وَقَوْلُهُ: ﴿قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا﴾ [طه: ١٢٥] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي ذَلِكَ
١٦ / ٢٠١
مَا: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ﴿قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى﴾ [طه: ١٢٥] لَا حُجَّةَ لِي
١٦ / ٢٠١
وَقَوْلُهُ: ﴿وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا﴾ [طه: ١٢٥] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا بِحُجَّتِي
١٦ / ٢٠١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ﴿وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا﴾ [طه: ١٢٥] قَالَ: عَالِمًا بِحُجَّتِي وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَاهُ: وَقَدْ كُنْتُ ذَا بَصَرٍ أُبْصِرُ بِهِ الْأَشْيَاءَ
١٦ / ٢٠١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ﴿وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا﴾ [طه: ١٢٥] فِي الدُّنْيَا
١٦ / ٢٠١
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿قَالَ رَبِّ لِمَ
١٦ / ٢٠١
حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا﴾ [طه: ١٢٥] قَالَ: كَانَ بَعِيدَ الْبَصَرِ، قَصِيرَ النَّظَرِ، أَعْمَى عَنِ الْحَقِّ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا، أَنَّ اللَّهَ عَزَّ شَأْنُهُ وَجَلَّ ثَنَاؤُهُ، عَمَّ بِالْخَبَرِ عَنْهُ بِوَصْفِهِ نَفْسُهُ بِالْبَصَرِ، وَلَمْ يُخَصِّصْ مِنْهُ مَعْنًى دُونَ مَعْنًى، فَذَلِكَ عَلَى مَا عَمَّهُ. فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَتَأْوِيلُ الْآيَةِ، قَالَ: رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى عَنْ حُجَّتِي وَرُؤْيَةِ الْأَشْيَاءِ، وَقَدْ كُنْتُ فِي الدُّنْيَا ذَا بَصَرٍ بِذَلِكَ كُلِّهِ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَكَيْفَ قَالَ هَذَا لِرَبِّهِ: ﴿لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى﴾ [طه: ١٢٥] مَعَ مُعَايَنَتِهِ عَظِيمَ سُلْطَانِهِ، أَجَهِلَ فِي ذَلِكَ الْمَوْقِفِ أَنْ يَكُونَ لِلَّهِ أَنْ يَفْعَلَ بِهِ مَا شَاءَ، أَمْ مَا وَجْهُ ذَلِكَ؟ قِيلَ: إِنَّ ذَلِكَ مِنْهُ مَسْأَلَةٌ لِرَبِّهِ يُعَرِّفُهُ الْجُرْمَ الَّذِي اسْتَحَقَّ بِهِ ذَلِكَ، إِذْ كَانَ قَدْ جَهِلَهُ، وَظَنَّ أَنْ لَا جُرْمَ لَهُ، اسْتَحَقَّ ذَلِكَ بِهِ مِنْهُ، فَقَالَ: رَبِّ لِأَيِّ ذَنْبٍ وَلِأَيِّ جُرْمٍ حَشَرْتَنِي أَعْمَى، وَقَدْ كُنْتُ مِنْ قَبْلُ فِي الدُّنْيَا بَصِيرًا وَأَنْتَ لَا تُعَاقِبُ أَحَدًا إِلَّا بِدُونِ مَا يَسْتَحِقُّ مِنْكَ مِنَ الْعِقَابِ
١٦ / ٢٠٢
وَقَوْلُهُ: ﴿قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا﴾ [طه: ١٢٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ، قَالَ اللَّهُ حِينَئِذٍ لِلْقَائِلِ لَهُ: ﴿لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا﴾ [طه: ١٢٥] فَعَلْتُ ذَلِكَ بِكَ، فَحَشَرْتُكَ أَعْمَى كَمَا أَتَتْكَ آيَاتِي، وَهِيَ حُجَجُهُ وَأَدِلَّتُهُ وَبَيَانُهُ الَّذِي بَيَّنَهُ فِي كِتَابِهِ، فَنَسِيتَهَا: يَقُولُ: فَتَرَكْتُهَا وَأَعْرَضْتُ عَنْهَا، وَلَمْ تُؤْمِنْ بِهَا، وَلَمْ تَعْمَلْ. وَعَنَى بِقَوْلِهِ ﴿كَذَلِكَ أَتَتْكَ﴾ [طه: ١٢٦] هَكَذَا أَتَتْكَ. وَقَوْلُهُ: ﴿وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى﴾ [طه: ١٢٦] يَقُولُ: فَكَمَا نَسِيتَ آيَاتِنَا فِي الدُّنْيَا، فَتَرَكْتَهَا ⦗٢٠٣⦘ وَأَعْرَضْتَ عَنْهَا، فَكَذَلِكَ الْيَوْمَ نَنْسَاكَ، فَنَتْرُكُكَ فِي النَّارِ. وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ ﴿وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى﴾ [طه: ١٢٦] فَقَالَ بَعْضُهُمْ بِمِثْلِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ
١٦ / ٢٠٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْأَحْمَسِيُّ، قَالَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى﴾ [طه: ١٢٦] قَالَ: فِي النَّارِ
١٦ / ٢٠٣
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا﴾ [طه: ١٢٦] قَالَ: فَتَرَكْتَهَا ﴿وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى﴾ [طه: ١٢٦] وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُتْرَكُ فِي النَّارِ وَرُوِيَ عَنْ قَتَادَةَ فِي ذَلِكَ
١٦ / ٢٠٣
مَا حَدَّثَنِي بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى﴾ [طه: ١٢٦] قَالَ: نَسِيَ مِنَ الْخَيْرِ، وَلَمْ يَنْسَ مِنَ الشَّرِّ وَهَذَا الْقَوْلُ الَّذِي قَالَهُ قَتَادَةُ قَرِيبُ الْمَعْنَى مِمَّا قَالَهُ أَبُو صَالِحٍ وَمُجَاهِدٌ، لِأَنَّ تَرْكَهُ إِيَّاهُمْ فِي النَّارِ أَعْظَمُ الشَّرِّ لَهُمْ
١٦ / ٢٠٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى﴾ [طه: ١٢٧]
١٦ / ٢٠٣
يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَهَكَذَا نَجْزِي: أَيْ نُثِيبُ مَنْ أَسْرَفَ فَعَصَى رَبَّهُ، وَلَمْ يُؤْمِنْ بِرُسُلِهِ وَكُتُبِهِ، فَنَجْعَلُ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا فِي الْبَرْزَخِ كَمَا قَدْ بَيَّنَّا قَبْلُ. ﴿وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى﴾ [طه: ١٢٧] . يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَلَعَذَابٌ فِي الْآخِرَةِ أَشَدُّ لَهُمْ مِمَّا وَعَدْتَهُمْ فِي الْقَبْرِ مِنَ الْمَعِيشَةِ الضَّنْكِ ﴿وَأَبْقَى﴾ [طه: ٧١] يَقُولُ: وَأَدْوَمُ مِنْهَا، لِأَنَّهُ إِلَى غَيْرِ أَمَدٍّ وَلَا نِهَايَةَ. الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى﴾ [طه: ١٢٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: أَفَلَمْ يَهْدِ لِقَوْمِكَ الْمُشْرِكِينَ بِاللَّهِ، وَمَعْنَى يَهْدِ: يُبَيِّنُ. يَقُولُ: أَفَلَمْ يُبَيِّنْ لَهُمْ كَثْرَةَ مَا أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْأُمَمِ الَّتِي سَلَكَتْ قَبْلَهَا الَّتِي يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ وَدُورِهِمْ، وَيَرَوْنَ آثَارَ عُقُوبَاتِنَا الَّتِي أَحْلَلْنَاهَا بِهِمْ سُوءَ مَغَبَّةِ مَا هُمْ عَلَيْهِ مُقِيمُونَ مِنَ الْكُفْرِ بِآيَاتِنَا، وَيَتَّعِظُوا بِهِمْ، وَيَعْتَبِرُوا، وَيُنِيبُوا إِلَى الْإِذْعَانِ، وَيُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، خَوْفًا أَنْ يُصِيبَهُمُ بِكُفْرِهِمْ بِاللَّهِ مِثْلَ مَا أَصَابَهُمْ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٦ / ٢٠٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿كَمْ أَهْلَكْنَا
١٦ / ٢٠٤
قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ﴾ [طه: ١٢٨] لِأَنَّ قُرَيْشًا كَانَتْ تَتَّجِرُ إِلَى الشَّأْمِ، فَتَمُرُّ بِمَسَاكِنِ عَادٍ وَثَمُودَ وَمَنْ أَشْبَهَهُمْ، فَتَرَى آثَارَ وَقَائِعِ اللَّهِ تَعَالَى بِهِمْ، فَلِذَلِكَ قَالَ لَهُمْ: أَفَلَمْ يُحَذِّرْهُمْ مَا يَرَوْنَ مِنْ فَعَلْنَا بِهِمْ بِكُفْرِهِمْ بِنَا نُزُولَ مِثْلِهِ بِهِمْ، وَهُمْ عَلَى مِثْلِ فِعْلِهِمْ مُقِيمُونَ وَكَانَ الْفَرَّاءُ يَقُولُ: لَا يَجُوزُ فِي كَمْ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ أَنْ يَكُونَ إِلَّا نَصْبًا بِأَهْلَكْنَا، وَكَانَ يَقُولُ: وَهُوَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إِلَّا نَصْبًا، فَإِنَّ جُمْلَةَ الْكَلَامِ رَفْعٌ بِقَوْلِهِ: ﴿يَهْدِ لَهُمْ﴾ [طه: ١٢٨] وَيَقُولُ: ذَلِكَ مِثْلُ قَوْلِ الْقَائِلِ: قَدْ تَبَيَّنَ لِي أَقَامَ عَمْرٌو أَمْ زَيْدٌ فِي الِاسْتِفْهَامِ، وَكَقَوْلِهِ ﴿سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعْوتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ﴾ [الأعراف: ١٩٣] وَيَزْعُمُ أَنَّ فِيهِ شَيْئًا يُرْفَعُ سَوَاءٌ لَا يَظْهَرُ مَعَ الِاسْتِفْهَامِ، قَالَ: وَلَوْ قُلْتُ: سَوَاءً عَلَيْكُمْ صَمْتُكُمْ وَدُعَاؤُكُمْ تَبَيَّنَ ذَلِكَ الرَّفْعُ الَّذِي فِي الْجُمْلَةِ وَلَيْسَ الَّذِي قَالَ الْفَرَّاءُ مِنْ ذَلِكَ، كَمَا قَالَ: لِأَنَّ كَمْ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ حُرُوفِ الِاسْتِفْهَامِ فَإِنَّهَا لَمْ تَجْعَلْ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ لِلِاسْتِفْهَامِ، بَلْ هِيَ وَاقِعَةٌ مَوْقِعَ الْأَسْمَاءِ الْمَوْصُوفَةِ. وَمَعْنَى الْكَلَامِ مَا قَدْ ذَكَرْنَا قَبْلُ وَهُوَ: أَفَلَمْ يُبَيِّنْ لَهُمْ كَثْرَةَ إِهْلَاكِنَا قَبْلَهُمُ
١٦ / ٢٠٥
الْقُرُونَ الَّتِي يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ، أَوْ أَفَلَمْ تَهْدِهِمُ الْقُرُونُ الْهَالِكَةُ. وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ: «أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ مَنْ أَهْلَكْنَا» فَكَمْ وَاقِعَةٌ مَوْقِعَ مَنْ فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ، هِيَ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بِقَوْلِهِ: ﴿يَهْدِ لَهُمْ﴾ [طه: ١٢٨] وَهُوَ أَظْهَرُ وُجُوهِهِ، وَأَصَحُّ مَعَانِيهِ، وَإِنْ كَانَ الَّذِي قَالَهُ وَجْهٌ وَمَذْهَبٌ عَلَى بُعْدٍ
١٦ / ٢٠٦
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى﴾ [طه: ٥٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ فِيمَا يُعَايِنُ هَؤُلَاءِ وَيَرَوْنَ مِنْ آثَارِ وَقَائِعِنَا بِالْأُمَمِ الْمُكَذِّبَةِ رُسُلِهَا قَبْلَهُمْ، وَحُلُولِ مُثْلَاتِنَا بِهِمْ لِكُفْرِهِمْ بِاللَّهِ ﴿لَآيَاتٍ﴾ [البقرة: ١٦٤] يَقُولُ: لَدَلَالَاتٍ وَعِبَرًا وَعِظَاتٍ ﴿لِأُولِي النُّهَى﴾ [طه: ٥٤] يَعْنِي: لِأَهْلِ الْحِجَى وَالْعُقُولِ، وَمَنْ يَنْهَاهُ عَقْلُهُ وَفَهْمُهُ وَدِينُهُ عَنْ مُوَاقَعَةِ مَا يَضُرُّهُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٦ / ٢٠٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿لِأُولِي النُّهَى﴾ [طه: ٥٤] يَقُولُ: الْتُّقَى
١٦ / ٢٠٦
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى﴾ [طه: ٥٤] أَهْلُ الْوَرَعِ
١٦ / ٢٠٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى﴾ [طه: ١٣٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ﴾ [يونس: ١٩] يَا مُحَمَّدُ أَنَّ كُلَّ مَنْ قَضَى لَهُ أَجَلًا فَإِنَّهُ لَا يَخْتَرِمُهُ قَبْلَ بُلُوغِهِ أَجَلَهُ ﴿وَأَجَلٌّ مُسَمًّى﴾ [الأنعام: ٢] يَقُولُ: وَوَقْتٌ مُسَمًّى عِنْدَ رَبِّكَ سَمَّاهُ لَهُمْ فِي أُمِّ الْكِتَابِ وَخَطَّهُ فِيهِ، هُمْ بَالِغُوهُ وَمُسْتَوْفُوهُ ﴿لَكَانَ لِزَامًا﴾ [طه: ١٢٩] يَقُولُ: لَلَازَمَهُمُ الْهَلَاكُ عَاجِلًا، وَهُوَ مَصْدَرٌ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: لَازِمٌ فُلَانٌ فُلَانًا يُلَازِمُهُ مُلَازَمَةً وَلِزَامًا: إِذَا لَمْ يُفَارِقْهُ، وَقَدِمَ قَوْلُهُ: ﴿لَكَانَ لِزَامًا﴾ [طه: ١٢٩] قَبْلَ قَوْلِهِ ﴿أَجَلٌ مُسَمًّى﴾ [البقرة: ٢٨٢] وَمَعْنَى الْكَلَامِ: وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ وَأَجَلُّ مُسَمًّى لَكَانَ لِزَامًا، فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٦ / ٢٠٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌّ مُسَمًّى﴾ [طه: ١٢٩] الْأَجَلُ الْمُسَمَّى: الدُّنْيَا
١٦ / ٢٠٧
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَلَوْلَا كَلِمَةٌ ⦗٢٠٨⦘ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌّ مُسَمًّى﴾ [طه: ١٢٩] وَهَذِهِ مِنْ مَقَادِيمِ الْكَلَامِ، يَقُولُ: لَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى كَانَ لِزَامًا، وَالْأَجَلُ الْمُسَمَّى، السَّاعَةُ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ ﴿بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ﴾ [القمر: ٤٦]
١٦ / ٢٠٧
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكِ لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌّ مُسَمًّى﴾ [طه: ١٢٩] قَالَ: هَذَا مُقَدَّمٌ وَمُؤَخَّرٌ، وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ وَأَجَلٌّ مُسَمًّى لَكَانَ لِزَامًا وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿لَكَانَ لِزَامًا﴾ [طه: ١٢٩] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: لَكَانَ مَوْتًا
١٦ / ٢٠٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثني أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿لَكَانَ لِزَامًا﴾ [طه: ١٢٩] يَقُولُ: مَوْتًا وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَاهُ لَكَانَ قَتْلًا
١٦ / ٢٠٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ ﴿لَكَانَ لِزَامًا﴾ [طه: ١٢٩] وَاللِّزَامُ: الْقَتْلُ
١٦ / ٢٠٨
وَقَوْلُهُ: ﴿فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ﴾ [طه: ١٣٠] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِنَبِيِّهِ: ⦗٢٠٩⦘ فَاصْبِرْ يَا مُحَمَّدُ عَلَى مَا يَقُولُ هَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ مِنْ قَوْمِكَ لَكَ إِنَّكَ سَاحِرٌ، وَإِنَّكَ مَجْنُونٌ وَشَاعِرٌ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنَ الْقَوْلِ ﴿وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ﴾ [طه: ١٣٠] يَقُولُ: وَصَلِّ بِثَنَائِكَ عَلَى رَبِّكَ، وَقَالَ: بِحَمْدِ رَبِّكَ. وَالْمَعْنَى: بِحَمْدِكَ رَبَّكَ، كَمَا تَقُولُ: أَعْجَبَنِي ضَرْبُ زَيْدٍ، وَالْمَعْنَى: ضَرْبِي زَيْدًا. وَقَوْلُهُ: ﴿قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ﴾ [طه: ١٣٠] وَذَلِكَ صَلَاةُ الصُّبْحِ ﴿وَقَبْلَ غُرُوبِهَا﴾ [طه: ١٣٠] وَهِيَ الْعَصْرُ ﴿وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ﴾ [طه: ١٣٠] وَهِيَ سَاعَاتُ اللَّيْلِ، وَاحِدُهَا: إِنْيٌ، عَلَى تَقْدِيرِ حِمْلٍ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْمُنَخَّلِ السَّعْدِيِّ:
[البحر البسيط] حُلْوٌ وَمُرٌّ كَعِطْفِ الْقِدْحِ مُرَّتُهُ … فِي كُلِّ إِنْيٍ قَضَاهُ اللَّيْلُ يَنْتَعِلُ
وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ: ﴿وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ﴾ [طه: ١٣٠] صَلَاةُ الْعِشَاءِ الْآخِرَةُ، لِأَنَّهَا تُصَلَّى بَعْدَ مُضِيِّ آنَاءٍ مِنَ اللَّيْلِ
[البحر البسيط] حُلْوٌ وَمُرٌّ كَعِطْفِ الْقِدْحِ مُرَّتُهُ … فِي كُلِّ إِنْيٍ قَضَاهُ اللَّيْلُ يَنْتَعِلُ
وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ: ﴿وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ﴾ [طه: ١٣٠] صَلَاةُ الْعِشَاءِ الْآخِرَةُ، لِأَنَّهَا تُصَلَّى بَعْدَ مُضِيِّ آنَاءٍ مِنَ اللَّيْلِ
١٦ / ٢٠٨
وَقَوْلُهُ: ﴿وَأَطْرَافَ النَّهَارِ﴾ [طه: ١٣٠] يَعْنِي صَلَاةَ الظُّهْرِ وَالْمَغْرِبِ، وَقِيلَ: أَطْرَافُ النَّهَارِ، وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ الصَّلَاتَانِ اللَّتَانِ ذَكَرْنَا، لِأَنَّ صَلَاةَ الظُّهْرِ فِي آخِرِ طَرَفِ النَّهَارِ الْأَوَّلِ، وَفِي أَوَّلِ طَرَفِ النَّهَارِ الْآخِرِ، فَهِيَ فِي طَرَفَيْنِ مِنْهُ، وَالطَّرَفُ الثَّالِثُ: غُرُوبُ الشَّمْسِ، وَعِنْدَ ذَلِكَ تُصَلَّى الْمَغْرِبُ، فَلِذَلِكَ قِيلَ أَطْرَافَ، ⦗٢١٠⦘ وَقَدْ يُحْمَلُ أَنْ يُقَالَ: أُرِيدَ بِهِ طَرَفَا النَّهَارِ. وَقِيلَ: أَطْرَافَ، كَمَا قِيلَ ﴿صَغَتْ قُلُوبُكُمَا﴾ [التحريم: ٤] فَجَمَعَ، وَالْمُرَادُ: قُلْبَانِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ أَوَّلَ طَرَفِ النَّهَارِ الْآخِرِ، وَآخِرَ طَرَفِهِ الْأَوَّلِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٦ / ٢٠٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ﴿وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا﴾ [طه: ١٣٠] قَالَ: الصَّلَاةُ الْمَكْتُوبَةُ
١٦ / ٢١٠
حَدَّثَنَا تَمِيمُ بْنُ الْمُنْتَصِرِ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَرَأَى الْقَمَرَ لَيْلَةَ الْبَدْرِ فَقَالَ: «إِنَّكُمْ رَاءوُنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا، لَا تُضَامُونَ فِي رُؤْيَتِهِ، فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لَا تُغْلَبُوا عَلَى صَلَاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا فَافْعَلُوا» ثُمَّ تَلَا: ﴿وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا﴾ [طه: ١٣٠]
١٦ / ٢١٠
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ ﴿وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا﴾ [طه: ١٣٠] قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: الْعَصْرُ، وَأَطْرَافُ النَّهَارِ قَالَ: الْمَكْتُوبَةُ
١٦ / ٢١١
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ﴾ [طه: ١٣٠] قَالَ: هِيَ صَلَاةُ الْفَجْرِ ﴿وَقَبْلَ غُرُوبِهَا﴾ [طه: ١٣٠] قَالَ: صَلَاةُ الْعَصْرِ ﴿وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ﴾ [طه: ١٣٠] قَالَ: صَلَاةُ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ ﴿وَأَطْرَافَ النَّهَارِ﴾ [طه: ١٣٠] قَالَ: صَلَاةُ الظُّهْرِ
١٦ / ٢١١
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ ﴿وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ﴾ [طه: ١٣٠] قَالَ: مِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ: الْعَتَمَةُ. وَأَطْرَافُ النَّهَارِ: الْمَغْرِبُ وَالصُّبْحُ وَنُصِبُ قَوْلُهُ ﴿وَأَطْرَافَ النَّهَارِ﴾ [طه: ١٣٠] عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ ﴿قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ﴾ [طه: ١٣٠] لِأَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ: فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ آخِرَ اللَّيْلِ، وَأَطْرَافَ النَّهَارِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي مَعْنَى ﴿آنَاءِ اللَّيْلِ﴾ [آل عمران: ١١٣] قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٦ / ٢١١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ﴿وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ﴾ [طه: ١٣٠] قَالَ: الْمُصَلَّى مِنَ اللَّيْلِ كُلِّهِ
١٦ / ٢١١
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ، قَرَأَ: ﴿وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ﴾ [طه: ١٣٠] قَالَ: مِنْ أَوَّلِهِ، وَأَوْسَطِهِ، وَآخِرِهِ
١٦ / ٢١٢
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ﴾ [طه: ١٣٠] قَالَ: آنَاءُ اللَّيْلِ: جَوْفُ اللَّيْلِ
١٦ / ٢١٢
وَقَوْلُهُ: ﴿لَعَلَّكَ تَرْضَى﴾ [طه: ١٣٠] يَقُولُ: كَيْ تَرْضَى وَقَدِ اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَالْعِرَاقِ: ﴿لَعَلَّكَ تَرْضَى﴾ [طه: ١٣٠] بِفَتْحِ التَّاءِ. وَكَانَ عَاصِمٌ وَالْكَسَائِيُّ يَقْرَآنِ ذَلِكَ: (لَعَلَّكَ تُرْضَى) بِضَمِّ التَّاءِ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، وَكَأَنَّ الَّذِينَ قَرَءُوا ذَلِكَ بِالْفَتْحِ، ذَهَبُوا إِلَى مَعْنَى: إِنَّ اللَّهَ يُعْطِيكَ، حَتَّى تَرْضَى عَطِيَّتَهُ وَثَوَابَهُ إِيَّاكَ، وَكَذَلِكَ تَأَوَّلَهُ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٦ / ٢١٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿لَعَلَّكَ تَرْضَى﴾ [طه: ١٣٠] قَالَ: الثَّوَابُ، تَرْضَى بِمَا يُثِيبُكَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ
١٦ / ٢١٢
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، ﴿لَعَلَّكَ تَرْضَى﴾ [طه: ١٣٠] قَالَ: بِمَا تُعْطَى وَكَأَنَّ الَّذِينَ قَرَءُوا ذَلِكَ بِالضَّمِّ، وَجَّهُوا مَعْنَى الْكَلَامِ إِلَى لَعَلَّ اللَّهَ يُرْضِيكَ مِنْ عِبَادَتِكَ إِيَّاهُ، وَطَاعَتِكَ لَهُ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي: أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ، قَدْ قَرَأَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عُلَمَاءُ مِنَ الْقُرَّاءِ، وَهُمَا قِرَاءَتَانِ مُسْتَفِيضَتَانِ فِي قِرَاءَةِ الْأَمْصَارِ، مُتَّفِقَتَا الْمَعْنَى، غَيْرِ مُخْتَلِفَتَيْهِ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ إِذَا أَرْضَاهُ، فَلَا شَكَّ أَنَّهُ يَرْضَى، وَأَنَّهُ إِذَا رَضِيَ فَقَدْ أَرْضَاهُ اللَّهُ، فَكُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تَدُلُّ عَلَى مَعْنَى الْأُخْرَى، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ الصَّوَابَ
١٦ / ٢١٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾ [طه: ١٣١] . يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: وَلَا تَنْظُرْ إِلَى مَا جَعَلْنَا لِضُرَبَاءِ هَؤُلَاءِ الْمُعْرِضِينَ عَنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ وَأَشْكَالِهِمْ مُتْعَةً فِي حَيَاتِهِمُ الدُّنْيَا، يَتَمَتَّعُونَ بِهَا، مِنْ زَهْرَةِ عَاجِلِ الدُّنْيَا وَنَضْرَتِهَا ﴿لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ﴾ [طه: ١٣١] يَقُولُ: لِنَخْتَبِرَهُمْ فِيمَا مَتَّعْنَاهُمْ بِهِ مِنْ ذَلِكَ، وَنَبْتَلِيهِمْ، فَإِنَّ ذَلِكَ فَانٍ زَائِلٌ، وَغُرُورٌ وَخِدَعٌ تَضْمَحِلُّ ﴿وَرِزْقُ رَبِّكَ﴾ [طه: ١٣١] الَّذِي وَعَدَكَ أَنْ يَرْزُقُكَهُ فِي الْآخِرَةِ حَتَّى تَرْضَى، وَهُوَ ثَوَابُهُ إِيَّاهُ ﴿خَيْرٌ﴾ [البقرة: ٥٤] لَكَ مِمَّا مَتَّعْنَاهُمْ بِهِ مِنْ زَهْرَةِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴿وَأَبْقَى﴾ [طه: ٧١] يَقُولُ: وَأَدْوَمُ، لِأَنَّهُ لَا انْقِطَاعَ لَهُ وَلَا نَفَاذَ.
١٦ / ٢١٣
وَذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، مِنْ أَجْلِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ بَعَثَ إِلَى يَهُودِيٍّ يَسْتَسْلِفُ مِنْهُ طَعَامًا، فَأَبَى أَنْ يُسْلِّفَهُ إِلَّا بِرَهْنٍ
١٦ / ٢١٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، قَالَ: أَرْسَلَنِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِلَى يَهُودِيٍّ يَسْتَسْلِفُهُ، فَأَبَى أَنْ يُعْطِيَهُ إِلَّا بِرَهْنٍ، فَحَزِنَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [طه: ١٣١]
١٦ / ٢١٤
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَاقِدٍ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، قَالَ: نَزَلَ بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ ضَيْفٌ: فَأَرْسَلَنِي إِلَى يَهُودِيٍّ بِالْمَدِينَةِ يَسْتَسْلِفُهُ، فَأَتَيْتُهُ، فَقَالَ: لَا أُسْلِفُهُ إِلَّا بِرَهْنٍ، فَأَخْبَرْتُهُ بِذَلِكَ، فَقَالَ: «إِنِّي لَأَمِينٌ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ وَفِي أَهْلِ الْأَرْضِ، فَاحْمِلْ دِرْعِي إِلَيْهِ» فَنَزَلَتْ: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ﴾ [الحجر: ٨٧] وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [طه: ١٣١] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى﴾ [طه: ١٣٢]⦗٢١٥⦘ وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ: ﴿أَزْوَاجًا مِنْهُمْ﴾ [الحجر: ٨٨] رِجَالًا مِنْهُمْ أَشْكَالًا، وَبِزَهْرَةِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا: زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا
١٦ / ٢١٤
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [طه: ١٣١] أَيْ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَنَصَبَ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا عَلَى الْخُرُوجِ مِنَ الْهَاءِ الَّتِي فِي قَوْلِهِ بِهِ مَنْ ﴿مَتَّعْنَا بِهِ﴾ [طه: ١٣١] كَمَا يُقَالُ: مَرَرْتُ بِهِ الشَّرِيفَ الْكَرِيمَ، فَنُصِبَ الشَّرِيفُ الْكَرِيمُ عَلَى فِعْلِ مَرَرْتَ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [طه: ١٣١] تُنْصَبُ عَلَى الْفِعْلِ بِمَعْنَى: مَتَّعْنَاهُمْ بِهِ زَهْرَةً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَةً لَهُمْ فِيهَا، وَذَكَرَ الْفَرَّاءُ أَنَّ بَعْضَ بَنِي فَقْعَسٍ أَنْشَدَهُ:
[البحر الطويل] أَبَعْدَ الَّذِي بِالسَّفْحِ سَفْحِ كَوَاكِبٍ … رَهِينَةَ رَمْسٍ مِنْ تُرَابٍ وَجَنْدَلِ
فَنَصَبَ رَهِينَةَ عَلَى الْفِعْلِ مِنْ قَوْلِهِ: «أَبَعْدَ الَّذِي بِالسَّفْحِ»، وَهَذَا لَا شَكَّ أَنَّهُ أَضْعَفُ فِي الْعَمَلِ نَصْبًا مِنْ قَوْلِهِ: ﴿مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ﴾ [الحجر: ٨٨] لِأَنَّ الْعَامِلَ فِي الِاسْمِ وَهُوَ رَهِينَةَ، حَرْفٌ خَافِضٌ لَا نَاصِبٌ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
[البحر الطويل] أَبَعْدَ الَّذِي بِالسَّفْحِ سَفْحِ كَوَاكِبٍ … رَهِينَةَ رَمْسٍ مِنْ تُرَابٍ وَجَنْدَلِ
فَنَصَبَ رَهِينَةَ عَلَى الْفِعْلِ مِنْ قَوْلِهِ: «أَبَعْدَ الَّذِي بِالسَّفْحِ»، وَهَذَا لَا شَكَّ أَنَّهُ أَضْعَفُ فِي الْعَمَلِ نَصْبًا مِنْ قَوْلِهِ: ﴿مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ﴾ [الحجر: ٨٨] لِأَنَّ الْعَامِلَ فِي الِاسْمِ وَهُوَ رَهِينَةَ، حَرْفٌ خَافِضٌ لَا نَاصِبٌ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٦ / ٢١٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ﴾ [طه: ١٣١] قَالَ: لِنَبْتَلِيَهُمْ فِيهِ ﴿وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾ [طه: ١٣١] مِمَّا مَتَّعْنَا بِهِ هَؤُلَاءِ مِنْ هَذِهِ الدُّنْيَا
١٦ / ٢١٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى﴾ [طه: ١٣٢] . يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: ﴿وَأْمُرْ﴾ [الأعراف: ١٤٥] يَا مُحَمَّدُ ﴿أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا﴾ [طه: ١٣٢] يَقُولُ: وَاصْطَبِرْ عَلَى الْقِيَامِ بِهَا، وَأَدَائِهَا بِحُدُودِهَا أَنْتَ. ﴿لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا﴾ [طه: ١٣٢] يَقُولُ: لَا نَسْأَلُكُ مَالًا، بَلْ نُكَلِّفُكَ عَمَلًا بِبَدَنِكَ، نُؤْتِيكَ عَلَيْهِ أَجْرًا عَظِيمًا وَثَوَابًا جَزِيلًا ﴿نَحْنُ نَرْزُقُكَ﴾ [طه: ١٣٢] . يَقُولُ: نَحْنُ نُعْطِيكَ الْمَالَ وَنُكْسِبُكَهُ، وَلَا نَسْأَلُكَهُ
١٦ / ٢١٦
وَقَوْلُهُ: ﴿وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى﴾ [طه: ١٣٢] يَقُولُ: وَالْعَاقِبَةُ الصَّالِحَةُ مِنْ عَمِلِ كُلِّ عَامِلٍ لِأَهْلِ التَّقْوَى وَالْخَشْيَةِ مِنَ اللَّهِ دُونَ مَنْ لَا يَخَافُ لَهُ عِقَابًا، وَلَا يَرْجُو لَهُ ثَوَابًا وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي قَوْلِهِ ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا﴾ [طه: ١٣٢] قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٦ / ٢١٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ، قَالَ: ثنا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، قَالَ: كَانَ عُرْوَةَ إِذَا رَأَى مَا عِنْدَ السَّلَاطِينِ دَخَلَ دَارَهُ، فَقَالَ: ﴿وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى﴾ [طه: ١٣٢] ثُمَّ يُنَادِي: الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ، يَرْحَمُكُمُ اللَّهُ.
١٦ / ٢١٧
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ، ثنا عَثَّامٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ كَانَ إِذَا رَأَى شَيْئًا مِنَ الدُّنْيَا جَاءَ إِلَى أَهْلِهِ، فَقَالَ: الصَّلَاةَ ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكُ رِزْقًا﴾ [طه: ١٣٢]
١٦ / ٢١٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَقَالُوا لَوْلَا يَأْتِينَا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الْأُولَى﴾ [طه: ١٣٣] . يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ الَّذِينَ وَصَفَ صِفَتَهُمْ فِي الْآيَاتِ قَبْلُ: هَلَّا يَأْتِينَا مُحَمَّدٌ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ، كَمَا أَتَى قَوْمَهُ صَالِحٌ بِالنَّاقَةِ وَعِيسَى بِإِحَيَاءِ الْمَوْتَى، وَإِبْرَاءِ الْأَكْمَهِ وَالْأَبْرَصِ. يَقُولُ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: أَوَلَمْ يَأْتِهِمْ بَيَانُ مَا فِي الْكُتُبِ الَّتِي قَبْلَ هَذَا الْكِتَابِ مِنْ أَنْبَاءِ الْأُمَمِ مِنْ قَبْلِهِمُ الَّتِي أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا سَأَلُوا الْآيَاتِ فَكَفَرُوا بِهَا لَمَّا أَتَتْهُمْ كَيْفَ عَجَّلْنَا لَهُمُ الْعَذَابَ، وَأَنْزَلْنَا بَأْسَنَا بِكُفْرِهِمْ بِهَا، يَقُولُ: فَمَاذَا يُؤَمِّنُهُمْ إِنْ أَتَتْهُمُ الْآيَةُ أَنْ يَكُونَ حَالُهُمْ حَالَ أُولَئِكَ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٦ / ٢١٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الْأُولَى﴾ [طه: ١٣٣] قَالَ: التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ
١٦ / ٢١٨
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ ⦗٢١٩⦘ مَا فِي الصُّحُفِ الْأُولَى﴾ [طه: ١٣٣] الْكُتُبُ الَّتِي خَلَتْ مِنَ الْأُمَمِ الَّتِي يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ
١٦ / ٢١٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى﴾ [طه: ١٣٤] . يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَا هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِهَذَا الْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ نُنَزِّلَهُ عَلَيْهِمْ، وَمِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْعَثَ دَاعِيًا يَدْعُوهُمْ إِلَى مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِيهِ بِعَذَابٍ نُنَزِّلُهُ بِهِمْ بِكُفْرِهِمْ بِاللَّهِ، لَقَالُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، إِذْ وَرَدُوا عَلَيْنَا، فَأَرَدْنَا عِقَابَهُمْ: رَبَّنَا هَلَّا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا يَدْعُونَا إِلَى طَاعَتِكَ ﴿فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ﴾ [طه: ١٣٤] يَقُولُ: فَنَتَّبِعَ حُجَّتَكَ وَأَدِلَّتَكَ وَمَا تُنَزِّلُهُ عَلَيْهِ مِنْ أَمْرِكَ وَنَهْيِكَ مِنْ قَبْلُ أَنْ نَذِلَّ بِتَعْذِيبِكَ إِيَّانَا وَنَخْزَى بِهِ،
١٦ / ٢١٩
كَمَا: حَدَّثَنِي الْفَضْلُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثنا أَبُو قُتَيْبَةَ سَلْمَ بْنَ قُتَيْبَةَ، عَنْ فُضَيْلِ بْنِ مَرْزُوقٍ، عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيُّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «يَحْتَجُّ عَلَى اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثَلَاثَةٌ: الْهَالِكُ فِي الْفَتْرَةِ، وَالْمَغْلُوبُ عَلَى عَقْلِهِ، وَالصَّبِيُّ الصَّغِيرُ، فَيَقُولُ الْمَغْلُوبُ عَلَى عَقْلِهِ: لَمْ تَجْعَلْ لِي عَقْلًا أَنْتَفِعُ بِهِ، وَيَقُولُ الْهَالِكُ فِي الْفَتْرَةِ: لَمْ يَأْتِنِي رَسُولٌ وَلَا نَبِيُّ، وَلَوْ أَتَانِي لَكَ رَسُولٌ أَوْ نَبِيُّ لَكُنْتُ أَطْوَعَ خَلْقِكَ لَكَ. وَقَرَأَ: ﴿لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا﴾ [طه: ١٣٤] وَيَقُولُ الصَّبِيُّ الصَّغِيرُ: كُنْتُ صَغِيرًا لَا أَعْقِلُ» قَالَ: «فَتُرْفَعُ لَهُمْ نَارٌ وَيُقَالُ لَهُمْ: رِدُوهَا» قَالَ: «فَيَرِدُهَا مَنْ كَانَ فِي عِلْمِ اللَّهِ أَنَّهُ سَعِيدٌ، وَيَتَلَكَّأُ عَنْهَا مَنْ كَانَ فِي عِلْمِ اللَّهِ أَنَّهُ شَقِيُّ، فَيَقُولُ: إِيَّايَ عَصَيْتُمْ، فَكَيْفَ بِرُسُلِي لَوْ أَتَتْكُمْ؟»
١٦ / ٢١٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قُلْ كُلٌّ مُّتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَى﴾ [طه: ١٣٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ: كُلُّكُمْ أَيُّهَا الْمُشْرِكُونَ بِاللَّهِ مُتَرَبِّصٌ يَقُولُ: مُنْتَظِرٌ لِمَنْ يَكُونُ الْفَلَاحُ، وَإِلَى مَا يَئُولُ أَمْرِي وَأَمْرُكُمْ مُتَوَقِّفٌ يَنْتَظِرُ دَوَائِرَ الزَّمَانِ ﴿فَتَرَبَّصُوا﴾ [التوبة: ٢٤] يَقُولُ: فَتَرَقَّبُوا وَانْتَظِرُوا، فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَهْلُ الطَّرِيقِ الْمُسْتَقِيمِ الْمُعْتَدِلِ الَّذِي لَا اعْوِجَاجَ فِيهِ إِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَقَامَتِ الْقِيَامَةُ، أَنَحْنُ أَمْ أَنْتُمْ؟ ﴿وَمَنِ اهْتَدَى﴾ [طه: ١٣٥] يَقُولُ: وَسَتَعْلَمُونَ حِينَئِذٍ مَنِ الْمُهْتَدِي الَّذِي هُوَ عَلَى سَنَنِ الطَّرِيقِ الْقَاصِدُ غَيْرُ الْجَائِرِ عَنْ قَصْدِهِ مِنَّا وَمِنْكُمْ. وَفِي «مَنْ» مِنْ قَوْلِهِ: ﴿فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ﴾ [طه: ١٣٥] وَالثَّانِيَةُ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿وَمَنِ اهْتَدَى﴾ [طه: ١٣٥] وَجْهَانِ: الرَّفْعُ، وَتَرْكُ أَعْمَالِ تَعْلَمُونَ فِيهِمَا، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى﴾ [الكهف: ١٢] وَالنَّصْبُ عَلَى أَعْمَالِ تَعْلَمُونَ فِيهِمَا، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ﴾ [البقرة: ٢٢٠]