سُورَةُ نُوحٍ

مَكِّيَّةٌ وَآيَاتُهَا ثَمَانٍ وَعِشْرُونَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
٢٣ ‏/ ٢٨٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمُ عَذَابٌ أَلِيمٌ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِّنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [نوح: ٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا﴾ [نوح: ١] وَهُوَ نُوحُ بْنُ لَمَكَ إِلَى قَوْمِهِ. ﴿أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمُ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [نوح: ١] يَقُولُ: أَرْسَلْنَاهُ إِلَيْهِمْ بِأَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ؛ فَأَنْ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ فِي قَوْلِ بَعْضِ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ، وَفِي مَوْضِعِ خَفْضٍ فِي قَوْلِ بَعْضِهِمْ. وَقَدْ بَيَّنْتُ الْعِلَلَ لِكُلِّ فَرِيقٍ مِنْهُمْ، وَالصَّوَابُ عِنْدَنَا مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ فِيمَا مَضَى مِنْ كِتَابِنَا هَذَا، بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ. وَهِيَ فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ فِيمَا ذَكَرَ «إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْذِرْ قَوْمَكَ» بِغَيْرِ أَنْ وَجَازَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْإِرْسَالَ بِمَعْنَى الْقَوْلِ، فَكَأَنَّهُ قِيلَ: قُلْنَا لِنُوحٍ: أَنْذِرْ قَوْمَكَ ﴿مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمُ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [نوح: ١] وَذَلِكَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ هُوَ الطُّوفَانُ الَّذِي غَرَّقَهُمْ اللَّهُ بِهِ.
٢٣ ‏/ ٢٨٨
وَقَوْلُهُ: ﴿قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ﴾ [نوح: ٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ نُوحٌ لِقَوْمِهِ: يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ، أُنْذِرُكُمْ عَذَابَ اللَّهِ فَاحْذَرُوهُ أَنْ يَنْزِلَ بِكُمْ عَلَى كُفْرِكُمْ بِهِ ﴿مُبِينٌ﴾ [البقرة: ١٦٨] يَقُولُ: قَدْ أَبَنْتُ لَكُمْ إِنْذَارِي إِيَّاكُمْ.
٢٣ ‏/ ٢٨٨
وَقَوْلُهُ: ﴿أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ﴾ [نوح: ٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُخْبِرًا عَنْ قِيلِ ⦗٢٨٩⦘ نُوحٍ لِقَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ بِأَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ، يَقُولُ: إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ أُنْذِرُكُمْ، وَآمُرُكُمْ بِعِبَادَةِ اللَّهِ ﴿وَاتَّقُوهُ﴾ [الأنعام: ٧٢] يَقُولُ: وَاتَّقُوا عِقَابَهُ بِالْإِيمَانِ بِهِ، وَالْعَمَلِ بِطَاعَتِهِ ﴿وَأَطِيعُونِ﴾ [آل عمران: ٥٠] يَقُولُ: وَانْتَهُوا إِلَى مَا آمُرُكُمْ بِهِ، وَاقْبَلُوا نَصِيحَتِي لَكُمْ.
٢٣ ‏/ ٢٨٨
وَقَدْ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ﴾ [نوح: ٣] قَالَ: أَرْسَلَ اللَّهُ الْمُرْسَلِينَ بِأَنْ يُعْبَدَ اللَّهُ وَحْدَهُ، وَأَنْ تُتَّقَى مَحَارِمُهُ، وَأَنْ يُطَاعَ أَمْرُهُ
٢٣ ‏/ ٢٨٩
وَقَوْلُهُ: ﴿يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبَكُمْ﴾ [الأحقاف: ٣١] يَقُولُ: يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: أَوَلَيْسَتْ مِنْ دَالَّةٌ عَلَى الْبَعْضِ؟ قِيلَ: إِنَّ لَهَا مَعْنَيَيْنِ وَمَوْضِعَيْنِ: فَأَمَّا أَحَدُ الْمَوْضِعَيْنِ فَهُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي لَا يَصِحُّ فِيهِ غَيْرُهَا. وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ لَمْ تَدُلَّ إِلَّا عَلَى الْبَعْضِ، وَذَلِكَ كَقَوْلِكَ: اشْتَرَيْتُ مِنْ مَمَالِيكِكَ، فَلَا يَصِحُّ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ غَيْرُهَا، وَمَعْنَاهَا: الْبَعْضُ، اشْتَرَيْتُ بَعْضَ مَمَالِيكِكَ، وَمِنْ مَمَالِيكِكَ مَمْلُوكًا. وَالْمَوْضِعُ الْآخَرُ: هُوَ الَّذِي يَصْلُحُ فِيهِ مَكَانَهَا عَنْ، فَإِذَا صَلَحَتْ مَكَانَهَا عَنْ دَلَّتْ عَلَى الْجَمِيعِ، وَذَلِكَ كَقَوْلِكَ: وَجِعَ بَطْنِي مِنْ طَعَامٍ طَعِمْتُهُ، فَإِنَّ مَعْنَى ذَلِكَ: أَوْجَعَ بَطْنِي طَعَامٌ طَعِمْتُهُ، وَتَصْلُحُ مَكَانَ مِنْ عَنْ، وَذَلِكَ أَنَّكَ تَضَعُ مَوْضِعَهَا عَنْ فَيَصْلُحُ الْكَلَامُ فَتَقُولُ: وُجِعَ بَطْنِي عَنْ طَعَامٍ طَعِمْتُهُ، وَمِنْ طَعَامٍ طَعِمْتُهُ، فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ﴾ [الصف: ١٢] إِنَّمَا هُوَ: وَيَصْفَحُ لَكُمْ، وَيَعْفُو لَكُمْ عَنْهَا؛ وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهَا يَغْفِرُ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ مَا قَدْ وَعَدَكُمُ الْعُقُوبَةَ عَلَيْهِ. فَأَمَّا مَا لَمْ يَعِدْكُمُ الْعُقُوبَةَ عَلَيْهِ
٢٣ ‏/ ٢٨٩
فَقَدْ تَقَدَّمَ عَفْوُهُ لَكُمْ عَنْهَا.
٢٣ ‏/ ٢٩٠
وَقَوْلُهُ: ﴿وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾ [إبراهيم: ١٠] يَقُولُ: وَيُؤَخِّرُ فِي آجَالِكُمْ فَلَا يُهْلِكُكُمْ بِالْعَذَابِ، لَا بِغَرَقٍ وَلَا غَيْرِهِ ﴿إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾ [البقرة: ٢٨٢] يَقُولُ إِلَى حِينٍ كَتَبَ أَنَّهُ يُبْقِيكُمْ إِلَيْهِ، إِنْ أَنْتُمْ أَطَعْتُمُوهُ وَعَبَدْتُمُوهُ، فِي أُمِّ الْكِتَابِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
٢٣ ‏/ ٢٩٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾ [البقرة: ٢٨٢] قَالَ: مَا قَدْ خَطَّ مِنَ الْأَجَلِ، فَإِذَا جَاءَ أَجَلُ اللَّهُ لَا يُؤَخِّرُ
٢٣ ‏/ ٢٩٠
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [نوح: ٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ الَّذِي قَدْ كَتَبَهُ عَلَى خَلْقِهِ فِي أُمِّ الْكِتَابِ إِذَا جَاءَ عِنْدَهُ لَا يُؤَخَّرُ عَنْ مِيقَاتِهِ، فَيَنْظُرُ بَعْدَهُ ﴿لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [نوح: ٤] يَقُولُ: لَوْ عَلِمْتُمْ أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ، لَأَنَبْتُمْ إِلَى طَاعَةِ رَبِّكُمْ.
٢٣ ‏/ ٢٩٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا﴾ [نوح: ٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ نُوحٌ لَمَّا بَلَّغَ قَوْمَهُ رِسَالَةَ رَبِّهِ، أَوْ أَنْذَرَهُمْ مَا أَمَرَهُ بِهِ أَنْ ⦗٢٩١⦘ يُنْذِرَهُمُوهُ فَعَصَوْهُ، وَرَدُّوا عَلَيْهِ مَا أَتَاهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِهِ: ﴿رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا﴾ [نوح: ٥] إِلَى تَوْحِيدِكَ وَعِبَادَتِكَ، وَحَذَّرْتُهُمْ بَأْسَكَ وَسَطْوَتَكَ. ﴿فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا﴾ [نوح: ٦] يَقُولُ: فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِيَّاهُمْ إِلَى مَا دَعْوَتَهُمْ إِلَيْهِ مِنَ الْحَقِّ الَّذِي أَرْسَلَتْنِي بِهِ لَهُمْ ﴿إِلَّا فِرَارًا﴾ [الأحزاب: ١٣] يَقُولُ: إِلَّا إِدْبَارًا عَنْهُ وَهَرَبَا مِنْهُ وَإِعْرَاضًا عَنْهُ.
٢٣ ‏/ ٢٩٠
وَقَدْ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا﴾ [نوح: ٦] قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّهُمْ كَانُوا يَذْهَبُ الرَّجُلُ بِابْنِهِ إِلَى نُوحٍ، فَيَقُولُ لِابْنِهِ: احْذَرْ هَذَا لَا يُغْوِيَنَّكَ، فَأَرَانِي قَدْ ذَهَبَ بِي أَبِي إِلَيْهِ وَأَنَا مِثْلُكَ، فَحَذَّرَنِي كَمَا حَذَّرْتُكِ
٢٣ ‏/ ٢٩١
وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ﴾ [نوح: ٧] يَقُولُ جَلَّ وَعَزَّ: وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ إِلَى الْإِقْرَارِ بِوَحْدَانِيَّتِكَ، وَالْعَمَلِ بِطَاعَتِكَ، وَالْبَرَاءَةِ مِنْ عِبَادَةِ كُلِّ مَا سِوَاكَ، لِتَغْفِرَ لَهُمْ إِذَا هُمْ فَعَلُوا ذَلِكَ ﴿جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ﴾ [نوح: ٧] لِئَلَّا يَسْمَعُوا دُعَائِي إِيَّاهُمْ إِلَى ذَلِكَ
٢٣ ‏/ ٢٩١
﴿وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ﴾ [نوح: ٧] يَقُولُ: وَتَغَشَّوْا فِي ثِيَابِهِمْ، وَتَغَطَّوْا بِهَا لِئَلَّا يَسْمَعُوا دُعَائِي
٢٣ ‏/ ٢٩١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ﴾ [نوح: ٧] لِئَلَّا يَسْمَعُوا كَلَامَ نُوحِ عليه السلام
٢٣ ‏/ ٢٩١
وَقَوْلُهُ: ﴿وَأَصَرُّوا﴾ [نوح: ٧] يَقُولُ: وَثَبَتُوا عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْكُفْرِ وَأَقَامُوا عَلَيْهِ. ⦗٢٩٢⦘ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
٢٣ ‏/ ٢٩١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَأَصَرُّوا﴾ [نوح: ٧] قَالَ: الْإِصْرَارُ إِقَامَتُهُمْ عَلَى الشَّرِّ وَالْكُفْرِ
٢٣ ‏/ ٢٩٢
وَقَوْلُهُ: ﴿وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا﴾ [نوح: ٧] يَقُولُ: وَتَكَبَّرُوا فَتَعَاظَمُوا عَنِ الْإِذْعَانِ لِلْحَقٍّ، وَقَبُولِ مَا دَعْوَتُهُمْ إِلَيْهِ مِنَ النَّصِيحَةِ.
٢٣ ‏/ ٢٩٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا﴾ [نوح: ٩] يَقُولُ: ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ إِلَى مَا أَمَرْتَنِي أَنْ أَدْعُوَهُمُ إِلَيْهِ جِهَارًا ظَاهِرًا فِي غَيْرِ خَفَاءٍ.
٢٣ ‏/ ٢٩٢
كَمَا: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا﴾ [نوح: ٨] قَالَ: الْجِهَارُ الْكَلَامُ الْمُعْلَنُ بِهِ
٢٣ ‏/ ٢٩٢
وَقَوْلُهُ: ﴿ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا﴾ [نوح: ٩] يَقُولُ: صَرَخْتُ لَهُمْ، وَصِحْتُ بِالَّذِي أَمَرْتَنِي بِهِ مِنَ الْإِنْذَارِ.
٢٣ ‏/ ٢٩٢
كَمَا: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي ⦗٢٩٣⦘ الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿أَعْلَنْتُ لَهُمْ﴾ [نوح: ٩] قَالَ: صِحْتُ
٢٣ ‏/ ٢٩٢
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مُجَاهِدٍ ﴿أَعْلَنْتُ لَهُمْ﴾ [نوح: ٩] يَقُولُ: صِحْتُ بِهِمْ
٢٣ ‏/ ٢٩٣
وَقَوْلُهُ: ﴿وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا﴾ [نوح: ٩] يَقُولُ: وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ ذَلِكَ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فِي خَفَاءٍ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
٢٣ ‏/ ٢٩٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا﴾ [نوح: ٩] قَالَ: فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ
٢٣ ‏/ ٢٩٣
وَقَوْلُهُ: ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا﴾ [نوح: ١٠] يَقُولُ: فَقُلْتُ لَهُمْ: سَلُوا رَبَّكُمْ غُفْرَانَ ذُنُوبِكُمْ، وَتُوبُوا إِلَيْهِ مِنْ كُفْرِكُمْ، وَعِبَادَةِ مَا سِوَاهُ مِنَ الْآلِهَةِ وَوَحِّدُوهُ، وَأَخْلِصُوا لَهُ الْعِبَادَةَ، يَغْفِرْ لَكُمْ ﴿إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا﴾ [نوح: ١٠] لِذُنُوبِ مَنْ أَنَابَ إِلَيْهِ، وَتَابَ إِلَيْهِ مِنْ ذُنُوبِهِ.
٢٣ ‏/ ٢٩٣
وَقَوْلُهُ: ﴿يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا﴾ [هود: ٥٢] يَقُولُ: يَسْقِيكُمْ رَبُّكُمْ إِنْ تُبْتُمْ وَوَحَّدْتُمُوهُ وَأَخْلَصْتُمْ لَهُ الْعِبَادَةَ الْغَيْثَ، فَيُرْسِلُ بِهِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ ﴿مِدْرَارًا﴾ [الأنعام: ٦] مُتَتَابِعًا.
٢٣ ‏/ ٢٩٣
وَقَدْ: حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: خَرَجَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَسْتَسْقِي، فَمَا زَادَ عَلَى الِاسْتِغْفَارِ، ثُمَّ رَجَعَ ⦗٢٩٤⦘ فَقَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا رَأَيْنَاكَ اسْتَسْقَيْتَ، فَقَالَ: لَقَدْ طَلَبْتُ الْمَطَرَ بِمَجَادِيحِ السَّمَاءِ الَّتِي يُسْتَنْزَلُ بِهَا الْمَطَرُ، ثُمَّ قَرَأَ: ﴿اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا﴾ [نوح: ١١] وَقَرَأَ الْآيَةَ الَّتِي فِي سُورَةِ هُودٍ حَتَّى بَلَغَ: ﴿وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ﴾ [هود: ٥٢]
٢٣ ‏/ ٢٩٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا﴾ [نوح: ١٣]
٢٣ ‏/ ٢٩٤
وَقَوْلُهُ: ﴿وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ﴾ [نوح: ١٢] يَقُولُ: وَيُعْطِكُمْ مَعَ ذَلِكَ رَبُّكُمْ أَمْوَالًا وَبَنِينَ، فَيُكَثِّرُهَا عِنْدَكُمْ وَيَزِيدُ فِيمَا عِنْدَكُمْ مِنْهَا ﴿وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ﴾ [نوح: ١٢] يَقُولُ: يَرْزُقْكُمْ بَسَاتِينَ ﴿وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا﴾ [نوح: ١٢] تَسْقُونَ مِنْهَا جَنَّاتِكُمْ وَمَزَارِعَكُمْ؛ وَقَالَ ذَلِكَ لَهُمْ نُوحٌ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا فِيمَا ذُكِرَ قَوْمًا يُحِبُّونَ الْأَمْوَالَ وَالْأَوْلَادَ.
٢٣ ‏/ ٢٩٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا﴾ [نوح: ٨] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا﴾ [نوح: ١٢] قَالَ: رَأَى نُوحٌ قَوْمًا تَجَزَّعَتْ أَعْنَاقُهُمْ حِرْصًا عَلَى الدُّنْيَا، فَقَالَ: هَلُمُّوا إِلَى طَاعَةِ اللَّهِ، فَإِنَّ فِيهَا دَرْكُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ
٢٣ ‏/ ٢٩٤
وَقَوْلُهُ: ﴿مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا﴾ [نوح: ١٣] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: مَا لَكُمْ لَا تَرَوْنَ لِلَّهِ عَظَمَةً.
٢٣ ‏/ ٢٩٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ﴿مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا﴾ [نوح: ١٣] يَقُولُ: عَظَمَةً
٢٣ ‏/ ٢٩٥
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ﴿مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا﴾ [نوح: ١٣] قَالَ: لَا تَرَوْنَ لِلَّهِ عَظَمَةً. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، مِثْلَهُ
٢٣ ‏/ ٢٩٥
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ وَقَيْسٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا﴾ [نوح: ١٣] قَالَ: لَا تُبَالُونَ لِلَّهِ عَظَمَةً
٢٣ ‏/ ٢٩٥
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ﴿مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا﴾ [نوح: ١٣] قَالَ: كَانُوا لَا يُبَالُونَ عَظَمَةَ اللَّهِ
٢٣ ‏/ ٢٩٥
حُدِّثْتُ، عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: ثنا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمَعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا﴾ [نوح: ١٣] يَقُولُ: عَظَمَةً
٢٣ ‏/ ٢٩٥
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا﴾ [نوح: ١٣] قَالَ: لَا تُبَالُونَ عَظَمَةَ رَبِّكُمْ؛ قَالَ: وَالرَّجَاءُ: الطَّمَعُ وَالْمَخَافَةُ وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: لَا تُعَظِّمُونَ اللَّهَ حَقَّ عَظَمَتِهِ
٢٣ ‏/ ٢٩٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي سَلْمُ بْنُ جُنَادَةَ، قَالَ: ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ سُمَيْعٍ، عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ﴿مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا﴾ [نوح: ١٣] قَالَ: مَا لَكُمْ لَا تُعَظِّمُونَ اللَّهَ حَقَّ عَظَمَتِهِ وَقَالَ آخَرُونَ: مَا لَكُمْ لَا تَعْلَمُونَ لِلَّهِ عَظَمَةً
٢٣ ‏/ ٢٩٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا﴾ [نوح: ١٣] يَقُولُ: مَا لَكُمْ لَا تَعْلَمُونَ لِلَّهِ عَظَمَةً وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ عَاقِبَةً
٢٣ ‏/ ٢٩٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا﴾ [نوح: ١٣] أَيْ عَاقِبَةً
٢٣ ‏/ ٢٩٦
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا﴾ [نوح: ١٣] قَالَ: لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ عَاقِبَةً ⦗٢٩٧⦘ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ طَاعَةً
٢٣ ‏/ ٢٩٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا﴾ [نوح: ١٣] قَالَ: الْوَقَارُ: الطَّاعَةُ وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَى ذَلِكَ: مَا لَكُمْ لَا تَخَافُونَ لِلَّهِ عَظَمَةً، وَذَلِكَ أَنَّ الرَّجَاءَ قَدْ تَضَعُهُ الْعَرَبُ إِذَا صَحِبَهُ الْجَحْدُ فِي مَوْضِعِ الْخَوْفِ، كَمَا قَالَ أَبُو ذُؤَيْبٍ:
[البحر الطويل] إِذَا لَسَعَتْهُ النَّحْلُ لَمْ يَرْجُ لَسْعَهَا … وَخَالَفَهَا فِي بَيْتِ نُوبٍ عَوَاسِلِ
يَعْنِي بِقَوْلِهِ: لَمْ يَرْجُ: لَمْ يَخَفْ
٢٣ ‏/ ٢٩٧
وَقَوْلُهُ: ﴿وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا﴾ [نوح: ١٤] يَقُولُ: وَقَدْ خَلَقَكُمْ حَالًا بَعْدَ حَالٍ، طَوْرًا نُطْفَةً، وَطَوْرًا عَلَقَةً، وَطَوْرًا مُضْغَةً. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
٢٣ ‏/ ٢٩٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا﴾ [نوح: ١٤] يَقُولُ: نُطْفَةً، ثُمَّ عَلَقَةً، ثُمَّ مُضْغَةً
٢٣ ‏/ ٢٩٧
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، ⦗٢٩٨⦘ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ﴿وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا﴾ [نوح: ١٤] قَالَ: مِنْ تُرَابٍ، ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ، ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ، ثُمَّ مَا ذَكَرَ حَتَّى يُتِمَّ خَلْقَهُ
٢٣ ‏/ ٢٩٧
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا﴾ [نوح: ١٤] طَوْرًا نُطْفَةً، وَطَوْرًا عَلَقَةً، وَطَوْرًا عِظَامًا، ثُمَّ كَسَا الْعِظَامَ لَحْمًا، ثُمَّ أَنْشَأَهُ خَلْقًا آخَرَ، أَنْبَتَ بِهِ الشَّعْرَ، فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ
٢٣ ‏/ ٢٩٨
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا﴾ [نوح: ١٤] قَالَ: نُطْفَةً، ثُمَّ عَلَقَةً، ثُمَّ خَلْقًا طَوْرًا بَعْدَ طَوْرٍ
٢٣ ‏/ ٢٩٨
حُدِّثْتُ، عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: ثنا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمَعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا﴾ [نوح: ١٤] يَقُولُ: مِنْ نُطْفَةٍ، ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ، ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ
٢٣ ‏/ ٢٩٨
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا﴾ [نوح: ١٤] قَالَ: طَوْرًا النُّطْفَةُ، ثُمَّ طَوْرًا أَمْشَاجًا حِينَ يَمْشِجُ النُّطْفَةَ الدَّمُ، ثُمَّ يَغْلِبُ الدَّمُ عَلَى النُّطْفَةِ، فَتَكُونُ عَلَقَةً، ثُمَّ تَكُونُ مُضْغَةً، ثُمَّ تَكُونُ عِظَامًا، ثُمَّ تُكْسَى الْعِظَامُ لَحْمًا
٢٣ ‏/ ٢٩٨
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَقَدْ ⦗٢٩٩⦘ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا﴾ [نوح: ١٤] قَالَ: نُطْفَةً، ثُمَّ عَلَقَةً، شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ
٢٣ ‏/ ٢٩٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا وَاللَّهُ أَنبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُخْبِرًا عَنْ قِيلِ نُوحٍ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ، لِقَوْمِهِ الْمُشْرِكِينَ بِرَبِّهِمْ، مُحْتَجًّا عَلَيْهِمْ بِحُجَجِ اللَّهِ فِي وَحْدَانِيَّتِهِ: أَلَمْ تَرَوْا أَيُّهَا الْقَوْمُ فَتَعْتَبِرُوا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ؛ وَالطِّبَاقُ: مَصْدَرٌ مِنْ قَوْلِهِمْ: طَابَقْتُ مُطَابَقَةً وطِبَاقًا. وَإِنَّمَا عُنِيَ بِذَلِكَ: كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ، سَمَاءً فَوْقَ سَمَاءٍ مُطَابَقَةً.
٢٣ ‏/ ٢٩٩
وَقَوْلُهُ: ﴿وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا﴾ [نوح: ١٦] يَقُولُ: وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِي السَّمَوَاتِ السَّبْعِ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ فِيهِنَّ سِرَاجًا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
٢٣ ‏/ ٢٩٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا﴾ ذُكِرَ لَنَا أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ كَانَ يَقُولُ: إِنَّ ضَوْءَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ نُورُهُمَا فِي السَّمَاءِ، اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: ﴿أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا﴾ إِلَى آخِرِ الْآيَةِ
٢٣ ‏/ ٢٩٩
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وُجُوهُهُمَا قِبَلَ السَّمَوَاتِ، وَأَقْفِيَتُهُمَا قِبَلَ الْأَرْضِ، وَأَنَا أَقْرَأُ بِذَلِكَ آيَةً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ: ﴿وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا﴾ [نوح: ١٦]
٢٣ ‏/ ٣٠٠
حُدِّثْتُ، عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: ثنا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمَعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا﴾ [نوح: ١٦] يَقُولُ: خَلَقَ الْقَمَرَ يَوْمَ خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ يَقُولُ: إِنَّمَا قِيلَ ﴿وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا﴾ [نوح: ١٦] عَلَى الْمَجَازِ، كَمَا يُقَالُ: أَتَيْتُ بَنِي تَمِيمٍ، وَإِنَّمَا أَتَى بَعْضَهُمْ. ﴿وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنْ الْأَرْضِ نَبَاتًا﴾ [نوح: ١٧] يَقُولُ: وَاللَّهُ أَنْشَأَكُمْ مِنْ تُرَابِ الْأَرْضِ، فَخَلَقَكُمْ مِنْهُ إِنْشَاءً. ﴿ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا﴾ [نوح: ١٨] يَقُولُ: ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا كُنْتُمْ تُرَابًا فَيُصَيِّرُكُمْ كَمَا كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَخْلُقَكُمْ. ﴿وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا﴾ [نوح: ١٨] يَقُولُ: وَيُخْرِجُكُمْ مِنْهَا إِذَا شَاءَ أَحْيَاءً كَمَا كُنْتُمْ بَشَرًا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهَا، فَيُصَيِّرُكُمْ تُرَابًا إِخْرَاجًا
٢٣ ‏/ ٣٠٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا﴾ [نوح: ٢٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُخْبِرًا عَنْ قِيلِ نُوحٍ لِقَوْمِهِ، مُذَكِّرُهُمْ نِعَمَ رَبِّهِ: ﴿وَاللَّهُ جَعَلَ ⦗٣٠١⦘ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا﴾ [نوح: ١٩] تَسْتَقِرُّونَ عَلَيْهَا وَتَمْتَهِدُونَهَا.
٢٣ ‏/ ٣٠٠
وَقَوْلُهُ: ﴿لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا﴾ [نوح: ٢٠] يَقُولُ: لِتَسْلُكُوا مِنْهَا طُرُقًا صِعَابًا مُتَفَرِّقَةً؛ وَالْفِجَاجُ: جَمْعُ فَجٍّ، وَهُوَ الطَّرِيقُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
٢٣ ‏/ ٣٠١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا﴾ [نوح: ٢٠] قَالَ: طُرُقًا وَأَعْلَامًا
٢٣ ‏/ ٣٠١
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: ﴿لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا﴾ [نوح: ٢٠] قَالَ طُرُقًا
٢٣ ‏/ ٣٠١
حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا﴾ [نوح: ٢٠] يَقُولُ طُرُقًا مُخْتَلِفَةً
٢٣ ‏/ ٣٠١
وَقَوْلُهُ: ﴿قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي﴾ [نوح: ٢١] فَخَالَفُوا أَمْرِي، وَرَدُّوا عَلَيَّ مَا دَعْوَتُهُمْ إِلَيْهِ مِنَ الْهُدَى وَالرَّشَادِ. ﴿وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا﴾ [نوح: ٢١] يَقُولُ: وَاتَّبَعُوا فِي مَعْصِيَتِهِمْ إِيَّايَ مَنْ دَعَاهُمْ إِلَى ذَلِكَ، مِمَّنْ كَثُرَ مَالُهُ وَوَلَدُهُ، فَلَمْ تَزِدْهُ كَثْرَةُ مَالِهِ وَوَلَدِهِ إِلَّا خَسَارًا، بُعْدًا مِنَ اللَّهِ، وَذَهَابًا عَنْ مَحَجَّةِ الطَّرِيقِ. وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿وَوَلَدُهُ﴾ [نوح: ٢١] فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ
٢٣ ‏/ ٣٠١
: ﴿وَوَلَدُهُ﴾ [نوح: ٢١] بِفَتْحِ الْوَاوِ وَاللَّامِ، وَكَذَلِكَ قَرَءُوا ذَلِكَ فِي جَمِيعِ الْقُرْآنِ. وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ بِضَمِّ الْوَاوِ وَسُكُونِ اللَّامِ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا كَانَ مِنْ ذِكْرِ الْوَلَدِ مِنْ سُورَةِ مَرْيَمَ إِلَى آخِرِ الْقُرْآنِ. وَقَرَأَ أَبُو عَمْرٍو كُلَّ مَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ ذَلِكَ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَاللَّامِ فِي غَيْرِ هَذَا الْحَرْفِ الْوَاحِدِ فِي سُورَةِ نُوحٍ، فَإِنَّهُ كَانَ يَضُمُّ الْوَاوَ مِنْهُ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ عِنْدَنَا فِي ذَلِكَ، إِنَّ كُلَّ هَذِهِ الْقِرَاءَاتِ قِرَاءَاتٌ مَعْرُوفَاتٌ، مُتَقَارِبَاتُ الْمَعَانِي، فَبِأَيِّ ذَلِكَ قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ.
٢٣ ‏/ ٣٠٢
وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا﴾ [نوح: ٢٢] يَقُولُ: وَمَكَرُوا مَكْرًا عَظِيمًا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
٢٣ ‏/ ٣٠٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى: وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿كُبَّارًا﴾ [نوح: ٢٢] قَالَ: عَظِيمًا
٢٣ ‏/ ٣٠٢
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا﴾ [نوح: ٢٢] كَثِيرًا، كَهَيْئَةِ قَوْلِهِ: ﴿لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا﴾ [النبأ: ٣٥] وَلَا كِذَّابًا وَالْكُبَّارُ: هُوَ الْكَبِيرُ، كَمَا قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، تَقُولُ الْعَرَبُ: أَمْرٌ عَجِيبٌ وَعُجَابٌ ⦗٣٠٣⦘ بِالتَّخْفِيفِ، وَعُجَّابٌ بِالتَّشْدِيدِ؛ وَرَجُلٌ حُسَانٌ وَحَسَّانٌ، وَجُمَالٌ وَجُمَّالٌ بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ، وَكَذَلِكَ كَبِيرٌ وَكُبَّارٌ بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ
٢٣ ‏/ ٣٠٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا﴾ [نوح: ٢٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُخْبِرًا عَنْ إِخْبَارِ نُوحٍ، عَنْ قَوْمِهِ: ﴿وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا﴾ [نوح: ٢٣] كَانَ هَؤُلَاءِ نَفَرًا مِنْ بَنِي آدَمَ فِيمَا ذُكِرَ عَنْ آلِهَةِ الْقَوْمِ الَّتِي كَانُوا يَعْبُدُونَهَا.
٢٣ ‏/ ٣٠٣
وَكَانَ مِنْ خَبَرِهِمْ فِيمَا بَلَغَنَا مَا: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مُوسَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ، ﴿وَيَعُوقَ وَنَسْرًا﴾ [نوح: ٢٣] قَالَ: كَانُوا قَوْمًا صَالِحَيْنَ مِنْ بَنَى آدَمَ، وَكَانَ لَهُمْ أَتْبَاعٌ يَقْتَدُونَ بِهِمْ، فَلَمَّا مَاتُوا قَالَ أَصْحَابُهُمُ الَّذِينَ كَانُوا يَقْتَدُونَ بِهِمْ: لَوْ صَوَّرْنَاهُمْ كَانَ أَشْوَقَ لَنَا إِلَى الْعِبَادَةِ إِذَا ذَكَرْنَاهُمْ، فَصَوَّرُوهُمْ، فَلَمَّا مَاتُوا، وَجَاءَ آخَرُونَ دَبَّ إِلَيْهِمْ إِبْلِيسُ، فَقَالَ: إِنَّمَا كَانُوا يَعْبُدُونَهُمْ، وَبِهِمْ يُسْقَوْنَ الْمَطَرَ فَعَبَدُوهُمْ
٢٣ ‏/ ٣٠٣
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: كَانَ بَيْنَ آدَمَ وَنُوحٍ عَشْرَةُ قُرُونٍ، كُلُّهُمْ عَلَى الْإِسْلَامِ وَقَالَ آخَرُونَ: هَذِهِ أَسْمَاءُ أَصْنَامِ قَوْمِ نُوحٍ
٢٣ ‏/ ٣٠٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا﴾ [نوح: ٢٣] قَالَ: كَانَ وَدٌّ لِهَذَا الْحَيِّ مِنْ كَلْبٍ بِدَوْمَةِ الْجَنْدَلِ، وَكَانَتْ سُوَاعٌ لِهُذَيْلٍ بِرِيَاطٍ، وَكَانَ يَغُوثُ لِبَنِي غُطَيْفٍ مِنْ مُرَادٍ بِالْجُرُفِ مِنْ سَبَأٍ، وَكَانَ يَعُوقُ لِهَمْدَانَ بِبَلْخٍ، وَكَانَ نَسْرٌ لِذِي كَلَاعٍ مِنْ حِمْيَرٍ؛ قَالَ: وَكَانَتْ هَذِهِ الْآلِهَةُ يَعْبُدُهَا قَوْمُ نُوحٍ، ثُمَّ اتَّخَذَهَا الْعَرَبُ بَعْدَ ذَلِكَ. وَاللَّهِ مَا عَدَا خَشَبَةً أَوْ طِينَةً أَوْ حَجَرًا
٢٣ ‏/ ٣٠٤
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا﴾ [نوح: ٢٣] قَالَ: كَانَتْ آلِهَةً يَعْبُدُهَا قَوْمُ نُوحٍ، ثُمَّ عَبَدَتْهَا الْعَرَبُ بَعْدَ ذَلِكَ، قَالَ: فَكَانَ وَدٌّ لِكَلْبٍ بِدَوْمَةِ الْجَنْدَلِ، وَكَانَ سُوَاعٌ لِهُذَيْلٍ، وَكَانَ يَغُوثُ لِبَنِي غُطَيْفٍ مِنْ مُرَادٍ بِالْجُرُفِ، وَكَانَ يَعُوقُ لِهَمْدَانَ، وَكَانَ نَسْرٌ لِذِي الْكَلَاعِ مِنْ حِمْيَرٍ
٢٣ ‏/ ٣٠٤
حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا﴾ [نوح: ٢٣] قَالَ: هَذِهِ أَصْنَامٌ كَانَتْ تُعْبَدُ فِي زَمَانِ نُوحٍ
٢٣ ‏/ ٣٠٤
حُدِّثْتُ، عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: ثنا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمَعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا﴾ [نوح: ٢٣] قَالَ: هَذِهِ أَصْنَامٌ، وَكَانَتْ تُعْبَدُ فِي زَمَانِ نُوحٍ
٢٣ ‏/ ٣٠٥
حُدِّثْتُ، عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: ثنا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمَعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا﴾ [نوح: ٢٣] هِيَ آلِهَةٌ كَانَتْ تَكُونُ بِالْيَمَنِ
٢٣ ‏/ ٣٠٥
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا﴾ [نوح: ٢٣] قَالَ: هَذِهِ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَعْبُدُونَ وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿وَدًّا﴾ [مريم: ٩٦] فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ: وُدًّا بِضَمِّ الْوَاوِ. وَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ: ﴿وَدًّا﴾ [مريم: ٩٦] بِفَتْحِ الْوَاوِ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ فِي قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ
٢٣ ‏/ ٣٠٥
وَقَوْلُهُ: ﴿وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا﴾ [نوح: ٢٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُخْبِرًا عَنْ قِيلِ نُوحٍ: وَقَدْ ضَلَّ بِعِبَادَةِ هَذِهِ الْأَصْنَامِ الَّتِي أُحْدِثَتْ عَلَى صُوَرِ هَؤُلَاءِ النَّفَرِ الْمُسَمَّيْنَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ فَنُسِبَ الضُّلَّالُ إِذْ ضَلَّ بِهَا عَابِدُوهَا إِلَى أَنَّهَا الْمُضِلَّةُ.
٢٣ ‏/ ٣٠٥
وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَا تَزِدْ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا﴾ [نوح: ٢٤] يَقُولُ: وَلَا تَزِدْ الظَّالِمِينَ أَنْفُسَهُمْ بِكُفْرِهِمْ بِآيَاتِنَا إِلَّا ضَلَالًا، إِلَّا طَبْعًا عَلَى قَلْبِهِ، حَتَّى لَا يَهْتَدِي لِلْحَقِّ.
٢٣ ‏/ ٣٠٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا﴾ [نوح: ٢٦] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ﴾ [نوح: ٢٥] مِنْ خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا وَالْعَرَبُ تَجْعَلُ مَا صِلَةً فِيمَا نَوَى بِهِ مَذْهَبَ الْجَزَاءِ، كَمَا يُقَالَ: أَيْنَمَا تَكُنْ أَكُنْ، وَحَيْثُمَا تَجْلِسْ أَجْلِسِ، وَمَعْنَى الْكَلَامِ: مِنْ خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا.
٢٣ ‏/ ٣٠٦
وَكَانَ ابْنُ زَيْدٍ يَقُولُ فِي ذَلِكَ مَا: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ﴾ [نوح: ٢٥] قَالَ: فَبِخَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا، وَكَانَتِ الْبَاءُ هَاهُنَا فَصْلًا فِي كَلَامِ الْعَرَبِ
٢٣ ‏/ ٣٠٦
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، قَوْلُهُ: ﴿مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا﴾ [نوح: ٢٥] قَالَ: بِخَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ﴾ [نوح: ٢٥] فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ غَيْرَ أَبِي عَمْرٍو ﴿مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ﴾ [نوح: ٢٥] بِالْهَمْزِ وَالتَّاءِ، وَقَرَأَ ذَلِكَ أَبُو عَمْرٍو: (مِمَّا خَطَايَاهُمْ) بِالْأَلِفِ بِغَيْرِ هَمْزٍ. وَالْقَوْلُ عِنْدَنَا أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَهُوَ مُصِيبٌ
٢٣ ‏/ ٣٠٦
وَقَوْلُهُ: ﴿فَأُدْخِلُوا نَارًا﴾ [نوح: ٢٥] جَهَنَّمُ فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا ⦗٣٠٧⦘ تَقْتَصُّ لَهُمْ مِمَّنْ فَعَلَ ذَلِكَ بِهِمْ، وَلَا تَحُولُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا فُعِلَ بِهِمْ.
٢٣ ‏/ ٣٠٦
وَقَوْلُهُ: ﴿وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا﴾ [نوح: ٢٦] وَيَعْنِي بِالدَّيَّارِ مَنْ يَدُورُ فِي الْأَرْضِ، فَيَذْهَبُ وَيَجِيءُ فِيهَا وَهُوَ فَيْعَالٌ مِنَ الدَّوَرَانِ دَيْوَارًا، اجْتَمَعَتِ الْيَاءُ وَالْوَاوُ، فَسَبَقَتِ الْيَاءُ الْوَاوَ وَهِيَ سَاكِنَةٌ، وَأُدْغِمَتِ الْوَاوُ فِيهَا، وَصُيِّرَتَا يَاءً مُشَدَّدَةً، كَمَا قِيلَ: الْحَيُّ الْقِيَامُ مِنْ قُمْتٍ، وَإِنَّمَا هُوَ قَيْوَامٌ: وَالْعَرَبُ تَقُولُ: مَا بِهَا دَيَّارٌ وَلَا عَرِيبٌ، وَلَا دَوِيٌّ وَلَا صَافِرٌ، وَلَا نَافِخُ ضَرْمَةٍ، يَعْنِي بِذَلِكَ كُلِّهِ: مَا بِهَا أَحَدٌ.
٢٣ ‏/ ٣٠٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّكَ إِنْ تَذَرَهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا﴾ [نوح: ٢٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُخْبِرًا عَنْ قِيلِ نُوحٍ فِي دُعَائِهِ إِيَّاهُ عَلَى قَوْمِهِ: إِنَّكَ يَا رَبِّ إِنْ تَذَرِ الْكَافِرِينَ أَحْيَاءً عَلَى الْأَرْضِ، وَلَمْ تُهْلِكْهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِكِ يُضِلُّوا عِبَادَكَ الَّذِينَ قَدْ آمَنُوا بِكَ، فَيَصُدُّوهُمْ عَنْ سَبِيلِكَ، وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا فِي دِينِكِ كَفَّارًا لِنِعْمَتِكَ. وَذُكِرَ أَنَّ قِيلَ نُوحٌ هَذَا الْقَوْلَ وَدُعَاءَهُ هَذَا الدُّعَاءَ، كَانَ بَعْدَ أَنْ أَوْحَى إِلَيْهِ رَبُّهُ: ﴿أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمَكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ﴾ [هود: ٣٦] .
٢٣ ‏/ ٣٠٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا﴾ [نوح: ٢٦] أَمَا وَاللَّهِ مَا دَعَا عَلَيْهِمْ حَتَّى أَتَاهُ الْوَحْيُ مِنَ السَّمَاءِ أَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ، فَعِنْدَ ذَلِكَ دَعَا عَلَيْهِمْ نَبِيُّ اللَّهِ نُوحٍ فَقَالَ: ﴿رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا﴾ [نوح: ٢٧] ثُمَّ دَعَاهُ دَعْوَةً عَامَّةً فَقَالَ: ﴿رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ﴾ [نوح: ٢٨] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿تَبَارًا﴾ [نوح: ٢٨] . حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، قَالَ: تَلَا قَتَادَةُ ﴿لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا﴾ [نوح: ٢٦] ثُمَّ ذَكَرَهُ نَحْوَهُ
٢٣ ‏/ ٣٠٨
وَقَوْلُهُ: ﴿رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ﴾ [نوح: ٢٨] يَقُولُ: رَبِّ اعْفُ عَنِّي، وَاسْتُرْ عَلَيَّ ذُنُوبِي وَعَلَى وَالِدَيَّ. ﴿وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتَيَ مُؤْمِنًا﴾ [نوح: ٢٨] يَقُولُ: وَلِمَنْ دَخَلَ مَسْجِدِي وَمُصَلَّايَ مُصَلِّيًا مُؤْمِنًا، يَقُولُ: مُصَدِّقًا بِوَاجِبِ فَرْضِكَ عَلَيْهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
٢٣ ‏/ ٣٠٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ آدَمَ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي سِنَانٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، ﴿وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِي مُؤْمِنًا﴾ [نوح: ٢٨] قَالَ: مَسْجِدِي. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي سِنَانٍ سَعِيدٍ، عَنِ ⦗٣٠٩⦘ الضَّحَّاكِ مِثْلَهُ
٢٣ ‏/ ٣٠٨
وَقَوْلُهُ: ﴿وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ﴾ [محمد: ١٩] يَقُولُ: وَلِلْمُصَدِّقِينَ بِتَوْحِيدِكَ وَالْمُصَدِّقَاتِ.
٢٣ ‏/ ٣٠٩
وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا﴾ [نوح: ٢٨] يَقُولُ: وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ أَنْفُسَهُمْ بِكُفْرِهِمْ إِلَّا خَسَارًا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
٢٣ ‏/ ٣٠٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿إِلَّا تَبَارًا﴾ [نوح: ٢٨] قَالَ: خَسَارًا وَقَدْ بَيَّنْتُ مَعْنَى قَوْلِ الْقَائِلِ: تَبَّرْتُ، فِيمَا مَضَى بِشَوَاهِدِهِ، وَذَكَرْتُ أَقْوَالَ أَهْلِ التَّأْوِيلِ فِيهِ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ
٢٣ ‏/ ٣٠٩
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، قَالَ: قَالَ مَعْمَرٌ: ثنا الْأَعْمَشُ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: كَانُوا يَضْرِبُونَ نُوحًا حَتَّى يُغْشَى عَلَيْهِ، فَإِذَا أَفَاقَ قَالَ: رَبِّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ
٢٣ ‏/ ٣٠٩

عن معز نوني

متحصّل على شهادة ختم الدروس للمعهد الأعلى لتكوين المعلمين بقفصة دفعة 2000، يعمل حاليًّا أستاذ مدارس إبتدائية

شاهد أيضاً

سُورَةُ الْفَاتِحَةِ

مَكِّيَّةٌ وَآيَاتُهَا سَبْعٌ ١ ‏/ ١١١ ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ [الفاتحة: ١] الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ …