَ بِهِ هَؤُلَاءِ، ثُمَّ شَدَّ بِسَيْفِهِ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، وَانْطَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَدْعُو النَّاسَ حَتَّى انْتَهَى إِلَى أَصْحَابِ الصَّخْرَةِ؛ فَلَمَّا رَأَوْهُ وَضَعَ رَجُلٌ سَهْمًا فِي قَوْسِهِ فَأَرَادَ أَنْ يَرْمِيَهُ، فَقَالَ: «أَنَا رَسُولُ اللَّهِ»، فَفَرِحُوا حِينَ وَجَدُوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ حَيًّا، وَفَرِحَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حِينَ رَأَى أَنَّ فِيَ أَصْحَابِهِ مَنْ يَمْتَنِعُ. فَلَمَّا اجْتَمَعُوا وَفِيهِمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، ذَهَبَ عَنْهُمُ الْحُزْنُ، فَأَقْبَلُوا يَذْكُرُونَ الْفَتْحَ وَمَا فَاتَهُمْ مِنْهُ وَيَذْكُرُونَ أَصْحَابَهُ الَّذِينَ قُتِلُوا، فَقَالَ اللَّهُ عز وجل لِلَّذِينَ قَالُوا: إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ قُتِلَ فَارْجِعُوا إِلَى قَوْمِكُمْ ⦗١٠٢⦘: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ﴾ [آل عمران: ١٤٤]

عن معز نوني

متحصّل على شهادة ختم الدروس للمعهد الأعلى لتكوين المعلمين بقفصة دفعة 2000، يعمل حاليًّا أستاذ مدارس إبتدائية

شاهد أيضاً

سُورَةُ الْفَاتِحَةِ

مَكِّيَّةٌ وَآيَاتُهَا سَبْعٌ ١ ‏/ ١١١ ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ [الفاتحة: ١] الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ …