حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ ﴿وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى﴾ [طه: ٦٣] قَالَ: أُولِي الْعُقُولِ وَالْأَشْرَافِ وَالْأَنْسَابِ
١٦ / ١٠٢
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، وَأَبُو السَّائِبِ، قَالَا: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى﴾ [طه: ٦٣] وَطَرِيقَتِهُمُ الْمُثْلَى يَوْمَئِذٍ كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ، وَكَانُوا أَكْثَرَ الْقَوْمِ عَدَدًا وَأَمْوَالًا وَأَوْلَادًا. قَالَ عَدُوُّ اللَّهِ: إِنَّمَا يُرِيدَانِ أَنْ يَذْهَبَا بِهِمْ لِأَنْفُسِهِمَا
١٦ / ١٠٣
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ ﴿بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى﴾ [طه: ٦٣] قَالَ: بِبَنِي إِسْرَائِيلَ
١٦ / ١٠٣
حَدَّثَنِي مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، ﴿وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى﴾ [طه: ٦٣] يَقُولُ: يَذْهَبَا بِأَشْرَافِ قَوْمِكُمْ وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَيُغَيِّرَا سُنَّتَكُمْ وَدِينَكُمُ الَّذِي أَنْتُمْ عَلَيْهِ، مِنْ قَوْلِهِمْ: فُلَانٌ حَسَنُ الطَّرِيقَةِ
١٦ / ١٠٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى﴾ [طه: ٦٣] قَالَ: يَذْهَبَا بِالَّذِي أَنْتُمْ عَلَيْهِ، يُغَيِّرُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ. وَقَرَأَ: ﴿ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ﴾ [غافر: ٢٦] قَالَ: هَذَا قَوْلُهُ: ﴿وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى﴾ [طه: ٦٣] وَقَالَ: يَقُولُ طَرِيقَتُكُمُ الْيَوْمَ طَرِيقَةٌ حَسَنَةٌ، فَإِذَا غُيِّرَتْ ذَهَبَتْ هَذِهِ الطَّرِيقَةُ
١٦ / ١٠٤
وَرُوِي عَنْ عَلِيٍّ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى﴾ [طه: ٦٣] مَا: حَدَّثَنَا بِهِ الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: يَصْرِفَانِ وُجُوهَ النَّاسِ إِلَيْهِمَا قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَهَذَا الْقَوْلُ الَّذِي قَالَهُ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى﴾ [طه: ٦٣] وَإِنْ كَانَ قَوْلًا لَهُ وَجْهٌ يَحْتَمِلُهُ الْكَلَامُ، فَإِنَّ تَأْوِيلَ أَهْلِ التَّأْوِيلِ خِلَافُهُ، فَلَا أَسْتَجِيزُ لِذَلِكَ الْقَوْلَ بِهِ
١٦ / ١٠٤
وَقَوْلُهُ: ﴿وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى﴾ [سورة: طه، آية رقم: ٦٤] يَقُولُ: قَدْ ظَفِرَ بِحَاجَتِهِ الْيَوْمَ مَنْ عَلَا عَلَى صَاحِبِهِ فَقَهَرَهُ
١٦ / ١٠٦
كَمَا: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حُدِّثْتُ عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: جَمَعَ فِرْعَوْنُ النَّاسَ لِذَلِكَ الْجَمْعِ، ثُمَّ أَمَرَ السَّحَرَةَ فَقَالَ: ﴿ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى﴾ [سورة: طه، آية رقم: ٦٤] أَيْ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ عَلَى صَاحِبِهِ
١٦ / ١٠٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى﴾ [سورة: طه، آية رقم: ٦٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَأَجْمَعَتِ السَّحَرَةُ كَيْدَهُمْ، ثُمَّ أَتَوْا صَفًّا فَقَالُوا لِمُوسَى: ﴿يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى﴾ [سورة: طه، آية رقم: ٦٥] وَتَرَكَ ذِكْرَ ذَلِكَ مِنَ الْكَلَامِ اكْتِفَاءً بِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ. وَاخْتُلِفَ فِي مَبْلَغِ عَدَدِ السَّحَرَةِ الَّذِينَ أَتَوْا يَوْمَئِذٍ صَفًّا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانُوا سَبْعِينَ أَلْفَ سَاحِرٍ، مَعَ كُلِّ سَاحِرٍ مِنْهُمْ حَبَلٌ وَعَصًا
١٦ / ١٠٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ، قَالَ: ثنا الْقَاسِمُ بْنُ أَبِي بَزَّةَ، قَالَ: جَمَعَ فِرْعَوْنُ سَبْعِينَ أَلْفَ سَاحِرٍ، فَأَلْقَوْا سَبْعِينَ أَلْفَ حَبْلٍ، وَسَبْعِينَ أَلْفَ عَصًا، فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ، فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ فَاغِرٌ بِهِ فَاهُ، فَابْتَلَعَ حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ ﴿فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا﴾ [سورة: طه، آية رقم: ٧٠] عِنْدَ ذَلِكَ، فَمَا رَفَعُوا رُءُوسَهُمْ حَتَّى رَأَوُا الْجَنَّةَ وَالنَّارَ وَثَوَابَ أَهْلِهِمَا، فَعِنْدَ ذَلِكَ ﴿قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ﴾ [سورة: طه، آية رقم: ٧٢] وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ كَانُوا نَيِّفًا وَثَلَاثِينَ أَلْفَ رَجُلٍ
١٦ / ١٠٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: ﴿قَالُوا ⦗١٠٨⦘ يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ﴾ [الأعراف: ١١٥] قَالَ لَهُمْ مُوسَى: ﴿أَلْقُوا﴾ [طه: ٦٦]، فَأُلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ، وَكَانُوا بَضْعَةً وَثَلَاثِينَ أَلْفَ رَجُلٍ لَيْسَ مِنْهُمْ رَجُلٌ إِلَّا وَمَعَهُ حَبْلٌ وَعَصًا وَقَالَ آخَرُونَ بَلْ كَانُوا خَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفًا
١٦ / ١٠٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حُدِّثْتُ عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: صُفَّ خَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفَ سَاحِرٍ، مَعَ كُلِّ سَاحِرٍ حِبَالُهُ وَعِصِيِّهِ وَقَالَ آخَرُونَ: كَانُوا تِسْعَ مِائَةٍ
١٦ / ١٠٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: كَانَ السَّحَرَةُ ثَلَاثَ مِائَةٍ مِنَ الْعَرِيشِ، وَثَلَاثَ مِائَةٍ مِنْ فَيَوْمٍ، وَيَشُكُّونَ فِي ثَلَاثِ مِائَةٍ مِنَ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ، فَقَالُوا لِمُوسَى: إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ مَا مَعَكَ قَبْلَنَا، وَإِمَّا ⦗١٠٩⦘ أَنْ نُلْقِيَ مَا مَعَنَا قَبْلَكَ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى﴾ [طه: ٦٥] وَأَنَّ فِي قَوْلِهِ: ﴿إِمَّا أَنَّ﴾ [الأعراف: ١١٥] فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ، وَذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ: اخْتَرْ يَا مُوسَى أَحَدَ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ: إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ قَبْلَنَا، وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى، وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ: هُوَ رَفْعٌ، كَانَ مَذْهَبًا، كَأَنَّهُ وَجَّهَهُ إِلَى أَنَّهُ خَبَرٌ، كَقَوْلِ الْقَائِلِ:
[البحر الطويل]
فَسِيرَا فَإِمَّا حَاجَةٌ تَقْضِيَانِهَا … وَإِمَّا مَقِيلٌ صَالِحٌ وَصَدِيقُ
١٦ / ١٠٨
وَقَوْلُهُ: ﴿قَالَ بَلْ أَلْقُوا﴾ [طه: ٦٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ مُوسَى لِلسَّحَرَةِ: بَلْ أَلْقُوا أَنْتُمْ مَا مَعَكُمْ قَبْلِي. وَقَوْلُهُ: ﴿فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى﴾ [طه: ٦٦] وَفِي هَذَا الْكَلَامِ مَتْرُوكٌ، وَهُوَ: فَأَلْقَوْا مَا مَعَهُمْ مِنَ الْحِبَالِ وَالْعِصِيِّ، فَإِذَا حِبَالُهُمْ، تُرِكَ ذِكْرُهُ اسْتِغْنَاءَ بِدَلَالَةِ الْكَلَامِ الَّذِي ذُكِرَ عَلَيْهِ عَنْهُ. وَذُكِرَ أَنَّ السَّحَرَةَ سَحَرُوا عَيْنَ مُوسَى وَأَعْيُنَ النَّاسِ قَبْلَ أَنْ يُلْقُوا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ، فَخُيِّلَ حِينَئِذٍ إِلَى مُوسَى أَنَّهَا تَسْعَى
١٦ / ١٠٩
كَمَا: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حُدِّثْتُ عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: قَالُوا يَا مُوسَى ﴿إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى قَالَ بَلْ أَلْقُوا﴾ [طه: ٦٦] فَكَانَ أَوَّلَ مَا اخْتَطَفُوا بِسِحِرْهِمْ بَصَرَ مُوسَى وَبَصَرَ فِرْعَوْنَ، ثُمَّ أَبْصَارَ النَّاسِ بَعْدُ، ثُمَّ أَلْقَى كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ مَا فِي يَدِهِ مِنَ الْعِصِيِّ وَالْحِبَالِ، فَإِذَا هِيَ حَيَّاتٌ كَأَمْثَالِ الْحِبَالِ، قَدْ مَلَأْتِ الْوَادِي يَرْكَبُ بَعْضُهَا بَعْضًا وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿يُخَيَّلُ إِلَيْهِ﴾ [طه: ٦٦] فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ
١٦ / ١٠٩
الْأَمْصَارِ ﴿يُخَيَّلُ إِلَيْهِ﴾ [طه: ٦٦] بِالْيَاءِ بِمَعْنَى: يُخَيَّلُ إِلَيْهِمْ سَعْيُهَا. وَإِذَا قُرِئَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، كَانَتْ «أَنَّ» فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ. وَرُوِي عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهُ: «تَخَيَّلَ» بِالتَّاءِ، بِمَعْنَى: تَخَيَّلَ حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ بِأَنَّهَا تَسْعَى. وَمَنْ قَرَأَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، كَانَتْ «أَنَّ» فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ لِتَعَلُّقِ تَخَيَّلَ بِهَا. وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهُ: «تَخَيَّلُ إِلَيْهِ» بِمَعْنَى: تَتَخَيَّلُ إِلَيْهِ. وَإِذَا قُرِئَ ذَلِكَ كَذَلِكَ أَيْضًا فَـ «أَنَّ» فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِمَعْنَى: تَتَخَيَّلُ بِالسَّعْي لَهُمْ. وَالْقِرَاءَةُ الَّتِي لَا يَجُوزُ عِنْدِي فِي ذَلِكَ غَيْرُهَا ﴿يُخَيَّلُ﴾ [طه: ٦٦] بِالْيَاءِ لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَيْهِ
١٦ / ١١٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى﴾ [طه: ٦٨] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خَوْفًا مُوسَى فَوَجَدَهُ
١٦ / ١١٠
وَقَوْلُهُ: ﴿قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى﴾ [طه: ٦٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قُلْنَا لِمُوسَى إِذْ أَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً: ﴿لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى﴾ [طه: ٦٨] عَلَى هَؤُلَاءِ السَّحَرَةِ، وَعَلَى فِرْعَوْنَ وَجُنْدِهِ، وَالْقَاهِرُ لَهُمْ
١٦ / ١١١
﴿وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا﴾ [طه: ٦٩] يَقُولُ: وَأَلْقِ عَصَاكَ تَبْتَلِعُ حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمُ الَّتِي سَحَرُوهَا حَتَّى خُيِّلَ إِلَيْكَ أَنَّهَا تَسْعَى
١٦ / ١١١
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّمَا صَنَعُوا كَيَدُ سَاحِرٍ﴾ [طه: ٦٩] اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ وَبَعْضُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ ﴿إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ﴾ [طه: ٦٩] بِرَفْعِ كَيْدَ وَبِالْأَلِفِ فِي سَاحِرٍ بِمَعْنَى: إِنَّ الَّذِي صَنَعَهُ هَؤُلَاءِ السَّحَرَةُ كَيْدٌ مِنْ سَاحِرٍ. وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ: (إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سِحْرٍ) بِرَفْعِ الْكَيْدِ وَبِغَيْرِ الْأَلِفِ فِي السِّحْرِ بِمَعْنَى إِنَّ الَّذِي صَنَعُوهُ كَيْدُ سِحْرٍ. وَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى، وَذَلِكَ أَنَّ الْكَيْدَ هُوَ الْمَكْرُ وَالْخِدْعَةُ، فَالسَّاحِرُ مَكْرُهُ وَخِدْعَتُهُ مِنْ سِحْرٍ يُسْحَرُ، وَمَكْرُ السِّحْرِ وَخِدْعَتُهُ: تَخَيُّلُهُ إِلَى الْمَسْحُورِ، عَلَى خِلَافِ مَا هُوَ بِهِ فِي حَقِيقَتِهِ، فَالسَّاحِرُ كَائِدٌ بِالسِّحْرِ، وَالسِّحْرُ كَائِدٌ بِالتَّخْيِيلِ، فَإِلَى أَيِّهِمَا أَضَفْتُ الْكَيْدَ فَهُوَ
١٦ / ١١١
صَوَابٌ. وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ قَرَأَ: «كَيْدَ سِحْرٍ» بِنَصْبِ كَيْدَ. وَمَنْ قَرَأَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، جَعَلَ إِنَّمَا حَرْفًا وَاحِدًا وَأَعْمَلَ صَنَعُوا فِي كَيْدَ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَهَذِهِ قِرَاءَةٌ لَا أَسْتَجِيزُ الْقِرَاءَةَ بِهَا لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَى خِلَافِهَا
١٦ / ١١٢
وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى﴾ [طه: ٦٩] يَقُولُ: وَلَا يَظْفَرُ السَّاحِرُ بِسِحْرِهِ بِمَا طَلَبَ أَيْنَ كَانَ. وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: مَعْنَى ذَلِكَ: أَنَّ السَّاحِرَ يُقْتَلُ حَيْثُ وُجِدَ. وَذَكَرَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ، أَنَّ ذَلِكَ فِي حَرْفِ ابْنِ مَسْعُودٍ: «وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ أَيْنَ أَتَى» وَقَالَ: الْعَرَبُ تَقُولُ: جِئْتُكَ مِنْ حَيْثِ لَا تَعْلَمُ، وَمِنْ أَيْنَ لَا تَعْلَمُ. وَقَالَ غَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ الْأُوَلِ: جَزَاءَ يُقْتَلُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى وَأَيْنَ أَتَى وَقَالَ: وَأَمَّا قَوْلُ الْعَرَبِ: جِئْتُكَ مِنْ حَيْثُ لَا تَعْلَمُ، وَمَنْ أَيْنَ لَا تَعْلَمُ، فَإِنَّمَا هُوَ جَوَابُ لَمْ يُفْهَمْ، فَاسْتُفْهِمَ كَمَا قَالُوا: أَيْنَ الْمَاءُ وَالْعُشْبُ
١٦ / ١١٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى﴾ [طه: ٧١]⦗١١٣⦘ وَفِي هَذَا الْكَلَامِ مَتْرُوكٌ قَدِ اسْتُغْنِيَ بِدَلَالَةِ مَا تُرِكَ عَلَيْهِ وَهُوَ: فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ، فَتَلَقَّفَتْ مَا صَنَعُوا ﴿فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى﴾ [طه: ٧٠] وَذُكِرَ أَنَّ مُوسَى لَمَّا أَلْقَى مَا فِي يَدِهِ تَحَوَّلَ ثُعْبَانًا، فَالْتَقَمَ كُلَّ مَا كَانَتِ السَّحَرَةُ أَلْقَتْهُ مِنَ الْحِبَالِ وَالْعِصَيِّ
١٦ / ١١٢
ذِكْرُ الرِّوَايَةِ عَمَّنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَعْقُوبُ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدٍ، قَالَ: لَمَّا اجْتَمَعُوا وَأَلْقَوْا مَا فِي أَيْدِيهِمْ مِنَ السِّحْرِ خُيِّلَ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى ﴿فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا﴾ [طه: ٦٨] فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ، قَالَ: فَتَحَتْ فَمًا لَهَا مِثْلَ الدَّحْلِ، ثُمَّ وَضَعَتْ مِشْفَرَهَا عَلَى الْأَرْضِ وَرَفَعَتِ الْآخَرَ، ثُمَّ اسْتَوْعَبَتْ كُلَّ شَيْءٍ أَلْقَوْهُ مِنَ السِّحْرِ، ثُمَّ جَاءَ إِلَيْهَا فَقَبَضَ عَلَيْهَا، فَإِذَا هِيَ عَصًا، فَخَرَّ السَّحَرَةُ سُجَّدًا ﴿قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ﴾ [طه: ٧٠] قَالَ: فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ قَطَعَ الْأَيْدِي وَالْأَرْجُلِ مِنْ خِلَافٍ فِرْعَوْنُ ﴿وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ﴾ [طه: ٧١] قَالَ: فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ صَلَبَ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ فِرْعَوْنُ
١٦ / ١١٣
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، ﴿فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى﴾ [طه: ٦٧] فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ ﴿لَا تَخَفْ﴾ [طه: ٦٨] ﴿وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ﴾ [طه: ٦٩] ﴿تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ﴾ [طه: ٦٩] فَأَلْقَى عَصَاهُ فَأَكَلَتْ كُلَّ حَيَّةٍ لَهُمْ، فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ سَجَدُوا وَ﴿قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ﴾ [الأعراف: ١٢٢]
١٦ / ١١٤
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حُدِّثْتُ عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، ﴿فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى﴾ [طه: ٦٧] لَمَّا رَأَى مَا أَلْقَوْا مِنَ الْحِبَالِ وَالْعِصِيِّ وَخُيِّلَ إِلَيْهِ أَنَّهَا تَسْعَى، وَقَالَ: وَاللَّهِ إِنْ كَانَتْ لَعِصِيًّا فِي أَيْدِيهِمْ، وَلَقَدْ عَادَتْ حَيَّاتٍ، وَمَا تَعْدُو عَصَايَ هَذِهِ، أَوْ كَمَا حَدَّثَ نَفْسَهُ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَنْ ﴿أَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى﴾ [طه: ٦٩] وَفَرِحَ مُوسَى فَأَلْقَى عَصَاهُ مِنْ يَدِهِ، فَاسْتَعْرَضَتْ مَا أَلْقَوْا مِنْ حِبَالِهِمْ وَعِصِيِّهِمْ، وَهِيَ حَيَّاتٌ فِي عَيْنِ فِرْعَوْنَ وَأَعْيُنِ النَّاسِ تَسْعَى، فَجَعَلَتْ تَلْقَفُهَا، تَبْتَلِعُهَا حَيَّةً حَيَّةً، حَتَّى مَا يُرَى بِالْوَادِي قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ مِمَّا أَلْقَوْا، ثُمَّ أَخَذَهَا مُوسَى فَإِذَا هِيَ عَصًا فِي يَدِهِ كَمَا كَانَتْ، وَوَقَعَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا، قَالُوا: آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى، لَوْ كَانَ هَذَا سِحْرًا مَا غَلَبَنَا
١٦ / ١١٤
وَقَوْلُهُ: ﴿قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ﴾ [طه: ٧١] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَقَالَ فِرْعَوْنُ لِلسَّحَرَةِ: أَصَدَّقْتُمْ وَأَقْرَرْتُمْ لِمُوسَى بِمَا دَعَاكُمْ إِلَيْهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ أُطْلِقَ ذَلِكَ لَكُمْ ﴿إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمْ﴾ [طه: ٧١] يَقُولُ: إِنَّ مُوسَى لَعَظِيمُكُمْ ﴿الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ﴾ [طه: ٧١]
١٦ / ١١٤
كَمَا حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حُدِّثْتُ عَنْ ⦗١١٥⦘ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: لَمَّا قَالَتِ السَّحَرَةُ: ﴿آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى﴾ [طه: ٧٠] قَالَ لَهُمْ فِرْعَوْنُ، وَأَسِفَ وَرَأَى الْغَلَبَةَ وَالْبَيِّنَةَ: ﴿آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ﴾ [طه: ٧١] أَيْ لَعَظِيمٌ السَّحَّارُ الَّذِي عَلَّمَكُمْ
١٦ / ١١٤
وَقَوْلُهُ: ﴿فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ﴾ [طه: ٧١] يَقُولُ: فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مُخَالِفًا بَيْنَ قَطْعِ ذَلِكَ، وَذَلِكَ أَنْ يَقْطَعَ يُمْنَى الْيَدَيْنِ وَيُسْرَى الرِّجْلَيْنِ، أَوْ يُسْرَى الْيَدَيْنِ، وَيُمْنَى الرِّجْلَيْنِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ قَطْعًا مِنْ خِلَافٍ، وَكَانَ فِيمَا ذُكِرَ أَوَّلُ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فِرْعَوْنُ، وَقَدْ ذَكَرْنَا الرِّوَايَةَ بِذَلِكَ
١٦ / ١١٥
وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ﴾ [طه: ٧١] يَقُولُ: وَلَأُصُلِّبَنَّكُمْ عَلَى جُذُوعِ النَّخْلِ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الطويل]
هُمُ صَلَبُوا الْعَبْدِيَّ فِي جِذْعِ نَخْلَةٍ … فَلَا عَطَسَتْ شَيْبَانُ إِلَّا بِأَجْدَعَا
يَعْنِي عَلَى جِذْعِ نَخْلَةٍ، وَإِنَّمَا قِيلَ: فِي جُذُوعِ، لِأَنَّ الْمَصْلُوبَ عَلَى الْخَشَبَةِ يُرْفَعُ فِي طُولِهَا، ثُمَّ يَصِيرُ عَلَيْهَا، فَيُقَالُ: صُلِبَ عَلَيْهَا
١٦ / ١١٥
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ﴾ [طه: ٧١] لَمَّا رَأَى السَّحَرَةُ مَا جَاءَ بِهِ عَرَفُوا أَنَّهُ مِنَ اللَّهِ فَخَرُّوا سُجَّدًا، وَآمَنُوا عِنْدَ ذَلِكَ، قَالَ عَدُوُّ اللَّهِ: ﴿فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ﴾ [طه: ٧١] الْآيَةَ
١٦ / ١١٥
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ فِرْعَوْنُ: ﴿فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ﴾ [طه: ٧١]⦗١١٦⦘ فَقَتَلَهُمْ وَقَطَّعَهُمْ
١٦ / ١١٥
كَمَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ حِينَ قَالُوا: ﴿رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ﴾ [الأعراف: ١٢٦] وَقَالَ: كَانُوا فِي أَوَّلِ النَّهَارِ سَحَرَةً، وَفِي آخِرِ النَّهَارِ شُهَدَاءَ
١٦ / ١١٦
وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى﴾ [طه: ٧١] يَقُولُ: وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّهَا السَّحَرَةُ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا لَكُمْ، وَأَدْوَمُ، أَنَا أَوْ مُوسَى
١٦ / ١١٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾ [طه: ٧٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَتِ السَّحَرَةُ لِفِرْعَوْنَ لَمَّا تَوَعَّدَهُمْ بِمَا تَوَعَّدَهُمْ بِهِ: ﴿لَنْ نُؤْثِرَكَ﴾ [طه: ٧٢] فَنَتَّبِعَكَ وَنُكَذِّبَ مِنْ أَجْلِكَ مُوسَى ﴿عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ﴾ [طه: ٧٢] يَعْنِي مِنَ الْحُجَجِ وَالْأَدِلَّةِ عَلَى حَقِيقَةِ مَا دَعَاهُمْ إِلَيْهِ مُوسَى ﴿وَالَّذِي فَطَرَنَا﴾ [طه: ٧٢] يَقُولُ: قَالُوا: لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى الَّذِي جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ، وَعَلَى الَّذِي فَطَرَنَا. وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ: ﴿فَطَرَنَا﴾ [طه: ٧٢] خَلَقَنَا، فَالَّذِي مِنْ قَوْلِهِ: ﴿وَالَّذِي فَطَرَنَا﴾ [طه: ٧٢] خُفِضَ عَلَى قَوْلِهِ: ﴿مَا جَاءَنَا﴾ [المائدة: ١٩] وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: ﴿وَالَّذِي فَطَرَنَا﴾ [طه: ٧٢] خَفْضًا عَلَى الْقَسَمِ، فَيَكُونُ مَعْنَى الْكَلَامِ: لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَاللَّهِ. وَقَوْلُهُ: ﴿فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ﴾ [طه: ٧٢] يَقُولُ: فَاصْنَعْ مَا أَنْتَ صَانِعٌ، وَاعْمَلْ بِنَا مَا بَدَا لَكَ ﴿إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا﴾ [طه: ٧٢] يَقُولُ: إِنَّمَا تَقْدِرُ أَنْ
١٦ / ١١٦
تُعَذِّبَنَا فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا الَّتِي تَفْنَى، وَنَصَبَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْوَقْتِ وَجُعِلَتْ إِنَّمَا حَرْفًا وَاحِدًا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٦ / ١١٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حُدِّثْتُ عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، ﴿لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا﴾ [طه: ٧٢] أَيْ عَلَى اللَّهِ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْحُجَجِ مَعَ بَيِّنَةٍ ﴿فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ﴾ [طه: ٧٢] أَيِ اصْنَعْ مَا بَدَا لَكَ ﴿إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا﴾ [طه: ٧٢] أَيْ لَيْسَ سُلْطَانٌ إِلَّا فِيهَا، ثُمَّ لَا سُلْطَانَ لَكَ بَعْدَهُ
١٦ / ١١٧
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا﴾ [طه: ٧٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّا أَقْرَرْنَا بِتَوْحِيدِ رَبِّنَا، وَصَدَّقْنَا بِوَعْدِهِ وَوَعِيدِهِ. وَأَنَّ مَا جَاءَ بِهِ مُوسَى حَقٌّ ﴿لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا﴾ [طه: ٧٣] يَقُولُ: لِيَعْفُوَ لَنَا عَنْ ذُنُوبَنَا فَيَسْتُرَهَا عَلَيْنَا. ﴿وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ﴾ [طه: ٧٣] يَقُولُ: لِيَغْفِرَ لَنَا ذُنُوبَنَا، وَتَعَلُّمَنَا مَا تَعَلَّمْنَاهُ مِنَ السِّحْرِ، وَعَمِلْنَا بِهِ الَّذِي أَكْرَهْتَنَا عَلَى تَعَلُّمِهِ وَالْعَمَلِ بِهِ. وَذُكِرَ أَنَّ فِرْعَوْنَ كَانَ أَخَذَهُمْ بِتَعْلِيمِ السِّحْرِ
١٦ / ١١٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: ثنا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ تبارك وتعالى: ﴿وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ﴾ [طه: ٧٣] قَالَ: غِلْمَانٌ دَفَعَهُمْ فِرْعَوْنُ إِلَى السَّحَرَةِ، تُعَلِّمُهُمُ السِّحْرَ بِالْفَرَمَا
١٦ / ١١٨
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ﴾ [طه: ٧٣] قَالَ: أَمَرَهُمْ بِتَعَلُّمِ السِّحْرِ، قَالَ: تَرَكُوا كِتَابَ اللَّهِ، وَأَمَرُوا قَوْمَهُمْ بِتَعْلِيمِ السِّحْرِ ﴿وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ﴾ [طه: ٧٣] قَالَ: أَمَرْتَنَا أَنْ نَتَعَلَّمَهُ
١٦ / ١١٨
وَقَوْلُهُ: ﴿وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾ [طه: ٧٣] يَقُولُ: وَاللَّهُ خَيْرٌ مِنْكَ يَا فِرْعَوْنُ جَزَاءً لِمَنْ أَطَاعَهُ، وَأَبْقَى عَذَابًا لِمَنْ عَصَاهُ وَخَالَفَ أَمْرَهُ
١٦ / ١١٨
كَمَا: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، ﴿وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾ [طه: ٧٣] خَيْرٌ مِنْكَ ثَوَابًا، وَأَبْقَى عَذَابًا
١٦ / ١١٨
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ، عَنْ ⦗١١٩⦘ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾ [طه: ٧٣] قَالَا: خَيْرًا مِنْكَ إِنْ أُطِيعَ، وَأَبْقَى مِنْكَ عَذَابًا إِنْ عُصِيَ
١٦ / ١١٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى﴾ [طه: ٧٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُخْبِرًا عَنْ قِيلِ السَّحَرَةِ لِفِرْعَوْنَ: ﴿إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ﴾ [طه: ٧٤] مِنْ خَلْقِهِ ﴿مُجْرِمًا﴾ [طه: ٧٤] يَقُولُ: مُكْتَسِبًا الْكُفْرَ بِهِ ﴿فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ﴾ [طه: ٧٤] يَقُولُ: فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ مَأْوًى وَمْسَكَنًا، جَزَاءً لَهُ عَلَى كُفْرِهِ ﴿لَا يَمُوتُ فِيهَا﴾ [طه: ٧٤] فَتَخْرُجُ نَفْسُهُ ﴿وَلَا يَحْيَا﴾ فَتَسْتَقِرَّ نَفْسُهُ فِي مَقَرِّهَا فَتَطْمَئِنَّ، وَلَكِنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِالْحَنَاجِرِ مِنْهُمْ ﴿وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا﴾ [طه: ٧٥] مُوَحِّدًا لَا يُشْرِكُ بِهِ ﴿قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ﴾ [طه: ٧٥] يَقُولُ: قَدْ عَمِلَ مَا أَمَرَهُ بِهِ رَبُّهُ، وَانْتَهَى عَمَّا نَهَاهُ عَنْهُ ﴿فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى﴾ [طه: ٧٥] يَقُولُ: فَأُولَئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ دَرَجَاتُ الْجَنَّةِ الْعُلَى
١٦ / ١١٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى﴾ [طه: ٧٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى﴾ [طه: ٧٥] ثُمَّ بَيَّنَ تِلْكَ الدَّرَجَاتِ الْعُلَى مَا هِيَ، فَقَالَ: هُنَّ ﴿جَنَّاتُ ⦗١٢٠⦘ عَدْنٍ﴾ [التوبة: ٧٢] يَعْنِي: جَنَّاتُ إِقَامَةٍ لَا ظَعْنَ عَنْهَا وَلَا نَفَادَ لَهَا وَلَا فَنَاءَ ﴿تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾ [البقرة: ٢٥] يَقُولُ: تَجْرِي مِنْ تَحْتِ أَشْجَارِهَا الْأَنْهَارُ ﴿خَالِدِينَ فِيهَا﴾ [البقرة: ١٦٢] يَقُولُ: مَاكِثِينَ فِيهَا إِلَى غَيْرِ غَايَةٍ مَحْدُودَةٍ، فَالْجَنَّاتُ مِنْ قَوْلِهِ ﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ﴾ [التوبة: ٧٢] مَرْفُوعَةٌ بِالرَّدِّ عَلَى الدَّرَجَاتِ
١٦ / ١١٩
كَمَا: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى﴾ [طه: ٧٥] قَالَ: عَدْنٌ
١٦ / ١٢٠
وَقَوْلُهُ: ﴿وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى﴾ [طه: ٧٦] يَقُولُ: وَهَذِهِ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى الَّتِي هِيَ جَنَّاتُ عَدْنٍ عَلَى مَا وَصَفَ ﷻ ثَوَابُ مَنْ تَزَكَّى، يَعْنِي: مَنْ تَطَهَّرَ مِنَ الذُّنُوبِ، فَأَطَاعَ اللَّهَ فِيمَا أَمَرَهُ، وَلَمْ يُدَنِّسْ نَفْسَهُ بِمَعْصِيَتِهِ فِيمَا نَهَاهُ عَنْهُ
١٦ / ١٢٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى﴾ [طه: ٧٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى﴾ [طه: ٧٧] نَبِيِّنَا مُوسَى إِذْ تَابَعْنَا لَهُ الْحُجَجَ عَلَى فِرْعَوْنَ، فَأَبَى أَنْ يَسْتَجِيبَ لِأَمْرِ رَبِّهِ، وَطَغَى وَتَمَادَى فِي طُغْيَانِهِ ﴿أَنْ أَسْرِ﴾ [طه: ٧٧] لَيْلًا ﴿بِعِبَادِي﴾ [طه: ٧٧] يَعْنِي بِعِبَادِي مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ. ﴿فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا﴾ [طه: ٧٧] . يَقُولُ: فَاتَّخَذَ لَهُمْ فِي الْبَحْرِ طَرِيقًا يَابِسًا. وَالْيَبَسُ وَالْيَبْسُ: يُجْمَعُ أَيْبَاسٌ، تَقُولُ: وَقَفُوا فِي أَيْبَاسٍ مِنَ الْأَرْضِ. وَالْيَبْسُ الْمُخَفَّفُ: يُجْمَعُ يُبُوسٌ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٦ / ١٢٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ ﴿يَبَسًا﴾ [طه: ٧٧] قَالَ: يَابِسًا حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٦ / ١٢١
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى﴾ [طه: ٧٧] فَإِنَّهُ يَعْنِي: لَا تَخَافُ مِنْ فِرْعَوْنَ وَجُنُودِهِ أَنْ يُدْرِكُوكَ مِنْ وَرَائِكَ، وَلَا تَخْشَى غَرَقًا مِنْ بَيْنِ يَدَيْكَ وَوَحَلًا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٦ / ١٢١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى﴾ [طه: ٧٧] يَقُولُ: ﴿لَا تَخَافُ﴾ [طه: ٧٧] مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ ﴿دَرَكًا وَلَا تَخْشَى﴾ [طه: ٧٧] مِنَ الْبَحْرِ غَرَقًا
١٦ / ١٢١
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى﴾ [طه: ٧٧] يَقُولُ: لَا تَخَافُ أَنْ يُدْرِكَكَ فِرْعَوْنُ مِنْ بَعْدِكَ وَلَا تَخْشَى الْغَرَقَ أَمَامَكَ
١٦ / ١٢١
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى: هَذَا فِرْعَوْنُ قَدْ أَدْرَكَنَا، وَهَذَا الْبَحْرُ قَدْ غَشِينَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿لَا تَخَافُ دَرَكًا﴾ [طه: ٧٧] أَصْحَابَ فِرْعَوْنَ ﴿وَلَا تَخْشَى﴾ [طه: ٧٧] مِنَ الْبَحْرِ وَحَلًا
١٦ / ١٢٢
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ الْوَلِيدِ الرَّمْلِيُّ، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، عَنْ بَعْضٍ أَصْحَابِهِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى﴾ [طه: ٧٧] قَالَ: الْوَحَلُ وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ ﴿لَا تَخَافُ دَرَكًا﴾ [طه: ٧٧] فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ غَيْرَ الْأَعْمَشِ وَحَمْزَةَ: ﴿لَا تَخَافُ دَرَكًا﴾ [طه: ٧٧] عَلَى الِاسْتِئْنَافِ بِلَا، كَمَا قَالَ: ﴿وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا﴾ [طه: ١٣٢] فَرُفِعَ، وَأَكْثَرُ مَا جَاءَ فِي هَذَا الْأَمْرِ الْجَوَابُ مَعَ «لَا» . وَقَرَأَ ذَلِكَ الْأَعْمَشُ وَحَمْزَةُ (لَا تَخَفْ دَرَكًا) فَجَزَمَا لَا تَخَافُ عَلَى الْجَزَاءِ، وَرَفَعَا ﴿وَلَا تَخْشَى﴾ [طه: ٧٧] عَلَى الِاسْتِئْنَافِ، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ﴾ [آل عمران: ١١١] فَاسْتَأْنَفَ بِثُمَّ، وَلَوْ نَوَى بِقَوْلِهِ: ﴿وَلَا تَخْشَى﴾ [طه: ٧٧] الْجَزْمَ، وَفِيهِ الْيَاءُ، كَانَ جَائِزًا، كَمَا قَالَ الرَّاجِزُ:
[البحر الرجز]
هُزِّي إِلَيْكِ الْجِذْعَ يَجْنِيكِ الْجَنَى
١٦ / ١٢٢
وَأَعْجَبُ الْقِرَاءَتَيْنِ إِلَيَّ أَنْ أَقْرَأَ بِهَا: ﴿لَا تَخَافُ﴾ [طه: ٧٧] عَلَى وَجْهِ الرَّفْعِ، لِأَنَّ ذَلِكَ أَفْصَحُ اللُّغَتَيْنِ، وَإِنْ كَانَتِ الْأُخْرَى جَائِزَةً. وَكَانَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ يَقُولُ: مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿لَا تَخَافُ دَرَكًا﴾ [طه: ٧٧] اضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا لَا تَخَافُ فِيهِ دَرَكًا، قَالَ: وَحُذِفَ فِيهِ، كَمَا تَقُولُ: زَيْدٌ أَكْرَمْتُ، وَأَنْتَ تُرِيدُ: أَكْرَمْتُهُ، وَكَمَا تَقُولُ: ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا﴾ [البقرة: ٤٨] أَيْ لَا تُجْزَى فِيهِ. وَأَمَّا نَحْوِيُّو الْكُوفَةِ فَإِنَّهُمْ يُنْكِرُونَ حَذْفَ فِيهِ إِلَّا فِي الْمَوَاقِيتِ، لِأَنَّهُ يَصْلُحُ فِيهَا أَنْ يُقَالَ: قُمْتُ الْيَوْمَ وَفِي الْيَوْمِ، وَلَا يُجِيزُونَ ذَلِكَ فِي الْأَسْمَاءِ
١٦ / ١٢٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى﴾ [طه: ٧٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَسَرَى مُوسَى بِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنْ أَسْرِ بِهِمْ، فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ حِينَ قَطَعُوا الْبَحْرَ، فَغِشِيَ فِرْعَوْنَ وَجُنْدَهُ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ، فَغَرِقُوا جَمِيعًا
١٦ / ١٢٣
﴿وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى﴾ [طه: ٧٩] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَجَاوَزَ فِرْعَوْنُ بِقَوْمِهِ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ، وَأَخَذَ بِهِمْ عَلَى غَيْرِ اسْتِقَامَةٍ، وَذَلِكَ أَنَّهُ سَلَكَ بِهِمْ طَرِيقَ أَهْلِ النَّارِ، بِأَمْرِهِمْ بِالْكُفْرِ بِاللَّهِ، وَتَكْذِيبِ ⦗١٢٤⦘ رُسُلِهِ ﴿وَمَا هَدَى﴾ [طه: ٧٩] يَقُولُ: وَمَا سَلَكَ بِهِمُ الطَّرِيقَ الْمُسْتَقِيمَ، وَذَلِكَ أَنَّهُ نَهَاهُمْ عَنِ اتِّبَاعِ رَسُولِ اللَّهِ مُوسَى، وَالتَّصْدِيقِ بِهِ، فَأَطَاعُوهُ، فَلَمْ يَهْدِهِمْ بِأَمْرِهِ إِيَّاهُمْ بِذَلِكَ، وَلَمْ يَهْتَدُوا بِاتِّبَاعِهِمْ إِيَّاهُ
١٦ / ١٢٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي﴾ [طه: ٨١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَلَمَّا نَجَا مُوسَى بِقَوْمِهِ مِنَ الْبَحْرِ، وَغَشِيَ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ، قُلْنَا لِقَوْمِ مُوسَى: ﴿يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ﴾ [طه: ٨٠] فِرْعَوْنَ ﴿وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى﴾ [طه: ٨٠] وَقَدْ ذَكَرْنَا كَيْفَ كَانَتْ مُوَاعَدَةُ اللَّهِ مُوسَى وَقَوْمَهُ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنِ. وَقَدْ بَيَّنَّا الْمَنَّ وَالسَّلْوَى بَاخْتِلَافِ الْمُخْتَلِفِينَ فِيهِمَا، وَذَكَرْنَا الشَّوَاهِدَ عَلَى الصَّوَابِ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ فِيمَا مَضَى قَبْلُ، بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ. وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿قَدْ أَنْجَيْنَاكُمْ﴾ [طه: ٨٠] فَكَانَتْ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ يَقْرَءُونَهُ: ﴿قَدْ أَنْجَيْنَاكُمْ﴾ [طه: ٨٠] بِالنُّونِ وَالْأَلِفِ وَسَائِرِ الْحُرُوفِ الْأُخَرِ مَعَهُ كَذَلِكَ، وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ: (قَدْ أَنْجَيْتُكُمْ) بِالتَّاءِ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْحُرُوفِ
١٦ / ١٢٤
الْأُخَرِ، إِلَّا قَوْلُهُ: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى﴾ [طه: ٨٠] فَإِنَّهُمْ وَافَقُوا الْآخَرِينَ فِي ذَلِكَ وَقَرَءُوهُ بِالنُّونِ وَالْأَلِفِ. وَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ بِاتِّفَاقِ الْمَعْنَى، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ ذَلِكَ فَمُصِيبٌ
١٦ / ١٢٥
وَقَوْلُهُ: ﴿كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ﴾ [البقرة: ٥٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لَهُمْ: كُلُوا يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ شَهِيَّاتِ رِزْقِنَا الَّذِي رَزَقْنَاكُمْ، وَحَلَالِهِ الَّذِي طَيَّبْنَاهُ لَكُمْ ﴿وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ﴾ [طه: ٨١] يَقُولُ: وَلَا تَعْتَدُوا فِيهِ، وَلَا يَظْلِمْ فِيهِ بَعْضُكُمْ بَعْضًا
١٦ / ١٢٥
كَمَا: حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُ: ﴿وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ﴾ [طه: ٨١] يَقُولُ: وَلَا تَظْلِمُوا
١٦ / ١٢٥
وَقَوْلُهُ: ﴿فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي﴾ [طه: ٨١] يَقُولُ: فَيُنْزِلُ عَلَيْكُمْ عُقُوبَتِي
١٦ / ١٢٥
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي﴾ [طه: ٨١] يَقُولُ: فَيَنْزِلُ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْحِجَازِ وَالْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ وَالْكُوفَةِ ﴿فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ﴾ [طه: ٨١] بِكَسْرِ الْحَاءِ ﴿وَمَنْ يَحْلِلْ﴾ [طه: ٨١] بِكَسْرِ اللَّامِ. وَوَجَّهُوا مَعْنَاهُ إِلَى: فَيَجِبُ عَلَيْكُمْ غَضَبِي. ⦗١٢٦⦘ وَقَرَأَ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ: (فَيُحِلَّ عَلَيْكُمْ) بِضَمِّ الْحَاءِ، وَوَجَّهُوا تَأْوِيلَهُ إِلَى مَا ذَكَرْنَا عَنْ قَتَادَةَ مِنْ أَنَّهُ: فَيَقَعُ وَيَنْزِلُ عَلَيْكُمْ غَضَبِي. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ قَدْ قَرَأَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عُلَمَاءٌ مِنَ الْقُرَّاءِ، وَقَدْ حَذَّرَ اللَّهُ الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ هَذَا الْقَوْلُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَقُوعَ بَأْسِهِ بِهِمْ وَنُزُولِهِ بِمَعْصِيَتِهِمْ إِيَّاهُ إِنْ هُمْ عَصَوْهُ، وَخَوَّفَهُمْ وُجُوبَهُ لَهُمْ، فَسَوَاءٌ قُرِئَ ذَلِكَ بِالْوُقُوعِ أَوْ بِالْوُجُوبِ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا قَدْ خُوِّفُوا الْمَعْنَيَيْنِ كِلَيْهِمَا
١٦ / ١٢٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى﴾ [طه: ٨٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمَنْ يَجِبْ عَلَيْهِ غَضَبِي، فَيَنْزِلُ بِهِ فَقَدْ هَوَى، يَقُولُ فَقَدْ تَرَدَّى فَشَقِيَ،
١٦ / ١٢٦
كَمَا: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿فَقَدْ هَوَى﴾ [طه: ٨١] يَقُولُ: فَقَدْ شَقِيَ
١٦ / ١٢٦
وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ﴾ [طه: ٨٢] يَقُولُ: وَإِنِّي لَذُو غُفْرٍ لِمَنْ تَابَ مِنْ شِرْكِهِ، فَرَجَعَ مِنْهُ إِلَى الْإِيمَانِ لِي وَآمَنَ، يَقُولُ: وَأَخْلَصَ لِي الْأُلُوهَةَ، وَلَمْ يُشْرِكْ فِي عِبَادَتِهِ إِيَّايَ غَيْرِي ﴿وَعَمِلَ صَالِحًا﴾ [البقرة: ٦٢] يَقُولُ: وَأَدَّى فَرَائِضِي الَّتِي افْتَرَضْتُهَا ⦗١٢٧⦘ عَلَيْهِ، وَاجْتَنَبَ مَعَاصِيَّ ﴿ثُمَّ اهْتَدَى﴾ [طه: ٨٢] يَقُولُ: ثُمَّ لَزِمَ ذَلِكَ، فَاسْتَقَامَ وَلَمْ يُضَيِّعْ شَيْئًا مِنْهُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ ﴿وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى﴾ [طه: ٨٢] قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٦ / ١٢٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ⦗١٢٨⦘ قَوْلُهُ: ﴿وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ﴾ [طه: ٨٢] مِنَ الشِّرْكِ ﴿وَآمَنَ﴾ [طه: ٨٢] يَقُولُ: وَحَّدَ اللَّهَ ﴿وَعَمِلَ صَالِحًا﴾ [البقرة: ٦٢] يَقُولُ: أَدَّى فَرَائِضِي
١٦ / ١٢٧
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ﴾ [طه: ٨٢] مِنْ ذَنْبِهِ ﴿وَآمَنَ﴾ [طه: ٨٢] بِهِ ﴿وَعَمِلَ صَالِحًا﴾ [البقرة: ٦٢] فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ
١٦ / ١٢٨
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيِّ، عَنِ الرَّبِيعِ، ﴿وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ﴾ [طه: ٨٢] مِنَ الشِّرْكِ ﴿وَآمَنَ﴾ [طه: ٨٢] يَقُولُ: وَأَخْلَصَ لِلَّهِ، وَعَمِلَ فِي إِخْلَاصِهِ وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿ثُمَّ اهْتَدَى﴾ [طه: ٨٢] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: لَمْ يَشْكُكْ فِي إِيمَانِهِ
١٦ / ١٢٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿ثُمَّ اهْتَدَى﴾ [طه: ٨٢] يَقُولُ: لَمْ يَشْكُكْ وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: ثُمَّ لَزِمَ الْإِيمَانَ وَالْعَمَلَ الصَّالِحَ
١٦ / ١٢٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿ثُمَّ اهْتَدَى﴾ [طه: ٨٢] يَقُولُ: ثُمَّ لَزِمَ الْإِسْلَامَ حَتَّى يَمُوتَ عَلَيْهِ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: ثُمَّ اسْتَقَامَ
١٦ / ١٢٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيِّ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، ﴿ثُمَّ اهْتَدَى﴾ [طه: ٨٢] قَالَ: أَخَذَ بِسُنَّةِ نَبِيِّهِ ﷺ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَاهُ: أَصَابَ الْعَمَلَ
١٦ / ١٢٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى﴾ [طه: ٨٢] قَالَ: أَصَابَ الْعَمَلَ وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: عَرَفَ أَمْرَ مُثِيبِهِ
١٦ / ١٢٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنِ الْكَلْبِيِّ، ﴿وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ﴾ [طه: ٨٢] مِنَ الذَّنْبِ ﴿وَآمَنَ﴾ [طه: ٨٢] مِنَ الشِّرْكِ ﴿وَعَمِلَ صَالِحًا﴾ [البقرة: ٦٢] أَدَّى مَا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ ﴿ثُمَّ اهْتَدَى﴾ [طه: ٨٢] عَرَفَ مُثِيبَهُ إِنْ خَيْرًا فَخَيْرًا، وَإِنْ شَرًّا فَشَرًّا وَقَالَ آخَرُونَ
١٦ / ١٢٩
بِمَا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُوسَى الْفَزَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ شَاكِرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ثَابِتًا الْبُنَانِيَّ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى﴾ [طه: ٨٢] قَالَ: إِلَى وِلَايَةِ أَهْلِ بَيْتِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَإِنَّمَا اخْتَرْنَا الْقَوْلَ الَّذِي اخْتَرْنَا فِي ذَلِكَ، مِنْ أَجْلِ أَنَّ الِاهْتِدَاءَ هُوَ الِاسْتِقَامَةُ عَلَى هُدًى، وَلَا مَعْنَى لِلِاسْتِقَامَةِ عَلَيْهِ إِلَّا وَقَدْ جَمَعَهُ الْإِيمَانُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ وَالتَّوْبَةُ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ وَثَبَتَ عَلَيْهِ، فَلَا شَكَّ فِي اهْتِدَائِهِ
١٦ / ١٢٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى﴾ [طه: ٨٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمَا أَعْجَلَكَ؟ وَأَيُّ شَيْءٍ أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى، فَتَقَدَّمْتَهُمْ وَخَلَّفْتَهُمْ وَرَاءَكَ، وَلَمْ تَكُنْ مَعَهُمْ؟ قَالَ ﴿هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي﴾ [طه: ٨٤] يَقُولُ: قَوْمِي عَلَى أَثَرِي يَلْحَقُونَ بِي. ﴿وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِلِتَرْضَى﴾ يَقُولُ: وَعَجِلْتُ أَنَا فَسَبَقْتُهُمْ رَبِّ، كَيْمَا تَرْضَى عَنِّي وَإِنَّمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِمُوسَى: مَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ؟ لِأَنَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ، فِيمَا بَلَغَنَا حِينَ نَجَّاهُ وَبَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ، وَقَطَعَ بِهِمُ الْبَحْرَ، ⦗١٣٠⦘ وَعَدَهُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنِ، فَتَعَجَّلَ مُوسَى إِلَى رَبِّهِ، وَأَقَامَ هَارُونُ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، يَسِيرُ بِهِمْ عَلَى أَثَرِ مُوسَى
١٦ / ١٢٩
كَمَا: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: وَعَدَ اللَّهُ مُوسَى حِينَ أَهْلَكَ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ وَنَجَّاهُ وَقَوْمَهُ، ثَلَاثِينَ لَيْلَةً، ثُمَّ أَتَمَّهَا بِعَشْرٍ، فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، تَلَقَّاهُ فِيهَا بِمَا شَاءَ، فَاسْتَخْلَفَ مُوسَى هَارُونَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَمَعَهُ السَّامِرِيُّ، يَسِيرُ بِهِمْ عَلَى أَثَرِ مُوسَى لِيُلْحِقَهُمْ بِهِ، فَلَمَّا كَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى، قَالَ لَهُ ﴿مَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى﴾ [طه: ٨٤]
١٦ / ١٣٠
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى﴾ [طه: ٨٤] قَالَ: لِأُرْضِيكَ
١٦ / ١٣٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدتُّمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي﴾ [طه: ٨٦] يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ قَالَ اللَّهُ لِمُوسَى: فَإِنَّا يَا مُوسَى قَدِ ابْتَلَيْنَا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ بِعِبَادَةِ الْعِجْلِ، وَذَلِكَ كَانَ فِتْنَتَهُمْ مِنْ بَعْدِ مُوسَى. وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ: ﴿مِنْ بَعْدِكَ﴾ [طه: ٨٥] مِنْ بَعْدِ فِرَاقِكَ إِيَّاهُمْ. يَقُولُ اللَّهُ تبارك وتعالى: ﴿وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ﴾ [طه: ٨٥] وَكَانَ إِضْلَالُ السَّامِرِيِّ إِيَّاهُمْ دُعَاءَهُ إِيَّاهُمْ إِلَى عِبَادَةِ الْعِجْلِ
١٦ / ١٣٠
وَقَوْلُهُ: ﴿فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ﴾ [طه: ٨٦] يَقُولُ: فَانْصَرَفَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْأَرْبَعِينَ لَيْلَةً ﴿غَضْبَانَ أَسِفًا﴾ [الأعراف: ١٥٠] مُتَغَيِّظًا عَلَى قَوْمِهِ، حَزِينًا لِمَا أَحْدَثُوهُ بَعْدَهُ مِنَ الْكُفْرِ بِاللَّهِ
١٦ / ١٣١
كَمَا: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿غَضْبَانَ أَسِفًا﴾ [الأعراف: ١٥٠] يَقُولُ: حَزِينًا. وَقَالَ فِي الزُّخْرُفِ: ﴿فَلَمَّا آسَفُونَا﴾ [الزخرف: ٥٥] يَقُولُ: أَغْضَبُونَا، وَالْأَسَفُ عَلَى وَجْهَيْنِ: الْغَضَبُ، وَالْحُزْنُ
١٦ / ١٣١
حَدَّثَنِي مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، ﴿غَضْبَانَ أَسِفًا﴾ [الأعراف: ١٥٠] يَقُولُ: حَزِينًا
١٦ / ١٣١
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا﴾ [الأعراف: ١٥٠] أَيْ حَزِينًا عَلَى مَا صَنَعَ قَوْمُهُ مِنْ بَعْدِهِ
١٦ / ١٣١
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿أَسِفًا﴾ [الأعراف: ١٥٠] قَالَ: حَزِينًا حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٦ / ١٣١
وَقَوْلُهُ: ﴿قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا﴾ [طه: ٨٦] يَقُولُ: أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ أَنَّهُ غَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى؟ وَيَعِدُكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنِ، وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى، فَذَلِكَ وَعْدُ اللَّهِ الْحَسَنُ بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّذِي قَالَ لَهُمْ مُوسَى: أَلَمْ يَعِدْكُمُوهُ رَبُّكُمْ
١٦ / ١٣٢
وَقَوْلُهُ: ﴿أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [طه: ٨٦] يَقُولُ: أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ بِي، وَبِجَمِيلِ نِعَمِ اللَّهِ عِنْدَكُمْ، وَأَيَادِيهِ لَدَيْكُمْ، أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ: يَقُولُ: أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَجِبَ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَتَسْتَحِقُّوهُ بِعِبَادَتِكُمُ الْعِجْلَ، وَكُفْرِكُمْ بِاللَّهِ، فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي. وَكَانَ إِخْلَافُهُمْ مَوْعِدَهُ عُكُوفَهُمْ عَلَى الْعِجْلِ، وَتَرْكَهُمُ السَّيْرَ عَلَى أَثَرِ مُوسَى لِلْمَوْعِدِ الَّذِي كَانَ اللَّهُ وَعَدَهُمْ، وَقَوْلَهُمْ لِهَارُونَ إِذْ نَهَاهُمْ عَنْ عِبَادَةِ الْعِجْلِ، وَدَعَاهُمْ إِلَى السَّيْرِ مَعَهُ فِي أَثَرِ مُوسَى: ﴿لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى﴾ [طه: ٩١]
١٦ / ١٣٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ﴾ [طه: ٨٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ قَوْمُ مُوسَى لِمُوسَى: مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ، يَعْنُونَ بِمَوْعِدِهِ: عَهْدَهُ الَّذِي كَانَ عَهِدَهُ إِلَيْهِمْ
١٦ / ١٣٢
كَمَا: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، ح، وَحَدَّثَنَا الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿مَوْعِدِي﴾ [طه: ٨٦] قَالَ: عَهْدِي ⦗١٣٣⦘ وَذَلِكَ الْعَهْدُ وَالْمَوْعِدُ هُوَ مَا بَيَّنَّاهُ قَبْلُ
١٦ / ١٣٢
وَقَوْلُهُ: ﴿بِمَلْكِنَا﴾ [طه: ٨٧] يُخْبِرُ جَلَّ ذِكْرُهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ أَقَرُّوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْخَطَأِ، وَقَالُوا: إِنَّا لَمْ نَطِقْ حَمْلَ أَنْفُسِنَا عَلَى الصَّوَابِ، وَلَمْ نَمْلِكْ أَمْرَنَا حَتَّى وَقَعْنَا فِي الَّذِي وَقَعْنَا فِيهِ مِنَ الْفِتْنَةِ. وَقَدِ اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ: ﴿«بِمَلْكِنَا»﴾ [طه: ٨٧] بِفَتْحِ الْمِيمِ، وَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ: (بِمُلْكِنَا) بِضَمِّ الْمِيمِ، وَقَرَأَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْبَصْرَةِ: (بِمِلْكِنَا) بِالْكَسْرِ. فَأَمَّا الْفَتْحُ وَالضَّمُّ فَهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَهُمَا بِقُدْرَتِنَا وَطَاقَتِنَا، غَيْرَ أَنَّ أَحَدَهُمَا مَصْدَرٌ، وَالْآخَرُ اسْمٌ، وَأَمَّا الْكَسْرُ فَهُوَ بِمَعْنَى مِلْكِ الشَّيْءِ وَكَوْنِهِ لِلْمَالِكِ. وَاخْتَلَفَ أَيْضًا أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِأَمْرِنَا
١٦ / ١٣٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا﴾ [طه: ٨٧] يَقُولُ: بِأَمْرِنَا
١٦ / ١٣٣
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي ⦗١٣٤⦘ الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿بِمَلْكِنَا﴾ [طه: ٨٧] قَالَ: بِأَمْرِنَا حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَاهُ: بِطَاقَتِنَا
١٦ / ١٣٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا﴾ [طه: ٨٧] أَيْ بِطَاقَتِنَا
١٦ / ١٣٤
حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا﴾ [طه: ٨٧] يَقُولُ: بِطَاقَتِنَا وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَاهُ: مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِهَوَانَا، وَلَكِنَّا لَمْ نَمْلِكْ أَنْفُسَنَا
١٦ / ١٣٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا﴾ [طه: ٨٧] قَالَ: يَقُولُ بِهَوَانَا، قَالَ: وَلَكِنَّهُ جَاءَتْ ثَلَاثَةٌ، قَالَ وَمَعَهُمْ
١٦ / ١٣٤
حُلِيُّ اسْتَعَارُوهُ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ وَثِيَابٌ وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَكُلُّ هَذِهِ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ فِي ذَلِكَ مُتَقَارِبَاتُ الْمَعْنَى، لِأَنَّ مَنْ لَمْ يُهْلِكْ نَفْسَهُ، لِغَلَبَةِ هَوَاهُ عَلَى مَا أَمَرَ، فَإِنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ فِي اللُّغَةِ أَنْ يَقُولَ: فَعَلَ فُلَانٌ هَذَا الْأَمْرَ، وَهُوَ لَا يَمْلِكُ نَفْسَهُ وَفِعْلَهُ، وَهُوَ لَا يَضْبِطُهَا وَفِعْلَهُ، وَهُوَ لَا يُطِيقُ تَرْكَهُ. فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَسَوَاءٌ بِأَيِّ الْقِرَاءَاتِ الثَّلَاثِ قَرَأَ ذَلِكَ الْقَارِئُ، وَذَلِكَ أَنَّ مَنْ كَسَرَ الْمِيمَ مِنَ الْمِلْكِ، فَإِنَّمَا يُوَجِّهُ مَعْنَى الْكَلَامِ إِلَى مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ وَنَحْنُ نَمْلِكُ الْوَفَاءَ بِهِ لِغَلَبَةِ أَنْفُسِنَا إِيَّانَا عَلَى خِلَافِهِ، وَجَعَلَهُ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: هَذَا مِلْكُ فُلَانٍ لِمَا يَمْلِكُهُ مِنَ الْمَمْلُوكَاتِ، وَأَنَّ مَنْ فَتَحَهَا، فَإِنَّهُ يُوَجِّهُ مَعْنَى الْكَلَامِ إِلَى نَحْوِ ذَلِكَ، غَيْرَ أَنَّهُ يَجْعَلُهُ مَصْدَرًا مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: مَلَكْتُ الشَّيْءَ أَمْلِكُهُ مَلْكًا وَمَلْكَةً، كَمَا يُقَالُ: غَلَبْتُ فُلَانًا أَغْلِبُهُ غَلْبًا وَغَلْبَةً، وَأَنَّ مَنْ ضَمَّهَا فَإِنَّهُ وَجَّهُ مَعْنَاهُ إِلَى مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِسُلْطَانِنَا وَقُدْرَتِنَا، أَيْ وَنَحْنُ نَقْدِرُ أَنْ نَمْتَنِعَ مِنْهُ، لِأَنَّ كُلَّ مَنْ قَهَرَ شَيْئًا فَقَدْ صَارَ لَهُ السُّلْطَانُ عَلَيْهِ. وَقَدْ أَنْكَرَ بَعْضُ النَّاسِ قِرَاءَةَ مَنْ قَرَأَهُ بِالضَّمِّ، فَقَالَ: أَيُّ مُلْكٍ كَانَ يَوْمَئِذٍ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ، وَإِنَّمَا كَانُوا بِمِصْرَ مُسْتَضْعَفِينَ، فَأَغْفَلَ مَعْنَى الْقَوْمِ وَذَهَبَ غَيْرُ مُرَادِهِمْ ذَهَابًا بَعِيدًا، وَقَارِئُو ذَلِكَ بِالضَّمِّ لَمْ يَقْصِدُوا الْمَعْنَى الَّذِي ظَنَّهُ هَذَا الْمُنْكِرُ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا قَصَدُوا إِلَى أَنَّ مَعْنَاهُ: مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِسُلْطَانٍ كَانَتْ لَنَا عَلَى أَنْفُسِنَا نَقْدِرُ أَنْ نَرُدَّهَا عَمَّا أَتَتْ، لِأَنَّ هَوَاهَا غَلَبَنَا عَلَى إِخْلَافِكَ الْمَوْعِدَ
١٦ / ١٣٥
وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ﴾ [طه: ٨٧] يَقُولُ: وَلَكِنَّا حَمَلْنَا أَثْقَالًا وَأَحْمَالًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ، يَعْنُونَ مِنْ حُلِيِّ آلِ فِرْعَوْنَ، وَذَلِكَ أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَمَّا أَرَادَ ⦗١٣٦⦘ مُوسَى أَنْ يَسِيرَ بِهِمْ لَيْلًا مِنْ مِصْرَ بِأَمْرِ اللَّهِ إِيَّاهُ بِذَلِكَ، أَمَرَهُمْ أَنْ يَسْتَعِيرُوا مِنْ أَمْتِعَةِ آلِ فِرْعَوْنَ وَحُلِيِّهِمْ، وَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ مُغْنِمُكُمْ ذَلِكَ، فَفَعَلُوا، وَاسْتَعَارُوا مِنْ حُلِيِّ نِسَائِهِمْ وَأَمْتِعَتِهِمْ، فَذَلِكَ قَوْلُهُمْ لِمُوسَى حِينَ قَالَ لَهُمْ ﴿أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ﴾ [طه: ٨٧] وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٦ / ١٣٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ﴾ [طه: ٨٧] فَهُوَ مَا كَانَ مَعَ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ حُلِيِّ آلِ فِرْعَوْنَ، يَقُولُ: خَطَّئُونَا بِمَا أَصَبْنَا مِنْ حُلِيِّ عَدُوِّنَا
١٦ / ١٣٦
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿أَوْزَارًا﴾ [طه: ٨٧] قَالَ: أَثْقَالًا
١٦ / ١٣٦
وَقَوْلُهُ: ﴿مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ﴾ [طه: ٨٧] قَالَ: هِيَ الْحُلِيُّ الَّتِي اسْتَعَارُوا مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ، فَهِيَ الْأَثْقَالُ
١٦ / ١٣٦
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ ⦗١٣٧⦘ مُجَاهِدٍ ﴿وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا﴾ [طه: ٨٧] قَالَ: أَثْقَالًا ﴿مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ﴾ [طه: ٨٧] قَالَ: حُلِيِّهِمْ
١٦ / ١٣٦
حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، ﴿وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ﴾ [طه: ٨٧] يَقُولُ: مِنْ حُلِيِّ الْقِبْطِ
١٦ / ١٣٧
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ﴾ [طه: ٨٧] قَالَ: الْحُلِيُّ الَّذِي اسْتَعَارُوهُ وَالثِّيَابُ لَيْسَتْ مِنَ الذُّنُوبِ فِي شَيْءٍ، لَوْ كَانَتِ الذُّنُوبُ كَانَتْ حَمَلْنَاهَا نَحْمِلُهَا، فَلَيْسَتْ مِنَ الذُّنُوبِ فِي شَيْءٍ وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَبَعْضُ الْمَكِّيِّينَ: ﴿حُمِّلْنَا﴾ [الإسراء: ٣] بِضَمِّ الْحَاءِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ بِمَعْنَى أَنَّ مُوسَى يُحَمِّلُهُمْ ذَلِكَ. وَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ وَبَعْضُ الْمَكِّيِّينَ: (حَمَلْنَا) بِتَخْفِيفِ الْحَاءِ وَالْمِيمِ وَفَتْحِهِمَا، بِمَعْنَى أَنَّهُمْ حَمَلُوا ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُكَلِّفَهُمْ حَمْلَهُ أَحَدٌ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالْقَوْلُ عِنْدِي فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى، لِأَنَّ ⦗١٣٨⦘ الْقَوْمَ حُمِّلُوا، وَأَنَّ مُوسَى قَدْ أَمَرَهُمْ بِحَمْلِهِ، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ الصَّوَابَ
١٦ / ١٣٧
وَقَوْلُهُ: ﴿فَقَذَفْنَاهَا﴾ [طه: ٨٧] يَقُولُ: فَأَلْقَيْنَا تِلْكَ الْأَوْزَارَ مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فِي الْحُفْرَةِ ﴿فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ﴾ [طه: ٨٧] يَقُولُ: فَكَمَا قَذَفْنَا نَحْنُ تِلْكَ الْأَثْقَالِ، فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ مَا كَانَ مَعَهُ مِنْ تُرْبَةِ حَافِرِ فَرَسِ جِبْرِيلَ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٦ / ١٣٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿فَقَذَفْنَاهَا﴾ [طه: ٨٧] قَالَ: فَأَلْقَيْنَاهَا ﴿فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ﴾ [طه: ٨٧] كَذَلِكَ صَنَعَ
١٦ / ١٣٨
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ﴿فَقَذَفْنَاهَا﴾ [طه: ٨٧] قَالَ: فَأَلْقَيْنَاهَا ﴿فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ﴾ [طه: ٨٧] فَكَذَلِكَ صَنَعَ
١٦ / ١٣٨
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿فَقَذَفْنَاهَا﴾ [طه: ٨٧] أَيْ فَنَبَذْنَاهَا
١٦ / ١٣٨
وَقَوْلُهُ: ﴿فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسْدًا لَهُ خُوَارٌ﴾ [طه: ٨٨] يَقُولُ: فَأَخْرَجَ لَهُمُ السَّامِرِيُّ مِمَّا قَذَفُوهُ وَمِمَّا أَلْقَاهُ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ، وَيَعْنِي بِالْخُوارِ: الصَّوْتُ، ⦗١٣٩⦘ وَهُوَ صَوْتُ الْبَقَرِ. ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي كَيْفِيَّةِ إِخْرَاجِ السَّامِرِيِّ الْعِجْلَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: صَاغَهُ صِيَاغَةً، ثُمَّ أَلْقَى مِنْ تُرَابِ حَافِرِ فَرَسِ جَبْرَائِيلَ فِي فَمِهِ فَخَارَ
١٦ / ١٣٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ﴾ [طه: ٨٧] قَالَ: كَانَ اللَّهُ وَقَّتَ لِمُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً ثُمَّ أَتَمَّهَا بِعَشْرٍ، فَلَمَّا مَضَتِ الثَّلَاثُونَ قَالَ عَدُوُّ اللَّهِ السَّامِرِيُّ: إِنَّمَا أَصَابَكُمُ الَّذِي أَصَابَكُمْ عُقُوبَةً بِالْحُلِيِّ الَّذِي كَانَ مَعَكُمْ، فَهَلُمُّوا وَكَانَتْ حُلِيًّا تَعَيَّرُوهَا مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ، فَسَارُوا وَهِيَ مَعَهُمْ، فَقَذَفُوهَا إِلَيْهِ، فَصَوَّرَهَا صُورَةَ بَقَرَةٍ، وَكَانَ قَدْ صَرَّ فِي عِمَامَتِهِ أَوْ فِي ثَوْبِهِ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ فَرَسِ جَبْرَئِيلَ، فَقَذَفَهَا مَعَ الْحُلِيِّ وَالصُّورَةِ ﴿فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ﴾ [طه: ٨٨] فَجَعَلَ يَخُورُ خُوَارَ الْبَقَرِ، فَقَالَ: ﴿هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى﴾ [طه: ٨٨]
١٦ / ١٣٩
حَدَّثَنَا الْحَسَنِ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدِ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: لَمَّا اسْتَبْطَأَ مُوسَى قَوْمُهُ قَالَ لَهُمُ السَّامِرِيُّ: إِنَّمَا احْتَبَسَ عَلَيْكُمْ لِأَجَلِ مَا عِنْدَكُمْ مِنَ الْحُلِيِّ، وَكَانُوا اسْتَعَارُوا حُلِيًّا مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ فَجَمَعُوهُ فَأَعْطَوْهُ السَّامِرِيَّ فَصَاغَ مِنْهُ عِجْلًا، ثُمَّ أَخَذَ الْقَبْضَةَ الَّتِي قَبَضَ مِنْ أَثَرِ الْفَرَسِ، فَرَسِ الْمَلَكِ، فَنَبَذَهَا فِي جَوْفِهِ، فَإِذَا هُوَ عِجْلٌ جَسَدٌ لَهُ خُوَارٌ، قَالُوا: هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى، وَلَكِنَّ مُوسَى نَسِيَ رَبَّهُ عِنْدَكُمْ
١٦ / ١٣٩
وَقَالَ آخَرُونَ فِي ذَلِكَ بِمَا: حَدَّثَنِي مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: أَخَذَ السَّامِرِيُّ مِنْ تُرْبَةِ الْحَافِرِ، حَافِرِ فَرَسِ جَبْرَئِيلَ، فَانْطَلَقَ مُوسَى وَاسْتَخْلَفَ هَارُونَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ وَوَاعَدَهُمْ ثَلَاثِينَ لَيْلَةً، فَأَتَمَّهَا اللَّهُ بِعَشْرٍ، قَالَ لَهُمْ هَارُونُ: يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنَّ الْغَنِيمَةَ لَا تَحِلُّ لَكُمْ، وَإِنَّ حُلِيَّ الْقِبْطِ إِنَّمَا هُوَ غَنِيمَةٌ، فَاجْمَعُوهَا جَمِيعًا، فَاحْفِرُوا لَهَا حُفْرَةً فَادْفِنُوهَا، فَإِنْ جَاءَ مُوسَى فَأَحَلَّهَا أَخَذْتُمُوهَا، وَإِلَّا كَانَ شَيْئًا لَمْ تَأْكُلُوهُ، فَجَمَعُوا ذَلِكَ الْحُلِيَّ فِي تِلْكَ الْحُفْرَةِ، فَجَاءَ السَّامِرِيُّ بِتِلْكَ الْقَبْضَةِ فَقَذَفَهَا فَأَخْرَجَ اللَّهُ مِنَ الْحُلِيِّ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ، وَعَدَّتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ مَوْعِدَ مُوسَى، فَعَدُّوا اللَّيْلَةَ يَوْمًا، وَالْيَوْمَ يَوْمًا، فَلَمَّا كَانَ لِعِشْرِينَ خَرَجَ لَهُمُ الْعِجْلُ، فَلَمَّا رَأَوْهُ قَالَ لَهُمُ السَّامِرِيُّ: ﴿هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ﴾ [طه: ٨٨] فَعَكَفُوا عَلَيْهِ يَعْبُدُونَهُ، وَكَانَ يَخُورُ وَيَمْشِي ﴿فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ﴾ [طه: ٨٧] ذَلِكَ حِينَ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ: احْفِرُوا لِهَذَا الْحُلِيِّ حُفْرَةً وَاطْرَحُوهُ فِيهَا، فَطَرَحُوهُ، فَقَذَفَ السَّامِرِيُّ تُرْبَتَهُ
١٦ / ١٤٠
وَقَوْلُهُ: ﴿فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى﴾ [طه: ٨٨] يَقُولُ: فَقَالَ قَوْمُ مُوسَى الَّذِينَ عَبَدُوا الْعِجْلَ: هَذَا مَعْبُودُكُمْ وَمَعْبُودُ مُوسَى. وَقَوْلُهُ ﴿فَنَسِيَ﴾ [طه: ٨٨] يَقُولُ: فَضَلَّ وَتَرَكَ. ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي قَوْلِهِ ﴿فَنَسِيَ﴾ [طه: ٨٨] مَنْ قَائِلُهُ وَمَنِ الَّذِي وُصِفَ بِهِ وَمَا مَعْنَاهُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هَذَا مِنَ اللَّهِ خَبَرٌ عَنِ السَّامِرِيِّ، وَالسَّامِرِيُّ هُوَ الْمَوْصُوفُ بِهِ، وَقَالُوا: مَعْنَاهُ: أَنَّهُ تَرَكَ الدِّينَ الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ بِهِ مُوسَى وَهُوَ الْإِسْلَامُ
١٦ / ١٤٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، قَالَ: ثني مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: يَقُولُ اللَّهُ: ﴿فَنَسِيَ﴾ [طه: ٨٨] أَيْ تَرَكَ مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الْإِسْلَامِ، يَعْنِي السَّامِرِيَّ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ هَذَا خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ عَنِ السَّامِرِيِّ، أَنَّهُ قَالَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ، وَأَنَّهُ وَصَفَ مُوسَى بِأَنَّهُ ذَهَبَ يَطْلُبُ رَبَّهُ، فَأَضَلَّ مَوْضِعَهُ، وَهُوَ هَذَا الْعِجْلُ
١٦ / ١٤١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ ثني أَبِي عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﴿فَقَذَفْنَاهَا﴾ [طه: ٨٧] يَعْنِي زِينَةَ الْقَوْمِ حِينَ أَمَرَنَا السَّامِرِيُّ لَمَّا قَبَضَ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ جَبْرَائِيلَ عليه السلام، فَأَلْقَى الْقَبْضَةَ عَلَى حُلِيِّهِمْ فَصَارَ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ ﴿فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى﴾ [طه: ٨٨] الَّذِي انْطَلَقَ يَطْلُبُهُ ﴿فَنَسِيَ﴾ [طه: ٨٨] يَعْنِي: نَسِيَ مُوسَى، ضَلَّ عَنْهُ فَلَمْ يَهْتَدِ لَهُ
١٦ / ١٤١
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿فَنَسِيَ﴾ [طه: ٨٨] يَقُولُ: طَلَبَ هَذَا مُوسَى فَخَالَفَهُ الطَّرِيقُ
١٦ / ١٤١
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿⦗١٤٢⦘ فَنَسِيَ﴾ [طه: ٨٨] يَقُولُ: قَالَ السَّامِرِيُّ: مُوسَى نَسِيَ رَبَّهُ عِنْدَكُمْ
١٦ / ١٤١
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿فَنَسِيَ﴾ [طه: ٨٨] مُوسَى، قَالَ: هُمْ يَقُولُونَهُ: أَخْطَأَ الرَّبَّ الْعِجْلَ
١٦ / ١٤٢
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ﴿فَنَسِيَ﴾ [طه: ٨٨] قَالَ: نَسِيَ مُوسَى، أَخْطَأَ الرَّبَّ الْعِجْلَ، قَوْمُ مُوسَى يَقُولُونَهُ
١٦ / ١٤٢
حَدَّثَنِي مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، ﴿فَنَسِيَ﴾ [طه: ٨٨] يَقُولُ: تَرَكَ مُوسَى إِلَهَهُ هَهُنَا وَذَهَبَ يَطْلُبُهُ
١٦ / ١٤٢
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ﴾ [طه: ٨٨] قَالَ: يَقُولُ: فَنَسِيَ حَيْثُ وَعَدَهُ رَبُّهُ هَهُنَا، وَلَكِنَّهُ نَسِيَ
١٦ / ١٤٢
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ﴾ [طه: ٨٨] يَقُولُ: نَسِيَ ⦗١٤٣⦘ مُوسَى رَبَّهُ فَأَخْطَأَهُ، وَهَذَا الْعِجْلُ إِلَهُ مُوسَى قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالَّذِي هُوَ أَوْلَى بِتَأْوِيلِ ذَلِكَ الْقَوْلِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ هَؤُلَاءٍ، وَهُوَ أَنَّ ذَلِكَ خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ عَزَّ ذِكْرُهُ عَنِ السَّامِرِيِّ أَنَّهُ وَصَفَ مُوسَى بِأَنَّهُ نَسِيَ رَبَّهُ، وَأَنَّهُ رَبُّهُ الَّذِي ذَهَبَ يُرِيدُهُ هُوَ الْعِجْلُ الَّذِي أَخْرَجَهُ السَّامِرِيُّ، لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ عَقِيبَ ذِكْرِ مُوسَى، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا مِنَ السَّامِرِيِّ عَنْهُ بِذَلِكَ أَشْبَهُ مِنْ غَيْرِهِ
١٦ / ١٤٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى﴾ [طه: ٩٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُوَبِّخًا عَبَدَةَ الْعِجْلِ وَالْقَائِلِينَ لَهُ ﴿هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ﴾ [طه: ٨٨] وَعَابَهُمْ بِذَلِكَ، وَسَفَّهَ أَحْلَامَهُمْ بِمَا فَعَلُوا وَنَالُوا مِنْهُ: أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّ الْعِجْلَ الَّذِي زَعَمُوا أَنَّهُ إِلَهُهُمْ وَإِلَهُ مُوسَى لَا يُكَلِّمُهُمْ، وَإِنْ كَلَّمُوهُ لَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِمْ جَوَابًا، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى ضَرٍّ وَلَا نَفْعٍ، فَكَيْفَ يَكُونُ مَا كَانَتْ هَذِهِ صِفَتُهُ إِلَهًا؟
١٦ / ١٤٣
كَمَا: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ،. قَالَ: ثنا عِيسَى، ح، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ﴿أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا﴾ [طه: ٨٩] الْعِجْلُ
١٦ / ١٤٣
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ﴿أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا﴾ [طه: ٨٩] قَالَ: الْعِجْلُ
١٦ / ١٤٤
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ اللَّهُ: ﴿أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ﴾ [طه: ٨٩] ذَلِكَ الْعِجْلُ الَّذِي اتَّخَذُوهُ ﴿قَوْلًا وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا﴾ [طه: ٨٩]
١٦ / ١٤٤
وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ﴾ [طه: ٩٠] يَقُولُ: لَقَدْ قَالَ لِعَبَدَةِ الْعِجْلِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ هَارُونُ مِنْ قَبْلِ رُجُوعِ مُوسَى إِلَيْهِمْ، وَقِيلِهِ لَهُمْ مَا قَالَ، مِمَّا أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْهُ ﴿إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ﴾ [طه: ٩٠] يَقُولُ: إِنَّمَا اخْتَبَرَ اللَّهُ إِيمَانَكُمْ وَمُحَافَظَتَكُمْ عَلَى دِينِكُمْ بِهَذَا الْعِجْلِ، الَّذِي أَحْدَثَ فِيهِمُ الْخُوَارَ، لِيَعْلَمَ بِهِ الصَّحِيحَ الْإِيمَانِ مِنْكُمْ مِنَ الْمَرِيضِ الْقَلْبِ، الشَّاكِّ فِي دِينِهِ
١٦ / ١٤٤
كَمَا: حَدَّثَنِي مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ لَهُمْ هَارُونُ: ﴿إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ﴾ [طه: ٩٠] يَقُولُ: إِنَّمَا ابْتُلِيتُمْ بِهِ، يَقُولُ: بِالْعِجْلِ
١٦ / ١٤٤
وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبَعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي﴾ [طه: ٩٠] يَقُولُ: وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ الَّذِي يَعُمُّ جَمِيعَ الْخَلْقِ نِعَمُهُ، فَاتَّبِعُونِي عَلَى مَا آمُرُكُمْ بِهِ مِنْ عِبَادَةِ اللَّهِ، وَتَرْكِ عِبَادَةِ الْعِجْلِ، وَأَطِيعُوا أَمْرِي فِيمَا آمُرُكُمْ بِهِ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ، وَإِخْلَاصِ الْعِبَادَةِ لَهُ
١٦ / ١٤٤
وَقَوْلُهُ: ﴿قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ﴾ [طه: ٩١] يَقُولُ: قَالَ عَبَدَةُ الْعِجْلِ مِنْ قَوْمِ مُوسَى: لَنْ نَزَالَ عَلَى الْعِجْلِ مُقِيمِينَ نَعْبُدُهُ، حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى
١٦ / ١٤٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي﴾ [طه: ٩٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ لَمَّا فَرَغَ مِنْ خِطَابِ قَوْمِهِ وَمُرَاجَعَتِهِ إِيَّاهُمْ عَلَى مَا كَانَ مِنْ خَطَأِ فِعْلِهِمْ: يَا هَارُونُ أَيُّ شَيْءٍ مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا عَنْ دِينِهِمْ، فَكَفَرُوا بِاللَّهِ وَعَبَدُوا الْعِجْلَ أَلَا تَتَّبِعُنِي. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمَعْنَى الَّذِي عَذَلَ مُوسَى عَلَيْهِ أَخَاهُ مِنْ تَرْكِهِ اتِّبَاعَهُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَذَلَهُ عَلَى تَرْكِهِ السَّيْرَ بِمَنْ أَطَاعَهُ فِي أَثَرِهِ عَلَى مَا كَانَ عَهِدَ إِلَيْهِ
١٦ / ١٤٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا قَالَ الْقَوْمُ: ﴿لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى﴾ [طه: ٩١] أَقَامَ هَارُونُ فِيمَنْ تَبِعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِمَّنْ لَمْ يُفْتَتَنْ، وَأَقَامَ مَنْ يَعْبُدُ الْعِجْلَ عَلَى عِبَادَةِ الْعِجْلِ، وَتَخَوَّفَ هَارُونُ إِنْ سَارَ بِمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَقُولَ لَهُ مُوسَى: ﴿فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قُولِي﴾ [طه: ٩٤] وَكَانَ لَهُ هَائِبًا مُطِيعًا
١٦ / ١٤٥
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿⦗١٤٦⦘ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا أَلَّا تَتَّبِعَنِ﴾ [طه: ٩٣] قَالَ: تَدَعُهُمْ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عَذَلَهُ عَلَى تَرْكِهِ أَنْ يُصْلِحَ مَا كَانَ مِنْ فَسَادِ الْقَوْمِ
١٦ / ١٤٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَوْلُهُ: ﴿مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا أَلَّا تَتَّبِعَنِ﴾ [طه: ٩٣] قَالَ: أَمَرَ مُوسَى هَارُونَ أَنْ يُصْلِحَ، وَلَا يَتَّبِعَ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي﴾ [طه: ٩٣] بِذَلِكَ، وَقَوْلُهُ: ﴿قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي﴾ [طه: ٩٤] وَفِي هَذَا الْكَلَامِ مَتْرُوكٌ، تُرِكَ ذِكْرُهُ اسْتِغْنَاءً بِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ، وَهُوَ: ثُمَّ أَخَذَ مُوسَى بِلِحْيَةِ أَخِيهِ هَارُونَ وَرَأْسُهُ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ، فَقَالَ هَارُونُ: ﴿يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي﴾ [طه: ٩٤]
١٦ / ١٤٦
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي﴾ [طه: ٩٤] فَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي صِفَةِ التَّفْرِيقِ بَيْنَهُمْ، الَّذِي خَشِيَهُ هَارُونُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَ هَارُونُ خَافَ أَنْ يَسِيرَ بِمَنْ أَطَاعَهُ، وَأَقَامَ عَلَى دِينِهِ فِي أَثَرِ مُوسَى، وَيُخَلِّفَ عَبَدَةَ الْعِجْلِ، وَقَدْ ﴿قَالُوا﴾ [البقرة: ١١] لَهُ ﴿لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى﴾ [طه: ٩١] فَيَقُولُ لَهُ مُوسَى ﴿فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي﴾ [طه: ٩٤] بِسَيْرِكَ بِطَائِفَةٍ، وَتَرْكِكَ مِنْهُمْ طَائِفَةً وَرَاءَكَ
١٦ / ١٤٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي﴾ [طه: ٩٣] قَالَ: ﴿خَشِيتُ ⦗١٤٧⦘ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قُولِي﴾ [طه: ٩٤] قَالَ: خَشِيتُ أَنْ يَتَّبِعَنِي بَعْضُهُمْ وَيَتَخَلَّفَ بَعْضُهُمْ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: خَشِيتُ أَنْ نَقْتَتِلَ فَيَقْتُلَ بَعْضُنَا بَعْضًا
١٦ / ١٤٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، ﴿إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ، فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي﴾ [طه: ٩٤] قَالَ: كُنَّا نَكُونُ فِرْقَتَيْنِ فَيُقْتُلُ بَعْضُنَا بَعْضًا حَتَّى نَتَفَانَى قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ، الْقَوْلُ الَّذِي قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ مِنْ أَنَّ مُوسَى عَذَلَ أَخَاهُ هَارُونَ عَلَى تَرْكِهِ اتِّبَاعَ أَمْرِهِ بِمَنِ اتَّبَعَهُ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ، فَقَالَ لَهُ هَارُونُ: إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ، فَرَّقْتَ بَيْنَ جَمَاعَتِهِمْ، فَتَرَكْتَ بَعْضَهُمْ وَرَاءَكَ، وَجِئْتَ بِبَعْضِهِمْ، وَذَلِكَ بَيِّنٌ فِي قَوْلِ هَارُونَ لِلْقَوْمِ ﴿يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي﴾ [طه: ٩٠] وَفِي جَوَابِ الْقَوْمِ لَهُ وَقِيلِهِمْ ﴿لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى﴾ [طه: ٩١]
١٦ / ١٤٧
وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَمْ تَرْقُبْ قُولِي﴾ [طه: ٩٤] يَقُولُ: وَلَمْ تَنْظُرْ قَوْلِي وَتَحْفَظُهُ، مِنْ مُرَاقَبَةِ الرَّجُلِ الشَّيْءَ، وَهِيَ مُنَاظَرَتُهُ بِحِفْظِهِ
١٦ / ١٤٧
كَمَا: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ﴿وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي﴾ [طه: ٩٤] قَالَ: لَمْ تَحْفَظْ قَوْلِي
١٦ / ١٤٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي﴾ [طه: ٩٦] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ﴾ [طه: ٩٥] قَالَ مُوسَى لِلسَّامِرِيِّ: فَمَا شَأْنُكَ يَا سَامِرِيُّ؟ وَمَا الَّذِي دَعَاكَ إِلَى مَا فَعَلْتَهُ؟
١٦ / ١٤٨
كَمَا: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ ﴿فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ﴾ [طه: ٩٥] قَالَ: مَا أَمْرُكَ؟ مَا شَأْنُكَ؟ مَا هَذَا الَّذِي أَدْخَلَكَ فِيمَا دَخَلْتَ فِيهِ
١٦ / ١٤٨
حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، ﴿قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ﴾ [طه: ٩٥] قَالَ: مَا لَكَ يَا سَامِرِيُّ
١٦ / ١٤٨
وَقَوْلُهُ: ﴿بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ﴾ [طه: ٩٦] يَقُولُ: قَالَ السَّامِرِيُّ: عَلِمْتُ مَا لَمْ يَعْلَمُوهُ، وَهُوَ فَعَلْتُ مِنَ الْبَصِيرَةِ: أَيْ صِرْتُ بِمَا عَلِمْتُ بَصِيرًا عَالِمًا
١٦ / ١٤٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: لَمَّا قَتَلَ فِرْعَوْنُ الْوِلْدَانَ قَالَتْ أُمُّ السَّامِرِيِّ: لَوْ نَحَّيُتُهُ عَنِّي حَتَّى لَا أَرَاهُ، وَلَا أَدْرِي ⦗١٤٩⦘ قَتْلَهُ، فَجَعَلَتْهُ فِي غَارٍ، فَأَتَى جَبْرَئِيلَ، فَجَعَلَ كَفَّ نَفْسِهِ فِي فِيهِ، فَجَعَلَ يُرْضِعُهُ الْعَسَلَ وَاللَّبَنَ، فَلَمْ يَزَلْ يَخْتَلِفُ إِلَيْهِ حَتَّى عَرَفَهُ، فَمِنْ ثَمَّ مَعْرِفَتُهُ إِيَّاهُ حِينَ قَالَ: ﴿فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ﴾ [طه: ٩٦] وَقَالَ آخَرُونَ: هِيَ بِمَعْنَى: أَبْصَرْتُ مَا لَمْ يُبْصِرُوهُ. وَقَالُوا: يُقَالُ: بَصُرْتُ بِالشَّيْءِ وَأَبْصَرْتُهُ، كَمَا يُقَالُ: أَسْرَعْتُ وَسَرَعْتُ مَا شِئْتُ، ذِكْرُ مَنْ قَالَ: هُوَ بِمَعْنَى أَبْصَرْتُ:
١٦ / ١٤٨
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُروا بِهِ﴾ [طه: ٩٦] يَعْنِي فَرَسَ جَبْرَئِيلَ عليه السلام
١٦ / ١٤٩
وَقَوْلُهُ: ﴿فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ﴾ [طه: ٩٦] يَقُولُ: قَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ حَافِرِ فَرَسِ جَبْرئِيلَ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٦ / ١٤٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، قَالَ: ثني مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا قَذَفَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ مَا كَانَ مَعَهُمْ مِنْ زِينَةِ آلِ فِرْعَوْنَ فِي النَّارِ، وَتَكَسَّرَتْ، وَرَأَى السَّامِرِيَّ أَثَرَ فَرَسِ جَبْرَئِيلَ عليه السلام، فَأَخَذَ تُرَابًا مِنْ أَثَرِ حَافِرِهِ، ثُمَّ أَقْبَلَ إِلَى النَّارِ فَقَذَفَهُ فِيهَا، وَقَالَ: كُنْ عِجْلًا ⦗١٥٠⦘ جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ، فَكَانَ لِلْبَلَاءِ وَالْفِتْنَةِ
١٦ / ١٤٩
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «قَبَضَ قَبْضَةً مِنْهُ مِنْ أَثَرِ جَبْرَئِيلَ، فَأَلْقَى الْقَبْضَةَ عَلَى حُلِيِّهُمْ فَصَارَ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ، فَقَالَ: هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى»
١٦ / ١٥٠
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا﴾ [طه: ٩٦] قَالَ: مِنْ تَحْتِ حَافِرِ فَرَسِ جَبْرَئِيلَ، نَبَذَهُ السَّامِرِيُّ عَلَى حِلْيَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَانْسَبَكَ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ، حَفِيفُ الرِّيحِ فِيهِ فَهُوَ خُوَارُهُ، وَالْعِجْلُ: وَلَدُ الْبَقَرَةِ وَاخْتَلَفَ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ هَذَيْنِ الْحَرْفَيْنِ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ ﴿بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ﴾ [طه: ٩٦] بِالْيَاءِ، بِمَعْنَى: قَالَ السَّامِرِيُّ: بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ. وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ: (بَصُرْتُ بِمَا لَمْ تَبْصُرُوا بِهِ) بِالتَّاءِ عَلَى وَجْهِ ⦗١٥١⦘ الْمُخَاطَبَةِ لِمُوسَى ﷺ وَأَصْحَابُهُ، بِمَعْنَى: قَالَ السَّامِرِيُّ لِمُوسَى: بَصُرْتُ بِمَا لَمْ تُبْصِرْ بِهِ أَنْتَ وَأَصْحَابُكَ. وَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ، قَدْ قَرَأَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عُلَمَاءٌ مِنَ الْقُرَّاءِ مَعَ صِحَّةِ مَعْنَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا، وَذَلِكَ أَنَّهُ جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ السَّامِرِيُّ رَأَى جَبْرَئِيلَ، فَكَانَ عِنْدَهُ مَا كَانَ بِأَنْ حَدَّثَتْهُ نَفْسُهُ بِذَلِكَ أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَسْبَابِ، أَنَّ تُرَابَ حَافِرِ فَرَسِهِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ يَصْلُحُ لِمَا حَدَثَ عَنْهُ حِينَ نَبَذَهُ فِي جَوْفِ الْعِجْلِ، وَلَمْ يَكُنْ عَلِمَ ذَلِكَ عِنْدَ مُوسَى، وَلَا عِنْدَ أَصْحَابِهِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَلِذَلِكَ قَالَ لِمُوسَى: (بَصُرْتُ بِمَا لَمْ تَبْصُرُوا بِهِ) أَيْ عَلِمْتُ بِمَا لَمْ تَعْلَمُوا بِهِ. وَأَمَّا إِذَا قُرِئَ ﴿بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ﴾ [طه: ٩٦] بِالْيَاءِ، فَلَا مُؤْنَةَ فِيهِ، لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَمْ يَعْلَمُوا مَا الَّذِي يَصْلُحُ لَهُ ذَلِكَ التُّرَابُ
١٦ / ١٥٠
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ﴾ [طه: ٩٦] فَإِنَّ قُرَّاءَ الْأَمْصَارِ عَلَى قِرَاءَتِهِ بِالضَّادِ، بِمَعْنَى: فَأَخَذْتُ بِكَفِّي تُرَابًا مِنْ تُرَابِ أَثَرِ فَرَسِ الرَّسُولِ. وَرُوِي عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَقَتَادَةَ
١٦ / ١٥١
مَا: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: ثنا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَوْفٍ، عَنِ الْحَسَنِ، أَنَّهُ قَرَأَهَا: «فَقَبَصْتُ قَبْصَةً» بِالصَّادِ وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: ثنا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، عَنْ عَبَّادٍ، عَنْ قَتَادَةَ، مِثْلُ ذَلِكَ بِالصَّادِ. ⦗١٥٢⦘ بِمَعْنَى: أَخَذْتُ بِأَصَابِعِي مِنْ تُرَابِ أَثَرِ فَرَسِ الرَّسُولِ، وَالْقَبْضَةُ عِنْدَ الْعَرَبِ: الْأَخْذُ بِالْكَفِّ كُلِّهَا، وَالْقَبْصَةُ: الْأَخْذُ بِأَطْرَافِ الْأَصَابِعِ
١٦ / ١٥١
وَقَوْلُهُ: ﴿فَنَبَذْتُهَا﴾ [طه: ٩٦] يَقُولُ: فَأَلْقَيْتُهَا ﴿وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي﴾ [طه: ٩٦] يَقُولُ: وَكَمَا فَعَلْتُ مِنْ إِلْقَائِي الْقَبْضَةَ الَّتِي قَبَضْتُ مِنْ أَثَرِ الْفَرَسِ عَلَى الْحِلْيَةِ الَّتِي أَوَقَدْ عَلَيْهَا حَتَّى انْسَبَكَتْ فَصَارَتْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ ﴿سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي﴾ [طه: ٩٦] يَقُولُ: زَيَّنَتْ لِي نَفْسِي أَنَّهُ يَكُونُ ذَلِكَ كَذَلِكَ
١٦ / ١٥٢
كَمَا: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: ﴿وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي﴾ [طه: ٩٦] قَالَ: كَذَلِكَ حَدَّثَتْنِي نَفْسِي
١٦ / ١٥٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لَا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَنْ تُخْلَفَهُ وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا﴾ [طه: ٩٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ مُوسَى لِلسَّامِرِيِّ: فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي أَيَّامِ حَيَاتِكَ أَنْ تَقُولَ: لَا مِسَاسَ: أَيْ لَا أَمَسُّ، وَلَا أُمَسُّ، وَذُكِرَ أَنَّ مُوسَى أَمَرَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ لَا يُؤَاكِلُوهُ، وَلَا يُخَالِطُوهُ، وَلَا يُبَايِعُوهُ، فَلِذَلِكَ قَالَ لَهُ: إِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لَا مِسَاسَ، فَبَقِيَ ذَلِكَ فِيمَا ذُكِرَ فِي قَبِيلَتِهِ
١٦ / ١٥٢
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: كَانَ وَاللَّهِ السَّامِرِيُّ عَظِيمًا مِنْ عُظَمَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، مِنْ قَبِيلَةٍ يُقَالُ لَهَا سَامِرَةُ، وَلَكِنَّ عَدُوَّ اللَّهِ ⦗١٥٣⦘ نَافَقَ بَعْدَ مَا قَطَعَ الْبَحْرَ مَعَ بَنِي إِسْرَائِيلَ. قَوْلُهُ: ﴿فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لَا مِسَاسَ﴾ [طه: ٩٧] فَبَقَايَاهُمُ الْيَوْمَ يَقُولُونَ لَا مِسَاسَ
١٦ / ١٥٢
وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَنْ تُخْلَفَهُ﴾ [طه: ٩٧] اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَتِهِ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْكُوفَةِ ﴿لَنْ تُخْلَفَهُ﴾ [طه: ٩٧] بِضَمِّ التَّاءِ وَفَتْحِ اللَّامِ بِمَعْنًى: وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لِعَذَابِكَ وَعُقُوبَتِكَ عَلَى مَا فَعَلْتَ مِنْ إِضْلَالِكَ قَوْمِي حَتَّى عَبَدُوا الْعِجْلَ مِنْ دُونِ اللَّهِ، لَنْ يُخْلِفَكَهُ اللَّهُ، وَلَكِنْ يُذِيقَكَهُ. وَقَرَأَ ذَلِكَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَأَبُو نَهِيكٍ: (وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَنْ تُخْلِفَهُ) بِضَمِّ التَّاءِ وَكَسْرِ اللَّامِ، بِمَعْنَى: وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَنْ تُخْلِفَهُ أَنْتَ يَا سَامِرِيُّ، وَتَأَوَّلُوهُ بِمَعْنَى: لَنْ تَغِيبَ عَنْهُ
١٦ / ١٥٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْمُؤْمِنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا نَهِيكٍ، يَقْرَأُ «لَنْ تُخْلِفَهُ أَنْتَ» يَقُولُ: لَنْ تَغِيبَ عَنْهُ
١٦ / ١٥٣
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَنْ تُخْلَفَهُ﴾ [طه: ٩٧] يَقُولُ: لَنْ تَغِيبَ عَنْهُ ⦗١٥٤⦘ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى، لِأَنَّهُ لَا شَكَّ أَنَّ اللَّهَ مُوَفٍّ وَعْدَهُ لِخَلْقِهِ بِحَشْرِهِمْ لِمَوْقِفِ الْحِسَابِ، وَأَنَّ الْخَلْقَ مُوافُونَ ذَلِكَ الْيَوْمَ، فَلَا اللَّهُ مُخْلِفُهُمْ ذَلِكَ، وَلَا هُمْ مُخْلِفُوهُ بِالتَّخَلُّفِ عَنْهُ، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ الصَّوَابَ فِي ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ: ﴿وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا﴾ [طه: ٩٧] يَقُولُ: وَانْظُرْ إِلَى مَعْبُودِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ مُقِيمًا تَعْبُدَهُ
١٦ / ١٥٣
كَمَا: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا﴾ [طه: ٩٧] الَّذِي أَقَمْتَ عَلَيْهِ
١٦ / ١٥٤
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: فَقَالَ لَهُ مُوسَى: ﴿انْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا﴾ [طه: ٩٧] يَقُولُ: الَّذِي أَقَمْتَ عَلَيْهِ وَلِلْعَرَبِ فِي ظَلْتَ: لُغَتَانِ: الْفَتْحُ فِي الظَّاءِ، وَبِهَا قَرَأَ قُرَّاءُ الْأَمْصَارِ، وَالْكَسْرُ فِيهَا، وَكَأَنَّ الَّذِينَ كَسَرُوا نَقَلُوا حَرَكَةَ اللَّامِ الَّتِي هِيَ عَيْنُ الْفِعْلِ مِنْ ظَلَلْتَ إِلَيْهَا، وَمَنْ فَتَحَهَا أَقَرَّ حَرَكَتَهَا الَّتِي كَانَتْ لَهَا قَبْلَ أَنْ يُحْذَفَ مِنْهَا شَيْءٌ، وَالْعَرَبُ تَفْعَلُ فِي الْحُرُوفِ الَّتِي فِيهَا التَّضْعِيفُ ذَاكَ، فَيَقُولُونَ فِي مَسِسْتُ مَسْتُ وَمِسْتُ وَفِي هَمَمْتُ بِذَلِكَ: هَمْتُ بِهِ، وَهَلْ أَحَسْتَ فُلَانًا وَأَحْسَسْتَهُ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الوافر]
⦗١٥٥⦘ خَلَا أَنَّ الْعِتَاقَ مِنَ الْمَطَايَا … أَحَسْنَ بِهِ فَهُنَّ إِلَيْهِ شُوسُ
١٦ / ١٥٤
وَقَوْلُهُ: ﴿لَنُحَرِّقَنَّهُ﴾ [طه: ٩٧] اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ ﴿لَنُحَرِّقَنَّهُ﴾ [طه: ٩٧] بِضَمِّ النُّونِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ، بِمَعْنَى لَنُحَرِّقَنَّهُ بِالنَّارِ قِطْعَةً قِطْعَةً. وَرُوِي عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ ذَلِكَ: «لَنُحْرِقَنَّهُ» بِضَمِّ النُّونِ، وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ، بِمَعْنَى: لَنُحَرِّقَنَّهُ بِالنَّارِ إِحْرَاقَةً وَاحِدَةً، وَقَرَأَهُ أَبُو جَعْفَرٍ الْقَارِئُ: (لَنَحْرُقَنَّهُ) بِفَتْحِ النُّونِ وَضَمِّ الرَّاءِ بِمَعْنَى: لَنَبْرُدَنَّهُ بِالْمَبَارِدِ مِنْ حَرَقْتُهُ أَحْرُقُهُ وَأَحْرِقُهُ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الوافر]
بِذِي فِرْقَيْنِ يَوْمَ بَنُو حُبَيْبٍ … نُيُوبُهُمُ عَلَيْنَا يَحْرُقُونَا
وَالصَّوَابُ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا مِنَ الْقِرَاءَةِ ﴿لَنُحَرِّقَنَّهُ﴾ [طه: ٩٧] بِضَمِّ النُّونِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ، مِنَ الْإِحْرَاقِ بِالنَّارِ
١٦ / ١٥٥
كَمَا: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿لَنُحَرِّقَنَّهُ﴾ [طه: ٩٧] يَقُولُ: بِالنَّارِ
١٦ / ١٥٥
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ﴿لَنُحَرِّقَنَّهُ﴾ [طه: ٩٧] فَحَرَقَهُ ثُمَّ ذَرَاهُ فِي الْيَمِّ وَإِنَّمَا اخْتَرْتُ هَذِهِ الْقِرَاءَةَ لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَيْهَا. وَأَمَّا أَبُو جَعْفَرٍ، فَإِنِّي أَحْسِبُهُ ذَهَبَ إِلَى
١٦ / ١٥٦
مَا: حَدَّثَنَا بِهِ، مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا﴾ [طه: ٩٧] ثُمَّ أَخَذَهُ فَذَبَحَهُ، ثُمَّ حَرَّقَهُ بِالْمِبْرَدِ، ثُمَّ ذَرَاهُ فِي الْيَمِّ، فَلَمْ يَبْقَ بَحْرٌ يَوْمَئِذٍ إِلَّا وَقَعَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْهُ
١٦ / ١٥٦
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا﴾ [طه: ٩٧] قَالَ: وَفِي بَعْضِ الْقِرَاءَةِ: لَنَذْبَحَنَّهُ ثُمَّ لَنَحْرِقَنَّهُ، ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا
١٦ / ١٥٦
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي حَرْفِ ابْنِ مَسْعُودٍ: «وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَنَذْبَحَنَّهُ ثُمَّ لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا»
١٦ / ١٥٦
وَقَوْلُهُ: ﴿ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا﴾ [طه: ٩٧] يَقُولُ: ثُمَّ لَنُذْرِيَنَّهُ فِي الْبَحْرِ تَذْرِيَةً، يُقَالُ مِنْهُ: نَسَفَ فُلَانٌ الطَّعَامَ بِالْمِنْسَفِ: إِذَا زَرَاهُ فَطَيَّرَ عَنْهُ قُشُورَهُ وَتُرَابَهُ ⦗١٥٧⦘ أَوِ الرِّيحُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ:
١٦ / ١٥٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا﴾ [طه: ٩٧] يَقُولُ: لَنُذْرِيَنَّهُ فِي الْبَحْرِ
١٦ / ١٥٧
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: ذَرَاهُ فِي الْيَمِّ، وَالْيَمُّ: الْبَحْرُ
١٦ / ١٥٧
حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: ذَرَاهُ فِي الْيَمِّ
١٦ / ١٥٧
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي الْيَمِّ، قَالَ: فِي الْبَحْرِ
١٦ / ١٥٧
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾ [طه: ٩٨] يَقُولُ: مَا لَكُمْ أَيُّهَا الْقَوْمُ مَعْبُودٌ، إِلَّا الَّذِي لَهُ عِبَادَةُ جَمِيعِ الْخَلْقِ لَا تَصْلُحُ الْعِبَادَةُ لِغَيْرِهِ، وَلَا تَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ إِلَّا لَهُ. ﴿وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا﴾ [طه: ٩٨] يَقُولُ: أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ ⦗١٥٨⦘ عِلْمًا فَعَلِمَهُ، فَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَا يَضِيقُ عَلَيْهِ عِلْمُ جَمِيعِ ذَلِكَ. يُقَالُ مِنْهُ: فُلَانٌ يَسْعَ لِهَذَا الْأَمْرِ: إِذَا أَطَاقَهُ وَقَوِيَ عَلَيْهِ، وَلَا يَسْعَ لَهُ: إِذَا عَجَزَ عَنْهُ فَلَمْ يُطِقْهُ وَلَمْ يَقْوَ عَلَيْهِ. وَكَانَ قَتَادَةُ يَقُولُ فِي ذَلِكَ
١٦ / ١٥٧
مَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا﴾ [طه: ٩٨] يَقُولُ: مَلَأَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا تبارك وتعالى
١٦ / ١٥٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا﴾ [طه: ١٠٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: كَمَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ نَبَأَ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ وَأَخْبَارِ بَنِي إِسْرَائِيلَ مَعَ مُوسَى ﴿كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ﴾ [طه: ٩٩] يَقُولُ: كَذَلِكَ نُخْبِرُكَ بِأَنْبَاءِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي قَدْ سَبَقَتْ مِنْ قَبْلِكَ، فَلَمْ تُشَاهِدْهَا وَلَمْ تُعَايِنْهَا
١٦ / ١٥٨
وَقَوْلُهُ: ﴿وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا﴾ [طه: ٩٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِمُحَمَّدٍ ﷺ: وَقَدْ آتَيْنَاكَ يَا مُحَمَّدُ مِنْ عِنْدِنَا ذِكْرًا يَتَذَكَّرُ بِهِ، وَيَتَّعِظُ بِهِ أَهْلُ الْعَقْلِ وَالْفَهْمِ، وَهُوَ هَذَا الْقُرْآنُ الَّذِي أَنْزَلَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَجَعَلَهُ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ
١٦ / ١٥٨
وَقَوْلُهُ ﴿مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ﴾ [طه: ١٠٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: مَنْ وَلَّى عَنْهُ فَأَدْبَرَ فَلَمْ يُصَدِّقْ بِهِ وَلَمْ يُقِرَّ ﴿فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا﴾ [طه: ١٠٠] يَقُولُ: فَإِنَّهُ يَأْتِي رَبَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُ ⦗١٥٩⦘ حِمْلًا ثَقِيلًا، وَذَلِكَ الْإِثْمُ الْعَظِيمُ
١٦ / ١٥٨
كَمَا: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا﴾ [طه: ١٠٠] قَالَ: إِثْمًا حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ. عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٦ / ١٥٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿خَالِدِينَ فِيهِ وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلًا يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا﴾ [طه: ١٠٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: خَالِدِينَ فِي وِزْرِهِمْ، فَأَخْرَجَ الْخَبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْ هَؤُلَاءِ الْمُعْرِضِينَ عَنْ ذِكْرِهِ فِي الدُّنْيَا أَنَّهُمْ خَالِدُونَ فِي أَوْزَارِهِمْ، وَالْمَعْنَى: أَنَّهُمْ خَالِدُونَ فِي النَّارِ بَأَوْزَارِهِمْ، وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ مَعْلُومًا الْمُرَادُ مِنَ الْكَلَامِ اكْتَفَى بِمَا ذَكَرَ عَمَّا لَمْ يَذْكُرْ
١٦ / ١٥٩
وَقَوْلُهُ: ﴿وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلًا﴾ [طه: ١٠١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَسَاءَ ذَلِكَ الْحِمْلُ وَالثِّقَلُ مِنَ الْإِثْمِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلًا، وَحَقَّ لَهُمْ أَنْ يَسُوءُهُمْ ذَلِكَ، وَقَدْ أَوْرَدَهُمْ مَهْلَكَةً لَا مَنْجَى مِنْهَا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٦ / ١٥٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ⦗١٦٠⦘ قَوْلُهُ: ﴿وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلًا﴾ [طه: ١٠١] يَقُولُ: بِئْسَمَا حُمِّلُوا
١٦ / ١٥٩
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلًا﴾ [طه: ١٠١] يَعْنِي بِذَلِكَ: ذُنُوبَهُمْ
١٦ / ١٦٠
وَقَوْلُهُ: ﴿يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ﴾ [الأنعام: ٧٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ، فَقَوْلُهُ: ﴿يَوْمَ يُنْفُخُ فِي الصُّورِ﴾ [الأنعام: ٧٣] رَدَّ عَلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى النَّفْخِ فِي الصُّورِ، وَذَكَرْنَا اخْتِلَافَ الْمُخْتَلِفِينَ فِي مَعْنَى الصُّورِ، وَالصَّحِيحُ فِي ذَلِكَ مِنَ الْقَوْلِ عِنْدِي بِشَوَاهِدِهِ الْمُغْنِيَةِ عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ قَبْلُ. وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ ﴿يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ﴾ [الأنعام: ٧٣] بِالْيَاءِ وَضَمِّهَا عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ، بِمَعْنَى: يَوْمَ يَأْمُرُ اللَّهُ إِسْرَافِيلَ فَيَنْفُخُ فِي الصُّورِ. وَكَانَ أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ يَقْرَأُ ذَلِكَ «يَوْمَ نَنْفُخُ فِي الصُّورِ» بِالنُّونِ بِمَعْنَى: يَوْمَ نَنْفُخُ نَحْنُ فِي الصُّورِ، كَأَنَّ الَّذِي دَعَاهُ إِلَى قِرَاءَةِ ذَلِكَ كَذَلِكَ طَلَبُهُ التَّوْفِيقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ: ﴿وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ﴾ [طه: ١٠٢] إِذْ كَانَ لَا خِلَافَ بَيْنَ الْقُرَّاءِ فِي نَحْشُرُ أَنَّهَا بِالنُّونِ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالَّذِي أَخْتَارُ فِي ذَلِكَ مِنَ الْقِرَاءَةَ ﴿يَوْمَ يُنْفَخُ﴾ [الأنعام: ٧٣] بِالْيَاءِ عَلَى وَجْهِ مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ، لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْقِرَاءَةُ الَّتِي عَلَيْهَا قُرَّاءُ الْأَمْصَارِ وَإِنْ كَانَ لِلَّذِي قَرَأَ أَبُو
١٦ / ١٦٠
عَمْرٍو وَجْهٌ غَيْرُ فَاسِدٍ
١٦ / ١٦١
وَقَوْلُهُ: ﴿وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا﴾ [طه: ١٠٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَنَسُوقُ أَهْلَ الْكُفْرِ بِاللَّهِ يَوْمَئِذٍ إِلَى مَوْقِفِ الْقِيَامَةِ زُرْقًا، فَقِيلَ: عَنَى بِالزَّرَقِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: مَا يَظْهَرُ فِي أَعْيُنِهِمْ مِنْ شِدَّةِ الْعَطَشِ الَّذِي يَكُونُ بِهِمْ عِنْدَ الْحَشْرِ لِرَأْيِ الْعَيْنِ مِنَ الزَّرَقِ. وَقِيلَ: أُرِيدَ بِذَلِكَ أَنَّهُمْ يُحْشَرُونَ عُمْيًا، كَالَّذِي قَالَ اللَّهُ ﴿وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهَهُمْ عُمْيًا﴾ [الإسراء: ٩٧]
١٦ / ١٦١
وَقَوْلُهُ: ﴿يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا﴾ [طه: ١٠٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: يَتَهَامَسُونَ بَيْنَهُمْ، وَيُسِرُّ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ: إِنْ لَبِثْتُمْ فِي الدُّنْيَا، يَعْنِي أَنَّهُمْ يَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: مَا لَبِثْتُمْ فِي الدُّنْيَا إِلَّا عَشْرًا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٦ / ١٦١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ﴾ [طه: ١٠٣] يَقُولُ: يَتَسَارُّونَ بَيْنَهُمْ
١٦ / ١٦١
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ﴾ [طه: ١٠٣] أَيْ يَتَسَارُّونَ بَيْنَهُمْ ﴿إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا﴾ [طه: ١٠٣]
١٦ / ١٦١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا﴾ [طه: ١٠٤]⦗١٦٢⦘ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: نَحْنُ أَعْلَمُ مِنْهُمْ عِنْدَ إِسْرَارِهِمْ وَتَخَافُتِهِمْ بَيْنَهُمْ بِقِيلِهِمْ ﴿إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا﴾ [طه: ١٠٣] بِمَا يَقُولُونَ لَا يَخْفَى عَلَيْنَا مِمَّا يَتَسَارَرُونَهُ بَيْنَهُمْ شَيْءٌ ﴿إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا﴾ [طه: ١٠٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ حِينَ يَقُولُ أَوْفَاهُمْ عَقْلًا، وَأَعْلَمُهُمْ فِيهِمْ: إِنْ لَبِثْتُمْ فِي الدُّنْيَا إِلَّا يَوْمًا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٦ / ١٦١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَعْقُوبُ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً﴾ [طه: ١٠٤] أَوْفَاهُمْ عَقْلًا وَإِنَّمَا عَنَى جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِالْخَبَرِ عَنْ قِيلِهِمْ هَذَا الْقَوْلَ يَوْمَئِذٍ، إِعْلَامُ عِبَادِهِ أَنَّ أَهْلَ الْكُفْرِ بِهِ يَنْسَوْنَ مِنْ عَظِيمِ مَا يُعايِنُونَ مِنْ هَوْلِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَشِدَّةِ جَزَعِهِمْ مِنْ عَظِيمِ مَا يَرُدُّونَ عَلَيْهِ مَا كَانُوا فِيهِ فِي الدُّنْيَا مِنَ النَّعِيمِ وَاللَّذَّاتِ، وَمَبْلَغِ مَا عَاشُوا فِيهَا مِنَ الْأَزْمَانِ، حَتَّى يُخَيَّلُ إِلَى أَعْقَلِهِمْ فِيهِمْ، وَأَذْكَرِهِمْ وَأَفْهَمِهِمْ أَنَّهُمْ لَمْ يَعِيشُوا فِيهَا إِلَّا يَوْمًا
١٦ / ١٦٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي ⦗١٦٣⦘ نَسْفًا فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا﴾ [طه: ١٠٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَيَسْأَلُكَ يَا مُحَمَّدُ قَوْمُكَ عَنِ الْجِبَالِ، فَقُلْ لَهُمْ: يُذَرِّيهَا رَبِّي تَذْرِيَةً، وَيُطَيِّرُهَا بِقَلْعِهَا وَاسْتِئْصَالِهَا مِنْ أُصُولِهَا، وَدَكِّ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ، وَتَصْيِيرِهِ إِيَّاهَا هَبَاءً مُنْبَثًّا. ﴿فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا﴾ [طه: ١٠٦] . يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَيَدَعُ أَمَاكِنَهَا مِنَ الْأَرْضِ إِذَا نَسَفَهَا نَسْفًا، قَاعًا: يَعْنِي: أَرْضًا مَلْسَاءَ، صَفْصَفًا: يَعْنِي مُسْتَوِيًا لَا نَبَاتَ فِيهِ، وَلَا نَشَزَ، وَلَا ارْتِفَاعَ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٦ / ١٦٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿قَاعًا صَفْصَفًا﴾ [طه: ١٠٦] يَقُولُ: مُسْتَوِيًا لَا نَبَاتَ فِيهِ
١٦ / ١٦٣
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ ﴿فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا﴾ [طه: ١٠٦] قَالَ: مُسْتَوِيًا، الصَّفْصَفُ: الْمُسْتَوِي
١٦ / ١٦٣
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الحسن، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿صَفْصَفًا﴾ [طه: ١٠٦] قَالَ: مُسْتَوِيًا حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٦ / ١٦٣
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ لَهِيعَةَ، ⦗١٦٤⦘ قَالَ: ثنا أَبُو الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: كُنَّا قُعُودًا عِنْدَ عَبْدِ الْمَلِكِ حِينَ قَالَ كَعْبٌ: إِنَّ الصَّخْرَةَ مَوْضِعُ قَدِمِ الرَّحْمَنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَقَالَ: كَذَبَ كَعْبٌ، إِنَّمَا الصَّخْرَةُ جَبَلٌ مِنَ الْجِبَالِ، إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا﴾ [طه: ١٠٥] فَسَكَتَ عَبْدُ الْمَلِكِ
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِلُغَاتِ الْعَرَبِ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ يَقُولُ: الْقَاعُ: مُسْتَنْقَعُ الْمَاءِ، وَالصَّفْصَفُ: الَّذِي لَا نَبَاتَ فِيهِ
١٦ / ١٦٣
وَقَوْلُهُ: ﴿لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا﴾ [طه: ١٠٧] يَقُولُ: لَا تَرَى فِي الْأَرْضِ عِوَجًا وَلَا أَمْتًا وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى الْعِوَجِ وَالْأَمْتِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَنَى بِالْعِوَجِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: الْأَوْدِيَةَ، وَبِالْأَمْتِ: الرَّوَابِي والنُّشُوزَ
١٦ / ١٦٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ ﴿لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا﴾ [طه: ١٠٧] يَقُولُ: وَادِيًا، وَلَا أَمْتًا: يَقُولُ: رَابِيَةً
١٦ / ١٦٤
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُخَرِّمِيُّ، قَالَ: ثنا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ، عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ صَفْوَانَ مَوْلَى عُثْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ، قَالَ: سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ، عَنْ قَوْلِهِ ﴿لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا﴾ [طه: ١٠٧] قَالَ: هِيَ الْأَرْضُ الْبَيْضَاءُ، أَوْ قَالَ: ⦗١٦٥⦘ الْمَلْسَاءُ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا لَبِنَةٌ مُرْتَفِعَةٌ
١٦ / ١٦٤
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ﴿لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا﴾ [طه: ١٠٧] قَالَ: ارْتِفَاعًا، وَلَا انْخِفَاضًا
١٦ / ١٦٥
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ ﴿لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا﴾ [طه: ١٠٧] قَالَ: لَا تَعَادِيَ، الْأَمْتُ: التَّعَادِي وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عَنَى بِالْعِوَجِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: الصُّدُوعَ، وَبِالْأَمْتِ: الِارْتِفَاعَ مِنَ الْآكَامِ وَأَشْبَاهِهَا
١٦ / ١٦٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا﴾ [طه: ١٠٧] قَالَ: صَدْعًا ﴿وَلَا أَمْتًا﴾ [طه: ١٠٧] يَقُولُ: وَلَا أَكَمَةً وَقَالَ آخَرُونَ: عَنَى بِالْعِوَجِ: الْمَيْلَ، وَبِالْأَمْتِ: الْأَثَرَ
١٦ / ١٦٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا﴾ [طه: ١٠٧] يَقُولُ: لَا تَرَى فِيهَا مَيْلًا، وَالْأَمْتُ: الْأَمْرُ مِثْلُ الشِّرَاكِ وَقَالَ آخَرُونَ: الْأَمْتُ: الْمَحَانِي وَالْأَحْدَابُ
١٦ / ١٦٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: الْأَمْتُ: الْحَدْبُ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: عَنَى بِالْعِوَجِ: الْمَيْلَ، وَذَلِكَ أَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَهَلْ فِي الْأَرْضِ الْيَوْمَ مِنْ عِوَجٍ، فَيُقَالُ: لَا تَرَى فِيهَا يَوْمَئِذٍ عِوَجًا. قِيلَ: إِنَّ مَعْنَى ذَلِكَ: لَيْسَ فِيهَا أَوْدِيَةٌ وَمَوَانِعُ تَمْنَعُ النَّاظِرَ أَوِ السَّائِرَ فِيهَا عَنِ الْأَخْذِ عَلَى الِاسْتِقَامَةِ، كَمَا يَحْتَاجُ الْيَوْمَ مَنْ أَخَذَ فِي بَعْضِ سُبُلِهَا إِلَى الْأَخْذِ أَحْيَانًا يَمِينًا، وَأَحْيَانًا شِمَالًا، لِمَا فِيهَا مِنَ الْجِبَالِ وَالْأَوْدِيَةِ وَالْبِحَارِ. وَأَمَّا الْأَمْتُ فَإِنَّهُ عِنْدَ الْعَرَبِ: الِانْثِنَاءُ وَالضَّعْفُ. مَسْمُوعٌ مِنْهُمْ: مَدَّ حَبْلَهُ حَتَّى مَا تَرَكَ فِيهِ أَمْتًا: أَيِ انْثِنَاءً، وَمَلَأَ سِقَاءَهُ حَتَّى مَا تَرَكَ فِيهِ أَمْتًا، وَمِنْهُ قَوْلُ الرَّاجِزِ:
[البحر الرجز]
١٦ / ١٦٦
مَا فِي انْجِذَابِ سَيْرِهِ مِنْ أَمْتِ
يَعْنِي: مِنْ وَهَنٍ وَضَعْفٍ، فَالْوَاجِبُ إِذَا كَانَ ذَلِكَ مَعْنَى الْأَمْتِ عِنْدَهُمْ أَنْ يَكُونَ أَصَوْبَ الْأَقْوَالِ فِي تَأْوِيلِهِ: وَلَا ارْتِفَاعَ وَلَا انْخِفَاضَ، لِأَنَّ الِانْخِفَاضَ لَمْ يَكُنْ إِلَّا عَنِ ارْتِفَاعٍ. فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ: لَا تَرَى فِيهَا مَيْلًا عَنِ الِاسْتِوَاءِ، وَلَا ارْتِفَاعًا، وَلَا انْخِفَاضًا، وَلَكِنَّهَا مُسْتَوِيَةٌ مَلْسَاءُ، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿قَاعًا صَفْصَفًا﴾ [طه: ١٠٦]
١٦ / ١٦٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا﴾ [طه: ١٠٨] . يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُ النَّاسُ صَوْتَ دَاعِي اللَّهِ الَّذِي يَدْعُوهُمْ إِلَى مَوْقِفِ الْقِيَامَةِ، فَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ ﴿لَا عِوَجَ لَهُ﴾ [طه: ١٠٨] يَقُولُ: لَا عِوَجَ لَهُمْ عَنْهُ وَلَا انْحِرَافٍ، وَلَكِنَّهُمْ سِرَاعًا إِلَيْهِ يَنْحَشِرُونَ. وَقِيلَ: لَا عِوَجَ لَهُ، وَالْمَعْنَى: لَا عِوَجَ لَهُمْ عَنْهُ، لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّهُ لَا يُعْوِجُونَ لَهُ وَلَا عَنْهُ. وَلَكِنَّهُمْ يَؤُّمُونَهُ وَيَأْتُونَهُ، كَمَا يُقَالُ فِي الْكَلَامِ: دَعَانِي فُلَانٌ دَعْوَةً لَا عِوَجَ لِي عَنْهَا: أَيْ لَا أُعْوِجُ عَنْهَا
١٦ / ١٦٧
وَقَوْلُهُ ﴿وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ﴾ [طه: ١٠٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَسَكَنَتْ أَصْوَاتُ الْخَلَائِقِ لِلرَّحْمَنِ فَوَصَفَ الْأَصْوَاتَ بِالْخُشُوعِ. وَالْمَعْنَى لِأَهْلِهَا إِنَّهُمْ خُضَّعٌ جَمِيعُهُمْ لِرَبِّهِمْ، فَلَا تَسْمَعُ لِنَاطِقٍ مِنْهُمْ مَنْطِقًا إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ
١٦ / ١٦٧
كَمَا: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ ⦗١٦٨⦘ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ﴾ [طه: ١٠٨] يَقُولُ: سَكَنَتْ
١٦ / ١٦٧
وَقَوْلُهُ: ﴿فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا﴾ [طه: ١٠٨] يَقُولُ: إِنَّهُ وَطْءُ الْأَقْدَامِ إِلَى الْمَحْشَرِ. وَأَصْلُهُ: الصَّوْتُ الْخَفِيُّ، يُقَالُ هَمَسَ فُلَانٌ إِلَى فُلَانٍ بِحَدِيثِهِ إِذَا أَسَرَّهُ إِلَيْهِ وَأَخْفَاهُ، وَمِنْهُ قَوْلُ الرَّاجِزِ:
[البحر الرجز]
وَهُنَّ يَمْشِينَ بِنَا هَمِيسًا … إِنْ يَصْدُقِ الطَّيْرُ نَنِكْ لَمِيسَا
يَعْنِي بِالْهَمْسِ: صَوْتَ أَخْفَافِ الْإِبِلِ فِي سَيْرِهَا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٦ / ١٦٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا عَلِيُّ بْنُ عَابِسٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ﴿فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا﴾ [طه: ١٠٨] قَالَ: وَطْءُ الْأَقْدَامِ
١٦ / ١٦٨
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ ﴿وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا﴾ [طه: ١٠٨] يَعْنِي: هَمْسَ الْأَقْدَامِ، وَهُوَ الْوَطْءُ
١٦ / ١٦٨
حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسِ ⦗١٦٩⦘ ﴿فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا﴾ [طه: ١٠٨] يَقُولُ: الصَّوْتُ الْخَفِيُّ
١٦ / ١٦٨
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُوسَى السُّدِّيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا شَرِيكٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَصْبَهَانِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، ﴿فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا﴾ [طه: ١٠٨] قَالَ: وَطْءُ الْأَقْدَامِ
١٦ / ١٦٩
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا سُلَيْمَانٌ، قَالَ: ثنا حَمَّادٌ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ، ﴿فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا﴾ [طه: ١٠٨] قَالَ: هَمْسُ الْأَقْدَامِ
١٦ / ١٦٩
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا﴾ [طه: ١٠٨] قَالَ قَتَادَةُ: كَانَ الْحَسَنُ يَقُولُ: وَقْعُ أَقْدَامِ الْقَوْمِ
١٦ / ١٦٩
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا﴾ [طه: ١٠٨] قَالَ: تَهَافُتًا
١٦ / ١٦٩
وَقَالَ: تُخَافِتُ الْكَلَامَ
١٦ / ١٦٩
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنْ ابن أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿هَمْسًا﴾ [طه: ١٠٨] قَالَ: خَفْضُ الصَّوْتِ
١٦ / ١٦٩
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: «خَفْضُ الصَّوْتِ»، قَالَ: وَأَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَثِيرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: كَلَامُ الْإِنْسَانِ لَا تَسْمَعُ تَحَرُّكُ شَفَتَيْهِ وَلِسَانِهِ
١٦ / ١٦٩
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، قَوْلُهُ: ﴿فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا﴾ [طه: ١٠٨] يَقُولُ: لَا تَسْمَعُ إِلَّا مَشْيًا، قَالَ: الْمَشْي الْهَمْسُ: وَطْءُ ⦗١٧٠⦘ الْأَقْدَامِ
١٦ / ١٦٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَوْمَئِذٍ لَّا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا﴾ [طه: ١١٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ ﴿يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا﴾ [طه: ١٠٩] شَفَاعَةُ ﴿مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ﴾ [طه: ١٠٩] أَنْ يَشْفَعَ ﴿وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا﴾ [طه: ١٠٩] وَأَدْخَلَ فِي الْكَلَامِ لَهُ دَلِيلًا عَلَى إِضَافَةِ الْقَوْلِ إِلَى كِنَايَةٍ «مِنْ» وَذَلِكَ كَقَوْلِ الْقَاتِلِ الْآخَرِ: رَضِيتُ لَكَ عَمَلَكَ، وَرَضِيتُهُ مِنْكَ، وَمَوْضِعُ مَنْ مِنْ قَوْلِهِ ﴿إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ﴾ [طه: ١٠٩] نَصْبٌ لِأَنَّهُ خِلَافُ الشَّفَاعَةِ
١٦ / ١٧٠
وَقَوْلُهُ ﴿يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ﴾ [البقرة: ٢٥٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: يَعْلَمُ رَبُّكَ يَا مُحَمَّدُ مَا بَيْنَ أَيْدِي هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ مِنْ أَمْرِ الْقِيَامَةِ، وَمَا الَّذِي يَصِيرُونَ إِلَيْهِ مِنَ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ ﴿وَمَا خَلْفَهُمْ﴾ [البقرة: ٢٥٥] يَقُولُ: وَيَعْلَمُ أَمْرَ مَا خَلَّفُوهُ وَرَاءَهُمْ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا
١٦ / ١٧٠
كَمَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿يَعْلَمُ مَا ⦗١٧١⦘ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ﴾ [طه: ١١٠] مِنْ أَمْرِ السَّاعَةِ ﴿وَمَا خَلْفَهُمْ﴾ [طه: ١١٠] مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا
١٦ / ١٧٠
وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا﴾ [طه: ١١٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَا يُحِيطُ خَلْقَهُ بِهِ عِلْمًا. وَمَعْنَى الْكَلَامِ: أَنَّهُ مُحِيطٌ بِعِبَادِهِ عِلْمًا، وَلَا يُحِيطُ عِبَادَهُ بِهِ عِلْمًا. وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ: أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِي مَلَائِكَتِهِ وَمَا خَلْفَهُمْ، وَأَنَّ مَلَائِكَتَهُ لَا يُحِيطُونَ عِلْمًا بِمَا بَيْنَ أَيْدِي أَنْفُسِهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ، وَقَالَ: إِنَّمَا أَعْلَمَ بِذَلِكَ الَّذِينَ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْمَلَائِكَةَ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ كَذَلِكَ لَا تَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهَا وَمَا خَلْفَهَا، مُوَبِّخُهُمْ بِذَلِكَ وَمُقْرِعُهُمْ بِأَنَّ مَنْ كَانَ كَذَلِكَ، فَكَيْفَ يُعْبَدُ، وَأَنَّ الْعِبَادَةَ إِنَّمَا تَصْلُحُ لِمَنْ لَا تَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ
١٦ / ١٧١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا﴾ [طه: ١١١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: اسْتَسَرَّتْ وُجُوهُ الْخَلْقِ، وَاسْتَسْلَمَتْ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ الَّذِي لَا ⦗١٧٢⦘ يَمُوتُ، الْقَيُّومُ عَلَى خَلْقِهِ بِتَدْبِيرِهِ إِيَّاهُمْ، وَتَصْرِيفِهِمْ لِمَا شَاءُوا. وَأَصْلُ الْعُنُوِّ الذُّلُّ، يُقَالُ مِنْهُ: عَنَا وَجْهُهُ لِرَبِّهِ يَعْنُو عُنُوًّا، يَعْنِي خَضَعَ لَهُ وَذَلَّ، وَكَذَلِكَ قِيلَ لِلْأَسِيرِ: عانَ لِذِلَّةِ الْأَسْرِ. فَأَمَّا قَوْلُهُمْ: أَخَذْتُ الشَّيْءَ عَنْوَةً، فَإِنَّهُ يَكُونُ وَإِنْ كَانَ مَعْنَاهُ يَئُولُ إِلَى هَذَا أَنْ يَكُونَ أَخَذَهُ غَلَبَةً، وَيَكُونُ أَخَذَهُ عَنْ تَسْلِيمٍ وَطَاعَةٍ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الطويل]
هَلَ انْتَ مُطِيعِي أَيُّهَا الْقَلْبُ عَنْوَةً … وَلَمْ تَلْحَ نَفْسٌ لَمْ تُلِمْ فِي اخْتِيَالِهَا
وَقَالَ آخَرُ:
[البحر الطويل]
فَمَا أَخَذُوهَا عَنْوَةً عَنْ مَوَدَّةٍ … وَلَكِنْ بِحَدِّ الْمَشْرَفِيِّ اسْتَقَالَهَا
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٦ / ١٧١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ﴾ [طه: ١١١] يَقُولُ: ذَلَّتْ
١٦ / ١٧٢
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ ﴿وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ﴾ [طه: ١١١] يَعْنِي بِعَنَتِ: اسْتَسْلَمُوا لِي
١٦ / ١٧٣
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَعَنَتِ الْوُجُوهُ﴾ [طه: ١١١] قَالَ: خَشَعَتْ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٦ / ١٧٣
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ﴾ [طه: ١١١] أَيْ ذَلَّتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ
١٦ / ١٧٣
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ﴾ [طه: ١١١] قَالَ: ذَلَّتِ الْوُجُوهُ
١٦ / ١٧٣
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ طَلْقٌ: إِذَا سَجَدَ الرَّجُلُ فَقَدْ عَنَا وَجْهَهُ، أَوْ قَالَ: عَنَا
١٦ / ١٧٣
حَدَّثَنِي أَبُو حُصَيْنٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا عَبْثَرٌ، قَالَ: ثنا حُصَيْنٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ طَلْقِ بْنِ حَبِيبٍ، فِي هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ﴾ [طه: ١١١] قَالَ: هُوَ وَضْعُ الرَّجُلِ رَأْسَهُ وَيَدَيْهِ وَأَطْرَافَ قَدَمَيْهِ
١٦ / ١٧٣
حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ، قَالَ: ثنا ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ طَلْقِ بْنِ حَبِيبٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ﴾ [طه: ١١١] قَالَ: وَهُوَ وَضْعُكَ جَبْهَتَكَ وَكَفَّيْكَ وَرُكْبَتَيْكَ وَأَطْرَافَ قَدَمَيْكَ فِي السُّجُودِ
١٦ / ١٧٤
حَدَّثَنَا خَلَّادُ بْنُ أَسْلَمَ، قَالَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ طَلْقِ بْنِ حَبِيبٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ﴾ [طه: ١١١] قَالَ: وَضْعُ الْجَبْهَةِ وَالْأَنْفِ عَلَى الْأَرْضِ
١٦ / ١٧٤
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ: قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حُصَيْنٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ طَلْقِ بْنِ حَبِيبٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ﴾ [طه: ١١١] قَالَ: هُوَ السُّجُودُ عَلَى الْجَبْهَةِ وَالرَّاحَةِ وَالرُّكْبَتَيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ
١٦ / ١٧٤
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ﴾ [طه: ١١١] قَالَ: اسْتَأْسَرَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ، صَارُوا أُسَارَى كُلُّهُمْ لَهُ. قَالَ: وَالْعَانِي: الْأَسِيرُ وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْحَيِّ الْقَيُّومِ فِيمَا مَضَى، بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ هَاهُنَا
١٦ / ١٧٤
وَقَوْلُهُ: ﴿وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا﴾ [طه: ١١١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَمْ يَظْفَرْ بِحَاجَتِهِ وَطِلْبَتِهِ مَنْ حَمَلَ إِلَى مَوْقِفِ الْقِيَامَةِ شِرْكًا بِاللَّهِ، وَكُفْرًا بِهِ، وَعَمَلًا بِمَعْصِيَتِهِ. ⦗١٧٥⦘ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٦ / ١٧٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا﴾ [طه: ١١١] قَالَ: مَنْ حَمَلَ شِرْكًا
١٦ / ١٧٥
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَقَدْ خَابَ مِنْ حَمَلَ ظُلْمًا﴾ [طه: ١١١] قَالَ: مَنْ حَمَلَ شِرْكًا، الظُّلْمُ هَاهُنَا: الشِّرْكُ
١٦ / ١٧٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا﴾ [طه: ١١٢] . يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ وَتَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ: وَمَنْ يَعْمَلْ مِنْ صَالِحَاتِ الْأَعْمَالِ، وَذَلِكَ فِيمَا قِيلَ أَدَاءُ فَرَائِضِ اللَّهِ الَّتِي فَرَضَهَا عَلَى عِبَادِهِ ﴿وَهُوَ مُؤْمِنٌ﴾ [النساء: ٩٢] يَقُولُ: وَهُوَ مُصَدِّقٌ بِاللَّهِ، وَأَنَّهُ مُجَازٍ أَهْلَ طَاعَتِهِ وَأَهْلَ مَعَاصِيهِ عَلَى مَعَاصِيهِمْ ﴿فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا﴾ [طه: ١١٢] يَقُولُ: فَلَا يَخَافُ مِنَ اللَّهِ أَنْ يَظْلِمَهُ، فَيَحْمِلُ عَلَيْهِ سَيِّئَاتِ غَيْرِهِ، فَيُعَاقِبُهُ عَلَيْهَا ﴿وَلَا هَضْمًا﴾ [طه: ١١٢] يَقُولُ: لَا يَخَافُ أَنْ يَهْضِمَهُ حَسَنَاتِهِ، فَيَنْقُصُهُ ثَوَابَهَا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٦ / ١٧٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ ⦗١٧٦⦘ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ﴾ [طه: ١١٢] وَإِنَّمَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنَ الْعَمَلِ مَا كَانَ فِي إِيمَانٍ
١٦ / ١٧٥
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ﴾ [طه: ١١٢] قَالَ: زَعَمُوا أَنَّهَا الْفَرَائِضُ
١٦ / ١٧٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ مَا قُلْنَا فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا﴾ [طه: ١١٢] . حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَا: ثنا ابْنُ عَطِيَّةَ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ﴿لَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا﴾ قَالَ: هَضْمًا. غَصْبًا
١٦ / ١٧٦
حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ عَنْ عَلِيٍّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: ﴿لَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا﴾ قَالَ: لَا يَخَافُ ابْنُ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنْ يُظْلَمَ فَيَزَادَ عَلَيْهِ فِي سَيِّئَاتِهِ، وَلَا يُظْلمَ فَيُهْضَمَ فِي حَسَنَاتِهِ
١٦ / ١٧٦
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا﴾ [طه: ١١٢] يَقُولُ: أَنَا قَاهِرٌ لَكُمُ الْيَوْمَ، آخِذُكُمْ بِقُوَّتِي وَشِدَّتِي، وَأَنَا قَادِرٌ عَلَى قَهْرِكُمْ وَهَضْمِكُمْ، فَإِنَّمَا بَيْنِي وَبَيْنَكُمُ الْعَدْلُ، وَذَلِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
١٦ / ١٧٦
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا﴾ [طه: ١١٢] أَمَّا هَضْمًا فَهُوَ لَا يَقْهَرُ الرَّجُلُ الرَّجُلَ بِقُوَّتِهِ، يَقُولُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: ⦗١٧٧⦘ لَا آخُذُكُمْ بِقُوَّتِي وَشِدَّتِي، وَلَكِنِ الْعَدْلُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ، وَلَا ظُلْمَ عَلَيْكُمْ
١٦ / ١٧٦
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿هَضْمًا﴾ [طه: ١١٢] قَالَ: انْتِقَاصُ شَيْءٍ مِنْ حَقِّ عَمَلِهِ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٦ / ١٧٧
حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَسْرُوقِيُّ، قَالَ: ثنا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ مِسْعَرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ حَبِيبَ بْنَ أَبِي ثَابِتٍ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَا هَضْمًا﴾ [طه: ١١٢] قَالَ: الْهَضْمُ: الِانْتِقَاصُ
١٦ / ١٧٧
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا﴾ [طه: ١١٢] قَالَ: ظُلْمًا أَنْ يُزَادَ فِي سَيِّئَاتِهِ، وَلَا يُهْضَمُ مِنْ حَسَنَاتِهِ
١٦ / ١٧٧
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا﴾ [طه: ١١٢] قَالَ: لَا يَخَافُ أَنْ يُظْلَمَ، فَلَا يُجْزَى بِعَمَلِهِ، وَلَا يَخَافُ أَنْ ⦗١٧٨⦘ يُنْتَقَصَ مِنْ حَقِّهِ، فَلَا يُوَفَّى عَمَلَهُ
١٦ / ١٧٧
حَدَّثَنَا الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا سَلَّامُ بْنُ مِسْكِينٍ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ سِيَاهٍ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا﴾ [طه: ١١٢] قَالَ: لَا يَنْتَقِصُ اللَّهُ مِنْ حَسَنَاتِهِ شَيْئًا، وَلَا يَحْمِلُ عَلَيْهِ ذَنْبَ مُسِيءٍ وَأَصْلُ الْهَضْمِ: النَّقْصُ، يُقَالُ: هَضَمَنِي فُلَانٌ حَقِّي، وَمِنْهُ امْرَأَةٌ هَضِيمٌ: أَيْ ضَامِرَةُ الْبَطْنِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: قَدْ هُضِمَ الطَّعَامُ: إِذَا ذَهَبَ، وَهَضَمْتُ لَكَ مِنْ حَقِّكَ: أَيْ حَطَطْتُكَ
١٦ / ١٧٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْءَانًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: كَمَا رَغَّبْنَا أَهْلَ الْإِيمَانِ فِي صَالِحَاتِ الْأَعْمَالِ، بِوَعْدِنَاهُمْ مَا وَعَدْنَاهُمْ، كَذَلِكَ حَذَّرْنَا بِالْوَعِيدِ أَهْلَ الْكُفْرِ بِالْمُقَامِ عَلَى مَعَاصِينَا، وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِنَا، فَأَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَرَبِيًّا، إِذْ كَانُوا عَرَبًا ﴿وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ﴾ [طه: ١١٣] فَبَيَّنَّاهُ: يَقُولُ: وَخَوَّفْنَاهُمْ فِيهِ بِضُرُوبٍ مِنَ الْوَعِيدِ. ﴿لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾ [البقرة: ١٨٧] . يَقُولُ: كَيْ يَتَّقُونَا، بِتَصْرِيفِنَا مَا صَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ. ﴿أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا﴾ [طه: ١١٣] . يَقُولُ: أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ هَذَا الْقُرْآنُ تَذْكِرَةً، فَيَعْتَبِرُونَ وَيَتَّعِظُونَ بِفِعْلِنَا بِالْأُمَمِ الَّتِي كَذَّبَتِ الرُّسُلَ قَبْلَهَا، ⦗١٧٩⦘ وَيَنْزَجِرُونَ عَمَّا هُمْ عَلَيْهِ مُقِيمُونَ مِنَ الْكُفْرِ بِاللَّهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٦ / ١٧٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾ [طه: ١١٣] مَا حُذِّرُوا بِهِ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ وَعِقَابِهِ، وَوَقَائِعِهِ بِالْأُمَمِ قَبْلَهُمْ ﴿أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ﴾ [طه: ١١٣] الْقُرْآنُ ﴿ذِكْرًا﴾ [البقرة: ٢٠٠] أَيْ جِدًّا وَوَرَعًا
١٦ / ١٧٩
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ ﴿أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا﴾ [طه: ١١٣] قَالَ: جِدًّا وَوَرَعًا وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ فِي: ﴿أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا﴾ [طه: ١١٣] أَنَّ مَعْنَاهُ: أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ شَرَفًا، بِإِيمَانِهِمْ بِهِ
١٦ / ١٧٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾ [طه: ١١٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَارْتَفَعَ الَّذِي لَهُ الْعِبَادَةُ مِنْ جَمِيعِ خَلْقِهِ، الْمَلِكُ الَّذِي قَهَرَ سُلْطَانُهُ كُلَّ مَلِكٍ وَجَبَّارٍ، الْحَقُّ عَمَّا يَصِفُهُ بِهِ الْمُشْرِكُونَ مِنْ خَلْقِهِ. ﴿وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ﴾ [طه: ١١٤] . يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: ⦗١٨٠⦘ وَلَا تَعْجَلْ يَا مُحَمَّدُ بِالْقُرْآنِ، فَتُقْرِئَهُ أَصْحَابَكَ، أَوْ تَقْرَأَهُ عَلَيْهِمْ، مِنْ قَبْلِ أَنْ يُوحَى إِلَيْكَ بَيَانُ مَعَانِيهِ، فَعُوتِبَ عَلَى إِكْتَابِهِ وَإِمْلَائِهِ مَا كَانَ اللَّهُ يُنْزِلُهُ عَلَيْهِ مِنْ كِتَابِهِ مَنْ كَانَ يَكْتُبُهُ ذَلِكَ، مِنْ قَبْلِ أَنْ يُبَيِّنَ لَهُ مَعَانِيهِ، وَقِيلَ: لَا تَتْلُهُ عَلَى أَحَدٍ، وَلَا تُمْلِهِ عَلَيْهِ، حَتَّى نُبَيِّنَهُ لَكَ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٦ / ١٧٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ﴾ [طه: ١١٤] قَالَ: لَا تَتْلُهُ عَلَى أَحَدٍ حَتَّى نُبَيِّنَهُ لَكَ
١٦ / ١٨٠
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: يَقُولُ: لَا تَتْلُهُ عَلَى أَحَدٍ حَتَّى نُتِمَّهُ لَكَ هَكَذَا قَالَ الْقَاسِمُ: حَتَّى نُتِمَّهُ
١٦ / ١٨٠
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ ⦗١٨١⦘ وَحْيُهُ﴾ [طه: ١١٤] يَعْنِي: لَا تَعْجَلْ حَتَّى نُبَيِّنَهُ لَكَ
١٦ / ١٨٠
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ﴾ [طه: ١١٤] أَيْ بَيَانَهُ
١٦ / ١٨١
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ﴾ [طه: ١١٤] قَالَ: تِبْيَانُهُ
١٦ / ١٨١
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالَا: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ﴾ [طه: ١١٤] مِنْ قَبْلِ أَنْ يُبَيَّنَ لَكَ بَيَانُهُ
١٦ / ١٨١
وَقَوْلُهُ: ﴿وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾ [طه: ١١٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَقُلْ يَا مُحَمَّدُ: رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا إِلَى مَا عَلَّمْتَنِي، أَمْرَهُ بِمَسْأَلَتِهِ مِنْ فَوَائِدِهِ الْعِلْمُ مَا لَا يَعْلَمُ
١٦ / ١٨١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا﴾ [طه: ١١٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَإِنْ يُضَيِّعِ يَا مُحَمَّدُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ نُصَرِّفُ لَهُمْ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنَ الْوَعِيدِ عَهْدِي، وَيُخَالِفُوا أَمْرِي، وَيَتْرُكُوا طَاعَتِي، وَيَتَّبِعُوا أَمْرَ عَدُوِّهِمْ إِبْلِيسَ، وَيُطِيعُوهُ فِي خِلَافِ أَمْرِي، فَقَدِيمًا مَا فَعَلَ ذَلِكَ أَبُوهُمْ آدَمُ ﴿وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَيْهِ﴾ يَقُولُ: وَلَقَدْ وَصَّيَّنَا آدَمَ وَقُلْنَا لَهُ: ﴿إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ ⦗١٨٢⦘ الْجَنَّةِ﴾ [طه: ١١٧] فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ فَأَطَاعَهُ، وَخَالَفَ أَمْرِي، فَحَلَّ بِهِ مِنْ عُقُوبَتِي مَا حَلَّ. وَعَنَى جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿مِنْ قَبْلُ﴾ [البقرة: ٢٥] هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَخْبَرَ أَنَّهُ صَرَّفَ لَهُمُ الْوَعِيدَ فِي هَذَا الْقُرْآنِ، وَقَوْلُهُ: ﴿فَنَسِيَ﴾ [طه: ٨٨] يَقُولُ: فَتَرَكَ عَهْدِي
١٦ / ١٨١
كَمَا: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ﴾ [طه: ١١٥] يَقُولُ: فَتَرَكَ
١٦ / ١٨٢
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿فَنَسِيَ﴾ [طه: ١١٥] قَالَ: تَرَكَ أَمْرَ رَبِّهِ
١٦ / ١٨٢
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا﴾ [طه: ١١٥] قَالَ: قَالَ لَهُ ﴿يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى﴾ [طه: ١١٧] فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ: ﴿لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى﴾ [طه: ١١٩] وَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ: ﴿وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى﴾ [طه: ١٢٠] قَالَ: فَنَسِيَ مَا عَهِدَ إِلَيْهِ فِي ذَلِكَ، قَالَ: وَهَذَا عَهْدُ اللَّهِ إِلَيْهِ، قَالَ: وَلَوْ كَانَ لَهُ عَزْمٌ مَا أَطَاعَ عَدُوَّهُ الَّذِي حَسَدَهُ، وَأَبَى أَنْ يَسْجُدَ لَهُ مَعَ مَنْ سَجَدَ لَهُ إِبْلِيسُ، وَعَصَى اللَّهُ الَّذِي كَرَّمَهُ وَشَرَّفَهُ، وَأَمَرَ مَلَائِكَتَهُ فَسَجَدُوا لَهُ
١٦ / ١٨٢
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالَا: ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَمُؤَمَّلٌ، ⦗١٨٣⦘ قَالُوا: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: إِنَّمَا سُمِيَّ الْإِنْسَانُ لِأَنَّهُ عَهِدَ إِلَيْهِ فَنَسِيَ
١٦ / ١٨٢
وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا﴾ [طه: ١١٥] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى الْعَزْمِ هَاهُنَا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ الصَّبْرُ
١٦ / ١٨٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا﴾ [طه: ١١٥] أَيْ صَبْرًا
١٦ / ١٨٣
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا﴾ [طه: ١١٥] قَالَ: صَبْرًا حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يَعْقُوبَ الْجُوزَجَانِيُّ، قَالَ: ثنا أَبُو النَّضْرِ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، مِثْلَهُ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَاهُ: الْحِفْظُ، قَالُوا: وَمَعْنَاهُ: وَلَمْ نَجِدْ لَهُ حِفْظًا لِمَا عَهِدْنَا إِلَيْهِ
١٦ / ١٨٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ، قَالَ: ثنا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَطِيَّةَ، ﴿وَلَمْ نَجِدْ لَهُ ⦗١٨٤⦘ عَزْمًا﴾ [طه: ١١٥] قَالَ: حِفْظًا لِمَا أَمَرْتُهُ
١٦ / ١٨٣
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ، عَنِ الْأَشْجَعِيِّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ، عَنْ عَطِيَّةَ، فِي قَوْلِهِ ﴿وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا﴾ [طه: ١١٥] قَالَ: حِفْظًا
١٦ / ١٨٤
حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: ثنا قَبِيصَةُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ، عَنْ عَطِيَّةَ، فِي قَوْلِهِ ﴿وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا﴾ [طه: ١١٥] قَالَ: حِفْظًا لِمَا أَمَرْتُهُ بِهِ
١٦ / ١٨٤
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا﴾ [طه: ١١٥] يَقُولُ: لَمْ نَجِدْ لَهُ حِفْظًا
١٦ / ١٨٤
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا﴾ [طه: ١١٥] قَالَ: الْعَزْمُ: الْمُحَافَظَةُ عَلَى مَا أَمَرَهُ اللَّهُ تبارك وتعالى بِحِفْظِهِ، وَالتَّمَسُّكِ بِهِ
١٦ / ١٨٤
حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا﴾ [طه: ١١٥] يَقُولُ: لَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَزْمًا
١٦ / ١٨٤
حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا الْحَجَّاجُ بْنُ فَضَالَةَ، عَنْ لُقْمَانِ بْنِ عَامِرٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: لَوْ أَنَّ أَحْلَامَ بَنِي آدَمَ، جُمِعَتْ مُنْذُ يَوْمِ خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى آدَمَ إِلَى يَوْمِ السَّاعَةِ، وَوُضِعَتْ فِي كِفَّةِ مِيزَانٍ، وَوُضِعَ حِلْمُ آدَمَ فِي الْكِفَّةِ الْأُخْرَى، لَرَجَحَ حِلْمُهُ بِأَحْلَامِهِمْ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَلَمْ نَجَدْ لَهُ عَزْمًا﴾ [طه: ١١٥] قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَصْلُ الْعَزْمِ اعْتِقَادُ الْقَلْبِ عَلَى الشَّيْءِ، يُقَالُ مِنْهُ: عَزَمَ فُلَانٌ عَلَى كَذَا: إِذَا اعْتَقَدَ عَلَيْهِ وَنَوَاهُ، وَمِنِ اعْتِقَادِ الْقَلْبِ: حِفْظُ الشَّيْءِ، وَمِنْهُ الصَّبْرُ عَلَى الشَّيْءِ، لِأَنَّهُ لَا يَجْزَعُ جَازِعٌ إِلَّا مِنْ خَوَرِ قَلْبِهِ وَضَعْفِهِ. فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَلَا مَعْنَى لِذَلِكَ أَبْلَغُ مِمَّا بَيَّنَهُ اللَّهُ تبارك وتعالى، وَهُوَ قَوْلُهُ: ﴿وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا﴾ [طه: ١١٥] فَيَكُونُ تَأْوِيلُهُ: وَلَمْ نَجَدْ لَهُ عَزْمَ قَلْبٍ، عَلَى الْوَفَاءِ لِلَّهِ بِعَهْدِهِ، وَلَا عَلَى حِفْظِ مَا عَهِدَ إِلَيْهِ
١٦ / ١٨٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى﴾ [طه: ١١٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُعَلِّمًا نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا ﷺ، مَا كَانَ مِنْ تَضْيِيعِ آدَمَ عَهْدَهِ وَمَعْرِفَةً بِذَلِكَ أَنَّ وَلَدَهُ لَنْ يَعُدُّوا أَنْ يَكُونُوا فِي ذَلِكَ عَلَى مِنْهَاجِهِ، إِلَّا مَنْ عَصَمَهُ اللَّهُ مِنْهُمْ: وَاذْكُرْ يَا مُحَمَّدُ ﴿إِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةَ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا ⦗١٨٦⦘ إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى﴾ [البقرة: ٣٤] أَنْ يَسْجُدَ لَهُ. ﴿فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ﴾ [طه: ١١٧] وَلِذَلِكَ مِنْ شَنَآنِهِ لَمْ يَسْجُدْ لَكَ، وَخَالَفَ أَمْرِي فِي ذَلِكَ وَعَصَانِي، فَلَا تُطِيعَاهُ فِيمَا يَأْمُرُكُمَا بِهِ، فَيُخْرِجُكُمَا بِمَعْصِيَتِكُمَا رَبَّكُمَا، وَطَاعَتِكُمَا لَهُ ﴿مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى﴾ [طه: ١١٧] يَقُولُ: فَيَكُونُ عَيْشُكَ مِنْ كَدِّ يَدِكَ، فَذَلِكَ شَقَاؤُهُ الَّذِي حَذَّرَهُ بِهِ
١٦ / ١٨٥
كَمَا: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَعْقُوبُ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدٍ، قَالَ: أُهْبِطَ إِلَى آدَمَ ثَوْرٌ أَحْمَرُ، فَكَانَ يَحْرُثُ عَلَيْهِ، وَيَمْسَحُ الْعَرَقَ مِنْ جَبِينِهِ، فَهُوَ الَّذِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى﴾ [طه: ١١٧] فَكَانَ ذَلِكَ شَقَاءَهُ وَقَالَ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿فَتَشْقَى﴾ [طه: ١١٧] وَلَمْ يَقُلْ: فَتَشْقَيَا، وَقَدْ قَالَ: ﴿فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا﴾ [طه: ١١٧] لِأَنَّ ابْتِدَاءَ الْخِطَابِ مِنَ اللَّهِ كَانَ لِآدَمَ عليه السلام فَكَانَ فِي إِعْلَامِهِ الْعُقُوبَةَ عَلَى مَعْصِيَتِهِ إِيَّاهُ، فِيمَا نَهَاهُ عَنْهُ مِنْ أَكْلِ الشَّجَرَةِ، الْكِفَايَةَ مِنْ ذِكْرِ الْمَرْأَةِ، إِذْ كَانَ مَعْلُومًا أَنَّ حُكْمَهَا فِي ذَلِكَ حُكْمُهُ، كَمَا قَالَ: ﴿عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ﴾ [ق: ١٧] اجْتُزِئَ بِمَعْرِفَةِ السَّامِعِينَ مَعْنَاهُ، مِنْ ذِكْرِ فِعْلِ صَاحِبِهِ
١٦ / ١٨٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى وَأَنَّكَ لَا
١٦ / ١٨٦
تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى﴾ [طه: ١١٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ، مُخْبِرًا عَنْ قِيلِهِ لِآدَمَ حِينَ أَسْكَنَهُ الْجَنَّةَ: ﴿إِنَّ لَكَ﴾ [طه: ١١٨] يَا آدَمُ ﴿أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى﴾ [طه: ١١٨] . وَ«أَنَّ» فِي قَوْلِهِ ﴿أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا﴾ [طه: ١١٨] فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِإِنَّ الَّتِي فِي قَوْلِهِ: ﴿إِنَّ لَكَ﴾ [طه: ١١٨] . وَقَوْلُهُ: ﴿وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا﴾ [طه: ١١٩] اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَتِهَا، فَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَالْكُوفَةِ بِالْكَسْرِ: (وَإِنَّكَ) عَلَى الْعَطْفِ عَلَى قَوْلِهِ: ﴿إِنَّ لَكَ﴾ [طه: ١١٨] . وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَعَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ: وَأَنَّكَ، بِفَتْحِ أَلِفِهَا عَطْفًا بِهَا عَلَى «أَنَّ» الَّتِي فِي قَوْلِهِ: ﴿أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا﴾ [طه: ١١٨] . وَوَجَّهُوا تَأْوِيلَ ذَلِكَ إِلَى أَنَّ لَكَ هَذَا وَهَذَا، فَهَذِهِ الْقِرَاءَةُ أَعْجَبُ الْقِرَاءَتَيْنِ إِلَيَّ، لِأَنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى ذِكْرُهُ وَعَدَ ذَلِكَ آدَمَ حِينَ أَسْكَنَهُ الْجَنَّةَ، فَكَوْنُ ذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ عَطْفًا عَلَى أَنْ لَا تَجُوعَ أَوْلَى مِنْ أَنْ يَكُونَ خَبَرَ مُبْتَدَإٍ، وَإِنْ كَانَ الْآخَرُ غَيْرَ بَعِيدٍ مِنَ الصَّوَابِ. وَعَنَى بِقَوْلِهِ: ﴿لَا تَظْمَأُ فِيهَا﴾ [طه: ١١٩] لَا تَعْطَشُ فِي الْجَنَّةِ مَا دُمْتَ فِيهَا ﴿وَلَا تَضْحَى﴾ [طه: ١١٩] يَقُولُ: لَا تَظْهَرُ لِلشَّمْسِ فَيُؤْذِيكَ حَرُّهَا، كَمَا قَالَ ابْنُ أَبِي رَبِيعَةَ:
[البحر الطويل]
رَأَتْ رَجُلًا أَمَّا إِذَا الشَّمْسُ عَارَضَتْ … فَيَضْحَى وَأَمَّا بِالْعَشِيِّ فَيَخْصَرُ
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٦ / ١٨٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى﴾ [طه: ١١٩] يَقُولُ: لَا يُصِيبُكُ فِيهَا عَطَشُ وَلَا حَرٌّ
١٦ / ١٨٨
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى﴾ [طه: ١١٩] يَقُولُ: لَا يُصِيبُكُ حَرٌّ وَلَا أَذًى
١٦ / ١٨٨
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ حَكِيمِ الْأَوْدِيُّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ شَرِيكٍ، قَالَ ثني أَبِي، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، ﴿لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى﴾ [طه: ١١٩] قَالَ: لَا تُصِيبُكَ الشَّمْسُ
١٦ / ١٨٨
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿وَلَا تَضْحَى﴾ [طه: ١١٩] قَالَ: لَا تُصِيبُكَ الشَّمْسُ
١٦ / ١٨٨
وَقَوْلُهُ: ﴿فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ﴾ [طه: ١٢٠] يَقُولُ: فَأَلْقَى إِلَى آدَمَ الشَّيْطَانُ وَحَدَّثَهُ فَـ ﴿قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ﴾ [طه: ١٢٠] يَقُولُ: قَالَ لَهُ: هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةٍ إِنْ أَكَلْتَ مِنْهَا خُلِّدْتَ فَلَمْ تَمُتْ، وَمُلِّكْتَ مُلْكًا لَا يَنْقَضِي فَيَبْلَى
١٦ / ١٨٨
كَمَا: حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، ﴿قَالَ ⦗١٨٩⦘ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى﴾ [طه: ١٢٠] إِنْ أَكَلْتَ مِنْهَا كُنْتَ مَلِكًا مِثْلَ اللَّهِ ﴿أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ﴾ [الأعراف: ٢٠] فَلَا تَمُوتَانِ أَبَدًا
١٦ / ١٨٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى﴾ [طه: ١٢٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَأَكَلَ آدَمُ وَحَوَّاءُ مِنَ الشَّجَرَةِ الَّتِي نُهِيَا عَنِ الْأَكْلِ مِنْهَا، وَأَطَاعَا أَمْرَ إِبْلِيسَ، وَخَالَفَا أَمْرَ رَبِّهِمَا ﴿فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا﴾ [طه: ١٢١] يَقُولُ: فَانْكَشَفَتْ لَهُمَا عَوْرَاتُهُمَا، وَكَانَتْ مَسْتُورَةً عَنْ أَعْيُنِهِمَا
١٦ / ١٨٩
كَمَا: حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: إِنَّمَا أَرَادَ، يَعْنِي إِبْلِيسُ بِقَوْلِهِ: ﴿هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى﴾ [طه: ١٢٠] لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا تَوَارَى عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهُمَا، بِهَتْكِ لِبَاسِهِمَا، وَكَانَ قَدْ عَلِمَ أَنَّ لَهُمَا سَوْأَةً لِمَا كَانَ يَقْرَأُ مِنْ كُتُبِ الْمَلَائِكَةِ، وَلَمْ يَكُنْ آدَمُ يَعْلَمُ ذَلِكَ، وَكَانَ لِبَاسُهُمَا الظُّفُرُ، فَأَبَى آدَمُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا، فَتَقَدَّمَتْ حَوَّاءُ، فَأَكَلَتْ ثُمَّ قَالَتْ: يَا آدَمُ كُلْ، فَإِنِّي قَدْ أَكَلْتُ، فَلَمْ يَضُرَّنِي، فَلَمَّا أَكَلَ آدَمُ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا
١٦ / ١٨٩
وَقَوْلُهُ: ﴿وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ﴾ [الأعراف: ٢٢] يَقُولُ: أَقْبَلَا يَشُدَّانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ
١٦ / ١٨٩
كَمَا: حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، ﴿وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ﴾ [الأعراف: ٢٢] يَقُولُ: أَقْبَلَا يُغَطِّيَانِ عَلَيْهِمَا بِوَرَقِ التِّينِ
١٦ / ١٩٠
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ﴾ [الأعراف: ٢٢] يَقُولُ: يُوصِلَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرِقِ الْجَنَّةِ
١٦ / ١٩٠
وَقَوْلُهُ: ﴿وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى﴾ [طه: ١٢١] يَقُولُ: وَخَالَفَ أَمْرَ رَبِّهِ، فَتَعَدَّى إِلَى مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَتَعَدَّى إِلَيْهِ، مِنَ الْأَكْلِ مِنَ الشَّجَرَةِ الَّتِي نَهَاهُ عَنِ الْأَكْلِ مِنْهَا
١٦ / ١٩٠
وَقَوْلُهُ: ﴿ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى﴾ [طه: ١٢٢] يَقُولُ: اصْطَفَاهُ رَبُّهُ مِنْ بَعْدِ مَعْصِيَتِهِ إِيَّاهُ فَرَزَقَهُ الرُّجُوعَ إِلَى مَا يَرْضَى عَنْهُ، وَالْعَمَلَ بِطَاعَتِهِ، وَذَلِكَ هُوَ كَانَتْ تَوْبَتُهُ الَّتِي تَابَهَا عَلَيْهِ
١٦ / ١٩٠
وَقَوْلُهُ: ﴿وَهَدَى﴾ [البقرة: ٩٧] يَقُولُ: وَهَدَاهُ لِلتَّوْبَةِ، فَوَفَّقَهُ لَهَا
١٦ / ١٩٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى﴾ [طه: ١٢٣] . يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِآدَمَ وَحَوَّاءَ: ﴿اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا﴾ [طه: ١٢٣] إِلَى الْأَرْضِ ﴿بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ﴾ [البقرة: ٣٦] يَقُولُ: أَنْتُمَا عَدُوُّ إِبْلِيسَ وَذُرِّيَّتُهُ، وَإِبْلِيسُ عَدُوُّكُمَا وَعَدُوُّ ذُرِّيَتِكُمَا
١٦ / ١٩٠
وَقَوْلُهُ: ﴿فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى﴾ [البقرة: ٣٨] يَقُولُ: فَإِنْ يَأْتِكُمْ يَا آدَمُ وَحَوَّاءُ ⦗١٩١⦘ وَإِبْلِيسُ مِنِّي هُدًى: يَقُولُ: بَيَانٌ لِسَبِيلِي، وَمَا اخْتَارَهُ لِخَلْقِي مِنْ دِينٍ ﴿فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ﴾ [طه: ١٢٣] يَقُولُ: فَمَنِ اتَّبَعَ بَيَانِي ذَلِكَ وَعَمِلَ بِهِ، وَلَمْ يَزَغْ مِنْهُ ﴿فَلَا يَضِلُّ﴾ [طه: ١٢٣] يَقُولُ: فَلَا يَزُولُ عَنْ مَحَجَّةِ الْحَقِّ، وَلَكِنَّهُ يَرْشُدُ فِي الدُّنْيَا وَيَهْتَدِي ﴿وَلَا يَشْقَى﴾ [طه: ١٢٣] فِي الْآخِرَةِ بِعِقَابِ اللَّهِ، لِأَنَّ اللَّهَ يُدْخِلُهُ الْجَنَّةَ، وَيُنَجِّيهِ مِنْ عَذَابِهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٦ / ١٩٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ يَزِيدَ الطَّحَّانُ، قَالَ: ثنا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ الْمُلَائِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: تَضَمَّنَ اللَّهُ لِمَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ، وَاتَّبَعَ مَا فِيهِ أَنْ لَا يَضِلَّ فِي الدُّنْيَا وَلَا يَشْقَى فِي الْآخِرَةِ، ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى﴾ [طه: ١٢٣] حَدَّثَنِي نَصْرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَوْدِيُّ، قَالَ: ثنا حَكَّامٌ الرَّازِيُّ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى، عَنْ مَرْوَانَ، ثنا الْمُلَائِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ ضَمِنَ. فَذَكَرَ نَحْوَهُ حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ يَسَارٍ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ، عَنْ رَجُلٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، بِنَحْوِهِ
١٦ / ١٩١
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ الرَّمْلِيُّ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ النَّسَائِيُّ، عَنْ أَبِي ⦗١٩٢⦘ سَلَمَةَ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ وَاتَّبَعَ مَا فِيهِ عَصَمَهُ اللَّهُ مِنَ الضَّلَالَةِ، وَوَقَاهُ، أَظُنُّهُ أَنَّهُ قَالَ: مِنْ هَوْلِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ: ﴿فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى﴾ [طه: ١٢٣] فِي الْآخِرَةِ
١٦ / ١٩١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى﴾ [طه: ١٢٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذَكَرِي﴾ [طه: ١٢٤] الَّذِي أُذَكِّرُهُ بِهِ فَتَوَلَّى عَنْهُ وَلَمْ يَقْبَلْهُ وَلَمْ يَسْتَجِبْ لَهُ، وَلَمْ يَتَّعِظْ بِهِ فَيَنْزَجِرُ عَمَّا هُوَ عَلَيْهِ مُقِيمٌ مِنْ خِلَافِهِ أَمْرَ رَبِّهِ ﴿فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا﴾ [طه: ١٢٤] يَقُولُ: فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَيِّقَةً. وَالضَّنْكُ مِنَ الْمَنَازِلِ وَالْأَمَاكِنِ وَالْمَعَايِشِ: الشَّدِيدُ، يُقَالُ: هَذَا مَنْزِلٌ ضَنْكٌ: إِذَا كَانَ ضَيِّقًا، وَعَيْشٌ ضَنْكٌ: الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى وَالْوَاحِدُ وَالِاثْنَانِ وَالْجَمْعُ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ، وَمِنْهُ قَوْلُ عَنْتَرَةَ:
[البحر الكامل]
وَإِنْ نَزَلُوا بِضَنْكٍ أَنْزِلِ
⦗١٩٣⦘ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٦ / ١٩٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا﴾ [طه: ١٢٤] يَقُولُ: الشَّقَاءُ
١٦ / ١٩٣
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿ضَنْكًا﴾ [طه: ١٢٤] قَالَ: ضَيِّقَةً
١٦ / ١٩٣
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا﴾ [طه: ١٢٤] قَالَ: الضَّنْكُ: الضِّيقُ
١٦ / ١٩٣
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا﴾ [طه: ١٢٤] يَقُولُ: ضَيِّقَةً حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي جَعَلَ اللَّهُ لِهَؤُلَاءِ الْمُعْرِضِينَ عَنْ ذِكْرِهِ الْعِيشَةَ الضَّنْكَ، وَالْحَالِ الَّتِي جَعَلَهُمْ فِيهَا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: جَعَلَ ذَلِكَ لَهُمْ فِي ⦗١٩٤⦘ الْآخِرَةِ فِي جَهَنَّمَ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ جُعِلَ طَعَامُهُمْ فِيهَا الضَّرِيعُ وَالزَّقُّومُ
١٦ / ١٩٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَلِيِّ بْنِ مُقَدَّمٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عَوْفٍ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا﴾ [طه: ١٢٤] قَالَ: فِي جَهَنَّمَ
١٦ / ١٩٤
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا﴾ [طه: ١٢٤] فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ: ﴿وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ﴾ [طه: ١٢٧] قَالَ: هَؤُلَاءِ أَهْلُ الْكُفْرِ. قَالَ: وَمَعِيشَةً ضَنْكًا فِي النَّارِ شَوْكٌ مِنْ نَارٍ وَزَقُّومٍ وَغِسْلِينَ، وَالضَّرِيعُ: شَوْكٌ مِنْ نَارٍ، وَلَيْسَ فِي الْقَبْرِ وَلَا فِي الدُّنْيَا مَعِيشَةٌ، مَا الْمَعِيشَةُ وَالْحَيَاةُ إِلَّا فِي الْآخِرَةِ، وَقَرَأَ قَوْلَ اللَّهِ عز وجل: ﴿يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي﴾ [الفجر: ٢٤] قَالَ: لِمَعِيشَتِي، قَالَ: وَالْغِسْلِينُ وَالزَّقُّومُ: شَيْءٌ لَا يَعْرِفُهُ أَهْلُ الدُّنْيَا
١٦ / ١٩٤
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا﴾ [طه: ١٢٤] قَالَ: فِي النَّارِ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عَنَى بِذَلِكَ: فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً فِي الدُّنْيَا حَرَامًا. قَالَ: وَوَصَفَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ مَعِيشَتَهُمْ بِالضَّنْكِ، لِأَنَّ الْحَرَامَ وَإِنِ اتَّسَعَ فَهُوَ ضَنْكٌ
١٦ / ١٩٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ بْنُ ⦗١٩٥⦘ وَاقِدٍ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿مَعِيشَةً ضَنْكًا﴾ [طه: ١٢٤] قَالَ: هِيَ الْمَعِيشَةُ الَّتِي أَوْسَعَ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنَ الْحَرَامِ
١٦ / ١٩٤
حَدَّثَنِي دَاودُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ يَزِيدَ الْمُكْتِبُ، مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ جَرِيرٍ الْبَجَلِيُّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿مَعِيشَةً ضَنْكًا﴾ [طه: ١٢٤] قَالَ: رِزْقًا فِي مَعْصِيَتِهِ
١٦ / ١٩٥
حَدَّثَنِي عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ وَاصِلٍ، قَالَ: ثنا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَ: ثنا أَبُو بِسْطَامٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، ﴿فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا﴾ [طه: ١٢٤] قَالَ: الْكَسْبُ الْخَبِيثُ
١٦ / ١٩٥
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الصَّرَّارِيُّ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَوَّارٍ، قَالَ: ثنا أَبُو الْيَقْظَانِ عَمَّارُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ هَارُونَ بْنِ مُحَمَّدٍ التَّيْمِيُّ، عَنِ الضَّحَّاكِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا﴾ [طه: ١٢٤] قَالَ: الْعَمَلُ الْخَبِيثُ، وَالرِّزْقُ السَّيِّئُ وَقَالَ آخَرُونَ مِمَّنْ قَالَ عَنَى أَنَّ لِهَؤُلَاءِ الْقَوْمِ الْمَعِيشَةَ الضَّنْكَ فِي الدُّنْيَا، إِنَّمَا قِيلَ لَهَا ضَنْكٌ وَإِنْ كَانَتْ وَاسِعَةً، لِأَنَّهُمْ يُنْفِقُونَ مَا يُنْفِقُونَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ عَلَى تَكْذِيبٍ مِنْهُمْ بِالْخُلْفِ مِنَ اللَّهِ، وَإِيَاسَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ، وَسُوءِ ظَنٍّ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ، فَتَشْتَدُّ لِذَلِكَ عَلَيْهِمْ مَعِيشَتُهُمْ وَتَضِيقُ
١٦ / ١٩٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ ثني أَبِي، عَنْ ⦗١٩٦⦘ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي، فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا﴾ [طه: ١٢٤] يَقُولُ: كُلُّ مَالٍ أَعْطَيْتُهُ عَبْدًا مِنْ عِبَادِي قَلَّ أَوْ كَثُرَ، لَا يَتَّقِينِي فِيهِ، لَا خَيْرَ فِيهِ، وَهُوَ الضَّنْكُ فِي الْمَعِيشَةِ. وَيُقَالُ: إِنَّ قَوْمًا ضُلَّالًا أَعْرَضُوا عَنِ الْحَقِّ وَكَانُوا أُولِي سَعَةٍ مِنَ الدُّنْيَا مُكْثِرِينَ، فَكَانَتْ مَعِيشَتَهُمْ ضَنْكًا، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ اللَّهَ عز وجل لَيْسَ بِمُخْلِفٍ لَهُمْ مَعَايشَهُمْ مِنْ سُوءِ ظَنِّهِمْ بِاللَّهِ، وَالتَّكْذِيبِ بِهِ، فَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ يَكْذِبُ بِاللَّهِ، وَيُسِيءُ الظَّنَّ بِهِ، اشْتَدَّتْ عَلَيْهِ مَعِيشَتَهُ، فَذَلِكَ الضَّنْكُ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عَنَى بِذَلِكَ: أَنَّ ذَلِكَ لَهُمْ فِي الْبَرْزَخِ، وَهُوَ عَذَابُ الْقَبْرِ
١٦ / ١٩٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ مَخْلَدٍ الْوَاسِطِيُّ، قَالَ: ثنا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿مَعِيشَةً ضَنْكًا﴾ [طه: ١٢٤] قَالَ: عَذَابُ الْقَبْرِ
١٦ / ١٩٦
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَزِيعٍ، قَالَ: ثنا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: إِنَّ الْمَعِيشَةَ الضَّنْكَ الَّتِي قَالَ اللَّهُ: عَذَابُ الْقَبْرِ
١٦ / ١٩٦
حَدَّثَنِي حَوْثَرَةُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمِنْقَرِيُّ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي ⦗١٩٧⦘ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ﴿فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا﴾ [طه: ١٢٤] قَالَ: يُضَيَّقُ عَلَيْهِ قَبْرُهُ حَتَّى تَخْتَلِفَ أَضْلَاعُهُ
١٦ / ١٩٦
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، قَالَ: ثنا أَبِي وَشُعَيْبُ بْنُ اللَّيْثِ، عَنِ اللَّيْثِ، قَالَ: ثنا خَالِدُ بْنُ زَيْدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي هِلَالٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: الْمَعِيشَةُ الضَّنْكُ: عَذَابُ الْقَبْرِ، إِنَّهُ يُسَلَّطُ عَلَى الْكَافِرِ فِي قَبْرِهِ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ تِنِّينًا تَنْهَشُهُ وَتَخْدِشُ لَحْمَهُ حَتَّى يُبْعَثَ. وَكَانَ يُقَالُ: لَوْ أَنَّ تِنِّينًا مِنْهَا نَفَخَ الْأَرْضَ لَمْ تُنْبِتْ زَرْعًا
١٦ / ١٩٧
حَدَّثَنَا مُجَاهِدُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: يُطْبَقُ عَلَى الْكَافِرِ قَبْرُهُ حَتَّى تَخْتَلِفَ فِيهِ أَضْلَاعُهُ، وَهِيَ الْمَعِيشَةُ الضَّنْكُ الَّتِي قَالَ اللَّهُ: ﴿مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾ [طه: ١٢٤]
١٦ / ١٩٧
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا جَابِرُ بْنُ نُوحٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، وَالسُّدِّيُّ، فِي قَوْلِهِ: ﴿مَعِيشَةً ضَنْكًا﴾ [طه: ١٢٤] قَالَ: عَذَابُ الْقَبْرِ
١٦ / ١٩٧
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْأَحْمَسِيُّ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا﴾ [طه: ١٢٤] قَالَ: عَذَابُ الْقَبْرِ
١٦ / ١٩٨
حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْأَسْوَدِ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَبِيعَةَ، قَالَ: ثنا أَبُو عُمَيْسٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُخَارِقٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿مَعِيشَةً ضَنْكًا﴾ [طه: ١٢٤] قَالَ: عَذَابُ الْقَبْرِ
١٦ / ١٩٨
حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحِيمِ الْبَرْقِيُّ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ وَابْنُ أَبِي حَازِمٍ، قَالَا: ثنا أَبُو حَازِمٍ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ﴿مَعِيشَةً ضَنْكًا﴾ [طه: ١٢٤] قَالَ: عَذَابُ الْقَبْرِ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: هُوَ عَذَابُ الْقَبْرِ
١٦ / ١٩٨
الَّذِي: حَدَّثَنَا بِهِ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَهْبٍ، قَالَ: ثنا عَمِّي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ دَرَّاجٍ، عَنِ ابْنِ حُجَيْرَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «أَتَدْرُونَ فِيمَ أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾ [طه: ١٢٤]؟ أَتَدْرُونَ مَا الْمَعِيشَةُ الضَّنْكُ؟» قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: عَذَابُ الْكَافِرِ فِي قَبْرِهِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهُ لَيُسَلَّطُ عَلَيْهِ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ ⦗١٩٩⦘ تِنِّينًا، أَتَدْرُونَ مَا التِّنِّينُ؟ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ حَيَّةً، لِكُلِّ حَيَّةٍ سَبْعَةُ رُءُوسٍ، يَنْفُخُونَ فِي جِسْمِهِ وَيَلْسَعُونَهُ وَيَخْدِشُونَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَإِنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى أَتْبَعَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ﴿وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى﴾ [طه: ١٢٧] فَكَانَ مَعْلُومًا بِذَلِكَ أَنَّ الْمَعِيشَةَ الضَّنْكَ الَّتِي جَعَلَهَا اللَّهُ لَهُمْ قَبْلَ عَذَابِ الْآخِرَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ فِي الْآخِرَةِ لَمْ يَكُنْ لِقَوْلِهِ ﴿وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى﴾ [طه: ١٢٧] مَعْنًى مَفْهُومٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إِنْ لَمْ يَكُنْ تَقَّدَمَهُ عَذَابٌ لَهُمْ قَبْلَ الْآخِرَةِ، حَتَّى يَكُونَ الَّذِي فِي الْآخِرَةِ أَشَدَّ مِنْهُ، بَطَلَ مَعْنَى قَوْلِهِ ﴿وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى﴾ [طه: ١٢٧] . فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَلَا تَخْلُوَ تِلْكَ الْمَعِيشَةُ الضَّنْكُ الَّتِي جَعَلَهَا اللَّهُ لَهُمْ مِنْ أَنْ تَكُونَ لَهُمْ فِي حَيَاتِهِمُ الدُّنْيَا، أَوْ فِي قُبُورِهِمْ قَبْلَ الْبَعْثِ، إِذْ كَانَ لَا وَجْهَ لِأَنْ تَكُونَ فِي الْآخِرَةِ لِمَا قَدْ بَيَّنَّا، فَإِنْ كَانَتْ لَهُمْ فِي حَيَاتِهِمُ الدُّنْيَا، فَقَدْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ مَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ مِنَ الْكُفَّارِ، فَإِنَّ مَعِيشَتَهُ فِيهَا ضَنْكٌ، وَفِي وُجُودِنَا كَثِيرًا مِنْهُمْ أَوْسَعَ مَعِيشَةً مِنْ كَثِيرٍ مِنَ الْمُقْبِلِينَ عَلَى ذِكْرِ اللَّهِ تبارك وتعالى، الْقَانِتِينَ لَهُ الْمُؤْمِنِينَ، فِي ذَلِكَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِذْ خَلَا الْقَوْلُ فِي ذَلِكَ مِنْ هَذَيْنِ ⦗٢٠٠⦘ الْوَجْهَيْنِ صَحَّ الْوَجْهُ الثَّالِثُ، وَهُوَ أَنَّ ذَلِكَ فِي الْبَرْزَخِ
١٦ / ١٩٨
وَقَوْلُهُ: ﴿وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾ [طه: ١٢٤] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي صِفَةِ الْعَمَى الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، أَنَّهُ يَبْعَثُ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: ذَلِكَ عَمًى عَنِ الْحُجَّةِ، لَا عَمًى عَنِ الْبَصَرِ
١٦ / ٢٠٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْأَحْمَسِيُّ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾ [طه: ١٢٤] قَالَ: لَيْسَ لَهُ حُجَّةٌ
١٦ / ٢٠٠
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾ [طه: ١٢٤] قَالَ: عَنِ الْحُجَّةِ
١٦ / ٢٠٠
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ، وَقِيلَ: يُحْشَرُ أَعْمَى الْبَصَرِ ⦗٢٠١⦘ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ مَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ، وَهُوَ أَنَّهُ يُحْشَرُ أَعْمَى عَنِ الْحُجَّةِ وَرُؤْيَةِ الشَّيْءِ كَمَا أَخْبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ، فَعَمَّ وَلَمْ يُخَصِّصْ
١٦ / ٢٠٠