مَكِّيَّةٌ وَآيَاتُهَا أَرْبَعٌ وَثَلَاثُونَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
١٨ / ٥٣١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿الم﴾ [البقرة: ١] قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: اخْتَلَفَتْ تَرَاجِمَةُ الْقُرْآنِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿الم﴾ [البقرة: ١] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ الْقُرْآنِ.
١٨ / ٥٣١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [البقرة: ٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ وَصَفْتُ صِفَتَهُمْ عَلَى بَيَانٍ مِنْ رَبِّهِمْ وَنُورٍ ﴿وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [البقرة: ٥] يَقُولُ: وَهَؤُلَاءِ هُمُ الْمُنْجِحُونَ الْمُدْرِكُونَ مَا رَجُوا وَأَمَلُوا مِنْ ثَوَابِ رَبِّهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
١٨ / ٥٣٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثَ﴾ [لقمان: ٦] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ﴾ [لقمان: ٦] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَنْ يَشْتَرِي الشِّرَاءَ الْمَعْرُوفَ بِالثَّمَنِ، وَرَوَوْا بِذَلِكَ خَبَرًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَهُوَ مَا:
١٨ / ٥٣٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ خَلَّادٍ الصَّفَّارِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زَحْرٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لَا يَحِلُّ بَيْعُ الْمُغَنِّيَاتِ، وَلَا شِرَاؤُهُنَّ، وَلَا التِّجَارَةُ فِيهِنَّ، وَلَا أَثْمَانُهُنَّ، وَفِيهِنَّ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ ⦗٥٣٣⦘ الْحَدِيثِ﴾ [لقمان: ٦]». حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ خَلَّادٍ الصَّفَّارِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زَحْرٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ بِنَحْوِهِ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: «أَكْلُ ثَمَنِهِنَّ حَرَامٌ» وَقَالَ أَيْضًا: “وَفِيهِنَّ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيَّ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [لقمان: ٦]
١٨ / ٥٣٢
حَدَّثَنِي عُبَيْدُ بْنُ آدَمَ بْنِ أَبِي إِيَاسٍ الْعَسْقَلَانِيُّ، قَالَ: ثنا أَبِي، قَالَ: ثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَيَّانَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ الْكِلَابِيِّ، عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زَحْرٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ. قَالَ: وَثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ مُطَّرِحِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زَحْرٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «لَا يَحِلُّ تَعْلِيمُ الْمُغَنِّيَاتِ، وَلَا بَيْعُهُنَّ، وَلَا شِرَاؤُهُنَّ، وَثَمَنُ حَرَامٍ، وَقَدْ نَزَلَ تَصْدِيقُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ﴾ [لقمان: ٦] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ». وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: مَنْ يَخْتَارُ لَهْوَ الْحَدِيثِ، وَيَسْتَحِبُّهُ
١٨ / ٥٣٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: «﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ ⦗٥٣٤⦘ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ [لقمان: ٦] وَاللَّهِ لَعَلَّهُ أَنْ لَا يُنْفِقَ فِيهِ مَالًا، وَلَكِنِ اشْتِرَاؤُهُ اسْتِحْبَابُهُ، بِحَسْبِ الْمَرْءِ مِنَ الضَّلَالَةِ أَنْ يَخْتَارَ حَدِيثَ الْبَاطِلِ عَلَى حَدِيثِ الْحَقِّ، وَمَا يَضُرُّ عَلَى مَا يَنْفَعُ»
١٨ / ٥٣٣
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ خَلَفٍ الْعَسْقَلَانِيُّ، قَالَ: ثَنَا أَيُّوبُ بْنُ سُوَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ شَوْذَبٍ، عَنْ مَطَرٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ «﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ﴾ [لقمان: ٦] قَالَ: اشْتِرَاؤُهُ: اسْتِحْبَابُهُ». وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ عِنْدِي بِالصَّوَابِ تَأْوِيلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَاهُ: الشِّرَاءُ، الَّذِي هُوَ بِالثَّمَنِ، وَذَلِكَ أَنَّ ذَلِكَ هُوَ أَظْهَرُ مَعَنَيَيْهِ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَكَيْفَ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ؟ قِيلَ: يَشْتَرِي ذَاتَ لَهْوِ الْحَدِيثِ، أَوْ ذَا لَهْوِ الْحَدِيثِ، فَيَكُونُ مُشْتَرِيًا لَهْوَ الْحَدِيثِ. وَأَمَّا الْحَدِيثُ، فَإِنَّ أَهْلَ التَّأْوِيلِ اخْتَلَفُوا فِيهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ الْغِنَاءُ وَالِاسْتِمَاعُ لَهُ.
١٨ / ٥٣٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يَزِيدُ بْنُ يُونُسَ، عَنْ أَبِي صَخْرٍ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ الْبَجَلِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِي الصَّهْبَاءِ الْبَكْرِيِّ، أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ، وَهُوَ يَسْأَلُ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ، «﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ [لقمان: ٦] فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: ⦗٥٣٥⦘ الْغِنَاءُ، وَالَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، يُرَدِّدُهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ»
١٨ / ٥٣٤
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: ثَنَا صَفْوَانُ بْنُ عِيسَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ الْخَرَّاطُ، عَنْ عَمَّارٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِي الصَّهْبَاءِ، أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ مَسْعُودٍ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ «﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ﴾ [لقمان: ٦] قَالَ: الْغِنَاءُ»
١٨ / ٥٣٥
أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَابِسٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، «﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ﴾ [لقمان: ٦] قَالَ: الْغِنَاءُ»
١٨ / ٥٣٥
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: ثَنَا عِمْرَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، قَالَ: ثَنَا عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، «﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ﴾ [لقمان: ٦] قَالَ: الْغِنَاءُ وَأَشْبَاهُهُ»
١٨ / ٥٣٥
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، وَالْفَضْلُ بْنُ الصَّبَّاحِ، قَالَا: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ﴾ [لقمان: ٦] قَالَ: هُوَ الْغِنَاءُ وَنَحْوُهُ». حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا حَكَّامُ بْنُ سَلْمٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي قَيْسٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، مِثْلَهُ
١٨ / ٥٣٥
حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَنْمَاطِيُّ، قَالَ: ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ أَبِي ⦗٥٣٦⦘ لَيْلَى، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «هُوَ الْغِنَاءُ وَالِاسْتِمَاعُ لَهُ، يَعْنِي قَوْلَهُ: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ﴾ [لقمان: ٦]»
١٨ / ٥٣٥
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ، قَالَ: ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ قَابُوسَ بْنِ أَبِي ظِبْيَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ﴾ [لقمان: ٦] قَالَ: هُوَ الْغِنَاءُ وَالِاسْتِمَاعُ لَهُ»
١٨ / ٥٣٦
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا أَبِي، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ الْحَكَمِ، أَوْ مِقْسَمٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «شِرَاءُ الْمُغَنِّيَةِ»
١٨ / ٥٣٦
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا حَفْصٌ، وَالْمُحَارِبِيُّ، عَنْ لَيْثٍ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «الْغِنَاءُ»
١٨ / ٥٣٦
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ «﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [لقمان: ٦] قَالَ: بَاطِلَ الْحَدِيثِ: هُوَ الْغِنَاءِ وَنَحْوُهُ»
١٨ / ٥٣٦
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، وَابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَا: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ حَبِيبٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ﴾ [لقمان: ٦] قَالَ: الْغِنَاءُ»
١٨ / ٥٣٦
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ «﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ﴾ [لقمان: ٦] قَالَ: الْغِنَاءُ»
١٨ / ٥٣٦
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ حَبِيبٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: «الْغِنَاءُ» قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٨ / ٥٣٧
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا الْأَشْجَعِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ﴾ [لقمان: ٦] قَالَ: هُوَ الْغِنَاءُ، وَكُلُّ لَعِبٍ لَهْوٌ»
١٨ / ٥٣٧
حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَنْمَاطِيُّ، قَالَ: ثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَفْصٍ الْهَمْدَانِيُّ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ﴾ [لقمان: ٦] قَالَ: الْغِنَاءُ وَالِاسْتِمَاعُ لَهُ وَكُلُّ لَهْو»
١٨ / ٥٣٧
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ «﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ﴾ [لقمان: ٦] قَالَ: الْمُغَنِّي وَالْمُغَنِّيَةُ بِالْمَالِ الْكَثِيرِ، أَوِ اسْتِمَاعٌ إِلَيْهِ، أَوْ إِلَى مِثْلِهِ مِنَ الْبَاطِلِ»
١٨ / ٥٣٧
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ وَابْنُ وَكِيعٍ، قَالَا: ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ «﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ﴾ [لقمان: ٦] قَالَ: هُوَ الْغِنَاءُ، أَوِ الْغِنَاءُ مِنْهُ، أَوِ الِاسْتِمَاعُ لَهُ»
١٨ / ٥٣٧
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا عَثَّامُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ شُعَيْبِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: «﴿لَهْوَ الْحَدِيثِ﴾ [لقمان: ٦] الْغِنَاءُ». حَدَّثَنِي عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْهَبَّارِيُّ، قَالَ: ثَنَا عَثَّامٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ شُعَيْبِ بْنِ يَسَارٍ، هَكَذَا قَالَ عِكْرِمَةُ، عَنْ عُبَيْدٍ، مِثْلَهُ
١٨ / ٥٣٨
حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الزِّبْرِقَانِ النَّخَعِيُّ، قَالَ: ثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ أُسَامَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، فِي قَوْلِهِ «﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ﴾ [لقمان: ٦] قَالَ: الْغِنَاءُ». حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: الْغِنَاءُ. وَقَالَ آخَرُونَ: عَنَى بِاللَّهْوِ: الطَّبْلَ.
١٨ / ٥٣٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: ثَنَا حَجَّاجٌ الْأَعْوَرُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «اللَّهْوُ: الطَّبْلُ». وَقَالَ آخَرُونَ: عَنَى بِلَهْوِ الْحَدِيثِ: الشِّرْكَ.
١٨ / ٥٣٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ ⦗٥٣٩⦘ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ﴾ [لقمان: ٦] يَعْنِي الشِّرْكَ»
١٨ / ٥٣٨
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ «﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا﴾ [لقمان: ٦] قَالَ: هَؤُلَاءِ أَهْلُ الْكُفْرِ، أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا﴾ [لقمان: ٧] فَلَيْسَ هَكَذَا أَهْلُ الْإِسْلَامِ، قَالَ: وَنَاسٌ يَقُولُونَ: هِيَ فِيكُمْ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، قَالَ: وَهُوَ الْحَدِيثُ الْبَاطِلِ الَّذِي كَانُوا يَلْغَوْنَ فِيهِ». وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: عَنَى بِهِ كُلَّ مَا كَانَ مِنَ الْحَدِيثِ مُلْهِيًا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، مِمَّا نَهَى اللَّهُ عَنِ اسْتِمَاعِهِ أَوْ رَسُولُهُ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَمَّ بِقَوْلِهِ ﴿لَهْوَ الْحَدِيثِ﴾ [لقمان: ٦] وَلَمْ يُخَصِّصْ بَعْضًا دُونَ بَعْضٍ، فَذَلِكَ عَلَى عُمُومِهِ، حَتَّى يَأْتِيَ مَا يَدُلُّ عَلَى خُصُوصِهِ، وَالْغِنَاءُ وَالشِّرْكُ مِنْ ذَلِكَ.
١٨ / ٥٣٩
وَقَوْلُهُ: ﴿لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [الحج: ٩] يَقُولُ: لِيَصُدَّ ذَلِكَ الَّذِي يَشْتَرِي مِنْ لَهْوِ الْحَدِيثِ عَنْ دِينِ اللَّهِ وَطَاعَتِهِ، وَمَا يُقَرِّبُ إِلَيْهِ مِنْ قِرَاءَةِ قُرْآنٍ، وَذِكْرِ اللَّهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ / ٥٣٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، «﴿لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [الحج: ٩] قَالَ: سَبِيلُ اللَّهِ: قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ، ⦗٥٤٠⦘ وَذِكْرُ اللَّهِ إِذَا ذَكَرَهُ، وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ اشْتَرَى جَارِيَةً مُغَنِّيَةً»
١٨ / ٥٣٩
وَقَوْلِهِ: ﴿بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ [الأنعام: ١٠٠] يَقُولُ: فَعَلَ مَا فَعَلَ مِنَ اشْتِرَائِهِ لَهْوَ الْحَدِيثِ، جَهْلًا مِنْهُ بِمَا لَهُ فِي الْعَاقِبَةِ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ وِزْرِ ذَلِكَ وَإِثْمِهِ.
١٨ / ٥٤٠
وَقَوْلُهُ ﴿وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا﴾ [لقمان: ٦] اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ، وَبَعْضُ أَهْلِ الْكُوفَةِ: (وَيَتَّخِذُهَا)، رَفْعًا، عَطْفًا بِهِ عَلَى قَوْلِهِ: ﴿يَشْتَرِي﴾ [لقمان: ٦] كَأَنَّ مَعْنَاهُ عِنْدَهُمْ: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ وَيَتَّخِذُ آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا. وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ: ﴿وَيَتَّخِذَهَا﴾ [لقمان: ٦] نَصْبًا عَطْفًا عَلَى (يُضِلَّ)، بِمَعْنَى: لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، وَلِيَتَّخِذَهَا هُزُوًا. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ: أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ فِي قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ، مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ، فَمُصِيبٌ الصَّوَابَ فِي قِرَاءَتِهِ، وَالْهَاءُ وَالْأَلِفُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَيَتَّخِذَهَا﴾ [لقمان: ٦] مِنْ ذِكْرِ سَبِيلِ اللَّهِ
١٨ / ٥٤٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: «﴿وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا﴾ [لقمان: ٦] قَالَ: سَبِيلَ اللَّهِ». وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ ذَلِكَ مِنْ ذِكْرِ آيَاتِ الْكِتَابِ.
١٨ / ٥٤٠
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: «بِحَسْبِ الْمَرْءِ مِنَ الضَّلَالَةِ، أَنْ يَخْتَارَ حَدِيثَ الْبَاطِلِ عَلَى حَدِيثِ الْحَقِّ، وَمَا يَضُرُّ عَلَى مَا يَنْفَعُ» . ﴿وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا﴾ [لقمان: ٦] يَسْتَهْزِئُ بِهَا وَيُكَذِّبُ بِهَا. مِنْ أَنْ يَكُونَا مِنْ ذِكْرِ سَبِيلِ اللَّهِ أَشْبَهُ عِنْدِي لِقُرْبِهِمَا مِنْهَا، وَإِنْ كَانَ الْقَوْلُ الْآخَرُ غَيْرَ بَعِيدٍ مِنَ الصَّوَابِ. وَاتِّخَاذُهُ ذَلِكَ هُزُوًا هُوَ اسْتِهْزَاؤُهُ بِهِ.
١٨ / ٥٤١
وَقَوْلُهُ: ﴿أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾ [لقمان: ٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ وَصَفْنَا أَنَّهُمْ يَشْتَرُونَ لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابٌ مُذِلٌّ مُخْزٍ فِي نَارِ جَهَنَّمَ
١٨ / ٥٤١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا﴾ [لقمان: ٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَإِذَا تُتْلَى عَلَى هَذَا الَّذِي اشْتَرَى لَهْوَ الْحَدِيثِ لِلْإِضْلَالِ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ آيَاتُ كِتَابِ اللَّهِ، فَقُرِئَتْ عَلَيْهِ ﴿وَلَّى مُسْتَكْبِرًا﴾ [لقمان: ٧] يَقُولُ: أَدْبَرَ عَنْهَا، وَاسْتَكْبَرَ اسْتِكْبَارًا، وَأَعْرَضَ عَنْ سَمَاعِ الْحَقِّ وَالْإِجَابَةِ عَنْهُ ﴿كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا﴾ [لقمان: ٧] يَقُولُ: ثُقْلًا، فَلَا يُطِيقُ مِنْ أَجْلِهِ سَمَاعَهُ، كَمَا:
١٨ / ٥٤١
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا﴾ [لقمان: ٧] قَالَ: ثُقْلًا»
١٨ / ٥٤١
وَقَوْلُهُ ﴿فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [لقمان: ٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَبَشِّرْ هَذَا الْمُعْرِضَ عَنْ آيَاتِ اللَّهِ إِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِ اسْتِكْبَارًا بِعَذَابٍ لَهُ مِنَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُوجِعٍ، وَذَلِكَ عَذَابُ النَّارِ.
١٨ / ٥٤٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ﴾ [لقمان: ٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [البقرة: ٦٢] بِاللَّهِ فَوَحَّدُوهُ، وَصَدَّقُوا رَسُولَهُ وَاتَّبَعُوهُ ﴿وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ [البقرة: ٢٥] يَقُولُ: فَأَطَاعُوا اللَّهَ، فَعَمِلُوا بِمَا أَمَرَهُمْ فِي كِتَابِهِ، وَعَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ، وَانْتَهُوا عَمَّا نَهَاهُمْ عَنْهُ ﴿لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ﴾ [لقمان: ٨] يَقُولُ: لِهَؤُلَاءِ بَسَاتِينُ النَّعِيمِ ﴿خَالِدِينَ فِيهَا﴾ [البقرة: ١٦٢] يَقُولُ: مَاكِثِينَ فِيهَا إِلَى غَيْرِ نِهَايَةٍ ﴿وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا﴾ [النساء: ١٢٢] يَقُولُ: وَعَدَهُمُ اللَّهُ وَعْدًا حَقًّا، لَا شَكَّ فِيهِ وَلَا خُلْفَ لَهُ ﴿وَهُوَ الْعَزِيزُ﴾ [إبراهيم: ٤] يَقُولُ: وَهُوَ الشَّدِيدُ فِي انْتِقَامِهِ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ بِهِ، وَالصَّادِّينَ عَنْ سَبِيلِهِ، ﴿الْحَكِيمُ﴾ [البقرة: ٣٢] فِي تَدْبِيرِ خَلْقِهِ.
١٨ / ٥٤٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿خَلَقَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمِنْ حِكْمَتِهِ أَنَّهُ ﴿خَلَقَ السَّمَوَاتِ﴾ السَّبْعَ ﴿بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا﴾ [الرعد: ٢] وَقَدْ ذَكَرْتُ فِيمَا مَضَى اخْتِلَافَ أَهْلِ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ ﴿بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا﴾ [الرعد: ٢] وَبَيَّنَا الصَّوَابَ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا، وَقَدْ:
١٨ / ٥٤٢
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُدَيْرٍ، عَنْ ⦗٥٤٣⦘ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، «﴿بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا﴾ [لقمان: ١٠] قَالَ: لَعَلَّهَا بِعَمَدٍ لَا تَرَوْنَهَا»
١٨ / ٥٤٢
وَقَالَ: ثَنَا الْعَلَاءُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «إِنَّهَا بِعَمَدٍ لَا تَرَوْنَهَا»
١٨ / ٥٤٣
قَالَ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «لَعَلَّهَا بِعَمَدٍ لَا تَرَوْنَهَا»
١٨ / ٥٤٣
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدٌ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، فِي هَذَا الْحَرْفِ «﴿خَلَقَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا﴾ قَالَ: تَرَوْنَهَا بِغَيْرِ عَمَدٍ، وَهِيَ بِعَمَدٍ»
١٨ / ٥٤٣
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿خَلَقَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا﴾ قَالَ: قَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ: «إِنَّهَا بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا، لَيْسَ لَهَا عَمَدٌ»
١٨ / ٥٤٣
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ﴿بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا﴾ [لقمان: ١٠] قَالَ: «لَهَا عَمَدٌ لَا تَرَوْنَهَا»
١٨ / ٥٤٣
وَقَوْلُهُ: ﴿وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ﴾ [النحل: ١٥] يَقُولُ: وَجَعَلَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ رَوَاسِيَ، وَهِيَ ثَوَابِتُ الْجِبَالِ ﴿أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ﴾ [النحل: ١٥] أَنْ لَا تَمِيدَ بِكُمْ. يَقُولُ: أَنْ لَا تَضْطَرِبَ بِكُمْ، وَلَا تَتَحَرَّكَ يُمْنَةً وَلَا يُسْرَةً، وَلَكِنْ تَسْتَقِرُّ بِكُمْ، كَمَا:
١٨ / ٥٤٣
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ﴾ [النحل: ١٥] أَيْ جِبَالًا». ﴿أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ﴾ [النحل: ١٥] أَثْبَتَهَا بِالْجِبَالِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ مَا ⦗٥٤٤⦘ أَقَرَّتْ عَلَيْهَا خَلْقًا، وَذَلِكَ كَمَا قَالَ الرَّاجِزُ
[البحر الرجز] وَالْمُهْرُ يَأْبَى أَنْ يَزَالَ مُلْهِبًا
بِمَعْنَى: لَا يَزَالُ.
[البحر الرجز] وَالْمُهْرُ يَأْبَى أَنْ يَزَالَ مُلْهِبًا
بِمَعْنَى: لَا يَزَالُ.
١٨ / ٥٤٣
وَقَوْلُهُ: ﴿وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ﴾ [البقرة: ١٦٤] يَقُولُ: وَفَرَّقَ فِي الْأَرْضِ مِنْ كُلِّ أَنْوَاعِ الدَّوَابِّ. وَقِيلَ الدَّوَابُّ اسْمٌ لِكُلِّ مَا أَكَلَ وَشَرِبَ، وَهُوَ عِنْدِي لِكُلِّ مَا دَبَّ عَلَى الْأَرْضِ.
١٨ / ٥٤٤
وَقَوْلُهُ: ﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ﴾ [لقمان: ١٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَطَرًا، فَأَنْبَتْنَا بِذَلِكَ الْمَطَرِ فِي الْأَرْضِ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ، يَعْنِي: مِنْ كُلِّ نَوْعٍ مِنَ النَّبَاتِ كَرِيمٍ، وَهُوَ الْحَسَنُ النَّبْتَةُ، كَمَا:
١٨ / ٥٤٤
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ﴾ [الشعراء: ٧] أَيْ حَسَنٍ»
١٨ / ٥٤٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿هَذَا خَلْقُ اللَّهِ، فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ﴾ [لقمان: ١١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: هَذَا الَّذِي أَعْدَدْتُ عَلَيْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ أَنِّي خَلَقْتُهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ خَلْقُ اللَّهِ الَّذِي لَهُ أُلُوهَةُ كُلِّ شَيْءٍ، وَعِبَادَةُ كُلِّ خَلْقٍ، الَّذِي لَا تَصْلُحُ الْعِبَادَةُ لِغَيْرِهِ، وَلَا تَنْبَغِي لِشَيْءٍ سِوَاهُ، فَأَرُونِي أَيُّهَا الْمُشْرِكُونَ فِي عِبَادَتِكُمْ إِيَّاهُ ⦗٥٤٥⦘ مِنْ دُونِهِ مِنَ الْآلِهَةِ وَالْأَوْثَانِ، أَيُّ شَيْءٍ خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ مِنْ آلِهَتِكِمْ وَأَصْنَامِكُمْ، حَتَّى اسْتَحَقَّتْ عَلَيْكُمُ الْعِبَادَةَ فَعَبَدْتُمُوهَا مِنْ دُونِهِ، كَمَا اسْتَحَقَّ ذَلِكَ عَلَيْكُمْ خَالِقُكُمْ، وَخَالِقُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي عَدَدْتُهَا عَلَيْكُمْ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ / ٥٤٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: «﴿هَذَا خَلْقُ اللَّهِ﴾ [لقمان: ١١] مَا ذَكَرَ مِنْ خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَمَا بَثَّ مِنَ الدَّوَابِّ، وَمَا أَنْبَتَ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ، فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ، الْأَصْنَامُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ»
١٨ / ٥٤٥
وَقَوْلُهُ: ﴿بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ [لقمان: ١١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: مَا عَبَدَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ الْأَوْثَانَ وَالْأَصْنَامَ مِنْ أَجْلِ أَنَّهَا تَخْلِقُ شَيْئًا، وَلَكِنَّهُمْ دَعَاهُمْ إِلَى عِبَادَتِهَا ضَلَالُهُمْ، وَذَهَابُهُمْ عَنْ سَبِيلِ الْحَقِّ، فَهُمْ فِي ضَلَالٍ. يَقُولُ: فَهُمْ فِي جَوْرٍ عَنِ الْحَقِّ، وَذَهَابٍ عَنِ الِاسْتِقَامَةِ ﴿مُبِينٍ﴾ [البقرة: ١٦٨] يَقُولُ: يَبِينُ لِمَنْ تَأَمَّلَهُ، وَنَظَرَ فِيهِ، وَفَكَّرَ بِعَقْلٍ أَنَّهُ ضَلَالٌ لَا هُدًى.
١٨ / ٥٤٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ﴾ [لقمان: ١٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْفِقْهَ فِي الدِّينِ، وَالْعَقْلَ، وَالْإِصَابَةَ فِي الْقَوْلِ. ⦗٥٤٦⦘ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ / ٥٤٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ: «﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ﴾ [لقمان: ١٢] قَالَ: الْفِقْهَ وَالْعَقْلَ وَالْإِصَابَةَ فِي الْقَوْلِ مِنْ غَيْرِ نُبُوَّةٍ»
١٨ / ٥٤٦
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ «﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ﴾ [لقمان: ١٢] أَيِ الْفِقْهَ فِي الْإِسْلَامِ. قَالَ قَتَادَةُ: وَلَمْ يَكُنْ نَبِيًّا، وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ»
١٨ / ٥٤٦
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ «﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ﴾ [لقمان: ١٢] قَالَ: الْحِكْمَةُ: الصَّوَابُ»
١٨ / ٥٤٦
وَقَالَ غَيْرُ أَبِي بِشْرٍ: «الصَّوَابُ فِي غَيْرِ النُّبُوَّةِ»
١٨ / ٥٤٦
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، أَنَّهُ قَالَ: «كَانَ لُقْمَانُ رَجُلًا صَالِحًا، وَلَمْ يَكُنْ نَبِيًّا»
١٨ / ٥٤٦
حَدَّثَنِي نَصْرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَوْدِيُّ، وَابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَا: ثَنَا حَكَّامٌ، عَنْ سَعِيدٍ الزُّبَيْدِيِّ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «كَانَ لُقْمَانُ الْحَكِيمُ عَبْدًا حَبَشِيًّا، غَلِيظَ الشَّفَتَيْنِ، مُصْفَحَ الْقَدَمَيْنِ، قَاضِيًا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ»
١٨ / ٥٤٧
حَدَّثَنِي عِيسَى بْنُ عُثْمَانَ بْنِ عِيسَى الرَّمْلِيُّ، قَالَ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ عِيسَى، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «كَانَ لُقْمَانُ عَبْدًا أَسْوَدَ، عَظِيمَ الشَّفَتَيْنِ، مُشَقَّقَ الْقَدَمَيْنِ»
١٨ / ٥٤٧
حَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: ثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، قَالَ: ثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، قَالَ: ثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ، يَقُولُ: «كَانَ لُقْمَانُ الْحَكِيمُ أَسْوَدَ مِنْ سُودَانِ مِصْرَ»
١٨ / ٥٤٧
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «كَانَ لُقْمَانُ عَبْدًا حَبَشِيًّا»
١٨ / ٥٤٧
حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبِي، قَالَ: ثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَرْمَلَةَ، قَالَ: جَاءَ أَسْوَدُ إِلَى سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ يَسْأَلُ، فَقَالَ لَهُ سَعِيدٌ: «لَا تَحْزَنْ مِنْ أَجْلِ أَنَّكَ أَسْوَدُ، فَإِنَّهُ كَانَ مِنْ خَيْرِ النَّاسِ ثَلَاثَةٌ مِنَ السُّودَانِ: بِلَالٌ، وَمُهْجَعٌ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَلُقْمَانُ الْحَكِيمِ كَانَ أَسْوَدَ نُوبِيًّا ذَا ⦗٥٤٨⦘ مَشَافِرَ»
١٨ / ٥٤٧
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا أَبِي، عَنْ أَبِي الْأَشْهَبِ، عَنْ خَالِدٍ الرَّبْعِيِّ، قَالَ: «كَانَ لُقْمَانُ عَبْدًا حَبَشِيًّا نَجَّارًا، فَقَالَ لَهُ مَوْلَاهُ: اذْبَحْ لَنَا هَذِهِ الشَّاةَ، فَذَبَحَهَا. قَالَ: أَخْرِجْ أَطْيَبَ مُضْغَتَيْنِ فِيهَا، فَأَخْرَجَ اللِّسَانَ وَالْقَلْبَ. ثُمَّ مَكَثَ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ قَالَ: اذْبَحْ لَنَا هَذِهِ الشَّاةَ، فَذَبَحَهَا. فَقَالَ: أَخْرِجْ أَخْبَثَ مُضْغَتَيْنِ فِيهَا، فَأَخْرَجَ اللِّسَانَ وَالْقَلْبَ، فَقَالَ لَهُ مَوْلَاهُ: أَمَرْتُكَ أَنْ تُخْرِجَ أَطْيَبَ مُضْغَتَيْنِ فِيهَا فَأَخْرَجْتَهُمَا، وَأَمَرْتُكَ أَنْ تُخْرِجَ أَخْبَثَ مُضْغَتَيْنِ فِيهَا فَأَخْرَجْتَهُمَا فَقَالَ لَهُ لُقْمَانُ: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَيْءٍ أَطْيَبُ مِنْهُمَا إِذَا طَابَا، وَلَا أَخْبَثُ مِنْهُمَا إِذَا خَبَثَا»
١٨ / ٥٤٨
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا الْحَكَمُ، قَالَ: ثَنَا عَمْرُو بْنُ قَيْسٍ، قَالَ: «كَانَ لُقْمَانُ عَبْدًا أَسْوَدَ، غَلِيظَ الشَّفَتَيْنِ، مُصْفَحَ الْقَدَمَيْنِ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ، وَهُوَ فِي مَجْلِسِ أُنَاسٍ يُحَدِّثُهُمْ، فَقَالَ لَهُ: أَلَسْتَ الَّذِي كُنْتَ تَرْعَى مَعِيَ الْغَنَمَ فِي مَكَانِ كَذَا وَكَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَمَا بَلَغَ بِكَ مَا أَرَى؟ قَالَ: صِدْقُ الْحَدِيثِ، وَالصَّمْتُ عَمَّا لَا يَعْنِينِي»
١٨ / ٥٤٨
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ﴾ [لقمان: ١٢] قَالَ: الْقُرْآنَ»
١٨ / ٥٤٨
قَالَ: ثَنَا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «الْحِكْمَةُ: الْأَمَانَةُ». وَقَالَ آخَرُونَ: كَانَ نَبِيًّا.
١٨ / ٥٤٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: «كَانَ لُقْمَانُ نَبِيًّا»
١٨ / ٥٤٩
وَقَوْلُهُ: ﴿أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ﴾ [لقمان: ١٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ، أَنِ احْمِدِ اللَّهَ عَلَى مَا آتَاكَ مِنْ فَضْلِهِ؛ وَجَعَلَ قَوْلَهُ ﴿أَنِ اشْكُرْ﴾ [لقمان: ١٢] تَرْجَمَةً عَنِ الْحِكْمَةِ، لِأَنَّ مِنَ الْحِكْمَةِ الَّتِي كَانَ أُوتِيهَا، كَانَ شُكْرُهُ اللَّهَ عَلَى مَا آتَاهُ.
١٨ / ٥٤٩
وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَنَ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ﴾ [لقمان: ١٢] يَقُولُ: وَمَنْ يَشْكُرِ اللَّهَ عَلَى نِعَمِهِ عِنْدَهُ، فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ، لِأَنَّ اللَّهَ يُجْزِلُ لَهُ عَلَى شُكْرِهِ إِيَّاهُ الثَّوَابَ، وَيُنْقِذُهُ بِهِ مِنَ الْهَلَكَةِ.
١٨ / ٥٤٩
﴿وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ﴾ [لقمان: ١٢] يَقُولُ: وَمَنْ كَفَرَ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ، إِلَى نَفْسِهِ أَسَاءَ، لِأَنَّ اللَّهَ مُعَاقِبُهُ عَلَى كُفْرَانِهِ إِيَّاهُ، وَاللَّهُ غَنِيٌّ عَنْ شُكْرِهِ إِيَّاهُ عَلَى نِعَمِهِ، لَا حَاجَةَ بِهِ إِلَيْهِ، لِأَنَّ شُكْرَهُ إِيَّاهُ لَا يَزِيدُ فِي سُلْطَانِهِ، وَلَا يُنْقِصُ كُفْرَانُهُ إِيَّاهُ مِنْ مِلْكِهِ. وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ ﴿حَمِيدٌ﴾ [البقرة: ٢٦٧] مَحْمُودٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ، لَهُ الْحَمْدُ عَلَى نِعَمِهِ، كَفَرَ الْعَبْدُ نِعْمَتَهُ أَوْ شَكَرَهُ عَلَيْهَا؛ وَهُوَ مَصْرُوفٌ مِنْ مَفْعُولٍ إِلَى فَعِيلٍ.
١٨ / ٥٤٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ، إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ [لقمان: ١٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: وَاذْكُرْ يَا مُحَمَّدُ ﴿إِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ ⦗٥٥٠⦘ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ، إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ [لقمان: ١٣] يَقُولُ: لَخَطَأٌ مِنَ الْقَوْلِ عَظِيمٌ.
١٨ / ٥٤٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ﴾ [لقمان: ١٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَأَمَرْنَا الْإِنْسَانَ بِبِرِّ وَالِدَيْهِ ﴿حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ﴾ [لقمان: ١٤] يَقُولُ: ضَعْفًا عَلَى ضَعْفٍ، وَشِدَّةً عَلَى شِدَّةٍ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ زُهَيْرٍ:
[البحر البسيط] فَلَنْ يَقُولُوا بِحَبْلٍ وَاهِنٍ خَلْقٍ … لَوْ كَانَ قَوْمُكَ فِي أَسْبَابِهِ هَلَكُوا
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ، غَيْرَ أَنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي الْمَعْنَى بِذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَنَى بِهِ الْحَمْلَ.
[البحر البسيط] فَلَنْ يَقُولُوا بِحَبْلٍ وَاهِنٍ خَلْقٍ … لَوْ كَانَ قَوْمُكَ فِي أَسْبَابِهِ هَلَكُوا
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ، غَيْرَ أَنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي الْمَعْنَى بِذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَنَى بِهِ الْحَمْلَ.
١٨ / ٥٥٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: «﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ﴾ [لقمان: ١٤] يَقُولُ: شِدَّةً بَعْدَ شِدَّةٍ، وَخَلْقًا بَعْدَ خَلْقٍ»
١٨ / ٥٥٠
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ﴾ [لقمان: ١٤] يَقُولُ: ضَعْفًا عَلَى ضَعْفٍ»
١٨ / ٥٥٠
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: «﴿حَمَلَتْهُ أُمُّهُ ⦗٥٥١⦘ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ﴾ [لقمان: ١٤] أَيْ جَهْدًا عَلَى جَهْدٍ». وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عَنَى بِهِ: وَهْنُ الْوَلَدِ وَضَعْفُهُ عَلَى ضَعْفِ الْأُمِّ.
١٨ / ٥٥٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «﴿وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ﴾ [لقمان: ١٤] قَالَ: وَهْنُ الْوَلَدِ عَلَى وَهَنِ الْوَالِدَةِ وَضَعْفِهَا»
١٨ / ٥٥١
وَقَوْلُهُ: ﴿وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ﴾ [لقمان: ١٤] يَقُولُ: وَفِطَامُهُ فِي انْقِضَاءِ عَامَيْنِ. وَقِيلَ: ﴿وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ﴾ [لقمان: ١٤] وَتَرَكَ ذِكْرَ «انْقِضَاءَ» اكْتِفَاءً بِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ، كَمَا قِيلَ: ﴿وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا﴾ [يوسف: ٨٢] يُرَادُ بِهِ أَهْلُ الْقَرْيَةِ.
١٨ / ٥٥١
وَقَوْلُهُ: ﴿أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ﴾ [لقمان: ١٤] يَقُولُ: وَعَهِدْنَا إِلَيْهِ أَنْ اشْكُرْ لِي عَلَى نِعَمِي عَلَيْكَ، وَلِوَالِدَيْكَ تَرْبِيَتَهُمَا إِيَّاكَ، وَعِلَاجَهُمَا فِيكَ مَا عَالَجَا مِنَ الْمَشَقَّةِ حَتَّى اسْتَحْكَمَ قُوَاكَ.
١٨ / ٥٥١
وَقَوْلَهُ: ﴿إِلَيَّ الْمَصِيرُ﴾ [لقمان: ١٤] يَقُولُ: إِلَى اللَّهِ مَصِيرُكَ أَيُّهَا الْإِنْسَانُ، وَهُوَ سَائِلُكَ عَمَّا كَانَ مِنْ شُكْرِكَ لَهُ عَلَى نِعَمِهِ عَلَيْكَ، وَعَمَّا كَانَ مِنْ شُكْرِكَ لِوَالِدَيْكَ، وَبِرَّكَ بِهِمَا عَلَى مَا لَقِيَا مِنْكَ مِنَ الْعَنَاءِ وَالْمَشَقَّةِ فِي حَالِ طُفُولَتِكَ وَصِبَاكَ، وَمَا اصْطَنَعَا إِلَيْكَ فِي بِرِّهِمَا بِكَ، وَتَحْنَنِهِمَا عَلَيْكَ. ⦗٥٥٢⦘ وَذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي شَأْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَأُمِّهِ.
١٨ / ٥٥١
ذِكْرُ الرِّوَايَةِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ: حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ، قَالَ: ثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: «حَلَفَتْ أُمُّ سَعْدٍ أَنْ لَا تَأْكُلَ وَلَا تَشْرَبَ، حَتَّى يَتَحَوَّلَ سَعْدٌ عَنْ دِينِهِ. قَالَ: فَأَبَى عَلَيْهَا. فَلَمْ تَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى غَشِيَ عَلَيْهَا. قَالَ: فَأَتَاهَا بَنُوهَا فَسَقَوْهَا. قَالَ: فَلَمَّا أَفَاقَتْ دَعَتِ اللَّهَ عَلَيْهِ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ﴾ [العنكبوت: ٨] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا﴾ [لقمان: ١٥]»
١٨ / ٥٥٢
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَتْ أُمُّ سَعْدٍ لِسَعْدٍ: «أَلَيْسَ اللَّهُ قَدْ أَمَرَ بِالْبِرِّ، فَوَاللَّهِ لَا أَطْعَمُ طَعَامًا، وَلَا أَشْرَبُ شَرَابًا حَتَّى أَمُوتَ أَوْ تَكْفُرَ قَالَ: فَكَانُوا إِذَا أَرَادُوا أَنْ يُطْعِمُوهَا شَجَرُوا فَاهَا بِعَصًا، ثُمَّ أَوْجَرُوهَا، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ﴾ [العنكبوت: ٨]»
١٨ / ٥٥٢
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا دَاوُدُ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، قَالَ: قَالَ سَعْدُ بْنُ مَالِكٍ: «نَزَلَتْ فِيَّ: ﴿وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا﴾ [لقمان: ١٥] قَالَ: لَمَّا أَسْلَمْتُ، حَلَفَتْ أُمِّي ⦗٥٥٣⦘ لَا تَأْكُلُ طَعَامًا وَلَا تَشْرَبُ شَرَابًا، قَالَ: فَنَاشَدْتُهَا أَوَّلَ يَوْمٍ، فَأَبَتْ وَصَبَرَتْ؛ فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الثَّانِي نَاشَدْتُهَا، فَأَبَتْ؛ فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ نَاشَدْتُهَا فَأَبَتْ، فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لَوْ كَانَتْ لَكِ مِائَةُ نَفْسٍ لَخَرَجَتْ قَبْلَ أَنْ أَدَعَ دِينِي هَذَا؛ فَلَمَّا رَأَتْ ذَلِكَ، وَعَرَفَتْ أَنِّي لَسْتُ فَاعِلًا أَكَلَتْ»
١٨ / ٥٥٢
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُبَيْرَةَ، يَقُولُ: قَالَ: «نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ ﴿وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا﴾ [لقمان: ١٥] الْآيَةَ»
١٨ / ٥٥٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا﴾ [لقمان: ١٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَإِنْ جَاهَدَكَ أَيُّهَا الْإِنْسَانُ وَالِدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي فِي عِبَادَتِكَ إِيَّايَ مَعِيَ غَيْرِي مِمَّا لَا تَعْلَمُ أَنَّهُ لِي شَرِيكٌ، وَلَا شَرِيكَ لَهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ عُلُوًّا كَبِيرًا، فَلَا تُطِعْهُمَا فِيمَا أَرَادَاكَ عَلَيْهِ مِنَ الشِّرْكِ بِي، ﴿وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا﴾ [لقمان: ١٥] يَقُولُ: وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا بِالطَّاعَةِ لَهُمَا فِيمَا لَا تَبَعَةَ عَلَيْكَ فِيهِ فِيمَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ رَبِّكَ وَلَا إِثْمَ.
١٨ / ٥٥٣
وَقَوْلُهُ: ﴿وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ﴾ [لقمان: ١٥] يَقُولُ: وَاسْلُكْ طَرِيقَ مَنْ تَابَ مِنْ شِرْكِهِ، وَرَجَعَ إِلَى الْإِسْلَامِ، وَاتَّبِعْ مُحَمَّدًا ﷺ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ / ٥٥٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ﴾ [لقمان: ١٥] أَيْ مَنْ أَقْبَلَ إِلَيَّ»
١٨ / ٥٥٤
وَقَوْلُهُ: ﴿ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [لقمان: ١٥] فَإِنَّ إِلَيَّ مَصِيرُكُمْ وَمَعَادُكُمْ بَعْدَ مَمَاتِكُمْ فَأُخْبِرُكُمْ بِجَمِيعِ مَا كُنْتُمْ فِي الدُّنْيَا تَعْمَلُونَ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ، ثُمَّ أُجَازِيكُمْ عَلَى أَعْمَالِكُمْ، الْمُحْسِنُ مِنْكُمْ بِإِحْسَانِهِ، وَالْمُسِيءُ بِإِسَاءَتِهِ. فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِلٌ: مَا وَجْهُ اعْتِرَاضِ هَذَا الْكَلَامِ بَيْنَ الْخَبَرِ عَنْ وَصِيَّتِي لُقْمَانَ ابْنَهُ؟ قِيلَ ذَلِكَ أَيْضًا، وَإِنْ كَانَ خَبَرًا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ عَنْ وَصِيَّتِهِ عِبَادَهُ بِهِ، وَأَنَّهُ إِنَّمَا أَوْصَى بِهِ لُقْمَانُ ابْنَهُ، فَكَانَ مَعْنَى الْكَلَامِ: ﴿وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ [لقمان: ١٣] وَلَا تُطِعْ فِي الشِّرْكِ بِهِ وَالِدَيْكَ ﴿وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا﴾ [لقمان: ١٥] فَإِنَّ اللَّهَ وَصَّى بِهِمَا، فَاسْتَأْنَفَ الْكَلَامَ عَلَى وَجْهِ الْخَبَرِ مِنَ اللَّهِ، وَفِيهِ هَذَا الْمَعْنَى، فَذَلِكَ وَجْهُ اعْتِرَاضِ ذَلِكَ بَيْنَ الْخَبَرَيْنِ عَنْ وَصِيَّتِهِ
١٨ / ٥٥٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلِ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ﴾ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي مَعْنَى الْهَاءِ وَالْأَلِفِ اللَّتَيْنِ فِي قَوْلِهِ ﴿إِنَّهَا﴾ [البقرة: ٦٨] فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ: ذَلِكَ كِنَايَةٌ عَنِ الْمَعْصِيَةِ وَالْخَطِيئَةِ. وَمَعْنَى الْكَلَامِ عِنْدَهُ: يَا بُنَيَّ إِنَّ الْمَعْصِيَةَ إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ، أَوْ إِنَّ الْخَطِيئَةَ.
١٨ / ٥٥٤
وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ: وَهَذِهِ الْهَاءُ عِمَادٌ. وَقَالَ: أَنْتَ تَكُ، لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهَا الْحَبَّةُ، فَذَهَبَ بِالتَّأْنِيثِ إِلَيْهَا، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الطويل] وَتُشْرِقُ بِالْقَوْلِ الَّذِي قَدْ أَذَعْتُهُ … كَمَا شَرَقَتْ صَدْرُ الْقَنَاةِ مِنَ الدَّمِ
وَقَالَ صَاحِبُ هَذِهِ الْمَقَالَةِ: يَجُوزُ نَصَبُ الْمِثْقَالِ وَرَفَعُهُ؛ قَالَ: فَمَنْ رَفَعَ رَفَعَهُ بِتَكُ، وَاحْتَمَلَتِ النَّكِرَةُ أَنْ لَا يَكُونَ لَهَا فِعْلٌ فِي كَانَ وَلَيْسَ وَأَخَوَاتِهَا، وَمَنْ نَصَبَ جَعَلَ فِي تَكُنْ اسْمًا مُضْمَرًا مَجْهُولًا مِثْلَ الْهَاءِ الَّتِي فِي قَوْلِهِ ﴿إِنَّهَا إِنْ تَكُ﴾ [لقمان: ١٦] وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ: ﴿فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ﴾ [الحج: ٤٦] قَالَ: وَلَوْ كَانَ إِنْ يَكُ مِثْقَالُ حَبَّةٍ كَانَ صَوَابًا، وَجَازَ فِيهِ الْوَجْهَانِ. وَأَمَّا صَاحِبُ الْمَقَالَةِ الْأُولَى، فَإِنْ نَصَبَ مِثْقَالَ فِي قَوْلِهِ، عَلَى أَنَّهُ خَبَرٌ، وَتَمَامُ كَانَ، وَقَالَ: رَفَعَ بَعْضُهُمْ فَجَعَلَهَا كَانَ الَّتِي لَا تَحْتَاجُ إِلَى خَبَرٍ. وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ بِالصَّوَابِ عِنْدِي، الْقَوْلُ الثَّانِي: لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ لَمْ يُعِدْ عِبَادَهُ أَنْ يُوَفِّيهِمْ جَزَاءَ سَيِّئَاتِهِمْ دُونَ جَزَاءِ حَسَنَاتِهِمْ، فَيُقَالُ: إِنَّ الْمَعْصِيَةَ إِنَّ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلِ يَأْتِ اللَّهُ بِهَا، بَلْ وَعَدَ كِلَا الْعَامِلَيْنِ أَنْ يُوَفِّيَهُ جَزَاءَ أَعْمَالِهِمَا. فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، كَانَتِ الْهَاءُ فِي قَوْلِهِ ﴿إِنَّهَا﴾ [البقرة: ٦٨] بِأَنْ تَكُونَ عِمَادًا أَشْبَهُ مِنْهَا بِأَنْ تَكُونَ كِنَايَةً عَنِ الْخَطِيئَةِ وَالْمَعْصِيَةِ. وَأَمَّا النَّصَبُ فِي الْمِثْقَالِ، فَعَلَى أَنَّ فِي «تَكُ» مَجْهُولًا، وَالرَّفْعُ فِيهِ عَلَى أَنَّ الْخَبَرَ مُضْمَرٌ، كَأَنَّهُ قِيلَ: إِنْ تَكُ فِي مَوْضِعِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ، لِأَنَّ النَّكِرَاتِ تُضْمَرْ أَخْبَارُهَا، ثُمَّ يُتَرْجَمُ عَنِ الْمَكَانِ الَّذِي فِيهِ مِثْقَالُ الْحَبَّةِ. وَعَنَى بِقَوْلِهِ: ﴿مِثْقَالُ حَبَّةٍ﴾ [الأنبياء: ٤٧] زِنَةُ حَبَّةٍ. فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ إِذَنْ: إِنَّ الْأَمْرَ إِنْ تَكُ زِنَةُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلِ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ عَمِلْتَهُ، فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ، أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ، أَوْ
[البحر الطويل] وَتُشْرِقُ بِالْقَوْلِ الَّذِي قَدْ أَذَعْتُهُ … كَمَا شَرَقَتْ صَدْرُ الْقَنَاةِ مِنَ الدَّمِ
وَقَالَ صَاحِبُ هَذِهِ الْمَقَالَةِ: يَجُوزُ نَصَبُ الْمِثْقَالِ وَرَفَعُهُ؛ قَالَ: فَمَنْ رَفَعَ رَفَعَهُ بِتَكُ، وَاحْتَمَلَتِ النَّكِرَةُ أَنْ لَا يَكُونَ لَهَا فِعْلٌ فِي كَانَ وَلَيْسَ وَأَخَوَاتِهَا، وَمَنْ نَصَبَ جَعَلَ فِي تَكُنْ اسْمًا مُضْمَرًا مَجْهُولًا مِثْلَ الْهَاءِ الَّتِي فِي قَوْلِهِ ﴿إِنَّهَا إِنْ تَكُ﴾ [لقمان: ١٦] وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ: ﴿فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ﴾ [الحج: ٤٦] قَالَ: وَلَوْ كَانَ إِنْ يَكُ مِثْقَالُ حَبَّةٍ كَانَ صَوَابًا، وَجَازَ فِيهِ الْوَجْهَانِ. وَأَمَّا صَاحِبُ الْمَقَالَةِ الْأُولَى، فَإِنْ نَصَبَ مِثْقَالَ فِي قَوْلِهِ، عَلَى أَنَّهُ خَبَرٌ، وَتَمَامُ كَانَ، وَقَالَ: رَفَعَ بَعْضُهُمْ فَجَعَلَهَا كَانَ الَّتِي لَا تَحْتَاجُ إِلَى خَبَرٍ. وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ بِالصَّوَابِ عِنْدِي، الْقَوْلُ الثَّانِي: لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ لَمْ يُعِدْ عِبَادَهُ أَنْ يُوَفِّيهِمْ جَزَاءَ سَيِّئَاتِهِمْ دُونَ جَزَاءِ حَسَنَاتِهِمْ، فَيُقَالُ: إِنَّ الْمَعْصِيَةَ إِنَّ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلِ يَأْتِ اللَّهُ بِهَا، بَلْ وَعَدَ كِلَا الْعَامِلَيْنِ أَنْ يُوَفِّيَهُ جَزَاءَ أَعْمَالِهِمَا. فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، كَانَتِ الْهَاءُ فِي قَوْلِهِ ﴿إِنَّهَا﴾ [البقرة: ٦٨] بِأَنْ تَكُونَ عِمَادًا أَشْبَهُ مِنْهَا بِأَنْ تَكُونَ كِنَايَةً عَنِ الْخَطِيئَةِ وَالْمَعْصِيَةِ. وَأَمَّا النَّصَبُ فِي الْمِثْقَالِ، فَعَلَى أَنَّ فِي «تَكُ» مَجْهُولًا، وَالرَّفْعُ فِيهِ عَلَى أَنَّ الْخَبَرَ مُضْمَرٌ، كَأَنَّهُ قِيلَ: إِنْ تَكُ فِي مَوْضِعِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ، لِأَنَّ النَّكِرَاتِ تُضْمَرْ أَخْبَارُهَا، ثُمَّ يُتَرْجَمُ عَنِ الْمَكَانِ الَّذِي فِيهِ مِثْقَالُ الْحَبَّةِ. وَعَنَى بِقَوْلِهِ: ﴿مِثْقَالُ حَبَّةٍ﴾ [الأنبياء: ٤٧] زِنَةُ حَبَّةٍ. فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ إِذَنْ: إِنَّ الْأَمْرَ إِنْ تَكُ زِنَةُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلِ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ عَمِلْتَهُ، فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ، أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ، أَوْ
١٨ / ٥٥٥
فِي الْأَرْضِ، يَأْتِ بِهَا اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، حَتَّى يُوَفِّيكَ جَزَاءَهُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ / ٥٥٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: «﴿يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلِ﴾ [لقمان: ١٦] مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ». وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ ﴿فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ﴾ [لقمان: ١٦] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَنَى بِهَا الصَّخْرَةَ الَّتِي عَلَيْهَا الْأَرْضُ؛ وَذَلِكَ قَوْلٌ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَالُوا: هِيَ صَخْرَةٌ خَضْرَاءُ.
١٨ / ٥٥٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنِ الْمِنْهَالِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ، قَالَ: «الصَّخْرَةُ خَضْرَاءُ عَلَى ظَهْرِ حُوتٍ»
١٨ / ٥٥٦
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثَنَا عَمْرٌو، قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، فِي خَبَرٍ ذَكَرَهُ عَنْ أَبِي مَالِكٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَنْ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، وَعَنْ نَاسٍ، مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ: «خَلَقَ اللَّهُ الْأَرْضَ عَلَى حُوتٍ، وَالْحُوتُ هُوَ النُّونُ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ ﴿ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ﴾ [القلم: ١] وَالْحُوتُ فِي الْمَاءِ، وَالْمَاءُ عَلَى ظَهْرِ صَفَاةٍ، وَالصَّفَاةُ عَلَى ظَهْرِ مَلَكٍ، وَالْمَلَكُ عَلَى صَخْرَةٍ، وَالصَّخْرَةُ فِي الرِّيحِ، وَهِيَ الصَّخْرَةُ الَّتِي ذَكَرَ لُقْمَانُ لَيْسَتْ فِي السَّمَاءِ، وَلَا فِي الْأَرْضِ». ⦗٥٥٧⦘ وَقَالَ آخَرُونَ: عَنَى بِهَا الْجِبَالَ، قَالُوا: وَمَعْنَى الْكَلَامِ: فَتَكُنْ فِي جَبَلٍ
١٨ / ٥٥٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: «﴿فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ﴾ [لقمان: ١٦] أَيْ جَبَلٍ». وَقَوْلُهُ: ﴿يَأْتِ بِهَا اللَّهُ﴾ [لقمان: ١٦] كَانَ بَعْضُهُمْ يُوَجِّهُ مَعْنَاهُ إِلَى يَعْلَمُهُ اللَّهُ، وَلَا أَعْرِفُ يَأْتِي بِهِ، بِمَعْنَى يَعْلَمُهُ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ قَائِلُ ذَلِكَ أَرَادَ أَنَّ لُقْمَانَ، إِنَّمَا وَصَفَ اللَّهُ بِذَلِكَ، لِأَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ أَمَاكِنَهُ، لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مَكَانُ شَيْءٍ مِنْهُ فَيَكُونُ وَجْهًا.
١٨ / ٥٥٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَيَحْيَى، قَالَا: ثَنَا أَبُو سُفْيَانَ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ، «﴿فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ﴾ قَالَ: يَعْلَمُهَا اللَّهُ». حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ، مِثْلَهُ. وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ﴾ [لقمان: ١٦] يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ بِاسْتِخْرَاجِ الْحَبَّةِ مِنْ مَوْضِعِهَا حَيْثُ كَانَتْ خَبِيرٌ بِمَوْضِعِهَا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ / ٥٥٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ ⦗٥٥٨⦘ خَبِيرٌ﴾ [لقمان: ١٦] أَيْ لَطِيفٌ بِاسْتِخْرَاجِهَا خَبِيرٌ بِمُسْتَقَرِّهَا»
١٨ / ٥٥٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ، وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ، وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ، إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾ [لقمان: ١٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُخْبِرًا عَنْ قِيلِ لُقْمَانِ لِابْنِهِ ﴿يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ﴾ [لقمان: ١٧] بِحُدُودِهَا ﴿وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [لقمان: ١٧] يَقُولُ: وَأْمُرِ النَّاسَ بِطَاعَةِ اللَّهِ، وَاتِّبَاعِ أَمْرِهِ ﴿وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾ [لقمان: ١٧] يَقُولُ: وَانْهَ النَّاسَ عَنْ مَعَاصِي اللَّهِ، وَمُوَاقَعَةِ مَحَارِمِهِ ﴿وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ﴾ [لقمان: ١٧] يَقُولُ: وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ مِنَ النَّاسِ فِي ذَاتِ اللَّهِ إِذَا أَنْتَ أَمَرْتَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ، وَنَهَيْتُهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْ ذَلِكَ مَا نَالَكَ مِنْهُمْ ﴿إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾ [لقمان: ١٧] يَقُولُ: إِنَّ ذَلِكَ مِمَّا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْأُمُورِ عَزْمًا مِنْهُ. وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ / ٥٥٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ، وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ، وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ﴾ [لقمان: ١٧] قَالَ: اصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ مِنَ الْأَذَى فِي ذَلِكَ ﴿إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾ [لقمان: ١٧] قَالَ: إِنَّ ذَلِكَ مِمَّا عَزَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنَ الْأُمُورِ، يَقُولُ: مِمَّا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْأُمُورِ»
١٨ / ٥٥٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ﴾ [لقمان: ١٨]
١٨ / ٥٥٨
اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿وَلَا تُصَعِّرْ﴾ [لقمان: ١٨] فَقَرَأَهُ بَعْضُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ وَالْمَدَنِيِّينَ وَالْكُوفِيِّينَ: ﴿وَلَا تُصَعِّرْ﴾ [لقمان: ١٨] عَلَى مِثَالِ تُفَعِّلْ. وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ الْمَكِّيِّينَ وَعَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَالْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ: (وَلَا تُصَاعِرُ) عَلَى مِثَالِ تُفَاعِلُ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ قَدْ قَرَأَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عُلَمَاءٌ مِنَ الْقُرَّاءِ، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ. وَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ: وَلَا تُعْرِضْ بِوَجْهِكَ عَمَّنْ كَلَّمْتَهُ تَكَبُّرًا وَاسْتِحْقَارًا لِمَنْ تُكَلِّمُهُ؛ وَأَصْلُ الصَّعْرُ دَاءٌ يَأْخُذُ الْإِبِلَ فِي أَعْنَاقِهَا أَوْ رُءُوسِهَا حَتَّى تُلْفِتُ أَعْنَاقَهَا عَنْ رُءُوسِهَا، فَيُشَبِّهُ بِهِ الرَّجُلَ الْمُتَكَبِّرَ عَلَى النَّاسِ، وَمِنْهُ قَوْلُ عَمْرِو بْنِ كُلْثُومِ التَّغْلِبِيِّ:
[البحر الطويل] وَكُنَّا إِذَا الْجَبَّارُ صَعَّرَ خَدَّهُ … أَقَمْنَا لَهُ مِنْ مَيْلَةٍ فَتَقُومَا
وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ نَحْوَ الَّذِي قُلْنَا فِيهِ.
[البحر الطويل] وَكُنَّا إِذَا الْجَبَّارُ صَعَّرَ خَدَّهُ … أَقَمْنَا لَهُ مِنْ مَيْلَةٍ فَتَقُومَا
وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ نَحْوَ الَّذِي قُلْنَا فِيهِ.
١٨ / ٥٥٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، «﴿وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ﴾ [لقمان: ١٨] يَقُولُ: وَلَا تَتَكَبَّرْ فَتُحَقِّرْ عِبَادَ اللَّهِ، وَتَعْرِضْ عَنْهُمْ بِوَجْهِكَ إِذَا كَلَّمُوكَ»
١٨ / ٥٥٩
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ «﴿وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ﴾ [لقمان: ١٨] يَقُولُ: لَا تُعْرِضْ بِوَجْهِكَ عَنِ النَّاسِ تَكَبُّرًا»
١٨ / ٥٦٠
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «﴿وَلَا تُصَعِّرْ﴾ [لقمان: ١٨] قَالَ: الصُّدُودُ وَالْإِعْرَاضُ بِالْوَجْهِ عَنِ النَّاسِ»
١٨ / ٥٦٠
حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: ثَنَا زَيْدُ بْنُ أَبِي الزَّرْقَاءِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ، عَنْ يَزِيدَ، فِي هَذِهِ الْآيَةِ «﴿وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ﴾ [لقمان: ١٨] قَالَ: إِذَا كَلَّمَكَ الْإِنْسَانُ لَوَيْتَ وَجْهَكَ، وَأَعْرَضْتَ عَنْهُ مُحَقِّرًا لَهُ»
١٨ / ٥٦٠
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا خَالِدُ بْنُ حَيَّانَ الرَّقِّيُّ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ، قَالَ: «هُوَ الرَّجُلُ يُكَلِّمُ الرَّجُلَ فَيَلْوِي وَجْهَهُ»
١٨ / ٥٦٠
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْأَسْوَدِ، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَبِيعَةَ، قَالَ: ثَنَا أَبُو مَكِينٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، فِي قَوْلِهِ «﴿وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ﴾ [لقمان: ١٨] قَالَ: لَا تُعْرِضْ بِوَجْهِكَ»
١٨ / ٥٦٠
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عِيدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ، فِي قَوْلِهِ «﴿وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ﴾ [لقمان: ١٨] يَقُولُ: لَا تُعْرِضْ عَنِ النَّاسِ، يَقُولُ: أَقْبِلْ عَلَى النَّاسِ بِوَجْهِكَ وَحُسْنِ خُلُقِكَ»
١٨ / ٥٦٠
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ «﴿وَلَا ⦗٥٦١⦘ تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ﴾ [لقمان: ١٨] قَالَ: تَصْعِيرُ الْخَدِّ: التَّجَبُّرُ وَالتَّكَبُّرُ عَلَى النَّاسِ وَمُحَقِّرَتُهُمْ»
١٨ / ٥٦٠
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ أَبِي مَكِينٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: «الْإِعْرَاضُ» . وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّمَا نَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ أَنْ يَفْعَلَهُ لِمَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ صَعْرٌ، لَا عَلَى وَجْهِ التَّكَبُّرِ.
١٨ / ٥٦١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، وَابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَا: ثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «﴿وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ﴾ [لقمان: ١٨] قَالَ: الرَّجُلُ يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ الْحِنَةُ، فَيَرَاهُ فَيُعْرِضُ عَنْهُ»
١٨ / ٥٦١
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ «﴿وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ﴾ [لقمان: ١٨] قَالَ: هُوَ الرَّجُلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ حِنَةٌ فَيُعْرِضُ عَنْهُ». وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ التَّشْدِيقُ
١٨ / ٥٦١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ جَعْفَرٍ الرَّازِيِّ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: «هُوَ التَّشْدِيقُ»
١٨ / ٥٦١
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: «هُوَ التَّشْدِيقُ أَوِ التَّشَدُّقُ» . الطَّبَرِيُّ يَشُكُّ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ طَلْحَةَ، قَالَ: ثَنَا فُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ مِثْلَهُ
١٨ / ٥٦٢
وَقَوْلُهُ ﴿وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا﴾ [الإسراء: ٣٧] يَقُولُ: وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مُخْتَالًا. كَمَا:
١٨ / ٥٦٢
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ «﴿وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا﴾ [الإسراء: ٣٧] يَقُولُ: بَالْخُيَلَاءِ»
١٨ / ٥٦٢
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ «﴿وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ، وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا، إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾ [لقمان: ١٨] قَالَ: نَهَاهُ عَنِ التَّكَبُّرِ»
١٨ / ٥٦٢
وَقَوْلُهُ ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ﴾ [لقمان: ١٨] مُتَكَبِّرٍ ذِي فَخْرٍ. كَمَا:
١٨ / ٥٦٢
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ: «﴿كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾ [لقمان: ١٨] قَالَ: مُتَكَبِّرٍ. وَقَوْلُهُ: فَخُورٍ: قَالَ: يُعَدِّدُ مَا أَعْطَى اللَّهُ، وَهُوَ لَا يَشْكُرُ اللَّهَ»
١٨ / ٥٦٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ﴾ [لقمان: ١٩]⦗٥٦٣⦘ يَقُولُ: وَتَوَاضَعْ فِي مَشْيِكَ إِذَا مَشَيْتَ، وَلَا تَسْتَكْبِرْ، وَلَا تَسْتَعْجِلْ، وَلَكِنِ اتَّئِدْ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ، غَيْرَ أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ: أَمَرَهُ بِالتَّوَاضُعِ فِي مَشْيِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: أَمَرَهُ بِتَرْكِ السُّرْعَةِ فِيهِ.
١٨ / ٥٦٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ: أَمَرَهُ بِالتَّوَاضُعِ فِي مَشْيِهِ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثَنَا أَبُو حَمْزَةَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «﴿وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ﴾ [لقمان: ١٩] قَالَ: التَّوَاضُعَ»
١٨ / ٥٦٣
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ﴾ [لقمان: ١٩] قَالَ: نَهَاهُ عَنِ الْخُيَلَاءِ»
١٨ / ٥٦٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ: نَهَاهُ عَنِ السُّرْعَةِ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ﴾ [لقمان: ١٩] قَالَ: مِنَ السُّرْعَةِ»
١٨ / ٥٦٣
قَوْلُهُ: ﴿وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ﴾ [لقمان: ١٩] يَقُولُ: وَاخْفِضْ مِنْ صَوْتِكَ، فَاجْعَلْهُ قَصْدًا إِذَا تَكَلَّمْتَ، كَمَا:
١٨ / ٥٦٣
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿وَاغْضُضْ مِنْ ⦗٥٦٤⦘ صَوْتِكَ﴾ [لقمان: ١٩] قَالَ: أَمَرَهُ بِالِاقْتِصَادِ فِي صَوْتِهِ»
١٨ / ٥٦٣
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ «﴿وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ﴾ [لقمان: ١٩] قَالَ: أَخْفِضْ مِنْ صَوْتِكَ». وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: ﴿إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ﴾ [لقمان: ١٩] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: إِنَّ أَقْبَحَ الْأَصْوَاتِ.
١٨ / ٥٦٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، وَابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَا: ثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، وَأَبَانَ بْنِ تَغْلِبَ، قَالَا: ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، «﴿إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ﴾ [لقمان: ١٩] قَالَ: إِنَّ أَقْبَحَ الْأَصْوَاتِ ﴿لَصَوْتُ الْحَمِيرِ﴾ [لقمان: ١٩]»
١٨ / ٥٦٤
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ﴾ [لقمان: ١٩] أَيْ أَقْبَحُ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ، أَوَّلُهُ زَفِيرٌ، وَآخِرُهُ شَهِيقٌ؛ أَمَرَهُ بِالِاقْتِصَادِ فِي صَوْتِهِ»
١٨ / ٥٦٤
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا مُؤَمَّلٌ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: سَمِعْتُ الْأَعْمَشَ، يَقُولُ: «﴿إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ﴾ [لقمان: ١٩] صَوْتُ الْحَمِيرِ». وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: إِنَّ أَشَرَّ الْأَصْوَاتِ.
١٨ / ٥٦٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حُدِّثْتُ عَنْ يَحْيَى بْنِ وَاضِحٍ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، وَالْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، «﴿إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ﴾ [لقمان: ١٩] قَالَ: أَشَرُّ الْأَصْوَاتِ»
١٨ / ٥٦٥
قَالَ جَابِرٌ: وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ مُسْلِمٍ: «أَشَدُّ الْأَصْوَاتِ»
١٨ / ٥٦٥
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ «﴿إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ﴾ [لقمان: ١٩] قَالَ: لَوْ كَانَ رَفْعُ الصَّوْتِ هُوَ خَيْرٌ مَا جَعَلَهُ لِلْحَمِيرِ». وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَاهُ: إِنَّ أَقْبَحَ أَوْ أَشَرَّ الْأَصْوَاتِ، وَذَلِكَ نَظِيرُ قَوْلِهِمْ، إِذَا رَأَوْا وَجْهًا قَبِيحًا، أَوْ مَنْظَرًا شَنِيعًا: مَا أَنْكَرَ وَجْهَ فُلَانٍ، وَمَا أَنْكَرَ مَنْظَرَهُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿لَصَوْتُ الْحَمِيرِ﴾ [لقمان: ١٩] فَأُضِيفَ الصَّوْتُ وَهُوَ وَاحِدٌ إِلَى الْحَمِيرِ وَهِيَ جَمَاعَةٌ، فَإِنَّ ذَلِكَ لِوَجْهَيْنِ إِنْ شِئْتَ، قُلْتَ: الصَّوْتُ بِمَعْنَى الْجَمْعُ، كَمَا قِيلَ ﴿لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ﴾ [البقرة: ٢٠] وَإِنْ شِئْتَ قُلْتَ: مَعْنَى الْحَمِيرِ: مَعْنَى الْوَاحِدِ، لِأَنَّ الْوَاحِدَ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْضِعِ يُؤَدِّي عَمَّا يُؤَدِّي عَنْهُ الْجَمْعُ.
١٨ / ٥٦٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً﴾
١٨ / ٥٦٥
يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿أَلَمْ تَرَوْا﴾ [لقمان: ٢٠] أَيُّهَا النَّاسُ ﴿أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ﴾ مِنْ شَمْسٍ وَقَمَرٍ وَنَجْمٍ وَسَحَابٍ ﴿وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾ [البقرة: ٢٥٥] مِنْ دَابَّةٍ، وَشَجَرٍ، وَمَاءٍ، وَبَحْرٍ، وَفُلْكٍ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَنَافِعِ، يَجْرِي ذَلِكَ كُلُّهُ لِمَنَافِعِكُمْ، وَمَصَالِحِكُمْ، لِغِذَائِكُمْ، وَأَقْوَاتِكُمْ، وَأَرْزَاقِكُمْ، وَمَلَاذِكُمْ، تَتَمَتَّعُونَ بِبَعْضِ ذَلِكَ كُلِّهِ، وَتَنْتَفِعُونَ بِجَمِيعِهِ، ﴿وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً﴾ [لقمان: ٢٠] وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَهُ بَعْضُ الْمَكِّيِّينَ وَعَامَّةُ الْكُوفِيِّينَ: (وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعْمَةً) عَلَى الْوَاحِدَةِ، وَوَجَّهُوا مَعْنَاهَا إِلَى أَنَّهُ الْإِسْلَامُ، أَوْ إِلَى أَنَّهَا شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. وَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ: ﴿نِعَمَهُ﴾ [لقمان: ٢٠]، عَلَى الْجِمَاعِ، وَوَجَّهُوا مَعْنَى ذَلِكَ، إِلَى أَنَّهَا النِّعَمُ الَّتِي سَخَّرَهَا اللَّهُ لِلْعِبَادِ مِمَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَاسْتَشْهَدُوا لِصِحَّةِ قِرَاءَتِهِمْ ذَلِكَ كَذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ﴿شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ﴾ [النحل: ١٢١] قَالُوا: فَهَذَا جَمَعَ النِّعَمَ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ فِي قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى، وَذَلِكَ أَنَّ النِّعْمَةَ قَدْ تَكُونُ بِمَعْنَى الْوَاحِدَةِ، وَمَعْنَى الْجِمَاعِ، وَقَدْ يَدْخُلُ فِي الْجِمَاعِ الْوَاحِدَةُ. وَقَدْ قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا﴾ [النحل: ١٨] فَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَمْ يَعْنِ بِذَلِكَ نِعْمَةً وَاحِدَةً. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: ﴿وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ﴾ [النحل: ١٢١]، فَجَمَعَهَا، فَبِأَيِّ الْقِرَاءَتَيْنِ قَرَأَ الْقَارِئُ ذَلِكَ فَمُصِيبٌ.
١٨ / ٥٦٦
ذِكْرُ بَعْضِ مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ عَلَى التَّوْحِيدِ، وَفَسَّرَهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا عَنْ قَارِئِيهِ أَنَّهُمْ يُفَسِّرُونَهُ:
١٨ / ٥٦٧
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: ثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ، قَالَ: ثَنَا حَجَّاجٌ، قَالَ: ثَنِي مَسْتُورٌ الْهُنَائِيُّ، عَنْ حُمَيْدٍ الْأَعْرَجِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَرَأَهَا: «وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعْمَتَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً» وَفَسَّرَهَا الْإِسْلَامَ “
١٨ / ٥٦٧
حُدِّثْتُ عَنِ الْفَرَّاءِ قَالَ: ثَنِي شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَرَأَ: (نِعَمَةً) وَاحِدَةً. قَالَ: وَلَوْ كَانَتْ نِعَمَهُ، لَكَانَتْ نِعْمَةً دُونَ نِعْمَةٍ، أَوْ نِعْمَةً فَوْقَ نِعْمَةٍ». الشَّكُّ مِنَ الْفَرَّاءِ
١٨ / ٥٦٧
حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الزُّهْرِيُّ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: ثَنَا حُمَيْدٌ، قَالَ: قَرَأَ مُجَاهِدٌ: ﴿وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً﴾ [لقمان: ٢٠]، قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ “
١٨ / ٥٦٧
حَدَّثَنِي الْعَبَّاسُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ أَبِي بُكَيْرٍ، عَنْ شِبْلٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ﴿وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً﴾ [لقمان: ٢٠]، قَالَ: كَانَ يَقُولُ: هِيَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ “
١٨ / ٥٦٧
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ حُمَيْدٍ الْأَعْرَجِ، عَنْ مُجَاهِدٍ «﴿⦗٥٦٨⦘ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً﴾ [لقمان: ٢٠] قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ». حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ الْأَعْرَجِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ
١٨ / ٥٦٧
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عِيسَى، عَنْ قَيْسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، (نِعْمَةً ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً)، قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ». وَقَوْلُهُ: ﴿ظَاهِرَةً﴾ [لقمان: ٢٠] يَقُولُ: ظَاهِرَةً عَلَى الْأَلْسُنِ قَوْلًا، وَعَلَى الْأَبْدَانِ وَجَوَارِحِ الْجَسَدِ عَمَلًا. وَقَوْلُهُ: ﴿وَبَاطِنَةً﴾ [لقمان: ٢٠] يَقُولُ: وَبَاطِنَةً فِي الْقُلُوبِ اعْتِقَادًا وَمَعْرِفَةً.
١٨ / ٥٦٨
وَقَوْلُهُ: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى﴾ [الحج: ٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُخَاصِمُ فِي تَوْحِيدِ اللَّهِ، وَإِخْلَاصِ الطَّاعَةِ وَالْعِبَادَةِ لَهُ بِغَيْرِ عِلْمٍ عِنْدَهُ بِمَا يُخَاصِمُ، ﴿وَلَا هُدًى﴾ [الحج: ٨] يَقُولُ: وَلَا بَيَانٍ يُبَيِّنُ بِهِ صِحَّةَ مَا يَقُولُ ﴿وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ﴾ [الحج: ٨] يَقُولُ: وَلَا بِتَنْزِيلٍ مِنَ اللَّهِ جَاءَ بِمَا يَدَّعِي، يُبَيِّنُ حَقِيقَةِ دَعْوَاهُ، كَمَا:
١٨ / ٥٦٨
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ، وَلَا هُدًى، وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ﴾ [الحج: ٨] لَيْسَ مَعَهُ مِنَ اللَّهِ بُرْهَانٌ وَلَا كِتَابٌ»
١٨ / ٥٦٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا﴾ [لقمان: ٢١]⦗٥٦٩⦘ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَإِذَا قِيلَ لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي تَوْحِيدِ اللَّهِ جَهْلًا مِنْهُمْ بِعَظَمَةِ اللَّهِ: اتَّبِعُوا أَيُّهَا الْقَوْمُ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ، وَصَدِّقُوا بِهِ، فَإِنَّهُ يُفَرِّقُ بَيْنَ الْمُحِقِّ مِنَّا وَالْمُبْطِلِ، وَيَفْصِلُ بَيْنَ الضَّالِّ وَالْمُهْتَدِي، فَقَالُوا: بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا مِنَ الْأَدْيَانِ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا أَهْلَ حَقٍّ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ ﴿أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ﴾ [لقمان: ٢١] بِتَزْيِينِهِ لَهُمْ سُوءَ أَعْمَالِهِمْ، وَاتِّبَاعَهُمْ إِيَّاهُ عَلَى ضَلَالَتِهِمْ، وَكُفْرِهِمْ بِاللَّهِ وَتَرْكِهِمُ اتِّبَاعَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابِهِ عَلَى نَبِيِّهِ ﴿إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ﴾ [الحج: ٤] يَعْنِي: عَذَابَ النَّارِ الَّتِي تَتَسَعَّرُ وَتَلْتَهِبُ.
١٨ / ٥٦٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى﴾ [لقمان: ٢٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمَنْ يُعَبِّدُ وَجْهَهُ مُتَذَلِّلًا بِالْعُبُودَةِ، مُقِرًا لَهُ بِالْأُلُوهَةِ ﴿وَهُوَ مُحْسِنٌ﴾ [البقرة: ١١٢] يَقُولُ: وَهُوَ مُطِيعٌ لِلَّهِ فِي أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ ﴿فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى﴾ [البقرة: ٢٥٦] يَقُولُ: فَقَدْ تَمَسَّكَ بِالطَّرَفِ الْأَوْثَقِ الَّذِي لَا يَخَافُ انْقِطَاعَهُ مَنْ تَمَسَّكَ بِهِ؛ وَهَذَا مَثَلٌ، إِنَّمَا يَعْنِي بِذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ تَمَسَّكَ مِنْ رِضَا اللَّهِ بِإِسْلَامِهِ وَجْهَهُ إِلَيْهِ، وَهُوَ مُحْسِنٌ، مَا لَا يَخَافُ مَعَهُ عَذَابَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ / ٥٦٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي السَّوْدَاءِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي الْمُغِيرَةِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، «﴿وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى﴾ [لقمان: ٢٢] قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ»
١٨ / ٥٦٩
وَقَوْلُهُ ﴿وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ﴾ [لقمان: ٢٢] يَقُولُ: وَإِلَى اللَّهِ مَرْجِعِ عَاقِبَةِ كُلِّ أَمْرٍ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ، وَهُوَ الْمُسَائِلُ أَهْلَهُ عَنْهُ، وَمُجَازِيهِمْ عَلَيْهِ.
١٨ / ٥٧٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ كَفَرَ فَلَا يَحْزُنْكَ كَفْرُهُ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا﴾ [لقمان: ٢٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ فَلَا يَحْزُنْكَ كَفْرُهُ، وَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً، فَإِنَّ مَرْجِعَهُمْ وَمَصِيرَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَيْنَا، وَنَحْنُ نُخْبِرُهُمْ بِأَعْمَالِهِمُ الْخَبِيثَةِ الَّتِي عَمِلُوهَا فِي الدُّنْيَا، ثُمَّ نُجَازِيهِمْ عَلَيْهَا جَزَاءَهُمْ. ﴿إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ [آل عمران: ١١٩] يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ ذُو عِلْمٍ بِمَا تُكِنُّهُ صُدُورُهُمْ مِنَ الْكُفْرِ بِاللَّهِ، وَإِيثَارِ طَاعَةِ الشَّيْطَانِ. وَقَوْلُهُ: ﴿نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلًا﴾ [لقمان: ٢٤] يَقُولُ: نُمَهِّلُهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا مَهْلًا قَلِيلًا يتَمَتَّعُونَ فِيهَا ﴿ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ﴾ [لقمان: ٢٤] يَقُولُ: ثُمَّ نُورِدُهُمْ عَلَى كُرْهٍ مِنْهُمْ عَذَابًا غَلِيظًا، وَذَلِكَ عَذَابُ النَّارِ، نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْهَا، وَمِنْ عَمَلٍ يُقَرِّبُ مِنْهَا.
١٨ / ٥٧٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَئِنْ سَأَلْتَ يَا مُحَمَّدُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ بِاللَّهِ مِنْ قَوْمَكَ ﴿مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ، فَإِذَا قَالُوا ذَلِكَ، فَقُلْ لَهُمُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ ذَلِكَ، لَا لِمَنْ لَا يَخْلُقُ شَيْئًا ⦗٥٧١⦘ وَهُمْ يُخْلَقُونَ. ثُمَّ قَالَ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [النحل: ٧٥] يَقُولُ: بَلْ أَكْثَرُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ لَا يَعْلَمُونَ مِنَ الَّذِي لَهُ الْحَمْدُ، وَأَيْنَ مَوْضِعُ الشُّكْرِ.
١٨ / ٥٧٠
وَقَوْلُهُ: ﴿لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: لِلَّهِ كُلُّ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مِنْ شَيْءٍ مَلَكًا كَائِنًا مَا كَانَ ذَلِكَ الشَّيْءُ مِنْ وَثَنٍ وَصَنَمٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ، مِمَّا يُعْبَدُ أَوْ لَا يُعْبَدُ ﴿إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾ [لقمان: ٢٦] يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ عَنْ عِبَادَةِ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ بِهِ الْأَوْثَانَ وَالْأَنْدَادَ، وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْهُمْ، وَمِنْ جَمِيعِ خَلْقِهِ، لِأَنَّهُمْ مِلْكُهُ وَلَهُ، وَبِهِمُ الْحَاجَةُ إِلَيْهِ. ﴿الْحَمِيدُ﴾ [إبراهيم: ١] يَعْنِي الْمَحْمُودُ عَلَى نِعَمِهِ الَّتِي أَنْعَمَهَا عَلَى خَلْقِهِ.
١٨ / ٥٧١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ﴾ [لقمان: ٢٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَوْ أَنَّ شَجَرَ الْأَرْضِ كُلِّهَا بُرِيَتْ أَقْلَامًا ﴿وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ﴾ [لقمان: ٢٧] يَقُولُ: وَالْبَحْرُ لَهُ مِدَادٌ، وَالْهَاءُ فِي قَوْلِهِ ﴿يَمُدُّهُ﴾ [لقمان: ٢٧] عَائِدَةٌ عَلَى الْبَحْرِ. وَقَوْلُهُ ﴿مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ﴾ [لقمان: ٢٧] وَفِي هَذَا الْكَلَامِ مَحْذُوفٌ اسْتَغْنَى بِدَلَالَةِ الظَّاهِرِ عَلَيْهِ مِنْهُ، وَهُوَ يَكْتُبُ كَلَامَ اللَّهِ بِتِلْكَ الْأَقْلَامِ، وَبِذَلِكَ الْمِدَادِ، لَتَكَسَّرَتْ تِلْكَ الْأَقْلَامُ، وَلَنَفِدَ ذَلِكَ الْمِدَادُ، وَلَمْ تَنْفَدْ كَلِمَاتُ اللَّهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ / ٥٧١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، قَالَ: سَأَلْتُ الْحَسَنَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ، «﴿وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ﴾ [لقمان: ٢٧] قَالَ: لَوْ جُعِلَ شَجَرُ الْأَرْضِ ⦗٥٧٢⦘ أَقْلَامًا، وَجَعَلَ الْبُحُورَ مِدَادًا، وَقَالَ اللَّهُ: إِنَّ مِنْ أَمْرِي كَذَا، وَمِنْ أَمْرِي كَذَا، لَنَفِدَ مَاءُ الْبُحُورِ، وَتَكَسَّرَتِ الْأَقْلَامُ»
١٨ / ٥٧١
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا الْحَكَمُ، قَالَ: ثَنَا عَمْرٌو، فِي قَوْلِهِ «﴿وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ﴾ [لقمان: ٢٧] قَالَ: لَوْ بَرِيَتْ أَقْلَامًا وَالْبَحْرُ مِدَادًا، فَكَتَبَ بِتِلْكَ الْأَقْلَامِ مِنْهُ ﴿مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ﴾ [لقمان: ٢٧] وَلَوْ مَدَّهُ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ»
١٨ / ٥٧٢
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ «﴿وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ﴾ [لقمان: ٢٧] قَالَ: قَالَ الْمُشْرِكُونَ: إِنَّمَا هَذَا كَلَامٌ يُوشِكُ أَنْ يَنْفَدَ، قَالَ: لَوْ كَانَ شَجَرُ الْبَرِّ أَقْلَامًا، وَمَعَ الْبَحْرِ سَبْعَةُ أَبْحُرِ مَا كَانَ لِتَنْفَدَ عَجَائِبُ رَبِّي وَحِكْمَتُهُ وَخَلْقُهُ وَعِلْمُهُ». وَذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي سَبَبِ مُجَادَلَةٍ كَانَتْ مِنَ الْيَهُودِ لَهُ.
١٨ / ٥٧٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثَنِي رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ أَحْبَارَ يَهُودَ قَالُوا لِرَسُولِ ⦗٥٧٣⦘ اللَّهِ ﷺ بِالْمَدِينَةِ: يَا مُحَمَّدُ أَرَأَيْتَ قَوْلَهُ ﴿وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [الإسراء: ٨٥] إِيَّانَا تُرِيدُ أَمْ قَوْمَكَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى ﷺ: «كُلًّا»، فَقَالُوا: أَلَسْتَ تَتْلُو فِيمَا جَاءَكَ: أَنَّا قَدْ أُوتِينَا التَّوْرَاةَ فِيهَا تِبْيَانُ كُلِّ شَيْءٍ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنَّهَا فِي عِلْمِ اللَّهِ قَلِيلٌ، وَعِنْدَكُمْ مِنْ ذَلِكَ مَا يَكْفِيكُمْ»، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِيمَا سَأَلُوهُ عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ: ﴿وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ﴾ [لقمان: ٢٧] أَيْ أَنَّ التَّوْرَاةَ فِي هَذَا مِنْ عِلْمِ اللَّهِ قَلِيلٌ “
١٨ / ٥٧٢
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنِي ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا دَاوُدُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: “سَأَلَ أَهْلُ الْكِتَابِ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنِ الرُّوحِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [الإسراء: ٨٥] فَقَالُوا: تَزْعُمُ أَنَّا لَمْ نُؤْتَ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا، وَقَدْ أُوتِينَا التَّوْرَاةَ، وَهِيَ الْحِكْمَةُ ﴿وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ [البقرة: ٢٦٩] قَالَ: فَنَزَلَتْ ﴿وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ﴾ [لقمان: ٢٧] قَالَ: «مَا أُوتِيتُمْ مِنْ عِلْمٍ فَنَجَّاكُمُ اللَّهُ بِهِ مِنَ النَّارِ وَأَدْخَلَكُمُ الْجَنَّةَ، فَهُوَ كَثِيرٌ طَيِّبٌ، وَهُوَ فِي عِلْمِ اللَّهِ قَلِيلٌ»
١٨ / ٥٧٣
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا سَلَمَةُ، قَالَ: ثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ:»لَمَّا نَزَلَتْ بِمَكَّةَ ﴿وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [الإسراء: ٨٥] يَعْنِي الْيَهُودَ؛ فَلَمَّا هَاجَرَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ إِلَى الْمَدِينَةِ، أَتَاهُ أَحْبَارُ يَهُودَ، ⦗٥٧٤⦘ فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ أَلَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّكَ تَقُولُ ﴿وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [الإسراء: ٨٥] أَفَتَعْنِينَا أَمْ قَوْمَكَ؟ قَالَ: وَكُلًّا قَدْ عَنَيْتُ «، قَالُوا: فَإِنَّكَ تَتْلُو: أَنَّا قَدْ أُوتِينَا التَّوْرَاةَ، وَفِيهَا تِبْيَانُ كُلِّ شَيْءٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «هِيَ فِي عِلْمِ اللَّهِ قَلِيلٌ، وَقَدْ أَتَاكُمُ اللَّهُ مَا إِنْ عَمِلْتُمْ بِهِ انْتَفَعْتُمْ»، فَأَنْزَلَ اللَّهُ ﴿وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ﴾ [لقمان: ٢٧] إِلَى قَوْلِهِ ﴿إِنَّ اللَّهَ سُمَيْعٌ بَصِيرٌ﴾ [الحج: ٧٥]». وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ ﴿وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ﴾ [لقمان: ٢٧] فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَالْكُوفَةِ: وَالْبَحْرُ رَفْعًا عَلَى الِابْتِدَاءِ، وَقَرَأَتْهُ قُرَّاءُ الْبَصْرَةِ نَصْبًا، عَطْفًا بِهِ عَلَى «مَا» فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ﴾ [لقمان: ٢٧] وَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ عِنْدِي.
١٨ / ٥٧٣
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [البقرة: ٢٢٠] يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ ذُو عِزَّةٍ فِي انْتِقَامِهِ مِمَّنْ أَشْرَكَ بِهِ، وَادَّعَى مَعَهُ إِلَهًا غَيْرَهُ، حَكِيمٌ فِي تَدْبِيرِهِ خَلْقَهُ.
١٨ / ٥٧٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾ [لقمان: ٢٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: مَا خَلْقُكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ، وَلَا بَعْثُكُمْ عَلَى اللَّهِ إِلَّا كَخَلْقِ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَبَعْثِهَا، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ لَا يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ شَيْءٌ أَرَادَهُ، وَلَا يَمْتَنِعُ مِنْهُ شَيْءٌ شَاءَهُ ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [يس: ٨٢] فَسَوَاءٌ خَلْقُ وَاحِدٍ وَبَعْثُهُ، وَخَلْقُ الْجَمِيعِ وَبَعْثُهُمْ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ / ٥٧٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنِي أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ «﴿كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾ [لقمان: ٢٨] يَقُولُ: كُنْ فَيَكُونُ، للْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ»
١٨ / ٥٧٥
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ «﴿مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾ [لقمان: ٢٨] قَالَ: يَقُولُ: إِنَّمَا خَلْقُ اللَّهِ النَّاسَ كُلَّهُمْ وَبَعَثَهُمْ كَخَلْقِ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَبَعْثَهَا». وَإِنَّمَا صَلُحَ أَنْ يُقَالَ: إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ، وَالْمَعْنَى: إِلَّا كَخَلْقِ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ، لِأَنَّ الْمَحْذُوفَ فِعْلٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ ﴿مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ﴾ [لقمان: ٢٨] وَالْعَرَبُ تَفْعَلُ ذَلِكَ فِي الْمَصَادِرِ، وَمِنْهُ قَوْلُ اللَّهِ: ﴿تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ﴾ [الأحزاب: ١٩] وَالْمَعْنَى: كَدَوَرَانِ عَيْنِ الَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ، فَلَمْ يَذْكُرِ الدَّوَرَانَ وَالْعَيْنَ لِمَا وَصَفْتُ
١٨ / ٥٧٥
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ﴾ [الحج: ٧٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ لِمَا يَقُولُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ وَيَفْتَرُونَهُ عَلَى رَبِّهِمْ، مِنِ ادِعَائِهِمْ لَهُ الشُّرَكَاءَ وَالْأَنْدَادَ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِهِمْ وَكَلَامِ غَيْرِهِمْ، بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَهُ وَغَيْرَهُمْ مِنَ الْأَعْمَالِ، وَهُوَ مُجَازِيهِمْ عَلَى ذَلِكَ جَزَاءَهُمْ.
١٨ / ٥٧٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ ⦗٥٧٦⦘ فِي اللَّيْلِ﴾ [لقمان: ٢٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿أَلَمْ تَرَ﴾ [البقرة: ٢٤٣] يَا مُحَمَّدُ بِعَيْنِكَ ﴿أَنْ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ﴾ [لقمان: ٢٩] يَقُولُ: يَزِيدُ مِنْ نُقْصَانِ سَاعَاتِ اللَّيْلِ فِي سَاعَاتِ النَّهَارِ ﴿وَيُولُجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ﴾ [الحج: ٦١] يَقُولُ: يَزِيدُ مَا نَقُصَ مِنْ سَاعَاتِ النَّهَارِ فِي سَاعَاتِ اللَّيْلِ. كَمَا:
١٨ / ٥٧٥
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: «﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ﴾ [لقمان: ٢٩] اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ نُقْصَانُ اللَّيْلِ فِي زِيَادَةِ النَّهَارِ ﴿وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ﴾ [لقمان: ٢٩] نُقْصَانُ النَّهَارِ فِي زِيَادَةِ اللَّيْلِ»
١٨ / ٥٧٦
وَقَوْلُهُ: ﴿وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾ [لقمان: ٢٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُ: وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لِمَصَالِحِ خَلْقِهِ وَمَنَافِعِهِمْ، ﴿كُلٌّ يَجْرِي﴾ [الرعد: ٢] يَقُولُ: كُلُّ ذَلِكَ يَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى وَقْتٍ مَعْلُومٍ، وَأَجَلٍّ مَحْدُودٍ إِذَا بَلَغَهُ، كُوِّرَتِ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ / ٥٧٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: «﴿وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾ [لقمان: ٢٩] يَقُولُ: لِذَلِكَ كُلِّهِ وَقْتٌ وَحَّدٌ مَعْلُومٌ، لَا يُجَاوِزُهُ وَلَا يَعْدُوهُ»
١٨ / ٥٧٦
وَقَوْلُهُ: ﴿وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ [لقمان: ٢٩] يَقُولُ: وَإِنَّ اللَّهَ بِأَعْمَالِكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ ذُو خِبْرَةٍ وَعِلْمٍ، لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهَا شَيْءٌ، وَهُوَ مُجَازِيكُمْ عَلَى جَمِيعِ ذَلِكَ، وَخَرَجَ هَذَا الْكَلَامُ خِطَابًا لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَالْمَعْنِيُّ بِهِ الْمُشْرِكُونَ، وَذَلِكَ أَنَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ: ﴿أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ﴾ [لقمان: ٢٩] عَلَى مَوْضِعِ حُجَّتِهِ مَنْ جَهِلَ عَظَمَتَهُ، وَأَشْرَكَ فِي عِبَادَتِهِ مَعَهُ غَيْرُهُ، يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلَ﴾ [لقمان: ٣٠]
١٨ / ٥٧٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ﴾ [الحج: ٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: هَذَا الَّذِي أَخْبَرْتُكَ يَا مُحَمَّدُ أَنَّ اللَّهَ فَعَلَهُ مِنْ إِيلَاجِهِ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ، وَالنَّهَارَ فِي اللَّيْلِ، وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ عَظِيمِ قَدَّرْتِهِ، إِنَّمَا فَعَلَهُ بِأَنَّهُ اللَّهُ حَقًّا، دُونَ مَا يَدْعُوهُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ بِهِ، وَأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى فِعْلِ ذَلِكَ سِوَاهُ، وَلَا تَصْلُحُ الْأَلُوهَةُ إِلَّا لِمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ بِقُدْرَتِهِ.
١٨ / ٥٧٧
وَقَوْلُهُ. ﴿وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلَ﴾ [لقمان: ٣٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَبِأَنَّ الَّذِي يَعْبُدُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ الْبَاطِلَ الَّذِي يَضْمَحِلُّ، فَيَبِيدُ وَيَفْنَى
١٨ / ٥٧٧
﴿وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ﴾ [الحج: ٦٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَبِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ، يَقُولُ: ذُو الْعُلُوِّ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، وَكُلِّ مَا دُونَهُ، فَلَهُ مُتَذَلِّلٌ مُنْقَادٌ، الْكَبِيرُ الَّذِي كُلُّ شَيْءٍ دُونَهُ، فَلَهُ مُتَصَاغِرٌ.
١٨ / ٥٧٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَةِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آيَاتِهِ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: أَلَمْ تَرَ يَا مُحَمَّدُ أَنَّ السُّفُنَ تَجْرِي فِي ⦗٥٧٨⦘ الْبَحْرِ نِعْمَةً مِنَ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ ﴿لِيُرِيَكُمْ مِنْ آيَاتِهِ﴾ [لقمان: ٣١] يَقُولُ: لِيُرِيَكُمْ مِنْ عِبَرِهِ وَحُجَجِهِ عَلَيْكُمْ
١٨ / ٥٧٧
﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ﴾ [إبراهيم: ٥] يَقُولُ: إِنَّ فِي جَرْيِ الْفُلْكِ فِي الْبَحْرِ دَلَالَةً عَلَى أَنَّ اللَّهَ الَّذِي أَجْرَاهَا هُوَ الْحَقُّ، وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلَ ﴿لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ﴾ [إبراهيم: ٥] يَقُولُ: لِكُلِّ مَنْ صَبَّرَ نَفْسَهُ عَنْ مَحَارِمِ اللَّهِ، وَشَكَرَهُ عَلَى نِعَمِهِ، فَلَمْ يُكْفُرْهُ
١٨ / ٥٧٨
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: كَانَ مُطَرِّفٌ يَقُولُ: «إِنَّ مِنْ أَحَبِّ عِبَادِ اللَّهِ إِلَيْهِ: الصَّبَّارُ الشَّكُورُ»
١٨ / ٥٧٨
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، قَالَ: «الصَّبْرُ نِصْفُ الْإِيمَانِ، وَالشُّكْرُ نِصْفُ الْإِيمَانِ، وَالْيَقِينُ: الْإِيمَانُ كُلُّهُ، أَلَمْ تَرَ إِلَى قَوْلِهِ: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ﴾ [إبراهيم: ٥]، ﴿وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ﴾ [الذاريات: ٢٠]، ﴿إِنَّ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾»
١٨ / ٥٧٨
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، «﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ﴾ [إبراهيم: ٥] قَالَ: الصَّبْرُ: نِصْفُ الْإِيمَانِ، وَالْيَقِينُ: الْإِيمَانُ كُلُّهُ». إِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَكَيْفَ خَصَّ هَذِهِ الدَّلَالَةَ بِأَنَّهَا دَلَالَةٌ لِلصَّبَّارِ الشَّكُورِ دُونَ سَائِرِ الْخَلْقِ؟ قِيلَ: لِأَنَّ الصَّبْرَ وَالشُّكْرَ مِنْ أَفْعَالِ ذَوِي الْحِجَى وَالْعُقُولِ، فَأَخْبَرَ أَنَّ فِيَ ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ ذِي عَقْلٍ، لِأَنَّ الْآيَاتِ جَعَلَهَا اللَّهُ عِبَرًا لِذَوِي الْعُقُولِ وَالتَّمْيِيزِ.
١٨ / ٥٧٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ، فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبِرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ﴾ [لقمان: ٣٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَإِذَا غَشِيَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ الْآلِهَةَ وَالْأَوْثَانَ فِي الْبَحْرِ، إِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ، مَوْجٌ كَالظُّلَلِ، وَهِيَ جَمْعُ ظُلَّةٍ، شَبَّهَ بِهَا الْمَوْجَ فِي شِدَّةِ سَوَّادِ كَثْرَةِ الْمَاءِ؛ قَالَ نَابِغَةُ بَنِي جَعْدَةَ فِي صِفَةِ بَحْرٍ:
[البحر الوافر] يُمَاشِيهِنَّ أَخْضَرَ ذِي ظِلَالٍ … عَلَى حَافَّاتِهِ فَلَقُ الدِّنَانِ وَشِبْهُ الْمَوْجِ
وَهُوَ وَاحِدٌ بِالظُّلَلِ، وَهِيَ جِمَاعٌ، لِأَنَّ الْمَوْجَ يَأْتِي شَيْءٌ مِنْهُ بَعْدَ شَيْءٍ، وَيَرْكَبُ بَعْضُهُ بَعْضًا كَهَيْئَةِ الظُّلَلِ
[البحر الوافر] يُمَاشِيهِنَّ أَخْضَرَ ذِي ظِلَالٍ … عَلَى حَافَّاتِهِ فَلَقُ الدِّنَانِ وَشِبْهُ الْمَوْجِ
وَهُوَ وَاحِدٌ بِالظُّلَلِ، وَهِيَ جِمَاعٌ، لِأَنَّ الْمَوْجَ يَأْتِي شَيْءٌ مِنْهُ بَعْدَ شَيْءٍ، وَيَرْكَبُ بَعْضُهُ بَعْضًا كَهَيْئَةِ الظُّلَلِ
١٨ / ٥٧٩
وَقَوْلُهُ: ﴿دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ [يونس: ٢٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَإِذَا غَشِيَ هَؤُلَاءِ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ، فَخَافُوا الْغَرَقَ، فَزِعُوا إِلَى اللَّهِ بِالدُّعَاءِ مُخْلِصِينَ لَهُ الطَّاعَةَ، لَا يُشْرِكُونَ بِهِ هُنَالِكَ شَيْئًا، وَلَا يَدْعُونَ مَعَهُ أَحَدًا سِوَاهُ، وَلَا يَسْتَغِيثُونَ بِغَيْرِهِ. قَوْلُهُ: ﴿فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبِرِّ﴾ [العنكبوت: ٦٥] مِمَّا كَانُوا يَخَافُونَهُ فِي الْبَحْرِ مِنَ الْغَرَقِ وَالْهَلَاكِ إِلَى الْبِرِّ. ﴿فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ﴾ [لقمان: ٣٢] يَقُولُ: فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ فِي قَوْلِهِ وَإِقْرَارِهِ بِرَبِّهِ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ مُضْمِرُ الْكُفْرَ بِهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ / ٥٧٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ «﴿فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ﴾ [لقمان: ٣٢] قَالَ: الْمُقْتَصِدُ فِي الْقَوْلِ وَهُوَ كَافِرٌ»
١٨ / ٥٨٠
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ «﴿فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ﴾ [لقمان: ٣٢] قَالَ: الْمُقْتَصِدُ الَّذِي عَلَى صَلَاحٍ مِنَ الْأَمْرِ»
١٨ / ٥٨٠
وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ﴾ [لقمان: ٣٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمَا يَكْفُرُ بِأَدِلَّتِنَا وَحُجَجِنَا إِلَّا كُلُّ غَدَّارٍ بِعَهْدِهِ، وَالْخَتْرُ عِنْدَ الْعَرَبِ: أَقْبَحُ الْغَدْرِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ عَمْرِو بْنِ مَعْدِي كَرِبٍ:
[البحر الوافر] وَإِنَّكَ لَوْ رَأَيْتَ أَبَا عُمَيْرٍ … مَلَأْتَ يَدَيْكَ مِنْ غَدْرٍ وَخَتْرِ
وَقَوْلُهُ: ﴿كَفُورٍ﴾ [هود: ٩] يَعْنِي: جَحُودًا لِلنِّعَمِ، غَيْرُ شَاكِرٍ مَا أُسْدِيَ إِلَيْهِ مِنْ نِعْمَةٍ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي مَعْنَى الْخَتَّارِ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
[البحر الوافر] وَإِنَّكَ لَوْ رَأَيْتَ أَبَا عُمَيْرٍ … مَلَأْتَ يَدَيْكَ مِنْ غَدْرٍ وَخَتْرِ
وَقَوْلُهُ: ﴿كَفُورٍ﴾ [هود: ٩] يَعْنِي: جَحُودًا لِلنِّعَمِ، غَيْرُ شَاكِرٍ مَا أُسْدِيَ إِلَيْهِ مِنْ نِعْمَةٍ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي مَعْنَى الْخَتَّارِ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ / ٥٨٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا حَكَّامٌ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «﴿كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ﴾ [لقمان: ٣٢] قَالَ: كُلُّ غَدَّارٍ»
١٨ / ٥٨٠
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ «﴿كُلُّ خَتَّارٍ﴾ [لقمان: ٣٢] قَالَ: غَدَّارٍ»
١٨ / ٥٨١
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، وَابْنُ وَكِيعٍ، قَالَا: ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ «﴿وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ﴾ [لقمان: ٣٢] قَالَ: غَدَّارٍ»
١٨ / ٥٨١
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ «﴿وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ﴾ [لقمان: ٣٢] الْخَتَّارُ: الْغَدَّارُ، كُلُّ غَدَّارٍ بِذِمَّتِهِ كَفُورٍ بِرَبِّهِ»
١٨ / ٥٨١
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ «﴿وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ﴾ [لقمان: ٣٢] قَالَ: كُلُّ جَحَّادٍ كَفُورٍ»
١٨ / ٥٨١
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ «﴿وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ﴾ [لقمان: ٣٢] قَالَ: الْخَتَّارُ: الْغَدَّارُ، كَمَا تَقُولُ: غَدَرَنِي»
١٨ / ٥٨١
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ مِسْعَرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ قَالَ: «الَّذِي يَغْدِرُ بِعَهْدِهِ»
١٨ / ٥٨١
قَالَ: ثَنَا الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، قَالَ: «الْغَدَّارُ»
١٨ / ٥٨٢
قَالَ: ثَنَا أَبِي: عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ شِمْرِ بْنِ عَطِيَّةَ الْكَاهِلِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: «الْمَكْرُ غَدْرٌ، وَالْغَدْرُ كُفْرٌ»
١٨ / ٥٨٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ، وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا﴾ [لقمان: ٣٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَيُّهَا الْمُشْرِكُونَ مِنْ قُرَيْشٍ، اتَّقُوا اللَّهَ، وَخَافُوا أَنْ يَحِلَّ بِكُمْ سَخَطُهُ فِي يَوْمٍ لَا يُغْنِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ، وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ مُغْنٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا، لِأَنَّ الْأَمْرَ يَصِيرُ هُنَالِكَ بِيَدِ مَنْ لَا يُغَالَبُ، وَلَا تَنْفَعُ عِنْدَهُ الشَّفَاعَةُ وَالْوَسَائِلُ، إِلَّا وَسِيلَةً مِنْ صَالِحِ الْأَعْمَالِ الَّتِي أَسْلَفَهَا فِي الدُّنْيَا.
١٨ / ٥٨٢
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّ وَعَدَ اللَّهِ حَقٌّ﴾ [يونس: ٥٥] يَقُولُ: اعْلَمُوا أَنَّ مَجِيءَ هَذَا الْيَوْمِ حَقٌّ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ قَدْ وَعَدَ عِبَادَهُ وَلَا خِلْفَ لِوَعْدِهِ
١٨ / ٥٨٢
﴿فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا﴾ [لقمان: ٣٣] يَقُولُ: فَلَا تَخْدَعَنَّكُمْ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَذَّاتِهَا فَتَمِيلُوا إِلَيْهَا، وَتَدَعُوا الِاسْتِعْدَادَ لِمَا فِيهِ خَلَاصُكُمْ مِنْ عِقَابِ اللَّهِ ذَلِكَ الْيَوْمُ.
١٨ / ٥٨٢
وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورِ﴾ [لقمان: ٣٣] يَقُولُ: وَلَا يَخْدَعَنَّكُمْ بِاللَّهِ خَادِعٌ. وَالْغَرُورُ بِفَتْحِ الْغَيْنِ: هُوَ مَا غَرَّ الْإِنْسَانَ مِنْ شَيْءٍ، كَائِنًا مَا كَانَ شَيْطَانًا كَانَ أَوْ إِنْسَانًا، أَوْ دُنْيَا؛ ⦗٥٨٣⦘ وَأَمَّا الْغُرُورُ بِضَمِّ الْغَيْنِ: فَهُوَ مَصْدَرٌ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: غَرَرْتُهُ غُرُورًا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي مَعْنَى قَوْلِهِ ﴿وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورِ﴾ [لقمان: ٣٣] قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ / ٥٨٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: قَوْلُهُ «﴿الْغَرُورُ﴾ [لقمان: ٣٣] قَالَ: الشَّيْطَانُ»
١٨ / ٥٨٣
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: قَوْلُهُ «﴿وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ﴾ [لقمان: ٣٣] ذَاكُمُ الشَّيْطَانُ»
١٨ / ٥٨٣
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ الْفَضْلَ بْنَ خَالِدٍ الْمَرْوَزِيَّ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ «﴿الْغَرُورُ﴾ [لقمان: ٣٣] قَالَ: الشَّيْطَانُ». وَكَانَ بَعْضُهُمْ يَتَأَوَّلُ ﴿الْغَرُورُ﴾ [لقمان: ٣٣] بِمَا:
١٨ / ٥٨٣
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: قَوْلُهُ: «﴿وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ﴾ [لقمان: ٣٣] قَالَ: أَنْ تَعْمَلَ بِالْمَعْصِيَةِ وَتَتَمَنَّى الْمَغْفِرَةَ»
١٨ / ٥٨٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ، وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ، وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ، وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا، وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ، تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ [لقمان: ٣٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا﴾ [لقمان: ٣٣] هُوَ آتِيكُمْ عِلْمُ إِتْيَانِهِ إِيَّاكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ، لَا يَعْلَمُ أَحَدٌ مَتَى هُوَ جَائِيكُمْ، لَا يَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً، فَاتَّقُوهُ أَنْ يَفْجَأَكُمْ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ عَلَى ضَلَالَتِكُمْ لَمْ تُنِيبُوا مِنْهَا، فَتَصِيرُوا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ وَعِقَابِهِ إِلَى مَا لَا قِبَلَ لَكُمْ بِهِ؛ وَابْتَدَأَ تَعَالَى ذِكْرُهُ الْخَبَرَ عَنْ عِلْمِهِ بِمَجِيءِ السَّاعَةِ، وَالْمَعْنَى مَا ذَكَرْتُ لِدِلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَى الْمُرَادِ مِنْهُ، فَقَالَ: ﴿إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ﴾ [لقمان: ٣٤] الَّتِي تَقُومُ فِيهَا الْقِيَامَةُ، لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ أَحَدٌ غَيْرُهُ ﴿وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ﴾ [لقمان: ٣٤] مِنَ السَّمَاءِ، لَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ أَحَدٌ غَيْرُهُ ﴿وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ﴾ [لقمان: ٣٤] أَرْحَامِ الْإِنَاثِ ﴿وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا﴾ [لقمان: ٣٤] يَقُولُ: وَمَا تَعْلَمُ نَفْسُ حَيٍّ مَاذَا تَعْمَلُ فِي غَدٍ، ﴿وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ﴾ [لقمان: ٣٤] يَقُولُ: وَمَا تَعْلَمُ نَفْسُ حَيٍّ بِأَيِّ أَرْضٍ تَكُونُ مَنِيَّتُهَا ﴿إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ [لقمان: ٣٤] يَقُولُ: إِنَّ الَّذِي يَعْلَمُ ذَلِكَ كُلَّهُ هُوَ اللَّهُ دُونَ كُلِّ أَحَدٍ سِوَاهُ، إِنَّهُ ذُو عِلْمٍ بِكُلِّ شَيْءٍ، لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ، خَبِيرٌ بِمَا هُوَ كَائِنٌ، وَمَا قَدْ كَانَ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ / ٥٨٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي ⦗٥٨٥⦘ الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ﴿إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ﴾ [لقمان: ٣٤] قَالَ: «جَاءَ رَجُلٌ، قَالَ: قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: أَحْسِبُهُ أَنَا قَالَ: إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَقَالَ: إِنَّ امْرَأَتِي حُبْلَى، فَأَخْبِرْنِي مَاذَا تَلِدُ؟ وَبِلَادُنَا مَحْلٌ جَدْبَةٌ، فَأَخْبِرْنِي مَتَى يَنْزِلُ الْغَيْثُ؟ وَقَدْ عَلِمْتُ مَتَى وُلِدْتُ، فَأَخْبِرْنِي مَتَى أَمُوتُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ﴾ [لقمان: ٣٤] إِلَى آخِرِ السُّورَةِ، قَالَ: فَكَانَ مُجَاهِدٌ يَقُولُ:»هُنَّ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ الَّتِي قَالَ اللَّهُ ﴿وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ﴾ [الأنعام: ٥٩] “
١٨ / ٥٨٤
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ﴾ [لقمان: ٣٤] الْآيَةَ، أَشْيَاءُ مِنَ الْغَيْبِ، اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِهِنَّ، فَلَمْ يُطْلِعْ عَلَيْهِنَّ مَلَكًا مُقَرَّبًا، وَلَا نَبِيًّا مُرْسَلًا ﴿إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ﴾ [لقمان: ٣٤] فَلَا يَدْرِي أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ مَتَى تَقُومُ السَّاعَةُ، فِي أَيِّ سَنَةٍ، أَوْ فِي أَيِّ شَهْرٍ، أَوْ لَيْلٍ، أَوْ نَهَارٍ ﴿وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ﴾ [لقمان: ٣٤] فَلَا يَعْلَمُ أَحَدٌ مَتَى يَنْزِلُ الْغَيْثُ، لَيْلًا أَوْ نَهَارًا يَنْزِلُ، ﴿وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ﴾ [لقمان: ٣٤] فَلَا يَعْلَمُ أَحَدٌ مَا فِي الْأَرْحَامِ، أَذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى، أَحْمَرُ أَوْ أَسْوَدُ، أَوْ مَا هُوَ؟ ﴿وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا﴾ [لقمان: ٣٤] خَيْرٌ أَمْ شَرٌّ، وَلَا تَدْرِي يَا ابْنَ آدَمَ مَتَى تَمُوتُ؟ لَعَلَّكَ الْمَيِّتُ غَدًا، لَعَلَّكَ الْمُصَابُ غَدًا ﴿وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ﴾ [لقمان: ٣٤] لَيْسَ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ يَدْرِي أَيْنَ مَضْجَعُهُ مِنَ الْأَرْضِ، فِي بَحْرٍ أَوْ بَرٍّ، أَوْ سَهْلٍ، أَوْ جَبَلٍ، تَعَالَى وَتَبَارَكَ»
١٨ / ٥٨٥
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: «مَنْ قَالَ: إِنَّ أَحَدًا يَعْلَمُ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ فَقَدْ كَذَبَ، وَأَعْظَمَ الْفِرْيَةَ عَلَى اللَّهِ. ⦗٥٨٦⦘ قَالَ اللَّهُ: ﴿لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ﴾»
١٨ / ٥٨٥
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، أَنَّ رَجُلًا، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ مِنَ الْعِلْمِ عِلْمٌ لَمْ تُؤْتَهُ؟ قَالَ: «لَقَدْ أُوتِيتُ عِلْمًا كَثِيرًا، وَعِلْمًا حَسَنًا»، أَوْ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، ثُمَّ تَلَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ﴾ [لقمان: ٣٤] إِلَى ﴿إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ [لقمان: ٣٤] «لَا يَعْلَمُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ تبارك وتعالى»
١٨ / ٥٨٦
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: ثني عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «مَفَاتِحُ الْغَيْبِ خَمْسَةٌ» ثُمَّ قَرَأَ هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ ﴿إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ﴾ [لقمان: ٣٤] إِلَى آخِرِهَا “
١٨ / ٥٨٦
حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: ثنا مُؤَمَّلٌ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَفَاتِحُ الْغَيْبِ خَمْسٌ، لَا يَعْلَمُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ» ﴿إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ، وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ، وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ﴾ [لقمان: ٣٤] الْآيَةَ، ثُمَّ قَالَ: «لَا يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ إِلَّا اللَّهُ، وَلَا يَعْلَمُ أَحَدٌ مَتَى يَنْزِلُ الْغَيْثُ إِلَّا اللَّهُ، وَلَا يَعْلَمُ أَحَدٌ مَتَى قِيَامُ السَّاعَةِ إِلَّا اللَّهُ، وَلَا يَعْلَمُ أَحَدٌ مَا فِي الْأَرْحَامِ إِلَّا اللَّهُ، وَلَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ»
١٨ / ٥٨٦
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ ⦗٥٨٧⦘ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَفَاتِحُ الْغَيْبِ خَمْسٌ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا اللَّهُ: ﴿إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ، وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ، وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ، وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا، وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ، إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ [لقمان: ٣٤]»
١٨ / ٥٨٦
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: «كُلُّ شَيْءٍ أُوتِيهِ نَبِيُّكُمْ ﷺ إِلَّا عِلْمَ الْغَيْبِ الْخَمْسَ: ﴿إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ، وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ، وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ، وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا، وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ﴾ [لقمان: ٣٤]»
١٨ / ٥٨٧
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنِ ابْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «مَنْ حَدَّثَكَ أَنَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ فَقَدْ كَذَبَ، ثُمَّ قَرَأَتْ: ﴿وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا﴾ [لقمان: ٣٤]»
١٨ / ٥٨٧
قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، وَابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَبِي خَبَّابٍ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «خَمْسٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ»: ﴿إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ، وَيُنَزِّلُ ⦗٥٨٨⦘ الْغَيْثَ﴾ [لقمان: ٣٤] الْآيَةَ “
١٨ / ٥٨٧
حَدَّثَنِي أَبُو شُرَحْبِيلَ قَالَ: ثنا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: ثنا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: «كُلُّ شَيْءٍ قَدْ أُوتِيَ نَبِيُّكُمْ غَيْرَ مَفَاتِحِ الْغَيْبِ الْخَمْسِ، ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ ﴿إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ﴾ [لقمان: ٣٤] إِلَى آخِرِهَا». وَقِيلَ: ﴿بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ﴾ [لقمان: ٣٤] وَفِيهِ لُغَةٌ أُخْرَى: «بِأَيَّةِ أَرْضٍ» فَمَنْ قَالَ: ﴿بِأَيِّ أَرْضٍ﴾ [لقمان: ٣٤] اجْتَزَأَ بِتَأْنِيثِ الْأَرْضِ مِنْ أَنْ يَظْهَرَ فِي أَيِّ تَأْنِيثٍ آخَرَ، وَمَنْ قَالَ «بِأَيَّةِ أَرْضٍ» فَأَنَّثَ، أَيْ قَالَ: قَدْ تَجْتَزِئُ بِأَيٍّ مِمَّا أُضِيفَ إِلَيْهِ، فَلَا بُدَّ مِنَ التَّأْنِيثِ، كَقَوْلِ الْقَائِلِ: مَرَرْتُ بِامْرَأَةٍ، فَيُقَالُ لَهُ: بِأَيَّةٍ، وَمَرَرْتُ بِرَجُلٍ، فَيُقَالُ لَهُ بِأَيٍّ؛ وَيُقَالُ: أَيُّ امْرَأَةٍ جَاءَتْكَ وَجَاءَكَ، وَأَيَّةُ امْرَأَةٍ جَاءَتْكَ.