ذِكْرُ مَنْ قَالَ: الَّذِي نَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا الْمَلَكُ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْمُؤْمِنِ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، قَرَأَ: ﴿فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا﴾ [مريم: ٢٤] يَعْنِي: جَبْرَائِيلَ
١٥ / ٥٠١
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْثَرٌ، قَالَ: ثنا حُصَيْنٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ الْأَوْدِيِّ، قَالَ: الَّذِي نَادَاهَا الْمَلَكُ
١٥ / ٥٠١
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، أَنَّهُ قَرَأَ: فَخَاطَبَهَا مِنْ تَحْتِهَا
١٥ / ٥٠١
حَدَّثَنَا أَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ، قَالَ: ثنا يَحْيَى، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، أَنَّهُ قَرَأَ: فَخَاطَبَهَا مِنْ تَحْتِهَا حَدَّثَنَا الرِّفَاعِيُّ، قَالَ: ثنا وَكِيعٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ ⦗٥٠٢⦘ عَلْقَمَةَ، أَنَّهُ قَرَأَهَا كَذَلِكَ
١٥ / ٥٠١
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا أَبُو عَامِرٍ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، ﴿فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا﴾ [مريم: ٢٤] قَالَ: جَبْرَائِيلُ حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، مِثْلَهُ
١٥ / ٥٠٢
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا﴾ [مريم: ٢٤] أَيْ مِنْ تَحْتِ النَّخْلَةِ
١٥ / ٥٠٢
حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، ﴿فَنَادَاهَا﴾ [مريم: ٢٤] جَبْرَائِيلُ ﴿مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي﴾ [مريم: ٢٤]
١٥ / ٥٠٢
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ ﴿فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا﴾ [مريم: ٢٤] قَالَ: الْمَلِكُ
١٥ / ٥٠٢
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ ﴿فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا﴾ [مريم: ٢٤] يَعْنِي: جَبْرَائِيلَ كَانَ أَسْفَلَ مِنْهَا
١٥ / ٥٠٢
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ ثني ⦗٥٠٣⦘ أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﴿فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا﴾ [مريم: ٢٤] قَالَ: نَادَاهَا جَبْرَائِيلُ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ عِيسَى حَتَّى أَتَتْ قَوْمَهَا
١٥ / ٥٠٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ: نَادَاهَا عِيسَى ﷺ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا﴾ [مريم: ٢٤] قَالَ: عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا أَبُو عَامِرٍ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٥ / ٥٠٣
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، ﴿فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا﴾ [مريم: ٢٤] ابْنُهَا
١٥ / ٥٠٣
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: قَالَ الْحَسَنُ: هُوَ ابْنُهَا
١٥ / ٥٠٤
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَمَّنْ لَا يُتَّهَمُ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، ﴿فَنَادَاهَا﴾ [مريم: ٢٤] عِيسَى ﴿مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي﴾ [مريم: ٢٤]
١٥ / ٥٠٤
حَدَّثَنِي أَبُو حُمَيْدٍ أَحْمَدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ الْحِمْصِيُّ، قَالَ: ثنا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُهَاجِرٍ، عَنْ ثَابِتِ بْنِ عَجْلَانَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَوْلُهُ ﴿فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا﴾ [مريم: ٢٤] قَالَ عِيسَى: أَمَا تَسْمَعُ اللَّهَ يَقُولُ: ﴿فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ﴾ [مريم: ٢٩]
١٥ / ٥٠٤
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ ﴿فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا﴾ [مريم: ٢٤] قَالَ: عِيسَى نَادَاهَا: ﴿أَنْ لَا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا﴾
١٥ / ٥٠٤
حُدِّثْتُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ الرِّيَاحِيِّ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: الَّذِي خَاطَبَهَا هُوَ الَّذِي حَمَلَتْهُ فِي جَوْفِهَا وَدَخَلَ مَنْ فِيهَا قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا قَوْلُ مَنْ قَالَ: الَّذِي نَادَاهَا ابْنُهَا
١٥ / ٥٠٤
عِيسَى، وَذَلِكَ أَنَّهُ مِنْ كِنَايَةِ ذِكْرِهِ أَقْرَبُ مِنْهُ مِنْ ذِكْرِ جَبْرَائِيلَ، فَرَدَّهُ عَلَى الَّذِي هُوَ أَقْرَبُ إِلَيْهِ أَوْلَى مِنْ رَدِّهِ عَلَى الَّذِي هُوَ أَبْعَدُ مِنْهُ، أَلَا تَرَى فِي سِيَاقِ قَوْلِهِ ﴿فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا﴾ [مريم: ٢٢] يَعْنِي بِهِ: فَحَمَلَتْ عِيسَى فَانْتَبَذَتْ بِهِ، ثُمَّ قِيلَ: فَنَادَاهَا نَسَقًا عَلَى ذَلِكَ مِنْ ذِكْرِ عِيسَى وَالْخَبَرِ عَنْهُ، وَلِعِلَّةٍ أُخْرَى، وَهِيَ قَوْلُهُ: ﴿فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ﴾ [مريم: ٢٩] وَلَمْ تُشِرْ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ إِلَّا وَقَدْ عَلِمَتْ أَنَّهُ نَاطِقٌ فِي حَالِهِ تِلْكَ، وَلِلَّذِي كَانَتْ قَدْ عَرَفَتْ وَوَثَقَتْ بِهِ مِنْهُ بِمُخَاطَبَتِهِ إِيَّاهَا بِقَوْلِهِ لَهَا: ﴿أَنْ لَا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا﴾ وَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لَهَا أَشِيرِي لِلْقَوْمِ إِلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ قَوْلًا مِنْ جَبْرَائِيلَ، لَكَانَ خَلِيقًا أَنْ يَكُونَ فِي ظَاهِرِ الْخَبَرِ، مُبَيَّنًا أَنَّ عِيسَى سَيَنْطِقُ وَيَحْتَجُّ عَنْهَا لِلْقَوْمِ، وَأَمْرٌ مِنْهُ لَهَا بِأَنْ تُشِيرَ إِلَيْهِ لِلْقَوْمِ إِذَا سَأَلُوهَا عَنْ حَالِهَا وَحَالِهِ. فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ هُوَ الصَّوَابُ مِنَ التَّأْوِيلِ الَّذِي بَيَّنَّا، فَبَيِّنٌ أَنَّ كِلْتَا الْقِرَاءَتَيْنِ أَعِنِّي ﴿مِنْ تَحْتِهَا﴾ [البقرة: ٢٥] بِالْكَسْرِ، «وَمِنْ تَحْتَهَا» بِالْفَتْحِ صَوَابٌ. وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا قُرِئَ بِالْكَسْرِ كَانَ فِي قَوْلِهِ ﴿فَنَادَاهَا﴾ [مريم: ٢٤] ذِكْرٌ مِنْ عِيسَى: وَإِذَا قُرِئَ (مَنْ تَحْتَهَا) بِالْفَتْحِ كَانَ الْفِعْلُ لِمَنْ وَهُوَ عِيسَى. فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ إِذَنْ: فَنَادَاهَا الْمَوْلُودُ مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي يَا أُمَّهْ ﴿قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا﴾ [مريم: ٢٤] كَمَا:
١٥ / ٥٠٥
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ ﴿فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي﴾ [مريم: ٢٤] قَالَتْ: وَكَيْفَ لَا أَحْزَنُ وَأَنْتَ مَعِي، لَا ذَاتُ زَوْجٍ فَأَقُولُ مِنْ زَوْجٍ، وَلَا مَمْلُوكَةٌ فَأَقُولُ مِنْ سَيِّدِي، أَيُّ شَيْءٍ عُذْرِي عِنْدَ النَّاسِ ﴿يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا﴾ [مريم: ٢٣] فَقَالَ لَهَا عِيسَى: أَنَا ⦗٥٠٦⦘ أَكْفِيكِ الْكَلَامَ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمَعْنِي بِالسَّرِيِّ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عُنِيَ بِهِ: النَّهَرُ الصَّغِيرُ
١٥ / ٥٠٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، ﴿قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا﴾ [مريم: ٢٤] قَالَ: الْجَدْوَلُ
١٥ / ٥٠٦
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ يَقُولُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ﴿قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا﴾ [مريم: ٢٤] قَالَ: الْجَدْوَلُ
١٥ / ٥٠٦
حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ ﴿قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا﴾ [مريم: ٢٤] وَهُوَ نَهْرُ عِيسَى
١٥ / ٥٠٦
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ ﴿قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا﴾ [مريم: ٢٤] قَالَ: السَّرِيُّ: النَّهْرُ ⦗٥٠٧⦘ الَّذِي كَانَ تَحْتَ مَرْيَمَ حِينَ وَلَدَتْهُ كَانَ يَجْرِي يُسَمَّى سَرِيًّا
١٥ / ٥٠٦
حَدَّثَنِي أَبُو حُصَيْنٍ، قَالَ: ثنا عَبْثَرٌ، قَالَ: ثنا حُصَيْنٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ الْأَوْدِيِّ، قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا﴾ [مريم: ٢٤] قَالَ: السَّرِيُّ: نَهْرٌ يُشْرَبُ مِنْهُ
١٥ / ٥٠٧
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالَا: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حُصَيْنٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا﴾ [مريم: ٢٤] قَالَ: هُوَ الْجَدْوَلُ
١٥ / ٥٠٧
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ﴿سَرِيًّا﴾ [مريم: ٢٤] قَالَ: نَهْرٌ بِالسُّرْيَانِيَّةِ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٥ / ٥٠٧
قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: نَهْرٌ إِلَى جَنْبِهَا
١٥ / ٥٠٧
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ ﴿قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا﴾ [مريم: ٢٤] قَالَ: كَانَ سَرِيًّا فَقَالَ حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: إِنَّ السَّرِيَّ: الْجَدْوَلُ، فَقَالَ: غَلَبَتْنَا عَلَيْكَ الْأُمَرَاءُ
١٥ / ٥٠٧
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ أَبِي ⦗٥٠٨⦘ حُصَيْنٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، ﴿قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا﴾ [مريم: ٢٤] قَالَ: هُوَ الْجَدْوَلُ، النَّهْرُ الصَّغِيرُ، وَهُوَ بِالنَّبَطِيَّةِ: السَّرِيُّ
١٥ / ٥٠٧
حَدَّثَنِي أَبُو حُمَيْدٍ الْحِمْصِيُّ، قَالَ: ثنا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُهَاجِرٍ، عَنْ ثَابِتِ بْنِ عَجْلَانَ قَالَ: سَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ، عَنِ السَّرِيِّ، قَالَ: نَهْرٌ
١٥ / ٥٠٨
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: النَّهْرُ الصَّغِيرُ
١٥ / ٥٠٨
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُغِيرَةُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، أَنَّهُ قَالَ: هُوَ النَّهْرُ الصَّغِيرُ: يَعْنِي الْجَدْوَلَ، يَعْنِي قَوْلَهُ ﴿قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا﴾ [مريم: ٢٤]
١٥ / ٥٠٨
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ نُبَيْطٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، قَالَ: جَدْوَلٌ صَغِيرٌ بِالسُّرْيَانِيَّةِ
١٥ / ٥٠٨
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ ﴿تَحْتَكِ سَرِيًّا﴾ [مريم: ٢٤] الْجَدْوَلُ الصَّغِيرُ مِنَ الْأَنْهَارِ
١٥ / ٥٠٨
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا﴾ [مريم: ٢٤] وَالسَّرِيُّ: هُوَ الْجَدْوَلُ، تُسَمِّيهِ أَهْلُ الْحِجَازِ
١٥ / ٥٠٩
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، فِي قَوْلِهِ ﴿سَرِيًّا﴾ [مريم: ٢٤] قَالَ: هُوَ جَدْوَلٌ
١٥ / ٥٠٩
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَمَّنْ لَا يُتَّهَمُ وَعَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، ﴿قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا﴾ [مريم: ٢٤] يَعْنِي رَبِيعَ الْمَاءِ
١٥ / ٥٠٩
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، ﴿قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا﴾ [مريم: ٢٤] وَالسَّرِيُّ: هُوَ النَّهْرُ وَقَالَ آخَرُونَ: عَنَى بِهِ عِيسَى
١٥ / ٥٠٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، ﴿قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا﴾ [مريم: ٢٤] وَالسَّرِيُّ: عِيسَى نَفْسُهُ
١٥ / ٥٠٩
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ ﴿قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا﴾ [مريم: ٢٤] يَعْنِي نَفْسَهُ، قَالَ: وَأَيُّ شَيْءٍ أَسْرَى مِنْهُ، قَالَ: وَالَّذِينَ يَقُولُونَ: السَّرِيُّ: هُوَ النَّهْرُ لَيْسَ كَذَلِكَ النَّهْرُ، لَوْ كَانَ النَّهْرُ لَكَانَ إِنَّمَا يَكُونُ إِلَى جَنْبِهَا، وَلَا يَكُونُ النَّهْرُ تَحْتَهَا قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ قِيلُ مَنْ قَالَ: عَنَى بِهِ الْجَدْوَلَ، وَذَلِكَ أَنَّهُ أَعْلَمَهَا مَا قَدْ أَعْطَاهَا اللَّهُ مِنَ الْمَاءِ الَّذِي جَعَلَهُ عِنْدَهَا، وَقَالَ لَهَا ﴿وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا فَكُلِي﴾ [مريم: ٢٦] مِنْ هَذَا الرُّطَبِ ﴿وَاشْرَبِي﴾ [مريم: ٢٦] مِنْ هَذَا الْمَاءِ ﴿وَقَرِّي عَيْنًا﴾ [مريم: ٢٦] بِوَلَدِكِ، وَالسَّرِيُّ مَعْرُوفٌ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ أَنَّهُ النَّهْرُ الصَّغِيرُ، وَمِنْهُ قَوْلُ لَبِيدٍ:
[البحر الكامل] فَتَوَسَّطَا عُرْضَ السَّرِيِّ وَصَدَّعَا … مَسْجُورَةً مُتَجَاوِرًا قُلَّامُهَا
وَيُرْوَى: مِثْلَمَا مَسْجُورَةً، وَيُرْوَى أَيْضًا: فَغَادَرَا
[البحر الكامل] فَتَوَسَّطَا عُرْضَ السَّرِيِّ وَصَدَّعَا … مَسْجُورَةً مُتَجَاوِرًا قُلَّامُهَا
وَيُرْوَى: مِثْلَمَا مَسْجُورَةً، وَيُرْوَى أَيْضًا: فَغَادَرَا
١٥ / ٥١٠
قَوْلُهُ: ﴿وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ﴾ [مريم: ٢٥] ذُكِرَ أَنَّ الْجِذْعَ كَانَ جِذْعًا يَابِسًا، وَأَمَرَهَا أَنْ تَهُزَّهُ، وَذَلِكَ فِي أَيَّامِ الشِّتَاءِ، وَهَزُّهَا إِيَّاهُ كَانَ تَحْرِيكُهُ، كَمَا:
١٥ / ٥١٠
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ ⦗٥١١⦘: ﴿وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ﴾ [مريم: ٢٥] قَالَ: حَرِّكِيهَا
١٥ / ٥١٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ﴿وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ﴾ [مريم: ٢٥] قَالَ: كَانَ جِذْعًا يَابِسًا، فَقَالَ لَهَا: هُزِّيهِ ﴿تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا﴾ [مريم: ٢٥]
١٥ / ٥١١
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْمُؤْمِنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا نَهِيكٍ، يَقُولُ: كَانَتْ نَخْلَةً يَابِسَةً
١٥ / ٥١١
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلِ بْنِ عَسْكَرٍ، قَالَ: ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ، قَالَ: ثني عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ مَعْقِلٍ، قَالَ: سَمِعْتُ وَهْبَ بْنَ مُنَبِّهٍ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ﴾ [مريم: ٢٥] فَكَانَ الرُّطَبُ يَتَسَاقَطُ عَلَيْهَا وَذَلِكَ فِي الشِّتَاءِ
١٥ / ٥١١
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، ﴿وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ﴾ [مريم: ٢٥] وَكَانَ جِذْعًا مِنْهَا مَقْطُوعًا فَهَزَّتْهُ، فَإِذَا هُوَ نَخْلَةٌ، وَأُجْرِيَ لَهَا فِي الْمِحْرَابِ نَهْرٌ، فَتَسَاقَطَتِ النَّخْلَةُ رُطَبًا جَنِيًّا فَقَالَ لَهَا: ﴿كُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا﴾ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: وَهُزِّي إِلَيْكِ بِالنَّخْلَةِ
١٥ / ٥١١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، قَالَ: قَالَ مُجَاهِدٌ ﴿وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ﴾ [مريم: ٢٥] قَالَ: النَّخْلَةُ
١٥ / ٥١٢
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ عِيسَى بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ ﴿وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ﴾ [مريم: ٢٥] قَالَ: الْعَجْوَةُ
١٥ / ٥١٢
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حُصَيْنٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، أَنَّهُ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا﴾ [مريم: ٢٥] قَالَ: فَقَالَ عَمْرٌو: مَا مِنْ شَيْءٍ خَيْرٌ لِلنُّفَسَاءِ مِنَ التَّمْرِ وَالرُّطَبِ وَأُدْخِلَتِ الْبَاءُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ﴾ [مريم: ٢٥] كَمَا يُقَالُ: زَوَّجْتُكَ فُلَانَةَ، وَزَوَّجْتُكَ بِفُلَانَةَ، وَكَمَا قَالَ ﴿تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ﴾ [المؤمنون: ٢٠] بِمَعْنَى: تُنْبِتُ الدُّهْنَ. وَإِنَّمَا تَفْعَلُ الْعَرَبُ بِذَلِكَ، لِأَنَّ الْأَفْعَالَ يُكَنَّى عَنْهَا بِالْبَاءِ، فَيُقَالُ إِذَا كَنَّيْتَ عَنْ ضَرَبْتُ عَمْرًا: فَعَلْتُ بِهِ، وَكَذَلِكَ كُلُّ فِعْلٍ، فَلِذَلِكَ تَدْخُلُ الْبَاءُ فِي الْأَفْعَالِ وَتَخْرُجُ، فَيَكُونُ دُخُولُهَا وَخُرُوجُهَا بِمَعْنًى، فَمَعْنَى الْكَلَامِ: وَهُزِّي إِلَيْكِ جِذْعَ النَّخْلَةِ، وَقَدْ كَانَ لَوْ أَنَّ الْمُفَسِّرِينَ كَانُوا فَسَّرُوهُ كَذَلِكَ: وَهُزِّي إِلَيْكِ رُطَبًا بِجِذْعِ النَّخْلَةِ، بِمَعْنَى: عَلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ، وَجْهًا صَحِيحًا، وَلَكِنْ لَسْتُ أَحْفَظُ عَنْ أَحَدٍ أَنَّهُ فَسَّرَهُ كَذَلِكَ. وَمِنَ الشَّاهِدِ عَلَى دُخُولِ الْبَاءِ فِي مَوْضِعِ دُخُولِهَا
١٥ / ٥١٢
وَخُرُوجِهَا مِنْهُ سَوَاءٌ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
[البحر الطويل] بِوَادٍ يَمَانٍ يُنْبِتُ السِّدْرَ صَدْرُهُ … وَأَسْفَلُهُ بِالْمَرْخِ وَالشَّبَهَانِ
وَاخْتَلَفَ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿تُسَاقِطْ﴾ [مريم: ٢٥] فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ وَالْكُوفَةِ: (تَسَّاقَطْ) بِالتَّاءِ مِنْ تَسَّاقَطْ وَتَشْدِيدِ السِّينِ، بِمَعْنَى: تَتَسَاقَطُ عَلَيْكِ النَّخْلَةُ رُطَبًا جَنِيًّا، ثُمَّ تُدْغَمُ إِحْدَى التَّاءَيْنِ فِي الْأُخْرَى فَتُشَدَّدُ، وَكَأَنَّ الَّذِينَ قَرَءُوا ذَلِكَ كَذَلِكَ وَجَّهُوا مَعْنَى الْكَلَامِ إِلَى: وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تَسَّاقَطُ النَّخْلَةُ عَلَيْكِ رُطَبًا. وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ: (تُسَاقِطْ) بِالتَّاءِ وَتَخْفِيفِ السِّينِ، وَوُجِّهَ مَعْنَى الْكَلَامِ، إِلَى مِثْلِ مَا وَجَّهَ إِلَيْهِ مُشَدِّدُوهَا، غَيْرَ أَنَّهُمْ خَالَفُوهُمْ فِي الْقِرَاءَةِ
[البحر الطويل] بِوَادٍ يَمَانٍ يُنْبِتُ السِّدْرَ صَدْرُهُ … وَأَسْفَلُهُ بِالْمَرْخِ وَالشَّبَهَانِ
وَاخْتَلَفَ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿تُسَاقِطْ﴾ [مريم: ٢٥] فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ وَالْكُوفَةِ: (تَسَّاقَطْ) بِالتَّاءِ مِنْ تَسَّاقَطْ وَتَشْدِيدِ السِّينِ، بِمَعْنَى: تَتَسَاقَطُ عَلَيْكِ النَّخْلَةُ رُطَبًا جَنِيًّا، ثُمَّ تُدْغَمُ إِحْدَى التَّاءَيْنِ فِي الْأُخْرَى فَتُشَدَّدُ، وَكَأَنَّ الَّذِينَ قَرَءُوا ذَلِكَ كَذَلِكَ وَجَّهُوا مَعْنَى الْكَلَامِ إِلَى: وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تَسَّاقَطُ النَّخْلَةُ عَلَيْكِ رُطَبًا. وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ: (تُسَاقِطْ) بِالتَّاءِ وَتَخْفِيفِ السِّينِ، وَوُجِّهَ مَعْنَى الْكَلَامِ، إِلَى مِثْلِ مَا وَجَّهَ إِلَيْهِ مُشَدِّدُوهَا، غَيْرَ أَنَّهُمْ خَالَفُوهُمْ فِي الْقِرَاءَةِ
١٥ / ٥١٣
وَرُوِي عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ أَنَّهُ قَرَأَ ذَلِكَ: (يَسَّاقَطْ) بِالْيَاءِ. حَدَّثَنِي بِذَلِكَ، أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: ثنا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ، يَقْرَؤُهُ كَذَلِكَ، وَكَأَنَّهُ وَجَّهَ مَعْنَى الْكَلَامِ إِلَى: وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ يَتَسَاقَطُ الْجِذْعُ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا
١٥ / ٥١٣
وَرُوِي عَنْ أَبِي نَهِيكٍ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهُ: «تَسْقُطُ» بِضَمِّ التَّاءِ وَإِسْقَاطِ الْأَلِفِ حَدَّثَنَا بِذَلِكَ ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْمُؤْمِنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي نَهِيكٍ، يَقْرَؤُهُ كَذَلِكَ وَكَأَنَّهُ وَجَّهَ مَعْنَى الْكَلَامِ إِلَى: تَسْقُطُ النَّخْلَةُ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يُقَالَ: إِنَّ هَذِهِ الْقِرَاءَاتِ الثَّلَاثَ، أَعْنِي ﴿تُسَاقِطْ﴾ [مريم: ٢٥] بِالتَّاءِ وَتَشْدِيدِ السِّينِ، وَبِالتَّاءِ وَتَخْفِيفِ السِّينِ، وَبِالْيَاءِ وَتَشْدِيدِ السِّينِ، قِرَاءَاتٌ مُتَقَارِبَاتُ الْمَعَانِي، قَدْ قَرَأَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ قُرَّاءُ أَهْلِ مَعْرِفَةٍ بِالْقُرْآنِ، فَبِأَيِّ ذَلِكَ قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ الصَّوَابَ فِيهِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْجِذْعَ إِذَا تَسَاقَطَ رُطَبًا، وَهُوَ ثَابِتٌ غَيْرُ مَقْطُوعٍ، فَقَدْ تَسَاقَطَتِ النَّخْلَةُ رُطَبًا، وَإِذَا تَسَاقَطَتِ النَّخْلَةُ رُطَبًا، فَقَدْ تَسَاقَطَتِ النَّخْلَةُ بِأَجْمَعِهَا، جِذْعُهَا وَغَيْرُ جِذْعِهَا، وَذَلِكَ أَنَّ النَّخْلَةَ مَا دَامَتْ قَائِمَةً عَلَى أَصْلِهَا، فَإِنَّمَا هِيَ جِذْعٌ وَجَرِيدٌ وَسَعَفٌ، فَإِذَا قُطِعَتْ صَارَتْ جِذْعًا، فَالْجِذْعُ الَّذِي أُمِرَتْ مَرْيَمُ بِهَزِّهِ لَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ نَعْلَمُهُ أَنَّهُ كَانَ جِذْعًا مَقْطُوعًا غَيْرَ السُّدِّيِّ، وَقَدْ زَعَمَ أَنَّهُ عَادَ بِهَزِّهَا إِيَّاهُ نَخْلَةً، فَقَدْ صَارَ مَعْنَاهُ وَمَعْنَى مَنْ قَالَ: كَانَ الْمُتَسَاقِطُ عَلَيْهَا رُطَبًا نَخْلَةً وَاحِدًا، فَتَبَيَّنَ بِذَلِكَ صِحَّةُ مَا قُلْنَا
١٥ / ٥١٤
وَقَوْلُهُ: ﴿جَنِيًّا﴾ [مريم: ٢٥] يَعْنِي مَجْنِيًّا، وَإِنَّمَا كَانَ أَصْلُهُ مَفْعُولًا فَصُرِفَ إِلَى فَعِيلٍ، وَالْمَجْنِيُّ: الْمَأْخُوذُ طَرِيًّا، وَكُلُّ مَا أُخِذَ مِنْ ثَمَرِهِ، أَوْ نُقِلَ مِنْ مَوْضِعِهِ ⦗٥١٥⦘ بِطَرَاوَتِهِ فَقَدِ اجْتُنِيَ، وَلِذَلِكَ قِيلَ: فُلَانٌ يَجْتَنِي الْكَمْأَةَ، وَمِنْهُ قَوْلُ ابْنِ أُخْتِ جَذِيمَةَ:
[البحر الرجز] هَذَا جَنَايَ وَخِيَارُهُ فِيهِ … إِذْ كُلُّ جَانٍ يَدُهُ إِلَى فِيهِ
[البحر الرجز] هَذَا جَنَايَ وَخِيَارُهُ فِيهِ … إِذْ كُلُّ جَانٍ يَدُهُ إِلَى فِيهِ
١٥ / ٥١٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا﴾ [مريم: ٢٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَكُلِي مِنَ الرُّطَبِ الَّذِي يَتَسَاقَطُ عَلَيْكِ، وَاشْرَبِي مِنْ مَاءِ السَّرِيِّ الَّذِي جَعَلَهُ رَبُّكِ تَحْتَكِ، لَا تَخْشَيْ جُوعًا وَلَا عَطَشًا ﴿وَقُرِّي عَيْنًا﴾ [مريم: ٢٦] يَقُولُ: وَطِيبِي نَفْسًا وَافْرَحِي بِوِلَادَتِكِ إِيَّايَ وَلَا تَحْزَنِي. وَنُصِبَتِ الْعَيْنُ لِأَنَّهَا هِيَ الْمَوْصُوفَةُ بِالْقَرَارِ. وَإِنَّمَا مَعْنَى الْكَلَامِ: وَلْتَقْرُرْ عَيْنُكِ بِوَلَدِكِ، ثُمَّ حُوِّلَ الْفِعْلُ عَنِ الْعَيْنِ إِلَى الْمَرْأَةِ صَاحِبَةِ الْعَيْنِ، فَنُصِبَتِ الْعَيْنُ إِذْ كَانَ الْفِعْلُ لَهَا فِي الْأَصْلِ عَلَى التَّفْسِيرِ، نَظِيرُ مَا فُعِلَ بِقَوْلِهِ: ﴿فَإِنْ طَبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا﴾ [النساء: ٤] وَإِنَّمَا هُوَ: فَإِنْ طَابَتْ أَنْفُسُهُنَّ لَكُمْ. وَقَوْلُهُ: ﴿وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا﴾ [هود: ٧٧] وَمِنْهُ قَوْلُهُ: «يَسَّاقَطُ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا» إِنَّمَا هُوَ يَسَّاقَطُ عَلَيْكِ رُطَبُ الْجِذْعِ، فَحَوَّلَ الْفِعْلَ إِلَى الْجِذْعِ، فِي قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَهُ بِالْيَاءِ. وَفِي قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَهُ: ﴿تَسَّاقَطْ﴾ [مريم: ٢٥] بِالتَّاءِ، مَعْنَاهُ: يَسَّاقَطُ عَلَيْكِ رُطَبُ النَّخْلَةِ، ثُمَّ حُوِّلَ الْفِعْلُ إِلَى النَّخْلَةِ.
١٥ / ٥١٥
وَقَدِ اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿وَقَرِّي﴾ [مريم: ٢٦] . فَأَمَّا أَهْلُ الْمَدِينَةِ فَقَرَءُوهُ: ﴿وَقَرِّي﴾ [مريم: ٢٦] بِفَتْحِ الْقَافْ عَلَى لُغَةِ مَنْ قَالَ: قَرَرْتُ بِالْمَكَانِ أَقَرُّ بِهِ، وَقَرَرْتُ عَيْنًا، أَقَرُّ بِهِ قُرُورًا، وَهِيَ لُغَةُ قُرَيْشٍ فِيمَا ذُكِرَ لِي وَعَلَيْهَا الْقِرَاءَةُ. وَأَمَّا أَهْلُ نَجْدٍ فَإِنَّهَا تَقُولُ قَرَرْتُ بِهِ عَيْنًا أَقَرُّ بِهِ قَرَارًا وَقَرَرْتُ بِالْمَكَانِ أَقَرُّ بِهِ، فَالْقِرَاءَةُ عَلَى لُغَتِهِمْ: «وَقِرِّي عَيْنًا» بِكَسْرِ الْقَافْ، وَالْقِرَاءَةُ عِنْدَنَا عَلَى لُغَةِ قُرَيْشٍ بِفَتْحِ الْقَافْ
١٥ / ٥١٦
وَقَوْلُهُ: ﴿فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا﴾ [مريم: ٢٦] يَقُولُ: فَإِنْ رَأَيْتِ مِنَ بَنِي آدَمَ أَحَدًا يُكَلِّمُكَ أَوْ يَسْأَلُكِ عَنْ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِكِ وَأَمْرِ وَلَدِكِ وَسَبَبِ وِلَادَتِكِهِ ﴿فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا﴾ [مريم: ٢٦] يَقُولُ: فَقُولِي: إِنِّي أَوْجَبْتُ عَلَى نَفْسِي لِلَّهِ صَمْتًا أَلَّا أُكَلِّمَ أَحَدًا مِنْ بَنِي آدَمَ الْيَوْمَ ﴿فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًا﴾ [مريم: ٢٦] وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي مَعْنَى الصَّوْمِ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٥ / ٥١٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، يَقُولُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ﴿إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا﴾ [مريم: ٢٦] صَمْتًا
١٥ / ٥١٦
حَدَّثَنِي زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، قَالَ: ثنا حَجَّاجٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي الْمُغِيرَةُ بْنُ عُثْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ ﴿⦗٥١٧⦘ إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا﴾ [مريم: ٢٦] قَالَ: صَمْتًا
١٥ / ٥١٦
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ ﴿إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا﴾ [مريم: ٢٦] قَالَ: يَعْنِي بِالصَّوْمِ: الصَّمْتَ
١٥ / ٥١٧
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا، قَرَأَ: «إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا وَصَمْتًا»
١٥ / ٥١٧
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا﴾ [مريم: ٢٦] أَمَّا قَوْلُهُ: ﴿صَوْمًا﴾ [مريم: ٢٦] فَإِنَّهَا صَامَتْ مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَالْكَلَامِ
١٥ / ٥١٧
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا﴾ [مريم: ٢٦] قَالَ: كَانَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مَنْ إِذَا اجْتَهَدَ صَامَ مِنَ الْكَلَامِ كَمَا يَصُومُ مِنَ الطَّعَامِ، إِلَّا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ، فَقَالَ لَهَا ذَلِكَ، فَقَالَتْ: إِنِّي أَصُومُ مِنَ الْكَلَامِ كَمَا أَصُومُ مِنَ الطَّعَامِ، إِلَّا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ، فَلَمَّا كَلَّمُوهَا أَشَارَتْ إِلَيْهِ، فَقَالُوا: ﴿كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا﴾ [مريم: ٢٩] فَأَجَابَهُمْ فَقَالَ
١٥ / ٥١٧
: ﴿إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ﴾ [مريم: ٣٠] حَتَّى بَلَغَ ﴿ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ﴾ [مريم: ٣٤] وَاخْتَلَفُوا فِي السَّبَبُ الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ أَمَرَهَا بِالصَّوْمِ عَنْ كَلَامِ الْبَشَرِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَمَرَهَا بِذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهَا حُجَّةٌ عِنْدَ النَّاسِ ظَاهِرَةٌ، وَذَلِكَ أَنَّهَا جَاءَتْ وَهِيَ أَيِّمٌ بِوَلَدٍ بِالْكَفِّ عَنِ الْكَلَامِ لِيَكْفِيهَا فَأَمَرَتِ الْكَلَامَ وَلَدَهَا
١٥ / ٥١٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيُّ، قَالَ: ثنا مُصْعَبُ بْنُ الْمِقْدَامِ، قَالَ: ثنا إِسْرَائِيلُ، قَالَ: ثنا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ حَارِثَةَ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ مَسْعُودٍ، فَجَاءَ رَجُلَانِ فَسَلَّمَ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يُسَلِّمِ الْآخَرُ، فَقَالَ: مَا شَأْنُكَ؟ فَقَالَ أَصْحَابُهُ: حَلَفَ أَنْ لَا يُكَلِّمَ النَّاسَ الْيَوْمَ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: كَلِّمِ النَّاسَ وَسَلِّمْ عَلَيْهِمْ، فَإِنَّ تِلْكَ امْرَأَةٌ عَلِمَتْ أَنَّ أَحَدًا لَا يُصَدِّقُهَا أَنَّهَا حَمَلَتْ مِنْ غَيْرِ زَوْجٍ، يَعْنِي بِذَلِكَ مَرْيَمَ عليها السلام
١٥ / ٥١٨
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ لَمَّا قَالَ عِيسَى لِمَرْيَمَ ﴿لَا تَحْزَنِي﴾ [القصص: ٧] قَالَتْ: وَكَيْفَ لَا أَحْزَنُ وَأَنْتَ مَعِي، لَا ذَاتُ زَوْجٍ وَلَا مَمْلُوكَةٌ، أَيُّ ⦗٥١٩⦘ شَيْءٍ عُذْرِي عِنْدَ النَّاسِ ﴿يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا﴾ [مريم: ٢٣] فَقَالَ لَهَا عِيسَى: أَنَا أَكْفِيكِ الْكَلَامَ ﴿فَإِمَّا تَرَيِّنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًا﴾ [مريم: ٢٦] قَالَ: هَذَا كُلُّهُ كَلَامُ عِيسَى لِأُمِّهِ
١٥ / ٥١٨
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَمَّنْ لَا يُتَّهَمُ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، ﴿فَإِمَّا تَرَيِّنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا﴾ [مريم: ٢٦] فَإِنِّي سَأَكْفِيكِ الْكَلَامَ وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ آيَةً لِمَرْيَمَ وَابْنِهَا
١٥ / ٥١٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا﴾ [مريم: ٢٦] قَالَ فِي بَعْضِ الْحُرُوفِ: صَمْتًا وَذَلِكَ إِنَّكَ لَا تَلْقَى امْرَأَةً جَاهِلَةً تَقُولُ: نَذَرْتُ كَمَا نَذَرَتْ مَرْيَمُ أَلَّا تَكَلَّمَ يَوْمًا إِلَى اللَّيْلِ، وَإِنَّمَا جَعَلَ اللَّهُ تِلْكَ آيَةً لِمَرْيَمَ وَلِابْنِهَا، وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَنْذُرَ صَمْتَ يَوْمٍ إِلَى اللَّيْلِ
١٥ / ٥١٩
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فَقَرَأَ: ﴿إِنِّي نَذَرْتُ ⦗٥٢٠⦘ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا﴾ [مريم: ٢٦] وَكَانَتْ تُقْرَأُ فِي الْحَرْفِ الْأَوَّلِ صَمْتًا، وَإِنَّمَا كَانَتْ آيَةً بَعَثَهَا اللَّهُ لِمَرْيَمَ وَابْنِهَا وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ كَانَتْ صَائِمَةً فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَالصَّائِمُ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ كَانَ يَصُومُ عَنِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَكَلَامِ النَّاسِ، فَأُذِنَ لِمَرْيَمَ فِي قَدْرِ هَذَا الْكَلَامِ ذَلِكَ الْيَوْمَ وَهِيَ صَائِمَةٌ
١٥ / ٥١٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، ﴿فإِمَّا تَرَيِّنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا﴾ [مريم: ٢٦] يُكَلِّمُكَ ﴿فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا﴾ [مريم: ٢٦] فَكَانَ مَنْ صَامَ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ لَمْ يَتَكَلَّمْ حَتَّى يُمْسِيَ، فَقِيلَ لَهَا: لَا تَزِيدِي عَلَى هَذَا
١٥ / ٥٢٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا﴾ [مريم: ٢٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَلَمَّا قَالَ ذَلِكَ عِيسَى لِأُمِّهِ اطْمَأَنَّتْ نَفْسُهَا، وَسَلَّمَتْ لِأَمْرِ اللَّهِ، وَحَمَلَتْهُ حَتَّى أَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا. كَمَا:
١٥ / ٥٢٠
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَمَّنْ لَا يُتَّهَمُ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: أَنْسَاهَا يَعْنِي مَرْيَمَ كَرْبَ الْبَلَاءِ وَخَوْفَ النَّاسِ مَا ⦗٥٢١⦘ كَانَتْ تَسْمَعُ مِنَ الْمَلَائِكَةَ مِنَ الْبِشَارَةِ بِعِيسَى، حَتَّى إِذَا كَلَّمَهَا، يَعْنِي عِيسَى، وَجَاءَهَا مِصْدَاقُ مَا كَانَ اللَّهُ وَعَدَهَا احْتَمَلَتْهُ ثُمَّ أَقْبَلَتْ بِهِ إِلَى قَوْمِهَا
١٥ / ٥٢٠
وَقَالَ السُّدِّيُّ فِي ذَلِكَ مَا: حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: لَمَّا وَلَدَتْهُ ذَهَبَ الشَّيْطَانُ، فَأَخْبَرَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، أَنَّ مَرْيَمَ، قَدْ وَلَدَتْ، فَأَقْبَلُوا يَشْتَدُّونَ، فَدَعَوْهَا ﴿فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ﴾ [مريم: ٢٧]
١٥ / ٥٢١
وَقَوْلُهُ: ﴿قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا﴾ [مريم: ٢٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَلَمَّا رَأَوْا مَرْيَمَ، وَرَأَوْا مَعَهَا الْوَلَدَ الَّذِي وَلَدَتْهُ، قَالُوا لَهَا: يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ بِأَمْرٍ عَجِيبٍ، وَأَحْدَثْتِ حَدَثًا عَظِيمًا. وَكُلُّ عَامِلٍ عَمَلًا أَجَادَهُ وَأَحْسَنَهُ فَقَدْ فَرَاهُ، كَمَا قَالَ الرَّاجِزُ:
[البحر الرجز] قَدْ أَطْعَمَتْنِي دَقَلًا حُجْرِيًّا … قَدْ كُنْتِ تَفْرِينَ بِهِ الْفَرِيَّا
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
[البحر الرجز] قَدْ أَطْعَمَتْنِي دَقَلًا حُجْرِيًّا … قَدْ كُنْتِ تَفْرِينَ بِهِ الْفَرِيَّا
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٥ / ٥٢١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ⦗٥٢٢⦘ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿فَرِيًّا﴾ [مريم: ٢٧] قَالَ: عَظِيمًا حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٥ / ٥٢١
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا﴾ [مريم: ٢٧] قَالَ: عَظِيمًا
١٥ / ٥٢٢
حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، ﴿لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا﴾ [مريم: ٢٧] قَالَ: عَظِيمًا
١٥ / ٥٢٢
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَمَّنْ لَا يُتَّهَمُ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: لَمَّا رَأَوْهَا وَرَأَوْهُ مَعَهَا، قَالُوا: ﴿يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا﴾ [مريم: ٢٧] أَيِ الْفَاحِشَةَ غَيْرَ الْمُقَارَبَةِ
١٥ / ٥٢٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا﴾ [مريم: ٢٨] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي السَّبَبِ الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ قِيلَ لَهَا: يَا أُخْتَ هَارُونَ، وَمَنْ كَانَ هَارُونُ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُمْ نَسَبُوا مَرْيَمَ إِلَى أَنَّهَا أُخْتُهُ، فَقَالَ ⦗٥٢٣⦘ بَعْضُهُمْ: قِيلَ لَهَا ﴿يَا أُخْتَ هَارُونَ﴾ [مريم: ٢٨] نِسْبَةً مِنْهُمْ لَهَا إِلَى الصَّلَاحِ، لِأَنَّ أَهْلَ الصَّلَاحِ فِيهِمْ كَانُوا يُسَمَّوْنَ هَارُونَ، وَلَيْسَ بِهَارُونَ أَخِي مُوسَى
١٥ / ٥٢٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿يَا أُخْتَ هَارُونَ﴾ [مريم: ٢٨] قَالَ: كَانَ رَجُلًا صَالِحًا فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ يُسَمَّى هَارُونَ، فَشَبَّهُوهَا بِهِ، فَقَالُوا: يَا شَبِيهَةَ هَارُونَ فِي الصَّلَاحِ
١٥ / ٥٢٣
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا﴾ [مريم: ٢٨] قَالَ: كَانَتْ مِنْ أَهْلِ بَيْتٍ يَعْرَفُونَ بِالصَّلَاحِ، وَلَا يَعْرَفُونَ بِالْفَسَادِ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْرَفُونَ بِالصَّلَاحِ وَيَتَوَالَدُونَ بِهِ، وَآخَرُونَ يُعْرَفُونَ بِالْفَسَادِ وَيَتَوَالَدُونَ بِهِ، وَكَانَ هَارُونُ مُصْلِحًا مُحَبَّبًا فِي عَشِيرَتِهِ، وَلَيْسَ بِهَارُونَ أَخِي مُوسَى، وَلَكِنَّهُ هَارُونُ آخَرُ. قَالَ: وَذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ شَيَّعَ جَنَازَتَهُ يَوْمَ مَاتَ أَرْبَعُونَ أَلْفًا، كُلُّهُمْ يُسَمَّوْنَ هَارُونَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ
١٥ / ٥٢٣
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي صَدَقَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، قَالَ: نُبِّئْتُ أَنَّ كَعْبًا، قَالَ: إِنَّ قَوْلَهُ: ﴿يَا أُخْتَ هَارُونَ﴾ [مريم: ٢٨] لَيْسَ بِهَارُونَ أَخِي مُوسَى، قَالَ: فَقَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ: كَذَبْتَ، قَالَ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، إِنْ كَانَ النَّبِيُّ ﷺ قَالَهُ فَهُوَ أَعْلَمُ وَأَخْبَرُ، وَإِلَّا فَإِنِّي أَجِدُ بَيْنَهُمَا سِتَّ مِائَةِ سَنَةٍ، قَالَ: ⦗٥٢٤⦘ فَسَكَتَتْ
١٥ / ٥٢٣
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿يَا أُخْتَ هَارُونَ﴾ [مريم: ٢٨] قَالَ: اسْمٌ وَاطَأَ اسْمًا، كَمْ بَيْنَ هَارُونَ وَبَيْنَهُمَا مِنَ الْأُمَمِ أُمَمٌ كَثِيرَةٌ
١٥ / ٥٢٤
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، وَابْنُ الْمُثَنَّى، وَسُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ، وَأَبُو السَّائِبِ، قَالُوا: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ الْأَوْدِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَذْكُرُ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِلَى أَهْلِ نَجْرَانَ، فَقَالُوا لِي: أَلَسْتُمْ تَقْرَءُونَ ﴿يَا أُخْتَ هَارُونَ﴾ [مريم: ٢٨] قُلْتُ: بَلَى، وَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا كَانَ بَيْنَ عِيسَى وَمُوسَى، فَرَجَعْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: «أَلَا أَخْبَرْتَهُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا يُسَمَّوْنَ بِأَنْبِيَائِهِمْ وَالصَّالِحِينَ قَبْلَهُمْ»
١٥ / ٥٢٤
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا الْحَكَمُ بْنُ بَشِيرٍ، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، قَالَ: أَرْسَلَنِي النَّبِيُّ ﷺ فِي بَعْضِ حَوَائِجِهِ إِلَى أَهْلِ نَجْرَانَ، فَقَالُوا: أَلَيْسَ نَبِيُّكَ يَزْعُمُ أَنَّ هَارُونَ أَخُو مَرْيَمَ هُوَ أَخُو مُوسَى؟ فَلَمْ أَدْرِ مَا أَرُدُّ عَلَيْهِمْ حَتَّى رَجَعْتُ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَذَكَرْتُ لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ: «إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَمَّوْنَ بِأَسْمَاءِ مَنْ كَانَ قَبْلَهُمْ» ⦗٥٢٥⦘ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: عُنِيَ بِهِ هَارُونُ أَخُو مُوسَى، وَنُسِبَتْ مَرْيَمُ إِلَى أَنَّهَا أُخْتُهُ لِأَنَّهَا مِنْ وَلَدِهِ، يُقَالُ لِلتَّمِيمِيِّ: يَا أَخَا تَمِيمٍ، وَلِلْمُضَرِيِّ: يَا أَخَا مُضَرَ
١٥ / ٥٢٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، ﴿يَا أُخْتَ هَارُونَ﴾ [مريم: ٢٨] قَالَ: كَانَتْ مِنْ بَنِي هَارُونَ أَخِي مُوسَى، وَهُوَ كَمَا تَقُولُ: يَا أَخَا بَنِي فُلَانٍ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ كَانَ ذَلِكَ رَجُلًا مِنْهُمْ فَاسِقًا مُعْلِنٌ الْفِسْقَ، فَنَسَبُوهَا إِلَيْهِ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ مَا جَاءَ بِهِ الْخَبَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، وَأَنَّهَا نُسِبَتْ إِلَى رَجُلٍ مِنْ قَوْمِهَا
١٥ / ٥٢٥
وَقَوْلُهُ: ﴿مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ﴾ [مريم: ٢٨] يَقُولُ: مَا كَانَ أَبُوكِ رَجُلَ سُوءٍ يَأْتِي الْفَوَاحِشَ ﴿وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا﴾ [مريم: ٢٨] يَقُولُ: وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ زَانِيَةً، كَمَا:
١٥ / ٥٢٥
حَدَّثَنِي مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، ﴿وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا﴾ [مريم: ٢٨] قَالَ: زَانِيَةً وَقَالَ: ﴿وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا﴾ [مريم: ٢٨] وَلَمْ يَقُلْ: بَغِيَّةً، لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يُوصَفُ بِهِ النِّسَاءُ دُونَ الرِّجَالِ، فَجَرَى مَجْرَى امْرَأَةٍ حَائِضٍ وَطَالِقٍ، وَقَدْ كَانَ بَعْضُهُمْ يُشَبِّهُ ذَلِكَ بِقَوْلِهِمْ: مِلْحَفَةٌ جَدِيدَةٌ وَامْرَأَةٌ قَتِيلٌ
١٥ / ٥٢٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا﴾ [مريم: ٢٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَلَمَّا قَالَ قَوْمُهَا ذَلِكَ لَهَا قَالَتْ لَهُمْ مَا أَمَرَهَا عِيسَى بِقِيلِهِ لَهُمْ، ثُمَّ أَشَارَتْ لَهُمْ إِلَى عِيسَى أَنْ كَلِّمُوهُ، كَمَا:
١٥ / ٥٢٦
حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: لَمَّا قَالُوا لَهَا: ﴿مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا﴾ [مريم: ٢٨] قَالَتْ لَهُمْ مَا أَمَرَهَا اللَّهُ بِهِ، فَلَمَّا أَرَادُوهَا بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى الْكَلَامِ أَشَارَتْ إِلَيْهِ، إِلَى عِيسَى
١٥ / ٥٢٦
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ﴾ [مريم: ٢٩] قَالَ: أَمَرَتْهُمْ بِكَلَامِهِ
١٥ / ٥٢٦
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَمَّنْ لَا يُتَّهَمُ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، ﴿فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ﴾ [مريم: ٢٩] يَقُولُ: أَشَارَتْ إِلَيْهِ أَنْ كَلِّمُوهُ
١٥ / ٥٢٦
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَوْلُهُ ﴿فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ﴾ [مريم: ٢٩] أَنْ كَلِّمُوهُ
١٥ / ٥٢٦
وَقَوْلُهُ: ﴿قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا﴾ [مريم: ٢٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ قَوْمُهَا لَهَا: كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ وُجِدَ فِي الْمَهْدِ؟ وَكَانَ فِي قَوْلِهِ ﴿مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا﴾ [مريم: ٢٩] مَعْنَاهَا التَّمَامُ، لَا الَّتِي تَقْتَضِي الْخَبَرَ، وَذَلِكَ شَبِيهُ الْمَعْنَى ⦗٥٢٧⦘ بِكَانَ الَّتِي فِي قَوْلِهِ ﴿هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا﴾ [الإسراء: ٩٣] وَإِنَّمَا مَعْنَى ذَلِكَ: هَلْ أَنَا إِلَّا بَشَرٌ رَسُولٌ؟ وَهَلْ وُجِدْتُ أَوْ بُعِثْتُ، وَكَمَا قَالَ زُهَيْرُ بْنُ أَبِي سُلْمَى:
[البحر الطويل] زَجَرْتُ عَلَيْهِ حُرَّةً أَرْحَبِيَّةً … وَقَدْ كَانَ لَوْنُ اللَّيْلِ مِثْلَ الْأَرَنْدَجِ
بِمَعْنَى: وَقَدْ صَارَ أَوْ وُجِدَ. وَقِيلَ: إِنَّهُ عَنَى بِالْمَهْدِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: حِجْرَ أُمِّهِ
[البحر الطويل] زَجَرْتُ عَلَيْهِ حُرَّةً أَرْحَبِيَّةً … وَقَدْ كَانَ لَوْنُ اللَّيْلِ مِثْلَ الْأَرَنْدَجِ
بِمَعْنَى: وَقَدْ صَارَ أَوْ وُجِدَ. وَقِيلَ: إِنَّهُ عَنَى بِالْمَهْدِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: حِجْرَ أُمِّهِ
١٥ / ٥٢٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا﴾ [مريم: ٢٩] وَالْمَهْدُ: الْحِجْرُ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْمَهْدِ فِيمَا مَضَى بِشَوَاهِدِهِ، فَأَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ
١٥ / ٥٢٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا﴾ [مريم: ٣١]⦗٥٢٨⦘ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَلَمَّا قَالَ قَوْمُ مَرْيَمَ لَهَا ﴿كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا﴾ [مريم: ٢٩] وَظَنُّوا أَنَّ ذَلِكَ مِنْهَا اسْتِهْزَاءً بِهِمْ، قَالَ عِيسَى لَهَا مُتَكَلِّمًا عَنْ أُمِّهِ: ﴿إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ﴾ [مريم: ٣٠] وَكَانُوا حِينَ أَشَارَتْ لَهُمْ إِلَى عِيسَى فِيمَا ذُكِرَ عَنْهُمْ غَضِبُوا، كَمَا:
١٥ / ٥٢٧
حَدَّثَنِي مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: لَمَّا أَشَارَتْ لَهُمْ إِلَى عِيسَى غَضِبُوا، وَقَالُوا: لَسُخْرِيَّتُهَا بِنَا حِينَ تَأْمُرُنَا أَنْ نُكَلِّمَ هَذَا الصَّبِيَّ أَشَدُّ عَلَيْنَا مِنْ زِنَاهَا ﴿قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا﴾ [مريم: ٢٩]
١٥ / ٥٢٨
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَمَّنْ لَا يُتَّهَمُ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، ﴿قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا﴾ [مريم: ٢٩] فَأَجَابَهُمْ عِيسَى عَنْهَا فَقَالَ لَهُمْ ﴿إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا﴾ [مريم: ٣٠] . الْآيَةَ
١٥ / ٥٢٨
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا﴾ [مريم: ٢٩] قَالَ لَهُمْ: ﴿إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا﴾ [مريم: ٣٠] فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ ﴿وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا﴾ [مريم: ٣٢] فَقَالُوا: إِنَّ هَذَا لَأَمْرٌ عَظِيمٌ
١٥ / ٥٢٨
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ: ﴿كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ﴾ [مريم: ٣٠] لَمْ يَتَكَلَّمْ عِيسَى إِلَّا عِنْدَ ذَلِكَ حِينَ ﴿قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا﴾ [مريم: ٢٩]
١٥ / ٥٢٨
وَقَوْلُهُ: ﴿آتَانِيَ الْكِتَابَ﴾ [مريم: ٣٠] يَقُولُ الْقَائِلُ: أَوْ آتَاهُ الْكِتَابَ وَالْوَحْيَ قَبْلَ أَنْ يُخْلَقَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ فَإِنَّ مَعْنَى ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا يُظَنُّ، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ: وَقَضَى يَوْمَ قَضَى أُمُورَ خَلْقِهِ إِلَى أَنْ يُؤْتِيَنِيَ الْكِتَابَ، كَمَا:
١٥ / ٥٢٩
حَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ آدَمَ، قَالَ: ثنا الضَّحَّاكُ، يَعْنِي ابْنَ مَخْلَدٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ ﴿آتَانِيَ الْكِتَابَ﴾ [مريم: ٣٠] قَالَ: قَضَى أَنْ يُؤْتِيَنِيَ الْكِتَابَ فِيمَا مَضَى
١٥ / ٥٢٩
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، فِي قَوْلِهِ ﴿إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ﴾ [مريم: ٣٠] قَالَ: الْقَضَاءُ
١٥ / ٥٢٩
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، فِي قَوْلِ اللَّهِ ﴿إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ﴾ [مريم: ٣٠] قَالَ: قَضَى أَنْ يُؤْتِيَنِيَ الْكِتَابَ
١٥ / ٥٢٩
وَقَوْلُهُ: ﴿وَجَعَلَنِي نَبِيًّا﴾ [مريم: ٣٠] وَقَدْ بَيَّنْتُ مَعْنَى النَّبِيِّ وَاخْتِلَافِ الْمُخْتَلِفِينَ فِيهِ، وَالصَّحِيحُ مِنَ الْقَوْلِ فِيهِ عِنْدَنَا بِشَوَاهِدِهِ فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ. وَكَانَ مُجَاهِدٌ يَقُولُ فِي مَعْنَى النَّبِيِّ وَحْدَهُ مَا:
١٥ / ٥٢٩
حَدَّثَنَا بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، ⦗٥٣٠⦘ جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: النَّبِيُّ وَحْدَهُ الَّذِي يُكَلَّمُ وَيُنَزَّلُ عَلَيْهِ الْوَحْيُ وَلَا يُرْسَلُ
١٥ / ٥٢٩
وَقَوْلُهُ ﴿وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا﴾ [مريم: ٣١] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: وَجَعَلَنِي نَفَّاعًا
١٥ / ٥٣٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَمَّادِ الطَّلْحِيُّ، قَالَ: ثنا الْعَلَاءُ، عَنْ عَائِشَةَ، امْرَأَةِ لَيْثٍ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ﴿وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا﴾ [مريم: ٣١] قَالَ: نَفَّاعًا وَقَالَ آخَرُونَ: كَانَتْ بَرَكَتُهُ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ
١٥ / ٥٣٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ خُنَيْسٍ الْمَخْزُومِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ وَهَيْبَ بْنَ الْوَرْدِ، مَوْلَى بَنِي مَخْزُومٍ، قَالَ: لَقِيَ عَالِمٌ عَالِمًا لِمَا هُوَ فَوْقَهُ فِي الْعِلْمِ، فَقَالَ لَهُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، مَا الَّذِي أُعْلِنُ مِنْ عِلْمِي، قَالَ: الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ، فَإِنَّهُ دِينُ اللَّهِ الَّذِي بَعَثَ بِهِ أَنْبِيَاءَهُ إِلَى عِبَادِهِ، وَقَدِ اجْتَمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى قَوْلِ اللَّهِ ﴿وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَمَا كُنْتُ﴾ ⦗٥٣١⦘ وَقِيلَ: مَا بَرَكَتُهُ؟ قَالَ: الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ أَيْنَمَا كَانَ وَقَالَ آخَرُونَ مَعْنَى ذَلِكَ: جَعَلَنِي مُعَلِّمَ الْخَيْرِ
١٥ / ٥٣٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، فِي قَوْلِهِ ﴿وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَمَا كُنْتُ﴾ قَالَ: مُعَلِّمًا لِلْخَيْرِ
١٥ / ٥٣١
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَمَا كُنْتُ﴾ قَالَ: مُعَلِّمًا لِلْخَيْرِ حَيْثُمَا كُنْتُ
١٥ / ٥٣١
وَقَوْلُهُ: ﴿وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ﴾ [مريم: ٣١] يَقُولُ: وَقَضَى أَنْ يُوصِيَنِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ، يَعْنِي الْمُحَافَظَةَ عَلَى حُدُودِ الصَّلَاةِ وَإِقَامَتِهَا عَلَى مَا فَرَضَهَا عَلَيَّ. وَفِي الزَّكَاةِ مَعْنَيَانِ: أَحَدُهُمَا: زَكَاةُ الْأَمْوَالِ أَنْ يُؤَدِّيَهَا. وَالْآخَرُ: تَطْهِيرُ الْجَسَدِ مِنْ دَنَسِ الذُّنُوبِ، فَيَكُونُ مَعْنَاهُ: وَأَوْصَانِي بِتَرْكِ الذُّنُوبِ وَاجْتِنَابِ الْمَعَاصِي
١٥ / ٥٣١
وَقَوْلُهُ: ﴿مَا دُمْتُ حَيًّا﴾ [مريم: ٣١] يَقُولُ: مَا كُنْتُ حَيًّا فِي الدُّنْيَا مَوْجُودًا، وَهَذَا يُبِينُ عَنْ أَنَّ مَعْنَى الزَّكَاةِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: تَطْهِيرُ الْبَدَنِ مِنَ الذُّنُوبِ، لِأَنَّ الَّذِي يُوصَفُ بِهِ عِيسَى صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ أَنَّهُ كَانَ لَا يَدَّخِرُ شَيْئًا لِغَدٍ، فَتَجِبُ عَلَيْهِ زَكَاةُ الْمَالِ، إِلَّا أَنْ تَكُونَ الزَّكَاةُ الَّتِي كَانَتْ فُرِضَتْ عَلَيْهِ الصَّدَقَةَ بِكُلِّ مَا فَضَلَ عَنْ قُوتِهِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ وَجْهًا صَحِيحًا
١٥ / ٥٣١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا﴾ [مريم: ٣٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: مُخْبِرًا عَنْ قَولِ عِيسَى لِلْقَوْمِ: وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا وَبَرًّا: أَيْ جَعَلَنِي بَرًّا بِوَالِدَتِي. وَالْبَرُّ هُوَ الْبَارُّ، يُقَالُ: هُوَ بَرٌّ بِوَالِدِهِ، وَبَارٌّ بِهِ، وَبِفَتْحِ الْبَاءِ قَرَأَتِ هَذَا الْحَرْفَ قُرَّاءُ الْأَمْصَارِ. وَرُوِي عَنْ أَبِي نَهِيكٍ مَا:
١٥ / ٥٣٢
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْمُؤْمِنِ، عَنْ أَبِي نَهِيكٍ، أَنَّهُ قَرَأَ: ﴿وَبَرًّا بِوَالِدَتِي﴾ [مريم: ٣٢] مِنْ قَوْلِ عِيسَى عليه السلام، قَالَ أَبُو نَهِيكٍ: أَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالْبِرِّ بِالْوَالِدَيْنِ، كَمَا أَوْصَانِي بِذَلِكَ فَكَأَنَّ أَبَا نَهِيكٍ وَجَّهَ تَأْوِيلَ الْكَلَامِ إِلَى قَوْلِهِ ﴿وَبَرًّا بِوَالِدَتِي﴾ [مريم: ٣٢] هُوَ مِنْ خَبَرِ عِيسَى، عَنْ وَصِيَّةِ اللَّهِ إِيَّاهُ بِهِ، كَمَا أَنَّ قَوْلَهُ: ﴿وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ﴾ [مريم: ٣١] مِنْ خَبَرِهِ عَنْ وَصِيَّةِ اللَّهِ إِيَّاهُ بِذَلِكَ. فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ نَصْبُ الْبِرِّ بِمَعْنَى عَمَلِ الْوَصِيَّةِ فِيهِ، لِأَنَّ الصَّلَاةَ وَالزَّكَاةَ وَإِنْ كَانَتَا مَخْفُوضَتَيْنِ فِي اللَّفْظِ، فَإِنَّهُمَا بِمَعْنَى النَّصْبِ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ مَفْعُولٌ بِهِمَا
١٥ / ٥٣٢
وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا﴾ [مريم: ٣٢] يَقُولُ: وَلَمْ يَجْعَلْنِي مُسْتَكْبِرًا عَلَى ⦗٥٣٣⦘ اللَّهِ فِيمَا أَمَرَنِي بِهِ، وَنَهَانِي عَنْهُ شَقِيًّا وَلَكِنْ ذَلَّلَنِي لِطَاعَتِهِ، وَجَعَلَنِي مُتَوَاضِعًا، كَمَا:
١٥ / ٥٣٢
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ يَعْنِي عِيسَى، كَانَ يَقُولُ: سَلُونِي، فَإِنَّ قَلْبِي لَيِّنٌ، وَإِنِّي صَغِيرٌ فِي نَفْسِي مِمَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ مِنَ التَّوَاضُعِ
١٥ / ٥٣٣
وَحَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا﴾ [مريم: ٣٢] ذُكِرَ لَنَا أَنَّ امْرَأَةً رَأَتِ ابْنَ مَرْيَمَ يُحْيِي الْمَوْتَى، وَيُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ، فِي آيَاتٍ سَلَّطَهُ اللَّهُ عَلَيْهِنَّ، وَأَذِنَ لَهُ فِيهِنَّ، فَقَالَتْ: طُوبَى لِلْبَطْنِ الَّذِي حَمَلَكَ، وَالثَّدْيِ الَّذِي أُرْضِعْتَ بِهِ، فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ ابْنُ مَرْيَمَ يُجِيبُهَا: طُوبَى لِمَنْ تَلَا كِتَابَ اللَّهِ، وَاتَّبَعَ مَا فِيهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا شَقِيًّا
١٥ / ٥٣٣
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَاقِدٍ أَبِي رَجَاءٍ، عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ، قَالَ: لَا تَجِدُ عَاقًّا إِلَّا وَجَدْتَهُ جَبَّارًا شَقِيًّا. ثُمَّ قَرَأَ ﴿وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا﴾ [مريم: ٣٢] قَالَ: وَلَا تَجِدُ سَيِّئَ الْمَلَكَةِ إِلَّا وَجَدْتَهُ مُخْتَالًا فَخُورًا، ثُمَّ قَرَأَ ﴿وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا﴾ [النساء: ٣٦]
١٥ / ٥٣٣
وَقَوْلُهُ: ﴿وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا﴾ [مريم: ٣٣] يَقُولُ: وَالْأَمَنَةُ مِنَ اللَّهِ عَلَيَّ مِنَ الشَّيْطَانِ وَجُنْدِهِ يَوْمَ وُلِدْتُ أَنْ يَنَالُوا مِنِّي مَا يَنَالُونَ مِمَّنْ يُولَدُ ⦗٥٣٤⦘ عِنْدَ الْوِلَادَةِ، مِنَ الطَّعْنِ فِيهِ، وَيَوْمَ أَمُوتُ، مِنْ هَوْلِ الْمَطْلَعِ، وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنْ يَنَالَنِي الْفَزَعُ الَّذِي يَنَالُ النَّاسَ بِمُعَايَنَتِهِمْ أَهْوَالَ ذَلِكَ الْيَوْمِ، كَمَا:
١٥ / ٥٣٣
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَمَّنْ لَا يُتَّهَمُ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، ﴿وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا﴾ [مريم: ٣٣] قَالَ: يُخْبِرُهُمْ فِي قِصَّةِ خَبَرِهِ عَنْ نَفْسِهِ، أَنَّهُ لَا أَبَ لَهُ وَأَنَّهُ سَيَمُوتُ ثُمَّ يُبْعَثُ حَيًّا، يَقُولُ اللَّهُ تبارك وتعالى: ﴿ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ﴾ [مريم: ٣٤]
١٥ / ٥٣٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ﴾ [مريم: ٣٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: هَذَا الَّذِي بَيَّنْتُ لَكُمْ صِفَتَهُ، وَأَخْبَرْتُكُمْ خَبَرَهُ، مِنْ أَمْرِ الْغُلَامِ الَّذِي حَمَلَتْهُ مَرْيَمُ، هُوَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ، وَهَذِهِ الصُّفَّةُ صِفَتُهُ، وَهَذَا الْخَبَرُ خَبَرُهُ، وَهُوَ ﴿قَوْلُ الْحَقِّ﴾ [مريم: ٣٤] يَعْنِي أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ الَّذِي قَصَصْتُهُ عَلَيْكُمْ قَوْلُ الْحَقِّ، وَالْكَلَامُ الَّذِي تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ قَوْلُ اللَّهِ وَخَبَرُهُ، لَا خَبَرَ غَيْرُهُ، الَّذِي يَقَعُ فِيهِ الْوَهْمُ وَالشَّكُّ، وَالزِّيَادَةُ وَالنُّقْصَانُ، عَلَى مَا كَانَ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَقُولُوا فِي عِيسَى أَيُّهَا النَّاسُ هَذَا الْقَوْلَ الَّذِي أَخْبَرَكُمُ اللَّهُ بِهِ عَنْهُ، لَا مَا قَالَتْهُ الْيَهُودُ الَّذِينَ زَعَمُوا أَنَّهُ لِغَيْرِ رِشْدَةٍ، وَأَنَّهُ كَانَ سَاحِرًا كَذَّابًا، وَلَا مَا قَالَتْهُ النَّصَارَى، مِنْ أَنَّهُ
١٥ / ٥٣٤
كَانَ لِلَّهِ وَلَدًا، وَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا، وَلَا يَنْبَغِي ذَلِكَ لَهُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٥ / ٥٣٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ ﴿ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ﴾ [مريم: ٣٤] قَالَ: اللَّهُ الْحَقُّ
١٥ / ٥٣٥
حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمَسْعُودِيُّ، قَالَ ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: كَانُوا يَقُولُونَ فِي هَذَا الْحَرْفِ فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: ﴿الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ﴾ [مريم: ٣٤] قَالَ: كَلِمَةُ اللَّهِ وَلَوْ وُجِّهَ تَأْوِيلُ ذَلِكَ إِلَى ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ الْقَوْلُ الْحَقُّ، بِمَعْنَى ذَلِكَ الْقَوْلُ الْحَقُّ، ثُمَّ حُذِفَتِ الْأَلِفُ وَاللَّامُ مِنَ الْقَوْلِ، وَأُضِيفَ إِلَى الْحَقِّ. كَمَا قِيلَ: ﴿إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ﴾ [الواقعة: ٩٥] وَكَمَا قِيلَ: ﴿وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ﴾ [الأحقاف: ١٦] كَانَ تَأْوِيلًا صَحِيحًا. وَقَدِ اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ: (قَوْلُ الْحَقِّ) بِرَفْعِ الْقَوْلِ. عَلَى مَا وَصَفْتُ مِنَ الْمَعْنَى. وَجَعَلُوهُ فِي إِعْرَابِهِ تَابِعًا
١٥ / ٥٣٥
لِعِيسَى، كَالنَّعْتِ لَهُ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ فِي إِعْرَابِهِ عِنْدِي عَلَى مَا قَالَهُ الَّذِينَ زَعَمُوا أَنَّهُ رُفِعَ عَلَى النَّعْتِ لِعِيسَى، إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَعْنَى الْقَوْلِ الْكَلِمَةَ، عَلَى مَا ذَكَرْنَا عَنْ إِبْرَاهِيمَ، مِنْ تَأْوِيلهِ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَيَصِحُّ حِينَئِذٍ أَنْ يَكُونَ نَعْتًا لِعِيسَى، وَإِلَّا فَرَفْعُهُ عِنْدِي بِمُضْمَرٍ، وَهُوَ هَذَا قَوْلُ الْحَقِّ عَلَى الِابْتِدَاءِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْخَبَرَ قَدْ تَنَاهَى عَنْ قِصَّةِ عِيسَى وَأُمِّهِ عِنْدَ قَوْلِهِ ﴿ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ﴾ [مريم: ٣٤] ثُمَّ ابْتَدَأَ الْخَبَرَ بِأَنَّ الْحَقَّ فِيمَا فِيهِ تَمْتَرِي الْأُمَمُ مِنْ أَمْرِ عِيسَى، هُوَ هَذَا الْقَوْلُ، الَّذِي أَخْبَرَ اللَّهُ بِهِ عَنْهُ عِبَادَهُ، دُونَ غَيْرِهِ. وَقَدْ قَرَأَ ذَلِكَ عَاصِمُ بْنُ أَبِي النَّجُودِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ بِالنَّصْبِ، وَكَأَنَّهُمَا أَرَادَا بِذَلِكَ الْمَصْدَرَ: ذَلِكَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ قَوْلًا حَقًّا، ثُمَّ أُدْخِلَتْ فِيهِ الْأَلِفُ وَاللَّامُ. وَأَمَّا مَا ذُكِرَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مِنْ قِرَاءَتِهِ: «ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَالَ الْحَقَّ» فَإِنَّهُ بِمَعْنَى قَوْلِ الْحَقِّ، مِثْلَ الْعَابِ وَالْعَيْبِ، وَالذَّامِ وَالذَّيْمِ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا: الرَّفْعُ، لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَيْهِ
١٥ / ٥٣٦
وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ﴾ [مريم: ٣٤] فَإِنَّهُ يَعْنِي: الَّذِي فِيهِ يَخْتَصِمُونَ وَيَخْتَلِفُونَ، مِنْ قَوْلِهِمْ: مَارَيْتُ فُلَانًا: إِذَا جَادَلْتُهُ وَخَاصَمْتُهُ: وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٥ / ٥٣٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ ﴿ذَلِكَ عِيسَى ⦗٥٣٧⦘ ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ﴾ [مريم: ٣٤] امْتَرَتْ فِيهِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، فَأَمَّا الْيَهُودُ فَزَعَمُوا أَنَّهُ سَاحِرٌ كَذَّابٌ، وَأَمَّا النَّصَارَى فَزَعَمُوا أَنَّهُ ابْنُ اللَّهِ، وَثَالِثُ ثَلَاثَةٍ، وَإِلَهٌ، وَكَذَبُوا كُلُّهُمْ، وَلَكِنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، وَكَلِمَتُهُ وَرُوحُهُ
١٥ / ٥٣٦
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَوْلُهُ: ﴿الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ﴾ [مريم: ٣٤] قَالَ: اخْتَلَفُوا، فَقَالَتْ فِرْقَةٌ: هُوَ عَبْدُ اللَّهِ وَنَبِيُّهُ، فَآمِنُوا بِهِ، وَقَالَتْ فِرْقَةٌ: بَلْ هُوَ اللَّهُ، وَقَالَتْ فِرْقَةٌ: هُوَ ابْنُ اللَّهِ، تبارك وتعالى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا. قَالَ: فَذَلِكَ قَوْلُهُ ﴿فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ﴾ [مريم: ٣٧] وَالَّتِي فِي الزُّخْرُفِ. قَالَ دقيوس وَنسطور وَمار يَعْقُوبُ، قَالَ أَحَدُهُمْ حِينَ رَفَعَ اللَّهُ عِيسَى: هُوَ اللَّهُ، وَقَالَ الْآخَرُ: ابْنُ اللَّهِ، وَقَالَ الْآخَرُ: كَلِمَةُ اللَّهِ وَعَبْدُهُ، فَقَالَ الْمُفْتَرِيَانِ: إِنَّ قَوْلِي هُوَ أَشْبَهُ بِقَوْلِكَ، وَقَوْلُكَ بِقَوْلِي مِنْ قَوْلِ هَذَا، فَهَلُمَّ فَلْنُقَاتِلْهُمْ، فَقَاتَلُوهُمْ وَأَوْطَئُوهُمْ إِسْرَائِيلَ، فَأَخْرَجُوا مِنْهُمْ أَرْبَعَةَ نَفَرٍ، أَخْرَجَ كُلُّ قَوْمٍ عَالِمَهُمْ، فَامْتَرَوْا فِي عِيسَى حِينَ رُفِعَ، فَقَالَ أَحَدُهُمْ: هُوَ اللَّهُ هَبَطَ إِلَى الْأَرْضِ وَأَحْيَا مَنْ أَحْيَا، وَأَمَاتَ مَنْ أَمَاتَ، ثُمَّ صَعِدَ إِلَى السَّمَاءِ، وَهُمُ الْيَعْقُوبِيَّةُ، فَقَالَ الثَّلَاثَةُ: كَذَبْتَ، ثُمَّ قَالَ اثْنَانِ
١٥ / ٥٣٧
مِنْهُمْ لِلثَّالِثِ، قُلْ أَنْتَ فِيهِ، قَالَ: هُوَ ابْنُ اللَّهِ، وَهُمُ النَّسْطُورِيَّةُ، فَقَالَ الِاثْنَانِ: كَذَبْتَ، ثُمَّ قَالَ أَحَدُ الِاثْنَيْنِ لِلْآخَرِ: قُلْ فِيهِ، قَالَ: هُوَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ: اللَّهُ إِلَهٌ، وَهُوَ إِلَهٌ، وَأُمُّهُ إِلَهٌ، وَهُمُ الْإِسْرَائِيلِيَّةُ مُلُوكُ النَّصَارَى، قَالَ الرَّابِعُ: كَذَبْتَ، هُوَ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ وَرُوحُهُ وَكَلِمَتُهُ، وَهُمُ الْمُسْلِمُونَ، فَكَانَ لِكُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ أَتْبَاعٌ عَلَى مَا قَالَ، فَاقْتَتَلُوا، فَظُهِرَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ: ﴿وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ﴾ [آل عمران: ٢١] قَالَ قَتَادَةُ: هُمُ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ: ﴿فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ﴾ [مريم: ٣٧] اخْتَلَفُوا فِيهِ فَصَارُوا أَحْزَابًا
١٥ / ٥٣٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ﴾ [مريم: ٣٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: لَقَدْ كَفَّرْتُ الَّذِينَ قَالُوا: إِنَّ عِيسَى ابْنُ اللَّهِ، وَأَعْظَمُوا الْفِرْيَةَ عَلَيْهِ، فَمَا يَنْبَغِي لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا، وَلَا يَصْلُحُ ذَلِكَ لَهُ وَلَا يَكُونُ، بَلْ كُلُّ شَيْءٍ دُونَهُ فَخَلْقُهُ، وَذَلِكَ نَظِيرُ قَوْلِ عَمْرِو بْنِ أَحْمَرَ:
[البحر البسيط] فِي رَأْسِ خَلْقَاءَ مِنْ عَنْقَاءَ مُشْرِفَةٍ … لَا يُبْتَغَى دُونَهَا سَهْلٌ وَلَا جَبَلُ
وَإِنَّ مِنْ قَوْلِهِ ﴿أَنْ يَتَّخِذَ﴾ [مريم: ٣٥] فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بِكَانَ. ⦗٥٣٩⦘ وَقَوْلُهُ: ﴿سُبْحَانَهُ﴾ [البقرة: ١١٦] يَقُولُ: تَنْزِيهًا لِلَّهِ وَتَبْرِئَةً لَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَا أَضَافَ إِلَيْهِ الْكَافِرُونَ الْقَائِلُونَ: عِيسَى ابْنُ اللَّهِ
[البحر البسيط] فِي رَأْسِ خَلْقَاءَ مِنْ عَنْقَاءَ مُشْرِفَةٍ … لَا يُبْتَغَى دُونَهَا سَهْلٌ وَلَا جَبَلُ
وَإِنَّ مِنْ قَوْلِهِ ﴿أَنْ يَتَّخِذَ﴾ [مريم: ٣٥] فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بِكَانَ. ⦗٥٣٩⦘ وَقَوْلُهُ: ﴿سُبْحَانَهُ﴾ [البقرة: ١١٦] يَقُولُ: تَنْزِيهًا لِلَّهِ وَتَبْرِئَةً لَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَا أَضَافَ إِلَيْهِ الْكَافِرُونَ الْقَائِلُونَ: عِيسَى ابْنُ اللَّهِ
١٥ / ٥٣٨
وَقَوْلُهُ: ﴿إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [آل عمران: ٤٧] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: إِنَّمَا ابْتَدَأَ اللَّهُ خَلْقَ عِيسَى ابْتِدَاءً، وَأَنْشَأَهُ إِنْشَاءً مِنْ غَيْرِ فَحْلٍ افْتَحَلَ أُمَّهُ، وَلَكِنَّهُ قَالَ لَهُ: ﴿كُنْ فَيَكُونُ﴾ [البقرة: ١١٧] لِأَنَّهُ كَذَلِكَ يَبْتَدِعُ الْأَشْيَاءَ وَيَخْتَرِعُهَا، إِنَّمَا يَقُولُ: إِذَا قَضَى خَلْقَ شَيْءٍ أَوْ إِنْشَاءَهُ: كُنْ فَيَكُونُ مَوْجُودًا حَادِثًا، لَا يَعْظُمُ عَلَيْهِ خَلْقُهُ، لِأَنَّهُ لَا يَخْلُقَهُ بِمُعَانَاةٍ وَكَلَفَةٍ، وَلَا يُنْشِئُهُ بِمُعَالَجَةٍ وَشِدَّةٍ
١٥ / ٥٣٩
وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ﴾ [مريم: ٣٦] اخْتَلَفَ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ: (وَأَنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ) وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي وَجْهِ فَتْحِ «أَنَّ» إِذَا فُتِحَتْ، فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ: فُتِحَتْ رَدًّا عَلَى عِيسَى وَعَطْفًا عَلَيْهِ، بِمَعْنَى: ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ. وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ كَانَتْ أَنَّ رَفْعًا، وَتَكُونُ بِتَأْوِيلِ خَفْضٍ، كَمَا قَالَ: ﴿ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ﴾ [الأنعام: ١٣١] قَالَ: وَلَوْ فُتِحَتْ عَلَى قَوْلِهِ: ﴿وَأَوْصَانِي﴾ [مريم: ٣١] بِأَنَّ اللَّهَ، كَانَ وَجْهًا. وَكَانَ بَعْضُ الْبَصْرِيِّينَ يَقُولُ: وَذُكِرَ ذَلِكَ أَيْضًا عَنْ أَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ، وَكَانَ مِمَّنْ يَقْرَؤُهُ بِالْفَتْحِ إِنَّمَا فُتِحَتْ أَنَّ بِتَأْوِيلِ ﴿وَقَضَى﴾ [الإسراء: ٢٣] أَنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ.
١٥ / ٥٣٩
وَكَانَتْ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفِيِّينَ يَقْرَءُونَهُ: ﴿وَإِنَّ اللَّهَ﴾ [آل عمران: ٦٢] بِكَسْرِ إِنَّ بِمَعْنَى النَّسَقِ عَلَى قَوْلِهِ: ﴿فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ﴾ [البقرة: ١١٧] وَذُكِرَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهُ: «فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ» بِغَيْرِ وَاو. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالْقِرَاءَةُ الَّتِي نَخْتَارُ فِي ذَلِكَ: الْكَسْرُ عَلَى الِابْتِدَاءِ. وَإِذَا قُرِئَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهَا مَوْضِعٌ، وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَطْفًا عَلَى «إِنَّ» الَّتِي مَعَ قَوْلِهِ ﴿قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ﴾ [مريم: ٣٠]، ﴿وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ﴾ [مريم: ٣٦] وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ مِمَّنْ قَرَأَ ذَلِكَ نَصْبًا: نُصِبَ عَلَى الْعَطْفِ عَلَى الْكِتَابِ، بِمَعْنَى: أَتَانِيَ الْكِتَابَ، وَأَتَانِي أَنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ، كَانَ وَجْهًا حَسَنًا. وَمَعْنَى الْكَلَامِ: وَإِنِّي وَأَنْتُمْ أَيُّهَا الْقَوْمُ جَمِيعًا لِلَّهِ عَبِيدٌ، فَإِيَّاهُ فَاعَبْدُوا دُونَ غَيْرِهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٥ / ٥٤٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَمَّنْ لَا يُتَّهَمُ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: عَهِدَ إِلَيْهِمْ حِينَ أَخْبَرَهُمْ عَنْ نَفْسِهِ، وَمَوْلِدِهِ، وَمَوْتِهِ، وَبَعْثِهِ، ﴿إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ﴾ [آل عمران: ٥١] أَيْ إِنِّي وَإِيَّاكُمْ عَبِيدُ اللَّهِ، فَاعْبُدُوهُ وَلَا تَعْبُدُوا غَيْرَهُ
١٥ / ٥٤٠
وَقَوْلُهُ: ﴿هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ﴾ [آل عمران: ٥١] يَقُولُ: هَذَا الَّذِي أَوْصَيْتُكُمْ بِهِ، وَأَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي بِهِ هُوَ الطَّرِيقُ الْمُسْتَقِيمُ، الَّذِي مَنْ سَلَكَهُ نَجَا، وَمَنْ رَكِبَهُ اهْتَدَى، لِأَنَّهُ دِينُ اللَّهِ الَّذِي أَمَرَ بِهِ أَنْبِيَاءَهُ
١٥ / ٥٤١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ [مريم: ٣٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَاخْتَلَفَ الْمُخْتَلِفُونَ فِي عِيسَى، فَصَارُوا أَحْزَابًا مُتَفَرِّقِينَ مِنْ بَيْنِ قَوْمِهِ، كَمَا:
١٥ / ٥٤١
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثني الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ﴾ [مريم: ٣٧] قَالَ: أَهْلُ الْكِتَابِ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٥ / ٥٤١
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ﴾ [مريم: ٣٧] ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ لَمَّا رُفِعَ ابْنُ مَرْيَمَ، انْتَخَبَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ أَرْبَعَةً مِنْ فُقَهَائِهِمْ، فَقَالُوا لِلْأَوَّلِ: مَا تَقُولُ فِي عِيسَى؟ قَالَ: هُوَ اللَّهُ هَبَطَ إِلَى الْأَرْضِ، فَخَلَقَ مَا خَلَقَ، وَأَحْيَا مَا أَحْيَا، ثُمَّ صَعِدَ إِلَى السَّمَاءِ، فَتَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ نَاسٌ مِنَ النَّاسِ، فَكَانَتِ الْيَعْقُوبِيَّةُ مِنَ النَّصَارَى، وَقَالَ الثَّلَاثَةُ الْآخَرُونَ: نَشْهَدُ أَنَّكَ كَاذِبٌ، فَقَالُوا لِلثَّانِي: مَا تَقُولُ فِي عِيسَى؟ قَالَ: هُوَ ابْنُ اللَّهِ، فَتَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ نَاسٌ مِنَ ⦗٥٤٢⦘ النَّاسِ، فَكَانَتِ النَّسْطُورِيَّةُ مِنَ النَّصَارَى، وَقَالَ الِاثْنَانِ الْآخَرَانِ: نَشْهَدُ أَنَّكَ كَاذِبٌ، فَقَالُوا لِلثَّالِثِ: مَا تَقُولُ فِي عِيسَى؟ قَالَ: هُوَ إِلَهٌ، وَأُمُّهُ إِلَهٌ، وَاللَّهُ إِلَهٌ، فَتَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ نَاسٌ مِنَ النَّاسِ، فَكَانَتِ الْإِسَرَائِيلِيَّةُ مِنَ النَّصَارَى، فَقَالَ الرَّابِعُ: أَشْهَدُ أَنَّكَ كَاذِبٌ، وَلَكِنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، هُوَ كَلِمَةُ اللَّهِ وَرُوحُهُ، فَاخْتَصَمَ الْقَوْمُ، فَقَالَ الْمَرْءُ الْمُسْلِمُ: أَنْشُدُكُمُ اللَّهَ مَا تَعْلَمُونَ أَنَّ عِيسَى كَانَ يَطْعَمُ الطَّعَامَ، وَأَنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى: لَا يَطْعَمُ الطَّعَامَ قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ، قَالَ: هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ عِيسَى كَانَ يَنَامُ؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ، قَالَ فَخَصَمَهُمُ الْمُسْلِمُ، قَالَ: فَاقْتَتَلَ الْقَوْمُ. قَالَ: فَذُكِرَ لَنَا أَنَّ الْيَعْقُوبِيَّةَ ظَهَرَتْ يَوْمَئِذٍ وَأُصِيبَ الْمُسْلِمُونَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي ذَلِكَ الْقُرْآنَ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [آل عمران: ٢١]
١٥ / ٥٤١
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ﴾ [مريم: ٣٧] اخْتَلَفُوا فِيهِ فَصَارُوا أَحْزَابًا
١٥ / ٥٤٢
وَقَوْلُهُ: ﴿فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ [مريم: ٣٧] يَقُولُ: فَوَادِي جَهَنَّمَ الَّذِي يُدْعَى وَيْلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا بِاللَّهِ، مِنَ الزَّاعِمِينَ أَنَّ عِيسَى لِلَّهِ وَلَدٌ، وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ بِهِ مِنْ شُهُودِهِمْ يَوْمًا عَظِيمًا شَأْنُهُ، وَذَلِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَكَانَ قَتَادَةُ يَقُولُ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ مَا:
١٥ / ٥٤٢
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ اللَّهُ: ﴿فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ [مريم: ٣٧] شَهِدُوا هَوْلًا إِذًا عَظِيمًا
١٥ / ٥٤٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا لَكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ [مريم: ٣٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُخْبِرًا عَنْ حَالِ الْكَافِرِينَ بِهِ، الْجَاعِلِينَ لَهُ أَنْدَادًا، وَالزَّاعِمِينَ أَنَّ لَهُ وَلَدًا يَوْمَ وُرُودِهِمْ عَلَيْهِ فِي الْآخِرَةِ: لَئِنْ كَانُوا فِي الدُّنْيَا عُمْيًا عَنْ إِبْصَارِ الْحَقِّ، وَالنَّظَرِ إِلَى حُجَجِ اللَّهِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى وَحْدَانِيَّتِهِ، صُمًّا عَنْ سَمَاعِ آيِ كِتَابِهِ، وَمَا دَعَتْهُمْ إِلَيْهِ رُسُلُ اللَّهِ فِيهَا مِنَ الْإِقْرَارِ بِتَوْحِيدِهِ، وَمَا بَعَثَ بِهِ أَنْبِيَاءَهُ، فَمَا أَسْمَعَهُمْ يَوْمَ قُدُومِهِمْ عَلَى رَبِّهِمْ فِي الْآخِرَةِ، وَأَبْصَرَهُمْ يَوْمَئِذٍ حِينَ لَا يَنْفَعُهُمُ الْإِبْصَارُ وَالسَّمَاعُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٥ / ٥٤٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ﴾ [مريم: ٣٨] ذَاكَ وَاللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، سَمِعُوا حِينَ لَا يَنْفَعُهُمُ السَّمْعُ، وَأَبْصَرُوا حِينَ لَا يَنْفَعُهُمُ الْبَصَرُ
١٥ / ٥٤٣
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ ﴿أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ﴾ [مريم: ٣٨] قَالَ: أَسْمَعُ قَوْمٍ وَأَبْصَرُهُمْ
١٥ / ٥٤٣
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا أَبُو سُفْيَانَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ ⦗٥٤٤⦘ قَتَادَةَ، قَالَ ﴿أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا﴾ [مريم: ٣٨] يَوْمَ الْقِيَامَةِ
١٥ / ٥٤٣
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، قَالَ: ﴿أَسْمِعْ﴾ [مريم: ٣٨] بِحَدِيثِهِمُ الْيَوْمَ ﴿وَأَبْصِرْ﴾ [مريم: ٣٨] كَيْفَ يُصْنَعُ بِهِمْ ﴿يَوْمَ يَأْتُونَنَا﴾ [مريم: ٣٨]
١٥ / ٥٤٤
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا﴾ [مريم: ٣٨] قَالَ: هَذَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَأَمَّا الدُّنْيَا فَلَا، كَانَتْ عَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ، وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ فِي الدُّنْيَا، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ أَبْصَرُوا وَسَمِعُوا فَلَمْ يَنْتَفِعُوا، وَقَرَأَ: ﴿رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ﴾ [السجدة: ١٢]
١٥ / ٥٤٤
وَقَوْلُهُ: ﴿لَكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ [مريم: ٣٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: لَكِنِ الْكَافِرُونَ الَّذِينَ أَضَافُوا إِلَيْهِ مَا لَيْسَ مِنْ صِفَتِهِ، وَافْتَرَوْا عَلَيْهِ الْكَذِبَ الْيَوْمَ فِي الدُّنْيَا، فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ يَقُولُ: فِي ذَهَابٍ عَنْ سَبِيلِ الْحَقِّ، وَأَخْذٍ عَلَى غَيْرِ اسْتِقَامَةٍ، مُبِينٌ أَنَّهُ جَائِرٌ عَنْ طَرِيقِ الرُّشْدِ وَالْهُدَى، لِمَنْ تَأَمَّلَهُ وَفَكَّرَ فِيهِ، فَهُدِيَ لِرُشْدِهِ
١٥ / ٥٤٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ [مريم: ٣٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: وَأَنْذِرْ يَا مُحَمَّدُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ بِاللَّهِ يَوْمَ حَسْرَتِهِمْ وَنَدَمِهِمْ، عَلَى مَا فَرَّطُوا فِي جَنْبِ اللَّهِ، وَأُورِثَتْ مَسَاكِنُهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ أَهْلَ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَالطَّاعَةِ لَهُ، وَأَدْخَلُوهُمْ مَسَاكِنَ أَهْلِ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ مِنَ النَّارِ، وَأَيْقَنَ ⦗٥٤٥⦘ الْفَرِيقَانِ بِالْخُلُودِ الدَّائِمِ، وَالْحَيَاةِ الَّتِي لَا مَوْتَ بَعْدَهَا، فَيَا لَهَا حَسْرَةً وَنَدَامَةً، وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٥ / ٥٤٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، قَالَ: ثنا أَبُو الزَّعْرَاءِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، فِي قِصَّةٍ ذَكَرَهَا، قَالَ: مَا مِنْ نَفْسٍ إِلَّا وَهِيَ تَنْظُرُ إِلَى بَيْتٍ فِي الْجَنَّةِ، وَبَيْتٍ فِي النَّارِ، وَهُوَ يَوْمُ الْحَسْرَةِ، فَيَرَى أَهْلُ النَّارِ الْبَيْتَ الَّذِي كَانَ قَدْ أَعَدَّهُ اللَّهُ لَهُمْ لَوْ آمَنُوا، فَيُقَالُ لَهُمْ: لَوْ آمَنْتُمْ وَعَمِلْتُمْ صَالِحًا كَانَ لَكُمْ هَذَا الَّذِي تَرَوْنَهُ فِي الْجَنَّةِ، فَتَأْخُذُهُمُ الْحَسْرَةُ، وَيَرَى أَهْلُ الْجَنَّةِ الْبَيْتَ الَّذِي فِي النَّارِ، فَيُقَالُ: لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ
١٥ / ٥٤٥
حَدَّثَنَا أَبُو السَّائِبِ، قَالَ: ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «يُجَاءُ بِالْمَوْتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُوقَفُ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ كَأَنَّهُ كَبْشٌ أَمْلَحُ» قَالَ: «فَيُقَالُ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ، فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، هَذَا الْمَوْتُ، فَيُقَالُ: يَا أَهْلَ النَّارِ هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ، فَيَقُولُونَ: نَعَمْ هَذَا الْمَوْتُ، ثُمَّ يُؤْمَرُ بِهِ فَيُذْبَحُ» قَالَ: «فَيَقُولُ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ خُلُودٌ فَلَا مَوْتَ، وَيَا أَهْلَ النَّارِ خُلُودٌ فَلَا مَوْتَ» قَالَ: ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ﴿وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ [مريم: ٣٩] وَأَشَارَ بِيَدِهِ فِي الدُّنْيَا
١٥ / ٥٤٥
حَدَّثَنِي عُبَيْدُ بْنُ أَسْبَاطِ بْنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ﴿وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ﴾ [مريم: ٣٩] قَالَ: «يُنَادَى: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ، فَيَشْرَئِبُّونَ، فَيَنْظُرُونَ، ثُمَّ يُنَادَى: يَا أَهْلَ النَّارِ فَيَشْرَئِبُّونَ فَيَنْظُرُونَ، فَيُقَالُ: هَلْ تَعْرِفُونَ الْمَوْتَ؟ قَالَ: فَيَقُولُونَ: لَا، قَالَ: فَيُجَاءُ بِالْمَوْتِ فِي صُورَةِ كَبْشٍ أَمْلَحَ، فَيُقَالُ: هَذَا الْمَوْتُ، ثُمَّ يُؤْخَذُ فَيُذْبَحُ، قَالَ: ثُمَّ يُنَادَى يَا أَهْلَ النَّارِ خُلُودٌ فَلَا مَوْتَ، وَيَا أَهْلَ الْجَنَّةِ خُلُودٌ فَلَا مَوْتَ» قَالَ: ثُمَّ قَرَأَ ﴿وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ﴾ [مريم: ٣٩]
١٥ / ٥٤٦
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ﴾ [مريم: ٣٩] قَالَ: يُصَوِّرُ اللَّهُ الْمَوْتَ فِي صُورَةِ كَبْشٍ أَمْلَحَ، فَيُذْبَحُ، قَالَ: فَيَيْأَسُ أَهْلُ النَّارِ مِنَ الْمَوْتِ، فَلَا يَرْجُونَهُ، فَتَأْخُذُهُمُ الْحَسْرَةُ مِنْ أَجْلِ الْخُلُودِ فِي النَّارِ، وَفِيهَا أَيْضًا الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ، وَيَأْمَنُ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْمَوْتَ، فَلَا يَخْشَوْنَهُ، وَأَمِنُوا الْمَوْتَ، وَهُوَ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ، لِأَنَّهُمْ يُخَلَّدُونَ فِي الْجَنَّةِ
١٥ / ٥٤٦
قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: يُحْشَرُ أَهْلُ النَّارِ حِينَ يُذْبَحُ ⦗٥٤٧⦘ الْمَوْتُ وَالْفَرِيقَانِ يَنْظُرُونَ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ﴾ [مريم: ٣٩] قَالَ: ذَبْحُ الْمَوْتِ ﴿وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ﴾ [مريم: ٣٩]
١٥ / ٥٤٦
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ عُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ، فِي قَصَصِهِ يَقُولُ: يُؤْتَى بِالْمَوْتِ كَأَنَّهُ دَابَّةٌ، فَيُذْبَحُ وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ
١٥ / ٥٤٧
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ﴾ [مريم: ٣٩] قَالَ: يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَقَرَأَ ﴿أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ﴾
١٥ / ٥٤٧
حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ ﴿وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ﴾ [مريم: ٣٩] مِنْ أَسْمَاءِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، عَظَّمَهُ اللَّهُ، وَحَذَّرَهُ عِبَادَهُ
١٥ / ٥٤٧
وَقَوْلُهُ: ﴿إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ﴾ [مريم: ٣٩] يَقُولُ: إِذْ فُرِغَ مِنَ الْحُكْمِ لِأَهْلِ النَّارِ بِالْخُلُودِ فِيهَا، وَلِأَهْلِ الْجَنَّةِ بِمُقَامِ الْأَبَدِ فِيهَا، بِذِبْحِ الْمَوْتِ
١٥ / ٥٤٧
وَقَوْلُهُ: ﴿وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ﴾ [مريم: ٣٩] يَقُولُ: وَهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ فِي غَفْلَةٍ عَمَّا اللَّهُ فَاعِلٌ بِهِمْ يَوْمَ يَأْتُونَهُ خَارِجِينَ إِلَيْهِ مِنْ قُبُورِهِمْ، مِنْ تَخْلِيدِهِ إِيَّاهُمْ فِي جَهَنَّمَ، وَتَوْرِيثِهِ مَسَاكِنَهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غَيْرَهُمْ ﴿وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ [مريم: ٣٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَهُمْ لَا ⦗٥٤٨⦘ يُصَدِّقُونَ بِالْقِيَامَةِ وَالْبَعْثِ، وَمُجَازَاةِ اللَّهِ إِيَّاهُمْ عَلَى سَيِّئِ أَعْمَالِهِمْ، بِمَا أَخْبَرَ أَنَّهُ مُجَازِيهِمْ بِهِ.
١٥ / ٥٤٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ﴾ [مريم: ٤٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: لَا يَحْزُنْكَ تَكْذِيبُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ لَكَ يَا مُحَمَّدُ فِيمَا أَتَيْتَهُمْ بِهِ مِنَ الْحَقِّ، فَإِنَّ إِلَيْنَا مَرْجِعَهُمْ وَمَصِيرَهُمْ وَمَصِيرِ جَمِيعِ الْخَلْقِ غَيْرِهِمْ، وَنَحْنُ وَارِثُو الْأَرْضِ وَمَنَ عَلَيْهَا مِنَ النَّاسِ، بِفَنَائِهِمْ مِنْهَا، وَبَقَائِهَا لَا مَالِكَ لَهَا غَيْرُنَا، ثُمَّ عَلَيْنَا جَزَاءُ كُلِّ عَامِلٍ مِنْهُمْ بِعَمَلِهِ، عِنْدَ مَرْجِعِهِ إِلَيْنَا، الْمُحْسِنُ مِنْهُمْ بِإِحْسَانِهِ، وَالْمُسِيءُ بِإِسَاءَتِهِ
١٥ / ٥٤٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا﴾ [مريم: ٤٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ: ﴿وَاذْكُرْ﴾ [آل عمران: ٤١] يَا مُحَمَّدُ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلَ الرَّحْمَنِ، فَاقْصُصْ عَلَى هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ قَصَصَهُ وَقَصَصَ أَبِيهِ ﴿إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا﴾ [مريم: ٤١] يَقُولُ: كَانَ مِنْ أَهْلِ الصِّدْقِ فِي حَدِيثِهِ وَأَخْبَارِهِ وَمَوَاعِيدِهِ لَا يَكْذِبُ، وَالصِّدِيقُ هُوَ الْفَعِيلُ مِنَ الصِّدْقِ. وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ ⦗٥٤٩⦘ ﴿نَبِيًّا﴾ [مريم: ٣٠] يَقُولُ: كَانَ اللَّهُ قَدْ نَبَّأَهُ وَأَوْحَى إِلَيْهِ
١٥ / ٥٤٨
وَقَوْلُهُ: ﴿إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ﴾ [مريم: ٤٢] يَقُولُ: اذْكُرْهُ حِينَ قَالَ لِأَبِيهِ ﴿يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ﴾ [مريم: ٤٢] يَقُولُ: مَا تَصْنَعُ بِعِبَادَةِ الْوَثَنِ الَّذِي لَا يَسْمَعُ ﴿وَلَا يُبْصِرُ﴾ [مريم: ٤٢] شَيْئًا ﴿وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا﴾ [مريم: ٤٢] يَقُولُ: وَلَا يَدْفَعُ عَنْكَ ضُرَّ شَيْءٍ، إِنَّمَا هُوَ صُورَةٌ مُصَوَّرَةٌ لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ. يَقُولُ مَا تَصْنَعُ بِعِبَادَةِ مَا هَذِهِ صِفَتُهُ؟ اعْبُدِ الَّذِي إِذَا دَعْوَتَهُ سَمِعَ دُعَاءَكَ، وَإِذَا أُحِيطَ بِكَ أَبْصَرَكَ فَنَصَرَكَ، وَإِذَا نَزَلَ بِكَ ضُرٌّ دَفَعَ عَنْكَ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي وَجْهِ دُخُولِ الْهَاءِ فِي قَوْلِهِ ﴿يَا أَبَتِ﴾ [يوسف: ٤] فَكَانَ بَعْضُ نَحْوِيِّي أَهْلِ الْبَصْرَةِ يَقُولُ: إِذَا وَقَفْتَ عَلَيْهَا قُلْتُ: يَا أَبَهْ، وَهِيَ هَاءٌ زِيدَتْ نَحْوَ قَوْلِكَ: يَا أُمَّهْ، ثُمَّ يُقَالُ: يَا أُمَّ إِذَا وُصِلَ، وَلَكِنَّهُ لَمَّا كَانَ الْأَبُ عَلَى حَرْفَيْنِ، كَانَ كَأَنَّهُ قَدْ أُخِلَّ بِهِ، فَصَارَتِ الْهَاءُ لَازِمَةً، وَصَارَتِ الْيَاءُ كَأَنَّهَا بَعْدَهَا، فَلِذَلِكَ قَالُوا: يَا أَبَةْ أَقْبِلْ، وَجُعِلَ التَّاءُ لِلتَّأْنِيثِ، وَيَجُوزُ التَّرْخِيمُ مِنْ يَا أَبُ أَقْبِلْ، لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ تَدْعُوَ مَا تُضِيفُهُ إِلَى نَفْسِكَ فِي الْمَعْنَى مَضْمُومًا، نَحْوَ قَوْلِ الْعَرَبِ: يَا رَبُّ اغْفِرْ لِي، وَتَقِفُ فِي الْقُرْآنِ: يَا أَبَهْ فِي الْكِتَابِ. وَقَدْ يَقِفُ بَعْضُ الْعَرَبِ عَلَى الْهَاءِ بِالتَّاءِ. وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ: الْهَاءُ مَعَ أَبَهْ وَأُمَّهْ هَاءُ وَقْفٍ، كَثُرَتْ فِي كَلَامِهِمْ حَتَّى صَارَتْ كَهَاءِ التَّأْنِيثِ، وَأَدْخَلُوا عَلَيْهَا الْإِضَافَةَ، فَمَنْ طَلَبَ الْإِضَافَةَ، فَهِيَ بِالتَّاءِ لَا غَيْرُ، لِأَنَّكَ تَطْلُبُ بَعْدَهَا الْيَاءَ، وَلَا تَكُونُ الْهَاءُ حِينَئِذٍ إِلَّا تَاءً، كَقَوْلِكَ: يَا أَبَتِ لَا غَيْرُ، وَمَنْ قَالَ: يَا أَبِهْ، فَهُوَ الَّذِي يَقِفُ بِالْهَاءِ، لِأَنَّهُ لَا
١٥ / ٥٤٩
يَطْلُبُ بَعْدَهَا يَاءً، وَمَنْ قَالَ: يَا أَبَتَا، فَإِنَّهُ يَقِفُ عَلَيْهَا بِالتَّاءِ، وَيَجُوزُ بِالْهَاءِ، فَأَمَّا بِالتَّاءِ، فَلِطَلَبِ أَلِفِ النَّدْبَةِ، فَصَارَتِ الْهَاءُ تَاءً لِذَلِكَ، وَالْوَقْفُ بِالْهَاءِ بَعِيدٌ، إِلَّا فِيمَنْ قَالَ: «يَا أُمَيْمَةَ نَاصِبِ» فَجَعَلَ هَذِهِ الْفَتْحَةَ مِنْ فَتْحَةِ التَّرْخِيمِ، وَكَأَنَّ هَذَا طَرَفُ الِاسْمِ، قَالَ: وَهَذَا يُعِيدُ
١٥ / ٥٥٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا﴾ [مريم: ٤٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ: يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ آتَانِي اللَّهُ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يُؤْتِكَ فَاتَّبِعْنِي: يَقُولُ: فَاقْبَلْ مِنِّي نَصِيحَتِي ﴿أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا﴾ [مريم: ٤٣] يَقُولُ: أُبَصِّرُكَ هُدَى الطَّرِيقِ الْمُسْتَوِي الَّذِي لَا تَضِلُّ فِيهِ إِنْ لَزِمْتَهُ، وَهُوَ دِينُ اللَّهِ الَّذِي لَا اعْوِجَاجَ فِيهِ
١٥ / ٥٥٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا﴾ [مريم: ٤٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلَّهِ عَاصِيًا. وَالْعَصِيُّ هُوَ ذُو الْعِصْيَانِ، كَمَا الْعَلِيمُ ذُو الْعِلْمِ. وَقَدْ قَالَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ: ⦗٥٥١⦘ الْعِصِيُّ: هُوَ الْعَاصِي، وَالْعَلِيمُ هُوَ الْعَالِمُ، وَالْعَرِيفُ هُوَ الْعَارِفُ، وَاسْتَشْهَدُوا لِقَوْلِهِمْ ذَلِكَ، بِقَوْلِ طَرِيفِ بْنِ تَمِيمٍ الْعَنْبَرِيِّ.
[البحر الكامل] أَوَكُلَّمَا وَرَدَتْ عُكَاظَ قَبِيلَةٌ … بَعَثُوا إِلَيَّ عَرِيفَهُمْ يَتَوَسَّمُ
وَقَالُوا: قَالَ عَرِيفَهُمْ وَهُوَ يُرِيدُ: عَارِفَهُمْ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ
[البحر الكامل] أَوَكُلَّمَا وَرَدَتْ عُكَاظَ قَبِيلَةٌ … بَعَثُوا إِلَيَّ عَرِيفَهُمْ يَتَوَسَّمُ
وَقَالُوا: قَالَ عَرِيفَهُمْ وَهُوَ يُرِيدُ: عَارِفَهُمْ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ
١٥ / ٥٥٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا﴾ [مريم: ٤٥] يَقُولُ: يَا أَبَتِ إِنِّي أَعْلَمُ أَنَّكَ إِنْ مِتَّ عَلَى عِبَادَةِ الشَّيْطَانِ أَنَّهُ يَمَسُّكَ عَذَابٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ ﴿فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا﴾ [مريم: ٤٥] يَقُولُ: تَكُونُ لَهُ وَلِيًّا دُونَ اللَّهِ وَيَتَبَرَّأُ اللَّهُ مِنْكَ فَتَهْلِكُ، وَالْخَوْفُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بِمَعْنَى الْعِلْمِ، كَمَا الْخَشْيَةُ بِمَعْنَى الْعِلْمِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا﴾ [الكهف: ٨٠]
١٥ / ٥٥١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا﴾ [مريم: ٤٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ أَبُو إِبْرَاهِيمَ لِإِبْرَاهِيمَ، حِينَ دَعَاهُ إِبْرَاهِيمُ إِلَى عِبَادَةِ اللَّهِ وَتَرْكِ عِبَادَةِ الشَّيْطَانِ، وَالْبَرَاءَةِ مِنَ الْأَوْثَانِ وَالْأَصْنَامِ: ﴿أَرَاغِبٌ أَنْتَ﴾ [مريم: ٤٦] يَا إِبْرَاهِيمُ عَنْ عِبَادَةِ آلِهَتِي؟ ﴿لَئِنْ﴾ [المائدة: ١٢] أَنْتَ ﴿لَمْ تَنْتَهِ﴾ [مريم: ٤٦] عَنْ ذِكْرِهَا بِسُوءٍ ﴿لَأَرْجُمَنَّكَ﴾ [مريم: ٤٦] يَقُولُ: لَأَرْجُمَنَّكَ بِالْكَلَامِ، وَذَلِكَ السَّبُّ، وَالْقَوْلُ الْقَبِيحُ. وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٥ / ٥٥١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، ﴿قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي، يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ﴾ [مريم: ٤٦] بِالشَّتِيمَةِ وَالْقَوْلِ
١٥ / ٥٥٢
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ﴾ [مريم: ٤٦] قَالَ: بِالْقَوْلِ لَأَشْتِمَنَّكَ
١٥ / ٥٥٢
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿لَأَرْجُمَنَّكَ﴾ [مريم: ٤٦] يَعْنِي: رَجْمَ الْقَوْلِ
١٥ / ٥٥٢
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا﴾ [مريم: ٤٦] فَإِنَّ أَهْلَ التَّأْوِيلِ اخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَاهْجُرْنِي حِينًا طَوِيلًا وَدَهْرًا. وَوَجَّهُوا مَعْنَى الْمَلِيِّ إِلَى الْمَلَاوَةِ مِنَ الزَّمَانِ، وَهُوَ الطَّوِيلُ مِنْهُ
١٥ / ٥٥٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْوَضَّاحِ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا﴾ [مريم: ٤٦] قَالَ: دَهْرًا
١٥ / ٥٥٢
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ ﴿مَلِيًّا﴾ [مريم: ٤٦] قَالَ حِينًا حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٥ / ٥٥٣
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، ﴿وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا﴾ [مريم: ٤٦] قَالَ: طَوِيلًا
١٥ / ٥٥٣
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ ﴿وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا﴾ [مريم: ٤٦] قَالَ: زَمَانًا طَوِيلًا
١٥ / ٥٥٣
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، ﴿وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا﴾ [مريم: ٤٦] يَقُولُ: دَهْرًا، وَالدَّهْرُ: الْمَلِيُّ
١٥ / ٥٥٣
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، ﴿وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا﴾ [مريم: ٤٦] قَالَ دَهْرًا
١٥ / ٥٥٣
حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، ﴿وَاهْجُرْنِي ⦗٥٥٤⦘ مَلِيًّا﴾ [مريم: ٤٦] قَالَ: أَبَدًا وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: وَاهْجُرْنِي سَوِيًّا سَالِمًا مِنْ عُقُوبَتِي إِيَّاكَ، وَوَجَّهُوا مَعْنَى الْمَلِيِّ إِلَى قَوْلِ النَّاسِ: فُلَانٌ مَلِيُّ بِهَذَا الْأَمْرِ: إِذَا كَانَ مُضْطَلِعًا بِهِ غَنِيًّا فِيهِ. وَكَأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ كَانَ عِنْدَهُمْ: وَاهْجُرْنِي وَعِرْضُكَ وَافِرٌ مِنْ عُقُوبَتِي، وَجِسْمُكَ مُعَافًى مِنْ أَذَايَ
١٥ / ٥٥٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ﴿وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا﴾ [مريم: ٤٦] يَقُولُ: اجْتَنِبْنِي سَوِيًّا
١٥ / ٥٥٤
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا﴾ [مريم: ٤٦] قَالَ: اجْتَنِبْنِي سَالِمًا قَبْلَ أَنْ يُصِيبَكَ مِنِّي عُقُوبَةٌ
١٥ / ٥٥٤
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا﴾ [مريم: ٤٦] قَالَ: سَالِمًا حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، مِثْلَهُ
١٥ / ٥٥٤
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ كَثِيرِ بْنِ دِرْهَمِ أَبُو غَسَّانَ، قَالَ: ثنا قُرَّةُ بْنُ خَالِدِ، عَنْ عَطِيَّةَ الْجَدَلِيِّ، ﴿وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا﴾ [مريم: ٤٦] قَالَ: سَالِمًا
١٥ / ٥٥٥
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ ﴿وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا﴾ [مريم: ٤٦] اجْتَنِبْنِي سَالِمًا لَا يُصِيبُكَ مِنِّي مَعَرَّةٌ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ عِنْدِي قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَاهْجُرْنِي سَوِيًّا، سَلَمًا مِنْ عُقُوبَتِي، لِأَنَّهُ عَقِيبَ قَوْلِهِ: ﴿لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ﴾ [مريم: ٤٦] وَذَلِكَ وَعِيدٌ مِنْهُ لَهُ إِنْ لَمْ يَنْتَهِ عَنْ ذِكْرِ آلِهَتِهِ بِالسُّوءِ أَنْ يَرْجُمَهُ بِالْقَوْلِ السَّيِّئِ، وَالَّذِي هُوَ أَوْلَى بِأَنْ يَتَّبِعَ ذَلِكَ التَّقَدُّمَ إِلَيْهِ بِالِانْتِهَاءِ عَنْهُ قَبْلَ أَنْ تَنَالَهُ الْعُقُوبَةُ، فَأَمَّا الْأَمْرُ بِطُولِ هِجْرِهِ فَلَا وَجْهَ لَهُ
١٥ / ٥٥٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا﴾ [مريم: ٤٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ حِينَ تَوَعَّدَهُ عَلَى نَصِيحَتِهِ إِيَّاهُ وَدُعَائِهِ إِلَى اللَّهِ بِالْقَوْلِ السَّيِّئِ وَالْعُقُوبَةِ: سَلَامٌ عَلَيْكَ يَا أَبَتِ، يَقُولُ: أَمَنَةً مِنِّي لَكَ أَنْ أُعَاوِدَكَ فِيمَا كَرِهْتَ، وَلِدُعَائِكَ إِلَيَّ مَا تَوَعَّدْتَنِي عَلَيْهِ بِالْعُقُوبَةِ وَلَكِنِّي ﴿سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي﴾ [مريم: ٤٧] يَقُولُ: وَلَكِنِّي سَأَسْأَلُ رَبِّي أَنْ يَسْتُرَ عَلَيْكَ ذُنُوبَكَ بِعَفْوِهِ إِيَّاكَ عَنْ عُقُوبَتِكَ ⦗٥٥٦⦘ عَلَيْهَا ﴿إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا﴾ [مريم: ٤٧] يَقُولُ: إِنَّ رَبِّي عَهِدْتُهُ بِي لَطِيفًا يُجِيبُ دُعَائِي إِذَا دَعَوْتُهُ يُقَالُ مِنْهُ: تَحَفَّى بِي فُلَانٌ. وَقَدْ بَيَّنْتُ ذَلِكَ بِشَوَاهِدِهِ فِيمَا مَضَى، بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ هَاهُنَا. وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٥ / ٥٥٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا﴾ [مريم: ٤٧] يَقُولُ: لَطِيفًا
١٥ / ٥٥٦
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا﴾ [مريم: ٤٧] قَالَ: إِنَّهُ كَانَ بِي لَطِيفًا، فَإِنَّ الْحَفِيَّ: اللَّطِيفُ
١٥ / ٥٥٦
وَقَوْلُهُ: ﴿وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونَ اللَّهِ﴾ [مريم: ٤٨] يَقُولُ: وَأَجْتَنِبُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونَ اللَّهِ مِنَ الْأَوْثَانِ وَالْأَصْنَامِ ﴿وَأَدْعُو رَبِّي﴾ [مريم: ٤٨] يَقُولُ: وَأَدْعُو رَبِّي، بِإِخْلَاصِ الْعِبَادَةِ لَهُ، وَإِفْرَادِهِ بِالرُّبُوبِيَّةِ ﴿عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا﴾ [مريم: ٤٨] يَقُولُ: عَسَى أَنْ لَا أَشْقَى بِدُعَاءِ رَبِّي، وَلَكِنْ يُجِيبُ دُعَائِي، وَيُعْطِينِي مَا أَسْأَلُهُ
١٥ / ٥٥٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونَ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَلَمَّا اعْتَزَلَ إِبْرَاهِيمُ قَوْمَهُ وَعِبَادَةَ مَا كَانُوا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونَ اللَّهِ ⦗٥٥٧⦘ مِنَ الْأَوْثَانِ آنَسْنَا وَحْشَتَهُ مِنْ فِرَاقِهِمْ، وَأَبْدَلْنَاهُ مِنْهُمْ بِمَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُمْ وَأَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ، فَوَهَبْنَا لَهُ ابْنَهُ إِسْحَاقَ، وَابْنَ ابْنِهِ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ ﴿وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا﴾ [مريم: ٤٩] يَقُولُ: وَجَعَلْنَاهُمْ كُلَّهُمْ، يَعْنِي بِالْكُلِّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أَنْبِيَاءَ وَقَالَ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا﴾ [مريم: ٤٩] فَوَحَّدَ، وَلَمْ يَقُلْ أَنْبِيَاءَ، لِتَوْحِيدِ لَفْظِ كُلٍّ
١٥ / ٥٥٦
﴿وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا﴾ [مريم: ٥٠] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَرَزَقْنَا جَمِيعَهُمْ، يَعْنِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مِنْ رَحْمَتِنَا، وَكَانَ الَّذِي وَهَبَ لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ، مَا بَسَطَ لَهُمْ فِي عَاجِلِ الدُّنْيَا مِنْ سَعَةِ رِزْقِهِ، وَأَغْنَاهُمْ بِفَضْلِهِ
١٥ / ٥٥٧
وَقَوْلُهُ ﴿وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا﴾ [مريم: ٥٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَرَزَقْنَاهُمُ الثَّنَاءَ الْحَسَنَ، وَالذِّكْرَ الْجَمِيلَ مِنَ النَّاسِ
١٥ / ٥٥٧
كَمَا حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا﴾ [مريم: ٥٠] يَقُولُ: الثَّنَاءُ الْحَسَنُ وَإِنَّمَا وَصَفَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ اللِّسَانَ الَّذِي جَعَلَ لَهُمْ بِالْعُلُوِّ، لِأَنَّ جَمِيعَ أَهْلِ الْمِلَلِ تُحْسِنُ الثَّنَاءُ عَلَيْهِمْ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ: قَدْ جَاءَنِي لِسَانُ فُلَانٍ، تَعْنِي ثَنَاءَهُ أَوْ ذَمَّهُ، وَمِنْهُ قَوْلُ عَامِرِ بْنِ الْحَارِثِ:
[البحر البسيط] إِنِّي أَتَتْنِي لِسَانٌ لَا أُسَرُّ بِهَا … مِنْ عَلْوَ لَا عَجَبٌ مِنْهَا وَلَا سَخَرُ
وَيُرْوَى: لَا كَذِبَ فِيهَا وَلَا سَخَرُ.
⦗٥٥٨⦘ جَاءَتْ مُرَجَّمَةً قَدْ كُنْتُ أَحْذَرُهَا … لَوْ كَانَ يَنْفَعُنِي الْإِشْفَاقُ وَالْحَذَرُ
مُرَجَّمَةً: يُظَنُّ بِهَا
[البحر البسيط] إِنِّي أَتَتْنِي لِسَانٌ لَا أُسَرُّ بِهَا … مِنْ عَلْوَ لَا عَجَبٌ مِنْهَا وَلَا سَخَرُ
وَيُرْوَى: لَا كَذِبَ فِيهَا وَلَا سَخَرُ.
⦗٥٥٨⦘ جَاءَتْ مُرَجَّمَةً قَدْ كُنْتُ أَحْذَرُهَا … لَوْ كَانَ يَنْفَعُنِي الْإِشْفَاقُ وَالْحَذَرُ
مُرَجَّمَةً: يُظَنُّ بِهَا
١٥ / ٥٥٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا﴾ [مريم: ٥١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ ﷺ: وَاذْكُرْ يَا مُحَمَّدُ فِي كِتَابِنَا الَّذِي أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُوسَى بْنَ عِمْرَانَ، وَاقْصُصْ عَلَى قَوْمِكَ أَنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا. وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ وَبَعْضِ الْكُوفِيِّينَ: (إِنَّهُ كَانَ مُخْلِصًا) بِكَسْرِ اللَّامِ مِنَ الْمُخْلِصِ، بِمَعْنَى: إِنَّهُ كَانَ يُخْلِصُ لِلَّهِ الْعِبَادَةَ، وَيُفْرِدُهُ بِالْأُلُوهَةِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَجْعَلَ لَهُ فِيهَا شَرِيكًا. وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْكُوفَةِ خَلَا عَاصِمٍ: ﴿إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا﴾ [مريم: ٥١] بِفَتْحِ اللَّامِ مِنْ مُخْلَصٍ، بِمَعْنَى: إِنَّ مُوسَى كَانَ اللَّهُ قَدْ أَخْلَصَهُ وَاصْطَفَاهُ لِرِسَالَتِهِ، وَحَمَلَهُ نَبِيًّا مُرْسَلًا. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي: أَنَّهُ كَانَ ﷺ مُخْلِصًا عِبَادَةَ اللَّهِ، مُخْلِصًا لِلرِّسَالَةِ وَالنُّبُوَّةِ، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ الصَّوَابَ. ﴿وَكَانَ رَسُولًا﴾ [مريم: ٥١] يَقُولُ: وَكَانَ لِلَّهِ رَسُولًا إِلَى قَوْمِهِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَمَنْ أَرْسَلَهُ إِلَيْهِ نَبِيًّا
١٥ / ٥٥٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ ⦗٥٥٩⦘ نَجِيًّا وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا﴾ [مريم: ٥٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَنَادَيْنَا مُوسَى مِنْ نَاحِيَةِ الْجَبَلِ، وَيَعْنِي بِالْأَيْمَنِ: يَمِينَ مُوسَى، لِأَنَّهُ الْجَبَلُ لَا يَمِينَ لَهُ وَلَا شِمَالَ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ كَمَا يُقَالُ: قَامَ عَنْ يَمِينِ الْقِبْلَةِ وَعَنْ شِمَالِهَا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٥ / ٥٥٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ﴾ [مريم: ٥٢] قَالَ: جَانِبُ الْجَبَلِ الْأَيْمَنُ وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الطُّورِ وَاخْتِلَافِ الْمُخْتَلِفِينَ فِيهِ، وَدَلَّلْنَا عَلَى الصَّوَابِ مِنَ الْقَوْلِ فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ
١٥ / ٥٥٩
وَقَوْلُهُ: ﴿وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا﴾ [مريم: ٥٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَأَدْنَيْنَاهُ مُنَاجِيًا، كَمَا يُقَالُ: فُلَانٌ نُدِيمُ فُلَانٍ وَمُنَادِمُهُ، وَجَلِيسُ فُلَانٍ وَمُجَالِسُهُ. وَذُكِرَ أَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَدْنَاهُ حَتَّى سَمِعَ صَرِيفَ الْقَلَمِ
١٥ / ٥٥٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ﴿وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا﴾ [مريم: ٥٢] قَالَ: أُدْنِيَ حَتَّى سَمِعَ صَرِيفَ ⦗٥٦٠⦘ الْقَلَمِ
١٥ / ٥٥٩
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورِ الطُّوسِيُّ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، قَالَ: أُرَاهُ عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا﴾ [مريم: ٥٢] قَالَ: بَيْنَ السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ، أَوْ قَالَ: السَّابِعَةِ، وَبَيْنَ الْعَرْشِ سَبْعُونَ أَلْفَ حِجَابٍ: حِجَابُ نُورٍ، وَحِجَابٌ ظُلْمَةٍ، وَحِجَابُ نُورٍ، وَحِجَابُ ظُلْمَةٍ، فَمَا زَالَ يُقَرَّبُ مُوسَى حَتَّى كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ حِجَابٌ، وَسَمِعَ صَرِيفَ الْقَلَمِ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ
١٥ / ٥٦٠
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةَ، قَالَ: قَرَّبَهُ مِنْهُ حَتَّى سَمِعَ صَرِيفَ الْقَلَمِ،
١٥ / ٥٦٠
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ مَيْسَرَةَ، ﴿وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا﴾ [مريم: ٥٢] قَالَ: أُدْنِيَ حَتَّى سَمِعَ صَرِيفَ الْقَلَمِ فِي اللَّوْحِ
١٥ / ٥٦٠
وَقَالَ شُعْبَةُ: أَرْدَفَهُ جَبْرَائِيلُ عليه السلام ⦗٥٦١⦘ وَقَالَ قَتَادَةُ فِي ذَلِكَ:
١٥ / ٥٦٠
مَا حَدَّثَنَا بِهِ الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا﴾ [مريم: ٥٢] قَالَ: نَجَا بِصِدْقِهِ
١٥ / ٥٦١
وَقَوْلُهُ: ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ﴾ [مريم: ٥٣] يَقُولُ: وَوَهَبْنَا لِمُوسَى رَحْمَةً مِنَّا أَخَاهُ هَارُونَ ﴿نَبِيًّا﴾ [مريم: ٣٠] يَقُولُ: أَيَّدْنَاهُ بِنُبُوَّتِهِ، وَأَعَنَّاهُ بِهَا:
١٥ / ٥٦١
كَمَا حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ دَاوُدَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَوْلُهُ: وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا قَالَ: كَانَ هَارُونُ أَكْبَرَ مِنْ مُوسَى، وَلَكِنْ أَرَادَ وَهَبَ لَهُ نُبُوَّتَهُ
١٥ / ٥٦١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا﴾ [مريم: ٥٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: وَاذْكُرْ يَا مُحَمَّدُ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ، فَاقْصُصْ خَبَرَهُ إِنَّهُ كَانَ لَا يَكْذِبُ وَعْدَهُ، وَلَا يَخْلُفُ، وَلَكِنَّهُ كَانَ إِذَا وَعَدَ رَبَّهُ، أَوْ عَبْدًا مِنْ عِبَادِهِ وَعْدًا وَفَّى بِهِ،
١٥ / ٥٦١
كَمَا: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَوْلُهُ: ﴿إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ﴾ [مريم: ٥٤] قَالَ: لَمْ يَعِدْ رَبَّهُ عِدَّةً إِلَّا أَنْجَزَهَا
١٥ / ٥٦١
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، أَنَّ سَهْلَ بْنَ عَقِيلٍ، حَدَّثَهُ أَنَّ إِسْمَاعِيلَ عليه السلام وَعَدَ رَجُلًا مَكَانًا أَنْ يَأْتِيَهُ، فَجَاءَ وَنَسِيَ الرَّجُلُ، فَظَلَّ بِهِ إِسْمَاعِيلُ، وَبَاتَ حَتَّى جَاءَ الرَّجُلُ مِنَ الْغَدِ، فَقَالَ: مَا بَرِحْتَ ⦗٥٦٢⦘ مِنْ هَاهُنَا؟ قَالَ: لَا، قَالَ: إِنِّي نَسِيتُ، قَالَ: لَمْ أَكُنْ لِأَبْرَحَ حَتَّى تَأْتِيَ، فَبِذَلِكَ كَانَ صَادِقًا
١٥ / ٥٦١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا﴾ [مريم: ٥٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِـ﴾ إِقَامَةِ ﴿الصَّلَاةِ وَ﴾ إِيتَاءِ ﴿الزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا﴾ [مريم: ٥٥] عَمَلُهُ، مَحْمُودًا فِيمَا كَلَّفَهُ رَبُّهُ، غَيْرُ مَقْصَرٍ فِي طَاعَتِهِ
١٥ / ٥٦٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا﴾ [مريم: ٥٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَاذْكُرْ يَا مُحَمَّدُ فِي كِتَابِنَا هَذَا إِدْرِيسَ ﴿إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا﴾ [مريم: ٤١] لَا يَقُولُ الْكَذِبَ ﴿نَبِيًّا﴾ [مريم: ٣٠] نُوحِي إِلَيْهِ مِنْ أَمْرِنَا مَا نَشَاءُ. ﴿وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا﴾ [مريم: ٥٧] ذُكِرَ أَنَّ اللَّهَ رَفَعَهُ وَهُوَ حَيُّ إِلَى السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ، فَذَلِكَ مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا﴾ [مريم: ٥٧] يَعْنِي بِهِ إِلَى مَكَانٍ ذِي عُلُوٍّ وَارْتِفَاعٍ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: رُفِعَ إِلَى السَّمَاءِ السَّادِسَةِ. وَقَالَ آخَرُونَ: الرَّابِعَةُ
١٥ / ٥٦٢
ذِكْرُ الرِّوَايَةِ بِذَلِكَ. حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ الْأَعْمَشِ، عَنْ شِمْرِ بْنِ عَطِيَّةَ، عَنْ هِلَالِ بْنِ يَسَافٍ، قَالَ: سَأَلَ
١٥ / ٥٦٢
ابْنُ عَبَّاسٍ كَعْبًا وَأَنَا حَاضِرٌ، فَقَالَ لَهُ: مَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى لِإِدْرِيسَ ﴿وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا﴾ [مريم: ٥٧] قَالَ كَعْبٌ: أَمَّا إِدْرِيسُ، فَإِنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَيْهِ: إِنِّي رَافِعٌ لَكَ كُلَّ يَوْمٍ مِثْلَ عَمَلِ جَمِيعِ بَنِي آدَمَ، فَأُحِبُّ أَنْ تَزْدَادَ عَمَلًا، فَأَتَاهُ خَلِيلٌ لَهُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَيَّ كَذَا وَكَذَا، فَكَلِّمْ لِي مَلَكَ الْمَوْتِ، فَلْيُؤَخِرَنِي حَتَّى أَزْدَادَ عَمَلًا، فَحَمَلَهُ بَيْنَ جَنَاحَيْهِ، ثُمَّ صَعِدَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ، فَلَمَّا كَانَ فِي السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ، تَلَقَّاهُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ مُنْحَدِرًا، فَكَلَّمَ مَلَكَ الْمَوْتِ فِي الَّذِي كَلَّمَهُ فِيهِ إِدْرِيسُ، فَقَالَ: وَأَيْنَ إِدْرِيسُ؟ فَقَالَ: هُوَ ذَا عَلَى ظَهْرِي، قَالَ مَلَكُ الْمَوْتِ: فَالْعَجَبُ بُعِثْتُ أَقْبِضُ رُوحَ إِدْرِيسَ فِي السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ، فَجَعَلْتُ أَقُولُ: كَيْفَ أَقْبِضُ رُوحَهُ فِي السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ وَهُوَ فِي الْأَرْضِ؟ فَقَبَضَ رُوحَهُ هُنَاكَ، فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تبارك وتعالى: ﴿وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا﴾ [مريم: ٥٧]
١٥ / ٥٦٣
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا﴾ [مريم: ٥٧] قَالَ: إِدْرِيسُ رُفِعَ فَلَمْ يَمُتْ، كَمَا رُفِعَ عِيسَى حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ⦗٥٦٤⦘ مِثْلَهُ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: وَلَمْ يَمُتْ
١٥ / ٥٦٣
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ﴿وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا﴾ [مريم: ٥٧] قَالَ: رُفِعَ إِلَى السَّمَاءِ السَّادِسَةِ، فَمَاتَ فِيهَا
١٥ / ٥٦٤
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا﴾ [مريم: ٥٧] إِدْرِيسُ أَدْرَكَهُ الْمَوْتُ فِي السَّمَاءِ السَّادِسَةِ
١٥ / ٥٦٤
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ﴿وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا﴾ [مريم: ٥٧] قَالَ: السَّمَاءُ الرَّابِعَةُ
١٥ / ٥٦٤
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي هَارُونَ الْعَبْدِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، ﴿وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا﴾ [مريم: ٥٧] قَالَ: فِي السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ
١٥ / ٥٦٤
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سُهَيْلٍ، قَالَ: ثنا حَجَّاجٌ، قَالَ: ثنا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ الرِّيَاحِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَوْ غَيْرُهُ وَشَكَّ أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ ” قَالَ: لَمَّا أُسْرِيَ بِالنَّبِيِّ ﷺ صَعِدَ بِهِ جِبْرِيلُ إِلَى السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ، ⦗٥٦٥⦘ فَاسْتَفْتَحَ فَقِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جَبْرَائِيلُ، قَالُوا: وَمَنْ مَعَهُ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قَالُوا: أَوَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالُوا: حَيَّاهُ اللَّهُ مِنْ أَخٍ وَمِنْ خَلِيفَةٍ، فَنِعْمَ الْأَخُ وَنِعْمَ الْخَلِيفَةُ، وَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ، قَالَ: فَدَخَلَ فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ، قَالَ: هَذَا إِدْرِيسُ رَفَعَهُ اللَّهُ مَكَانًا عَلِيًّا
١٥ / ٥٦٤
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ ﴿وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا﴾ [مريم: ٥٧] قَالَ: حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ حَدَّثَ أَنَّهُ لَمَّا عُرِجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ قَالَ: أَتَيْتُ عَلَى إِدْرِيسَ فِي السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ
١٥ / ٥٦٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا﴾ [مريم: ٥٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ ﷺ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ اقْتَصَصْتُ عَلَيْكَ أَنْبَاءَهُمْ فِي هَذِهِ السُّورَةِ يَا مُحَمَّدُ، الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِتَوْفِيقِهِ، فَهَدَاهُمْ لِطَرِيقِ الرُّشْدِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ، وَمِنْ ذُرِّيَّةِ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ فِي الْفُلْكِ، وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ الرَّحْمَنِ، وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِسْرَائِيلَ، وَمِمَّنْ هَدَيْنَا لِلْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَالْعَمَلِ بِطَاعَتِهِ وَاجْتَبَيْنَا، يَقُولُ: وَمِمَّنْ اصْطَفَيْنَا وَاخْتَرْنَا لِرِسَالَتِنَا وَوَحْيِنَا، فَالَّذِي عُنِيَ بِهِ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ إِدْرِيسُ، وَالَّذِي عُنِيَ بِهِ مِنْ ذُرِّيَّةِ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِبْرَاهِيمَ، وَالَّذِي عُنِيَ بِهِ مِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِسْحَاقُ وَيَعْقُوبُ وَإِسْمَاعِيلُ، وَالَّذِي عُنِيَ بِهِ مِنْ ذُرِّيَّةِ
١٥ / ٥٦٥
إِسْرَائِيلَ: مُوسَى وَهَارُونُ وَزَكَرِيَّا وَعِيسَى وَأُمُّهُ مَرْيَمُ، وَلِذَلِكَ فَرَّقَ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَنْسَابَهُمْ وَإِنْ كَانَ يَجْمَعُ جَمِيعَهُمْ آدَمُ لِأَنَّ فِيهِمْ مَنْ لَيْسَ مِنْ وَلَدِ مَنْ كَانَ مَعَ نُوحٍ فِي السَّفِينَةِ، وَهُوَ إِدْرِيسُ، وَإِدْرِيسُ جَدُّ نُوحٍ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ﴾ [مريم: ٥٨] يَقُولُ: إِذَا تُتْلَى عَلَى هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ أَدِلَّةُ اللَّهِ وَحُجَجُهُ الَّتِي أَنْزَلَهَا عَلَيْهِمْ فِي كُتُبِهِ، خَرُّوا لِلَّهِ سُجَّدًا، اسْتِكَانَةً لَهُ وَتَذَلُّلًا وَخُضُوعًا لِأَمْرِهِ وَانْقِيَادًا ﴿وَبُكِيًّا﴾ [مريم: ٥٨] يَقُولُ: خَرُّوا سُجَّدًا وَهُمْ بَاكُونَ، وَالْبُكِيُّ: جَمْعُ بَاكٍ، كَمَا الْعُتِيُّ جَمْعُ عَاتٍ وَالْجُثِيُّ: جَمْعُ جَاثٍ، فَجُمِعَ وَهُوَ فَاعِلٌ عَلَى فَعُولٍ، كَمَا يُجْمَعُ الْقَاعِدُ قُعُودًا، وَالْجَالِسُ جُلُوسًا، وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ: وَبُكُوًّا وَعُتُوًّا، وَلَكِنْ كُرِهَتِ الْوَاوُ بَعْدَ الضَّمَّةِ فَقُلِبَتْ يَاءً، كَمَا قِيلَ فِي جَمْعِ دَلْو أُدْلٍ. وَفِي جَمْعِ الْبَهْوِ أُبْهٍ، وَأَصْلُ ذَلِكَ أَفْعَلُ أَدْلُو وَأَبْهُو، فَقُلِبَتِ الْوَاوُ يَاءً لِمَجِيئِهَا بَعْدَ الضَّمَّةِ اسْتِثْقَالًا، وَفِي ذَلِكَ لُغَتَانِ مُسْتَفِيضَتَانِ، قَدْ قَرَأَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ عُلَمَاءُ مِنَ الْقُرَّاءِ بِالْقُرْآنِ بُكِيًّا وَعُتُوًّا بِالضَّمِّ، وَبُكِيًّا وَعُتِيًّا بِالْكَسْرِ. وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْبُكِيُّ هُوَ الْبُكَاءُ بِعَيْنِهِ
١٥ / ٥٦٦
وَقَدْ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ ⦗٥٦٧⦘ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: قَرَأَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ سُورَةَ مَرْيَمَ فَسَجَدَ وَقَالَ: هَذَا السُّجُودُ، فَأَيْنَ الْبُكِيُّ يُرِيدُ: فَأَيْنَ الْبُكَاءُ
١٥ / ٥٦٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا﴾ [مريم: ٥٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَحَدَثَ مِنْ بَعْدِ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ ذَكَرْتُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ أَنْعَمْتُ عَلَيْهِمْ، وَوَصَفْتُ صِفَتَهُمْ فِي هَذِهِ السُّورَةِ، خَلْفُ سُوءٍ خَلَفُوهُمْ فِي الْأَرْضِ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ. ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي صِفَةِ إِضَاعَتِهِمُ الصَّلَاةَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَتْ إِضَاعَتُهُمُوهَا تَأْخِيرَهُمْ إِيَّاهَا عَنْ مَوَاقِيتِهَا، وَتَضْيِيعِهِمْ أَوْقَاتَهَا
١٥ / ٥٦٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ سَعْدٍ الْكِنْدِيُّ، قَالَ: ثنا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنْ مُوسَى بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُخَيْمِرَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ﴾ [مريم: ٥٩] قَالَ: إِنَّمَا أَضَاعُوا الْمَوَاقِيتَ، وَلَوْ كَانَ تَرْكًا كَانَ كُفْرًا حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ زَيْدٍ الْخَطَّابِيُّ، قَالَ: ثنا الْفِرْيَابِيُّ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنِ الْقَاسِمِ ⦗٥٦٨⦘ بْنِ مُخَيْمِرَةَ، نَحْوَهُ
١٥ / ٥٦٧
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ أَبِي عُمَيْرٍ، قَالَ: ثني الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُخَيْمِرَةَ، قَالَ: أَضَاعُوا الْمَوَاقِيتَ، وَلَوْ تَرَكُوهَا لَصَارُوا بِتَرْكِهَا كُفَّارًا حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنِ الْقَاسِمِ، نَحْوَهُ
١٥ / ٥٦٨
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يَزِيدَ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ، بَعَثَ رَجُلًا إِلَى مِصْرَ لِأَمْرٍ أَعْجَلَهُ لِلْمُسْلِمِينَ، فَخَرَجَ إِلَى حَرَسِهِ، وَقَدْ كَانَ تَقَدَّمَ إِلَيْهِمْ أَنْ لَا يَقُومُوا إِذَا رَأَوْهُ، قَالَ: فَأَوْسِعُوا لَهُ، فَجَلَسَ بَيْنَهُمْ فَقَالَ: أَيُّكُمْ يَعْرِفُ الرَّجُلَ الَّذِي بَعَثْنَاهُ إِلَى مِصْرَ؟ فَقَالُوا: كُلُّنَا نَعْرِفُهُ، قَالَ: فَلْيَقُمْ أَحْدَثُكُمْ سِنًّا، فَلْيَدْعُهُ، فَأَتَاهُ الرَّسُولُ فَقَالَ: لَا تَعْجَلْنِي أَشَدُّ عَلَيَّ ثِيَابِي، فَأَتَاهُ فَقَالَ: إِنَّ الْيَوْمَ الْجُمُعَةُ، فَلَا تَبْرَحَنَّ حَتَّى تُصَلِّيَ، وَإِنَّا بَعَثْنَاكَ فِي أَمْرٍ أَعْجَلَهُ لِلْمُسْلِمِينَ، فَلَا يَعْجَلَنَّكَ مَا بَعَثْنَاكَ لَهُ أَنْ تُؤَخِّرَ الصَّلَاةَ عَنْ مِيقَاتِهَا، فَإِنَّكَ مُصَلِّيهَا لَا مَحَالَةَ، ثُمَّ قَرَأَ: ﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا﴾ [مريم: ٥٩] ثُمَّ قَالَ: لَمْ يَكُنْ إِضَاعَتُهُمْ تَرْكَهَا، وَلَكِنْ أَضَاعُوا الْوَقْتَ
١٥ / ٥٦٨
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنِ الْمَسْعُودِيِّ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَالْحَسَنُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّهُ قِيلَ لَهُ: إِنَّ اللَّهَ يُكْثِرُ ذِكْرَ الصَّلَاةِ فِي الْقُرْآنِ ﴿الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ﴾ [الماعون: ٥] وَ﴿عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ﴾ [المعارج: ٢٣] وَ﴿عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ﴾ [الأنعام: ٩٢] فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه: عَلَى مَوَاقِيتِهَا، قَالُوا: مَا كُنَّا نَرَى ذَلِكَ إِلَّا عَلَى التَّرْكِ، قَالَ: ذَاكَ الْكُفْرُ
١٥ / ٥٦٩
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا عُمَرُ أَبُو حَفْصٍ الْأَبَّارُ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ، قَالَ: قَالَ مَسْرُوقٌ: لَا يُحَافِظُ أَحَدٌ عَلَى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، فَيُكْتَبُ مِنَ الْغَافِلِينَ، وَفِي إِفْرَاطِهِنَّ الْهَلَكَةَ، وَإِفْرَاطُهُنَّ: إِضَاعَتُهُنَّ عَنْ وَقْتِهِنَّ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ كَانَتْ إِضَاعَتُهُمُوهَا: تَرْكَهَا
١٥ / ٥٦٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو صَخْرٍ، عَنِ الْقُرَظِيِّ، أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ﴾ [مريم: ٥٩] يَقُولُ: تَرَكُوا الصَّلَاةَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ، قَوْلُ مَنْ قَالَ: إِضَاعَتُهُمُوهَا تَرْكَهُمْ إِيَّاهَا لِدَلَالَةِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ بَعْدَهُ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا﴾ [مريم: ٦٠] فَلَوْ كَانَ الَّذِينَ وَصَفَهُمْ بِأَنَّهُمْ ⦗٥٧٠⦘ ضَيَّعُوهَا مُؤْمِنِينَ لَمْ يَسْتَثْنِ مِنْهُمْ مَنْ آمَنَ، وَهُمْ مُؤْمِنُونَ وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا كُفَّارًا لَا يَعْمَلُونَ لِلَّهِ، وَلَا يُؤَدُّونَ لَهُ فَرِيضَةً، فَسَقَةً قَدْ آثَرُوا شَهَوَاتِ أَنْفُسِهِمْ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ الَّذِينَ وَصَفَهُمُ اللَّهُ بِهَذِهِ الصُّفَّةِ قَوْمٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَكُونُونَ فِي آخِرِ الزَّمَانِ
١٥ / ٥٦٩
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا﴾ [مريم: ٥٩] قَالَ: عِنْدَ قِيَامِ السَّاعَةِ، وَذِهَابِ صَالِحِي أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ يَنْزُو بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْأَزِقَّةِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو: زِنًا. وَقَالَ الْحَارِثُ: زُنَاةٌ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ، وَقَالَ: زِنًا، كَمَا قَالَ ابْنُ عَمْرِو
١٥ / ٥٧٠
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا أَبُو تُمَيْلَةَ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، وَمُجَاهِدٍ، وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، ﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ﴾ [الأعراف: ١٦٩] . . الْآيَةَ، قَالَ: هُمْ أُمَّةُ مُحَمَّدٍ
١٥ / ٥٧٠
وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْأَشْيَبُ، قَالَ: ثنا شَرِيكٌ، عَنْ أَبِي تَمِيمِ بْنِ مُهَاجِرٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ﴾ [مريم: ٥٩] قَالَ: هُمْ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ يَتَرَاكَبُونَ تَرَاكُبَ الْأَنْعَامِ وَالْحُمُرِ فِي الطُّرُقِ، لَا يَخَافُونَ اللَّهَ فِي السَّمَاءِ، وَلَا يَسْتَحْيُونَ النَّاسَ فِي الْأَرْضِ
١٥ / ٥٧١
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿فَسَوْفَ يَلْقُونَ غَيًّا﴾ [مريم: ٥٩] فَإِنَّهُ يَعْنِي أَنَّ هَؤُلَاءَ الْخُلْفُ الَّذِينَ خَلَفُوا بَعْدَ أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ سَيَدْخُلُونَ غَيًّا، وَهُوَ اسْمُ وَادٍ مِنْ أَوْدِيَةِ جَهَنَّمَ، أَوِ اسْمُ بِئْرٍ مِنْ آبَارِهَا
١٥ / ٥٧١
كَمَا: حَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادِ بْنِ رَزَانٍ، قَالَ: ثنا شَرْقِيُّ بْنُ قَطَامِيٍّ، عَنْ لُقْمَانَ بْنِ عَامِرٍ الْخُزَاعِيِّ، قَالَ: جِئْتُ أَبَا أُمَامَةَ صُدَيَّ بْنَ عَجْلَانَ الْبَاهِلِيَّ، فَقُلْتُ: حَدِّثْنَا حَدِيثًا، سَمِعْتَهُ مِنْ، رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، قَالَ: فَدَعَا بِطَعَامٍ، ثُمَّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لَوْ أَنَّ صَخْرَةً زِنَةَ عَشَرَةِ أَوَاقٍ قُذِفَ بِهَا مِنْ شَفِيرِ جَهَنَّمَ مَا بَلَغَتْ قَعْرَهَا خَمْسِينَ خَرِيفًا، ثُمَّ تَنْتَهِيَ إِلَى غَيِّ وَأَثَامٍ» قَالَ: ⦗٥٧٢⦘ قُلْتُ وَمَا غَيُّ وَمَا أَثَامٌ؟ قَالَ: “بِئْرَانِ فِي أَسْفَلِ جَهَنَّمَ يَسِيلُ فِيهِمَا صَدِيدُ أَهْلِ النَّارِ، وَهُمَا اللَّتَانِ ذَكَرَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ ﴿أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا﴾ [مريم: ٥٩] وَقَوْلُهُ فِي الْفُرْقَانِ: ﴿وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا﴾ [الفرقان: ٦٨]
١٥ / ٥٧١
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، ﴿فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا﴾ [مريم: ٥٩] قَالَ: وَادِيًا فِي جَهَنَّمَ
١٥ / ٥٧٢
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ﴿فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا﴾ [مريم: ٥٩] قَالَ: وَادِيًا فِي النَّارِ
١٥ / ٥٧٢
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ﴿فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا﴾ [مريم: ٥٩] قَالَ: نَهْرٌ فِي جَهَنَّمَ خَبِيثُ الطَّعْمِ بَعِيدُ الْقَعْرِ
١٥ / ٥٧٢
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الْمُحَارِبِيُّ، قَالَ: ثنا أَبُو الْأَحْوَصِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا ⦗٥٧٣⦘ الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا﴾ [مريم: ٥٩] قَالَ: الْغَيُّ: نَهْرُ جَهَنَّمَ فِي النَّارِ، يُعَذَّبُ فِيهِ الَّذِينَ اتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ
١٥ / ٥٧٢
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا أَبُو الْأَحْوَصِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، فِي قَوْلِهِ ﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا﴾ [مريم: ٥٩] قَالَ: الْغَيُّ: نَهْرُ جَهَنَّمَ فِي النَّارِ، يُعَذَّبُ فِيهِ الَّذِينَ اتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ
١٥ / ٥٧٣
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا أَبُو الْأَحْوَصِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ﴿أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا﴾ [مريم: ٥٩] قَالَ: نَهْرٌ فِي النَّارِ يَقْذِفُهُ فِيهِ الَّذِينَ اتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عَنَى بِالْغَيِّ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: الْخُسْرَانَ
١٥ / ٥٧٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا﴾ [مريم: ٥٩] يَقُولُ: خُسْرَانًا وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عَنَى بِهِ الشَّرَّ
١٥ / ٥٧٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿فَسَوْفَ ⦗٥٧٤⦘ يَلْقَوْنَ غَيًّا﴾ [مريم: ٥٩] قَالَ: الْغَيُّ: الشَّرُّ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
[البحر الطويل] فَمَنْ يَلْقَ خَيْرًا يَحْمَدِ النَّاسُ أَمْرَهُ … وَمَنْ يَغْوَ لَا يَعْدَمْ عَلَى الْغَيِّ لَائِمَا
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَكُلُّ هَذِهِ الْأَقْوَالِ مُتَقَارِبَاتُ الْمَعَانِي، وَذَلِكَ أَنَّ مَنْ وَرَدَ الْبِئْرَيْنِ اللَّتَيْنِ ذَكَرَهُمَا النَّبِيُّ ﷺ، وَالْوَادِي الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ فِي جَهَنَّمَ، فَدَخَلَ ذَلِكَ، فَقَدْ لَاقَى خُسْرَانًا وَشَرًّا، حَسْبُهُ بِهِ شَرًّا
[البحر الطويل] فَمَنْ يَلْقَ خَيْرًا يَحْمَدِ النَّاسُ أَمْرَهُ … وَمَنْ يَغْوَ لَا يَعْدَمْ عَلَى الْغَيِّ لَائِمَا
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَكُلُّ هَذِهِ الْأَقْوَالِ مُتَقَارِبَاتُ الْمَعَانِي، وَذَلِكَ أَنَّ مَنْ وَرَدَ الْبِئْرَيْنِ اللَّتَيْنِ ذَكَرَهُمَا النَّبِيُّ ﷺ، وَالْوَادِي الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ فِي جَهَنَّمَ، فَدَخَلَ ذَلِكَ، فَقَدْ لَاقَى خُسْرَانًا وَشَرًّا، حَسْبُهُ بِهِ شَرًّا
١٥ / ٥٧٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا﴾ [مريم: ٦٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَسَوْفَ يَلْقَى هَؤُلَاءِ الْخَلَفُ السُّوءُ الَّذِينَ وُصِفَ صِفَتُهُمْ غَيًّا، إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا فَرَاجَعُوا أَمْرَ اللَّهِ وَالْإِيمَانَ بِهِ وَبِرَسُولِهِ ﴿وَعَمِلَ صَالِحًا﴾ [البقرة: ٦٢] يَقُولُ: وَأَطَاعَ اللَّهَ فِيمَا أَمَرَهُ وَنَهَاهُ عَنْهُ، وَأَدَّى فَرَائِضَهُ، وَاجْتَنَبَ مَحَارِمَهُ ﴿فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ﴾ [النساء: ١٢٤] يَقُولُ: فَإِنَّ أُولَئِكَ مِنْهُمْ خَاصَّةً يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ دُونَ مَنْ هَلَكَ مِنْهُمْ عَلَى كُفْرِهِ، وَإِضَاعَتِهِ الصَّلَاةَ وَاتِّبَاعِهِ الشَّهَوَاتِ. وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا﴾ [مريم: ٦٠] يَقُولُ: وَلَا يُبْخَسُونَ مِنْ جَزَاءِ أَعْمَالِهِمْ شَيْئًا، وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ هَلَكُوا مِنَ الْخَلَفِ السُّوءِ مِنْهُمْ قَبْلَ تَوْبَتِهِمْ مِنْ ضَلَالِهِمْ، وَقَبْلَ إِنَابَتِهِمْ إِلَى طَاعَةِ رَبِّهِمْ فِي جَهَنَّمَ، وَلَكِنَّهُمْ يَدْخُلُونَ مَدْخَلَ أَهْلِ
١٥ / ٥٧٤
الْإِيمَانِ
١٥ / ٥٧٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا﴾ [مريم: ٦١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ ﴿جَنَّاتِ عَدْنٍ﴾ [التوبة: ٧٢] وَقَوْلُهُ: ﴿جَنَّاتِ عَدْنٍ﴾ [التوبة: ٧٢] نُصِبَ تَرْجَمَةً عَنِ الْجَنَّةِ. وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ: ﴿جَنَّاتِ عَدْنٍ﴾ [التوبة: ٧٢] بَسَاتِينَ إِقَامَةٍ. وَقَدْ بَيَّنْتُ ذَلِكَ فِيمَا مَضَى قَبْلُ بِشَوَاهِدِهِ الْمُغْنِيَةِ عَنْ إِعَادَتِهِ. وَقَوْلُهُ: ﴿الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ﴾ [مريم: ٦١] يَقُولُ: هَذِهِ الْجَنَّاتُ هِيَ الْجَنَّاتُ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَدْخُلُوهَا بِالْغَيْبِ، لِأَنَّهُمْ لَمْ يَرَوْهَا وَلَمْ يُعَايِنُوهَا، فَهِيَ غَيْبٌ لَهُمْ. وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّهُ كَانَ وَعْدَهُ مَأْتِيًّا﴾ [مريم: ٦١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ اللَّهَ كَانَ وَعْدُهُ، وَوَعْدُهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مَوْعُودُهُ، وَهُوَ الْجَنَّةُ مَأْتِيًّا يَأْتِيهِ أَوْلِيَاؤُهُ وَأَهْلُ طَاعَتِهِ الَّذِينَ يُدْخِلُهُمُوهَا اللَّهُ. وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ: خَرَجَ الْخَبَرُ عَلَى أَنَّ الْوَعْدَ هُوَ الْمَأْتِيُّ، وَمَعْنَاهُ: أَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَأْتِي، وَلَمْ يَقُلْ: وَكَانَ وَعْدُهُ آتِيًا، لِأَنَّ كُلَّ مَا أَتَاكَ فَأَنْتَ تَأْتِيهِ، وَقَالَ: أَلَا تَرَى أَنَّكَ تَقُولُ: أَتَيْتُ عَلَى خَمْسِينَ سَنَةً، وَأَتَتْ عَلَيَّ خَمْسُونَ سَنَةً، وَكُلُّ ذَلِكَ صَوَابٌ، وَقَدْ بَيَّنْتُ الْقَوْلَ فِيهِ،
١٥ / ٥٧٥
وَالْهَاءُ فِي قَوْلِهِ ﴿إِنَّهُ﴾ [البقرة: ٣٧] مِنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ
١٥ / ٥٧٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا﴾ [مريم: ٦٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: لَا يَسْمَعُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ فِيهَا لَغْوًا، وَهُوَ الْهَذْي وَالْبَاطِلُ مِنَ الْقَوْلِ وَالْكَلَامِ ﴿إِلَّا سَلَامًا﴾ [مريم: ٦٢] وَهَذَا مِنَ الِاسْتِثْنَاءِ الْمُنْقَطِعِ، وَمَعْنَاهُ: وَلَكِنْ يَسْمَعُونَ سَلَامًا، وَهُوَ تَحِيَّةُ الْمَلَائِكَةِ إِيَّاهُمْ. وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَهُمْ رَزَقَهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا﴾ [مريم: ٦٢] يَقُولُ: وَلَهُمْ طَعَامُهُمْ وَمَا يَشْتَهُونَ مِنَ الْمَطَاعِمِ وَالْمَشَارِبِ فِي قَدْرِ وَقْتِ الْبُكْرَةِ وَوَقْتِ الْعَشِيِّ مِنْ نَهَارِ أَيَّامِ الدُّنْيَا، وَإِنَّمَا يَعْنِي أَنَّ الَّذِيَ بَيْنَ غَدَائِهِمْ وَعَشَائِهِمْ فِي الْجَنَّةِ قَدْرُ مَا بَيْنَ غَدَاءِ أَحَدِنَا فِي الدُّنْيَا وَعَشَائِهِ، وَكَذَلِكَ مَا بَيْنَ الْعَشَاءِ وَالْغَدَاءِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا لَيْلُ فِي الْجَنَّةِ وَلَا نَهَارٌ، وَذَلِكَ كَقَوْلِهِ: ﴿خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ﴾ [فصلت: ٩] وَ﴿خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ﴾ يَعْنِي بِهِ: مِنْ أَيَّامِ الدُّنْيَا
١٥ / ٥٧٦
كَمَا: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: ثنا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ: سَأَلْتُ زُهَيْرَ بْنَ مُحَمَّدٍ، عَنْ قَوْلِ اللَّهِ: ﴿وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا﴾ [مريم: ٦٢] قَالَ: لَيْسَ فِي الْجَنَّةِ لَيْلٌ، هُمْ فِي نُورٍ أَبَدًا، وَلَهُمْ مِقْدَارُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، يَعْرِفُونَ مِقْدَارَ اللَّيْلِ بِإِرْخَاءِ الْحُجُبِ وَإِغْلَاقِ الْأَبْوَابِ، وَيَعْرِفُونَ مِقْدَارَ النَّهَارِ بِرَفْعِ الْحُجُبِ، وَفَتْحِ ⦗٥٧٧⦘ الْأَبْوَابِ
١٥ / ٥٧٦
حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا الْوَلِيدُ، عَنْ خُلَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ، وَذَكَرَ، أَبْوَابَ الْجَنَّةِ، فَقَالَ: أَبْوَابٌ يُرَى ظَاهِرُهَا مِنْ بَاطِنِهَا، فَتَكَلَّمُ وَتُكَلَّمُ، فَتُهَمْهِمُ انْفَتِحِي انْغَلِقِي، فَتَفْعَلُ
١٥ / ٥٧٧
حَدَّثَنِي ابْنُ حَرْبٍ، قَالَ: ثنا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: ثنا عَامِرُ بْنُ يَسَافٍ، عَنْ يَحْيَى، قَالَ: كَانَتِ الْعَرَبُ فِي زَمَانِهِمْ مَنْ وَجَدَ مِنْهُمْ عَشَاءً وَغَدَاءً، فَذَاكَ النَّاعِمُ فِي أَنْفُسِهِمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ ﴿وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا﴾ [مريم: ٦٢] قَدْرَ مَا بَيْنَ غَدَائِكُمْ فِي الدُّنْيَا إِلَى عَشَائِكُمْ
١٥ / ٥٧٧
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا﴾ [مريم: ٦٢] قَالَ: كَانَتِ الْعَرَبُ إِذَا أَصَابَ أَحَدُهُمُ الْغَدَاءَ وَالْعَشَاءَ عَجِبَ لَهُ، فَأَخْبَرَهُمُ اللَّهُ أَنَّ لَهُمْ فِي الْجَنَّةِ بُكْرَةً وَعَشِيًّا، قَدْرَ ذَلِكَ الْغَدَاءِ وَالْعَشَاءِ
١٥ / ٥٧٧
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: لَيْسَ بُكْرَةٌ وَلَا عَشِيُّ، وَلَكِنْ يُؤْتَوْنَ بِهِ عَلَى مَا كَانُوا ⦗٥٧٨⦘ يَشْتَهُونَ فِي الدُّنْيَا
١٥ / ٥٧٧
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ ﴿وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا﴾ [مريم: ٦٢] فِيهَا سَاعَتَانِ بَكْرَةٌ وَعَشِيُّ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَهُمْ لَيْسَ ثَمَّ لَيْلٌ، إِنَّمَا هُوَ ضَوْءٌ وَنُورٌ
١٥ / ٥٧٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا﴾ [مريم: ٦٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: هَذِهِ الْجَنَّةُ الَّتِي وَصَفْتُ لَكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ صِفَتَهَا، هِيَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُهَا، يَقُولُ: نُورِثُ مَسَاكِنَ أَهْلِ النَّارِ فِيهَا ﴿مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا﴾ [مريم: ٦٣] يَقُولُ: مَنْ كَانَ ذَا اتِّقَاءِ عَذَابِ اللَّهِ بِأَدَاءِ فَرَائِضِهِ، وَاجْتِنَابِ مَعَاصِيهِ
١٥ / ٥٧٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا﴾ [مريم: ٦٤] ذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ مِنْ أَجْلِ اسْتِبْطَاءِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ جَبْرَائِيلَ بِالْوَحْيِ، وَقَدْ ذَكَرْتُ بَعْضَ الرِّوَايَةِ، وَنَذْكُرُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ بَاقِيَ مَا حَضَرَنَا ذِكْرُهُ مِمَّا لَمْ نَذْكُرْ قَبْلُ
١٥ / ٥٧٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبَانَ الْعِجْلِيُّ، وَقَبِيصَةُ، وَوَكِيعٌ، وَحَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، جَمِيعًا عَنْ عُمَرَ بْنِ ذَرٍّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَذْكُرُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ مُحَمَّدًا، قَالَ لِجَبْرَائِيلَ: «مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَزُورَنَا أَكْثَرَ مِمَّا تَزُورُنَا» فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا﴾ [مريم: ٦٤] قَالَ: هَذَا الْجَوَّابُ لِمُحَمَّدٍ ﷺ
١٥ / ٥٧٩
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا عُمَرُ بْنُ ذَرٍّ، قَالَ ثني أَبِي، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ لِجَبْرَائِيلَ: مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَزُورَنَا أَكْثَرَ مِمَّا تَزُورُنَا؟ فَنَزَلَتْ ﴿وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ﴾ [مريم: ٦٤]
١٥ / ٥٧٩
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ ثني أَبِي، قَالَ ثني عَمِّي، قَالَ ثني أَبِي، عَنْ ⦗٥٨٠⦘ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ ﴿وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ﴾ [مريم: ٦٤] . . إِلَى ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا﴾ [مريم: ٦٤] قَالَ: احْتَبَسَ جَبْرَائِيلُ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، فَوَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِنْ ذَلِكَ وَحَزِنَ، فَأَتَاهُ جَبْرَائِيلُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ ﴿وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا﴾ [مريم: ٦٤]
١٥ / ٥٧٩
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: لَبِثَ جَبْرَائِيلُ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، فَكَأَنَّ النَّبِيَّ اسْتَبْطَأَهُ، فَلَمَّا أَتَاهُ قَالَ لَهُ جَبْرَائِيلُ: ﴿وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ﴾ [مريم: ٦٤] . . الْآيَةَ
١٥ / ٥٨٠
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا﴾ [مريم: ٦٤] قَالَ: هَذَا قَوْلُ جَبْرَائِيلَ، احْتَبَسَ جَبْرَائِيلُ فِي بَعْضِ الْوَحْيِ، فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ: «مَا جِئْتَ حَتَّى اشْتَقْتُ إِلَيْكَ» فَقَالَ لَهُ جَبْرَائِيلُ: ﴿وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا﴾ [مريم: ٦٤]
١٥ / ٥٨٠
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ تبارك وتعالى ﴿وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ﴾ [مريم: ٦٤] قَالَ: قَوْلُ الْمَلَائِكَةِ حِينَ اسْتَرَاثَهُمْ مُحَمَّدٌ ﷺ، كَالَّتِي فِي الضُّحَى
١٥ / ٥٨٠
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: لَبِثَ جَبْرَائِيلُ عَنْ مُحَمَّدٍ، اثْنَتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً، وَيَقُولُونَ: قُلِيَ، فَلَمَّا جَاءَهُ قَالَ: «أَيْ جَبْرَائِيلُ لَقَدْ رِثْتَ عَلَيَّ حَتَّى لَقَدْ ظَنَّ الْمُشْرِكُونَ كُلَّ ظَنٍّ» فَنَزَلَتْ: ﴿وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا﴾ [مريم: ٦٤]
١٥ / ٥٨١
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: ثنا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ﴾ [مريم: ٦٤] احْتُبِسَ عَنْ نَبِيِّ اللَّهِ ﷺ حَتَّى تَكَلَّمَ الْمُشْرِكُونَ فِي ذَلِكَ، وَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى نَبِيِّ اللَّهِ، فَأَتَاهُ جَبْرَائِيلُ، فَقَالَ: اشْتَدَّ عَلَيْكَ احْتِبَاسُنَا عَنْكَ، وَتَكَلَّمَ فِي ذَلِكَ الْمُشْرِكُونَ، وَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، إِذَا أَمَرَنِي بِأَمْرٍ أَطَعْتُهُ ﴿وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ﴾ [مريم: ٦٤] يَقُولُ: بِقَوْلِ رَبِّكَ ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: ﴿لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ﴾ [مريم: ٦٤] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَعْنِي بِقَوْلِهِ ﴿مَا بَيْنَ أَيْدِينَا﴾ [مريم: ٦٤] مِنَ الدُّنْيَا، وَبِقَوْلِهِ ⦗٥٨٢⦘: ﴿وَمَا خَلْفَنَا﴾ [مريم: ٦٤] الْآخِرَةَ ﴿وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ﴾ [مريم: ٦٤] النَّفْخَتَيْنِ
١٥ / ٥٨١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ، ﴿لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا﴾ [مريم: ٦٤] يَعْنِي الدُّنْيَا ﴿وَمَا خَلْفَنَا﴾ [مريم: ٦٤] الْآخِرَةَ ﴿وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ﴾ [مريم: ٦٤] النَّفْخَتَيْنِ
١٥ / ٥٨٢
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةَ، قَالَ ﴿مَا بَيْنَ أَيْدِينَا﴾ [مريم: ٦٤] مِنَ الدُّنْيَا ﴿وَمَا خَلْفَنَا﴾ [مريم: ٦٤] مِنْ أَمْرِ الْآخِرَةِ ﴿وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ﴾ [مريم: ٦٤] مَا بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ وَقَالَ آخَرُونَ: ﴿مَا بَيْنَ أَيْدِينَا﴾ [مريم: ٦٤] الْآخِرَةُ ﴿وَمَا خَلْفَنَا﴾ [مريم: ٦٤] الدُّنْيَا ﴿وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ﴾ [مريم: ٦٤] مَا بَيْنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ
١٥ / ٥٨٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ﴿بَيْنَ أَيْدِينَا﴾ [مريم: ٦٤] الْآخِرَةُ ﴿وَمَا خَلْفَنَا﴾ [مريم: ٦٤] مِنَ الدُّنْيَا
١٥ / ٥٨٢
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا﴾ [مريم: ٦٤] مِنْ أَمْرِ الْآخِرَةِ ﴿وَمَا خَلْفَنَا﴾ [مريم: ٦٤] مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا ﴿وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ﴾ [مريم: ٦٤] مَا ⦗٥٨٣⦘ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا﴾ [مريم: ٦٤]
١٥ / ٥٨٢
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا﴾ [مريم: ٦٤] مِنَ الْآخِرَةِ ﴿وَمَا خَلْفَنَا﴾ [مريم: ٦٤] مِنَ الدُّنْيَا ﴿وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ﴾ [مريم: ٦٤] مَا بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ
١٥ / ٥٨٣
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿مَا بَيْنَ أَيْدِينَا﴾ [مريم: ٦٤] مِنَ الْآخِرَةِ ﴿وَمَا خَلْفَنَا﴾ [مريم: ٦٤] مِنَ الدُّنْيَا وَقَالَ آخَرُونَ فِي ذَلِكَ بِمَا:
١٥ / ٥٨٣
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، ﴿مَا بَيْنَ أَيْدِينَا﴾ [مريم: ٦٤] قَالَ: مَا مَضَى أَمَامَنَا مِنَ الدُّنْيَا ﴿وَمَا خَلْفَنَا﴾ [مريم: ٦٤] مَا يَكُونُ بَعْدَنَا مِنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ﴿وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ﴾ [مريم: ٦٤] قَالَ: مَا بَيْنَ مَا مَضَى أَمَامَهُمْ، وَبَيْنَ مَا يَكُونُ بَعْدَهُمْ وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ يَتَأَوَّلُ ذَلِكَ ﴿لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا﴾ [مريم: ٦٤] قَبْلَ أَنْ نُخْلَقَ ﴿وَمَا خَلْفَنَا﴾ [مريم: ٦٤] بَعْدَ الْفِنَاءِ ﴿وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ﴾ [مريم: ٦٤] حِينَ كُنَّا. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ، قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَاهُ: لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا مِنْ أَمْرِ الْآخِرَةِ، لِأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَجِئْ وَهُوَ جَاءٍ، فَهُوَ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ، فَإِنَّ الْأَغْلَبَ فِي اسْتِعْمَالِ النَّاسِ إِذَا قَالُوا: هَذَا الْأَمْرَ بَيْنَ يَدَيْكَ، أَنَّهُمْ يَعْنُونَ بِهِ مَا لَمْ يَجِئْ، وَأَنَّهُ جَاءٍ، فَلِذَلِكَ قُلْنَا: ذَلِكَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ. وَمَا خَلْفَنَا مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا، ⦗٥٨٤⦘ وَذَلِكَ مَا قَدْ خَلَّفُوهُ فَمَضَى، فَصَارَ خَلْفَهُمْ بِتَخْلِيفِهِمْ إِيَّاهُ، وَكَذَلِكَ تَقُولُ الْعَرَبُ لِمَا قَدْ جَاوَزَهُ الْمَرْءُ وَخَلَّفَهُ هُوَ خَلْفَهُ، وَوَرَاءَهُ وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ: مَا بَيْنَ مَا لَمْ يَمْضِ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا إِلَى الْآخِرَةِ، لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الَّذِي بَيْنَ ذَيْنِكَ الْوَقْتَيْنِ. وَإِنَّمَا قُلْنَا: ذَلِكَ أَوْلَى التَّأْوِيلَاتِ بِهِ، لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الظَّاهِرُ الْأَغْلَبُ، وَإِنَّمَا يُحْمَلُ تَأْوِيلُ الْقُرْآنِ عَلَى الْأَغْلَبِ مِنْ مَعَانِيهِ، مَا لَمْ يَمْنَعْ مِنْ ذَلِكَ مَا يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهُ. فَتَأَمَّلِ الْكَلَامَ إِذَنْ: فَلَا تَسْتَبْطِئْنَا يَا مُحَمَّدُ فِي تَخَلُّفِنَا عَنْكَ، فَإِنَّا لَا نَتَنَزَّلُ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَنَا بِالنُّزُولِ إِلَيْهَا، لِلَّهِ مَا هُوَ حَادِثٌ مِنْ أُمُورِ الْآخِرَةِ الَّتِي لَمْ تَأْتِ وَهِيَ آتِيَةٌ، وَمَا قَدْ مَضَى فَخَلَّفْنَاهُ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا، وَمَا بَيْنَ وَقْتِنَا هَذَا إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ. بِيَدِهِ ذَلِكَ كُلُّهُ، وَهُوَ مَالِكُهُ وَمُصَرِّفُهُ، لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ غَيْرُهُ، فَلَيْسَ لَنَا أَنْ نُحْدِثَ فِي سُلْطَانِهِ أَمْرًا إِلَّا بِأَمْرِهِ إِيَّانَا بِهِ. ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا﴾ [مريم: ٦٤] يَقُولُ: وَلَمْ يَكُنْ رَبُّكَ ذَا نِسْيَانٍ، فَيَتَأَخَّرُ نُزُولِي إِلَيْكَ بِنِسْيَانِهِ إِيَّاكَ بَلْ هُوَ الَّذِي لَا يَعْزُبُ عَنْهُ شَيْءٌ فِي السَّمَاءِ وَلَا فِي الْأَرْضِ فَتَبَارَكَ وَتَعَالَى وَلَكِنَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُدَبِّرُ وَيَقْضِي فِي خَلْقِهِ. جَلَّ ثَنَاؤُهُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٥ / ٥٨٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا﴾ [مريم: ٦٤] قَالَ: مَا نَسِيَكَ رَبُّكَ
١٥ / ٥٨٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ يَا مُحَمَّدُ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا نَسِيًّا، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ نَسِيًّا لَمْ يَسْتَقِمْ ذَلِكَ، وَلَهَلَكَ لَوْلَا حِفْظُهُ إِيَّاهُ، فَالرَّبُّ مَرْفُوعٌ رَدًّا عَلَى قَوْلِهِ ﴿رَبُّكَ﴾ [البقرة: ٣٠] وَقَوْلُهُ: ﴿فَاعْبُدْهُ﴾ [هود: ١٢٣] يَقُولُ: فَالْزَمْ طَاعَتَهُ، وَذِلَّ لِأَمْرِهِ وَنَهْيِهِ ﴿وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ﴾ [مريم: ٦٥] يَقُولُ: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ عَلَى النُّفُوذِ لِأَمْرِهِ وَنَهْيهِ، وَالْعَمَلِ بِطَاعَتِهِ، تَفُزْ بِرِضَاهُ عَنْكَ، فَإِنَّهُ الْإِلَهُ الَّذِي لَا مِثْلَ لَهُ وَلَا عَدْلَ وَلَا شَبِيهَ فِي جُودِهِ وَكَرَمِهِ وَفَضْلِهِ. ﴿هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا﴾ [مريم: ٦٥] يَقُولُ: هَلْ تَعْلَمُ يَا مُحَمَّدُ لِرَبِّكَ هَذَا الَّذِي أَمَرْنَاكَ بِعِبَادَتِهِ، وَالصَّبْرِ عَلَى طَاعَتِهِ مِثْلًا فِي كَرَمِهِ وَجُوُدِهِ، فَتَعْبُدُهُ رَجَاءَ فَضْلِهِ وَطَوْلِهِ دُونَهُ؟ كَلَّا، مَا ذَلِكَ بِمَوْجُودٍ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٥ / ٥٨٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا﴾ [مريم: ٦٥] يَقُولُ: هَلْ تَعْلَمُ لِلرَّبِّ مِثْلًا أَوْ شَبِيهًا
١٥ / ٥٨٥
حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ عُثْمَانَ التَّنُوخِيُّ، قَالَ: ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ ⦗٥٨٦⦘ عَوَّامٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ، عَنْ رَجُلٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ ﴿هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا﴾ [مريم: ٦٥] قَالَ: شَبِيهًا
١٥ / ٥٨٥
حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمَسْعُودِيُّ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي هَذِهِ الْآيَةِ ﴿هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا﴾ [مريم: ٦٥] قَالَ: هَلْ تَعْلَمُ لَهُ شَبِيهًا، هَلْ تَعْلَمُ لَهُ مِثْلًا تبارك وتعالى
١٥ / ٥٨٦
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا﴾ [مريم: ٦٥] لَا سَمِيَّ لِلَّهِ وَلَا عِدْلَ لَهُ، كُلُّ خَلْقِهِ يُقِرُّ لَهُ، وَيَعْتَرِفُ أَنَّهُ خَالِقُهُ، وَيَعْرِفُ ذَلِكَ، ثَمَّ يَقْرَأُ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولَنَّ اللَّهُ﴾ [الزخرف: ٨٧]
١٥ / ٥٨٦
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا﴾ [مريم: ٦٥] قَالَ: يَقُولُ: لَا شَرِيكَ لَهُ وَلَا مِثْلَ
١٥ / ٥٨٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَيَقُولُ الْإِنْسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجَ حَيًّا أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا﴾ [مريم: ٦٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَيَقُولُ الْإِنْسَانُ﴾ [مريم: ٦٦] الْكَافِرُ الَّذِي لَا يُصَدِّقُ بِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ: أُخْرَجُ حَيًّا، فَأُبْعَثُ بَعْدَ الْمَمَاتِ وَبَعْدَ الْبَلَاءِ وَالْفَنَاءِ إِنْكَارًا مِنْهُ ذَلِكَ. يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ﴾ [مريم: ٦٧] الْمُتَعَجِّبُ مِنْ ذَلِكَ الْمُنْكِرُ قُدْرَةَ اللَّهِ عَلَى إِحْيَائِهِ بَعْدَ فَنَائِهِ، وَإِيجَادِهِ بَعْدَ عَدَمِهِ فِي خَلْقِ نَفْسِهِ، أَنَّ اللَّهَ خَلَقَهُ مِنْ قَبْلِ مَمَاتِهِ، فَأَنْشَأَهُ بَشَرًا سَوِيًّا مِنْ
١٥ / ٥٨٦
غَيْرِ شَيْءٍ ﴿وَلَمْ يَكُ﴾ [النحل: ١٢٠] مِنْ قَبْلِ إِنْشَائِهِ إِيَّاهُ ﴿شَيْئًا﴾ [البقرة: ٤٨] فَيَعْتَبِرُ بِذَلِكَ وَيَعْلَمُ أَنَّ مَنْ أَنْشَأَهُ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ لَا يَعْجَزُ عَنْ إِحْيَائِهِ بَعْدَ مَمَاتِهِ، وَإِيجَادِهِ بَعْدَ فَنَائِهِ. وَقَدِ اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ ﴿أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ﴾ [مريم: ٦٧] فَقَرَأَهُ بَعْضُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَالْكُوفَةِ: ﴿أَوَلَا يَذْكُرُ﴾ [مريم: ٦٧] بِتَخْفِيفِ الذَّالِ، وَقَدْ قَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ وَالْحِجَازِ: (أَوَلَا يَذَّكَّرُ) بِتَشْدِيدِ الذَّالِ وَالْكَافِ، بِمَعْنَى: أَوَلَا يَتَذَكَّرُ، وَالتَّشْدِيدُ أَعْجَبُ إِلَيَّ، وَإِنْ كَانَتِ الْأُخْرَى جَائِزَةً، لِأَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ: أَوَلَا يَتَفَكَّرُ فَيَعْتَبِرُ
١٥ / ٥٨٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا﴾ [مريم: ٦٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: فَوَرَبِّكَ يَا مُحَمَّدُ لَنَحْشُرَنَّ هَؤُلَاءِ الْقَائِلِينَ: أَئِذَا مِتْنَا لَسَوْفَ نُخْرَجُ أَحْيَاءً يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ قُبُورِهِمْ، مُقْرَنِينَ بِأَوْلِيَائِهِمْ مِنَ الشَّيَاطِينِ ﴿ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا﴾ [مريم: ٦٨] وَالْجِثِيُّ: جَمْعُ الْجَاثِي
١٥ / ٥٨٧
كَمَا: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا﴾ [مريم: ٦٨] يَعْنِي: الْقُعُودَ، وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ: ﴿وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً﴾ [الجاثية: ٢٨]
١٥ / ٥٨٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا﴾ [مريم: ٦٩]⦗٥٨٨⦘ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ، ثُمَّ لَنَأْخُذَنَّ مِنْ كُلِّ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ أَشَدَّهُمْ عَلَى اللَّهِ عُتُوًّا وَتَمَرُّدًا فَلَنَبْدَأُ بِهِمْ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٥ / ٥٨٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْأَقْمَرِ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، ﴿ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا﴾ [مريم: ٦٩] قَالَ: نَبْدَأُ بِالْأَكَابِرِ فَالْأَكَابِرِ جُرْمًا
١٥ / ٥٨٨
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا﴾ [مريم: ٦٩] يَقُولُ: أَيُّهُمْ أَشَدُّ لِلرَّحْمَنِ مَعْصِيَةً، وَهِيَ مَعْصِيَتُهُ فِي الشِّرْكِ
١٥ / ٥٨٨
حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا﴾ [مريم: ٦٩] يَقُولُ: عِصِيًّا
١٥ / ٥٨٨
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ⦗٥٨٩⦘ قَوْلُهُ: ﴿مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ﴾ [مريم: ٦٩] قَالَ: أُمَّةٌ وَقَوْلُهُ ﴿عِتِيًّا﴾ [مريم: ٨] قَالَ: كُفْرًا حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ، وَزَادَ فِيهِ ابْنُ جُرَيْجٍ: فَلَنَبْدَأَنَّ بِهِمْ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالشِّيعَةُ هُمُ الْجَمَاعَةُ الْمُتَعَاوِنُونَ عَلَى الْأَمْرِ مِنَ الْأُمُورِ، يُقَالُ مِنْ ذَلِكَ: تَشَايَعَ الْقَوْمُ: إِذَا تَعَاوَنُوا، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ لِلرَّجُلِ الشُّجَاعِ: إِنَّهُ لَمُشَيَّعٌ: أَيْ مُعَانٌ، فَمَعْنَى الْكَلَامِ: ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ جَمَاعَةٍ تَشَايَعَتْ عَلَى الْكُفْرِ بِاللَّهِ، أَشَدَّهُمْ عَلَى اللَّهِ عُتُوًّا، فَلَنَبْدَأَنَّ بِإِصْلَائِهِ جَهَنَّمَ. وَالتَّشَايُعُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ: التَّفَرُّقُ، وَمِنْهُ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ ذِكْرُهُ: ﴿وَكَانُوا شِيَعًا﴾ [الأنعام: ١٥٩] يَعْنِي: فِرَقًا، وَمِنْهُ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ أَوْ سَعْدٍ. إِنِّي أَكْرَهُ أَنْ آتِيَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَيَقُولُ: شَيَّعْتَ بَيْنَ أُمَّتِي، بِمَعْنَى: فَرَّقْتَ
١٥ / ٥٨٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا﴾ [مريم: ٧٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ مِنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ نَنْزِعُهُمْ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَوْلَاهُمْ بِشِدَّةِ الْعَذَابِ، وَأَحَقُّهُمْ بِعَظِيمِ الْعُقُوبَةِ. وَذُكِرَ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي ذَلِكَ:
١٥ / ٥٨٩
مَا: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، ﴿ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى
١٥ / ٥٨٩
بِهَا صِلِيًّا﴾ [مريم: ٧٠] قَالَ: أَوْلَى بِالْخُلُودِ فِي جَهَنَّمَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ ابْنُ جُرَيْجٍ، قَوْلٌ لَا مَعْنَى لَهُ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَخْبَرَ أَنَّ الَّذِينَ يِنْزِعُهُمْ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ مِنَ الْكَفَرَةِ أَشَدُّهُمْ كُفْرًا، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَا كَافِرَ بِاللَّهِ إِلَّا مُخَلَّدٌ فِي النَّارِ، فَلَا وَجْهَ، وَجَمِيعُهُمْ مُخَلَّدُونَ فِي جَهَنَّمَ، لَأَنْ يُقَالَ: ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَحَقُّ بِالْخُلُودِ مَنْ هَؤُلَاءِ الْمُخَلَّدِينَ، وَلَكِنِ الْمَعْنَى فِي ذَلِكَ مَا ذَكَرْنَا وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ: ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِبَعْضِ طَبَقَاتِ جَهَنَّمَ صِلِيًّا. وَالصِّلِيُّ: مَصْدَرُ صَلَّيْتُ تَصْلِي صِلِيًّا، وَالصِّلِيُّ: فَعُولٌ، وَلَكِنْ وَاوُهَا انْقَلَبَتْ يَاءً فَأُدْغِمَتْ فِي الْيَاءِ الَّتِي بَعْدَهَا الَّتِي هِيَ لَامُ الْفِعْلِ، فَصَارَتْ يَاءً مُشَدَّدَةً
١٥ / ٥٩٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا﴾ [مريم: ٧١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَإِنْ مِنْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ إِلَّا وَارِدٌ جَهَنَّمَ، كَانَ عَلَى رَبِّكَ يَا مُحَمَّدُ إِيرَادُهُمُوهَا قَضَاءً مَقْضِيًّا، قَدْ قَضَى ذَلِكَ وَأَوْجَبَهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي مَعْنَى الْوُرُودِ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، فَقَالَ بَعْضُهُمُ: الدُّخُولُ
١٥ / ٥٩٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ ⦗٥٩١⦘ عَمْرٍو، قَالَ: أَخْبَرَنِي مَنْ، سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ، يُخَاصِمُ نَافِعَ بْنَ الْأَزْرَقِ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْوُرُودُ: الدُّخُولُ، وَقَالَ نَافِعٌ: لَا، فَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونَ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ﴾ [الأنبياء: ٩٨] أَوُرُودٌ هُوَ أَمْ لَا؟ وَقَالَ: ﴿يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ﴾ [هود: ٩٨] أَوُرُودٌ هُوَ أَمْ لَا؟ أَمَّا أَنَا وَأَنْتَ، فَسَنَدْخُلُهَا، فَانْظُرْ هَلْ نَخْرُجُ مِنْهَا أَمْ لَا؟ وَمَا أَرَى اللَّهَ مُخْرِجُكَ مِنْهَا بِتَكْذِيبِكَ، قَالَ: فَضَحِكَ نَافِعٌ
١٥ / ٥٩٠
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، قَالَ. قَالَ أَبُو رَاشِدٍ الْحَرُورِيُّ: ذَكَرُوا هَذَا فَقَالَ الْحَرُورِيُّ: لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَيْلَكَ أَمَجْنُونٌ أَنْتَ؟ أَيْنَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ﴾ [هود: ٩٨] ﴿وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا﴾ [مريم: ٨٦] وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا﴾ [مريم: ٧١] وَاللَّهِ إِنْ كَانَ دُعَاءُ مَنْ مَضَى: اللَّهُمَّ أَخْرِجْنِي مِنَ النَّارِ سَالِمًا، وَأَدْخِلْنِي الْجَنَّةَ غَانِمًا
١٥ / ٥٩١
قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: يَقُولُ: الْوُرُودُ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ: الدُّخُولُ، لَيَرِدَنَّهَا ⦗٥٩٢⦘ كُلُّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ فِي الْقُرْآنِ أَرْبَعَةُ أَوْرَادٍ ﴿فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ﴾ [هود: ٩٨] وَ﴿حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ﴾ [الأنبياء: ٩٨] ﴿وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا﴾ [مريم: ٨٦] وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا﴾ [مريم: ٧١]
١٥ / ٥٩١
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا﴾ [مريم: ٧١] يُعْرَفُ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ، أَلَمْ تَسْمَعْ إِلَى قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى لِفِرْعَوْنَ: ﴿يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ﴾ [هود: ٩٨] وَقَالَ ﴿وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا﴾ [مريم: ٨٦] فَسَمَّى الْوُرُودَ فِي النَّارِ دُخُولًا، وَلَيْسَ بِصَادِرٍ
١٥ / ٥٩٢
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ، قَالَ: ثنا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ بَكَّارِ بْنِ أَبِي مَرْوَانَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، قَالَ: قَالَ أَهْلُ الْجَنَّةِ بَعْدَ مَا دَخَلُوا الْجَنَّةَ: أَلَمْ يَعِدْنَا رَبُّنَا الْوُرُودَ عَلَى النَّارِ؟ قَالَ: قَدْ مَرَرْتُمْ عَلَيْهَا وَهِيَ خَامِدَةٌ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ، قَالَ مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، قَالَ بَكَّارُ بْنُ أَبِي مَرْوَانَ، أَوْ قَالَ: جَامِدَةً
١٥ / ٥٩٢
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مَرْحُومُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: ثني أَبُو عِمْرَانَ ⦗٥٩٣⦘ الْجَوْنِيُّ، عَنْ أَبِي خَالِدٍ، قَالَ: تَكُونُ الْأَرْضُ يَوْمًا نَارًا، فَمَاذَا أَعْدَدْتُمْ لَهَا؟ قَالَ: فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ: ﴿وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا﴾ [مريم: ٧٢]
١٥ / ٥٩٢
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنِ الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ أَبِي السَّلِيلِ، عَنْ غُنَيْمِ بْنِ قَيْسٍ، قَالَ: ذَكَرُوا وَرُودَ النَّارِ، فَقَالَ كَعْبٌ: تُمْسَكُ النَّارُ لِلنَّاسِ كَأَنَّهَا مَتْنُ إِهَالَةٍ، حَتَّى يَسْتَوِي عَلَيْهَا أَقْدَامُ الْخَلَائِقِ بَرُّهُمْ وَفَاجِرُهُمْ، ثُمَّ يُنَادِيهَا مُنَادٍ: أَنْ أَمْسِكِي أَصْحَابَكِ، وَدَعِي أَصْحَابِي، قَالَ: فَيُخْسَفُ بِكُلِّ وَلِيٍّ لَهَا، وَلَهِيَ أَعْلَمُ بِهِمْ مِنَ الرَّجُلِ بِوَلَدِهِ، وَيَخْرُجُ الْمُؤْمِنُونَ نَدِيَّةً أَبْدَانُهُمْ
١٥ / ٥٩٣
قَالَ: وَقَالَ كَعْبٌ: مَا بَيْنَ مَنْكِبَيِ الْخَازِنِ مِنْ خَزَنَتِهَا مَسِيرَةُ سَنَةٍ، مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَمُودٌ لَهُ شُعْبَتَانِ، يَدْفَعُ بِهِ الدَّفْعَةَ، فَيُصْرَعُ بِهِ فِي النَّارِ سَبْعَ مِائَةِ أَلْفٍ
١٥ / ٥٩٣
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ، عَنْ ⦗٥٩٤⦘ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: كَانَ أَبُو مَيْسَرَةَ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ، قَالَ: يَا لَيْتَ أُمِّي لَمْ تَلِدْنِي، ثُمَّ يَبْكِي، فَقِيلَ: وَمَا يُبْكِيكَ يَا أَبَا مَيْسَرَةَ؟ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَنَّا وَارِدُوهَا، وَلَمْ يُخْبِرْنَا أَنَّا صَادِرُونَ عَنْهَا
١٥ / ٥٩٣
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ قَيْسٍ، قَالَ: بَكَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فِي مَرَضِهِ، فَبَكَتِ امْرَأَتُهُ، فَقَالَ: مَا يُبْكِيكِ، قَالَتْ: رَأَيْتُكَ تَبْكِي فَبَكَيْتُ، قَالَ ابْنُ رَوَاحَةَ: إِنِّي قَدْ عَلِمْتُ إِنَّى وَارِدٌ النَّارَ فَمَا أَدْرِي أَنَاجٍ مِنْهَا أَنَا أَمْ لَا؟
١٥ / ٥٩٤
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا أَبُو عَمْرٍو دَاوُدُ بْنُ الزِّبْرِقَانِ، قَالَ: سَمِعْتُ السُّدِّيَّ، يَذْكُرُ عَنْ مُرَّةَ الْهَمْدَانِيِّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، ﴿وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا﴾ [مريم: ٧١] قَالَ: دَاخِلُهَا
١٥ / ٥٩٤
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ ﴿وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا﴾ [مريم: ٧١] قَالَ: يَدْخُلُهَا
١٥ / ٥٩٤
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ ⦗٥٩٥⦘ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ وَاضِعٌ رَأْسَهُ فِي حِجْرِ امْرَأَتِهِ، فَبَكَى، فَبَكَتِ امْرَأَتُهُ، قَالَ: مَا يُبْكِيكِ؟ قَالَتْ: رَأَيْتُكَ تَبْكِي فَبَكَيْتُ، قَالَ: إِنِّي ذَكَرْتُ قَوْلَ اللَّهِ ﴿وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا﴾ [مريم: ٧١] فَلَا أَدْرِي أَنْجُو مِنْهَا، أَمْ لَا؟ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ هُوَ الْمَرُّ عَلَيْهَا
١٥ / ٥٩٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا﴾ [مريم: ٧١] يَعْنِي جَهَنَّمَ مَرَّ النَّاسُ عَلَيْهَا
١٥ / ٥٩٥
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ ﴿وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا﴾ [مريم: ٧١] قَالَ: هُوَ الْمَرُّ عَلَيْهَا
١٥ / ٥٩٥
حَدَّثَنَا خَلَّادُ بْنُ أَسْلَمَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا النَّضْرٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا﴾ [مريم: ٧١] قَالَ: الصِّرَاطُ عَلَى جَهَنَّمَ مِثْلُ حَدِّ السَّيْفِ، فَتَمُرُّ الطَّبَقَةُ الْأُولَى كَالْبَرْقِ، وَالثَّانِيَةُ كَالرِّيحِ، وَالثَّالِثَةُ كَأَجْوَدِ الْخَيْلِ، وَالرَّابِعَةُ كَأَجْوَدِ الْبَهَائِمِ. ثُمَّ يَمُرُّونَ وَالْمَلَائِكَةُ يَقُولُونَ: اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ ⦗٥٩٦⦘ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلِ الْوُرُودُ: هُوَ الدُّخُولُ، وَلَكِنَّهُ عَنَى الْكُفَّارَ دُونَ الْمُؤْمِنِينَ
١٥ / ٥٩٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ السَّائِبِ، عَنْ رَجُلٍ، سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ، يَقْرَؤُهَا ﴿وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا﴾ [مريم: ٧١] يَعْنِي الْكُفَّارَ، قَالَ: لَا يَرِدُهَا مُؤْمِنٌ
١٥ / ٥٩٦
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ الْوَلِيدِ الشَّنِّيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ، يَقُولُ ﴿وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا﴾ [مريم: ٧١] يَعْنِي الْكُفَّارَ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ الْوُرُودُ عَامٌّ لِكُلِّ مُؤْمِنٍ وَكَافِرٍ، غَيْرَ أَنَّ وُرُودَ الْمُؤْمِنِ الْمُرُورُ، وَوُرُودَ الْكَافِرِ الدُّخُولُ
١٥ / ٥٩٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ ⦗٥٩٧⦘: ﴿وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا﴾ [مريم: ٧١] وُرُودُ الْمُسْلِمِينَ الْمُرُورُ عَلَى الْجِسْرِ بَيْنَ ظَهْرَيْهَا وَوُرُودُ الْمُشْرِكِينَ أَنْ يَدْخُلُوهَا
١٥ / ٥٩٦
قَالَ: وَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «الزَّالُّونَ وَالزَّالَّاتُ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ، وَقَدْ أَحَاطَ الْجِسْرَ سِمَاطَانِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، دَعْوَاهُمْ يَوْمَئِذٍ يَا اللَّهُ سَلِّمْ سَلِّمْ» وَقَالَ آخَرُونَ: وُرُودُ الْمُؤْمِنِ مَا يُصِيبُهُ فِي الدُّنْيَا مِنْ حُمًّى وَمَرَضٍ
١٥ / ٥٩٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: الْحُمَّى حَظُّ كُلِّ مُؤْمِنٍ مِنَ النَّارِ، ثُمَّ قَرَأَ: ﴿وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا﴾ [مريم: ٧١]
١٥ / ٥٩٧
حَدَّثَنِي عِمْرَانُ بْنُ بَكَّارٍ الْكَلَاعِيُّ، قَالَ: ثنا أَبُو الْمُغِيرَةِ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ تَمِيمٍ، قَالَ: ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَعُودُ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِهِ وَبِهِ وَعَكٌ وَأَنَا مَعَهُ، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: هِيَ نَارِي أُسَلِّطُهَا عَلَى عَبْدِي الْمُؤْمِنِ، لِتَكُونَ حَظَّهُ مِنَ النَّارِ فِي الْآخِرَةِ» ⦗٥٩٨⦘ وَقَالَ آخَرُونَ: يَرِدُهَا الْجَمِيعُ، ثُمَّ يَصْدُرُ عَنْهَا الْمُؤْمِنُونَ بِأَعْمَالِهِمْ
١٥ / ٥٩٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ شُعْبَةَ، قَالَ: ثني السُّدِّيُّ، عَنْ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، ﴿وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا﴾ [مريم: ٧١] قَالَ: يَرِدُونَهَا ثُمَّ يَصْدُرُونَ عَنْهَا بِأَعْمَالِهِمْ حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، بِنَحْوِهِ
١٥ / ٥٩٨
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الْمُحَارِبِيُّ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ أَبُو رَاشِدٍ، وَهُوَ نَافِعُ بْنُ الْأَزْرَقِ، فَقَالَ لَهُ: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ أَرَأَيْتَ قَوْلَ اللَّهِ ﴿وَإِنْ مِنْكُمْ ⦗٥٩٩⦘ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا﴾ [مريم: ٧١] قَالَ: أَمَّا أَنَا وَأَنْتُ يَا أَبَا رَاشِدٍ فَسَنَرِدُهَا، فَانْظُرْ هَلْ نَصْدُرُ عَنْهَا أَمْ لَا
١٥ / ٥٩٨
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَسْأَلُ عَنِ الْوُرُودِ، فَقَالَ: «نَحْنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى كوى أَوْ كرى فَوْقَ النَّاسِ، فَتُدْعَى الْأُمَمُ بِأَوْثَانِهَا، وَمَا كَانَتْ تَعْبُدُ الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ، فَيُنْطَلَقُ بِهِمْ وَيَتَّبِعُونَهُ، قَالَ: وَيُعْطَى كُلُّ إِنْسَانٍ مُنَافِقٌ وَمُؤْمِنٌ نُورًا، وَيَغْشَى ظُلْمَةٌ ثُمَّ يَتَّبِعُونَهُ، وَعَلَى جِسْرِ جَهَنَّمَ كَلَالِيبُ تَأْخُذُ مَنْ شَاءَ اللَّهُ، فَيُطْفَأُ نُورُ الْمُنَافِقِ، وَيَنْجُو الْمُؤْمِنُونَ، فَتَنْجُو أَوَّلُ زُمْرَةٍ كَالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، وَسَبْعُونَ أَلْفًا لَا حِسَابَ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ كَأَضْوَأِ نَجْمٍ فِي السَّمَاءِ، ثُمَّ كَذَلِكَ، ثُمَّ تَحِلُّ الشَّفَاعَةُ فَيَشْفَعُونَ، وَيَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مِمَّنْ فِي قَلْبِهِ وَزْنُ شَعِيرَةٍ مِنْ خَيْرٍ، لَمْ يُلْقَوْنَ تِلْقَاءَ الْجَنَّةِ، وَيُهَرِيقُ عَلَيْهِمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْمَاءَ، فَيَنْبُتُونَ نَبَاتَ الشَّيْءِ فِي السَّيْلِ، ثُمَّ يَسْأَلُونَ فَيُجْعَلُ لَهُمُ الدُّنْيَا وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهَا»
١٥ / ٥٩٩
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِأَخِيهِ: هَلْ أَتَاكَ بِأَنَّكَ وَارِدٌ النَّارَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَهَلْ أَتَاكَ أَنَّكَ صَادِرٌ عَنْهَا؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَفِيمَ الضَّحِكُ؟ قَالَ: فَمَا رُئِيَ ضَاحِكًا حَتَّى لَحِقَ بِاللَّهِ
١٥ / ٦٠٠
حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، أَنْ بُكَيْرًا، حَدَّثَهُ أَنَّهُ قَالَ لِبُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ: إِنَّ فُلَانًا يَقُولُ: إِنَّ وُرُودَ النَّارِ الْقِيَامُ عَلَيْهَا. قَالَ بُسْرٌ: أَمَّا أَبُو هُرَيْرَةَ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: «إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، يَجْتَمِعُ النَّاسُ نَادَى مُنَادٍ: لِيَلْحَقْ كُلُّ أُنَاسٍ بِمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ، فَيَقُومُ هَذَا إِلَى الْحَجَرِ، وَهَذَا إِلَى الْفَرَسِ، وَهَذَا إِلَى الْخَشَبَةِ حَتَّى يَبْقَى الَّذِينَ يَعْبُدُونَ اللَّهَ، فَيَأْتِيهِمُ اللَّهُ، فَإِذَا رَأَوْهُ قَامُوا إِلَيْهِ، فَيُذْهَبُ بِهِمْ فَيُسْلَكُ بِهِمْ عَلَى الصِّرَاطِ، وَفِيهِ عَلِيقٌ، فَعِنْدَ ذَلِكَ يُؤْذَنُ بِالشَّفَاعَةِ، فَيَمُرُّ النَّاسُ، وَالنَّبِيُّونَ يَقُولُونَ: اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ»
١٥ / ٦٠٠
قَالَ بُكَيْرٌ: فَكَانَ ابْنُ عَمِيرَةَ يَقُولُ: فَنَاجٍ ⦗٦٠١⦘ مُسَلَّمٌ، وَمَنْكُوسٌ فِي جَهَنَّمَ، وَمَخْدُوشٌ ثُمَّ نَاجٍ وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: يَرِدُهَا الْجَمِيعُ ثُمَّ يَصْدُرُ عَنْهَا الْمُؤْمِنُونَ، فِيُنَجِّيهِمُ اللَّهُ، وَيَهْوِي فِيهَا الْكُفَّارُ. وَوُرُودُهُمُوهَا هُوَ مَا تَظَاهَرَتْ بِهِ الْأَخْبَارُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِنْ مُرُورِهِمْ عَلَى الصِّرَاطِ الْمَنْصُوبِ عَلَى مَتْنِ جَهَنَّمَ، فَنَاجٍ مُسَلَّمٌ وَمُكَدَّسٌ فِيهَا. ذِكْرُ الْأَخْبَارِ الْمَرْوِيَّةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِذَلِكَ:
١٥ / ٦٠٠
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ أُمِّ مُبَشِّرٍ امْرَأَةِ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَهُوَ فِي بَيْتِ حَفْصَةَ: «لَا يَدْخُلُ النَّارَ أَحَدٌ شَهِدَ بَدْرًا وَالْحُدَيْبِيَةَ» . قَالَتْ: فَقَالَتْ حَفْصَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَيْسَ اللَّهُ يَقُولُ: ﴿وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا﴾ [مريم: ٧١] فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «فَمَهْ ثُمَّ يُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا» حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُدْرِكٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ. ثنا أَبُو عَوَانَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ أُمِّ مُبَشِّرٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، بِمِثْلِهِ
١٥ / ٦٠١
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ أُمِّ مُبَشِّرٍ، عَنْ حَفْصَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ. «إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ لَا يَدْخُلَ النَّارَ أَحَدٌ شَهِدَ بَدْرًا وَالْحُدَيْبِيَةَ»، قَالَتْ: فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَيْسَ اللَّهُ يَقُولُ ﴿وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا﴾ [مريم: ٧١] قَالَ: “فَلَمْ تَسْمَعِيهِ يَقُولُ: ﴿ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا﴾ [مريم: ٧٢]
١٥ / ٦٠٢