سُورَةُ مَرْيَمَ 1

مَكِّيَّةٌ وَآيَاتُهَا ثَمَانٍ وِتِسْعُونَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
١٥ ‏/ ٤٤٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿كهيعص﴾ [مريم: ١] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ: كَافْ مِنْ ﴿كهيعص﴾ [مريم: ١] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: تَأْوِيلُ ذَلِكَ أَنَّهَا حَرْفٌ مِنَ اسْمِهِ الَّذِي هُوَ كَبِيرٌ، دُلَّ بِهِ عَلَيْهِ، وَاسْتُغْنِيَ بِذِكْرِهِ عَنْ ذِكْرِ بَاقِي الِاسْمِ
١٥ ‏/ ٤٤٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي أَبُو حُصَيْنٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ، قَالَ: ثنا عَبْثَرٌ، قَالَ: ثنا حُصَيْنٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَاشِدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي هَذِهِ الْآيَةِ ﴿كهيعص﴾ [مريم: ١] قَالَ: كَبِيرٌ، يَعْنِي بِالْكَبِيرِ: الْكَافْ مِنْ ﴿كهيعص﴾ [مريم: ١] حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ، قَالَ: ثنا أَبُو الْأَحْوَصِ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَاشِدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، مِثْلَهُ
١٥ ‏/ ٤٤٣
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ إِدْرِيسَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حُصَيْنٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَاشِدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، كَانَ يَقُولُ ﴿كهيعص﴾ [مريم: ١] قَالَ: كَافْ: كَبِيرٌ
١٥ ‏/ ٤٤٣
حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ ⦗٤٤٤⦘ رَاشِدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرِ فِي ﴿كهيعص﴾ [مريم: ١] قَالَ: كَافْ: كَبِيرٌ حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، نَحْوَهُ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلِ الْكَافْ مِنْ ذَلِكَ حَرْفٌ مِنْ حُرُوفِ اسْمِهِ الَّذِي هُوَ كَافْ
١٥ ‏/ ٤٤٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ طَلْحَةَ الْيَرْبُوعِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا شَرِيكٌ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ سَعِيدٍ، فِي قَوْلِهِ ﴿كهيعص﴾ [مريم: ١] قَالَ: كَافْ: كَافٍ
١٥ ‏/ ٤٤٤
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا جَابِرُ بْنُ نُوحٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو رَوْقٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿كهيعص﴾ [مريم: ١] قَالَ: كَافْ: كَافٍ حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنِ الْكَلْبِيِّ، مِثْلَهُ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ هُوَ حَرْفٌ مِنْ حُرُوفِ اسْمِهِ الَّذِي هُوَ كَرِيمٌ
١٥ ‏/ ٤٤٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ⦗٤٤٥⦘، ﴿كهيعص﴾ [مريم: ١] قَالَ: كَافْ مِنْ كَرِيمٍ وَقَالَ الَّذِينَ فَسَّرُوا ذَلِكَ هَذَا التَّفْسِيرَ الْهَاءُ مِنْ كهيعصِ: حَرْفٌ مِنْ حُرُوفِ اسْمِهِ الَّذِي هُوَ هَادٍ
١٥ ‏/ ٤٤٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ إِدْرِيسَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو حُصَيْنٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ يَقُولُ فِي الْهَاءِ مِنْ ﴿كهيعص﴾ [مريم: ١] هَادٍ حَدَّثَنَا أَبُو حُصَيْنٍ، قَالَ: ثنا عَبْثَرٌ، قَالَ: ثنا حُصَيْنٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَاشِدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، مِثْلَهُ حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، قَالَ: ثنا أَبُو الْأَحْوَصِ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ سَعِيدٍ، مِثْلَهُ حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ، قَالَ: ثنا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَاشِدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ نَحْوَهُ. ⦗٤٤٦⦘ حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، مِثْلَهُ
١٥ ‏/ ٤٤٥
حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ طَلْحَةَ، قَالَ: ثنا شَرِيكٌ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: هَا: هَادٍ
١٥ ‏/ ٤٤٦
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا جَابِرُ بْنُ نُوحٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو رَوْقٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ، فِي قَوْلِهِ ﴿كهيعص﴾ [مريم: ١] قَالَ هَا: هَادٍ حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، قَالَ: ثنا عَنْبَسَةُ، عَنِ الْكَلْبِيِّ، مِثْلَهُ وَاخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِ الْيَاءِ مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ حَرْفٌ مِنْ حُرُوفِ اسْمِهِ الَّذِي هُوَ يَمِينٌ
١٥ ‏/ ٤٤٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي أَبُو حُصَيْنٍ، قَالَ: ثنا عَبْثَرٌ، قَالَ: ثنا حُصَيْنٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَاشِدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «يَا» مِنْ ⦗٤٤٧⦘ ﴿كهيعص﴾ [مريم: ١] يَاءْ يَمِينٌ حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ إِدْرِيسَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حُصَيْنٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَاشِدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، مِثْلَهُ حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، قَالَ: ثنا أَبُو الْأَحْوَصِ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَاشِدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ مِثْلَهُ
١٥ ‏/ ٤٤٦
حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ، قَالَ: ثنا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَاشِدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ يَاءْ: يَمِينٌ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ هُوَ حَرْفٌ مِنْ حُرُوفِ اسْمِهِ الَّذِي هُوَ حَكِيمٌ
١٥ ‏/ ٤٤٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، ﴿كهيعص﴾ [مريم: ١] قَالَ: يَا: مِنْ حَكِيمٍ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ هِيَ حَرْفٌ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: يَا مَنْ يُجِيرُ
١٥ ‏/ ٤٤٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الضُّرَيْسِ، قَالَ: سَمِعْتُ الرَّبِيعَ بْنَ أَنَسٍ، فِي قَوْلِهِ ﴿كهيعص﴾ [مريم: ١] قَالَ: يَا مَنْ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ وَاخْتَلَفَ مُتَأَوِّلُو ذَلِكَ كَذَلِكَ فِي مَعْنَى الْعَيْنِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ حَرْفٌ مِنْ حُرُوفِ اسْمِهِ الَّذِي هُوَ عَالِمٌ
١٥ ‏/ ٤٤٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدٍ، ﴿كهيعص﴾ [مريم: ١] قَالَ: عَيْنٌ مِنْ عَالِمٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنِ الْكَلْبِيِّ، مِثْلَهُ حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ إِدْرِيسَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حُصَيْنٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَاشِدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، مِثْلَهُ
١٥ ‏/ ٤٤٨
حَدَّثَنَا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ الْمُسَيَّبِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ أَبِيهِ، فِي قَوْلِهِ ﴿كهيعص﴾ [مريم: ١] قَالَ: عَيْنٌ: مِنْ عَالِمٍ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ هِيَ حَرْفٌ مِنْ حُرُوفِ اسْمِهِ الَّذِي هُوَ عَزِيزٌ
١٥ ‏/ ٤٤٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي أَبُو حُصَيْنٍ، قَالَ: ثنا عَبْثَرٌ، قَالَ: ثنا حُصَيْنٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَاشِدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ﴿كهيعص﴾ [مريم: ١] عَيْنٌ: عَزِيزٌ حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ، قَالَ: ثنا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَاشِدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، قَالَ: ثنا أَبُو الْأَحْوَصِ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَاشِدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، مِثْلَهُ
١٥ ‏/ ٤٤٩
حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ طَلْحَةَ الْيَرْبُوعِيُّ، قَالَ: ثنا شَرِيكٌ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فِي قَوْلِهِ ﴿كهيعص﴾ [مريم: ١] قَالَ: عَيْنٌ: عَزِيزٌ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ هِيَ حَرْفٌ مِنْ حُرُوفِ اسْمِهِ الَّذِي هُوَ عَدْلٌ
١٥ ‏/ ٤٤٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا جَابِرُ بْنُ نُوحٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو رَوْقٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ، فِي قَوْلِهِ ﴿كهيعص﴾ [مريم: ١] قَالَ: عَيْنٌ: عَدْلٌ ⦗٤٥٠⦘ وَقَالَ الَّذِينَ تَأَوَّلُوا ذَلِكَ هَذَا التَّأْوِيلَ: الصَّادْ مِنْ قَوْلِهِ ﴿كهيعص﴾ [مريم: ١] حَرْفٌ مِنْ حُرُوفِ اسْمِهِ الَّذِي هُوَ صَادِقٌ
١٥ ‏/ ٤٤٩
ذِكْرُ الرِّوَايَةِ بِذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ إِدْرِيسَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حُصَيْنٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَاشِدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ يَقُولُ فِي ﴿كهيعص﴾ [مريم: ١] صَادْ: صَادِقٌ حَدَّثَنِي أَبُو حُصَيْنٍ، قَالَ: ثنا عَبْثَرٌ، قَالَ: ثنا حُصَيْنٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَاشِدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، قَالَ: ثنا أَبُو الْأَحْوَصِ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَاشِدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ مِثْلَهُ. حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ، قَالَ: ثنا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَاشِدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ مِثْلَهُ
١٥ ‏/ ٤٥٠
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا جَابِرُ بْنُ نُوحٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو رَوْقٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ، قَالَ: صَادْ: صَادِقٌ
١٥ ‏/ ٤٥٠
حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ طَلْحَةَ، قَالَ: ثنا شَرِيكٌ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ سَعِيدٍ، قَالَ: صَادِقٌ، يَعْنِي الصَّادْ مِنْ ﴿كهيعص﴾ [مريم: ١]
١٥ ‏/ ٤٥١
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدٍ ﴿كهيعص﴾ [مريم: ١] قَالَ: صَادْ: صَادِقٌ
١٥ ‏/ ٤٥١
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، قَالَ: ثنا عَنْبَسَةُ، عَنِ الْكَلْبِيِّ، قَالَ: صَادِقٌ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ هَذِهِ الْكَلِمَةُ كُلُّهَا اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى
١٥ ‏/ ٤٥١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ خِدَاشٍ، قَالَ: ثني سَالِمُ بْنُ قُتَيْبَةَ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْهُذَلِيُّ، عَنْ عَاتِكَةَ، عَنْ فَاطِمَةَ ابْنَةِ عَلِيٍّ، قَالَتْ: كَانَ عَلِيٌّ يَقُولُ: يَا ﴿كهيعص﴾ [مريم: ١] اغْفِرْ لِي
١٥ ‏/ ٤٥١
حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ⦗٤٥٢⦘ فِي قَوْلِهِ: ﴿كهيعص﴾ [مريم: ١] قَالَ: فَإِنَّهُ قَسَمٌ أَقْسَمَ اللَّهُ بِهِ، وَهُوَ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ وَقَالَ آخَرُونَ: كُلُّ حَرْفٍ مِنْ ذَلِكَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ عز وجل
١٥ ‏/ ٤٥١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مَطَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الضَّبِّيُّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُسْلِمٍ الْقَسْمَلِيُّ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، قَالَ: ﴿كهيعص﴾ [مريم: ١] لَيْسَ مِنْهَا حَرْفٌ إِلَّا وَهُوَ اسْمٌ وَقَالَ آخَرُونَ: هَذِهِ الْكَلِمَةُ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ الْقُرْآنِ
١٥ ‏/ ٤٥٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ ﴿كهيعص﴾ [مريم: ١] قَالَ: اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ الْقُرْآنِ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا نَظِيرُ الْقَوْلِ فِي ﴿الم﴾ [البقرة: ١] وَسَائِرُ فَوَاتِحِ سُوَرِ الْقُرْآنِ الَّتِي افْتُتِحَتْ أَوَائِلُهَا بِحُرُوفِ الْمُعْجَمِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ فِيمَا مَضَى قَبْلُ، فَأَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ
١٥ ‏/ ٤٥٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا﴾ [مريم: ٣]
١٥ ‏/ ٤٥٢
اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي الرَّافِعِ لِلذِّكْرِ، وَالنَّاصِبِ لِلْعَبْدٍ، فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ فِي مَعْنَى ذَلِكَ كَأَنَّهُ قَالَ: مِمَّا نَقَصُّ عَلَيْكَ ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ، وَانْتَصَبَ الْعَبْدُ بِالرَّحْمَةِ كَمَا تَقُولُ: ذِكْرُ ضَرْبِ زَيْدٍ عَمْرًا. وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ: رُفِعَتِ الذِّكْرُ بكهيعص، وَإِنْ شِئْتَ أَضْمَرْتَ هَذَا ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ، قَالَ: وَالْمَعْنَى ذِكْرُ رَبِّكَ عَبْدَهُ بِرَحْمَتِهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالْقَوْلُ الَّذِي هُوَ الصَّوَابُ عِنْدِي فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: الذِّكْرُ مَرْفُوعٌ بِمُضْمَرٍ مَحْذُوفٍ وَهُوَ هَذَا، كَمَا فُعِلَ ذَلِكَ فِي غَيْرِهَا مِنَ السُّوَرِ، وَذَلِكَ كَقَوْلِ اللَّهِ: ﴿بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ [التوبة: ١] وَكَقَوْلِهِ: ﴿سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا﴾ [النور: ١] وَنَحْوُ ذَلِكَ. وَالْعَبْدُ مَنْصُوبٌ بِالرَّحْمَةِ، وَزَكَرِيَّا فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ، لِأَنَّهُ بَيَانٌ عَنِ الْعَبْدِ، فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ: هَذَا ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا
١٥ ‏/ ٤٥٣
وَقَوْلُهُ: ﴿إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا﴾ [مريم: ٣] يَقُولُ حِينَ دَعَا رَبَّهُ، وَسَأَلَهُ بِنِدَاءٍ خَفِيٍّ، يَعْنِي: وَهُوَ مُسْتَسِرٌّ بِدُعَائِهِ وَمَسْأَلَتِهِ إِيَّاهُ مَا سَأَلَ كَرَاهَتَهُ مِنْهُ لِلرِّيَاءِ، كَمَا:
١٥ ‏/ ٤٥٣
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا﴾ [مريم: ٣] أَيْ سِرًّا، وَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ الْقَلْبَ النَّقِيَّ، وَيَسْمَعُ الصَّوْتَ الْخَفِيَّ
١٥ ‏/ ٤٥٣
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَوْلُهُ: ﴿إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا﴾ [مريم: ٣] قَالَ: لَا يُرِيدُ رِيَاءً
١٥ ‏/ ٤٥٣
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: رَغِبَ زَكَرِيَّا فِي الْوَلَدِ، فَقَامَ فَصَلَّى، ثُمَّ دَعَا رَبِّهُ سِرًّا، فَقَالَ: ﴿رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي﴾ [مريم: ٤] . . إِلَى ﴿وَاجْعَلْهُ رِبِّ رَضِيًّا﴾ [مريم: ٦]
١٥ ‏/ ٤٥٤
وَقَوْلُهُ: ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي﴾ [مريم: ٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ، فَكَانَ نِدَاؤُهُ الْخَفِيُّ الَّذِي نَادَى بِهِ رَبَّهُ أَنْ قَالَ: ﴿رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي﴾ [مريم: ٤] يَعْنِي بِقَوْلِهِ ﴿وَهَنَ﴾ [مريم: ٤] ضَعُفَ وَرَقَّ مِنَ الْكِبَرِ، كَمَا:
١٥ ‏/ ٤٥٤
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي﴾ [مريم: ٤] أَيْ ضَعُفَ الْعَظْمُ مِنِّي
١٥ ‏/ ٤٥٤
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي﴾ [مريم: ٤] قَالَ: نَحَلَ الْعَظْمُ قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: الثَّوْرِيُّ: وَبَلَغَنِي أَنَّ زَكَرِيَّا كَانَ ابْنَ سَبْعِينَ سَنَةً وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي وَجْهِ النَّصْبِ فِي الشَّيْبِ، فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ: نُصِبَ عَلَى الْمَصْدَرِ مِنْ مَعْنَى الْكَلَامِ، كَأَنَّهُ حِينَ قَالَ: اشْتَعَلَ، قَالَ: شَابَ، فَقَالَ: شَيْبًا عَلَى الْمَصْدَرِ. قَالَ: وَلَيْسَ هُوَ فِي مَعْنَى: تَفَقَّأْتُ ⦗٤٥٥⦘ شَحْمًا وَامْتَلَأْتُ مَاءً، لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِمَصْدَرٍ. وَقَالَ غَيْرُهُ: نُصِبَ الشَّيْبُ عَلَى التَّفْسِيرِ، لِأَنَّهُ يُقَالُ: اشْتَعَلَ شَيْبُ رَأْسِي، وَاشْتَعَلَ رَأْسِي شَيْبًا، كَمَا يُقَالُ: تَفَقَّأْتُ شَحْمًا، وَتَفَقَّأَ شَحْمِي
١٥ ‏/ ٤٥٤
وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا﴾ [مريم: ٤] يَقُولُ: وَلَمْ أَشْقَ يَا رَبِّ بِدُعَائِكَ، لِأَنَّكَ لَمْ تُخَيِّبْ دُعَائِي قَبْلُ إِذْ كُنْتُ أَدْعُوكَ فِي حَاجَتِي إِلَيْكَ، بَلْ كُنْتَ تُجِيبَ وَتَقْضِي حَاجَتِي قِبَلَكَ. كَمَا:
١٥ ‏/ ٤٥٥
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا﴾ [مريم: ٤] يَقُولُ: قَدْ كُنْتَ تُعَرِّفُنِي الْإِجَابَةَ فِيمَا مَضَى
١٥ ‏/ ٤٥٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا﴾ [مريم: ٦] يَقُولُ: وَإِنِّي خِفْتُ بَنِي عَمِّي وَعَصَبَتِي مِنْ وَرَائِي. يَقُولُ: مِنْ بَعْدِي أَنْ يَرِثُونِي، وَقِيلَ: عَنَى بِقَوْلِهِ ﴿مِنْ وَرَائِي﴾ [مريم: ٥] مِنْ قُدَّامِي وَمِنْ بَيْنِ يَدَيَّ، وَقَدْ بَيَّنْتُ جَوَازَ ذَلِكَ فِيمَا مَضَى قَبْلُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٥ ‏/ ٤٥٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ ثني أَبِي، عَنْ ⦗٤٥٦⦘ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي﴾ [مريم: ٥] يَعْنِي بِالْمَوَالِي: الْكَلَالَةَ الْأَوْلِيَاءَ أَنْ يَرِثُوهُ، فَوَهَبَ اللَّهُ لَهُ يَحْيَى
١٥ ‏/ ٤٥٥
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ دَاوُدَ الْوَاسِطِيُّ، قَالَ: ثنا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي﴾ [مريم: ٥] قَالَ: الْعَصَبَةُ
١٥ ‏/ ٤٥٦
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا جَابِرُ بْنُ نُوحٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ فِي قَوْلِهِ ﴿وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي﴾ [مريم: ٥] قَالَ: خَافَ مَوَالِي الْكَلَالَةِ حَدَّثَنَا مُجَاهِدُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ بِنَحْوِهِ
١٥ ‏/ ٤٥٦
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ ﴿وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي﴾ [مريم: ٥] قَالَ: يَعْنِي الْكَلَالَةَ
١٥ ‏/ ٤٥٦
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي﴾ [مريم: ٥] قَالَ: الْعَصَبَةُ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٥ ‏/ ٤٥٦
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ ⦗٤٥٧⦘: ﴿وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي﴾ [مريم: ٥] قَالَ: الْعَصَبَةُ
١٥ ‏/ ٤٥٦
حَدَّثَنِي مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، ﴿وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي﴾ [مريم: ٥] وَالْمَوَالِي: هُنَّ الْعَصَبَةُ وَالْمَوَالِي: جَمْعُ مَوْلًى، وَالْمَوْلَى وَالْوَلِيُّ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ وَاحِدٌ. وَقَرَأَتْ قُرَّاءُ الْأَمْصَارِ: ﴿وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ﴾ [مريم: ٥] بِمَعْنَى: الْخَوْفِ الَّذِي هُوَ خَوْفُ الْأَمْنِ. وَرُوِي عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ أَنَّهُ قَرَأَهُ: «وَإِنِّي خَفَّتِ الْمَوَالِي» بِتَشْدِيدِ الْفَاءِ وَفَتْحِ الْخَاءِ مِنَ الْخِفَّةِ، كَأَنَّهُ وَجْهُ تَأْوِيلِ الْكَلَامِ: وَإِنِّي ذَهَبَتْ عَصَبَتِي وَمَنْ يَرِثُنِي مِنْ بَنِي أَعْمَامِي. وَإِذَا قُرِئَ ذَلِكَ كَذَلِكَ كَانَتِ الْيَاءُ مِنَ الْمَوَالِي مُسَكَّنَةً غَيْرَ مُتَحَرِّكَةٍ، لِأَنَّهَا تَكُونُ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بِخَفَّتْ
١٥ ‏/ ٤٥٧
وَقَوْلُهُ: ﴿وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا﴾ [مريم: ٥] يَقُولُ: وَكَانَتْ زَوْجَتِي لَا تَلِدُ، يُقَالُ مِنْهُ: رَجُلٌ عَاقِرٌ، وَامْرَأَةٌ عَاقِرٌ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الطويل] لَبِئْسَ الْفَتَى أَنْ كُنْتُ أَعْوَرَ عَاقِرًا … جَبَانًا فَمَا عُذْرِي لَدَى كُلِّ مَحْضَرِ
١٥ ‏/ ٤٥٧
وَقَوْلُهُ: ﴿فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا﴾ [مريم: ٥] يَقُولُ: فَارْزُقْنِي مِنْ عِنْدَكَ وَلَدًا وَارِثًا وَمُعِينًا
١٥ ‏/ ٤٥٧
وَقَوْلُهُ: ﴿يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ﴾ [مريم: ٦] يَقُولُ: يَرِثُنِي مِنْ بَعْدِ وَفَاتِي مَالِي، ⦗٤٥٨⦘ وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ النُّبُوَّةَ، وَذَلِكَ أَنَّ زَكَرِيَّا كَانَ مِنْ وَلَدِ يَعْقُوبَ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٥ ‏/ ٤٥٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا جَابِرُ بْنُ نُوحٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، قَوْلُهُ ﴿يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ﴾ [مريم: ٦] يَقُولُ: يَرِثُ مَالِي، وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ النُّبُوَّةَ
١٥ ‏/ ٤٥٨
حَدَّثَنَا مُجَاهِدٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ فِي قَوْلِهِ ﴿يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ﴾ [مريم: ٦] قَالَ: يَرِثُ مَالِي، وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ النُّبُوَّةَ
١٥ ‏/ ٤٥٨
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، فِي قَوْلِهِ ﴿يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ﴾ [مريم: ٦] قَالَ: يَرِثُنِي مَالِي، وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ النُّبُوَّةَ
١٥ ‏/ ٤٥٨
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، فِي قَوْلِهِ ﴿يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ﴾ [مريم: ٦] قَالَ: يَكُونُ نَبِيًّا كَمَا كَانَتْ آبَاؤُهُ أَنْبِيَاءَ
١٥ ‏/ ٤٥٨
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ﴿⦗٤٥٩⦘ يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ﴾ [مريم: ٦] قَالَ: وَكَانَ وِرَاثَتُهُ عِلْمًا، وَكَانَ زَكَرِيَّا مِنْ ذُرِّيَّةِ يَعْقُوبَ
١٥ ‏/ ٤٥٨
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: كَانَ وِرَاثَتُهُ عِلْمًا، وَكَانَ زَكَرِيَّا مِنْ ذُرِّيَّةِ يَعْقُوبَ
١٥ ‏/ ٤٥٩
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ﴾ [مريم: ٦] قَالَ: نُبُوَّتُهُ وَعِلْمُهُ
١٥ ‏/ ٤٥٩
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا جَابِرُ بْنُ نُوحٍ، عَنْ مُبَارَكٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «رَحِمَ اللَّهُ أَخِي زَكَرِيَّا، مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ وَرَثَةِ مَالِهِ حِينَ يَقُولُ ﴿فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا، يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ﴾ [مريم: ٦]»
١٥ ‏/ ٤٥٩
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ﴾ [مريم: ٦] قَالَ: كَانَ الْحَسَنُ يَقُولُ: يَرِثُ نُبُوَّتَهُ وَعِلْمَهُ
١٥ ‏/ ٤٥٩
قَالَ قَتَادَةُ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ كَانَ إِذَا قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ، وَأَتَى عَلَى ﴿يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ﴾ [مريم: ٦]⦗٤٦٠⦘ قَالَ: «رَحِمَ اللَّهُ زَكَرِيَّا مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ وَرَثَتِهِ»
١٥ ‏/ ٤٥٩
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ، قَالَ: «وَيَرْحَمُ اللَّهُ زَكَرِيَّا وَمَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ وَرَثَتِهِ، وَيَرْحَمُ اللَّهُ لُوطًا إِنْ كَانَ لَيَأْوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ»
١٥ ‏/ ٤٦٠
حَدَّثَنِي مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، ﴿فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ﴾ [مريم: ٦] قَالَ: يَرِثُ نُبُوَّتِي وَنُبُوَّةَ آلِ يَعْقُوبَ وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ﴾ [مريم: ٦] فَقَرَأَتْ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ: ﴿يَرِثُنِي وَيَرِثُ﴾ [مريم: ٦] بِرَفْعِ الْحَرْفَيْنِ كِلَيْهِمَا، بِمَعْنَى فَهَبِ الَّذِي يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ، عَلَى أَنْ يَرِثَنِي وَيَرِثَ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ، مِنْ صِلَةِ الْوَلِيِّ. وَقَرَأَ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ قُرَّاءِ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ: (يَرِثْنِي وَيَرِثْ) بِجَزْمِ الْحَرْفَيْنِ عَلَى الْجَزَاءِ وَالشَّرْطِ، بِمَعْنَى: فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا فَإِنَّهُ يَرِثُنِي إِذَا وَهَبْتَهُ لِي. وَقَالَ الَّذِينَ قَرَءُوا ذَلِكَ كَذَلِكَ: إِنَّمَا حَسُنَ ذَلِكَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، لِأَنَّ يَرِثُنِي مِنْ آيَةٍ غَيْرِ الَّتِي قَبْلَهَا. قَالُوا وَإِنَّمَا يَحْسُنُ أَنْ يَكُونَ مِثْلُ هَذَا صِلَةً، إِذَا كَانَ غَيْرَ مُنْقَطِعٍ عَمَّا هُوَ لَهُ صِلَةٌ، كَقَوْلِهِ: ﴿رِدْءًا يُصَدِّقُنِي﴾ [القصص: ٣٤] . قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ عِنْدِي فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَهُ بِرَفْعِ
١٥ ‏/ ٤٦٠
الْحَرْفَيْنِ عَلَى الصِّلَةِ لِلْوَلِيِّ، لِأَنَّ الْوَلِيَّ نِكَرَةٌ، وَأَنَّ زَكَرِيَّا إِنَّمَا سَأَلَ رَبَّهُ أَنْ يَهَبَ لَهُ وَلِيًّا يَكُونُ بِهَذِهِ الصُّفَّةِ، كَمَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، لَا أَنَّهُ سَأَلَهُ وَلِيًّا، ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّهُ إِذَا وَهَبَ لَهُ ذَلِكَ كَانَتْ هَذِهِ صِفَتُهُ، لِأَنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ، كَانَ ذَلِكَ مِنْ زَكَرِيَّا دُخُولًا فِي عِلْمِ الْغَيْبِ الَّذِي قَدْ حَجَبَهُ اللَّهُ عَنْ خَلْقِهِ
١٥ ‏/ ٤٦١
وَقَوْلُهُ: ﴿وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا﴾ [مريم: ٦] يَقُولُ: وَاجْعَلْ يَا رَبِّ الْوَلِيَّ الَّذِي تَهَبُهُ لِي مَرْضِيًّا تَرْضَاهُ أَنْتَ وَيَرْضَاهُ عِبَادَكَ دِينًا وَخُلُقًا وَخَلْقًا. وَالرَّضِيُّ: فَعِيلٌ صُرِفَ مِنْ مَفْعُولٍ إِلَيْهِ
١٥ ‏/ ٤٦١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا﴾ [مريم: ٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ، فَقَالَ لَهُ: يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِهِبَتِنَا لَكَ غُلَامًا اسْمُهُ يَحْيَى. كَانَ قَتَادَةُ يَقُولُ: إِنَّمَا سَمَّاهُ اللَّهُ يَحْيَى لِإِحْيَائِهِ إِيَّاهُ بِالْإِيمَانِ
١٥ ‏/ ٤٦١
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ ﴿يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى﴾ [مريم: ٧] عَبْدٌ أَحْيَاهُ اللَّهُ لِلْإِيمَانِ
١٥ ‏/ ٤٦١
وَقَوْلُهُ: ﴿لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا﴾ [مريم: ٧] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ مَعْنَاهُ لَمْ تَلِدْ مِثْلَهُ عَاقِرٌ قَطُّ
١٥ ‏/ ٤٦١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ⦗٤٦٢⦘ قَوْلُهُ لِيَحْيَى: ﴿لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا﴾ [مريم: ٧] يَقُولُ: لَمْ تَلِدِ الْعَوَاقِرُ مِثْلَهُ وَلَدًا قَطُّ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَاهُ: لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلِهِ مِثْلًا
١٥ ‏/ ٤٦١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو الرَّبِيعِ، قَالَا: ثنا سَالِمُ بْنُ قُتَيْبَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ ﴿لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا﴾ [مريم: ٧] قَالَ: شَبِيهًا
١٥ ‏/ ٤٦٢
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ ﴿لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا﴾ [مريم: ٧] قَالَ: مِثْلًا حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ، أَنَّهُ لَمْ يُسَمِّ بِاسْمِهِ أَحَدٌ قَبْلَهُ
١٥ ‏/ ٤٦٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿لَمْ نَجْعَلْ لَهُ ⦗٤٦٣⦘ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا﴾ [مريم: ٧] لَمْ يُسَمَّ بِهِ أَحَدُ قَبْلَهُ
١٥ ‏/ ٤٦٢
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ ﴿لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا﴾ [مريم: ٧] قَالَ: لَمْ يُسَمَّ يَحْيَى أَحَدٌ قَبْلَهُ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، مِثْلَهُ
١٥ ‏/ ٤٦٣
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا﴾ [مريم: ٧] قَالَ: لَمْ يُسَمَّ أَحَدٌ قَبْلَهُ بِهَذَا الِاسْمِ
١٥ ‏/ ٤٦٣
حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، ﴿إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا﴾ [مريم: ٧] لَمْ يُسَمَّ أَحَدٌ قَبْلَهُ يَحْيَى قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَهَذَا الْقَوْلُ أَعِنِّي قَوْلَ مَنْ قَالَ: لَمْ يَكُنْ لِيَحْيَى قَبْلَ يَحْيَى أَحَدٌ سُمَيَّ بِاسْمِهِ أَشْبَهُ بِتَأْوِيلِ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا مَعْنَى الْكَلَامِ: لَمْ نَجْعَلْ لِلْغُلَامِ الَّذِي نَهَبُ لَكَ الَّذِي اسْمُهُ يَحْيَى مِنْ قَبْلِهِ أَحَدًا مُسَمًّى بِاسْمِهِ، وَالسَّمِيُّ: فَعِيلٌ صُرِفَ مِنْ مَفْعُولٍ إِلَيْهِ
١٥ ‏/ ٤٦٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا﴾ [مريم: ٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ زَكَرِيَّا لَمَّا بَشَّرَهُ اللَّهُ بِيَحْيَى: ﴿رَبِّ أَنَّى يَكُونُ
١٥ ‏/ ٤٦٣
لِي غُلَامٌ﴾ [آل عمران: ٤٠] وَمِنْ أَيِّ وَجْهٍ يَكُونُ لِي ذَلِكَ، وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ لَا تَحْبَلُ، وَقَدْ ضَعُفْتُ مِنَ الْكِبَرِ عَنْ مُبَاضَعَةِ النِّسَاءِ أَبِأَنْ تُقَوِّيَنِي عَلَى مَا ضَعُفْتُ عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ، وَتَجْعَلَ زَوْجَتِي وَلُودًا فَإِنَّكَ الْقَادِرُ عَلَى ذَلِكَ وَعَلَى مَا تَشَاءُ؟ أَمْ بِأَنْ أَنْكِحَ زَوْجَةً غَيْرَ زَوْجَتِي الْعَاقِرِ؟ يَسْتَثْبِتُ رَبَّهُ الْخَبَرَ، عَنِ الْوَجْهِ الَّذِي يَكُونُ مِنْ قِبَلِهِ لَهُ الْوَلَدُ، الَّذِي بَشَّرَهُ اللَّهُ بِهِ، لَا إِنْكَارًا مِنْهُ ﷺ حَقِيقَةَ كَوْنِ مَا وَعَدَهُ اللَّهُ مِنَ الْوَلَدِ، وَكَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ مِنْهُ إِنْكَارًا لِأَنْ يَرْزُقَهُ الْوَلَدُ الَّذِي بَشَّرَهُ بِهِ، وَهُوَ الْمُبْتَدِئُ مَسْأَلَةَ رَبِّهِ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ﴿فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ﴾ [مريم: ٦] بَعْدَ قَوْلِهِ ﴿إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا﴾ [مريم: ٤] وَقَالَ السُّدِّيُّ فِي ذَلِكَ مَا:
١٥ ‏/ ٤٦٤
حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: نَادَى جَبْرَائِيلُ زَكَرِيَّا: إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكُ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا، فَلَمَّا سَمِعَ النِّدَاءَ، جَاءَهُ الشَّيْطَانُ فَقَالَ: يَا زَكَرِيَّا إِنَّ الصَّوْتَ الَّذِي سَمِعْتَ لَيْسَ مِنَ اللَّهِ، إِنَّمَا هُوَ مِنَ الشَّيْطَانِ يَسْخَرُ بِكَ، وَلَوْ كَانَ مِنَ اللَّهِ أَوْحَاهُ إِلَيْكَ كَمَا يُوحِي إِلَيْكَ غَيْرَهُ مِنَ الْأَمْرِ، فَشَكَّ وَقَالَ: ﴿أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ﴾ [مريم: ٨] يَقُولُ: مِنْ أَيْنَ يَكُونُ ﴿وَقَدْ بَلَغَنِي الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ﴾ [آل عمران: ٤٠]
١٥ ‏/ ٤٦٤
وَقَوْلُهُ: ﴿وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا﴾ [مريم: ٨] يَقُولُ: وَقَدْ عَتَوْتُ مِنَ الْكِبَرِ فَصِرْتُ نَحِلَ الْعِظَامِ يَابِسَهَا، يُقَالُ مِنْهُ لِلْعُودِ الْيَابِسِ: عُودٌ عَاتٍ وَعَاسٍ، وَقَدْ عَتَا يَعْتُو عِتِيًّا وَعُتُوًّا، وَعَسَى ⦗٤٦٥⦘ يَعْسُو عِسِيًّا وَعُسُوًّا، وَكُلُّ مُتَنَاهٍ إِلَى غَايَتِهِ فِي كِبَرٍ أَوْ فَسَادٍ، أَوْ كُفْرٍ، فَهُوَ عَاتٍ وَعَاسِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٥ ‏/ ٤٦٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حُصَيْنٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَدْ عَلِمْتُ السُّنَّةَ كُلَّهَا، غَيْرَ أَنِّي لَا أَدْرِي أَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ أَمْ لَا، وَلَا أَدْرِي كَيْفَ كَانَ يَقْرَأُ هَذَا الْحَرْفَ: ﴿وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا﴾ [مريم: ٨] أَوْ «عِسِيًّا»
١٥ ‏/ ٤٦٥
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ ﴿وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا﴾ [مريم: ٨] قَالَ: يَعْنِي بِالْعِتِيِّ: الْكِبَرَ
١٥ ‏/ ٤٦٥
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ ﴿عِتِيًّا﴾ [مريم: ٨] قَالَ: نُحُولُ الْعَظْمِ ⦗٤٦٦⦘ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٥ ‏/ ٤٦٥
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ ﴿مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا﴾ [مريم: ٨] قَالَ: سِنًّا، وَكَانَ ابْنُ بِضْعٍ وَسَبْعِينَ سَنَةً
١٥ ‏/ ٤٦٦
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا﴾ [مريم: ٨] قَالَ: الْعِتِيُّ: الَّذِي قَدْ عَتَا عَنِ الْوَلَدِ فِيمَا يَرَى نَفْسَهُ لَا يُولَدُ لَهُ
١٥ ‏/ ٤٦٦
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: ثنا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا﴾ [مريم: ٨] قَالَ: هُوَ الْكِبَرُ
١٥ ‏/ ٤٦٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا﴾ [مريم: ١٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ اللَّهُ لِزَكَرِيَّا مُجِيبًا لَهُ ﴿قَالَ كَذَلِكَ﴾ [آل عمران: ٤٠] يَقُولُ: هَكَذَا الْأَمْرُ كَمَا تَقُولُ مِنْ أَنَّ امْرَأَتَكَ عَاقِرٌ، وَإِنَّكَ قَدْ بَلَغْتَ مِنَ الْكِبَرِ الْعِتِيَّ، وَلَكِنَّ رَبَّكَ يَقُولُ: خَلْقُ مَا بَشَّرْتُكَ بِهِ مِنَ الْغُلَامِ الَّذِي ذَكَرْتُ لَكَ أَنَّ اسْمَهُ يَحْيَى عَلَيَّ ⦗٤٦٧⦘ هَيِّنٌ، فَهُوَ إِذَنْ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ﴾ [مريم: ٩] كِنَايَةٌ عَنِ الْخَلْقِ
١٥ ‏/ ٤٦٦
وَقَوْلُهُ: ﴿وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا﴾ [مريم: ٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَيْسَ خَلْقُ مَا وَعَدْتُكَ أَنْ أَهَبَهُ لَكَ مِنَ الْغُلَامِ الَّذِي ذَكَرْتُ لَكَ أَمْرَهُ مِنْكَ مَعَ كِبَرِ سِنِّكَ، وَعُقْمِ زَوْجَتِكَ بِأَعْجَبَ مِنْ خَلْقِكَ، فَإِنِّي قَدْ خَلَقْتُكَ، فَأَنْشَأْتُكَ بَشَرًا سَوِيًّا مِنْ قَبْلِ خَلْقِي مَا بَشَّرْتُكَ بِأَنِّي وَاهِبُهُ لَكَ مِنَ الْوَلَدِ، وَلَمْ تَكُ شَيْئًا، فَكَذَلِكَ أَخْلُقُ لَكَ الْوَلَدَ الَّذِي بَشَّرْتُكَ بِهِ مِنْ زَوْجَتِكَ الْعَاقِرِ، مَعَ عِتِيِّكَ وَوَهَنِ عِظَامِكَ، وَاشْتِعَالِ شَيْبِ رَأْسِكَ
١٥ ‏/ ٤٦٧
وَقَوْلُهُ: ﴿قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً﴾ [آل عمران: ٤١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ زَكَرِيَّا: يَا رَبِّ اجْعَلْ لِي عِلْمًا وَدَلِيلًا عَلَى مَا بَشَّرَتْنِي بِهِ مَلَائِكَتُكَ مِنْ هَذَا الْغُلَامِ عَنْ أَمْرِكَ وَرِسَالَتِكَ، لِيَطْمَئِنَّ إِلَى ذَلِكَ قَلْبِي. كَمَا:
١٥ ‏/ ٤٦٧
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً﴾ [آل عمران: ٤١] قَالَ: قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً أَنَّ هَذَا مِنْكَ
١٥ ‏/ ٤٦٧
حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: قَالَ رَبِّ، فَإِنْ كَانَ هَذَا الصَّوْتُ مِنْكَ فَاجْعَلْ لِي آيَةً ﴿قَالَ﴾ [مريم: ١٠] اللَّهُ ﴿آيَتُكَ﴾ [مريم: ١٠] لِذَلِكَ ﴿أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا﴾ [مريم: ١٠] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: عَلَامَتُكَ لِذَلِكَ، وَدَلِيلُكَ عَلَيْهِ أَنْ لَا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ ⦗٤٦٨⦘ وَأَنْتَ سَوِيُّ صَحِيحٌ، لَا عِلَّةَ بِكَ مِنْ خَرَسٍ وَلَا مَرَضٍ يَمْنَعُكَ مِنَ الْكَلَامِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٥ ‏/ ٤٦٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ﴿ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا﴾ [مريم: ١٠] قَالَ: اعْتُقِلَ لِسَانُهُ مِنْ غَيْرِ مَرَضٍ
١٥ ‏/ ٤٦٨
حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ ﴿ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا﴾ [مريم: ١٠] يَقُولُ: مِنْ غَيْرِ خَرَسٍ
١٥ ‏/ ٤٦٨
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ ﴿ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا﴾ [مريم: ١٠] قَالَ: لَا يَمْنَعُكَ مِنَ الْكَلَامِ مَرَضٌ
١٥ ‏/ ٤٦٨
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ﴿أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا﴾ [مريم: ١٠] قَالَ: صَحِيحًا لَا يَمْنَعُكَ مِنَ الْكَلَامِ مَرَضٌ
١٥ ‏/ ٤٦٨
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا﴾ [مريم: ١٠] مِنْ غَيْرِ بَأْسٍ وَلَا خَرَسٍ، وَإِنَّمَا عُوقِبَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ ⦗٤٦٩⦘ سَأَلَ آيَةً بَعْدَ مَا شَافَهَتْهُ الْمَلَائِكَةُ مُشَافَهَةً، أُخِذَ بِلِسَانِهِ حَتَّى مَا كَانَ يُفِيضُ الْكَلَامَ إِلَّا أَوْمَأَ إِيمَاءً
١٥ ‏/ ٤٦٨
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، فِي قَوْلِهِ ﴿ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا﴾ [مريم: ١٠] قَالَ: سَوِيًّا مِنْ غَيْرِ خَرَسٍ
١٥ ‏/ ٤٦٩
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ ﴿قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا﴾ [مريم: ١٠] وَأَنْتَ صَحِيحٌ، قَالَ: فَحُبِسَ لِسَانُهُ، فَكَانَ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُكَلِّمَ أَحَدًا، وَهُوَ فِي ذَلِكَ يُسَبِّحُ، وَيَقْرَأُ التَّوْرَاةَ وَيَقْرَأُ الْإِنْجِيلَ، فَإِذَا أَرَادَ كَلَامَ النَّاسِ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُكَلِّمَهُمْ
١٥ ‏/ ٤٦٩
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَمَّنْ لَا يُتَّهَمُ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ الْيَمَانِيِّ، قَالَ: أَخَذَ اللَّهُ بِلِسَانِهِ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ، فَجَعَلَ لَا يُطِيقُ الْكَلَامَ، وَإِنَّمَا كَلَامُهُ لِقَوْمِهِ بِالْإِشَارَةِ، حَتَّى مَضَتِ الثَّلَاثَةُ الْأَيَّامُ الَّتِي جَعَلَهَا اللَّهُ آيَةً لِمِصْدَاقِ مَا وَعَدَهُ مِنْ هِبَتِهِ لَهُ
١٥ ‏/ ٤٦٩
حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، ﴿قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا﴾ [مريم: ١٠] يَقُولُ: مِنْ غَيْرِ خَرَسٍ إِلَّا ⦗٤٧٠⦘ رَمْزًا، فَاعْتُقِلَ لِسَانُهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَثَلَاثَ لَيَالٍ وَقَالَ آخَرُونَ: السَّوِيُّ مِنْ صِفَةِ الْأَيَّامِ، قَالُوا: وَمَعْنَى الْكَلَامِ: قَالَ: آيَتُكَ أَلَا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ مُتَتَابِعَاتٍ
١٥ ‏/ ٤٦٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا﴾ [مريم: ١٠] قَالَ: ثَلَاثَ لَيَالٍ مُتَتَابِعَاتٍ
١٥ ‏/ ٤٧٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا﴾ [مريم: ١١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَخَرَجَ زَكَرِيَّا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ مُصَلَّاهُ حِينَ حُبِسَ لِسَانُهُ عَنْ كَلَامِ النَّاسِ آيَةً مِنَ اللَّهِ لَهُ عَلَى حَقِيقَةِ وَعْدِهِ إِيَّاهُ مَا وَعَدَ. فَكَانَ ابْنُ جُرَيْجٍ يَقُولُ فِي مَعْنَى خُرُوجِهِ مِنْ مِحْرَابِهِ، مَا:
١٥ ‏/ ٤٧٠
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، ﴿فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ﴾ [مريم: ١١] قَالَ: أَشْرَفَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْمِحْرَابِ فِيمَا مَضَى قَبْلُ، بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ
١٥ ‏/ ٤٧٠
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿فَخَرَجَ ⦗٤٧١⦘ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ﴾ [مريم: ١١] قَالَ: الْمِحْرَابُ: مُصَلَّاهُ، وَقَرَأَ: ﴿فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ﴾ [آل عمران: ٣٩]
١٥ ‏/ ٤٧٠
وَقَوْلُهُ: ﴿فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ﴾ [إبراهيم: ١٣] يَقُولُ: أَشَارَ إِلَيْهِمْ، وَقَدْ تَكُونُ تِلْكَ الْإِشَارَةُ بِالْيَدِ وَبِالْكِتَابِ وَبِغَيْرِ ذَلِكَ، مِمَّا يُفْهَمُ بِهِ عَنْهُ مَا يُرِيدُ. وَلِلْعَرَبِ فِي ذَلِكَ لُغَتَانِ: وَحَى، وَأَوْحَى فَمَنْ قَالَ: وَحَى، قَالَ فِي يَفْعَلُ: يَحِي، وَمَنْ قَالَ: أَوْحَى، قَالَ: يُوحِي، وَكَذَلِكَ أَوْمَى وَوَمَى، فَمَنْ قَالَ: وَمَى، قَالَ فِي يَفْعَلُ: يَمِي، وَمَنْ قَالَ: أَوْمَى، قَالَ: يُومِي. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمَعْنَى الَّذِي بِهِ أَوْحَى إِلَى قَوْمِهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَوْحَى إِلَيْهِمْ إِشَارَةً بِالْيَدِ
١٥ ‏/ ٤٧١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ﴿فَأَوْحَى﴾ [مريم: ١١] فَأَشَارَ زَكَرِيَّا حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٥ ‏/ ٤٧١
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَمَّنْ لَا يُتَّهَمُ، عَنْ وَهْبِ ⦗٤٧٢⦘ بْنِ مُنَبِّهٍ، ﴿فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ﴾ [مريم: ١١] قَالَ: الْوَحْي: الْإِشَارَةُ
١٥ ‏/ ٤٧١
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ﴾ [مريم: ١١] قَالَ: أَوْمَى إِلَيْهِمْ وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى أَوْحَى: كَتَبَ
١٥ ‏/ ٤٧٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ خِدَاشٍ، قَالَ: ثنا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بَكْرَةً وَعَشِيًّا﴾ [مريم: ١١] قَالَ: كَتَبَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ
١٥ ‏/ ٤٧٢
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ الْحَكَمِ، ﴿فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ﴾ [مريم: ١١] قَالَ: كَتَبَ لَهُمْ
١٥ ‏/ ٤٧٢
حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، ﴿فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ﴾ [مريم: ١١] فَكَتَبَ لَهُمْ فِي كِتَابٍ ﴿أَنْ سَبِّحُوا بَكْرَةً وَعَشِيًّا﴾ [مريم: ١١] وَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ﴾ [مريم: ١١] وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: أَمَرَهُمْ
١٥ ‏/ ٤٧٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿فَأَوْحَى ⦗٤٧٣⦘ إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا﴾ [مريم: ١١] قَالَ: مَا أَدْرِي كِتَابًا كَتَبَهُ لَهُمْ، أَوْ إِشَارَةً أَشَارَهَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، قَالَ: أَمَرَهُمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا، وَهُوَ لَا يُكَلِّمُهُمْ
١٥ ‏/ ٤٧٢
وَقَوْلُهُ: ﴿أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا﴾ [مريم: ١١] قَدْ بَيَّنْتُ فِيمَا مَضَى الْوُجُوهَ الَّتِي يَنْصَرِفُ فِيهَا التَّسْبِيحُ، وَقَدْ يَجُوزُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ أَنْ يَكُونَ عَنَى بِهِ التَّسْبِيحَ الَّذِي هُوَ ذِكْرُ اللَّهِ، فَيَكُونُ أَمْرُهُمْ بِالْفَرَاغِ لِذِكْرِ اللَّهِ فِي طَرَفَيِ النَّهَارِ بِالتَّسْبِيحِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَنَى بِهِ الصَّلَاةَ، فَيَكُونُ أَمْرُهُمْ بِالصَّلَاةِ فِي هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ. وَكَانَ قَتَادَةُ يَقُولُ فِي ذَلِكَ مَا:
١٥ ‏/ ٤٧٣
حَدَّثَنَا بِهِ الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا﴾ [مريم: ١١] قَالَ: أَوْمَى إِلَيْهِمْ أَنْ صَلُّوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا
١٥ ‏/ ٤٧٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا﴾ [مريم: ١٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَوُلِدَ لِزَكَرِيَّا يَحْيَى، فَلَمَّا وُلِدَ، قَالَ اللَّهُ لَهُ: يَا يَحْيَى، خُذْ هَذَا الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ، يَعْنِي كِتَابَ اللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَى مُوسَى وَهُوَ التَّوْرَاةُ بِقُوَّةٍ، يَقُولُ: بِجِدٍّ. كَمَا:
١٥ ‏/ ٤٧٣
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ﴾ [مريم: ١٢] قَالَ: بِجِدٍّ
١٥ ‏/ ٤٧٣
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي ⦗٤٧٤⦘ الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ﴿خُذِ الْكِتَابِ بِقُوَّةٍ﴾ [مريم: ١٢] قَالَ: بِجِدٍّ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي ذَلِكَ مَا:
١٥ ‏/ ٤٧٣
حَدَّثَنِي بِهِ، يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ﴾ [مريم: ١٢] قَالَ: الْقُوَّةُ: أَنْ يَعْمَلَ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ، وَيُجَانِبَ فِيهِ مَا نَهَاهُ اللَّهُ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَقَدْ بَيَّنْتُ مَعْنَى ذَلِكَ بِشَوَاهِدِهِ فِيمَا مَضَى مِنْ كِتَابِنَا هَذَا، فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ، فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ
١٥ ‏/ ٤٧٤
وَقَوْلُهُ: ﴿وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا﴾ [مريم: ١٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَأَعْطَيْنَاهُ الْفَهْمَ لِكِتَابِ اللَّهِ فِي حَالِ صِبَاهُ قَبْلَ بُلُوغِهِ أَسْنَانَ الرِّجَالِ. وَقَدْ:
١٥ ‏/ ٤٧٤
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مَعْمَرٌ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ عَنْ أَحَدٍ، فِي هَذِهِ الْآيَةِ ﴿وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا﴾ [مريم: ١٢] قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ الصِّبْيَانَ قَالُوا لِيَحْيَى: اذْهَبْ بِنَا نَلْعَبُ، فَقَالَ: مَا لِلَّعِبِ خُلِقْتُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا﴾ [مريم: ١٢]
١٥ ‏/ ٤٧٤
وَقَوْلُهُ: ﴿وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا﴾ [مريم: ١٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَرَحْمَةً مِنَّا وَمَحَبَّةً لَهُ آتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا. وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى الْحَنَانِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: الرَّحْمَةُ، وَوَجَّهُوا الْكَلَامَ إِلَى نَحْوِ الْمَعْنَى الَّذِي وَجَّهْنَاهُ إِلَيْهِ
١٥ ‏/ ٤٧٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا﴾ [مريم: ١٣] يَقُولُ: وَرَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا
١٥ ‏/ ٤٧٥
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، فِي هَذِهِ الْآيَةِ ﴿وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا﴾ [مريم: ١٣] قَالَ: رَحْمَةُ
١٥ ‏/ ٤٧٥
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا﴾ [مريم: ١٣] قَالَ: رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا
١٥ ‏/ ٤٧٥
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا جُوَيْبِرٌ، عَنِ الضَّحَّاكِ، قَوْلُهُ: ﴿وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا﴾ [مريم: ١٣] قَالَ: رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا لَا يَمْلِكُ عَطَاءَهَا أَحَدٌ غَيْرُنَا
١٥ ‏/ ٤٧٥
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ بْنُ ⦗٤٧٦⦘ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ ﴿وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا﴾ [مريم: ١٣] يَقُولُ: رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا، لَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهَا أَحَدٌ غَيْرُنَا وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: وَرَحْمَةً مِنْ عِنْدَنَا لِزَكَرِيَّا، آتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا، وَفَعَلْنَا بِهِ الَّذِي فَعَلْنَا
١٥ ‏/ ٤٧٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا﴾ [مريم: ١٣] يَقُولُ: رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَتَعَطُّفًا مِنْ عِنْدِنَا عَلَيْهِ، فَعَلْنَا ذَلِكَ
١٥ ‏/ ٤٧٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا﴾ [مريم: ١٣] قَالَ: تَعَطُّفًا مِنْ رَبِّهِ عَلَيْهِ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى الْحَنَانِ: الْمَحَبَّةُ. وَوَجَّهُوا مَعْنَى الْكَلَامِ إِلَى: وَمَحَبَّةً مِنْ عِنْدِنَا فَعَلْنَا ذَلِكَ
١٥ ‏/ ٤٧٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، ﴿وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا﴾ [مريم: ١٣] قَالَ: مَحَبَّةً عَلَيْهِ
١٥ ‏/ ٤٧٧
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَحَنَانًا﴾ [مريم: ١٣] قَالَ: أَمَّا الْحَنَانُ فَالْمَحَبَّةُ وَقَالَ آخَرُونَ مَعْنَاهُ تَعْظِيمًا مِنَّا لَهُ
١٥ ‏/ ٤٧٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا أَبُو تُمَيْلَةَ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، ﴿وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا﴾ [مريم: ١٣] قَالَ: تَعْظِيمًا مِنْ لَدُنَّا. وَقَدْ ذُكِرَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّهُ قَالَ: لَا أَدْرِي مَا الْحَنَانُ
١٥ ‏/ ٤٧٧
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، أَنَّهُ سَمِعَ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: وَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا حَنَانًا
١٥ ‏/ ٤٧٧
وَلِلْعَرَبِ فِي حَنَانِكَ لُغَتَانِ: حَنَانَكَ يَا رَبَّنَا، وَحَنَانَيْكَ، كَمَا قَالَ طَرَفَةُ بْنُ الْعَبْدِ فِي حَنَانَيْكَ:
[البحر الطويل] أَبَا مُنْذِرٍ أَفْنَيْتَ فَاسْتَبْقِ بَعْضَنَا … حَنَانَيْكَ بَعْضُ الشَّرِّ أَهْوَنُ مِنْ بَعْضِ
وَقَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ فِي اللُّغَةِ الْأُخْرَى:
[البحر الوافر] وَيَمْنَحُهَا بَنُو شَمَجَى بْنِ جَرْمٍ … مَعِيزَهُمُ حَنَانَكَ ذَا الْحَنَانِ
وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي «حَنَانَيْكَ» فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ تَثْنِيَةُ «حَنَانٍ»، وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ هِيَ لُغَةٌ لَيْسَتْ بِتَثْنِيَةٍ، قَالُوا: وَذَلِكَ كَقَوْلِهِمْ: حَوَالَيْكَ، وَكَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الرجز] ضَرْبًا هَذَاذَيْكَ وَطَعْنًا وَخْضَا
وَقَدْ سَوَّى بَيْنَ جَمِيعِ ذَلِكَ الَّذِينَ قَالُوا حَنَانَيْكَ تَثْنِيَةً، فِي أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ تَثْنِيَةٌ، وَأَصْلُ ذَلِكَ أَعْنِي الْحَنَانَ، مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: حَنَّ فُلَانٌ إِلَى كَذَا وَذَلِكَ إِذَا ارْتَاحَ إِلَيْهِ
١٥ ‏/ ٤٧٨
وَاشْتَاقَ، ثُمَّ يُقَالُ: تَحَنَّنَ فُلَانٌ عَلَى فُلَانٍ، إِذَا وُصِفَ بِالتَّعَطُّفِ عَلَيْهِ وَالرِّقَّةِ بِهِ، وَالرَّحْمَةِ لَهُ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر المتقارب] تَحَنَّنْ عَلَيَّ هَدَاكَ الْمَلِيكُ … فَإِنَّ لِكُلِّ مَقَامٍ مَقَالَا
بِمَعْنَى: تَعَطَّفْ عَلَيَّ. فَالْحَنَانُ: مَصْدَرٌ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: حَنَّ فُلَانٌ عَلَى فُلَانٍ، يُقَالُ مِنْهُ: حَنَنْتُ عَلَيْهِ، فَأَنَا أَحِنُّ عَلَيْهِ حَنِينًا وَحَنَانًا، وَمِنْ ذَلِكَ قِيلَ لَزَوْجَةِ الرَّجُلِ: حَنَّتُهُ، لِتَحَنُّنِهِ عَلَيْهَا وَتَعَطُّفِهِ، كَمَا قَالَ الرَّاجِزُ:
[البحر الرجز] وَلَيْلَةٍ ذَاتِ دُجًى سَرَيْتُ … وَلَمْ تَضِرْنِي حَنَّةٌ وَبَيْتُ
١٥ ‏/ ٤٧٩
وَقَوْلُهُ: ﴿وَزَكَاةً﴾ [مريم: ١٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَآتَيْنَا يَحْيَى الْحُكْمَ صَبِيًّا، وَزَكَاةً: وَهُوَ الطَّهَارَةُ مِنَ الذُّنُوبِ، وَاسْتِعْمَالِ بَدَنِهِ فِي طَاعَةِ رَبِّهِ، فَالزَّكَاةُ عَطْفٌ عَلَى الْحُكْمِ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ﴾ [مريم: ١٢] . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٥ ‏/ ٤٧٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَزَكَاةً﴾ [مريم: ١٣] قَالَ: الزَّكَاةُ: الْعَمَلُ الصَّالِحُ
١٥ ‏/ ٤٧٩
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَزَكَاةً﴾ [مريم: ١٣] قَالَ: الْعَمَلُ الصَّالِحُ الزَّكِيُّ
١٥ ‏/ ٤٨٠
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ: فِي قَوْلِهِ ﴿وَزَكَاةً﴾ [مريم: ١٣] يَعْنِي الْعَمَلَ الصَّالِحَ الزَّاكِيَ
١٥ ‏/ ٤٨٠
وَقَوْلُهُ: ﴿وَكَانَ تَقِيًّا﴾ [مريم: ١٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَكَانَ لِلَّهِ خَائِفًا مُؤَدِّيًا فَرَائِضَهُ، مُجْتَنِبًا مَحَارِمَهُ مُسَارِعًا فِي طَاعَتِهِ. كَمَا:
١٥ ‏/ ٤٨٠
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ﴿وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا﴾ [مريم: ١٣] قَالَ: طَهُرَ فَلَمْ يَعْمَلْ بِذَنْبٍ
١٥ ‏/ ٤٨٠
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا﴾ [مريم: ١٣] قَالَ: أَمَّا الزَّكَاةُ وَالتَّقْوَى فَقَدْ عَرَفَهُمَا النَّاسُ
١٥ ‏/ ٤٨٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا﴾ [مريم: ١٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَكَانَ بَرًّا بِوَالِدَيْهِ، مُسَارِعًا فِي طَاعَتِهِمَا وَمَحَبَّتِهِمَا، غَيْرَ عَاقٍّ بِهِمَا ﴿وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا﴾ [مريم: ١٤] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَلَمْ يَكُنْ مُسْتَكْبِرًا عَنْ طَاعَةِ رَبِّهِ وَطَاعَةِ وَالِدَيْهِ، وَلَكِنَّهُ كَانَ لِلَّهِ وَلِوَالِدَيْهِ مُتَوَاضِعًا مُتَذَلِّلًا، يَأْتَمِرُ لِمَا أُمِرَ ⦗٤٨١⦘ بِهِ، وَيَنْتَهِي عَمَّا نُهِيَ عَنْهُ، لَا يَعْصِي رَبَّهُ، وَلَا وَالِدَيْهِ
١٥ ‏/ ٤٨٠
وَقَوْلُهُ: ﴿عَصِيًّا﴾ [مريم: ١٤] فَعِيلٌ بِمَعْنَى أَنَّهُ ذُو عِصْيَانٍ، مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: عَصَى فُلَانٌ رَبَّهُ، فَهُوَ يَعْصِيهِ عِصِيًّا
١٥ ‏/ ٤٨١
وَقَوْلُهُ: ﴿وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا﴾ [مريم: ١٥] يَقُولُ: وَأَمَانٌ مِنَ اللَّهِ يَوْمَ وُلِدَ مِنْ أَنْ يَنَالَهُ الشَّيْطَانُ مِنَ السُّوءِ، بِمَا يَنَالُ بِهِ بَنِي آدَمَ، وَذَلِكَ أَنَّهُ
١٥ ‏/ ٤٨١
رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «كُلُّ بَنِي آدَمَ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَهُ ذَنْبٌ إِلَّا مَا كَانَ مِنْ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا» حَدَّثَنَا بِذَلِكَ ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَال: ثني ابْنُ الْعَاصِ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ ذَلِكَ.
١٥ ‏/ ٤٨١
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿جَبَّارًا عَصِيًّا﴾ [مريم: ١٤] قَالَ: كَانَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ يَذْكُرُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَا مِنْ أَحَدٍ يَلْقَى اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا ذَا ذَنْبٍ، إِلَّا يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا»
١٥ ‏/ ٤٨١
قَالَ: وَقَالَ قَتَادَةُ: مَا أَذْنَبَ، وَلَا هَمَّ بِامْرَأَةٍ
١٥ ‏/ ٤٨١
وَقَوْلُهُ: ﴿وَيَوْمَ يَمُوتُ﴾ [مريم: ١٥] يَقُولُ: وَأَمَانٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ لَهُ مِنْ فَتَّانِي الْقَبْرِ، وَمِنْ هَوْلِ الْمَطْلَعِ ﴿وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا﴾ [مريم: ١٥] يَقُولُ: وَأَمَانٌ لَهُ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَوْمَ الْفَزَعِ الْأَكْبَرِ، مِنْ أَنْ يُرَوِّعَهُ شَيْءٌ، أَوْ أَنْ يُفْزِعَهُ مَا يُفْزِعُ الْخَلْقَ. ⦗٤٨٢⦘ وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ عُيَيْنَةَ فِي ذَلِكَ مَا:
١٥ ‏/ ٤٨١
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الْفَيْرُوزِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَطِيَّةَ يَقُولُ: أَوْحَشُ مَا يَكُونُ الْخَلْقُ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاطِنَ: يَوْمَ يُولَدُ فَيَرَى نَفْسَهُ خَارِجًا مِمَّا كَانَ فِيهِ، وَيَوْمَ يَمُوتُ فَيَرَى قَوْمًا لَمْ يَكُنْ عَايَنَهُمْ، وَيَوْمَ يُبْعَثُ فَيَرَى نَفْسَهُ فِي مَحْشَرٍ عَظِيمٍ، قَالَ: فَأَكْرِمَ اللَّهُ فِيهَا يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا، فَخَصَّهُ بِالسَّلَامِ عَلَيْهِ، فَقَالَ ﴿وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا﴾ [مريم: ١٥]
١٥ ‏/ ٤٨٢
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، أَنَّ الْحَسَنَ، قَالَ: إِنَّ عِيسَى وَيَحْيَى الْتَقَيَا فَقَالَ لَهُ عِيسَى: اسْتَغْفِرْ لِي، أَنْتَ خَيْرٌ مِنِّي، فَقَالَ لَهُ الْآخَرُ: اسْتَغْفِرْ لِي، أَنْتَ خَيْرٌ مِنِّي، فَقَالَ لَهُ عِيسَى: أَنْتَ خَيْرٌ مِنِّي، سَلَّمْتَ عَلَى نَفْسِي، وَسَلَّمَ اللَّهُ عَلَيْكَ، فَعَرَفَ وَاللَّهِ فَضْلَهَا
١٥ ‏/ ٤٨٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا﴾ [مريم: ١٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: وَاذْكُرْ يَا مُحَمَّدُ فِي كِتَابِ اللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَيْكَ بِالْحَقِّ مَرْيَمَ ابْنَةَ عِمْرَانَ، حِينَ اعْتَزَلَتْ مِنْ أَهْلِهَا، وَانْفَرَدَتْ عَنْهُمْ، وَهُوَ افْتَعَلَ ⦗٤٨٣⦘ مِنَ النَّبْذِ، وَالنَّبْذُ: الطَّرْحُ، وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ بِشَوَاهِدِهِ فِيمَا مَضَى قَبْلُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٥ ‏/ ٤٨٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ﴾ [مريم: ١٦] أَيِ انْفَرَدَتْ مِنْ أَهْلِهَا
١٥ ‏/ ٤٨٣
حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّلْتِ، قَالَ: ثنا أَبُو كُدَيْنَةَ، عَنْ قَابُوسَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ﴿إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا﴾ [مريم: ١٦] قَالَ: خَرَجَتْ مَكَانًا شَرْقِيًّا
١٥ ‏/ ٤٨٣
حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: خَرَجَتْ مَرْيَمُ إِلَى جَانِبِ الْمِحْرَابِ لِحَيْضٍ أَصَابَهَا، وَهُوَ قَوْلُهُ: فَانْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا: فِي شَرْقِيِّ الْمِحْرَابِ
١٥ ‏/ ٤٨٣
وَقَوْلُهُ: ﴿مَكَانًا شَرْقِيًّا﴾ [مريم: ١٦] يَقُولُ: فَتَنَحَّتْ وَاعْتَزَلَتْ مِنْ أَهْلِهَا فِي مَوْضِعٍ قِبَلَ مُشْرِقِ الشَّمْسِ دُونَ مَغْرِبِهَا، ⦗٤٨٤⦘ كَمَا:
١٥ ‏/ ٤٨٣
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿مَكَانًا شَرْقِيًّا﴾ [مريم: ١٦] قَالَ: مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ
١٥ ‏/ ٤٨٤
حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ شَاهِينَ، قَالَ: ثنا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ دَاوُدَ، عَنْ عَامِرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: إِنِّي لَأَعْلَمُ خَلْقِ اللَّهِ لِأَيِّ شَيْءٍ اتَّخَذَتِ النَّصَارَى الْمَشْرِقَ قِبْلَةً؟ لِقَوْلِ اللَّهِ: فَانْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا، فَاتَّخَذُوا مِيلَادِ عِيسَى قِبْلَةً حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثني عَبْدُ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا دَاوُدُ، عَنْ عَامِرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، مِثْلَهُ
١٥ ‏/ ٤٨٤
حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّلْتِ، قَالَ: ثنا أَبُو كُدَيْنَةَ، عَنْ قَابُوسَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: إِنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ إِلَى الْبَيْتِ، وَالْحَجُّ لِلَّهِ، وَمَا صَرَفَهُمْ عَنْهُمَا إِلَّا تَأْوِيلُ رَبِّكَ ﴿إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا﴾ [مريم: ١٦] فَصَلَّوْا قِبَلَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ
١٥ ‏/ ٤٨٤
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا﴾ [مريم: ١٦] قَالَ: شَاسِعًا مُتَنَحِّيًا وَقِيلَ: إِنَّهَا إِنَّمَا صَارَتْ بِمَكَانٍ يَلِي مَشْرِقَ الشَّمْسِ، لِأَنَّ مَا يَلِي الْمَشْرِقَ عِنْدَهُمْ ⦗٤٨٥⦘ كَانَ خَيْرًا مِمَّا يَلِي الْمَغْرِبَ، وَكَذَلِكَ ذَلِكَ فِيمَا ذُكِرَ عِنْدَ الْعَرَبِ
١٥ ‏/ ٤٨٤
وَقَوْلُهُ: ﴿فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا﴾ [مريم: ١٧] يَقُولُ: فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِ أَهْلِهَا سِتْرًا يَسْتُرُهَا عَنْهُمْ وَعَنِ النَّاسِ. وَذَكَرَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهَا صَارَتْ بِمَكَانٍ يَلِي الْمَشْرِقَ، لِأَنَّ اللَّهَ أَظَلَّهَا بِالشَّمْسِ، وَجَعَلَ لَهَا مِنْهَا حِجَابًا
١٥ ‏/ ٤٨٥
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا﴾ [مريم: ١٦] قَالَ: مَكَانًا أَظَلَتْهَا الشَّمْسُ أَنْ يَرَاهَا أَحَدٌ مِنْهُمْ وَقَالَ غَيْرُهُ فِي ذَلِكَ مَا
١٥ ‏/ ٤٨٥
حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، ﴿فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا﴾ [مريم: ١٧] مِنَ الْجُدْرَانِ
١٥ ‏/ ٤٨٥
وَقَوْلُهُ: ﴿فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا﴾ [مريم: ١٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا حِينَ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا، وَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا: جِبْرِيلُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٥ ‏/ ٤٨٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا﴾ [مريم: ١٧] قَالَ: أَرْسَلَ إِلَيْهَا فِيمَا ذُكِرَ لَنَا جِبْرِيلَ
١٥ ‏/ ٤٨٥
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَمَّنْ لَا يُتَّهَمُ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: وَجَدَتْ عِنْدَهَا جِبْرِيلَ قَدْ مَثَّلَهُ اللَّهُ بَشَرًا سَوِيًّا
١٥ ‏/ ٤٨٦
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَوْلُهُ: ﴿فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا﴾ [مريم: ١٧] قَالَ: جِبْرِيلُ
١٥ ‏/ ٤٨٦
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ، قَالَ: ثني عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ مَعْقِلِ ابْنِ أَخِي وَهْبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ وَهْبَ بْنَ مُنَبِّهٍ، قَالَ: أَرْسَلَ اللَّهُ جِبْرِيلَ إِلَى مَرْيَمَ، فَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا
١٥ ‏/ ٤٨٦
حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: فَلَمَّا طَهُرَتْ، يَعْنِي مَرْيَمُ مِنْ حَيْضِهَا، إِذَا هِيَ بِرَجُلٍ مَعَهَا، وَهُوَ قَوْلُهُ: ﴿فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا﴾ [مريم: ١٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَتَشَبَّهَ لَهَا فِي صُورَةِ آدَمَيٍّ سَوِيِّ الْخَلْقِ مِنْهُمْ، يَعْنِي فِي صُورَةِ رَجُلٍ مِنْ بَنِي آدَمَ مُعْتَدِلِ الْخَلْقِ
١٥ ‏/ ٤٨٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا﴾ [مريم: ١٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَخَافَتْ مَرْيَمُ رَسُولَنَا، إِذْ تَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا، وَظَنَّتْهُ رَجُلًا يُرِيدُهَا عَلَى نَفْسِهَا
١٥ ‏/ ٤٨٦
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَوْلُهُ ⦗٤٨٧⦘ ﴿إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا﴾ [مريم: ١٨] قَالَ: خَشِيَتْ أَنْ يَكُونَ إِنَّمَا يُرِيدُهَا عَلَى نَفْسِهَا
١٥ ‏/ ٤٨٦
حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، ﴿فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا﴾ [مريم: ١٧] فَلَمَّا رَأَتْهُ فَزِعَتْ مِنْهُ وَقَالَتْ: ﴿إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا﴾ [مريم: ١٨] فَقَالَتْ: إِنِّي أَعُوذُ أَيُّهَا الرَّجُلُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ، تَقُولُ: أَسْتَجِيرُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ أَنْ تَنَالَ مِنِّي مَا حَرَّمَهُ عَلَيْكَ إِنْ كُنْتَ ذَا تَقْوًى لَهُ تَتَّقِي مَحَارِمَهُ، وَتَجْتَنِبَ مَعَاصِيهِ، لِأَنَّ مَنْ كَانَ لِلَّهِ تَقِيًّا، فَإِنَّهُ يَجْتَنِبُ ذَلِكَ، وَلَوْ وُجِّهَ ذَلِكَ إِلَى أَنَّهَا عَنَتْ: إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَتَّقِي اللَّهَ فِي اسْتِجَارَتِي وَاسْتِعَاذَتِي بِهِ مِنْكَ كَانَ وَجْهًا. كَمَا:
١٥ ‏/ ٤٨٧
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَمَّنْ لَا يُتَّهَمُ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، ﴿قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا﴾ [مريم: ١٨] وَلَا تَرَى إِلَّا أَنَّهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي آدَمَ
١٥ ‏/ ٤٨٧
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا أَبُو بَكْرٍ، عَنْ عَاصِمٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: وَذَكَرَ قَصَصَ مَرْيَمَ فَقَالَ: قَدْ عَلِمَتْ أَنَّ التَّقِيَّ ذُو نُهْيَةٍ حِينَ قَالَتْ: ﴿إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا
١٥ ‏/ ٤٨٧
قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ﴾ [مريم: ١٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَقَالَ لَهَا رُوحُنَا: إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ يَا مَرْيَمُ أَرْسَلَنِي إِلَيْكِ ﴿لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا﴾ [مريم: ١٩] وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ غَيْرَ أَبِي عَمْرٍو: ﴿لِأَهَبَ لَكِ﴾ [مريم: ١٩] بِمَعْنَى: إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ: يَقُولُ: أَرْسَلَنِي إِلَيْكِ لِأَهَبَ لَكِ ﴿غُلَامًا زَكِيًّا﴾ [مريم: ١٩] عَلَى الْحِكَايَةِ. وَقَرَأَ ذَلِكَ أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ: (لِيَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا) بِمَعْنَى: إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ أَرْسَلَنِي إِلَيْكِ لِيَهَبَ اللَّهُ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي ذَلِكَ، مَا عَلَيْهِ قُرَّاءُ الْأَمْصَارِ، وَهُوَ ﴿لِأَهَبَ لَكَ﴾ [مريم: ١٩] بِالْأَلِفِ دُونَ الْيَاءِ، لِأَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ فِي مَصَاحِفِ الْمُسْلِمِينَ، وَعَلَيْهِ قِرَاءَةُ قَدِيمِهِمْ وَحَدِيثِهِمْ، غَيْرَ أَبِي عَمْرٍو، وَغَيْرُ جَائِزٍ خِلَافُهُمْ فِيمَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ، وَلَا سَائِغَ لِأَحَدٍ خِلَافُ مَصَاحِفِهِمْ، وَالْغُلَامُ الزَّكِيُّ: هُوَ الطَّاهِرُ مِنَ الذُّنُوبِ وَكَذَلِكَ تَقُولُ الْعَرَبُ: غُلَامٌ زَاكٍ وَزَكِيٌّ، وَعَالٍ وَعَلِيٌّ
١٥ ‏/ ٤٨٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا﴾ [مريم: ٢١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَتْ مَرْيَمُ لِجِبْرِيلَ: ﴿أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ﴾ [آل عمران: ٤٠] مِنْ أَيِّ وَجْهٍ ⦗٤٨٩⦘ يَكُونُ لِي غُلَامٌ؟ أَمِنْ قِبَلِ زَوْجٍ أَتَزَوَّجُ، فَأُرْزَقُهُ مِنْهُ، أَمْ يَبْتَدِئُ اللَّهُ فِي خَلْقِهِ ابْتِدَاءً ﴿وَلَمْ يَمْسَسْنِي بِشْرٌ﴾ [آل عمران: ٤٧] مِنْ وَلَدِ آدَمَ بِنِكَاحٍ حَلَالٍ ﴿وَلَمْ أَكُ﴾ [مريم: ٢٠] إِذْ لَمْ يَمْسَسْنِي مِنْهُمْ أَحَدٌ عَلَى وَجْهِ الْحَلَالِ ﴿بَغِيًّا﴾ [البقرة: ٩٠] بَغَيْتُ فَفَعَلْتُ ذَلِكَ مِنَ الْوَجْهِ الْحَرَامِ، فَحَمَلْتُهُ مِنْ زِنًا، كَمَا:
١٥ ‏/ ٤٨٨
حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، ﴿وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا﴾ [مريم: ٢٠] يَقُولُ: زَانِيَةً
١٥ ‏/ ٤٨٩
﴿قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبِّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ﴾ [مريم: ٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ لَهَا جِبْرِيلُ: هَكَذَا الْأَمْرُ كَمَا تَصِفِينَ، مِنْ أَنَّكِ لَمْ يَمْسَسْكِ بَشَرٌ وَلَمْ تَكُونِي بَغِيًّا، وَلَكِنَّ رَبَّكِ قَالَ: هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ: أَيْ خَلْقُ الْغُلَامِ الَّذِي قُلْتِ أَنْ أَهَبَهُ لَكِ عَلَيَّ هَيِّنٌ لَا يَتَعَذَّرُ عَلَيَّ خَلْقُهُ وَهِبَتُهُ لَكِ مِنْ غَيْرِ فَحْلٍ يَفْتَحِلُكِ
١٥ ‏/ ٤٨٩
﴿وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ﴾ [مريم: ٢١] يَقُولُ: وَكَيْ نَجْعَلَ الْغُلَامَ الَّذِي نَهَبُهُ لَكِ عَلَامَةً وَحُجَّةً عَلَى خَلْقِي أَهِبُهُ لَكِ ﴿وَرَحْمَةً مِنَّا﴾ [مريم: ٢١] يَقُولُ: وَرَحْمَةً مِنَّا لَكِ، وَلِمَنْ آمَنَ بِهِ وَصَدَّقَهُ أَخْلُقُهُ مِنْكِ ﴿وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا﴾ [مريم: ٢١] يَقُولُ: وَكَانَ خَلْقُهُ مِنْكَ أَمْرًا قَدْ قَضَاهُ اللَّهُ، وَمَضَى فِي حُكْمِهِ وَسَابِقُ عِلْمِهِ أَنَّهُ كَائِنٌ مِنْكِ. كَمَا:
١٥ ‏/ ٤٨٩
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثني مَنْ لَا أَتَّهِمُ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، ﴿وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا﴾ [مريم: ٢١] أَيْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ عَزَمَ عَلَى ذَلِكَ، فَلَيْسَ مِنْهُ بُدٌّ
١٥ ‏/ ٤٨٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا﴾ [مريم: ٢٣] وَفِي هَذَا الْكَلَامِ مَتْرُوكٌ تُرِكَ ذِكْرُهُ اسْتِغْنَاءً بِدَلَالَةِ مَا ذُكِرَ مِنْهُ عَنْهُ ﴿فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا﴾ [التحريم: ١٢] بِغُلَامٍ ﴿فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا﴾ [مريم: ٢٢] وَبِذَلِكَ جَاءَ تَأْوِيلُ أَهْلِ التَّأْوِيلِ
١٥ ‏/ ٤٩٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ، قَالَ: ثني عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ مَعْقِلِ بْنِ أَخِي وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: سَمِعْتُ وَهْبًا، قَالَ: لَمَّا أَرْسَلَ اللَّهُ جِبْرِيلَ إِلَى مَرْيَمَ تَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا فَقَالَتْ لَهُ: ﴿إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا﴾ [مريم: ١٨] ثُمَّ نَفَخَ فِي جَيْبِ دِرْعِهَا حَتَّى وَصَلَتِ النَّفْخَةُ إِلَى الرَّحِمِ فَاشْتَمَلَتْ.
١٥ ‏/ ٤٩٠
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَمَّنْ لَا يُتَّهَمُ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ الْيَمَانِيِّ، قَالَ: لَمَّا قَالَ ذَلِكَ، يَعْنِي لَمَّا قَالَ جِبْرِيلُ ﴿قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ﴾ [مريم: ٩] . . الْآيَةَ اسْتَسْلَمَتْ لِأَمْرِ اللَّهِ، فَنَفَخَ فِي جَيْبِهَا ثُمَّ انْصَرَفَ عَنْهَا
١٥ ‏/ ٤٩٠
حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: طَرَحَتْ عَلَيْهَا جِلْبَابَهَا لَمَّا قَالَ جِبْرِيلُ ذَلِكَ لَهَا، فَأَخَذَ جِبْرِيلُ ⦗٤٩١⦘ بِكُمَّيْهَا، فَنُفِخَ فِي جَيْبِ دِرْعِهَا، وَكَانَ مَشْقُوقًا مِنْ قُدَّامِهَا، فَدَخَلَتِ النَّفْخَةُ صَدْرَهَا، فَحَمَلَتْ، فَأَتَتْهَا أُخْتُهَا امْرَأَةُ زَكَرِيَّا لَيْلَةً تَزُورُهَا، فَلَمَّا فَتَحَتْ لَهَا الْبَابَ الْتَزَمَتْهَا، فَقَالَتِ امْرَأَةُ زَكَرِيَّا: يَا مَرْيَمُ أَشَعَرْتِ أَنِّي حُبْلَى، قَالَتْ مَرْيَمُ: أَشَعَرْتِ أَيْضًا أَنِّي حُبْلَى، قَالَتِ امْرَأَةُ زَكَرِيَّا: إِنِّي وَجَدْتُ مَا فِي بَطْنِي يَسْجُدُ لِمَا فِي بَطْنِكِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ ﴿مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ﴾ [آل عمران: ٣٩]
١٥ ‏/ ٤٩٠
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: يَقُولُونَ: إِنَّهُ إِنَّمَا نَفَخَ فِي جَيْبِ دِرْعِهَا وَكُمِّهَا
١٥ ‏/ ٤٩١
وَقَوْلُهُ: ﴿فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا﴾ [مريم: ٢٢] يَقُولُ: فَاعْتَزَلْتُ بِالَّذِي حَمَلْتَهُ، وَهُوَ عِيسَى، وَتَنَحَّتْ بِهِ عَنِ النَّاسِ ﴿مَكَانًا قَصِيًّا﴾ [مريم: ٢٢] يَقُولُ: مَكَانًا نَائِيًا قَاصِيًا عَنِ النَّاسِ، يُقَالُ: هُوَ بِمَكَانٍ قَاصٍ، وَقَصِيٍّ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، كَمَا قَالَ الرَّاجِزُ:
[البحر الرجز] لَتَقْعُدِنَّ مَقْعَدَ الْقَصِيِّ … مِنِّيَ ذِي الْقَاذُورَةِ الْمَقْلِيِّ
يُقَالُ مِنْهُ: قَصَا الْمَكَانُ يَقْصُو قُصُّوا: إِذَا تَبَاعَدَ، وَأَقْصَيْتُ الشَّيْءَ: إِذَا أَبْعَدْتُهُ وَأَخَّرْتُهُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٥ ‏/ ٤٩١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا﴾ [مريم: ٢٢] قَالَ: مَكَانًا نَائِيًا
١٥ ‏/ ٤٩٢
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿مَكَانًا قَصِيًّا﴾ [مريم: ٢٢] قَالَ: قَاصِيًا حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٥ ‏/ ٤٩٢
حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: لَمَّا بَلَغَ أَنْ تَضَعَ، مَرْيَمُ، خَرَجَتْ إِلَى جَانِبِ الْمِحْرَابِ الشَّرْقِيِّ مِنْهُ فَأَتَتْ أَقْصَاهُ
١٥ ‏/ ٤٩٢
وَقَوْلُهُ: ﴿فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ﴾ [مريم: ٢٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَجَاءَ بِهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ، ثُمَّ قِيلَ: لَمَّا أُسْقِطَتِ الْبَاءُ مِنْهُ أَجَاءَهَا، كَمَا يُقَالُ: أَتَيْتُكَ بِزَيْدٍ، فَإِذَا حَذَفْتَ الْبَاءَ قِيلَ آتَيْتُكَ زَيْدًا، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ﴾ [الكهف: ٩٦] وَالْمَعْنَى: ائْتُونِي بِزُبَرِ الْحَدِيدِ، وَلَكِنَّ الْأَلِفَ مُدَّتْ لَمَّا حُذِفَتِ الْبَاءُ، وَكَمَا قَالُوا: خَرَجْتُ بِهِ وَأَخْرَجْتُهُ، وَذَهَبْتُ بِهِ وَأَذْهَبْتُهُ،
١٥ ‏/ ٤٩٢
وَإِنَّمَا هُوَ أَفْعَلُ مِنَ الْمَجِيءِ، كَمَا يُقَالُ: جَاءَ هُوَ، وَأَجَأْتُهُ أَنَا: أَيْ جِئْتُ بِهِ، وَمَثَلٌ مِنْ أَمْثَالِ الْعَرَبِ: شَرُّ مَا أَجَاءَنِي إِلَى مُخَّةٍ عُرْقُوبٌ ” وَأَشَاءَ وَيُقَالُ: شَرُّ مَا يَجِيئُكَ وَيَشِيئُكَ إِلَى ذَلِكَ، وَمِنْهُ قَوْلُ زُهَيْرٍ:
[البحر الوافر] وَجَارٍ سَارَ مُعْتَمِدًا إِلَيْكُمْ … أجَاءَتْهُ الْمَخَافَةُ وَالرَّجَاءُ
يَعْنِي: جَاءَ بِهِ، وَأَجَاءَهُ إِلَيْنَا وَأَشَاءُكَ: مِنْ لُغَةِ تَمِيمٍ، وَأَجَاءَكَ مِنْ لُغَةِ أَهْلِ الْعَالِيَةِ، وَإِنَّمَا تَأَوَّلَ مَنْ تَأَوَّلَ ذَلِكَ بِمَعْنَى: أَلْجَأَهَا، لِأَنَّ الْمَخَاضَ لَمَّا جَاءَهَا إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ، كَانَ قَدْ أَلْجَأهَا إِلَيْهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٥ ‏/ ٤٩٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ﴾ [مريم: ٢٣] قَالَ: الْمَخَاضُ أَلْجَأَهَا
١٥ ‏/ ٤٩٣
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: أَلْجَأَهَا الْمَخَاضُ
١٥ ‏/ ٤٩٣
قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَلْجَأَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ
١٥ ‏/ ٤٩٤
حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، ﴿فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ﴾ [مريم: ٢٣] يَقُولُ: أَلْجَأَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ
١٥ ‏/ ٤٩٤
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ﴾ [مريم: ٢٣] قَالَ: اضْطَرَّهَا إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ وَاخْتَلَفُوا فِي أَيِّ الْمَكَانِ الَّذِي انْتَبَذَتْ مَرْيَمُ بِعِيسَى لِوَضْعِهِ، وَأَجَاءَهَا إِلَيْهِ الْمَخَاضُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَ ذَلِكَ فِي أَدْنَى أَرْضِ مِصْرَ، وَآخَرُ: أَرْضُ الشَّامِ، وَذَلِكَ أَنَّهَا هَرَبَتْ مِنْ قَوْمِهَا لَمَّا حَمَلَتْ، فَتَوَجَّهَتْ نَحْوَ مِصْرَ هَارِبَةً مِنْهُمْ
١٥ ‏/ ٤٩٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ، قَالَ: ثني عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ مَعْقِلٍ، أَنَّهُ سَمِعَ وَهْبَ بْنَ مُنَبِّهٍ، يَقُولُ: لَمَّا اشْتَمَلَتْ مَرْيَمُ عَلَى الْحَمْلِ، كَانَ مَعَهَا قَرَابَةٌ لَهَا، يُقَالُ لَهُ يُوسُفُ النَّجَّارُ، وَكَانَا مُنْطَلِقَيْنِ إِلَى الْمَسْجِدِ الَّذِي عِنْدَ جَبَلِ صُهْيُونَ، وَكَانَ ذَلِكَ الْمَسْجِدُ يَوْمَئِذٍ مِنْ أَعْظَمِ مَسَاجِدِهِمْ، فَكَانَتْ مَرْيَمُ ⦗٤٩٥⦘ وَيُوسُفُ يَخْدُمَانِ فِي ذَلِكَ الْمَسْجِدِ، فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ، وَكَانَ لِخِدْمَتِهِ فَضْلٌ عَظِيمٌ، فَرَغِبَا فِي ذَلِكَ، فَكَانَا يَلِيَانِ مُعَالَجَتِهِ بَأَنْفُسِهِمَا، تَحْبِيَرَهُ وَكُنَاسَتَهُ وَطُهُورَهُ، وَكُلَّ عَمَلٍ يُعْمَلُ فِيهِ، وَكَانَ لَا يَعْمَلُ مِنْ أَهْلِ زَمَانِهِمَا أَحَدٌ أَشَدُّ اجْتِهَادًا وَعِبَادَةً مِنْهُمَا، فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ أَنْكَرَ حَمْلَ مَرْيَمَ صَاحِبَهَا يُوسُفُ، فَلَمَّا رَأَى الَّذِي بِهَا اسْتَفْظَعَهُ، وَعَظُمَ عَلَيْهِ، وَفَظَعَ بِهِ، فَلَمْ يَدْرِ عَلَى مَاذَا يَضَعُ أَمْرَهَا، فَإِذَا أَرَادَ يُوسُفُ أَنْ يَتَّهِمَهَا ذَكَرَ صَلَاحَهَا وَبَرَاءَتَهَا، وَأَنَّهَا لَمْ تَغِبْ عَنْهُ سَاعَةً قَطُّ، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُبَرِّئَهَا، رَأَى الَّذِي ظَهَرَ عَلَيْهَا، فَلَمَّا اشْتَدَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ كَلَّمَهَا، فَكَانَ أَوَّلُ كَلَامِهِ إِيَّاهَا أَنْ قَالَ لَهَا: إِنَّهُ قَدْ حَدَثَ فِي نَفْسِي مِنْ أَمْرِكِ أَمْرٌ قَدْ خَشْيَتُهُ، وَقَدْ حَرَصْتُ عَلَى أَنْ أُمِيتَهُ وَأَكْتُمَهُ فِي نَفْسِي، فَغَلَبَنِي ذَلِكَ، فَرَأَيْتُ الْكَلَامَ فِيهِ أَشْفَى لِصَدْرِي، قَالَتْ: فَقُلْ قَوْلًا جَمِيلًا، قَالَ: مَا كُنْتُ لَأَقُولَ لَكَ إِلَّا ذَلِكَ، فَحَدِّثِينِي، هَلْ يَنْبُتُ زَرْعٌ بِغَيْرِ بَذْرٍ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: فَهَلْ تَنْبُتُ شَجَرَةٌ مِنْ غَيْرِ غَيْثٍ يُصِيبُهَا؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: فَهَلْ يَكُونُ وَلَدٌ مِنْ غَيْرِ ذَكَرٍ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى أَنَبْتَ الزَّرْعَ يَوْمَ خَلَقَهُ مِنْ غَيْرِ بَذْرٍ، وَالْبَذْرُ يَوْمَئِذٍ إِنَّمَا صَارَ مِنَ الزَّرْعِ الَّذِي أَنْبَتَهُ اللَّهُ مِنْ غَيْرِ بَذْرٍ، أَوَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ بِقُدْرَتِهِ أَنَبْتَ الشَّجَرَ بِغَيْرِ غَيْثٍ، وَأَنَّهُ جَعَلَ بِتِلْكَ الْقُدْرَةِ الْغَيْثَ حَيَاةً لِلشَّجَرِ بَعْدَ مَا خَلَقَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَحْدَهُ، أَمْ تَقُولُ: لَنْ يَقْدِرَ اللَّهُ عَلَى أَنْ يُنْبِتَ ⦗٤٩٦⦘ الشَّجَرَ حَتَّى اسْتَعَانَ عَلَيْهِ بِالْمَاءِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى إِنْبَاتِهِ؟ قَالَ يُوسُفُ لَهَا: لَا أَقُولُ هَذَا، وَلَكِنِّي أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى بِقُدْرَتِهِ عَلَى مَا يَشَاءُ يَقُولُ لِذَلِكَ كُنْ فَيَكُونُ، قَالَتْ مَرْيَمُ: أَوَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى خَلَقَ آدَمَ وَامْرَأَتَهُ مِنْ غَيْرِ أُنْثَى وَلَا ذَكَرٍ؟ قَالَ: بَلَى، فَلَمَّا قَالَتْ لَهُ ذَلِكَ، وَقَعَ فِي نَفْسِهِ أَنَّ الَّذِيَ بِهَا شَيْءٌ مِنَ اللَّهِ تبارك وتعالى، وَأَنَّهُ لَا يَسَعُهُ أَنْ يَسْأَلَهَا عَنْهُ، وَذَلِكَ لِمَا رَأَى مِنْ كِتْمَانِهَا لِذَلِكَ ثُمَّ تَوَلَّى يُوسُفُ خِدْمَةَ الْمَسْجِدِ، وَكَفَاهَا كُلَّ عَمَلٍ كَانَتْ تَعْمَلُ فِيهِ، وَذَلِكَ لَمَّا رَأَى مِنْ رِقَّةِ جِسْمِهَا، وَاصْفِرَارِ لَوْنِهَا، وَكَلَفِ وَجْهِهَا، وَنُتُوِّ بَطْنِهَا، وَضَعْفِ قُوَّتِهَا، وَدَأَبِ نَظَرِهَا، وَلَمْ تَكُنْ مَرْيَمُ قَبْلَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَلَمَّا دَنَا نِفَاسُهَا أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهَا أَنِ اخْرُجِي مِنْ أَرْضِ قَوْمِكِ، فَإِنَّهُمْ إِنْ ظَفِرُوا بِكِ عَيَّرُوكِ، وَقَتَلُوا وَلَدَكِ، فَأَفْضَتْ ذَلِكَ إِلَى أُخْتِهَا، وَأُخْتُهَا حِينَئِذٍ حُبْلَى، وَقَدْ بُشِّرَتْ بِيَحْيَى، فَلَمَّا الْتَقَيَا وَجَدَتْ أُمُّ يَحْيَى مَا فِي بَطْنِهَا خَرَّ لِوَجْهِهِ سَاجِدًا مُعْتَرِفًا لِعِيسَى، فَاحْتَمَلَهَا يُوسُفُ إِلَى أَرْضِ مِصْرَ عَلَى حِمَارٍ لَهُ لَيْسَ بَيْنَهَا حِينَ رَكِبَتْ وَبَيْنَ الْأَكَافِ شَيْءٌ، فَانْطَلَقَ يُوسُفُ بِهَا حَتَّى إِذَا كَانَ مُتَاخِمًا لِأَرْضِ مِصْرَ فِي مُنْقَطِعِ بِلَادِ قَوْمِهَا، أَدْرَكَ مَرْيَمَ النِّفَاسُ، أَلْجَأَهَا إِلَى آرِيِّ حِمَارٍ، يَعْنِي مِذْوَدِ الْحِمَارِ، وَأَصْلِ نَخْلَةٍ، وَذَلِكَ فِي زَمَانٍ أَحْسِبُهُ بَرْدًا أَوْ حَرًّا «الشَّكُّ مِنْ أَبِي جَعْفَرٍ» فَاشْتَدَّ عَلَى مَرْيَمَ الْمَخَاضُ، فَلَمَّا وَجَدَتْ مِنْهُ شِدَّةً الْتَجَأَتْ إِلَى النَّخْلَةِ ⦗٤٩٧⦘ فَاحْتَضَنَتْهَا وَاحْتَوَشَتْهَا الْمَلَائِكَةُ، قَامُوا صُفُوفًا مُحَدِّقِينَ بِهَا وَقَدْ رُوِيَ عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ قَوْلٌ آخَرُ غَيْرُ هَذَا، وَذَلِكَ مَا:
١٥ ‏/ ٤٩٤
حَدَّثَنَا بِهِ ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَمَّنْ لَا يُتَّهَمُ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: لَمَّا حضَرَ وِلَادُهَا، يَعْنِي مَرْيَمَ، وَوَجَدَتْ مَا تَجِدُ الْمَرْأَةُ مِنَ الطَّلْقِ، خَرَجَتْ مِنَ الْمَدِينَةِ مُغَرِّبَةً مِنْ إِيلِيَاءَ، حَتَّى تُدْرِكَهَا الْوِلَادَةُ إِلَى قَرْيَةٍ مِنْ إِيلِيَاءَ عَلَى سِتَّةِ أَمْيَالٍ يُقَالُ لَهَا بَيْتُ لَحْمٍ، فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى أَصْلِ نَخْلَةٍ إِلَيْهَا مِذْوَدُ بَقَرَةٍ تَحْتَهَا رَبِيعٌ مِنَ الْمَاءِ، فَوَضَعْتُهُ عِنْدَهَا وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ خَرَجَتْ لَمَّا حَضَرَ وَضْعُهَا مَا فِي بَطْنِهَا إِلَى جَانِبِ الْمِحْرَابِ الشَّرْقِيِّ مِنْهُ، فَأَتَتْ أَقْصَاهُ فَأَلْجَأَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ، وَذَلِكَ قَوْلُ السُّدِّيِّ، وَقَدْ ذَكَرْتُ الرِّوَايَةَ بِهِ قَبْلُ
١٥ ‏/ ٤٩٧
حَدَّثَنِي زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، قَالَ: ثنا حَجَّاجٌ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي الْمُغِيرَةُ بْنُ عُثْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، يَقُولُ: مَا هِيَ إِلَّا أَنْ حَمَلَتْ فَوَضَعَتْ
١٥ ‏/ ٤٩٧
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: وَأَخْبَرَنِي الْمُغِيرَةُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: لَيْسَ إِلَّا أَنْ حَمَلَتْ فَوَلَدَتْ
١٥ ‏/ ٤٩٧
وَقَوْلُهُ: ﴿يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا﴾ [مريم: ٢٣] ذُكِرَ أَنَّهَا قَالَتْ ذَلِكَ فِي حَالِ الطَّلْقِ اسْتِحْيَاءً مِنَ النَّاسِ، كَمَا:
١٥ ‏/ ٤٩٨
حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: قَالَتْ وَهِيَ تُطْلَقُ مِنَ الْحَبَلِ اسْتِحْيَاءً مِنَ النَّاسِ: ﴿يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا﴾ [مريم: ٢٣] تَقُولُ: يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا الْكَرْبِ الَّذِي أَنَا فِيهِ، وَالْحُزْنِ بِوِلَادَتِي الْمَوْلُودَ مِنْ غَيْرِ بَعْلٍ، وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا: شَيْئًا نُسِيَ فَتُرِكَ طَلَبُهُ كَخِرَقِ الْحَيْضِ الَّتِي إِذَا أُلْقِيَتْ وَطُرِحَتْ لَمْ تُطْلَبْ وَلَمْ تُذْكَرْ، وَكَذَلِكَ كُلُّ شَيْءٍ نُسِيَ وَتُرِكَ وَلَمْ يُطْلَبْ فَهُوَ نَسْيٌ. وَنَسْيٌ بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِهَا لُغَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ مِنْ لُغَاتِ الْعَرَبِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، مِثْلُ الْوَتْرِ وَالْوِتْرِ، وَالْجِسْرُ وَالْجَسْرُ، وَبِأَيِّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ عِنْدَنَا، وَبِالْكَسْرِ قَرَأَتْ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْحِجَازِ وَالْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ وَبَعْضُ أَهْلِ الْكُوفَةِ، وَبْالْفَتِحِ قَرَأَهُ أَهْلُ الْكُوفَةِ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
[البحر الطويل] كَأَنَّ لَهَا فِي الْأَرْضِ نِسْيًا تَقُصُّهُ … إِذَا مَا غَدَتْ وَإِنْ تُحَدِّثْكَ تَبْلَتِ
١٥ ‏/ ٤٩٨
وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ: تَقُصُّهُ: تَطْلُبُهُ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ نَسِيَتْهُ حَتَّى ضَاعَ، ثُمَّ ذَكَرَتْهُ فَطَلَبَتْهُ، وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ: تَبْلَتِ: تَحْسُنُ وَتَصْدُقُ، وَلَوْ وُجِّهَ النَّسْيُ إِلَى الْمَصْدَرِ مِنَ النِّسْيَانِ كَانَ صَوَابًا، وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَبَ فِيمَا ذُكِرَ عَنْهَا تَقُولُ: نَسِيتُهُ نِسْيَانًا وَنَسْيًا، كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ مِنْ طَاعَةِ الرَّبِّ وَعَصْيِ الشَّيْطَانِ، يَعْنِي وَعِصْيَانِ، وَكَمَا تَقُولُ أَتَيْتُهُ إِتْيَانًا وَأَتْيًا، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الكامل] أَتْيُ الْفَوَاحِشِ فِيهِمُ مَعْرُوفَةٌ … وَيَرَوْنَ فِعْلَ الْمَكْرُمَاتِ حَرَامَا
وَقَوْلُهُ ﴿مَنْسِيًّا﴾ [مريم: ٢٣] مَفْعُولٌ مِنْ نَسِيتُ الشَّيْءَ كَأَنَّهَا قَالَتْ: لَيْتَنِي كُنْتُ الشَّيْءَ الَّذِي أُلْقِيَ، فَتُرِكَ وَنُسِيَ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٥ ‏/ ٤٩٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًا﴾ [مريم: ٢٣] لَمْ أُخْلَقْ وَلَمْ أَكُ شَيْئًا
١٥ ‏/ ٤٩٩
حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، ﴿وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا﴾ [مريم: ٢٣] يَقُولُ: نَسْيًا: نُسِيَ ذِكْرِي، وَمَنْسِيًّا: تَقُولُ: نُسِيَ أَثَرِي، فَلَا يُرَى لِي أَثَرٌ وَلَا عَيْنٌ
١٥ ‏/ ٤٩٩
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿وَكُنْتُ ⦗٥٠٠⦘ نَسِيًّا مَنْسِيًّا﴾ [مريم: ٢٣] أَيْ شَيْئًا لَا يُعْرَفُ وَلَا يُذْكَرَ
١٥ ‏/ ٤٩٩
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ ﴿وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا﴾ [مريم: ٢٣] قَالَ: لَا أَعْرِفُ وَلَا يُدْرَى مَنْ أَنَا
١٥ ‏/ ٥٠٠
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، ﴿نَسْيًا مَنْسِيًّا﴾ [مريم: ٢٣] قَالَ: هُوَ السِّقْطُ
١٥ ‏/ ٥٠٠
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا﴾ [مريم: ٢٣] لَمْ أَكُنْ فِي الْأَرْضِ شَيْئًا قَطُّ
١٥ ‏/ ٥٠٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا﴾ [مريم: ٢٥] اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ ﴿فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا﴾ [مريم: ٢٤] بِمَعْنَى: فَنَادَاهَا جَبْرَائِيلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهَا عَلَى اخْتِلَافٍ مِنْهُمْ فِي تَأْوِيلِهِ، فَمِنْ مُتَأَوِّلٍ مِنْهُمْ إِذَا قَرَأَهُ ﴿مِنْ تَحْتِهَا﴾ [البقرة: ٢٥] كَذَلِكَ، وَمِنْ مُتَأَوِّلٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ عِيسَى، وَأَنَّهُ نَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا بَعْدَ مَا وَلَدَتْهُ. وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ: (فَنَادَاهَا مَنْ تَحْتَهَا) بِفَتْحِ التَّاءَيْنِ مِنْ تَحْتُ، بِمَعْنَى: فَنَادَاهَا الَّذِي تَحْتَهَا، عَلَى أَنَّ الَّذِيَ تَحْتَهَا ⦗٥٠١⦘ عِيسَى، وَأَنَّهُ الَّذِي نَادَى أُمَّهُ
١٥ ‏/ ٥٠٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ: الَّذِي نَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا الْمَلَكُ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْمُؤْمِنِ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، قَرَأَ: ﴿فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا﴾ [مريم: ٢٤] يَعْنِي: جَبْرَائِيلَ
١٥ ‏/ ٥٠١
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْثَرٌ، قَالَ: ثنا حُصَيْنٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ الْأَوْدِيِّ، قَالَ: الَّذِي نَادَاهَا الْمَلَكُ
١٥ ‏/ ٥٠١
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، أَنَّهُ قَرَأَ: فَخَاطَبَهَا مِنْ تَحْتِهَا
١٥ ‏/ ٥٠١
حَدَّثَنَا أَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ، قَالَ: ثنا يَحْيَى، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، أَنَّهُ قَرَأَ: فَخَاطَبَهَا مِنْ تَحْتِهَا حَدَّثَنَا الرِّفَاعِيُّ، قَالَ: ثنا وَكِيعٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ ⦗٥٠٢⦘ عَلْقَمَةَ، أَنَّهُ قَرَأَهَا كَذَلِكَ
١٥ ‏/ ٥٠١

عن معز نوني

متحصّل على شهادة ختم الدروس للمعهد الأعلى لتكوين المعلمين بقفصة دفعة 2000، يعمل حاليًّا أستاذ مدارس إبتدائية

شاهد أيضاً

سُورَةُ الْفَاتِحَةِ

مَكِّيَّةٌ وَآيَاتُهَا سَبْعٌ ١ ‏/ ١١١ ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ [الفاتحة: ١] الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ …