مَكِّيَّةٌ وَآيَاتُهَا أَرْبَعٌ وَخَمْسُونَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
٢٠ / ٣٧٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿حم تَنزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ﴾ [فصلت: ٢] قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: قَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ مِنَّا فِيمَا مَضَى قَبْلُ فِي مَعْنَى «حم» وَالْقَوْلُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ كَالْقَوْلِ فِي ذَلِكَ
٢٠ / ٣٧٥
وَقَوْلهِ: ﴿تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ [فصلت: ٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: هَذَا الْقُرْآنُ تَنْزِيلٌ مِنْ عِنْدِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ نَزَّلَهُ عَلَى نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ ﴿كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ﴾ [فصلت: ٣] يَقُولُ: كِتَابٌ بُيِّنَتْ آيَاتُهُ
٢٠ / ٣٧٥
كَمَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَوْلُهُ: ﴿فُصِّلَتْ آيَاتُهُ﴾ [فصلت: ٣] قَالَ: «بُيِّنَتْ آيَاتُهُ»
٢٠ / ٣٧٥
وَقَوْلُهُ: ﴿قُرْآنًا عَرَبِيًّا﴾ [يوسف: ٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فُصِّلَتْ آيَاتُهُ هَكَذَا وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي وَجْهِ نَصْبِ الْقُرْآنِ، فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ: قَوْلُهُ ﴿كِتَابٌ فُصِّلَتْ﴾ [فصلت: ٣] الْكِتَابُ خَبَرٌ لِمُبْتَدَأٍ، أَخْبَرَ أَنَّ التَّنْزِيلَ
٢٠ / ٣٧٥
كِتَابٌ، ثُمَّ قَالَ: ﴿فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا﴾ [فصلت: ٣] شُغِلَ الْفِعْلُ بِالْآيَاتِ حَتَّى صَارَتْ بِمَنْزِلَةِ الْفَاعِلِ، فَنُصِبَ الْقُرْآنُ، وَقَالَ: ﴿بَشِيرًا وَنَذِيرًا﴾ [البقرة: ١١٩] عَلَى أَنَّهُ صِفَةٌ، وَإِنْ شِئْتَ جَعَلْتَ نَصْبَهُ عَلَى الْمَدْحِ كَأَنَّهُ حِينَ ذَكَرَهُ أَقْبَلَ فِي مَدْحَتِهِ، فَقَالَ: ذَكَرْنَا قُرْآنًا عَرَبِيًّا بَشِيرًا وَنَذِيرًا، وَذَكَرْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا، وَكَانَ فِيمَا مَضَى مِنْ ذِكْرِهِ دَلِيلٌ عَلَى مَا أُضْمِرَ وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ: نُصِبَ قُرْآنًا عَلَى الْفِعْلِ: أَيْ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ كَذَلِكَ قَالَ: وَقَدْ يَكُونُ النَّصْبُ فِيهِ عَلَى الْقَطْعِ، لِأَنَّ الْكَلَامَ تَامٌّ عِنْدَ قَوْلِهِ «آيَاتُهُ» قَالَ: وَلَوْ كَانَ رَفْعًا عَلَى أَنَّهُ مِنْ نَعْتِ الْكِتَابِ كَانَ صَوَابًا، كَمَا قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ﴾ [ص: ٢٩] وَقَالَ: وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿بَشِيرًا وَنَذِيرًا﴾ [البقرة: ١١٩] فِيهِ مَا فِي ﴿قُرْآنًا عَرَبِيًّا﴾ [يوسف: ٢]
٢٠ / ٣٧٦
وَقَوْلُهُ: ﴿لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: ٢٣٠] يَقُولُ: فُصِّلَتْ آيَاتُ هَذَا الْكِتَابِ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ اللِّسَانَ الْعَرَبِيَّ بَشِيرًا لَهُمْ يُبَشِّرُهُمْ إِنْ هُمْ آمَنُوا بِهِ، وَعَمِلُوا بِمَا أُنْزِلَ فِيهِ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ وَفَرَائِضِهِ بِالْجَنَّةِ، ﴿وَنَذِيرًا﴾ [البقرة: ١١٩] يَقُولُ: وَمُنْذِرًا مَنْ كَذَّبَ بِهِ وَلَمْ يَعْمَلْ بِمَا فِيهِ بِأَمْرِ اللَّهِ فِي عَاجِلِ الدُّنْيَا، وَخُلُودِ الْأَبَدِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ فِي آجِلِ الْآخِرَةِ
٢٠ / ٣٧٦
وَقَوْلُهُ: ﴿فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ﴾ [فصلت: ٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَاسْتَكْبَرَ عَنِ الْإِصْغَاءِ لَهُ وَتَدَبُّرِ مَا فِيهِ مِنْ حُجَجِ اللَّهِ، وَأَعْرَضَ عَنْهُ أَكْثَرُ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ الَّذِينَ أُنْزِلَ هَذَا الْقُرْآنُ بَشِيرًا لَهُمْ وَنَذِيرًا، وَهُمْ قَوْمُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: فَهُمْ لَا يُصْغُونَ لَهُ فَيَسْمَعِوُهُ إِعْرَاضًا عَنْهُ وَاسْتِكْبَارًا
٢٠ / ٣٧٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ﴾ [فصلت: ٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَقَالَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ الْمُعْرِضُونَ عَنْ آيَاتِ اللَّهِ مِنْ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ إِذْ دَعَاهُمْ مُحَمَّدٌ نَبِيُّ اللَّهِ إِلَى الْإِقْرَارِ بِتَوْحِيدِ اللَّهِ وَتَصْدِيقِ مَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ أَمَرِ اللَّهِ وَنَهْيِهِ، وَسَائِرِ مَا أُنْزِلَ فِيهِ ﴿قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ﴾ [فصلت: ٥] يَقُولُ: فِي أَغْطِيَةٍ ﴿مِمَّا تَدْعُونَا﴾ [هود: ٦٢] يَا مُحَمَّدُ ﴿إِلَيْهِ﴾ [البقرة: ٢٨] مِنْ تَوْحِيدِ اللَّهِ، وَتَصْدِيقِكَ فِيمَا جِئْتَنَا بِهِ، لَا نَفْقَهُ مَا تَقُولُ ﴿وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ﴾ [فصلت: ٥] وَهُوَ الثَّقَلُ، لَا نَسْمَعُ مَا تَدْعُونَا إِلَيْهِ اسْتِثْقَالًا لِمَا يَدْعُو إِلَيْهِ وَكَرَاهَةً لَهُ وَقَدْ مَضَى الْبَيَانُ قَبْلُ عَنْ مَعَانِي هَذِهِ الْأَحْرُفِ بِشَوَاهِدِهِ، وَذُكِرَ مَا قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِيهِ، فَكَرِهْنَا إِعَادَةَ ذَلِكَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ
٢٠ / ٣٧٧
وَقَدْ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ﴾ [فصلت: ٥] قَالَ: «عَلَيْهَا أَغْطِيَةٌ كَالْجُعْبَةِ لِلْنِبَلِ»
٢٠ / ٣٧٧
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَوْلُهُ: ﴿وَقَالُوا: قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ﴾ [فصلت: ٥] قَالَ: «عَلَيْهَا أَغْطِيَةٌ» ﴿وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ﴾ [فصلت: ٥] قَالَ: «صَمَمٌ»
٢٠ / ٣٧٧
وَقَوْلُهُ: ﴿وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ﴾ [فصلت: ٥] يَقُولُونَ: وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ يَا مُحَمَّدُ ⦗٣٧٨⦘ سَاتِرٌ لَا نَجْتَمِعُ مِنْ أَجَلِهِ نَحْنُ وَأَنْتَ، فَيَرَى بَعْضُنَا بَعْضًا، وَذَلِكَ الْحِجَابُ هُوَ اخْتِلَافُهُمْ فِي الدِّينِ، لِأَنَّ دِينَهُمْ كَانَ عِبَادَةُ الْأَوْثَانِ، وَدِينُ مُحَمَّدٍ ﷺ عِبَادَةَ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكُ لَهُ، فَذَلِكَ هُوَ الْحِجَابُ الَّذِي زَعَمُوا أَنَّهُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ نَبِيِّ اللَّهِ، وَذَلِكَ هُوَ خِلَافُ بَعْضِهِمْ بَعْضًا فِي الدِّينِ
٢٠ / ٣٧٧
وَقَوْلُهُ: ﴿فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ﴾ [فصلت: ٥] يَقُولُ: قَالُوا لَهُ ﷺ: فَاعْمَلْ يَا مُحَمَّدُ بِدِينِكَ وَمَا تَقُولُ إِنَّهُ الْحَقُّ، إِنَّنَا عَامِلُونَ بِدِينِنَا، وَمَا تَقُولُ إِنَّهُ الْحَقُّ، وَدَعْ دُعَاءَنَا إِلَى مَا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مِنْ دِينِكَ، فَإِنَّا نَدَعُ دُعَاءَكَ إِلَى دِينِنَا وَأُدْخِلَتْ «مِنْ» فِي قَوْلِهِ ﴿وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ﴾ [فصلت: ٥] والمعنى: وبَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ، تَوْكِيدًا لِلْكَلَامِ
٢٠ / ٣٧٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ﴾ [فصلت: ٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلَاءِ الْمُعْرِضِينَ عَنْ آيَاتِ اللَّهِ مِنْ قَوْمِكَ: أَيُّهَا الْقَوْمُ، مَا أَنَا إِلَّا بَشَرٌ مِنْ بَنِي آدَمَ مِثْلُكُمْ فِي الْجِنْسِ وَالصُّورَةِ وَالْهَيْئَةِ لَسْتُ بِمَلِكٍ ﴿يُوحَى إِلَيَّ﴾ [الأنعام: ٥٠] يُوحِي اللَّهُ إِلَيَّ أَنَّ لَا مَعْبُودَ لَكُمْ تَصْلُحُ عِبَادَتُهُ إِلَّا مَعْبُودٌ وَاحِدٌ ﴿فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ﴾ [فصلت: ٦] يَقُولُ: فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ بِالطَّاعَةِ، وَوَجِّهُوا إِلَيْهِ وُجُوهَكُمْ بِالرَّغْبَةِ وَالْعِبَادَةِ دُونَ الْآلِهَةِ وَالْأَوْثَانِ ﴿وَاسْتَغْفِرُوهُ﴾ [فصلت: ٦] يَقُولُ: وَسَلُوهُ الْعَفْوَ لَكُمْ عَنْ ذُنُوبِكُمُ الَّتِي سَلَفَتْ مِنْكُمْ بِالتَّوْبَةِ مِنْ شِرْكِكُمْ، يَتُبْ عَلَيْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ
٢٠ / ٣٧٨
وَقَوْلُهُ: ﴿وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لَا يُؤْتَوْنَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ﴾ [فصلت: ٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَصَدِيدُ أَهْلِ النَّارِ، وَمَا يَسِيلُ مِنْهُمْ لِلْمُدَّعِينَ لِلَّهِ شَرِيكًا الْعَابِدِينَ الْأَوْثَانَ دُونَهُ الَّذِينَ لَا يُؤْتَوْنَ الزَّكَاةَ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: الَّذِينَ لَا يُعْطُونَ اللَّهَ الطَّاعَةَ الَّتِي تُطَهِّرُهُمْ، وَتُزَكِّي أَبْدَانَهُمْ، وَلَا يُوَحِّدُونَهُ؛ وَذَلِكَ قَوْلٌ يُذْكَرُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ
٢٠ / ٣٧٩
ذِكْرُ الرِّوَايَةِ بِذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لَا يُؤْتَوْنَ الزَّكَاةَ﴾ [فصلت: ٧] قَالَ: «هُمُ الَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ»
٢٠ / ٣٧٩
حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، قَالَ: ثنا حَفْصٌ، قَالَ: ثنا الْحَكَمُ بْنُ أَبَانَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لَا يُؤْتَوْنَ الزَّكَاةَ﴾ [فصلت: ٧] «الَّذِينَ لَا يَقُولُونَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: الَّذِينَ لَا يَقِرُّونَ بِزَكَاةِ أَمْوَالِهِمُ الَّتِي فَرَضَهَا اللَّهُ فِيهَا، وَلَا يُعْطُونَهَا أَهْلَهَا وَقَدْ ذَكَرْنَا أَيْضًا قَائِلِي ذَلِكَ قَبْلُ
٢٠ / ٣٧٩
وَقَدْ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لَا يُؤْتَوْنَ الزَّكَاةَ﴾ [فصلت: ٧] قَالَ: «لَا يَقِرُّونَ بِهَا وَلَا يُؤْمِنُونَ بِهَا» وَكَانَ يُقَالُ: إِنَّ الزَّكَاةَ قَنْطَرَةُ الْإِسْلَامِ، فَمَنْ قَطَعَهَا نَجَا، وَمَنْ تَخَلَّفَ عَنْهَا هَلَكَ؛ وَقَدْ كَانَ أَهْلُ الرِّدَّةِ بَعْدَ نَبِيِّ اللَّهِ قَالُوا: أَمَا الصَّلَاةَ فَنُصَلِّي، وَأَمَّا الزَّكَاةَ فَوَاللَّهِ لَا تُغْصَبُ أَمْوَالُنَا؛ قَالَ: فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَاللَّهِ لَا أُفَرِّقُ بَيْنَ شَيْءٍ جَمَعَ اللَّهُ بَيْنَهُ؛ وَاللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عِقَالًا مِمَّا فَرَضَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ لَقَاتَلْنَاهُمْ عَلَيْهِ
٢٠ / ٣٨٠
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، ﴿وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لَا يُؤْتَوْنَ الزَّكَاةَ﴾ [فصلت: ٧] قَالَ: «لَوْ زَكَّوْا وَهُمْ مُشْرِكُونَ لَمْ يَنْفَعُهُمْ» وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ مَا قَالَهُ الَّذِينَ قَالُوا: مَعْنَاهُ: لَا يُؤَدُّونَ زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ؛ وَذَلِكَ أَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْأَشْهَرُ مِنْ مَعْنَى الزَّكَاةِ، وَأَنَّ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ﴾ [هود: ١٩] دَلِيلًا عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ، لِأَنَّ الْكُفَّارَ الَّذِينَ عُنُوا بِهَذِهِ الْآيَةِ كَانُوا لَا يَشْهَدُونَ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَلَوْ كَانَ قَوْلُهُ: ﴿الَّذِينَ لَا يُؤْتَوْنَ الزَّكَاةَ﴾ [فصلت: ٧] مُرَادًا بِهِ الَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ لَمْ يَكُنْ لِقَوْلِهِ: ﴿وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ﴾ [هود: ١٩] مَعْنًى، لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ أَنَّ مَنْ لَا يَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ لَا يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ، وَفِي اتِّبَاعِ اللَّهِ قَوْلُهُ: ﴿وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ﴾ [هود: ١٩] قَوْلَهُ ﴿الَّذِينَ لَا يُؤْتَوْنَ الزَّكَاةَ﴾ [فصلت: ٧] مَا يُنْبِئُ عَنْ أَنَّ الزَّكَاةَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مَعْنِيٌّ بِهَا زَكَاةُ الْأَمْوَالِ
٢٠ / ٣٨٠
وَقَوْلُهُ: ﴿وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ﴾ [هود: ١٩] يَقُولُ: وَهُمْ بِقِيَامِ السَّاعَةِ، وَبَعْثِ اللَّهِ خَلْقَهُ أَحْيَاءً مِنْ قُبُورِهِمْ، مِنْ بَعْدِ بَلَائِهِمْ وَفَنَائِهِمْ مُنْكَرُونَ
٢٠ / ٣٨٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ [فصلت: ٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ الَّذِينَ صَدَّقُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَعَمِلُوا بِمَا أَمَرَهُمُ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ، وَانْتَهَوْا عَمَّا نَهَاهُمْ عَنْهُ، وَذَلِكَ هُوَ الصَّالِحَاتُ مِنَ الْأَعْمَالِ ﴿لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٌ﴾ [فصلت: ٨] يَقُولُ: لِمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ أَجْرٌ غَيْرُ مَنْقُوصٍ عَمَّا وَعَدَهُمْ أَنْ يَأْجُرَهُمْ عَلَيْهِ وَقَدِ اخْتَلَفَ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ
٢٠ / ٣٨١
وَقَدْ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، ﴿لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ﴾ [فصلت: ٨] «قَالَ بَعْضُهُمْ: غَيْرُ مَنْقُوصٍ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: غَيْرُ مَمْنُونٍ عَلَيْهِمْ»
٢٠ / ٣٨١
حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ﴾ [فصلت: ٨] يَقُولُ: «غَيْرُ مَنْقُوصٍ»
٢٠ / ٣٨١
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، ⦗٣٨٢⦘ قَوْلُهُ: ﴿لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ﴾ [فصلت: ٨] قَالَ: «مَحْسُوبٌ»
٢٠ / ٣٨١
وَقَوْلُهُ: ﴿أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ﴾ [فصلت: ٩] وَذَلِكَ يَوْمُ الْأَحَدِ وَيَوْمُ الِاثْنَيْنِ؛ وَبِذَلِكَ جَاءَتِ الْأَخْبَارُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَقَالَتْهُ الْعُلَمَاءُ، وَقَدْ ذَكَرْنَا كَثِيرًا مِنْ ذَلِكَ فِيمَا مَضَى قَبْلُ، وَنَذْكُرُ بَعْضَ مَا لَمْ نُذْكُرْهُ قَبْلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ
٢٠ / ٣٨٢
ذِكْرُ بَعْضِ مَا لَمْ نَذْكُرْهُ فِيمَا مَضَى مِنَ الْأَخْبَارِ بِذَلِكَ: حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ، قَالَ: ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ أَبِي سَعْدٍ الْبَقَّالِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ هَنَّادٌ: قَرَأْتُ سَائِرَ الْحَدِيثِ عَلَى أَبِي بَكْرٍ أَنَّ الْيَهُودَ أَتَتِ النَّبِيَّ ﷺ فَسَأَلَتْهُ عَنْ خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، قَالَ: «خَلَقَ اللَّهُ الْأَرْضَ يَوْمَ الْأَحَدِ وَالِاثْنَيْنِ، وَخَلَقَ الْجِبَالَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ وَمَا فِيهِنَّ مِنْ مَنَافِعَ، وَخَلَقَ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ الشَّجَرَ وَالْمَاءَ وَالْمَدَائِنَ وَالْعُمْرَانَ وَالْخِرَابَ، فَهَذِهِ أَرْبَعَةٌ، ثُمَّ قَالَ: أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنٍ، وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا، ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ، وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا، وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ لِمَنْ سَأَلَ قَالَ: وَخَلَقَ يَوْمَ الْخَمِيسِ السَّمَاءَ، وَخَلَقَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ النُّجُومَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْمَلَائِكَةَ إِلَى ثَلَاثِ سَاعَاتٍ بَقِيَتْ مِنْهُ فَخَلَقَ فِي أَوَّلِ سَاعَةٍ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ الْآجَالَ حِينَ يَمُوتُ مَنْ مَاتَ، وَفِي الثَّانِيَةِ أَلْقَى ⦗٣٨٣⦘ الْآفَةَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مِمَّا يَنْتَفِعُ بِهِ النَّاسُ، وَفِي الثَّالِثَةِ آدَمَ وَأَسْكَنَهُ الْجَنَّةَ، وَأَمَرَ إِبْلِيسَ بِالسُّجُودِ لَهُ، وَأَخْرَجَهُ مِنْهَا فِي آخِرِ سَاعَةٍ» قَالَتِ الْيَهُودُ: ثُمَّ مَاذَا يَا مُحَمَّدُ؟ قَالَ: «ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ»، قَالُوا: قَدْ أَصَبْتَ لَوْ أَتْمَمْتَ، قَالُوا: ثُمَّ اسْتَرَاحَ؛ فَغَضِبَ النَّبِيُّ ﷺ غَضَبًا شَدِيدًا، فَنَزَلَ: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ﴾
٢٠ / ٣٨٢
حَدَّثَنَا تَمِيمُ بْنُ الْمُنْتَصِرِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ غَالِبِ بْنِ غَلَّابٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ يَوْمًا وَاحِدًا فَسَمَّاهُ الْأَحَدَ، ثُمَّ خَلَقَ ثَانِيًا فَسَمَّاهُ الِاثْنَيْنِ، ثُمَّ خَلَقَ ثَالِثًا فَسَمَّاهُ الثُّلَاثَاءَ، ثُمَّ خَلَقَ رَابِعًا فَسَمَّاهُ الْأَرْبِعَاءَ، ثُمَّ خَلَقَ خَامِسًا فَسَمَّاهُ الْخَمِيسَ؛ قَالَ: فَخَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ: الْأَحَدِ وَالِاثْنَيْنِ، وَخَلَقَ الْجِبَالَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ، فَذَلِكَ قَوْلُ النَّاسِ: هُوَ يَوْمٌ ثَقِيلٌ، وَخَلَقَ مَوَاضِعَ الْأَنْهَارِ وَالْأَشْجَارِ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ، وَخَلَقَ الطَّيْرَ وَالْوُحُوشَ وَالْهَوَامَّ وَالسِّبَاعَ يَوْمَ الْخَمِيسِ، وَخَلَقَ الْإِنْسَانَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَفَرَغَ مِنْ خَلْقِ كُلِّ شَيْءٍ يَوْمَ الْجُمُعَةِ»
٢٠ / ٣٨٣
حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، ﴿خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ﴾ [فصلت: ٩] «فِي الْأَحَدِ وَالِاثْنَيْنِ»
٢٠ / ٣٨٣
وَقَدْ قِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ؛ وَذَلِكَ مَا: حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ بِشْرِ بْنِ مَعْرُوفٍ، وَالْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ قَالَا: ثنا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ أَخْبَرَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَافِعٍ، مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: أَخَذَ ⦗٣٨٤⦘ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِيَدِي فَقَالَ: «خَلَقَ اللَّهُ التُّرْبَةَ يَوْمَ السَّبْتِ، وَخَلَقَ فِيهَا الْجِبَالَ يَوْمَ الْأَحَدِ، وَخَلَقَ الشَّجَرَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَخَلَقَ الْمَكْرُوهَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ، وَخَلَقَ النُّورَ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ، وَبَثَّ فِيهَا الدَّوَابَّ يَوْمَ الْخَمِيسِ، وَخَلَقَ آدَمَ بَعْدَ الْعَصْرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، آخِرُ خَلْقٍ فِي آخِرِ سَاعَةٍ مِنْ سَاعَاتِ الْجُمُعَةِ فِيمَا بَيْنَ الْعَصْرِ إِلَى اللَّيْلِ»
٢٠ / ٣٨٣
وَقَوْلُهُ: ﴿وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا﴾ [فصلت: ٩] يَقُولُ: وَتَجْعَلُونَ لِمَنْ خَلَقَ ذَلِكَ كَذَلِكَ أَنْدَادًا، وَهُمُ الْأَكْفَاءُ مِنَ الرِّجَالِ تُطِيعُونَهُمْ فِي مَعَاصِي اللَّهِ، وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى النِّدِّ بِشَوَاهِدِهِ فِيمَا مَضَى قَبْلُ
٢٠ / ٣٨٤
وَقَوْلُهُ: ﴿ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ [فصلت: ٩] يَقُولُ: الَّذِي فَعَلَ هَذَا الْفِعْلَ، وَخَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ، مَالِكُ جَمِيعِ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ، وَسَائِرِ أَجْنَاسِ الْخَلْقِ، وَكُلُّ مَا دُونَهُ مَمْلُوكٌ لَهُ، فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لَهُ نِدٌّ؟ هَلْ يَكُونُ الْمَمْلُوكُ الْعَاجِزُ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ نِدًّا لِمَالِكِهِ الْقَادِرِ عَلَيْهِ؟
٢٠ / ٣٨٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ﴾ [فصلت: ١١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَجَعَلَ فِي الْأَرْضِ الَّتِي خَلَقَ فِي يَوْمَيْنِ جِبَالًا رَوَاسِيَ، وَهِيَ الثَّوَابِتُ فِي الْأَرْضِ مِنْ فَوْقِهَا، يَعْنِي: مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ عَلَى ظَهْرِهَا
٢٠ / ٣٨٤
وَقَوْلُهُ: ﴿وَبَارَكَ فِيهَا﴾ [فصلت: ١٠] يَقُولُ: وَبَارَكَ فِي الْأَرْضِ فَجَعَلَهَا دَائِمَةَ الْخَيْرِ لِأَهْلِهَا
٢٠ / ٣٨٥
وَقَدْ ذُكِرَ عَنِ السُّدِّيِّ فِي ذَلِكَ مَا: حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿وَبَارَكَ فِيهَا﴾ [فصلت: ١٠] قَالَ: «أَنَبَتَ شَجَرَهَا» ﴿وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا﴾ [فصلت: ١٠] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَ أَهْلِهَا بِمَعْنَى أَرْزَاقَهُمْ وَمَعَايِشَهُمْ
٢٠ / ٣٨٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الْحَسَنِ ﴿وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا﴾ [فصلت: ١٠] قَالَ: «أَرْزَاقَهَا»
٢٠ / ٣٨٥
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا﴾ [فصلت: ١٠] قَالَ: «قَدَّرَ فِيهَا أَرْزَاقَ الْعِبَادِ، ذَلِكَ الْأَقْوَاتُ»
٢٠ / ٣٨٥
حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، ﴿وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا﴾ [فصلت: ١٠] يَقُولُ: «أَقْوَاتَهَا لِأَهْلِهَا» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَاهُ: وَقَدَّرَ فِيهَا مَا يُصْلِحُهَا
٢٠ / ٣٨٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: ثنا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ خُلَيْدِ بْنِ دَعْلَجٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا﴾ [فصلت: ١٠] قَالَ: «صَلَاحَهَا» ⦗٣٨٦⦘ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: وَقَدَّرَ فِيهَا جِبَالَهَا وَأَنْهَارَهَا وَأَشْجَارَهَا
٢٠ / ٣٨٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا﴾ [فصلت: ١٠] «خَلَقَ فِيهَا جِبَالَهَا وَأَنْهَارَهَا وَبِحَارَهَا وَشَجَرَهَا، وَسَاكِنَهَا مِنَ الدَّوَابِّ كُلِّهَا»
٢٠ / ٣٨٦
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا﴾ [فصلت: ١٠] قَالَ: «جِبَالَهَا وَدَوَابَّهَا وَأَنْهَارَهَا وَبِحَارَهَا» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا مِنَ الْمَطَرِ
٢٠ / ٣٨٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا﴾ [فصلت: ١٠] قَالَ: «مِنَ الْمَطَرِ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: وَقَدَّرَ فِي كُلِّ بَلْدَةٍ مِنْهَا مَا لَمْ يَجْعَلْهُ فِي الْآخَرِ مِنْهَا لِمَعَاشِ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ بِالتِّجَارَةِ مِنْ بَلْدَةٍ إِلَى بَلْدَةٍ
٢٠ / ٣٨٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الذَّارِعُ، قَالَ: ثنا أَبُو مِحْصِنٍ، قَالَ: ثنا حُسَيْنٌ، ⦗٣٨٧⦘ عَنْ عِكْرِمَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا﴾ [فصلت: ١٠] قَالَ: «الْيَمَانِيُّ بِالْيَمَنِ، وَالسَّابِرِيُّ بِسَابُورَ»
٢٠ / ٣٨٦
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَزِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبُو مِحْصِنٍ، عَنْ حُصَيْنٍ، قَالَ: قَالَ عِكْرِمَةُ: ﴿وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا﴾ [فصلت: ١٠] «الْيَمَانِيَةُ بِالْيَمَنِ، وَالسَّابِرِيَّةُ بِسَابُورَ، وَأَشْبَاهُ هَذَا»
٢٠ / ٣٨٧
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ إِدْرِيسَ، قَالَ: سَمِعْتُ حُصَيْنًا، عَنْ عِكْرِمَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا﴾ [فصلت: ١٠] قَالَ: «فِي كُلِّ أَرْضٍ قُوتٌ لَا يَصْلُحُ فِي غَيْرِهَا، الْيَمَانِي بِالْيَمَنِ، وَالسَّابِرِيُّ بِسَابُورَ»
٢٠ / ٣٨٧
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حُصَيْنٌ عَنْ عِكْرِمَةَ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا﴾ [فصلت: ١٠] قَالَ: «الْبَلَدُ يَكُونُ فِيهِ الْقُوتُ أَوِ الشَّيْءُ لَا يَكُونُ لِغَيْرِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ السَّابِرِيَّ إِنَّمَا يَكُونُ بِسَابُورَ، وَأَنَّ الْعَصْبَ إِنَّمَا يَكُونُ بِالْيَمَنِ، وَنَحْوُ ذَلِكَ»
٢٠ / ٣٨٧
حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ سَيْفٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا﴾ [فصلت: ١٠] قَالَ: «السَّابِرِيُّ بِسَابُورَ، وَالطَّيَالِسَةُ مِنَ ⦗٣٨٨⦘ الرِّيِّ»
٢٠ / ٣٨٧
حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: ثنا أَبُو النَّضْرِ صَاحِبُ الْبَصْرِيِّ، قَالَ: ثنا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا﴾ [فصلت: ١٠] قَالَ: «السَّابِرِيُّ بِسَابُورَ، وَالطَّيَالِسَةُ مِنَ الرِّيِّ» فِي قَوْلُهُ ﴿وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا﴾ [فصلت: ١٠] قَالَ: السَّابِرِيُّ مِنْ سَابُورَ، وَالطَّيَالِسَةُ مِنَ الرِّيِّ، وَالْحِبَرُ مِنَ الْيَمَنِ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخْبَرَ أَنَّهُ قَدَّرَ فِي الْأَرْضِ أَقْوَاتَ أَهْلِهَا، وَذَلِكَ مَا يَقُوتُهُمْ مِنَ الْغِذَاءِ، وَيَصْلُحُهُمْ مِنَ الْمَعَاشِ، وَلَمْ يُخَصِّصْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ ﴿وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا﴾ [فصلت: ١٠] أَنَّهُ قَدَّرَ فِيهَا قُوتًا دُونَ قُوتٍ، بَلْ عَمَّ الْخَبَرُ عَنْ تَقْدِيرِهِ فِيهَا جَمِيعَ الْأَقْوَاتِ، وَمِمَّا يَقُوتُ أَهْلُهَا مَا لَا يَصْلُحُهُمْ غَيْرُهُ مِنَ الْغِذَاءِ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا بِالْمَطَرِ وَالتَّصَرُّفِ فِي الْبِلَادِ لِمَا خَصَّ بِهِ بَعْضًا دُونَ بَعْضٍ، وَمِمَّا أَخْرَجَ مِنَ الْجِبَالِ مِنَ الْجَوَاهِرِ، وَمِنَ الْبَحْرِ مِنَ الْمَآكِلِ وَالْحُلِيِّ، وَلَا قَوْلَ فِي ذَلِكَ أَصَحُّ مِمَّا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: قَدَّرَ فِي الْأَرْضِ أَقْوَاتَ أَهْلِهَا، لِمَا وَصَفْنَا مِنَ الْعِلَّةِ وَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ﴾ [فصلت: ١٠] لِمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ مِنَ الْخَبَرِ الَّذِي رَوَيْنَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ فَرَغَ مِنْ خَلَقِ الْأَرْضِ وَجَمِيعِ أَسْبَابِهَا وَمَنَافِعِهَا مِنَ الْأَشْجَارِ وَالْمَاءِ وَالْمَدَائِنِ وَالْعُمْرَانِ وَالْخَرَابِ فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ، أَوَّلُهُنَّ يَوْمُ الْأَحَدِ، وَآخِرُهُنَّ يَوْمُ الْأَرْبِعَاءِ
٢٠ / ٣٨٨
حَدَّثَنِي مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: «خَلَقَ الْجِبَالَ فِيهَا وَأَقْوَاتُ أَهْلِهَا وَشَجَرَهَا وَمَا يَنْبَغِي لَهَا فِي يَوْمَيْنٍ، فِي الثُّلَاثَاءِ وَالْأَرْبِعَاءِ» ⦗٣٨٩⦘ وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ: قَالَ خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ، ثُمَّ قَالَ فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ، لِأَنَّهُ يَعْنِي أَنَّ هَذَا مَعَ الْأَوَّلِ أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ، كَمَا تَقُولُ: تَزَوَّجْتُ أَمْسِ امْرَأَةً، وَالْيَوْمَ ثِنْتَيْنِ، وَإِحْدَاهُمَا الَّتِي تَزَوَّجْتَهَا أَمْسِ
٢٠ / ٣٨٨
وَقَوْلُهُ: ﴿سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ﴾ [فصلت: ١٠] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: تَأْوِيلُهُ: سَوَاءٌ لِمَنْ سَأَلَ عَنْ مُبَلَغِ الْأَجَلِ الَّذِي خَلَقَ اللَّهُ فِيهِ الْأَرْضَ، وَجَعَلَ فِيهَا الرُّوَاسِيَّ مِنْ فَوْقِهَا وَالْبَرَكَةَ، وَقَدَّرَ فِيهَا الْأَقْوَاتَ بِأَهْلِهَا، وَجَدَهُ كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ لَا يُزَدْنَ عَلَى ذَلِكَ وَلَا يُنْقَصْنَ مِنْهُ
٢٠ / ٣٨٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ﴾ [فصلت: ١٠] «مَنْ سَأَلَ عَنْ ذَلِكَ وَجَدَهُ، كَمَا قَالَ اللَّهُ»
٢٠ / ٣٨٩
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ﴾ [فصلت: ١٠] قَالَ: «مَنْ سَأَلَ فَهُوَ كَمَا قَالَ اللَّهُ»
٢٠ / ٣٨٩
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، ﴿فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ﴾ [فصلت: ١٠] يَقُولُ: «مَنْ سَأَلَ فَهَكَذَا الْأَمْرُ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: سَوَاءً لِمَنْ سَأَلَ رَبَّهُ شَيْئًا مِمَّا بِهِ الْحَاجَةُ إِلَيْهِ مِنَ الرِّزْقِ، فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ قَدَّرَ لَهُ مِنَ الْأَقْوَاتِ فِي الْأَرْضِ، عَلَى قَدْرِ مَسْأَلَةِ كُلِّ سَائِلٍ مِنْهُمْ لَوْ سَأَلَهُ لِمَا نَفَذَ مِنْ عِلْمِهِ فِيهِمْ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَهُمْ
٢٠ / ٣٨٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ ﴿سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ﴾ [فصلت: ١٠] قَالَ: «قَدَّرَ ذَلِكَ عَلَى قَدْرِ مَسَائِلِهِمْ، يَعْلَمُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ مِنْ مَسَائِلِهِمْ شَيْءٌ إِلَّا شَيْءٌ قَدْ عَلِمَهُ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ» وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ غَيْرَ أَبِي جَعْفَرٍ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ: ﴿سَوَاءً﴾ [البقرة: ٦] بِالنَّصْبِ وَقَرَأَهُ أَبُو جَعْفَرٍ الْقَارِئُ: (سَوَاءٌ) بِالرَّفْعِ وَقَرَأَ الْحَسَنُ: (سَوَاءٍ) بِالْجَرِّ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي ذَلِكَ مَا عَلَيْهِ قُرَّاءُ الْأَمْصَارِ، وَذَلِكَ قِرَاءَتُهُ بِالنَّصْبِ لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَيْهِ، وَلِصِحَّةِ مَعْنَاهُ. وَذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ: قَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا سَوَاءً لِسَائِلِيهَا عَلَى مَا بِهِمْ إِلَيْهِ الْحَاجَةُ، وَعَلَى مَا يُصْلِحُهُمْ وَقَدْ ذُكِرَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ ذَلِكَ: «وَقَسَّمَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا» وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي وَجْهِ نَصْبِ سَوَاءٍ، فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ: مَنْ نَصَبَهُ جَعَلَهُ مَصْدَرًا، كَأَنَّهُ قَالَ: اسْتِوَاءً قَالَ: وَقَدْ قُرِئَ بِالْجَرِّ وَجُعِلَ اسْمًا لِلْمُسْتَوِيَاتِ: أَيْ فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ تَامَّةٍ وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ: مَنْ خَفَضَ سَوَاءً، جَعَلَهَا مِنْ نَعْتِ الْأَيَّامِ، وَإِنْ شِئْتَ مِنْ نَعْتِ الْأَرْبَعَةِ، وَمَنْ نَصَبَهَا جَعَلَهَا مُتَّصِلَةً بِالْأَقْوَاتِ قَالَ: وَقَدْ تُرْفَعُ كَأَنَّهُ ابْتِدَاءٌ، كَأَنَّهُ قَالَ: ذَلِكَ ﴿سَوَاءٌ لِلسَّائِلِينَ﴾ [فصلت: ١٠] يَقُولُ: لِمَنْ أَرَادَ عِلْمَهُ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ نَصْبُهُ إِذَا نُصِبَ حَالًا مِنَ الْأَقْوَاتِ، إِذْ كَانَتْ سَوَاءٌ قَدْ شُبِهَتْ بِالْأَسْمَاءِ النَّكِرَةِ، فَقِيلَ: مَرَرْتُ بِقَوْمٍ سَوَاءً، فَصَارَتْ
٢٠ / ٣٩٠
تَتْبَعُ النَّكِرَاتِ، وَإِذَا تَبِعَتِ النَّكِرَاتِ انْقَطَعَتْ مِنَ الْمَعَارِفِ فَنُصِبَتْ، فَقِيلَ: مَرَرْتُ بِإِخْوَتِكَ سَوَاءً، وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إِذَا لَمْ يَدْخُلْهَا تَثْنِيَةٌ وَلَا جَمْعٌ أَنْ تُشَبَّهَ بِالْمَصَادِرِ وَأَمَّا إِذَا رُفِعَتْ، فَإِنَّمَا تُرْفَعُ ابْتِدَاءً بِضَمِيرِ ذَلِكَ وَنَحْوِهِ، وَإِذَا جُرَّتْ فَعَلَى الِاتِّبَاعِ لِلْأَيَّامِ أَوْ لِلْأَرْبَعَةِ
٢٠ / ٣٩١
وَقَوْلُهُ: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ﴾ [فصلت: ١١] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ: ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ، ثُمَّ ارْتَفَعَ إِلَى السَّمَاءِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَقْوَالَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي ذَلِكَ فِيمَا مَضَى قَبْلُ
٢٠ / ٣٩١
وَقَوْلُهُ: ﴿فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا﴾ [فصلت: ١١] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: فَقَالَ اللَّهُ لِلسَّمَاءِ وَالْأَرْضِ: جِيئَا بِمَا خَلَقْتُ فِيكُمَا، أَمَّا أَنْتِ يَا سَمَاءُ فَأَطْلِعِي مَا خَلَقْتُ فِيكِ مِنَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالنُّجُومِ، وَأَمَّا أَنْتِ يَا أَرْضُ فَأَخْرِجِي مَا خَلَقْتُ فِيكِ مِنَ الْأَشْجَارِ وَالثِّمَارِ وَالنَّبَاتِ، وَتَشَقَّقِي عَنِ الْأَنْهَارِ ﴿قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ﴾ [فصلت: ١١] جِئْنَا بِمَا أَحْدَثْتَ فِينَا مِنْ خَلْقِكَ، مُسْتَجِيبِينَ لِأَمْرِكَ لَا نَعْصِي أَمْرَكَ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٠ / ٣٩١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو هِشَامٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ يَمَانٍ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ﴿فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ﴾ [فصلت: ١١] قَالَ: «قَالَ اللَّهُ لِلسَّمَوَاتِ: أَطْلِعِي شَمْسِي وَقَمَرِي، وَأَطْلِعِي نُجُومِي، وَقَالَ لِلْأَرْضِ: شَقِّقِي أَنْهَارَكِ وَأَخْرِجِي ثِمَارَكِ، فَقَالَتَا: أَعْطَيْنَا ⦗٣٩٢⦘ طَائِعِينَ»
٢٠ / ٣٩١
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ الْأَحْوَلِ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ ﴿ائْتِيَا﴾ [فصلت: ١١] «أَعْطِيَا» وَفِي قَوْلِهِ: ﴿قَالَتَا أَتَيْنَا﴾ [فصلت: ١١] قَالَتَا: «أَعْطَيْنَا» وَقِيلَ: أَتَيْنَا طَائِعِينَ، وَلَمْ يَقُلْ طَائِعَتَيْنِ، وَالسَّمَاءُ وَالْأَرْضُ مُؤَنَّثَتَانِ، لِأَنَّ النُّونَ وَالْأَلِفَ اللَّتَيْنِ هُمَا كِنَايَةُ أَسْمَائِهِمَا فِي قَوْلِهِ ﴿أَتَيْنَا﴾ [فصلت: ١١] نَظِيرُهُ كِنَايَةُ أَسْمَاءِ الْمُخْبِرِينَ مِنَ الرِّجَالِ عَنْ أَنْفُسِهِمْ، فَأَجْرَى قَوْلَهُ ﴿طَائِعِينَ﴾ [فصلت: ١١] عَلَى مَا جَرَى بِهِ الْخَبَرُ عَنِ الرِّجَالِ كَذَلِكَ وَقَدْ كَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ يَقُولُ: ذَهَبَ بِهِ إِلَى السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ: قِيلَ ذَلِكَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُمَا لَمَّا تَكَلَّمَتَا أَشْبَهَتَا الذُّكُورَ مِنْ بَنِي آدَمَ
٢٠ / ٣٩٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾ [فصلت: ١٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَفَرَغَ مِنْ خَلْقِهِنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنٍ، وَذَلِكَ يَوْمُ الْخَمِيسِ وَيَوْمُ الْجُمُعَةِ
٢٠ / ٣٩٢
كَمَا: حَدَّثَنِي مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: «اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ مِنْ تَنَفُّسِ الْمَاءِ حِينَ تَنَفَّسَ، فَجَعَلَهَا سَمَاءً وَاحِدَةً، فَفَتَقَهَا، فَجَعَلَهَا سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنٍ، فِي الْخَمِيسِ وَالْجُمُعَةِ وَإِنَّمَا سُمِّيَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ لِأَنَّهُ جَمَعَ فِيهِ خَلْقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ»
٢٠ / ٣٩٣
وَقَوْلُهُ: ﴿وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا﴾ [فصلت: ١٢] يَقُولُ: وَأَلْقَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ مِنَ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ مَا أَرَادَ مِنَ الْخَلْقِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٠ / ٣٩٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا﴾ [فصلت: ١٢] قَالَ: «مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَأَرَادَهُ»
٢٠ / ٣٩٣
حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ ﴿وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا﴾ [فصلت: ١٢] قَالَ: «خَلَقَ فِي كُلِّ سَمَاءٍ خَلَقَهَا مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَالْخَلْقِ الَّذِي فِيهَا مِنَ الْبِحَارِ وَجِبَالِ الْبَرَدِ، وَمَا لَا يُعْلَمُ»
٢٠ / ٣٩٣
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿وَأَوْحَى فِي كُلِّ ⦗٣٩٤⦘ سَمَاءٍ أَمْرَهَا﴾ [فصلت: ١٢] «خَلَقَ فِيهَا شَمْسَهَا وَقَمَرَهَا وَنُجُومَهَا وَصَلَاحَهَا»
٢٠ / ٣٩٣
وَقَوْلُهُ: ﴿وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا﴾ [فصلت: ١٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا إِلَيْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ بِالْكَوَاكِبِ وَهِيَ الْمَصَابِيحُ
٢٠ / ٣٩٤
كَمَا: حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، ﴿زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ﴾ [الملك: ٥] قَالَ: «ثُمَّ زَيَّنَ السَّمَاءَ بِالْكَوَاكِبِ، فَجَعَلَهَا زِينَةً» ﴿وَحِفْظًا﴾ [الصافات: ٧] «مِنَ الشَّيَاطِينِ» وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي وَجْهِ نَصْبِهِ قَوْلَهُ: ﴿وَحِفْظًا﴾ [الصافات: ٧] فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ: نُصِبَ بِمَعْنَى: وَحَفَظْنَاهَا حِفْظًا، كَأَنَّهُ قَالَ: وَنَحْفَظُهَا حِفْظًا، لِأَنَّهُ حِينَ قَالَ: «زَيَّنَّاهَا بِمَصَابِيحَ» قَدْ أَخْبَرَ أَنَّهُ قَدْ نَظَرَ فِي أَمْرِهَا وَتَعَهَّدَهَا، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى الْحِفْظِ، كَأَنَّهُ قَالَ: وَحَفَظْنَاهَا حِفْظًا وَكَانَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ يَقُولُ: نَصْبُ ذَلِكَ عَلَى مَعْنَى: وَحِفْظًا زَيَّنَّاهَا، لِأَنَّ الْوَاوَ لَوْ سَقَطَتْ لَكَانَ إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا حِفْظًا؛ وَهَذَا الْقَوْلُ الثَّانِي أَقْرَبُ عِنْدَنَا لِلصِّحَّةِ مِنَ الْأَوَّلِ وَقَدْ بَيَّنَّا الْعِلَّةَ فِي نَظِيرِ ذَلِكَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ، فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إِعَادَتِهِ
٢٠ / ٣٩٤
وَقَوْلُهُ: ﴿ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾ [الأنعام: ٩٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: هَذَا الَّذِي وَصَفْتُ لَكُمْ مِنْ خَلْقِي السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا فِيهِمَا، وَتَزْيِينِي السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ، عَلَى مَا بَيَّنْتُ تَقْدِيرَ الْعَزِيزِ فِي نَقْمَتِهِ مِنْ أَعْدَائِهِ، الْعَلِيمِ بِسَرَائِرِ عِبَادِهِ وَعَلَانِيَّتِهِمْ، وَتَدْبِيرِهِمْ عَلَى مَا فِيهِ صَلَاحُهُمْ
٢٠ / ٣٩٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ إِذْ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ قَالُوا لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ﴾ [فصلت: ١٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَإِنْ أَعْرَضَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ عَنْ هَذِهِ الْحُجَّةِ الَّتِي بَيَّنْتَهَا لَهُمْ يَا مُحَمَّدُ، وَنَبَّهْتَهُمْ عَلَيْهَا فَلَمْ يُؤْمِنُوا بِهَا وَلَمْ يُقِرُّوا أَنَّ فَاعِلَ ذَلِكَ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ، فَقُلْ لَهُمْ: أَنْذَرْتُكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ صَاعِقَةً تُهْلِكُكُمْ مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى أَنَّ مَعْنَى الصَّاعِقَةِ: كُلُّ مَا أَفْسَدَ الشَّيْءَ وَغَيَّرَهُ عَنْ هَيْئَتِهِ وَقِيلَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ عُنِيَ بِهَا وَقِيعَةٌ مِنَ اللَّهِ وَعَذَابٌ
٢٠ / ٣٩٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ﴾ [فصلت: ١٣] قَالَ: «يَقُولُ: أَنْذَرْتُكُمْ وَقِيعَةَ عَادٍ وَثَمُودَ، قَالَ: عَذَابٌ مِثْلُ عَذَابِ عَادٍ وَثَمُودَ»
٢٠ / ٣٩٥
وَقَوْلُهُ: ﴿إِذْ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ﴾ [فصلت: ١٤] يَقُولُ: فَقُلْ: أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ الَّتِي أَهْلَكْتُهُمْ، إِذْ جَاءَتْ عَادًا وَثَمُودَ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ؛ فَقَوْلُهُ «إِذْ» مِنْ صِلَةِ صَاعِقَةً وَعُنِيَ بِقَوْلِهِ: ﴿مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ﴾ [الأعراف: ١٧]⦗٣٩٦⦘ الرُّسُلُ الَّتِي أَتَتْ آبَاءَ الَّذِينَ هَلَكُوا بِالصَّاعِقَةِ مِنْ هَاتَيْنِ الْأُمَّتَيْنِ وَعُنِيَ بِقَوْلِهِ: ﴿وَمِنْ خَلْفِهِمْ﴾ [الأعراف: ١٧] مِنْ خَلْفِ الرُّسُلِ الَّذِينَ بُعِثُوا إِلَى آبَائِهِمْ رُسُلًا إِلَيْهِمْ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ بَعَثَ إِلَى عَادٍ هُودًا، فَكَذَّبُوهُ مِنْ بَعْدِ رُسُلٍ قَدْ كَانَتْ تَقَدَّمَتْهُ إِلَى آبَائِهِمْ أَيْضًا، فَكَذَّبُوهُمْ، فَأُهْلِكُوا وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٠ / ٣٩٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿فَإِنْ أَعْرَضُوا﴾ [فصلت: ١٣] . . . إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَمَنْ خَلْفَهُمْ﴾ [الأعراف: ١٧] قَالَ: «الرُّسُلُ الَّتِي كَانَتْ قَبْلَ هُودٍ، وَالرُّسُلُ الَّذِينَ كَانُوا بَعْدَهُ، بَعَثَ اللَّهُ قَبْلَهُ رُسُلًا، وَبَعَثَ مِنْ بَعْدِهِ رُسُلًا»
٢٠ / ٣٩٦
وَقَوْلُهُ: ﴿أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ﴾ [هود: ٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ بِأَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ قَالُوا: ﴿لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً﴾ [فصلت: ١٤] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: فَقَالُوا لِرُسُلِهِمْ إِذْ دَعَوْهُمْ إِلَى الْإِقْرَارِ بِتَوْحِيدِ اللَّهِ: لَوْ شَاءَ رَبُّنَا أَنْ نُوَحِّدَهُ، وَلَا نَعْبُدَ مِنْ دُونِهِ شَيْئًا غَيْرَهُ، لَأَنْزَلَ إِلَيْنَا مَلَائِكَةً مِنَ السَّمَاءِ رُسُلًا بِمَا تَدْعُونَنَا أَنْتُمْ إِلَيْهِ، وَلَمْ يُرْسِلْكُمْ وَأَنْتُمْ بَشَرٌ مِثْلُنَا، وَلَكِنَّهُ رَضِيَ عِبَادَتَنَا مَا نَعْبُدُ، فَلِذَلِكَ لَمْ يُرْسِلْ إِلَيْنَا بِالنَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ مَلَائِكَةً
٢٠ / ٣٩٦
وَقَوْلُهُ: ﴿فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ﴾ [فصلت: ١٤] يَقُولُ: قَالُوا لِرُسُلِهِمْ: فَإِنَّا بِالَّذِي أَرْسَلَكُمْ بِهِ رَبُّكُمْ إِلَيْنَا جَاحِدُونَ غَيْرُ مُصَدِّقِينَ بِهِ
٢٠ / ٣٩٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ﴾ [فصلت: ١٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿فَأَمَّا عَادٌ﴾ [فصلت: ١٥] قَوْمُ هُودٍ ﴿فَاسْتَكْبَرُوا﴾ [الأعراف: ١٣٣] عَلَى رَبِّهِمْ وَتُجَبَّرُوا ﴿فِي الْأَرْضِ﴾ [البقرة: ١١] تَكَبُّرًا وَعَتَوْا بِغَيْرِ مَا أَذِنَ اللَّهُ لَهُمْ بِهِ ﴿وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ﴾ [فصلت: ١٥] وَأَعْطَاهُمْ مَا أَعْطَاهُمْ مِنْ عِظَمِ الْخَلْقِ، وَشِدَّةِ الْبَطْشِ ﴿هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً﴾ [فصلت: ١٥] فَيَحْذَرُوا عِقَابَهُ، وَيَتَّقُوا سَطْوَتَهُ لِكُفْرِهِمْ بِهِ، وَتَكْذِيبِهِمْ رُسُلَهُ ﴿وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ﴾ [فصلت: ١٥] يَقُولُ: وَكَانُوا بَأَدِلَّتِنَا وَحُجَجِنَا عَلَيْهِمْ يَجْحَدُونَ
٢٠ / ٣٩٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ﴾ [فصلت: ١٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَأَرْسَلْنَا عَلَى عَادٍ رِيحًا صَرْصَرًا وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى الصَّرْصَرِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عُنِيَ بِذَلِكَ أَنَّهَا رِيحٌ شَدِيدَةٌ
٢٠ / ٣٩٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ ﴿رِيحًا صَرْصَرًا﴾ [فصلت: ١٦] قَالَ: «شَدِيدَةً»
٢٠ / ٣٩٧
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ﴿رِيحًا صَرْصَرًا﴾ [فصلت: ١٦] «شَدِيدَةَ السَّمُومِ عَلَيْهِمْ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عَنَى بِهَا أَنَّهَا بَارِدَةٌ
٢٠ / ٣٩٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا﴾ [فصلت: ١٦] قَالَ: «الصَّرْصَرُ: الْبَارِدَةُ»
٢٠ / ٣٩٨
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿رِيحًا صَرْصَرًا﴾ [فصلت: ١٦] قَالَ: «بَارِدَةً»
٢٠ / ٣٩٨
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، ﴿رِيحًا صَرْصَرًا﴾ [فصلت: ١٦] قَالَ: «بَارِدَةً ذَاتَ الصَّوْتِ»
٢٠ / ٣٩٨
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: ثنا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿رِيحًا صَرْصَرًا﴾ [فصلت: ١٦] يَقُولُ: «رِيحًا فِيهَا بَرْدٌ شَدِيدٌ» وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مُجَاهِدٍ، وَذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ: ﴿صَرْصَرًا﴾ [فصلت: ١٦] إِنَّمَا هُوَ صَوْتُ الرِّيحِ إِذَا هَبَّتْ بِشِدَّةٍ، فَسُمِعَ لَهَا كَقَوْلِ الْقَائِلِ: صَرَرَ، ثُمَّ جَعَلَ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ التَّضْعِيفِ الَّذِي فِي الرَّاءِ، فَقَالَ ثُمَّ أُبْدِلَتْ إِحْدَى الرَّاءَاتِ صَادًا لِكَثْرَةِ الرَّاءَاتِ، كَمَا قِيلَ فِي رَدَّدَهُ: رَدْرَدَهُ، وَفِي نَهَّهَهُ:
٢٠ / ٣٩٨
نَهْنَهَهُ، كَمَا قَالَ رُؤْبَةُ:
[البحر الرجز]
فَالْيَوْمَ قَدْ نَهْنَهَنِي تَنَهْنُهِي … أَوَّلُ حِلْمٍ لَيْسَ بِالْمُسَفَّهِ
وَكَمَا قِيلَ فِي كَفَّفَهُ: كَفْكَفَهُ، كَمَا قَالَ النَّابِغَةُ:
[البحر الوافر] أُكَفْكِفُ عَبْرَةً غَلَبَتْ عُدَاتِي … إِذَا نَهْنَهْتُهَا عَادَتْ ذُبَاحَا
وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ النَّهَرَ الَّذِي يُسَمَّى صَرْصَرًا، إِنَّمَا سُمِّيَ بِذَلِكَ لَصَوْتِ الْمَاءِ الْجَارِي فِيهِ، وَإِنَّهُ فَعْلَلَ مِنْ صَرَرَ نَظِيرِ الرِّيحِ الصَّرْصَرِ
وَكَمَا قِيلَ فِي كَفَّفَهُ: كَفْكَفَهُ، كَمَا قَالَ النَّابِغَةُ:
[البحر الوافر] أُكَفْكِفُ عَبْرَةً غَلَبَتْ عُدَاتِي … إِذَا نَهْنَهْتُهَا عَادَتْ ذُبَاحَا
وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ النَّهَرَ الَّذِي يُسَمَّى صَرْصَرًا، إِنَّمَا سُمِّيَ بِذَلِكَ لَصَوْتِ الْمَاءِ الْجَارِي فِيهِ، وَإِنَّهُ فَعْلَلَ مِنْ صَرَرَ نَظِيرِ الرِّيحِ الصَّرْصَرِ
٢٠ / ٣٩٩
وَقَوْلُهُ: ﴿فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ﴾ [فصلت: ١٦] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ النَّحِسَاتِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عُنِيَ بِهَا الْمُتَتَابِعَاتُ
٢٠ / ٣٩٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ﴾ [فصلت: ١٦] قَالَ: «أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِنَّ الْعَذَابَ» وَقَالَ آخَرُونَ: عُنِيَ بِذَلِكَ الْمَشَائِيمُ
٢٠ / ٣٩٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي ⦗٤٠٠⦘ الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ﴾ [فصلت: ١٦] قَالَ: «مَشَائِيمَ»
٢٠ / ٣٩٩
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ﴾ [فصلت: ١٦] «أَيَّامٍ وَاللَّهِ كَانَتْ مَشْؤُومَاتٍ عَلَى الْقَوْمِ»
٢٠ / ٤٠٠
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: «النَّحِسَاتُ: الْمَشْؤُومَاتُ النَّكِدَاتُ»
٢٠ / ٤٠٠
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، ﴿فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ﴾ [فصلت: ١٦] قَالَ: «أَيَّامٍ مَشْؤُومَاتٍ عَلَيْهِمْ» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: أَيَّامٌ ذَاتُ شَرٍّ
٢٠ / ٤٠٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ قَوْلِهِ: ﴿أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ﴾ [فصلت: ١٦] قَالَ: «النَّحْسُ: الشَّرُّ؛ أَرْسَلَ عَلَيْهِمْ رِيحَ شَرٍّ لَيْسَ فِيهَا مِنَ الْخَيْرِ شَيْءٌ» وَقَالَ آخَرُونَ: النَّحِسَاتُ: الشِّدَادُ
٢٠ / ٤٠٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: ثنا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ ﴿فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ﴾ [فصلت: ١٦] قَالَ: «شِدَادٍ»
٢٠ / ٤٠٠
وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ عَنَى بِهَا: أَيَّامٍ مَشَائِيمَ ذَاتِ نُحُوسٍ، لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ مَعْنَى النَّحِسِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ وَقَدِ اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ غَيْرُ نَافِعٍ وَأَبِي عَمْرٍو ﴿فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ﴾ [فصلت: ١٦] بِكَسْرِ الْحَاءِ، وَقَرَأَهُ نَافِعٌ وَأَبُو عَمْرٍو: (نَحْسَاتٍ) بِسُكُونِ الْحَاءِ وَكَانَ أَبُو عَمْرٍو فِيمَا ذُكِرَ لَنَا عَنْهُ يَحْتَجُّ لِتَسْكِينِهِ الْحَاءَ بِقَوْلِهِ: ﴿يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ﴾ [القمر: ١٩] وَأَنَّ الْحَاءَ فِيهِ سَاكِنَةٌ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ، قَدْ قَرَأَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا قُرَّاءُ عُلَمَاءُ مَعَ اتِّفَاقِ مَعْنَيَيْهِمَا، وَذَلِكَ أَنْ تَحْرِيكَ الْحَاءِ وَتَسْكِينَهَا فِي ذَلِكَ لُغَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ، يُقَالُ هَذَا يَوْمُ نَحْسٍ، وَيَوْمُ نَحِسٍ، بِكَسْرِ الْحَاءِ وَسُكُونِهَا؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: أَنْشَدَنِي بَعْضُ الْعَرَبِ:
[البحر البسيط] أَبْلِغْ جُذَامًا وَلَخْمًا أَنَّ إِخْوَتَهُمْ … طَيًّا وَبَهْرَاءَ قَوْمٌ نَصْرُهُمْ نَحِسُ
وَأَمَّا مِنَ السُّكُونِ فَقَوْلُ اللَّهِ ﴿يَوْمِ نَحْسٍ﴾ [القمر: ١٩]؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الرَّاجِزِ:
[البحر الرجز] يَوْمَيْنِ غَيْمَيْنِ وَيَوْمًا شَمْسًا … نَجْمَيْنِ بِالسَّعْدِ وَنَجْمًا نَحْسًا
فَمَنْ كَانَ فِي لُغَتِهِ: «َيَوْمِ نَحْسٍ» قَالَ: «فِي أَيَّامٍ نَحْسَاتٍ»، وَمَنْ كَانَ فِي لُغَتِهِ: ﴿يَوْمِ نَحِسٍ﴾ [القمر: ١٩] قَالَ: ﴿فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ﴾ [فصلت: ١٦]، وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ: النَّحْسُ بِسُكُونِ الْحَاءِ: هُوَ الشُّؤْمُ نَفْسُهُ، وَإِنَّ إِضَافَةَ الْيَوْمِ إِلَى النَّحْسِ، إِنَّمَا هُوَ إِضَافَةٌ إِلَى الشُّؤْمِ، وَإِنَّ النَّحِسَ بِكَسْرِ الْحَاءِ نَعْتٌ لِلْيَوْمِ بِأَنَّهُ مَشْؤُومٌ، وَلِذَلِكَ قِيلَ: ﴿فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ﴾ [فصلت: ١٦] لِأَنَّهَا أَيَّامٌ مَشَائِيمَ
[البحر البسيط] أَبْلِغْ جُذَامًا وَلَخْمًا أَنَّ إِخْوَتَهُمْ … طَيًّا وَبَهْرَاءَ قَوْمٌ نَصْرُهُمْ نَحِسُ
وَأَمَّا مِنَ السُّكُونِ فَقَوْلُ اللَّهِ ﴿يَوْمِ نَحْسٍ﴾ [القمر: ١٩]؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الرَّاجِزِ:
[البحر الرجز] يَوْمَيْنِ غَيْمَيْنِ وَيَوْمًا شَمْسًا … نَجْمَيْنِ بِالسَّعْدِ وَنَجْمًا نَحْسًا
فَمَنْ كَانَ فِي لُغَتِهِ: «َيَوْمِ نَحْسٍ» قَالَ: «فِي أَيَّامٍ نَحْسَاتٍ»، وَمَنْ كَانَ فِي لُغَتِهِ: ﴿يَوْمِ نَحِسٍ﴾ [القمر: ١٩] قَالَ: ﴿فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ﴾ [فصلت: ١٦]، وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ: النَّحْسُ بِسُكُونِ الْحَاءِ: هُوَ الشُّؤْمُ نَفْسُهُ، وَإِنَّ إِضَافَةَ الْيَوْمِ إِلَى النَّحْسِ، إِنَّمَا هُوَ إِضَافَةٌ إِلَى الشُّؤْمِ، وَإِنَّ النَّحِسَ بِكَسْرِ الْحَاءِ نَعْتٌ لِلْيَوْمِ بِأَنَّهُ مَشْؤُومٌ، وَلِذَلِكَ قِيلَ: ﴿فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ﴾ [فصلت: ١٦] لِأَنَّهَا أَيَّامٌ مَشَائِيمَ
٢٠ / ٤٠١
وَقَوْلُهُ: ﴿لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [فصلت: ١٦] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَلِعَذَابِنَا إِيَّاهُمْ فِي الْآخِرَةِ أَخْزَى لَهُمْ وَأَشَدُّ إِهَانَةٍ وَإِذْلَالًا ﴿وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ﴾ [فصلت: ١٦] يَقُولُ: وَهُمْ يَعْنِي عَادًا لَا يَنْصُرُهُمْ مِنَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِذَا عَذَّبَهُمْ نَاصِرٌ، فَيُنْقِذُهُمْ مِنْهُ، أَوْ يَنْتَصِرُ لَهُمْ
٢٠ / ٤٠٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ﴾ [فصلت: ١٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَبَيَّنَّا لَهُمْ سَبِيلَ الْحَقِّ وَطَرِيقَ الرُّشْدِ
٢٠ / ٤٠٢
كَمَا: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ﴾ [فصلت: ١٧] «أَيْ بَيَّنَّا لَهُمْ»
٢٠ / ٤٠٢
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ﴾ [فصلت: ١٧] «بَيَّنَّا لَهُمْ سَبِيلَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ»
٢٠ / ٤٠٢
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ ﴿وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ﴾ [فصلت: ١٧] «بَيَّنَّا لَهُمْ»
٢٠ / ٤٠٢
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ
٢٠ / ٤٠٢
: ﴿وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ﴾ [فصلت: ١٧] قَالَ: «أَعْلَمْنَاهُمُ الْهُدَى وَالضَّلَالَةَ، وَنَهَيْنَاهُمْ أَنْ يَتَّبِعُوا الضَّلَالَةَ، وَأَمَرْنَاهُمْ أَنْ يَتَّبِعُوا الْهُدَى» وَقَدِ اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿ثَمُودُ﴾ [فصلت: ١٧] فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ الْقُرَّاءِ مِنَ الْأَمْصَارِ غَيْرُ الْأَعْمَشِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ بِرَفْعِ ثَمُودُ، وَتَرْكِ إِجْرَائِهَا عَلَى أَنَّهَا اسْمٌ لِلْأُمَّةِ الَّتِي تُعْرَفُ بِذَلِكَ، وَأَمَّا الْأَعْمَشُ فَإِنَّهُ ذُكِرَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يُجْرِي ذَلِكَ فِي الْقُرْآنِ كُلِّهِ إِلَّا فِي قَوْلِهِ: ﴿وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً﴾ [الإسراء: ٥٩] فَإِنَّهُ كَانَ لَا يُجْرِيهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ خَاصَّةً مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ فِي خَطِّ الْمُصْحَفِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بِغَيْرِ أَلِفٍ، وَكَانَ يُوَجِّهُ ثَمُودَ إِلَى أَنَّهُ اسْمُ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ مَعْرُوفٍ، أَوِ اسْمُ جِيلٍ مَعْرُوفٍ. وَأَمَّا ابْنُ إِسْحَاقَ فَإِنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهُ نَصْبًا وَأَمَّا «ثَمُودَ» بِغَيْرِ إِجْرَاءٍ، وَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ لَهُ فِي الْعَرَبِيَّةِ وَجْهٌ مَعْرُوفٌ، فَإِنَّ أَفْصَحَ مِنْهُ وَأَصَحَّ فِي الْإِعْرَابِ عِنْدَ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ الرَّفْعُ لِطَلَبِ الْأَسْمَاءِ وَأَنَّ الْأَفْعَالَ لَا تَلِيهَا، وَإِنَّمَا تُعْمِلُ الْعَرَبُ الْأَفْعَالَ الَّتِي بَعْدَ الْأَسْمَاءِ فِيهَا إِذَا حَسُنَ تَقْدِيمُهَا قَبْلَهَا وَالْفِعْلُ فِي أَمَّا لَا يَحْسُنُ تَقْدِيمُهُ قَبْلَ الِاسْمِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُقَالُ: وَأَمَّا هَدَيْنَا فَـ ثَمُودَ، كَمَا يُقَالُ: ﴿وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ﴾ [فصلت: ١٧] وَالصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا الرَّفْعُ وَتَرْكُ الْإِجْرَاءِ؛ أَمَّا الرَّفْعُ فَلِمَا وَصَفْتُ، وَأَمَّا تَرْكُ الْإِجْرَاءِ فَلَأَنَّهُ اسْمٌ لِلْأُمَّةِ
٢٠ / ٤٠٣
وَقَوْلُهُ: ﴿فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى﴾ [فصلت: ١٧] يَقُولُ: فَاخْتَارُوا الْعَمَى عَلَى الْبَيَانِ الَّذِي بَيَّنْتُ لَهُمْ، وَالْهُدَى الَّذِي عَرَّفْتُهُمْ، بِأَخْذِهِمْ طَرِيقَ الضَّلَالِ عَلَى الْهُدَى، يَعْنِي عَلَى الْبَيَانِ الَّذِي بَيَّنَهُ لَهُمْ، مِنْ تَوْحِيدِ اللَّهِ ⦗٤٠٤⦘ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٠ / ٤٠٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، ﴿فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى﴾ [فصلت: ١٧] قَالَ: «اخْتَارُوا الضَّلَالَةَ وَالْعَمَى عَلَى الْهُدَى»
٢٠ / ٤٠٤
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى﴾ [فصلت: ١٧] قَالَ: «أَرْسَلَ اللَّهُ إِلَيْهِمُ الرُّسُلَ بِالْهُدَى فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى»
٢٠ / ٤٠٤
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى﴾ [فصلت: ١٧] يَقُولُ: «بَيَّنَّا لَهُمْ، فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى»
٢٠ / ٤٠٤
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى﴾ [فصلت: ١٧] قَالَ: «اسْتَحَبُّوا الضَّلَالَةَ عَلَى الْهُدَى» وَقَرَأَ: ﴿كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ﴾ [الأنعام: ١٠٨] . . . إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، قَالَ: «فَزَيَّنَ لِثَمُودَ عَمَلَهَا الْقَبِيحَ» وَقَرَأَ: ﴿أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ﴾ [فاطر: ٨] . . . إِلَى آخِرِ الْآيَةِ “
٢٠ / ٤٠٤
وَقَوْلُهُ: ﴿فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ [فصلت: ١٧] يَقُولُ: فَأَهْلَكْتُهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْمُذِلِّ الْمُهِينِ لَهُمْ مَهْلَكَةً أَذَلَّتْهُمْ وَأَخْزَتْهُمْ؛ وَالْهَوْنُ: هُوَ الْهَوَانُ
٢٠ / ٤٠٤
كَمَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ ⦗٤٠٥⦘ ﴿الْعَذَابِ الْهُونِ﴾ [فصلت: ١٧] قَالَ: «الْهَوَانِ»
٢٠ / ٤٠٤
وَقَوْلُهُ: ﴿بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ [الأنعام: ١٢٩] مِنَ الْآثَامِ بِكُفْرِهِمْ بِاللَّهِ قَبْلَ ذَلِكَ، وَخِلَافِهِمْ إِيَّاهُ، وَتَكْذِيبِهِمْ رُسُلَهُ
٢٠ / ٤٠٥
وَقَوْلُهُ: ﴿وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [فصلت: ١٨] يَقُولُ: وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْعَذَابِ الَّذِي أَخَذَهُمْ بِكُفْرِهِمْ بِاللَّهِ، الَّذِينَ وَحَّدُوا اللَّهَ، وَصَدَّقُوا رُسُلَهُ ﴿وَكَانُوا يَتَّقُونَ﴾ [يونس: ٦٣] يَقُولُ: وَكَانُوا يَخَافُونَ اللَّهَ أَنْ يَحِلَّ بِهِمْ مِنَ الْعُقُوبَةِ عَلَى كُفْرِهِمْ لَوْ كَفَرُوا مَا حَلَّ بِالَّذِينَ هَلَكُوا مِنْهُمْ، فَآمَنُوا اتِّقَاءَ اللَّهِ وَخَوْفَ وَعِيدِهِ، وَصَدَّقُوا رُسُلَهُ، وَخَلَعُوا الْآلِهَةَ وَالْأَنْدَادَ
٢٠ / ٤٠٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَيَوْمَ يُجْمَعُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ، إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ، فَهُمْ يُحْبَسُ أَوَّلُهُمْ عَلَى آخِرِهِمْ
٢٠ / ٤٠٥
كَمَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، ﴿فَهُمْ يُوزَعُونَ﴾ [فصلت: ١٩] قَالَ: «يُحْبَسُ أَوَّلُهُمْ عَلَى آخِرِهِمْ»
٢٠ / ٤٠٥
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿فَهُمْ يُوزَعُونَ﴾ [فصلت: ١٩] قَالَ: «عَلَيْهِمْ وَزِعَةٌ تَرُدُّ أُولَاهُمْ عَلَى أُخْرَاهُمْ»
٢٠ / ٤٠٥
وَقَوْلُهُ: ﴿حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ﴾ يَقُولُ: حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوا النَّارَ شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ بِمَا كَانُوا يَصْغُونَ بِهِ فِي الدُّنْيَا إِلَيْهِ، وَيَسْتَمِعُونَ لَهُ، وَأَبْصَارُهُمْ بِمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ بِهِ وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ فِي الدُّنْيَا ﴿وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [فصلت: ٢٠] وَقَدْ قِيلَ: عُنِيَ بِالْجُلُودِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: الْفُرُوجُ
٢٠ / ٤٠٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَعْقُوبُ الْقُمِّيُّ، عَنِ الْحَكَمِ الثَّقَفِيِّ رَجُلٌ مِنْ آلِ أَبِي عَقِيلٍ رَفَعَ الْحَدِيثَ، ﴿وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا﴾ [فصلت: ٢١] «إِنَّمَا عُنِيَ فُرُوجُهُمْ، وَلَكِنْ كَنَى عَنْهَا»
٢٠ / ٤٠٦
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: ثنا حَرْمَلَةُ، أَنَّهُ سَمِعَ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي جَعْفَرٍ، يَقُولُ ﴿حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ﴾ قَالَ: «جُلُودُهُمْ: الْفُرُوجُ» وَهَذَا الْقَوْلُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَمَّنْ ذَكَرْنَا عَنْهُ فِي مَعْنَى الْجُلُودِ، وَإِنْ كَانَ مَعْنَى يَحْتَمِلُهُ التَّأْوِيلُ، فَلَيْسَ بِالْأَغْلَبِ عَلَى مَعْنَى الْجُلُودِ وَلَا بِالْأَشْهَرِ، وَغَيْرُ جَائِزٍ نَقْلُ مَعْنَى ذَلِكَ الْمَعْرُوفِ عَلَى الشَّيْءِ الْأَقْرَبِ إِلَى غَيْرِهِ إِلَّا بِحُجَّةٍ يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهَا
٢٠ / ٤٠٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا
٢٠ / ٤٠٦
يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ﴾ [فصلت: ٢٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَقَالَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُحْشَرُونَ إِلَى النَّارِ مِنْ أَعْدَاءِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ لِجُلُودِهِمْ إِذْ شَهِدَتْ عَلَيْهِمْ بِمَا كَانُوا فِي الدُّنْيَا يَعْمَلُونَ: لَمْ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا بِمَا كُنَّا نَعْمَلُ فِي الدُّنْيَا؟ فَأَجَابَتْهُمْ جُلُودُهُمْ: ﴿أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ﴾ [فصلت: ٢١] فَنَطَقْنَا؛ وَذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْجَوَارِحَ تَشَهَدُ عَلَى أَهْلِهَا عِنْدَ اسْتِشْهَادِ اللَّهِ إِيَّاهَا عَلَيْهِمْ إِذَا هُمْ أَنْكَرُوا الْأَفْعَالَ الَّتِي كَانُوا فَعَلُوهَا فِي الدُّنْيَا بِمَا يُسْخِطُ اللَّهَ، وَبِذَلِكَ جَاءَ الْخَبَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ
٢٠ / ٤٠٧
ذِكْرُ الْأَخْبَارِ الَّتِي رُوِيَتْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمٍ الْغِفَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ قَادِمٍ الْفَزَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا شَرِيكٌ، عَنْ عُبَيْدٍ الْمُكْتِبِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: ضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ذَاتَ يَوْمٍ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ، ثُمَّ قَالَ: «أَلَا تَسْأَلُونِي مِمَّ ضَحِكْتُ؟» قَالُوا: مِمَّ ضَحِكْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «عَجِبْتُ مِنْ مُجَادَلَةِ الْعَبْدِ رَبَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ: يَقُولُ: يَا رَبِّ أَلَيْسَ وَعَدْتَنِي أَنْ لَا تَظْلِمَنِي؟ قَالَ: فَإِنَّ لَكَ ذَلِكَ، قَالَ: فَإِنِّي لَا أَقْبَلُ عَلَيَّ شَاهِدًا إِلَّا مِنْ نَفْسِي، قَالَ: أَوَلَيْسَ كَفَى بِي شَهِيدًا، وَبِالْمَلَائِكَةِ الْكِرَامِ الْكَاتِبِينَ؟ قَالَ فَيُخْتَمُ عَلَى فِيهِ، وَتَتَكَلَّمُ أَرْكَانُهُ بِمَا كَانَ يَعْمَلُ، قَالَ: فَيَقُولُ لَهُنَّ: بُعْدًا لَكُنَّ وَسُحْقًا، عَنْكُنَّ كُنْتُ أُجَادِلُ» حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عُبَيْدٍ الْمُكْتِبِ، عَنْ ⦗٤٠٨⦘ فُضَيْلِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ بِنَحْوِهِ
٢٠ / ٤٠٧
حَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ شِبْلٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا قَزَعَةَ يُحَدِّثُ عَمْرَو بْنَ دِينَارٍ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ، وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى الشَّامِ، قَالَ: «هَاهُنَا إِلَى هَاهُنَا تُحْشَرُونَ رُكْبَانًا وَمُشَاةً عَلَى وجُوهِكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، عَلَى أَفْوَاهِكُمُ الْفِدَامُ، تُوَفُّونَ سَبْعِينَ أُمَّةً أَنْتُمْ آخِرُهَا وَأَكْرَمُهَا عَلَى اللَّهِ، وَإِنَّ أَوَّلَ مَا يُعْرِبُ مِنْ أَحَدِكُمْ فَخِذُهُ»
٢٠ / ٤٠٨
حَدَّثَنَا مُجَاهِدُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْجُرَيْرِيُّ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «تَجِيئُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى أَفْوَاهِكُمُ الْفِدَامُ، وَإِنَّ أَوَّلَ مَا يَتَكَلَّمُ مِنَ الْآدَمَيِّ فَخِذُهُ وَكَفُّهُ»
٢٠ / ٤٠٨
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَا لِي أُمْسِكُ بِحَجْزِكُمْ مِنَ النَّارِ؟ أَلَا إِنَّ رَبِّي ⦗٤٠٩⦘ دَاعِي وَإِنَّهُ سَائِلِي هَلْ بَلَّغْتُ عِبَادَهُ؟ وَإِنِّي قَائِلٌ: رَبِّ قَدْ بَلَغْتُهُمْ، فَيُبَلِّغُ شَاهِدُكُمْ غَائِبَكُمْ، ثُمَّ إِنَّكُمْ مُدَّعُونَ مُقَدِّمَةً أَفْوَاهُكُمْ بِالْفِدَامِ، ثُمَّ إِنَّ أَوَّلَ مَا يُبِينُ عَنْ أَحَدِكُمْ لَفَخِذُهُ وَكَفُّهُ»
٢٠ / ٤٠٨
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ خَلْفٍ، قَالَ: ثنا الْهَيْثَمُ بْنُ خَارِجَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ، عَنْ ضَمْضَمِ بْنِ زُرْعَةَ، عَنْ شُرَيْحِ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ عُقْبَةَ، سَمِعَ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: «إِنَّ أَوَّلَ عَظْمٍ تَكَلَّمَ مِنَ الْإِنْسَانِ يَوْمَ يُخْتَمُ عَلَى الْأَفْوَاهِ فَخِذُهُ مِنَ الرِّجْلِ الشِّمَالِ»
٢٠ / ٤٠٩
وَقَوْلُهُ: ﴿وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ [فصلت: ٢١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَاللَّهُ خَلَقَكُمُ الْخَلْقَ الْأَوَّلَ وَلَمْ تَكُونُوا شَيْئًا ﴿وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [البقرة: ٢٤٥] يَقُولُ: وَإِلَيْهِ مَصِيرُكُمْ مِنْ بَعْدِ مَمَاتِكُمْ ﴿وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ﴾ [فصلت: ٢٢] فِي الدُّنْيَا ﴿أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ﴾ [فصلت: ٢٢] يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴿سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ﴾ [فصلت: ٢٢] وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ﴾ [فصلت: ٢٢]، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَخْفُونَ
٢٠ / ٤٠٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، ﴿وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ﴾ [فصلت: ٢٢] «أَيْ تَسْتَخْفُونَ مِنْهَا» ⦗٤١٠⦘ وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَاهُ: وَمَا كُنْتُمْ تَتَّقُونَ
٢٠ / ٤٠٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ﴾ [فصلت: ٢٢] قَالَ: «تَتَّقُونَ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: وَمَا كُنْتُمْ تَظُنُّونَ
٢٠ / ٤١٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ﴾ [فصلت: ٢٢] يَقُولُ: «وَمَا كُنْتُمْ تَظُنُّونَ» ﴿أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ﴾ [فصلت: ٢٢] حَتَّى بَلَغَ ﴿كَثِيرًا مِمَّا﴾ [المائدة: ١٥] كُنْتُمْ ﴿تَعْمَلُونَ﴾ [فصلت: ٢٢]، «وَاللَّهِ إِنَّ عَلَيْكَ يَا ابْنَ آدَمَ لَشُهُودًا غَيْرَ مُتَّهِمَةٍ مِنْ بَدَنِكَ، فَرَاقِبْهُمْ وَاتَّقِ اللَّهَ فِي سِرِّ أَمْرِكَ وَعَلَانِيَتِكَ، فَإِنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ، الظُّلْمَةُ عِنْدَهُ ضَوْءٌ، وَالسِّرُّ عِنْدَهُ عَلَانِيَةٌ، فَمَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَمُوتَ وَهُوَ بِاللَّهِ حَسَنُ الظَّنِّ فَلْيَفْعَلْ، وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ» وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَخْفُونَ، فَتَتْرُكُوا رُكُوبَ مَحَارِمِ اللَّهِ فِي الدُّنْيَا حَذَرًا أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ ⦗٤١١⦘ سَمْعُكُمْ وَأَبْصَارُكُمُ الْيَوْمَ وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ، لِأَنَّ الْمَعْرُوفَ مِنْ مَعَانِي الِاسْتِتَارِ الِاسْتِخْفَاءُ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَكَيْفَ يَسْتَخْفِي الْإِنْسَانُ عَنْ نَفْسِهِ مِمَّا يَأْتِي؟ قِيلَ: قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ الْأَمَانِيُّ، وَفِي تَرْكِهِ إِتْيَانَهُ إِخْفَاؤُهُ عَنْ نَفْسِهِ
٢٠ / ٤١٠
وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَلَكِنْ حَسِبْتُمْ حِينَ رَكِبْتُمْ فِي الدُّنْيَا مِنْ مَعَاصِي اللَّهِ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ مِنْ أَعْمَالِكُمُ الْخَبِيثَةِ، فَلِذَلِكَ لَمْ تَسْتَتِرُوا أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَأَبْصَارُكُمْ وَجُلُودُكُمْ، فَتَتْرُكُوا رُكُوبَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ وَذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ مِنْ أَجْلِ نَفَرٍ تَدَارَءُوا بَيْنَهُمْ فِي عِلْمِ اللَّهِ بِمَا يَقُولُونَهُ وَيَتَكَلَّمُونَ سِرًّا
٢٠ / ٤١١
ذِكْرُ الْخَبَرِ بِذَلِكَ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْقُطَعِيُّ، قَالَ: ثنا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: ثنا قَيْسٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ الْأَزْدِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: «كُنْتُ مُسْتَتِرًا بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ، فَدَخَلَ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ، ثَقَفِيَّانِ وَقُرَشِيٌّ، أَوْ قُرَشِيَّانِ وَثَقَفِيٌّ، كَثِيرٌ شُحُومُ بُطُونِهِمَا، قَلِيلٌ فِقْهُ قُلُوبِهِمَا، فَتَكَلَّمُوا بِكَلَامٍ لَمْ أَفْهَمْهُ، فَقَالَ أَحَدُهُمْ: أَتَرَوْنَ أَنَّ اللَّهَ يَسْمَعُ مَا نَقُولُ؟ فَقَالَ الرَّجُلَانِ: إِذَا رَفَعْنَا أَصْوَاتَنَا سَمِعَ، وَإِذَا لَمْ نَرْفَعْ لَمْ يَسْمَعْ، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَذَكَرْتُ لَهُ ذَلِكَ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ ⦗٤١٢⦘: ﴿وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ﴾ [فصلت: ٢٢] . . . إِلَى آخِرِ الْآيَةِ»
٢٠ / ٤١١
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، قَالَ: ثني الْأَعْمَشُ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ وَهْبِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: “إِنِّي لَمُسْتَتِرٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ، إِذْ دَخَلَ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ، ثَقَفِيٌّ وَخَتَنَاهُ قُرَشِيَّانِ، قَلِيلٌ فِقْهُ قُلُوبِهِمَا، كَثِيرٌ شُحُومُ بُطُونِهِمَا، فَتَحَدَّثُوا بَيْنَهُمْ بِحَدِيثٍ، فَقَالَ أَحَدُهُمْ: أَتَرَى اللَّهَ يَسْمَعُ مَا قُلْنَا؟ فَقَالَ الْآخَرُ: إِنَّهُ يَسْمَعُ إِذَا رَفَعْنَا، وَلَا يَسْمَعُ إِذَا خَفَضْنَا. وَقَالَ الْآخَرُ: إِذَا كَانَ يَسْمَعُ مِنْهُ شَيْئًا فَهُوَ يَسْمَعُهُ كُلَّهُ، قَالَ: فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ﴾ [فصلت: ٢٢] . . . حَتَّى بَلَغَ ﴿وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ﴾ [فصلت: ٢٤] حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، قَالَ: ثني مَنْصُورٌ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بِنَحْوِهِ
٢٠ / ٤١٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنِ الْخَاسِرِينَ﴾ [فصلت: ٢٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَهَذَا الَّذِي كَانَ مِنْكُمْ فِي الدُّنْيَا مِنْ ظَنِّكُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ مِنْ قَبَائِحِ أَعْمَالِكُمْ وَمَسَاوِئِهَا، هُوَ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ فِي ⦗٤١٣⦘ الدُّنْيَا أَرْدَاكُمْ، يَعْنِي أَهْلَكَكُمْ. يُقَالُ مِنْهُ: أَرْدَى فُلَانًا كَذَا وَكَذَا: إِذَا أَهْلَكَهُ، وَرَدِيَ هُوَ: إِذَا هَلَكَ، فَهُوَ يَرْدَى رَدًى؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الْأَعْشَى:
أَفِي الطَّوْفِ خِفْتِ عَلَيَّ الرَّدَى … وَكَمْ مِنْ رَدٍ أَهْلَهُ لَمْ يَرِمْ
يَعْنِي: وَكَمْ مِنْ هَالِكٍ أَهْلَهُ لَمْ يَرِمْ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
أَفِي الطَّوْفِ خِفْتِ عَلَيَّ الرَّدَى … وَكَمْ مِنْ رَدٍ أَهْلَهُ لَمْ يَرِمْ
يَعْنِي: وَكَمْ مِنْ هَالِكٍ أَهْلَهُ لَمْ يَرِمْ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٠ / ٤١٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَوْلُهُ: ﴿أَرْدَاكُمْ﴾ [فصلت: ٢٣] قَالَ: «أَهْلَكَكُمْ»
٢٠ / ٤١٣
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، قَالَ: تَلَا الْحَسَنُ: ﴿وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ﴾ [فصلت: ٢٣] فَقَالَ: إِنَّمَا عَمِلَ النَّاسُ عَلَى قَدْرِ ظُنُونِهِمْ بِرَبِّهِمْ؛ فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَأَحْسَنَ بِاللَّهِ الظَّنَّ، فَأَحْسَنَ الْعَمَلَ؛ وَأَمَّا الْكَافِرُ وَالْمُنَافِقُ فَأَسَاءَا الظَّنَّ فَأَسَاءَا الْعَمَلَ، قَالَ رَبُّكُمْ: ﴿وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ﴾ [فصلت: ٢٢] . . . حَتَّى بَلَغَ: ﴿الْخَاسِرِينَ﴾ [فصلت: ٢٣] قَالَ مَعْمَرٌ: وَحَدَّثَنِي رَجَلُّ: «أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِرَجُلٍ إِلَى النَّارِ، فَيَلْتَفِتُ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ مَا كَانَ هَذَا ظَنِّي بِكَ، قَالَ: وَمَا كَانَ ظَنُّكَ بِي؟ قَالَ: كَانَ ظَنِّي أَنْ تَغْفِرَ لِي وَلَا تُعَذِّبَنِي، قَالَ: فَإِنِّي عِنْدَ ظَنِّكَ بِي»
٢٠ / ٤١٣
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: «الظَّنُّ ظَنَّانِ، فَظَنٌّ مُنْجٍ، وَظَنٌّ مُرْدٍ» قَالَ: ﴿الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ﴾ [البقرة: ٤٦]، قَالَ ﴿إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ﴾ [الحاقة: ٢٠] «وَهَذَا الظَّنُّ الْمُنْجِي ظَنًّا يَقِينًا» وَقَالَ هَاهُنَا: ﴿وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ﴾ [فصلت: ٢٣] «هَذَا ظَنٌّ مُرْدٍ»
٢٠ / ٤١٤
وَقَوْلُهُ: ﴿وَقَالَ الْكَافِرُونَ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ﴾ وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ كَانَ يَقُولُ وَيَرْوِي ذَلِكَ عَنْ رَبِّهِ: «عَبْدِي عِنْدَ ظَنِّهِ بِي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا دَعَانِي» وَمَوْضِعُ قَوْلِهِ: ﴿ذَلِكُمْ﴾ [البقرة: ٤٩] رَفْعٌ بِقَوْلِهِ ظَنُّكُمْ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، كَانَ قَوْلُهُ: ﴿أَرْدَاكُمْ﴾ [فصلت: ٢٣] فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِمَعْنَى: مُرْدِيًا لَكُمْ وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بِالِاسْتِئْنَافِ، بِمَعْنَى: مُرْدٍ لَكُمْ، كَمَا قَالَ: ﴿تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ هُدًى وَرَحْمَةً﴾ [لقمان: ٣] فِي قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَهُ بِالرَّفْعِ فَمَعْنَى الْكَلَامِ: هَذَا الظَّنُّ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ مِنْ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ هُوَ الَّذِي أَهْلَكَكُمْ، لِأَنَّكُمْ مِنْ أَجْلِ هَذَا الظَّنِّ اجْتَرَأْتُمْ عَلَى مَحَارِمِ اللَّهِ فَقَدِمْتُمْ عَلَيْهَا، وَرَكِبْتُمْ مَا نَهَاكُمُ اللَّهُ عَنْهُ، فَأَهْلَكَكُمْ ذَلِكَ وَأَرْدَاكُمْ ﴿فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [فصلت: ٢٣] يَقُولُ: فَأَصْبَحْتُمُ الْيَوْمَ مِنَ الْهَالِكِينَ، قَدْ غَبَنْتُمْ بِبَيْعِكُمْ مَنَازِلَكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ بِمَنَازِلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ مِنَ النَّارِ
٢٠ / ٤١٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ﴾ [فصلت: ٢٤]⦗٤١٥⦘ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَإِنْ يَصْبِرْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُحْشَرُونَ إِلَى النَّارِ عَلَى النَّارِ فَالنَّارُ مَسْكَنٌ لَهُمْ وَمُنْزِلٌ ﴿وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا﴾ [فصلت: ٢٤] يَقُولُ: وَإِنْ يَسْأَلُوا الْعُتْبَى، وَهِيَ الرَّجْعَةُ لَهُمْ إِلَى الَّذِي يُحِبُّونَ بِتَخْفِيفِ الْعَذَابِ عَنْهُمْ ﴿فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ﴾ [فصلت: ٢٤] يَقُولُ: فَلَيْسُوا بِالْقَوْمِ الَّذِينَ يُرْجَعُ بِهِمْ إِلَى الْجَنَّةِ، فَيُخَفَّفُ عَنْهُمْ مَا هُمْ فِيهِ مِنَ الْعَذَابِ، وَذَلِكَ كَقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ مُخْبِرًا عَنْهُمْ: ﴿قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتَنَا﴾ [المؤمنون: ١٠٦] إِلَى قَوْلِهِ ﴿وَلَا تُكَلِّمُونَ﴾ [المؤمنون: ١٠٨] وَكَقَوْلِهِمْ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ: ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ﴾ [غافر: ٤٩] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ﴾ [الرعد: ١٤]
٢٠ / ٤١٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ﴾ [فصلت: ٢٥] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ﴾ [فصلت: ٢٥] وَبَعَثَنَا لَهُمْ نُظَرَاءَ مِنَ الشَّيَاطِينِ، فَجَعَلْنَاهُمْ لَهُمْ قُرَنَاءَ قَرَنَّاهُمْ بِهِمْ يُزَيِّنُونَ لَهُمْ قَبَائِحَ أَعْمَالِهِمْ، فَزَيَّنُوا لَهُمْ ذَلِكَ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٠ / ٤١٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ ﴿وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ﴾ [فصلت: ٢٥] قَالَ: «الشَّيْطَانَ»
٢٠ / ٤١٥
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ﴾ [فصلت: ٢٥] قَالَ: «شَيَاطِينَ»
٢٠ / ٤١٦
وَقَوْلُهُ: ﴿فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ﴾ [فصلت: ٢٥] يَقُولُ: فَزَيَّنَ لِهَؤُلَاءِ الْكُفَّارِ قُرَنَاؤُهُمْ مِنَ الشَّيَاطِينِ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا فَحَسَّنُوا ذَلِكَ لَهُمْ وَحَبَّبُوهُ إِلَيْهِمْ حَتَّى آثَرُوهُ عَلَى أَمْرِ الْآخِرَةِ ﴿وَمَا خَلْفَهُمْ﴾ [البقرة: ٢٥٥] يَقُولُ: وَحَسَّنُوا لَهُمْ أَيْضًا مَا بَعْدَ مَمَاتِهِمْ بِأَنْ دَعَوْهُمْ إِلَى التَّكْذِيبِ بِالْمَعَادِ، وَأَنَّ مَنْ هَلَكَ مِنْهُمْ فَلَنْ يُبْعَثَ، وَأَنَّ لَا ثَوَابَ وَلَا عِقَابَ حَتَّى صَدَّقُوهُمْ عَلَى ذَلِكَ، وَسَهَّلَ عَلَيْهِمْ فِعْلَ كُلِّ مَا يَشْتَهُونَهُ، وَرُكُوبَ كُلِّ مَا يَلْتَذُّونَهُ مِنَ الْفَوَاحِشِ بِاسْتِحْسَانِهِمْ ذَلِكَ لِأَنْفُسِهِمْ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٠ / ٤١٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، ﴿فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ﴾ [فصلت: ٢٥] «مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا» ﴿وَمَا خَلْفَهُمْ﴾ [فصلت: ٢٥] «مِنْ أَمْرِ الْآخِرَةِ»
٢٠ / ٤١٦
وَقَوْلُهُ: ﴿وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ﴾ [فصلت: ٢٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَوَجَبَ لَهُمُ الْعَذَابُ بِرُكُوبِهِمْ مَا رَكِبُوا مِمَّا زَيَّنَ لَهُمْ قُرَنَاؤُهُمْ وَهُمْ مِنَ الشَّيَاطِينِ
٢٠ / ٤١٦
كَمَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ ﴿وَحَقَّ ⦗٤١٧⦘ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ﴾ [فصلت: ٢٥] قَالَ: «الْعَذَابُ» ﴿فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ﴾ [فصلت: ٢٥]، يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَحَقَّ عَلَى هَؤُلَاءِ الَّذِينَ قَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ مِنَ الشَّيَاطِينِ، فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمُ الْعَذَابَ فِي أُمَمٍ قَدْ مَضَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ ضُرَبَائِهِمْ، حَقَّ عَلَيْهِمْ مِنْ عَذَابِنَا مِثْلُ الَّذِي حَقَّ عَلَى هَؤُلَاءِ، بَعْضُهُمْ مِنَ الْجِنِّ وَبَعْضُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ﴾ [فصلت: ٢٥] يَقُولُ: إِنَّ تِلْكَ الْأُمَمَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمْ عَذَابُنَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ، كَانُوا مَغْبُونِينَ بِبَيْعِهِمْ رِضَا اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ بِسَخْطِهِ وَعَذَابِهِ
٢٠ / ٤١٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذَابًا شَدِيدًا وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [فصلت: ٢٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [إبراهيم: ١٣] بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ مِنْ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ: ﴿لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ﴾ [فصلت: ٢٦] يَقُولُ: قَالُوا لِلَّذِينَ يُطِيعُونَهُمْ مِنْ أَوْلِيَائِهِمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ: لَا تَسْمَعُوا لِقَارِئِ هَذَا الْقُرْآنِ إِذَا قَرَأَهُ، وَلَا تُصْغُوا لَهُ، وَلَا تَتَّبِعُوا مَا فِيهِ فَتَعْمَلُوا بِهِ
٢٠ / ٤١٧
كَمَا: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ﴾ [فصلت: ٢٦] قَالَ: «هَذَا قَوْلُ الْمُشْرِكِينَ، قَالُوا: لَا تَتَّبِعُوا هَذَا الْقُرْآنَ وَالْهُوا عَنْهُ»
٢٠ / ٤١٧
وَقَوْلُهُ: ﴿وَالْغَوْا فِيهِ﴾ [فصلت: ٢٦] يَقُولُ: الْغَطُوا بِالْبَاطِلِ مِنَ الْقَوْلِ إِذَا سَمِعْتُمْ قَارِئَهُ يَقْرَؤُهُ كَيْمَا لَا تَسْمَعُوهُ، وَلَا تَفْهَمُوا مَا فِيهِ ⦗٤١٨⦘ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٠ / ٤١٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ﴾ [فصلت: ٢٦] قَالَ: «الْمُكَاءُ وَالتَّصْفِيرِ، وَتَخْلِيطٌ مِنَ الْقَوْلِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إِذَا قَرَأَ، قُرَيْشٌ تَفْعَلُهُ»
٢٠ / ٤١٨
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلُهُ: ﴿وَالْغَوْا فِيهِ﴾ [فصلت: ٢٦] قَالَ: «بِالْمُكَاءِ وَالتَّصْفِيرِ وَالتَّخْلِيطِ فِي الْمَنْطِقِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إِذَا قَرَأَ الْقُرْآنَ، قُرَيْشٌ تَفْعَلُهُ»
٢٠ / ٤١٨
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ﴾ [فصلت: ٢٦] «أَيِ اجْحَدُوا بِهِ وَانْكُرُوهُ وَعَادُوهُ، قَالَ: هَذَا قَوْلُ مُشْرِكِي الْعَرَبِ»
٢٠ / ٤١٨
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، قَالَ: “قَالَ بَعْضُهُمْ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَالْغَوْا فِيهِ﴾ [فصلت: ٢٦] قَالَ: «تَحَدَّثُوا وَصِيحُوا كَيْمَا لَا تَسْمَعُوهُ»
٢٠ / ٤١٨
وَقَوْلُهُ: ﴿لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ﴾ [فصلت: ٢٦] يَقُولُ: لَعَلَّكُمْ بِفِعْلِكُمْ ذَلِكَ تَصُدُّونَ مَنْ أَرَادَ اسْتِمَاعَهُ عَنِ اسْتِمَاعِهِ، فَلَا يَسْمَعُهُ، وَإِذَا لَمْ يَسْمَعْهُ وَلَمْ يَفْهَمْهُ لَمْ يَتَّبِعْهُ، فَتَغْلِبُونَ بِذَلِكَ مِنْ فِعْلِكُمْ مُحَمَّدًا قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [فصلت: ٢٧] بِاللَّهِ مِنْ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ الَّذِينَ قَالُوا هَذَا الْقَوْلَ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الْآخِرَةِ ﴿وَلَنُجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [فصلت: ٢٧] يَقُولُ: وَلَنُثِيبَنَّهُمْ عَلَى فِعْلِهِمْ ذَلِكَ وَغَيْرِهِ مِنْ أَفْعَالِهِمْ بِأَقْبَحِ جَزَاءِ أَعْمَالِهِمُ الَّتِي عَمِلُوهَا فِي الدُّنْيَا
٢٠ / ٤١٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ذَلِكَ جَزَاءُ أَعْدَاءِ اللَّهِ النَّارُ لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ جَزَاءً بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ﴾ [فصلت: ٢٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: هَذَا الْجَزَاءُ الَّذِي يُجْزَى بِهِ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ جَزَاءُ أَعْدَاءِ اللَّهِ؛ ثُمَّ ابْتَدَأَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ الْخَبَرَ عَنْ صِفَةِ ذَلِكَ الْجَزَاءِ، وَمَا هُوَ فَقَالَ: هُوَ النَّارُ، فَالنَّارُ بَيَانٌ عَنِ الْجَزَاءِ، وَتَرْجَمَةٌ عَنْهُ، وَهِيَ مَرْفُوعَةٌ بِالرَّدِّ عَلَيْهِ؛ ثُمَّ قَالَ: ﴿لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ﴾ [فصلت: ٢٨] يَعْنِي لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ بِاللَّهِ فِي النَّارِ دَارُ الْخُلْدِ يَعْنِي دَارُ الْمَكْثِ وَالْلَبْثِ، إِلَى غَيْرِ نِهَايَةٍ وَلَا أَمَدٍ؛ وَالدَّارُ الَّتِي أَخْبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّهَا لَهُمْ فِي النَّارِ هِيَ النَّارُ، وَحَسُنَ ذَلِكَ لِاخْتِلَافِ اللَّفْظَيْنِ، كَمَا يُقَالُ: لَكَ مِنْ بَلْدَتِكَ دَارٌ صَالِحَةٌ، وَمِنَ الْكُوفَةِ دَارٌ كَرِيمَةٌ، وَالدَّارُ: هِيَ الْكُوفَةُ وَالْبَلْدَةُ، فَيَحْسُنُ ذَلِكَ لِاخْتِلَافِ الْأَلْفَاظِ، وَقَدْ ذُكِرَ لَنَا أَنَّهَا فِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ: «ذَلِكَ جَزَاءُ أَعْدَاءِ اللَّهِ النَّارَ دَارَ الْخُلْدِ» فَفِي ذَلِكَ تَصْحِيحُ مَا قُلْنَا مِنَ التَّأْوِيلِ فِي ذَلِكَ، وَذَلِكَ أَنَّهُ تَرْجَمَ بِالدَّارِ عَنِ النَّارِ
٢٠ / ٤١٩
وَقَوْلُهُ: ﴿جَزَاءً بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ﴾ [فصلت: ٢٨] يَقُولُ: فَعَلْنَا هَذَا الَّذِي فَعَلْنَا ⦗٤٢٠⦘ بِهَؤُلَاءِ مِنْ مُجَازَاتِنَا إِيَّاهُمُ النَّارَ عَلَى فِعْلِهِمْ جَزَاءً مِنَّا بِجُحُودِهِمْ فِي الدُّنْيَا بِآيَاتِنَا الَّتِي احْتَجَجْنَا بِهَا عَلَيْهِمْ
٢٠ / ٤١٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ﴾ [فصلت: ٢٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بَعْدَمَا أُدْخِلُوا جَهَنَّمَ: يَا رَبَّنَا أَرِنَا اللَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنْ خَلْقِكَ مِنْ جِنِّهِمْ وَإِنْسِهِمْ. وَقِيلَ: إِنَّ الَّذِي هُوَ مِنَ الْجِنِّ إِبْلِيسُ، وَالَّذِي هُوَ مِنَ الْإِنْسِ ابْنُ آدَمَ الَّذِي قَتَلَ أَخَاهُ
٢٠ / ٤٢٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ ثَابِتٍ الْحَدَّادِ، عَنْ حَبَّةَ الْعُرَنِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، رضي الله عنه فِي قَوْلِهِ: ﴿أَرِنَا اللَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ﴾ قَالَ: «إِبْلِيسَ الْأَبَالِسَةِ وَابْنَ آدَمَ الَّذِي قَتَلَ أَخَاهُ»
٢٠ / ٤٢٠
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ سَلَمَةَ، عَنْ مَالِكِ بْنِ حُصَيْنٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه فِي قَوْلِهِ: ﴿رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ﴾ [فصلت: ٢٩] قَالَ: «إِبْلِيسُ وَابْنُ آدَمَ الَّذِي قَتَلَ أَخَاهُ»
٢٠ / ٤٢٠
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثني وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ ⦗٤٢١⦘ كُهَيْلٍ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ وَابْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه ﴿رَبَّنَا أَرِنَا اللَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ﴾ قَالَ: «ابْنَ آدَمَ الَّذِي قَتَلَ أَخَاهُ، وَإِبْلِيسَ الْأَبَالِسَةِ»
٢٠ / ٤٢٠
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه، فِي قَوْلِهِ: ﴿رَبَّنَا أَرِنَا اللَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ﴾ الْآيَةَ ففَإِنَّهُمَا ابْنُ آدَمَ الْقَاتِلُ، وَإِبْلِيسُ الْأَبَالِسَةِ. فَأَمَّا ابْنُ آدَمَ فَيَدْعُو بِهِ كُلُّ صَاحِبِ كَبِيرَةٍ دَخَلَ النَّارَ مِنْ أَجْلِ الدَّعْوَةِ وَأَمَّا إِبْلِيسُ فَيَدْعُو بِهِ كُلُّ صَاحِبِ شِرْكٍ، يَدْعُوَانِهِمَا فِي النَّارِ “
٢٠ / ٤٢١
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، قَالَ: ثنا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿رَبَّنَا أَرِنَا اللَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ﴾ «هُوَ الشَّيْطَانُ، وَابْنُ آدَمَ الَّذِي قَتَلَ أَخَاهُ»
٢٠ / ٤٢١
وَقَوْلُهُ ﴿نَجْعَلُهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ﴾ [فصلت: ٢٩] يَقُولُ: نَجْعَلُ هَذَيْنِ اللَّذَيْنِ أَضَلَّانَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا، لِأَنَّ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ بَعْضُهَا أَسْفَلُ مِنْ بَعْضٍ، وَكُلُّ مَا سَفَلَ مِنْهَا فَهُوَ أَشَدُّ عَلَى أَهْلِهِ، وَعَذَابُ أَهْلِهِ أَغْلَظُ، وَلِذَلِكَ سَأَلَ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارُ رَبَّهُمْ أَنْ يُرِيَهُمُ اللَّذَيْنِ أَضَلَّاهُمْ لِيَجْعَلُوهُمَا أَسْفَلَ مِنْهُمْ لِيَكُونَا فِي أَشَدِّ الْعَذَابِ فِي الدَّرَكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ
٢٠ / ٤٢١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ﴾ [فصلت: ٣٠]⦗٤٢٢⦘ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿إِنَّ اِلَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ﴾ [فصلت: ٣٠] وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَبَرِئُوا مِنَ الْآلِهَةَ وَالْأَنْدَادِ، ﴿ثُمَّ اسْتَقَامُوا﴾ [فصلت: ٣٠] عَلَى تَوْحِيدِ اللَّهِ، وَلَمْ يَخْلِطُوا تَوْحِيدَ اللَّهِ بِشِرْكِ غَيْرِهِ بِهِ، وَانْتَهَوْا إِلَى طَاعَتِهِ فِيمَا أَمَرَ وَنَهَى وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ جَاءَ الْخَبَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَقَالَهُ أَهْلُ التَّأْوِيلِ عَلَى اخْتِلَافٍ مِنْهُمْ، فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿ثُمَّ اسْتَقَامُوا﴾ [فصلت: ٣٠]
٢٠ / ٤٢١
ذِكْرُ الْخَبَرِ بِذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: ثنا سَالِمُ بْنُ قُتَيْبَةَ أَبُو قُتَيْبَةَ، قَالَ: ثنا سُهَيْلُ بْنُ أَبِي حَزْمٍ الْقُطَعِيُّ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَرَأَ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا﴾ [فصلت: ٣٠] قَالَ: «قَدْ قَالَهَا النَّاسُ، ثُمَّ كَفَرَ أَكْثَرُهُمْ، فَمَنْ مَاتَ عَلَيْهَا فَهُوَ مِمَّنِ اسْتَقَامَ» وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: وَلَمْ يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَلَكِنْ تَمُّوا عَلَى التَّوْحِيدِ
٢٠ / ٤٢٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، ⦗٤٢٣⦘ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عِمْرَانَ، قَالَ: قَدْ قُرِئَتْ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا﴾ [فصلت: ٣٠] قَالَ: «هُمُ الَّذِينَ لَمْ يُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا» حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه، مِثْلُهُ
٢٠ / ٤٢٢
قَالَ: ثنا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي مُوسَى، عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ هِلَالٍ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ، رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ لِأَصْحَابِهِ ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا﴾ [فصلت: ٣٠] قَالَ: «قَالُوا: رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ عَمِلُوا بِهَا، قَالَ: لَقَدْ حَمَلْتُمُوهَا عَلَى غَيْرِ الْمَحْمَلِ» ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا﴾ [فصلت: ٣٠] «الَّذِينَ لَمْ يَعْدِلُوهَا بِشِرْكٍ وَلَا غَيْرِهِ»
٢٠ / ٤٢٣
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ وَأَبُو السَّائِبِ قَالَا: ثنا ابْنُ إِدْرِيسَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّيْبَانِيُّ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي مُوسَى، عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ هِلَالٍ الْمُحَارِبِيِّ، قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ: «مَا تَقُولُونَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا﴾ [فصلت: ٣٠] قَالَ: فَقَالُوا» رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا مِنْ ذَنْبٍ، قَالَ: فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: «لَقَدْ حُمَلْتُمْ عَلَى غَيْرِ الْمَحْمَلِ، قَالُوا: رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَمْ يَلْتَفِتُوا إِلَى إِلَهٍ غَيْرِهِ»
٢٠ / ٤٢٣
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا﴾ [فصلت: ٣٠] قَالَ: «أَيْ عَلَى: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ»
٢٠ / ٤٢٤
قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا﴾ [فصلت: ٣٠] قَالَ: «أَسْلَمُوا ثُمَّ لَمْ يُشْرِكُوا بِهِ حَتَّى لَحِقُوا بِهِ»
٢٠ / ٤٢٤
قَالَ ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلُهُ ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا﴾ [فصلت: ٣٠] قَالَ: «هُمُ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ لَمْ يُشْرِكُوا بِهِ حَتَّى لَقُوهُ» قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ جَامِعِ بْنِ شَدَّادٍ، عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ هِلَالٍ، مِثْلُ ذَلِكَ
٢٠ / ٤٢٤
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا﴾ [فصلت: ٣٠] قَالَ: «تَمُّوا عَلَى ذَلِكَ»
٢٠ / ٤٢٤
حَدَّثَنِي سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، قَالَ: ثنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: ثنا الْحَكَمُ بْنُ أَبَانٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَوْلُهُ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا﴾ [فصلت: ٣٠] قَالَ: «اسْتَقَامُوا عَلَى شَهَادَةِ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: ثُمَّ اسْتَقَامُوا عَلَى طَاعَتِهِ
٢٠ / ٤٢٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ: ثنا يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: تَلَا عُمَرُ رضي الله عنه عَلَى الْمِنْبَرِ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا﴾ [فصلت: ٣٠] قَالَ: «اسْتَقَامُوا وَلِلَّهِ بِطَاعَتِهِ، وَلَمْ يَرُوغُوا رَوَغَانَ الثَّعْلَبِ»
٢٠ / ٤٢٥
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثَمَّ اسْتَقَامُوا﴾ [فصلت: ٣٠] قَالَ «اسْتَقَامُوا عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ» وَكَانَ الْحَسَنُ إِذَا تَلَاهَا قَالَ: اللَّهُمَّ فَأَنْتَ رَبُّنَا فَارْزُقْنَا الِاسْتِقَامَةَ
٢٠ / ٤٢٥
حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا﴾ [فصلت: ٣٠] يَقُولُ: «عَلَى أَدَاءِ فَرَائِضِهِ»
٢٠ / ٤٢٥
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا﴾ [فصلت: ٣٠] قَالَ: «عَلَى عِبَادَةِ اللَّهِ وَعَلَى طَاعَتِهِ»
٢٠ / ٤٢٥
وَقَوْلُهُ: ﴿تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ﴾ [فصلت: ٣٠] يَقُولُ: تَتَهَبَّطُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ نُزُولِ الْمَوْتِ بِهِمْ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٠ / ٤٢٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا﴾ [فصلت: ٣٠] قَالَ: «عِنْدَ الْمَوْتِ» حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
٢٠ / ٤٢٦
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ ﴿تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ﴾ [فصلت: ٣٠] قَالَ: «عِنْدَ الْمَوْتِ»
٢٠ / ٤٢٦
وَقَوْلُهُ: ﴿أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا﴾ [فصلت: ٣٠] يَقُولُ: تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ بِأَنْ لَا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا؛ فَأَنْ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ إِذَا كَانَ ذَلِكَ مَعْنَاهُ وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ ذَلِكَ «تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَنْ لَا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا» بِمَعْنَى: تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمْ قَائِلَةً: لَا تَخَافُوا، وَلَا تَحْزَنُوا. وَعُنِيَ بِقَوْلِهِ: ﴿لَا تَخَافُوا﴾ مَا تَقْدَمُونَ عَلَيْهِ مِنْ بَعْدِ مَمَاتِكُمْ ﴿وَلَا تَحْزَنُوا﴾ [آل عمران: ١٣٩] عَلَى مَا تَخْلِفُونَهُ وَرَاءَكُمْ ⦗٤٢٧⦘ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٠ / ٤٢٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، ﴿أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا﴾ [فصلت: ٣٠] قَالَ «لَا تَخَافُوا مَا أَمَامَكُمْ، وَلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا بَعْدَكُمْ»
٢٠ / ٤٢٧
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا﴾ [فصلت: ٣٠] قَالَ: «لَا تَخَافُوا مَا تَقْدَمُونَ عَلَيْهِ مِنْ أَمَرِ الْآخِرَةِ، وَلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا خَلَّفْتُمْ مِنْ دُنْيَاكُمْ مِنْ أَهْلٍ وَوَلَدٍ، فَإِنَّا نَخْلُفُكُمْ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ» وَقِيلَ: إِنَّ ذَلِكَ فِي الْآخِرَةِ
٢٠ / ٤٢٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ﴾ [فصلت: ٣٠] «فَذَلِكَ فِي الْآخِرَةِ»
٢٠ / ٤٢٧
وَقَوْلُهُ: ﴿وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ﴾ [فصلت: ٣٠] يَقُولُ: وَسُرُّوا بِأَنْ لَكُمْ فِي الْآخِرَةِ الْجَنَّةَ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَهَا فِي الدُّنْيَا عَلَى إِيمَانِكُمْ بِاللَّهِ، وَاسْتِقَامَتِكُمْ عَلَى طَاعَتِهِ
٢٠ / ٤٢٧
كَمَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ ﴿وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ﴾ [فصلت: ٣٠] «فِي الدُّنْيَا»
٢٠ / ٤٢٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ﴾ [فصلت: ٣٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُخْبِرًا عَنْ قِيلِ مَلَائِكَتِهِ الَّتِي تَتَنَزَّلُ عَلَى هَؤُلَاءِ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ اسْتَقَامُوا عَلَى طَاعَتِهِ عِنْدَ مَوْتِهِمْ: ﴿نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ﴾ [فصلت: ٣١] أَيُّهَا الْقَوْمُ ﴿فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [البقرة: ٨٥] كُنَّا نَتَوَلَّاكُمْ فِيهَا؛ وَذُكِرَ أَنَّهُمُ الْحَفَظَةُ الَّذِينَ كَانُوا يَكْتُبُونَ أَعْمَالَهُمْ
٢٠ / ٤٢٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، ﴿نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [فصلت: ٣١] «نَحْنُ الْحَفَظَةُ الَّذِينَ كُنَّا مَعَكُمْ فِي الدُّنْيَا، وَنَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْآخِرَةِ»
٢٠ / ٤٢٨
وَقَوْلُهُ: ﴿وَفِي الْآخِرَةِ﴾ [البقرة: ٢٠١] يَقُولُ: وَفِي الْآخِرَةِ أَيْضًا نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ، كَمَا كُنَّا لَكُمْ فِي الدُّنْيَا أَوْلِيَاءَ ﴿وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ﴾ [فصلت: ٣١] يَقُولُ: وَلَكُمْ فِي الْآخِرَةِ عِنْدَ اللَّهِ مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ مِنَ اللَّذَّاتِ وَالشَّهَوَاتِ
٢٠ / ٤٢٨
وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ﴾ [فصلت: ٣١] يَقُولُ: وَلَكُمْ فِي الْآخِرَةِ مَا تَدَّعُونَ
٢٠ / ٤٢٨
وَقَوْلُهُ: ﴿نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ﴾ [فصلت: ٣٢] يَقُولُ: أَعْطَاكُمْ ذَلِكَ رَبُّكُمْ نُزُلًا لَكُمْ مِنْ رَبٍّ غَفُورٍ لِذُنُوبِكُمْ، رَحِيمٍ ⦗٤٢٩⦘ بِكُمْ أَنْ يُعَاقِبَكُمْ بَعْدَ تَوْبَتِكُمْ؛ وَنَصَبَ نُزُلًا عَلَى الْمَصْدَرِ مِنْ مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ﴾ [فصلت: ٣١] لِأَنَّ فِي ذَلِكَ تَأْوِيلَ أَنْزَلَكُمْ رَبُّكُمْ بِمَا يَشْتَهُونَ مِنَ النَّعِيمِ نُزُلًا
٢٠ / ٤٢٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾ [فصلت: ٣٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمَنْ أَحْسَنُ أَيُّهَا النَّاسُ قَوْلًا مِمَّنْ قَالَ رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامَ عَلَى الْإِيمَانِ بِهِ، وَالِانْتِهَاءِ إِلَى أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ، وَدَعَا عِبَادَ اللَّهِ إِلَى مَا قَالَ وَعَمِلَ بِهِ مِنْ ذَلِكَ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٠ / ٤٢٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، قَالَ: تَلَا الْحَسَنُ: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [فصلت: ٣٣] قَالَ: «هَذَا حَبِيبُ اللَّهِ، هَذَا وَلِيُّ اللَّهِ، هَذَا صَفْوَةُ اللَّهِ، هَذَا خَيْرَةُ اللَّهِ، هَذَا أَحَبُّ الْخَلْقِ إِلَى اللَّهِ، أَجَابَ اللَّهُ فِي دَعْوَتِهِ، وَدَعَا النَّاسَ إِلَى مَا أَجَابَ اللَّهُ فِيهِ مِنْ دَعْوَتِهِ، وَعَمِلَ صَالِحًا فِي إِجَابَتِهِ، وَقَالَ: إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَهَذَا خَلِيفَةُ اللَّهِ»
٢٠ / ٤٢٩
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ ⦗٤٣٠⦘ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ﴾ [فصلت: ٣٣] . . . الْآيَةَ، قَالَ: «هَذَا عَبْدٌ صَدَّقَ قَوْلَهُ عَمَلُهُ، وَمَوْلَجَهُ مَخْرَجُهُ، وَسِرَّهُ عَلَانِيَتُهُ، وَشَاهِدَهُ مَغِيبُهُ، وَإِنَّ الْمُنَافِقَ عَبْدٌ خَالَفَ قَوْلَهُ عَمَلُهُ، وَمَوْلَجَهُ مَخْرَجُهُ، وَسَرَّهُ عَلَانِيَتُهُ، وَشَاهِدَهُ مَغِيبُهُ» وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الَّذِي أُرِيدَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ مِنَ النَّاسِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عُنِيَ بِهَا نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ
٢٠ / ٤٢٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ﴾ [فصلت: ٣٣] قَالَ: «مُحَمَّدٌ ﷺ حِينَ دَعَا إِلَى الْإِسْلَامِ»
٢٠ / ٤٣٠
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [فصلت: ٣٣] قَالَ: «هَذَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ» وَقَالَ آخَرُونَ: عُنِيَ بِهِ الْمُؤَذِّنُ
٢٠ / ٤٣٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي دَاوُدُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ يَزِيدَ الْمُكْتِبُ الْبَصْرِيُّ، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ جَرِيرٍ الْبَجَلِيُّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ﴾ [فصلت: ٣٣] قَالَ: «الْمُؤَذِّنُ» ﴿وَعَمِلَ صَالِحًا﴾ [البقرة: ٦٢] قَالَ: «⦗٤٣١⦘ الصَّلَاةَ مَا بَيْنَ الْأَذَانِ إِلَى الْإِقَامَةِ»
٢٠ / ٤٣٠
وَقَوْلُهُ: ﴿وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [فصلت: ٣٣] يَقُولُ: وَقَالَ: إِنَّنِي مِمَّنْ خَضَعَ لِلَّهِ بِالطَّاعَةِ، وذَلَّ لَهُ بِالْعُبُودَةِ، وَخَشَعَ لَهُ بِالْإِيمَانِ بِوَحْدَانِيَّتِهِ
٢٠ / ٤٣١
وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ﴾ [فصلت: ٣٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَا تَسْتَوِي حَسَنَةُ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا، فَأَحْسَنُوا فِي قَوْلِهِمْ، وَإِجَابَتِهِمْ رَبَهُمْ إِلَى مَا دَعَاهُمْ إِلَيْهِ مِنْ طَاعَتِهِ، وَدَعَوْا عِبَادَ اللَّهِ إِلَى مِثْلِ الَّذِي أَجَابُوا رَبَّهُمْ إِلَيْهِ، وَسَيِّئَةُ الَّذِينَ قَالُوا: ﴿لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلُبُونَ﴾ [فصلت: ٢٦] فَكَذَلِكَ لَا تَسْتَوِي عِنْدَ اللَّهِ أَحْوَالُهُمْ وَمَنَازِلُهُمْ، وَلَكِنَّهَا تَخْتَلِفُ كَمَا وَصَفَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّهُ خَالَفَ بَيْنَهُمَا، وَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ﴾ [فصلت: ٣٤] فَكَرَّرَ لَا، وَالْمَعْنَى: لَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ، لِأَنَّ كُلَّ مَا كَانَ غَيْرَ مُسَاوٍ شَيْئًا، فَالشَّيْءُ الَّذِي هُوَ لَهُ غَيْرُ مُسَاوٍ غَيْرَ مُسَاوِيهِ، كَمَا أَنَّ كُلَّ مَا كَانَ مُسَاوِيًا لِشَيْءٍ فَالْآخِرُ الَّذِي هُوَ لَهُ مُسَاوٍ، مُسَاوٍ لَهُ، فَيُقَالُ: فُلَانٌ مُسَاوٍ فُلَانًا، وَفُلَانٌ لَهُ مُسَاوٍ، فَكَذَلِكَ فُلَانٌ لَيْسَ مُسَاوِيًا لِفُلَانٍ، وَلَا فُلَانٌ مُسَاوِيًا لَهُ، فَلِذَلِكَ كُرِّرَتْ لَا مَعَ السَّيِّئَةِ، وَلَوْ لَمْ تَكُنْ مُكَرَّرَةً مَعَهَا كَانَ الْكَلَامُ صَحِيحًا وَقَدْ كَانَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ يَقُولُ: يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: الثَّانِيَةُ زَائِدَةٌ؛ يُرِيدُ: لَا يَسْتَوِي عَبْدُ اللَّهِ وَزَيْدٌ، فَزِيدَتْ لَا تَوْكِيدًا، كَمَا قَالَ ﴿لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ﴾ [الحديد: ٢٩] أَيْ لِأَنْ يَعْلَمَ، وَكَمَا قَالَ: ﴿لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ﴾ [القيامة: ٢] وَقَدْ كَانَ بَعْضُهُمْ يُنْكِرُ قَوْلَهُ هَذَا فِي: ﴿لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ﴾ [الحديد: ٢٩]، وَفِي قَوْلِهِ: ﴿لَا أُقْسِمُ﴾ [القيامة: ١] فَيَقُولُ: لَا الثَّانِيَةُ فِي قَوْلِهِ
٢٠ / ٤٣١
: ﴿لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ﴾ [الحديد: ٢٩] أَنْ لَا يَقْدِرُونَ رُدَّتْ إِلَى مَوْضِعِهَا، لِأَنَّ النَّفْيَ إِنَّمَا لَحِقَ يَقْدِرُونَ لَا الْعِلْمُ، كَمَا يُقَالُ: لَا أَظُنُّ زَيْدًا لَا يَقُومُ، بِمَعْنَى: أَظُنُّ زَيْدًا لَا يَقُومُ؛ قَالَ: وَرُبَّمَا اسْتَوْثَقُوا فَجَاءُوا بِهِ أَوَّلًا وَآخِرًا، وَرُبَّمَا اكْتَفَوْا بِالْأَوَّلِ مِنَ الثَّانِي وَحُكِيَ سَمَاعًا مِنَ الْعَرَبِ: مَا كَأَنِّي أَعْرِفُهَا: أَيْ كَأَنِّي لَا أَعْرِفُهَا. قَالَ: وَأَمَّا «لَا» فِي قَوْلِهِ ﴿لَا أُقْسِمُ﴾ [القيامة: ١] فَإِنَّمَا هُوَ جَوَابٌ، وَالْقَسَمُ بَعْدَهَا مُسْتَأْنَفٌ، وَلَا يَكُونُ حَرْفُ الْجَحْدِ مُبْتَدَأً صِلَةٍ وَإِنَّمَا عَنَى بقَولِهِ: ﴿وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةَ﴾ [فصلت: ٣٤] وَلَا يَسْتَوِي الْإِيمَانُ بِاللَّهِ وَالْعَمَلُ بِطَاعَتِهِ وَالشِّرْكُ بِهِ وَالْعَمَلُ بِمَعْصِيَتِهِ
٢٠ / ٤٣٢
وَقَوْلُهُ: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [المؤمنون: ٩٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: ادْفَعْ يَا مُحَمَّدُ بِحِلْمِكَ جَهْلَ مَنْ جَهِلَ عَلَيْكَ، وَبِعَفْوِكَ عَمَّنْ أَسَاءَ إِلَيْكَ إِسَاءَةَ الْمُسِيءِ، وَبِصَبْرِكَ عَلَيْهِمْ مَكْرُوهَ مَا تَجِدُ مِنْهُمْ، وَيَلْقَاكَ مِنْ قِبَلِهِمْ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ عَلَى اخْتِلَافٍ مِنْهُمْ فِي تَأْوِيلِهِ
٢٠ / ٤٣٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [فصلت: ٣٤] قَالَ: «أَمَرَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ بِالصَّبْرِ عِنْدَ الْغَضَبِ، وَالْحِلْمِ وَالْعَفْوِ عِنْدَ الْإِسَاءَةِ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمَهُمُ اللَّهُ مِنَ الشَّيْطَانِ، وَخَضَعَ لَهُمْ عَدُوُّهُمْ، كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ» ⦗٤٣٣⦘ وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: ادْفَعْ بِالسَّلَامِ عَلَى مَنْ أَسَاءَ إِلَيْكَ إِسَاءَتَهُ
٢٠ / ٤٣٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا أَبُو عَامِرٍ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ عَطَاءٍ ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [فصلت: ٣٤] قَالَ: «بِالسَّلَامِ»
٢٠ / ٤٣٣
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [فصلت: ٣٤] قَالَ: «السَّلَامُ عَلَيْكَ إِذَا لَقِيتَهُ»
٢٠ / ٤٣٣
وَقَوْلُهُ: ﴿فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾ [فصلت: ٣٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: افْعَلْ هَذَا الَّذِي أَمَرْتُكَ بِهِ يَا مُحَمَّدُ مِنْ دِفْعِ سَيِّئَةِ الْمُسِيءِ إِلَيْكَ بِإِحْسَانِكَ الَّذِي أَمَرْتُكَ بِهِ إِلَيْهِ، فَيَصِيرُ الْمُسِيءُ إِلَيْكَ الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ، كَأَنَّهُ مِنْ مُلَاطَفَتِهِ إِيَّاكَ وَبِرِّهِ لَكَ، وَلِيٌّ لَكَ مِنْ بَنِي أَعْمَامِكَ، قَرِيبُ النَّسَبِ بِكَ، وَالْحَمِيمُ: هُوَ الْقَرِيبُ
٢٠ / ٤٣٣
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ،. قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾ [فصلت: ٣٤] «أَيْ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ قَرِيبٌ»
٢٠ / ٤٣٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو ⦗٤٣٤⦘ حَظٍّ عَظِيمٍ وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [فصلت: ٣٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمَا يُعْطَى دَفْعَ السَّيِّئَةِ بِالْحَسَنَةِ إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا لِلَّهِ عَلَى الْمَكَارِهِ، وَالْأُمُورِ الشَّاقَةِ؛ وَقَالَ: ﴿وَمَا يُلَقَّاهَا﴾ [فصلت: ٣٥] وَلَمْ يَقُلْ: وَمَا يَلْقَاهُ، لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ: وَمَا يَلْقَى هَذِهِ الْفِعْلَةَ إِلَّا مَنْ دَفَعَ السَّيِّئَةَ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ
٢٠ / ٤٣٣
وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾ [فصلت: ٣٥] يَقُولُ: وَمَا يُلَقَّى هَذِهِ إِلَّا ذُو نَصِيبٍ وَجَدٍّ لَهُ سَابِقٌ فِي الْمَبَرَّاتِ عَظِيمٌ
٢٠ / ٤٣٤
كَمَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾ [فصلت: ٣٥] ذُو جَدٍّ ” وَقِيلَ: إِنَّ ذَلِكَ الْحَظَّ الَّذِي أَخْبَرَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّهُ لِهَؤُلَاءِ الْقَوْمِ هُوَ الْجَنَّةُ
٢٠ / ٤٣٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا﴾ [فصلت: ٣٥] . . . الْآيَةَ «وَالْحَظُّ الْعَظِيمُ: الْجَنَّةُ» ذُكِرَ لَنَا أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه شَتَمَهُ رَجُلٌ وَنَبِيُّ اللَّهِ ﷺ شَاهِدٌ، فَعَفَا عَنْهُ سَاعَةً، ثُمَّ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ جَاشَ بِهِ الْغَضَبُ، فَرَدَّ عَلَيْهِ، فَقَامَ النَّبِيُّ ﷺ فَاتَّبَعَهُ أَبُو بَكْرٍ، ⦗٤٣٥⦘ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ شَتَمَنِي الرَّجُلُ، فَعَفَوْتُ وَصَفَحْتُ وَأَنْتَ قَاعِدٌ، فَلَمَّا أَخَذْتُ أَنْتَصِرُ قُمْتَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ، فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ: «إِنَّهُ كَانَ يَرُدُّ عَنْكَ مَلَكٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، فَلَمَّا قَرِبْتَ تَنْتَصِرُ ذَهَبَ الْمَلِكُ وَجَاءَ الشَّيْطَانُ، فَوَاللَّهِ مَا كُنْتُ لَأُجَالِسُ الشَّيْطَانَ يَا أَبَا بَكْرٍ»
٢٠ / ٤٣٤
حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾ [فصلت: ٣٥] يَقُولُ: «الَّذِينَ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمُ الْجَنَّةَ»
٢٠ / ٤٣٥
وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْعٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ﴾ . . . الْآيَةَ، يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَإِمَّا يُلْقِيَنَّ الشَّيْطَانُ يَا مُحَمَّدُ فِي نَفْسِكَ وَسْوَسَةً مِنْ حَدِيثِ النَّفْسِ إِرَادَةَ حَمْلِكَ عَلَى مُجَازَاةِ الْمُسِيءِ بِالْإِسَاءَةِ، وَدُعَائِكَ إِلَى مَسَاءَتِهِ، فَاسْتَجِرْ بِاللَّهِ وَاعْتَصِمْ مِنْ خُطُوَاتِهِ، إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ لِاسْتِعَاذَتِكَ مِنْهُ وَاسْتِجَارَتِكَ بِهِ مِنْ نَزَغَاتِهِ، وَلِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِكَ وَكَلَامِ غَيْرِكَ، الْعَلِيمُ بِمَا أَلْقَى فِي نَفْسِكَ مِنْ نَزَغَاتِهِ، وَحَدَّثَتْكَ بِهِ نَفْسُكَ وَمِمَّا يَذْهَبُ ذَلِكَ مِنْ قِبَلِكَ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أُمُورِكَ وَأُمُورِ خَلْقِهِ
٢٠ / ٤٣٥
كَمَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، ﴿وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ﴾ [الأعراف: ٢٠٠] قَالَ: «وَسْوَسَةٌ وَحَدِيثُ النَّفْسِ» ﴿فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ﴾ [النحل: ٩٨]
٢٠ / ٤٣٥
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ ﴿وَإِمَّا ⦗٤٣٦⦘ يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ﴾ [الأعراف: ٢٠٠] «هَذَا الْغَضَبُ»
٢٠ / ٤٣٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ﴾ [فصلت: ٣٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمِنْ حُجَجِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى خَلْقِهِ وَدَلَالَتِهِ عَلَى وَحْدَانِيَّتِهِ، وَعَظِيمِ سُلْطَانِهِ، اخْتِلَافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَمُعَاقَبَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ، وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ، لَا الشَّمْسُ تُدْرِكُ الْقَمَرَ ﴿وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾ [يس: ٤٠] لَا تَسْجُدُوا أَيُّهَا النَّاسُ لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ، فَإِنَّهُمَا وَإِنْ جَرَيَا فِي الْفُلْكِ بِمَنَافِعِكُمْ، فَإِنَّمَا يَجْرِيَانِ بِهِ لَكُمْ بِإِجْرَاءِ اللَّهِ إِيَّاهُمَا لَكُمْ طَائِعِينَ لَهُ فِي جَرْيِهِمَا وَمَسِيرِهِمَا، لَا بِأَنَّهُمَا يَقْدِرَانِ بِأَنْفُسِهِمَا عَلَى سَيْرٍ وَجَرْيٍ دُونَ إِجْرَاءِ اللَّهِ إِيَّاهُمَا وَتَسْيِيرِهِمَا، أَوْ يَسْتَطِيعَانِ لَكُمْ نَفْعًا أَوْ ضَرًّا، وَإِنَّمَا اللَّهُ مُسَخِّرُهُمَا لَكُمْ لِمَنَافِعِكُمْ وَمَصَالِحِكُمْ، فَلَهُ فَاسْجُدُوا، وَإِيَّاهُ فَاعْبُدُوا دُونَهَا، فَإِنَّهُ إِنْ شَاءَ طَمَسَ ضَوْءَهُمَا، فَتَرَكَكُمْ حَيَارَى فِي ظُلْمَةٍ لَا تَهْتَدُونَ سَبِيلًا، وَلَا تُبْصِرُونَ شَيْئًا. وَقِيلَ: ﴿وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ﴾ [فصلت: ٣٧] فَجَمَعَ بِالْهَاءِ وَالنُّونِ، لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْكَلَامِ: وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ، وَذَلِكَ جَمْعٌ، وَأَنَّثَ كِنَايَتَهُنَّ، وَإِنْ كَانَ مِنْ شَأْنِ الْعَرَبِ إِذَا جَمَعُوا الذَّكَرَ إِلَى الْأُنْثَى أَنْ يُخْرِجُوا كِنَايَتَهُمَا بِلَفْظِ كِنَايَةِ الْمُذَكِّرِ فَيَقُولُوا: أَخَوَاكَ وَأُخْتَاكَ كَلَّمُونِي، وَلَا يَقُولُوا: كَلَّمْنَنِي، لِأَنَّ مِنْ شَأْنِهِمْ أَنْ يُؤَنِّثُوا أَخْبَارَ الذُّكُورِ مِنْ غَيْرِ بَنِي آدَمَ فِي الْجَمْعِ، فَيَقُولُوا: رَأَيْتُ مَعَ عَمْرٍو أَثْوَابًا فَأَخَذْتُهُنَّ مِنْهُ، وَأَعْجَبَنِي خَوَاتِيمَ لِزَيْدٍ قَبَضْتُهُنَّ مِنْهُ
٢٠ / ٤٣٦
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ﴾ [البقرة: ١٧٢] يَقُولُ: إِنْ كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ اللَّهَ، ⦗٤٣٧⦘ وَتَذَلُّونَ لَهُ بِالطَّاعَةِ؛ وَإِنَّ مِنْ طَاعَتِهِ أَنْ تُخْلِصُوا لَهُ الْعِبَادَةَ، وَلَا تُشْرِكُوا فِي طَاعَتِكُمْ إِيَّاهُ وَعِبَادَتِكُمُوهُ شَيْئًا سِوَاهُ، فَإِنَّ الْعِبَادَةَ لَا تَصْلُحُ لِغَيْرِهِ وَلَا تَنْبَغِي لِشَيْءٍ سِوَاهُ
٢٠ / ٤٣٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ﴾ [فصلت: ٣٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَإِنِ اسْتَكْبَرَ يَا مُحَمَّدُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَنْتَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ مِنْ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ، وَتَعَظَّمُوا عَنْ أَنَّ يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُمْ وَخَلَقَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ ذَلِكَ، وَلَا يَتَعَظَّمُونَ عَنْهُ، بَلْ يُسَبِّحُونَ لَهُ، وَيُصَلُّونَ لَيْلًا وَنَهَارًا، ﴿وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ﴾ [فصلت: ٣٨] يَقُولُ وَهُمْ لَا يَفْتَرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِمْ، وَلَا يَمِلُّونَ الصَّلَاةَ لَهُ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٠ / ٤٣٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: ﴿فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ﴾ [فصلت: ٣٨] قَالَ: «يَعْنِي مُحَمَّدًا، يَقُولُ: عِبَادِي، مَلَائِكَةٌ صَافُّونَ يُسَبِّحُونَ وَلَا يَسْتَكْبِرُونَ»
٢٠ / ٤٣٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [فصلت: ٣٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمِنْ حُجَجِ اللَّهِ أَيْضًا وَأَدِلَّتِهِ عَلَى قُدْرَتِهِ عَلَى نَشْرِ الْمَوْتَى مِنْ ⦗٤٣٨⦘ بَعْدِ بِلَاهَا، وَإِعَادَتِهَا لِهَيْئَتِهَا كَمَا كَانَتْ مِنْ بَعْدِ فَنَائِهَا أَنَّكَ يَا مُحَمَّدُ تَرَى الْأَرْضَ دَارِسَةً غَبْرَاءَ، لَا نَبَاتَ بِهَا وَلَا زَرْعَ
٢٠ / ٤٣٧
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَال: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً﴾ [فصلت: ٣٩] «أَيْ غَبْرَاءَ مُتَهَشِّمَةً»
٢٠ / ٤٣٨
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً﴾ [فصلت: ٣٩] قَالَ: «يَابِسَةً مُتَهَمِّشَةً» ﴿فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ﴾ [الحج: ٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَإِذَا أَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ غَيْثًا عَلَى هَذِهِ الْأَرْضِ الْخَاشِعَةِ اهْتَزَّتْ بِالنَّبَاتِ. يَقُولُ: تَحَرَّكَتْ بِهِ
٢٠ / ٤٣٨
كَمَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿اهْتَزَّتْ﴾ [فصلت: ٣٩] قَالَ: «بِالنَّبَاتِ» ﴿وَرَبَتْ﴾ [فصلت: ٣٩] يَقُولُ: انْتَفَخَتْ
٢٠ / ٤٣٨
كَمَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ ﴿وَرَبَتْ﴾ [فصلت: ٣٩] «انْتَفَخَتْ»
٢٠ / ٤٣٨
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا ⦗٤٣٩⦘ الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ﴾ [الحج: ٥] «يُعْرَفُ الْغَيْثُ فِي سَحَّتِهَا وَرَبْوِهَا»
٢٠ / ٤٣٨
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الحسن، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ﴿وَرَبَتْ﴾ [فصلت: ٣٩] ” لِلنَّبَاتِ، قَالَ: «ارْتَفَعَتْ قَبْلَ أَنْ تَنْبُتَ»
٢٠ / ٤٣٩
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى﴾ [فصلت: ٣٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ الَّذِي أَحْيَا هَذِهِ الْأَرْضَ الدَّارِسَةَ فَأَخْرَجَ مِنْهَا النَّبَاتَ، وَجَعَلَهَا تَهْتَزُّ بِالزَّرْعِ مِنْ بَعْدِ يَبَسِهَا وَدُثُورِهَا بِالْمَطَرِ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْهَا لَقَادِرٌ أَنْ يُحْيِيَ أَمْوَاتَ بَنِي آدَمَ مِنْ بَعْدِ مَمَاتِهِمْ بِالْمَاءِ الَّذِي يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ لِإِحْيَائِهِمْ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأوِيلِ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: «كَمَا يُحْيِي الْأَرْضَ بِالْمَطَرِ، كَذَلِكَ يُحْيِي الْمَوْتَى بِالْمَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ» يَعْنِي بِذَلِكَ تَأْوِيلَ قَوْلِهِ: ﴿إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى﴾ [فصلت: ٣٩]
٢٠ / ٤٣٩
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [فصلت: ٣٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ رَبَّكَ يَا مُحَمَّدُ عَلَى إِحْيَاءِ خَلْقِهِ بَعْدَ مَمَاتِهِمْ وَعَلَى كُلِّ مَا يَشَاءُ ذُو قُدْرَةٍ لَا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ أَرَادَهُ، وَلَا ⦗٤٤٠⦘ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ فِعْلَ شَيْءٍ شَاءَهُ
٢٠ / ٤٣٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ [فصلت: ٤٠] يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا﴾ [فصلت: ٤٠] إِنَّ الَّذِينَ يَمِيلُونَ عَنِ الْحَقِّ فِي حُجَجِنَا وَأَدِلَّتِنَا، وَيَعْدِلُونَ عَنْهَا تَكْذِيبًا بِهَا وَجُحُودًا لَهَا وَقَدْ بَيَّنْتُ فِيمَا مَضَى مَعْنَى اللَّحْدِ بِشَوَاهِدِهِ الْمُغْنِيَةِ عَنْ إِعَادَتِهَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَسَنَذْكُرُ بَعْضَ اخْتِلَافِ الْمُخْتَلِفِينَ فِي الْمُرَادِ بِهِ مِنْ مَعْنَاهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمُرَادِ بِهِ مِنْ مَعْنَى الْإِلْحَادِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أُرِيدَ بِهِ مُعَارَضَةُ الْمُشْرِكِينَ الْقُرْآنَ بِاللَّغَطِ وَالصَّفِيرِ اسْتِهْزَاءً بِهِ
٢٠ / ٤٤٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا﴾ [فصلت: ٤٠] قَالَ: «الْمُكَاءُ وَمَا ذُكِرَ مَعَهُ» وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أُرِيدَ بِهِ الْخَبَرُ عَنْ كَذِبِهِمْ فِي آيَاتِ اللَّهِ
٢٠ / ٤٤٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ ⦗٤٤١⦘ فِي آيَاتِنَا﴾ [فصلت: ٤٠] قَالَ: «يَكْذِبُونَ فِي آيَاتِنَا» وَقَالَ آخَرُونَ: أُرِيدَ بِهِ يُعَانِدُونَ
٢٠ / ٤٤٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا﴾ [فصلت: ٤٠] قَالَ: «يُشَاقُّونَ: يُعَانِدُونَ» وَقَالَ آخَرُونَ: أُرِيدَ بِهِ الْكُفْرُ وَالشِّرْكُ
٢٠ / ٤٤١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يُخْفَوْنَ عَلَيْنَا﴾ [فصلت: ٤٠] قَالَ: «هَؤُلَاءِ أَهْلُ الشِّرْكِ وَقَالَ: الْإِلْحَادُ: الْكُفْرُ وَالشِّرْكُ» وَقَالَ آخَرُونَ: أُرِيدَ بِهِ الْخَبَرُ عَنْ تَبْدِيلِهِمْ مَعَانِي كِتَابِ اللَّهِ
٢٠ / ٤٤١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثَنَّى عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يُخْفَوْنَ عَلَيْنَا﴾ [فصلت: ٤٠] قَالَ: «هُوَ أَنْ يُوضَعَ الْكَلَامُ عَلَى غَيْرِ مَوْضِعِهِ» وَكُلُّ هَذِهِ الْأَقْوَالِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ فِي قَرِيبَاتِ الْمَعَانِي، وَذَلِكَ أَنَّ ⦗٤٤٢⦘ اللَّحْدَ وَالْإِلْحَادَ: هُوَ الْمِيلُ، وَقَدْ يَكُونُ مَيْلًا عَنْ آيَاتِ اللَّهِ، وَعُدُولًا عَنْهَا بِالتَّكْذِيبِ بِهَا، وَيَكُونُ بِالِاسْتِهْزَاءِ مُكَاءً وَتَصْدِيَةً، وَيَكُونُ مُفَارَقَةً لَهَا وَعِنَادًا، وَيَكُونُ تَحْرِيفًا لَهَا وَتَغْيِيرًا لِمَعَانِيهَا وَلَا قَوْلَ أَوْلَى بِالصِّحَّةِ فِي ذَلِكَ مِمَّا قُلْنَا، وَأَنْ يُعَمَّ الْخَبَرُ عَنْهُمْ بِأَنَّهُمْ أَلْحَدُوا فِي آيَاتِ اللَّهِ، كَمَا عَمَّ ذَلِكَ رَبُّنَا تبارك وتعالى
٢٠ / ٤٤١
وَقَوْلُهُ: ﴿لَا يُخْفَوْنَ عَلَيْنَا﴾ [فصلت: ٤٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: نَحْنُ بِهِمْ عَالِمُونَ لَا يُخْفَوْنَ عَلَيْنَا، وَنَحْنُ لَهُمْ بِالْمِرْصَادِ إِذَا وَرَدُّوا عَلَيْنَا، وَذَلِكَ تَهْدِيدٌ مِنَ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَهُمْ بِقَوْلِهِ: سَيَعْلَمُونَ عِنْدَ وُرُودِهِمْ عَلَيْنَا مَاذَا يَلْقُونَ مِنْ أَلِيمِ عَذَابِنَا ثُمَّ أَخْبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَمَّا هُوَ فَاعِلٌ بِهِمْ عِنْدَ وُرُودِهِمْ عَلَيْهِ، فَقَالَ: ﴿أَفَمِنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ [فصلت: ٤٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا الْيَوْمَ فِي الدُّنْيَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابُ النَّارِ، ثُمَّ قَالَ اللَّهُ: أَفَهَذَا الَّذِي يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ، أَمِ الَّذِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ آمِنًا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ لِإِيمَانِهِ بِاللَّهِ ﷻ؟ هَذَا الْكَافِرُ، إِنَّهُ إِنْ آمَنَ بِآيَاتِ اللَّهِ، وَاتَّبَعَ أَمْرَ اللَّهِ وَنَهْيَهُ، أَمَّنَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِمَّا حَذَّرَهُ مِنْهُ مِنْ عِقَابِهِ إِنْ وَرَدَ عَلَيْهِ يَوْمَئِذٍ بِهِ كَافِرًا
٢٠ / ٤٤٢
وَقَوْلُهُ: ﴿اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ﴾ [فصلت: ٤٠] وَهَذَا أَيْضًا وَعِيدٌ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ خَرَجَ مَخْرَجَ الْأَمْرِ
٢٠ / ٤٤٢
وَكَذَلِكَ كَانَ مُجَاهِدٌ يَقُولُ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ﴿اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ﴾ [فصلت: ٤٠] قَالَ: «هَذَا وَعِيدٌ»
٢٠ / ٤٤٢
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ [هود: ١١٢] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: إِنَّ اللَّهَ أَيُّهَا النَّاسُ ⦗٤٤٣⦘ بِأَعْمَالِكُمُ الَّتِي تَعْمَلُونَهَا ذُو خِبْرَةٍ وَعِلْمٍ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهَا، وَلَا مِنْ غَيْرِهَا شَيْءٌ
٢٠ / ٤٤٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾ [فصلت: ٤٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ الَّذِينَ جَحَدُوا هَذَا الْقُرْآنَ وَكَذَبُوا بِهِ لَمَّا جَاءَهُمْ، وَعُنِيَ بِالذِّكْرِ الْقُرْآنُ
٢٠ / ٤٤٣
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ﴾ [فصلت: ٤١] «كَفَرُوا بِالْقُرْآنِ»
٢٠ / ٤٤٣
وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِنَّهُ لِكِتَابٌ عَزِيزٌ﴾ [فصلت: ٤١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَإِنَّ هَذَا الذِّكْرَ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ بِإِعْزَازِ اللَّهِ إِيَّاهُ، وَحَفْظِهِ مِنْ كُلِّ مَنْ أَرَادَ لَهُ تَبْدِيلًا، أَوْ تَحْرِيفًا، أَوْ تَغْيِيرًا، مِنْ إِنَسِيٍّ وَجِنِّيٍّ وَشَيْطَانٍ مَارِدٍ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٠ / ٤٤٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَإِنَّهُ لِكِتَابٌ عَزِيزٌ﴾ [فصلت: ٤١] يَقُولُ: «أَعَزَّهُ اللَّهُ لِأَنَّهُ كَلَامُهُ، وَحَفِظَهُ مِنَ الْبَاطِلِ»
٢٠ / ٤٤٣
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، ﴿وَإِنَّهُ لِكِتَابٌ عَزِيزٌ﴾ [فصلت: ٤١] قَالَ: «عَزِيزٌ مِنَ الشَّيْطَانِ»
٢٠ / ٤٤٣
وَقَوْلُهُ: ﴿لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ﴾ [فصلت: ٤٢] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: لَا يَأْتِيهِ النَّكِيرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ
٢٠ / ٤٤٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدٍ، ﴿لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ﴾ [فصلت: ٤٢] قَالَ: «النَّكِيرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: لَا يَسْتَطِيعُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُنْقِصَ مِنْهُ حَقًّا، وَلَا يُزِيدَ فِيهِ بَاطِلًا، قَالُوا: وَالْبَاطِلُ هُوَ الشَّيْطَانُ
٢٠ / ٤٤٤
وَقَوْلُهُ: ﴿مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ﴾ [الرعد: ١١] مِنْ قِبَلِ الْحَقِّ ﴿وَلَا مِنْ خَلْفِهِ﴾ [فصلت: ٤٢] مِنْ قِبَلِ الْبَاطِلِ
٢٠ / ٤٤٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ﴾ [فصلت: ٤٢] «الْبَاطِلُ: إِبْلِيسُ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُنْقِصَ مِنْهُ حَقًّا، وَلَا يُزِيدَ فِيهِ بَاطِلًا» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَاهُ: إِنَّ الْبَاطِلَ لَا يُطِيقُ أَنْ يُزِيدَ فِيهِ شَيْئًا مِنَ الْحُرُوفِ وَلَا يُنْقِصَ، مِنْهُ شَيْئًا مِنْهَا
٢٠ / ٤٤٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، ﴿لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ﴾ [فصلت: ٤٢] قَالَ: «الْبَاطِلُ: هُوَ الشَّيْطَانُ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُزِيدَ فِيهِ حَرْفًا وَلَا يُنْقِصَ» وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَالَ: مَعْنَاهُ: لَا يَسْتَطِيعُ ذُو بَاطِلٍ بِكَيْدِهِ تَغْيِيرَهُ بِكَيْدِهِ، وَتَبْدِيلَ شَيْءٍ مِنْ مَعَانِيهِ عَمَّا هُوَ بِهِ، وَذَلِكَ هُوَ الْإِتْيَانُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ، وَلَا إِلْحَاقَ مَا لَيْسَ مِنْهُ فِيهِ، وَذَلِكَ إِتْيَانُهُ مِنْ خَلْفِهِ
٢٠ / ٤٤٥
وَقَوْلُهُ: ﴿تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حُمَيْدٍ﴾ [فصلت: ٤٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: هُوَ تَنْزِيلٌ مِنْ عِنْدِ ذِي حِكْمَةٍ بِتَدْبِيرِ عِبَادِهِ، وَصَرْفِهِمْ فِيمَا فِيهِ مَصَالِحُهُمْ، ﴿حُمَيْدٍ﴾ [البقرة: ٢٦٧] يَقُولُ: مَحْمُودٌ عَلَى نِعَمِهِ عَلَيْهِمْ بِأَيَادِيهِ عِنْدَهُمْ
٢٠ / ٤٤٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ﴾ [فصلت: ٤٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: مَا يَقُولُ لَكَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ الْمُكَذِّبُونَ مَا جِئْتَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ رَبِّكَ إِلَّا مَا قَدْ قَالَهُ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْأُمَمِ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِكَ، يَقُولُ لَهُ: فَاصْبِرْ عَلَى مَا نَالَكَ مِنْ أَذًى مِنْهُمْ، كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ، ﴿وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ﴾ [القلم: ٤٨] وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٠ / ٤٤٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ﴾ [فصلت: ٤٣] «يُعَزِّي نَبِيَّهُ ﷺ كَمَا تَسْمَعُونَ» يَقُولُ: ﴿كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ﴾ [الذاريات: ٥٢]
٢٠ / ٤٤٦
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، فِي قَوْلِهِ: ﴿مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ﴾ [فصلت: ٤٣] قَالَ: «مَا يَقُولُونَ إِلَّا مَا قَدْ قَالَ الْمُشْرِكُونَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ»
٢٠ / ٤٤٦
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ﴾ [فصلت: ٤٣] يَقُولُ: إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِذُنُوبِ التَّائِبِينَ إِلَيْهِ مِنْ ذُنُوبِهِمْ بِالصَّفْحِ عَنْهُمْ ﴿وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ﴾ [فصلت: ٤٣] يَقُولُ: وَهُوَ ذُو عِقَابٍ مُؤْلِمٍ لِمَنْ أَصَرَّ عَلَى كَفَرِهِ وَذُنُوبِهِ، فَمَاتَ عَلَى الْإِصْرَارِ عَلَى ذَلِكَ قَبْلَ التَّوْبَةِ مِنْهُ
٢٠ / ٤٤٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ﴾ [فصلت: ٤٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَوْ جَعَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ الَّذِي أَنْزَلْنَاهُ يَا مُحَمَّدُ أَعْجَمِيًّا لَقَالَ قَوْمُكَ مِنْ قُرَيْشٍ: ﴿لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ﴾ [فصلت: ٤٤] يَعْنِي: هَلَّا بَيَّنْتَ أَدِلَّتَهُ وَمَا فِيهِ مِنْ آيَةٍ، فَنَفْقَهُهُ وَنَعْلَمُ مَا هُوَ وَمَا فِيهِ، أَأَعْجَمِيٌّ، يَعْنِي أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ إِنْكَارًا لَهُ: أَأَعْجَمِيٌّ هَذَا الْقُرْآنُ وَلِسَانُ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْهِ عَرَبِيٌّ؟ ⦗٤٤٧⦘ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٠ / ٤٤٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ﴿لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ﴾ [فصلت: ٤٤] قَالَ: «لَوْ كَانَ هَذَا الْقِرْآنُ أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا: الْقُرْآنُ أَعْجَمِيٌّ، وَمُحَمَّدٌ عَرَبِيٌّ»
٢٠ / ٤٤٧
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثني مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدَ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي وَحْشِيَّةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ﴾ [فصلت: ٤٤] قَالَ: «الرَّسُولُ عَرَبِيٌّ، وَاللِّسَانُ أَعْجَمِيٌّ»
٢٠ / ٤٤٧
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثني عَبْدُ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا أَبُو دَاوُدَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ﴾ [فصلت: ٤٤] «قُرْآنٌ أَعْجَمِيٌّ وَلِسَانٌ عَرَبِيٌّ» حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا دَاوُدُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي مُوسَى، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُطِيعٍ، بِنَحْوِهِ
٢٠ / ٤٤٧
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ﴾ [فصلت: ٤٤] «فَجُعِلَ عَرَبِيًّا، أَعْجَمِيَّ الْكَلَامِ وَعَرَبِيَّ الرَّجُلِ»
٢٠ / ٤٤٧
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ﴾ [فصلت: ٤٤] يَقُولُ: «بُيِّنَتْ آيَاتُهُ، أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ، نَحْنُ قَوْمٌ عَرَبٌ مَا لَنَا وَلِلْعُجْمَةِ» وَقَدْ خَالَفَ هَذَا الْقَوْلَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ هَؤُلَاءِ آخَرُونَ، فَقَالُوا: مَعْنَى ذَلِكَ ﴿لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ﴾ [فصلت: ٤٤] بَعْضُهَا عَرَبِيُّ، وَبَعْضُهَا عَجَمِيٌّ وَهَذَا التَّأْوِيلُ عَلَى تَأْوِيلِ مَنْ قَرَأَ ﴿أَعْجَمِيٌّ﴾ [فصلت: ٤٤] بِتَرْكِ الِاسْتِفْهَامِ فِيهِ، وَحَمْلِهِ خَبَرًا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ قِيلِ الْمُشْرِكِينَ ذَلِكَ، يَعْنِي: هَلَّا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ، مِنْهَا عَجَمِيٌّ تَعْرِفُهُ الْعَجَمُ، وَمِنْهَا عَرَبِيٌّ تَفْقَهُهُ الْعَرَبُ
٢٠ / ٤٤٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَعْقُوبُ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدٍ، قَالَ: «قَالَتْ قُرَيْشٌ: لَوْلَا أُنْزِلَ هَذَا الْقُرْآنُ أَعْجَمِيًّا وَعَرَبِيًّا «فَأَنْزَلَ اللَّهُ ﴿وَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ﴾» فَأَنْزَلَ اللَّهُ بَعْدَ هَذِهِ الْآيَةِ كُلَّ لِسَانٍ، فِيهِ» ﴿حِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ﴾ [هود: ٨٢] قَالَ: فَارِسِيَّةٌ أُعْرِبَتْ: سنك وكل وَقَرَأَتْ قُرَّاءُ الْأَمْصَارِ: ﴿أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ﴾ [فصلت: ٤٤] عَلَى وَجْهِ الِاسْتِفْهَامِ، وَذُكِرَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ قَرَأَ ذَلِكَ: (أَعْجَمِيٌّ) بِهَمْزَةٍ وَاحِدَةٍ عَلَى غَيْرِ مَذْهَبِ ⦗٤٤٩⦘ الِاسْتِفْهَامِ، عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي الْمُغِيرَةِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا الْقِرَاءَةُ الَّتِي عَلَيْهَا قُرَّاءُ الْأَمْصَارِ لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ عَلَيْهَا عَلَى مَذْهَبِ الِاسْتِفْهَامِ
٢٠ / ٤٤٨
وَقَوْلُهُ: ﴿قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءً﴾ [فصلت: ٤٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ لَهُمْ: هُوَ، وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ ﴿هُوَ﴾ [البقرة: ٢٩] الْقُرْآنَ ﴿لِلَّذِينَ آمَنُوا﴾ [المائدة: ٨٢] بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَصَدَّقُوا بِمَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِمْ ﴿هُدًى﴾ [البقرة: ٢] يَعْنِي بَيَانٌ لِلْحَقِّ ﴿وَشِفَاءٌ﴾ [يونس: ٥٧] يَعْنِي أَنَّهُ شِفَاءٌ مِنَ الْجَهْلِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٠ / ٤٤٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ. ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ﴾ [فصلت: ٤٤] قَالَ: «جَعَلَهُ اللَّهُ نُورًا وَبَرَكَةً وَشِفَاءً لِلْمُؤْمِنِينَ»
٢٠ / ٤٤٩
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ. ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ ﴿قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ﴾ [فصلت: ٤٤] قَالَ: «الْقُرْآنُ»
٢٠ / ٤٤٩
وَقَوْلُهُ: ﴿وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى﴾ [فصلت: ٤٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَمَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فِي آذَانِهِمْ ثُقْلٌ عَنِ اسْتِمَاعِ هَذَا الْقُرْآنِ، وَصَمَمٌ لَا يَسْتَمِعُونَهُ وَلَكِنَّهُمْ يُعْرِضُونَ عَنْهُ، ﴿وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى﴾ [فصلت: ٤٤] يَقُولُ: وَهَذَا الْقُرْآنُ عَلَى قُلُوبِ هَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبِينَ بِهِ عَمًى عَنْهُ، فَلَا ⦗٤٥٠⦘ يُبْصِرُونَ حُجَجَهُ عَلَيْهِمْ، وَمَا فِيهِ مِنْ مَوَاعِظِهِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٠ / ٤٤٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى﴾ [فصلت: ٤٤] «عَمُوا وَصَمُوا عَنِ الْقُرْآنِ، فَلَا يَنْتَفِعُونَ بِهِ، وَلَا يَرْغَبُونَ فِيهِ»
٢٠ / ٤٥٠
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ. ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، ﴿وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ﴾ [فصلت: ٤٤] قَالَ: “صَمَمٌ ﴿وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى﴾ [فصلت: ٤٤] قَالَ: «عَمِيَتْ قُلُوبُهُمْ عَنْهُ»
٢٠ / ٤٥٠
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى﴾ [فصلت: ٤٤] قَالَ: “الْعَمَى: «الْكُفْرُ» وَقَرَأَتْ قُرَّاءُ الْأَمْصَارِ: ﴿وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى﴾ [فصلت: ٤٤] بِفَتْحِ الْمِيمِ وَذُكَرَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَرَأَ: «وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمٍ» بِكَسْرِ الْمِيمِ عَلَى وَجْهِ النَّعْتِ لِلْقُرْآنِ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا مَا عَلَيْهِ قُرَّاءُ الْأَمْصَارِ
٢٠ / ٤٥٠
وَقَوْلُهُ: ﴿أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ﴾ [فصلت: ٤٤] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَاهُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى ذَلِكَ: تَشْبِيهٌ مِنَ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ، لِعَمَى قُلُوبِهِمْ عَنْ فَهْمِ مَا أُنْزِلَ فِي الْقُرْآنِ مِنْ حُجَجِهِ وَمَوَاعِظِهِ بِبَعِيدٍ، فَهُمْ كَمَا مَعَ صَوْتٍ مِنْ بَعِيدٍ نُودِيَ، فَلَمْ ⦗٤٥١⦘ يَفْهَمْ مَا نُودِيَ، كَقَوْلِ الْعَرَبِ لِلرَّجُلِ الْقَلِيلِ الْفَهْمِ: إِنَّكَ لَتُنَادَى مِنْ بَعِيدٍ، وَكَقَوْلِهِمْ لِلْفَهِمِ: إِنَّكَ لَتَأْخُذُ الْأُمُورَ مِنْ قَرِيبٍ
٢٠ / ٤٥٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ﴿أُولَئِكَ يُنَادُونَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ﴾ [فصلت: ٤٤] قَالَ: «بَعِيدٍ مِنْ قُلُوبِهِمْ» حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ مُجَاهِدٍ، بِنَحْوِهِ
٢٠ / ٤٥١
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿أُولَئِكَ يُنَادُونَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ﴾ [فصلت: ٤٤] قَالَ: «ضَيَّعُوا أَنْ يَقْبَلُوا الْأَمْرَ مِنْ قَرِيبٍ، يَتُوبُونَ وَيُؤْمِنُونَ، فَيُقْبَلُ مِنْهُمْ، فَأَبَوْا» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مِعْنَى ذَلِكَ: إِنَّهُمْ يُنَادُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ مِنْهُمْ بِأَشْنَعِ أَسْمَائِهِمْ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:
٢٠ / ٤٥١
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ أَجْلَحَ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ، ﴿أُولَئِكَ يُنَادُونَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ﴾ [فصلت: ٤٤] قَالَ: «يُنَادَى الرَّجُلُ ⦗٤٥٢⦘ بِأَشْنَعِ اسْمِهِ» وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي مَوْضِعِ تَمَامِ قَوْلِهِ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ﴾ [فصلت: ٤١] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: تَمَامُهُ: ﴿أُولَئِكَ يُنَادُونَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ﴾ [فصلت: ٤٤] وَجَعَلَ قَائِلُو هَذَا الْقَوْلِ خَبَرَ ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ﴾ [فصلت: ٤١] ﴿أُولَئِكَ يُنَادُونَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ﴾ [فصلت: ٤٤] وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ: يَجُوزُ ذَلِكَ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْأَخْبَارِ الَّتِي فِي الْقُرْآنِ يُسْتَغْنَى بِهَا، كَمَا اسْتَغْنَتْ أَشْيَاءُ عَنِ الْخَبَرِ إِذَا طَالَ الْكَلَامُ، وَعُرِفَ الْمَعْنَى، نَحْوَ قَوْلِهِ: ﴿وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ﴾ [الرعد: ٣١] وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ
٢٠ / ٤٥١
قَالَ: وَحَدَّثَنِي شَيْخٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، قَالَ: سَمِعْتُ عِيسَى بْنَ عُمَرَ، يَسْأَلُ عَمْرَو بْنَ عُبَيْدٍ ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ﴾ [فصلت: ٤١] أَيْنَ خَبَرُهُ؟ فَقَالَ عَمْرٌو: «مَعْنَاهُ فِي التَّفْسِيرِ: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ كَفَرُوا بِهِ ﴿وَإِنَّهُ لِكِتَابٌ عَزِيزٌ﴾ [فصلت: ٤١] فَقَالَ عِيسَى: أَجَدْتَ يَا أَبَا عُثْمَانَ» وَكَانَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ يَقُولُ: إِنْ شِئْتَ جَعَلْتَ جَوَابَ ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ﴾ [فصلت: ٤١] ﴿أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ﴾ [فصلت: ٤٤] وَإِنْ شِئْتَ كَانَ جَوَابُهُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِنَّهُ لِكِتَابٌ عَزِيزٌ﴾ [فصلت: ٤١]، فَيَكُونُ جَوَابُهُ مَعْلُومًا، فَتُرِكَ فَيَكُونُ أَعْرَبَ الْوَجْهَيْنِ وَأَشْبَهَهُ بِمَا جَاءَ فِي الْقُرْآنِ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ ذَلِكَ مِمَّا انْصَرَفَ عَنِ الْخَبَرِ عَمَّا ابْتُدِئَ بِهِ إِلَى الْخَبَرِ عَنِ الَّذِي
٢٠ / ٤٥٢
بَعْدَهُ مِنَ الذِّكْرِ؛ فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ تَرَكَ الْخَبَرَ عَنِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ، وَجَعَلَ الْخَبَرَ عَنِ الذِّكْرِ، فَتَمَامُهُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ؛ وَإِنَّهُ لِكِتَابٌ عَزِيزٌ؛ فَكَانَ مَعْنَى الْكَلَامِ عِنْدَ قَائِلِ هَذَا الْقَوْلِ: إِنَّ الذِّكْرَ الَّذِي كَفَرَ بِهِ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ لَمَّا جَاءَهُمْ، وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ، وَشَبَّهَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ﴾ [البقرة: ٢٣٤] . وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَالَ: هُوَ مِمَّا تُرِكَ خَبَرُهُ اكْتِفَاءً بِمِعْرِفَةِ السَّامِعِينَ بِمَعْنَاهُ لَمَّا تَطَاوَلَ الْكَلَامُ
٢٠ / ٤٥٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ﴾ [هود: ١١٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ﴾ [البقرة: ٨٧] يَا مُحَمَّدُ، يَعْنِي التَّوْرَاةَ، كَمَا آتَيْنَاكَ الْفُرْقَانَ ﴿فَاخْتُلِفَ فِيهِ﴾ [هود: ١١٠] يَقُولُ: فَاخْتَلَفَ فِي الْعَمَلِ بِمَا فِيهِ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنَ الْيَهُودِ ﴿وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ﴾ [يونس: ١٩] يَقُولُ: وَلَوْلَا مَا سَبَقَ مِنْ قَضَاءِ اللَّهِ وَحُكْمِهِ فِيهِمْ أَنَّهُ أَخَّرَ عَذَابَهُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ﴿لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ﴾ [يونس: ١٩] يَقُولُ: لَعَجَّلَ الْفَصْلَ بَيْنَهُمْ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ بِإِهْلَاكِهِ الْمُبْطِلِينَ مِنْهُمْ
٢٠ / ٤٥٣
كَمَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكِ﴾ [يونس: ١٩] قَالَ: «أُخِّرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ»
٢٠ / ٤٥٣
وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ﴾ [هود: ١١٠] يَقُولُ: وَإِنَّ الْفَرِيقَ الْمُبْطِلَ مِنْهُمْ لَفِي شَكٍّ مِمَّا قَالُوا فِيهِ ﴿مُرِيبٍ﴾ [هود: ٦٢] يَقُولُ: يُرِيبُهُمْ قَوْلُهُمْ فِيهِ مَا قَالُوا، لِأَنَّهُمْ قَالُوا ⦗٤٥٤⦘ بِغَيْرِ ثَبَتٍ، وَإِنَّمَا قَالُوهُ ظَنًّا
٢٠ / ٤٥٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾ [فصلت: ٤٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: مَنْ عَمِلَ بِطَاعَةِ اللَّهِ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا، فَائْتَمَرَ لَأَمْرِهِ، وَانْتَهَى عَمَّا نَهَاهُ عَنْهُ ﴿فَلِنَفْسِهِ﴾ [الأنعام: ١٠٤] يَقُولُ: فَلِنَفْسِهِ عَمِلَ ذَلِكَ الصَّالِحَ مِنَ الْعَمَلِ، لِأَنَّهُ يُجَازَى عَلَيْهِ جَزَاءَهُ، فَيَسْتَوْجِبُ فِي الْمَعَادِ مِنَ اللَّهِ الْجَنَّةَ وَالنَّجَاةَ مِنَ النَّارِ ﴿وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا﴾ [فصلت: ٤٦] يَقُولُ: وَمَنْ عَمِلَ بِمَعَاصِي اللَّهِ فِيهَا، فَعَلَى نَفْسِهِ جَنَى، لِأَنَّهُ أَكْسَبَهَا بِذَلِكَ سَخَطَ اللَّهِ، وَالْعِقَابَ الْأَلِيمَ ﴿وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾ [فصلت: ٤٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمَا رَبُّكَ يَا مُحَمَّدُ بِحَامِلِ عُقُوبَةِ ذَنْبِ مُذْنِبٍ عَلَى غَيْرِ مُكْتَسِبِهِ، بَلْ لَا يُعَاقِبُ أَحَدًا إِلَّا عَلَى جُرْمِهِ الَّذِي اكْتَسَبَهُ فِي الدُّنْيَا، أَوْ عَلَى سَبَبٍ اسْتَحَقَّهُ بِهِ مِنْهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ
٢٠ / ٤٥٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِلَيْهِ يُرَدُّ عَلْمُ السَّاعَةِ وَمَا تَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَاتٍ مِّنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَائِي قَالُوا آذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ﴾ [فصلت: ٤٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِلَى اللَّهِ يَرُدُّ الْعَالِمُونَ بِهِ عِلْمَ السَّاعَةِ، فَإِنَّهُ لَا يَعْلَمُ مَا قِيَامُهَا غَيْرُهُ ﴿وَمَا تَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَاتٍ مِّنْ أَكْمَامِهَا﴾ [فصلت: ٤٧] يَقُولُ: وَمَا تَظْهَرُ مِنْ ثَمَرَةِ شَجَرَةٍ مِنْ أَكْمَامِهَا الَّتِي هِيَ مُتَغَيِّبَةٌ فِيهَا فَتَخْرُجُ مِنْهَا بَارِزَةً ﴿وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَى﴾ [فاطر: ١١] يَقُولُ: وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى مِنْ حَمْلٍ حِينَ تَحْمِلُهُ وَلَا تَضَعُ وَلَدَهَا إِلَّا بِعِلْمٍ مِنَ اللَّهِ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ ⦗٤٥٥⦘ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿وَمَا تَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَاتٍ مِنْ أَكْمَامِهَا﴾ [فصلت: ٤٧] قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٠ / ٤٥٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿مِنْ أَكْمَامِهَا﴾ [فصلت: ٤٧] قَالَ: «حِينَ تَطْلُعَ»
٢٠ / ٤٥٥
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: ثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، ﴿وَمَا تَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَاتٍ مِنْ أَكْمَامِهَا﴾ [فصلت: ٤٧] قَالَ: «مِنْ طَلْعِهَا، وَالْأَكْمَامُ جَمْعُ كُمَّةٍ، وَهُوَ كُلُّ ظَرْفٍ لِمَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَالْعَرَبُ تَدْعُو قِشْرَ الْكُفُرَّاةِ كُمًّا» وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿مِنْ ثَمَرَاتٍ﴾ [فصلت: ٤٧] فَقَرَأَتْ ذَلِكَ قُرَّاءُ الْمَدِينَةِ: ﴿مِنْ ثَمَرَاتٍ﴾ [فصلت: ٤٧] عَلَى الْجِمَاعِ، وَقَرَأَتْ قُرَّاءُ الْكُوفَةِ: (مِنْ ثَمَرَةٍ) عَلَى لَفْظِ الْوَاحِدَةِ، وَبِأَيِّ الْقِرَاءَتَيْنِ قُرِئَ ذَلِكَ فَهُوَ عِنْدَنَا صَوَابٌ لِتَقَارُبِ مَعْنَيَيْهِمَا مَعَ شُهْرَتِهِمَا فِي الْقِرَاءَةِ
٢٠ / ٤٥٥
وَقَوْلُهُ: ﴿وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَائِي﴾ [فصلت: ٤٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَيَوْمَ ⦗٤٥٦⦘ يُنَادِي اللَّهُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ بِهِ فِي الدُّنْيَا الْأَوْثَانَ وَالْأَصْنَامَ: أَيْنَ شُرَكَائِي الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشْرِكُونَهُمْ فِي عِبَادَتِكُمْ إِيَّايَ؟ ﴿قَالُوا آذَنَّاكَ﴾ [فصلت: ٤٧] يَقُولُ: أَعْلَمْنَاكَ ﴿مَا مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ﴾ [فصلت: ٤٧] يَقُولُ: قَالَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ لِرَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ: مَا مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ يَشْهَدُ أَنَّ لَكَ شَرِيكًا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٠ / ٤٥٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي عَلِيٌّ قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ «﴿آذَنَّاكَ﴾ [فصلت: ٤٧] يَقُولُ: أَعْلَمْنَاكَ»
٢٠ / ٤٥٦
حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، فِي قَوْلِهِ: «﴿آذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ﴾ [فصلت: ٤٧] قَالُوا: أَطَعْنَاكَ مَا مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ عَلَى أَنَّ لَكَ شَرِيكًا»
٢٠ / ٤٥٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَدْعُونَ مِنْ قَبْلَ وَظَنُّوا مَا لَهُمْ مِنْ مَّحِيصٍ لَا يَسْأَمُ الْإِنسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَّسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَضَلَّ عَنْ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ آلِهَتُهُمُ الَّتِي كَانُوا يَعْبُدُونَهَا فِي الدُّنْيَا، فَأُخِذَ بِهَا طَرِيقٌ غَيْرُ طَرِيقِهِمْ، فَلَمْ تَنْفَعْهُمْ، وَلَمْ تَدْفَعْ عَنْهُمْ ⦗٤٥٧⦘ شَيْئًا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ الَّذِي حَلَّ بِهِمْ
٢٠ / ٤٥٦
وَقَوْلُهُ: ﴿وَظَنُّوا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصِ﴾ [فصلت: ٤٨] يَقُولُ: وَأَيْقَنُوا حِينَئِذٍ مَا لَهُمْ مِنْ مَلْجَأٍ: أَيْ لَيْسَ لَهُمْ مَلْجَأٌ يَلْجَأُونَ إِلَيْهِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٠ / ٤٥٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: ثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، «﴿وَظَنُّوا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصِ﴾ [فصلت: ٤٨] اسْتَيْقَنُوا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ مَلْجَأٌ» وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي الْمَعْنَى الَّذِي مِنْ أَجَلِهِ أُبْطِلَ عَمَلُ الظَّنِّ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، فَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْبَصْرَةِ فَعَلَ ذَلِكَ لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿وَظَنُّوا﴾ [فصلت: ٤٨] اسْتَيْقَنُوا قَالَ: وَ﴿مَا﴾ [فصلت: ٤٨] هَاهُنَا حَرْفٌ وَلَيْسَ بِاسْمٍ، وَالْفِعْلُ لَا يَعْمَلُ فِي مِثْلِ هَذَا، فَلِذَلِكَ جُعِلَ الْفِعْلُ مُلْغًى وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَيْسَ يُلْغَى الْفِعْلُ وَهُوَ عَامِلٌ فِي الْمَعْنَى إِلَّا لِعِلَّةٍ قَالَ: وَالْعِلَّةُ أَنَّهُ حِكَايَةٌ، فَإِذَا وَقَعَ عَلَى مَا لَمْ يَعْمَلْ فِيهِ كَانَ حِكَايَةً وَتَمَنِّيًا، وَإِذَا عَمِلَ فَهُوَ عَلَى أَصْلِهِ
٢٠ / ٤٥٧
وَقَوْلُهُ: ﴿لَا يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ﴾ [فصلت: ٤٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: لَا يَمَلُّ الْكَافِرُ بِاللَّهِ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ، يَعْنِي مِنْ دُعَائِهِ بِالْخَيْرِ، وَمَسْأَلَتِهِ إِيَّاهُ رَبَّهُ وَالْخَيْرُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: الْمَالُ وَصِحَّةُ الْجِسْمِ، يَقُولُ: لَا يَمَلُّ مِنْ طَلَبِ ذَلِكَ ﴿وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ﴾ [فصلت: ٤٩] يَقُولُ: وَإِنْ نَالَهُ ضُرٌّ فِي نَفْسِهِ مِنْ سَقَمٍ أَوْ جَهْدٍ فِي مَعِيشَتِهِ، أَوِ احْتِبَاسٍ مِنْ رِزْقِهِ ﴿فَيَئُوسٌ قُنُوطٌ﴾ يَقُولُ: فَإِنَّهُ ذُو يَأْسٍ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ وَفَرَجِهِ، قُنُوطٌ مِنْ رَحْمَتِهِ، وَمِنْ أَنْ يَكْشِفَ ذَلِكَ الشَّرَّ النَّازِلَ بِهِ عَنْهُ ⦗٤٥٨⦘ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٠ / ٤٥٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: ثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، «﴿لَا يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ﴾ [فصلت: ٤٩] يَقُولُ: الْكَافِرُ ﴿وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قُنُوطٌ﴾ قَانِطٌ مِنَ الْخَيْرِ»
٢٠ / ٤٥٨
حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿لَا يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ﴾ [فصلت: ٤٩] قَالَ: لَا يَمَلُّ وَذَكَرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ: «لَا يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءٍ بِالْخَيْرِ»
٢٠ / ٤٥٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِّنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُّجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِندَهُ لَلْحُسْنَى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ﴾ [فصلت: ٥٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَئِنْ نَحْنُ كَشَفْنَا عَنْ هَذَا الْكَافِرِ مَا أَصَابَهُ مِنْ سَقَمٍ فِي نَفْسِهِ وَضُرٍّ وَشِدَّةٍ فِي مَعِيشَتِهِ وَجَهْدٍ، رَحْمَةً مِنَّا، فَوَهَبْنَا لَهُ الْعَافِيَةَ فِي نَفْسِهِ بَعْدَ السَّقَمِ، وَرَزَقْنَاهُ مَالًا، فَوَسَّعْنَا عَلَيْهِ فِي مَعِيشَتِهِ مِنْ بَعْدِ الْجَهْدِ وَالضُّرِّ ﴿لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي﴾ [فصلت: ٥٠] عِنْدَ اللَّهِ، لِأَنَّ اللَّهَ رَاضٍ عَنِّي بِرِضَاهُ عَمَلِي، وَمَا أَنَا عَلَيْهِ مُقِيمٌ
٢٠ / ٤٥٨
كَمَا حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ⦗٤٥٩⦘، ﴿لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي﴾ [فصلت: ٥٠]: «أَيْ بِعَمَلِي، وَأَنَا مَحْقُوقٌ بِهَذَا» ﴿وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً﴾ [فصلت: ٥٠] يَقُولُ: «وَمَا أَحْسَبُ الْقِيَامَةَ قَائِمَةً يَوْمَ تَقُومُ» ﴿وَلَئِنْ رُّجِعْتُ إِلَى رَبِّي﴾ [فصلت: ٥٠] يَقُولُ: “وَإِنْ قَامَتْ أَيْضًا الْقِيَامَةُ، وَرُدِدْتُ إِلَى اللَّهِ حَيًّا بَعْدَ مَمَاتِي ﴿إِنَّ لِي عِندَهُ لَلْحُسْنَى﴾ [فصلت: ٥٠] يَقُولُ: «إِنَّ لِي عِنْدَهُ غِنًى وَمَالًا»
٢٠ / ٤٥٨
كَمَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: ثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، فِي قَوْلِهِ: ﴿إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى﴾ [فصلت: ٥٠] يَقُولُ: «غِنًى» ﴿فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا﴾ [فصلت: ٥٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: «فَلَنُخْبِرَنَّ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارَ بِاللَّهِ، الْمُتَمَنِّينَ عَلَيْهِ الْأَبَاطِيلَ يَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ بِمَا عَمِلُوا فِي الدُّنْيَا مِنَ الْمَعَاصِي، وَاجْتَرَحُوا مِنَ السَّيِّئَاتِ، ثُمَّ لَنُجَازِيَنَّ جَمِيعَهُمْ عَلَى ذَلِكَ جَزَاءَهُمْ ﴿وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ﴾ [فصلت: ٥٠] وَذَلِكَ الْعَذَابُ الْغَلِيظُ تَخْلِيدُهُمْ فِي نَارِ جَهَنَّمَ، لَا يَمُوتُونَ فِيهَا وَلَا يَحْيَوْنَ»
٢٠ / ٤٥٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِذَا أَنْعَمَنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ﴾ [فصلت: ٥١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَإِذَا نَحْنُ أَنْعَمَنَا عَلَى الْكَافِرِ، فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ، وَرَزَقْنَاهُ غِنًى وَسَعَةً، وَوَهَبْنَا لَهُ صِحَّةَ جِسْمٍ وَعَافِيَةً، أَعْرَضَ عَمَّا دَعَوْنَاهُ إِلَيْهِ مِنْ طَاعَتِهِ، وَصَدَّ عَنْهُ ﴿وَنَأَى بِجَانِبِهِ﴾ [الإسراء: ٨٣] يَقُولُ: وَبَعُدَ مِنْ إِجَابَتِنَا إِلَى مَا دَعَوْنَاهُ إِلَيْهِ، وَيَعْنِي بِجَانِبِهِ بِنَاحِيَتِهِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٠ / ٤٥٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: ثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، فِي قَوْلِهِ: ﴿أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ﴾ [الإسراء: ٨٣] يَقُولُ: «أَعْرَضَ: صَدَّ بِوَجْهِهِ، وَنَأَى بِجَانِبِهِ: يَقُولُ: تَبَاعَدَ»
٢٠ / ٤٦٠
وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ﴾ [فصلت: ٥١] يَعْنِي بِالْعَرِيضِ: الْكَثِيرِ
٢٠ / ٤٦٠
كَمَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: ثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، ﴿فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ﴾ [فصلت: ٥١] يَقُولُ: «كَثِيرٍ، وَذَلِكَ قَوْلُ النَّاسِ: أَطَالَ فُلَانٌ الدُّعَاءَ: إِذَا أَكْثَرَ، وَكَذَلِكَ أَعْرَضَ دُعَاءَهُ»
٢٠ / ٤٦٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ﴾ [فصلت: ٥٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ ﴿قُلْ﴾ [البقرة: ٨٠] يَا مُحَمَّدُ لِلْمُكَذِّبِينَ بِمَا جِئْتَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ رَبِّكَ مِنْ هَذَا الْقُرْآنِ ﴿أَرَأَيْتُمْ﴾ [الأنعام: ٤٦] أَيُّهَا الْقَوْمُ ﴿إِنْ كَانَ﴾ [النساء: ١١] هَذَا الَّذِي تُكَذِّبُونَ بِهِ ﴿مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ﴾ [فصلت: ٥٢] أَلَسْتُمْ فِي فِرَاقٍ وَبُعْدٍ مِنَ الصَّوَابِ، فَجَعَلَ مَكَانَ التَّفْرِيقِ الْخَبَرَ، فَقَالَ: ﴿مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ﴾ [فصلت: ٥٢] إِذَا كَانَ مَفْهُومًا مَعْنَاهُ
٢٠ / ٤٦٠
وَقَوْلُهُ: ﴿مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ﴾ [فصلت: ٥٢] يَقُولُ: قُلْ لَهُمْ مَنْ أَشَدُّ ⦗٤٦١⦘ ذَهَابًا عَنْ قَصْدِ السَّبِيلِ، وَأَسْلَكُ لِغَيْرِ طَرِيقِ الصَّوَابِ، مِمَّنْ هُوَ فِي فِرَاقٍ لِأَمْرِ اللَّهِ وَخَوْفٍ لَهُ، بَعِيدٌ مِنَ الرَّشَادِ
٢٠ / ٤٦٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ [فصلت: ٥٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: سَنُرِي هَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبِينَ، مَا أَنْزَلْنَا عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِنَا مِنَ الذِّكْرِ، آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى الْآيَاتِ الَّتِي وَعَدَ اللَّهُ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ أَنْ يُرِيَهُمْ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَنَى بِالْآيَاتِ فِي الْآفَاقِ وَقَائِعَ النَّبِيِّ ﷺ بِنَوَاحِي بَلَدِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَأَطْرَافِهَا، وَبِقَوْلِهِ: ﴿وَفِي أَنْفُسِهِمْ﴾ [فصلت: ٥٣] فَتْحُ مَكَّةَ
٢٠ / ٤٦١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: ثَنَا ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي قَيْسٍ، عَنِ الْمِنْهَالِ، فِي قَوْلِهِ: “﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ﴾ [فصلت: ٥٣] قَالَ: «ظُهُورُ مُحَمَّدٍ ﷺ عَلَى النَّاسِ»
٢٠ / ٤٦١
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: ثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، «﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ﴾ [فصلت: ٥٣] يَقُولُ:»مَا نَفْتَحُ لَكَ يَا مُحَمَّدُ مِنَ الْآفَاقِ ﴿وَفِي أَنْفُسِهِمْ﴾ [فصلت: ٥٣] فِي أَهْلِ مَكَّةَ، يَقُولُ: نَفْتَحُ لَكَ مَكَّةَ ” وَقَالَ آخَرُونَ: عَنَى بِذَلِكَ أَنَّهُ يُرِيهُمْ نُجُومَ اللَّيْلِ وَقَمَرَهُ، وَشَمْسَ النَّهَارِ، ⦗٤٦٢⦘ وَذَلِكَ مَا وَعَدَهُمْ أَنَّهُ يُرِيهُمْ فِي الْآفَاقِ وَقَالُوا: عَنَى بِالْآفَاقِ: آفَاقَ السَّمَاءِ، وَبِقَوْلِهِ: ﴿وَفِي أَنْفُسِهِمْ﴾ [فصلت: ٥٣] سَبِيلَ الْغَائِطِ وَالْبَوْلِ
٢٠ / ٤٦١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ﴾ [فصلت: ٥٣] قَالَ:»آفَاقِ السَّمَاوَاتِ: نُجُومِهَا وَشَمْسِهَا وَقَمَرِهَا اللَّاتِي يَجْرِينَ، وَآيَاتٍ فِي أَنْفُسِهِمْ أَيْضًا ” وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ، وَهُوَ مَا قَالَهُ السُّدِّيُّ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ عز وجل وَعَدَ نَبِيَّهُ ﷺ أَنْ يُرِيَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ كَانُوا بِهِ مُكَذَّبَيْنِ آيَاتٍ فِي الْآفَاقِ، وَغَيْرُ مَعْقُولٍ أَنْ يَكُونَ تَهَدَّدَهُمْ بِأَنْ يُرِيَهُمْ مَا هُمْ رَاءُوهُ، بَلِ الْوَاجِبُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ وَعْدًا مِنْهُ لَهُمْ أَنْ يُرِيَهُمُ مَا لَمْ يَكُونُوا رَأَوْهُ قَبْلُ مِنْ ظُهُورِ نَبِيِّ اللَّهِ ﷺ عَلَى أَطْرَافِ بَلَدِهِمْ وَعَلَى بَلَدِهِمْ، فَأَمَّا النُّجُومُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ، فَقَدْ كَانُوا يَرَوْنَهَا كَثِيرًا قَبْلُ وَبَعْدُ وَلَا وَجْهَ لِتَهَدُّدِهِمْ بِأَنَّهُ يُرِيهُمْ ذَلِكَ
٢٠ / ٤٦٢
وَقَوْلُهُ: ﴿حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ﴾ [فصلت: ٥٣] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: أُرِي هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ وَقَائِعَنَا بِأَطْرَافِهِمْ وَبِهِمْ حَتَّى يَعْلَمُوا حَقِيقَةَ مَا أَنْزَلْنَا إِلَى مُحَمَّدٍ، وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ مِنَ الْوَعْدِ لَهُ بِأَنَّا مُظْهِرُو مَا بعثَنَاهُ بِهِ مِنَ الدِّينِ عَلَى الْأَدْيَانِ كُلِّهَا، وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ
٢٠ / ٤٦٢
وَقَوْلُهُ: ﴿أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ [فصلت: ٥٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ يَا مُحَمَّدُ أَنَّهُ شَاهِدٌ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مِمَّا يَفْعَلُهُ خَلْقُهُ، لَا يَعْزُبُ عَنْهُ عِلْمُ شَيْءٍ مِنْهُ، وَهُوَ مُجَازِيهِمْ عَلَى أَعْمَالِهِمْ، الْمُحْسِنَ بِالْإِحْسَانِ، ⦗٤٦٣⦘ وَالْمُسِيءَ جَزَاءَهُ وَفِي قَوْلِهِ: ﴿أَنَّهُ﴾ [البقرة: ٢٦] وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ خَفْضٍ عَلَى وَجْهِ تَكْرِيرِ الْبَاءِ، فَيَكُونُ مَعْنَى الْكَلَامِ حِينَئِذٍ: أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ بِأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ؟ وَالْآخَرُ: أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ رَفَعَا، بِقَوْلِهِ: يَكْفِ، فَيَكُونُ مَعْنَى الْكَلَامِ: أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ شَهَادَتُهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ
٢٠ / ٤٦٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَلَا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَاءِ رَبِّهِمْ أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطٌ﴾ [فصلت: ٥٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَلَا إِنَّ هَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ فِي شَكٍّ مِنْ لِقَاءِ رَبِّهِمْ، يَعْنِي أَنَّهُمْ فِي شَكٍّ مِنَ الْبَعْثِ بَعْدَ الْمَمَاتِ، وَمَعَادِهِمْ إِلَى رَبِّهِمْ
٢٠ / ٤٦٣
كَمَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: ثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، ” ﴿أَلَا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَاءِ رَبِّهِمْ﴾ [فصلت: ٥٤] يَقُولُ: «فِي شَكٍّ»
٢٠ / ٤٦٣
وَقَوْلُهُ: ﴿أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ﴾ [فصلت: ٥٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَلَا إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ مِمَّا خَلَقَ مُحِيطٌ عِلْمًا بِجَمِيعِهِ، وَقُدْرَةً عَلَيْهِ، لَا يَعْزُبُ عَنْهُ عُلْمُ شَيْءٍ مِنْهُ أَرَادَهُ فَيَفُوتُهُ، وَلَكِنِ الْمُقْتَدِرُ عَلَيْهِ الْعَالِمُ بِمَكَانِهِ