ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي مُحَمَّدٍ، مَوْلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، أَوْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ﴾ [آل عمران: ١٨٧] إِلَى قَوْلِهِ ﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [آل عمران: ١٨٨] يَعْنِي: «فِنْحَاصًا وَأَشْيَعَ وَأَشْبَاهَهُمَا مِنَ الْأَحْبَارِ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا يُصِيبُونَ مِنَ الدُّنْيَا عَلَى مَا زَيَّنُوا لِلنَّاسِ مِنَ الضَّلَالَةِ» ﴿وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا﴾ [آل عمران: ١٨٨] «أَنْ يَقُولَ لَهُمُ النَّاسُ عُلَمَاءُ وَلَيْسُوا بِأَهْلِ عِلْمٍ، لَمْ يَحْمِلُوهُمْ عَلَى هُدًى وَلَا خَيْرٍ، وَيُحِبُّونَ أَنْ يَقُولَ لَهُمُ النَّاسُ: قَدْ فَعَلُوا» حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثني مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مُحَمَّدٍ مَوْلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّهُ حَدَّثَهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِنَحْوِ ذَلِكَ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: وَلَيْسُوا بِأَهْلِ عِلْمٍ، لَمْ يَحْمِلُوهُمْ عَلَى هُدًى. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عُنِيَ بِذَلِكَ قَوْمٌ مِنَ الْيَهُودِ فَرِحُوا بِاجْتِمَاعِ كَلِمَتِهِمْ عَلَى تَكْذِيبِ مُحَمَّدٍ ﷺ، وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِأَنْ يُقَالَ لَهُمْ أَهْلُ صَلَاةٍ وَصِيَامٍ
٦ / ٣٠١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ بْنَ مُزَاحِمٍ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا﴾ [آل عمران: ١٨٨] «فَإِنَّهُمْ فَرِحُوا بِاجْتِمَاعِهِمْ عَلَى كُفْرِهِمْ بِمُحَمَّدٍ ﷺ، وَقَالُوا: قَدْ جَمَعَ اللَّهُ كَلِمَتَنَا، وَلَمْ يُخَالِفْ أَحَدٌ مِنَّا أَحَدًا أَنَّهُ نَبِيُّ، وَقَالُوا: نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ، وَنَحْنُ أَهْلُ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ، وَكَذَبُوا، بَلْ هُمْ أَهْلُ كُفْرٍ وَشِرْكٍ وَافْتِرَاءٍ عَلَى اللَّهِ» قَالَ اللَّهُ: ﴿يُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا﴾ [آل عمران: ١٨٨]
٦ / ٣٠٢
حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا جُوَيْبِرٌ، عَنِ الضَّحَّاكِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا﴾ [آل عمران: ١٨٨] قَالَ: «كَانَتِ الْيَهُودُ أَمَرَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، فَكَتَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ أَنَّ مُحَمَّدًا لَيْسَ بِنَبِيٍّ، فَأَجْمِعُوا كَلِمَتَكُمْ، وَتَمَسَّكُوا بِدِينِكُمْ وَكِتَابِكُمُ الَّذِي مَعَكُمْ، فَفَعَلُوا وَفَرِحُوا بِذَلِكَ، وَفَرِحُوا بِاجْتِمَاعِهِمْ عَلَى الْكُفْرِ بِمُحَمَّدٍ ﷺ»
٦ / ٣٠٢
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: «كَتَمُوا اسْمَ مُحَمَّدٍ ﷺ، فَفَرِحُوا بِذَلِكَ، وَفَرِحُوا بِاجْتِمَاعِهِمْ عَلَى الْكُفْرِ بِمُحَمَّدٍ ﷺ»
٦ / ٣٠٢
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: «كَتَمُوا اسْمَ مُحَمَّدٍ ﷺ، وَفَرِحُوا بِذَلِكَ حِينَ اجْتَمَعُوا عَلَيْهِ، وَكَانُوا يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ، فَيَقُولُونَ: نَحْنُ أَهْلُ الصِّيَامِ وَأَهْلُ الصَّلَاةِ وَأَهْلُ الزَّكَاةِ، وَنَحْنُ عَلَى دِينِ ⦗٣٠٣⦘ إِبْرَاهِيمَ ﷺ» فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمْ: ﴿لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا﴾ [آل عمران: ١٨٨] مِنْ كِتْمَانِ مُحَمَّدٍ ﷺ “: ﴿وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا﴾ [آل عمران: ١٨٨] «أَحَبُّوا أَنْ تَحْمَدَهُمُ الْعَرَبُ بِمَا يُزَكُّونَ بِهِ أَنْفُسَهُمْ، وَلَيْسُوا كَذَلِكَ»
٦ / ٣٠٢
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنْ أَبِي الْجَحَّافِ، عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ، قَالَ: سَأَلَ الْحَجَّاجُ جُلَسَاءَهُ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا﴾ [آل عمران: ١٨٨] قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: «بِكِتْمَانِهِمْ مُحَمَّدًا» ﴿وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا﴾ [آل عمران: ١٨٨] قَالَ: «هُوَ قَوْلُهُمْ: نَحْنُ عَلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام»
٦ / ٣٠٣
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا﴾ [آل عمران: ١٨٨] «هُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ أُنْزِلَ عَلَيْهِمُ الْكِتَابُ، فَحَكَمُوا بِغَيْرِ الْحَقِّ، وَحَرَّفُوا الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ، وَفَرِحُوا بِذَلِكَ، وَأَحَبُّوا أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا، فَرِحُوا بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِمُحَمَّدٍ ﷺ، وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ، وَهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ يَعْبُدُونَ اللَّهَ، وَيَصُومُونَ، وَيُصَلُّونَ، وَيُطِيعُونَ اللَّهَ؛ فَقَالَ اللَّهُ جَلَّ ثناؤُهُ لِمُحَمَّدٍ ﷺ»: ﴿لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا﴾ [آل عمران: ١٨٨] «كَفَرُوا بِاللَّهِ وَكَفَرُوا بِمُحَمَّدٍ ﷺ» ﴿وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا﴾ [آل عمران: ١٨٨] «مِنَ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ، فَقَالَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ لِمُحَمَّدٍ ﷺ»: ﴿فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [آل عمران: ١٨٨] ” ⦗٣٠٤⦘ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا مِنْ تَبْدِيلِهِمْ كِتَابَ اللَّهِ، وَيُحِبُّونَ أَنْ يَحْمَدَهُمُ النَّاسُ عَلَى ذَلِكَ
٦ / ٣٠٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا﴾ [آل عمران: ١٨٨] قَالَ: «يَهُودُ، فَرِحُوا بِإِعْجَابِ النَّاسِ بِتَبْدِيلِهِمُ الْكِتَابَ وَحَمْدِهِمْ إِيَّاهُمْ عَلَيْهِ، وَلَا تَمْلِكُ يَهُودُ ذَلِكَ» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: أَنَّهُمْ فَرِحُوا بِمَا أَعْطَى اللَّهُ تَعَالَى آلَ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام
٦ / ٣٠٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي الْمُعَلَّى، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا﴾ [آل عمران: ١٨٨] قَالَ: «الْيَهُودُ يَفْرَحُونَ بِمَا آتَى اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام»
٦ / ٣٠٤
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي الْمُعَلَّى الْعَطَّارِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: «هُمُ الْيَهُودُ، فَرِحُوا بِمَا أَعْطَى اللَّهُ تَعَالَى إِبْرَاهِيمَ عليه السلام» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عُنِيَ بِذَلِكَ قَوْمٌ مِنَ الْيَهُودِ سَأَلَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ شَيْءٍ، ⦗٣٠٥⦘ فَكَتَمُوهُ، فَفَرِحُوا بِكِتْمَانِهِمْ ذَلِكَ إِيَّاهُ
٦ / ٣٠٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، أَنَّ عَلْقَمَةَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ، أَخْبَرَهُ أَنَّ مَرْوَانَ قَالَ لِرَافِعٍ: اذْهَبْ يَا رَافِعُ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَقُلْ لَهُ: لَئِنْ كَانَ كُلُّ امْرِئٍ مِنَّا فَرِحَ بِمَا أَتَى وَأَحَبَّ أَنْ يُحْمَدَ بِمَا لَمْ يَفْعَلْ مُعَذَّبًا، لَيُعَذِّبُنَا اللَّهُ أَجْمَعِينَ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «مَا لَكُمْ وَلِهَذِهِ؟ إِنَّمَا دَعَا النَّبِيُّ ﷺ يَهُودَ، فَسَأَلَهُمْ عَنْ شَيْءٍ فَكَتَمُوهُ إِيَّاهُ وَأَخْبَرُوهُ بِغَيْرِهِ، فَأَرَوْهُ أَنْ قَدِ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ بِمَا أَخْبَرُوهُ عَنْهُ مِمَّا سَأَلَهُمْ، وَفَرِحُوا بِمَا أَتَوْا مِنْ كِتْمَانِهِمْ إِيَّاهُ» ثُمَّ قَالَ: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ﴾ [آل عمران: ١٨٧] الْآيَةَ
٦ / ٣٠٥
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّ حُمَيْدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ قَالَ لِبَوَّابِهِ: يَا رَافِعُ اذْهَبْ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، فَقُلْ لَهُ: لَئِنْ كَانَ كُلُّ امْرِئٍ مِنَّا فَرِحَ بِمَا أَتَى وَأَحَبَّ أَنْ يُحْمَدَ بِمَا لَمْ يَفْعَلْ مُعَذَّبًا، لَنُعَذَّبَنَّ جَمِيعًا فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «مَا لَكُمْ وَلِهَذِهِ الْآيَةِ؟ إِنَّمَا أُنْزِلَتْ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ» ثُمَّ تَلَا ابْنُ عَبَّاسٍ: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ﴾ [آل عمران: ١٨٧] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا﴾ [آل عمران: ١٨٨] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «سَأَلَهُمُ النَّبِيُّ ﷺ عَنْ شَيْءٍ فَكَتَمُوهُ إِيَّاهُ، وَأَخْبَرُوهُ ⦗٣٠٦⦘ بِغَيْرِهِ، فَخَرَجُوا وَقَدْ أَرَوْهُ أَنْ قَدْ أَخْبَرُوهُ بِمَا قَدْ سَأَلَهُمْ عَنْهُ، فَاسْتَحْمَدُوا بِذَلِكَ إِلَيْهِ، وَفَرِحُوا بِمَا أَتَوْا مِنْ كِتْمَانِهِمْ إِيَّاهُ مَا سَأَلَهُمْ عَنْهُ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عُنِيَ بِذَلِكَ قَوْمٌ مِنْ يَهُودَ أَظْهَرُوا النِّفَاقَ لِلنَّبِيِّ ﷺ مَحَبَّةً مِنْهُمْ لِلْحَمْدِ، وَاللَّهُ عَالِمٌ مِنْهُمْ خِلَافَ ذَلِكَ
٦ / ٣٠٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ أَعْدَاءَ اللَّهِ، الْيَهُودَ يَهُودَ خَيْبَرَ أَتَوْا نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ، فَزَعَمُوا أَنَّهُمْ رَاضُونَ بِالَّذِي جَاءَ بِهِ، وَأَنَّهُمْ مُتَابِعُوهُ وَهُمْ مُتَمَسِّكُونَ بِضَلَالَتِهِمْ، وَأَرَادُوا أَنْ يَحْمَدَهُمْ نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا﴾ [آل عمران: ١٨٨] الْآيَةَ “
٦ / ٣٠٦
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: «إِنَّ أَهْلَ خَيْبَرَ أَتَوُا النَّبِيَّ ﷺ وَأَصْحَابَهُ، فَقَالُوا: إِنَّا عَلَى رَأْيِكُمْ وَهَيْئَتِكُمْ، وَإِنَّا لَكُمْ رِدْءٌ، فَأَكْذَبَهُمُ اللَّهُ» فَقَالَ: ﴿لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا﴾ [آل عمران: ١٨٨] الْآيَتَيْنِ
٦ / ٣٠٦
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ، فَقَالَ: إِنَّ كَعْبًا يَقْرَأُ
٦ / ٣٠٦
عَلَيْكَ السَّلَامَ، وَيَقُولُ: إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ لَمْ تَنْزِلْ فِيكُمْ: ﴿لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا﴾ [آل عمران: ١٨٨] قَالَ: «أَخْبِرُوهُ أَنَّهَا نَزَلَتْ وَهُوَ يَهُودِيُّ» وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ بِالصَّوَابِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: ﴿لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا﴾ [آل عمران: ١٨٨] الْآيَةَ، قَوْلُ مَنْ قَالَ: عُنِيَ بِذَلِكَ أَهْلُ الْكِتَابِ الَّذِينَ أَخْبَرَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ أَنَّهُ أَخَذَ مِيثَاقَهُمْ، لَيُبَيِّنُنَّ لِلنَّاسِ أَمْرَ مُحَمَّدٍ ﷺ، وَلَا يَكْتُمُونَهُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: ﴿لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا﴾ [آل عمران: ١٨٨] الْآيَةَ فِي سِيَاقِ الْخَبَرِ عَنْهُمْ، وَهُوَ شَبِيهٌ بِقِصَّتِهِمْ مَعَ اتِّفَاقِ أَهْلِ التَّأْوِيلِ عَلَى أَنَّهُمُ الْمَعْنِيُّونَ بِذَلِكَ، فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَتَأْوِيلُ الْآيَةِ: لَا تَحْسَبَنَّ يَا مُحَمَّدُ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا مِنْ كِتْمَانِهِمُ النَّاسَ أَمْرَكَ، وَأَنَّكَ لِي رَسُولٌ مُرْسَلٌ بِالْحَقِّ، وَهُمْ يَجِدُونَكَ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي كُتُبِهِمْ، وَقَدْ أَخَذْتُ عَلَيْهِمُ الْمِيثَاقَ بِالْإِقْرَارِ بِنُبُوَّتِكَ، وَبَيَانِ أَمْرِكَ لِلنَّاسِ وَأَنْ لَا يَكْتُمُوهُمْ ذَلِكَ، وَهُمْ مَعَ نَقْضِهِمْ مِيثَاقِي الَّذِي أَخَذْتُ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ، يَفْرَحُونَ بِمَعْصِيَتِهِمْ إِيَّايَ فِي ذَلِكَ، وَمُخَالَفَتِهِمْ أَمْرِي، وَيُحِبُّونَ أَنْ يَحْمَدَهُمُ النَّاسُ بِأَنَّهُمْ أَهْلُ طَاعَةٍ لِلَّهِ وَعُبَادَةٍ وَصَلَاةٍ وَصَوْمٍ، وَاتِّبَاعٍ لَوْحَيْهِ، وَتَنْزِيلِهِ الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَى أَنْبِيَائِهِ، وَهُمْ مِنْ ذَلِكَ أَبْرِيَاءُ أَخْلِيَاءُ لِتَكْذِيبِهِمْ رَسُولَهُ، وَنَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُ الَّذِي أَخَذَ عَلَيْهِمْ، لَمْ يَفْعَلُوا شَيْئًا مِمَّا يُحِبُّونَ أَنْ يَحْمَدَهُمُ النَّاسُ عَلَيْهِ، فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ، وَقَوْلُهُ: ﴿فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ﴾ [آل عمران: ١٨٨] فَلَا تَظُنَّهُمْ بِمَنْجَاةٍ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ الَّذِي أَعَدَّهُ لِأَعْدَائِهِ فِي الدُّنْيَا مِنَ الْخَسْفِ وَالْمَسْخِ وَالرَّجْفِ
٦ / ٣٠٧
وَالْقَتْلِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ عِقَابِ اللَّهِ، وَلَا هُمْ بِبَعِيدٍ مِنْهُ
٦ / ٣٠٨
كَمَا: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ﴾ [آل عمران: ١٨٨] قَالَ: «بِمَنْجَاةٍ مِنَ الْعَذَابِ» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: ﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [آل عمران: ١٨٨] يَقُولُ: وَلَهُمْ عَذَابٌ فِي الْآخِرَةِ أَيْضًا مُؤْلِمٌ، مَعَ الَّذِي لَهُمْ فِي الدُّنْيَا مُعَجَّلٌ
٦ / ٣٠٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ وَهَذَا تَكْذِيبٌ مِنَ اللَّهِ جَلَّ ثناؤُهُ الَّذِينَ قَالُوا: ﴿إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ﴾ [آل عمران: ١٨١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُكَذِّبًا لَهُمْ: لِلَّهِ مُلْكُ جَمِيعِ مَا حَوَتْهُ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ، فَكَيْفَ يَكُونُ أَيُّهَا الْمُفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ مَنْ كَانَ مُلْكُ ذَلِكَ لَهُ فَقِيرًا؟ ثُمَّ أَخْبَرَ جَلَّ ثناؤُهُ أَنَّهُ الْقَادِرُ عَلَى تَعْجِيلِ الْعُقُوبَةِ لِقَائِلِي ذَلِكَ وَلِكُلِّ مُكَذِّبٍ بِهِ وَمُفَتِّرٍ عَلَيْهِ وَعَلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا أَرَادَ وَأَحَبَّ، وَلَكِنَّهُ تَفَضَّلَ بِحِلْمِهِ عَلَى خَلْقِهِ، فَقَالَ: ﴿وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [البقرة: ٢٨٤] يَعْنِي: مِنْ إِهْلَاكِ قَائِلِ ذَلِكَ، وَتَعْجِيلِ عُقُوبَتِهِ لَهُمْ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ
٦ / ٣٠٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ﴾ وَهَذَا احْتِجَاجٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ عَلَى قَائِلِ ذَلِكَ وَعَلَى سَائِرِ خَلْقِهِ بِأَنَّهُ الْمُدَبِّرُ الْمُصَرِّفُ الْأَشْيَاءَ، وَالْمُسَخِّرُ مَا أَحَبَّ، وَإِنَّ الْإِغْنَاءَ وَالْإِفْقَارَ إِلَيْهِ وَبِيَدِهِ، فَقَالَ جَلَّ ثناؤُهُ: تَدَبَّرُوا أَيُّهَا النَّاسُ، وَاعْتَبِرُوا فَفِيمَا أَنْشَأْتُهُ فَخَلَقْتُهُ مِنَ
٦ / ٣٠٨
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لِمَعَاشِكُمْ وَأْقَوَاتِكُمْ وَأَرْزَاقِكُمْ، وَفِيمَا عَقَّبْتُ بَيْنَهُ مِنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، فَجَعَلْتُهُمَا يَخْتَلِفَانِ وَيَعْتَقِبَانِ عَلَيْكُمْ، تَتَصَرَّفُونَ فِي هَذَا لِمَعَاشِكُمْ، وَتَسْكُنُونَ فِي هَذَا رَاحَةً لِأَجْسَادِكُمْ، مُعْتَبَرٌ وَمُدَّكَرٌ، وَآيَاتٌ وَعِظَاتٌ، فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ ذَا لُبٍّ وَعَقْلٍ، يَعْلَمُ أَنَّ مَنَ نَسَبَنِي إِلَى أَنِّي فَقِيرٌ وَهُوَ غَنِيُّ كَاذِبٌ مُفْتَرٍ، فَإِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ بِيَدِي أُقَلِّبُهُ وَأُصَرِّفُهُ، وَلَوْ أَبْطَلْتُ ذَلِكَ لَهَلَكْتُمْ، فَكَيْفَ يُنْسَبُ فَقْرٌ إِلَى مَنْ كَانَ كُلُّ مَا بِهِ عَيْشُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بِيَدِهِ وَإِلَيْهِ؟ أَمْ كَيْفَ يَكُونُ غَنِيًّا مَنْ كَانَ رِزْقُهُ بِيَدِ غَيْرِهِ، إِذَا شَاءَ رَزَقَهُ، وَإِذَا شَاءَ حَرَمَهُ، فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَلْبَابِ
٦ / ٣٠٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ وَقَوْلُهُ: ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا﴾ [آل عمران: ١٩١] مِنْ نَعْتِ ﴿أُولِي الْأَلْبَابِ﴾ [البقرة: ١٧٩]، وَ﴿الَّذِينَ﴾ [الفاتحة: ٧] فِي مَوْضِعِ خَفْضٍ رَدًّا عَلَى قَوْلِهِ: ﴿لِأُولِي الْأَلْبَابِ﴾ [آل عمران: ١٩٠] وَمَعْنَى الْآيَةِ أَنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ، الذَّاكِرِينَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ، يَعْنِي بِذَلِكَ: قِيَامًا فِي صَلَاتِهِمْ وَقُعُودًا فِي تَشَهُّدِهِمْ وَفِي غَيْرِ صَلَاتِهِمْ وَعَلَى جُنُوبِهِمْ نِيَامًا
٦ / ٣٠٩
كَمَا: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَوْلُهُ: ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا﴾ [آل عمران: ١٩١] الْآيَةَ، قَالَ: «هُوَ ذِكْرُ اللَّهِ فِي الصَّلَاةِ وَفِي غَيْرِ الصَّلَاةِ، وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ»
٦ / ٣٠٩
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ﴾ [آل عمران: ١٩١] «وَهَذِهِ حَالَاتُكَ كُلُّهَا يَا ابْنَ آدَمَ، ⦗٣١٠⦘ فَاذْكُرْهُ وَأَنْتَ عَلَى جَنْبِكَ يُسْرًا مِنَ اللَّهِ وَتَخْفِيفًا» فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَكَيْفَ قِيلَ: ﴿وَعَلَى جُنُوبِهِمْ﴾ [آل عمران: ١٩١] فَعَطَفَ بِ «عَلَى»، وَهِيَ صِفَةٌ عَلَى الْقِيَامِ وَالْقُعُودِ وَهُمَا اسْمَانِ؟ قِيلَ: لِأَنَّ قَوْلَهُ: ﴿وَعَلَى جُنُوبِهِمْ﴾ [آل عمران: ١٩١] فِي مَعْنَى الِاسْمِ، وَمَعْنَاهُ: وَنِيَامًا أَوْ مُضْطَجِعيِنَ عَلَى جُنُوبِهِمْ؛ فَحَسُنَ عَطْفُ ذَلِكَ عَلَى الْقِيَامِ وَالْقُعُودِ لِذَلِكَ الْمَعْنَى، كَمَا قِيلَ: ﴿وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا﴾ [يونس: ١٢] فَعَطَفَ بِقَوْلِهِ: ﴿أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا﴾ [يونس: ١٢] عَلَى قَوْلِهِ: ﴿لِجَنْبِهِ﴾ [يونس: ١٢] لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: لِجَنْبِهِ مُضْطَجِعًا، فَعَطَفَ بِالْقَاعِدِ وَالْقَائِمِ عَلَى مَعْنَاهُ، فَكَذَلِكَ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَعَلَى جُنُوبِهِمْ﴾ [آل عمران: ١٩١] وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ فَإِنَّهُ يَعْنِي بِذَلِكَ أَنَّهُمْ يَعْتَبِرُونَ بِصَنْعَةِ صَانِعِ ذَلِكَ، فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ لَا يَصْنَعُ ذَلِكَ إِلَّا مَنْ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، وَمَنْ هُوَ مَالِكُ كُلِّ شَيْءٍ وَرَازِقُهُ، وَخَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَمُدَبِّرُهُ، مَنْ هُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَبِيَدِهِ الْإِغْنَاءُ وَالْإِفْقَارُ، وَالْإِعْزَازُ وَالْإِذْلَالُ، وَالْإِحْيَاءُ وَالْإِمَاتَةُ، وَالشَّقَاءُ وَالسَّعَادَةُ
٦ / ٣٠٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ [آل عمران: ١٩١] يَعْنِي بِذَلِكَ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، قَائِلِينَ: ﴿رَبَّنَا
٦ / ٣١٠
مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا﴾ [آل عمران: ١٩١] فَتَرَكَ ذِكْرَ قَائِلِينَ، إِذْ كَانَ فِيمَا ظَهَرَ مِنَ الْكَلَامِ دَلَالَةٌ عَلَيْهِ؛ وَقَوْلُهُ: ﴿مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا﴾ [آل عمران: ١٩١] يَقُولُ: لَمْ تَخْلُقْ هَذَا الْخَلْقَ عَبَثًا وَلَا لَعِبًا، لَمْ تَخْلُقْهُ إِلَّا لِأَمْرٍ عَظِيمٍ مِنْ ثَوَابٍ وَعِقَابٍ وَمُحَاسَبَةٍ وَمُجَازَاةٍ، وَإِنَّمَا قَالَ: مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا، وَلَمْ يَقُلْ: مَا خَلَقْتَ هَذِهِ، وَلَا هَؤُلَاءِ؛ لِأَنَّهُ أَرَادَ بِهَذَا الْخَلْقَ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ [آل عمران: ١٩١] وَرَغْبَتُهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ فِي أَنْ يَقِيَهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ، وَلَوْ كَانَ الْمَعْنِيَّ بِقَوْلِهِ: ﴿مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا﴾ [آل عمران: ١٩١] السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ، لَمَا كَانَ لِقَوْلِهِ عُقَيْبَ ذَلِكَ: ﴿فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ [آل عمران: ١٩١] مَعْنًى مَفْهُومٌ؛ لِأَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَدِلَّةٌ عَلَى بَارِئِهَا، لَا عَلَى الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ، وَإِنَّمَا الدَّلِيلُ عَلَى الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ الْأَمْرُ وَالنَّهْي؛ وَإِنَّمَا وَصَفَ جَلَّ ثناؤُهُ أُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، أَنَّهُمْ إِذَا رَأَوُا الْمَأْمُورِينَ الْمَنِهِيِّينَ، قَالُوا: يَا رَبَّنَا لَمْ تَخْلُقْ هَؤُلَاءِ بَاطِلًا عَبَثًا سُبْحَانَكَ، يَعْنِي: تَنْزِيهًا لَكَ مِنْ أَنْ تَفْعَلَ شَيْئًا عَبَثًا، وَلَكِنَّكَ خَلَقْتَهُمْ لَعَظِيمٍ مِنَ الْأَمْرِ، لِجَنَّةٍ أَوْ نَارٍ، ثُمَّ فَزِعُوا إِلَى رَبِّهِمْ بِالْمَسْأَلَةِ أَنْ يُجِيرَهُمْ مِنْ عَذَابِ النَّارِ، وَأَنْ لَا يَجْعَلَهُمْ مِمَّنْ عَصَاهُ وَخَالَفَ أَمْرَهُ، فَيَكُونُوا مِنْ أَهْلِ جَهَنَّمَ
٦ / ٣١١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تَدْخُلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ﴾ [آل عمران: ١٩٢] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي ذَلِكَ، فَقَالُ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى ذَلِكَ: رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تَدْخُلِ النَّارَ مِنْ عِبَادِكَ فَتُخَلِّدْهُ فِيهَا فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ، قَالَ: وَلَا يَخْزَى مُؤْمِنٌ ⦗٣١٢⦘ مَصِيرُهُ إِلَى الْجَنَّةِ وَإِنْ عُذِّبَ بِالنَّارِ بَعْضَ الْعَذَابِ
٦ / ٣١١
حَدَّثَنِي أَبُو حَفْصٍ الْجُبَيْرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَا: أَخْبَرَنَا الْمُؤَمَّلُ، أَخْبَرَنَا أَبُو هِلَالٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تَدْخُلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ﴾ [آل عمران: ١٩٢] قَالَ: «مَنْ تُخَلِّدْ»
٦ / ٣١٢
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنْ رَجُلٍ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ: ﴿رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تَدْخُلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ﴾ [آل عمران: ١٩٢] قَالَ: «هِيَ خَاصَّةٌ لِمَنْ لَا يَخْرُجُ مِنْهَا»
٦ / ٣١٢
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو النُّعْمَانِ عَارِمٌ، قَالَ: ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، قَالَ: ثنا قَبِيصَةُ بْنُ مَرْوَانَ، عَنِ الْأَشْعَثِ الْحَمْلِيِّ، قَالَ: قُلْتُ لِلْحَسَنِ: يَا أَبَا سَعِيدٍ أَرَأَيْتَ مَا تَذْكُرُ مِنَ الشَّفَاعَةِ حَقٌّ هُوَ؟ قَالَ: «نَعَمْ حَقٌّ» قَالَ: قُلْتُ يَا أَبَا سَعِيدٍ أَرَأَيْتَ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ﴾ [آل عمران: ١٩٢]، وَ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا﴾ [المائدة: ٣٧]، قَالَ: فَقَالَ لِي: «إِنَّكَ وَاللَّهِ لَا تَسْتَطِيعُ عَلَى شَيْءٍ، إِنَّ لِلنَّارِ أَهْلًا لَا يَخْرُجُونَ مِنْهَا كَمَا قَالَ اللَّهُ، قَالَ: قُلْتُ ⦗٣١٣⦘ يَا أَبَا سَعِيدٍ: فِيمَنْ دَخَلُوا ثُمَّ خَرَجُوا؟ قَالَ: كَانُوا أَصَابُوا ذَنُوبًا فِي الدُّنْيَا، فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِهَا فَأَدْخَلَهُمْ بِهَا، ثُمَّ أَخْرَجَهُمْ بِمَا يَعْلَمُ فِي قُلُوبِهِمْ مِنَ الْإِيمَانِ وَالتَّصْدِيقِ بِهِ»
٦ / ٣١٢
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَوْلُهُ: ﴿إِنَّكَ مَنْ تَدْخُلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ﴾ [آل عمران: ١٩٢] قَالَ: «هُوَ مَنْ يُخَلَّدُ فِيهَا» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تَدْخُلِ النَّارَ مِنْ مُخَلَّدٍ فِيهَا وَغَيْرِ مُخَلَّدٍ فِيهَا، فَقَدْ أُخْزِيَ بِالْعَذَابِ
٦ / ٣١٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا الْحَرْثُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، قَالَ: قَدِمَ عَلَيْنَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فِي عُمْرَةٍ، فَانْتَهَيْتُ إِلَيْهِ أَنَا وَعَطَاءٌ، فَقُلْتُ: ﴿رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ﴾ [آل عمران: ١٩٢] قَالَ: «وَمَا إِخْزَاؤُهُ حِينَ أَحْرَقَهُ بِالنَّارِ وَإِنَّ دُونَ ذَلِكَ لَخِزْيًا» وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ بِالصَّوَابِ عِنْدِي قَوْلُ جَابِرٍ: إِنَّ مَنْ أُدْخِلَ النَّارَ فَقَدْ أُخْزِيَ بِدُخُولِهِ إِيَّاهَا، وَإِنْ أُخْرِجَ مِنْهَا. وَذَلِكَ أَنَّ الْخِزْيَ إِنَّمَا هُوَ هَتْكُ سِتْرُ الْمَخْزِيِّ وَفَضِيحَتُهُ، وَمَنْ ⦗٣١٤⦘ عَاقَبَهُ رَبُّهُ فِي الْآخِرَةِ عَلَى ذُنُوبِهِ، فَقَدْ فَضَحَهُ بِعِقَابِهِ إِيَّاهُ، وَذَلِكَ هُوَ الْخِزْي. وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ﴾ [البقرة: ٢٧٠] يَقُولُ: وَمَا لِمَنْ خَالَفَ أَمْرَ اللَّهِ فَعَصَاهُ مِنْ ذِي نُصْرَةٍ لَهُ يَنْصُرُهُ مِنَ اللَّهِ فَيُدْفَعُ عَنْهُ عِقَابَهُ أَوْ يُنْقِذُهُ مِنْ عَذَابِهِ
٦ / ٣١٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ﴾ [آل عمران: ١٩٣] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ الْمُنَادِي الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهَ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ، فَقَالَ بَعْضُهُمُ: الْمُنَادِي فِي هَذَا الْمَوْضِعِ الْقُرْآنُ
٦ / ٣١٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ: ﴿إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ﴾ [آل عمران: ١٩٣] قَالَ: «هُوَ الْكِتَابُ، لَيْسَ كُلُّهُمْ لَقِيَ النَّبِيَّ ﷺ»
٦ / ٣١٤
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا مَنْصُورُ بْنُ حَكِيمٍ، عَنْ خَارِجَةَ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبَ الْقُرَظِيِّ، فِي قَوْلِهِ: ﴿رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ﴾ [آل عمران: ١٩٣] قَالَ: «لَيْسَ كُلُّ النَّاسِ سَمِعَ النَّبِيَّ ﷺ، وَلَكِنَّ الْمُنَادِيَ الْقُرْآنُ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ هُوَ مُحَمَّدٌ ﷺ
٦ / ٣١٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَوْلُهُ: ﴿إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ﴾ [آل عمران: ١٩٣] قَالَ: «هُوَ مُحَمَّدٌ ﷺ»
٦ / ٣١٥
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ﴾ [آل عمران: ١٩٣] قَالَ: «ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ» وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمُنَادِي الْقُرْآنَ؛ لِأَنَّ كَثِيرًا مِمَّنْ وَصَفَهُمُ اللَّهُ بِهَذِهِ الصُّفَّةِ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ لَيْسُوا مِمَّنْ رَأَى النَّبِيَّ ﷺ وَلَا عَايَنَهُ، فَسَمِعُوا دُعَاءَهُ إِلَى اللَّهِ تبارك وتعالى وَنِدَاءَهُ، وَلَكِنَّهُ الْقُرْآنُ. وَهُوَ نُظِيرُ قَوْلِهِ جَلَّ ثناؤُهُ مُخْبِرًا عَنِ الْجِنِّ إِذْ سَمِعُوا كَلَامَ اللَّهِ يُتْلَى عَلَيْهِمْ أَنَّهُمْ قَالُوا: ﴿إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ﴾ [الجن: ٢]
٦ / ٣١٥
وَبِنَحْوِ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ﴾ [آل عمران: ١٩٣] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ﴾ [آل عمران: ١٩٣] «سَمِعُوا دَعْوَةً مِنَ اللَّهِ فَأَجَابُوهَا، فَأَحْسَنُوا الْإِجَابَةَ فِيهَا، وَصَبَرُوا عَلَيْهَا، يُنُبِّئُكُمُ اللَّهُ عَنْ مُؤْمِنِ الْإِنْسِ كَيْفَ قَالَ، وَعَنْ مُؤْمِنِ الْجِنِّ كَيْفَ قَالَ؟ فَأَمَّا مُؤْمِنُ الْجِنِّ، فَقَالَ: ﴿إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا﴾ [الجن: ٢]؛ وَأَمَّا مُؤْمِنُ ⦗٣١٦⦘ الْإِنْسِ، فَقَالَ: ﴿إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا﴾ [آل عمران: ١٩٣]» الْآيَةَ وَقِيلَ: ﴿إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ﴾ [آل عمران: ١٩٣] يَعْنِي: يُنَادِي إِلَى الْإِيمَانِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا﴾ [الأعراف: ٤٣] بِمَعْنَى: هَدَانَا إِلَى هَذَا، وَكَمَا قَالَ الرَّاجِزُ:
[البحر الرجز] أَوْحَى لَهَا الْقَرَارَ فَاسْتَقَرَّتْ … وَشَدَّهَا بِالرَّاسِيَاتِ الثُّبَّتِ
بِمَعْنَى: أَوْحَى إِلَيْهَا، وَمِنْهُ قَوْلُهُ: ﴿بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا﴾ [الزلزلة: ٥] وَقِيلَ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ: إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا لِلْإِيمَانِ يُنَادِي أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ. فَتَأْوِيلُ الْآيَةِ إِذًا: رَبَّنَا سَمِعْنَا دَاعِيًا يَدْعُو إِلَى الْإِيمَانِ يَقُولُ إِلَى التَّصْدِيقِ بِكَ، وَالْإِقْرَارِ بِوَحْدَانِيَّتِكَ، وَاتِّبَاعِ رَسُولِكَ وَطَاعَتِهِ، فِيمَا أَمَرَنَا بِهِ، وَنَهَانَا عَنْهُ، مِمَّا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِكَ فَآمَنَّا رَبَّنَا، يَقُولُ: فَصَدَّقْنَا بِذَلِكَ يَا رَبَّنَا، فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا، يَقُولُ: فَاسْتُرْ عَلَيْنَا خَطَايَانَا، وَلَا تَفْضَحْنَا بِهَا فِي الْقِيَامَةِ عَلَى رُءُوسِ الْأَشْهَادِ، بِعُقُوبَتِكَ إِيَّانَا عَلَيْهَا، وَلَكِنْ كَفِّرْهَا عَنَّا، وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا فَامْحُهَا بِفَضْلِكَ وَرَحْمَتِكَ إِيَّانَا، وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ، يَعْنِي بِذَلِكَ: وَاقْبِضْنَا إِلَيْكَ إِذَا قَبَضْتَنَا إِلَيْكَ فِي عِدَادِ الْأَبْرَارِ، وَاحْشُرْنَا مَحْشَرَهُمْ وَمَعَهُمْ؛ وَالْأَبْرَارُ جَمْعُ بَرٍّ، وَهُمُ الَّذِينَ بَرُّوا اللَّهَ تبارك وتعالى بِطَاعَتِهِمْ إِيَّاهُ وَخِدْمَتِهِمْ لَهُ، حَتَّى أَرْضَوْهُ فَرَضِيَ عَنْهُمْ
[البحر الرجز] أَوْحَى لَهَا الْقَرَارَ فَاسْتَقَرَّتْ … وَشَدَّهَا بِالرَّاسِيَاتِ الثُّبَّتِ
بِمَعْنَى: أَوْحَى إِلَيْهَا، وَمِنْهُ قَوْلُهُ: ﴿بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا﴾ [الزلزلة: ٥] وَقِيلَ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ: إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا لِلْإِيمَانِ يُنَادِي أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ. فَتَأْوِيلُ الْآيَةِ إِذًا: رَبَّنَا سَمِعْنَا دَاعِيًا يَدْعُو إِلَى الْإِيمَانِ يَقُولُ إِلَى التَّصْدِيقِ بِكَ، وَالْإِقْرَارِ بِوَحْدَانِيَّتِكَ، وَاتِّبَاعِ رَسُولِكَ وَطَاعَتِهِ، فِيمَا أَمَرَنَا بِهِ، وَنَهَانَا عَنْهُ، مِمَّا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِكَ فَآمَنَّا رَبَّنَا، يَقُولُ: فَصَدَّقْنَا بِذَلِكَ يَا رَبَّنَا، فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا، يَقُولُ: فَاسْتُرْ عَلَيْنَا خَطَايَانَا، وَلَا تَفْضَحْنَا بِهَا فِي الْقِيَامَةِ عَلَى رُءُوسِ الْأَشْهَادِ، بِعُقُوبَتِكَ إِيَّانَا عَلَيْهَا، وَلَكِنْ كَفِّرْهَا عَنَّا، وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا فَامْحُهَا بِفَضْلِكَ وَرَحْمَتِكَ إِيَّانَا، وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ، يَعْنِي بِذَلِكَ: وَاقْبِضْنَا إِلَيْكَ إِذَا قَبَضْتَنَا إِلَيْكَ فِي عِدَادِ الْأَبْرَارِ، وَاحْشُرْنَا مَحْشَرَهُمْ وَمَعَهُمْ؛ وَالْأَبْرَارُ جَمْعُ بَرٍّ، وَهُمُ الَّذِينَ بَرُّوا اللَّهَ تبارك وتعالى بِطَاعَتِهِمْ إِيَّاهُ وَخِدْمَتِهِمْ لَهُ، حَتَّى أَرْضَوْهُ فَرَضِيَ عَنْهُمْ
٦ / ٣١٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رِسْلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ﴾ [آل عمران: ١٩٤] إِنْ قَالَ لَنَا قَائِلٌ: وَمَا وَجْهُ مَسْأَلَةِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ رَبَّهُمْ أَنْ يُؤْتِيَهُمْ مَا وَعَدَهُمْ، وَقَدْ عَلِمُوا أَنَّ اللَّهَ مُنْجِزٌ وَعْدَهُ، وَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ إِخْلَافُ مَوْعِدٍ؟ قِيلَ: اخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ أَهْلُ الْبَحْثِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: ذَلِكَ قَوْلٌ خَرَجَ مَخْرَجَ الْمَسْأَلَةِ، وَمَعْنَاهُ الْخَبَرُ، قَالُوا: وَإِنَّمَا تَأْوِيلُ الْكَلَامِ: رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا، رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا، وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا، وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ، لِتُؤْتِيَنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رِسْلِكَ، وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، قَالُوا: وَلَيْسَ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُمْ قَالُوا: إِنْ تَوَفَّيْتَنَا مَعَ الْأَبْرَارِ فَانْجِزْ لَنَا مَا وَعَدْتَنَا، لِأَنَّهُمْ قَدْ عَلِمُوا أَنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ، وَأَنَّ مَا وَعَدَ عَلَى أَلْسِنَةِ رُسُلِهِ لَيْسَ يُعْطِيهِ بِالدُّعَاءِ، وَلَكِنَّهُ تَفَضَّلَ بِإِيتَائِهِ، ثُمَّ يُنْجِزُهُ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ ذَلِكَ قَوْلٌ مِنْ قَائِلِهِ عَلَى مَعْنَى الْمَسْأَلَةِ وَالدُّعَاءِ لِلَّهِ، بِأَنْ يَجْعَلَهُمْ مِمَّنْ آتَاهُمْ مَا وَعَدَهُمْ مِنَ الْكَرَامَةِ عَلَى أَلْسُنِ رُسُلِهِ، لَا أَنَّهُمْ كَانُوا قَدِ اسْتَحَقُّوا مَنْزِلَةَ الْكَرَامَةِ عِنْدَ اللَّهِ فِي أَنْفُسِهِمْ، ثُمَّ سَأَلُوهُ أَنْ يُؤْتِيَهُمْ مَا وَعَدَهُمْ بَعْدَ عِلْمِهِمْ بِاسْتِحْقَاقِهِمْ عِنْدَ أَنْفُسِهِمْ، فَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْهُمْ مَسْأَلَةً لِرَبِّهِمْ أَنْ لَا يُخْلِفَ وَعْدَهُ، قَالُوا: وَلَوْ كَانَ الْقَوْمُ إِنَّمَا سَأَلُوا رَبَّهُمْ أَنْ يُؤْتِيَهُمْ مَا وَعَدَ الْأَبْرَارَ، لَكَانُوا قَدْ زَكُّوا أَنْفُسَهُمْ، وَشَهِدُوا لَهَا أَنَّهَا مِمَّنْ قَدِ اسْتَوْجَبَ كَرَامَةَ اللَّهِ وَثَوَابَهُ، قَالُوا: وَلَيْسَ ذَلِكَ صِفَةَ أَهْلِ الْفَضْلِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ.
٦ / ٣١٧
وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ قَالُوا هَذَا الْقَوْلَ عَلَى وَجْهِ الْمَسْأَلَةِ، وَالرَّغْبَةِ مِنْهُمْ إِلَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتِيَهُمْ مَا وَعَدَهُمْ مِنَ النَّصْرِ عَلَى أَعْدَائِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ، وَالظَّفَرِ بِهِمْ، وَإِعْلَاءِ كَلِمَةِ الْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ، فَيُعَجِّلُ ذَلِكَ لَهُمْ، قَالُوا: وَمُحَالٌ أَنْ يَكُونَ الْقَوْمُ مَعَ وَصْفِ اللَّهِ إِيَّاهُمْ بِمَا وَصَفْتُهُمْ بِهِ كَانُوا عَلَى غَيْرِ يَقِينٍ مِنْ أَنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ، فَيَرْغَبُوا إِلَى اللَّهِ جَلَّ ثناؤُهُ فِي ذَلِكَ، وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا وُعِدُوا النَّصْرَ، وَلَمْ يُوَقِّتْ لَهُمْ فِي تَعْجِيلِ ذَلِكَ لَهُمْ، لِمَا فِي تَعَجُّلِهِ مِنْ سُرُورِ الظَّفَرِ وَرَاحَةِ الْجَسَدِ. وَالَّذِي هُو أَوْلَى الْأَقْوَالِ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّ هَذِهِ الصُّفَّةَ، صِفَةُ مَنْ هَاجَرَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِنْ وَطَنِهِ وَدَارِهِ، مُفَارِقًا لِأَهْلِ الشِّرْكِ بِاللَّهِ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَغَيْرِهِمْ مِنْ تُبَّاعِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ الَّذِينَ رَغِبُوا إِلَى اللَّهِ فِي تَعْجِيلِ نُصْرَتِهِمْ عَلَى أَعْدَاءِ اللَّهِ وَأَعْدَائِهِمْ، فَقَالُوا: رَبَّنَا آتِنَا مَا وَعَدْتَنَا مِنْ نُصْرَتِكَ عَلَيْهِمْ عَاجِلًا، فَإِنَّكَ لَا تَخَلَّفُ الْمِيعَادِ، وَلَكِنْ لَا صَبَرَ لَنَا عَلَى أَنَاتِكَ وَحِلْمِكَ عَنْهُمْ، فَعَجِّلَ حَرْبَهُمْ، وَلَنَا الظَّفَرَ عَلَيْهِمْ، يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ آخِرُ الْآيَةِ الْأُخْرَى، وَهُوَ قَوْلُهُ: ﴿فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا﴾ [آل عمران: ١٩٥] . . . الْآيَاتِ بَعْدَهَا، وَلَيْسَ ذَلِكَ مِمَّا ذَهَبَ إِلَيْهِ الَّذِينَ حَكَيْتُ قَوْلَهُمْ فِي شَيْءٍ، وَذَلِكَ أَنَّهُ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ أَنْ يُقَالَ: افْعَلْ بِنَا يَا رَبُّ كَذَا وَكَذَا،
٦ / ٣١٨
بِمَعْنَى: افْعَلْ بِنَا لِكَذَا الَّذِي وَلَوْ جَازَ ذَلِكَ، لَجَازَ أَنْ يَقُولَ الْقَائِلُ لِآخَرَ: أَقْبِلْ إِلَيَّ وَكَلِّمْنِي، بِمَعْنَى: أَقْبِلْ إِلَيَّ لِتُكَلِّمَنِي، وَذَلِكَ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي الْكَلَامِ، وَلَا مَعْرُوفٍ جَوَازُهُ، وَكَذَلِكَ أَيْضًا غَيْرُ مَعْرُوفٍ فِي الْكَلَامِ: آتِنَا مَا وَعَدْتَنَا، بِمَعْنَى: اجْعَلْنَا مِمَّنْ أَتَيْتَهُ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ كُلُّ مَنْ أُعْطِيَ شَيْئًا سَنِيًّا فَقَدْ صُيِّرَ نَظَيِرًا لِمَنْ كَانَ مِثْلَهُ فِي الْمَعْنَى الَّذِي أُعْطِيَهُ، وَلَكِنْ لَيْسَ الظَّاهِرُ مِنْ مَعْنَى الْكَلَامِ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ قَدْ يُؤَوَّلُ مَعْنَاهُ إِلَيْهِ. فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ إِذًا: رَبَّنَا أَعْطِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى أَلْسُنِ رِسْلِكَ أَنَّكَ تُعْلِي كَلِمَتَكَ كَلِمَةَ الْحَقِّ، بِتَأْيِيدِنَا عَلَى مَنْ كَفَرَ بِكَ وَحَادَّكَ وَعَبَدَ غَيْرَكَ، وَعَجِّلْ لَنَا ذَلِكَ، فَإِنَّا قَدْ عَلِمْنَا أَنَّكَ لَا تُخْلِفُ مِيعَادَكَ، وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَتَفْضَحَنَا بِذُنُوبِنَا الَّتِي سَلَكَتْ مِنَّا، وَلَكِنْ كَفِّرْهَا عَنَّا وَاغْفِرْهَا لَنَا
٦ / ٣١٩
وَقَدْ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَوْلُهُ: ﴿رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رِسْلِكَ﴾ [آل عمران: ١٩٤] قَالَ: «يَسْتَنْجِزُ مَوْعُودَ اللَّهِ عَلَى رُسُلِهِ»
٦ / ٣١٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأَخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ﴾ [آل عمران: ١٩٥] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَأَجَابَ هَؤُلَاءِ الدَّاعِينَ بِمَا وَصَفَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ دَعَوْا بِهِ رَبَّهُمْ، بِأَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ عَمِلَ خَيْرًا ذَكَرًا كَانَ الْعَامِلُ أَوْ أُنْثًى، وَذُكِرَ أَنَّهُ قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ: مَا بَالُ الرِّجَالِ يُذْكَرُونَ وَلَا تُذْكَرُ النِّسَاءُ فِي الْهِجْرَةِ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تبارك وتعالى فِي ذَلِكَ هَذِهِ الْآيَةَ
٦ / ٣١٩
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا مُؤَمَّلٌ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ تُذْكَرُ الرِّجَالُ فِي الْهِجْرَةِ وَلَا نُذْكَرُ؟ فَنَزَلَتْ»: ﴿أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى﴾ [آل عمران: ١٩٥] الْآيَةَ “
٦ / ٣٢٠
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَجُلًا، مِنْ وَلَدِ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ، يَقُولُ: قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا أَسْمَعُ اللَّهَ يَذْكُرُ النِّسَاءَ فِي الْهِجْرَةِ بِشَيْءٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تبارك وتعالى: ﴿فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرِ أَوْ أُنْثَى﴾ [آل عمران: ١٩٥]
٦ / ٣٢٠
حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: ثنا أَسَدُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ رَجُلٍ، مِنْ وَلَدِ أُمِّ سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَا أَسْمَعُ اللَّهَ ذَكَرَ النِّسَاءَ فِي الْهِجْرَةِ بِشَيْءٍ» فَأَنْزَلَ اللَّهُ تبارك وتعالى: ﴿فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرِ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ﴾ [آل عمران: ١٩٥] وَقِيلَ: فَاسْتَجَابَ لَهُمْ، بِمَعْنَى: فَأَجَابَهُمْ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الطويل] وَدَاعٍ دَعَا يَا مَنْ يُجِيبُ إِلَى النَّدَى … فَلَمْ يَسْتَجِبْهُ عِنْدَ ذَاكَ مُجِيبُ
⦗٣٢١⦘ بِمَعْنَى: فَلَمْ يُجِبْهُ عِنْدَ ذَاكَ مُجِيبٌ. وَأُدْخِلَتْ ﴿مِنْ﴾ [آل عمران: ١٩٥] فِي قَوْلِهِ: ﴿مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى﴾ [آل عمران: ١٩٥] عَلَى التَّرْجَمَةِ وَالتَّفْسِيرِ عَنْ قَوْلِهِ ﴿مِنْكُمْ﴾ [البقرة: ٦٥]، بِمَعْنَى: لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنَ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ وَلَيْسَتْ «مِنْ» هَذِهِ بِالَّتِي يَجُوزُ إِسْقَاطُهَا وَحَذْفُهَا مِنَ الْكَلَامِ فِي الْجَحْدِ؛ لِأَنَّهَا دَخَلَتْ بِمَعْنًى لَا يَصْلُحُ الْكَلَامُ إِلَّا بِهِ. وَزَعَمَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ أَنَّهَا دَخَلَتْ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، كَمَا تَدْخُلُ فِي قَوْلِهِمْ: «قَدْ كَانَ مِنْ حَدِيثٍ» قَالَ: «وَمِنْ» هَاهُنَا أَحْسَنُ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ قَدْ دَخَلَ فِي قَوْلِهِ: لَا أُضِيعُ، وَأَنْكَرَ ذَلِكَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ وَقَالَ: لَا تَدْخُلُ «مِنْ» وَتَخْرُجُ إِلَّا فِي مَوْضِعِ الْجَحْدِ؛ وَقَالَ: قَوْلُهُ: ﴿لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ﴾ [آل عمران: ١٩٥] لَمْ يُدْرِكْهُ الْجَحْدُ؛ لِأَنَّكَ لَا تَقُولُ: لَا أَضْرِبُ غُلَامَ رَجُلٍ فِي الدَّارِ وَلَا فِي الْبَيْتِ فَيَدْخُلُ، وَلَا لِأَنَّهُ لَمْ يَنَلْهُ الْجَحْدُ، وَلَكِنْ «مِنْ» مُفَسِّرَةٌ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ﴾ [آل عمران: ١٩٥] فَإِنَّهُ يَعْنِي: بَعْضُكُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ، مِنْ بَعْضٍ، فِي النُّصْرَةِ وَالْمَسْأَلَةِ وَالدِّينِ، وَحُكْمُ جَمِيعِكُمْ فِيمَا أَنَا بِكُمْ فَاعِلٌ عَلَى حُكْمِ أَحَدِكُمْ فِي أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ ذَكَرٍ مِنْكُمْ وَلَا أُنْثَى
[البحر الطويل] وَدَاعٍ دَعَا يَا مَنْ يُجِيبُ إِلَى النَّدَى … فَلَمْ يَسْتَجِبْهُ عِنْدَ ذَاكَ مُجِيبُ
⦗٣٢١⦘ بِمَعْنَى: فَلَمْ يُجِبْهُ عِنْدَ ذَاكَ مُجِيبٌ. وَأُدْخِلَتْ ﴿مِنْ﴾ [آل عمران: ١٩٥] فِي قَوْلِهِ: ﴿مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى﴾ [آل عمران: ١٩٥] عَلَى التَّرْجَمَةِ وَالتَّفْسِيرِ عَنْ قَوْلِهِ ﴿مِنْكُمْ﴾ [البقرة: ٦٥]، بِمَعْنَى: لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنَ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ وَلَيْسَتْ «مِنْ» هَذِهِ بِالَّتِي يَجُوزُ إِسْقَاطُهَا وَحَذْفُهَا مِنَ الْكَلَامِ فِي الْجَحْدِ؛ لِأَنَّهَا دَخَلَتْ بِمَعْنًى لَا يَصْلُحُ الْكَلَامُ إِلَّا بِهِ. وَزَعَمَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ أَنَّهَا دَخَلَتْ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، كَمَا تَدْخُلُ فِي قَوْلِهِمْ: «قَدْ كَانَ مِنْ حَدِيثٍ» قَالَ: «وَمِنْ» هَاهُنَا أَحْسَنُ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ قَدْ دَخَلَ فِي قَوْلِهِ: لَا أُضِيعُ، وَأَنْكَرَ ذَلِكَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ وَقَالَ: لَا تَدْخُلُ «مِنْ» وَتَخْرُجُ إِلَّا فِي مَوْضِعِ الْجَحْدِ؛ وَقَالَ: قَوْلُهُ: ﴿لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ﴾ [آل عمران: ١٩٥] لَمْ يُدْرِكْهُ الْجَحْدُ؛ لِأَنَّكَ لَا تَقُولُ: لَا أَضْرِبُ غُلَامَ رَجُلٍ فِي الدَّارِ وَلَا فِي الْبَيْتِ فَيَدْخُلُ، وَلَا لِأَنَّهُ لَمْ يَنَلْهُ الْجَحْدُ، وَلَكِنْ «مِنْ» مُفَسِّرَةٌ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ﴾ [آل عمران: ١٩٥] فَإِنَّهُ يَعْنِي: بَعْضُكُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ، مِنْ بَعْضٍ، فِي النُّصْرَةِ وَالْمَسْأَلَةِ وَالدِّينِ، وَحُكْمُ جَمِيعِكُمْ فِيمَا أَنَا بِكُمْ فَاعِلٌ عَلَى حُكْمِ أَحَدِكُمْ فِي أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ ذَكَرٍ مِنْكُمْ وَلَا أُنْثَى
٦ / ٣٢٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأَخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ﴾ [آل عمران: ١٩٥] يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثناؤُهُ: فَالَّذِينَ هَاجَرُوا قَوْمَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ وَعَشِيرَتَهُمْ فِي اللَّهِ، إِلَى إِخْوَانِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ، وَالتَّصْدِيقِ بِرَسُولِهِ، وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ، وَهُمُ الْمُهَاجِرُونَ الَّذِينَ أَخْرَجَهُمْ مُشْرِكُو قُرَيْشٍ مِنْ دِيَارِهِمْ بِمَكَّةَ، وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي، يَعْنِي: وَأُوذُوا فِي طَاعَتِهِمْ رَبَّهُمْ، وَعِبَادَتِهِمْ إِيَّاهُ، مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ، وَذَلِكَ هُوَ سَبِيلُ اللَّهِ الَّتِي آذَى فِيهَا الْمُشْرِكُونَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ الْمُؤْمِنِينَ بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِنْ أَهْلِهَا؛ وَقُتِلُوا، يَعْنِي: وَقُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَاتَلُوا فِيهَا، لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ، يَعْنِي: لَأَمْحُوَنَّهَا عَنْهُمْ، وَلَأَتَفَضَّلَنَّ عَلَيْهِمْ بِعَفْوِي وَرَحْمَتِي، وَلَأَغْفِرَنَّهَا لَهُمْ، وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ، ثَوَابًا، يَعْنِي: جَزَاءً لَهُمْ عَلَى مَا عَمِلُوا وَأُبْلُوا فِي اللَّهِ وَفِي سَبِيلِهِ؛ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ: يَعْنِي: مِنْ قِبَلِ اللَّهِ لَهُمْ؛ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ، يَعْنِي أَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ مِنْ جَزَاءِ أَعْمَالِهِمْ جَمِيعُ صُنُوفِهِ، وَذَلِكَ مَا لَا يَبْلُغُهُ وَصَفُ وَاصِفٍ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا لَا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أَذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بِشْرٍ
٦ / ٣٢٢
كَمَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ وَهْبٍ، قَالَ: ثنا عَمِّي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ⦗٣٢٣⦘ وَهْبٍ، قَالَ: ثني عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ أَنَّ أَبَا عُشَّانَةَ الْمَعَافِرِيَّ، حَدَّثَهُ أَنَّهُ، سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، يَقُولُ: لَقَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، يَقُولُ: «إنَّ أَوَّلَ ثُلَّةٍ تَدْخُلُ الْجَنَّةَ لَفُقَرَاءُ الْمُهَاجِرِينَ، الَّذِينَ تُتَّقَى بِهِمُ الْمَكَارِهِ، إِذَا أُمِرُوا سَمِعُوا وَأَطَاعُوا وَإِنْ كَانَتْ لِرَجُلٍ مِنْهُمْ حَاجَةٌ إِلَى السُّلْطَانِ لَمْ تُقْضَ حَتَّى يَمُوتَ وَهِيَ فِي صَدْرِهِ، وَإِنَّ اللَّهَ يَدْعُو يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْجَنَّةَ، فَتَأْتِي بِزُخْرُفِهَا وَزِينَتِهَا، فَيَقُولُ: أَيْنَ عِبَادِيَ الَّذِينَ قَاتَلُوا فِي سَبِيلِي وَقُتِلُوا، وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي، وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِي؟ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ، فَيَدْخُلُونَهَا بِغَيْرِ عَذَابٍ، وَلَا حِسَابٍ، وَتَأْتِي الْمَلَائِكَةُ فَيَسْجُدُونَ وَيَقُولُونَ: رَبَّنَا نَحْنُ نُسَبِّحُ لَكَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، وَنُقَدِّسُ لَكَ مَنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ آثَرْتَهُمْ عَلَيْنَا؟ فَيَقُولُ الرَّبُّ جَلَّ ثناؤُهُ: هَؤُلَاءِ عِبَادِي الَّذِينَ قَاتَلُوا فِي سَبِيلِي، وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي، فَتَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ: ﴿سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ﴾ [الرعد: ٢٤]» وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا﴾ [آل عمران: ١٩٥] فَقَرَأَهُ بَعْضُهُمْ: «وَقَتَلُوا وَقُتِلُوا» بِالتَّخْفِيفِ، بِمَعْنَى أَنَّهُمْ قَتَلُوا مِنْ قَتَلُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَقَرَأَ ذَلِكَ آخَرُونَ: (وَقَاتَلُوا وَقُتِّلُوا) بِتَشْدِيدِ قُتِّلُوا، بِمَعْنَى: أَنَّهُمْ قَاتَلُوا الْمُشْرِكِينَ، وَقَتَلَهُمُ الْمُشْرِكُونَ بَعْضًا بَعْدَ بَعْضٍ وَقَتْلًا بَعْدَ قَتْلٍ، ⦗٣٢٤⦘ وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَبَعْضُ الْكُوفِيِّينَ: ﴿وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا﴾ [آل عمران: ١٩٥] بِالتَّخْفِيفِ، بِمَعْنَى أَنَّهُمْ قَاتَلُوا الْمُشْرِكِينَ وَقُتِلُوا، وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفِيِّينَ: (وَقُتِلُوا) بِالتَّخْفِيفِ (وَقَاتَلُوا) بِمَعْنَى: أَنَّ بَعْضَهُمْ قُتِلَ، وَقَاتَلَ مَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ. وَالْقِرَاءَةُ الَّتِي لَا أَسْتَجِيزُ أَنْ أَعْدُوَهَا إِحْدَى هَاتَيْنِ الْقِرَاءَتَيْنِ، وَهِيَ: ﴿وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا﴾ [آل عمران: ١٩٥] بِالتَّخْفِيفِ، أَوْ (وَقُتِلُوا) بِالتَّخْفِيفِ (وَقَاتَلُوا) لِأَنَّهَا الْقِرَاءَةُ الْمَنْقُولَةُ نَقْلَ وِرَاثَةٍ، وَمَا عَدَاهُمَا فَشَاذٌّ، وَبِأَيِّ هَاتَيْنِ الْقِرَاءَتَيْنِ الَّتِي ذَكَرْتُ أَنِّي لَا أَسْتَجِيزُ أَنْ أَعْدُوَهُمَا قَرَأَ قَارِئٌ فَمُصِيبٌ فِي ذَلِكَ الصَّوَابَ مِنَ الْقِرَاءَةِ، لِاسْتِفَاضَةِ الْقِرَاءَةِ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فِي قُرَّاءِ الْإِسْلَامِ مَعَ اتِّفَاقِ مَعْنَيَيْهِمَا
٦ / ٣٢٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لَا يَغُرَّنَّكُ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ﴾ [آل عمران: ١٩٧] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثناؤُهُ: وَلَا يَغُرَّنَّكَ يَا مُحَمَّدُ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ، يَعْنِي: تَصَرَّفَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَضَرْبَهُمْ فِيهَا
٦ / ٣٢٤
كَمَا: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿لَا يَغُرَّنَّكُ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ﴾ [آل عمران: ١٩٦] يَقُولُ: «ضَرْبُهُمْ فِي الْبِلَادِ» فَنَهَى اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ نَبِيَّهُ ﷺ عَنِ الِاغْتِرَارِ بِضَرْبِهِمْ فِي الْبِلَادِ، وَإِمْهَالِ اللَّهِ إِيَّاهُمْ مَعَ شِرْكِهِمْ وَجُحُودِهِمْ نِعَمَهُ، وَعِبَادَتِهِمْ غَيْرَهُ، وَخَرَجَ الْخِطَابُ بِذَلِكَ ⦗٣٢٥⦘ لِلنَّبِيِّ ﷺ، وَالْمَعْنِيُّ بِهِ غَيْرُهُ مِنْ أَتْبَاعِهِ وَأَصْحَابِهِ، كَمَا قَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى قَبْلُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ، وَلَكِنْ كَانَ بِأَمْرِ اللَّهِ صَادِعًا، وَإِلَى الْحَقِّ دَاعِيًا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ قَتَادَةُ
٦ / ٣٢٤
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ﴾ [آل عمران: ١٩٦] «وَاللَّهُ مَا غَرُّوا نَبِيَّ اللَّهِ، وَلَا وَكَلَ إِلَيْهِمْ شَيْئًا مِنْ أَمْرِ اللَّهِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ» وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿مَتَاعٌ قَلِيلٌ﴾ [آل عمران: ١٩٧] فَإِنَّهُ يَعْنِي: أَنَّ تَقَلُّبَهُمْ فِي الْبِلَادِ وَتَصَرُّفَهُمْ فِيهَا مُتْعَةٌ يُمَتَّعُونَ بِهَا قَلِيلًا، حَتَّى يَبْلُغُوا آجَالَهُمْ، فَتَخْتَرِمَهُمْ مَنِيَّاتُهُمْ، ثَمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ بَعْدَ مَمَاتِهِمْ، وَالْمَأْوَى الْمَصِيرُ الَّذِي يَأْوونَ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيَصِيرِونَ فِيهِ، وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ: ﴿وَبِئْسَ الْمِهَادُ﴾ [آل عمران: ١٩٧] وَبِئْسَ الْفِرَاشُ وَالْمَضْجَعُ جَهَنَّمُ
٦ / ٣٢٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ﴾ [آل عمران: ١٩٨] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثناؤُهُ: ﴿لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ﴾ [آل عمران: ١٩٨] لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوُا اللَّهَ بِطَاعَتِهِ، وَاتِّبَاعِ مَرْضَاتِهِ، فِي الْعَمَلِ بِمَا أَمَرَهُمْ بِهِ، وَاجْتِنَابِ مَا نَهَاهُمْ عَنْهُ ﴿لَهُمْ جَنَّاتٌ﴾ [البقرة: ٢٥] يَعْنِي بَسَاتِينَ ﴿تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا﴾ [آل عمران: ١٥] يَقُولُ: بَاقِينَ فِيهَا
٦ / ٣٢٥
أَبَدًا ﴿نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾ [آل عمران: ١٩٨] يَعْنِي: إِنْزَالًا مِنَ اللَّهِ إِيَّاهُمْ فِيهَا أَنْزَلَهُمُوهَا؛ وَنُصِبَ «نُزُلًا» عَلَى التَّفْسِيرِ، مِنْ قَوْلِهِ: لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ، كَمَا يُقَالُ: لَكَ عِنْدَ اللَّهِ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا، وَكَمَا يُقَالُ: هُوَ لَكَ صَدَقَةٌ، وَهُوَ لَكَ هِبَةٌ. وَقَوْلُهُ: ﴿مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾ [البقرة: ٧٩] يَعْنِي: مِنْ قِبَلِ اللَّهِ، وَمِنْ كَرَامَةِ اللَّهِ إِيَّاهُمْ، وَعَطَايَاهُ لَهُمْ. وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ﴾ [آل عمران: ١٩٨] يَقُولُ: وَمَا عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الْحَيَاةِ وَالْكَرَامَةِ، وَحُسْنِ الْمَآبِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ، مِمَّا يَتَقَلَّبُ فِيهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَإِنَّ الَّذِي يَتَقَلَّبُونَ فِيهِ زَائِلٌ فَانٍ، وَهُوَ قَلِيلٌ مِنَ الْمَتَاعِ خَسِيسٌ، وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ كَرَامَتِهِ لِلْأَبْرَارِ، وَهُمْ أَهْلُ طَاعَتِهِ، بَاقٍ غَيْرُ فَانٍ وَلَا زَائِلٍ
٦ / ٣٢٦
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ زَيْدٍ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ﴾ [آل عمران: ١٩٨] قَالَ: «لِمَنْ يُطِيعُ اللَّهَ»
٦ / ٣٢٦
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ خَيْثَمَةَ، عَنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: «مَا مِنْ نَفْسٍ بَرَّةٍ وَلَا فَاجِرَةٍ إِلَّا وَالْمَوْتُ خَيْرٌ لَهَا، ثُمَّ قَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ: ﴿وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ﴾ [آل عمران: ١٩٨] وَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ﴾ [آل عمران: ١٧٨]»
٦ / ٣٢٦
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ فَرَجِ بْنِ فَضَالَةَ، عَنْ لُقْمَانَ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: «مَا مِنْ مُؤْمِنٍ إِلَّا وَالْمَوْتُ خَيْرٌ لَهُ، وَمَا مِنْ كَافِرٍ إِلَّا وَالْمَوْتُ خَيْرٌ لَهُ. وَمَنْ لَمْ يُصَدِّقْنِي» فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: ﴿وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ﴾ [آل عمران: ١٩٨] وَيَقُولُ: ﴿وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا﴾ [آل عمران: ١٧٨]
٦ / ٣٢٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾ [آل عمران: ١٩٩] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِيمَنْ عَنَى بِهَذِهِ الْآيَةِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَنَى بِهَا أَصْحَمَةَ النَّجَاشِيَّ، وَفِيهِ أُنْزِلَتْ
٦ / ٣٢٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا عِصَامُ بْنُ رَوَّادِ بْنِ الْجَرَّاحِ، قَالَ: ثنا أَبِي، قَالَ: ثنا أَبُو بَكْرٍ الْهُذَلِيُّ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «اخْرُجُوا فَصَلُّوا عَلَى أَخٍ لَكُمْ» فَصَلَّى بِنَا، فَكَبَّرَ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ، فَقَالَ: «هَذَا النَّجَاشِيُّ أَصْحَمَةُ»، فَقَالَ الْمُنَافِقُونَ: انْظُرُوا هَذَا يُصَلِّي عَلَى عِلْجٍ نَصْرَانِيٍّ لَمْ يَرَهُ قَطُّ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ﴾ [آل عمران: ١٩٩]
٦ / ٣٢٧
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «إِنَّ أَخَاكُمُ النَّجَاشِيَّ قَدْ مَاتَ فَصَلُّوا عَلَيْهِ» قَالُوا: نُصَلِّي عَلَى رَجُلٍ لَيْسَ بِمُسْلِمٍ؟ قَالَ: فَنَزَلَتْ: ﴿وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ﴾ [آل عمران: ١٩٩] قَالَ قَتَادَةُ: فَقَالُوا: فَإِنَّهُ كَانَ لَا يُصَلِّي إِلَى الْقِبْلَةِ، فَأَنْزَلَ اللَّهِ: ﴿وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ﴾ [البقرة: ١١٥] “
٦ / ٣٢٨
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ﴾ [آل عمران: ١٩٩] ذُكِرَ لَنَا أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي النَّجَاشِيِّ وَفِي نَاسٍ مِنْ أَصْحَابِهِ آمَنُوا بِنَبِيِّ اللَّهِ ﷺ، وَصَدَّقُوا بِهِ. قَالَ: وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ اسْتَغْفَرَ لِلنَّجَاشِيِّ، وَصَلَّى عَلَيْهِ حِينَ بَلَغَهُ مَوْتُهُ، قَالَ لِأَصْحَابِهِ: «صَلُّوا عَلَى أَخٍ لَكُمْ قَدْ مَاتَ بِغَيْرِ بِلَادِكُمْ» فَقَالَ أُنَاسٌ مِنْ أَهْلِ النِّفَاقِ: يُصَلِّي عَلَى رَجُلٍ مَاتَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ دِينِهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾ [آل عمران: ١٩٩]
٦ / ٣٢٨
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ ⦗٣٢٩⦘ إِلَيْهِمْ﴾ [آل عمران: ١٩٩] قَالَ: «نَزَلَتْ فِي النَّجَاشِيِّ وَأَصْحَابِهِ مِمَّنْ آمَنَ بِالنَّبِيِّ ﷺ، وَاسْمُ النَّجَاشِيِّ أَصْحَمَةُ»
٦ / ٣٢٨
حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: «اسْمُ النَّجَاشِيِّ بِالْعَرَبِيَّةِ عَطِيَّةُ»
٦ / ٣٢٩
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: «لَمَّا صَلَّى النَّبِيُّ ﷺ عَلَى النَّجَاشِيِّ، طَعَنَ فِي ذَلِكَ الْمُنَافِقُونَ» فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ﴾ [آل عمران: ١٩٩] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ ” وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عَنَى بِذَلِكَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ وَمَنْ مَعَهِ
٦ / ٣٢٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: «نَزَلَتْ يَعْنِي هَذِهِ الْآيَةَ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ وَمَنْ مَعَهُ»
٦ / ٣٢٩
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ﴾ [آل عمران: ١٩٩] الْآيَةَ كُلَّهَا، قَالَ: «هَؤُلَاءِ يَهُودُ» ⦗٣٣٠⦘ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عَنَى بِذَلِكَ: مُسْلَمِةَ أَهْلِ الْكِتَابِ
٦ / ٣٢٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ﴾ [آل عمران: ١٩٩] «مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَهُمْ مُسْلِمَةُ أَهْلِ الْكِتَابِ» وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ مَا قَالَهُ مُجَاهِدٌ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثناؤُهُ عَمَّ بِقَوْلِهِ: ﴿وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ﴾ [آل عمران: ١٩٩] أَهْلَ الْكِتَابِ جَمِيعًا، فَلَمْ يُخَصِّصْ مِنْهُمُ النَّصَارَى دُونَ الْيَهُودِ، وَلَا الْيَهُودَ دُونَ النَّصَارَى، وَإِنَّمَا أَخْبَرَ أَنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ، وَكِلَا الْفَرِيقَيْنِ، أَعْنِي الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى، مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَمَا أَنْتَ قَائِلٌ فِي الْخَبَرِ الَّذِي رَوَيْتَ عَنْ جَابِرٍ وَغَيْرِهِ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي النَّجَاشِيِّ وَأَصْحَابِهِ؟ قِيلَ: ذَلِكَ خَبَرٌ فِي إِسْنَادِهِ نَظَرٌ، وَلَوْ كَانَ صَحِيحًا لَا شَكَّ فِيهِ لَمْ يَكُنْ لِمَا قُلْنَا فِي مَعْنَى الْآيَةِ بِخِلَافٍ، وَذَلِكَ أَنَّ جَابِرًا وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ إِنَّمَا قَالُوا: نَزَلَتْ فِي النَّجَاشِيِّ، وَقَدْ تَنْزِلُ الْآيَةُ فِي الشَّيْءِ ثُمَّ يُعَمُّ بِهَا كُلُّ مَنْ كَانَ فِي مَعْنَاهُ، فَالْآيَةُ وَإِنْ كَانَتْ نَزَلَتْ فِي النَّجَاشِيِّ، فَإِنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى قَدْ جَعَلَ الْحُكْمَ الَّذِي حَكَمَ بِهِ لِلنَّجَاشِيِّ حُكْمًا لِجَمِيعِ عِبَادِهِ الَّذِينَ هُمْ بِصِفَةِ النَّجَاشِيِّ فِي اتِّبَاعِهِمْ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وَالتَّصْدِيقِ بِمَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، بَعْدَ الَّذِي كَانُوا عَلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ مِنَ اتِّبَاعِ أَمْرِ اللَّهِ فِيمَا أَمَرَ بِهِ عِبَادَهُ فِي الْكِتَابَيْنِ: التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، ⦗٣٣١⦘ فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَتَأْوِيلُ الْآيَةِ: وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ، فَيُقِرُّ بِوَحْدَانِيَّتِهِ، وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ، يَقُولُ: وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ كِتَابِهِ وَوَحْيِهِ، عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ مُحَمَّدٍ ﷺ، وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ، يَعْنِي: وَمَا أُنْزِلَ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ مِنَ الْكُتُبِ، وَذَلِكَ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ وَالزَّبُورُ، خَاشِعِينَ لِلَّهِ، يَعْنِي: خَاضِعِينَ لِلَّهِ بِالطَّاعَةِ، مُسْتَكِينِينَ لَهُ بِهَا مُتَذَلِّلِينَ
٦ / ٣٣٠
كَمَا: حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿خَاشِعِينَ لِلَّهِ﴾ [آل عمران: ١٩٩] قَالَ: «الْخَاشِعُ: الْمُتَذَلِّلُ لِلَّهِ الْخَائِفُ» وَنُصِبَ قَوْلُهُ: ﴿خَاشِعِينَ لِلَّهِ﴾ [آل عمران: ١٩٩] عَلَى الْحَالِ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ﴾ [آل عمران: ١٩٩] وَهُوَ حَالٌ مِمَّا فِي ﴿يُؤْمِنُ﴾ [آل عمران: ١٩٩] مِنْ ذِكْرِ «مِنْ» . ﴿لَا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا﴾ [آل عمران: ١٩٩] يَقُولُ: لَا يُحَرِّفُونَ مَا أَنْزَلَ إِلَيْهِمْ فِي كُتُبِهِ مِنْ نَعْتِ مُحَمَّدٍ ﷺ فَيُبَدِّلُونَهُ، وَلَا غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ أَحْكَامِهِ وَحُجَجِهِ فِيهِ، لِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا خَسِيسٍ، يُعْطُونَهُ عَلَى ذَلِكَ التَّبْدِيلَ، وَابْتِغَاءَ الرِّيَاسَةِ عَلَى الْجُهَّالِ، وَلَكِنْ يَنْقَادُونَ لِلْحَقِّ، فَيَعْمَلُونَ بِمَا أَمَرَهُمُ اللَّهُ بِهِ، فِيمَا أَنْزَلَ إِلَيْهِمْ مِنْ كُتُبِهِ، وَيَنْتَهُونَ عَمَّا نَهَاهُمْ عَنْهُ فِيهَا، وَيُؤْثِرُونَ أَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى هَوَى أَنْفُسِهِمْ
٦ / ٣٣١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: ﴿أُولَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾ [آل عمران: ١٩٩] يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثناؤُهُ: ﴿أُولَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ﴾ [آل عمران: ١٩٩] هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ، وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ، وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ، لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ؛ يَعْنِي: لَهُمْ عِوَضُ أَعْمَالِهِمُ الَّتِي عَمِلُوهَا، وَثَوَابُ طَاعَتِهِمْ رَبَّهُمْ فِيمَا أَطَاعُوهُ فِيهِ عِنْدَ ⦗٣٣٢⦘ رَبِّهِمْ، يَعْنِي: مَذْخَوُرٌ ذَلِكَ لَهُمْ لَدَيْهِ، حَتَّى يَصِيرُوا إِلَيْهِ فِي الْقِيَامَةِ، فَيُوَفِّيَهُمْ ذَلِكَ ﴿إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾ [آل عمران: ١٩٩] وَسُرْعَةُ حِسَابِهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ، أَنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٍ مِنْ أَعْمَالِهِمْ قَبْلَ أَنْ يَعْمَلُوهَا، وَبَعْدَ مَا عَمِلُوهَا، فَلَا حَاجَةَ بِهِ إِلَى إِحْصَاءِ عَدَدِ ذَلِكَ، فَيَقَعُ فِي الْإِحْصَاءِ إِبْطَاءٌ، فَلِذَلِكَ قَالَ: ﴿إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾ [آل عمران: ١٩٩]
٦ / ٣٣١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [آل عمران: ٢٠٠] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى ذَلِكَ: اصْبِرُوا عَلَى دِينِكُمْ، وَصَابِرُوا الْكُفَّارَ وَرَابِطُوهُمْ
٦ / ٣٣٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنِ الْمُبَارَكِ بْنِ فَضَالَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا﴾ [آل عمران: ٢٠٠] قَالَ: «أَمَرَهُمْ أَنْ يَصْبِرُوا عَلَى دِينِهِمْ، وَلَا يَدَعُوهُ لِشِدَّةٍ وَلَا رَخَاءٍ، وَلَا سَرَّاءَ وَلَا ضَرَّاءَ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُصَابِرُوا الْكُفَّارَ، وَأَنْ يُرَابِطُوا الْمُشْرِكِينَ»
٦ / ٣٣٢
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا﴾ [آل عمران: ٢٠٠] «أَيِ اصْبِرُوا عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ، وَصَابِرُوا أَهْلَ الضَّلَالَةِ، وَرَابِطُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ» ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [البقرة: ١٨٩]
٦ / ٣٣٢
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا﴾ [آل عمران: ٢٠٠] يَقُولُ: «صَابِرُوا الْمُشْرِكِينَ، وَرَابِطُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ»
٦ / ٣٣٣
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: ﴿اصْبِرُوا﴾ [آل عمران: ٢٠٠] «عَلَى الطَّاعَةِ» ﴿وَصَابِرُوا﴾ [آل عمران: ٢٠٠] «أَعْدَاءَ اللَّهِ» ﴿وَرَابِطُوا﴾ [آل عمران: ٢٠٠] «فِي سَبِيلِ اللَّهِ»
٦ / ٣٣٣
حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا جُوَيْبِرٌ، عَنِ الضَّحَّاكِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا﴾ [آل عمران: ٢٠٠] قَالَ: «اصْبِرُوا عَلَى مَا أُمِرْتُمْ بِهِ، وَصَابِرُوا الْعَدُوَّ وَرَابِطُوهُمْ» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: اصْبِرُوا عَلَى دِينِكُمْ، وَصَابِرُوا وَعْدِي إِيَّاكُمْ عَلَى طَاعَتِكُمْ لِي، وَرَابِطُوا أَعْدَاءَكُمْ
٦ / ٣٣٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو صَخْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبَ الْقُرَظِيِّ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا﴾ [آل عمران: ٢٠٠] يَقُولُ: «اصْبِرُوا عَلَى دِينِكُمْ، وَصَابِرُوا الْوَعْدَ الَّذِي وَعَدْتُكُمْ، وَرَابِطُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ، حَتَّى يَتْرُكَ دِينَهُ لِدِينِكُمْ» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: اصْبِرُوا عَلَى الْجِهَادِ، وَصَابِرُوا عَدُوَّكُمْ وَرَابِطُوهُمْ
٦ / ٣٣٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا﴾ [آل عمران: ٢٠٠] قَالَ: «اصْبِرُوا عَلَى الْجِهَادِ، وَصَابِرُوا عَدُوَّكُمْ، وَرَابِطُوا عَلَى عَدُوِّكُمْ»
٦ / ٣٣٤
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُرِّيُّ، قَالَ: ثنا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، قَالَ: كَتَبَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَذَكَرَ لَهُ جُمُوعًا مِنَ الرُّومِ وَمَا يَتَخَوَّفُ مِنْهُمْ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ: «أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّهُ مَهْمَا نَزَلَ بِعَبْدٍ مُؤْمِنٍ مَنْزِلَةُ شِدَّةٍ يَجْعَلِ اللَّهُ بَعْدَهَا فَرَجًا، وَإِنَّهُ لَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ، وَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ فِي كِتَابِهِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [آل عمران: ٢٠٠]» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى: ﴿وَرَابِطُوا﴾ [آل عمران: ٢٠٠] أَيْ رَابِطُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ: أَيِ انْتَظِرُوهَا وَاحِدَةً بَعْدَ وَاحِدَةٍ
٦ / ٣٣٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا سُوَيْدٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ ثَابِتِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: ثني دَاوُدُ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: قَالَ لِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ ⦗٣٣٥⦘ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: يَا ابْنَ أَخِي هَلْ تَدْرِي فِي أَيِّ شَيْءٍ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ ﴿اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا﴾ [آل عمران: ٢٠٠]؟ قَالَ: قُلْتُ لَا، قَالَ: «إِنَّهُ يَا ابْنَ أَخِي لَمْ يَكُنْ فِي زَمَانِ النَّبِيِّ ﷺ غَزْوٌ يُرَابَطُ فِيهِ، وَلَكِنَّهُ انْتِظَارُ الصَّلَاةِ خَلْفَ الصَّلَاةِ»
٦ / ٣٣٤
حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ، قَالَ: ثنا ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ شُرَحْبِيلَ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يُكَفِّرُ اللَّهُ بِهِ الذُّنُوبَ وَالْخَطَايَا؟ إِسْبَاغُ الْوضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ، وَانْتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَذَلِكَ الرِّبَاطِ»
٦ / ٣٣٥
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ سَهْلٍ الرَّمْلِيُّ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُهَاجِرٍ، قَالَ: ثني يَحْيَى بْنُ زَيْدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ، عَنْ شُرَحْبِيلَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا وَيُكَفِّرُ بِهِ الذُّنُوبَ؟» قَالَ: قُلْنَا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «إِسْبَاغُ الْوضُوءِ فِي أَمَاكِنِهَا، وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ»
٦ / ٣٣٥
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «أَلَا ⦗٣٣٦⦘ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَحُطُّ اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟» قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: «إِسْبَاغُ الْوضُوءِ عِنْدَ الْمَكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ» حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، بِنَحْوِهِ. وَأَوْلَى التَّأْوِيلَاتِ بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ، قَوْلُ مَنْ قَالَ فِي ذَلِكَ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [آل عمران: ٢٠٠] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ صَدَقُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ، اصْبِرُوا عَلَى دِينِكُمْ، وَطَاعَةِ رَبِّكُمْ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يُخَصِّصْ مِنْ مَعَانِي الصَّبْرِ عَلَى الدِّينِ وَالطَّاعَةِ شَيْئًا فَيَجُوزُ إِخْرَاجُهُ مِنْ ظَاهِرِ التَّنْزِيلِ. فَلِذَلِكَ قُلْنَا إِنَّهُ عَنَى بِقَوْلِهِ: ﴿اصْبِرُوا﴾ [آل عمران: ٢٠٠] الْأَمْرَ بِالصَّبِرِ عَلَى جَمِيعِ مَعَانِي طَاعَةِ اللَّهِ فِيمَا أَمَرَ وَنَهَى، صَعْبِهَا وَشَدِيدِهَا، وَسَهْلِهَا وَخَفَيفِهَا ﴿وَصَابِرُوا﴾ [آل عمران: ٢٠٠] يَعْنِي: وَصَابِرُوا أَعْدَاءَكُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ. وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ؛ لِأَنَّ الْمَعْرُوفَ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ فِي الْمُفَاعَلَةِ، أَنْ تَكُونَ مِنْ فَرِيقَيْنِ، أَوِ اثْنَيْنِ فَصَاعِدًا، وَلَا تَكُونَ مِنْ وَاحِدٍ إِلَّا قَلِيلًا فِي أَحْرُفٍ ⦗٣٣٧⦘ مَعْدُودَةٍ، وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَإِنَّمَا أُمِرَ الْمُؤْمِنُونَ أَنْ يُصَابِرُوا غَيْرَهُمْ مِنْ أَعْدَائِهِمْ، حَتَّى يُظَفِّرَهُمُ اللَّهُ بِهِمْ، وَيُعْلِي كَلِمَتَهُ، وَيُخْزِي أَعْدَاءَهُمْ، وَأَنْ لَا يَكُونَ عَدُوُّهُمْ أَصْبَرَ مِنْهُمْ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ ﴿وَرَابِطُوا﴾ [آل عمران: ٢٠٠] مَعْنَاهُ: وَرَابِطُوا أَعْدَاءَكُمْ وَأَعْدَاءَ دِينِكُمْ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. وَأَرَى أَنَّ أَصْلَ الرِّبَاطِ: ارْتِبَاطُ الْخَيْلِ لِلْعَدُوِّ، كَمَا ارْتَبَطَ عَدُوُّهُمْ لَهُمْ خَيْلَهُمْ، ثُمَّ اسْتُعْمِلَ ذَلِكَ فِي كُلِّ مُقِيمٍ فِي ثَغْرٍ، يَدْفَعُ عَمَّنْ وَرَاءَهُ مَنْ أَرَادَهُ مِنْ أَعْدَائِهِمْ بِسُوءٍ، وَيَحْمِي عَنْهُمْ مِنْ بَيْنِهِ وَبَيْنَهُمْ، مِمَّنْ بَغَاهُمْ بِشَرٍّ كَانَ ذَا خَيْلٍ قَدِ ارْتَبَطَهَا، أَوْ ذَا رَجْلَةٍ لَا مَرْكَبَ لَهُ وَإِنَّمَا قُلْنَا: مَعْنَى ﴿وَرَابِطُوا﴾ [آل عمران: ٢٠٠] وَرَابِطُوا أَعْدَاءَكُمْ وَأَعْدَاءَ دِينِكُمْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمَعْنَى الْمَعْرُوفُ مِنْ مَعَانِي الرِّبَاطِ، وَإِنَّمَا تَوَجَّهُ الْكَلَامُ إِلَى الْأَغْلَبِ الْمَعْرُوفِ فِي اسْتِعْمَالِ النَّاسِ مِنْ مَعَانِيهِ دُونَ الْخَفِيِّ، حَتَّى يَأْتِيَ بِخِلَافِ ذَلِكَ مَا يُوجِبُ صَرَفَهُ إِلَى الْخَفِيِّ مِنْ مَعَانِيهِ حُجَّةٌ يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهَا مِنْ كِتَابٍ أَوْ خَبَرٍ عَنِ الرَّسُولِ ﷺ، أَوْ إِجْمَاعٍ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ
٦ / ٣٣٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [البقرة: ١٨٩] يَعْنِي بِذَلِكَ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَاتَّقُوا اللَّهَ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ، وَاحْذَرُوهُ أَنْ ⦗٣٣٨⦘ تُخَالِفُوا أَمْرَهُ، أَوْ تَتَقَدَّمُوا نُهْيَهُ ﴿لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [البقرة: ١٨٩] يَقُولُ: لِتُفْلِحُوا فَتَبْقُوا فِي نُعَيْمٍ الْأَبَدَ، وَتَنْجَحُوا فِي طَلَبَاتِكُمْ عِنْدَهُ
٦ / ٣٣٧
كَمَا: حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو صَخْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [البقرة: ١٨٩] «وَاتَّقُوا اللَّهَ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ غَدًا إِذَا لَقِيتُمُونِي» آخِرُ تَفْسِيرِ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ