سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ 10

فَيَخُونُوهُ فِي الْغَنَائِمِ؛ قِيلَ لَهُ: أَفَكَانَ لَهُمْ أَنْ يُغِلُّوا غَيْرَ النَّبِيِّ ﷺ فَيَخُونُوهُ، حَتَّى خُصُّوا بِالنَّهِيِ عَنْ خِيَانَةِ النَّبِيِّ ﷺ؟ فَإِنْ قَالُوا: نَعَمْ، خَرَجُوا مِنْ قَوْلِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يُبِحْ خِيَانَةَ أَحَدٍ فِي قَوْلِ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ قَطُّ. إِنْ قَالَ قَائِلٌ: لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُمْ فِي نَبِيٍّ وَلَا غَيْرِهِ، قِيلَ: فَمَا وَجْهُ خُصُوصِهِمْ إِذًا بِالنَّهْيِ عَنْ خِيَانَةِ النَّبِيِّ ﷺ وَغُلُولِهِ وَغُلُولِ بَعْضِ الْيَهُودِ، بِمَنْزِلَةٍ فِيمَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَى الْغَالِّ مِنْ أَمْوَالِهِمَا، وَمَا يَلْزَمُ الْمُؤْتمَنُ مِنْ أَدَاءِ الْأَمَانَةِ إِلَيْهِمَا، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَمَعْلُومٌ أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ هُوَ مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ اللَّهَ عز وجل نَفَى بِذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْغُلُولُ وَالْخِيَانَةُ مِنْ صِفَاتِ أَنْبِيَائِهِ، نَاهِيًا بِذَلِكَ عِبَادَهُ عَنِ الْغُلُولِ، وَآمِرًا لَهُمْ بِالِاسْتِنَانِ بِمِنْهَاجِ نَبِيِّهِمْ، كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا مِنْ رِوَايَةِ عَطِيَّةَ ثُمَّ عَقَّبَ تَعَالَى ذِكْرُهُ نَهْيَهَمُ عَنِ الْغُلُولِ بِالْوَعِيدِ عَلَيْهِ، فَقَالَ: ﴿وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ [آل عمران: ١٦١] الْآيَتَيْنِ مَعًا
٦ ‏/ ٢٠١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ [آل عمران: ١٦١] يَعْنِي بِذَلِكَ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمَنْ يَخُنْ مِنْ غَنَائِمِ الْمُسْلِمِينَ شَيْئًا، وَفَيْئِهِمْ، وَغَيْرِ ذَلِكَ يَأْتِ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي الْمَحْشَرِ
٦ ‏/ ٢٠١
كَمَا: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ ⦗٢٠٢⦘ أَبِي حَيَّانَ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَامَ خَطِيبًا، فَوَعَظَ وَذَكَّرَ، ثُمَّ قَالَ: «أَلَا عَسَى رَجُلٌ مِنْ مِنْكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ شَاةٌ لَهَا ثُغَاءٌ، يَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثني، فَأَقُولُ: لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا، قَدْ أَبْلَغْتُكَ، أَلَا هَلْ عَسَى رَجُلٌ مِنْكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ فَرَسٌ لَهَا حَمْحَمَةٌ، يَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثني، فَأَقُولُ: لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ، أَلَا هَلْ عَسَى رَجُلٌ مِنْكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ صَامِتٌ، فَيَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثني، فَأَقُولَ: لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ، أَلَا هَلْ عَسَى رَجُلٌ مِنْكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ بَقَرَةٌ لَهَا خُوَارٌ، يَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثني فَأَقُولُ: لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ، أَلَا هَلْ عَسَى رَجُلٌ مِنْكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ رِقَاعٌ تَخْفِقُ، يَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثني، فَأَقُولُ: لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ» حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي حَيَّانَ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، مِثْلَ هَذَا، زَادَ فِيهِ: «عَلَى رَقَبَتِهِ بَعِيرٌ لَهُ رُغَاءٌ، لَا أُلْفَيَنَّ أَحَدَكُمْ عَلَى رَقَبَتِهِ نَفْسٌ لَهَا صِيَاحٌ» ⦗٢٠٣⦘ حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ: ثنا أَبُو حَيَّانَ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِينَا يَوْمًا، فَذَكَرَ الْغُلُولَ، فَعَظَّمَهُ وَعَظَّمَ أَمْرَهُ، فَقَالَ: «لَا أُلْفَيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ بَعِيرٌ لَهُ رُغَاءٌ، يَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثني» ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ أَبِي كُرَيْبٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
٦ ‏/ ٢٠١
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا حَفْصُ بْنُ بِشْرٍ، عَنْ يَعْقُوبَ الْقُمِّيِّ، قَالَ: ثنا حَفْصُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لَا أَعْرِفَنَّ أَحَدَكُمْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُ شَاةً لَهَا ثُغَاءٌ، يُنَادِي: يَا مُحَمَّدُ، يَا مُحَمَّدُ فَأَقُولُ: لَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا قَدْ بَلَّغْتُكَ وَلَا أَعْرِفَنَّ أَحَدَكُمْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلَ جَمَلًا لَا رُغَاءٌ، يَقُولُ: يَا مُحَمَّدُ يَا مُحَمَّدُ، فَأَقُولُ: لَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا قَدْ بَلَّغْتُكَ وَلَا أَعْرِفَنَّ أَحَدَكُمْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُ فَرَسًا لَهُ حَمْحَمَةٌ، يُنَادِي: يَا مُحَمَّدُ يَا مُحَمَّدُ، فَأَقُولُ: لَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا قَدْ بَلَّغْتُكَ وَلَا أَعْرِفَنَّ أَحَدَكُمْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُ قِشْعًا مِنْ ⦗٢٠٤⦘ أَدَمٍ يُنَادِي: يَا مُحَمَّدُ يَا مُحَمَّدُ، فَأَقُولُ: لَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا قَدْ بَلَّغْتُكَ»
٦ ‏/ ٢٠٣
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: ثنا أَبُو إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ذَكْوَانَ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مُصَدِّقًا فَجَاءَ بِسَوَادٍ كَثِيرٍ، قَالَ: فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مَنْ يَقْبَضُهُ مِنْهُ؛ فَلَمَّا أَتَوْهُ، جَعَلَ يَقُولُ: هَذَا لِي، وَهَذَا لَكُمْ؛ قَالَ: فَقَالُوا: مِنْ أَيْنَ لَكَ هَذَا؟ قَالَ: أُهْدِيَ إِلَيَّ، فَأَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَأَخْبَرُوهُ بِذَلِكَ، فَخَرَجَ فَخَطَبَ، فَقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ، مَا بَالِي أَبْعَثُ قَوْمًا إِلَى الصَّدَقَةِ، فَيَجِيءُ أَحَدُهُمْ بِالسَّوَادِ الْكَثِيرِ، فَإِذَا بَعَثْتُ مَنْ يَقْبَضُهُ قَالَ: هَذَا لِي، وَهَذَا لَكُمْ فَإِنْ كَانَ صَادِقًا أَفَلَا أُهْدِيَ لَهُ وَهُوَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ، أَوْ فِي بَيْتِ أُمِّهِ؟» ثُمَّ قَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ مَنْ بَعَثناهُ عَلَى عَمَلٍ فَغَلَّ شَيْئًا، جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى عُنُقِهِ يَحْمِلُهُ، فَاتَّقُوا اللَّهَ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى عُنُقِهِ بَعِيرٌ لَهُ رُغَاءٌ، أَوْ بَقَرَةٌ تَخُورُ، أَوْ شَاةٌ تَثْغُو»
٦ ‏/ ٢٠٤
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، وَابْنُ نُمَيْرٍ، وَعَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ، قَالَ: اسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ رَجُلًا ⦗٢٠٥⦘ مِنَ الْأَزْدِ، يُقَالُ لَهُ ابْنُ الْأَتَبِيَّةِ عَلَى صَدَقَاتِ بَنِي سُلَيْمٍ؛ فَلَمَّا جَاءَ قَالَ: هَذَا لَكُمْ، وَهَذَا هَدِيَّةٌ أُهْدِيَتْ لِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «أَفَلَا يَجْلِسُ أَحَدُكُمْ فِي بَيْتِهِ فَتَأْتِيهِ هَدِيَّتُهُ؟» ثُمَّ حَمِدَ اللَّهَ وَأُنْثَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أَسْتَعْمِلُ رِجَالًا مِنْكُمْ عَلَى أُمُورٍ مِمَّا وَلَّانِيَ اللَّهُ، فَيَقُولُ أَحَدُهُمْ: هَذَا الَّذِي لَكُمْ، وَهَذَا هَدِيَّةٌ أُهْدِيَتْ إِلَيَّ أَفَلَا يَجْلِسُ فِي بَيْتِ أَبِيهِ أَوْ بَيْتِ أُمِّهِ فَتَأْتِيهِ هَدِيَّتُهُ؟ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا يَأْخُذُ أَحَدُكُمْ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا إِلَّا جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى عُنُقِهِ، فَلَا أَعْرِفَنَّ مَا جَاءَ رَجُلٌ يَحْمِلُ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ، أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ، أَوْ شَاةً تَثْغُو» ثُمَّ رَفَعَ يَدَهُ فَقَالَ: «أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ» حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحِيمِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ، حَدَّثَهُ بِمِثْلِ هَذَا الْحَدِيثِ، قَالَ: «أَفَلَا جَلَسْتَ فِي بَيْتِ أَبِيكَ وَأُمِّكَ حَتَّى تَأْتِيَكَ هَدِيَّتُكَ؟» ثُمَّ رَفَعَ يَدَهُ حَتَّى إِنِّي لَأَنْظُرُ إِلَى بَيَاضِ إِبْطَيْهِ، ثُمَّ قَالَ «اللَّهُمَّ بَلَّغْتُ» قَالَ أَبُو حُمَيْدٍ: بَصُرَ عَيْنِي، وَسَمِعَ أُذُنِيَ
٦ ‏/ ٢٠٤
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَهْبٍ، قَالَ: ثني عَمِّي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، أَنَّ مُوسَى بْنَ جُبَيْرٍ، حَدَّثَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحُبَابِ الْأَنْصَارِيَّ، حَدَّثَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُنَيْسٍ حَدَّثَهُ أَنَّهُ، تَذَاكَرَ هُوَ ⦗٢٠٦⦘ وَعُمَرُ يَوْمًا الصَّدَقَةَ، فَقَالَ: أَلَمْ تَسْمَعْ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ حِينَ ذَكَرَ غُلُولَ الصَّدَقَةِ: «مَنْ غَلَّ مِنْهَا بَعِيرًا أَوْ شَاةً فَإِنَّهُ يَحْمِلُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»؟ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُنَيْسٍ: بَلَى
٦ ‏/ ٢٠٥
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى الْأُمَوِيُّ، قَالَ: ثنا أَبِي، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ بَعَثَ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ مُصَدِّقًا، فَقَالَ: «إِيَّاكَ يَا سَعْدُ أَنْ تَجِيءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِبَعِيرٍ تَحْمِلُهُ لَهُ رُغَاءٌ» قَالَ: لَا آخُذُهُ وَلَا أَجِيءُ بِهِ فَأَعْفَاهُ
٦ ‏/ ٢٠٦
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ الْحِمْصِيُّ أَبُو حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا الرَّبِيعُ بْنُ رَوْحٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ عَيَّاشٍ، قَالَ: ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ، عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ اسْتَعْمَلَ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ، فَأَتَى النَّبِيَّ ﷺ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ: «إِيَّاكَ يَا سَعْدُ أَنْ تَجِيءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَحْمِلُ عَلَى عُنُقِكَ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ» فَقَالَ سَعْدٌ: فَإِنْ فَعَلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ ذَلِكَ لَكَائِنٌ؟ قَالَ: «نَعَمْ»، قَالَ سَعْدٌ: قَدْ عَلِمْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنِّي أُسْأَلُ فَأُعْطِي، فَأَعْفِنِي، فَأَعْفَاهُ “
٦ ‏/ ٢٠٦
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا زَيْدُ بْنُ حِبَّانَ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَارِثِ، قَالَ: ثني جَدِّي عُبَيْدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ، وَكَانَ أَوَّلَ مَوْلُودٍ بِالْمَدِينَةِ، قَالَ: اسْتُعْمِلْتُ عَلَى صَدَقَةِ دَوْسٍ، فَجَاءَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ فِي الْيَوْمِ الَّذِي خَرَجْتُ فِيهِ، فَسَلَّمَ، فَخَرَجْتُ إِلَيْهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: كَيْفَ أَنْتَ وَالْبَعِيرُ؟ كَيْفَ أَنْتَ وَالْبَقَرُ؟ كَيْفَ أَنْتَ وَالْغَنَمُ؟ ثُمَّ ⦗٢٠٧⦘ قَالَ: سَمِعْتُ حِبِّي رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «مَنْ أَخَذَ بَعِيرًا بِغَيْرِ حَقَّهِ جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَهُ رُغَاءٌ، وَمَنْ أَخَذَ بَقَرَةً بِغَيْرِ حَقِّهَا جَاءَ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَهَا خُوَارٌ، وَمَنْ أَخَذَ شَاةً بِغَيْرِ حَقِّهَا جَاءَ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى عُنُقِهِ لَهَا ثُغَاءٌ فَإِيَّاكَ وَالْبَقَرَ فَإِنَّهَا أَحَدِ قُرُونًا وَأَشَدُّ أَظْلَافًا» حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، قَالَ: ثني مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ جَدِّهِ عُبَيْدِ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ، قَالَ: اسْتُعْمِلْتُ عَلَى صَدَقَةِ دَوْسٍ؛ فَلَمَّا قَضَيْتُ الْعَمَلَ قَدِمْتُ، فَجَاءَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ فَسَلَّمَ عَلَيَّ، فَقَالَ: أَخْبِرْنِي كَيْفَ أَنْتَ وَالْإِبِلُ؟ ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِهِ عَنْ زَيْدٍ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: «جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى عُنُقِهِ لَهُ رُغَاءٌ»
٦ ‏/ ٢٠٦
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ [آل عمران: ١٦١] قَالَ قَتَادَةُ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ، إِذَا غَنِمَ مَغْنَمًا، بَعَثَ مُنَادِيًا: «أَلَا لَا يَغُلَّنَّ رَجُلٌ مِخْيَطًا فَمَا دُونَهُ، أَلَا لَا يَغُلَّنَّ رَجُلٌ بَعِيرًا فَيَأْتِي بِهِ عَلَى ظَهْرِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَهُ رُغَاءٌ، أَلَا لَا يَغُلَّنَّ رَجُلٌ فَرَسًا، فَيَأْتِي بِهِ عَلَى ظَهْرِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَهُ حَمْحَمَةٌ»
٦ ‏/ ٢٠٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ثُمَّ تَوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا ⦗٢٠٨⦘ يُظْلَمُونَ﴾ [البقرة: ٢٨١] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثناؤُهُ: ﴿ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ﴾ [البقرة: ٢٨١] ثُمَّ تُعْطَى كُلُّ نَفْسٍ جَزَاءَ مَا كَسَبَتْ بِكَسْبِهَا وَافِيًا غَيْرَ مَنْقُوصٍ مَا اسْتَحَقَّهُ وَاسْتَوْجَبَهُ مِنْ ذَلِكَ: ﴿وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ [البقرة: ٢٨١] يَقُولُ: لَا يُفْعَلُ بِهِمْ إِلَّا الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُفْعَلَ بِهِمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْتَدِيَ عَلَيْهِمْ، فَيُنْقَصُوا عَمَّا اسْتَحَقُّوهُ
٦ ‏/ ٢٠٧
كَمَا: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: ﴿ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ [البقرة: ٢٨١] «ثُمَّ يُجْزَى بِكَسْبِهِ غَيْرَ مَظْلُومٍ وَلَا مُعْتَدًى عَلَيْهِ»
٦ ‏/ ٢٠٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ [آل عمران: ١٦٢] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى ذَلِكَ: أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ فِي تَرْكِ الْغُلُولِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ بِغُلُولِهِ مَا غَلَّ
٦ ‏/ ٢٠٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ طَرِيفٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ﴾ [آل عمران: ١٦٢] قَالَ: «مَنْ لَمْ يَغُلَّ» ﴿كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ﴾ [آل عمران: ١٦٢] «كَمَنْ غَلَّ»
٦ ‏/ ٢٠٨
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ مُطَرِّفٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، قَوْلُهُ: ﴿أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ﴾ [آل عمران: ١٦٢] قَالَ: «مَنْ أَدَّى الْخُمُسَ» ﴿كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ﴾ [آل عمران: ١٦٢] «فَاسْتَوْجَبَ سَخَطًا مِنَ اللَّهِ»
٦ ‏/ ٢٠٩
وَقَالَ آخَرُونَ فِي ذَلِكَ بِمَا: حَدَّثَنِي بِهِ ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: ﴿أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ﴾ [آل عمران: ١٦٢] عَلَى مَا أَحَبَّ النَّاسُ وَسَخِطُوا ﴿كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ﴾ [آل عمران: ١٦٢] «لِرِضَا النَّاسِ وَسَخَطِهِمْ؟ يَقُولُ: أَفَمَنْ كَانَ عَلَى طَاعَتِي، فَثَوَابُهُ الْجَنَّةُ وَرِضْوَانٌ مِنْ رَبِّهِ، كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ، فَاسْتَوْجَبَ غَضَبَهُ، وَكَانَ مَأْوَاهُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ؟ أَسَوَاءٌ الْمَثَلَانِ؟ أَيْ فَاعْرِفُوا» وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ عِنْدِي قَوْلُ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عُقَيْبَ وَعِيدِ اللَّهِ عَلَى الْغُلُولِ وَنَهْيِهِ عِبَادَهُ عَنْهُ، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ بَعْدَ نَهْيِهِ عَنْ ذَلِكَ وَوَعِيدِهِ، أَسَوَاءٌ الْمُطِيعُ لِلَّهِ فِيمَا أَمَرَهُ وَنَهَاهُ، وَالْعَاصِي لَهُ فِي ذَلِكَ؟ أَيْ أَنَّهُمَا لَا يَسْتَوِيَانِ وَلَا تَسْتَوِي حَالَتَاهُمَا عِنْدَهُ، لِأَنَّ لِمَنْ أَطَاعَ اللَّهَ فِيمَا أَمَرَهُ وَنَهَاهُ الْجَنَّةَ، وَلِمَنْ عَصَاهُ فِيمَا أَمَرَهُ وَنَهَاهُ النَّارَ، فَمَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ﴾ [آل عمران: ١٦٢] إِذًا: أَفَمَنْ تَرَكَ الْغُلُولَ وَمَا نَهَاهُ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ مَعَاصِيهِ وَعَمِلَ بِطَاعَةِ اللَّهِ فِي تَرْكِهِ ذَلِكَ وَفِي غَيْرِهِ مِمَّا أَمَرَهُ بِهِ وَنَهَاهُ مِنْ فَرَائِضِهِ، مُتَّبَعًا فِي كُلِّ ذَلِكَ رِضَا اللَّهِ، وَمُجْتَنِبًا سَخَطَهُ ﴿كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ﴾ [آل عمران: ١٦٢] يَعْنِي: كَمَنِ انْصَرَفَ مُتَحَمِّلًا سَخَطَ اللَّهِ ⦗٢١٠⦘ وَغَضَبَهُ، فَاسْتَحَقَّ بِذَلِكَ سُكْنَى جَهَنَّمَ، يَقُولُ: لَيْسَا سَوَاءً. وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ [آل عمران: ١٦٢] فَإِنَّهُ يَعْنِي: وَبِئْسَ الْمَصِيرُ الَّذِي يَصِيرُ إِلَيْهِ وَيَئُوبُ إِلَيْهِ مَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ جَهَنَّمُ
٦ ‏/ ٢٠٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ﴾ [آل عمران: ١٦٣] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِذَلِكَ أَنَّ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ، وَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ مِخْتَلِفُو الْمَنَازِلِ عِنْدَ اللَّهِ، فَلِمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ الْكَرَامَةُ وَالثَّوَابُ الْجَزِيلُ، وَلِمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ الْمَهَانَةُ وَالْعِقَابُ الْأَلِيمُ
٦ ‏/ ٢١٠
كَمَا: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: ﴿هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ﴾ [آل عمران: ١٦٣] «أَيْ لِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا فِي الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ أَهْلُ طَاعَتِهِ مِنْ أَهْلِ مَعْصِيَتِهِ»
٦ ‏/ ٢١٠
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ﴾ [آل عمران: ١٦٣] يَقُولُ: «بِأَعْمَالِهِمْ» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ، يَعْنِي: لِمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ مَنَازِلُ عِنْدَ اللَّهِ كَرِيمَةٌ
٦ ‏/ ٢١٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿هُمْ دَرَجَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ﴾ [آل عمران: ١٦٣] قَالَ: «هِيَ كَقَوْلِهِ لَهُمْ ⦗٢١١⦘ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ»
٦ ‏/ ٢١٠
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ﴾ [آل عمران: ١٦٣] يَقُولُ: «لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ» وَقِيلَ قَوْلُهُ: ﴿هُمْ دَرَجَاتٌ﴾ [آل عمران: ١٦٣] كَقَوْلِ الْقَائِلِ: هُمْ طَبَقَاتٌ، كَمَا قَالَ ابْنُ هَرِمَةَ:
[البحر الوافر] إِنْ حُمَّ الْمَنُونُ يَكُونُ قَوْمٌ … لِرَيْبِ الدَّهْرِ أَمْ دَرَجَ السُّيُولِ
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ﴾ [البقرة: ٩٦] فَإِنَّهُ يَعْنِي: وَاللَّهُ ذُو عِلْمٍ بِمَا يَعْمَلُ أَهْلُ طَاعَتِهِ وَمَعْصِيَتِهِ، لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْ أَعْمَالِهِمْ شَيْءٌ، يُحْصِي عَلَى الْفَرِيقَيْنِ جَمِيعًا أَعْمَالَهُمْ، حَتَّى تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مِنْهُمْ جَزَاءَ مَا كَسَبَتْ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ
٦ ‏/ ٢١١
كَمَا: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: ﴿وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ﴾ [البقرة: ٩٦] يَقُولُ: «إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ أَهْلُ طَاعَتِهِ مِنْ أَهْلِ مَعْصِيَتِهِ»
٦ ‏/ ٢١١
﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ [آل عمران: ١٦٤]
٦ ‏/ ٢١١
يَعْنِي بِذَلِكَ: لَقَدْ تَطَوَّلَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا، حِينَ أَرْسَلَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ، نَبِيًّا مِنْ أَهْلِ لِسَانِهِمْ، وَلَمْ يَجْعَلْهُ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ لِسَانِهِمْ فَلَا يَفْقَهُوا عَنْهُ مَا يَقُولُ ﴿يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ﴾ [آل عمران: ١٦٤] يَقُولُ: يَقْرَأُ عَلَيْهِمْ آيَ كِتَابِهِ وَتَنْزِيلَهُ ﴿وَيُزَكِّيهِمْ﴾ [البقرة: ١٢٩] يَعْنِي: يُطَهِّرُهُمْ مِنْ ذُنُوبِهِمْ بِاتِّبَاعِهِمْ إِيَّاهُ، وَطَاعَتِهِمْ لَهُ فِيمَا أَمَرَهُمْ وَنَهَاهُمْ ﴿وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾ [البقرة: ١٢٩] يَعْنِي: وَيُعَلِّمُهُمْ كِتَابَ اللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْهِ، وَيُبَيِّنُ لَهُمْ تَأْوِيلَهُ وَمَعَانِيَهُ، وَالْحِكْمَةَ وَيَعْنِي بِالْحِكْمَةِ السُّنَّةَ الَّتِي سَنَّهَا اللَّهُ جَلَّ ثناؤُهُ لِلْمُؤْمِنِينَ عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَبَيَانَهُ لَهُمْ ﴿وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ [آل عمران: ١٦٤] يَعْنِي: إِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يَمُنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِإِرْسَالِهِ رَسُولَهُ الَّذِي هَذِهِ صِفَتُهُ، لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ، يَقُولُ: فِي جَهَالَةٍ جَهْلَاءَ، وَفِي حَيْرَةٍ عَنِ الْهُدَى عَمْيَاءَ، لَا يَعْرِفُونَ حَقًّا، وَلَا يُبْطِلُونَ بَاطِلًا. وَقَدْ بَيَّنَّا أَصْلَ الضَّلَالَةِ فِيمَا مَضَى، وَأَنَّهُ الْأَخْذُ عَلَى غَيْرِ هُدًى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَالْمُبِينُ: الَّذِي يُبَيِّنُ لِمَنْ تَأَمَّلَهُ بِعَقْلِهِ وَتَدَبَّرَهُ بِفَهْمِهِ أَنَّهُ عَلَى غَيْرِ اسْتِقَامَةٍ وَلَا هُدًى. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ
٦ ‏/ ٢١٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ﴾ [آل عمران: ١٦٤] «مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ غَيْرِ دَعْوَةٍ وَلَا رَغْبَةٍ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ، جَعَلَهُ اللَّهُ رَحْمَةً لَهُمْ، لِيُخْرِجَهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ، وَيَهْدِيَهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ» قَوْلُهُ: ﴿وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾ [آل عمران: ١٦٤] «الْحِكْمَةُ: السُّنَّةُ» ﴿وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ [آل عمران: ١٦٤] «لَيْسَ وَاللَّهِ كَمَا تَقُولُ أَهْلُ حَرُورَاءَ: مِحْنَةٌ غَالِبَةٌ مَنْ أَخَطَأَهَا أُهَرِيقَ دَمُهُ، وَلَكِنَّ اللَّهَ بَعَثَ نَبِيَّهُ ﷺ إِلَى قَوْمٍ لَا يَعْلَمُونَ فَعَلَّمَهُمْ، وَإِلَى قَوْمٍ لَا أَدَبَ لَهُمْ فَأَدَّبَهُمْ»
٦ ‏/ ٢١٣
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: ﴿لَقَدْ مَنَّ﴾ [آل عمران: ١٦٤] اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِلَى قَوْلِهِ ﴿لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ [آل عمران: ١٦٤] «أَيْ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ يَا أَهْلَ الْإِيمَانِ إِذْ بَعَثَ فِيكُمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ، يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِهِ، وَيُزِكِّيكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ، وَفِيمَا عَلِمْتُمْ، وَيُعَلِّمُكُمُ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ، لِتَعْرِفُوا الْخَيْرَ فَتَعْمَلُوا بِهِ، وَالشَّرَّ فَتَتَّقُوهُ، وَيُخْبِرُكُمْ بِرِضَاهُ عَنْكُمْ إِذْ أَطَعْتُمُوهُ، لِتَسْتَكْثِرُوا مِنْ طَاعَتِهِ، وَتَجْتَنِبُوا مَا سَخَطَ مِنْكُمْ مِنْ مَعْصِيَتِهِ، فَتَتَخَلَّصُوا بِذَلِكَ مِنْ نِقْمَتِهِ، وَتُدْرِكُوا بِذَلِكَ ثَوَابَهُ مِنْ جَنَّتِهِ» ﴿وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ [آل عمران: ١٦٤] «أَيْ فِي عَمْيَاءَ مِنَ الْجَاهِلِيَّةِ لَا تَعْرِفُونَ ⦗٢١٤⦘ حَسَنَةً، وَلَا تَسْتَغِيثُونَ مِنْ سَيِّئَةٍ، صُمٌّ عَنِ الْحَقِّ، عَمِّي عَنِ الْهُدَى»
٦ ‏/ ٢١٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [آل عمران: ١٦٥] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِذَلِكَ: أَوَ حِينَ أَصَابَتْكُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ مُصِيبَةٌ، وَهِيَ الْقَتْلَى الَّذِينَ قُتِلُوا مِنْهُمْ يَوْمَ أُحُدٍ، وَالْجَرْحَى الَّذِينَ جُرِحُوا مِنْهُمْ بِأُحُدٍ، وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ قَتَلُوا مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ سَبْعِينَ نَفَرًا ﴿قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا﴾ [آل عمران: ١٦٥] يَقُولُ: قَدْ أَصَبْتُمْ أَنْتُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِثْلَيْ هَذِهِ الْمُصِيبَةِ الَّتِي أَصَابُوا هُمْ مِنْكُمْ، وَهِيَ الْمُصِيبَةُ الَّتِي أَصَابَهَا الْمُسْلِمُونَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ بِبَدْرٍ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ قَتَلُوا مِنْهُمْ سَبْعِينَ، وَأَسَرُوا سَبْعِينَ. ﴿قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا﴾ [آل عمران: ١٦٥] يَعْنِي: قُلْتُمْ لَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَتُكُمْ بِأُحُدٍ: ﴿أَنَّى هَذَا﴾ [آل عمران: ١٦٥] مِنْ أَيِّ وَجْهٍ هَذَا؟ وَمِنْ أَيْنَ أَصَابَنَا هَذَا الَّذِي أَصَابَنَا، وَنَحْنُ مُسْلِمُونَ، وَهُمْ مُشْرِكُونَ، وَفِينَا نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ، يَأْتِيهِ الْوَحْي مِنَ السَّمَاءِ، وَعَدُوُّنَا أَهْلُ كُفْرٍ بِاللَّهِ وَشِرْكٍ؟ قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِلْمُؤْمِنِينَ بِكَ مِنْ أَصْحَابِكَ: ﴿هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ﴾ [آل عمران: ١٦٥] يَقُولُ: قُلْ لَهُمْ: أَصَابَكُمْ هَذَا الَّذِي أَصَابَكُمْ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ، بِخِلَافِكُمْ أَمْرِي، وَتَرْكِكُمْ طَاعَتِي، لَا مِنْ عِنْدِ غَيْرِكُمْ، وَلَا مِنْ قِبَلِ أَحَدٍ سِوَاكُمْ ﴿إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [البقرة: ٢٠] يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ عَلَى جَمِيعِ مَا أَرَادَ بِخَلْقِهِ مِنْ عَفْو وَعُقُوبَةٍ وَتَفَضُّلٍ وَانْتِقَامٍ قَدِيرٌ، يَعْنِي: ذُو قُدْرَةٍ.
٦ ‏/ ٢١٤
ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: ﴿قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ﴾ [آل عمران: ١٦٥] بَعْدَ إِجْمَاعِ جَمِيعِهِمْ عَلَى أَنَّ تَأْوِيلَ سَائِرِ الْآيَةِ عَلَى مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ مِنَ التَّأْوِيلِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: تَأْوِيلُ ذَلِكَ: قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ، بِخِلَافِكُمْ عَلَى نَبِيِّ اللَّهِ ﷺ، إِذْ أَشَارَ عَلَيْكُمْ بِتَرْكِ الْخُرُوجِ إِلَى عَدُوِّكُمْ وَالْإِصْحَارِ لَهُمْ، حَتَّى يَدْخُلُوا عَلَيْكُمْ مَدِينَتَكُمْ، وَيَصِيرُوا بَيْنَ آطَامِكُمْ، فَأَبَيْتُمْ ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَقُلْتُمُ: اخْرُجْ بِنَا إِلَيْهِمْ حَتَّى نُصْحِرَ لَهُمْ فَنُقَاتِلَهُمْ خَارِجَ الْمَدِينَةِ
٦ ‏/ ٢١٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا﴾ [آل عمران: ١٦٥] أُصِيبُوا يَوْمَ أُحُدٍ، قُتِلَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ يَوْمَئِذٍ، وَأَصَابُوا مِثْلَيْهَا يَوْمَ بَدْرٍ، قَتَلُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ سَبْعِينَ، وَأَسَرُوا سَبْعِينَ. ﴿قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ﴾ [آل عمران: ١٦٥] ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ قَالَ لِأَصْحَابِهِ يَوْمَ أُحُدٍ حِينَ قَدِمَ أَبُو سُفْيَانَ وَالْمُشْرِكُونَ، فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ لِأَصْحَابِهِ: «إِنَّا فِي جُنَّةٍ حَصِينَةٍ» يَعْنِي بِذَلِكَ: الْمَدِينَةَ «فَدَعُوا الْقَوْمَ أَنْ يَدْخُلُوا عَلَيْنَا نُقَاتِلُهُمْ» فَقَالَ نَاسٌ لَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ مِنَ الْأَنْصَارِ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ: إِنَّا نَكْرَهُ أَنْ نَقْتُلَ فِي طُرُقِ الْمَدِينَةِ، وَقَدْ كُنَّا نَمْتَنِعُ فِي الْغَزْوِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَبِالْإِسْلَامِ أَحَقُّ أَنْ نَمْتَنِعَ فِيهِ، فَابْرُزْ بِنَا إِلَى الْقَوْمِ، فَانْطَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَلَبِسَ لَأْمَتَهُ، فَتَلَاوَمَ الْقَوْمُ، فَقَالُوا ⦗٢١٦⦘ عَرَّضَ نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ بِأَمْرٍ، وَعَرَّضْتُمْ بِغَيْرِهِ، اذْهَبْ يَا حَمْزَةُ فَقُلْ لِنَبِيِّ اللَّهِ ﷺ: أَمْرُنَا لِأَمْرِكَ تَبَعٌ، فَأَتَى حَمْزَةُ فَقَالَ لَهُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنَّ الْقَوْمَ قَدْ تَلَاوَمُوا، وَقَالُوا: أَمْرُنَا لِأَمْرِكَ تَبَعٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنَّهُ لَيْسَ لِنَبِيٍّ إِذَا لَبِسَ لَأْمَتَهُ أَنْ يَضَعَهَا حَتَّى يُنَاجِزَ، وَإِنَّهُ سَتَكُونُ فِيكُمْ مُصِيبَةٌ» قَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ خَاصَّةً أَوْ عَامَّةً؟ قَالَ: «سَتَرَوْنَهَا» ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ رَأَى فِي الْمَنَامِ أَنَّ بَقَرًا تُنْحَرُ، فَتَأَوَّلَهَا قَتْلًا فِي أَصْحَابِهِ، وَرَأَى أَنَّ سَيْفَهُ ذَا الْفَقَارِ انْقَصَمَ، فَكَانَ قَتْلُ عَمِّهِ حَمْزَةَ، قُتِلَ يَوْمَئِذٍ، وَكَانَ يُقَالُ لَهُ: أَسَدُ اللَّهِ، وَرَأَى أَنَّ كَبْشًا عُتِرَ، فَتَأَوَّلَهُ كَبْشَ الْكَتِيبَةِ عُثْمَانَ بْنَ أَبِي طَلْحَةَ أُصِيبَ يَوْمَئِذٍ، وَكَانَ مَعَهُ لِوَاءُ الْمُشْرِكِينَ. حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، بِنَحْوِهِ، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: ﴿قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا﴾ [آل عمران: ١٦٥] يَقُولُ: «مِثْلَيْ مَا أُصِيبَ مِنْكُمْ» ﴿قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ﴾ [آل عمران: ١٦٥] يَقُولُ: «بِمَا عَصَيْتُمْ»
٦ ‏/ ٢١٥
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: «أُصِيبَ الْمُسْلِمُونَ يَوْمَ أُحُدٍ مُصِيبَةً، وَكَانُوا قَدْ أَصَابُوا مِثْلَيْهَا يَوْمَ بَدْرٍ مِمَّنْ قَتَلُوا وَأَسَرُوا» فَقَالَ اللَّهُ عز وجل: ﴿أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا﴾ [آل عمران: ١٦٥]
٦ ‏/ ٢١٦
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عُمَرَ ⦗٢١٧⦘ بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: «قَتَلَ الْمُسْلِمُونَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ سَبْعِينَ، وَأَسَرُوا سَبْعِينَ؛ وَقَتْلَ الْمُشْرِكُونَ يَوْمَ أُحُدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ سَبْعِينَ» فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا﴾ [آل عمران: ١٦٥] «إِذْ نَحْنُ مُسْلِمُونَ نُقَاتِلُ غَضَبًا لِلَّهِ، وَهَؤُلَاءِ مُشْرِكُونَ» ﴿قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ﴾ [آل عمران: ١٦٥] «عُقُوبَةً لَكُمْ بِمَعْصِيَتِكُمُ النَّبِيَّ ﷺ حِينَ قَالَ مَا قَالَ»
٦ ‏/ ٢١٦
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنْ مُبَارَكٍ، عَنِ الْحَسَنِ: ﴿أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ﴾ [آل عمران: ١٦٥] قَالُوا: «فَإِنَّمَا أَصَابَنَا هَذَا، لَأَنَّا قَبِلْنَا الْفِدَاءَ يَوْمَ بَدْرٍ مِنَ الْأُسَارَى، وَعَصَيْنَا النَّبِيَّ ﷺ يَوْمَ أُحُدٍ، فَمَنْ قُتِلَ مِنَّا كَانَ شَهِيدًا، وَمَنْ بَقِيَ مِنَّا كَانَ مُطَهَّرًا، رَضِينَا بِاللَّهِ رَبًّا»
٦ ‏/ ٢١٧
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنْ مُبَارَكٍ، عَنِ الْحَسَنِ، وَابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَا: «مَعْصِيَتُهُمْ أَنَّهُ قَالَ لَهُمْ: لَا تَتَّبِعُوهُمْ يَوْمَ أُحُدٍ فَاتَّبَعُوهُمْ»
٦ ‏/ ٢١٧
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، ثُمَّ ذَكَرَ مَا أُصِيبَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، يَعْنِي بِأُحُدٍ، وَقُتِلَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ إِنْسَانًا ﴿أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا﴾ [آل عمران: ١٦٥] «كَانُوا يَوْمَ بَدْرٍ أَسَرُوا سَبْعِينَ رَجُلًا وَقَتَلُوا سَبْعِينَ» ﴿قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا﴾ [آل عمران: ١٦٥] «أَيْ مِنْ أَيْنَ هَذَا؟» ﴿قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ﴾ [آل عمران: ١٦٥] «أَنَّكُمْ عَصَيْتُمْ»
٦ ‏/ ٢١٧
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿أَوْ لَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا﴾ يَقُولُ: «إِنَّكُمْ أَصَبْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ، مِثْلَيْ مَا أَصَابُوا مِنْكُمْ يَوْمَ أُحُدٍ»
٦ ‏/ ٢١٨
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصِيبَةَ الَّتِي أَصَابَتْهُمْ، فَقَالَ: ﴿أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ﴾ [آل عمران: ١٦٥] «أَيْ إِنْ تَكُ قَدْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ فِي إِخْوَانِكُمْ فَبِذُنُوبِكُمْ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قَتْلًا مِنْ عَدُوِّكُمْ فِي الْيَوْمِ الَّذِيِ كَانَ قَبْلَهُ بِبَدْرٍ، قَتْلَى وَأَسْرَى، وَنَسِيتُمْ مَعْصِيَتَكُمْ وَخِلَافَكُمْ مَا أَمَرَكُمْ بِهِ نَبِيُّكُمْ ﷺ أَنَّكُمْ أَحْلَلْتُمْ ذَلِكَ بِأَنْفُسِكُمْ» ﴿إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [آل عمران: ١٦٥]: «أَيْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ مَا أَرَادَ بِعِبَادِهِ مِنْ نِقْمَةٍ أَوْ عَفْو قَدِيرٌ»
٦ ‏/ ٢١٨
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا﴾ [آل عمران: ١٦٥] الْآيَةَ، يَعْنِي بِذَلِكَ: «أَنَّكُمْ أَصَبْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ مِثْلَيْ مَا أَصَابُوا مِنْكُمْ يَوْمَ أُحُدٍ» وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ تَأْوِيلِ ذَلِكَ: قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ بِإِسَارَتِكُمُ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ، وَأَخْذِكُمْ مِنْهُمُ الْفِدَاءَ، وَتَرْكِكُمْ قَتْلَهُمْ
٦ ‏/ ٢١٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ أَشْعَثَ بْنِ سَوَّارٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ عَبِيدَةَ، قَالَ: «أَسَرَ الْمُسْلِمُونَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ سَبْعِينَ، وَقَتَلُوا سَبْعِينَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «اخْتَارُوا أَنْ تَأْخُذُوا مِنْهُمُ الْفِدَاءَ فَتَتَقَوَّوْا بِهِ عَلَى عَدُوِّكُمْ، وَإِنْ قَبِلْتُمُوهُ قُتِلَ مِنْكُمْ سَبْعُونَ أَوْ تَقْتُلُوهُمْ» فَقَالُوا: بَلْ نَأْخُذُ الْفِدْيَةَ مِنْهُمْ، وَيُقْتَلُ مِنَّا سَبْعُونَ، قَالَ: فَأَخَذُوا الْفِدْيَةَ مِنْهُمْ، وَقَتَلُوا مِنْهُمْ سَبْعِينَ؛ قَالَ عُبَيْدَةُ: وَطَلَبُوا الْخَيْرَتَيْنِ كِلْتَيْهِمَا»
٦ ‏/ ٢١٩
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ: ثنا ابْنُ عَوْنٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ عَبِيدَةَ أَنَّهُ قَالَ فِي أُسَارَى بَدْرٍ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنْ شِئْتُمْ قَتَلْتُمُوهُمْ، وَإِنْ شِئْتُمْ فَادَيْتُمُوهُمْ وَاسْتُشْهِدَ مِنْكُمْ بِعِدَّتِهِمْ»، قَالُوا: «بَلْ نَأْخُذُ الْفِدَاءَ فَنَسْتَمْتِعُ بِهِ، وَيُسْتَشْهَدُ مِنَّا بِعِدَّتِهِمْ»
٦ ‏/ ٢١٩
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني إِسْمَاعِيلُ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبِيدَةَ السَّلْمَانِيِّ، وَحَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنْ جَرِيرٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبِيدَةَ السَّلْمَانِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: جَاءَ جِبْرِيلُ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَقَالَ لَهُ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ اللَّهَ قَدْ كَرِهَ مَا صَنَعَ قَوْمُكَ فِي أَخْذِهِمُ الْأُسَارَى، وَقَدْ أَمَرَكَ أَنْ تُخَيِّرَهُمْ بَيْنَ أَمْرَيْنِ، أَنْ يُقَدَّمُوا فَتُضَرَبَ أَعْنَاقُهُمْ، وَبَيْنَ أَنْ يَأْخُذُوا الْفِدَاءَ عَلَى أَنْ يُقْتَلَ مِنْهُمْ عِدَّتُهُمْ، ⦗٢٢٠⦘ قَالَ: فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ النَّاسَ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُمْ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عَشَائِرُنَا وَإِخْوَانُنَا، لَا بَلْ نَأْخُذُ فِدَاءَهُمْ فَنَتَقَوَّى بِهِ عَلَى قِتَالِ عَدُوِّنَا وَيُسْتَشَهَدُ مِنَّا عِدَّتُهُمْ، فَلَيْسَ فِي ذَلِكَ مَا نَكْرَهُ، قَالَ: فَقُتِلَ مِنْهُمْ يَوْمَ أُحُدٍ سَبْعُونَ رَجُلًا عِدَّةَ أُسَارَى أَهْلِ بَدْرٍ “
٦ ‏/ ٢١٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ وَلْيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ﴾ [آل عمران: ١٦٧] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِذَلِكَ: وَالَّذِي أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ، وَهُوَ يَوْمُ أُحُدٍ حِينَ الْتَقَى جَمْعُ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ، وَيَعْنِي بِالَّذِي أَصَابَهُمْ: مَا نَالَ مِنَ الْقَتْلِ مَنْ قُتِلَ مِنْهُمْ، وَمِنَ الْجَرَّاحِ مَنْ جُرِحَ مِنْهُمْ ﴿فَبِإِذْنِ اللَّهِ﴾ [آل عمران: ١٦٦] يَقُولُ: فَهُوَ بِإِذْنِ اللَّهِ كَانَ، يَعْنِي: بِقَضَائِهِ وَقَدَرِهِ فِيكُمْ، وَأَجَابَ «مَا» بِالْفَاءِ، لِأَنَّ «مَا» حَرْفُ جَزَاءٍ، وَقَدْ بَيَّنْتُ نَظِيرَ ذَلِكَ فِيمَا مَضَى قَبْلُ: ﴿وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا﴾ [آل عمران: ١٦٦] بِمَعْنَى: وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ، وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا، أَصَابَكُمْ مَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ بِأُحُدٍ، لِيَمِيزَ أَهْلَ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْكُمْ مِنَ الْمُنَافِقِينَ، فَيَعْرِفُونَهُمْ، لَا يَخْفَى عَلَيْهِمْ أَمْرُ الْفَرِيقَيْنِ، وَقَدْ بَيَّنَّا تَأْوِيلَ قَوْلِهِ: ﴿وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران: ١٦٦] فِيمَا مَضَى وَمَا وَجْهُ ذَلِكَ، بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ
٦ ‏/ ٢٢٠
فِي هَذَا الْمَوْضِعِ. وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ
٦ ‏/ ٢٢١
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران: ١٦٦] «أَيْ مَا أَصَابَكُمْ حِينَ الْتَقَيْتُمْ أَنْتُمْ وَعَدُوُّكُمْ فَبِإِذْنِي، كَانَ ذَلِكَ حِينَ فَعَلْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بَعْدَ أَنْ جَاءَكُمْ نَصْرِي وَصَدَّقْتُمْ وَعْدِي، لِيَمِيزَ بَيْنَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُؤْمِنِينَ» ﴿وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا﴾ [آل عمران: ١٦٧] «مِنْكُمْ، أَيْ لِيُظْهِرُوا مَا فِيهِمْ»
٦ ‏/ ٢٢١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ﴾ [آل عمران: ١٦٧] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِذَلِكَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولَ الْمُنَافِقَ وَأَصْحَابَهُ الَّذِينَ رَجَعُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَعَنْ أَصْحَابِهِ، حِينَ سَارَ نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ إِلَى الْمُشْرِكِينَ بِأُحُدٍ لِقِتَالِهِمْ، فَقَالَ لَهُمُ الْمُسْلِمُونَ: تَعَالَوْا قَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ مَعَنَا، أَوِ ادْفَعُوا بِتَكْثِيرِكُمْ سَوَادَنَا، فَقَالُوا: لَوْ نَعْلَمُ أَنَّكُمْ تُقَاتِلُونَ لَسِرْنَا مَعَكُمْ إِلَيْهِمْ، وَلَكِنَّا مَعَكُمْ عَلَيْهِمْ، وَلَكِنْ لَا نَرَى أَنَّهُ يَكُونُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الْقَوْمِ قِتَالٌ، فَأَبْدَوْا مِنْ نِفَاقِ أَنْفُسِهِمْ مَا كَانُوا يَكْتُمُونَهُ، وَأَبْدَوْا بِأَلْسِنَتِهِمْ بِقَوْلِهِمْ ﴿لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ﴾ [آل عمران: ١٦٧] غَيْرَ مَا كَانُوا يَكْتُمُونَهُ وَيُخْفُونَهُ، مِنْ عَدَاوَةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَأَهْلِ الْإِيمَانِ بِهِ
٦ ‏/ ٢٢١
كَمَا: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثني مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ، وَعَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، وَالْحُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ وَغَيْرُهُمْ مِنْ عُلَمَائِنَا كُلُّهُمْ قَدْ حَدَّثَ، قَالَ: «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَعْنِي: حِينَ خَرَجَ إِلَى أُحُدٍ فِي أَلْفِ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، حَتَّى إِذَا كَانُوا بِالشَّوْطِ بَيْنَ أُحُدٍ وَالْمَدِينَةِ انْخَزَلَ عَنْهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولَ بِثُلُثِ النَّاسِ، فَقَالَ أَطَاعَهُمْ فَخَرَجَ وَعَصَانِي، وَاللَّهِ مَا نَدْرِي عَلَامَ نَقْتُلُ أَنْفُسَنَا هَاهُنَا أَيُّهَا النَّاسُ؟ فَرَجَعَ بِمَنِ اتَّبَعَهُ مِنَ النَّاسِ مِنْ قَوْمِهِ مِنْ أَهْلِ النِّفَاقِ وَأَهْلِ الرِّيَبِ، وَاتَّبَعَهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ أَخُو بَنِي سَلَمَةَ، يَقُولُ: يَا قَوْمُ أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ أَنْ تَخْذُلُوا نَبِيَّكُمْ وَقَوْمَكُمْ عِنْدَمَا حَضَرَ مِنْ عَدُوِّهِمْ، فَقَالُوا: لَوْ نَعْلَمُ أَنَّكُمْ تُقَاتِلُونَ مَا أَسْلَمْنَاكُمْ، وَلَكِنَّا لَا نَرَى أَنْ يَكُونَ قِتَالٌ، فَلَمَّا اسْتَعْصَوْا عَلَيْهِ، وَأَبَوْا إِلَّا الِانْصِرَافَ عَنْهُمْ، قَالَ أَبْعَدَكُمُ اللَّهُ أَعْدَاءَ اللَّهِ، فَسَيُغْنِي اللَّهُ عَنْكُمْ، وَمَضَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ»
٦ ‏/ ٢٢٢
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: ﴿وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا﴾ [آل عمران: ١٦٧] يَعْنِي: «عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولَ وَأَصْحَابَهُ، الَّذِينَ رَجَعُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، حِينَ سَارَ إِلَى عَدُوِّهِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ بِأُحُدٍ» وَقَوْلُهُ ﴿لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ﴾ [آل عمران: ١٦٧] يَقُولُ: «لَوْ نَعْلَمُ أَنَّكُمْ تُقَاتِلُونَ لَسِرْنَا مَعَكُمْ، وَلَدَفَعْنَا ⦗٢٢٣⦘ عَنْكُمْ، وَلَكِنْ لَا نَظُنُّ أَنْ يَكُونَ قِتَالٌ، فَظَهَرَ مِنْهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ» يَقُولُ اللَّهُ عز وجل: ﴿هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ﴾ [آل عمران: ١٦٧] وَلَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ ﴿وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ﴾ [آل عمران: ١٦٧] «أَيْ يُخْفُونَ»
٦ ‏/ ٢٢٢
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَعْنِي: يَوْمَ أُحُدٍ فِي أَلْفِ رَجُلٍ، وَقَدْ وَعَدَهُمُ الْفَتْحَ إِنْ صَبَرُوا؛ فَلَمَّا خَرَجُوا رَجَعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولَ فِي ثَلَاثِمِائَةٍ، فَتَبِعَهُمْ أَبُو جَابِرٍ السَّلِمِيُّ يَدْعُوهُمْ، فَلَمَّا غَلَبُوهُ وَقَالُوا لَهُ: مَا نَعْلَمُ قِتَالًا، وَلَئِنْ أَطَعْتَنَا لَتَرْجِعَنَّ مَعَنَا قَالَ: فَذَكَرَ اللَّهُ أَصْحَابَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولَ، وَقَوْلَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَابِرِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ حِينَ دَعَاهُمْ، فَقَالُوا: مَا نَعْلَمُ قِتَالًا، وَلَئِنْ أَطَعْتُمُونَا لَتَرْجِعُنَّ مَعَنَا» فَقَالَ: ﴿الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ﴾
٦ ‏/ ٢٢٣
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قَالَ عِكْرِمَةُ: ﴿قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ﴾ [آل عمران: ١٦٧] قَالَ: «نَزَلَتْ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولَ»
٦ ‏/ ٢٢٣
قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَأَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَثِيرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ﴿لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا﴾ [آل عمران: ١٦٧] قَالَ: «لَوْ نَعْلَمُ أَنَّا وَاجِدُونَ مَعَكُمْ قِتَالًا، لَوْ نَعْلَمُ مَكَانَ قِتَالٍ لَاتَّبَعْنَاكُمْ» وَاخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ ﴿أَوِ ادْفَعُوا﴾ [آل عمران: ١٦٧] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: أَوْ ⦗٢٢٤⦘ كَثِّرُوا، فَإِنَّكُمْ إِذَا كَثَّرْتُمْ دَفَعْتُمُ الْقَوْمَ
٦ ‏/ ٢٢٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿أَوِ ادْفَعُوا﴾ [آل عمران: ١٦٧] يَقُولُ: «أَوْ كَثِّرُوا»
٦ ‏/ ٢٢٤
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: ﴿أَوِ ادْفَعُوا﴾ [آل عمران: ١٦٧] قَالَ: «بِكَثْرَتِكُمُ الْعَدُوَّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قِتَالٌ» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: أَوْ رَابِطُوا إِنْ لَمْ تُقَاتِلُوا
٦ ‏/ ٢٢٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ حَفْصٍ الْآمُلِيُّ، وَعَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ الرَّمْلِيُّ، قَالَا: ثنا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ: ثنا عُتْبَةُ بْنُ ضَمْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَوْنٍ الْأَنْصَارِيَّ، فِي قَوْلِهِ: ﴿قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا﴾ [آل عمران: ١٦٧] قَالَ: «رَابِطُوا» وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ﴾ [آل عمران: ١٦٧] فَإِنَّهُ يَعْنِي بِهِ: وَاللَّهُ أَعْلَمُ مِنْ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ يَقُولُونَ مِنَ الْعَدَاوَةِ وَالشَّنَآنِ، وَأَنَّهُمْ لَوْ عَلِمُوا قِتَالًا مَا تَبِعُوهُمْ، وَلَا دَافَعُوا عَنْهُمْ، وَهُوَ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُحِيطٌ بِمَا ⦗٢٢٥⦘ يُخْفُونَهُ مِنْ ذَلِكَ، مُطَّلِعٌ عَلَيْهِ، وَمُحْصِيهِ عَلَيْهِمْ حَتَّى يُهَتِّكَ أَسْتَارَهُمْ فِي عَاجِلِ الدُّنْيَا، فَيَفْضَحَهُمْ بِهِ، وَيُصْلِيَهُمْ بِهِ الدَّرْكَ الْأَسْفَلَ مِنَ النَّارِ فِي الْآخِرَةِ
٦ ‏/ ٢٢٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِذَلِكَ: وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ نَافَقُوا، الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا، فَمَوْضِعُ «الَّذِينَ» نَصْبٌ عَلَى الْإِبْدَالِ مِنْ «الَّذِينَ نَافَقُوا» ، وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَفْعٌا عَلَى التَّرْجَمَةِ عَمَّا فِي قَوْلِهِ: ﴿يَكْتُمُونَ﴾ [البقرة: ١٥٩] مِنْ ذِكْرِ «الَّذِينَ نَافَقُوا» فَمَعْنَى الْآيَةِ: وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ أُصِيبُوا مَعَ الْمُسْلِمِينَ فِي حَرْبِهِمُ الْمُشْرِكِينَ بِأُحُدٍ يَوْمَ أُحُدٍ، فَقُتِلُوا هُنَالِكَ مِنْ عَشَائِرِهِمْ وَقَوْمِهِمْ، ﴿وَقَعَدُوا﴾ [آل عمران: ١٦٨] يَعْنِي: وَقَعَدَ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ الْقَائِلُونَ مَا قَالُوا مِمَّا أَخْبَرَ اللَّهُ عز وجل عَنْهُمْ مِنْ قِيلِهِمْ عَنِ الْجِهَادِ مَعَ إِخْوَانِهِمْ وَعَشَائِرِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ: ﴿لَوْ أَطَاعُونَا﴾ [آل عمران: ١٦٨] يَعْنِي: لَوْ أَطَاعَنَا مَنْ قُتِلَ بِأُحُدٍ مِنْ إِخْوَانِنَا وَعَشَائِرِنَا ﴿مَا قُتِلُوا﴾ [آل عمران: ١٦٨] يَعْنِي: مَا قُتِلُوا هُنَالِكَ، قَالَ اللَّهُ عز وجل لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلَاءِ الْقَائِلِينَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ مِنَ الْمُنَافِقِينَ: فَادْرَءُوا، يَعْنِي: فَادْفَعُوا مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: دَرَأْتُ عَنْ فُلَانٍ الْقَتْلَ، بِمَعْنَى: دَفَعْتُ عَنْهُ، أَدْرَؤُهُ دَرْءًا، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
[البحر الوافر] تَقُولُ وَقَدْ دَرَأْتُ لَهَا وَضِينِي … أَهَذَا دِينُهُ أَبَدًا وَدِينِي
؟ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قُلْ لَهُمْ: فَادْفَعُوا إِنْ كُنْتُمْ أَيُّهَا الْمُنَافِقُونَ صَادِقِينَ فِي
٦ ‏/ ٢٢٥
قِيلِكُمْ: لَوْ أَطَاعَنَا إِخْوَانُنَا فِي تَرْكِ الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَعَ مُحَمَّدٍ ﷺ وَقِتَالِهِمْ أَبَا سُفْيَانَ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ قُرَيْشٍ، مَا قُتِلُوا هُنَالِكَ بِالسَّيْفِ، وَلَكَانُوا أَحْيَاءً بِقُعُودِهِمْ مَعَكُمْ وَتَخَلُّفِهِمْ عَنْ مُحَمَّدٍ ﷺ وَشُهُودِ جِهَادِ أَعْدَاءِ اللَّهِ مَعَهُ؛ الْمَوْتَ فَإِنَّكُمْ قَدْ قَعَدْتُمْ عَنْ حَرْبِهِمْ، وَقَدْ تَخَلَّفْتُمْ عَنْ جِهَادِهِمْ، وَأَنْتُمْ لَا مَحَالَةَ مَيِّتُونَ
٦ ‏/ ٢٢٦
كَمَا: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: ﴿الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ﴾ [آل عمران: ١٦٨] «الَّذِينَ أُصِيبُوا مَعَكُمْ مِنْ عَشَائِرِهِمْ وَقَوْمِهِمْ»: ﴿لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا﴾ [آل عمران: ١٦٨] الْآيَةَ: «أَيْ أَنَّهُ لَابُدَّ مِنَ الْمَوْتِ، فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَدْفَعُوهُ عَنْ أَنْفُسِكُمْ فَافْعَلُوا، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ إِنَّمَا نَافَقُوا وَتَرَكُوا الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، حِرْصًا عَلَى الْبَقَاءِ فِي الدُّنْيَا وَفِرَارًا مِنَ الْمَوْتِ»
٦ ‏/ ٢٢٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ: الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ هَذَا الْقَوْلَ هُمُ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ فِيهِمْ: ﴿وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا﴾ [آل عمران: ١٦٧] حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا﴾ [آل عمران: ١٦٨] الْآيَةَ، «ذُكِرَ لَنَا أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي عَدُوِّ اللَّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ»
٦ ‏/ ٢٢٦
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: «هُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ، وَأَصْحَابُهُ»
٦ ‏/ ٢٢٦
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: «هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ الَّذِي قَعَدَ وَقَالَ لِإِخْوَانِهِ الَّذِينَ خَرَجُوا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ يَوْمَ أُحُدٍ»: ﴿لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا﴾ [آل عمران: ١٦٨] الْآيَةَ “
٦ ‏/ ٢٢٧
قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: قَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: «هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولَ»
٦ ‏/ ٢٢٧
حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، قَوْلُهُ: ﴿الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا﴾ [آل عمران: ١٦٨] الْآيَةَ، قَالَ: «نَزَلَتْ فِي عَدُوِّ اللَّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ»
٦ ‏/ ٢٢٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [آل عمران: ١٧٠] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ﴾ [آل عمران: ١٦٩] وَلَا تَظُنَّنَّ
٦ ‏/ ٢٢٧
كَمَا: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ﴾ [آل عمران: ١٦٩] «وَلَا تَظُنَّنَّ» وَقَوْلُهُ: ﴿الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [آل عمران: ١٦٩] يَعْنِي: الَّذِينَ قُتِلُوا بِأُحُدٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ ﴿أَمْوَاتًا﴾ [البقرة: ٢٨] يَقُولُ: وَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ يَا مُحَمَّدُ أَمْوَاتًا، لَا يَحُسُّونَ شَيْئًا، وَلَا يَلْتَذُّونَ، وَلَا يَتَنَعَّمُونَ، فَإِنَّهُمْ أَحْيَاءٌ عِنْدِي، مُتَنَعِّمُونَ فِي رِزْقِي، ⦗٢٢٨⦘ فَرِحُونَ مَسْرُورُونَ بِمَا آتَيْتُهُمْ مِنْ كَرَامَتِي وَفَضْلِي، وَحَبَوْتُهُمْ بِهِ مِنْ جَزِيلِ ثَوَابِي وَعَطَائِي
٦ ‏/ ٢٢٧
كَمَا: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ وَحَدَّثني يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ الْمَكِّيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: “لَمَّا أُصِيبَ إِخْوَانَكُمْ بِأُحُدٍ، جَعَلَ اللَّهُ أَرْوَاحَهُمْ فِي أَجْوَافِ طَيْرٍ خُضْرٍ، تَرِدُ أَنْهَارَ الْجَنَّةِ، وَتَأْكُلُ مِنْ ثِمَارِهَا، وَتَأْوِي إِلَى قَنَادِيلَ مِنْ ذَهَبٍ فِي ظِلِّ الْعَرْشِ؛ فَلَمَّا وَجَدُوا طِيبَ مَشْرَبِهِمْ وَمَأْكَلِهِمْ وَحُسْنَ مَقِيلِهِمْ، قَالُوا: يَا لَيْتَ إِخْوَانَنَا يَعْلَمُونَ مَا صَنَعَ اللَّهُ بِنَا، لِئَلَّا يَزْهَدُوا فِي الْجِهَادِ وَلَا يَنْكِلُوا عَنِ الْحَرْبِ، فَقَالَ اللَّهُ عز وجل: أَنَا أُبَلِّغُهُمْ عَنْكُمْ «فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ»
٦ ‏/ ٢٢٨
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، وَحَدَّثنا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، قَالَا جَمِيعًا: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقِ بْنِ الْأَجْدَعِ، قَالَ: سَأَلْنَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ عَنْ هَذِهِ الْآيَاتِ: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [آل عمران: ١٦٩] الْآيَةَ، قَالَ: أَمَا إِنَّا قَدْ سَأَلْنَا عَنْهَا، فَقِيلَ لَنَا: «إِنَّهُ لَمَّا أُصِيبَ إِخْوَانُهُمْ ⦗٢٢٩⦘ بِأُحُدٍ، جَعَلَ اللَّهُ أَرْوَاحَهُمْ فِي أَجْوَافِ طَيْرٍ خُضْرٍ تَرِدُ أَنْهَارَ الْجَنَّةِ وَتَأْكُلُ مِنْ ثِمَارِهَا وَتَأْوِي إِلَى قَنَادِيلَ مِنْ ذَهَبٍ فِي ظِلِّ الْعَرْشِ، فَيَطَّلِعُ اللَّهُ إِلَيْهِمُ اطِّلَاعَةً، فَيَقُولُ: يَا عِبَادِي مَا تَشْتَهُونَ فَأَزِيدُكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: رَبَّنَا لَا فَوْقَ مَا أَعْطَيْتَنَا الْجَنَّةَ، نَأْكُلُ مِنْهَا حَيْثُ شِئْنَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ يَطَّلِعُ فَيَقُولُ: يَا عِبَادِي مَا تَشْتَهُونَ فَأَزِيدُكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: رَبَّنَا لَا فَوْقَ مَا أَعْطَيْتَنَا الْجَنَّةَ، نَأْكُلُ مِنْهَا حَيْثُ شِئْنَا، إِلَّا أَنَّا نَخْتَارُ أَنْ تُرَدَّ أَرْوَاحَنَا فِي أَجْسَادِنَا، ثُمَّ تَرُدَّنَا إِلَى الدُّنْيَا، فَنُقَاتِلَ فِيكَ حَتَّى نُقْتَلَ فِيكَ مَرَّةً أُخْرَى» حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى الْعَبْدِيُّ، قَالَ: ثنا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: سَأَلْنَا عَبْدَ اللَّهِ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ، ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَهُ، وَزَادَ فِيهِ: «إِنِّي قَدْ قَضَيْتُ أَنْ لَا تَرْجِعُوا»
٦ ‏/ ٢٢٨
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: سَأَلْنَا عَبْدَ اللَّهِ عَنْ أَرْوَاحِ الشُّهَدَاءِ وَلَوْلَا عَبْدُ اللَّهِ مَا أَخْبَرَنَا بِهِ أَحَدٌ قَالَ: «أَرْوَاحُ الشُّهَدَاءِ عِنْدَ اللَّهِ فِي أَجْوَافِ طَيْرٍ خُضْرٍ، فِي قَنَادِيلَ تَحْتَ الْعَرْشِ، تَسْرَحُ فِي الْجَنَّةِ حَيْثُ شَاءَتْ، ثُمَّ تَرْجِعُ إِلَى قَنَادِيلِهَا، فَيَطَّلِعُ إِلَيْهَا رَبُّهَا، فَيَقُولُ: مَاذَا تُرِيدُونَ؟ فَيَقُولُونَ: نُرِيدُ أَنْ نَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا فَنُقْتَلَ مَرَّةً ⦗٢٣٠⦘ أُخْرَى»
٦ ‏/ ٢٢٩
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ، وَعَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ فُضَيْلٍ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «الشُّهَدَاءُ عَلَى بَارِقٍ – نَهَرٍ بِبَابِ الْجَنَّةِ – فِي قُبَّةٍ خَضْرَاءَ» وَقَالَ عَبْدَةُ: «فِي رَوْضَةٍ خَضْرَاءَ، يَخْرُجُ عَلَيْهِمْ رِزْقُهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ بُكْرَةٌ وَعَشِيًّا» حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، وَأَنْبَأَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثني الْحَرْثُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ بِمِثْلِهِ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: «فِي قُبَّةٍ خَضْرَاءَ» وَقَالَ: «يَخْرُجُ عَلَيْهِمْ فِيهَا» حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، وَأَنْبَأَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثني الْحَرْثُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، مِثْلَهُ
٦ ‏/ ٢٣٠
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، قَالَ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي الْحَرْثُ بْنُ الْفُضَيْلِ الْأَنْصَارِيُّ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ⦗٢٣١⦘ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «الشُّهَدَاءُ عَلَى بَارِقٍ – نَهْرٍ بِبَابِ الْجَنَّةِ – فِي قُبَّةٍ خَضْرَاءَ يَخْرُجُ عَلَيْهِمْ رِزْقُهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ بُكْرَةً وَعَشِيًّا» حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: ثني أَيْضًا، يَعْنِي إِسْمَاعِيلَ بْنَ عَيَّاشٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ الْحَرْثِ بْنِ الْفُضَيْلِ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ بِنَحْوِهِ
٦ ‏/ ٢٣٠
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، قَالَ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثني بَعْضُ أَصْحَابِي، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، يَقُولُ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «أَلَا أُبَشِّرُكَ يَا جَابِرُ؟» قَالَ: قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «إِنَّ أَبَاكَ حَيْثُ أُصِيبَ بِأُحُدٍ أَحْيَاهُ اللَّهُ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: مَا تُحِبُّ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو أَنْ أَفْعَلَ بِكَ؟ قَالَ: يَا رَبِّ أُحِبُّ أَنْ تَرُدَّنِي إِلَى الدُّنْيَا فَأُقَاتِلَ فِيكَ فَأُقْتَلَ مَرَّةً أُخْرَى»
٦ ‏/ ٢٣١
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ رِجَالًا، مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، قَالُوا: يَا لَيْتَنَا نَعْلَمُ مَا فَعَلَ إِخْوَانُنَا الَّذِينَ قُتِلُوا يَوْمَ أُحُدٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تبارك وتعالى فِي ذَلِكَ الْقُرْآنَ: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾ [آل عمران: ١٦٩] «كُنَّا نُحَدَّثُ أَنَّ أَرْوَاحَ الشُّهَدَاءِ تَعَارَفُ فِي طَيْرٍ بِيضٍ تَأْكُلُ مِنْ ثِمَارِ الْجَنَّةِ، وَأَنَّ مَسَاكِنَهُمُ السِّدْرَةُ» حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارٍ، وَأَنْبَأَنَا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، بِنَحْوِهِ، إِلَّا ⦗٢٣٢⦘ أَنَّهُ قَالَ: «تَعَارَفُ فِي طَيْرٍ خُضْرٍ وَبِيضٍ وَزَادَ فِيهِ أَيْضًا: وَذُكِرَ لَنَا عَنْ بَعْضِهِمْ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ﴾ [آل عمران: ١٦٩] قَالَ: «هُمْ قَتْلَى» بَدْرٍ وَأُحُدٍ»
٦ ‏/ ٢٣١
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ، قَالَ: قَالُوا: يَا رَبِّ، أَلَا رَسُولٌ لَنَا يُخْبِرُ النَّبِيَّ ﷺ عَنَّا بِمَا أَعْطَيْتَنَا؟ فَقَالَ اللَّهُ تبارك وتعالى: أَنَا رَسُولُكُمْ، فَأَمَرَ جِبْرِيلَ عليه السلام أَنْ يَأْتِيَ بِهَذِهِ الْآيَةِ: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [آل عمران: ١٦٩] ” الْآيَتَيْنِ
٦ ‏/ ٢٣٢
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: سَأَلْنَا عَبْدَ اللَّهِ عَنْ هَذِهِ الْآيَاتِ: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾ [آل عمران: ١٦٩] قَالَ: «أَرْوَاحُ الشُّهَدَاءِ عِنْدَ اللَّهِ كَطَيْرٍ خُضْرٍ، لَهَا قَنَادِيلُ مُعَلَّقَةٌ بِالْعَرْشِ، تَسْرَحُ فِي الْجَنَّةِ حَيْثُ شَاءَتْ، قَالَ: فَاطَّلَعَ إِلَيْهِمْ رَبُّكَ اطِّلَاعَةً فَقَالَ: هَلْ تَشْتَهُونَ مِنْ شَيْءٍ فَأَزِيدَكُمُوهُ؟ قَالُوا: رَبَّنَا أَلَسْنَا نَسْرَحُ فِي الْجَنَّةِ فِي أَيِّهَا شِئْنَا؟ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَيْهِمُ الثَّالِثَةَ، فَقَالَ: هَلْ تَشْتَهُونَ مِنْ شَيْءٍ فَأَزِيدَكُمُوهُ؟ قَالُوا: تُعِيدُ أَرْوَاحَنَا فِي أَجْسَادِنَا، فَنُقَاتِلُ فِي سَبِيلِكَ مَرَّةً أُخْرَى فَسَكَتَ عَنْهُمْ»
٦ ‏/ ٢٣٢
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ: «أَنَّهُمْ قَالُوا فِي الثَّالِثَةِ حِينَ قَالَ لَهُمْ: هَلْ تَشْتَهُونَ مِنْ شَيْءٍ فَأَزِيدُكُمُوهُ؟ قَالُوا: تُقْرِئُ نَبِيَّنَا عَنَّا السَّلَامَ، وَتُخْبِرُهُ أَنْ قَدْ رَضِينَا وَرَضِيَ عَنَّا»
٦ ‏/ ٢٣٣
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: «قَالَ اللَّهُ تبارك وتعالى لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ يُرَغِّبُ الْمُؤْمِنِينَ فِي ثَوَابِ الْجَنَّةِ وَيُهَوِّنُ عَلَيْهِمُ الْقَتْلَ»: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾ [آل عمران: ١٦٩] «أَيْ قَدْ أَحْيَيْتُهُمْ، فَهُمْ عِنْدِي يُرْزَقُونَ فِي رَوْحٍ الْجَنَّةِ وَفَضْلِهَا، مَسْرُورِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ ثَوَابِهِ عَلَى جِهَادِهِمْ عَنْهُ»
٦ ‏/ ٢٣٣
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، قَالَ: «كَانَ الْمُسْلِمُونَ يَسْأَلُونَ رَبَّهُمْ أَنْ يُرِيَهُمُ يَوْمًا كَيَوْمِ بَدْرٍ، يُبْلَوْنَ فِيهِ خَيْرًا، وَيُرْزَقُونَ فِيهِ الشَّهَادَةَ، وَيُرْزَقُونَ فِيهِ الْجَنَّةَ، وَالْحَيَاةَ فِي الرِّزْقِ، فَلَقُوا الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ أُحُدٍ، فَاتَّخَذَ اللَّهُ مِنْهُمْ شُهَدَاءَ، وَهُمُ الَّذِينَ ذَكَرَهُمُ اللَّهُ فَقَالَ: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا﴾ [آل عمران: ١٦٩]» الْآيَةَ
٦ ‏/ ٢٣٣
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: ذَكَرَ الشُّهَدَاءَ، فَقَالَ: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ [آل عمران: ١٦٩] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [آل عمران: ١٧٠] «زُعِمَ أَنَّ أَرْوَاحَ الشُّهَدَاءِ ⦗٢٣٤⦘ فِي أَجْوَافِ طَيْرٍ خُضْرٍ فِي قَنَادِيلَ مِنْ ذَهَبٍ مُعَلَّقَةٍ بِالْعَرْشِ، فَهِيَ تَرْعَى بُكْرَةً وَعَشِيَّةً فِي الْجَنَّةِ، تَبِيتُ فِي الْقَنَادِيلِ، فَإِذَا سَرَحْنَ نَادَى مُنَادٍ: مَاذَا تُرِيدُونَ؟ مَاذَا تَشْتَهُونَ؟ فَيَقُولُونَ: رَبَّنَا نَحْنُ فِيمَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُنَا فَيَسْأَلُهُمْ رَبُّهُمْ أَيْضًا: مَاذَا تَشْتَهُونَ؟ وَمَاذَا تُرِيدُونَ؟ فَيَقُولُونَ: نَحْنُ فِيمَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُنَا، فَيُسْأَلُونَ الثَّالِثَةَ فَيَقُولُونَ مَا قَالُوا: وَلَكِنَّا نُحِبُّ أَنْ تَرُدَّ أَرْوَاحَنَا فِي أَجْسَادِنَا، لِمَا يَرَوْنَ مِنْ فَضْلِ الثَّوَابِ»
٦ ‏/ ٢٣٣
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا عَبَّادٌ، قَالَ: ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَعْمَرٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: «مَا زَالَ ابْنُ آدَمَ يَتَحَمَّدُ حَتَّى صَارَ حَيًّا مَا يَمُوتُ ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ»: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾ [آل عمران: ١٦٩]
٦ ‏/ ٢٣٤
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ: ثنا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، قَالَ: ثني أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ فِي أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ الَّذِينَ أَرْسَلَهُمْ نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ إِلَى أَهْلِ بِئْرِ مَعُونَةَ، قَالَ: لَا أَدْرِي أَرْبَعِينَ، أَوْ سَبْعِينَ، قَالَ: «وَعَلَى ذَلِكَ الْمَاءِ عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ الْجَعْفَرِيُّ، فَخَرَجَ أُولَئِكَ النَّفْرُ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ حَتَّى أَتَوْا غَارًا مُشْرِفًا عَلَى الْمَاءِ قَعَدُوا فِيهِ، ثُمَّ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: أَيُّكُمْ يُبَلِّغُ رِسَالَةَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَهْلَ هَذَا الْمَاءِ؟ فَقَالَ: أَرَاهُ أَبَا مِلْحَانَ الْأَنْصَارِيَّ: أَنَا أُبَلِّغُ رِسَالَةَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، ⦗٢٣٥⦘ فَخَرَجَ حَتَّى أَتَى حَيًّا مِنْهُمْ، فَاحْتَبَى أَمَامَ الْبُيُوتِ، ثُمَّ قَالَ: يَا أَهْلَ بِئْرِ مَعُونَةَ، إِنِّي رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إِلَيْكُمْ، إِنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ كَسْرِ الْبَيْتِ بِرُمْحٍ، فَضَرَبَ بِهِ فِي جَنْبِهِ حَتَّى خَرَجَ مِنَ الشِّقِّ الْآخَرِ، فَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، فُزْتُ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ، فَاتَّبَعُوا أَثَرَهُ حَتَّى أَتَوْا أَصْحَابَهُ، فَقَتَلَهُمْ أَجْمَعِينَ عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ»
٦ ‏/ ٢٣٤
قَالَ: قَالَ إِسْحَاقُ: حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ «أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْزَلَ فِيهِمْ قُرْآنًا رُفِعَ بَعْدَ مَا قَرَأْنَاهُ زَمَانًا، وَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾ [آل عمران: ١٦٩]»
٦ ‏/ ٢٣٥
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا جُوَيْبِرٌ، عَنِ الضَّحَّاكِ، قَالَ: «لَمَّا أُصِيبَ الَّذِينَ أُصِيبُوا يَوْمَ أُحُدٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ، لَقُوا رَبَّهُمْ، فَأَكْرَمَهُمْ، فَأَصَابُوا الْحَيَاةَ وَالشَّهَادَةَ وَالرِّزْقَ الطَّيِّبَ، قَالُوا: يَا لَيْتَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ إِخْوَانِنَا مَنْ يُبَلِّغُهُمْ أَنَّا لَقِينَا رَبَّنَا فَرَضِيَ عَنَّا وَأَرْضَانَا، فَقَالَ اللَّهُ تبارك وتعالى: أَنَا رَسُولُكُمْ إِلَى نَبِيِّكُمْ وَإِخْوَانِكُمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تبارك وتعالى عَلَى نَبِيِّهِ ﷺ»: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾ [آل عمران: ١٦٩] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَلَا هُمْ ⦗٢٣٦⦘ يَحْزَنُونَ﴾ [آل عمران: ١٧٠] «فَهَذَا النَّبَأُ الَّذِي بَلَّغَ اللَّهُ رَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ مَا قَالَ الشُّهَدَاءُ» وَفِي نَصْبِ قَوْلِهِ: ﴿فَرِحِينَ﴾ [آل عمران: ١٧٠] وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مَنْصُوبًا عَلَى الْخُرُوجِ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ [البقرة: ٦٢] وَالْآخَرُ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿يُرْزَقُونَ﴾ [آل عمران: ١٦٩] وَلَوْ كَانَ رَفْعًا بِالرَّدِّ عَلَى قَوْلِهِ: «بَلْ أَحْيَاءٌ فَرِحُونَ» كَانَ جَائِزًا
٦ ‏/ ٢٣٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: ﴿وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [آل عمران: ١٧٠] يَعْنِي بِذَلِكَ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَيَفْرَحُونَ بِمَنْ لَمْ يَلْحَقْ بِهِمْ مِنْ إِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ فَارَقُوهُمْ وَهُمْ أَحْيَاءٌ فِي الدُّنْيَا عَلَى مَنَاهِجِهِمْ، مِنْ جِهَادِ أَعْدَاءِ اللَّهِ مَعَ رَسُولِهِ، لِعِلْمِهِمْ بِأَنَّهُمْ إِنِ اسْتُشْهِدُوا فَلَحِقُوا بِهِمْ، صَارُوا مِنْ كَرَامَةِ اللَّهِ إِلَى مِثْلِ الَّذِي صَارُوا هُمْ إِلَيْهِ، فَهُمْ لِذَلِكَ مُسْتَبْشِرُونَ بِهِمْ، فَرِحُونَ أَنَّهُمْ إِذَا صَارُوا كَذَلِكَ، ﴿لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [يونس: ٦٢] يَعْنِي بِذَلِكَ: لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ قَدْ آمَنُوا عِقَابَ اللَّهِ، وَأَيْقَنُوا بِرِضَاهَ عَنْهُمْ، فَقَدْ آمَنُوا الْخَوْفَ الَّذِي كَانُوا يَخَافُونَهُ مِنْ ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا، وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ عَلَى مَا خَلَّفُوا وَرَاءَهُمْ مِنْ أَسْبَابِ الدُّنْيَا، وَنَكَدِ عَيْشِهَا، لِلْخَفْضِ الَّذِي صَارُوا إِلَيْهِ وَالدَّعَةِ وَالزُّلْفَةِ، وَنَصَبَ أَنْ لَا بِمَعْنَى: يَسْتَبْشِرُونَ لَهُمْ بِأَنَّهُمْ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ.
٦ ‏/ ٢٣٦
وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ
٦ ‏/ ٢٣٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهُمْ﴾ [آل عمران: ١٧٠] الْآيَةَ، يَقُولُ: «لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ فَارَقُوهُمْ عَلَى دِينِهِمْ وَأَمْرِهِمْ لَمَّا قَدِمُوا عَلَيْهِ مِنَ الْكَرَامَةِ وَالْفَضْلِ وَالنَّعِيمِ الَّذِي أَعْطَاهُمْ»
٦ ‏/ ٢٣٧
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: ﴿وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ﴾ [آل عمران: ١٧٠] الْآيَةَ، قَالَ يَقُولُ: «إِخْوَانُنَا يُقْتَلُونَ كَمَا قُتِلْنَا، يَلْحَقُونَ فَيُصِيبُونَ مِنْ كَرَامَةِ اللَّهِ تَعَالَى مَا أَصَبْنَا»
٦ ‏/ ٢٣٧
حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ: ذُكِرَ لَنَا عَنْ بَعْضِهِمْ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾ [آل عمران: ١٦٩] قَالَ: «هُمْ قَتْلَى بَدْرٍ وَأُحُدٍ، زَعَمُوا أَنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى لَمَّا قَبَضَ أَرْوَاحَهُمْ، وَأُدْخَلَهُمُ الْجَنَّةَ، جُعِلَتْ أَرْوَاحُهُمْ فِي طَيْرٍ خُضْرٍ تَرْعَى فِي الْجَنَّةِ، وَتَأْوِي إِلَى قَنَادِيلَ مِنْ ذَهَبٍ تَحْتَ الْعَرْشِ، فَلَمَّا رَأَوْا مَا أَعْطَاهُمُ اللَّهُ مِنَ الْكَرَامَةِ، قَالُوا: لَيْتَ إِخْوَانَنَا الَّذِينَ بَعْدَنَا يَعْلَمُونَ مَا نَحْنُ فِيهِ، فَإِذَا شَهِدُوا قِتَالًا تَعَجَّلُوا إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: إِنِّي مَنْزِلٌ عَلَى نَبِيِّكُمْ وُمُخْبِرٌ إِخْوَانَكُمْ بِالَّذِي أَنْتُمْ فِيهِ، فَفَرِحُوا بِهِ وَاسْتَبْشَرُوا، وَقَالُوا: يُخْبِرُ اللَّهُ نَبِيَّكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ بِالَّذِي أَنْتُمْ فِيهِ، فَإِذَا شَهِدُوا قِتَالًا أَتَوْكُمْ» قَالَ: فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾ [آل عمران: ١٧٠] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران: ١٧١]
٦ ‏/ ٢٣٧
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: ﴿وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ﴾ [آل عمران: ١٧٠] «أَيْ وَيُسَرَّونَ بِلُحُوقِ مَنْ لَحِقَ بِهِمْ مِنْ إِخْوَانِهِمْ عَلَى مَا مَضَوْا عَلَيْهِ مِنْ جِهَادِهِمْ، لِيُشْرِكُوهُمْ فِيمَا هُمْ فِيهِ مِنْ ثَوَابِ اللَّهِ الَّذِي أَعْطَاهُمْ، وَأَذْهَبَ اللَّهُ عَنْهُمُ الْخَوْفَ وَالْحَزَنَ»
٦ ‏/ ٢٣٨
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَ ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ﴾ [آل عمران: ١٧٠] قَالَ: «هُمْ إِخْوَانُهُمْ مِنَ الشُّهَدَاءِ مِمَّنْ يَسُتْشَهَدُ مِنْ بَعْدِهِمْ» ﴿لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [يونس: ٦٢] حَتَّى بَلَغَ: ﴿وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران: ١٧١]
٦ ‏/ ٢٣٨
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: أَمَّا ﴿يَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ﴾ [آل عمران: ١٧٠]، «فَإِنَّ الشَّهِيدَ يُؤْتَى بِكِتَابٍ فِيهِ مَنْ يَقْدُمُ عَلَيْهِ مِنْ إِخْوَانِهِ وَأَهْلِهِ، فَيُقَالُ: يَقْدُمُ عَلَيْكَ فُلَانٌ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا، وَيَقْدُمُ عَلَيْكَ فُلَانٌ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا، فَيَسْتَبْشِرُ حِينَ يَقْدُمُ عَلَيْهِ، كَمَا يَسْتَبْشِرُ أَهْلُ الْغَائِبِ بِقُدُومِهِ فِي الدُّنْيَا»
٦ ‏/ ٢٣٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران: ١٧١] يَقُولُ جَلَّ ثناؤُهُ: ﴿يَسْتَبْشِرُونَ﴾ [آل عمران: ١٧١] يَفْرَحُونَ ﴿بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ﴾ [آل عمران: ١٧١] يَعْنِي بِمَا حَبَاهُمْ بِهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ مِنْ عَظِيمِ كَرَامَتِهِ عِنْدِ وُرُودِهِمْ عَلَيْهِ ﴿وَفَضْلٍ﴾ [آل عمران: ١٧١] يَقُولُ: وَبِمَا أَسْبَغَ عَلَيْهِمْ مِنَ الْفَضْلِ وَجَزِيلِ الثَّوَابِ عَلَى مَا سَلَفَ مِنْهُمْ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ﷺ وَجِهَادِ أَعْدَائِهِ ﴿وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران: ١٧١]
٦ ‏/ ٢٣٨
كَمَا: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ: ﴿يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ﴾ [آل عمران: ١٧١] الْآيَةَ، «لِمَا عَايَنُوا مِنْ وَفَاءِ الْمَوْعُودِ وَعَظِيمِ الثَّوَابِ» وَاخْتَلَفَ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ ﴿وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران: ١٧١]، فَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ بِفَتْحِ الْأَلْفِ مِنْ «أَنَّ» بِمَعْنَى يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ، وَبِأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ، وَبِكَسْرِ الْأَلْفِ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ؛ وَاحْتَجَّ مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ كَذَلِكَ بِأَنَّهَا فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ: «وَفَضْلٍ، وَاللَّهُ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ» قَالُوا: فَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ: ﴿وَأَنَّ اللَّهَ﴾ [آل عمران: ١٧١] مُسْتَأْنَفٌ غَيْرُ مُتَّصِلٍ بِالْأَوَّلِ. وَمَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران: ١٧١] لَا يُبْطِلُ جَزَاءَ أَعْمَالِ مَنْ صَدَّقَ رَسُولَهُ وَاتَّبَعَهُ وَعَمِلَ بِمَا جَاءَهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ. وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ بِالصَّوَابِ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ: ﴿وَأَنَّ اللَّهَ﴾ [آل عمران: ١٧١] بِفَتْحِ الْأَلْفِ، لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَى ذَلِكَ
٦ ‏/ ٢٣٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ [آل عمران: ١٧٢] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثناؤُهُ: وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ، الْمُسْتَجِيبِينَ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ، مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْجَرْحُ وَالْكُلُومُ، وَإِنَّمَا عَنَى اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ بِذَلِكَ ⦗٢٤٠⦘ الَّذِينَ اتَّبَعُوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ إِلَى حَمْرَاءِ الْأَسَدِ فِي طَلَبِ الْعَدُوِّ أَبِي سُفْيَانَ، وَمَنْ كَانَ مَعَهُ مِنْ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ مُنْصَرَفَهُمْ عَنْ أُحُدٍ؛ وَذَلِكَ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ لَمَّا انْصَرَفَ عَنْ أُحُدٍ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي أَثَرِهِ حَتَّى بَلَغَ حَمْرَاءَ الْأَسَدِ وَهِيَ عَلَى ثَمَانِيَةِ أَمْيَالٍ مِنَ الْمَدِينَةِ، لِيُرِيَ النَّاسَ أَنَّ بِهَ وَأَصْحَابِهِ قُوَّةً عَلَى عَدُوِّهِمْ
٦ ‏/ ٢٣٩
كَالَّذِي حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ ثنا سَلَمَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثني حَسَّانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ السَّبْتَ لِلنِّصْفِ مِنْ شَوَّالٍ؛ فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ، يَوْمَ الْأَحَدِ لَسْتَ عَشْرَةَ لَيْلَةً مَضَتْ مِنْ شَوَّالٍ أَذَّنَ مُؤَذِّنُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي النَّاسِ بِطَلَبِ الْعَدُوِّ، وَأَذَّنَ مُؤَذِّنُهُ أَنْ لَا يَخْرُجَنَّ مَعَنَا أَحَدٌ إِلَّا مَنْ حَضَرَ يَوْمَنَا بِالْأَمْسِ، فَكَلَّمَهُ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَبِي كَانَ خَلَّفَنِي عَلَى أَخَوَاتٍ لِي سَبْعٍ وَقَالَ لِي: يَا بُنَيَّ إِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِي وَلَا لَكَ أَنْ نَتْرُكَ هَؤُلَاءِ النِّسْوَةَ لَا رَجُلَ فِيهِنَّ، وَلَسْتُ بِالَّذِي أُوثِرُكَ بِالْجِهَادِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عَلَى نَفْسِي، فَتَخَلَّفْ عَلَى أَخَوَاتِكِ، فَتَخَلَّفْتُ عَلَيْهِنَّ، فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَخَرَجَ مَعَهُ. وَإِنَّمَا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مُرْهِبًا لِلْعَدُوٍّ، لِيُبَلِّغَهُمْ أَنَّهُ خَرَجَ فِي طَلَبِهِمْ لِيَظُنُّوا بِهِ قُوَّةً، وَأَنَّ الَّذِي أَصَابَهُمْ لَمْ يُوَهِّهِمْ عَنْ عَدُوِّهِمْ “
٦ ‏/ ٢٤٠
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: فَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي السَّائِبِ، مَوْلَى عَائِشَةَ بِنْتِ عُثْمَانَ أَنَّ رَجُلًا، مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ كَانَ شَهِدَ أُحُدًا، قَالَ: “
٦ ‏/ ٢٤٠
شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أُحُدًا أَنَا وَأَخٌ لِي، فَرَجَعْنَا جَرِيحَيْنِ؛ فَلَمَّا أَذَّنَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِالْخُرُوجِ فِي طَلَبِ الْعَدُوِّ، قُلْتُ لِأَخِي، أَوْ قَالَ لِي: أَتَفُوتُنَا غَزْوَةٌ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ؟ وَاللَّهِ مَا لَنَا مِنْ دَابَّةٍ نَرْكَبُهَا وَمَا مِنَّا إِلَّا جَرِيحٌ ثَقِيلٌ، فَخَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَكُنْتُ أَيْسَرَ جُرْحًا مِنْهُ، فَكُنْتُ إِذَا غُلِبَ حَمَلْتُهُ عُقْبَةً وَمَشَى عُقْبَةً، حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى مَا انْتَهَى إِلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حَتَّى انْتَهَى إِلَى حَمْرَاءِ الْأَسَدِ، وَهِيَ مِنَ الْمَدِينَةِ عَلَى ثَمَانِيَةِ أَمْيَالٍ، فَأَقَامَ بِهَا ثَلَاثًا: الِاثنينَ وَالثُّلَاثَاءَ وَالْأَرْبِعَاءَ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ “
٦ ‏/ ٢٤١
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: فَقَالَ اللَّهُ تبارك وتعالى: ﴿الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ﴾ [آل عمران: ١٧٢] «أَيِ الْجِرَاحُ، وَهُمُ الَّذِينَ سَارُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ الْغَدَ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ إِلَى حَمْرَاءِ الْأَسَدِ عَلَى مَا بِهِمْ مِنْ أَلَمِ الْجِرَاحِ» ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ [آل عمران: ١٧٢]
٦ ‏/ ٢٤١
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ﴾ [آل عمران: ١٧٢] الْآيَةَ، وَذَلِكَ يَوْمَ أُحُدٍ بَعْدَ الْقَتْلِ وَالْجِرَاحِ، وَبَعْدَ مَا انْصَرَفَ الْمُشْرِكُونَ أَبُو سُفْيَانَ وَأَصْحَابُهُ، فَقَالَ ﷺ: «أَلَا عِصَابَةٌ تَشُدُّ لِأَمْرِ اللَّهِ تَطْلُبُ عَدُوَّهَا؟ فَإِنَّهُ أَنْكَى لِلْعَدُوِّ، وَأَبْعَدُ لِلسَّمْعِ» فَانْطَلَقَ عِصَابَةٌ مِنْهُمْ عَلَى مَا يَعْلَمُ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الْجَهْدِ
٦ ‏/ ٢٤١
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: «انْطَلَقَ أَبُو سُفْيَانَ مُنْصَرِفًا مِنْ أُحُدٍ حَتَّى بَلَغَ بَعْضَ الطَّرِيقِ، ثُمَّ إِنَّهُمْ نَدِمُوا، وَقَالُوا: بِئْسَمَا صَنَعْتُمْ إِنَّكُمْ قَتَلْتُمُوهُمْ، حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ إِلَّا الشَّرِيدُ تَرَكْتُمُوهُمْ، ارْجِعُوا وَاسْتَأْصِلُوهُمْ، فَقَذَفَ اللَّهُ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ، فَهُزِمُوا. فَأَخْبَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ، فَطَلَبَهُمْ حَتَّى بَلَغَ حَمْرَاءَ الْأَسَدِ، ثُمَّ رَجَعُوا مِنْ حَمْرَاءِ الْأَسَدِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ جَلَّ ثناؤُهُ فِيهِمْ»: ﴿الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ﴾ [آل عمران: ١٧٢]
٦ ‏/ ٢٤٢
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: إِنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَزَّ قَذَفَ فِي قَلْبِ أَبِي سُفْيَانَ الرُّعْبَ يَعْنِي: يَوْمَ أُحُدٍ بَعْدَ مَا كَانَ مِنْهُ مَا كَانَ، فَرَجَعَ إِلَى مَكَّةَ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ قَدْ أَصَابَ مِنْكُمْ طَرَفًا وَقَدْ رَجَعَ وَقَذَفَ اللَّهُ فِي قَلْبِهِ الرُّعْبَ» . وَكَانَتْ وَقْعَةُ أُحُدٍ فِي شَوَّالٍ، وَكَانَ التُّجَّارُ يَقْدُمُونَ الْمَدِينَةَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ، فَيَنْزِلُونَ بِبَدْرٍ الصُّغْرَى فِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً، وَإِنَّهُمْ قَدِمُوا بَعْدَ وَقْعَةِ أُحُدٍ، وَكَانَ أَصَابَ الْمُؤْمِنِينَ الْقَرْحُ، وَاشْتَكُوا ذَلِكَ إِلَى نَبِيِّ اللَّهِ ﷺ، وَاشْتَدَّ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَصَابَهُمْ، وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ نَدَبَ النَّاسَ لِيَنْطَلِقُوا مَعَهُ، وَيَتَّبِعُوا مَا كَانُوا مُتَّبِعِينَ، وَقَالَ: «إِنَّمَا يَرْتَجِلُونَ الْآنَ فَيَأْتُونَ الْحَجَّ وَلَا يَقْدِرُونَ عَلَى مِثْلِهَا حَتَّى عَامٍ مُقْبِلٍ» فَجَاءَ الشَّيْطَانُ فَخَوَّفَ أَوْلِيَاءَهُ فَقَالَ: إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ، فَأَبَى عَلَيْهِ النَّاسُ أَنْ يَتَّبِعُوهُ، فَقَالَ: «إِنِّي ذَاهِبٌ وَإِنْ لَمْ يَتْبَعْنِي أَحَدٌ لَأُحَضِّضُ النَّاسَ» فَانْتَدَبَ مَعَهَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ، وَالزُّبَيْرُ، وَسَعْدٌ، وَطَلْحَةُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، ⦗٢٤٣⦘ وَحُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ فِي سَبْعِينَ رَجُلًا، فَسَارُوا فِي طَلَبِ أَبِي سُفْيَانَ، فَطَلَبُوهُ حَتَّى بَلَغُوا الصَّفْرَاءَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ [آل عمران: ١٧٢]
٦ ‏/ ٢٤٢
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ، قَالَ: ثنا أَبُو سَعِيدٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ: «يَا ابْنَ أُخْتِي، أَمَا وَاللَّهِ إِنَّ أَبَاكَ وَجَدَّكَ تَعْنِي: أَبَا بَكْرٍ وَالزُّبَيْرَ مِمَّنْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ: ﴿الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ﴾ [آل عمران: ١٧٢]»
٦ ‏/ ٢٤٣
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: “أُخْبِرْتُ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ لَمَّا رَاحَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ يَوْمَ أُحُدٍ قَالَ الْمُسْلِمُونَ لِلنَّبِيِّ ﷺ: إِنَّهُمْ عَامِدُونَ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَقَالَ: «إِنْ رَكِبُوا الْخَيْلَ وَتَرَكُوا الْأَثْقَالَ فَإِنَّهُمْ عَامِدُونَ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَإِنْ جَلَسُوا عَلَى الْأَثْقَالِ وَتَرَكُوا الْخَيْلَ فَقَدْ أَرْعَبَهُمُ اللَّهُ وَلَيْسُوا بِعَامِدِيهَا»، فَرَكَّبُوا الْأَثْقَالَ، فَرَعَبَهُمُ اللَّهُ، ثُمَّ نَدَبَ نَاسًا يَتْبَعَونَهُمْ لِيَرَوْا أَنَّ بِهِمْ قُوَّةً، فَاتَّبَعِوهُمْ لَيْلَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، فَنَزَلَتْ: ﴿الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ﴾ [آل عمران: ١٧٢]
٦ ‏/ ٢٤٣
حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ الرَّبِيعِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَتْ لِي عَائِشَةُ: «إِنْ كَانَ أَبَوَاكَ لَمِنَ الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ، تَعْنِي: أَبَا بَكْرٍ وَالزُّبَيْرَ»
٦ ‏/ ٢٤٤
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: «كَانَ عَبْدُ اللَّهِ مِنَ الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ» فَوَعَدَ تَعَالَى ذِكْرُهُ مَنْ ذَكَرْنَا أَمْرَهُ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: ﴿الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ﴾ [آل عمران: ١٧٢] إِذَا اتَّقَى اللَّهَ فَخَافَهُ، فَأَدَّى فَرَائِضَهُ وَأَطَاعَهُ فِي أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ مِنِ عُمْرِهِ أَجْرًا عَظِيمًا، وَذَلِكَ الثَّوَابُ الْجَزِيلُ، وَالْجَزَاءُ الْعَظِيمُ، عَلَى مَا قَدَّمَ مِنْ صَالِحِ أَعْمَالِهِ فِي الدُّنْيَا
٦ ‏/ ٢٤٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾ [آل عمران: ١٧٣] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ: إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ، وَالَّذِينَ فِي مَوْضِعِ خَفْضٍ مَرْدُودٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، وَهَذِهِ الصُّفَّةُ مِنْ صِفَةِ الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ وَالنَّاسِ الْأَوَّلِ هُمْ قَوْمٌ فِيمَا ذُكِرَ لَنَا، كَانَ أَبُو سُفْيَانَ سَأَلَهُمْ أَنْ يُثَبِّطُوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وَأَصْحَابَهُ الَّذِينَ خَرَجُوا فِي طَلَبِهِ بَعْدَ مُنْصَرَفِهِ عَنْ أُحُدٍ إِلَى حَمْرَاءِ الْأَسَدِ؛ وَالنَّاسُ الثَّانِي: هُمْ أَبُو سُفْيَانَ وَأَصْحَابُهُ مِنْ قُرَيْشٍ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ بِأُحُدٍ،
٦ ‏/ ٢٤٤
يَعْنِي بِقَوْلِهِ: ﴿قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ﴾ [آل عمران: ١٧٣] قَدْ جَمَعُوا الرِّجَالَ لِلِقْائِكُمْ، وَالْكَرَّةِ إِلَيْكُمْ لِحَرْبِكُمْ ﴿فَاخْشَوْهُمْ﴾ [آل عمران: ١٧٣] يَقُولُ: فَاحْذَرُوهُمْ، وَاتَّقُوا لِقَاءَهُمْ، فَإِنَّهُ لَا طَاقَةَ لَكُمْ بِهِمْ، ﴿فَزَادَهُمْ إِيمَانًا﴾ [آل عمران: ١٧٣] يَقُولُ: فَزَادَهُمْ ذَلِكَ مِنْ تَخْوِيفِ مَنْ خَوَّفَهُمْ أَمْرُ أَبِي سُفْيَانَ وَأَصْحَابِهِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ يَقِينًا إِلَى يَقِينِهِمْ، وَتَصْدِيقًا لِلَّهِ وَلِوَعْدِهِ وَوَعْدِ رَسُولِهِ إِلَى تَصْدِيقِهِمْ، وَلَمْ يُثْنِهِمْ ذَلِكَ عَنْ وَجْهِهِمُ الَّذِي أَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِالسَّيْرِ فِيهِ، وَلَكِنْ سَارُوا حَتَّى بَلَغُوا رِضْوَانَ اللَّهِ مِنْهُ، وَقَالُوا ثِقَةً بِاللَّهِ، وَتَوَكُّلًا عَلَيْهِ، إِذْ خَوَّفَهُمْ مَنْ خَوَّفَهُمْ أَبَا سُفْيَانَ وَأَصْحَابَهُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴿حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾ [آل عمران: ١٧٣] يَعْنِي بِقَوْلِهِ: حَسْبُنَا اللَّهُ: كَفَانَا اللَّهُ، يَعْنِي: يَكْفِينَا اللَّهُ؛ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، يَقُولُ: وَنِعْمَ الْمَوْلَى لِمَنْ وَلِيَهُ وَكَفَلَهُ؛ وَإِنَّمَا وَصَفَ تَعَالَى نَفْسَهُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ: هُوَ الْمُسْنَدُ إِلَيْهِ الْقِيَامُ بِأَمْرِ مَنْ أَسْنَدَ إِلَيْهِ الْقِيَامَ بِأَمْرِهِ؛ فَلَمَّا كَانَ الْقَوْمُ الَّذِينَ وَصَفَهُمُ اللَّهُ بِمَا وَصَفَهُمْ بِهِ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ قَدْ كَانُوا فَوَّضُوا أَمْرَهُمْ إِلَى اللَّهِ، وَوَثِقُوا بِهِ، وَأَسْنَدُوا ذَلِكَ إِلَيْهِ وَصَفَ نَفْسَهُ بِقِيَامِهِ لَهُمْ بِذَلِكَ، وَتَفْوِيضِهِمْ أَمْرَهُمْ إِلَيْهِ بِالْوِكَالَةِ، فَقَالَ: وَنِعْمَ الْوَكِيلُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُمْ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي قَالَ مَنْ قَالَ لِأَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: ﴿إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ﴾ [آل عمران: ١٧٣] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: قِيلَ ذَلِكَ لَهُمْ فِي وَجْهِهِمُ الَّذِي خَرَجُوا فِيهِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِنْ أُحُدٍ إِلَى حَمْرَاءِ الْأَسَدِ فِي طَلَبِ أَبِي سُفْيَانَ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ
٦ ‏/ ٢٤٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ، وَذِكْرُ السَّبَبِ الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ قِيلَ ذَلِكَ، وَمَنْ قَائِلُهُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، قَالَ: مَرَّ بِهِ، يَعْنِي بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ مَعْبَدٌ الْخُزَاعِيُّ بِحَمْرَاءِ الْأَسَدِ، وَكَانَتْ خُزَاعَةُ مُسْلِمُهُمْ وَمُشْرِكُهُمْ عَيْبَةَ نُصْحٍ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِتِهَامَةَ صِفْقَتُهُمْ مَعَهُ، لَا يُخْفُونَ عَلَيْهِ شَيْئًا كَانَ بِهَا، وَمَعْبَدٌ يَوْمَئِذٍ مُشْرِكٌ، فَقَالَ: وَاللَّهِ يَا مُحَمَّدُ، أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ عَزَّ عَلَيْنَا مَا أَصَابَكَ فِي أَصْحَابِكَ، وَلَوَدِدْنَا أَنَّ اللَّهَ كَانَ أَعْفَاكَ فِيهِمْ ثُمَّ خَرَجَ مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِنْ حَمْرَاءِ الْأَسَدِ، حَتَّى لَقِيَ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ وَمَنْ مَعَهُ بِالرَّوْحَاءِ، قَدْ أَجْمَعُوا الرَّجْعَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَأَصْحَابِهِ، وَقَالُوا: أَصَبْنَا فِي أُحُدٍ أَصْحَابَهُ وَقَادَتَهُمْ وَأَشْرَافَهُمْ، ثُمَّ نَرْجِعُ قَبْلَ أَنْ نَسْتَأْصِلَهُمْ لَنَكُرَّنَّ عَلَى بَقِيَّتِهِمْ فَلَنَفْرَغَنَّ مِنْهُمْ، فَلَمَّا رَأَى أَبُو سُفْيَانَ مَعْبَدًا، قَالَ: مَا وَرَاءَكَ يَا مَعْبَدُ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ قَدْ خَرَجَ فِي أَصْحَابِهِ يَطْلُبُكُمْ فِي جَمْعٍ لَمْ أَرَ مِثْلَهُ قَطُّ، يَتَحَرَّقُونَ عَلَيْكُمْ تَحَرُّقًا، قَدِ اجْتَمَعَ مَعَهُ مَنْ كَانَ تَخَلَّفَ عَنْهُ فِي يَوْمِكُمْ، وَنَدِمُوا عَلَى مَا صَنَعُوا، فَهُمْ مِنَ الْحَنَقِ عَلَيْكُمْ بِشَيْءٍ لَمْ أَرَ مِثْلَهُ قَطُّ. قَالَ: وَيْلَكَ مَا تَقُولُ؟ قَالَ: وَاللَّهِ مَا أَرَاكَ تَرْتَحِلُ حَتَّى تَرَى نَوَاصِيَ الْخَيْلِ، قَالَ: فَوَاللَّهِ لَقَدْ أَجْمَعْنَا الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ لِنَسْتَأْصِلَ بَقِيَّتَهُمْ، قَالَ: فَإِنِّي أَنْهَاكَ عَنْ ذَلِكَ، فَوَاللَّهِ لَقَدْ حَمَلَنِي مَا رَأَيْتُ عَلَى أَنْ قُلْتُ فِيهِ أَبْيَاتًا مِنْ شِعْرٍ، قَالَ: وَمَا قُلْتَ؟ قَالَ، قُلْتُ ⦗٢٤٧⦘،
[البحر البسيط]

كَادَتْ تُهَدُّ مِنَ الْأَصْوَاتِ رَاحِلَتِي … إِذْ سَالَتِ الْأَرْضُ بِالْجُرْدِ الْأَبَابِيلِ
تَرْدِي بِأُسْدٍ كِرَامٍ لَا تَنَابِلَةٍ … عِنْدَ اللِّقَاءِ وَلَا مِيلٍ مَعَازِيلِ
فَظَلْتُ عَدْوًا أَظُنُّ الْأَرْضَ مَائِلَةً … لَمَّا سَمَوْا بِرَئِيسٍ غَيْرِ مَخْذُولِ
فَقُلْتُ وَيْلُ ابْنِ حَرْبٍ مِنْ لِقَائِكُمُ … إِذَا تَغَطْمَطَتِ الْبَطْحَاءُ بِالْجِيلِ
إِنِّي نَذِيرٌ لِأَهْلِ الْبُسْلِ ضَاحِيَةً … لِكُلِّ ذِي إِرْبَةٍ مِنْهُمْ وَمَعْقُولِ
مِنْ جَيْشِ أَحْمَدَ لَا وَخْشٍ تَنَابِلَةٍ … وَلَيْسَ يُوصَفُ مَا أَنْذَرْتُ بِالْقِيلِ
⦗٢٤٨⦘ قَالَ: فَثَنَى ذَلِكَ أَبَا سُفْيَانَ وَمَنْ مَعَهُ، وَمَرَّ بِهِ رَكْبٌ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ، فَقَالَ، أَيْنَ تُرِيدُونَ؟ قَالُوا: نُرِيدُ الْمَدِينَةَ، قَالَ: وَلِمَ؟ قَالُوا: نُرِيدُ الْمِيرَةَ، قَالَ: فَهَلْ أَنْتُمْ مُبَلِّغُونَ عَنِي مُحَمَّدًا رِسَالَةً أُرْسِلُكُمْ بِهَا وَأَحُمِّلُ لَكُمْ إِبِلَكُمْ هَذِهِ غَدًا زَبِيبًا بِعُكَاظٍ إِذَا وَافَيْتُمُوهَا؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: فَإِذَا جِئْتُمُوهُ، فَأَخْبِرُوهُ أَنَّا قَدْ أَجْمَعْنَا السَّيْرَ إِلَيْهِ وَإِلَى أَصْحَابِهِ لِنَسْتَأْصِلَ بَقِيَّتَهُمْ، فَمَرَّ الرُّكَبُ بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَهُوَ بِحَمْرَاءِ الْأَسَدِ، فَأَخْبَرُوهُ بِالَّذِي قَالَ أَبُو سُفْيَانَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ»

٦ ‏/ ٢٤٦
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: فَقَالَ اللَّهُ: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾ [آل عمران: ١٧٣] «وَالنَّاسُ الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ مَا قَالُوا: النَّفْرُ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ، الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ أَبُو سُفْيَانَ مَا قَالَ، إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ وَمَنْ مَعَهُ رَاجِعُونَ إِلَيْكُمْ، يَقُولُ اللَّهُ تبارك وتعالى»: ﴿فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ﴾ [آل عمران: ١٧٤] الْآيَةَ
٦ ‏/ ٢٤٨
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: «لَمَّا نَدِمُوا يَعْنِي: أَبَا سُفْيَانَ وَأَصْحَابَهُ عَلَى الرُّجُوعِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَأَصْحَابِهِ وَقَالُوا: ارْجِعُوا فَاسْتَأْصِلُوهُمْ، فَقَذَفَ اللَّهُ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ، فَهُزِمُوا، فَلَقُوا أَعْرَابِيًّا، فَجَعَلُوا لَهُ جُعْلًا: إِنْ لَقِيتَ مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ، فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّا قَدْ جَمَعْنَا لَهُمْ، ⦗٢٤٩⦘ فَأُخْبِرَ اللَّهُ جَلَّ ثناؤُهُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَطَلَبَهُمْ حَتَّى بَلَغَ حَمْرَاءَ الْأَسَدِ، فَلَقُوا الْأَعْرَابِيَّ فِي الطَّرِيقِ، فَأَخْبَرَهُمُ الْخَبَرَ، فَقَالُوا: ﴿حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾ [آل عمران: ١٧٣] ثُمَّ رَجَعُوا مِنْ حَمْرَاءِ الْأَسَدِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ وَفِي الْأَعْرَابِيِّ الَّذِي لَقِيَهُمْ»: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾ [آل عمران: ١٧٣]
٦ ‏/ ٢٤٨
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: “اسْتَقْبَلَ أَبُو سُفْيَانَ فِي مُنْصَرَفِهِ مِنْ أَحُدٍ عِيرًا وَارِدَةً الْمَدِينَةَ بِبِضَاعَةٍ لَهُمْ وَبَيْنَهُمْ وَبَيْنَ النَّبِيِّ ﷺ حِبَالٌ، فَقَالَ: إِنَّ لَكُمْ عَلَيَّ رِضَاكُمْ إِنْ أَنْتُمْ رَدَدْتُمْ عَنِي مُحَمَّدًا وَمَنْ مَعَهُ إِنْ أَنْتُمْ وَجَدْتُمُوهُ فِي طَلَبِي وَأَخْبَرْتُمُوهُ أَنِّي قَدْ جَمَعْتُ لَهُ جُمُوعًا كَثِيرَةً فَاسْتَقْبَلَتِ الْعِيرُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، قَالُوا لَهُ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّا نُخْبِرُكَ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ قَدْ جَمَعَ لَكَ جُمُوعًا كَثِيرَةً، وَأَنَّهُ مُقْبِلٌ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَإِنْ شِئْتَ أَنْ تَرْجِعَ فَافْعَلْ، وَلَمْ يَزِدْهُ ذَلِكَ وَمَنْ مَعَهُ إِلَّا يَقِينًا، وَقَالُوا ﴿حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾ [آل عمران: ١٧٣]، «فَأَنْزَلَ اللَّهُ تبارك وتعالى»: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ﴾ [آل عمران: ١٧٣] الْآيَةَ
٦ ‏/ ٢٤٩
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: “انْطَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَعِصَابَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ بَعْدَمَا انْصَرَفَ أَبُو سُفْيَانَ وَأَصْحَابُهُ مِنْ أُحُدٍ خَلْفَهُمْ، حَتَّى كَانُوا بِذِي الْحُلَيْفَةِ، فَجَعَلَ الْأَعْرَابُ وَالنَّاسُ يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ، فَيَقُولُونَ لَهُمْ: هَذَا أَبُو سُفْيَانَ مَائِلٌ عَلَيْكُمْ بِالنَّاسِ، فَقَالُوا: ﴿حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾ [آل عمران: ١٧٣]، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا ⦗٢٥٠⦘ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾ [آل عمران: ١٧٣] وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ قَالَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَأَصْحَابِهِ مَنْ قَالَ ذَلِكَ لَهُ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ الصُّغْرَى وَذَلِكَ فِي مَسِيرِ النَّبِيِّ ﷺ عَامَ قَابِلٍ مِنْ وَقْعَةِ أُحُدٍ لِلِقَاءِ عَدُوِّهِ أَبِي سُفْيَانَ وَأَصْحَابِهِ لِلْمَوْعِدِ الَّذِي كَانَ وَاعَدَهُ الِالْتِقَاءَ بِهَا
٦ ‏/ ٢٤٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ﴾ [آل عمران: ١٧٣] قَالَ: «هَذَا أَبُو سُفْيَانَ، قَالَ لِمُحَمَّدٍ: مَوْعِدُكُمْ بَدْرٌ حَيْثُ قَتَلْتُمْ أَصْحَابَنَا فَقَالَ مُحَمَّدٌ ﷺ: «عَسَى» فَانْطَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِمَوْعِدِهِ حَتَّى نَزَلَ بَدْرًا، فَوَافَقُوا السُّوقَ فِيهَا، وَابْتَاعُوا؛ فَذَلِكَ قَوْلُهُ تبارك وتعالى: ﴿فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ﴾ [آل عمران: ١٧٤] «وَهِيَ غَزْوَةُ بَدْرٍ الصُّغْرَى» حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، بِنَحْوِهِ، وَزَادَ فِيهِ: وَهِيَ بَدْرٌ الصُّغْرَى. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: لَمَّا عَمَدَ النَّبِيُّ ﷺ لِمَوْعِدِ أَبِي سُفْيَانَ، فَجَعَلُوا يَلْقَوْنَ الْمُشْرِكِينَ، وَيَسْأَلُونَهُمْ عَنْ قُرَيْشٍ، فَيَقُولُونَ: ﴿قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ﴾ [آل عمران: ١٧٣] «يَكِيدُونَهُمْ بِذَلِكَ، يُرِيدُونَ أَنْ يُرْعِبُوهُمْ، فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُونَ»: ﴿حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾ [آل عمران: ١٧٣]» حَتَّى قَدِمُوا بَدْرًا، فَوَجَدُوا أَسْوَاقَهَا عَافِيَةً لَمْ يُنَازِعْهُمْ فِيهَا أَحَدٌ، قَالَ: وَقَدِمَ رَجُلٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَأَخْبَرَ أَهْلَ مَكَّةَ بِخَيْلِ مُحَمَّدٍ عليه الصلاة والسلام ” وَقَالَ ⦗٢٥١⦘ فِي ذَلِكَ:
[البحر الرجز] نَفَرَتْ قَلُوصِي عَنْ خيولِ مُحَمَّدٍ … وَعَجْوَةٍ مَنْثُورَةٍ كَالْعُنْجُدِ
وَاتَّخَذَتْ مَاءَ قُدَيْدٍ مَوْعِدِي
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: هَكَذَا أَنْشَدَنَا الْقَاسِمُ، وَهُوَ خَطَأٌ، وَإِنَّمَا هُوَ:
قَدْ نَفَرَتْ مِنْ رُفْقَتَيْ مُحَمَّدٍ … وَعَجْوَةٍ مِنْ يَثْرِبَ كَالْعُنْجُدِ
تَهْوِي عَلَى دِينِ أَبِيهَا الْأَتْلَدِ … قَدْ جَعَلَتْ مَاءَ قُدَيْدٍ مَوْعِدِي
وَمَاءَ ضَجْنَانَ لَهَا ضُحَى الْغَدِ
٦ ‏/ ٢٥٠
حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: «كَانَتْ بَدْرٌ مَتْجَرًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَخَرَجَ نَاسٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يُرِيدُونَهُ، وَلَقِيَهُمْ نَاسٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَقَالُوا لَهُمْ: ﴿إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ﴾ [آل عمران: ١٧٣]، فَأَمَّا الْجَبَانُ فَرَجَعَ، وَأَمَّا الشُّجَاعُ فَأَخَذَ الْأُهْبَةَ لِلْقِتَالِ وَأُهْبَةً التِّجَارَةِ» ﴿وَقَالُوا حَسْبُنَا﴾ [آل عمران: ١٧٣] اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، فَأَتَوْهُمْ فَلَمْ يَلْقَوْا أَحَدًا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل فِيهِمْ: ﴿إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ﴾ [آل عمران: ١٧٣]
٦ ‏/ ٢٥١
قَالَ ابْنُ يَحْيَى، قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: وَأَخْبَرَنِي زَكَرِيَّا عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: «هِيَ كَلِمَةُ إِبْرَاهِيمَ ﷺ حِينَ أُلْقِيَ فِي النَّارِ» فَقَالَ: ﴿حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾ [آل عمران: ١٧٣] وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: إِنَّ الَّذِي قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَأَصْحَابِهِ مِنْ أَنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ، كَانَ فِي حَالِ خُرُوجِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَخُرُوجِ مَنْ خَرَجَ مَعَهُ فِي أَثَرِ أَبِي سُفْيَانَ، وَمَنْ كَانَ مَعَهُ مِنْ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ مُنْصَرَفَهُمْ عَنْ أُحُدٍ إِلَى حَمْرَاءِ الْأَسَدِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ إِنَّمَا مَدَحَ الَّذِينَ وَصَفَهُمْ بِقِيلِهِمْ: ﴿حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾ [آل عمران: ١٧٣] لَمَّا قِيلَ لَهُمْ: “إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ، بَعْدَ الَّذِي قَدْ كَانَ نَالَهُمْ مِنَ الْقُرُوحِ وَالْكُلُومِ، بِقَوْلِهِ: ﴿الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ﴾ [آل عمران: ١٧٢] وَلَمْ تَكُنْ هَذِهِ الصُّفَّةُ إِلَّا صِفَةَ مَنْ تَبِعَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ مِنْ جَرْحَى أَصْحَابِهِ بِأُحُدٍ إِلَى حَمْرَاءِ الْأَسَدِ. وَأَمَّا قَوْلُ الَّذِينَ خَرَجُوا مَعَهُ إِلَى غَزْوَةِ بَدْرٍ الصُّغْرَى، فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ جَرِيحٌ، إِلَّا جَرِيحٌ قَدْ تَقَادَمَ انْدِمَالُ جُرْحِهِ، وَبَرَأَ كَلْمُهُ، وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ إِنَّمَا خَرَجَ إِلَى بَدْرٍ الْخَرْجَةَ الثَّانِيَةَ إِلَيْهَا لِمَوْعِدِ أَبِي سُفْيَانَ الَّذِي كَانَ وَاعَدَهُ اللِّقَاءَ بِهَا بَعْدَ سَنَةٍ مِنْ غَزْوَةِ أُحُدٍ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ أَرْبَعٍ مِنَ الْهِجْرَةِ، وَذَلِكَ أَنَّ وَقْعَةَ أُحُدٍ كَانَتْ فِي النِّصْفِ مِنْ شَوَّالٍ مِنْ سَنَةِ ثَلَاثٍ، وَخُرُوجُ النَّبِيِّ ﷺ لِغَزْوَةِ بَدْرٍ الصُّغْرَى إِلَيْهَا فِي شَعْبَانِ مِنْ سَنَةِ أَرْبَعٍ، وَلَمْ يَكُنْ لِلنَّبِيِّ ﷺ بَيْنَ ذَلِكَ وَقْعَةٌ مَعَ الْمُشْرِكِينَ كَانَتْ بَيْنَهُمْ فِيهَا حَرْبٌ جُرِحَ فِيهَا ⦗٢٥٣⦘ أَصْحَابُهُ، وَلَكِنْ قَدْ كَانَ قُتِلَ فِي وَقْعَةِ الرَّجِيعِ مِنْ أَصْحَابِهِ جَمَاعَةٌ لَمْ يَشْهَدْ أَحَدٌ مِنْهُمْ غَزْوَةَ بَدْرٍ الصُّغْرَى، وَكَانَتْ وَقْعَةُ الرَّجِيعِ فِيمَا بَيْنَ وَقْعَةِ أُحُدٍ وَغَزْوَةِ النَّبِيِّ ﷺ بَدْرٍ الصُّغْرَى
٦ ‏/ ٢٥٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ﴾ [آل عمران: ١٧٤] يَعْنِي جَلَّ ثناؤُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ﴾ [آل عمران: ١٧٤] فَانْصَرَفَ الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ مِنْ وَجْهِهِمُ الَّذِي تَوَجَّهُوا فِيهِ، وَهُوَ سَيْرُهُمْ فِي أَثَرِ عَدُوِّهِمْ إِلَى حَمْرَاءِ الْأَسَدِ ﴿بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ﴾ [آل عمران: ١٧١] يَعْنِي: بِعَافِيَةٍ مِنْ رَبِّهِمْ لَمْ يَلْقُوا بِهَا عَدُوًّا ﴿وَفَضْلٍ﴾ [آل عمران: ١٧١] يَعْنِي: أَصَابُوا فِيهَا مِنَ الْأَرْبَاحِ بِتِجَارَتِهِمُ الَّتِي اتَّجَرُوا بِهَا، وَالْأَجْرِ الَّذِي اكْتَسَبُوهُ ﴿لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ﴾ [آل عمران: ١٧٤] يَعْنِي: لَمْ يَنَلْهُمْ بِهَا مَكْرُوهٌ مِنْ عَدُوِّهِمْ وَلَا أَذًى ﴿وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ﴾ [آل عمران: ١٧٤] يَعْنِي بِذَلِكَ أَنَّهُمْ أَرْضَوُا اللَّهَ بِفِعْلِهِمْ ذَلِكَ وَاتِّبَاعِهِمْ رَسُولَهُ إِلَى مَا دَعَاهُمْ إِلَيْهِ مِنَ اتِّبَاعِ أَثَرِ الْعَدُوِّ وَطَاعَتِهِمْ. ﴿وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ﴾ [آل عمران: ١٧٤] يَعْنِي: وَاللَّهُ ذُو إِحْسَانٍ وَطَوْلٍ عَلَيْهِمْ بِصَرْفِ عَدُوِّهِمُ الَّذِي كَانُوا قَدْ هَمُّوا بِالْكَرَّةِ إِلَيْهِمْ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَيَادِيهِ عِنْدَهُمْ، وَعَلَى غَيْرِهِمْ بِنِعْمَةٍ، عَظِيمٌ عِنْدَ مَنْ أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِ مِنْ خَلْقِهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ
٦ ‏/ ٢٥٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ﴾ [آل عمران: ١٧٤] قَالَ: «وَالْفَضْلُ: مَا أَصَابُوا مِنَ ⦗٢٥٤⦘ التِّجَارَةِ وَالْأَجْرِ»
٦ ‏/ ٢٥٣
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «وَافَقُوا السُّوقَ فَابْتَاعُوا، وَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ﴾ [آل عمران: ١٧٤] قَالَ: الْفَضْلُ مَا أَصَابُوا مِنَ التِّجَارَةِ وَالْأَجْرِ»
٦ ‏/ ٢٥٤
قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: «مَا أَصَابُوا مِنَ الْبَيْعِ نِعْمَةٌ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٌ، أَصَابُوا عَفْوَهُ وَعِزَّتَهُ، لَا يُنَازِعُهُمْ فِيهِ أَحَدٌ» . قَالَ: وَقَوْلُهُ: ﴿لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ﴾ [آل عمران: ١٧٤] قَالَ: «قَتْلٌ» ﴿وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ﴾ [آل عمران: ١٧٤] قَالَ: «طَاعَةَ النَّبِيِّ ﷺ»
٦ ‏/ ٢٥٤
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: ﴿وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ﴾ [آل عمران: ١٧٤] «لِمَا صَرَفَ عَنْهُمْ مِنْ لِقَاءِ عَدُوِّهِمْ»
٦ ‏/ ٢٥٤
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «أَطَاعُوا اللَّهَ، وَابْتَغَوْا حَاجَتَهُمْ، وَلَمْ يُؤْذِهِمْ أَحَدٌ» ﴿فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ﴾ [آل عمران: ١٧٤]
٦ ‏/ ٢٥٤
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: «أُعْطِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَعْنِي: حِينَ خَرَجَ إِلَى غَزْوَةِ بَدْرٍ الصُّغْرَى بِبَدْرٍ دَرَاهِمَ ابْتَاعُوا بِهَا مِنْ مَوْسِمِ بَدْرٍ، فَأَصَابُوا تِجَارَةً؛ فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ: ﴿فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ﴾ [آل عمران: ١٧٤]» أَمَّا النِّعْمَةُ: فَهِيَ الْعَافِيَةُ، ⦗٢٥٥⦘ وَأَمَّا الْفَضْلُ: فَالتِّجَارَةُ، وَالسَّوْءُ: الْقَتْلُ “
٦ ‏/ ٢٥٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران: ١٧٥] يَعْنِي بِذَلِكَ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّمَا الَّذِي قَالَ لَكُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ، فَخَوَّفُوكُمْ بِجُمُوعِ عَدُوِّكُمْ، وَمَسِيرِهِمْ إِلَيْكُمْ، مِنْ فِعْلِ الشَّيْطَانِ، أَلْقَاهُ عَلَى أَفْوَاهِ مَنْ قَالَ ذَلِكَ لَكُمْ، يُخَوِّفُكُمْ بِأَوْلِيَائِهِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ أَبِي سُفْيَانَ وَأَصْحَابِهِ مِنْ قُرَيْشٍ، لَتَرْهَبُوهُمْ، وَتَجْبُنُوا عَنْهُمْ
٦ ‏/ ٢٥٥
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ﴾ [آل عمران: ١٧٥] «يُخَوِّفُ وَاللَّهِ الْمُؤْمِنَ بِالْكَافِرِ، وَيُرْهِبُ الْمُؤْمِنَ بِالْكَافِرِ»
٦ ‏/ ٢٥٥
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ مُجَاهِدٌ: ﴿إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ﴾ [آل عمران: ١٧٥] قَالَ: «يُخَوِّفُ الْمُؤْمِنِينَ بِالْكُفَّارِ»
٦ ‏/ ٢٥٥
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ﴾ [آل عمران: ١٧٥] يَقُولُ: «الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ الْمُؤْمِنِينَ بِأَوْلِيَائِهِ»
٦ ‏/ ٢٥٥
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: ﴿إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ﴾ [آل عمران: ١٧٥]: «أَيْ أُولَئِكَ الرَّهْطُ، يَعْنِي النَّفْرَ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ الَّذِينَ قَالُوا ⦗٢٥٦⦘ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ مَا قَالُوا، وَمَا أَلْقَى الشَّيْطَانُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ» ﴿يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ﴾ [آل عمران: ١٧٥] «أَيْ يُرْهِبُكُمْ بِأَوْلِيَائِهِ»
٦ ‏/ ٢٥٥
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ، عَنْ عَتَّابِ بْنِ بَشِيرٍ، مَوْلَى قُرَيْشٍ، عَنْ سَالِمٍ الْأَفْطَسِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ﴾ [آل عمران: ١٧٥] قَالَ: «يُخَوِّفُكُمْ بِأَوْلِيَائِهِ» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُعَظِّمُ أَمْرَ الْمُشْرِكِينَ أَيُّهَا الْمُنَافِقُونَ فِي أَنْفُسِكُمْ فَتَخَافُونَهُ
٦ ‏/ ٢٥٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: «ذَكَرَ أَمْرَ الْمُشْرِكِينَ وَعِظَمَهُمْ فِي أَعْيُنِ الْمُنَافِقِينَ» فَقَالَ: ﴿إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ﴾ [آل عمران: ١٧٥] «يُعَظِّمُ أَوْلِيَاءَهُ فِي صُدُورِكُمْ فَتَخَافُونَهُمْ» فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَكَيْفَ قِيلَ: ﴿يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ﴾ [آل عمران: ١٧٥] وَهَلْ يُخَوِّفُ الشَّيْطَانُ أَوْلِيَاءَهُ؟ قِيلَ: إِنْ كَانَ مَعْنَاهُ يُخَوِّفُكُمْ بِأَوْلِيَائِهِ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ، قِيلَ ذَلِكَ نَظِيرُ قَوْلِهِ: ﴿لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا﴾ [الكهف: ٢]، بِمَعْنَى: لِيُنْذِرَكُمْ بَأْسَهُ الشَّدِيدَ، وَذَلِكَ أَنَّ الْبَأْسَ لَا يَنْذِرُ، وَإِنَّمَا يُنْذَرُ بِهِ، وَقَدْ كَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ يَقُولُ: مَعْنَى ذَلِكَ: يُخَوِّفُ النَّاسَ ⦗٢٥٧⦘ أَوْلِيَاءَهُ، كَقَوْلِ الْقَائِلِ: هُوَ يُعْطِي الدَّرَاهِمَ، وَيَكْسُو الثِّيَابَ، بِمَعْنَى: هُوَ يُعْطِي النَّاسَ الدَّرَاهِمَ، وَيَكْسُوهُمُ الثِّيَابَ، فَحُذِفَ ذَلِكَ لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ، وَلَيْسَ الَّذِي شَبَّهَ ذَلِكَ بِمُشَبَّهٍ، لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ فِي قَوْلِ الْقَائِلِ: هُوَ يُعْطِي الدَّرَاهِمَ مَعْلُومٌ أَنَّ الْمُعْطَى هِيَ الدَّرَاهِمُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْأَوْلِيَاءُ فِي قَوْلِهِ: ﴿يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ﴾ [آل عمران: ١٧٥] مُخَوَّفِينَ، بَلِ التَّخْوِيفُ مِنَ الْأَوْلِيَاءِ لِغَيْرِهِمْ، فَلِذَلِكَ افْتَرَقَا
٦ ‏/ ٢٥٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران: ١٧٥] يَقُولُ: فَلَا تَخَافُوا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْمُشْرِكِينَ، وَلَا يَعْظُمَنَّ عَلَيْكُمْ أَمَرُهُمْ، وَلَا تَرْهَبُوا جَمْعَهُمْ مَعَ طَاعَتِكُمْ إِيَّايَ، مَا أَطَعْتُمُونِي، وَاتَّبَعْتُمْ أَمْرِي، وَإِنِّي مُتَكَفِّلٌ لَكُمْ بِالنَّصْرِ وَالظَّفَرِ، وَلَكِنْ خَافُونِ، وَاتَّقُوا أَنْ تَعْصُونِي وَتُخَالِفُوا أَمْرِي، فَتَهْلِكُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ، يَقُولُ: وَلَكِنْ خَافُونِي دُونَ الْمُشْرِكِينَ، وَدُونَ جَمِيعِ خَلْقِي أَنْ تُخَالِفُوا أَمْرِي إِنْ كُنْتُمْ مُصَدِّقِي رَسُولِي وَمَا جَاءَكُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِي
٦ ‏/ ٢٥٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [آل عمران: ١٧٦] يَقُولُ جَلَّ ثناؤُهُ: وَلَا يَحْزُنْكَ يَا مُحَمَّدُ كُفْرَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مُرْتَدِّينَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ مِنْ أَهْلِ النِّفَاقِ، فَإِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ بِمُسَارَعَتِهِمْ فِي الْكُفْرِ شَيْئًا، كَمَا أَنَّ مُسَارَعَتَهُمْ لَوْ سَارَعُوا إِلَى الْإِيمَانِ لَمْ تَكُنْ بِنَافِعَتِهِ، كَذَلِكَ مُسَارَعَتُهُمْ إِلَى الْكُفْرِ غَيْرُ ضَارَّتِهِ
٦ ‏/ ٢٥٧
كَمَا: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ﴾ [آل عمران: ١٧٦] يَعْنِي: «هُمُ الْمُنَافِقُونَ»
٦ ‏/ ٢٥٨
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: ﴿وَلَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ﴾ [آل عمران: ١٧٦] «أَيِ الْمُنَافِقُونَ»
٦ ‏/ ٢٥٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [آل عمران: ١٧٦] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثناؤُهُ: يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ لَا يَجْعَلَ لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ نَصِيبًا فِي ثَوَابِ الْآخِرَةِ، فَلِذَلِكَ خَذَلَهُمْ، فَسَارَعُوا فِيهِ، ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّهُمْ مَعَ حِرْمَانِهِمْ مَا حُرِمُوا مِنْ ثَوَابِ الْآخِرَةِ، لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ فِي الْآخِرَةِ، وَذَلِكَ عَذَابُ النَّارِ. وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي ذَلِكَ بِمَا:
٦ ‏/ ٢٥٨
حَدَّثَنِي ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ﴾ [آل عمران: ١٧٦] «أَنْ يُحْبِطَ أَعْمَالَهُمْ»
٦ ‏/ ٢٥٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرُوا الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [آل عمران: ١٧٧] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثناؤُهُ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ تَقَدَّمَ إِلَى نَبِيِّهِ ﷺ فِيهِمْ أَنْ لَا يُحْزِنَهُ مُسَارَعَتُهُمْ إِلَى الْكُفْرِ، فَقَالَ لِنَبِيِّهِ ﷺ: إِنَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ ابْتَاعُوا الْكُفْرَ بِإِيمَانِهِمْ، فَارْتَدُّوا عَنْ إِيمَانِهِمْ بَعْدَ دُخُولِهِمْ فِيهِ، وَرَضُوا بِالْكُفْرِ بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ، عِوَضًا مِنَ
٦ ‏/ ٢٥٨
الْإِيمَانِ، لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ بِكُفْرِهِمْ وَارْتِدَادِهِمْ، عَنْ إِيمَانِهِمْ شَيْئًا، بَلْ إِنَّمَا يَضُرُّونَ بِذَلِكَ أَنْفُسَهُمْ بِإِيجَابِهِمْ بِذَلِكَ لَهَا مِنْ عِقَابِ اللَّهِ مَا لَا قِبَلَ لَهَا بِهِ. وَإِنَّمَا حَثَّ اللَّهُ جَلَّ ثناؤُهُ بِهَذِهِ الْآيَاتِ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ﴾ [آل عمران: ١٦٦] إِلَى هَذِهِ الْآيَةِ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى إِخْلَاصِ الْيَقِينِ، وَالِانْقِطَاعِ إِلَيْهِ فِي أُمُورِهِمْ، وَالرِّضَا بِهِ نَاصِرًا وَحْدَهُ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ سَائِرِ خَلْقِهِ، وَرَغَّبَ بِهَا فِي جِهَادِ أَعْدَائِهِ وَأَعْدَاءِ دِينِهِ، وَشَجَّعَ بِهَا قُلُوبَهُمْ، وَأَعْلَمَهُمْ أَنَّ مَنْ وَلِيَهُ بِنَصْرِهِ فَلَنْ يُخْذَلَ وَلَوِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ جَمِيعُ مَنْ خَالَفَهُ وَحَادَّهُ، وَأَنَّ مَنْ خَذَلَهُ فَلَنْ يَنْصُرَهُ نَاصِرٌ يَنْفَعُهُ نَصْرُهُ وَلَوْ كَثُرَتْ أَعْوَانُهُ أَوْ نُصَرَاؤُهُ
٦ ‏/ ٢٥٩
كَمَا: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ﴾ [آل عمران: ١٧٧] «أَيِ الْمُنَافِقِينَ» ﴿لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [آل عمران: ١٧٧] «أَيْ مُوجِعٌ»
٦ ‏/ ٢٥٩
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «هُمُ الْمُنَافِقُونَ»
٦ ‏/ ٢٥٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾ [آل عمران: ١٧٨] يَعْنِي بِذَلِكَ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَا يَظُنَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ أَنَّ إِمْلَاءَنَا لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ. وَيَعْنِي بِالْإِمْلَاءِ: الْإِطَالَةَ فِي الْعُمُرِ وَالْإِنْسَاءَ فِي الْأَجَلِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ جَلَّ ثناؤُهُ
٦ ‏/ ٢٥٩
: ﴿وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا﴾ [مريم: ٤٦] أَيْ حِينًا طَوِيلًا؛ وَمِنْهُ قِيلَ: عِشْتُ طَوِيلًا وَتَمَلَّيْتُ حِينًا وَالْمَلَا نَفْسُهُ الدَّهْرُ، وَالْمَلَوَانِ: اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَمِنْهُ قَوْلُ تَمِيمِ بْنِ مُقْبِلٍ:
[البحر الطويل] أَلَا يَا دِيَارَ الْحَيِّ بِالسَّبُعَانِ … أَمَلَّ عَلَيْهَا بِالْبِلَى الْمَلَوَانِ
يَعْنِي بِالْمَلَوَانِ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ. وَقَدِ اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ﴾ [آل عمران: ١٧٨] فَقَرَأَ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ: (وَلَا يَحْسِبَنَّ) بِالْيَاءِ وَفَتْحِ الْأَلْفِ مِنْ قَوْلِهِ ﴿أَنَّمَا﴾ [آل عمران: ١٧٨] عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي وَصَفْتُ مِنْ تَأْوِيلِهِ، وَقَرَأَهُ آخَرُونَ: وَلَا تَحْسَبَنَّ بِالتَّاءِ وَ﴿أَنَّمَا﴾ [آل عمران: ١٧٨] أَيْضًا بِفَتْحِ الْأَلْفِ مِنْ «أَنَّمَا» بِمَعْنَى: وَلَا تَحْسَبَنَّ يَا مُحَمَّدُ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَمَا الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ فُتِحَتِ الْأَلْفُ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿أَنَّمَا﴾ [آل عمران: ١٧٨] فِي قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ بِالتَّاءِ، وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ ذَلِكَ إِذَا قُرِئَ بِالتَّاءِ فَقَدْ أَعْمَلْتَ تَحْسَبَنَّ فِي الَّذِينَ كَفَرُوا، وَإِذَا أَعْمَلْتَهَا فِي ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ لَهَا أَنْ تَقَعَ عَلَى «أَنَّمَا» لِأَنَّ «أَنَّمَا» إِنَّمَا يَعْمَلُ فِيهَا عَامِلٌ يَعْمَلُ فِي شَيْئَيْنِ نَصَبًا؟ قِيلَ: أَمَّا الصَّوَابُ فِي الْعَرَبِيَّةِ وَوَجْهُ الْكَلَامِ الْمَعْرُوفُ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ كَسْرُ
٦ ‏/ ٢٦٠
إِنَّ إِذَا قُرِئَتْ تَحْسَبَنَّ بِالتَّاءِ، لِأَنَّ تَحْسَبَنَّ إِذَا قُرِئَتْ بِالتَّاءِ، فَإِنَّهَا قَدْ نَصَبَتِ الَّذِينَ كَفَرُوا، فَلَا يَجُوزُ أَنْ تَعْمَلَ وَقَدْ نَصَبَتِ اسْمًا فِي أَنَّ، وَلَكِنِّي أَظُنُّ أَنَّ مَنَ قَرَأَ ذَلِكَ بِالتَّاءِ فِي تَحْسَبَنَّ وَفَتَحَ الْأَلْفَ مِنْ أَنَّمَا، إِنَّمَا أَرَادَ تَكْرِيرَ تَحْسَبَنَّ عَلَى أَنَّمَا، كَأَنَّهُ قَصَدَ إِلَى أَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ: وَلَا تَحْسَبَنَّ يَا مُحَمَّدُ أَنْتَ الَّذِينَ كَفَرُوا، لَا تَحْسَبَنَّ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ، كَمَا قَالَ جَلَّ ثناؤُهُ: ﴿فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً﴾ [محمد: ١٨]، بِتَأْوِيلِ: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ، هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً؟ وَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ وَجْهًا جَائِزًا فِي الْعَرَبِيَّةِ، فَوَجْهُ كَلَامِ الْعَرَبِ مَا وَصَفْنَا قَبْلُ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ: ﴿وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [آل عمران: ١٧٨] بِالْيَاءِ مِنْ (يَحْسِبَنَّ)، وَبِفَتْحِ الْأَلْفِ مِنْ «أَنَّمَا»، عَلَى مَعْنَى الْحُسْبَانِ لِلَّذِينَ كَفَرُوا دُونَ غَيْرِهِمْ، ثُمَّ يَعْمَلُ فِي «أَنَّمَا» نَصَبًا؛ لِأَنَّ (يَحْسِبَنَّ) حِينَئِذٍ لَمْ يُشْغَلْ بِشَيْءٍ عَمِلَ فِيهِ، وَهِيَ تَطْلُبُ مَنْصُوبَيْنِ، وَإِنَّمَا اخْتَرْنَا ذَلِكَ لِإِجْمَاعِ الْقُرَّاءِ عَلَى فَتْحِ الْأَلْفِ مِنْ «أَنَّمَا» الْأُولَى، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْقِرَاءَةَ الصَّحِيحَةَ فِي ﴿يَحْسَبَنَّ﴾ [آل عمران: ١٧٨] بِالْيَاءِ لِمَا وَصَفْنَا؛ وَأَمَّا أَلِفُ «إِنَّمَا» الثَّانِيَةُ فَالْكَسْرُ عَلَى الِابْتِدَاءِ بِالْإِجْمَاعِ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَيْهِ. وَتَأْوِيلُ قَوْلِهِ: ﴿إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا﴾ [آل عمران: ١٧٨] إِنَّمَا نُؤَخِّرُ آجَالَهُمْ فَنُطِيلُهَا لِيَزْدَادُوا إِثْمًا، يَقُولُ: يَكْتَسِبُوا الْمَعَاصِيَ فَتَزْدَادَ آثَامُهُمْ وَتَكْثُرَ
٦ ‏/ ٢٦١
﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾ [آل عمران: ١٧٨] يَقُولُ: وَلِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فِي الْآخِرَةِ عُقُوبَةٌ لَهُمْ مُهِينَةٌ مَذَلَّةٌ. وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ جَاءَ الْأَثَرُ
٦ ‏/ ٢٦٢
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ خَيْثَمَةَ، عَنِ الْأَسْوَدِ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: «مَا مِنْ نَفْسٍ بَرَّةٍ وَلَا فَاجِرَةٍ إِلَّا وَالْمَوْتُ خَيْرٌ لَهَا» وَقَرَأَ: ﴿وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا﴾ [آل عمران: ١٧٨] وَقَرَأَ: ﴿نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ﴾ [آل عمران: ١٩٨]
٦ ‏/ ٢٦٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ [آل عمران: ١٧٩] يَعْنِي بِقَوْلِهِ: ﴿مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران: ١٧٩] مَا كَانَ اللَّهُ لِيَدَعَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْتِبَاسِ الْمُؤْمِنِ مِنْكُمْ بِالْمُنَافِقِ، فَلَا يُعْرَفُ هَذَا مِنْ هَذَا ﴿حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ﴾ [آل عمران: ١٧٩] يَعْنِي بِذَلِكَ: حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ، وَهُوَ الْمُنَافِقُ الْمُسْتَسِرُّ لِلْكُفْرِ مِنَ الطَّيِّبِ، وَهُوَ الْمُؤْمِنُ الْمُخْلِصُ الصَّادِقُ الْإِيمَانِ بِالْمِحَنِ وَالِاخْتِبَارِ، كَمَا مُيَّزَ بَيْنَهُمْ يَوْمَ أُحُدٍ عِنْدَ لِقَاءِ الْعَدُوِّ عِنْدَ خُرُوجِهِمْ إِلَيْهِ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْخَبِيثِ الَّذِي عَنَى اللَّهُ بِهَذِهِ الْآيَةِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ
٦ ‏/ ٢٦٢
فِيهِ مِثْلَ قَوْلِنَا
٦ ‏/ ٢٦٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثني أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ﴾ [آل عمران: ١٧٩] قَالَ: «مَيَّزَ بَيْنَهُمْ يَوْمَ أُحُدٍ، الْمُنَافِقَ مِنَ الْمُؤْمِنِ»
٦ ‏/ ٢٦٣
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: ﴿مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ﴾ [آل عمران: ١٧٩] قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: يَقُولُ: «لِيُبَيِّنَ الصَّادِقَ بِإِيمَانِهِ مِنَ الْكَاذِبِ» قَالَ: ابْنُ جُرَيْجٍ: قَالَ مُجَاهِدٌ: «يَوْمَ أُحُدٍ مَيَّزَ بَعْضَهُمْ عَنْ بَعْضٍ، الْمُنَافِقَ عَنِ الْمُؤْمِنِ»
٦ ‏/ ٢٦٣
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: ﴿مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ﴾ [آل عمران: ١٧٩] «أَيِ الْمُنَافِقَ» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: حَتَّى يُمَيِّزَ الْمُؤْمِنَ مِنَ الْكَافِرِ بِالْهِجْرَةِ وَالْجِهَادِ
٦ ‏/ ٢٦٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ﴾ [آل عمران: ١٧٩] يَعْنِي: «الْكُفَّارَ، يَقُولُ: لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَدَعَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ مِنَ الضَّلَالَةِ» ﴿حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ﴾ [آل عمران: ١٧٩] «يُمَيِّزُ ⦗٢٦٤⦘ بَيْنَهُمْ فِي الْجِهَادِ وَالْهِجْرَةِ»
٦ ‏/ ٢٦٣
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ﴾ [آل عمران: ١٧٩] قَالَ: «حَتَّى يُمَيِّزَ الْفَاجِرَ مِنَ الْمُؤْمِنِ»
٦ ‏/ ٢٦٤
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ﴾ [آل عمران: ١٧٩] قَالُوا: «إِنْ كَانَ مُحَمَّدٌ صَادِقًا فَلْيُخْبِرْنَا بِمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَنْ يَكْفُرُ» فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ﴾ [آل عمران: ١٧٩] «حَتَّى يُخْرِجَ الْمُؤْمِنَ مِنَ الْكَافِرِ» وَالتَّأْوِيلُ الْأَوَّلُ أَوْلَى بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ، لِأَنَّ الْآيَاتِ قَبْلَهَا فِي ذِكْرِ الْمُنَافِقِينَ وَهَذِهِ فِي سِيَاقَتِهَا، فَكَوْنُهَا بِأَنْ تَكُونَ فِيهِمْ أَشْبَهُ مِنْهَا بِأَنْ تَكُونَ فِي غَيْرِهِمْ
٦ ‏/ ٢٦٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ﴾ [آل عمران: ١٧٩] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ بِمَا:
٦ ‏/ ٢٦٤
حَدَّثَنَا بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ﴾ [آل عمران: ١٧٩] «وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَ مُحَمَّدًا عَلَى الْغَيْبِ، وَلَكِنَّ اللَّهَ اجْتَبَاهُ فَجَعَلَهُ رَسُولًا»
٦ ‏/ ٢٦٤
وَقَالَ آخَرُونَ بِمَا: حَدَّثَنَا بِهِ ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: ﴿وَمَا ⦗٢٦٥⦘ كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ﴾ [آل عمران: ١٧٩] «أَيْ فِيمَا يُرِيدُ أَنْ يَبْتَلِيَكُمْ بِهِ، لِتَحْذَرُوا مَا يَدْخُلُ عَلَيْكُمْ فِيهِ»: ﴿وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ﴾ [آل عمران: ١٧٩] «يَعْلَمُهُ» وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِتَأْوِيلِهِ: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى ضَمَائِرِ قُلُوبِ عِبَادِهِ، فَتَعْرِفُوا الْمُؤْمِنَ مِنْهُمْ مِنَ الْمُنَافِقِ وَالْكَافِرِ، وَلَكِنَّهُ يُمَيِّزُ بَيْنَهُمْ بِالْمِحَنِ وَالِابْتِلَاءِ كَمَا مَيَّزَ بَيْنَهُمْ بِالْبَأْسَاءِ يَوْمَ أُحُدٍ، وَجِهَادِ عَدُوِّهِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ صُنُوفِ الْمِحَنْ، حَتَّى تَعْرِفُوا مُؤْمِنَهُمْ وَكَافِرَهُمْ وَمُنَافِقَهُمْ، غَيْرَ أَنَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ، فَيَصْطَفِيهِ، فَيُطْلِعُهُ عَلَى بَعْضِ مَا فِي ضَمَائِرِ بَعْضِهِمْ بِوَحْيِهِ ذَلِكَ إِلَيْهِ وَرِسَالَتِهِ
٦ ‏/ ٢٦٤
كَمَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ﴾ [آل عمران: ١٧٩] قَالَ: «يُخْلِصُهُمْ لِنَفْسِهِ» وَإِنَّمَا قُلْنَا هَذَا التَّأْوِيلَ أَوْلَى بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ؛ لِأَنَّ ابْتَدَاءَهَا خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَنَّهُ غَيْرُ تَارِكٍ عِبَادَهُ، يَعْنِي بِغَيْرِ مِحَنٍ، حَتَّى يُفَرِّقَ بِالِابْتِلَاءِ بَيْنَ مُؤْمِنِهِمْ وَكَافِرِهِمْ وَأَهْلِ نِفَاقِهِمْ، ثُمَّ عَقَّبَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ﴾ [آل عمران: ١٧٩]، ⦗٢٦٦⦘ فَكَانَ فِيمَا افْتَتَحَ بِهِ مِنْ صِفَةِ إِظْهَارِ اللَّهِ نِفَاقَ الْمُنَافِقِ وَكُفْرَ الْكَافِرِ، دَلَالَةٌ وَاضِحَةٌ عَلَى أَنَّ الَّذِيَ وَلِيَ ذَلِكَ هُوَ الْخَبَرُ عَنْ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِيُطْلِعَهُمْ عَلَى مَا يَخْفَى عَنْهُمْ مِنْ بَاطِنِ سَرَائِرَهُمْ إِلَّا بِالَّذِي ذَكَرَ أَنَّهُ مُمَيِّزٌ بِهِ نَعْتَهُمْ إِلَّا مَنِ اسْتَثناهُ مِنْ رُسُلِهِ الَّذِي خَصَّهُ بِعِلْمِهِ
٦ ‏/ ٢٦٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ [آل عمران: ١٧٩] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثناؤُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَإِنْ تُؤْمِنُوا﴾ [آل عمران: ١٧٩] وَإِنْ تُصَدِّقُوا مَنِ اجْتَبَيْتُهِ مِنْ رُسُلِي بِعِلْمِي، وَأَطْلَعْتُهُ عَلَى الْمُنَافِقِينَ مِنْكُمْ، وَتَتَّقُوا رَبَّكُمْ بِطَاعَتِهِ فِيمَا أَمَرَكُمْ بِهِ نَبِيُّكُمْ مُحَمَّدٌ ﷺ وَفِيمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ ﴿فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ [آل عمران: ١٧٩] يَقُولُ: فَلَكُمْ بِذَلِكَ مِنْ إِيمَانِكُمْ وَاتِّقَائِكُمْ رَبَّكُمْ ثَوَابٌ عَظِيمٌ
٦ ‏/ ٢٦٦
كَمَا: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: ﴿فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا﴾ [آل عمران: ١٧٩] «أَيْ تَرْجِعُوا وَتَتُوبُوا» ﴿فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ [آل عمران: ١٧٩]
٦ ‏/ ٢٦٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ: ﴿وَلَا
٦ ‏/ ٢٦٦
يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ﴾ [آل عمران: ١٨٠] بِالْيَاءِ مِنْ «يَحْسَبَنَّ» وَقَرَأَتْهُ جَمَاعَةٌ أُخَرُ: (وَلَا تَحْسَبَنَّ) بِالتَّاءِ. ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ: مَعْنَى ذَلِكَ: لَا يَحْسَبَنَّ الْبَاخِلُونَ الْبُخْلَ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ، فَاكْتَفَى بِذِكْرِ يَبْخَلُونَ مِنَ الْبُخْلِ، كَمَا تَقُولُ: قَدِمَ فُلَانٌ فَسُرِرْتُ بِهِ، وَأَنْتَ تُرِيدُ فَسُرِرْتُ بِقُدُومِهِ، وَهُوَ عِمَادٌ. وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي أَهْلِ الْبَصْرَةِ: إِنَّمَا أَرَادَ بِقَوْلِهِ: (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ) لَا تَحْسَبَنَّ الْبُخْلَ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ، فَأَلْقَى الِاسْمَ الَّذِي أَوْقَعَ عَلَيْهِ الْحُسْبَانَ بِهِ وَهُوَ الْبُخْلُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ذَكَرَ الْحُسْبَانَ، وَذَكَرَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ، فَأَضْمَرَهُمَا إِذْ ذَكَرَهُمَا، قَالَ: وَقَدْ جَاءَ مِنَ الْحَذَفِ مَا هُوَ أَشَدُّ مِنْ هَذَا، قَالَ: ﴿لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مِنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتِلَ﴾ [الحديد: ١٠] وَلَمْ يَقُلْ: وَمَنْ أَنْفَقَ مِنْ بَعْدِ الْفَتْحِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ: ﴿أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ﴾ [الحديد: ١٠] كَانَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ قَدْ عَنَاهُمْ. وَقَالَ بَعْضُ مَنْ أَنْكَرَ قَوْلَ مَنْ ذَكَرْنَا قَوْلَهُ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ أَنَّ ﴿مَنْ﴾ [البقرة: ٤] فِي قَوْلِهِ: ﴿لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ﴾ [الحديد: ١٠] فِي مَعْنَى جَمْعٍ، وَمَعْنَى الْكَلَامِ: لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ فِي مَنَازِلِهِمْ وَحَالَاتِهِمْ، فَكَيْفَ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ بَعْدِ الْفَتْحِ؟ فَالْأَوَّلُ مُكْتَفٍ، وَقَالَ فِي قَوْلِهِ: ﴿لَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ
٦ ‏/ ٢٦٧
يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ﴾ [آل عمران: ١٨٠] مَحْذُوفٌ، غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَحْذِفْ إِلَّا وَفِي الْكَلَامِ مَا قَامَ مَقَامَ الْمَحْذُوفِ، لِأَنَّ ﴿هُوَ﴾ [البقرة: ٢٩] عَائِدُ الْبُخْلِ، وَ﴿خَيْرًا لَهُمْ﴾ [آل عمران: ١١٠] عَائِدُ الْأَسْمَاءِ، فَقَدْ دَلَّ هَذَانِ الْعَائِدَانِ عَلَى أَنَّ قَبْلَهُمَا اسْمَيْنِ، وَاكْتَفَى بِقَوْلِهِ: يَبْخَلُونَ، مِنَ الْبُخْلِ، قَالَ: وَهَذَا إِذَا قُرِئَ بِالتَّاءِ، فَالْبُخْلُ قَبْلَ الَّذِينَ، وَإِذَا قُرِئَ بِالْيَاءِ، فَالْبُخْلُ بَعْدَ الَّذِينَ، وَقَدِ اكْتَفَى بِالَّذِينَ يَبْخَلُونَ مِنَ الْبُخْلِ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الوافر] إِذَا نُهِيَ السَّفِيهُ جَرَى إِلَيْهِ … وَخَالَفَ وَالسَّفِيهُ إِلَى خِلَافِ
كَأَنَّهُ قَالَ: جَرَى إِلَى السَّفَهِ، فَاكْتَفَى عَنِ السَّفَهِ بِالسَّفِيهِ، كَذَلِكَ اكْتَفَى بِالَّذِينَ يَبْخَلُونَ مِنَ الْبُخْلِ. وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي، قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ: (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ) بِالتَّاءِ بِتَأْوِيلِ: وَلَا تَحْسَبَنَّ أَنْتَ يَا مُحَمَّدُ بُخْلَ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا أَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ، هُوَ خَيْرًا لَهُمْ، ثُمَّ تَرَكَ ذِكْرَ الْبُخْلِ، إِذْ كَانَ فِي قَوْلِهِ ﴿هُوَ خَيْرًا لَهُمْ﴾ [آل عمران: ١٨٠]، دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ مُرَادٌ فِي الْكَلَامِ، إِذْ كَانَ قَدْ تَقَدَّمَهُ قَوْلُهُ: ﴿الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾ [آل عمران: ١٨٠] وَإِنَّمَا قُلْنَا: قِرَاءَةُ ذَلِكَ بِالتَّاءِ أَوْلَى بِالصَّوَابِ مِنْ قِرَاءَتِهِ بِالْيَاءِ؛ لِأَنَّ الْمَحْسَبَةَ مِنْ
٦ ‏/ ٢٦٨
شَأْنِهَا طَلَبُ اسْمٍ وَخَبَرٍ، فَإِذَا قُرِئَ قَوْلُهُ: ﴿وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ﴾ [آل عمران: ١٨٠] بِالْيَاءِ لَمْ يَكُنْ لِلْمَحَسَبَةِ اسْمٌ يَكُونُ قَوْلُهُ: ﴿هُوَ خَيْرًا لَهُمْ﴾ [آل عمران: ١٨٠] خَبَرًا عَنْهُ، وَإِذَا قُرِئَ ذَلِكَ بِالتَّاءِ كَانَ قَوْلُهُ: ﴿الَّذِينَ يَبْخَلُونَ﴾ [آل عمران: ١٨٠] اسْمًا لَهُ، قَدْ أَدَّى عَنْ مَعْنَى الْبُخْلِ الَّذِي هُوَ اسْمُ الْمَحْسَبَةِ الْمَتْرُوكُ، وَكَانَ قَوْلُهُ: ﴿هُوَ خَيْرًا لَهُمْ﴾ [آل عمران: ١٨٠] خَبَرًا لَهَا، فَكَانَ جَارِيًا مَجْرَى الْمَعْرُوفِ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ الْفَصِيحِ، فَلِذَلِكَ اخْتَرْنَا الْقِرَاءَةَ بِالتَّاءِ فِي ذَلِكَ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ، وَإِنْ كَانَتِ الْقِرَاءَةُ بِالْيَاءِ غَيْرَ خَطَأٍ، وَلَكِنَّهُ لَيْسَ بِالْأَفْصَحِ وَلَا الْأَشْهَرِ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ. وَأَمَّا تَأْوِيلُ الْآيَةِ الَّذِي هُوَ تَأْوِيلُهَا عَلَى مَا اخْتَرْنَا مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي ذَلِكَ: وَلَا تَحْسَبَنَّ يَا مُحَمَّدُ بُخْلَ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا أَعْطَاهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا مِنَ الْأَمْوَالِ، فَلَا يُخْرِجُونَ مِنْهُ حَقَّ اللَّهِ الَّذِي فَرَضَهُ عَلَيْهِمْ فِيهِ مِنَ الزَّكَوَاتِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ عِنْدَهُ فِي الْآخِرَةِ
٦ ‏/ ٢٦٩
كَمَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ): «هُمُ الَّذِينَ آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ، فَبَخِلُوا أَنْ يُنْفِقُوهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَلَمْ يُؤَدُّوا زَكَاتَهَا» ⦗٢٧٠⦘ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عَنَى بِذَلِكَ الْيَهُودَ الَّذِينَ بَخِلُوا أَنْ يُبَيِّنُوا لِلنَّاسِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِي التَّوْرَاةِ مِنْ أَمْرِ مُحَمَّدٍ ﷺ وَنَعْتِهِ
٦ ‏/ ٢٦٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) إِلَى ﴿سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ [آل عمران: ١٨٠] «يَعْنِي بِذَلِكَ أَهْلَ الْكِتَابِ أَنَّهُمْ بَخِلُوا بِالْكِتَابِ أَنْ يُبَيِّنُوهُ لِلنَّاسِ»
٦ ‏/ ٢٧٠
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) قَالَ: «هُمْ يَهُودُ، إِلَى» قَوْلِهِ: ﴿وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ﴾ [آل عمران: ١٨٤] وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ بِتَأْوِيلِ هَذِهِ الْآيَةِ التَّأْوِيلُ الْأَوَّلُ وَهُوَ أَنَّهُ مَعْنَى بِالْبُخْلِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: مَنْعُ الزَّكَاةِ لِتَظَاهُرِ الْأَخْبَارِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ تَأَوَّلَ قَوْلَهُ: ﴿سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ [آل عمران: ١٨٠] قَالَ: الْبَخِيلُ الَّذِي مَنَعَ حَقَّ اللَّهِ مِنْهُ أَنَّهُ يَصِيرُ ثُعْبَانًا فِي عُنُقِهِ، وَلِقَوْلِ اللَّهِ عُقَيْبَ هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ﴾ [آل عمران: ١٨١] فَوَصَفَ جَلَّ ثناؤُهُ قَوْلَ الْمُشْرِكِينَ ⦗٢٧١⦘ مِنَ الْيَهُودِ الَّذِينَ زَعَمُوا عِنْدَ أَمْرِ اللَّهِ إِيَّاهُمْ بِالزَّكَاةِ أَنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ
٦ ‏/ ٢٧٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ [آل عمران: ١٨٠] يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثناؤُهُ: ﴿سَيُطَوَّقُونَ﴾ [آل عمران: ١٨٠] سَيَجْعَلُ اللَّهُ مَا بَخِلَ بِهِ الْمَانِعُونَ الزَّكَاةَ طَوْقًا فِي أَعْنَاقِهِمْ، كَهَيْئَةِ الْأَطْوَاقِ الْمَعْرُوفَةِ
٦ ‏/ ٢٧١
كَالَّذِي: حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ قَزَعَةَ، قَالَ: ثنا مَسْلَمَةُ بْنُ عَلْقَمَةَ، قَالَ: ثنا دَاوُدُ، عَنْ أَبِي قَزَعَةَ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْعَبْدِيِّ، قَالَ: «مَا مِنْ عَبْدٍ يَأْتِيهِ ذُو رَحِمٍ لَهُ يَسْأَلُهُ مِنْ فَضْلٍ عِنْدَهُ فَيَبْخَلُ عَلَيْهِ إِلَّا أَخْرَجَ لَهُ الَّذِي بَخِلَ بِهِ عَلَيْهِ شُجَاعًا أَقْرَعَ» وَقَالَ: وَقَرَأَ: (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) إِلَى آخِرِ الْآيَةِ
٦ ‏/ ٢٧١
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا دَاوُدُ، عَنْ أَبِي قَزَعَةَ، عَنْ رَجُلٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «مَا مِنْ ذِي رَحِمٍ يَأْتِي رَحِمُهُ فَيَسْأَلُهُ مِنْ فَضْلٍ جَعَلَهُ اللَّهُ عِنْدَهُ فَيَبْخَلُ بِهِ عَلَيْهِ إِلَّا أُخْرِجَ لَهُ مِنْ جَهَنَّمَ شُجَاعٌ يَتَلَمَّظُ حَتَّى يُطَوَّقَهُ»
٦ ‏/ ٢٧١
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ مُحَمَّدُ بْنُ خَازِمٍ، قَالَ: ثنا دَاوُدُ، عَنْ أَبِي قَزَعَةَ حُجْرِ بْنِ بَيَانٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَا مِنْ ذِي رَحِمٍ ⦗٢٧٢⦘ يَأْتِي ذَا رَحِمِهِ فَيَسْأَلُهُ مِنْ فَضْلٍ أَعْطَاهُ اللَّهُ إِيَّاهُ فَيَبْخَلُ بِهِ عَلَيْهِ، إِلَّا أُخْرِجَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعٌ مِنَ النَّارِ يَتَلَمَّظُ حَتَّى يُطَوَّقُهُ» ثُمَّ قَرَأَ: ﴿وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾ [آل عمران: ١٨٠] حَتَّى انْتَهَى إِلَى قَوْلِهِ: ﴿سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ [آل عمران: ١٨٠]
٦ ‏/ ٢٧١
حَدَّثَنِي زِيَادُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْمُرِّيُّ، قَالَ: ثنا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، وَحَدَّثني مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْكِلَابِيُّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَكْرٍ السَّهْمِيُّ، وَحَدَّثني يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ وَاصِلٍ أَبُو عُبَيْدَةَ الْحَدَّادُ وَاللَّفْظُ لِيَعْقُوبَ جَمِيعًا، عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: سَمِعْتُ نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «لَا يَأْتِي رَجُلٌ مَوْلَاهُ فَيَسْأَلُهُ مِنْ فَضْلِ مَالٍ عِنْدَهُ فَيَمْنَعُهُ إِيَّاهُ إِلَّا دَعَا لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعًا يَتَلَمَّظُ فَضْلُهُ الَّذِي مَنَعَ»
٦ ‏/ ٢٧٢
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: ﴿سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ [آل عمران: ١٨٠] قَالَ: «ثُعْبَانٌ يَنْقُرُ رَأْسَ أَحَدِهِمْ، يَقُولُ: أَنَا مَالُكَ الَّذِي بَخِلْتَ بِهِ»
٦ ‏/ ٢٧٢
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا وَائِلٍ، يُحَدِّثُ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ، قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ: «شُجَاعٌ يَلْتَوِي بِرَأْسِ أَحَدِهِمْ» حَدَّثَنِي ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، قَالَ: ثنا خَلَّادُ بْنُ أَسْلَمَ، قَالَ أَخْبَرَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، بِمِثْلِهِ، إِلَّا أَنَّهُمَا قَالَا: «قَالَ شُجَاعٌ أَسْوَدُ»
٦ ‏/ ٢٧٣
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: «يَجِيءُ مَالُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُعْبَانًا، فَيَنْقَرَ رَأْسَهُ فَيَقُولُ: أَنَا مَالُكَ الَّذِي بَخِلْتَ بِهِ، فَيَنْطَوِي عَلَى عُنُقِهِ»
٦ ‏/ ٢٧٣
حُدِّثْتُ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، قَالَ: ثنا جَامِعُ بْنُ شَدَّادٍ، وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَعْيَنَ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَا مِنْ أَحَدٍ لَا يُؤَدِّي زَكَاةَ مَالِهِ إِلَّا مُثِّلَ لَهُ شُجَاعٌ أَقْرَعُ يُطَوِّقُهُ» ثُمَّ قَرَأَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ﴿وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ﴾ [آل عمران: ١٨٠] الْآيَةَ “
٦ ‏/ ٢٧٣
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثني أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: أَمَّا ﴿سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ﴾ [آل عمران: ١٨٠] «فَإِنَّهُ يَجْعَلُ مَالَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ يُطَوَّقُهُ، فَيَأْخُذُ بِعُنُقِهِ، فَيَتْبَعُهُ حَتَّى يَقْذِفَهُ فِي النَّارِ»
٦ ‏/ ٢٧٤
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا خَلَفُ بْنُ خَلِيفَةَ، عَنْ أَبِي هَاشِمٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، قَالَ: «هُوَ الرَّجُلُ الَّذِي يَرْزُقْهُ اللَّهُ مَالًا، فَيَمْنَعُ قَرَابَتَهُ الْحَقَّ الَّذِي جَعَلَ اللَّهُ لَهُمْ فِي مَالِهِ، فَيُجْعَلُ حَيَّةً فَيُطَوَّقُهَا، فَيَقُولُ: مَا لِي وَلَكَ؟ فَيَقُولُ: أَنَا مَالُكَ»
٦ ‏/ ٢٧٤
حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو غَسَّانَ، قَالَ: ثنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ عَنْ قَوْلِهِ: ﴿سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ [آل عمران: ١٨٠] قَالَ: «يُطَوَّقُونَ شُجَاعًا أَقْرَعَ، يَنْهَشُ رَأْسَهُ» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: ﴿سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ [آل عمران: ١٨٠] «فَيُجْعَلُ فِي أَعْنَاقِهِمْ طَوْقًا مِنْ نَارٍ»
٦ ‏/ ٢٧٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ: ﴿سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ [آل عمران: ١٨٠] قَالَ: «طَوْقًا مِنَ النَّارِ»
٦ ‏/ ٢٧٥
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ: «طَوْقًا مِنْ نَارٍ»
٦ ‏/ ٢٧٥
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿سَيُطَوَّقُونَ﴾ [آل عمران: ١٨٠] قَالَ: «طَوْقًا مِنْ نَارٍ»
٦ ‏/ ٢٧٥
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ: سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ: «طَوْقٌ مِنْ نَارٍ» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: سَيَحْمِلُ الَّذِينَ كَتَمُوا نُبُوَّةَ مُحَمَّدٍ ﷺ مِنْ أَحْبَارِ الْيَهُودِ مَا كَتَمُوا مِنْ ذَلِكَ
٦ ‏/ ٢٧٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ [آل عمران: ١٨٠] أَلَمْ تَسْمَعْ أَنَّهُ قَالَ: ﴿يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ ⦗٢٧٦⦘ بِالْبُخْلِ﴾ [آل عمران: ١٨٠] «يَعْنِي أَهْلَ الْكِتَابِ، يَقُولُ: يَكْتُمُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْكِتْمَانِ» قَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: سَيُكَلَّفُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنْ يَأْتُوا بِمَا بَخِلُوا بِهِ فِي الدُّنْيَا مِنْ أَمْوَالِهِمْ
٦ ‏/ ٢٧٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ [آل عمران: ١٨٠] قَالَ: «سَيُكَلَّفُونَ أَنْ يَأْتُوا بِمَا بَخِلُوا بِهِ» إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ﴾ [آل عمران: ١٨٤]
٦ ‏/ ٢٧٦
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿سَيُطَوَّقُونَ﴾ [آل عمران: ١٨٠] «سَيُكَلَّفُونَ أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ مَا بَخِلُوا بِهِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ بِتَأْوِيلِ هَذِهِ الْآيَةِ التَّأْوِيلُ الَّذِي قُلْنَاهُ فِي ذَلِكَ فِي مَبْدَأِ قَوْلِهِ: ﴿سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ﴾ [آل عمران: ١٨٠] لِلْأَخْبَارِ الَّتِي ذَكَرْنَا فِي ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَلَا أَحَدَ أَعْلَمُ بِمَا عَنَى اللَّهُ تبارك وتعالى بِتَنْزِيلِهِ مِنْهُ عليه الصلاة والسلام
٦ ‏/ ٢٧٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾
٦ ‏/ ٢٧٦
يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثناؤُهُ: أَنَّهُ الْحَيُّ الَّذِي لَا يَمُوتُ، وَالْبَاقِي بَعْدَ فَنَاءِ جَمِيعِ خَلْقِهِ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ وَالْمِيرَاثُ الْمَعْرُوفُ: هُوَ مَا انْتَقَلَ مِنْ مِلْكِ مَالِكٍ إِلَى وَارِثِهِ بِمَوْتِهِ وَلِلَّهِ الدُّنْيَا قَبْلَ فَنَاءِ خَلْقِهِ وَبَعْدَهُ؟ قِيلَ: إِنَّ مَعْنَى ذَلِكَ مَا وَصَفْنَا مِنْ وَصْفِهِ نَفْسَهُ بِالْبَقَاءِ، وَإِعْلَامِ خَلْقِهِ أَنَّهُ كَتَبَ عَلَيْهِمُ الْفِنَاءَ وَذَلِكُ أَنُّ مِلْكَ الْمَالِكِ إِنَّمَا يَصِيرُ مِيرَاثًا بَعْدَ وَفَاتِهِ، فَإِنَّمَا قَالَ جَلَّ ثناؤُهُ: ﴿وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ إِعْلَامًا بِذَلِكَ مِنْهُ عِبَادَهُ أَنَّ أَمْلَاكَ جَمِيعِ خَلْقِهِ مُنْتَقِلَةٌ عَنْهُمْ بِمَوْتِهِمْ، وَأَنَّهُ لَا أَحَدَ إِلَّا وَهُوَ فَانٍ سَوَاءً، فَإِنَّهُ الَّذِي إِذَا هَلَكَ جَمِيعُ خَلْقِهِ، فَزَالَتْ أَمْلَاكُهُمْ عَنْهُمْ لَمْ يَبْقَ أَحَدٌ يَكُونُ لَهُ مَا كَانُوا يَمْلِكُونَهَ غَيْرُهُ. وَإِنَّمَا مَعْنَى الْآيَةِ: لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِي يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ، بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ، سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، بَعْدَ مَا يَهْلِكُونَ، وَتَزُولُ عَنْهُمْ أَمْلَاكُهُمْ فِي الْحِينِ الَّذِي لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا، وَصَارَ لِلَّهِ مِيرَاثُهُ وَمِيرَاثُ غَيْرِهِ مِنْ خَلْقِهِ، ثُمَّ أَخْبَرَ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَنَّهُ بِمَا يَعْمَلُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلٍ، وَغَيْرُهُمْ مِنْ سَائِرِ خَلْقِهِ، ذُو خِبْرَةٍ وَعِلْمٍ، مُحِيطٌ بِذَلِكَ كُلِّهِ، حَتَّى يُجَازِيَ كُلًّا مِنْهُمْ عَلَى قَدْرِ اسْتِحْقَاقِهِ الْمُحْسِنَ بِالْإِحْسَانِ، وَالْمُسِيءَ عَلَى مَا يَرَى تَعَالَى ذِكْرُهُ
٦ ‏/ ٢٧٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾ [آل عمران: ١٨٢] ذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ وَآيَاتٍ بَعْدَهَا نَزَلَتْ فِي بَعْضِ الْيَهُودِ، الَّذِينَ كَانُوا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ
٦ ‏/ ٢٧٧
ذِكْرُ الْآثَارِ بِذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مُحَمَّدٍ، مَوْلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، أَنَّهُ حَدَّثَهُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رضي الله عنه بَيْتَ الْمُدَارَسِ، فَوَجَدَ مِنْ يَهُودَ نَاسًا كَثِيرًا قَدِ اجْتَمَعُوا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ فِنْحَاصٌ، كَانَ مِنْ عُلَمَائِهِمْ وَأَحْبَارِهِمْ، وَمَعَهُ حَبْرٌ يُقَالُ لَهُ أشيعُ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه لِفِنْحَاصٍ: وَيْحَكَ يَا فِنْحَاصُ، اتَّقِ اللَّهَ وَأَسْلِمْ، فَوَاللَّهِ إِنَّكَ لَتَعْلَمُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، قَدْ جَاءَكُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، تَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَكُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، قَالَ فِنْحَاصٌ: وَاللَّهِ يَا أَبَا بَكْرٍ مَا بِنَا إِلَى اللَّهِ مِنْ فَقْرٍ، وَإِنَّهُ إِلَيْنَا لَفَقِيرٌ، وَمَا نَتَضَرَّعُ إِلَيْهِ كَمَا يَتَضَرَّعُ إِلَيْنَا، وَإِنَّا عَنْهُ لَأَغْنِيَاءُ، وَلَوْ كَانَ عَنَّا غَنِيًّا مَا اسْتَقْرَضَ مِنَّا كَمَا يَزْعُمُ صَاحِبُكُمْ، يَنْهَاكُمْ عَنِ الرِّبَا وَيُعْطِينَاهُ، وَلَوْ كَانَ غَنِيًّا عَنَّا مَا أَعْطَانَا الرِّبَا، فَغَضِبَ أَبُو بَكْرٍ، فَضَرَبَ وَجْهَ فِنْحَاصٍ ضَرْبَةً شَدِيدَةً، وَقَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْلَا الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ لَضَرَبْتُ عُنُقَكَ يَا عَدُوَّ اللَّهِ، فَأَكْذِبُونَا مَا اسْتَطَعْتُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ، فَذَهَبَ فِنْحَاصٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ انْظُرْ مَا صَنَعَ بِي صَاحِبُكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِأَبِي بَكْرٍ: «وَمَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ؟» فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ عَدُوَّ اللَّهِ قَالَ قَوْلًا عَظِيمًا، زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ، وَأَنَّهُمْ عَنْهُ أَغْنِيَاءُ، فَلَمَّا قَالَ ذَلِكَ غَضِبْتُ لِلَّهِ مِمَّا قَالَ، فَضَرَبْتُ وَجْهَهُ، فَجَحَدَ ذَلِكَ فِنْحَاصٌ، وَقَالَ: مَا قُلْتُ ذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تبارك وتعالى فِيمَا قَالَ فِنْحَاصٌ رَدًّا عَلَيْهِ وَتَصْدِيقًا لِأَبِي بَكْرٍ: ﴿لَقَدْ سَمِعَ ⦗٢٧٩⦘ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ﴾ [آل عمران: ١٨١] وَفِي قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ وَمَا بَلَغَهُ فِي ذَلِكَ مِنَ الْغَضَبِ: ﴿لَتَسْمَعَنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾ [آل عمران: ١٨٦] حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي مُحَمَّدٍ مَوْلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: «وَإِنَّا عَنْهُ لَأَغْنِيَاءُ، وَمَا هُوَ عَنَّا بِغَنِيٍّ، وَلَوْ كَانَ غَنِيًّا؛ ثُمَّ ذَكَرَ سَائِرَ الْحَدِيثِ نَحْوَهُ»
٦ ‏/ ٢٧٨
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ﴾ [آل عمران: ١٨١] «قَالَهَا فِنْحَاصٌ الْيَهُودِيُّ مِنْ بَنِي مَرْثَدٍ، لَقِيَهُ أَبُو بَكْرٍ فَكَلَّمَهُ، فَقَالَ لَهُ: يَا فِنْحَاصُ، اتَّقِ اللَّهَ وَآمِنْ وَصَدَّقْ، وَأقَرْضِ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا، فَقَالَ فِنْحَاصٌ: يَا أَبَا بَكْرٍ، تَزْعُمُ أَنَّ رَبَّنَا فَقِيرٌ، يَسْتَقْرِضُنَا أَمْوَالَنَا، وَمَا يَسْتَقْرِضُ إِلَّا الْفَقِيرُ مِنَ الْغَنِيِّ، إِنْ كَانَ مَا تَقُولُ حَقًّا، فَإِنَّ اللَّهَ إِذًا لَفَقِيرٌ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل هَذَا، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَلَوْلَا هُدْنَةٌ كَانَتْ بَيْنَ النَّبِيِّ ﷺ وَبَيْنَ بَنِي مَرْثَدٍ لَقَتَلْتُهُ»
٦ ‏/ ٢٧٩
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «صَكَّ أَبُو بَكْرٍ رَجُلًا مِنْهُمُ ﴿الَّذِينَ قَالُوا: إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ ⦗٢٨٠⦘ أَغْنِيَاءُ﴾ [آل عمران: ١٨١] لِمَ يَسْتَقْرِضُنَا وَهُوَ غَنِيُّ وَهُمْ يَهُودُ؟»
٦ ‏/ ٢٧٩
حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، قَالَ ﴿الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ﴾ [آل عمران: ١٨١] «لِمَ يَسْتَقْرِضُنَا وَهُوَ غَنِيُّ؟ قَالَ شِبْلٌ: بَلَغَنِي أَنَّهُ فِنْحَاصٌ الْيَهُودِيُّ، وَهُوَ الَّذِي قَالَ: إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ، وَيَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ»
٦ ‏/ ٢٨٠
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثني يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: حُدِّثْتُ عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا﴾ [البقرة: ٢٤٥]، «قَالَتِ الْيَهُودُ: إِنَّ رَبَّكُمْ يَسْتَقْرِضُ مِنْكُمْ» فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ﴾ [آل عمران: ١٨١]
٦ ‏/ ٢٨٠
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا﴾ [البقرة: ٢٤٥] قَالَ: «عَجِبَتِ الْيَهُودُ فَقَالَتْ: إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ يَسْتَقْرِضُ» فَنَزَلَتْ: ﴿لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ﴾ [آل عمران: ١٨١]
٦ ‏/ ٢٨٠
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ﴾ [آل عمران: ١٨١] «ذُكِرَ لَنَا أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً﴾ [البقرة: ٢٤٥] قَالَ: يَسْتَقْرِضُنَا رَبُّنَا، إِنَّمَا يَسْتَقْرِضُ الْفَقِيرُ الْغَنِيُّ»
٦ ‏/ ٢٨٠
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ ⦗٢٨١⦘ قَتَادَةَ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا﴾ [البقرة: ٢٤٥] «قَالَتِ الْيَهُودُ: إِنَّمَا يَسْتَقْرِضُ الْفَقِيرُ مِنَ الْغَنِيِّ» قَالَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ﴾ [آل عمران: ١٨١]
٦ ‏/ ٢٨٠
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ زَيْدٍ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ، قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ﴾ [آل عمران: ١٨١] قَالَ: «هَؤُلَاءِ الْيَهُودُ، فَتَأْوِيلُ الْآيَةِ إِذًا: لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا مِنَ الْيَهُودِ: إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ إِلَيْنَا وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ عَنْهُ، سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا مِنَ الْإِفْكِ وَالْفِرْيَةِ عَلَى رَبِّهِمْ وَقَتْلَهُمْ أَنْبِيَاءَهُمْ بِغَيْرِ حَقٍّ» وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمْ﴾ [آل عمران: ١٨١] فَقَرَأَ ذَلِكَ قُرَّاءُ الْحِجَازِ وَعَامَّةُ قُرَّاءِ الْعِرَاقِ: ﴿سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا﴾ [آل عمران: ١٨١] بِالنُّونِ ﴿وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ﴾ [آل عمران: ١٨١] بِنَصْبِ الْقَتْلِ. وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ قُرَّاءِ الْكُوفِيِّينَ: (سَيُكْتَبُ مَا قَالُوا وَقَتْلُهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ) بِالْيَاءِ مِنْ (سَيُكْتَبُ) وَبِضَمِّهَا وَرَفْعِ الْقَتْلِ عَلَى مَذْهَبِ مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ، اعْتِبَارًا بِقِرَاءَةٍ يُذْكَرُ أَنَّهَا مِنْ قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَنَقُولُ ذُوقُوا﴾ [آل عمران: ١٨١]، يُذْكَرُ أَنَّهَا فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ: «وَيُقَالُ» فَأَغْفَلَ قَارِئُ ذَلِكَ وَجْهَ الصَّوَابِ فِيمَا قَصَدَ إِلَيْهِ مِنْ تَأْوِيلِ الْقِرَاءَةِ الَّتِي تُنْسَبُ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ، وَخَالَفَ الْحُجَّةَ مِنْ قُرَّاءِ الْإِسْلَامِ، وَذَلِكَ أَنَّ الَّذِيَ يَنْبَغِي لِمَنْ قَرَأَ
٦ ‏/ ٢٨١
: (سَيُكْتَبُ مَا قَالُوا وَقَتْلُهُمُ الْأَنْبِيَاءَ) عَلَى وَجْهِ مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ، أَنْ يَقْرَأَ: «وَيُقَالُ»، لِأَنَّ قَوْلَهُ: ﴿وَنَقُولُ﴾ [آل عمران: ١٨١] عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ: ﴿سَنَكْتُبُ﴾ [آل عمران: ١٨١] . فَالصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَةِ أَنْ يُوَفِّقَ بَيْنَهُمَا فِي الْمَعْنَى بِأَنْ يَقْرَأَ جَمِيعًا عَلَى مَذْهَبِ مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ، أَوْ عَلَى مَذْهَبِ مَا يُسَمَّى فَاعِلُهُ، فَأَمَّا أَنْ يَقْرَأَ أَحَدَهُمَا عَلَى مَذْهَبِ مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ، وَالْآخَرَ عَلَى وَجْهِ مَا قَدْ سُمِّيَ فَاعِلُهُ مِنْ غَيْرِ مَعْنًى أَلْجَأَهُ عَلَى ذَلِكَ، فَاخْتِيَارٌ خَارِجٌ عَنِ الْفَصِيحِ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا: ﴿سَنَكْتُبُ﴾ [آل عمران: ١٨١] بِالنُّونِ ﴿وَقَتْلَهُمْ﴾ [آل عمران: ١٨١] بِالنَّصْبِ لِقَوْلِهِ: ﴿وَنَقُولُ﴾ [آل عمران: ١٨١]، وَلَوْ كَانَتِ الْقِرَاءَةُ فِي (سَيُكْتَبُ) بِالْيَاءِ وَضَمِّهَا، لَقِيلَ: «وَيُقَالُ»، عَلَى مَا قَدْ بَيَّنَّا. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: كَيْفَ قِيلَ: ﴿وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ﴾ [آل عمران: ١٨١] وَقَدْ ذَكَرَتِ الْآثَارُ الَّتِي رُوِيَتْ أَنَّ الَّذِينَ عُنُوا بِقَوْلِهِ: ﴿لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ﴾ [آل عمران: ١٨١] بَعْضُ الْيَهُودِ الَّذِينَ كَانُوا عَلَى عَهْدِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ ﷺ، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ أُولَئِكَ أَحَدٌ قَتَلَ نَبِيًّا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُدْرِكُوا نَبِيًّا مِنْ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ فَيَقْتُلُوهُ؟ قِيلَ: إِنَّ مَعْنَى ذَلِكَ عَلَى غَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي ذَهَبْتَ إِلَيْهِ، وَإِنَّمَا قِيلَ ذَلِكَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الَّذِينَ عَنَى اللَّهُ تبارك وتعالى بِهَذِهِ الْآيَةِ كَانُوا رَاضِينَ بِمَا فَعَلَ أَوَائِلُهُمْ مِنْ قَتْلِ مَنْ قَتَلُوا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، وَكَانُوا مِنْهُمْ وَعَلَى مِنْهَاجِهِمْ، مِنَ اسْتِحْلَالِ ذَلِكَ وَاسْتِجَازَتِهِ،
٦ ‏/ ٢٨٢
فَأَضَافَ جَلَّ ثناؤُهُ فِعْلَ مَا فَعَلَهُ مَنْ كَانُوا عَلَى مِنْهَاجِهِ وَطَرِيقَتِهِ إِلَى جَمِيعِهِمْ، إِذْ كَانُوا أَهْلَ مِلَّةٍ وَاحِدَةٍ، وَنِحِلَةٍ وَاحِدَةٍ، وَبِالرِّضَا مِنْ جَمِيعِهِمْ، فِعْلَ مَا فَعَلَ فَاعِلُ ذَلِكَ مِنْهُمْ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ نَظَائِرِهِ فِيمَا مَضَى قَبْلُ
٦ ‏/ ٢٨٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: ﴿وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾ [آل عمران: ١٨٢] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثناؤُهُ: وَنَقُولُ لِلْقَائِلِينَ بِأَنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ، الْقَاتِلِينَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، يَوْمَ الْقِيَامَةِ: ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ، يَعْنِي بِذَلِكَ: عَذَابَ نَارٍ مُحْرِقَةٍ مُلْتَهِبَةٍ، وَالنَّارُ اسْمٌ جَامِعٌ لِلْمُلْتَهِبَةِ مِنْهَا وَغَيْرِ الْمُلْتَهِبَةَ، وَإِنَّمَا الْحَرِيقُ صِفَةٌ لَهَا، يُرَادُ أَنَّهَا مُحْرَقَةٌ، كَمَا قِيلَ: «عَذَابٌ أَلِيمٌ» يَعْنِي: مُؤْلِمٌ، وَ«وَجِيعٌ» يَعْنِي: مُوجِعٌ. وَأَمَّا قَوْلِهِ: ﴿ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ﴾ [آل عمران: ١٨٢] أَيْ قَوْلُنَا لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ بِمَا أَسْلَفَتْ أَيْدِيكُمْ، وَاكْتَسَبْتَهَا أَيَّامَ حَيَاتِكُمْ فِي الدُّنْيَا، وَبِأَنْ اللَّهَ عَدْلٌ لَا يَجُورُ، فَيُعَاقِبُ عَبْدًا لَهُ بِغَيْرِ اسْتِحْقَاقٍ مِنْهُ الْعُقُوبَةَ، وَلَكِنَّهُ يُجَازِي كُلَّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ، وَيُوَفِّي كُلَّ عَامِلٍ جَزَاءَ مَا عَمِلَ، فَجَازَى الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْيَهُودِ الَّذِينَ وَصَفَ صِفَتَهُمْ، فَأُخْبِرَ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوا: إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ، وَقَتَلُوا الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ، بِمَا جَازَاهُمْ بِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَرِيقِ، بِمَا اكْتَسَبُوا مِنَ الْآثَامِ، وَاجْتَرَحُوا مِنَ السَّيِّئَاتِ، وَكَذَبُوا عَلَى اللَّهِ بَعْدَ الْإِعْذَارِ إِلَيْهِمْ بِالْإِنْذَارِ، فَلَمْ يَكُنْ تَعَالَى ذِكْرُهُ بِمَا عَاقَبَهُمْ بِهِ مِنْ إِذَاقَتِهِمِ عَذَابَ الْحَرِيقِ ظَالِمًا وَلَا وَاضِعًا عُقُوبَتَهُ فِي غَيْرِ أَهْلِهَا، وَكَذَلِكَ هُوَ جَلَّ ثناؤُهُ غَيْرُ ظَلَّامٍ أَحَدًا مِنْ خَلْقِهِ، وَلَكِنَّهُ الْعَادِلُ بَيْنَهُمْ، وَالْمُتَفَضِّلُ عَلَى جَمِيعِهِمْ بِمَا
٦ ‏/ ٢٨٣
أَحَبَّ مِنْ فَوَاضِلِهِ وَنِعَمِهِ
٦ ‏/ ٢٨٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [آل عمران: ١٨٣] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثناؤُهُ: لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ، وَقَوْلُهُ: ﴿الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ﴾ [آل عمران: ١٨١] فِي مَوْضِعِ خَفْضٍ رَدًّا عَلَى قَوْلِهِ: ﴿الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ﴾ [آل عمران: ١٨١] وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ: ﴿قَالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَنْ لَا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ﴾ أَوْصَانَا وَتَقَدَّمَ إِلَيْنَا فِي كُتُبِهِ وَعَلَى أَلْسُنِ أَنْبِيَائِهِ أَنْ لَا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ، يَقُولُ: أَنْ لَا نُصَدِّقَ رَسُولًا فِيمَا يَقُولُ إِنَّهُ جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، مِنْ أَمْرٍ وَنَهْي وَغَيْرِ ذَلِكَ ﴿حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ﴾ [آل عمران: ١٨٣] يَقُولُ: حَتَّى يَجِيئَنَا بِقُرْبَانٍ، وَهُوَ مَا تَقَرَّبَ بِهِ الْعَبْدُ إِلَى رَبِّهِ مِنْ صَدَقَةٍ، وَهُوَ مَصْدَرٌ مِثْلَ الْعُدْوَانِ وَالْخُسْرَانِ مِنْ قَوْلِكَ: قَرَّبْتُ قُرْبَانًا، وَإِنَّمَا قَالَ: ﴿تَأْكُلُهُ النَّارُ﴾ [آل عمران: ١٨٣]؛ لِأَنَّ أَكْلَ النَّارِ مَا قَرَّبَهُ أَحَدُهُمْ لِلَّهِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ كَانَ دَلِيلًا عَلَى قَبُولِ اللَّهِ مِنْهُ مَا قَرَّبَ لَهُ، وَدِلَالَةً عَلَى صِدْقِ الْمُقَرِّبِ فِيمَا ادَّعَى أَنَّهُ مُحِقٌّ فِيمَا نَازَعَ أَوْ قَالَ
٦ ‏/ ٢٨٤
كَمَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ﴾ [آل عمران: ١٨٣] «كَانَ الرَّجُلُ يَتَصَدَّقُ، فَإِذَا تُقُبِّلَ مِنْهُ أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ نَارٌ مِنَ السَّمَاءِ فَأَكَلَتْهُ»
٦ ‏/ ٢٨٤
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ﴾ [آل عمران: ١٨٣] «كَانَ الرَّجُلُ إِذَا تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ، فَتُقُبِّلَتْ مِنْهُ بَعَثَ اللَّهُ نَارًا مِنَ السَّمَاءِ، فَنَزَلَتْ عَلَى الْقُرْبَانِ فَأَكَلَتْهُ» فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: ﴿أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ﴾ [آل عمران: ١٨٣] يَعْنِي: بِالْحُجَجِ الدَّالَّةِ عَلَى صِدْقِ نُبُوَّتِهِمْ وَحَقِيقَةِ قَوْلِهِمْ؛ ﴿وَبِالَّذِي قُلْتُمْ﴾ [آل عمران: ١٨٣] يَعْنِي: وَبِالَّذِي ادَّعَيْتُمْ أَنَّهُ إِذَا جَاءَ بِهِ لَزِمَكُمْ تَصْدِيقُهُ، وَالْإِقْرَارُ بِنُبُوَّتِهِ مِنْ أَكْلِ النَّارِ قُرْبَانَهُ إِذَا قُرِّبَ لِلَّهِ دَلَالَةً عَلَى صِدْقِهِ؛ ﴿فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [آل عمران: ١٨٣] يَقُولُ لَهُ: قُلْ لَهُمْ: قَدْ جَاءَتْكُمُ الرُّسُلُ الَّذِي كَانُوا مِنْ قَبْلِي بِالَّذِي زَعَمْتُمْ أَنَّهُ حُجَّةٌ لَهُمْ عَلَيْكُمْ، فَقَتَلْتُمُوهُمْ، فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ وَأَنْتُمْ مُقِرُّونَ بِأَنَّ الَّذِي جَاءُوكُمْ بِهِ مِنْ ذَلِكَ كَانَ حُجَّةً لَهُمْ عَلَيْكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فِي أَنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِمَنْ أَتَاكُمْ مِنْ رُسُلِهِ بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ حُجَّةً لَهُ عَلَى نُبُوَّتِهِ؟ وَإِنَّمَا أَعْلَمَ اللَّهُ عِبَادَهُ بِهَذِهِ الْآيَةِ، أَنَّ الَّذِينَ وَصَفَ صِفَتَهُمْ مِنَ الْيَهُودِ الَّذِينَ كَانُوا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، لَنْ يَفِرُّوا، وَأَنْ يَكُونُوا فِي كَذِبِهِمْ عَلَى اللَّهِ، وَافْتِرَائِهِمْ عَلَى رَبِّهِمْ، وَتَكْذِيبِهِمْ مُحَمَّدًا ﷺ وَهُمْ يَعْلَمُونَهُ صَادِقًا مُحِقًّا، وَجُحُودِهِمْ نُبُوَّتَهُ، وَهُمْ يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي عَهْدِ اللَّهِ تَعَالَى إِلَيْهِمْ أَنَّهَ
٦ ‏/ ٢٨٥
رَسُولُهُ إِلَى خَلْقِهِ، مَفْرُوضَةٌ طَاعَتُهُ إِلَّا كَمَنْ مَضَى مِنْ أَسْلَافِهِمُ الَّذِينَ كَانُوا يَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ بَعْدَ قَطْعِ اللَّهِ عُذْرَهُمْ بِالْحُجَجِ الَّتِي أَيَّدَهُمُ اللَّهُ بِهَا، وَالْأَدِلَّةِ الَّتِي أَبَانَ صِدْقَهُمْ بِهَا، افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ، وَاسْتِخْفَافًا بِحِقُوقِهِ
٦ ‏/ ٢٨٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ﴾ وَهَذَا تَعْزِيَةٌ مِنَ اللَّهِ جَلَّ ثناؤُهُ نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا ﷺ عَلَى الْأَذَى الَّذِي كَانَ يَنَالُهُ مِنَ الْيَهُودِ وَأَهْلِ الشِّرْكِ بِاللَّهِ مِنْ سَائِرِ أَهْلِ الْمِلَلِ، يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ: لَا يَحْزُنْكَ يَا مُحَمَّدُ كَذِبَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ قَالُوا: إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ، وَقَالُوا: إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَنْ لَا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ، وَافْتِرَاؤُهُمْ عَلَى رَبِّهِمُ اغْتِرَارًا بِإِمْهَالِ اللَّهِ إِيَّاهُمْ، وَلَا يَعْظُمَنَّ عَلَيْكَ تَكْذِيبُهُمْ إِيَّاكَ، وَادِّعَاؤُهُمُ الْأَبَاطِيلَ مِنْ عُهُودِ اللَّهِ إِلَيْهِمْ، فَإِنَّهُمْ إِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ بِكَ فَكَذَّبُوكَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ، فَقَدْ كَذَّبَتْ أَسْلَافُهُمْ مِنْ رُسُلِ اللَّهِ قَبْلَكَ مَنْ جَاءَهُمْ بِالْحُجَجِ الْقَاطِعَةِ الْعُذْرَ، وَالْأَدِلَّةِ الْبَاهِرَةِ الْعَقْلَ، وَالْآيَاتِ الْمُعْجِزَةِ الْخَلْقَ، وَذَلِكَ هُوَ الْبَيِّنَاتُ، وَأَمَّا الزُّبُرُ: فَإِنَّهُ جَمْعُ زَبُورٍ: وَهُوَ الْكِتَابُ، وَكُلُّ كِتَابٍ فَهُوَ زَبُورٌ، وَمِنْهُ قَوْلُ امْرِئِ الْقَيْسِ:
[البحر الطويل] لِمَنْ طَلَلٌ أَبْصَرْتُهُ فَشَجَانِي … كَخَطِّ زَبُورٍ فِي عَسِيبِ يَمَانِي
وَيَعْنِي بِالْكِتَابِ: التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ، وَذَلِكَ أَنَّ الْيَهُودَ كَذَّبَتْ عِيسَى وَمَا جَاءَ بِهِ وَحَرَّفَتْ مَا جَاءَ بِهِ مُوسَى عليه السلام مِنْ صِفَةِ مُحَمَّدٍ ﷺ، وَبَدَّلَتْ عَهْدَهُ إِلَيْهِمْ فِيهِ،
٦ ‏/ ٢٨٦
وَأَنَّ النَّصَارَى جَحَدَتْ مَا فِي الْإِنْجِيلِ مِنْ نَعْتِهِ وَغَيَّرَتْ مَا أَمَرَهُمْ بِهِ فِي أَمْرِهِ وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿الْمُنِيرِ﴾ [آل عمران: ١٨٤] فَإِنَّهُ يَعْنِي: الَّذِي يُنِيرُ فَيُبَيِّنُ الْحَقَّ لِمَنْ الْتَبَسَ عَلَيْهِ وَيُوَضِّحُهُ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنَ النُّورِ وَالْإِضَاءَةِ، يُقَالُ: قَدْ أَنَارَ لَكَ هَذَا الْأَمْرُ، بِمَعْنَى: أَضَاءَ لَكَ وَتَبَيَّنَ، فَهُوَ يُنِيرُ إِنَارَةً، وَالشَّيْءُ الْمُنِيرُ
٦ ‏/ ٢٨٧
وَقَدْ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا أَبُو زُهَيْرٍ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ: ﴿فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ﴾ [آل عمران: ١٨٤] قَالَ: «يُعَزِّي نَبِيَّهُ ﷺ»
٦ ‏/ ٢٨٧
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَوْلُهُ: ﴿فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ﴾ [آل عمران: ١٨٤] قَالَ: «يُعَزِّي نَبِيَّهُ ﷺ» وَهَذَا الْحَرْفُ فِي مَصَاحِفِ أَهْلِ الْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ: ﴿وَالزُّبُرِ﴾ [آل عمران: ١٨٤] بِغَيْرِ بَاءٍ، وَهُوَ فِي مَصَاحِفِ أَهْلِ الشَّامِ: (وَبِالزُّبُرِ) بِالْبَاءِ مِثْلَ الَّذِي فِي سُورَةِ فَاطِرٍ
٦ ‏/ ٢٨٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾ [آل عمران: ١٨٥]
٦ ‏/ ٢٨٧
يَعْنِي بِذَلِكَ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَنَّ مَصِيرَ هَؤُلَاءِ الْمُفْتَرِينَ عَلَى اللَّهِ مِنَ الْيَهُودِ الْمُكَذِّبِينَ بِرَسُولِهِ، الَّذِينَ وَصَفَ صِفَتَهُمْ، وَأَخْبَرَ عَنْ جَرَاءَتِهِمْ عَلَى رَبِّهِمْ، وَمَصِيرِ غَيْرِهِمْ مِنْ جَمِيعِ خَلْقِهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ، وَمَرْجِعِ جَمِيعِهِمْ إِلَيْهِ، لِأَنَّهُ قَدْ حَتَّمَ الْمَوْتَ عَلَى جَمِيعِهِمْ، فَقَالَ لِنَبِيِّهِ ﷺ: لَا يَحْزُنْكَ تَكْذِيبُ مَنْ كَذَّبَكَ يَا مُحَمَّدُ مِنْ هَؤُلَاءِ الْيَهُودِ وَغَيْرِهِمْ، وَافْتِرَاءُ مَنِ افْتَرَى عَلَيَّ، فَقَدْ كُذِّبَ قَبْلَكَ رُسُلٌ جَاءُوا مِنَ الْآيَاتِ وَالْحُجَجِ مَنْ أُرْسِلُوا إِلَيْهِ بِمِثْلِ الَّذِي جِئْتَ مَنْ أُرْسِلْتَ إِلَيْهِ، فَلَكَ فِيهِمْ أُسْوَةٌ تَتَعَزَّى بِهِمْ، وَمَصِيرُ مَنْ كَذَّبَكَ، وَافْتَرَى عَلَيَّ وَغَيْرِهِمْ، وَمَرْجِعُهُمْ إِلَيَّ، فَأُوَفِّيَ كُلَّ نَفْسٍ مِنْهُمْ جَزَاءَ عَمَلِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، كَمَا قَالَ جَلَّ ثناؤُهُ: ﴿وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ [آل عمران: ١٨٥] يَعْنِي أُجُورَ أَعْمَالِكُمْ إِنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ، وَإِنْ شَرًّا فَشَرٌّ ﴿فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ﴾ [آل عمران: ١٨٥]، يَقُولُ: فَمَنْ نُحِّيَ عَنِ النَّارِ وَأُبْعِدَ مِنْهَا ﴿فَقَدْ فَازَ﴾ [آل عمران: ١٨٥] يَقُولُ: فَقَدْ نَجَا وَظَفِرَ بِحَاجَتِهِ، يُقَالُ مِنْهُ: فَازَ فُلَانٌ بِطِلْبَتِهِ يَفُوزُ فَوْزًا وَمَفَازًا وَمَفَازَةً: إِذَا ظَفِرَ بِهَا. وَإِنَّمَا مَعْنَى ذَلِكَ: فَمَنْ نُحِّيَ عَنِ النَّارِ فَأُبْعِدَ مِنْهَا، وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ، فَقَدْ نَجَا وَظَفِرَ بِعَظِيمِ الْكَرَامَةِ ﴿وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾ [آل عمران: ١٨٥] يَقُولُ: وَمَا لَذَّاتُ الدُّنْيَا وَشَهَوَاتُهَا، وَمَا فِيهَا مِنْ زِينَتِهَا وَزَخَارِفِهَا، إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ، يَقُولُ: إِلَّا مُتْعَةٌ يُمَتِّعُكُمُوهَا الْغُرُورُ وَالْخِدَاعُ الْمُضْمَحِلُّ، الَّذِي لَا حَقِيقَةَ لَهُ عِنْدَ الِامْتِحَانِ، وَلَا صِحَّةَ لَهُ عِنْدَ الِاخْتِبَارِ، فَأَنْتُمْ تَلْتَذُّونَ بِمَا مَتَّعَكُمُ الْغُرُورُ مِنْ دُنْيَاكُمْ، ثُمَّ هُوَ عَائِدٌ عَلَيْكُمْ بِالْفَجَائِعِ وَالْمَصَائِبِ وَالْمَكَارِهِ، يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: لَا تَرْكَنُوا إِلَى الدُّنْيَا فَتَسْكُنُوا إِلَيْهَا، فَإِنَّمَا أَنْتُمْ مِنْهَا فِي غُرُورٍ تُمَتَّعُونَ، ثُمَّ أَنْتُمْ عَنْهَا بَعْدَ قَلِيلٍ رَاحِلُونَ
٦ ‏/ ٢٨٨
وَقَدْ رُوِيَ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ مَا: حَدَّثَنِي بِهِ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا ⦗٢٨٩⦘ جَرِيرٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الْأَخْنَسِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾ [آل عمران: ١٨٥] قَالَ: «كَزَادِ الرَّاعِي، تُزَوِّدُهُ الْكَفَّ مِنَ التَّمْرِ، أَوِ الشَّيْءَ مِنَ الدَّقِيقِ، أَوِ الشَّيْءَ يَشْرَبُ عَلَيْهِ اللَّبَنَ» فَكَأَنَّ ابْنَ سَابِطٍ ذَهَبَ فِي تَأْوِيلِهِ هَذَا إِلَى أَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ: وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعٌ قَلِيلٌ، لَا يُبَلِّغُ مَنْ تَمَتُّعُهُ وَلَا يَكْفِيهِ لِسَفَرِهِ. وَهَذَا التَّأْوِيلُ وَإِنْ كَانَ وَجْهًا مِنْ وُجُوهِ التَّأْوِيلِ، فَإِنَّ الصَّحِيحَ مِنَ الْقَوْلِ فِيهِ هُوَ مَا قُلْنَا، لِأَنَّ الْغُرُورَ إِنَّمَا هُوَ الْخِدَاعُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلَا وَجْهَ لِصَرْفِهِ إِلَى مَعْنَى الْقِلَّةِ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ قَدْ يَكُونُ قَلِيلًا وَصَاحِبُهُ مِنْهُ فِي غَيْرِ خِدَاعٍ وَلَا غُرُورٍ؛ وَأَمَّا الَّذِي هُوَ فِي غُرُورٍ فَلَا الْقَلِيلُ يَصِحُّ لَهُ وَلَا الْكَثِيرُ مِمَّا هُوَ مِنْهُ فِي غُرُورٍ. وَالْغُرُورُ مَصْدَرٌ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: غَرَّنِي فُلَانٌ، فَهُوَ يَغُرُّنِي غُرُورًا بِضَمِّ الْغَيْنِ؛ وَأَمَّا إِذَا فُتِحَتُ الْغَيْنُ مِنَ الْغُرُورِ فَهُوَ صِفَةٌ لِلشَّيْطَانِ الْغَرُورِ الَّذِي يَغُرُّ ابْنَ آدَمَ حَتَّى يُدْخِلَهُ مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ فِيمَا يَسْتَوْجِبُ بِهِ عُقُوبَتَهُ
٦ ‏/ ٢٨٨
وَقَدْ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا عَبْدَةُ، وَعَبْدُ الرَّحِيمِ، قَالَا: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَوْضِعُ سَوْطٍ فِي الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ ﴿وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾ [آل عمران: ١٨٥]»
٦ ‏/ ٢٨٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾ [آل عمران: ١٨٦] يَعْنِي بِذَلِكَ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمُ﴾ [آل عمران: ١٨٦] لَتُخْتَبَرُنَّ بِالْمَصَائِبِ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ، يَعْنِي: وَبِهَلَاكِ الْأَقْرِبَاءِ وَالْعَشَائِرِ مِنْ أَهْلِ نُصْرَتِكُمْ وَمِلَّتِكُمْ ﴿وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ [آل عمران: ١٨٦] يَعْنِي: مِنَ الْيَهُودِ وَقَوْلِهِمْ ﴿إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ﴾ [آل عمران: ١٨١] وَقَوْلِهِمْ ﴿يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ﴾ [المائدة: ٦٤] وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ افْتِرَائِهِمْ عَلَى اللَّهِ ﴿وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا﴾ [البقرة: ٩٦] يَعْنِي النَّصَارَى، ﴿أَذًى كَثِيرًا﴾ [آل عمران: ١٨٦] وَالْأَذَى مِنَ الْيَهُودِ مَا ذَكَرْنَا، وَمِنَ النَّصَارَى قَوْلُهُمْ: الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ كُفْرِهِمْ بِاللَّهِ ﴿وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا﴾ [آل عمران: ١٢٠] يَقُولُ: وَإِنْ تَصْبِرُوا لِأَمْرِ اللَّهِ الَّذِي أَمَرَكُمْ بِهِ فِيهِمْ وَفِي غَيْرِهِمْ مِنْ طَاعَتِهِ وَتَتَّقُوا، يَقُولُ: وَتَتَّقُوا اللَّهَ فِيمَا أَمَرَكُمْ وَنَهَاكُمْ، فَتَعْمَلُوا فِي ذَلِكَ بِطَاعَتِهِ. ﴿فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾ [آل عمران: ١٨٦] يَقُولُ: فَإِنَّ ذَلِكَ الصَّبْرَ وَالتَّقْوَى مِمَّا عَزَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَمَرَكُمْ بِهِ. وَقِيلَ: إِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ نَزَلَ فِي فِنْحَاصٍ الْيَهُودِيِّ سَيِّدِ بَنِي قَيْنُقَاعَ
٦ ‏/ ٢٩٠
كَالَّذِي: حَدَّثَنَا بِهِ الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ عِكْرِمَةُ فِي قَوْلِهِ: ﴿لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا﴾ [آل عمران: ١٨٦] قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي النَّبِيِّ ﷺ، وَفِي أَبِي بَكْرٍ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ، وَفِي فِنْحَاصٍ الْيَهُودِيِّ سَيِّدِ بَنِي قَيْنُقَاعٍ، قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ ﷺ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ
٦ ‏/ ٢٩٠
رحمه الله إِلَى فِنْحَاصٍ يَسْتَمِدُّهُ، وَكَتَبَ إِلَيْهِ بِكِتَابٍ، وَقَالَ لِأَبِي بَكْرٍ: «لَا تَفْتَاتَنَّ عَلَيَّ بِشَيْءٍ حَتَّى تَرْجِعَ» فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ وَهُوَ مُتَوَشِّحٌ بِالسَّيْفِ، فَأَعْطَاهُ الْكِتَابَ، فَلَمَّا قَرَأَهُ قَالَ: قَدِ احْتَاجَ رَبُّكُمْ أَنْ نُمِدَّهُ، فَهَمَّ أَبُو بَكْرٍ أَنْ يَضْرِبَهُ بِالسَّيْفِ، ثُمَّ ذَكَرَ قَوْلَ النَّبِيِّ ﷺ: «لَا تَفْتَاتَنَّ عَلَيَّ بِشَيْءٍ حَتَّى تَرْجِعَ» فَكَفَّ؛ وَنَزَلَتْ: ﴿وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ﴾ [آل عمران: ١٨٠] وَمَا بَيْنَ الْآيَتَيْنِ إِلَى قَوْلِهِ: ﴿لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ﴾ [آل عمران: ١٨٦] نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَاتُ فِي بَنِي قَيْنُقَاعٍ، إِلَى قَوْلِهِ: ﴿فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ﴾ [آل عمران: ١٨٤] قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: يُعَزِّي نَبِيَّهُ ﷺ، قَالَ: ﴿لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ﴾ [آل عمران: ١٨٦] قَالَ: أَعْلَمَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهُ سَيَبْتَلِيَهُمْ فَيَنْظُرُ كَيْفَ صَبْرُهُمْ عَلَى دِينِهِمْ، ثُمَّ قَالَ: ﴿وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ [آل عمران: ١٨٦] يَعْنِي: الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى، ﴿وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا﴾ [آل عمران: ١٨٦] فَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يَسْمَعُونَ مِنَ الْيَهُودِ قَوْلَهُمْ: عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ، وَمَنْ النَّصَارَى: الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ، فَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يَنْصِبُونَ لَهُمُ الْحَرْبَ، وَيَسْمَعُونَ إِشْرَاكَهُمْ، فَقَالَ اللَّهُ: ﴿وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزَمِ الْأُمُورِ﴾ [آل عمران: ١٨٦] يَقُولُ: «مِنَ الْقُوَّةِ مِمَّا عَزَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَمَرَكُمْ بِهِ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ نَزَلَتْ فِي كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ يَهْجُو رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وَيَتَشَبَّبُ بِنِسَاءِ الْمُسْلِمِينَ
٦ ‏/ ٢٩١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ ⦗٢٩٢⦘ الزُّهْرِيِّ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمْنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا﴾ [آل عمران: ١٨٦] قَالَ: «هُوَ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ، وَكَانَ يُحَرِّضُ الْمُشْرِكِينَ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ وَأَصْحَابِهِ فِي شَعْرِهِ، وَيَهْجُو النَّبِيَّ ﷺ، فَانْطَلَقَ إِلَيْهِ خَمْسَةُ نَفَرٍ مِنَ الْأَنْصَارِ فِيهِمْ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ، وَرَجُلٌ يُقَالُ لَهُ أَبُو عَبْسٍ، فَأَتَوْهُ وَهُوَ فِي مَجْلِسِ قَوْمِهِ بِالْعَوَالِي؛ فَلَمَّا رَآهُمْ ذُعِرَ مِنْهُمْ، فَأَنْكَرَ شَأْنَهُمْ، وَقَالُوا: جِئْنَاكَ لِحَاجَةٍ، قَالَ: فَلْيَدْنُ إِلَيَّ بَعْضُكُمْ، فَلْيُحَدِّثني بِحَاجَتِهِ فَجَاءَهُ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَقَالَ: جِئْنَاكَ لِنَبِيعَكَ أَدْرَاعًا عِنْدَنَا لِنَسْتَنْفِقَ بِهَا، فَقَالَ: وَاللَّهِ لَئِنْ فَعَلْتُمْ لَقَدْ جُهِدْتُمْ مُنْذُ نَزَلَ بِكُمْ هَذَا الرَّجُلُ فَوَاعَدُوهُ أَنْ يَأْتُوهُ عِشَاءً حِينَ هَدَأَ عَنْهُمُ النَّاسُ، فَأَتَوْهُ، فَنَادَوْهُ، فَقَالَتِ امْرَأَتُهُ: مَا طَرَقَكَ هَؤُلَاءِ سَاعَتَهُمْ هَذِهِ لِشَيْءٍ مِمَّا تُحِبُّ، قَالَ: إِنَّهُمْ حَدَّثُونِي بِحَدِيثِهِمْ وَشَأْنِهِمْ»
٦ ‏/ ٢٩١
قَالَ مَعْمَرٌ: فَأَخْبَرَنِي أَيُّوبُ عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّهُ أَشْرَفَ عَلَيْهِمْ فَكَلَّمَهُمْ، فَقَالَ: «أَتُرْهِنُونِي أَبْنَاءَكُمْ؟ وَأَرَادُوا أَنْ يَبِيعَهُمْ تَمْرًا» قَالَ: فَقَالُوا إِنَّا نَسْتَحْيِي أَنْ تُعَيَّرَ أَبْنَاؤُنَا فَيُقَالَ هَذَا رَهِينَةُ وَسْقٍ، وَهَذَا رَهِينَةُ وَسْقَيْنِ، فَقَالَ: «أَتُرْهِنُونِي نِسَاءَكُمْ؟» قَالُوا: أَنْتَ أَجْمَلُ النَّاسِ، وَلَا نَأْمَنُكَ، وَأَيُّ امْرَأَةٍ تَمْتَنِعُ مِنْكَ لِجَمَالِكَ؟ وَلَكِنَّا نُرْهِنُكَ سِلَاحَنَا، فَقَدْ عَلِمْتَ حَاجَتِنَا إِلَى السِّلَاحِ الْيَوْمَ، فَقَالَ: «ائْتُونِي بِسِلَاحِكُمْ، وَاحْتَمِلُوا مَا شِئْتُمْ» قَالُوا: فَانْزِلْ إِلَيْنَا نَأْخُذْ عَلَيْكَ، وَتَأْخُذْ عَلَيْنَا، فَذَهَبَ يَنْزِلُ، فَتَعَلَّقَتْ بِهِ امْرَأَتُهُ وَقَالَتْ: أَرْسِلْ إِلَى أَمْثَالِهِمْ مِنْ قَوْمِكَ يَكُونُوا مَعَكَ، قَالَ: «لَوْ ⦗٢٩٣⦘ وَجَدَنِي هَؤُلَاءِ نَائِمًا مَا أَيْقَظُونِي» قَالَتْ: فَكَلِّمْهُمْ مِنْ فَوْقِ الْبَيْتِ، فَأَبَى عَلَيْهَا، فَنَزَلَ إِلَيْهِمْ يَفُوحُ رِيحُهُ، قَالُوا: مَا هَذِهِ الرِّيحُ يَا فُلَانُ؟ قَالَ: «هَذَا عِطْرُ أُمِّ فُلَانٍ امْرَأَتِهِ» فَدَنَا إِلَيْهِ بَعْضُهُمْ يَشُمُّ رَائِحَتَهُ، ثُمَّ اعْتَنَقَهُ، ثُمَّ قَالَ: اقْتُلُوا عَدُوَّ اللَّهِ، فَطَعَنَهُ أَبُو عَبْسٍ فِي خَاصِرَتِهِ، وَعَلَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ بِالسَّيْفِ، فَقَتَلُوهُ، ثُمَّ رَجَعُوا. فَأَصْبَحَتِ الْيَهُودُ مُذْعُورِينَ، فَجَاءُوا إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَقَالُوا: قُتِلَ سَيِّدُنَا غِيلَةً، فَذَكَّرَهُمُ النَّبِيُّ ﷺ صَنِيعَهُ، وَمَا كَانَ يَحُضُّ عَلَيْهِمْ، وَيُحَرِّضُ فِي قِتَالِهِمْ، وَيُؤْذِيهِمْ، ثُمَّ دَعَاهُمْ إِلَى أَنْ يَكْتُبَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ صُلْحًا، فَقَالَ: فَكَانَ ذَلِكَ الْكِتَابُ مَعَ عَلِيٍّ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ
٦ ‏/ ٢٩٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ﴾ [آل عمران: ١٨٧] يَعْنِي بِذَلِكَ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَاذْكُرْ أَيْضًا مِنْ هَؤُلَاءِ الْيَهُودِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْهُمْ يَا مُحَمَّدُ إِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَهُمْ، لَيُبَيِّنُنَّ لِلنَّاسِ أَمْرَكَ الَّذِي أَخَذَ مِيثَاقَهُمْ عَلَى بَيَانِهِ لِلنَّاسِ فِي كِتَابِهِمُ الَّذِي فِي أَيْدِيهِمْ، وَهُوَ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ، وَأَنَّكَ لِلَّهِ رَسُولٌ مُرْسَلٌ بِالْحَقِّ، وَلَا يَكْتُمُونَهُ، ﴿فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ﴾ [آل عمران: ١٨٧] يَقُولُ فَتَرَكُوا أَمْرَ اللَّهِ
٦ ‏/ ٢٩٣
وَضَيَّعُوهُ، وَنَقَضُوا مِيثَاقَهُ الَّذِي أَخَذَ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ، فَكَتَمُوا أَمْرَكَ، وَكَذَّبُوا بِكَ ﴿وَاشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا﴾ [آل عمران: ١٨٧] يَقُولُ وَابْتَاعُوا بِكِتْمَانِهِمْ مَا أَخَذَ عَلَيْهِمُ الْمِيثَاقَ أَنْ لَا يَكْتُمُوهُ مِنْ أَمْرِ نُبُوَّتِكَ، عِوَضًا مِنْهُ، خَسِيسًا قَلِيلًا مِنْ عَرَضِ الدُّنْيَا، ثُمَّ ذَمَّ جَلَّ ثَنَاؤهُ شِرَاءَهُم مَّا اشْتَرُوا بِهِ مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَ ﴿فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ﴾ [آل عمران: ١٨٧] وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِيمَنْ عُنِيَ بِهَذِهِ الْآيَةِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عُنِيَ بِهَا الْيَهُودُ خَاصَّةً
٦ ‏/ ٢٩٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثني مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مُحَمَّدٍ مَوْلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، أَنَّهُ حَدَّثَهُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ﴾ [آل عمران: ١٨٧] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [آل عمران: ١٨٨] «يَعْنِي فِنْحَاصَ وَأَشْيَعَ وَأَشْبَاهَهُمَا مِنَ الْأَحْبَارِ» حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي مُحَمَّدٍ مَوْلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، مِثْلَهُ
٦ ‏/ ٢٩٤
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا يَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ) «كَانَ أَمَرَهُمْ أَنْ يَتَّبِعُوا النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ» وَقَالَ: ﴿اتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ [الأعراف: ١٥٨] «⦗٢٩٥⦘ فَلَمَّا بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّدًا ﷺ قَالَ»: ﴿أَوْفُوا بِعَهْدِي أَوْفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونَ﴾ [البقرة: ٤٠] «عَاهَدَهُمْ عَلَى ذَلِكَ، فَقَالَ حِينَ بَعَثَ مُحَمَّدًا: صِدِّقُوهُ وَتَلْقَوْنَ الَّذِي أَحْبَبْتُمْ عِنْدِي»
٦ ‏/ ٢٩٤
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ﴾ [آل عمران: ١٨٧] الْآيَةَ، قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ أَخَذَ مِيثَاقَ الْيَهُودِ لَيُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ مُحَمَّدًا ﷺ، وَلَا يَكْتُمُونَهُ، فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ، وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا»
٦ ‏/ ٢٩٥
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنْ أَبِي الْجَحَّافِ، عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ، قَالَ: سَأَلَ الْحَجَّاجُ بْنُ يُوسُفَ جُلَسَاءَهُ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ﴾ [آل عمران: ١٨٧] فَقَامَ رَجُلٌ إِلَى سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: «وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ أَهْلِ الْكِتَابِ يَهُودَ (لَيُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ) مُحَمَّدًا ﷺ وَلَا يَكْتُمُونَهُ، فَنَبَذُوهُ»
٦ ‏/ ٢٩٥
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَوْلُهُ: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا يَكْتُمُونَهُ) قَالَ: «وَكَانَ فِيهِ أَنَّ الْإِسْلَامَ دِينُ اللَّهِ الَّذِي افْتَرَضَهُ عَلَى عِبَادِهِ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ» ⦗٢٩٦⦘ وَقَالَ آخَرُونَ: عُنِيَ بِذَلِكَ كُلُّ مَنْ أُوتِيَ عِلْمًا بِأَمْرِ الدِّينِ
٦ ‏/ ٢٩٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا يَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ) الْآيَةَ «هَذَا مِيثَاقٌ أَخَذَ اللَّهُ عَلَى أَهْلِ الْعِلْمِ، فَمَنْ عَلِمَ شَيْئًا فَلْيُعَلِّمْهُ، وَإِيَّاكُمْ وَكِتْمَانَ الْعِلْمِ، فَإِنَّ كِتْمَانَ الْعِلْمِ هَلَكَةٌ، وَلَا يَتَكَلَّفَنَّ رَجُلٌ مَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ، فَيَخْرُجُ مِنْ دِينِ اللَّهِ، فَيَكُونُ مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ، كَانَ يُقَالُ: مَثَلُ عِلْمٍ لَا يُقَالُ بِهِ كَمَثَلِ كَنْزٍ لَا يُنْفَقُ مِنْهُ، وَمَثَلُ حِكْمَةٍ لَا تَخْرُجُ كَمَثَلِ صَنَمٍ قَائِمٍ لَا يَأْكُلُ وَلَا يَشْرَبُ» وَكَانَ يُقَالُ: طُوبَى لِعَالِمٍ نَاطِقٍ، وَطُوبَى لِمُسْتَمِعٍ وَاعٍ. هَذَا رَجُلٌ عَلِمَ عِلْمًا فَعَلَّمَهُ وَبَذَلَهُ وَدَعَا إِلَيْهِ، وَرَجُلٌ سَمِعَ خَيْرًا فَحَفِظَهُ وَوَعَاهُ، وَانْتَفَعَ بِهِ
٦ ‏/ ٢٩٦
حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمَسْعُودِيُّ، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، قَالَ: “جَاءَ رَجُلٌ إِلَى قَوْمٍ فِي الْمَسْجِدِ وَفِيهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ فَقَالَ: إِنَّ أَخَاكُمْ كَعْبًا يُقْرِئُكُمُ السَّلَامَ، وَيُبَشِّرُكُمْ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ لَيْسَتْ فِيكُمْ: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا يَكْتُمُونَهُ) فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ: «وَأَنْتَ فَأَقْرِئْهُ السَّلَامَ، وَأَخْبِرْهُ أَنَّهَا نَزَلَتْ وَهُوَ يَهُودِيُّ» حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بِنَحْوِهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ وَكَعْبٍ ⦗٢٩٧⦘ وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ عَلَى قَوْمِهِمْ
٦ ‏/ ٢٩٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: ثني يَحْيَى بْنُ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّ أَصْحَابَ عَبْدِ اللَّهِ يَقْرَءُونَ: «وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِيثَاقَهُمْ» قَالَ: «مِنَ النَّبِيِّينَ عَلَى قَوْمِهِمْ»
٦ ‏/ ٢٩٧
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا قَبِيصَةُ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ حَبِيبٍ، عَنْ سَعِيدٍ، قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّ أَصْحَابَ عَبْدِ اللَّهِ يَقْرءُونَ ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ﴾ [آل عمران: ١٨٧] الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ «وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ» قَالَ: فَقَالَ: «أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ عَلَى قَوْمِهِمْ» وَأَمَّا قَوْلُهُ: (لَيُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ)
٦ ‏/ ٢٩٧
فَإِنَّهُ كَمَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ عَبْدِ الْوَارِثِ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ذَكْوَانَ، قَالَ: ثنا أَبُو نَعَامَةَ السَّعْدِيُّ، قَالَ: كَانَ الْحَسَنُ يُفَسِّرُ قَوْلَهُ: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا يَكْتُمُونَهُ) لَيَتَكَلَّمُنَّ بِالْحَقِّ وَلَيُصَدِّقُنَّهُ بِالْعَمَلِ ” وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَهُ بَعْضُهُمْ: ﴿لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ﴾ [آل عمران: ١٨٧] بِالتَّاءِ، وَهِيَ قِرَاءَةُ عُظْمِ قُرَّاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْكُوفَةِ عَلَى وَجْهِ الْمُخَاطَبِ، بِمَعْنَى: قَالَ لَهُمْ: لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ
٦ ‏/ ٢٩٧
وَقَرَأَ ذَلِكَ آخَرُونَ: (لَيُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا يَكْتُمُونَهُ) بِالْيَاءِ جَمِيعًا عَلَى وَجْهِ الْخَبَرِ عَنِ الْغَائِبِ؛ لِأَنَّهُمْ فِي وَقْتِ إِخْبَارِ اللَّهِ نَبِيَّهُ ﷺ بِذَلِكَ عَنْهُمْ كَانُوا غَيْرَ مَوْجُودِينَ، فَصَارَ الْخَبَرُ عَنْهُمْ كَالْخَبَرِ عَنِ الْغَائِبِ. وَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا: أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ صَحِيحَةٌ وُجُوهُهُمَا، مُسْتَفِيضَتَانِ فِي قِرَاءَةِ الْإِسْلَامِ، غَيْرَ مُخْتَلِفَتَيِ الْمَعَانِي، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَقَدْ أَصَابَ الْحَقَّ وَالصَّوَابَ فِي ذَلِكَ، غَيْرَ أَنَّ الْأَمْرَ فِي ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ أَحَبَّ الْقِرَاءَتَيْنِ إِلَيَّ أَنْ أَقْرَأَ بِهَا: (لَيُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا يَكْتُمُونَهُ) بِالْيَاءِ جَمِيعًا اسْتِدْلَالًا بِقَوْلِهِ: ﴿فَنَبَذُوهُ﴾ [آل عمران: ١٨٧] أَنَّهُ إِذَا كَانَ قَدْ خَرَجَ مَخْرَجَ الْخَبَرِ عَنِ الْغَائِبِ عَلَى سَبِيلِ قَوْلِهِ: ﴿فَنَبَذَوهُ﴾ [آل عمران: ١٨٧] حَتَّى يَكُونَ مُتَّسِقًا كُلُّهُ عَلَى مَعْنًى وَاحِدٍ وَمِثَالٍ وَاحِدٍ، وَلَوْ كَانَ الْأَوَّلُ بِمَعْنَى الْخِطَابِ لَكَانَ أَنْ يُقَالَ: فَنَبَذْتُمُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ، أَوْلَى مِنْ أَنْ يُقَالَ: فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ﴾ [آل عمران: ١٨٧] فَإِنَّهُ مَثَلٌ لِتَضْيِيعِهِمُ الْقِيَامَ بِالْمِيثَاقِ، وَتَرْكِهِمُ الْعَمَلَ بِهِ. وَقَدْ بَيَّنَّا الْمَعْنَى الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ قِيلَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فِيمَا مَضَى مِنْ كِتَابِنَا هَذَا، فَكَرِهْنَا إِعَادَتَهُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٦ ‏/ ٢٩٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ إِدْرِيسَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ الْبَجَلِيُّ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، فِي قَوْلِهِ: ﴿فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ﴾ [آل عمران: ١٨٧] قَالَ: «إِنَّهُمْ قَدْ كَانُوا يَقْرَءُونَهُ إِنَّمَا نَبَذُوا الْعَمَلَ بِهِ»
٦ ‏/ ٢٩٩
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: ﴿فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ﴾ [آل عمران: ١٨٧] قَالَ: «نَبَذُوا الْمِيثَاقَ»
٦ ‏/ ٢٩٩
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، قَالَ: ثنا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: ثنا مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ، قَالَ: نُبِّئْتُ عَنِ الشَّعْبِيِّ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ﴾ [آل عمران: ١٨٧] قَالَ: «قَذَفُوهُ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ، وَتَرَكُوا الْعَمَلَ بِهِ» وَأَمَّا قَوْلُهُ ﴿وَاشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا﴾ [آل عمران: ١٨٧] فَإِنَّ مَعْنَاهُ مَا قُلْنَا مِنْ أَخْذِهِمْ مَا أَخَذُوا عَلَى كِتْمَانِهِمُ الْحَقَّ وَتَحْرِيفِهِمُ الْكِتَابَ
٦ ‏/ ٢٩٩
كَمَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿وَاشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا﴾ [آل عمران: ١٨٧] «أَخَذُوا طُمْعًا، وَكَتَمُوا اسْمَ مُحَمَّدٍ ﷺ» وَقَوْلُهُ: ﴿فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ﴾ [آل عمران: ١٨٧] يَقُولُ: فَبِئْسَ الشِّرَاءُ يَشْتَرُونَ فِي تَضْيِيعِهِمُ الْمِيثَاقَ وَتَبْدِيلِهِمُ الْكِتَابَ
٦ ‏/ ٢٩٩
كَمَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي ⦗٣٠٠⦘ نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ﴾ [آل عمران: ١٨٧] قَالَ: «تَبْدِيلُ الْيَهُودِ التَّوْرَاةَ»
٦ ‏/ ٢٩٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [آل عمران: ١٨٨] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عُنِيَ بِذَلِكَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ النِّفَاقِ كَانُوا يَقْعُدُونَ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إِذَا غَزَا الْعَدُوَّ، فَإِذَا انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ اعْتَذَرُوا إِلَيْهِ، وَأَحَبُّوا أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا
٦ ‏/ ٣٠٠
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلِ بْنِ عَسْكَرٍ، وَابْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْبَرْقِيُّ، قَالَا: ثنا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، قَالَ: ثني زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّ رِجَالًا مِنَ الْمُنَافِقِينَ كَانُوا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، إِذَا خَرَجَ النَّبِيُّ ﷺ إِلَى الْغَزْوِ تَخَلَّفُوا عَنْهُ وَفَرِحُوا بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ، وَإِذَا قَدِمَ النَّبِيُّ ﷺ مِنَ السَّفَرِ اعْتَذَرُوا إِلَيْهِ وَأَحَبُّوا أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا ” فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ: ﴿لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا﴾ [آل عمران: ١٨٨] الْآيَةَ
٦ ‏/ ٣٠٠
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا﴾ [آل عمران: ١٨٨] قَالَ: «هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ يَقُولُونَ لِلنَّبِيِّ ﷺ: لَوْ قَدْ خَرَجْتَ لَخَرَجْنَا مَعَكَ، فَإِذَا خَرَجَ النَّبِيُّ ﷺ ⦗٣٠١⦘ تَخَلَّفُوا وَكَذَّبُوا، وَيَفْرَحُونَ بِذَلِكَ، وَيَرَوْنَ أَنَّهَا حِيلَةٌ احْتَالُوا بِهَا» وَقَالَ آخَرُونَ: عُنِيَ بِذَلِكَ قَوْمٌ مِنْ أَحْبَارِ الْيَهُودِ كَانُوا يَفْرَحُونَ بِإِضْلَالِهِمُ النَّاسَ، وَنِسْبَةِ النَّاسِ إِيَّاهُمْ إِلَى الْعِلْمِ

عن معز نوني

متحصّل على شهادة ختم الدروس للمعهد الأعلى لتكوين المعلمين بقفصة دفعة 2000، يعمل حاليًّا أستاذ مدارس إبتدائية

شاهد أيضاً

سُورَةُ الْفَاتِحَةِ

مَكِّيَّةٌ وَآيَاتُهَا سَبْعٌ ١ ‏/ ١١١ ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ [الفاتحة: ١] الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ …