الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ﴾ [آل عمران: ٤٤] يَعْنِي جَلَّ ثناؤُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ﴾ [آل عمران: ٤٤] وَمَا كُنْتَ يَا مُحَمَّدُ عِنْدَهُمْ، فَتَعْلَمَ مَا نُعْلِمَكَهُ مِنْ أَخْبَارِهِمْ الَّتِي لَمْ تَشْهَدْهَا، وَلَكِنَّكَ إِنَّمَا تَعْلَمُ ذَلِكَ فَتُدْرِكُ مَعْرِفَتَهُ بِتَعْرِيفِنَاكَهُ. وَمَعْنَى قَوْلِهِ ﴿لَدَيْهِمْ﴾ [آل عمران: ٤٤] عِنْدَهُمْ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ ﴿إِذْ يُلْقُونَ﴾ [آل عمران: ٤٤] حِينَ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ، وَأَمَّا أَقْلَامَهُمْ فَسِهَامُهُمُ الَّتِي اسْتَهَمَ بِهَا الْمُتْسَهِمُونَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى كَفَالَةِ مَرْيَمَ، عَلَى مَا قَدْ بَيَّنَّا قَبْلُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا﴾ [آل عمران: ٣٧] وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٥ / ٤٠٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا هِشَامُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ﴾ [آل عمران: ٤٤] «يَعْنِي مُحَمَّدًا ﷺ»
٥ / ٤٠٣
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ﴾ [آل عمران: ٤٤] «زَكَرِيَّا وَأَصْحَابُهُ اسْتَهَمُوا بِأَقْلَامِهِمْ ⦗٤٠٤⦘ عَلَى مَرْيَمَ حِينَ دَخَلَتْ عَلَيْهِمْ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
٥ / ٤٠٣
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ﴾ [آل عمران: ٤٤] «كَانَتْ مَرْيَمُ ابْنَةَ إِمَامِهِمْ وَسَيِّدِهِمْ، فَتَشَاحَّ عَلَيْهَا بَنُو إِسْرَائِيلَ، فَاقْتَرَعُوا فِيهَا بِسِهَامِهِمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُهَا، فَقَرَعَهُمْ زَكَرِيَّا، وَكَانَ زَوْجَ أُخْتِهَا، فَكَفَلَهَا زَكَرِيَّا» يَقُولُ: «ضَمَّهَا إِلَيْهِ»
٥ / ٤٠٤
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ﴾ [آل عمران: ٤٤] قَالَ: «تَسَاهَمُوا عَلَى مَرْيَمَ أَيُّهُمْ يَكْفُلُهَا، فَقَرَعَهُمْ زَكَرِيَّا»
٥ / ٤٠٤
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ﴾ [آل عمران: ٤٤] «وَإِنَّ مَرْيَمَ لَمَّا وُضِعَتْ فِي الْمَسْجِدِ، اقَتَرَعَ عَلَيْهَا أَهْلُ الْمُصَلَّى، وَهُمْ يَكْتُبُونَ الْوَحْيَ، فَاقْتَرَعُوا بِأَقْلَامِهِمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُهَا، فَقَالَ اللَّهُ عز وجل لِمُحَمَّدٍ ﷺ»: ﴿وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ﴾ [آل عمران: ٤٤]
٥ / ٤٠٤
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ﴾ [آل عمران: ٤٤] «اقْتَرَعُوا بِأَقْلَامِهِمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ، فَقَرَعَهُمْ زَكَرِيَّا»
٥ / ٤٠٥
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، قَالَ: ثنا أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ، عَنْ عَبَّادٍ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ﴾ [آل عمران: ٤٤] قَالَ: «حَيْثُ اقْتَرَعُوا عَلَى مَرْيَمَ، وَكَانَ غَيْبًا عَنْ مُحَمَّدٍ ﷺ حِينَ أَخْبَرَهُ اللَّهُ» وَإِنَّمَا قِيلَ: ﴿أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ﴾ [آل عمران: ٤٤] لِأَنَّ إِلْقَاءَ الْمُسْتَهِمِينَ أَقْلَامَهُمْ عَلَى مَرْيَمَ إِنَّمَا كَانَ لِيَنْظُرُوا أَيُّهُمْ أَوْلَى بِكَفَالَتِهَا وَأَحَقُّ، فَفِي قَوْلِهِ عز وجل: ﴿إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ﴾ [آل عمران: ٤٤] دَلَالَةٌ عَلَى مَحْذُوفٍ مِنَ الْكَلَامِ، وَهُوَ: «لِيَنْظُرُوا أَيُّهُمْ يَكْفُلُ وَلِيَتَبَيَّنُوا ذَلِكَ وَيَعْلَمُوهُ» . فَإِنْ ظَنَّ ظَانٌّ أَنَّ الْوَاجِبَ فِي «أَيُّهُمْ» النَّصْبُ، إِذْ كَانَ ذَلِكَ مَعْنَاهُ، فَقَدْ ظَنَّ خَطَأً؛ وَذَلِكَ أَنَّ النَّظَرَ وَالتَّبَيُّنَ وَالْعِلْمَ مَعَ «أَيِّ» يَقْتَضِي اسْتِفْهَامًا وَاسْتِخْبَارًا، وَحَظُّ «أَيِّ» فِي الِاسْتِخْبَارِ الِابْتِدَاءُ، وَبِطُولِ عَمَلِ الْمَسْأَلَةِ وَالِاسْتِخْبَارِ عَنْهُ، وَذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِ الْقَائِلِ: لَأَنْظُرَنَّ أَيُّهُمْ قَامَ، لَأَسْتَخْبِرَنَّ النَّاسَ أَيُّهُمْ قَامَ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُمْ: لَأَعْلَمَنَّ، وَقَدْ دَلَّلْنَا فِيمَا مَضَى قَبْلُ أَنَّ مَعْنَى يَكْفُلُ يَضُمُّ، بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ
٥ / ٤٠٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ﴾ [آل عمران: ٤٤]⦗٤٠٦⦘ يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثناؤُهُ: وَمَا كُنْتَ يَا مُحَمَّدُ عِنْدَ قَوْمِ مَرْيَمَ، إِذْ يَخْتَصِمُونَ فِيهَا أَيُّهُمْ أَحَقُّ بِهَا وَأَوْلَى، وَذَلِكَ مِنَ اللَّهِ عز وجل وَإِنْ كَانَ خِطَابًا لِنَبِيِّهِ ﷺ، فَتَوْبِيخٌ مِنْهُ عز وجل لِلْمُكَذِّبِينَ بِهِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ، يَقُولُ: كَيْفَ يَشُكُّ أَهْلُ الْكُفْرِ بِكَ مِنْهُمْ، وَأَنْتَ تُنْبِئُهُمْ هَذِهِ الْأَنْبَاءَ وَلَمْ تَشْهَدْهَا وَلَمْ تَكُنْ مَعَهُمْ يَوْمَ فَعَلُوا هَذِهِ الْأُمُورَ، وَلَسْتَ مِمَّنْ قَرَأَ الْكُتُبَ فَعَلِمَ نَبَأَهُمُ، وَلَا جَالِسَ أَهْلَهَا فَسَمِعَ خَبَرَهُمْ
٥ / ٤٠٥
كَمَا حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ: ﴿وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ﴾ [آل عمران: ٤٤] «أَيْ مَا كُنْتَ مَعَهُمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ فِيهَا يُخْبِرُهُ بِخَفِيِّ مَا كَتَمُوا مِنْهُ مِنَ الْعِلْمِ عِنْدَهُمْ، لِتَحْقِيقِ نُبُوَّتِهِ وَالْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ، لِمَا يَأْتِيهِمْ بِهِ مِمَّا أَخْفَوْا مِنْهُ»
٥ / ٤٠٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ﴾ [آل عمران: ٤٥] يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثناؤُهُ: ﴿إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ﴾ [آل عمران: ٤٥] وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ، وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ أَيْضًا ﴿إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ﴾ [آل عمران: ٤٥]، وَالتَّبْشِيرُ إِخْبَارُ الْمَرْءِ بِمَا يَسُرُّهُ مِنْ خَبَرٍ، وَقَوْلُهُ: ﴿بِكَلِمَةٍ مِنْهُ﴾ [آل عمران: ٤٥] يَعْنِي: بِرِسَالَةٍ مِنَ اللَّهِ، وَخَبَرٍ مِنْ عِنْدِهِ، وَهُوَ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ أَلْقَى فُلَانٌ إِلَيَّ كَلِمَةً سَرَّنِي بِهَا، بِمَعْنَى: أَخْبَرَنِي خَبَرًا فَرِحْتُ بِهِ، كَمَا قَالَ جَلَّ ثناؤُهُ: ﴿وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ﴾ [النساء: ١٧١] يَعْنِي بُشْرَى اللَّهِ مَرْيَمَ بِعِيسَى أَلْقَاهَا إِلَيْهَا.
٥ / ٤٠٦
فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ: وَمَا كُنْتَ يَا مُحَمَّدُ عِنْدَ الْقَوْمِ إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ لِمَرْيَمَ: يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِبُشْرَى مِنْ عِنْدِهِ هِيَ وَلَدٌ لَكِ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ. وَقَدْ قَالَ قَوْمٌ، وَهُوَ قَوْلُ قَتَادَةَ: إِنَّ الْكَلِمَةَ الَّتِي قَالَ اللَّهُ عز وجل بِكَلِمَةٍ مِنْهُ، هُوَ قَوْلُهُ: «كُنْ»
٥ / ٤٠٧
حَدَّثَنَا بِذَلِكَ الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿بِكَلِمَةٍ مِنْهُ﴾ [آل عمران: ٤٥] قَالَ: قَوْلُهُ «كُنْ» فَسَمَّاهُ اللَّهُ عز وجل كَلِمَتَهُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ عَنْ كَلِمَتِهِ، كَمَا يُقَالُ لِمَا قَدَّرَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ: هَذَا قَدَرُ اللَّهِ وَقَضَاؤُهُ، يَعْنِي بِهِ: هَذَا عَنْ قَدَرِ اللَّهِ وَقَضَائِهِ حَدَثَ، وَكَمَا قَالَ جَلَّ ثناؤُهُ: ﴿وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا﴾ [النساء: ٤٧] يَعْنِي بِهِ: مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ، وَهُوَ الْمَأْمُورُ الَّذِي كَانَ عَنْ أَمْرِ اللَّهِ عز وجل. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ هِيَ اسْمٌ لِعِيسَى سَمَّاهُ اللَّهُ بِهَا كَمَا سَمَّى سَائِرَ خَلْقِهِ بِمَا شَاءَ مِنَ الْأَسْمَاءِ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه أَنَّهِ قَالَ: الْكَلِمَةِ: هِيَ عِيسَى
٥ / ٤٠٧
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ﴾ [آل عمران: ٤٥] قَالَ: «عِيسَى هُوَ الْكَلِمَةُ مِنَ اللَّهِ» وَأَقْرَبُ الْوُجُوهِ إِلَى الصَّوَابِ عِنْدِي الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: وَهُوَ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ بَشَّرَتْ مَرْيَمَ بِعِيسَى عَنِ اللَّهِ عز وجل بِرِسَالَتِهِ وَكَلِمَتِهِ الَّتِي أَمَرَهَا أَنْ تُلْقِيَهَا إِلَيْهَا أَنَّ ⦗٤٠٨⦘ اللَّهَ خَالِقٌ مِنْهَا وَلَدًا مِنْ غَيْرِ بَعْلٍ وَلَا فَحْلٍ، وَلِذَلِكَ قَالَ عز وجل: ﴿اسْمُهُ الْمَسِيحُ﴾ [آل عمران: ٤٥] فَذَكَرَ، وَلَمْ يَقُلِ: اسْمُهَا، فَيُؤَنَّثُ وَالْكَلِمَةُ مُؤَنَّثَةٌ؛ لِأَنَّ الْكَلِمَةَ غَيْرُ مَقْصُودٍ بِهَا قَصْدُ الِاسْمِ الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى فُلَانٍ، وَإِنَّمَا هِيَ بِمَعْنَى الْبِشَارَةِ، فَذُكِرَتْ كِنَايَتُهَا كَمَا تُذْكَرُ كِنَايَةُ الذُّرِّيَّةِ وَالدَّابَّةِ وَالْأَلْقَابِ، عَلَى مَا قَدْ بَيَّنَّاهُ قَبْلُ فِيمَا مَضَى. فَتَأْوِيلُ ذَلِكَ كَمَا قُلْنَا آنِفًا، مِنْ أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِبُشْرَى، ثُمَّ بَيَّنَ عَنِ الْبُشْرَى، أَنَّهَا وَلَدٌ اسْمُهُ الْمَسِيحُ. وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ أَنَّهُ إِنَّمَا ذَكَرَ فَقَالَ: ﴿اسْمُهُ الْمَسِيحُ﴾ [آل عمران: ٤٥] وَقَدْ قَالَ: ﴿بِكَلِمَةٍ مِنْهُ﴾ [آل عمران: ٤٥] وَالْكَلِمَةُ عِنْدَهُ: هِيَ عِيسَى؛ لِأَنَّهُ فِي الْمَعْنَى كَذَلِكَ، كَمَا قَالَ جَلَّ ثناؤُهُ: ﴿أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا﴾ ثُمَّ قَالَ: ﴿بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا﴾ [الزمر: ٥٩] وَكَمَا يُقَالُ: ذُو الثُّدَيَّةِ؛ لِأَنَّ يَدَهُ كَانَتْ قَصِيرَةً قُرَيْبَةً مِنْ ثَدْيَيْهِ فَجَعَلَهَا كَأَنَّ اسْمَهَا ثَدْيَةٌ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمْ تَدْخُلِ الْهَاءُ فِي التَّصْغِيرِ. وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ نَحْوَ قَوْلِ مَنْ ذَكَرْنَا مِنْ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ، فِي أَنَّ الْهَاءَ مِنْ ذِكْرِ الْكَلِمَةِ، وَخَالَفَهُ فِي الْمَعْنَى الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ ذَكَرَ قَوْلَهُ ﴿اسْمُهُ﴾ [آل عمران: ٤٥] وَالْكَلِمَةُ مُتَقَدِّمَةٌ قَبْلَهُ، فَزَعَمَ أَنَّهُ إِنَّمَا قِيلَ اسْمُهُ، وَقَدْ قُدِّمَتِ الْكَلِمَةُ، وَلَمْ يَقُلْ اسْمَهَا؛ لِأَنَّ مِنْ شَأْنِ الْعَرَبِ أَنْ تَفْعَلَ ذَلِكَ فِيمَا كَانَ مِنَ النُّعُوتِ وَالْأَلْقَابِ وَالْأَسْمَاءِ الَّتِي لَمْ تُوضَعْ لِتَعْرِيفِ الْمُسَمَّى بِهِ كِفْلَانٍ وَفُلَانٍ، وَذَلِكَ مِثْلُ الذُّرِّيَّةِ وَالْخَلِيفَةِ وَالدَّابَّةِ، وَلِذَلِكَ جَازَ عِنْدَهُ أَنْ يُقَالَ: ذُرِّيَّةً طَيَّبَةً، وَذُرِّيَّةً طَيِّبًا؛ وَلَمْ ⦗٤٠٩⦘ يَجُزْ أَنْ يُقَالَ: طَلْحَةُ أَقْبَلَتْ، وَمُغِيرَةُ قَامَتْ، وَأَنْكَرَ بَعْضُهُمُ اعْتِلَالَ مَنِ اعْتَلَّ فِي ذَلِكَ بِذِي الثُّدَيَّةِ، وَقَالُوا: إِنَّمَا أُدْخِلَتِ الْهَاءُ فِي ذِي الثُّدَيَّةِ؛ لِأَنَّهُ أُرِيدَ بِذَلِكَ الْقِطْعَةُ مِنَ الثَّدْيِ، كَمَا قِيلَ: كُنَّا فِي لَحْمَةٍ وَنَبِيذَةٍ، يُرَادُ بِهِ الْقِطْعَةُ مِنْهُ، وَهَذَا الْقَوْلُ نَحْوَ قَوْلِنَا الَّذِي قُلْنَاهُ فِي ذَلِكَ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ﴾ [آل عمران: ٤٥] فَإِنَّهُ جَلَّ ثناؤُهُ أَنْبَأَ عِبَادَهُ عَنْ نِسْبَةِ عِيسَى، وَأَنَّهُ ابْنُ أُمِّهِ مَرْيَمَ، وَنَفَى بِذَلِكَ عَنْهُ مَا أَضَافَ إِلَيْهِ الْمُلْحِدُونَ فِي اللَّهِ جَلَّ ثناؤُهُ مِنَ النَّصَارَى، مِنْ إِضَافَتِهِمْ بُنَوَّتَهُ إِلَى اللَّهِ عز وجل، وَمَا قُذِفَتْ أُمُّهُ بِهِ الْمُفْتَرِيَةُ عَلَيْهَا مِنَ الْيَهُودِ
٥ / ٤٠٧
كَمَا: حَدَّثَنِي بِهِ ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ: ﴿إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ﴾ [آل عمران: ٤٥] «أَيْ هَكَذَا كَانَ أَمْرُهُ، لَا مَا يَقُولُونَ فِيهِ» وَأَمَّا الْمَسِيحُ، فَإِنَّهُ فَعِيلٌ، صُرِفَ مِنْ مَفْعُولٍ إِلَى فَعِيلٍ، وَإِنَّمَا هُوَ مَمْسُوحٌ، يَعْنِي: مَسَحَهُ اللَّهُ فَطَهَّرَهُ مِنَ الذُّنُوبِ، وَلِذَلِكَ قَالَ إِبْرَاهِيمُ: الْمَسِيحُ الصِّدِّيقُ حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، مِثْلَهُ. ⦗٤١٠⦘ حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، مِثْلَهُ وَقَالَ آخَرُونَ: مُسِحَ بِالْبَرَكَةِ
٥ / ٤٠٩
حَدَّثَنَا ابْنُ الْبَرْقِيِّ، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، قَالَ: قَالَ سَعِيدٌ: «إِنَّمَا سُمِّيَ الْمَسِيحَ، لِأَنَّهُ مُسِحَ بِالْبَرَكَةِ»
٥ / ٤١٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ﴾ [آل عمران: ٤٥] يَعْنِي بِقَوْلِهِ ﴿وَجِيهًا﴾ [آل عمران: ٤٥]: ذَا وَجْهٍ وَمَنْزِلَةٍ عَالِيَةٍ عِنْدَ اللَّهِ وَشَرَفٍ وَكَرَامَةٍ، وَمِنْهُ يُقَالُ لِلرَّجُلِ الَّذِي يَشْرُفُ وَتُعَظِّمُهُ الْمُلُوكُ وَالنَّاسُ: وَجِيهٌ؛ يُقَالُ مِنْهُ: مَا كَانَ فُلَانٌ وَجِيهًا، وَلَقَدْ وَجُهَ وِجَاهَةً، وَإِنَّ لَهُ لَوَجْهًا عِنْدَ السُّلْطَانِ، وَجَاهًا وَوَجَاهَةً. وَالْجَاهُ: مَقْلُوبٌ قُلِبَتْ وَاوُهُ مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى مَوْضِعِ الْعَيْنِ مِنْهُ، فَقِيلَ جَاهٌ، وَإِنَّمَا هُوَ وَجْهٌ وَفَعْلٌ مِنَ الْجَاهِ: جَاهَ يَجُوهُ، مَسْمُوعٌ مِنَ الْعَرَبِ: أَخَافُ أَنْ يَجُوهَنِي بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا، بِمَعْنَى: أَنْ يَسْتَقْبِلَنِيَ فِي وَجْهِي بِأَعْظَمَ مِنْهُ، وَأَمَّا نَصِيبُ الْوَجِيهِ فَعَلَى الْقَطْعِ مِنْ عِيسَى، لِأَنَّ عِيسَى مَعْرِفَةٌ، وَوَجِيهٌ نَكِرَةٌ، وَهُوَ مِنْ نَعْتِهِ، وَلَوْ كَانَ مَخْفُوضًا عَلَى الرَّدِّ عَلَى الْكَلِمَةِ كَانَ جَائِزًا. وَكَمَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ تَأْوِيلَ ذَلِكَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ عِنْدَ اللَّهِ، قَالَ فِيمَا بَلَّغَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ
٥ / ٤١٠
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ: ﴿وَجِيهًا﴾ [آل عمران: ٤٥] قَالَ: «وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ عِنْدَ اللَّهِ» ⦗٤١١⦘ وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ﴾ [آل عمران: ٤٥] فَإِنَّهُ يَعْنِي: أَنَّهُ مِمَّنْ يُقَرِّبُهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُسْكِنَهُ فِي جِوَارِهِ، وَيُدْنِيهِ مِنْهُ
٥ / ٤١٠
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ﴾ [آل عمران: ٤٥] يَقُولُ: «مِنَ الْمُقَرَّبِينَ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»
٥ / ٤١١
حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارِ بْنِ الْحَسَنِ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، قَوْلُهُ: ﴿وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ﴾ [آل عمران: ٤٥] يَقُولُ: «مِنَ الْمُقَرَّبِينَ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، مِثْلَهُ
٥ / ٤١١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ﴾ [آل عمران: ٤٦] أَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ﴾ [آل عمران: ٤٦] فَإِنَّ مَعْنَاهُ: أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ، وَجِيهًا عِنْدَ اللَّهِ، وُمَكَلِّمًا النَّاسَ فِي الْمَهْدِ، فَ «يُكَلِّمُ» وَإِنْ كَانَ مَرْفُوعًا، لِأَنَّهُ فِي صُورَةِ «يُفَعِّلُ» بِالسَّلَامَةِ مِنَ الْعَوَامِلِ فِيهِ، فَإِنَّهُ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ، وَهُوَ نَظِيرُ قَوْلِ الشَّاعِرِ:
[البحر الرجز] ⦗٤١٢⦘ بِتُّ أُعَشِّيهَا بِعَضْبٍ بَاتِرٍ … يَقْصِدُ فِي أَسْوُقِهَا وَجَائِرِ
وَأَمَّا الْمَهْدُ: فَإِنَّهُ يَعْنِي بِهِ مَضْجَعَ الصَّبِيِّ فِي رَضَاعِهِ
[البحر الرجز] ⦗٤١٢⦘ بِتُّ أُعَشِّيهَا بِعَضْبٍ بَاتِرٍ … يَقْصِدُ فِي أَسْوُقِهَا وَجَائِرِ
وَأَمَّا الْمَهْدُ: فَإِنَّهُ يَعْنِي بِهِ مَضْجَعَ الصَّبِيِّ فِي رَضَاعِهِ
٥ / ٤١١
كَمَا: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ﴿وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ﴾ [آل عمران: ٤٦] قَالَ: «مَضْجَعُ الصَّبِيِّ فِي رَضَاعِهِ» وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَكَهْلًا﴾ [آل عمران: ٤٦] فَإِنَّهُ وَمَحْتُنِكًا فَوْقَ الْغُلُومَةِ وَدُونَ الشَّيْخُوخَةِ، يُقَالُ مِنْهُ: رَجُلٌ كَهْلٌ، وَامْرَأَةٌ كَهْلَةٌ، كَمَا قَالَ الرَّاجِزُ:
[البحر الرجز] وَلَا أَعُودُ بَعْدَهَا كَرِيَّا … أُمَارِسُ الْكَهْلَةَ وَالصَّبِيَّا
وَإِنَّمَا عَنَى جَلَّ ثناؤُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا﴾ [آل عمران: ٤٦] وَيُكَلِّمُ النَّاسَ طِفْلًا فِي الْمَهْدِ، دَلَالَةً عَلَى بَرَاءَةِ أُمِّهِ مِمَّا قَذَفَهَا بِهِ الْمُفْتَرُونَ عَلَيْهَا، وَحُجَّةً لَهُ عَلَى نُبُوَّتِهِ، وَبَالِغًا كَبِيرًا بَعْدَ احْتِنَاكِهِ بِوَحْي اللَّهِ الَّذِي يُوحِيهِ إِلَيْهِ، وَأَمْرِهِ وَنَهْيِهِ، وَمَا تَقُولُ عَلَيْهِ مِنْ كِتَابِهِ. وَإِنَّمَا أَخْبَرَ اللَّهُ عز وجل عِبَادَهُ بِذَلِكَ مِنْ أَمْرِ الْمَسِيحِ، وَأَنَّهُ كَذَلِكَ كَانَ، وَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ أَنَّهُمْ يَتَكَلَّمُونَ كُهُولًا وَشُيُوخًا، احْتِجَاجًا بِهِ عَلَى الْقَائِلِينَ فِيهِ مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ بِاللَّهِ مِنَ النَّصَارَى بِالْبَاطِلِ، وَأَنَّهُ
[البحر الرجز] وَلَا أَعُودُ بَعْدَهَا كَرِيَّا … أُمَارِسُ الْكَهْلَةَ وَالصَّبِيَّا
وَإِنَّمَا عَنَى جَلَّ ثناؤُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا﴾ [آل عمران: ٤٦] وَيُكَلِّمُ النَّاسَ طِفْلًا فِي الْمَهْدِ، دَلَالَةً عَلَى بَرَاءَةِ أُمِّهِ مِمَّا قَذَفَهَا بِهِ الْمُفْتَرُونَ عَلَيْهَا، وَحُجَّةً لَهُ عَلَى نُبُوَّتِهِ، وَبَالِغًا كَبِيرًا بَعْدَ احْتِنَاكِهِ بِوَحْي اللَّهِ الَّذِي يُوحِيهِ إِلَيْهِ، وَأَمْرِهِ وَنَهْيِهِ، وَمَا تَقُولُ عَلَيْهِ مِنْ كِتَابِهِ. وَإِنَّمَا أَخْبَرَ اللَّهُ عز وجل عِبَادَهُ بِذَلِكَ مِنْ أَمْرِ الْمَسِيحِ، وَأَنَّهُ كَذَلِكَ كَانَ، وَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ أَنَّهُمْ يَتَكَلَّمُونَ كُهُولًا وَشُيُوخًا، احْتِجَاجًا بِهِ عَلَى الْقَائِلِينَ فِيهِ مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ بِاللَّهِ مِنَ النَّصَارَى بِالْبَاطِلِ، وَأَنَّهُ
٥ / ٤١٢
كَانَ فِي مُعَانَاةِ أَشْيَاءَ مَوْلُودًا طِفْلًا، ثُمَّ كَهْلًا يَتَقَلَّبُ فِي الْأَحْدَاثِ، وَيَتَغَيَّرُ بِمُرُورِ الْأَزْمِنَةِ عَلَيْهِ وَالْأَيَّامِ مِنْ صِغَرٍ إِلَى كِبَرٍ وَمِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ، وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَمَا قَالَ الْمُلْحِدُونَ فِيهِ، كَانَ ذَلِكَ غَيْرَ جَائِزٍ عَلَيْهِ، فَكَذَّبَ بِذَلِكَ مَا قَالَهُ الْوَفْدُ مِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ، الَّذِينَ حَاجُّوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فِيهِ، وَاحْتَجَّ بِهِ عَلَيْهِمْ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ وَأَعْلَمَهُمْ أَنَّهُ كَانَ كَسَائِرِ بَنِي آدَمَ، إِلَّا مَا خَصَّهُ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْكَرَامَةِ الَّتِي أَبَانَهُ بِهَا مِنْهُمْ
٥ / ٤١٣
كَمَا: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ: ﴿وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمَنَ الصَّالِحِينَ﴾ [آل عمران: ٤٦] «يُخْبِرُهُمْ بِحَالَاتِهِ الَّتِي يَتَقَلَّبُ بِهَا فِي عُمُرِهِ كَتَقَلُّبِ بَنِي آدَمَ فِي أَعْمَارِهِمْ صِغَارًا وَكِبَارًا، إِلَّا أَنَّ اللَّهَ خَصَّهُ بِالْكَلَامِ فِي مَهْدِهِ آيَةً لِنُبُوَّتِهِ، وَتَعْرِيًفا لِلْعِبَادِ مَوَاقِعَ قُدْرَتِهِ»
٥ / ٤١٣
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ﴾ [آل عمران: ٤٦] يَقُولُ: «يُكَلِّمُهُمْ صَغِيرًا وَكَبِيرًا»
٥ / ٤١٣
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، ﴿وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا﴾ [آل عمران: ٤٦] قَالَ: «يُكَلِّمُهُمْ صَغِيرًا وَكَبِيرًا»
٥ / ٤١٣
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ﴾ [آل عمران: ٤٦] قَالَ: «الْكَهْلُ: الْحَلِيمُ»
٥ / ٤١٤
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: «كَلَّمَهُمْ صَغِيرًا وَكَبِيرًا وَكَهْلًا» وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: «الْكَهْلُ: الْحَلِيمُ»
٥ / ٤١٤
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، قَالَ: ثنا أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ، عَنْ عَبَّادٍ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَيُكَلِّمَ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا﴾ [آل عمران: ٤٦] قَالَ: «كَلَّمَهُمْ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا، وَكَلَّمَهُمْ كَبِيرًا» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿وَكَهْلًا﴾ [آل عمران: ٤٦] أَنَّهُ سَيُكَلِّمُهُمْ إِذَا ظَهَرَ
٥ / ٤١٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: سَمِعْتُهُ يَعْنِي ابْنَ زَيْدٍ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا﴾ [آل عمران: ٤٦] قَالَ: «قَدْ كَلَّمَهُمْ عِيسَى فِي الْمَهْدِ، وَسَيُكَلِّمُهُمْ إِذَا قَتَلَ الدَّجَّالَ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ كَهْلٌ» وَنَصَبَ كَهْلًا عَطَفَا عَلَى مَوْضِعِ: وَيُكَلِّمُ النَّاسَ، وَأَمَّا قَوْلِهِ: ﴿وَمِنَ الصَّالِحِينَ﴾ [آل عمران: ٤٦] فَإِنَّهُ يَعْنِي: مِنْ عِدَادِهِمْ وَأَوْلِيَائِهِمْ لِأَنَّ أَهْلَ الصَّلَاحِ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ فِي الدِّينِ وَالْفَضْلِ
٥ / ٤١٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [آل عمران: ٤٧] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثناؤُهُ: قَالَتْ مَرْيَمُ إِذْ قَالَتْ لَهَا الْمَلَائِكَةُ: إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ: رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ: مِنْ أَيِّ وَجْهٍ يَكُونُ لِي وَلَدٌ؟ أَمِنْ قِبَلِ زَوْجٍ أَتَزَوَّجُهُ وَبَعْلٍ أَنْكَحُهُ؟ أَوْ تَبْتَدِئُ فِي خَلْقِهِ مِنْ غَيْرِ بَعْلٍ وَلَا فَحْلٍ، وَمِنْ غَيْرِ أَنْ يَمَسَّنِي بِشَرٌ؟ فَقَالَ اللَّهُ لَهَا: ﴿كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ﴾ [آل عمران: ٤٧] يَعْنِي: هَكَذَا يَخْلُقُ اللَّهُ مِنْكِ وَلَدًا لَكِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَمَسَّكِ بِشَرٌ، فَيَجْعَلُهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَعِبْرَةً، فَإِنَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ، وَيَصْنَعُ مَا يُرِيدُ، فَيُعْطِي الْوَلَدَ مَنْ شَاءَ مِنْ غَيْرِ فَحْلٍ وَمِنْ فَحْلٍ، وَيَحْرِمُ ذَلِكَ مَنْ يَشَاءُ مِنَ النِّسَاءِ وَإِنْ كَانَتْ ذَاتَ بَعْلٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ خَلْقُ شَيْءٍ أَرَادَ خَلْقَهُ، إِنَّمَا هُوَ أَنْ يَأْمُرَ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا مَا أَرَادَ، فَيَقُولُ لَهُ: «كُنْ» فَيَكُونُ مَا شَاءَ مِمَّا يَشَاءُ، وَكَيْفَ شَاءَ
٥ / ٤١٥
كَمَا: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ: ﴿قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ﴾ [آل عمران: ٤٧] «يَصْنَعُ مَا أَرَادَ وَيَخْلُقُ مَا يَشَاءُ مِنْ بَشَرٍ أَوْ غَيْرِ بَشَرٍ: أَيْ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ: «كُنْ» فَيَكُونُ، مِمَّا يَشَاءُ، وَكَيْفَ يَشَاءُ، فَيَكُونُ مَا أَرَادَ»
٥ / ٤١٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ﴾ [آل عمران: ٤٨] اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْحِجَازِ وَالْمَدِينَةِ وَبَعْضُ قُرَّاءِ الْكُوفِيِّينَ: ﴿وَيُعَلِّمُهُ﴾ [آل عمران: ٤٨] بِالْيَاءِ رَدًّا عَلَى قَوْلِهِ: ﴿كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ﴾ [آل عمران
٥ / ٤١٥
: ٤٧]، ﴿وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ﴾ [آل عمران: ٤٨] فَأَلْحَقُوا الْخَبَرَ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَيُعَلِّمُهُ﴾ [آل عمران: ٤٨] بِنَظِيرِ الْخَبَرِ فِي قَوْلِهِ: ﴿يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ﴾ [آل عمران: ٤٧] وَقَوْلِهِ: ﴿فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [البقرة: ١١٧] وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفِيِّينَ وَبَعْضُ الْبَصْرِيِّينَ: (وَنُعَلِّمُهُ) بِالنُّونِ عَطْفًا بِهِ عَلَى قَوْلِهِ: ﴿نُوحِيهِ إِلَيْكَ﴾ [آل عمران: ٤٤] كَأَنَّهُ قَالَ: ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ، وَنُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ، وَقَالُوا: مَا بَعْدَ ﴿نُوحِيهِ﴾ [آل عمران: ٤٤] فِي صِلَتِهِ، إِلَى قَوْلِهِ: ﴿كُنْ فَيَكُونُ﴾ [البقرة: ١١٧]، ثُمَّ عَطَفَ بِقَوْلِهِ: (وَنُعَلِّمُهُ) عَلَيْهِ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا، أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مُخْتَلِفَتَانِ غَيْرُ مُخْتَلِفَتَيِ الْمَعَانِي، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَهُوَ مُصِيبُ الصَّوَابِ فِي ذَلِكَ لِاتِّفَاقِ مَعْنَى الْقِرَاءَتَيْنِ فِي أَنَّهُ خَبَرٌ عَنِ اللَّهِ بِأَنَّهُ يُعَلِّمُ عِيسَى الْكِتَابَ، وَمَا ذَكَرَ أَنَّهُ يُعَلِّمُهُ، وَهَذَا ابْتِدَاءُ خَبَرٍ مِنَ اللَّهِ عز وجل لِمَرْيَمَ مَا هُوَ فَاعِلٌ بِالْوَلَدِ الَّذِي بَشَّرَهَا بِهِ مِنَ الْكَرَامَةِ، وَرِفْعَةِ الْمَنْزِلَةِ وَالْفَضِيلَةِ، فَقَالَ: كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مِنْكِ وَلَدًا، مِنْ غَيْرِ فَحْلٍ وَلَا بَعْلٍ، فَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ، وَهُوَ الْخَطُّ الَّذِي يُخُطُّهُ بِيَدِهِ، وَالْحِكْمَةُ: وَهِيَ السُّنَّةُ الَّتِي نُوحِيهَا إِلَيْهِ فِي غَيْرِ كِتَابٍ، وَالتَّوْرَاةُ: وَهِيَ التَّوْرَاةُ الَّتِي أُنْزِلَتْ عَلَى مُوسَى، كَانَتْ فِيهِمْ مِنْ عَهْدِ مُوسَى، وَالْإِنْجِيلُ: إِنْجِيلُ عِيسَى، وَلَمْ يَكُنْ قَبْلَهُ، وَلَكِنَّ اللَّهَ أَخْبَرَ مَرْيَمَ قَبْلَ خَلْقِ عِيسَى أَنَّهُ مُوحِيهِ إِلَيْهِ، وَإِنَّمَا أَخْبَرَهَا بِذَلِكَ، فَسَمَّاهُ لَهَا؛ لِأَنَّهَا قَدْ كَانَتْ عَلِمَتْ فِيمَا نَزَلَ مِنَ الْكُتُبِ أَنَّ اللَّهَ بَاعِثٌ نَبِيًّا يُوحِي إِلَيْهِ كِتَابًا اسْمُهُ الْإِنْجِيلُ، فَأَخْبَرَهَا اللَّهُ عز وجل أَنَّ ذَلِكَ النَّبِيَّ ﷺ الَّذِي سَمِعَتْ بِصِفَتِهِ الَّذِي وَعَدَ أَنْبِيَاءَهُ مِنْ قَبْلُ أَنَّهُ مُنْزِلٌ عَلَيْهِ الْكِتَابَ الَّذِي يُسَمَّى إِنْجِيلًا هُوَ الْوَلَدُ الَّذِي وَهَبَهُ لَهَا، وَبَشَّرَهَا بِهِ.
٥ / ٤١٦
وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ
٥ / ٤١٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: (وَنُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ) قَالَ: «بِيَدِهِ»
٥ / ٤١٧
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: (وَنُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ) قَالَ: «الْحِكْمَةُ: السُّنَّةُ»
٥ / ٤١٧
حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: (وَنُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ) قَالَ: «الْحِكْمَةُ: السُّنَّةُ»، ﴿وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ﴾ [آل عمران: ٤٨] قَالَ: «كَانَ عِيسَى يَقْرَأُ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ»
٥ / ٤١٧
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: (وَنُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ) قَالَ: «الْحِكْمَةُ: السُّنَّةُ»
٥ / ٤١٧
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: أَخْبَرَهَا يَعْنِي: أَخْبَرَ اللَّهُ مَرْيَمَ مَا يُرِيدُ بِهِ فَقَالَ: (وَنُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ) الَّتِي كَانَتْ فِيهِمْ مِنْ عَهْدِ مُوسَى ﴿وَالْإِنْجِيلَ﴾ [آل عمران: ٣] كِتَابًا آخَرَ أُحْدِثُهُ إِلَيْهِ، لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ عِلْمُهُ إِلَّا ذِكْرُهُ أَنَّهُ كَائِنٌ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلَهُ “
٥ / ٤١٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران: ٤٩] يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثناؤُهُ: ﴿وَرَسُولًا﴾ [آل عمران: ٤٩] وَنَجْعَلُهُ رَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَتَرَكَ ذِكْرَ «وَنَجْعَلُهُ»، لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الكامل] وَرَأَيْتِ زَوْجَكِ فِي الْوَغَى … مُتَقَلِّدًا سَيْفًا وَرُمْحَا
وَقَوْلُهُ: ﴿أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [آل عمران: ٤٩] بِمَعْنَى: وَنَجْعَلُهُ رَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِأَنَّهُ نَبِيٌّ وَبَشِيرٌ وَنَذِيرٌ؛ وَحُجَّتِي عَنْ صِدْقِي عَلَى ذَلِكَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ، يَعْنِي بِعَلَامَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ تُحَقِّقُ قُولِي وَتُصَدِّقُ خَبَرِي، أَنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّكُمْ إِلَيْكُمْ
[البحر الكامل] وَرَأَيْتِ زَوْجَكِ فِي الْوَغَى … مُتَقَلِّدًا سَيْفًا وَرُمْحَا
وَقَوْلُهُ: ﴿أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [آل عمران: ٤٩] بِمَعْنَى: وَنَجْعَلُهُ رَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِأَنَّهُ نَبِيٌّ وَبَشِيرٌ وَنَذِيرٌ؛ وَحُجَّتِي عَنْ صِدْقِي عَلَى ذَلِكَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ، يَعْنِي بِعَلَامَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ تُحَقِّقُ قُولِي وَتُصَدِّقُ خَبَرِي، أَنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّكُمْ إِلَيْكُمْ
٥ / ٤١٨
كَمَا: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ: ﴿وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [آل عمران: ٤٩] «أَيْ تُحَقِّقُ بِهَا نُبُوَّتِي، وَأَنِّي رَسُولٌ مِنْهُ إِلَيْكُمْ»
٥ / ٤١٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ [آل عمران: ٤٩] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثناؤُهُ: وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ، ثُمَّ بَيَّنَ عَنِ الْآيَةِ مَا هِيَ، فَقَالَ: ﴿أَنِّي أَخْلِقُ لَكُمْ﴾ [آل عمران: ٤٩]
٥ / ٤١٨
فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ: وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِأَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ بِأَنْ أُخْلَقَ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ، وَالطَّيْرُ جَمْعُ طَائِرٍ. وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْحِجَازِ: (كَهَيْئَةِ الطَّائِرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَائِرًا)، عَلَى التَّوْحِيدِ، وَقَرَأَهُ آخَرُونَ: ﴿كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا﴾ [آل عمران: ٤٩] عَلَى الْجِمَاعِ كِلَيْهِمَا. وَأَعْجَبُ الْقِرَاءَاتِ إِلَيَّ فِي ذَلِكَ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ: ﴿كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا﴾ [آل عمران: ٤٩] عَلَى الْجِمَاعِ فِيهِمَا جَمِيعًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ مِنْ صِفَةِ عِيسَى أَنَّهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ، وَأَنَّهُ مُوَافِقٌ لِخَطِّ الْمُصْحَفِ، وَاتِّبَاعُ خَطِّ الْمُصْحَفِ مَعَ صِحَّةِ الْمَعْنَى وَاسْتِفَاضَةِ الْقِرَاءَةِ بِهِ أَعْجَبُ إِلَيَّ مِنْ خِلَافِ الْمُصْحَفِ. وَكَانَ خَلْقُ عِيسَى: مَا كَانَ يَخْلُقُ مِنَ الطَّيْرِ
٥ / ٤١٩
كَمَا: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، قَالَ: ثنا ابْنُ إِسْحَاقَ «أَنَّ عِيسَى، صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ، جَلَسَ يَوْمًا مَعَ غِلْمَانٍ مِنَ الْكُتَّابِ، فَأَخَذَ طِينًا، ثُمَّ قَالَ: أَجْعَلُ لَكُمْ مِنْ هَذَا الطِّينِ طَائِرًا؟ قَالُوا: وَتَسْتَطِيعُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ بِإِذْنِ رَبِّي، ثُمَّ هَيَّأَهُ حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ فِي هَيْئَةِ الطَّائِرِ نَفَخَ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: كُنْ طَائِرًا بِإِذْنِ اللَّهِ فَخَرَجَ يَطِيرُ بَيْنَ كَفَّيْهِ، فَخَرَجَ الْغِلْمَانُ بِذَلِكَ مِنْ أَمْرِهِ فَذَكَرُوهُ لِمُعَلِّمِهِمْ، فَأَفْشُوهُ فِي النَّاسِ، وَتَرَعْرَعَ. فَهَمَّتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ، فَلَمَّا خَافَتْ أُمُّهُ عَلَيْهِ حَمَلَتْهُ عَلَى حَمِيرٍ لَهَا ثُمَّ خَرَجَتْ بِهِ هَارِبَةً» ⦗٤٢٠⦘ وَذُكِرَ أَنَّهُ لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَخْلُقَ الطَّيْرَ مِنَ الطِّينِ سَأَلَهُمْ: أَيُّ الطَّيْرِ أَشَدُّ خَلْقًا؟ فَقِيلَ لَهُ الْخُفَّاشُ
٥ / ٤١٩
كَمَا: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَوْلُهُ: ﴿أَنِّي أَخْلِقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ﴾ [آل عمران: ٤٩] قَالَ: «أَيُّ الطَّيْرِ أَشَدُّ خَلْقًا»؟ قَالُوا: الْخُفَّاشُ إِنَّمَا هُوَ لَحْمٌ، قَالَ فَفَعَلَ ” فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَكَيْفَ قِيلَ: ﴿فَأَنْفُخُ فِيهِ﴾ [آل عمران: ٤٩] وَقَدْ قِيلَ: ﴿أَنِّي أُخْلَقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ﴾ [آل عمران: ٤٩]؟ قِيلَ: لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ: فَأَنْفُخُ فِي الطَّيْرِ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ: فَأَنْفُخُ فِيهَا، كَانَ صَحِيحًا جَائِزًا، كَمَا قَالَ فِي الْمَائِدَةِ: ﴿فَأَنْفُخُ فِيهِ﴾ [آل عمران: ٤٩] يُرِيدُ: فَأَنْفُخُ فِي الْهَيْئَةِ، وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي إِحْدَى الْقِرَاءَتَيْنِ: «فَأَنْفُخُهَا» بِغَيْرِ «فِي»، وَقَدْ تَفْعَلُ الْعَرَبُ مِثْلَ ذَلِكَ فَتَقُولُ: رُبَّ لَيْلَةٍ قَدْ بَتُّهَا وَبِتُّ فِيهَا، قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر البسيط] مَا شُقَّ جَيْبٌ وَلَا قَامَتْكَ نَائِحَةٌ … وَلَا بَكَتْكَ جِيَادٌ عِنْدَ أَسْلَابِ
. بِمَعْنَى: وَلَا قَامَتْ عَلَيْكَ، وَكَمَا قَالَ الْآخَرُ:
[البحر البسيط] إِحْدَى بَنِي عَيِّذِ اللَّهِ اسْتَمَرَّ بِهَا … حُلْوُ الْعُصَارَةِ حَتَّى يُنْفَخَ الصُّورُ
[البحر البسيط] مَا شُقَّ جَيْبٌ وَلَا قَامَتْكَ نَائِحَةٌ … وَلَا بَكَتْكَ جِيَادٌ عِنْدَ أَسْلَابِ
. بِمَعْنَى: وَلَا قَامَتْ عَلَيْكَ، وَكَمَا قَالَ الْآخَرُ:
[البحر البسيط] إِحْدَى بَنِي عَيِّذِ اللَّهِ اسْتَمَرَّ بِهَا … حُلْوُ الْعُصَارَةِ حَتَّى يُنْفَخَ الصُّورُ
٥ / ٤٢٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَأُبْرِئُ الْأَكَمَهَ وَالْأَبْرَصَ﴾ [آل عمران: ٤٩] يَعْنِي بِقَوْلِهِ: ﴿وَأُبْرِئُ﴾ [آل عمران: ٤٩] وَأُشْفِي، يُقَالُ مِنْهُ: أَبْرَأَ اللَّهُ الْمَرِيضَ: إِذَا شَفَاهُ مِنْهُ، ⦗٤٢١⦘ فَهُوَ يُبْرِئُهُ إِبْرَاءً، وَبَرَأَ الْمَرِيضُ فَهُوَ يَبْرَأُ بُرْءًا، وَقَدْ يُقَالُ أَيْضًا: بَرِئَ الْمَرِيضُ فَهُوَ يَبْرَأُ، لُغَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى الْأَكْمَهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ الَّذِي لَا يُبْصِرُ بِاللَّيْلِ، وَيُبْصِرُ بِالنَّهَارِ
٥ / ٤٢٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ﴾ [آل عمران: ٤٩] قَالَ: «الْأَكْمَهُ: الَّذِي يُبْصِرُ بِالنَّهَارِ، وَلَا يُبْصِرُ بِاللَّيْلِ، فَهُوَ يَتَكَمَّهُ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ الْأَعْمَى الَّذِي وَلَدَتْهُ أُمُّهُ كَذَلِكَ
٥ / ٤٢١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: «كُنَّا نُحَدَّثُ أَنَّ الْأَكْمَهَ، الَّذِي وُلِدَ وَهُوَ أَعْمَى مَضُمُومُ الْعَيْنَيْنِ»
٥ / ٤٢١
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ قَتَادَةَ، ⦗٤٢٢⦘ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ﴾ [آل عمران: ٤٩] قَالَ: «كُنَّا نُحَدَّثُ أَنَّ الْأَكْمَهَ الَّذِي وُلِدَ وَهُوَ أَعْمَى مَضْمُومُ الْعَيْنَيْنِ»
٥ / ٤٢١
حُدِّثْتُ عَنِ الْمِنْجَابِ، قَالَ: ثنا بِشْرٌ، عَنْ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِي رَوْقٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «الْأَكْمَهُ: الَّذِي يُولَدُ وَهُوَ أَعْمَى» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ هُوَ الْأَعْمَى
٥ / ٤٢٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ﴾ [آل عمران: ٤٩] «هُوَ الْأَعْمَى»
٥ / ٤٢٢
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ ابْنِ عَبَّاسٍ: «الْأَعْمَى»
٥ / ٤٢٢
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ﴾ [آل عمران: ٤٩] قَالَ: «الْأَكْمَهُ: الْأَعْمَى»
٥ / ٤٢٢
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، قَالَ: ثنا أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ مَنْصُورٍ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ﴾ [آل عمران: ٤٩] قَالَ: «الْأَعْمَى» ⦗٤٢٣⦘ وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ الْأَعْمَشُ
٥ / ٤٢٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ أَبَانَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ﴾ [آل عمران: ٤٩] قَالَ: «الْأَعْمَشُ» وَالْمَعْرُوفُ عِنْدَ الْعَرَبِ مِنْ مَعْنَى الْكَمَهِ: الْعَمَى، يُقَالُ مِنْهُ: كَمِهَتْ عَيْنُهُ، فَهِيَ تَكْمَهُ كَمَهًا، وَأَكْمَهْتُهَا أَنَا: إِذَا أَعْمَيْتُهَا كَمَا قَالَ سُوَيْدُ بْنُ أَبِي كَاهِلٍ:
[البحر الرمل] كَمِهَتْ عَيْنَاهُ حَتَّى ابْيَضَّتَا … فَهْوَ يَلْحَى نَفْسَهُ لَمَّا نَزَعْ
وَمِنْهُ قَوْلُ رُؤْبَةَ:
[البحر الرجز] هَرَّجْتُ فَارْتَدَّ ارْتِدَادَ الْأَكْمَهِ … فِي غَائِلَاتِ الْحَائِرِ الْمُتَهْتَهِ
وَإِنَّمَا أَخْبَرَ اللَّهُ عز وجل عَنْ عِيسَى صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ، أَنَّهُ يَقُولُ ذَلِكَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ، احْتِجَاجًا مِنْهُ بِهَذِهِ الْعِبَرِ وَالْآيَاتِ عَلَيْهِمْ فِي نُبُوَّتِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْكَمَهُ
[البحر الرمل] كَمِهَتْ عَيْنَاهُ حَتَّى ابْيَضَّتَا … فَهْوَ يَلْحَى نَفْسَهُ لَمَّا نَزَعْ
وَمِنْهُ قَوْلُ رُؤْبَةَ:
[البحر الرجز] هَرَّجْتُ فَارْتَدَّ ارْتِدَادَ الْأَكْمَهِ … فِي غَائِلَاتِ الْحَائِرِ الْمُتَهْتَهِ
وَإِنَّمَا أَخْبَرَ اللَّهُ عز وجل عَنْ عِيسَى صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ، أَنَّهُ يَقُولُ ذَلِكَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ، احْتِجَاجًا مِنْهُ بِهَذِهِ الْعِبَرِ وَالْآيَاتِ عَلَيْهِمْ فِي نُبُوَّتِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْكَمَهُ
٥ / ٤٢٣
وَالْبَرَصَ لَا عِلَاجَ لَهُمَا، فَيَقْدِرُ عَلَى إِبْرَائِهِ ذُو طِبٍّ بِعِلَاجٍ، فَكَانَ ذَلِكَ مِنْ أَدِلَّتِهِ عَلَى صِدْقِ قِيلِهِ: إِنَّهُ لِلَّهِ رَسُولٌ؛ لِأَنَّهُ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ مَعَ سَائِرِ الْآيَاتِ الَّتِي أَعْطَاهُ اللَّهُ إِيَّاهَا دَلَالَةٌ عَلَى نُبُوَّتِهِ، فَأَمَّا مَا قَالَ عِكْرِمَةُ، مِنْ أَنَّ الْكَمَهَ الْعَمَشُ، وَمَا قَالَهُ مُجَاهِدٌ: مِنْ أَنَّهُ سُوءُ الْبَصَرِ بِاللَّيْلِ، فَلَا مَعْنَى لَهُمَا؛ لِأَنَّ اللَّهَ لَا يَحْتَجُّ عَلَى خَلْقِهِ بِحُجَّةٍ تَكُونُ لَهُمُ السَّبِيلُ إِلَى مُعَارَضَتِهِ فِيهَا، وَلَوْ كَانَ مِمَّا احْتَجَّ بِهِ عِيسَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي نُبُوَّتِهِ أَنَّهُ يُبْرِئُ الْأَعْمَشَ، أَوِ الَّذِي يُبْصِرُ بِالنَّهَارِ وَلَا يُبْصِرُ بِاللَّيْلِ لَقَدَرُوا عَلَى مُعَارَضَتِهِ بِأَنْ يَقُولُوا: وَمَا فِي هَذَا لَكَ مِنَ الْحُجَّةِ، وَفِينَا خَلْقٌ مِمَّا يُعَالِجُ ذَلِكَ وَلَيْسُوا لِلَّهِ أَنْبِيَاءَ وَلَا رُسُلًا؟ فَفِي ذَلِكَ دَلَالَةٌ بَيِّنَةٌ عَلَى صِحَّةِ مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ الْأَكْمَهَ: هُوَ الْأَعْمَى الَّذِي لَا يُبْصِرُ شَيْئًا لَا لَيْلًا وَلَا نَهَارًا، وَهُوَ بِمَا قَالَ قَتَادَةُ: مِنْ أَنَّهُ الْمَوْلُودُ كَذَلِكَ أَشْبَهُ؛ لِأَنَّ عِلَاجَ مِثْلِ ذَلِكَ لَا يَدَّعِيهِ أَحَدٌ مِنَ الْبَشَرِ، إِلَّا مَنْ أَعْطَاهُ اللَّهُ مِثْلَ الَّذِي أَعْطَى عِيسَى، وَكَذَلِكَ عِلَاجُ الْأَبْرَصِ
٥ / ٤٢٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ﴾ [آل عمران: ٤٩] وَكَانَ إِحْيَاءُ عِيسَى الْمَوْتَى بِدُعَاءِ اللَّهِ، يَدْعُو لَهُمْ، فَيَسْتَجِيبُ لَهُ
٥ / ٤٢٤
كَمَا: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلِ بْنِ عَسْكَرٍ، قَالَ: ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ، قَالَ: ثني عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ مَعْقِلٍ أَنَّهُ سَمِعَ وَهْبَ بْنَ مُنَبِّهٍ، يَقُولُ: «لَمَّا صَارَ عِيسَى ابْنَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً أَوْحَى اللَّهُ إِلَى أُمِّهِ وَهِيَ بِأَرْضِ مِصْرَ، وَكَانَتْ هَرَبَتْ مِنْ قَوْمِهَا حِينَ وَلَدَتْهُ إِلَى أَرْضِ مِصْرَ أَنِ اطْلُعِي بِهِ إِلَى الشَّامِ، فَفَعَلَتِ الَّذِي أُمِرَتْ بِهِ فَلَمْ
٥ / ٤٢٤
تَزَلْ بِالشَّامِ حَتَّى كَانَ ابْنَ ثَلَاثِينَ سَنَةً، وَكَانَتْ نُبُوَّتُهُ ثَلَاثَ سِنِينَ، ثُمَّ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ» قَالَ: وَزَعَمَ وَهْبٌ أَنَّهُ رُبَّمَا اجْتَمَعَ عَلَى عِيسَى مِنَ الْمَرْضَى فِي الْجَمَاعَةِ الْوَاحِدَةِ خَمْسُونَ أَلْفًا، مَنْ أَطَاقَ مِنْهُمْ أَنْ يَبْلُغَهُ بَلَغَهُ، وَمَنْ لَمْ يُطِقْ مِنْهُمْ ذَلِكَ أَتَاهُ عِيسَى يَمْشِي إِلَيْهِ، وَإِنَّمَا كَانَ يُدَاوِيهِمْ بِالدُّعَاءِ إِلَى اللَّهِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ﴾ [آل عمران: ٤٩] فَإِنَّهُ يَعْنِي: وَأُخْبِرُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَهُ مِمَّا لَمْ أُعَايِنْهُ وَأُشَاهِدْهُ مَعَكُمْ فِي وَقْتِ أَكْلِكُمُوهُ ﴿وَمَا تَدَّخِرُونَ﴾ [آل عمران: ٤٩] يَعْنِي بِذَلِكَ: وَمَا تَرْفَعُونَهُ فَتُخَبِّئُونَهُ وَلَا تَأْكُلُونَهُ، يُعْلِمُهُمْ أَنَّ مِنْ حُجَّتِهِ أَيْضًا عَلَى نُبُوَّتِهِ مَعَ الْمُعْجِزَاتِ الَّتِي أَعْلَمُهُمْ أَنَّهُ يَأْتِي بِهَا حُجَّةً عَلَى نُبُوَّتِهِ وَصِدْقِهِ فِي خَبَرِهِ أَنَّ اللَّهَ أَرْسَلَهُ إِلَيْهِمْ: مِنْ خَلْقِ الطَّيْرِ مِنَ الطِّينِ، وَإِبْرَاءِ الْأَكْمَهِ وَالْأَبْرَصِ، وَإِحْيَاءِ الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ، الَّتِي لَا يُطِيقُهَا أَحَدٌ مِنَ الْبَشَرِ، إِلَّا مَنْ أَعْطَاهُ اللَّهُ ذَلِكَ، عِلْمًا لَهُ عَلَى صِدْقِهِ، وَآيَةً لَهُ عَلَى حَقِيقَةِ قَوْلِهِ مِنْ أَنْبِيَائِهِ وَرُسُلِهِ، وَمَنْ أَحَبَّ مِنْ خَلْقِهِ إِنْبَاءَهُ عَنِ الْغَيْبِ الَّذِي لَا سَبِيلَ لِأَحَدٍ مِنَ الْبَشَرِ الَّذِينَ سَبِيلَهُمْ سَبِيلُهُ عَلَيْهِ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَمَا كَانَ فِي قَوْلِهِ لَهُمْ: ﴿وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ﴾ [آل عمران: ٤٩] مِنَ الْحُجَّةِ لَهُ عَلَى صِدْقِهِ، وَقَدْ رَأَيْنَا الْمُتَنَجِّمَةَ وَالْمُتَكَهِّنَةَ تُخْبِرُ بِذَلِكَ كَثِيرًا فَتُصِيبُ؟ قِيلَ: إِنَّ الْمُتَنَجِّمَ وَالْمُتَكَهِّنَ مَعْلُومٌ مِنْهُمَا عِنْدَ مَنْ يُخْبِرُهُ بِذَلِكَ أَنَّهُمَا يُنْبِئَانِ بِهِ عَنِ اسْتِخْرَاجٍ لَهُ بِبَعْضِ الْأَسْبَابِ الْمُؤَدِيَةِ إِلَى عِلْمِهِ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ كَذَلِكَ مِنْ عِيسَى صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَمِنْ سَائِرِ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ وَرُسُلِهِ، وَإِنَّمَا كَانَ عِيسَى يُخْبِرُ بِهِ عَنْ
٥ / ٤٢٥
غَيْرِ اسْتِخْرَاجٍ وَلَا طَلَبٍ لِمَعْرِفَتِهِ بِاحْتِيَالٍ، وَلَكِنْ ابْتِدَاءً بِإِعْلَامِ اللَّهِ إِيَّاهُ مِنْ غَيْرِ أَصْلٍ تَقَدَّمَ ذَلِكَ؛ احْتَذَاهُ، أَوْ بَنَى عَلَيْهِ أَوْ فَزِعَ إِلَيْهِ، كَمَا يَفْزَعُ الْمُتَنَجِّمُ إِلَى حِسَابِهِ، وَالْمُتَكَهِّنُ إِلَى رِئْيِهِ، فَذَلِكَ هُوَ الْفَصْلُ بَيْنَ عَلْمِ الْأَنْبِيَاءِ بِالْغُيُوبِ وَإِخْبَارِهِمْ عَنْهَا، وَبَيْنَ عِلْمِ سَائِرِ الْمُتَكَذِّبَةِ عَلَى اللَّهِ، أَوِ الْمُدَّعِيَةِ عِلْمَ ذَلِكَ
٥ / ٤٢٦
كَمَا: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: «لَمَّا بَلَغَ عِيسَى تِسْعَ سِنِينَ أَوْ عَشْرًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، أَدْخَلَتْهُ أُمُّهُ الْكُتَّابَ فِيمَا يَزْعُمُونَ، فَكَانَ عِنْدَ رَجُلٍ مِنَ الْمُكْتِبِينَ يُعَلِّمُهُ كَمَا يُعَلِّمُ الْغِلْمَانَ، فَلَا يَذْهَبُ يُعَلِّمُهُ شَيْئًا مِمَّا يُعَلِّمُهُ الْغِلْمَانَ إِلَّا بَدَرَهُ إِلَى عِلْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُعَلِّمَهُ إِيَّاهُ، فَيَقُولُ: أَلَا تَعْجَبُونَ لِابْنِ هَذِهِ الْأَرْمَلَةِ؟ مَا أَذْهَبُ أُعَلِّمُهُ شَيْئًا إِلَّا وَجَدْتُهُ أَعْلَمَ بِهِ مِنِّي»
٥ / ٤٢٦
حَدَّثَنِي مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: «لَمَّا كَبِرَ عِيسَى أَسْلَمَتْهُ أُمُّهُ يَتَعَلَّمُ التَّوْرَاةَ، فَكَانَ يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ غِلْمَانِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَ فِيهَا، فَيُحَدِّثُ الْغِلْمَانَ بِمَا يَصْنَعُ آبَاؤُهُمْ»
٥ / ٤٢٦
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ سَالِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ﴾ [آل عمران: ٤٩] قَالَ: «كَانَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ إِذْ كَانَ فِي الْكُتَّابِ يُخْبِرُهُمْ بِمَا يَأْكُلُونَ فِي بُيُوتِهِمْ وَمَا يَدَّخِرُونَ»
٥ / ٤٢٦
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ سَالِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ يَقُولُ: ﴿وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا ⦗٤٢٧⦘ تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ﴾ [آل عمران: ٤٩] قَالَ: «إِنَّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ كَانَ يَقُولُ لِلْغُلَامِ فِي الْكُتَّابِ: يَا فُلَانُ، إِنَّ أَهْلَكَ قَدْ خَبَّئُوا لَكَ كَذَا وَكَذَا مِنَ الطَّعَامِ فَتُطْعِمُنِي مِنْهُ؟» فَهَكَذَا فِعْلُ الْأَنْبِيَاءِ وَحُجَجُهَا إِنَّمَا تَأْتِي بِمَا أَتَتْ بِهِ مِنَ الْحَجِيجِ بِمَا قَدْ يُوصَلُ إِلَيْهِ بِبَعْضِ الْحِيَلِ، عَلَى غَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي يَأْتِي بِهِ غَيْرُهَا، بَلْ مِنَ الْوَجْهِ الَّذِي يَعْلَمُ الْخَلْقُ أَنَّهُ لَا يُوصَلُ إِلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ الْوَجْهِ بِحِيلَةٍ إِلَّا مِنْ قِبَلِ اللَّهِ. وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: ﴿وَأُنَبْئِكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ﴾ [آل عمران: ٤٩] قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٥ / ٤٢٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ﴾ [آل عمران: ٤٩] قَالَ: «بِمَا أَكَلْتُمُ الْبَارِحَةَ، وَمَا خَبَّأْتُمْ مِنْهُ؛ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَقُولُهُ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
٥ / ٤٢٧
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ يَعْنِي قَوْلَهُ: ﴿وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا ⦗٤٢٨⦘ تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ﴾ [آل عمران: ٤٩] قَالَ: «الطَّعَامُ وَالشَّيْءُ يَدَّخِرُونَهُ فِي بُيُوتِهِمْ غَيْبًا عَلَّمَهُ اللَّهُ إِيَّاهُ»
٥ / ٤٢٧
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ﴾ [آل عمران: ٤٩] قَالَ: «مَا تَأْكُلُونَ: مَا أَكَلْتُمُ الْبَارِحَةَ مِنْ طَعَامٍ، وَمَا خَبَّأْتُمْ مِنْهُ»
٥ / ٤٢٨
حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: «كَانَ – يَعْنِي عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ – يُحَدِّثُ الْغِلْمَانَ وَهُوَ مَعَهُمْ فِي الْكُتَّابِ بِمَا يَصْنَعُ آبَاؤُهُمْ، وَبِمَا يَرْفَعُونَ لَهُمْ، وَبِمَا يَأْكُلُونَ وَيَقُولُ لِلْغُلَامِ: انْطَلِقْ فَقَدْ رَفَعَ لَكَ أَهْلُكَ كَذَا وَكَذَا، وَهُمْ يَأْكُلُونَ كَذَا وَكَذَا، فَيَنْطَلِقُ الصَّبِيُّ فَيَبْكِي عَلَى أَهْلِهِ حَتَّى يُعْطُوهُ ذَلِكَ الشَّيْءَ، فَيَقُولُونَ لَهُ: مَنْ أَخْبَرَكَ بِهَذَا؟ فَيَقُولُ: عِيسَى، فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عز وجل: ﴿وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ﴾ [آل عمران: ٤٩] فَحَبَسُوا صِبْيَانَهُمْ عَنْهُ، وَقَالُوا: لَا تَلْعَبُوا مَعَ هَذَا السَّاحِرِ، فَجَمَعُوهُمْ فِي بَيْتٍ، فَجَاءَ عِيسَى يَطْلُبُهُمْ، فَقَالُوا: لَيْسَ هُمْ هَاهُنَا، فَقَالَ: مَا فِي هَذَا الْبَيْتِ؟ فَقَالُوا: خَنَازِيرُ، قَالَ عِيسَى: كَذَلِكَ يَكُونُونَ، فَفَتَحُوا عَنْهُمْ فَإِذَا هُمْ خَنَازِيرُ»، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ﴾
٥ / ٤٢٨
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، قَالَ: ثنا أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ، عَنْ عَبَّادٍ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ﴾ [آل عمران: ٤٩] قَالَ: «مَا تُخَبِّئُونَ مَخَافَةَ الَّذِي يُمْسِكُ أَنْ لَا يَخْلُفَهُ شَيْءٌ» ⦗٤٢٩⦘ وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّمَا عَنَى بِقَوْلِهِ: ﴿وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ﴾ [آل عمران: ٤٩] مَا تَأْكُلُونَ مِنَ الْمَائِدَةِ الَّتِي تَنْزِلُ عَلَيْكُمْ، وَمَا تَدَّخِرُونَ مِنْهَا
٥ / ٤٢٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ﴾ [آل عمران: ٤٩] «فَكَانَ الْقَوْمُ لَمَّا سَأَلُوا الْمَائِدَةَ، فَكَانَتْ جِرَابًا يُنْزِلُ عَلَيْهِ أَيْنَمَا كَانُوا ثَمَرًا مِنْ ثِمَارِ الْجَنَّةِ، فَأَمَرَ الْقَوْمَ أَنْ لَا يَخُونُوا فِيهِ، وَلَا يُخَبِّئُوا، وَلَا يَدَّخِرُوا لِغَدٍ، بَلَاءٌ ابْتَلَاهُمُ اللَّهَ بِهِ، فَكَانُوا إِذَا فَعَلُوا مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا أَنْبَأَهُمْ بِهِ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ»، فَقَالَ: ﴿وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ﴾ [آل عمران: ٤٩]
٥ / ٤٢٩
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ﴾ [آل عمران: ٤٩] قَالَ: «أُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ مِنَ الْمَائِدَةِ، وَمَا تَدَّخِرُونَ مِنْهَا، قَالَ: فَكَانَ أَخَذَ عَلَيْهِمْ فِي الْمَائِدَةِ حِينَ نَزَلَتْ أَنْ يَأْكُلُوا وَلَا يَدَّخِرُوا، فَادَّخَرُوا وَخَانُوا، فَجُعِلُوا خَنَازِيرَ حِينَ ادَّخَرُوا وَخَانُوا»، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ﴾ [المائدة: ١١٥] قَالَ ابْنُ يَحْيَى: قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: قَالَ مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ خِلَاسِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ ذَلِكَ. وَأَصْلُ يَدَّخِرُونَ مِنَ الْفِعْلِ يَفْتَعِلُونَ، مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: ذَخَرْتُ ⦗٤٣٠⦘ الشَّيْءَ بِالذَّالِ، فَأَنَا أَذْخُرُهُ، ثُمَّ قِيلَ: يَدَّخِرُ كَمَا قِيلَ: يَدَّكِرُ، مِنْ ذَكَرْتُ الشَّيْءَ، يُرَادُ بِهِ يَذْتَخِرُ، فَلَمَّا اجْتَمَعَتِ الذَّالُ وَالتَّاءُ وَهُمَا مُتَقَارِبَتَا الْمَخْرَجِ، ثَقُلَ إِظْهَارُهَمَا عَلَى اللِّسَانِ، فَأُدْغِمَتْ إِحْدَاهُمَا فِي الْأُخْرَى وَصُيِّرَتَا دَالًا مُشُدَدَّةً صَيَّرُوهَا عَدْلًا بَيْنَ الذَّالِ وَالتَّاءِ، وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يُغَلِّبُ الذَّالَ عَلَى التَّاءِ فَيُدْغِمُ التَّاءَ فِي الذَّالِ، فَيَقُولُ: وَمَا تَدَّخِرُونَ وَهُوَ مُدَّخَرٌ لَكَ، وَهُوَ مُذَّكِرُ وَاللُّغَةُ الَّتِي بِهَا الْقِرَاءَةُ الْأَوْلَى، وَذَلِكَ إِدْغَامُ الذَّالِ فِي التَّاءِ، وَإِبْدَالِهِمَا دَالًا مُشَدَّدَةً لَا يَجُوزُ الْقِرَاءَةُ بِغَيْرِهَا لِتَظَاهُرِ النَّقْلِ مِنَ الْقُرَّاءِ بِهَا، وَهُوَ اللُّغَةُ الْجُودَى، كَمَا قَالَ زُهَيْرٌ:
[البحر البسيط] إِنَّ الْكَرِيمَ الَّذِي يُعْطِيكَ نَائِلَهُ … عَفْوًا وَيُظْلَمُ أَحْيَانًا فَيَظَّلِمُ
يُرْوَى بِالظَّاءِ، يُرِيدُ: فَيَفْتَعِلُ مِنَ الظُّلْمِ، وَيُرْوَى بِالطَّاءِ أَيْضًا
[البحر البسيط] إِنَّ الْكَرِيمَ الَّذِي يُعْطِيكَ نَائِلَهُ … عَفْوًا وَيُظْلَمُ أَحْيَانًا فَيَظَّلِمُ
يُرْوَى بِالظَّاءِ، يُرِيدُ: فَيَفْتَعِلُ مِنَ الظُّلْمِ، وَيُرْوَى بِالطَّاءِ أَيْضًا
٥ / ٤٢٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [البقرة: ٢٤٨] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثناؤُهُ: إِنَّ فِي خَلْقِي مِنَ الطِّينِ الطَّيْرَ بِإِذْنِ اللَّهِ، وَفِي إِبْرَائِي الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ، وَإِحْيَائِي الْمَوْتَى، وَإِنْبَائِي إِيَّاكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ، وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ، ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ حِسَابٍ وَتَنْجِيمٍ، وَلَا كَهَانَةٍ وَعِرَافَةٍ لَعِبْرَةً لَكُمْ، وَمُتَفَكَّرًا تَتَفَكَّرُونَ فِي ذَلِكَ، فَتَعْتَبِرُونَ بِهِ أَنِّي مُحِقٌّ فِي قُولِي لَكُمْ: إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّكُمْ إِلَيْكُمْ، وَتَعْلَمُونَ بِهِ أَنِّي فِيمَا أَدْعُوكُمْ إِلَيْهِ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ وَنَهْيِهِ صَادِقٌ، إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ، يَعْنِي: إِنْ كُنْتُمْ مُصَدِّقِينَ حُجَجَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ، مُقِرِّينَ بِتَوْحِيدِهِ وَنَبِيِّهِ مُوسَى، وَالتَّوْرَاةِ الَّتِي جَاءَكُمْ بِهَا
٥ / ٤٣٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ
٥ / ٤٣٠
بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهُ وَأَطِيعُونِ، إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ﴾ [آل عمران: ٥١] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثناؤُهُ: وَبِأَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ، وَجِئْتُكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ، وَلِذَلِكَ نُصِبَ «مُصَدِّقًا» عَلَى الْحَالِ مِنْ جِئْتُكُمْ، وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ نُصِبَ عَلَى قَوْلِهِ وَجِئْتُكُمْ دُونَ الْعَطْفِ عَلَى قَوْلِهِ: ﴿وَجِيهًا﴾ [آل عمران: ٤٥]، قَوْلُهُ: ﴿لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ﴾ [آل عمران: ٥٠] وَلَوْ كَانَ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ: ﴿وَجِيهًا﴾ [آل عمران: ٤٥]، لَكَانَ الْكَلَامُ: وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ، وَلِيُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ، وَإِنَّمَا قِيلَ: ﴿وَمُصَدَّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ﴾ [آل عمران: ٥٠] لِأَنَّ عِيسَى صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ كَانَ مُؤْمِنًا بِالتَّوْرَاةِ مُقِرًّا بِهَا، وَأَنَّهَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَكَذَلِكَ الْأَنْبِيَاءُ كُلُّهُمْ يُصَدِّقُونَ بِكُلِّ مَا كَانَ قَبْلَهُمْ مِنْ كُتُبِ اللَّهِ وَرُسُلِهِ، وَإِنِ اخْتَلَفَ بَعْضُ شَرَائِعِ أَحْكَامِهِمْ لِمُخَالَفَةِ اللَّهِ بَيْنَهُمْ فِي ذَلِكَ، مَعَ أَنَّ عِيسَى كَانَ فِيمَا بَلَغَنَا عَامِلًا بِالتَّوْرَاةِ، لَمْ يُخَالِفْ شَيْئًا مِنْ أَحْكَامِهَا إِلَّا مَا خَفَّفَ اللَّهُ عَنْ أَهْلِهَا فِي الْإِنْجِيلِ مِمَّا كَانَ مُشَدِّدًا عَلَيْهِمْ فِيهَا
٥ / ٤٣١
كَمَا: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْكَرِيمِ، قَالَ: ثني عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ مَعْقِلٍ أَنَّهُ سَمِعَ وَهْبَ بْنَ مُنَبِّهٍ، يَقُولُ: «إِنَّ عِيسَى كَانَ عَلَى شَرِيعَةِ مُوسَى ﷺ، وَكَانَ يُسْبِتُ وَيَسْتَقْبِلُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، فَقَالَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: إِنِّي لَمْ أَدْعُكُمْ إِلَى خِلَافِ حَرْفٍ مِمَّا فِي التَّوْرَاةِ إِلَّا لِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرَّمَ عَلَيْكُمْ، وَأَضَعَ عَنْكُمْ مِنَ الْآصَارِ»
٥ / ٤٣١
حَدَّثَنِي بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ ⦗٤٣٢⦘ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حِرِّمَ عَلَيْكُمْ﴾ [آل عمران: ٥٠] «كَانَ الَّذِي جَاءَ بِهِ عِيسَى أَلْيَنَ مِمَّا جَاءَ بِهِ مُوسَى، وَكَانَ قَدْ حُرِّمَ عَلَيْهِمْ فِيمَا جَاءَ بِهِ مُوسَى لُحُومُ الْإِبِلِ وَالثُّرُوبُ، وَأَشْيَاءُ مِنَ الطَّيْرِ وَالْحِيتَانِ»
٥ / ٤٣١
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ﴾ [آل عمران: ٥٠] قَالَ: «كَانَ الَّذِي جَاءَ بِهِ عِيسَى أَلْيَنَ مِنَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى، قَالَ: وَكَانَ حُرِّمَ عَلَيْهِمْ فِيمَا جَاءَ بِهِ مُوسَى مِنَ التَّوْرَاةِ لُحُومُ الْإِبِلِ وَالثَّرُوُبُ فَأَحَلَّهَا لَهُمْ عَلَى لِسَانِ عِيسَى، وَحُرِّمَتْ عَلَيْهِمُ الشُّحُومُ، وَأُحِلَّتْ لَهُمْ فِيمَا جَاءَ بِهِ عِيسَى، وَفِي أَشْيَاءَ مِنَ السَّمَكِ، وَفِي أَشْيَاءَ مِنَ الطَّيْرِ مِمَّا لَا صَيصِيَةَ لَهُ، وَفِي أَشْيَاءَ حَرَّمَهَا عَلَيْهِمْ، وَشَدَّدَهَا عَلَيْهِمْ، فَجَاءَهُمْ عِيسَى بِالتَّخْفِيفِ مِنْهُ فِي الْإِنْجِيلِ، فَكَانَ الَّذِي جَاءَ بِهِ عِيسَى أَلْيَنَ مِنَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى، صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ»
٥ / ٤٣٢
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ﴾ [آل عمران: ٥٠] قَالَ: «لُحُومُ الْإِبِلِ وَالشُّحُومُ لَمَّا بُعِثَ عِيسَى أَحَلَّهَا لَهُمْ، وَبُعِثَ إِلَى الْيَهُودِ فَاخْتَلَفُوا وَتَفَرَّقُوا»
٥ / ٤٣٢
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ: ﴿وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ﴾ [آل عمران: ٥٠] أَيْ «لِمَا سَبَقَنِي مِنْهَا ⦗٤٣٣⦘»، ﴿وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ﴾ [آل عمران: ٥٠] «أَيْ أُخْبِرُكُمْ أَنَّهُ كَانَ حَرَامًا عَلَيْكُمْ، فَتَرَكْتُمُوهُ، ثُمَّ أَحَلَّهُ لَكُمْ تَخْفِيفًا عَنْكُمْ، فَتُصِيبُونَ يُسْرَهُ وَتَخْرُجُونَ مِنْ تَبَاعَتِهِ»
٥ / ٤٣٢
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، قَالَ: ثنا أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ، عَنْ عَبَّادٍ، عَنِ الْحَسَنِ: ﴿وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ﴾ [آل عمران: ٥٠] قَالَ: «كَانَ حُرِّمَ عَلَيْهِمْ أَشْيَاءُ، فَجَاءَهُمْ عِيسَى لِيُحِلَّ لَهُمُ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْهِمْ، يَبْتَغِي بِذَلِكَ شُكْرَهُمْ»
٥ / ٤٣٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [آل عمران: ٥٠] يَعْنِي بِذَلِكَ: وَجِئْتُكُمْ بِحُجَّةٍ وَعِبْرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ تَعْلَمُونَ بِهَا حَقِيقَةَ مَا أَقُولُ لَكُمْ
٥ / ٤٣٣
كَمَا: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [آل عمران: ٥٠] قَالَ: «مَا بَيَّنَ لَهُمْ عِيسَى مِنَ الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا، وَمَا أَعْطَاهُ رَبُّهُ»
٥ / ٤٣٣
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [آل عمران: ٥٠] «مَا بَيَّنَ لَهُمْ عِيسَى مِنَ الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا» وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ: ﴿مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [البقرة: ٤٩] مِنْ عِنْدِ رَبِّكُمْ
٥ / ٤٣٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ ⦗٤٣٤⦘ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ﴾ [آل عمران: ٥١] يَعْنِي بِذَلِكَ: وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ، تَعْلَمُونَ بِهَا يَقِينًا صِدْقِي فِيمَا أَقُولُ، فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا مَعْشَرَ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِيمَا أَمَرَكُمْ بِهِ وَنَهَاكُمْ عَنْهُ فِي كِتَابِهِ الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَى مُوسَى فَأَوْفُوا بِعَهْدِهِ الَّذِي عَاهَدْتُمُوهُ فِيهِ، وَأَطِيعُونِ فِيمَا دَعَوْتُكُمْ إِلَيْهِ مِنْ تَصْدِيقِي فِيمَا أَرْسَلَنِي بِهِ إِلَيْكُمْ، رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ، فَإِنَّهُ بِذَلِكَ أَرْسَلَنِي إِلَيْكُمْ، وَبِإِحْلَالِ بَعْضِ مَا كَانَ مُحَرَّمًا عَلَيْكُمْ فِي كِتَابِكُمْ، وَذَلِكَ هُوَ الطَّرِيقُ الْقَوِيمُ، وَالْهُدَى الْمَتِينُ الَّذِي لَا اعْوِجَاجَ فِيهِ
٥ / ٤٣٣
كَمَا: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ﴾ [آل عمران: ٥١] «تَبَرِّيًا مِنَ الَّذِي يَقُولُونَ فِيهِ، يَعْنِي مَا يَقُولُ فِيهِ النَّصَارَى وَاحْتِجَاجًا لِرَبِّهِ عَلَيْهِمْ»، فَاعْبُدُوهُ وَ﴿هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ﴾ [آل عمران: ٥١] «أَيِ الَّذِي هَذَا قَدْ حَمَلْتُكُمْ عَلَيْهِ وَجِئْتُكُمْ بِهِ» وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ﴾ [آل عمران: ٥١] فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ: ﴿إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ﴾ [آل عمران: ٥١] بِكَسْرِ أَلْفِ «إِنَّ» عَلَى ابْتِدَاءِ الْخَبَرِ، وَقَرَأَهُ بَعْضُهُمْ: «أَنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ» بِفَتْحِ أَلْفِ «أَنَّ» بِتَأْوِيلِ: وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ، عَلَى رَدِّ أَنَّ عَلَى الْآيَةِ، وَالْإِبْدَالِ مِنْهَا.
٥ / ٤٣٤
وَالصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَةِ عِنْدَنَا مَا عَلَيْهِ قُرَّاءُ الْأَمْصَارِ، وَذَلِكَ كَسْرُ أَلْفِ «إِنَّ» عَلَى الِابْتِدَاءِ، لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ، وَمَا اجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ فَحُجَّةٌ، وَمَا انْفَرَدَ بِهِ الْمُنْفَرِدُ عَنْهَا فَرَأْي، وَلَا يُعْتَرَضُ بِالرَّأْيِ عَلَى الْحُجَّةِ، وَهَذِهِ الْآيَةُ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهَا خَبَرًا، فَفِيهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ مِنَ اللَّهِ لِرَسُولِهِ مُحَمَّدٍ ﷺ عَلَى الْوَفْدِ الَّذِينَ حَاجُّوهُ مِن أَهْلِ نَجْرَانَ بِإِخْبَارِ اللَّهِ عز وجل عَنْ أَنَّ عِيسَى كَانَ بَرِيئًا مِمَّا نَسَبَهُ إِلَيْهِ مَنْ نَسَبَهُ، غَيْرَ الَّذِي وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ، مِنْ أَنَّهُ لِلَّهِ عَبْدٌ كَسَائِرِ عَبِيدِهِ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ إِلَّا مَا كَانَ اللَّهُ جَلَّ ثناؤُهُ خَصَّهُ بِهِ مِنَ النُّبُوَّةِ وَالْحُجَجِ الَّتِي آتَاهُ دَلِيلًا عَلَى صِدْقِهِ، كَمَا آتَى سَائِرَ الْمُرْسَلِينَ غَيْرَهُ مِنَ الْأَعْلَامِ وَالْأَدِلَّةِ عَلَى صِدْقِهِمْ، وَالْحُجَّةِ عَلَى نُبُوَّتِهِمْ
٥ / ٤٣٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: ٥٢] يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثناؤُهُ: ﴿فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ﴾ [آل عمران: ٥٢] فَلَمَّا وَجَدَ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ، وَالْإِحْسَاسُ: هُوَ الْوُجُودُ، وَمِنْهُ قَوْلُ اللَّهِ عز وجل: ﴿هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ﴾ [مريم: ٩٨] فَأَمَّا الْحِسُّ بِغَيْرِ أَلْفٍ، فَهُوَ الْإِفْنَاءُ وَالْقَتْلُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ: ﴿إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ﴾ [آل عمران: ١٥٢] وَالْحِسُّ أَيْضًا: الْعَطْفُ وَالرِّقَّةُ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْكُمَيْتِ:
[البحر البسيط]
[البحر البسيط]
٥ / ٤٣٥
هَلْ مَنْ بَكَى الدَّارَ رَاجٍ أَنْ تُحِسَّ لَهُ … أَوْ يَبْكِيَ الدَّارَ مَاءُ الْعَبْرَةِ الْخَضِلُ
يَعْنِي بِقَوْلِهِ: أَنْ تُحِسَّ لَهُ: أَنْ تَرِقَّ لَهُ. فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ: فَلَمَّا وَجَدَ عِيسَى مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ أَرْسَلَهُ اللَّهُ إِلَيْهِمْ جُحُودًا لِنُبُوَّتِهِ، وَتَكْذِيبًا لِقَوْلِهِ، وَصَدًّا عَمَّا دَعَاهُمْ إِلَيْهِ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ، قَالَ: ﴿مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ﴾ [آل عمران: ٥٢] يَعْنِي بِذَلِكَ: قَالَ عِيسَى: مَنْ أَعْوَانِي عَلَى الْمُكَذِّبِينَ بِحُجَّةِ اللَّهِ، وَالْمُوَلِّينَ عَنْ دِينِهِ، وَالْجَاحِدِينَ نُبُوَّةَ نَبِيِّهِ إِلَى اللَّهِ عز وجل، وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ ﴿إِلَى اللَّهِ﴾ [البقرة: ٢٧٥] مَعَ اللَّهِ، وَإِنَّمَا حَسُنَ أَنْ يُقَالَ إِلَى اللَّهِ، بِمَعْنَى: مَعَ اللَّهِ؛ لِأَنَّ مِنْ شَأْنِ الْعَرَبِ إِذَا ضَمُّوا الشَّيْءَ إِلَى غَيْرِهِ، ثُمَّ أَرَادُوا الْخَبَرَ عَنْهُمَا بِضَمِّ أَحَدِهِمَا مَعَ الْآخَرِ إِذَا ضُمَّ إِلَيْهِ جَعَلُوا مَكَانَ مَعَ إِلَى أَحْيَانًا، وَأَحْيَانًا تُخْبِرُ عَنْهُمَا بِ «مَعَ» فَتَقُولُ: الذُّودُ إِلَى الذُّودِ إِبِلٌ، بِمَعْنَى: إِذَا ضَمَمْتَ الذُّودَ إِلَى الذُّودِ صَارَتْ إِبِلًا، فَأَمَّا إِذَا كَانَ الشَّيْءُ مَعَ الشَّيْءِ لَمْ يَقُولُوهُ بِ «إِلَى» وَلَمْ يَجْعَلُوا مَكَانَ مَعَ إِلَى غَيْرَ جَائِزٍ أَنْ يُقَالَ: قَدِمَ فُلَانٌ وَإِلَيْهِ مَالٌ، بِمَعْنَى: وَمَعَهُ مَالٌ. وَبِمِثْلِ مَا قُلْنَا فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: ﴿مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ﴾ [آل عمران: ٥٢] قَالَ جَمَاعَةٌ
يَعْنِي بِقَوْلِهِ: أَنْ تُحِسَّ لَهُ: أَنْ تَرِقَّ لَهُ. فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ: فَلَمَّا وَجَدَ عِيسَى مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ أَرْسَلَهُ اللَّهُ إِلَيْهِمْ جُحُودًا لِنُبُوَّتِهِ، وَتَكْذِيبًا لِقَوْلِهِ، وَصَدًّا عَمَّا دَعَاهُمْ إِلَيْهِ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ، قَالَ: ﴿مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ﴾ [آل عمران: ٥٢] يَعْنِي بِذَلِكَ: قَالَ عِيسَى: مَنْ أَعْوَانِي عَلَى الْمُكَذِّبِينَ بِحُجَّةِ اللَّهِ، وَالْمُوَلِّينَ عَنْ دِينِهِ، وَالْجَاحِدِينَ نُبُوَّةَ نَبِيِّهِ إِلَى اللَّهِ عز وجل، وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ ﴿إِلَى اللَّهِ﴾ [البقرة: ٢٧٥] مَعَ اللَّهِ، وَإِنَّمَا حَسُنَ أَنْ يُقَالَ إِلَى اللَّهِ، بِمَعْنَى: مَعَ اللَّهِ؛ لِأَنَّ مِنْ شَأْنِ الْعَرَبِ إِذَا ضَمُّوا الشَّيْءَ إِلَى غَيْرِهِ، ثُمَّ أَرَادُوا الْخَبَرَ عَنْهُمَا بِضَمِّ أَحَدِهِمَا مَعَ الْآخَرِ إِذَا ضُمَّ إِلَيْهِ جَعَلُوا مَكَانَ مَعَ إِلَى أَحْيَانًا، وَأَحْيَانًا تُخْبِرُ عَنْهُمَا بِ «مَعَ» فَتَقُولُ: الذُّودُ إِلَى الذُّودِ إِبِلٌ، بِمَعْنَى: إِذَا ضَمَمْتَ الذُّودَ إِلَى الذُّودِ صَارَتْ إِبِلًا، فَأَمَّا إِذَا كَانَ الشَّيْءُ مَعَ الشَّيْءِ لَمْ يَقُولُوهُ بِ «إِلَى» وَلَمْ يَجْعَلُوا مَكَانَ مَعَ إِلَى غَيْرَ جَائِزٍ أَنْ يُقَالَ: قَدِمَ فُلَانٌ وَإِلَيْهِ مَالٌ، بِمَعْنَى: وَمَعَهُ مَالٌ. وَبِمِثْلِ مَا قُلْنَا فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: ﴿مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ﴾ [آل عمران: ٥٢] قَالَ جَمَاعَةٌ
٥ / ٤٣٦
مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ
٥ / ٤٣٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَوْلُهُ: ﴿مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ﴾ [آل عمران: ٥٢] يَقُولُ: «مَعَ اللَّهِ»
٥ / ٤٣٧
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: ﴿مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ﴾ [آل عمران: ٥٢] يَقُولُ: «مَعَ اللَّهِ» وَأَمَّا سَبَبُ اسْتِنْصَارِ عِيسَى عليه السلام مَنِ اسْتَنْصَرَ مِنَ الْحَوَارِيِّينَ فَإِنَّ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِيهِ اخْتِلَافًا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ
٥ / ٤٣٧
كَانَ سَبَبُ ذَلِكَ مَا: حَدَّثَنِي بِهِ مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ ” لَمَّا بَعَثَ اللَّهُ عِيسَى، فَأَمَرَهُ بِالدَّعْوَةِ نَفَتْهُ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَخْرَجُوهُ، فَخَرَجَ هُوَ وَأُمُّهُ يَسِيحُونَ فِي الْأَرْضِ، فَنَزَلَ فِي قَرْيَةٍ عَلَى رَجُلٍ، فَضَافَهُمْ وَأَحْسَنَ إِلَيْهِمْ، وَكَانَ لِتِلْكَ الْمَدِينَةِ مَلِكٌ جَبَّارٌ مُعْتَدٍ، فَجَاءَ ذَلِكَ الرَّجُلُ يَوْمًا وَقَدْ وَقَعَ عَلَيْهِ هَمٌّ وَحُزْنٌ، فَدَخَلَ مَنْزِلَهُ وَمَرْيَمُ عِنْدَ امْرَأَتِهِ، فَقَالَتْ مَرْيَمُ لَهَا: مَا شَأْنُ زَوْجِكِ أَرَاهُ حَزِينًا؟ قَالَتْ: لَا تَسْأَلِي، قَالَتْ: أَخْبِرِينِي لَعَلَّ اللَّهَ يُفَرِّجُ كُرْبَتَهُ، قَالَتْ: فَإِنَّ لَنَا مَلِكًا يَجْعَلُ عَلَى كُلِّ رَجُلٍ مِنَّا يَوْمًا يُطْعِمُهُ هُوَ وَجُنُودَهَ، وَيَسْقِيهِمْ مِنَ الْخَمْرِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ عَاقَبَهُ، وَإِنَّهُ قَدْ بَلَغَتْ نَوْبَتُهُ الْيَوْمَ الَّذِي يُرِيدُ أَنْ نَصْنَعَ لَهُ فِيهِ، وَلَيْسَ لِذَلِكَ عِنْدَنَا سَعَةٌ، قَالَتْ: فَقُولِي لَهُ: لَا يَهْتَمُّ، فَإِنِّي آمُرُ ابْنِي فَيَدْعُو لَهُ، فَيَكْفِي ذَلِكَ، قَالَتْ مَرْيَمُ لِعِيسَى فِي ذَلِكَ، قَالَ عِيسَى: يَا أُمَّهْ إِنِّي إِنْ فَعَلْتُ كَانَ فِي ذَلِكَ شَرٌّ، قَالَتْ: فَلَا تُبَالِ، فَإِنَّهُ قَدْ أَحْسَنَ إِلَيْنَا وَأَكْرَمَنَا، قَالَ عِيسَى: فَقُولِي لَهُ: إِذَا اقْتَرَبَ ذَلِكَ
٥ / ٤٣٧
فَامْلَأْ قُدُورَكَ وَخَوَابِيكَ مَاءً ثُمَّ أَعْلِمْنِي، قَالَ: فَلَمَّا مَلَأَهُنَّ أَعْلَمَهُ، فَدَعَا اللَّهَ، فَتَحَوَّلَ مَا فِي الْقُدُورِ لَحْمًا وَمَرَقًا وَخُبْزًا، وَمَا فِي الْخَوَابِي خَمْرًا لَمْ يَرَ النَّاسُ مِثْلَهُ قَطُّ وَإِيَّاهُ طَعَامًا؛ فَلَمَّا جَاءَ الْمَلِكُ أَكَلَ، فَلَمَّا شَرِبَ الْخَمْرَ سَأَلَ مِنْ أَيْنَ هَذِهِ الْخَمْرُ؟ قَالَ لَهُ: هِيَ مِنْ أَرْضِ كَذَا وَكَذَا، قَالَ الْمَلِكُ: فَإِنَّ خَمْرِي أُوتِيَ بِهَا مِنْ تِلْكَ الْأَرْضِ فَلَيْسَ هِيَ مِثْلُ هَذِهِ، قَالَ: هِيَ مِنْ أَرْضٍ أُخْرَى؛ فَلَمَّا خَلَطَ عَلَى الْمَلِكِ اشْتَدَّ عَلَيْهِ، قَالَ: فَأَنَا أُخْبِرُكَ عِنْدِي غُلَامٌ لَا يَسْأَلُ اللَّهَ شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ، وَإِنَّهُ دَعَا اللَّهَ، فَجَعَلَ الْمَاءَ خَمْرًا، قَالَ الْمَلِكُ، وَكَانَ لَهُ ابْنٌ يُرِيدُ أَنْ يَسْتَخْلِفَهُ، فَمَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ بِأَيَّامٍ، وَكَانَ أَحَبَّ الْخَلْقِ إِلَيْهِ، فَقَالَ: إِنَّ رَجُلًا دَعَا اللَّهَ حَتَّى جَعَلَ الْمَاءَ خَمْرًا، لَيُسْتَجَابَنَّ لَهُ حَتَّى يُحْيِيَ ابْنِي، فَدَعَا عِيسَى فَكَلَّمَهُ، فَسَأَلَهُ أَنْ يَدْعُوَ اللَّهَ فَيُحْيِيَ ابْنَهُ، فَقَالَ عِيسَى: لَا تَفْعَلْ؛ فَإِنَّهُ إِنْ عَاشَ كَانَ شَرًّا، فَقَالَ الْمَلِكُ: لَا أُبَالِي، أَلَيْسَ أَرَاهُ؟، فَلَا أُبَالِي مَا كَانَ فَقَالَ عِيسَى عليه السلام: فَإِنْ أَحْيَيْتُهُ تَتْرُكُونِي أَنَا وَأُمِّي نَذْهَبُ أَيْنَمَا شِئْنَا؟، قَالَ الْمَلِكُ: نَعَمْ، فَدَعَا اللَّهَ، فَعَاشَ الْغُلَامُ؛ فَلَمَّا رَآهُ أَهْلُ مَمْلَكَتِهِ قَدْ عَاشَ تَنَادَوْا بِالسِّلَاحِ، وَقَالُوا: أَكَلَنَا هَذَا حَتَّى إِذَا دَنَا مَوْتُهُ يُرِيدُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ ابْنَهُ فَيَأْكُلَنَا كَمَا أَكَلَنَا أَبُوهُ، فَاقْتَتَلُوا، وَذَهَبَ عِيسَى وَأُمُّهُ، وَصَحِبَهُمَا يَهُودِيُّ، وَكَانَ مَعَ الْيَهُودِيِّ رَغِيفَانِ، وَمَعَ عِيسَى رَغِيفٌ، فَقَالَ لَهُ عِيسَى: شَارِكْنِي، فَقَالَ الْيَهُودِيُّ: نَعَمْ، فَلَمَّا رَأَى أَنَّهُ
٥ / ٤٣٨
لَيْسَ مَعَ عِيسَى إِلَّا رَغِيفٌ نَدِمَ؛ فَلَمَّا نَامَا جَعَلَ الْيَهُودِيُّ يُرِيدُ أَنْ يَأْكُلَ الرَّغِيفَ، فَلَمَّا أَكَلَ لُقْمَةً قَالَ لَهُ عِيسَى: لَهُ مَا تَصْنَعُ؟ فَيَقُولُ: لَا شَيْءَ، فَيَطْرَحُهَا، حَتَّى فَرَغَ مِنَ الرَّغِيفِ كُلِّهِ؛ فَلَمَّا أَصْبَحَا قَالَ لَهُ عِيسَى: هَلُمَّ طَعَامَكَ، فَجَاءَ بِرَغِيفٍ، فَقَالَ لَهُ عِيسَى: أَيْنَ الرَّغِيفُ الْآخَرُ؟ قَالَ: مَا كَانَ مَعِي إِلَّا وَاحِدٌ، فَسَكَتَ عَنْهُ عِيسَى، فَانْطَلَقُوا، فَمَرُّوا بِرَاعِي غَنَمٍ، فَنَادَى عِيسَى، يَا صَاحِبَ الْغَنَمِ أَجْزِرْنَا شَاةً مِنْ غَنَمِكَ، قَالَ: نَعَمْ، أَرْسِلْ صَاحِبَكَ يَأْخُذُهَا، فَأَرْسَلَ عِيسَى الْيَهُودِيَّ، فَجَاءَ بِالشَّاةِ، فَذَبَحُوهَا وَشَوَوْهَا، ثُمَّ قَالَ لِلْيَهُودِيِّ: كُلْ وَلَا تَكْسِرَنَّ عَظْمًا فَأَكَلَا، فَلَمَّا شَبِعُوا قَذَفَ عِيسَى الْعِظَامَ فِي الْجِلْدِ، ثُمَّ ضَرَبَهَا بِعَصَاهُ وَقَالَ: قَوْمِي بِإِذْنِ اللَّهِ، فَقَامَتِ الشَّاةُ تَثْغُو، فَقَالَ: يَا صَاحِبَ الْغَنَمِ خُذْ شَاتَكَ، فَقَالَ لَهُ الرَّاعِي: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ، قَالَ: أَنْتَ السَّاحِرُ، وَفَرَّ مِنْهُ، قَالَ عِيسَى لِلْيَهُودِيِّ: بِالَّذِي أَحْيَا هَذِهِ الشَّاةَ بَعْدَمَا أَكَلْنَاهَا كَمْ كَانَ مَعَكَ رَغِيفًا؟ فَحَلَفَ مَا كَانَ مَعَهُ إِلَّا رَغِيفٌ وَاحِدٌ، فَمَرُّوا بِصَاحِبِ بَقَرٍ، فَنَادَى عِيسَى، فَقَالَ: يَا صَاحِبَ الْبَقَرِ أَجْزِرْنَا مِنْ بَقَرِكَ هَذِهِ عِجْلًا قَالَ: ابْعَثْ صَاحِبَكَ يَأْخُذُهُ، قَالَ: انْطَلِقْ يَا يَهُودِيُّ فَجِئْ بِهِ، فَانْطَلَقَ فَجَاءَ بِهِ، فَذَبَحَهُ وَشَوَاهُ، وَصَاحِبُ الْبَقَرِ يَنْظُرُ، فَقَالَ لَهُ عِيسَى: كُلْ وَلَا تَكْسِرَنَّ عَظْمًا، فَلَمَّا فَرَغُوا قَذَفَ الْعِظَامَ فِي الْجِلْدِ، ثُمَّ ضَرَبَهُ بِعَصَاهُ، وَقَالَ: قُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ، فَقَامَ وَلَهُ خُوَارٌ، قَالَ: خُذْ عِجْلَكَ، قَالَ: وَمَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا عِيسَى، قَالَ: أَنْتَ السَّحَّارُ، ثُمَّ فَرَّ مِنْهُ، قَالَ الْيَهُودِيُّ: يَا عِيسَى أَحْيَيْتَهُ بَعْدَ مَا أَكَلْنَاهُ، قَالَ عِيسَى: فَبِالَّذِي أَحْيَا الشَّاةَ بَعْدَ مَا أَكَلْنَاهَا، وَالْعِجْلَ بَعْدَ مَا أَكَلْنَاهُ، كَمْ كَانَ مَعَكَ رَغِيفًا؟ فَحَلَفَ
٥ / ٤٣٩
بِاللَّهِ مَا كَانَ مَعَهُ إِلَّا رَغِيفٌ وَاحِدٌ؛ فَانْطَلَقَا حَتَّى نَزَلَا قَرْيَةً، فَنَزَلَ الْيَهُودِيُّ أَعْلَاهَا، وَعِيسَى فِي أَسْفَلِهَا، وَأَخَذَ الْيَهُودِيُّ عَصًا مِثْلَ عَصَا عِيسَى، وَقَالَ: أَنَا الْآنَ أُحْيِي الْمَوْتَى وَكَانَ مَلِكُ تِلْكَ الْمَدِينَةِ مَرِيضًا شَدِيدَ الْمَرَضِ، فَانْطَلَقَ الْيَهُودِيُّ يُنَادِي: مَنْ يَبْتَغِي طَبِيبًا؟ حَتَّى أَتَى مَلِكَ تِلْكَ الْقَرْيَةِ، فَأُخْبِرَ بِوَجَعِهِ، فَقَالَ: أَدْخِلُونِي عَلَيْهِ فَأَنَا أُبْرِئُهُ، وَإِنْ رَأَيْتُمُوهُ قَدْ مَاتَ فَأَنَا أُحْيِيهِ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ وَجَعَ الْمَلِكِ قَدْ أَعْيَا الْأَطِبَّاءَ قَبْلَكَ، لَيْسَ مِنْ طَبِيبٍ يُدَاوِيهِ، وَلَا يُفِيءُ دَوَاؤُهُ شَيْئًا إِلَّا أَمَرَ بِهِ فَصُلِبَ، قَالَ: أَدْخِلُونِي عَلَيْهِ فَإِنِّي سَأُبْرِئُهُ، فَأُدْخِلَ عَلَيْهِ، فَأَخَذَ بِرِجْلِ الْمَلِكِ فَضَرَبَهُ بِعَصَاهُ حَتَّى مَاتَ، فَجَعَلَ يَضْرِبُهُ بِعَصَاهُ وَهُوَ مَيِّتٌ، وَيَقُولُ: قُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ، فَأُخِذَ لِيُصْلَبَ، فَبَلَغَ عِيسَى، فَأَقْبَلَ إِلَيْهِ وَقَدْ رُفِعَ عَلَى الْخَشَبَةِ، فَقَالَ: أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَحْيَيْتُ لَكُمْ صَاحِبَكُمْ أَتَتَرْكُونَ لِي صَاحِبِي؟ قَالُوا: نَعَمْ، فَأَحْيَا اللَّهُ الْمَلِكَ لِعِيسَى، فَقَامَ وَأَنْزَلَ الْيَهُودِيَّ، فَقَالَ: يَا عِيسَى أَنْتَ أَعْظَمُ النَّاسِ عَلِيَّ مِنَّةً، وَاللَّهِ لَا أُفَارِقُكَ أَبَدًا، قَالَ عِيسَى «فِيمَا حَدَّثَنَا بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مُوسَى، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ» لِلْيَهُودِيِّ: أُنْشِدُكَ بِالَّذِي أَحْيَا الشَّاةَ وَالْعِجْلَ بَعْدَ مَا أَكَلْنَاهُمَا، وَأَحْيَا هَذَا بَعْدَ مَا مَاتَ، وَأَنْزَلَكَ مِنَ الْجِذْعِ بَعْدَ مَا رُفِعْتَ عَلَيْهِ لِتُصْلَبَ كَمْ كَانَ مَعَكَ رَغِيفًا؟ قَالَ: فَحَلَفَ بِهَذَا كُلِّهِ مَا كَانَ مَعَهُ
٥ / ٤٤٠
إِلَّا رَغِيفٌ وَاحِدٌ، قَالَ: لَا بَأْسَ، فَانْطَلَقَا حَتَّى مَرَّا عَلَى كَنْزٍ قَدْ حُفَرَتْهُ السِّبَاعُ وَالدَّوَابُّ، فَقَالَ الْيَهُودِيُّ: يَا عِيسَى، لِمَنْ هَذَا الْمَالُ، قَالَ عِيسَى: دَعْهُ، فَإِنَّ لَهُ أَهْلًا يَهْلِكُونَ عَلَيْهِ، فَجَعَلَتْ نَفْسُ الْيَهُودِيِّ تَطَّلِعُ إِلَى الْمَالِ، وَيَكْرَهُ أَنْ يَعْصِيَ عِيسَى، فَانْطَلَقَ مَعَ عِيسَى وَمَرَّ بِالْمَالِ أَرْبَعَةُ نَفَرٍ؛ فَلَمَّا رَأَوْهُ، اجْتَمَعُوا عَلَيْهِ، فَقَالَ اثْنَانِ لِصَاحِبَيْهِمَا: انْطَلِقَا فَابْتَاعَا لَنَا طَعَامًا وَشَرَابًا وَدَوَابَّ نَحْمِلُ عَلَيْهَا هَذَا الْمَالَ، فَانْطَلَقَ الرَّجُلَانِ فَابْتَاعَا دَوَابَّ وَطَعَامًا وَشَرَابًا، وَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: هَلْ لَكَ أَنْ نَجْعَلَ لِصَاحِبَيْنَا فِي طَعَامِهِمَا سُمًّا، فَإِذَا أَكَلَا مَاتَا فَكَانَ الْمَالُ بَيْنِي وَبَيْنَكَ؟، فَقَالَ الْآخَرُ نَعَمْ، فَفَعَلَا، وَقَالَ الْآخَرَانِ: إِذَا مَا أَتْيَانَا بِالطَّعَامِ، فَلْيَقُمْ كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى صَاحِبِهِ فَيَقْتُلْهُ، فَيَكُونُ الطَّعَامُ وَالدَّوَابُّ بَيْنِي وَبَيْنَكَ، فَلَمَّا جَاءَا بِطَعَامِهِمَا قَامَا فَقَتَلَاهُمَا، ثُمَّ قَعَدَا عَلَى الطَّعَامِ، فَأَكَلَا مِنْهُ فَمَاتَا، وَأُعْلِمَ ذَلِكَ عِيسَى، فَقَالَ لِلْيَهُودِيِّ: أَخْرِجْهُ حَتَّى نَقْتَسِمَهُ، فَأَخْرَجَهُ فَقَسَمَهُ عِيسَى بَيْنَ ثَلَاثَةٍ، فَقَالَ الْيَهُودِيُّ: يَا عِيسَى اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تَظْلِمْنِي، فَإِنَّمَا هُوَ أَنَا وَأَنْتَ، مَا هَذِهِ الثَّلَاثَةُ؟ قَالَ لَهُ عِيسَى هَذَا لِي، وَهَذَا لَكَ، وَهَذَا الثُّلُثُ لِصَاحِبِ الرَّغِيفِ، قَالَ الْيَهُودِيُّ: فَإِنْ أَخْبَرْتُكَ بِصَاحِبِ الرَّغِيفِ تُعْطِنِي هَذَا الْمَالَ؟ فَقَالَ عِيسَى: نَعَمْ، قَالَ أَنَا هُوَ، قَالَ: عِيسَى: خُذْ حَظِّي وَحَظَّكَ وَحَظِّ صَاحِبِ الرَّغِيفِ فَهُوَ حَظُّكَ مِنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ؛ فَلَمَّا حَمَلَهُ مَشَى بِهِ شَيْئًا، فَخُسِفَ بِهِ، وَانْطَلَقَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ، فَمَرَّ بِالْحَوَارِيِّينَ وَهُمْ يَصْطَادُونَ السَّمَكَ، فَقَالَ: مَا تَصْنَعُونَ؟ فَقَالُوا: نَصْطَادُ السَّمَكَ، فَقَالَ: أَفَلَا تَمْشُونَ حَتَّى نَصْطَادَ النَّاسَ؟ قَالُوا: وَمَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ، فَآمَنُوا بِهِ، وَانْطَلَقُوا مَعَهُ ” فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عز وجل: ﴿مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: ٥٢]
٥ / ٤٤١
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، قَالَ: ثنا أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ مَنْصُورٍ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ﴾ [آل عمران: ٥٢] الْآيَةَ، قَالَ: «اسْتَنْصَرَ فَنَصَرَهُ الْحَوَارِيُّونَ وَظَهَرَ عَلَيْهِمْ» وَقَالَ آخَرُونَ: كَانَ سَبَبُ اسْتِنْصَارِ عِيسَى مَنِ اسْتَنْصَرَ؛ لِأَنَّ مَنِ اسْتَنْصَرَ مِنَ الْحَوَارِيِّينَ عَلَيْهِ كَانُوا أَرَادُوا قَتْلَهُ
٥ / ٤٤٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ﴾ [آل عمران: ٥٢] قَالَ: «كَفَرُوا وَأَرَادُوا قَتْلَهُ، فَذَلِكَ حِينَ اسْتَنْصَرَ قَوْمَهُ» قَالَ: ﴿مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ﴾ [آل عمران: ٥٢] وَالْأَنْصَارُ: جَمْعُ نُصَيْرٍ، كَمَا الْأَشْرَافُ جَمْعُ شَرِيفٍ، وَالْأَشْهَادُ جَمْعُ شَهِيدٍ وَأَمَّا الْحَوَارِيُّونِ، فَإِنَّ أَهْلَ التَّأْوِيلِ اخْتَلَفُوا فِي السَّبَبِ الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ سُمُّوا حَوَارِيِّينَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: سَمُّوا بِذَلِكَ لِبَيَاضِ ثِيَابِهِمْ
٥ / ٤٤٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الْمُحَارِبِيُّ، قَالَ: مِمَّا رَوَى أَبِي، قَالَ: ثنا قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ، عَنْ مَيْسَرَةَ، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: «إِنَّمَا سَمُّوا الْحَوَارِيِّينَ بِبَيَاضِ ثِيَابِهِمْ» ⦗٤٤٣⦘ وَقَالَ آخَرُونَ: سُمُّوا بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا قَصَّارِينَ يُبَيِّضُونَ الثِّيَابَ
٥ / ٤٤٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ أَبِي أَرْطَأَةَ، قَالَ: «الْحَوَارِيُّونَ: الْغَسَّالُونَ، الَّذِينَ يُحَوِّرُونَ الثِّيَابَ يَغْسِلُونَهَا» وَقَالَ آخَرُونَ: هُمْ خَاصَّةُ الْأَنْبِيَاءِ وَصَفْوَتُهُمْ
٥ / ٤٤٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ رَوْحِ بْنِ الْقَاسِمِ، أَنَّ قَتَادَةَ ذَكَرَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ، فَقَالَ: «كَانَ مِنَ الْحَوَارِيِّينَ»، فَقِيلَ لَهُ: مَنِ الْحَوَارِيُّونَ؟ قَالَ: «الَّذِينَ تَصْلُحُ لَهُمُ الْخِلَافَةُ»
٥ / ٤٤٣
حُدِّثْتُ عَنِ الْمِنْجَابِ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا بِشْرٌ، عَنْ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِي رَوْقٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ﴾ [المائدة: ١١٢] قَالَ: «أَصْفِيَاءُ الْأَنْبِيَاءِ» وَأَشْبَهُ الْأَقْوَالِ الَّتِي ذَكَرْنَا فِي مَعْنَى الْحَوَارِيِّينَ قَوْلُ مَنْ قَالَ: سُمُّوا بِذَلِكَ لِبَيَاضِ ثِيَابِهِمْ، وَلِأَنَّهُمْ كَانُوا غَسَّالِينَ، وَذَلِكَ أَنَّ الْحَوَرَ عِنْدَ الْعَرَبِ: شِدَّةُ الْبَيَاضِ، وَلِذَلِكَ سُمَيَّ الْحَوَارِيُّ مِنَ
٥ / ٤٤٣
الطَّعَامِ حَوَارِيًّا لِشِدَّةِ بَيَاضِهِ، وَمِنْهُ قِيلَ لِلرَّجُلِ الشَّدِيدِ الْبَيَاضِ مُقْلَةِ الْعَيْنَيْنِ أَحْوَرُ، وَلِلْمَرْأَةِ حَوْرَاءُ، وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَوَارِيُّو عِيسَى كَانُوا سُمُّوا بِالَّذِي ذَكَرْنَا مِنْ تَبْيِيضِهِمُ الثِّيَابَ وَأَنَّهُمْ كَانُوا قَصَّارِينَ، فَعُرِفُوا بِصُحْبَةِ عِيسَى وَاخْتِيَارِهِ إِيَّاهُمْ لِنَفْسِهِ أَصْحَابًا وَأَنْصَارًا، فَجَرَى ذَلِكَ الِاسْمُ لَهُمْ وَاسْتُعْمِلَ، حَتَّى صَارَ كُلُّ خَاصَّةٍ لِلرَّجُلِ مِنْ أَصْحَابِهِ وَأَنْصَارِهِ حَوَارِيَّهُ؛ وَلِذَلِكَ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوَارِيُّ، وَحَوَارِيَّ الزُّبَيْرُ» يَعْنِي خَاصَّتَهُ وَقَدْ تُسَمِّي الْعَرَبُ النِّسَاءَ اللَّوَاتِي مَسَاكِنُهُنَّ الْقُرَى وَالْأَمْصَارُ حَوَارِيَّاتٌ، وَإِنَّمَا سُمِّينَ بِذَلِكَ لِغَلَبَةِ الْبَيَاضِ عَلَيْهِنَّ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ أَبِي جَلْدَةَ الْيَشْكُرِيِّ:
[البحر الطويل] فَقُلْ لِلْحَوَارِيَّاتِ يَبْكِينَ غَيْرَنَا … وَلَا تَبْكِنَا إِلَّا الْكِلَابُ النَّوَابِحُ
وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ: ﴿قَالَ الْحَوَارِيُّونَ﴾ [آل عمران: ٥٢] قَالَ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ صِفَتُهُمْ مَا ذَكَرْنَا مِنْ تَبْيِيضِهِمُ الثِّيَابَ: آمَنَّا بِاللَّهِ، صَدَّقْنَا بِاللَّهِ، وَاشْهَدْ أَنْتَ يَا عِيسَى بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ. وَهَذَا خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ عز وجل أَنَّ الْإِسْلَامَ دِينُهُ الَّذِي ابْتَعَثَ بِهِ عِيسَى وَالْأَنْبِيَاءَ قَبْلَهُ، لَا النَّصْرَانِيَّةَ وَلَا الْيَهُودِيَّةَ، وُتُبْرِئَةٌ مِنَ اللَّهِ لِعِيسَى مِمَّنِ انْتَحَلَ النَّصْرَانِيَّةَ وَدَانَ بِهَا، كَمَا بَرَأَ إِبْرَاهِيمُ مِنْ سَائِرِ الْأَدْيَانِ غَيْرِ الْإِسْلَامِ، وَذَلِكَ احْتِجَاجٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ ﷺ عَلَى وَفْدِ نَجْرَانَ
[البحر الطويل] فَقُلْ لِلْحَوَارِيَّاتِ يَبْكِينَ غَيْرَنَا … وَلَا تَبْكِنَا إِلَّا الْكِلَابُ النَّوَابِحُ
وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ: ﴿قَالَ الْحَوَارِيُّونَ﴾ [آل عمران: ٥٢] قَالَ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ صِفَتُهُمْ مَا ذَكَرْنَا مِنْ تَبْيِيضِهِمُ الثِّيَابَ: آمَنَّا بِاللَّهِ، صَدَّقْنَا بِاللَّهِ، وَاشْهَدْ أَنْتَ يَا عِيسَى بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ. وَهَذَا خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ عز وجل أَنَّ الْإِسْلَامَ دِينُهُ الَّذِي ابْتَعَثَ بِهِ عِيسَى وَالْأَنْبِيَاءَ قَبْلَهُ، لَا النَّصْرَانِيَّةَ وَلَا الْيَهُودِيَّةَ، وُتُبْرِئَةٌ مِنَ اللَّهِ لِعِيسَى مِمَّنِ انْتَحَلَ النَّصْرَانِيَّةَ وَدَانَ بِهَا، كَمَا بَرَأَ إِبْرَاهِيمُ مِنْ سَائِرِ الْأَدْيَانِ غَيْرِ الْإِسْلَامِ، وَذَلِكَ احْتِجَاجٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ ﷺ عَلَى وَفْدِ نَجْرَانَ
٥ / ٤٤٤
كَمَا: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، ﴿فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ﴾ [آل عمران: ٥٢] وَالْعُدْوَانَ، ﴿قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ﴾ [آل عمران: ٥٢] «وَهَذَا قَوْلُهُمُ الَّذِي أَصَابُوا بِهِ الْفَضْلَ مِنْ رَبِّهِمْ، وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ، لَا كَمَا يَقُولُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُحَاجُّونَكَ فِيهِ، يَعْنِي وَفْدَ نَصَارَى نَجْرَانَ»
٥ / ٤٤٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ﴾ [آل عمران: ٥٣] وَهَذَا خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ عز وجل عَنِ الْحَوَارِيِّينَ أَنَّهُمْ قَالُوا: ﴿رَبَّنَا آمَنَّا﴾ [آل عمران: ٥٣] أَيْ صَدَّقْنَا ﴿بِمَا أَنْزَلْتَ﴾ [البقرة: ٤١] يَعْنِي: بِمَا أَنْزَلْتَ عَلَى نَبِيِّكَ عِيسَى مِنْ كِتَابِكَ ﴿وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ﴾ [آل عمران: ٥٣] يَعْنِي بِذَلِكَ: صِرْنَا أَتْبَاعَ عِيسَى عَلَى دِينِكَ الَّذِي ابْتَعَثْتَهُ بِهِ وَأَعْوَانَهُ عَلَى الْحَقِّ الَّذِي أَرْسَلْتَهُ بِهِ إِلَى عِبَادِكَ. وَقَوْلُهُ: ﴿فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ﴾ [آل عمران: ٥٣] يَقُولُ: فَأَثْبِتْ أَسْمَاءَنَا مَعَ أَسْمَاءِ الَّذِينَ شَهِدُوا بِالْحَقِّ، وَأَقَرُّوا لَكَ بِالتَّوْحِيدِ، وَصَدَّقُوا رُسُلَكَ، وَاتَّبَعُوا أَمْرَكَ وَنَهْيَكَ، فَاجْعَلْنَا فِي عِدَادِهِمْ وَمَعَهُمْ فِيمَا تُكْرِمُهُمْ بِهِ مِنْ كَرَامَتِكَ، وَأَحِلَّنَا مَحَلَّهُمْ، وَلَا تَجْعَلْنَا مِمَّنْ كَفَرَ بِكَ، وَصَدَّ عَنْ سَبِيلِكَ، وَخَالَفَ أَمْرَكَ وَنَهْيَكَ، يُعَرِّفُ خَلْقَهُ جَلَّ ثناؤُهُ بِذَلِكَ سَبِيلَ الَّذِينَ رَضِيَ أَقْوَالَهُمْ وَأَفْعَالَهُمْ، لِيَحْتَذُوا طَرِيقَهُمْ، وَيَتَّبِعُوا مِنْهَاجَهُمْ، فَيَصِلُوا إِلَى مِثْلِ الَّذِي وَصَلُوا إِلَيْهِ مِنْ دَرَجَاتِ كَرَامَتِهِ، وَيُكَذِّبُ بِذَلِكَ الَّذِينَ انْتَحَلُوا مِنَ الْمِلَلِ غَيْرَ الْحَنِيفِيَّةِ الْمُسْلِمَةِ فِي دَعْوَاهُمْ عَلَى أَنْبِيَاءِ اللَّهِ أَنَّهُمْ كَانُوا عَلَى غَيْرِهَا، وَيَحْتَجُّ بِهِ عَلَى الْوَفْدِ الَّذِينَ حَاجُّوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ مِنْ
٥ / ٤٤٥
أَهْلِ نَجْرَانَ بِأَنَّهُ قِيلَ مَنْ رضي الله عنه مِنْ أَتْبَاعِ عِيسَى كَانَ خِلَافَ قِيلِهِمْ، وَمِنْهَاجُهُمْ غَيْرُ مِنْهَاجِهِمْ
٥ / ٤٤٦
كَمَا: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ: ﴿رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ﴾ [آل عمران: ٥٣] «أَيْ هَكَذَا كَانَ قَوْلُهُمْ وَإِيمَانُهُمْ»
٥ / ٤٤٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾ [آل عمران: ٥٤] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثناؤُهُ: وَمَكَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَهُمُ الَّذِينَ ذَكَرَ اللَّهُ أَنَّ عِيسَى أَحَسَّ مِنْهُمُ الْكُفْرَ، وَكَانَ مَكْرُهُمُ الَّذِي وَصَفَهُمُ اللَّهُ بِهِ مُوَاطَأَةَ بَعْضِهِمْ بَعْضًا عَلَى الْفَتْكِ بِعِيسَى وَقَتْلِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ عِيسَى صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ بَعْدَ إِخْرَاجِ قَوْمِهِ إِيَّاهُ وَأُمَّهُ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِهِمْ عَادَ إِلَيْهِمْ
٥ / ٤٤٦
فِيمَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: «ثُمَّ إِنَّ عِيسَى سَارَ بِهِمْ: يَعْنِي بِالْحَوَارِيِّينَ الَّذِينَ كَانُوا يَصْطَادُونَ السَّمَكَ، فَآمَنُوا بِهِ وَاتَّبَعُوهُ إِذْ دَعَاهُمْ حَتَّى أَتَى بَنِي إِسْرَائِيلَ لَيْلًا فَصَاحَ فِيهِمْ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ»: ﴿فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ﴾ [الصف: ١٤] الْآيَةَ وَأَمَّا مَكْرُ اللَّهِ بِهِمْ فَإِنَّهُ فِيمَا ذَكَرَ السُّدِّيُّ: إِلْقَاؤُهُ شَبَهَ عِيسَى عَلَى بَعْضِ أَتْبَاعِهِ، حَتَّى قَتَلَهُ الْمَاكِرُونَ بِعِيسَى، وَهُمْ يَحْسَبُونَهُ عِيسَى، وَقَدْ رَفَعَ اللَّهُ عز وجل عِيسَى قَبْلَ ذَلِكَ
٥ / ٤٤٦
كَمَا: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: «ثُمَّ إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ حَصَرُوا عِيسَى وَتِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا مِنَ الْحَوَارِيِّينَ فِي بَيْتٍ، فَقَالَ عِيسَى لِأَصْحَابِهِ: مَنْ يَأْخُذَ صُورَتِي فَيُقْتَلُ وَلَهُ الْجَنَّةُ، فَأَخَذَهَا رَجُلٌ مِنْهُمْ، وَصُعِدَ بِعِيسَى إِلَى السَّمَاءِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾ [آل عمران: ٥٤] فَلَمَّا خَرَجَ الْحَوَارِيُّونَ أَبْصَرُوهُمْ تِسْعَةَ عَشَرَ، فَأَخْبَرُوهُمْ أَنَّ عِيسَى قَدْ صُعِدَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ، فَجَعَلُوا يَعُدُّونَ الْقَوْمَ فَيَجِدُونَهُمْ يَنْقُصُونَ رَجُلًا مِنَ الْعِدَّةِ، وَيَرَوْنَ صُورَةَ عِيسَى فِيهِمْ فَشَكُّوا فِيهِ، وَعَلَى ذَلِكَ قَتَلُوا الرَّجُلَ وَهُمْ يَرَوْنَ أَنَّهُ عِيسَى، وَصَلَبُوهُ، فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عز وجل ﴿وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ﴾ [النساء: ١٥٧]» وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى مَكْرِ اللَّهِ بِهِمُ اسْتِدْرَاجُهُ إِيَّاهُمْ لِيَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ، كَمَا قَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ﴾ [البقرة: ١٥]
٥ / ٤٤٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾ [آل عمران: ٥٥] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثناؤُهُ: وَمَكَرَ اللَّهُ بِالْقَوْمِ الَّذِينَ حَاوَلُوا قَتْلَ عِيسَى مَعَ كُفْرِهِمْ بِاللَّهِ، وَتَكْذِيبِهِمْ عِيسَى فِيمَا أَتَاهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِمْ، إِذْ قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثناؤُهُ: ﴿إِنِّي مُتَوَفِّيكَ﴾ [آل عمران: ٥٥] فَ «إِذْ» صِلَةٌ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿وَمَكَرَ اللَّهُ﴾ [آل عمران: ٥٤] يَعْنِي: وَمَكَرَ اللَّهُ بِهِمْ حِينَ قَالَ اللَّهُ لِعِيسَى: ﴿إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ﴾ [آل عمران: ٥٥] فَتَوَفَّاهُ وَرَفَعَهُ إِلَيْهِ. ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى الْوَفَاةِ الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّهُ عز وجل فِي هَذِهِ الْآيَةِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ وَفَاةُ نَوْمٍ، وَكَانَ مَعْنَى الْكَلَامِ عَلَى مَذْهَبِهِمْ: إِنِّي مُنِيمُكَ،
٥ / ٤٤٧
وَرَافِعُكَ فِي نَوْمِكَ
٥ / ٤٤٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿إِنِّي مُتَوَفِّيكَ﴾ [آل عمران: ٥٥] قَالَ: «يَعْنِي وَفَاةَ الْمَنَامِ: رَفَعَهُ اللَّهُ فِي مَنَامِهِ»
٥ / ٤٤٨
قَالَ الْحَسَنُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ لِلْيَهُودِ: «إِنَّ عِيسَى لَمْ يَمُتْ، وَإِنَّهُ رَاجِعٌ إِلَيْكُمْ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: إِنِّي قَابِضُكَ مِنَ الْأَرْضِ، فَرَافِعُكَ إِلَيَّ، قَالُوا: وَمَعْنَى الْوَفَاةِ: الْقَبْضُ، لِمَا يُقَالُ: تَوَفَّيْتُ مِنْ فُلَانٍ مَا لِي عَلَيْهِ، بِمَعْنَى: قَبَضْتُهُ وَاسْتَوْفَيْتُهُ، قَالُوا: فَمَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ﴾ [آل عمران: ٥٥] أَيْ قَابِضُكَ مِنَ الْأَرْضِ حَيًّا إِلَى جَوَارِي، وَآخِذُكَ إِلَى مَا عِنْدِي بِغَيْرِ مَوْتٍ، وَرَافِعُكَ مِنْ بَيْنِ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْكُفْرِ بِكَ
٥ / ٤٤٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: ثنا ضَمْرَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، عَنِ ابْنِ شَوْذَبٍ، عَنْ مَطَرٍ الْوَرَّاقِ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿إِنِّي مُتَوَفِّيكَ﴾ [آل عمران: ٥٥] قَالَ: «مُتَوَفِّيكَ مِنَ الدُّنْيَا، وَلَيْسَ بِوَفَاةِ مَوْتٍ»
٥ / ٤٤٨
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ ⦗٤٤٩⦘ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿إِنِّي مُتَوَفِّيكَ﴾ [آل عمران: ٥٥] قَالَ: «مُتَوَفِّيكَ مِنَ الْأَرْضِ»
٥ / ٤٤٨
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَوْلُهُ: ﴿إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [آل عمران: ٥٥] قَالَ: «فَرَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ، تَوَفِّيهِ إِيَّاهُ، وَتَطْهِيرُهُ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا»
٥ / ٤٤٩
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ أَنَّ كَعْبَ الْأَحْبَارِ قَالَ: «مَا كَانَ اللَّهُ عز وجل لِيُمِيتَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ، إِنَّمَا بَعَثَهُ اللَّهُ دَاعِيًا وَمُبَشِّرًا يَدْعُو إِلَيْهِ وَحْدَهُ، فَلَمَّا رَأَى عِيسَى قِلَّةَ مَنِ اتَّبَعَهُ وَكَثْرَةَ مَنْ كَذَّبَهُ، شَكَا ذَلِكَ إِلَى اللَّهِ عز وجل، فَأَوْحَى اللَّهِ إِلَيْهِ»: ﴿إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ﴾ [آل عمران: ٥٥] «وَلَيْسَ مَنْ رَفَعْتُهُ عِنْدِي مَيِّتًا، وَإِنِّي سَأَبْعَثُكَ عَلَى الْأَعْوَرِ الدَّجَّالِ، فَتَقْتُلُهُ، ثُمَّ تَعِيشُ بَعْدَ ذَلِكَ أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ سَنَةَ، ثُمَّ أُمِيتُكَ مِيتَةَ الْحَيِّ» قَالَ كَعْبُ الْأَحْبَارِ: وَذَلِكَ يُصَدِّقُ حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ حَيْثُ قَالَ: «كَيْفَ تَهْلِكُ أُمَّةٌ أَنَا فِي أَوَّلِهَا، وَعِيسَى فِي آخِرِهَا؟»
٥ / ٤٤٩
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ: ﴿يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ﴾ [آل عمران: ٥٥]: «أَيْ قَابِضُكَ»
٥ / ٤٤٩
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿إِنِّي ⦗٤٥٠⦘ مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ﴾ [آل عمران: ٥٥] قَالَ: «مُتَوَفِّيكَ: قَابِضُكَ، قَالَ: وَمُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ وَاحِدٌ، قَالَ: وَلَمْ يَمُتْ بَعْدُ حَتَّى يَقْتُلَ الدَّجَّالَ، وَسَيَمُوتُ»، وَقَرَأَ قَوْلَ اللَّهِ عز وجل: ﴿وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا﴾ [آل عمران: ٤٦] قَالَ: «رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ كَهْلًا، قَالَ: وَيَنْزِلُ كَهْلًا»
٥ / ٤٤٩
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، قَالَ: ثنا أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ، عَنْ عَبَّادٍ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِ اللَّهِ عز وجل: ﴿يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ﴾ [آل عمران: ٥٥] الْآيَةَ كُلَّهَا، قَالَ: «رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ، فَهُوَ عِنْدَهُ فِي السَّمَاءِ» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَفَاةَ مَوْتٍ
٥ / ٤٥٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿إِنِّي مُتَوَفِّيكَ﴾ [آل عمران: ٥٥] يَقُولُ: «إِنِّي مُمِيتُكَ»
٥ / ٤٥٠
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَمَّنْ لَا يُتَّهَمُ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ الْيَمَانِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: «تَوَفَّى اللَّهُ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ ثَلَاثَ سَاعَاتٍ مِنَ النَّهَارِ حَتَّى رَفَعَهُ إِلَيْهِ»
٥ / ٤٥٠
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: «وَالنَّصَارَى يَزْعُمُونَ ⦗٤٥١⦘ أَنَّهُ تَوَفَّاهُ سَبْعَ سَاعَاتٍ مِنَ النَّهَارِ، ثُمَّ أَحْيَاهُ اللَّهُ» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى، إِنِّي رَافِعُكَ إِلَيَّ، وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا، وَمُتَوَفِّيكَ بَعْدَ إِنْزَالِي إِيَّاكَ إِلَى الدُّنْيَا. وَقَالَ: هَذَا مِنَ الْمُقَدَّمِ الَّذِي مَعْنَاهُ التَّأْخِيرُ، وَالْمُؤَخِّرِ الَّذِي مَعْنَاهُ التَّقْدِيمُ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ بِالصِّحَّةِ عِنْدَنَا قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَى ذَلِكَ: إِنِّي قَابِضُكَ مِنَ الْأَرْضِ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ؛ لِتَوَاتُرِ الْأَخْبَارِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «يَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ فَيُقْتَلُ الدَّجَّالَ» ثُمَّ يَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ مُدَّةٌ ذَكَرَهَا اخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ فِي مَبْلَغِهَا، ثُمَّ يَمُوتُ، فَيُصَلِّي عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ وَيَدْفِنُونَهُ
٥ / ٤٥٠
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ الزُّهْرِيِّ، عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ عَلِيٍّ الْأَسْلَمِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «لَيُهْبِطَنَّ اللَّهُ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ حَكَمًا عَدْلًا وَإِمَامًا مُقْسِطًا، يَكْسِرُ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ، وَيَضَعُ الْجِزْيَةَ، وَيَفِيضُ الْمَالُ حَتَّى لَا يَجِدُ مَنْ يَأْخُذُهُ، وَلَيُسْلَكَّنَ الرَّوْحَاءَ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا، أَوْ يَدِينُ بِهِمَا جَمِيعًا»
٥ / ٤٥١
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ ⦗٤٥٢⦘ قَتَادَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ آدَمَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «الْأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ لِعَلَّاتٍ، أُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى، وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ، وَأَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَيْنِي وَبَيْنَهُ نَبِيُّ، وَإِنَّهُ خَلِيفَتِي عَلَى أُمَّتِي، وَإِنَّهُ نَازِلٌ فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَاعْرِفُوهُ، فَإِنَّهُ رَجُلٌ مَرْبُوعُ الْخَلْقِ إِلَى الْحُمْرَةِ وَالْبَيَاضِ سَبْطُ الشَّعْرِ كَأَنَّ شَعْرَهُ يَقْطُرُ، وَإِنْ لَمْ يُصِبْهُ بَلَلٌ بَيْنَ مُمَصَّرَتَيْنِ، يَدُقُّ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ، وَيُفِيضُ الْمَالَ، وَيُقَاتِلُ النَّاسَ عَلَى الْإِسْلَامِ حَتَّى يُهْلِكَ اللَّهُ فِي زَمَانِهِ الْمِلَلَ كُلَّهَا، وَيُهْلِكَ اللَّهُ فِي زَمَانِهِ مَسِيخَ الضَّلَالَةِ الْكَذَّابَ الدَّجَّالَ وَتَقَعُ فِي الْأَرْضِ الْأَمَنَةُ حَتَّى تَرْتَعَ الْأَسْوَدُ مَعَ الْإِبِلِ، وَالنَّمِرُ مَعَ الْبَقَرِ، وَالذِّئَابُ مَعَ الْغَنَمِ، وَتَلْعَبُ الْغِلْمَانُ بِالْحَيَّاتِ، لَا يَضُرُّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، فَيَثْبُتُ فِي الْأَرْضِ أَرْبَعِينَ سَنَةً، ثُمَّ يُتَوَفَّى وَيُصَلِّي الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ وَيَدْفِنُونَهُ» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَوْ كَانَ قَدْ أَمَاتَهُ اللَّهُ عز وجل لَمْ يَكُنْ بِالَّذِي يُمِيتُهُ مَيْتَةً أُخْرَى، فَيَجْمَعُ عَلَيْهِ مَيْتَتَيْنِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل إِنَّمَا أَخْبَرَ عِبَادَهُ أَنَّهُ يَخْلُقُهُمْ ثُمَّ يُمِيتَهُمْ، ثُمَّ يُحْيِيهِمْ، كَمَا قَالَ جَلَّ ثناؤُهُ ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكِمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ﴾ [الروم: ٤٠] فَتَأْوِيلُ الْآيَةِ إِذًا: قَالَ اللَّهُ لِعِيسَى: يَا عِيسَى إِنِّي قَابِضُكَ مِنَ الْأَرْضِ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ، وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا، فَجَحَدُوا نُبُوَّتَكَ، وَهَذَا الْخَبَرُ وَإِنْ كَانَ مَخْرَجُهُ مَخْرَجَ خَبَرٍ، فَإِنَّ فِيهِ مِنَ اللَّهِ عز وجل احْتِجَاجًا عَلَى الَّذِينَ حَاجُّوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فِي عِيسَى مِنْ وَفْدِ نَجْرَانَ بِأَنَّ عِيسَى لَمْ يُقْتَلْ وَلَمْ ⦗٤٥٣⦘ يُصْلَبْ كَمَا زَعَمُوا، وَأَنَّهُمْ وَالْيَهُودُ الَّذِينَ أَقَرُّوا بِذَلِكَ وَادَّعُوا عَلَى عِيسَى كَذْبَةٌ فِي دَعْوَاهُمْ وَزَعْمِهِمْ
٥ / ٤٥١
كَمَا: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، ثُمَّ أَخْبَرَهُمْ يَعْنِي الْوَفْدَ، مِنْ نَجْرَانَ «وَرَدَّ عَلَيْهِمْ فِيمَا أَخْبِرُوا هُمْ وَالْيَهُودُ بِصَلْبِهِ، كَيْفَ رَفَعَهُ وَطَهَّرَهُ مِنْهُمْ، فَقَالَ: ﴿إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ﴾ [آل عمران: ٥٥]» وَأَمَّا مُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا، فَإِنَّهُ يَعْنِي مُنَظِّفُكَ، فَمُخَلِّصُكَ مِمَّنْ كَفَرَ بِكَ وَجَحَدَ مَا جِئْتَهُمْ بِهِ مِنَ الْحَقِّ مِنَ الْيَهُودِ وَسَائِرِ الْمِلَلِ غَيْرِهَا
٥ / ٤٥٣
كَمَا: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ: ﴿وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [آل عمران: ٥٥] قَالَ: «إِذْ هَمُّوا مِنْكَ بِمَا هَمُّوا»
٥ / ٤٥٣
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، قَالَ: ثنا أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ، عَنْ عَبَّادٍ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [آل عمران: ٥٥] قَالَ: «طَهَّرَهُ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسِ، وَمِنْ كُفَّارِ قَوْمِهِ»
٥ / ٤٥٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى ⦗٤٥٤⦘ يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾ [آل عمران: ٥٥] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثناؤُهُ: وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ عَلَى مِنْهَاجِكَ وَمِلَّتِكَ مِنَ الْإِسْلَامِ وَفِطْرَتِهِ فَوْقَ الَّذِينَ جَحَدُوا نُبُوَّتَكَ، وَخَالَفُوا بِسَبِيلِهِمْ جَمِيعَ أَهْلِ الْمِلَلِ، فَكَذَّبُوا بِمَا جِئْتَ بِهِ، وَصَدُّوا عَنِ الْإِقْرَارِ بِهِ، فَمَصِيرُهُمْ فَوْقَهُمْ ظَاهِرِينَ عَلَيْهِمْ
٥ / ٤٥٣
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾ [آل عمران: ٥٥] «هُمْ أَهْلُ الْإِسْلَامِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ عَلَى فِطْرَتِهِ وَمِلَّتِهِ وَسُنَّتِهِ فَلَا يَزَالُونَ ظَاهِرِينَ عَلَى مَنْ نَاوَأَهُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾ [آل عمران: ٥٥] ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَهُ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: ﴿وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾ [آل عمران: ٥٥] ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَهُ
٥ / ٤٥٤
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: ﴿وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾ [آل عمران: ٥٥] قَالَ: «نَاصِرٌ مَنِ اتَّبَعَكَ عَلَى الْإِسْلَامِ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ»
٥ / ٤٥٤
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾ [آل عمران: ٥٥] «أَمَّا الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ، فَيُقَالُ: هُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَلَيْسَ هُمُ الرُّومُ»
٥ / ٤٥٥
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، قَالَ: ثنا أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ، عَنْ عَبَّادٍ، عَنِ الْحَسَنِ: ﴿وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾ [آل عمران: ٥٥] قَالَ: «جَعَلَ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، قَالَ: الْمُسْلِمُونَ مِنْ فَوْقِهِمْ، وَجَعَلَهُمْ أَعْلَى مِمَّنْ تَرَكَ الْإِسْلَامَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» وَقَالَ آخَرُونَ: وَمَعْنَى ذَلِكَ: وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ مِنَ النَّصَارَى فَوْقَ الْيَهُودِ
٥ / ٤٥٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [آل عمران: ٥٥] قَالَ: «الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ» ﴿وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ﴾ [آل عمران: ٥٥] قَالَ: «الَّذِينَ آمَنُوا بِهِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَغَيْرِهِمْ»، ﴿فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [آل عمران: ٥٥] «النَّصَارَى فَوْقَ الْيَهُودِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، قَالَ: فَلَيْسَ بَلَدٌ فِيهِ أَحَدٌ مِنَ النَّصَارَى إِلَّا وَهُمْ فَوْقَ يَهُودَ فِي شَرْقٍ وَلَا غَرْبٍ، هُمْ فِي الْبُلْدَانِ كُلِّهَا مُسْتَذَلُّونَ»
٥ / ٤٥٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكَمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ
٥ / ٤٥٥
تَخْتَلِفُونَ﴾ [آل عمران: ٥٥] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثناؤُهُ: ﴿ثُمَّ إِلَيَّ﴾ [آل عمران: ٥٥] ثُمَّ إِلَى اللَّهِ أَيُّهَا الْمُخْتَلِفُونَ فِي عِيسَى، ﴿مَرْجِعُكُمْ﴾ [آل عمران: ٥٥] يَعْنِي مَصِيرَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴿فَأَحْكُمْ بَيْنَكُمْ﴾ [آل عمران: ٥٥] يَقُولُ: فَأَقْضِي حِينَئِذٍ بَيْنَ جَمِيعِكُمْ فِي أَمْرِ عِيسَى بِالْحَقِّ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ مِنْ أَمْرِهِ. وَهَذَا مِنَ الْكَلَامِ الَّذِي صُرِفَ مِنَ الْخَبَرِ عَنِ الْغَائِبِ إِلَى الْمُخَاطَبَةِ، وَذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ: ﴿ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ﴾ [آل عمران: ٥٥] إِنَّمَا قُصِدَ بِهِ الْخَبَرُ عَنْ مُتَّبِعِي عِيسَى وَالْكَافِرِينَ بِهِ. وَتَأْوِيلُ. الْكَلَامِ: وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُ الْفَرِيقَيْنِ: الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ، وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِكَ، فَأَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ، وَلَكِنْ رُدَّ الْكَلَامُ إِلَى الْخَطَّابِ لِسُبُوقِ الْقَوْلِ عَلَى سَبِيلِ مَا ذَكَرْنَا مِنَ الْكَلَامِ الَّذِي يَخْرُجُ عَلَى وَجْهِ الْحِكَايَةِ، كَمَا قَالَ: ﴿حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيْبَةٍ﴾ [يونس: ٢٢]
٥ / ٤٥٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ، وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾ [آل عمران: ٥٧] يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثناؤُهُ: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [آل عمران: ٥٦] فَأَمَّا الَّذِينَ جَحَدُوا نُبُوَّتَكَ يَا عِيسَى، وَخَالِفُوا مِلَّتَكَ وَكَذَّبُوا بِمَا جِئْتَهُمْ بِهِ مِنَ الْحَقِّ، وَقَالُوا فِيكَ الْبَاطِلَ وَأَضَافُوكَ إِلَى غَيْرِ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُضِيفُوكَ إِلَيْهِ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَسَائِرِ أَصْنَافِ الْأَدْيَانِ؛ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا؛ أَمَّا فِي الدُّنْيَا فَبِالْقَتْلِ وَالسِّبَاءِ وَالذِّلَّةِ
٥ / ٤٥٦
وَالْمَسْكَنَةِ؛ وَأَمَّا فِي الْآخِرَةِ، فَبِنَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا. ﴿وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ﴾ [آل عمران: ٢٢] يَقُولُ: وَمَا لَهُمْ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مَانِعٌ، وَلَا عَنْ أَلِيمِ عِقَابِهِ لَهُمْ دَافِعٌ بِقُوَّةٍ وَلَا شَفَاعَةٍ؛ لِأَنَّهُ الْعَزِيزُ ذُو الِانْتِقَامِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ [آل عمران: ٥٧] فَإِنَّهُ يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِكَ يَا عِيسَى، يَقُولُ: صَدَّقُوكَ فَأَقَرُّوا بِنُبُوَّتِكَ، وَبِمَا جِئْتَهُمْ بِهِ مِنَ الْحَقِّ مِنْ عِنْدِي، وَدَانُوا بِالْإِسْلَامِ الَّذِي بَعَثْتُكَ بِهِ، وَعَمِلُوا بِمَا فَرَضْتُ مِنْ فَرَائِضِي عَلَى لِسَانِكَ، وَشَرَّعْتُ مِنْ شَرَائِعِي، وَسَنَنْتُ مِنْ سُنَنِي
٥ / ٤٥٧
كَمَا: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ [آل عمران: ٥٧] يَقُولُ: أَدَّوْا فَرَائِضِي، ﴿فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ﴾ [آل عمران: ٥٧]، يَقُولُ: «فَيُعْطِيهِمْ جَزَاءَ أَعْمَالِهِمُ الصَّالِحَةِ كَامِلًا لَا يُبْخَسُونَ مِنْهُ شَيْئًا وَلَا يُنْقِصُونَهُ» وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾ [آل عمران: ٥٧] فَإِنَّهُ يَعْنِي: وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ مَنْ ظَلَمَ غَيْرَهُ حَقًّا لَهُ، أَوْ وَضَعَ شَيْئًا فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ، فَنَفَى جَلَّ ثناؤُهُ عَنْ نَفْسِهِ بِذَلِكَ أَنْ يَظْلِمَ عِبَادَهُ، فَيُجَازِي الْمُسِيءَ مِمَّنْ كَفَرَ جَزَاءَ الْمُحْسِنِينَ مِمَّنْ آمَنَ بِهِ، أَوْ يُجَازِي الْمُحْسِنَ مِمَّنْ آمَنَ بِهِ وَاتَّبَعَ أَمْرَهُ وَانْتَهَى عَمَّا نَهَاهُ عَنْهُ فَأَطَاعَهُ جَزَاءَ الْمُسِيئِينَ مِمَّنْ كَفَرَ بِهِ وَكَذَّبَ رُسُلَهُ وَخَالَفَ أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ، فَقَالَ: إِنِّي لَا أُحِبُّ الظَّالِمِينَ، فَكَيْفَ أَظْلِمُ خَلْقِي؟ . وَهَذَا الْقَوْلُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ، وَإِنْ كَانَ خَرَجَ مَخْرَجَ الْخَبَرِ، كَأَنَّهُ وَعِيدٌ مِنْهُ
٥ / ٤٥٧
لِلْكَافِرِينَ بِهِ وَبِرُسُلِهِ، وَوَعْدٌ مِنْهُ لِلْمُؤْمِنِينَ بِهِ وَبِرُسُلِهِ؛ لِأَنَّهُ أَعْلَمَ الْفَرِيقَيْنِ جَمِيعًا أَنَّهُ لَا يَبْخَسُ هَذَا الْمُؤْمِنَ حَقَّهُ، وَلَا يَظْلِمُ كَرَامَتَهُ، فَيَضَعُهَا فِيمَنْ كَفَرَ بِهِ، وَخَالَفَ أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ، فَيَكُونُ لَهَا بِوَضْعِهَا فِي غَيْرِ أَهْلِهَا ظَالِمًا
٥ / ٤٥٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ﴾ [آل عمران: ٥٨] يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثناؤُهُ: ﴿ذَلِكَ﴾ [البقرة: ٢] هَذِهِ الْأَنْبَاءَ الَّتِي أَنَبْأَ بِهَا نَبِيَّهُ عَنْ عِيسَى وَأُمِّهِ مَرْيَمَ، وَأُمِّهَا حَنَّةَ، وَزَكَرِيَّا وَابْنِهِ يَحْيَى، وَمَا قَصَّ مِنْ أَمْرِ الْحَوَارِيِّينَ، وَالْيَهُودِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ؛ ﴿نَتْلُوهَا عَلَيْكَ﴾ [البقرة: ٢٥٢] يَا مُحَمَّدُ، يَقُولُ: نَقْرَؤُهَا عَلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ، عَلَى لِسَانِ جِبْرِيلَ ﷺ، بِوَحْيِنَاهَا إِلَيْكَ ﴿مِنَ الْآيَاتِ﴾ [آل عمران: ٥٨] يَقُولُ: مِنَ الْعِبَرِ وَالْحُجَجِ، عَلَى مَنْ حَاجَّكَ مِنْ وَفْدِ نَصَارَى نَجْرَانَ وَيَهُودِ بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ كَذَّبُوكَ، وَكَذَّبُوا مَا جِئْتَهُمْ بِهِ مِنَ الْحَقِّ مِنْ عِنْدِي ﴿وَالذِّكْرِ﴾ [آل عمران: ٥٨] يَعْنِي: وَالْقُرْآنِ ﴿الْحَكِيمِ﴾ [البقرة: ٣٢] يَعْنِي: ذِي الْحِكْمَةِ الْفَاصِلَةِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، وَبَيْنَكَ وَبَيْنَ نَاسِبِي الْمَسِيحِ إِلَى غَيْرِ نَسَبِهِ
٥ / ٤٥٨
كَمَا: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ: ﴿ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ﴾ [آل عمران: ٥٨] «الْقَاطِعِ الْفَاصِلِ الْحَقِّ الَّذِي لَمْ يَخْلِطْهُ الْبَاطِلُ مِنَ الْخَبَرِ عَنْ عِيسَى، وَعَمَّا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ أَمْرِهِ، فَلَا تَقْبَلَنَّ خَبَرًا غَيْرَهُ»
٥ / ٤٥٨
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا أَبُو زُهَيْرٍ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ: ﴿ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ﴾ [آل عمران: ٥٨] قَالَ: «الْقُرْآنُ»
٥ / ٤٥٨
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَالذِّكْرِ﴾ [آل عمران: ٥٨] يَقُولُ: «الْقُرْآنُ الْحَكِيمُ الَّذِي قَدْ كَمُلَ فِي حِكْمَتِهِ»
٥ / ٤٥٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [آل عمران: ٥٩] يَعْنِي جَلَّ ثناؤُهُ: إِنَّ شَبَهَ عِيسَى فِي خَلْقِي إِيَّاهُ مِنْ غَيْرِ فَحْلٍ فَأَخْبِرْ بِهِ يَا مُحَمَّدُ الْوَفْدَ مِنْ نَصَارَى نَجْرَانَ عِنْدِي كَشَبَهِ آدَمَ الَّذِي خَلَقْتُهُ مِنْ تُرَابٍ، ثُمَّ قُلْتُ لَهُ كُنْ فَكَانَ، مِنْ غَيْرِ فَحْلٍ، وَلَا ذَكَرٍ، وَلَا أُنْثَى يَقُولُ: فَلَيْسَ خَلْقِي عِيسَى مِنْ أُمِّهِ مِنْ غَيْرِ فَحْلٍ، بِأَعْجَبَ مِنْ خَلْقِي آدَمَ مِنْ غَيْرِ ذَكَرٍ وَلَا أُنْثًى، فَكَانَ لَحْمًا، يَقُولُ: وَأَمْرِي إِذْ أَمَرْتُهُ أَنْ يَكُونَ فَكَانَ، فَكَذَلِكَ خَلْقِي عِيسَى أَمَرْتُهُ أَنْ يَكُونَ فَكَانَ. وَذَكَرَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ أَنَّ اللَّهَ عز وجل أَنْزَلَ هَذِهِ الْآيَةَ احْتِجَاجًا لِنَبِيِّهِ ﷺ عَلَى الْوَفْدِ مِنْ نَصَارَى نَجْرَانَ الَّذِينَ حَاجُّوهُ فِي عِيسَى
٥ / ٤٥٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ عَامِرٍ، قَالَ: «كَانَ أَهْلُ نَجْرَانَ أَعْظَمَ قَوْمٍ مِنَ النَّصَارَى فِي عِيسَى قَوْلًا، فَكَانُوا يُجَادِلُونَ النَّبِيَّ ﷺ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل هَذِهِ الْآيَةَ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ»: ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [آل عمران: ٥٩] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى ⦗٤٦٠⦘ الْكَاذِبِينَ﴾ [آل عمران: ٦١]
٥ / ٤٥٩
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [آل عمران: ٥٩] ” وَذَلِكَ أَنَّ رَهْطًا مِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ قَدِمُوا عَلَى مُحَمَّدٍ ﷺ، وَكَانَ فِيهِمُ السَّيِّدُ وَالْعَاقِبُ، فَقَالُوا لِمُحَمَّدٍ: مَا شَأْنُكَ تَذْكُرُ صَاحِبَنَا؟ فَقَالَ: «مَنْ هُوَ؟» قَالُوا: عِيسَى، تَزْعُمُ أَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ، فَقَالَ مُحَمَّدٌ: «أَجَلْ إِنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ» قَالُوا لَهُ: فَهَلْ رَأَيْتَ مِثْلَ عِيسَى أَوْ أُنْبِئْتَ بِهِ؟ ثُمَّ خَرَجُوا مِنْ عِنْدِهِ، فَجَاءَهُ جِبْرِيلُ ﷺ بِأَمْرِ رَبِّنَا السَّمِيعِ الْعَلِيمِ، فَقَالَ: قُلْ لَهُمْ إِذَا أَتَوْكَ ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ﴾ [آل عمران: ٥٩] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ
٥ / ٤٦٠
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [آل عمران: ٥٩] «ذُكِرَ لَنَا أَنَّ سَيِّدَيْ أَهْلِ نَجْرَانَ وَأُسْقُفَيْهِمُ السَّيِّدَ وَالْعَاقِبَ، لَقِيَا نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ، فَسَأَلَاهُ عَنْ عِيسَى فَقَالَا: كُلُّ آدَمَيٍّ لَهُ أَبٌ فَمَا شَأْنُ عِيسَى لَا أَبَ لَهُ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل فِيهِ هَذِهِ الْآيَةَ»: ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [آل عمران: ٥٩]
٥ / ٤٦٠
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ ⦗٤٦١⦘ السُّدِّيِّ: ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ﴾ [آل عمران: ٥٩] لَمَّا بُعِثَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، وَسَمِعَ بِهِ أَهْلُ نَجْرَانَ، أَتَاهُ مِنْهُمْ أَرْبَعَةٌ مِنْ خِيَارِهِمْ، مِنْهُمُ الْعَاقِبُ، وَالسَّيِّدُ، وَمَاسَرْجُسُ وَمارِيحَزُ، فَسَأَلُوهُ مَا يَقُولُ فِي عِيسَى، فَقَالَ: «هُوَ عَبْدُ اللَّهِ وَرُوحُهُ وَكَلِمَتُهُ»، قَالُوا هُمْ: لَا، وَلَكِنَّهُ هُوَ اللَّهُ، نَزَلَ مِنْ مُلْكِهِ فَدَخَلَ فِي جَوْفِ مَرْيَمَ، ثُمَّ خَرَجَ مِنْهَا فَأَرَانَا قُدْرَتَهُ وَأَمْرَهُ، فَهَلْ رَأَيْتَ قَطَّ إِنْسَانًا خُلِقَ مِنْ غَيْرِ أَبٍ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل: ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [آل عمران: ٥٩]
٥ / ٤٦٠
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَوْلُهُ: ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [آل عمران: ٥٩] قَالَ: «نَزَلَتْ فِي الْعَاقِبِ وَالسَّيِّدِ مِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ، وَهُمَا نَصْرَانِيَّانِ» قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: بَلَغَنَا أَنَّ نَصَارَى أَهْلِ نَجْرَانَ قَدِمَ وَفْدُهُمْ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ، فِيهِمُ السَّيِّدُ وَالْعَاقِبُ، وَهُمَا يَوْمَئِذٍ سَيِّدَا أَهْلِ نَجْرَانَ، فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ فِيمَ تَشْتُمُ صَاحِبَنَا؟ قَالَ: «مَنْ صَاحِبُكُمَا؟» قَالَا: عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ، تَزْعُمُ أَنَّهُ عَبْدٌ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «أَجَلْ إِنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ»، فَغَضِبُوا وَقَالُوا: إِنْ كُنْتَ صَادِقًا، فَأَرِنَا عَبْدًا يُحْيِي الْمَوْتَى، وَيُبْرِئُ الْأَكْمَهَ، وَيَخْلُقُ
٥ / ٤٦١
مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ، فَيَنْفُخُ فِيهِ، الْآيَةَ، لَكِنَّهُ اللَّهُ فَسَكَتَ حَتَّى أَتَاهُ جِبْرِيلُ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ ﴿لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ﴾ [المائدة: ١٧] الْآيَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «يَا جِبْرِيلُ إِنَّهُمْ سَأَلُونِي أَنْ أُخْبِرَهُمْ بِمِثْلِ عِيسَى» . قَالَ جِبْرِيلُ: مَثَلُ عِيسَى كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ، فَلَمَّا أَصْبَحُوا عَادُوا، فَقَرَأَ عَلَيْهِمُ الْآيَاتِ
٥ / ٤٦٢
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ: ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ﴾ [آل عمران: ٥٩] فَاسْمَعْ ﴿كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ، الْحَقُّ مِنْ رَبِّكِ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ﴾ [آل عمران: ٦٠] «فَإِنْ قَالُوا: خُلِقَ عِيسَى مِنْ غَيْرِ ذَكَرٍ، فَقَدْ خَلَقْتُ آدَمَ مِنْ تُرَابٍ بِتِلْكَ الْقُدْرَةِ، مِنْ غَيْرِ أُنْثًى وَلَا ذَكَرٍ فَكَانَ كَمَا كَانَ عِيسَى لَحْمًا وَدَمًا وَشَعْرًا وَبَشَرًا، فَلَيْسَ خَلْقُ عِيسَى مِنْ غَيْرِ ذَكَرٍ بِأَعْجَبَ مِنْ هَذَا»
٥ / ٤٦٢
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ عز وجل ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ﴾ [آل عمران: ٥٩] قَالَ: “أَتَى نَجْرَانِيَّانِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالَا لَهُ: هَلْ عَلِمْتَ أَنَّ أَحَدًا وُلِدَ مِنْ غَيْرِ ذَكَرٍ فَيَكُونُ عِيسَى كَذَلِكَ؟ قَالَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل: ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [آل عمران: ٥٩] أَكَانَ لِآدَمَ أَبٌ أَوْ أُمٌّ، كَمَا خَلَقْتُ هَذَا فِي
٥ / ٤٦٢
بَطْنِ هَذِهِ؟ ” فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَكَيْفَ قَالَ: «كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ»، وَآدَمُ مَعْرِفَةٌ، وَالْمَعَارِفُ لَا تُوصَلُ؟ قِيلَ: إِنَّ قَوْلَهُ: ﴿خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ﴾ [آل عمران: ٥٩] غَيْرُ صِلَةٍ لِآدَمَ، وَإِنَّمَا هُوَ بَيَانٌ عَنْ أَمْرِهِ عَلَى وَجْهِ التَّفْسِيرِ عَنِ الْمَثَلِ الَّذِي ضَرَبَهُ وَكَيْفَ كَانَ؟ . وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [آل عمران: ٥٩] فَإِنَّمَا قَالَ: «فَيَكُونُ»، وَقَدِ ابْتَدَأَ الْخَبَرَ عَنْ خَلْقِ آدَمَ، وَذَلِكَ خَبَرٌ عَنْ أَمْرٍ قَدْ تَقَضَّى، وَقَدْ أَخْرَجَ الْخَبَرَ عَنْهُ مَخْرَجَ الْخَبَرِ عَمَّا قَدْ مَضَى، فَقَالَ جَلَّ ثناؤُهُ: ﴿خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ﴾ [آل عمران: ٥٩] لِأَنَّهُ بِمَعْنَى الْإِعْلَامِ مِنَ اللَّهِ نَبِيَّهُ أَنَّ تَكْوِينَهُ الْأَشْيَاءَ بِقَوْلِهِ: ﴿كُنْ﴾ [آل عمران: ٥٩] ثُمَّ قَالَ: «فَيَكُونُ» خَبَرًا مُبْتَدَأً، وَقَدْ تَنَاهَى الْخَبَرُ عَنْ أَمْرِ آدَمَ عِنْدَ قَوْلِهِ: «كُنْ» . فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ إِذًا: إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ، خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ، ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ؛ وَاعْلَمْ يَا مُحَمَّدُ أَنَّ مَا قَالَ لَهُ رَبُّكَ: كُنْ، فَهُوَ كَائِنٌ، فَلَمَّا كَانَ فِي قَوْلِهِ: ﴿كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ﴾ [آل عمران: ٥٩] دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْكَلَامَ يُرَادُ بِهِ إِعْلَامُ نَبِيِّ اللَّهِ ﷺ وَسَائِرِ خَلْقِهِ أَنَّهُ كَائِنٌ مَا كَوْنُهُ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ أَصْلٍ وَلَا أَوَّلٍ وَلَا عُنْصُرٍ اسْتَغْنَى بِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَى الْمَعْنَى، وَقِيلَ: فَيَكُونُ، فَعَطَفَ بِالْمُسْتَقْبَلِ عَلَى الْمَاضِي عَلَى ذَلِكَ الْمَعْنَى، وَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ: فَيَكُونُ رُفِعَ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَمَعْنَاهُ: كُنْ فَكَانَ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: فَإِذَا هُوَ كَائِنٌ
٥ / ٤٦٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ﴾ [آل عمران: ٦٠]⦗٤٦٤⦘ يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثناؤُهُ: الَّذِي أَنْبَأْتُكَ بِهِ مِنْ خَبَرِ عِيسَى، وَأَنَّ مَثَلَهُ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ، ثُمَّ قَالَ لَهُ رَبُّهُ: كُنْ، هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ، يَقُولُ: هُوَ الْخَبَرُ الَّذِي هُوَ مِنْ عِنْدِ رَبِّكَ؛ ﴿فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ﴾ [آل عمران: ٦٠] يَعْنِي: فَلَا تَكُنْ مِنَ الشَّاكِّينَ فِي أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ
٥ / ٤٦٣
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ﴾ [آل عمران: ٦٠] «يَعْنِي فَلَا تَكُنْ فِي شَكٍّ مِنْ عِيسَى أَنَّهُ كَمَثَلِ آدَمَ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، وَكَلِمَةُ اللَّهِ وَرُوحُهُ»
٥ / ٤٦٤
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، قَوْلُهُ: ﴿الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ﴾ [آل عمران: ٦٠] يَقُولُ: «فَلَا تَكُنْ فِي شَكٍّ مِمَّا قَصَصْنَا عَلَيْكَ أَنَّ عِيسَى عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ وَكَلِمَةٌ مِنْهُ وَرُوحٌ، وَأَنَّ مَثَلَهُ عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ»
٥ / ٤٦٤
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ: ﴿الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ﴾ [البقرة: ١٤٧] «مَا جَاءَكَ مِنَ الْخَبَرِ عَنْ عِيسَى»، ﴿فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ﴾ [آل عمران: ٦٠] «أَيْ قَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَمْتَرِ فِيهِ»
٥ / ٤٦٤
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ﴾ [آل عمران: ٦٠] قَالَ: «وَالْمُمْتَرُونَ: الشَّاكُّونَ» وَالْمِرْيَةُ وَالشَّكُّ وَالرَّيْبُ وَاحِدٌ سَوَاءٌ كَهَيْئَةِ مَا تَقُولُ: أَعْطِنِي وَنَاوِلْنِي ⦗٤٦٥⦘ وَهَلُمَّ، فَهَذَا مُخْتَلِفٌ فِي الْكَلَامِ وَهُوَ وَاحِدٌ
٥ / ٤٦٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ﴾ [آل عمران: ٦١] يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثناؤُهُ: ﴿فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ﴾ [آل عمران: ٦١] فَمَنْ جَادَلَكَ يَا مُحَمَّدُ فِي الْمَسِيحِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، وَالْهَاءُ فِي قَوْلِهِ: ﴿فِيهِ﴾ [البقرة: ٢] عَائِدَةٌ عَلَى ذِكْرِ عِيسَى، وَجَائِزٌ أَنْ تَكُونَ عَائِدَةً عَلَى الْحَقِّ الَّذِي قَالَ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ﴾ [البقرة: ١٤٧] وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ: ﴿مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ﴾ [البقرة: ١٤٥] مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ الَّذِي قَدْ بَيَّنْتُهُ لَكَ فِي عِيسَى أَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ ﴿فَقُلْ تَعَالَوْا﴾ [آل عمران: ٦١] هَلُمُّوا فَلْنَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ، وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ، وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ، ﴿ثُمَّ نَبْتَهِلْ﴾ [آل عمران: ٦١] يَقُولُ: ثُمَّ نَلْتَعِنْ، يُقَالُ فِي الْكَلَامِ: مَا لَهُ بَهَلَهُ اللَّهُ، أَيْ لَعَنَهُ اللَّهُ، وَمَا لَهُ عَلَيْهِ بَهْلَةُ اللَّهِ، يُرِيدُ اللَّعْنَ، وَقَالَ لَبِيدٌ، وَذَكَرَ قَوْمًا هَلَكُوا، فَقَالَ:
[البحر الرمل] نَظَرَ الدَّهْرُ إِلَيْهِمْ فَابْتَهَلَ
يَعْنِي دَعَا عَلَيْهِمْ بِالْهَلَاكِ ﴿فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ﴾ [آل عمران: ٦١] مِنَّا وَمِنْكُمْ فِي آيَةِ عِيسَى
[البحر الرمل] نَظَرَ الدَّهْرُ إِلَيْهِمْ فَابْتَهَلَ
يَعْنِي دَعَا عَلَيْهِمْ بِالْهَلَاكِ ﴿فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ﴾ [آل عمران: ٦١] مِنَّا وَمِنْكُمْ فِي آيَةِ عِيسَى
٥ / ٤٦٥
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿فَمَنْ ⦗٤٦٦⦘ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ﴾ [آل عمران: ٦١] «أَيْ فِي عِيسَى أَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ مِنْ كَلِمَةِ اللَّهِ وَرُوحِهِ»، ﴿فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ﴾ [آل عمران: ٦١] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿عَلَى الْكَاذِبِينَ﴾ [آل عمران: ٦١]
٥ / ٤٦٥
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ: ﴿فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ﴾ [آل عمران: ٦١] «أَيْ مِنْ بَعْدِ مَا قَصَصْتُ عَلَيْكَ مِنْ خَبَرِهِ، وَكَيْفَ كَانَ أَمْرُهُ» ﴿فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ﴾ [آل عمران: ٦١] الْآيَةَ
٥ / ٤٦٦
حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، قَوْلُهُ: ﴿فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ﴾ [آل عمران: ٦١] يَقُولُ: «مَنْ حَاجَّكَ فِي عِيسَى مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ فِيهِ مِنَ الْعِلْمِ»
٥ / ٤٦٦
حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: ﴿ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ﴾ [آل عمران: ٦١] قَالَ: «مِنَّا وَمِنْكُمْ»
٥ / ٤٦٦
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: وَثني ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ زِيَادٍ الْحَضْرَمِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ جَزْءٍ الزُّبَيْدِيِّ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: «لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَ أَهْلِ نَجْرَانَ حِجَابًا فَلَا أَرَاهُمْ وَلَا يَرَوْنِي» مِنْ شِدَّةِ مَا كَانُوا يُمَارُونَ النَّبِيَّ ﷺ “
٥ / ٤٦٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهِ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ، فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ﴾ [آل عمران: ٦٣] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثناؤُهُ: إِنَّ هَذَا الَّذِي أَنْبَأْتُكَ بِهِ يَا مُحَمَّدُ مِنْ أَمْرِ عِيسَى، فَقَصَصْتُهُ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَائِهِ وَأَنَّهُ عَبْدِي وَرَسُولِي، وَكَلِمَتِي أَلْقَيْتُهَا إِلَى مَرْيَمَ، وَرُوحٌ مِنِّي، ﴿لَهُوَ الْقَصَصُ﴾ [آل عمران: ٦٢] وَالنَّبَأُ ﴿الْحَقُّ﴾ [البقرة: ٢٦] فَاعْلَمْ ذَلِكَ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْخَلْقِ مَعْبُودٌ يَسْتَوْجِبُ عَلَيْهِمُ الْعِبَادَةَ بِمُلْكِهِ إِيَّاهُمْ إِلَّا مَعْبُودَكَ الَّذِي تَعْبُدَهُ، وَهُوَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ. وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ ﴿الْعَزِيزُ﴾ [البقرة: ١٢٩] الْعَزِيزُ فِي انْتِقَامِهِ مِمَّنْ عَصَاهُ، وَخَالَفَ أَمْرَهُ، وَادَّعَى مَعَهُ إِلَهًا غَيْرَهُ، أَوْ عَبَدَ رَبًّا سِوَاهُ، ﴿الْحَكِيمُ﴾ [البقرة: ٣٢] فِي تَدْبِيرِهِ، لَا يَدْخُلُ مَا دَبَّرَهُ وَهْنٌ وَلَا يَلْحَقُهُ خَلَلٌ. وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٥ / ٤٦٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ: ﴿إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ﴾ [آل عمران: ٦٢] «أَيْ إِنَّ هَذَا الَّذِي جِئْتُ بِهِ مِنَ الْخَبَرِ عَنْ ⦗٤٦٨⦘ عِيسَى، لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ مِنْ أَمْرِهِ»
٥ / ٤٦٧
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: ﴿إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ﴾ [آل عمران: ٦٢] «إِنَّ هَذَا الَّذِي قُلْنَا فِي عِيسَى لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ»
٥ / ٤٦٨
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ﴾ [آل عمران: ٦٢] قَالَ: «إِنَّ هَذَا الْقَصَصُ الْحَقُّ فِي عِيسَى، مَا يَنْبَغِي لِعِيسَى أَنْ يَتَعَدَّى هَذَا، وَلَا يُجَاوِزَ أَنْ يَتَعَدَّى أَنْ يَكُونَ كَلِمَةَ اللَّهِ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحًا مِنْهُ وَعَبْدَ اللَّهِ وَرَسُولَهُ»
٥ / ٤٦٨
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ﴾ [آل عمران: ٦٢] «إِنَّ هَذَا الَّذِي قُلْنَا فِي عِيسَى هُوَ الْحَقُّ» ﴿وَمَا مِنْ إِلَهِ إِلَّا اللَّهُ﴾ [آل عمران: ٦٢] الْآيَةَ فَلَمَّا فَصَلَ جَلَّ ثناؤُهُ بَيْنَ نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ وَبَيْنَ الْوَفْدِ مِنْ نَصَارَى نَجْرَانَ بِالْقَضَاءِ الْفَاصِلِ وَالْحُكْمِ الْعَادِلِ أَمَرَهُ إِنْ هُمْ تَوَلَّوْا عَمَّا دَعَاهُمْ إِلَيْهِ مِنَ الْإِقْرَارِ بِوَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ، وَأَنَّهُ لَا وَلَدَ لَهُ وَلَا صَاحِبَةً، وَأَنَّ عِيسَى عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَأَبَوْا إِلَّا الْجَدَلَ وَالْخُصُومَةَ أَنْ يَدْعُوَهُمَ إِلَى الْمُلَاعَنَةِ، فَفَعَلَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَلَمَّا ⦗٤٦٩⦘ فَعَلَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ انْخَذَلُوا، فَامْتَنَعُوا مِنَ الْمُلَاعَنَةِ وَدَعَوْا إِلَى الْمُصَالَحَةِ
٥ / ٤٦٨
كَالَّذِي: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ عَامِرٍ، قَالَ: فَأَمَرَ يَعْنِي النَّبِيَّ ﷺ بِمُلَاعَنَتِهِمْ يَعْنِي بِمُلَاعَنَةِ أَهْلِ نَجْرَانَ بِقَوْلِهِ: ﴿فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ﴾ [آل عمران: ٦١] الْآيَةَ، فَتَوَاعَدُوا أَنْ يُلَاعِنُوهُ، وَوَاعَدُوهُ الْغَدَ، فَانْطَلَقُوا إِلَى السَّيِّدِ وَالْعَاقِبِ وَكَانَا أَعْقَلَهُمْ فَتَابَعَاهُمْ، فَانْطَلَقُوا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ عَاقِلٍ، فَذَكَرُوا لَهُ مَا فَارَقُوا عَلَيْهِ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: مَا صَنَعْتُمْ؟ وَنَدَّمَهُمْ، وَقَالَ لَهُمْ: إِنْ كَانَ نَبِيًّا ثُمَّ دَعَا عَلَيْكُمْ لَا يُغْضِبُهُ اللَّهُ فِيكُمْ أَبَدًا، وَلَئِنْ كَانَ مَلِكًا فَظَهَرَ عَلَيْكُمْ لَا يَسْتَبْقِيكُمْ أَبَدًا، قَالُوا: فَكَيْفَ لَنَا وَقَدْ وَاعَدَنَا؟ فَقَالَ لَهُمْ: إِذَا غَدَوْتُمْ إِلَيْهِ فَعَرَضَ عَلَيْكُمُ الَّذِي فَارَقْتُمُوهُ عَلَيْهِ، فَقُولُوا: نَعُوذُ بِاللَّهِ فَإِنْ دَعَاكُمْ أَيْضًا، فَقُولُوا لَهُ: نَعُوذُ بِاللَّهِ وَلَعَلَّهُ أَنْ يُعْفِيَكُمْ مِنْ ذَلِكَ، فَلَمَّا غَدَوْا غَدَا النَّبِيُّ ﷺ مُحْتَضِنًا حَسَنًا آخِذًا بِيَدِ الْحُسَيْنِ وَفَاطِمَةُ تَمْشِي خَلْفَهُ، فَدَعَاهُمْ إِلَى الَّذِي فَارَقُوهُ عَلَيْهِ بِالْأَمْسِ، فَقَالُوا: نَعُوذُ بِاللَّهِ ثُمَّ دَعَاهُمْ، فَقَالُوا: نَعُوذُ بِاللَّهِ مِرَارًا، قَالَ: «فَإِنْ أَبَيْتُمْ فَأَسْلِمُوا وَلَكُمْ مَا لِلْمُسْلِمِينَ وَعَلَيْكُمْ مَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ، كَمَا قَالَ اللَّهُ عز وجل؛ فَإِنْ أَبَيْتُمْ فَأَعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَأَنْتُمْ صَاغِرُونَ، كَمَا قَالَ اللَّهُ عز وجل»، قَالُوا: مَا نَمْلِكُ إِلَّا أَنْفُسَنَا، قَالَ: «فَإِنْ أَبَيْتُمْ فَإِنِّي أَنْبِذُ إِلَيْكُمْ عَلَى سَوَاءٍ، كَمَا قَالَ اللَّهُ عز وجل»، قَالُوا: مَا لَنَا طَاقَةٌ بِحَرْبِ الْعَرَبِ، وَلَكِنْ نُؤَدِّي الْجِزْيَةَ، قَالَ: فَجَعَلَ عَلَيْهِمْ فِي كُلِّ سَنَةٍ أَلْفَيْ حُلَّةٍ، أَلْفًا فِي رَجَبٍ وَأَلْفًا فِي صَفَرٍ. فَقَالَ ⦗٤٧٠⦘ النَّبِيُّ ﷺ: «قَدْ أَتَانِي الْبَشِيرُ بِهَلَكَةِ أَهْلِ نَجْرَانَ حَتَّى الطَّيْرُ عَلَى الشَّجَرِ أَوِ الْعَصَافِيرُ عَلَى الشَّجَرِ، لَوْ تَمُّوا عَلَى الْمُلَاعَنَةِ» حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، قَالَ: فَقُلْتُ لِلْمُغِيرَةِ: إِنَّ النَّاسَ يَرَوْنَ فِي حَدِيثِ أَهْلِ نَجْرَانَ أَنَّ عَلِيًّا كَانَ مَعَهُمْ، فَقَالَ: أَمَّا الشَّعْبِيُّ فَلَمْ يَذْكُرْهُ، فَلَا أَدْرِي لِسُوءِ رَأْيِ بَنِي أُمَيَّةَ فِي عَلِيٍّ، أَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْحَدِيثِ؟
٥ / ٤٦٩
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ: ﴿إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ﴾ [آل عمران: ٦٢] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: ٦٤] «فَدَعَاهُمْ إِلَى النُّصْفِ وَقَطَعَ عَنْهُمُ الْحُجَّةَ، فَلَمَّا أَتَى رَسُولَ اللَّهِ ﷺ الْخَبَرُ مِنَ اللَّهِ عَنْهُ، وَالْفَصْلُ مِنَ الْقَضَاءِ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ، وَأَمَرَهُ بِمَا أَمَرَهُ بِهِ مِنْ مُلَاعَنَتِهِمْ، إِنْ رَدُّوا عَلَيْهِ؛ دَعَاهُمْ إِلَى ذَلِكَ، فَقَالُوا: يَا أَبَا الْقَاسِمِ دَعْنَا نَنْظُرْ فِي أَمْرِنَا، ثُمَّ نَأْتِيكَ بِمَا نُرِيدُ أَنْ نَفْعَلَ فِيمَا دَعَوْتَنَا إِلَيْهِ. فَانْصَرَفُوا عَنْهُ، ثُمَّ خَلُوا بِالْعَاقِبِ، وَكَانَ ذَا رَأْيهِمْ، فَقَالُوا: يَا عَبْدَ الْمَسِيحِ مَا تَرَى؟ قَالَ: وَاللَّهِ يَا مَعْشَرَ النَّصَارَى، لَقَدْ عَرَفْتُمْ أَنَّ مُحَمَّدًا نَبِيُّ مُرْسَلٌ، وَلَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْفَصْلِ مِنْ خَبَرِ صَاحِبِكُمْ، وَلَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا لَاعَنَ قَوْمٌ نَبِيًّا قَطُّ فَبَقِيَ كَبِيرُهُمْ وَلَا نَبَتَ صُغِيرُهُمْ، وَإِنَّهُ لَلِاسْتِئْصَالُ مِنْكُمْ إِنْ فَعَلْتُمْ، فَإِنْ كُنْتُمْ قَدْ أَبَيْتُمْ إِلَّا إِلْفَ دِينِكُمْ، وَالْإِقَامَةَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْقَوْلِ فِي صَاحِبِكُمْ، فَوَادِعُوا الرَّجُلَ ثُمَّ انْصَرِفُوا إِلَى بِلَادِكُمْ حَتَّى يُرِيَكُمْ زَمَنٌ رَأْيَهُ، فَأَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالُوا: يَا أَبَا الْقَاسِمِ، قَدْ رَأَيْنَا أَنْ لَا نُلَاعِنَكَ، وَأَنْ نَتْرُكَكَ عَلَى ⦗٤٧١⦘ دِينِكَ، وَنَرْجِعَ عَلَى دِينِنَا وَلَكِنِ ابْعَثْ مَعَنَا رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِكَ تَرْضَاهُ لَنَا يَحْكُمُ بَيْنَنَا فِي أَشْيَاءَ قَدِ اخْتَلَفْنَا فِيهَا مِنْ أَمْوَالِنَا، فَإِنَّكُمْ عِنْدَنَا رِضًا»
٥ / ٤٧٠
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى بْنُ فَرْقَدٍ، عَنْ أَبِي الْجَارُودِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ، فِي قَوْلِهِ: ﴿تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ﴾ [آل عمران: ٦١] الْآيَةَ، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ ﷺ وَعَلِيٌّ فَاطِمَةُ وَالْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ»
٥ / ٤٧١
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ﴾ [آل عمران: ٦١] الْآيَةَ، «فَأَخَذَ يَعْنِي النَّبِيَّ ﷺ بِيَدِ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ وَفَاطِمَةَ، وَقَالَ لِعَلِيٍّ: «اتْبَعْنَا» فَخَرَجَ مَعَهُمْ، فَلَمْ يَخْرُجْ يَوْمَئِذٍ النَّصَارَى، وَقَالُوا: إِنَّا نَخَافُ أَنْ يَكُونَ هَذَا هُوَ النَّبِيَّ ﷺ، وَلَيْسَ دَعْوَةُ النَّبِيِّ كَغَيْرِهَا فَتَخَلَّفُوا عَنْهُ يَوْمَئِذٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «لَوْ خَرَجُوا لَاحْتَرَقُوا» . فَصَالَحُوهُ عَلَى صُلْحٍ عَلَى أَنَّ لَهُ عَلَيْهِمْ ثَمَانِينَ أَلْفًا فَمَا عَجَزْتِ الدَّرَاهِمُ فَفِي الْعُرُوضِ الْحُلَّةُ بِأَرْبَعِينَ، وَعَلَى أَنَّ لَهُ عَلَيْهِمْ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ دِرْعًا، وَثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ بَعِيرًا، وَأَرْبَعَةً وَثَلَاثِينَ فَرَسًا غَازِيَةً كُلَّ سَنَةٍ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ ضَامِنٌ لَهَا حَتَّى نُؤَدِّيَهَا إِلَيْهِمْ»
٥ / ٤٧١
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ دَعَا وَفْدًا مِنْ وَفْدِ نَجْرَانَ مِنَ النَّصَارَى، وَهُمُ الَّذِينَ حَاجُّوهُ فِي عِيسَى، فَنَكَصُوا عَنْ ذَلِكَ وَخَافُوا. وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ كَانَ يَقُولُ: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، إِنْ كَانَ الْعَذَابُ لَقَدْ تَدَلَّى عَلَى أَهْلِ نَجْرَانَ، وَلَوْ فَعَلُوا لَاسْتُؤْصِلُوا عَنْ ⦗٤٧٢⦘ جَدِيدِ الْأَرْضِ»
٥ / ٤٧١
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ﴾ [آل عمران: ٦١] قَالَ: «بَلَغَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ خَرَجَ لَيْلًا عَنْ أَهْلِ نَجْرَانَ، فَلَمَّا رَأَوْهُ خَرَجَ، هَابُوا وَفَرِقُوا، فَرَجَعُوا، قَالَ مَعْمَرٌ، قَالَ قَتَادَةُ: لَمَّا أَرَادَ النَّبِيُّ ﷺ أَهْلَ نَجْرَانَ أَخَذَ بِيَدِ حَسَنٍ وَحُسَيْنٍ وَقَالَ لِفَاطِمَةَ: «اتْبَعِينَا»، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ أَعْدَاءُ اللَّهِ رَجَعُوا»
٥ / ٤٧٢
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «لَوْ خَرَجَ الَّذِينَ يُبَاهِلُونَ النَّبِيَّ ﷺ لَرَجَعُوا لَا يَجِدُونَ أَهْلًا وَلَا مَالًا» حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا زَكَرِيَّا بْنُ عَدِيٍّ قَالَ: ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَهُ
٥ / ٤٧٢
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ لَاعَنُونِي مَا حَالَ الْحَوْلُ وَبِحَضْرَتِهِمْ مِنْهُمْ أَحَدٌ إِلَّا أَهْلَكَ اللَّهُ الْكَاذِبِينَ»
٥ / ٤٧٢
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ زَيْدٍ، قَالَ: قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ: لَوْ لَاعَنْتَ الْقَوْمَ بِمَنْ كُنْتَ تَأْتِي حِينَ قُلْتَ ﴿أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ﴾ [آل عمران: ٦١]؟ قَالَ: «حَسَنٍ وَحُسَيْنٍ»
٥ / ٤٧٣
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، قَالَ: ثنا أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ، قَالَ: ثنا الْمُنْذِرُ بْنُ ثَعْلَبَةَ، قَالَ: ثنا عِلْبَاءُ بْنُ أَحْمَرَ الْيَشْكُرِيُّ، قَالَ: «لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ﴾ [آل عمران: ٦١] الْآيَةَ، أَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِلَى عَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ وَابْنَيْهِمَا الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ، وَدَعَا الْيَهُودَ لِيُلَاعِنَهُمْ فَقَالَ شَابٌّ مِنَ الْيَهُودِ: وَيْحَكُمْ أَلَيْسَ عُهْدُكُمْ بِالْأَمْسِ إِخْوَانُكُمُ الَّذِينَ مُسِخُوا قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ؟ لَا تُلَاعِنُوا، فَانْتَهَوْا»
٥ / ٤٧٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: ٦٤] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثناؤُهُ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِأَهْلِ الْكِتَابِ وَهُمْ أَهْلُ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ: ﴿تَعَالَوْا﴾ [آل عمران: ٦١] هَلُمُّوا ﴿إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ﴾ [آل عمران: ٦٤] يَعْنِي إِلَى كَلِمَةٍ عَدْلٍ
٥ / ٤٧٣
﴿بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ﴾ [آل عمران: ٦٤] وَالْكَلِمَةُ الْعَدْلُ: هِيَ أَنْ نُوَحِّدَ اللَّهَ فَلَا نَعْبُدَ غَيْرَهُ، وَنَبْرَأَ مِنْ كُلِّ مَعْبُودٍ سِوَاهُ فَلَا نُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا. وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا﴾ [آل عمران: ٦٤] يَقُولُ: وَلَا يَدِينُ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ بِالطَّاعَةِ فِيمَا أَمَرَ بِهِ مِنْ مَعَاصِي اللَّهِ، وَيُعَظِّمُهُ بِالسُّجُودِ لَهُ، كَمَا يَسْجُدُ لِرَبِّهِ. ﴿فَإِنْ تَوَلَّوْا﴾ [آل عمران: ٣٢] يَقُولُ: فَإِنْ أَعْرَضُوا عَمَّا دَعْوَتَهُمْ إِلَيْهِ مِنَ الْكَلِمَةِ السَّوَاءِ الَّتِي أَمَرْتُكَ بِدُعَائِهِمْ إِلَيْهَا، فَلَمْ يُجِيبُوكَ إِلَيْهَا، فَقُولُوا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لِلْمُتَوَلِّينَ عَنْ ذَلِكَ: اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ، وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِيمَنْ نَزَلَتْ فِيهِ هَذِهِ الْآيَةُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: نَزَلَتْ فِي يَهُودِ بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ كَانُوا حَوَالَيْ مَدِينَةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ
٥ / ٤٧٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: «ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ دَعَا يَهُودَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ إِلَى الْكَلِمَةِ السَّوَاءِ، وَهُمُ الَّذِينَ حَاجُّوا فِي إِبْرَاهِيمَ»
٥ / ٤٧٤
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، قَالَ: «ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ دَعَا الْيَهُودَ إِلَى كَلِمَةِ السَّوَاءِ»
٥ / ٤٧٤
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ دَعَا يَهُودَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ إِلَى ذَلِكَ، فَأَبَوْا عَلَيْهِ، فَجَاهَدَهُمْ، قَالَ: دَعَاهُمْ إِلَى قَوْلِ اللَّهِ عز وجل: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ﴾ [آل عمران: ٦٤] الْآيَةَ ” وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ نَزَلَتْ فِي الْوَفْدِ مِنْ نَصَارَى نَجْرَانَ
٥ / ٤٧٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ﴾ [آل عمران: ٦٤] الْآيَةَ، إِلَى قَوْلِهِ: ﴿فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: ٦٤] قَالَ: «فَدَعَاهُمْ إِلَى النُّصْفِ، وَقَطَعَ عَنْهُمُ الْحُجَّةَ؛ يَعْنِي وَفْدَ نَجْرَانَ»
٥ / ٤٧٥
حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: ثُمَّ دَعَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَعْنِي الْوَفْدَ مِنْ نَصَارَى نَجْرَانَ فَقَالَ: ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ﴾ [آل عمران: ٦٤] ” الْآيَةَ
٥ / ٤٧٥
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ زَيْدٍ، قَالَ: قَالَ: يَعْنِي جَلَّ ثناؤُهُ: «﴿إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ﴾ [آل عمران: ٦٢] فِي عِيسَى عَلَى مَا قَدْ بَيَّنَّاهُ فِيمَا مَضَى قَالَ: ﴿فَأَبَوْا﴾ [الكهف: ٧٧] يَعْنِي الْوَفْدَ مِنْ نَجْرَانَ، فَقَالَ: ادْعُهُمْ إِلَى أَيْسَرَ مِنْ هَذَا، ﴿قُلْ ⦗٤٧٦⦘ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ﴾ [آل عمران: ٦٤] فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ: ﴿أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ [آل عمران: ٦٤] فَأَبَوْا أَنْ يَقْبَلُوا هَذَا وَلَا الْآخَرَ» وَإِنَّمَا قُلْنَا: عَنَى بِقَوْلِهِ: ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ﴾ [آل عمران: ٦٤] أَهْلَ الْكِتَابَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا جَمِيعًا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَلَمْ يُخَصِّصْ جَلَّ ثناؤُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ﴾ [آل عمران: ٦٤] بَعْضًا دُونَ بَعْضٍ، فَلَيْسَ بِأَنْ يَكُونَ مُوَجَّهًا ذَلِكَ إِلَى أَنَّهُ مَقْصُودٌ بِهِ أَهْلُ التَّوْرَاةِ بِأَوْلَى مِنْهُ، بِأَنْ يَكُونَ مُوَجَّهًا إِلَى أَنَّهُ مَقْصُودٌ بِهِ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ، وَلَا أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِأَوْلَى أَنْ يَكُونُوا مَقْصُودِينَ بِهِ دُونَ غَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ التَّوْرَاةِ. وَإِذْ لَمْ يَكُنْ أَحَدُ الْفَرِيقَيْنِ بِذَلِكَ بِأَوْلَى مِنَ الْآخَرِ؛ لِأَنَّهُ لَا دَلَالَةَ عَلَى أَنَّهُ الْمَخْصُوصُ بِذَلِكَ مِنَ الْآخَرِ، وَلَا أَثَرَ صَحِيحٌ فَالْوَاجِبُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ كِتَابِيٍّ مَعْنِيًّا بِهِ، لِأَنَّ إِفْرَادَ الْعِبَادَةِ لِلَّهِ وَحْدَهُ، وَإِخْلَاصَ التَّوْحِيدِ لَهُ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مَأْمُورٍ مَنْهٍيٍّ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ، وَأَهْلُ الْكِتَابِ يَعُمَّ أَهْلَ التَّوْرَاةِ وَأَهْلَ الْإِنْجِيلِ، فَكَانَ مَعْلُومًا بِذَلِكَ أَنَّهُ عُنِيَ بِهِ الْفَرِيقَانِ جَمِيعًا. وَأَمَّا تَأْوِيلُ قَوْلِهِ: ﴿تَعَالَوْا﴾ [آل عمران: ٦٤] فَإِنَّهُ: أَقْبِلُوا وَهَلُمُّوا، وَإِنَّمَا هُوَ «تَفَاعَلَوْا» مِنَ الْعُلُوِّ، فَكَأَنَّ الْقَائِلَ لِصَاحِبِهِ: تَعَالَى إِلَيَّ فَإِنَّهُ تَفَاعَلْ مِنَ الْعُلُوِّ، كَمَا يُقَالُ: تَدَانَ مِنِّي مِنَ الدُّنُوِّ، وَتَقارَبْ مِنِّي مِنَ الْقُرْبِ، وَقَوْلُهُ: ﴿إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ﴾ [آل عمران: ٦٤] فَإِنَّهَا الْكَلِمَةُ الْعَدْلُ، وَ«السَّوَاءُ»: مِنْ نَعْتِ الْكَلِمَةِ. وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي وَجْهِ إِتْبَاعِ سَوَاءٍ فِي الْإِعْرَابِ لَكَلِمَةٍ، ⦗٤٧٧⦘ وَهُوَ اسْمٌ لَا صِفَةٌ، فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ: جَرَّ «سَوَاءٍ» لِأَنَّهَا مِنْ صِفَةِ الْكَلِمَةِ: وَهِيَ الْعَدْلُ، وَأَرَادَ مُسْتَوِيَةً، قَالَ: وَلَوْ أَرَادَ اسْتِوَاءً كَانَ النَّصَبُ، وَإِنْ شَاءَ أَنْ يَجْعَلَهَا عَلَى الِاسْتِوَاءِ وَيَجُرَّ جَازَ، وَيَجْعَلَهُ مِنْ صِفَةِ الْكَلِمَةِ مِثْلَ الْخَلْقِ؛ لِأَنَّ الْخَلْقَ هُوَ الْمَخْلُوقُ، وَالْخَلْقُ قَدْ يَكُونُ صِفَةً وَاسْمًا، وَيَجْعَلُ الِاسْتِوَاءَ مِثْلَ الْمُسْتَوِي، قَالَ عز وجل: ﴿الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ﴾ [الحج: ٢٥] لِأَنَّ السَّوَاءَ لِلْآخَرِ وَهُوَ اسْمٌ لَيْسَ بِصِفَةٍ، فَيَجْرِي عَلَى الْأَوَّلِ وَذَلِكَ إِذَا أَرَادَ بِهِ الِاسْتِوَاءَ، فَإِنْ أَرَادَ بِهِ مُسْتَوِيًا جَازَ أَنْ يَجْرِيَ عَلَى الْأَوَّلِ، وَالرَّفْعُ فِي ذَا الْمَعْنَى جَيِّدٌ؛ لِأَنَّهَا لَا تُغَيَّرُ عَنْ حَالِهَا، وَلَا تُثَنَّى، وَلَا تُجْمَعُ، وَلَا تُؤَنَّثُ، فَأَشْبَهْتِ الْأَسْمَاءَ الَّتِي هِيَ مِثْلُ عَدْلٍ وَرِضًا وَجُنُبٍ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَقَالَ: ﴿أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتَهُمْ﴾ [الجاثية: ٢١] فَالسِّوَاءُ لْلِمْحَيْا وَالْمَمَاتِ بِهَذَا الْمُبْتَدَأِ، وَإِنْ شِئْتَ أَجْرَيْتَهُ عَلَى الْأَوَّلِ وَجَعَلْتَهُ صِفَةً مُقَدَّمَةً، كَأَنَّهَا مِنْ سَبَبِ الْأَوَّلِ فَجَرَتْ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ إِذَا جَعَلْتَهُ فِي مَعْنَى مُسْتَوٍ، وَالرَّفْعُ وَجْهُ الْكَلَامِ كَمَا فَسَّرْتُ لَكَ. وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ: سَوَاءٌ مَصْدَرٌ وُضِعَ مَوْضِعَ الْفِعْلِ، يَعْنِي مَوْضِعَ مُتَسَاوِيَةٍ وَمُتَسَاو، فَمَرَّةً يَأْتِي عَنِ الْفِعْلِ، وَمَرَّةً عَلَى الْمَصْدَرِ، وَقَدْ يُقَالُ فِي سَوَاءٍ بِمَعْنَى عَدْلٍ: سِوًى وَسُوًى كَمَا قَالَ جَلَّ ثناؤُهُ: ﴿مَكَانًا سِوًى﴾ [طه: ٥٨] و«سِوًى» يُرَادُ بِهِ عَدْلٌ وَنُصْفٌ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ. وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه أَنَّهُ كَانَ ⦗٤٧٨⦘ يَقْرَأُ ذَلِكَ «إِلَى كَلِمَةٍ عَدْلٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ» وَبِمِثْلِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: ﴿إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ﴾ [آل عمران: ٦٤] بِأَنَّ السَّوَاءَ: هُوَ الْعَدْلُ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٥ / ٤٧٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ﴾ [آل عمران: ٦٤] «عَدْلٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ» ﴿أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ﴾ [آل عمران: ٦٤] الْآيَةَ حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا﴾ [آل عمران: ٦٤] بِمِثْلِهِ. وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ
٥ / ٤٧٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، قَالَ: قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: «كَلِمَةُ السَّوَاءِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» ⦗٤٧٩⦘ وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهُ﴾ [آل عمران: ٦٤] فَإِنَّ «أَنْ» فِي مَوْضِعِ خَفْضٍ عَلَى مَعْنَى: تَعَالَوْا إِلَى أَنْ لَا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ، وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْعِبَادَةِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ فِيمَا مَضَى، وَدَلَّلْنَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ مَعَانِيهِ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا﴾ [آل عمران: ٦٤] فَإِنَّ اتِّخَاذَ بَعْضِهِمْ بَعْضًا، هُوَ مَا كَانَ بِطَاعَةِ الْأَتْبَاعِ الرُّؤَسَاءَ فِيمَا أَمَرُوهُمْ بِهِ مِنْ مَعَاصِي اللَّهِ وَتَرْكِهِمْ مَا نَهَوْهُمْ عَنْهُ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ، كَمَا قَالَ جَلَّ ثناؤُهُ: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا﴾ [التوبة: ٣١]
٥ / ٤٧٨
كَمَا: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: ﴿وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ [آل عمران: ٦٤] يَقُولُ: «لَا يُطِعْ بَعْضُنَا بَعْضًا فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ، وَيُقَالُ: إِنَّ تِلْكَ الرُّبُوبِيَّةَ أَنْ يُطِيعَ النَّاسُ سَادَتَهُمْ وَقَادَتَهُمْ فِي غَيْرِ عُبَادَةٍ إِنْ لَمْ يُصَلُّوا لَهُمْ» وَقَالَ آخَرُونَ: اتِّخَاذُ بَعْضِهِمْ بَعْضًا أَرْبَابًا: سُجُودُ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ
٥ / ٤٧٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ ⦗٤٨٠⦘ أَبَانَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ [آل عمران: ٦٤] قَالَ: «سُجُودُ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ» وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: ٦٤] فَإِنَّهُ يَعْنِي: فَإِنْ تَوَلَّى الَّذِينَ تَدْعُونَهُمْ إِلَى الْكَلِمَةِ السَّوَاءِ عَنْهَا وَكَفَرُوا، فَقُولُوا أَنْتُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَهُمُ: اشْهَدُوا عَلَيْنَا بِأَنَّا بِمَا تَوَلَّيْتُمْ عَنْهُ مِنْ تَوْحِيدِ اللَّهِ وَإِخْلَاصِ الْعُبُودِيَّةِ لَهُ، وَأَنَّهُ الْإِلَهُ الَّذِي لَا شَرِيكَ لَهُ مُسْلِمُونَ، يَعْنِي خَاضِعِينَ لِلَّهِ بِهِ مُتَذَلِّلِينَ لَهُ بِالْإِقْرَارِ بِذَلِكَ بِقُلُوبِنَا وَأَلْسِنَتِنَا، وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْإِسْلَامِ فِيمَا مَضَى، وَدَلَّلْنَا عَلَيْهِ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ
٥ / ٤٧٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ [آل عمران: ٦٥] قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ﴾ [آل عمران: ٦٤] يَا أَهْلَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ ﴿لِمَ تُحَاجِّونَ﴾ [آل عمران: ٦٥] لِمَ تُجَادِلُونَ ﴿فِي إِبْرَاهِيمَ﴾ [آل عمران: ٦٥] وَتُخَاصِمُونَ فِيهِ، يَعْنِي فِي إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ الرَّحْمَنِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ. وَكَانَ حِجَاجُهُمْ فِيهِ: ادِّعَاءُ كُلِّ فَرِيقٍ مِنْ أَهْلِ هَذَيْنِ الْكِتَابَيْنِ أَنَّهُ كَانَ مِنْهُمْ، وَأَنَّهُ كَانَ يَدِينُ دِينَ أَهْلِ نِحْلَتِهِ، فَعَابَهُمُ اللَّهُ عز وجل بِادِّعَائِهِمْ ذَلِكَ، وَدَلَّ عَلَى مُنَاقَضَتِهِمْ وَدَعْوَاهُمْ، فَقَالَ: وَكَيْفَ تَدَّعُونَ أَنَّهُ كَانَ عَلَى مِلَّتِكُمْ وُدِينِكُمْ، وَدِينُكُمْ إِمَّا يَهُودِيَّةً أَوْ نَصْرَانِيَّةً، وَالْيَهُودِيُّ مِنْكُمْ يَزْعُمُ أَنَّ دِينَهُ إِقَامَةُ
٥ / ٤٨٠
التَّوْرَاةِ وَالْعَمَلُ بِمَا فِيهَا، وَالنَّصْرَانِيُّ مِنْكُمْ يَزْعُمُ أَنَّ دِينَهُ إِقَامَةُ الْإِنْجِيلِ وَمَا فِيهِ، وَهَذَانِ كِتَابَانِ لَمْ يَنْزِلَا إِلَّا بَعْدَ حِينٍ مِنْ مَهْلِكِ إِبْرَاهِيمَ وَوَفَاتِهِ؟ فَكَيْفَ يَكُونُ مِنْكُمْ؟ فَمَا وَجْهُ اخْتِصَامِكُمْ فِيهِ وَادِّعَائِكُمْ أَنَّهُ مِنْكُمْ، وَالْأَمْرُ فِيهِ عَلَى مَا قَدْ عَلِمْتُمْ؟ وَقِيلَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي اخْتِصَامِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى فِي إِبْرَاهِيمَ، وَادِّعَاءِ كُلِّ فَرِيقٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ كَانَ مِنْهُمْ
٥ / ٤٨١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: ثني مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، وَحَدَّثنا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثني مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مُحَمَّدٍ، مَوْلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: ثني سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ أَوْ عِكْرِمَةُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «اجْتَمَعَتْ نَصَارَى نَجْرَانَ وَأَحْبَارُ يَهُودَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَتَنَازَعُوا عِنْدَهُ، فَقَالَتِ الْأَحْبَارُ: مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ إِلَّا يَهُودِيًّا، وَقَالَتِ النَّصَارَى: مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ إِلَّا نَصْرَانِيًّا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل فِيهِمْ: ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ [آل عمران: ٦٥] قَالَتِ النَّصَارَى: كَانَ نَصْرَانِيًّا، وَقَالَتِ الْيَهُودُ: كَانَ يَهُودِيًّا، فَأَخْبِرْهُمُ اللَّهُ أَنَّ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ مَا أُنْزِلَا إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ، وَبَعْدَهُ كَانَتِ الْيَهُودِيَّةُ وَالنَّصْرَانِيَّةُ»
٥ / ٤٨١
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ﴾ [آل عمران: ٦٥] يَقُولُ: «لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَتَزْعُمُونَ أَنَّهُ كَانَ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا، وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ، فَكَانَتِ الْيَهُودِيَّةُ بَعْدَ التَّوْرَاةِ، وَكَانَتِ النَّصْرَانِيَّةُ بَعْدَ الْإِنْجِيلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي دَعْوَى الْيَهُودِ إِبْرَاهِيمَ أَنَّهُ مِنْهُمْ
٥ / ٤٨٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: «ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ دَعَا يَهُودَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ إِلَى كَلِمَةِ السَّوَاءِ، وَهُمُ الَّذِينَ حَاجُّوا فِي إِبْرَاهِيمَ، وَزَعَمُوا أَنَّهُ مَاتَ يَهُودِيًّا. فَأَكْذَبَهُمُ اللَّهُ عز وجل، وَنَفاهُمْ مِنْهُ، فَقَالَ: ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ﴾ [آل عمران: ٦٥] فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، مِثْلَهُ
٥ / ٤٨٢
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ عز وجل: ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي ⦗٤٨٣⦘ إِبْرَاهِيمَ﴾ [آل عمران: ٦٥] قَالَ: «الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى بَرَّأَهُ اللَّهُ عز وجل مِنْهُمْ حِينَ ادَّعَتْ كُلُّ أُمَّةٍ أَنَّهُ مِنْهُمْ، وَأَلْحَقَ بِهِ الْمُؤْمِنِينَ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْحَنِيفِيَّةِ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ [آل عمران: ٦٥] فَإِنَّهُ يَعْنِي: أَفَلَا تَعْقِلُونَ، تَفْقَهُونَ خَطَأَ قِيلِكُمْ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا، وَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّ الْيَهُودِيَّةَ وَالنَّصْرَانِيَّةَ حَدَثَتْ مِنْ بَعْدِ مَهْلِكِهِ بِحِينٍ؟
٥ / ٤٨٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَا تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثناؤُهُ: ﴿هَا أَنْتُمْ﴾ هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ الَّذِينَ خَاصَمْتُمْ وَجَادَلْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ مِنْ أَمْرِ دِينِكُمُ الَّذِي وَجَدْتُمُوهُ فِي كُتُبِكُمْ، وَأَتَتْكُمْ بِهِ رُسُلُ اللَّهِ مِنْ عِنْدِهِ، وَفِي غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا أُوتِيتُمُوهُ، وَثَبَتَتْ عِنْدَكُمْ صِحَّتُهُ، فَلِمَ تُحَاجُّونَ؟ يَقُولُ: فَلِمَ تُجَادِلُونَ وَتُخَاصِمُونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ؟ يَعْنِي الَّذِي لَا عِلْمَ ⦗٤٨٤⦘ لَكُمْ بِهِ مِنْ أَمْرِ إِبْرَاهِيمَ وَدِينِهِ، وَلَمْ تَجِدُوهُ فِي كُتُبِ اللَّهِ، وَلَا أَتَتْكُمْ بِهِ أَنْبِيَاؤُكُمْ، وَلَا شَاهَدْتُمُوهُ فَتَعْلَمُوهُ
٥ / ٤٨٣
كَمَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ﴾ «أَمَّا الَّذِي لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ: فَمَا حُرِّمَ عَلَيْهِمْ وَمَا أُمِرُوا بِهِ، وَأَمَّا الَّذِي لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ: فَشَأْنُ إِبْرَاهِيمَ»
٥ / ٤٨٤
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ﴾ يَقُولُ: «فِيمَا شَهِدْتُمْ وَرَأَيْتُمْ وَعَايَنْتُمْ» ﴿فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ﴾ [آل عمران: ٦٦] «فِيمَا لَمْ تُشَاهِدُوا وَلَمْ تَرَوْا وَلَمْ تُعَايِنُوا، وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، مِثْلَهُ. وَقَوْلُهُ: ﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: ٢١٦] يَقُولُ: وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا غَابَ عَنْكُمْ فَلَمْ تُشَاهِدُوهُ وَلَمْ تَرَوْهُ وَلَمْ تَأْتِكُمْ بِهِ رُسُلُهُ مِنْ أَمْرِ إِبْرَاهِيمَ وَغَيْرِهِ مِنَ الْأُمُورِ، وَمِمَّا تُجَادِلُونَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَغِيبُ عَنْهُ شَيْءٌ، وَلَا يَعْزُبُ عَنْهُ عِلْمُ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ، وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا مَا عَايَنْتُمْ فَشَاهَدْتُمْ، أَوْ أَدْرَكْتُمْ عِلْمَهُ بِالْإِخْبَارِ وَالسَّمَاعِ
٥ / ٤٨٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [آل عمران: ٦٧] وَهَذَا تَكْذِيبٌ مِنَ اللَّهِ عز وجل دَعْوَى الَّذِينَ جَادَلُوا فِي إِبْرَاهِيمَ وَمِلَّتِهِ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَادَّعَوْا أَنَّهُ كَانَ عَلَى مِلَّتِهِمْ، وَتَبْرِئَةٌ لَهُمْ مِنْهُ، وَأَنَّهُمْ لِدِينِهِ مُخَالِفُونَ، وَقَضَاءٌ مِنْهُ عز وجل لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ وَلَأُمَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ أَنَّهُمْ هُمْ أَهْلُ دِينِهِ، وَعَلَى مِنْهَاجِهِ وَشَرَائِعِهِ دُونَ سَائِرِ أَهْلِ الْمِلَلِ وَالْأَدْيَانِ غَيْرِهِمْ. يَقُولُ اللَّهُ عز وجل ﴿مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [آل عمران: ٦٧] الَّذِينَ يَعْبُدُونَ الْأَصْنَامَ وَالْأَوْثَانَ، أَوْ مَخْلُوقًا دُونَ خَالِقِهِ الَّذِي هُوَ إِلَهُ الْخَلْقِ وَبَارِئُهُمْ ﴿وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا﴾ [آل عمران: ٦٧] يَعْنِي: مُتَّبِعًا أَمْرَ اللَّهِ وَطَاعَتَهُ، مُسْتَقِيمًا عَلَى مَحَجَّةِ الْهُدَى الَّتِي أُمِرَ بِلُزُومِهَا ﴿مُسْلِمًا﴾ [آل عمران: ٦٧] يَعْنِي: خَاشِعًا لِلَّهِ بِقَلْبِهِ، مُتَذَلِّلًا لَهُ بِجَوَارِحِهِ، مُذْعِنًا لِمَا فَرَضَ عَلَيْهِ وَأَلْزَمَهُ مِنْ أَحْكَامِهِ. وَقَدْ بَيَّنَّا اخْتِلَافَ أَهْلِ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى الْحَنِيفِ فِيمَا مَضَى، وَدَلَّلْنَا عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي هُوَ أَوْلَى بِالصِّحَّةِ مِنْ أَقْوَالِهِمْ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ. وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ مِنَ التَّأْوِيلِ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٥ / ٤٨٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ شَاهِينَ الْوَاسِطِيُّ، قَالَ: ثنا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ دَاوُدَ، عَنْ عَامِرٍ، قَالَ: «قَالَتِ الْيَهُودُ: إِبْرَاهِيمُ عَلَى دِينِنَا، وَقَالَتِ النَّصَارَى: هُوَ عَلَى دِينِنَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل»: ﴿مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا﴾ [آل عمران: ٦٧] الْآيَةَ، «فَأَكْذَبَهُمُ اللَّهُ، وَأَدْحَضَ حُجَّتَهُمْ، يَعْنِي الْيَهُودَ الَّذِينَ ادَّعَوْا أَنَّ إِبْرَاهِيمَ مَاتَ يَهُودِيًّا» حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، مِثْلَهُ
٥ / ٤٨٦
حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الزُّهْرِيُّ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، لَا أَرَاهُ إِلَّا يُحَدِّثُهُ عَنْ أَبِيهِ، «أَنَّ زَيْدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ خَرَجَ إِلَى الشَّامِ يَسْأَلُ عَنِ الدِّينِ، وَيَتْبَعُهُ، فَلَقِيَ عَالِمًا مِنَ الْيَهُودِ، فَسَأَلَهُ عَنْ دِينِهِ، وَقَالَ: إِنِّي لَعَلِّي أَنْ أَدِينَ دِينَكُمْ، فَأَخْبِرْنِي عَنْ دِينِكُمْ، فَقَالَ لَهُ الْيَهُودِيُّ: إِنَّكَ لَنْ تَكُونَ عَلَى دِينِنَا حَتَّى تَأْخُذَ بِنَصِيبِكَ مِنْ غَضِبِ اللَّهِ، قَالَ زَيْدٌ: مَا أَفِرُّ إِلَّا مِنْ غَضِبِ اللَّهِ، وَلَا أَحْمِلُ مِنْ غَضِبِ اللَّهِ شَيْئًا أَبَدًا، وَأَنَا لَا أَسْتَطِيعُ، فَهَلْ تَدُلُّنِي عَلَى دِينٍ لَيْسَ فِيهِ هَذَا؟ قَالَ: مَا أَعْلَمُهُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ حَنِيفًا، قَالَ: وَمَا الْحَنِيفُ؟ قَالَ: دِينُ إِبْرَاهِيمَ، لَمْ يَكُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا، وَكَانَ لَا يَعْبُدُ إِلَّا اللَّهَ، فَخَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ، فَلَقِيَ عَالِمًا مِنَ النَّصَارَى، فَسَأَلَهُ عَنْ دِينِهِ، ⦗٤٨٧⦘ فَقَالَ: إِنِّي لَعَلِّي أَنْ أَدِينَ دِينَكُمْ، فَأَخْبِرْنِي عَنْ دِينِكُمْ، قَالَ: إِنَّكَ لَنْ تَكُونَ عَلَى دِينِنَا حَتَّى تَأْخُذَ بِنَصِيبِكَ مِنْ لَعْنَةِ اللَّهِ، قَالَ: لَا أحْتَمِلُ مِنْ لَعْنَةِ اللَّهِ شَيْئًا، وَلَا مِنْ غَضِبِ اللَّهِ شَيْئًا أَبَدًا، وَأَنَا لَا أَسْتَطِيعُ، فَهَلْ تَدُلُّنِي عَلَى دِينٍ لَيْسَ فِيهِ هَذَا؟ فَقَالَ لَهُ نَحْوًا مِمَّا قَالَهُ الْيَهُودِيُّ: لَا أَعْلَمُهُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ حَنِيفًا، فَخَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ، وَقَدْ رَضِيَ الَّذِي أَخْبَرَاهُ وَالَّذِي اتَّفَقَا عَلَيْهِ مِنْ شَأْنِ إِبْرَاهِيمَ، فَلَمْ يَزَلْ رَافِعًا يَدَيْهِ إِلَى اللَّهِ وَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أُشْهِدُكَ أَنِّي عَلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ»
٥ / ٤٨٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران: ٦٨] يَعْنِي جَلَّ ثناؤُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ﴾ [آل عمران: ٦٨] إِنَّ أَحَقَّ النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ وَنُصْرَتِهِ وَوِلَايَتِهِ ﴿لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ﴾ [آل عمران: ٦٨] يَعْنِي الَّذِينَ سَلَكُوا طَرِيقَهُ وَمِنْهَاجَهُ، فَوَحَّدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَسَنُّوا سُنَنَهُ وَشَرَّعُوا شَرَائِعَهُ وَكَانُوا لِلَّهِ حُنَفَاءَ
٥ / ٤٨٧
مُسْلِمَيْنِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ ﴿وَهَذَا النَّبِيُّ﴾ [آل عمران: ٦٨] يَعْنِي مُحَمَّدًا ﷺ. ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا﴾ [البقرة: ٩] يَعْنِي وَالَّذِينَ صَدَّقُوا مُحَمَّدًا، وَبِمَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ﴿وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران: ٦٨] يَقُولُ: وَاللَّهُ نَاصِرُ الْمُؤْمِنِينَ بِمُحَمَّدٍ الْمُصَدِّقِينَ لَهُ فِي نُبُوَّتِهِ، وَفِيمَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِهِ عَلَى مَنْ خَالَفَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْمِلَلِ وَالْأَدْيَانِ. وَبِمِثْلِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٥ / ٤٨٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ﴾ [آل عمران: ٦٨] يَقُولُ: «الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ عَلَى مِلَّتِهِ وَسُنَّتِهِ وَمِنْهَاجِهِ وَفِطْرَتِهِ»، ﴿وَهَذَا النَّبِيُّ﴾ [آل عمران: ٦٨] «وَهُوَ نَبِيُّ اللَّهِ مُحَمَّدٌ» ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا﴾ [آل عمران: ٦٨] مَعَهُ «وَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ صَدَّقُوا نَبِيَّ اللَّهِ وَاتَّبِعُوهُ، كَانَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَالَّذِينَ مَعَهُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، مِثْلَهُ
٥ / ٤٨٨
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، وَجَابِرُ بْنُ الْكُرْدِيِّ، وَالْحَسَنُ بْنُ أَبِي يَحْيَى الْمَقْدِسِيُّ، قَالُوا: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ وُلَاةً مِنَ النَّبِيِّينَ، وَإِنَّ ⦗٤٨٩⦘ وَلِيِّيَ مِنْهُمْ أَبِي وَخَلِيلُ رَبِّي»، ثُمَّ قَرَأَ: ﴿إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران: ٦٨] حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، أَرَاهُ قَالَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ
٥ / ٤٨٨
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: يَقُولُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ: ﴿إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ﴾ [آل عمران: ٦٨] «وَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ»
٥ / ٤٨٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ﴾ [آل عمران: ٦٩] يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثناؤُهُ: ﴿وَدَّتْ﴾ [آل عمران: ٦٩]: تَمَنَّتْ ﴿طَائِفَةٌ﴾ [آل عمران: ٦٩] يَعْنِي جَمَاعَةً ﴿مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ﴾ [البقرة: ١٠٥] وَهُمْ أَهْلُ التَّوْرَاةِ مِنَ الْيَهُودِ، وَأَهْلُ الْإِنْجِيلِ مِنَ النَّصَارَى ﴿لَوْ يُضِلُّونَكُمْ﴾ [آل عمران: ٦٩] يَقُولُ: لَوْ يَصُدُّونَكُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ عَنِ الْإِسْلَامِ، وَيَرُدُّونَكُمْ عَنْهُ إِلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْكُفْرِ، فَيُهْلِكُونَكُمْ بِذَلِكَ، وَالْإِضْلَالُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: الْإِهْلَاكُ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ عز وجل: ﴿وَقَالُوا أَئِذَا
٥ / ٤٨٩
ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ [السجدة: ١٠] يَعْنِي: إِذَا هَلَكْنَا. وَمِنْهُ قَوْلُ الْأَخْطَلِ فِي هِجَاءِ جَرِيرٍ:
[البحر الكامل] كُنْتَ الْقَذَى فِي مَوْجٍ أَكْدَرَ مُزْبِدٍ … قَذَفَ الْأَتِيُّ بِهِ فَضَلَّ ضَلَالَا
يَعْنِي: هَلَكَ هَلَاكًا، وَقَوْلُ نَابِغَةِ بَنِي ذُبْيَانَ:
[البحر الطويل] فَآبَ مُضِلُّوهُ بِعَيْنٍ جَلِيَّةٍ … وَغُودِرَ بِالْجَوْلَانِ حَزْمٌ وَنَائِلُ
يَعْنِي مُهْلِكُوهُ. ﴿وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ﴾ [آل عمران: ٦٩]: وَمَا يُهْلِكُونَ بِمَا يَفْعَلُونَهُ مِنْ مُحَاوَلَتِهِمْ صَدَّكُمْ عَنْ دِينِكُمْ أَحَدًا غَيْرَ أَنْفُسِهِمْ، يَعْنِي بِأَنْفُسِهِمْ: أَتْبَاعَهُمْ وَأَشْيَاعَهُمْ عَلَى مِلَّتِهِمْ وَأَدْيَانِهِمْ، وَإِنَّمَا أَهْلَكُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَتْبَاعَهُمْ بِمَا حَاوَلُوا مِنْ ذَلِكَ لِاسْتِيجَابِهِمْ مِنَ اللَّهِ بِفِعْلِهِمْ ذَلِكَ سَخَطَهَ، وَاسْتِحْقَاقِهِمْ بِهِ غَضَبَهُ وَلَعْنَتَهُ، لِكُفْرِهِمْ بِاللَّهِ، وَنَقْضِهِمُ الْمِيثَاقَ الَّذِي أَخَذَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ فِي كِتَابِهِمْ فِي اتِّبَاعِ مُحَمَّدٍ ﷺ وَتَصْدِيقِهِ، وَالْإِقْرَارِ بِنُبُوَّتِهِ، ثُمَّ أَخْبَرَ جَلَّ ثناؤُهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ يَفْعَلُونَ مَا يَفْعَلُونَ، مِنْ مُحَاوَلَةِ صَدِّ الْمُؤْمِنِينَ عَنِ الْهُدَى إِلَى الضَّلَالَةِ وَالرَّدَى عَلَى جَهْلٍ مِنْهُمْ بِمَا اللَّهُ بِهِمْ مُحِلٌّ مِنْ عُقُوبَتِهِ، وَمُدَّخِرٌ لَهُمْ مِنْ أَلِيمِ عَذَابِهِ، فَقَالَ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَمَا يَشْعُرُونَ﴾ [البقرة: ٩] أَنَّهُمْ لَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ بِمُحَاوَلَتِهِمْ إِضْلَالَكُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ؛
[البحر الكامل] كُنْتَ الْقَذَى فِي مَوْجٍ أَكْدَرَ مُزْبِدٍ … قَذَفَ الْأَتِيُّ بِهِ فَضَلَّ ضَلَالَا
يَعْنِي: هَلَكَ هَلَاكًا، وَقَوْلُ نَابِغَةِ بَنِي ذُبْيَانَ:
[البحر الطويل] فَآبَ مُضِلُّوهُ بِعَيْنٍ جَلِيَّةٍ … وَغُودِرَ بِالْجَوْلَانِ حَزْمٌ وَنَائِلُ
يَعْنِي مُهْلِكُوهُ. ﴿وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ﴾ [آل عمران: ٦٩]: وَمَا يُهْلِكُونَ بِمَا يَفْعَلُونَهُ مِنْ مُحَاوَلَتِهِمْ صَدَّكُمْ عَنْ دِينِكُمْ أَحَدًا غَيْرَ أَنْفُسِهِمْ، يَعْنِي بِأَنْفُسِهِمْ: أَتْبَاعَهُمْ وَأَشْيَاعَهُمْ عَلَى مِلَّتِهِمْ وَأَدْيَانِهِمْ، وَإِنَّمَا أَهْلَكُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَتْبَاعَهُمْ بِمَا حَاوَلُوا مِنْ ذَلِكَ لِاسْتِيجَابِهِمْ مِنَ اللَّهِ بِفِعْلِهِمْ ذَلِكَ سَخَطَهَ، وَاسْتِحْقَاقِهِمْ بِهِ غَضَبَهُ وَلَعْنَتَهُ، لِكُفْرِهِمْ بِاللَّهِ، وَنَقْضِهِمُ الْمِيثَاقَ الَّذِي أَخَذَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ فِي كِتَابِهِمْ فِي اتِّبَاعِ مُحَمَّدٍ ﷺ وَتَصْدِيقِهِ، وَالْإِقْرَارِ بِنُبُوَّتِهِ، ثُمَّ أَخْبَرَ جَلَّ ثناؤُهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ يَفْعَلُونَ مَا يَفْعَلُونَ، مِنْ مُحَاوَلَةِ صَدِّ الْمُؤْمِنِينَ عَنِ الْهُدَى إِلَى الضَّلَالَةِ وَالرَّدَى عَلَى جَهْلٍ مِنْهُمْ بِمَا اللَّهُ بِهِمْ مُحِلٌّ مِنْ عُقُوبَتِهِ، وَمُدَّخِرٌ لَهُمْ مِنْ أَلِيمِ عَذَابِهِ، فَقَالَ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَمَا يَشْعُرُونَ﴾ [البقرة: ٩] أَنَّهُمْ لَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ بِمُحَاوَلَتِهِمْ إِضْلَالَكُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ؛
٥ / ٤٩٠
وَمَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿وَمَا يَشْعُرُونَ﴾ [البقرة: ٩]: وَمَا يَدْرُونَ وَلَا يَعْلَمُونَ، وَقَدْ بَيَّنَّا تَأْوِيلَ ذَلِكَ بِشَوَاهِدِهِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ فَأَغْنَىَ ذَلِكَ عَنْ إِعَادَتِهِ
٥ / ٤٩١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ﴾ [آل عمران: ٧٠] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثناؤُهُ: ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ﴾ [آل عمران: ٦٤] مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، ﴿لِمَ تَكْفُرُونَ﴾ [آل عمران: ٧٠] يَقُولُ: لِمَ تَجْحَدُونَ ﴿بِآيَاتِ اللَّهِ﴾ [البقرة: ٦١] يَعْنِي: بِمَا فِي كِتَابِ اللَّهِ، الَّذِي أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ، عَلَى أَلْسُنِ أَنْبِيَائِكُمْ مِنْ آيِهِ وَأَدِلَّتِهِ، ﴿وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ﴾ [البقرة: ٨٤] أَنَّهُ حَقٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّكُمْ، وَإِنَّمَا هَذَا مِنَ اللَّهِ عز وجل تَوْبِيخٌ لِأَهْلِ الْكِتَابَيْنِ عَلَى كُفْرِهِمْ بِمُحَمَّدٍ ﷺ، وَجُحُودِهِمْ نُبُوَّتَهُ، وَهُمْ يَجِدُونَهُ فِي كُتُبِهِمْ مَعَ شَهَادَتِهِمْ أَنَّ مَا فِي كُتُبِهِمْ حَقٌّ، وَأَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ
٥ / ٤٩١
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ﴾ [آل عمران: ٧٠] يَقُولُ: «تَشْهَدُونَ أَنَّ نَعْتَ مُحَمَّدٍ نَبِيِّ اللَّهِ ﷺ فِي كِتَابِكُمْ، ثُمَّ تَكْفُرُونَ بِهِ وَتُنْكِرُونَهُ، وَلَا تُؤْمِنُونَ بِهِ وَأَنْتُمْ تَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَكُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ النَّبِيُّ الْأُمِّيُّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ»
٥ / ٤٩١
حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ: ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ﴾ [آل عمران: ٧٠] يَقُولُ: «تَشْهَدُونَ أَنَّ نَعْتَ مُحَمَّدٍ فِي كِتَابِكُمْ، ثُمَّ تَكْفُرُونَ بِهِ وَلَا تُؤْمِنُونَ بِهِ، وَأَنْتُمْ تَجِدُونَهُ عِنْدَكُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ»
٥ / ٤٩٢
حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ﴾ [آل عمران: ٧٠] «آيَاتُ اللَّهِ: مُحَمَّدٌ، وَأَمَّا تَشْهَدُونَ: فَيَشْهَدُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ»
٥ / ٤٩٢
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ، ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَوْلُهُ: ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ﴾ [آل عمران: ٧٠] «أَنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ، لَيْسَ لِلَّهِ دِينٌ غَيْرُهُ»
٥ / ٤٩٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [آل عمران: ٧١] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثناؤُهُ: يَا أَهْلَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ لِمَ تَلْبِسُونَ؟ يَقُولُ: لِمَ تَخْلِطُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ؟ وَكَانَ خَلْطُهُمُ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ: إِظْهَارُهُمْ بِأَلْسِنَتِهِمْ مِنَ ⦗٤٩٣⦘ التَّصْدِيقِ بِمُحَمَّدٍ ﷺ، وَمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ غَيْرَ الَّذِي فِي قُلُوبِهِمْ مِنَ الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ
٥ / ٤٩٢
كَمَا: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي مُحَمَّدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ أَوْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الصَّيْفِ، وَعَدِيُّ بْنُ زَيْدٍ، وَالْحَارِثُ بْنُ عَوْفٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: تَعَالَوْا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ غُدْوَةً، وَنَكْفُرُ بِهِ عَشِيَّةً، حَتَّى نُلْبِسَ عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ، لَعَلَّهُمْ يَصْنَعُونَ كَمَا نَصْنَعُ، فَيَرْجِعُوا عَنْ دِينِهِمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل فِيهِمْ: ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ﴾ [آل عمران: ٧١] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: ٢٤٧]»
٥ / ٤٩٣
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ﴾ [آل عمران: ٧١] يَقُولُ: «لَمْ تَلْبِسُونَ الْيَهُودِيَّةَ وَالنَّصْرَانِيَّةَ بِالْإِسْلَامِ، وَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّ دِينَ اللَّهِ الَّذِي لَا يَقْبَلُ غَيْرَهُ الْإِسْلَامُ وَلَا يَجْزِي إِلَّا بِهِ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، بِمِثْلِهِ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: «الَّذِي لَا يَقْبَلُ مِنْ أَحَدٍ غَيْرَهُ الْإِسْلَامُ، وَلَمْ يَقُلْ: وَلَا يَجْزِي إِلَّا بِهِ»
٥ / ٤٩٣
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَوْلُهُ ⦗٤٩٤⦘: ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ﴾ [آل عمران: ٧١]: «الْإِسْلَامَ بِالْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ» وَقَالَ آخَرُونَ فِي ذَلِكَ
٥ / ٤٩٣
بِمَا: حَدَّثَنِي بِهِ يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ عز وجل: ﴿لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ﴾ [آل عمران: ٧١] قَالَ: «الْحَقُّ: التَّوْرَاةُ الَّتِي أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى مُوسَى، وَالْبَاطِلُ: الَّذِي كَتَبُوهُ بِأَيْدِيهِمْ» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى اللَّبْسِ فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ
٥ / ٤٩٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [آل عمران: ٧١] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثناؤُهُ: وَلِمَ تَكْتُمُونَ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ الْحَقَّ؟ وَالْحَقُّ الَّذِي كَتَمُوهُ مَا فِي كُتُبِهِمْ مِنْ نَعْتِ مُحَمَّدٍ ﷺ وَمَبْعَثِهِ وَنُبُوَّتِهِ
٥ / ٤٩٤
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [آل عمران: ٧١]: «كَتَمُوا شَأْنَ مُحَمَّدٍ، وَهُمْ يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، يَأْمُرَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ، وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ»
٥ / ٤٩٤
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، قَوْلُهُ: ﴿وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [آل عمران: ٧١] يَقُولُ: «يَكْتُمُونَ شَأْنَ مُحَمَّدٍ ﷺ، وَهُمْ يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ، وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ»
٥ / ٤٩٤
حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: ﴿تَكْتُمُونَ الْحَقَّ﴾ [آل عمران: ٧١]: «الْإِسْلَامَ، وَأَمْرَ مُحَمَّدٍ ﷺ، وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَأَنَّ الدِّينَ الْإِسْلَامُ» وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: ٢٢] فَإِنَّهُ يَعْنِي بِهِ: وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ الَّذِيَ تَكْتُمُونَهُ مِنَ الْحَقِّ حَقٌّ، وَأَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَهَذَا الْقَوْلُ مِنَ اللَّهِ عز وجل خَبَرٌ عَنْ تَعَمُّدِ أَهْلِ الْكِتَابِ الْكُفْرَ بِهِ، وَكِتْمَانَهُمْ مَا قَدْ عَلِمُوا مِنْ نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ، وَوَجَدُوهُ فِي كُتُبِهِمْ وَجَاءَتْهُمْ بِهِ أَنْبِيَاؤُهُمْ
٥ / ٤٩٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ [آل عمران: ٧٢] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي صِفَةِ الْمَعْنَى الَّذِي أَمَرَتْ بِهِ هَذِهِ الطَّائِفَةُ مِنْ أَمَرَتْ بِهِ مِنَ الْإِيمَانِ وَجْهَ النَّهَارِ، وَالْكُفْرِ آخِرَهُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَ ذَلِكَ أَمْرًا مِنْهُمْ إِيَّاهُمْ بِتَصْدِيقِ النَّبِيِّ ﷺ فِي نُبُوَّتِهِ، وَمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَأَنَّهُ حَقٌّ فِي الظَّاهِرِ مِنْ غَيْرِ تَصْدِيقِهِ فِي ذَلِكَ بِالْعَزْمِ وَاعْتِقَادِ الْقُلُوبِ عَلَى ذَلِكَ، وَبِالْكُفْرِ بِهِ وَجُحُودِ ذَلِكَ كُلِّهِ فِي آخِرِهِ
٥ / ٤٩٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ﴾ [آل عمران: ٧٢] «فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: أَعْطَوْهُمُ الرِّضَا بِدِينِهِمْ أَوَّلَ النَّهَارِ، وَاكْفُرُوا آخِرَهُ، فَإِنَّهُ أَجْدَرُ ⦗٤٩٦⦘ أَنْ يُصَدِّقُوكُمْ وَيَعْلَمُوا أَنَّكُمْ قَدْ رَأَيْتُمْ فِيهِمْ مَا تَكْرَهُونَ، وَهُوَ أَجْدَرُ أَنْ يَرْجِعُوا عَنْ دِينِهِمْ»
٥ / ٤٩٥
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ، قَالَ: ثنا خَالِدٌ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ﴾ [آل عمران: ٧٢] قَالَ: «قَالَتِ الْيَهُودُ: آمِنُوا مَعَهُمْ أَوَّلَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ، لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ مَعَكُمْ»
٥ / ٤٩٦
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ [آل عمران: ٧٢] «كَانَ أَحْبَارٌ قُرًى عَرَبِيَّةٍ اثْنَي عَشَرَ حَبْرًا، فَقَالُوا لِبَعْضِهِمُ: ادْخُلُوا فِي دِينِ مُحَمَّدٍ أَوَّلَ النَّهَارِ، وَقُولُوا نَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا حَقٌّ صَادِقٌ، فَإِذَا كَانَ آخِرُ النَّهَارِ فَاكْفُرُوا وَقُولُوا: إِنَّا رَجَعْنَا إِلَى عُلَمَائِنَا وَأَحْبَارِنَا فَسَأَلْنَاهُمْ، فَحَدَّثُونَا أَنَّ مُحَمَّدًا كَاذِبٌ، وَأَنَّكُمْ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ، وَقَدْ رَجَعْنَا إِلَى دِينِنَا فَهُوَ أَعْجَبُ إِلَيْنَا مِنْ دِينِكُمْ، لَعَلَّهُمْ يَشُكُّونَ، يَقُولُونَ: هَؤُلَاءِ كَانُوا مَعَنَا أَوَّلَ النَّهَارِ، فَمَا بَالُهُمْ؟ فَأَخْبَرَ اللَّهُ عز وجل رَسُولَهُ ﷺ بِذَلِكَ»
٥ / ٤٩٦
حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْغِفَارِيِّ، قَالَ: «قَالَتِ الْيَهُودُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: أَسْلِمُوا أَوَّلَ النَّهَارِ، وَارْتَدُّوا آخِرَهُ، ⦗٤٩٧⦘ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ، فَاطَّلَعَ اللَّهُ عَلَى سِرِّهِمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل: ﴿وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ [آل عمران: ٧٢]» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلِ الَّذِي أَمَرَتْ بِهِ مِنَ الْإِيمَانِ الصَّلَاةُ، وَحُضُورُهَا مَعَهُمْ أَوَّلَ النَّهَارِ، وَتَرْكُ ذَلِكَ آخِرَهُ
٥ / ٤٩٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ عز وجل ﴿آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ﴾ [آل عمران: ٧٢] «يَهُودُ تَقُولُهُ صَلَّتْ مَعَ مُحَمَّدٍ صَلَاةَ الصُّبْحِ، وَكَفَرُوا آخِرَ النَّهَارِ مَكْرًا مِنْهُمْ؛ لِيُرُوا النَّاسَ أَنْ قَدْ بَدَتْ لَهُمْ مِنْهُ الضَّلَالَةُ بَعْدَ أَنْ كَانُوا اتَّبَعُوهُ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، بِمِثْلِهِ
٥ / ٤٩٧
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ﴾ [آل عمران: ٧٢] الْآيَةَ. «وَذَلِكَ أَنَّ طَائِفَةً مِنَ الْيَهُودِ قَالُوا: إِذَا لَقِيتُمْ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ ﷺ أَوَّلَ النَّهَارِ فَآمِنُوا، وَإِذَا كَانَ آخِرُهُ فَصَلُّوا صَلَاتَكُمْ لَعَلَّهُمْ يَقُولُونَ: هَؤُلَاءِ أَهْلُ الْكِتَابِ، وَهُمْ أَعْلَمُ مِنَّا، لَعَلَّهُمْ يَنْقَلِبُونَ عَنْ دِينِهِمْ، وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ» ⦗٤٩٨⦘ فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ إِذًا: وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، يَعْنِي مِنَ الْيَهُودِ الَّذِي يَقْرَءُونَ التَّوْرَاةَ: ﴿آمِنُوا﴾ [آل عمران: ٧٢] صَدِّقُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا، وَذَلِكَ مَا جَاءَهُمْ بِهِ مُحَمَّدٌ ﷺ مِنَ الدِّينِ الْحَقِّ وَشَرَائِعَهُ وَسُنَنِهِ ﴿وَجْهَ النَّهَارِ﴾ [آل عمران: ٧٢] يَعْنِي أَوَّلَ النَّهَارِ، وَسُمِّيَ أَوَّلُهُ وَجْهًا لَهُ؛ لِأَنَّهُ أَحْسَنُهُ، وَأَوَّلُ مَا يُوَاجِهُ النَّاظِرَ فَيَرَاهُ مِنْهُ، كَمَا يُقَالُ لَأَوَّلِ الثَّوْبِ وَجْهُهُ، وَكَمَا قَالَ رَبِيعُ بْنُ زِيَادٍ:
[البحر الكامل] مَنْ كَانَ مَسْرُورًا بِمَقْتَلٍ مَالِكٍ … فَلْيَأْتِ نِسْوَتَنَا بِوَجْهِ نَهَارِ
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ
[البحر الكامل] مَنْ كَانَ مَسْرُورًا بِمَقْتَلٍ مَالِكٍ … فَلْيَأْتِ نِسْوَتَنَا بِوَجْهِ نَهَارِ
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ
٥ / ٤٩٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَجْهَ النَّهَارِ﴾ [آل عمران: ٧٢]: «أَوَّلَ النَّهَارِ»
٥ / ٤٩٨
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ: ﴿وَجْهَ النَّهَارِ﴾ [آل عمران: ٧٢]: «أَوَّلَ النَّهَارِ» ﴿وَاكْفُرُوا آخِرَهُ﴾ [آل عمران: ٧٢] يَقُولُ: «آخِرَ النَّهَارِ»
٥ / ٤٩٨
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ ⦗٤٩٩⦘ مُجَاهِدٍ: ﴿آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ﴾ [آل عمران: ٧٢] قَالَ: «قَالَ صَلُّوا مَعَهُمُ الصُّبْحَ، وَلَا تُصَلُّوا مَعَهُمْ آخِرَ النَّهَارِ، لَعَلَّكُمْ تَسْتَزِلُّونُهِمْ بِذَلِكَ» وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَاكْفُرُوا آخِرَهُ﴾ [آل عمران: ٧٢] فَإِنَّهُ يَعْنِي بِهِ أَنَّهُمْ قَالُوا: وَاجْحَدُوا مَا صَدَّقْتُمْ بِهِ مِنْ دِينِهِمْ فِي وَجْهِ النَّهَارِ فِي آخِرِ النَّهَارِ. ﴿لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ [آل عمران: ٧٢]: يَعْنِي بِذَلِكَ: لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ عَنْ دِينِهِمْ مَعَكُمْ وَيَدَعُونَهُ
٥ / ٤٩٨
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ [آل عمران: ٧٢] يَقُولُ: «لَعَلَّهُمْ يَدَعُونَ دِينَهُمْ، وَيَرْجِعُونَ إِلَى الَّذِي أَنْتُمْ عَلَيْهِ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، مِثْلَهُ
٥ / ٤٩٩
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ [آل عمران: ٧٢]: «لَعَلَّهُمْ يَنْقَلِبُونَ عَنْ دِينَهِمْ»
٥ / ٤٩٩
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ [آل عمران: ٧٢] «لَعَلَّهُمْ يَشُكُّونَ»
٥ / ٤٩٩
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ ⦗٥٠٠⦘ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ [آل عمران: ٧٢] قَالَ: «يَرْجِعُونَ عَنْ دِينِهِمْ»
٥ / ٤٩٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ [آل عمران: ٧٣] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثناؤُهُ: وَلَا تُصَدِّقُوا إِلَّا مَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ فَكَانَ يَهُودِيًّا، وَهَذَا خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ عَنْ قَوْلِ الطَّائِفَةِ الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ مِنَ الْيَهُودِ: ﴿آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ﴾ [آل عمران: ٧٢] وَاللَّامُ الَّتِي فِي قَوْلِهِ: ﴿لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ﴾ [آل عمران: ٧٣] نَظِيرُهُ اللَّامُ الَّتِي فِي قَوْلِهِ: ﴿عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ﴾ [النمل: ٧٢] بِمَعْنَى: رَدَفَكُمْ ﴿بَعْضَ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ﴾ [النمل: ٧٢] وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٥ / ٥٠٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ﴾ [آل عمران: ٧٣] «هَذَا قَوْلُ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، مِثْلَهُ
٥ / ٥٠٠
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ﴾ [آل عمران: ٧٣] قَالَ: «لَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ الْيَهُودِيَّةَ»