سُورَةُ طه 1

مَكِّيَّةٌ وَآيَاتُهَا خَمْسٌ وَثَلَاثُونَ وَمِائَةٌ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
١٦ ‏/ ٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿طه مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى﴾ [طه: ٢] . قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ: اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: ﴿طه﴾ [طه: ١] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ يَا رَجُلُ
١٦ ‏/ ٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا أَبُو تُمَيْلَةَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ وَاقِدٍ، عَنْ يَزِيدَ النَّحْوِيُّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: طه: بِالنَّبَطِيَّةِ: يَا رَجُلُ
١٦ ‏/ ٥
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿طه مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى﴾ [طه: ٢] فَإِنَّ قَوْمَهُ قَالُوا: لَقَدْ شَقِيَ هَذَا الرَّجُلُ بِرَبِّهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ ﴿طه﴾ [طه: ١] يَعْنِي: يَا رَجُلُ ﴿مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى﴾ [طه: ٢]
١٦ ‏/ ٥
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُسْلِمٍ، أَوْ يَعْلَى بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، أَنَّهُ قَالَ: طه: يَا رَجُلُ بِالسُّرْيَانِيَّةِ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَأَخْبَرَنِي زَمْعَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ وَهْرَامَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، بِذَلِكَ أَيْضًا. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ، ذَلِكَ أَيْضًا
١٦ ‏/ ٦
حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مُوسَى الْقَزَّازُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: ثنا عُمَارَةُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿طه﴾ [طه: ١] قَالَ: يَا رَجُلُ، كَلَّمَهُ بِالنَّبَطِيَّةِ
١٦ ‏/ ٦
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، فِي قَوْلِهِ ﴿طه﴾ [طه: ١] قَالَ: بِالنَّبَطِيَّةِ: يَا إِنْسَانُ
١٦ ‏/ ٦
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ قُرَّةَ بْنِ خَالِدٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، فِي قَوْلِهِ ﴿طه﴾ [طه: ١] قَالَ: يَا رَجُلُ بِالنَّبَطِيَّةِ
١٦ ‏/ ٦
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ فِي قَوْلِهِ ﴿طه﴾ [طه: ١] قَالَ: يَا رَجُلُ
١٦ ‏/ ٦
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ ﴿طه﴾ [طه: ١] قَالَ: يَا رَجُلُ، وَهِيَ بِالسُّرْيَانِيَّةِ
١٦ ‏/ ٧
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، وَالْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿طه﴾ [طه: ١] قَالَا: يَا رَجُلُ
١٦ ‏/ ٧
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، يَعْنِي ابْنَ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ ﴿طه﴾ [طه: ١] قَالَ: يَا رَجُلُ وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ، وَقَسَمٌ أَقْسَمَ اللَّهُ بِهِ
١٦ ‏/ ٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿طه﴾ [طه: ١] قَالَ: فَإِنَّهُ قَسَمٌ أَقْسَمَ اللَّهُ بِهِ، وَهُوَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ حُرُوفُ هِجَاءٍ. وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ حُرُوفٌ مُقَطَّعَةٌ يَدُلُّ كُلُّ حَرْفٍ مِنْهَا عَلَى مَعْنًى، وَاخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ اخْتِلَافَهُمْ فِي الم، وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ فِي مَوَاضِعِهِ، وَبَيَّنَا ذَلِكَ بِشَوَاهِدِهِ. ⦗٨⦘ وَالَّذِي هُوَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ عِنْدِي مِنَ الْأَقْوَالِ فِيهِ: قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَاهُ: يَا رَجُلُ، لِأَنَّهَا كَلِمَةٌ مَعْرُوفَةٌ فِي عَكٍّ فِيمَا بَلَغَنِي، وَأَنَّ مَعْنَاهَا فِيهِمْ: يَا رَجُلُ، أَنْشَدَتْ لِمُتَمِّمِ بْنِ نُوَيْرَةَ:
[البحر الطويل] هَتَفْتُ بِطَهَ فِي الْقِتَالِ فَلَمْ يُجِبْ … فَخِفْتُ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ مُوَائِلَا
وَقَالَ آخَرُ:
[البحر البسيط] إِنَّ السَّفَاهَةَ طَهَ مِنْ خَلَائِقِكُمْ … لَا بَارَكَ اللَّهُ فِي الْقَوْمِ الْمَلَاعِينِ
فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مَعْرُوفًا فِيهِمْ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، فَالْوَاجِبُ أَنْ يُوَجَّهَ تَأْوِيلُهُ إِلَى الْمَعْرُوفِ فِيهِمْ مِنْ مَعْنَاهُ، وَلَا سِيَّمَا إِذَا وَافَقَ ذَلِكَ تَأْوِيلَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ. فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ إِذَنْ: يَا رَجُلُ مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى، مَا أَنْزَلْنَاهُ عَلَيْكَ فَنُكَلِّفَكَ مَا لَا طَاقَةَ لَكَ بِهِ مِنَ الْعَمَلِ. وَذُكِرَ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ ذَلِكَ بِسَبَبِ مَا كَانَ يَلْقَى مِنَ النَّصَبِ وَالْعَنَاءِ وَالسَّهَرِ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ
١٦ ‏/ ٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ ⦗٩⦘ مُجَاهِدٍ، ﴿مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى﴾ [طه: ٢] قَالَ: هِيَ مِثْلُ قَوْلِهِ: ﴿فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ﴾ فَكَانُوا يُعَلِّقُونَ الْحِبَالَ فِي صُدُورِهِمْ فِي الصَّلَاةِ
١٦ ‏/ ٨
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ﴿مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى﴾ [طه: ٢] قَالَ: فِي الصَّلَاةِ كَقَوْلِهِ: ﴿فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ﴾ فَكَانُوا يُعَلِّقُونَ الْحِبَالَ بِصُدُورِهِمْ فِي الصَّلَاةِ
١٦ ‏/ ٩
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى﴾ [طه: ٢] لَا وَاللَّهِ مَا جَعَلَهُ اللَّهُ شَقِيًّا، وَلَكِنْ جَعَلَهُ رَحْمَةً وَنُورًا، وَدَلِيلًا إِلَى الْجَنَّةِ
١٦ ‏/ ٩
وَقَوْلُهُ: ﴿إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى﴾ [طه: ٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى عِقَابَ اللَّهِ، فَيَتَّقِيهِ بِأَدَاءِ فَرَائِضِ رَبِّهِ وَاجْتِنَابِ مَحَارِمِهِ
١٦ ‏/ ٩
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى﴾ [طه: ٣] وَإِنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ كُتَبَهُ، وَبَعَثَ رُسُلَهُ رَحْمَةً رَحِمَ اللَّهُ بِهَا الْعِبَادَ، لِيَتَذَكَّرَ ذَاكِرٌ، وَيَنْتَفِعَ رَجُلٌ بِمَا سَمِعَ مِنَ كِتَابِ اللَّهِ، وَهُوَ ذِكْرٌ لَهُ أَنْزَلَ اللَّهُ ⦗١٠⦘ فِيهِ حَلَالَهُ وَحَرَامَهُ، فَقَالَ: ﴿تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَوَاتِ الْعُلَى﴾
١٦ ‏/ ٩
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى﴾ [طه: ٣] قَالَ: الَّذِي أَنْزَلْنَاهُ عَلَيْكَ تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى فَمَعْنَى الْكَلَامِ إِذَنْ: يَا رَجُلُ مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ لِتَشْقَى بِهِ، مَا أَنْزَلْنَاهُ إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى. وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي وَجْهِ نَصْبِ تَذْكِرَةً، فَكَانَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ يَقُولُ: قَالَ: إِلَّا تَذْكِرَةً بَدَلًا مِنْ قَوْلِهِ لِتَشْقَى، فَجَعَلَهُ، مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ إِلَّا تَذْكِرَةً. وَكَانَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ يَقُولُ: نُصِبَتْ عَلَى قَوْلِهِ: مَا أَنْزَلْنَاهُ إِلَّا تَذْكِرَةً. وَكَانَ بَعْضُهُمْ يُنْكِرُ قَوْلَ الْقَائِلِ: نُصِبَتْ بَدَلًا مِنْ قَوْلِهِ ﴿لِتَشْقَى﴾ [طه: ٢] وَيَقُولُ: ذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ، لِأَنَّ ﴿لِتَشْقَى﴾ [طه: ٢] فِي الْجَحْدِ، وَ﴿إِلَّا تَذْكِرَةً﴾ [طه: ٣] فِي التَّحْقِيقِ، وَلَكِنَّهُ تَكْرِيرٌ. وَكَانَ بَعْضُهُمْ يَقُولُ: مَعْنَى الْكَلَامِ: مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى، لَا لِتَشْقَى
١٦ ‏/ ١٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَوَاتِ الْعُلَا الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ . ⦗١١⦘ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: هَذَا الْقُرْآنُ تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّبِّ الَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَوَاتِ الْعُلَا. وَالْعُلَى: جَمْعُ عُلْيَا. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي وَجْهِ نَصْبِ قَوْلِهِ: ﴿تَنْزِيلًا﴾ [الإسراء: ١٠٦] فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ: نُصِبَ ذَلِكَ بِمَعْنَى: نَزَلَ اللَّهُ ذَلِكَ تَنْزِيلًا. وَقَالَ بَعْضُ مَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ مِنْ قِيلِهِ هَذَا مِنْ كَلَامَيْنِ، وَلَكِنِ الْمَعْنَى: هُوَ تَنْزِيلٌ، ثُمَّ أُسْقِطَ هُوَ وَاتَّصَلَ بِالْكَلَامِ الَّذِي قَبْلَهُ، فَخَرَجَ مِنْهُ، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ لَفْظِهِ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالْقَوْلَانِ جَمِيعًا عِنْدِي غَيْرُ خَطَأٍ
١٦ ‏/ ١٠
وَقَوْلُهُ: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ [طه: ٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: الرَّحْمَنُ عَلَى عَرْشِهِ ارْتَفَعَ وَعَلَا وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الِاسْتِوَاءِ بِشَوَاهِدِهِ فِيمَا مَضَى وَذَكَرْنَا اخْتِلَافَ الْمُخْتَلِفِينَ فِيهِ فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ. وَلِلرَّفْعِ فِي الرَّحْمَنِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا بِمَعْنَى قَوْلِهِ: تَنْزِيلًا، فَيَكُونُ مَعْنَى الْكَلَامِ: نَزَّلَهُ مَنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ، نَزَّلَهُ الرَّحْمَنُ الَّذِي عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى. وَالْآخَرُ بِقَوْلِهِ: ﴿عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ [طه: ٥] لِأَنَّ فِي قَوْلِهِ اسْتَوَى، ذِكْرًا مِنَ الرَّحْمَنِ
١٦ ‏/ ١١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا، وَمَا تَحْتَ الثَّرَى، مُلْكًا لَهُ، وَهُوَ مُدَبِّرُ ذَلِكَ كُلِّهِ، وَمُصَرِّفُ جَمِيعِهِ. ⦗١٢⦘ وَيَعْنِي بِالثَّرَى: النَّدَى. يُقَالُ لِلتُّرَابِ الرَّطْبِ الْمُبْتَلِّ: ثَرًى مَنْقُوصٌ، يُقَالُ مِنْهُ: ثَرَيْتُ الْأَرْضَ تَثْرَى، ثَرًى مَنْقُوصٌ، وَالثَّرَى: مَصْدَرٌ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٦ ‏/ ١١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَمَا تَحْتَ الثَّرَى﴾ [طه: ٦] وَالثَّرَى: كُلُّ شَيْءٍ مُبْتَلٌّ
١٦ ‏/ ١٢
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَا تَحْتَ الثَّرَى﴾ [طه: ٦] مَا حُفِرَ مِنَ التُّرَابِ مُبْتَلًّا وَإِنَّمَا عَنَى بِذَلِكَ: وَمَا تَحْتَ الْأَرَضِينَ السَّبْعِ. كَالَّذِي:
١٦ ‏/ ١٢
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ السَّلِيمِيُّ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ صُدْرَانَ، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ رِفَاعَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ، ﴿وَمَا تَحْتَ الثَّرَى﴾ [طه: ٦] قَالَ: الثَّرَى: سَبْعُ أَرَضِينَ
١٦ ‏/ ١٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى﴾ [طه: ٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَإِنْ تَجْهَرْ يَا مُحَمَّدُ بِالْقَوْلِ، أَوْ تُخْفِ بِهِ، فَسَوَاءٌ عِنْدَ رَبِّكَ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ﴿فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ﴾ [طه: ٧] يَقُولُ: ⦗١٣⦘ فَإِنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مَا اسْتَسْرَرْتَهُ فِي نَفْسِكَ، فَلَمْ تُبْدِهِ بِجَوَارِحِكَ وَلَمْ تَتَكَلَّمْ بِلِسَانِكَ، وَلَمْ تَنْطِقْ بِهِ وَأَخْفَى. ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمَعْنِيِّ بِقَوْلِهِ ﴿وَأَخْفَى﴾ [طه: ٧] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: وَأَخْفَى مِنَ السِّرِّ، قَالَ: وَالَّذِي هُوَ أَخْفَى مِنَ السِّرِّ مَا حَدَّثَ بِهِ الْمَرْءُ نَفْسَهُ وَلَمْ يَعْمَلْهُ
١٦ ‏/ ١٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ﴿يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى﴾ [طه: ٧] قَالَ: السِّرُّ: مَا عَمِلْتَهُ أَنْتَ وَأَخْفَى: مَا قَذَفَ اللَّهُ فِي قَلْبِكَ مِمَّا لَمْ تَعْمَلْهُ
١٦ ‏/ ١٣
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ ﴿يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى﴾ [طه: ٧] يَعْنِي بِأَخْفَى: مَا لَمْ يَعْمَلْهُ، وَهُوَ عَامِلُهُ، وَأَمَّا السِّرُّ: فَيَعْنِي مَا أَسَرَّ فِي نَفْسِهِ
١٦ ‏/ ١٣
حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ ﴿يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى﴾ [طه: ٧] قَالَ: السِّرُّ: مَا أَسَرَّ ابْنُ آدَمَ فِي نَفْسِهِ. وَأَخْفَى: قَالَ: مَا أَخْفَى ابْنُ آدَمَ مِمَّا هُوَ فَاعِلُهُ قَبْلَ أَنْ يَعْمَلَهُ، فَاللَّهُ يَعْلَمُ ذَلِكَ، فَعِلْمُهُ فِيمَا مَضَى مِنْ ذَلِكَ، وَمَا بَقِيَ عِلْمٌ وَاحِدٌ، وَجَمِيعُ الْخَلَائِقِ عِنْدَهُ فِي ذَلِكَ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ، ⦗١٤⦘ وَهُوَ قَوْلُهُ: ﴿مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾ [لقمان: ٢٨]
١٦ ‏/ ١٣
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: السِّرُّ: مَا أَسَرَّ الْإِنْسَانُ فِي نَفْسِهِ، وَأَخْفَى: مَا لَا يَعْلَمِ الْإِنْسَانُ مِمَّا هُوَ كَائِنٌ
١٦ ‏/ ١٤
حَدَّثَنِي زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَا: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى﴾ [طه: ٧] قَالَ: أَخْفَى: الْوَسْوَسَةُ زَادَ ابْنُ عَمْرٍو وَالْحَارِثُ فِي حَدِيثَيْهِمَا: وَالسِّرُّ: الْعَمَلُ الَّذِي يُسِرُّونَ مِنَ النَّاسِ
١٦ ‏/ ١٤
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ﴿وَأَخْفَى﴾ [طه: ٧] قَالَ: الْوَسْوَسَةُ
١٦ ‏/ ١٤
حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، قَالَ: ثنا أَبُو الْأَحْوَصِ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، فِي قَوْلِهِ ﴿يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى﴾ [طه: ٧] قَالَ: أَخْفَى حَدِيثَ نَفْسِكَ
١٦ ‏/ ١٤
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ الْأَشْقَرُ، قَالَ: ثنا أَبُو كُدَيْنَةَ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ ﴿يَعْلَمُ ⦗١٥⦘ السِّرَّ وَأَخْفَى﴾ [طه: ٧] قَالَ: السِّرُّ: مَا يَكُونُ فِي نَفْسِكَ الْيَوْمَ. وَأَخْفَى: مَا يَكُونُ فِي غَدٍ وَبَعْدَ غَدٍ، لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَاهُ: وَأَخْفَى مِنَ السِّرِّ مَا لَمْ تُحَدِّثْ بِهِ نَفْسَكَ
١٦ ‏/ ١٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ الصَّبَّاحِ، قَالَ: ثنا ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى﴾ [طه: ٧] قَالَ: السِّرُّ: مَا أَسْرَرْتَ فِي نَفْسِكَ، وَأَخْفَى مِنْ ذَلِكَ: مَا لَمْ تُحَدِّثْ بِهِ نَفْسَكَ
١٦ ‏/ ١٥
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى﴾ [طه: ٧] كُنَّا نُحَدَّثُ أَنَّ السِّرَّ مَا حَدَّثْتَ بِهِ نَفْسَكَ، وَأَنَّ أَخْفَى مِنَ السِّرِّ: مَا هُوَ كَائِنٌ مِمَّا لَمْ تُحَدِّثْ بِهِ نَفْسَكَ
١٦ ‏/ ١٥
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: ثنا أَبُو هِلَالٍ، قَالَ: ثنا قَتَادَةُ فِي قَوْلِهِ ﴿يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى﴾ [طه: ٧] قَالَ: يَعْلَمُ مَا أَسْرَرْتَ فِي نَفْسِكَ، وَأَخْفَى: مَا لَمْ يَكُنْ وَهُوَ كَائِنٌ
١٦ ‏/ ١٥
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ ﴿يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى﴾ [طه: ٧] قَالَ: أَخْفَى مِنَ السِّرِّ: مَا حَدَّثْتَ بِهِ نَفْسَكَ، وَمَا لَمْ تُحَدِّثْ بِهِ نَفْسَكَ أَيْضًا مِمَّا هُوَ كَائِنٌ
١٦ ‏/ ١٥
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى﴾ [طه: ٧] أَمَا السِّرُّ: فَمَا أَسْرَرْتَ فِي نَفْسِكَ. وَأَمَّا أَخْفَى مِنَ السِّرِّ: فَمَا لَمْ تَعْمَلْهُ وَأَنْتَ عَامِلُهُ، يَعْلَمُ اللَّهُ ذَلِكَ كُلَّهُ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: أَنَّهُ يَعْلَمُ سِرَّ الْعِبَادِ، وَأَخْفَى سِرَّ نَفْسِهِ، فَلَمْ يُطْلِعْ عَلَيْهِ أَحَدًا
١٦ ‏/ ١٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ ﴿يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى﴾ [طه: ٧] قَالَ: يَعْلَمُ أَسْرَارَ الْعِبَادِ، وَأَخْفَى سَرَّهُ فَلَا يُعْلَمُ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَكَأَنَّ الَّذِينَ وَجَّهُوا ذَلِكَ إِلَى أَنَّ السِّرَّ هُوَ مَا حَدَّثَ بِهِ الْإِنْسَانُ غَيْرَهُ سِرًّا، وَأَنَّ أَخْفَى: مَعْنَاهُ: مَا حَدَّثَ بِهِ نَفْسَهُ، وَجَّهُوا تَأْوِيلَ أَخْفَى إِلَى الْخَفِيِّ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَدْ تُوضَعُ أَفْعَلَ مَوْضِعَ الْفَاعِلِ، وَاسْتَشْهَدُوا لِقِيلِهِمْ ذَلِكَ بِقَوْلِ الشَّاعِرِ:
[البحر الطويل] تَمَنَّى رِجَالٌ أَنْ أَمُوتَ وَإِنْ أَمَتُ … فَتِلْكَ طَرِيقٌ لَسْتُ فِيهَا بِأَوْحَدِ
وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ، قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَاهُ: يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى مِنَ
١٦ ‏/ ١٦
السِّرِّ، لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الظَّاهِرُ مِنَ الْكَلَامِ، وَلَوْ كَانَ مَعْنَى ذَلِكَ مَا تَأَوَّلَهُ ابْنُ زَيْدٍ، لَكَانَ الْكَلَامُ: وَأَخْفَى اللَّهُ سِرَّهُ، لِأَنَّ أَخْفَى: فَعْلٌ وَاقِعٌ مٌتَعَدٍّ، إِذْ كَانَ بِمَعْنَى فَعَلَ عَلَى مَا تَأَوَّلَهُ ابْنُ زَيْدٍ، وَفِي انْفِرَادِ أَخْفَى مِنْ مَفْعُولِهِ، وَالَّذِي يَعْمَلُ فِيهِ لَوْ كَانَ بِمَعْنَى فَعَلَ الدَّلِيلُ الْوَاضِحُ عَلَى أَنَّهُ بِمَعْنَى أَفْعَلَ، وَأَنَّ تَأْوِيلَ الْكَلَامِ: فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى مِنْهُ. فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ تَأْوِيلُهُ، فَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي مَعْنَى أَخْفَى مِنَ السِّرِّ أَنْ يُقَالَ: هُوَ مَا عِلْمُ اللَّهِ مِمَّا أَخْفَى عَنِ الْعِبَادِ، وَلَمْ يَعْلَمُوهُ مِمَّا هُوَ كَائِنٌ وَلَمَّا يَكُنْ، لِأَنَّ مَا ظَهَرَ وَكَانَ فَغَيْرُ سِرٍّ، وَأَنَّ مَا لَمْ يَكُنْ وَهُوَ غَيْرُ كَائِنٍ فَلَا شَيْءَ، وَأَنَّ مَا لَمْ يَكُنْ وَهُوَ كَائِنٌ فَهُوَ أَخْفَى مِنَ السِّرِّ، لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ، ثُمَّ مَنْ أَعْلَمَهُ ذَلِكَ مِنْ عِبَادِهِ
١٦ ‏/ ١٧
وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾ [البقرة: ٢٥٥] فَإِنَّهُ يَعْنِي بِهِ: الْمَعْبُودُ الَّذِي لَا تَصْلُحُ الْعِبَادَةُ إِلَّا لَهُ. يَقُولُ: فَإِيَّاهُ فَاعَبْدوا أَيُّهَا النَّاسُ دُونَ مَا سِوَاهُ مِنَ الْآلِهَةِ وَالْأَوْثَانِ ﴿لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى﴾ [طه: ٨] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: لِمَعْبُودُكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى، فَقَالَ: الْحُسْنَى، فَوَحَّدَ، وَهُوَ نَعْتٌ لِلْأَسْمَاءِ، وَلَمْ يَقُلِ الْأَحَاسِنُ، لِأَنَّ الْأَسْمَاءَ تَقَعُ عَلَيْهَا هَذِهِ، فَيُقَالُ: هَذِهِ أَسْمَاءٌ، وَهَذِهِ فِي لَفْظَةٌ وَاحِدَةٌ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْأَعْشَى:
[البحر البسيط] وَسَوْفَ يُعْقِبُنِيهِ إِنْ ظَفِرْتُ بِهِ … رَبٌّ غَفُورٌ وَبِيضٌ ذَاتُ أَطْهَارِ
فَوَحَّدَ ذَاتُ، وَهُوَ نَعْتٌ لِلْبِيضِ لِأَنَّهُ يَقَعُ عَلَيْهَا هَذِهِ، كَمَا
١٦ ‏/ ١٧
قَالَ: ﴿حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ﴾ [النمل: ٦٠] وَمِنْهُ قَوْلُهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿مَآرِبُ أُخْرَى﴾ [طه: ١٨] فَوَحَّدَ أُخْرَى، وَهِيَ نَعْتٌ لِمَآرِبَ، وَالْمَآرِبُ: جَمْعٌ، وَاحِدَتُهَا: مَأْرُبَةٌ، وَلَمْ يَقُلْ أُخَرُ، لِمَا وَصَفْنَا، وَلَوْ قِيلَ: أُخَرُ، لَكَانَ صَوَابًا
١٦ ‏/ ١٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى﴾ [طه: ١٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ مُسَلِّيهِ عَمَّا يَلْقَى مِنَ الشِّدَّةِ مِنْ مُشْرِكِي قَوْمِهِ، وَمَعْرِفَةَ مَا إِلَيْهِ صَائِرٌ أَمْرُهُ وَأَمْرُهُمْ، وَأَنَّهُ مُعْلِيهِ عَلَيْهِمْ، وَمُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ، وَيَحُثُّهُ عَلَى الْجِدِّ فِي أَمْرِهِ، وَالصَّبْرِ عَلَى عِبَادَتِهِ، وَأَنْ يَتَذَكَّرَ فِيمَا يَنُوبُهُ فِيهِ مِنْ أَعْدَائِهِ مِنْ مُشْرِكِي قَوْمِهِ وَغَيْرِهِمْ، وَفِيمَا يُزَاوِلُ مِنَ الِاجْتِهَادِ فِي طَاعَتِهِ مَا نَابَ أَخَاهُ مُوسَى صَلَوَاتُ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنْ عَدُوِّهِ، ثُمَّ مِنْ قَوْمِهِ، وَمَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَمَا لَقِيَ فِيهِ مِنَ الْبَلَاءِ وَالشِّدَّةِ طِفْلًا صَغِيرًا، ثُمَّ يَافِعًا مُتَرَعْرِعًا، ثُمَّ رَجُلًا كَامِلًا: ﴿وَهَلْ أَتَاكَ﴾ [طه: ٩] يَا مُحَمَّدُ ﴿حَدِيثُ مُوسَى﴾ [طه: ٩] ابْنِ عِمْرَانَ ﴿إِذْ رَأَى نَارًا﴾ [طه: ١٠]؟ ذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي الشِّتَاءِ لَيْلًا، وَأَنَّ مُوسَى كَانَ أَضَلَّ الطَّرِيقَ، فَلَمَّا رَأَى ضَوْءَ النَّارِ ﴿قَالَ لِأَهْلِهِ﴾ [القصص: ٢٩] مَا قَالَ
١٦ ‏/ ١٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ، وَعَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ، سَارَ بِأَهْلِهِ فَضَلَّ الطَّرِيقَ
١٦ ‏/ ١٩
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ فِي الشِّتَاءِ، وَرُفِعَتْ لَهُمْ نَارٌ، فَلَمَّا رَآهَا ظَنَّ أَنَّهَا نَارٌ، وَكَانَتْ مِنْ نُورِ اللَّهِ ﴿قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا﴾ [القصص: ٢٩]
١٦ ‏/ ١٩
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ الْيَمَانِيِّ، قَالَ: لَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ، خَرَجَ وَمَعَهُ غَنَمٌ لَهُ، وَمَعَهُ زَنْدٌ لَهُ، وَعَصَاهُ فِي يَدِهِ يَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِهِ نَهَارًا، فَإِذَا أَمْسَى اقْتَدَحَ بِزَنْدِهِ نَارًا، فَبَاتَ عَلَيْهَا هُوَ وَأَهْلُهُ وَغَنَمُهُ، فَإِذَا أَصْبَحَ غَدًا بِأَهْلِهِ وَبِغَنَمِهِ، فَتَوَكَّأَ عَلَى عَصَاهُ، فَلَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الَّتِي أَرَادَ اللَّهُ بِمُوسَى كَرَامَتَهُ، وَابْتِدَاءَهُ فِيهَا بِنُبُوَّتِهِ وَكَلَامِهِ، أَخْطَأَ فِيهِ الطَّرِيقَ حَتَّى لَا يَدْرِي أَيْنَ يَتَوَجَّهُ، فَأَخْرَجَ زَنْدَهُ لِيَقْتَدِحَ نَارًا لِأَهْلِهِ لِيَبِيتُوا عَلَيْهَا حَتَّى يُصْبِحَ، وَيَعْلَمَ وَجْهَ سَبِيلِهِ، فَأَصْلَدَ زَنْدَهُ فَلَا يُورِي لَهُ نَارًا، فَقَدَحَ حَتَّى أَعْيَاهُ لَاحَتِ النَّارُ فَرَآهَا، فَـ ﴿قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى﴾
١٦ ‏/ ١٩
وَعَنَى بِقَوْلِهِ: ﴿آنَسْتُ نَارًا﴾ [طه: ١٠] وَجَدْتُ، وَمِنْ أَمْثَالِ الْعَرَبِ: بَعْدَ اطِّلَاعٍ إِينَاسٌ، وَيُقَالُ أَيْضًا: بَعْدَ طُلُوعٍ إِينَاسٌ، وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنَ الْأُنْسِ
١٦ ‏/ ٢٠
وَقَوْلُهُ: ﴿لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ﴾ [طه: ١٠] يَقُولُ: لَعَلِّي أَجيئُكُمْ مِنَ النَّارِ الَّتِي آنَسْتُ بِشُعْلَةٍ. وَالْقَبَسُ: هُوَ النَّارُ فِي طَرَفِ الْعُودِ أَوِ الْقَصَبَةِ. يَقُولُ الْقَائِلُ لِصَاحِبِهِ: أَقْبَسَنِي نَارًا، فَيُعْطِيهِ إِيَّاهَا فِي طَرَفِ عُودٍ أَوْ قَصَبَةٍ. وَإِنَّمَا أَرَادَ مُوسَى بِقَوْلِهِ لِأَهْلِهِ: ﴿لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ﴾ [طه: ١٠] لَعَلِّي آتِيكُمْ بِذَلِكَ لِتَصْطَلُوا بِهِ
١٦ ‏/ ٢٠
كَمَا: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، ﴿لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ﴾ [طه: ١٠] قَالَ: بِقَبَسٍ تَصْطَلُونَ
١٦ ‏/ ٢٠
وَقَوْلُهُ: ﴿أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى﴾ [طه: ١٠] دَلَالَةٌ تَدُلُّ عَلَى الطَّرِيقِ الَّذِي أَضْلَلْنَاهُ، إِمَّا مِنْ خَبَرٍ هَادٍ يَهْدِينَا إِلَيْهِ، وَإِمَّا مِنْ بَيَانٍ وَعِلْمٍ نَتَبَيَّنُهُ بِهِ وَنَعْرِفُهُ. ⦗٢١⦘ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٦ ‏/ ٢٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى﴾ [طه: ١٠] يَقُولُ: مَنْ يَدُلُّ عَلَى الطَّرِيقِ
١٦ ‏/ ٢١
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى﴾ [طه: ١٠] قَالَ: هَادِيًا يَهْدِيهِ الطَّرِيقَ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٦ ‏/ ٢١
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى﴾ [طه: ١٠] أَيْ هُدَاةً يَهْدُونَهُ الطَّرِيقَ
١٦ ‏/ ٢١
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ الْمِقْدَامِ، قَالَ: ثنا الْمُعْتَمِرُ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ صَاحِبٍ لَهُ عَنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ زَعَمَ أَنَّهَا أَيْلَةُ ﴿أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى﴾ [طه: ١٠] وَقَالَ أَبِي: وَزَعَمَ قَتَادَةُ أَنَّهُ هُدَى الطَّرِيقِ
١٦ ‏/ ٢١
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ ﴿أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى﴾ [طه: ١٠] قَالَ: مَنْ يَهْدِينِي إِلَى الطَّرِيقِ
١٦ ‏/ ٢١
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، ﴿أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى﴾ [طه: ١٠] قَالَ: هُدًى عَنْ عِلْمِ الطَّرِيقِ الَّذِي أَضْلَلْنَا بِنَعْتٍ مِنْ خَبَرٍ
١٦ ‏/ ٢٢
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ﴿لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى﴾ [طه: ١٠] قَالَ: كَانُوا أَضَلُّوا عَنِ الطَّرِيقِ، فَقَالَ: لَعَلِّي أَجِدُ مَنْ يَدُلُّنِي عَلَى الطَّرِيقِ، أَوْ آتِيكُمْ بِقَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ
١٦ ‏/ ٢٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَلَمَّا أَتَى النَّارَ مُوسَى، نَادَاهُ رَبُّهُ: ﴿يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ﴾ [طه: ١٢]
١٦ ‏/ ٢٢
كَمَا: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: خَرَجَ مُوسَى نَحْوَهَا، يَعْنِي نَحْوَ النَّارِ، فَإِذَا هِيَ فِي شَجَرٍ مِنَ الْعُلَّيْقِ، وَبَعْضُ أَهْلِ الْكِتَابِ يَقُولُ فِي عَوْسَجَةٍ، فَلَمَّا دَنَا اسْتَأْخَرَتْ عَنْهُ، فَلَمَّا رَأَى اسْتِئْخَارَهَا رَجَعَ عَنْهَا، وَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ مِنْهَا خِيفَةً، فَلَمَّا أَرَادَ الرَّجْعَةَ، دَنَتْ مِنْهُ ثُمَّ كُلِّمَ مِنَ الشَّجَرَةِ، فَلَمَّا سَمِعَ الصَّوْتَ اسْتَأْنَسَ، وَقَالَ اللَّهُ تبارك وتعالى: يَا مُوسَى ﴿اخْلَعْ ⦗٢٣⦘ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى﴾ فَخَلَعَهَا فَأَلْفَاهَا وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي السَّبَبِ الَّذِي مِنْ أَجَلِهِ أَمَرَ اللَّهُ مُوسَى بِخَلْعِ نَعْلَيْهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَمَرَهُ بِذَلِكَ، لِأَنَّهُمَا كَانَتَا مِنْ جِلْدِ حِمَارٍ مَيِّتٍ، فَكَرِهَ أَنْ يَطَأَ بِهِمَا الْوَادِي الْمُقَدَّسِ، وَأَرَادَ أَنْ يَمَسَّهُ مِنْ بَرَكَةِ الْوَادِي
١٦ ‏/ ٢٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ كَعْبٍ، أَنَّهُ رَآهُمْ يَخْلَعُونَ نِعَالَهُمْ ﴿اخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى﴾ فَقَالَ: كَانَتْ مِنْ جِلْدِ حِمَارٍ مَيِّتٍ، فَأَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَمَسَّهُ الْقُدُسُ
١٦ ‏/ ٢٣
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، فِي قَوْلِهِ ﴿فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ﴾ [طه: ١٢] قَالَ: كَانَتَا مِنْ جَلْدِ حِمَارٍ مَيِّتٍ
١٦ ‏/ ٢٣
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَنَّ نَعْلَيْهِ كَانَتَا مِنْ جَلْدِ حِمَارٍ، فَخَلَعَهُمَا ثُمَّ أَتَاهُ
١٦ ‏/ ٢٣
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ ﴿فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ﴾ [طه: ١٢] قَالَ: كَانَتَا مِنْ جَلْدِ حِمَارٍ، فَقِيلَ لَهُ اخْلَعْهُمَا
١٦ ‏/ ٢٤
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: وَأَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ عَطَاءٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، وَأَبُو سُفْيَانَ عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، ﴿فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ﴾ [طه: ١٢] قَالَ: كَانَتَا مِنْ جِلْدِ حِمَارٍ، فَقِيلَ لَهُ اخْلَعْهُمَا قَالَ: وَقَالَ قَتَادَةُ مِثْلَ ذَلِكَ وَقَالَ آخَرُونَ: كَانَتَا مِنْ جَلْدِ بَقَرٍ، وَلَكِنَّ اللَّهَ أَرَادَ أَنْ يَطَأَ مُوسَى الْأَرْضَ بِقَدَمَيْهِ، لِيَصِلَ إِلَيْهِ بَرَكَتُهَا
١٦ ‏/ ٢٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ الْحَسَنُ: كَانَتَا يَعْنِي نَعْلَيْ مُوسَى مِنْ بَقَرٍ، وَلَكِنْ إِنَّمَا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُبَاشِرَ بِقَدَمَيْهِ بَرَكَةَ الْأَرْضِ، وَكَانَ قَدْ قُدِّسَ مَرَّتَيْنِ
١٦ ‏/ ٢٤
قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَقِيلَ لِمُجَاهِدٍ: زَعَمُوا أَنَّ نَعْلَيْهِ كَانَتَا مِنْ جِلْدِ حِمَارٍ أَوْ مَيْتَةٍ، قَالَ: لَا، وَلَكِنَّهُ أُمِرَ أَنْ يُبَاشِرَ بِقَدَمَيْهِ بَرَكَةَ الْأَرْضِ
١٦ ‏/ ٢٤
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: قَالَ أَبُو بِشْرٍ، يَعْنِي ابْنَ عُلَيَّةَ، سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي نَجِيحٍ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى﴾ قَالَ: يَقُولُ: أَفَضْ ⦗٢٥⦘ بِقَدَمَيْكَ إِلَى بَرَكَةِ الْوَادِي قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ بِخَلْعِ نَعْلَيْهِ لِيُبَاشِرَ بِقَدَمَيْهِ بَرَكَةَ الْوَادِي، إِذْ كَانَ وَادِيًا مُقَدَّسًا. وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ بِالصَّوَابِ، لِأَنَّهُ لَا دَلَالَةَ فِي ظَاهِرِ التَّنْزِيلِ عَلَى أَنَّهُ أَمَرَ بِخَلْعِهِمَا مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمَا مِنْ جِلْدِ حِمَارٍ وَلَا لِنَجَاسَتِهِمَا، وَلَا خَبَرَ بِذَلِكَ عَمَّنْ يَلْزَمُ بِقَوْلِهِ الْحُجَّةُ، وَإِنَّ فِي قَوْلِهِ ﴿إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ﴾ بِعَقِبِهِ دَلِيلًا وَاضِحًا، عَلَى أَنَّهُ إِنَّمَا أَمَرَهُ بِخَلْعِهِمَا لِمَا ذَكَرْنَا. وَلَوْ كَانَ الْخَبَرُ الَّذِي:
١٦ ‏/ ٢٤
حَدَّثَنَا بِهِ، بِشْرٌ قَالَ: ثنا خَلَفُ بْنُ خَلِيفَةَ، عَنْ حُمَيْدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ نَبِيِّ اللَّهِ ﷺ، قَالَ: “يَوْمَ كَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى، كَانَتْ عَلَيْهِ جُبَّةُ صُوفٍ وَكِسَاءُ صُوفٍ، وَسَرَاوِيلُ صُوفٍ، وَنَعْلَانِ مِنْ جِلْدِ حِمَارٍ غَيْرِ مُذَكًّى صَحِيحًا لَمْ نُعِدْهُ إِلَى غَيْرِهِ، وَلَكِنْ فِي إِسْنَادِهِ نَظَرٌ يَجِبُ التَّثَبُّتُ فِيهِ وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿إِنِّي أَنَا رَبُّكَ﴾ [طه: ١٢] فَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ: (نُودِيَ يَا مُوسَى أَنِّي) بِفَتْحِ الْأَلِفِ مِنْ «أَنِّي»، فَأَنَّ عَلَى قِرَاءَتِهِمْ ⦗٢٦⦘ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بِقَوْلِهِ: نُودِيَ، فَإِنَّ مَعْنَاهُ كَانَ عِنْدَهُمْ: نُودِيَ هَذَا الْقَوْلَ. وَقَرَأَهُ بَعْضُ عَامَّةِ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَالْكُوفَةِ بِالْكَسْرِ: ﴿نُودِيَ يَا مُوسَى إِنِّي﴾ [طه: ١٢] عَلَى الِابْتِدَاءِ، وَأَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ قِيلَ: يَا مُوسَى إِنِّي. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالْكَسْرُ أَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ عِنْدَنَا بِالصَّوَابِ، وَذَلِكَ أَنَّ النِّدَاءَ قَدْ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَمَلِ فِي أَنَّ قَوْلَهُ «يَا مُوسَى» وَحَظُّ قَوْلِهِ «نُودِيَ» أَنْ يَعْمَلَ فِي أَنْ لَوَ كَانَتْ قَبْلَ قَوْلِهِ «يَا مُوسَى» وَذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: نُودِيَ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا رَبُّكَ، وَلَا حَظَّ لَهَا فِي «إِنَّ» الَّتِي بَعْدَ مُوسَى
١٦ ‏/ ٢٥
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ﴾ فَإِنَّهُ يَقُولُ: إِنَّكَ بِالْوَادِي الْمُطَهَّرِ الْمُبَارَكِ
١٦ ‏/ ٢٦
كَمَا: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ﴾ يَقُولُ: الْمُبَارَكُ
١٦ ‏/ ٢٦
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ مُجَاهِدٌ، قَوْلُهُ ﴿إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى﴾ قَالَ: قُدِّسَ بُورِكَ مَرَّتَيْنِ
١٦ ‏/ ٢٦
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، قَوْلُهُ: ﴿إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى﴾ قَالَ: بِالْوَادِي الْمُبَارَكِ ⦗٢٧⦘ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ ﴿طُوًى﴾ [طه: ١٢] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: إِنَّكَ بِالْوَادِي الْمُقَدَّسِ طَوَيْتُهُ، فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ مِنْ قَوْلِهِمْ طُوًى مَصْدَرٌ خَرَجَ مِنْ غَيْرِ لَفْظِهِ، كَأَنَّهُ قَالَ: طَوَيْتُ الْوَادِيَ الْمُقَدَّسَ طُوًى
١٦ ‏/ ٢٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: قَوْلِهِ: ﴿إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى﴾ يَعْنِي الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ، وَذَلِكَ أَنَّهُ مَرَّ بِوَادِيهَا لَيْلًا فَطَوَاهُ، يُقَالُ: طَوَيْتُ وَادِي كَذَا وَكَذَا طُوًى مِنَ اللَّيْلِ، وَارْتَفَعَ إِلَى أَعْلَى الْوَادِي، وَذَلِكَ نَبِيُّ اللَّهِ مُوسَى ﷺ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: مَرَّتَيْنٍ، وَقَالَ: نَادَاهُ رَبُّهُ مَرَّتَيْنِ، فَعَلَى قَوْلِ هَؤُلَاءِ طُوًى مَصْدَرُ أَيْضًا مِنْ غَيْرِ لَفْظِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ مَعْنَاهُ عِنْدَهُمْ: نُودِيَ يَا مُوسَى مَرَّتَيْنِ نِدَاءَيْنِ. وَكَانَ بَعْضُهُمْ يَنْشُدُ شَاهِدًا لِقَوْلِهِ طُوًى، أَنَّهُ بِمَعْنَى مَرَّتَيْنِ، قَوْلُ عَدِيِّ بْنِ زَيْدٍ الْعِبَادِيِّ:
[البحر الطويل] أَعَاذِلَ إِنَّ اللَّوْمَ فِي غَيْرِ كُنْهِهِ … عَلَيَّ طُوًى مِنْ غِيِّكِ الْمُتَرَدِّدِ
وَرَوَى ذَلِكَ آخَرُونَ: عَلَيَّ ثِنًى: أَيْ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى، وَقَالُوا: طُوًى وَثِنًى بِمَعْنًى وَاحِدٍ
١٦ ‏/ ٢٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ ⦗٢٨⦘ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى﴾ كُنَّا نُحَدِّثُ أَنَّهُ وَادٍ قُدِّسَ مَرَّتَيْنِ، وَأَنَّ اسْمَهُ طُوًى وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: أَنَّهُ قُدِّسَ طُوًى مَرَّتَيْنِ
١٦ ‏/ ٢٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ الْحَسَنُ: كَانَ قَدْ قُدِّسَ مَرَّتَيْنِ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ طُوًى: اسْمُ الْوَادِي
١٦ ‏/ ٢٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿طُوًى﴾ [طه: ١٢] اسْمٌ لِلْوَادِي
١٦ ‏/ ٢٨
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: طُوًى: قَالَ: اسْمُ الْوَادِي
١٦ ‏/ ٢٨
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ ﴿بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى﴾ [طه: ١٢] قَالَ: ذَاكَ الْوَادِي هُوَ طُوًى، حَيْثُ كَانَ مُوسَى، ⦗٢٩⦘ وَحَيْثُ كَانَ إِلَيْهِ مِنَ اللَّهِ مَا كَانَ. قَالَ: وَهُوَ نَحْوُ الطُّورِ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ هُوَ أَمْرٌ مِنَ اللَّهِ لِمُوسَى أَنْ يَطَأَ الْوَادِيَ بِقَدَمَيْهِ
١٦ ‏/ ٢٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ الطُّوسِيُّ، قَالَ: ثنا صَالِحُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ تبارك وتعالى: ﴿اخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى﴾ قَالَ: طَأَ الْوَادِي
١٦ ‏/ ٢٩
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿طُوًى﴾ [طه: ١٢] قَالَ: طَأَ الْوَادِي
١٦ ‏/ ٢٩
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ ﴿طُوًى﴾ [طه: ١٢] قَالَ: طَأَ الْأَرْضَ حَافِيًا، كَمَا تَدْخُلُ الْكَعْبَةَ حَافِيًا، يَقُولُ: مِنْ بَرَكَةِ الْوَادِي
١٦ ‏/ ٢٩
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ﴿طُوًى﴾ [طه: ١٢] طَأَ الْأَرْضَ حَافِيًا وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَهُ بَعْضُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ: (طُوَى) بِضَمِّ الطَّاءِ وَتَرْكِ التَّنْوِينِ، كَأَنَّهُمْ جَعَلُوهُ اسْمَ الْأَرْضِ الَّتِي بِهَا الْوَادِي، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الكامل]
١٦ ‏/ ٢٩
نَصَرُوا نَبِيَّهُمُ وَشَدُّوا أَزْرَهُ … بِحُنَيْنَ حِينَ تَوَاكَلَ الْأَبْطَالُ
فَلَمْ يَجُرَّ حُنَيْنَ، لِأَنَّهُ جَعَلَهُ اسْمًا لِلْبَلْدَةِ لَا لِلْوَادِي، وَلَوْ كَانَ جَعَلَهُ اسْمًا لِلْوَادِي لَأَجْرَاهُ كَمَا قَرَأَتِ الْقُرَّاءُ: ﴿وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ﴾ [التوبة: ٢٥] وَكَمَا قَالَ الْآخَرُ:
[البحر الوافر] أَلَسْنَا أَكْرَمَ الثَّقَلَيْنِ رَحْلًا … وَأَعْظَمَهُمْ بِبَطْنِ حِرَاءَ نَارَا
فَلَمْ يَجُرَّ حِرَاءَ، وَهُوَ جَبَلٌ، لِأَنَّهُ جَعَلَهُ اسْمًا لِلْبَلْدَةِ، فَكَذَلِكَ «طُوًى» فِي قِرَاءَةِ مَنْ لَمْ يَجُرَّهُ جَعَلَهُ اسْمًا لِلْأَرْضِ. وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْكُوفَةِ: ﴿طُوًى﴾ [طه: ١٢] بِضَمِّ الطَّاءِ وَالتَّنْوِينِ، وَقَارِئُو ذَلِكَ كَذَلِكَ مُخْتَلِفُونَ فِي مَعْنَاهُ عَلَى مَا قَدْ ذَكَرْتُ مِنَ اخْتِلَافِ أَهْلِ التَّأْوِيلِ، فَأَمَّا مَنْ أَرَادَ بِهِ الْمَصْدَرَ مِنْ طَوَيْتُ، فَلَا مُؤْنَةَ فِي تَنْوِينِهِ، وَأَمَّا مَنْ أَرَادَ أَنْ يَجْعَلَهُ اسْمًا لِلْوَادِي، فَإِنَّهُ إِنَّمَا يُنَوِّنُهُ لِأَنَّهُ اسْمُ ذَكَرٍ لَا مُؤَنَّثٍ، وَأَنَّ لَامَ الْفِعْلِ مِنْهُ يَاءٌ، فَزَادَهُ ذَلِكَ خِفَّةً فَأَجْرَاهُ كَمَا قَالَ اللَّهُ: ﴿وَيَوْمَ حُنَيْنٍ﴾ [التوبة: ٢٥] إِذْ كَانَ حُنَيْنٌ اسْمَ وَادٍ، وَالْوَادِي مُذَكَّرٌ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ عِنْدِي بِالصَّوَابِ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَهُ بِضَمِّ الطَّاءِ وَالتَّنْوِينِ، لِأَنَّهُ إِنْ يَكُنِ اسْمًا لِلْوَادِي فَحَظُّهُ التَّنْوِينُ لِمَا ذُكِرَ قَبْلُ مِنَ الْعِلَّةِ لِمَنْ قَالَ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ مَصْدَرًا أَوْ مُفَسِّرًا، فَكَذَلِكَ أَيْضًا حُكْمَهُ التَّنْوِينُ، وَهُوَ عِنْدِي اسْمُ الْوَادِي. وَإِذْ كَانَ
١٦ ‏/ ٣٠
ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَهُوَ فِي مَوْضِعِ خَفْضٍ رَدًّا عَلَى الْوَادِي
١٦ ‏/ ٣١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي﴾ [طه: ١٤] اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأْتُهُ عَامَّةُ الْقُرَّاءِ الَّذِينَ قَرَءُوا: (وَأَنَّا) بِتَشْدِيدِ النُّونِ، وَ﴿أَنَا﴾ [البقرة: ٢٥٨] بِفَتْحِ الْأَلِفِ مِنْ «أَنَا» رَدًّا عَلَى: نُودِيَ يَا مُوسَى، كَأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ عِنْدَهُمْ: نُودِيَ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا رَبُّكَ، وَأَنَا اخْتَرْتُكَ، وَبِهَذِهِ الْقِرَاءَةِ قَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ. وَأَمَّا عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ وَبَعْضُ أَهْلِ الْكُوفَةِ فَقَرَءُوهُ: ﴿وَأَنَا اخْتَرْتُكَ﴾ [طه: ١٣] بِتَخْفِيفِ النُّونِ عَلَى وَجْهِ الْخَبَرِ مِنَ اللَّهِ عَنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ اخْتَارَهُ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ قَدْ قَرَأَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا قُرَّاءُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْقُرْآنِ، مَعَ اتِّفَاقِ مَعْنَيَيْهِمَا، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ الصَّوَابَ فِيهِ. وَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ: نُودِيَ أَنَّا اخْتَرْنَاكَ، فَاجْتَبَيْنَاكَ لِرِسَالَتِنَا إِلَى مَنْ نُرْسِلُكَ إِلَيْهِ فَاسْتَمِعْ إِلَى مَا يُوحَى يَقُولُ: فَاسْتَمِعْ لِوَحْيِنَا الَّذِي نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَعِهِ، وَاعْمَلْ بِهِ. ﴿إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ﴾ [طه: ١٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّنِي أَنَا الْمَعْبُودُ الَّذِي لَا تَصْلُحُ الْعِبَادَةُ إِلَّا لَهُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَلَا تَعْبُدْ غَيْرِي، فَإِنَّهُ لَا مَعْبُودَ تَجُوزُ أَوْ تَصْلُحُ لَهُ الْعِبَادَةُ سِوَايَ ﴿فَاعْبُدْنِي﴾ [طه: ١٤] يَقُولُ: فَأَخْلِصِ الْعِبَادَةَ لِي دُونَ كُلِّ مَا عُبِدَ مِنْ دُونِي
١٦ ‏/ ٣١
﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي﴾ [طه: ١٤] . وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى ذَلِكَ: أَقِمِ الصَّلَاةَ لِي فَإِنَّكَ إِذَا أَقَمْتَهَا ذَكَرْتَنِي
١٦ ‏/ ٣٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿أَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي﴾ [طه: ١٤] قَالَ: إِذَا صَلَّى ذَكَرَ رَبَّهُ
١٦ ‏/ ٣٢
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي﴾ [طه: ١٤] قَالَ: إِذَا ذَكَرَ عَبَدَ رَبَّهُ قَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: وَأَقِمِ الصَّلَاةَ حِينَ تَذْكُرُهَا
١٦ ‏/ ٣٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي﴾ [طه: ١٤] قَالَ: يُصَلِّيَهَا حِينَ يَذْكُرُهَا
١٦ ‏/ ٣٢
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَهْبٍ، قَالَ: ثني عَمِّي عَبْدُ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ، قَالَ: ثني يُونُسُ وَمَالِكُ بْنُ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: “مَنْ نَسِيَ صَلَاةً فَلْيُصَلِّهَا ⦗٣٣⦘ إِذَا ذَكَرَهَا، قَالَ اللَّهُ: ﴿أَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي﴾ [طه: ١٤] وَكَانَ الزُّهْرِيُّ يَقْرَؤُهَا: ﴿أَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي﴾ [طه: ١٤] بِمَنْزِلَةِ فِعْلِي قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ تَأْوِيلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَاهُ: أَقِمِ الصَّلَاةَ لِتَذْكُرَنِي فِيهَا، لِأَنَّ ذَلِكَ أَظْهَرُ مَعْنَيَيْهِ، وَلَوْ كَانَ مَعْنَاهُ: حِينَ تَذْكُرُهَا، لَكَانَ التَّنْزِيلُ: أَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِكَهَا. وَفِي قَوْلِهِ: ﴿لِذِكْرِي﴾ [طه: ١٤] دَلَالَةٌ بَيِّنَةٌ عَلَى صِحَّةِ مَا قَالَ مُجَاهِدٌ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، وَلَوْ كَانَتِ الْقِرَاءَةُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا عَنِ الزُّهْرِيِّ قِرَاءَةً مُسْتَفِيضَةً فِي قِرَاءَةِ الْأَمْصَارِ، كَانَ صَحِيحًا تَأْوِيلُ مَنْ تَأَوَّلَهُ بِمَعْنَى: أَقِمِ الصَّلَاةَ حِينَ تَذْكُرُهَا، وَذَلِكَ أَنَّ الزُّهْرِيَّ وَجَّهَ بِقِرَاءَتِهِ ﴿أَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي﴾ [طه: ١٤] بِالْأَلِفِ لَا بِالْإِضَافَةِ، إِلَى أَقِمْ لِذِكْرَاهَا، لِأَنَّ الْهَاءَ وَالْأَلِفَ حُذِفَتَا، وَهُمَا مُرَادَتَانِ فِي الْكَلَامِ لِيُوَفَّقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ سَائِرِ رُءُوسِ الْآيَاتِ، إِذْ كَانَتْ بِالْأَلِفِ وَالْفَتْحِ. وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ فِي قِرَاءَةِ الزُّهْرِيِّ هَذِهِ الَّتِي ذَكَرْنَا عَنْهُ، إِنَّمَا قَصَدَ الزُّهْرِيُّ بِفَتْحِهَا تَصْيِيرَهُ الْإِضَافَةَ أَلِفًا لِلتَّوْفِيقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رُءُوسِ الْآيَاتِ قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ، لِأَنَّهُ خَالَفَ بِقِرَاءَتِهِ ذَلِكَ كَذَلِكَ مَنْ قَرَأَهُ بِالْإِضَافَةِ، وَقَالَ: إِنَّمَا ذَلِكَ كَقَوْلِ الشَّاعِرِ:
[البحر الوافر] أُطَوِّفُ مَا أُطَوِّفُ ثُمَّ آوِي … إِلَى أُمَّا وَيُرْوِينِي النَّقِيعُ
وَهُوَ يُرِيدُ: إِلَى أُمِّي، وَكَقَوْلِ الْعَرَبِ: يَا أَبَا وَأُمَّا، وَهِيَ تُرِيدُ: يَا أَبِي وَأُمِّي، ⦗٣٤⦘ كَانَ لَهُ بِذَلِكَ مَقَالٌ
١٦ ‏/ ٣٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ السَّاعَةَ الَّتِي يَبْعَثُ اللَّهُ فِيهَا الْخَلَائِقَ مِنْ قُبُورِهِمْ لِمَوْقِفِ الْقِيَامَةِ جَائِيَةٌ ﴿أَكَادُ أُخْفِيهَا﴾ [طه: ١٥] فَعَلَى ضَمِّ الْأَلِفِ مِنْ أُخْفِيهَا قِرَاءَةُ جَمِيعِ قُرَّاءِ أَمْصَارِ الْإِسْلَامِ، بِمَعْنَى: أَكَادُ أُخْفِيهَا مِنْ نَفْسِي، لِئَلَّا يَطَّلِعَ عَلَيْهَا أَحَدٌ، وَبِذَلِكَ جَاءَ تَأْوِيلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ
١٦ ‏/ ٣٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿أَكَادُ أُخْفِيهَا﴾ [طه: ١٥] يَقُولُ: لَا أُظْهِرُ عَلَيْهَا أَحَدًا غَيْرِي
١٦ ‏/ ٣٤
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا﴾ قَالَ: لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً
١٦ ‏/ ٣٤
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ﴿إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا﴾ قَالَ: مِنْ نَفْسِي
١٦ ‏/ ٣٤
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿أَكَادُ أُخْفِيهَا﴾ [طه: ١٥] قَالَ: مِنْ نَفْسِي ⦗٣٥⦘ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسيَنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٦ ‏/ ٣٤
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسِ ﴿أَكَادُ أُخْفِيهَا﴾ [طه: ١٥] قَالَ: مِنْ نَفْسِي
١٦ ‏/ ٣٥
حَدَّثَنِي عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ وَاصِلٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ الطَّنَافِسِيُّ، قَالَ: ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿أَكَادُ أُخْفِيهَا﴾ [طه: ١٥] قَالَ: يُخْفِيهَا مِنْ نَفْسِهِ
١٦ ‏/ ٣٥
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿أَكَادُ أُخْفِيهَا﴾ [طه: ١٥] وَهِيَ فِي بَعْضِ الْقِرَاءَةِ: «أُخْفِيهَا مِنْ نَفْسِي» وَلَعَمْرِي لَقَدْ أَخْفَاهَا اللَّهُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ، وَمِنَ الْأَنْبِيَاءِ الْمُرْسَلِينَ
١٦ ‏/ ٣٥
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: فِي بَعْضِ الْحُرُوفِ: «إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا مِنْ نَفْسِي» وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّمَا هُوَ: «أَكَادُ أَخْفِيهَا» بِفَتْحِ الْأَلِفِ مِنْ أَخْفِيهَا بِمَعْنَى: أُظْهِرُهَا
١٦ ‏/ ٣٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: سَأَلَنِي رَجُلٌ فِي الْمَسْجِدِ عَنْ هَذَا الْبَيْتِ،
[البحر الخفيف] دَابَ شَهْرَيْنِ ثُمَّ شَهْرًا دَمِيكًا … بَأَرِيكَيْنِ يَخْفَيَانِ غَمِيرَا
فَقُلْتُ: يَظْهَرَانِ، فَقَالَ وَرْقَاءُ بْنُ إِيَاسَ وَهُوَ خَلْفِي: أَقْرَأَنِيهَا سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: «أَكَادُ أَخْفِيهَا» بِنَصْبِ الْأَلِفِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وِفَاقٌ لِقَوْلِ الْآخَرِينَ الَّذِينَ قَالُوا: مَعْنَاهُ: أَكَادُ أُخْفِيهَا مِنْ نَفْسِي
١٦ ‏/ ٣٦
ذِكْرُ الرِّوَايَةِ عَنْهُ بِذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَمَنْصُورٌ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَا ﴿إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا﴾ قَالَا: مِنْ نَفْسِي
١٦ ‏/ ٣٦
حَدَّثَنِي عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْهَبَّارِيُّ، قَالَ: ثنا ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ﴿أَكَادُ أُخْفِيهَا﴾ [طه: ١٥] قَالَ: مِنْ نَفْسِي
١٦ ‏/ ٣٦
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالَّذِي هُوَ أَوْلَى بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ مِنَ الْقَوْلِ، قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَاهُ: أَكَادُ أُخْفِيهَا مِنْ نَفْسِي، لِأَنَّ تَأْوِيلَ أَهْلِ التَّأْوِيلِ بِذَلِكَ جَاءَ. وَالَّذِي ذُكِرَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ مِنْ قِرَاءَةِ ذَلِكَ بِفَتْحِ الْأَلِفِ قِرَاءَةٌ لَا أَسْتَجِيزُ الْقِرَاءَةَ بِهَا لِخِلَافِهَا قِرَاءَةَ الْحُجَّةِ الَّتِي لَا يَجُوزُ خِلَافُهَا فِيمَا جَاءَتْ بِهِ نَقْلًا مُسْتَفِيضًا. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَلَمْ وَجَّهْتَ تَأْوِيلَ قَوْلِهِ ﴿أَكَادُ أُخْفِيهَا﴾ [طه: ١٥] بِضَمِّ الْأَلِفِ إِلَى مَعْنًى: أَكَادُ أُخْفِيهَا مِنْ نَفْسِي، دُونَ تَوْجِيهِهِ إِلَى مَعْنًى: أَكَادُ أُظْهِرُهَا، وَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّ لِلْإِخْفَاءِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا الْإِظْهَارُ، وَالْآخَرُ الْكِتْمَانُ، وَأَنَّ الْإِظْهَارَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ أَشْبَهُ بِمَعْنَى الْكَلَامِ، إِذْ كَانَ الْإِخْفَاءُ مِنْ نَفْسِهِ يَكَادُ عِنْدَ السَّامِعِينَ أَنْ يَسْتَحِيلَ مَعْنَاهُ، إِذْ كَانَ مُحَالًا أَنْ يُخْفِيَ أَحَدٌ عَنْ نَفْسِهِ شَيْئًا هُوَ بِهِ عَالِمٌ، وَاللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ؟ قِيلَ: الْأَمْرُ فِي ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا ظَنَنْتَ، وَإِنَّمَا وَجَّهْنَا مَعْنَى ﴿أُخْفِيهَا﴾ [طه: ١٥] بِضَمِّ الْأَلِفِ إِلَى مَعْنَى: أَسْتُرُهَا مِنْ نَفْسِي، لِأَنَّ الْمَعْرُوفَ مِنْ مَعْنَى الْإِخْفَاءِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ: السَّتْرُ. يُقَالُ: قَدْ أَخْفَيْتُ الشَّيْءَ: إِذَا سَتَرْتُهُ. وَأَنَّ الَّذِينَ وَجَّهُوا مَعْنَاهُ إِلَى الْإِظْهَارِ.
١٦ ‏/ ٣٧
اعْتَمَدُوا عَلَى بَيْتٍ لِامْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ عَابِسٍ الْكِنْدِيِّ حُدِّثْتُ عَنْ مَعْمَرِ بْنِ الْمُثَنَّى، أَنَّهُ قَالَ: أَنْشَدَنِيهِ أَبُو الْخَطَّابِ، عَنْ أَهْلِهِ، فِي بَلَدِهِ:
[البحر المتقارب] فَإِنْ تَدْفِنُوا الدَّاءَ لَا نُخْفِهِ … وَإِنْ تَبْعَثُوا الْحَرْبَ لَا نَقْعُدِ
بِضَمِّ النُّونِ مِنْ لَا نُخْفِهِ، وَمَعْنَاهُ: لَا نُظْهِرُهُ، فَكَانَ اعْتِمَادُهُمْ فِي تَوْجِيهِ
١٦ ‏/ ٣٧
الْإِخْفَاءِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ إِلَى الْإِظْهَارِ عَلَى مَا ذَكَرُوا مِنْ سَمَاعِهِمْ هَذَا الْبَيْتَ، عَلَى مَا وَصَفْتُ مِنْ ضَمِّ النُّونِ مِنْ نُخْفِهِ، وَقَدْ أَنْشَدَنِي الثِّقَةُ عَنِ الْفَرَّاءِ:
فَإِنْ تَدْفِنُوا الدَّاءَ لَا نَخْفِهِ
بِفَتْحِ النُّونِ مِنْ نَخْفِهِ، مِنْ خَفَيْتُهُ أَخْفِيهِ، وَهُوَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ لِأَنَّهُ الْمَعْرُوفُ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ. فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ. وَكَانَ الْفَتْحُ فِي الْأَلِفِ مِنْ أَخْفِيهَا غَيْرَ جَائِزٍ عِنْدَنَا لِمَا ذَكَرْنَا، ثَبَتَ وَصَحَّ الْوَجْهُ الْآخَرُ، وَهُوَ أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ. أَكَادُ أَسْتُرُهَا مِنْ نَفْسِي. وَأَمَّا وَجْهُ صِحَّةِ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ، فَهُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ خَاطَبَ بِالْقُرْآنِ الْعَرَبَ عَلَى مَا يَعْرِفُونَهُ مِنْ كَلَامِهِمْ وَجَرَى بِهِ خِطَابُهُمْ بَيْنَهُمْ، فَلَمَّا كَانَ مَعْرُوفًا فِي كَلَامِهِمْ أَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمْ إِذَا أَرَادَ الْمُبَالَغَةَ فِي الْخَبَرِ عَنْ إِخْفَائِهِ شَيْئًا هُوَ لَهُ مُسِرٌّ: قَدْ كِدْتُ أَنْ أُخْفِيَ هَذَا الْأَمْرَ عَنْ نَفْسِي مِنْ شِدَّةِ اسْتِسْرَارِي بِهِ، وَلَوْ قَدَرْتُ أُخْفِيهِ عَنْ نَفْسِي أَخْفَيْتُهُ، خَاطَبَهُمْ عَلَى حَسَبِ مَا قَدْ جَرَى بِهِ اسْتِعْمَالُهُمْ فِي ذَلِكَ مِنَ الْكَلَامِ بَيْنَهُمْ، وَمَا قَدْ عَرَفُوهُ فِي مَنْطِقِهِمْ. وَقَدْ قِيلَ فِي ذَلِكَ أَقْوَالٌ غَيْرُ مَا قُلْنَا، وَإِنَّمَا اخْتَرْنَا هَذَا الْقَوْلَ عَلَى غَيْرِهِ مِنَ الْأَقْوَالِ لِمُوَافَقَةِ أَقْوَالِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، إِذْ كُنَّا لَا نَسْتَجِيزُ الْخِلَافَ عَلَيْهِمْ، فِيمَا اسْتَفَاضَ الْقَوْلُ بِهِ مِنْهُمْ، وَجَاءَ عَنْهُمْ مَجِيئًا يَقْطَعُ الْعُذْرَ. فَأَمَّا الَّذِينَ قَالُوا فِي ذَلِكَ غَيْرَ قَوْلِنَا مِمَّنْ قَالَ فِيهِ عَلَى
١٦ ‏/ ٣٨
وَجْهِ الِانْتِزَاعِ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْزُوهُ إِلَى إِمَامٍ مِنَ الصَّحَابَةِ أَوِ التَّابِعِينَ، وَعَلَى وَجْهٍ يَحْتَمِلُ الْكَلَامُ غَيْرَ وَجْهِهِ الْمَعْرُوفِ، فَإِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي مَعْنَاهُ بَيْنَهُمْ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَحْتَمِلُ مَعْنَاهُ: أُرِيدُ أُخْفِيهَا، قَالَ: وَذَلِكَ مَعْرُوفٌ فِي اللُّغَةِ. وَذُكِرَ أَنَّهُ حُكِي عَنِ الْعَرَبِ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: أُولَئِكَ أَصْحَابِي الَّذِينَ أَكَادُ أَنْزِلُ عَلَيْهِمْ، وَقَالَ: مَعْنَاهُ: لَا أَنْزِلُ إِلَّا عَلَيْهِمْ. قَالَ: وَحُكِيَ: أَكَادُ أَبْرَحُ مَنْزِلِي: أَيْ مَا أَبْرَحُ مَنْزِلِي، وَاحْتُجَّ بِبَيْتٍ أَنْشَدَهُ لِبَعْضِ الشُّعَرَاءِ:
[البحر الكامل] كَادَتْ وَكِدْتُ وَتِلْكَ خَيْرُ إِرَادَةٍ … لَوْ عَادَ مِنْ عَهْدِ الصَّبَابَةِ مَا مَضَى
وَقَالَ: يُرِيدُ: بِكَادَتْ: أَرَادَتْ، قَالَ: فَيَكُونُ الْمَعْنَى: أُرِيدُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى. قَالَ: وَمِمَّا يُشْبِهُ ذَلِكَ قَوْلُ زَيْدِ الْخَيْلِ:
[البحر الطويل] سَرِيعٌ إِلَى الْهَيْجَاءِ شَاكٍ سِلَاحَهُ … فَمَا إِنْ يَكَادُ قَرْنُهُ يَتَنَفَّسُ
وَقَالَ: كَأَنَّهُ قَالَ: فَمَا يَتَنَفَّسُ قَرْنُهُ، وَإِلَّا ضَعُفَ الْمَعْنَى، قَالَ: وَقَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
[البحر الطويل] إِذَا غَيَّرَ النَّأْيُ الْمُحِبِّينَ لَمْ يَكَدْ … رَسِيسُ الْهَوَى مِنْ حُبِّ مَيَّةَ يَبْرَحُ
قَالَ: وَلَيْسَ الْمَعْنَى: لَمْ يَكَدْ يَبْرَحُ: أَيْ بَعْدَ يُسْرٍ، وَيَبْرَحُ بَعْدَ عُسْرٍ، وَإِنَّمَا الْمَعْنَى: لَمْ يَبْرَحْ، أَوْ لَمْ يُرِدْ يَبْرَحُ، وَإِلَّا ضَعُفَ الْمَعْنَى، قَالَ: وَكَذَلِكَ قَوْلُ أَبِي النَّجْمِ:
[البحر البسيط]
١٦ ‏/ ٣٩
وَإِنْ أَتَاكَ نَعِيٌّ فَانْدُبَنَّ أَبًا … قَدْ كَادَ يَضْطَلِعُ الْأَعْدَاءَ وَالْخُطَبَا
وَقَالَ: يَكُونُ الْمَعْنَى: قَدِ اضْطَلَعَ الْأَعْدَاءَ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ مَدْحًا إِذَا أَرَادَ كَادَ وَلَمْ يُرِدْ يَفْعَلُ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ، قَالَ: وَانْتَهَى الْخَبَرُ عِنْدَ قَوْلِهِ أَكَادُ لِأَنَّ مَعْنَاهُ: أَكَادُ أَنْ آتِيَ بِهَا، قَالَ: ثُمَّ ابْتَدَأَ فَقَالَ: وَلَكِنِّي أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى. قَالَ: وَذَلِكَ نَظِيرُ قَوْلِ ابْنِ ضَابِئٍ:
[البحر الطويل] هَمَمْتُ وَلَمْ أَفْعَلْ وَكِدْتُ وَلَيْتَنِي … تَرَكْتُ عَلَى عُثْمَانَ تَبْكِي أَقَارِبُهُ
فَقَالَ: كِدْتُ، وَمَعْنَاهُ: كِدْتُ أَفْعَلُ. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ﴿أُخْفِيهَا﴾ [طه: ١٥] أُظْهِرُهَا، وَقَالُوا: الْإِخْفَاءُ وَالْإِسْرَارُ قَدْ تُوَجِّهُهُمَا الْعَرَبُ إِلَى مَعْنَى الْإِظْهَارِ، وَاسْتَشْهَدَ بَعْضُهُمْ لِقِيلِهِ ذَلِكَ بِبَيْتِ الْفَرَزْدَقِ:
[البحر الطويل] فَلَمَّا رَأَى الْحَجَّاجَ جَرَّدَ سَيْفَهُ … أَسَرَّ الْحَرُورِيُّ الَّذِي كَانَ أَضْمَرَا
وَقَالَ: عَنَى بِقَوْلِهِ: أَسَرَّ: أَظْهَرَ. قَالَ: وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ﴾ [يونس: ٥٤] وَأَظْهَرُوهَا. قَالَ: وَذَلِكَ أَنَّهُمْ قَالُوا: ﴿يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا﴾ [الأنعام: ٢٧] وَقَالَ جَمِيعُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ حَكَيْنَا قَوْلَهُمْ جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَى
١٦ ‏/ ٤٠
ذَلِكَ: أَكَادُ أُخْفِيهَا مِنْ نَفْسِي، أَنْ يَكُونَ أَرَادَ: أُخْفِيهَا مِنْ قِبَلِي وَمِنْ عِنْدِي. وَكُلُّ هَذِهِ الْأَقْوَالِ الَّتِي ذَكَرْنَا عَمَّنْ ذَكَرْنَا تَوْجِيهٌ مِنْهُمْ لِلْكَلَامِ إِلَى غَيْرِ وَجْهِهِ الْمَعْرُوفِ، وَغَيْرُ جَائِزٍ تَوْجِيهُ مَعَانِي كَلَامِ اللَّهِ إِلَى غَيْرِ الْأَغْلَبِ عَلَيْهِ مِنْ وُجُوهِهِ عِنْدَ الْمُخَاطَبِينَ بِهِ، فَفِي ذَلِكَ مَعَ خِلَافِهِمْ تَأْوِيلَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِيهِ شَاهِدٌ عَدْلٌ عَلَى خَطَأِ مَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ فِيهِ
١٦ ‏/ ٤١
وَقَوْلُهُ: ﴿لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى﴾ [طه: ١٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ، يَقُولُ: لِتُثَابَ كُلُّ نَفْسٍ امْتَحَنَهَا رَبُّهَا بِالْعِبَادَةِ فِي الدُّنْيَا بِمَا تَسْعَى، يَقُولُ: بِمَا تَعْمَلُ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ، وَطَاعَةٍ وَمَعْصِيَةٍ
١٦ ‏/ ٤١
وَقَوْلُهُ: ﴿فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا﴾ [طه: ١٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَلَا يَرُدَّنَّكَ يَا مُوسَى عَنِ التَّأَهُّبِ لِلسَّاعَةِ، مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا، يَعْنِي: مَنْ لَا يُقِرُّ بِقِيَامِ السَّاعَةِ، وَلَا يُصَدِّقُ بِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَمَاتِ، وَلَا يَرْجُو ثَوَابًا، وَلَا يَخَافُ عِقَابًا. وَقَوْلُهُ: ﴿وَاتَّبَعَ هَوَاهُ﴾ [الأعراف: ١٧٦] يَقُولُ: اتَّبَعَ هَوَى نَفْسِهِ، وَخَالَفَ أَمْرَ اللَّهِ وَنَهْيِهِ ﴿فَتَرْدَى﴾ [طه: ١٦] يَقُولُ: فَتَهْلِكَ إِنْ أَنْتَ انْصَدَدْتَ عَنِ التَّأَهُّبِ لِلسَّاعَةِ، وَعَنِ الْإِيمَانِ بِهَا، وَبِأَنَّ اللَّهَ بَاعِثُ الْخَلْقِ لِقَيَامِهَا مِنْ قُبُورِهِمْ بَعْدَ فَنَائِهِمْ بِصَدِّ مَنْ كَفَرَ بِهَا. وَكَانَ بَعْضُهُمْ يَزْعُمُ أَنَّ الْهَاءَ وَالْأَلِفَ مِنْ قَوْلِهِ ﴿فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا﴾ [طه: ١٦] كِنَايَةٌ عَنْ ذِكْرِ الْإِيمَانِ، قَالَ: وَإِنَّمَا قِيلَ عَنْهَا وَهِيَ كِنَايَةٌ عَنِ الْإِيمَانِ كَمَا قِيلَ ﴿إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [الأعراف: ١٥٣] يَذْهَبُ إِلَى الْفَعَلَةِ، وَلَمْ يَجْرِ لِلْإِيمَانِ ذِكْرٌ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، فَيُجْعَلُ ذَلِكَ مِنْ ذِكْرِهِ، وَإِنَّمَا جَرَى ذِكْرُ
١٦ ‏/ ٤١
السَّاعَةِ، فَهُوَ بِأَنْ يَكُونَ مِنْ ذِكْرِهَا أَوْلَى
١٦ ‏/ ٤٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى﴾ [طه: ١٧] . يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمَا هَذِهِ الَّتِي فِي يَمِينِكَ يَا مُوسَى؟ فَالْبَاءُ فِي قَوْلِهِ ﴿بِيَمِينِكَ﴾ [طه: ١٧] مِنْ صِلَةِ تِلْكَ، وَالْعَرَبُ تَصِلُ تِلْكَ وَهَذِهِ كَمَا تَصِلُ الَّذِي، وَمِنْهُ قَوْلُ يَزِيدَ بْنِ مُفَرِّعٍ:
[البحر الطويل] عَدَسْ مَا لِعَّبَادٍ عَلَيْكِ إِمَارَةٌ … أَمِنْتِ وَهَذَا تَحْمِلِينَ طَلِيقُ
كَأَنَّهُ قَالَ: وَالَّذِي تَحْمِلِينَ طَلِيقُ. وَلَعَلَّ قَائِلًا أَنْ يَقُولَ: وَمَا وَجْهُ اسْتِخْبَارِ اللَّهِ مُوسَى عَمَّا فِي يَدِهِ؟ أَلَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِأَنَّ الَّذِي فِي يَدِهِ عَصًا؟ قِيلَ لَهُ: إِنَّ ذَلِكَ عَلَى غَيْرِ الَّذِي ذَهَبْتَ إِلَيْهِ، وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ عَزَّ ذِكْرُهُ لَهُ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُحَوِّلَهَا حَيَّةً تَسْعَى، وَهِيَ خَشَبَةٌ، فَنَبَّهَهُ عَلَيْهَا، وَقَرَّرَهُ بِأَنَّهَا خَشَبَةٌ يَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا، وَيَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِهِ، لِيُعَرِّفَهُ قُدَّرَتَهُ عَلَى مَا يَشَاءُ، وَعِظَمِ سُلْطَانِهِ، وَنَفَاذِ أَمْرِهِ فِيمَا أَحَبَّ بِتَحْوِيلِهِ إِيَّاهَا حَيَّةً تَسْعَى، إِذَا أَرَادَ ذَلِكَ بِهِ لِيَجْعَلَ ذَلِكَ لِمُوسَى آيَةً مَعَ سَائِرِ آيَاتِهِ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ
١٦ ‏/ ٤٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى﴾ [طه: ١٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُخْبِرًا عَنْ مُوسَى: قَالَ مُوسَى مُجِيبًا لِرَبِّهِ: ﴿هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي﴾ [طه: ١٨] يَقُولُ: أَضْرِبُ بِهَا الشَّجَرَ الْيَابِسَ فَيَسْقُطُ ⦗٤٣⦘ وَرَقُهَا وَتَرْعَاهُ غَنَمِي، يُقَالُ مِنْهُ: هَشَّ فُلَانٌ الشَّجَرَ يَهُشُّ هَشًّا: إِذَا اخْتَبَطَ وَرَقُ أَغْصَانِهَا فَسَقَطَ وَرَقُهَا، كَمَا قَالَ الرَّاجِزُ:
[البحر الرجز] أَهُشُّ بِالْعَصَا عَلَى أَغْنَامِي … مِنْ نَاعِمِ الْأَرَاكِ وَالْبَشَامِ
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٦ ‏/ ٤٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي﴾ [طه: ١٨] قَالَ: أَخْبِطُ بِهَا الشَّجَرَ
١٦ ‏/ ٤٣
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي﴾ [طه: ١٨] قَالَ: أَخْبِطُ
١٦ ‏/ ٤٣
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي﴾ [طه: ١٨] قَالَ: كَانَ نَبِيُّ اللَّهِ مُوسَى ﷺ يَهُشُّ عَلَى غَنَمِهِ وَرَقَ الشَّجَرِ
١٦ ‏/ ٤٣
حَدَّثَنِي مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، ﴿وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي﴾ [طه: ١٨] يَقُولُ: أَضْرِبُ بِهَا الشَّجَرَ لِلْغَنَمِ، فَيَقَعُ الْوَرَقُ
١٦ ‏/ ٤٣
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي﴾ [طه: ١٨] قَالَ: يَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا حِينَ يَمْشِي مَعَ ⦗٤٤⦘ الْغَنَمِ، وَيَهُشُّ بِهَا، يُحَرِّكُ الشَّجَرَ حَتَّى يَسْقُطَ الْوَرَقُ الْحَبَلَةُ وَغَيْرُهَا
١٦ ‏/ ٤٣
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، ﴿وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي﴾ [طه: ١٨] قَالَ: أَضْرِبُ بِهَا الشَّجَرَ، فَيَسْقُطُ مِنْ وَرَقِهَا عَلَيَّ
١٦ ‏/ ٤٤
حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ شَبُّوَيْهِ، قَالَ: ثنا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ، قَالَ: ثنا حُسَيْنٌ، قَالَ: سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ يَقُولُ ﴿وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي﴾ [طه: ١٨] قَالَ: أَضْرِبُ بِهَا الشَّجَرَ، فَيَتَسَاقَطُ الْوَرَقُ عَلَى غَنَمِي
١٦ ‏/ ٤٤
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: ثنا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ ﴿وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي﴾ [طه: ١٨] يَقُولُ: أَضْرِبُ بِهَا الشَّجَرَ حَتَّى يَسْقُطَ مِنْهُ مَا تَأْكُلُ غَنَمِي
١٦ ‏/ ٤٤
وَقَوْلُهُ: ﴿وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى﴾ [طه: ١٨] يَقُولُ: وَلِي فِي عَصَايَ هَذِهِ حَوَائِجُ أُخْرَى، وَهِيَ جَمْعُ مَأْرُبَةٍ، وَفِيهَا لِلْعَرَبِ لُغَاتٌ ثَلَاثٌ: مَأْرُبَةٌ بِضَمِّ الرَّاءِ، وَمَأْرَبَةٍ بِفَتْحِهَا، وَمَأْرِبَةٌ بِكَسْرِهَا، وَهِيَ مَفْعَلَةٌ مِنْ قَوْلِهِمْ: لَا أَرَبَ لِي فِي هَذَا الْأَمْرِ: أَيْ لَا حَاجَةَ لِي فِيهِ. وَقِيلَ «أُخْرَى» وَهُنَّ مَآرِبُ جَمْعٌ، وَلَمْ يَقُلْ أُخَرُ، كَمَا قِيلَ: ﴿لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى﴾ [طه: ٨] وَقَدْ بَيَّنْتُ الْعِلَّةَ فِي تَوْجِيهِ ذَلِكَ ⦗٤٥⦘ هُنَالِكَ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي مَعْنَى الْمَآرِبِ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٦ ‏/ ٤٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ الضَّبِّيُّ، قَالَ: ثنا حَفْصُ بْنُ جُمَيْعٍ، قَالَ: ثنا سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى﴾ [طه: ١٨] قَالَ: حَوَائِجُ أُخْرَى قَدْ عَلِمْتَهَا
١٦ ‏/ ٤٥
حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ ﴿وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى﴾ [طه: ١٨] يَقُولُ: حَاجَةٌ أُخْرَى
١٦ ‏/ ٤٥
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ﴿وَلِي فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى﴾ [طه: ١٨] قَالَ: حَاجَاتٌ
١٦ ‏/ ٤٥
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثنا الْحَسَنُ قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، ﴿وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى﴾ [طه: ١٨] قَالَ: حَاجَاتٌ وَمَنَافِعُ
١٦ ‏/ ٤٥
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ﴿وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى﴾ [طه: ١٨] قَالَ: حَاجَاتٌ
١٦ ‏/ ٤٥
حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، ﴿وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى﴾ [طه: ١٨] يَقُولُ: حَوَائِجُ أُخْرَى أَحْمِلُ عَلَيْهَا الْمِزْوَدَ وَالسِّقَاءَ
١٦ ‏/ ٤٦
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى﴾ [طه: ١٨] قَالَ: حَوَائِجُ أُخْرَى
١٦ ‏/ ٤٦
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ ﴿وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى﴾ [طه: ١٨] قَالَ: حَاجَاتٌ وَمَنَافِعُ أُخْرَى
١٦ ‏/ ٤٦
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، ﴿وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى﴾ [طه: ١٨] أَيْ مَنَافِعُ أُخْرَى
١٦ ‏/ ٤٦
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلِي فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى﴾ [طه: ١٨] قَالَ: حَوَائِجُ أُخْرَى سِوَى ذَلِكَ
١٦ ‏/ ٤٦
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: ثنا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ ﴿مَآرِبُ أُخْرَى﴾ [طه: ١٨] قَالَ: حَاجَاتٌ أُخْرَى
١٦ ‏/ ٤٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى﴾ [طه: ٢٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ اللَّهُ لِمُوسَى: أَلْقِ عَصَاكَ الَّتِي بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى. ⦗٤٧⦘ يَقُولُ اللَّهُ ﷻ: فَأَلْقَاهَا مُوسَى، فَجَعَلَهَا اللَّهُ حَيَّةً تَسْعَى، وَكَانَتْ قَبْلَ ذَلِكَ خَشَبَةً يَابِسَةً، وَعَصًا يَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَيَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِهِ، فَصَارَتْ حَيَّةً بِأَمْرِ اللَّهِ
١٦ ‏/ ٤٦
كَمَا: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ الضَّبِّيُّ، قَالَ: ثنا حَفْصُ بْنُ جُمَيْعٍ، قَالَ: ثنا سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا قِيلَ لِمُوسَى: أَلْقِهَا يَا مُوسَى، أَلْقَاهَا ﴿فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى﴾ [طه: ٢٠] وَلَمْ تَكُنْ قَبْلَ ذَلِكَ حَيَّةً، قَالَ: فَمَرَّتْ بِشَجَرَةٍ فَأَكَلَتْهَا، وَمَرَّتْ بِصَخْرَةٍ فَابْتَلَعَتْهَا، قَالَ: فَجَعَلَ مُوسَى يَسْمَعُ وَقْعَ الصَّخْرَةِ فِي جَوْفِهَا، قَالَ: فَوَلَّى مُدْبِرًا، فَنُودِيَ أَنْ يَا مُوسَى خُذْهَا، فَلَمْ يَأْخُذْهَا، ثُمَّ نُودِيَ الثَّانِيَةَ: أَنْ ﴿خُذْهَا وَلَا تَخَفْ﴾ [طه: ٢١] فَلَمْ يَأْخُذْهَا، فَقِيلَ لَهُ فِي الثَّالِثَةِ: ﴿إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ﴾ [القصص: ٣١] فَأَخَذَهَا
١٦ ‏/ ٤٧
حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: قَالَ لَهُ، يَعْنِي لِمُوسَى رَبُّهُ: ﴿أَلْقِهَا يَا مُوسَى﴾ [طه: ١٩] يَعْنِي ﴿فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى﴾ [طه: ٢٠] ﴿فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ﴾ [النمل: ١٠] فَنُودِيَ: ﴿يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ﴾ [النمل: ١٠]
١٦ ‏/ ٤٧
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، ﴿قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى﴾ [طه: ٢٠] تَهْتَزُّ، لَهَا أَنْيَابٌ وَهَيْئَةٌ كَمَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، فَرَأَى أَمْرًا فَظِيعًا، فَوَلَّى مُدْبِرًا، وَلَمْ يُعَقِّبْ فَنَادَاهُ رَبُّهُ: يَا مُوسَى أَقْبِلْ ⦗٤٨⦘ وَلَا تَخَفْ ﴿سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى﴾ [طه: ٢١]
١٦ ‏/ ٤٧
وَقَوْلُهُ: ﴿قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ﴾ [طه: ٢١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ قَالَ اللَّهُ لِمُوسَى: خُذِ الْحَيَّةَ، وَالْهَاءَ وَالْأَلِفَ مِنْ ذِكْرِ الْحَيَّةِ. ﴿وَلَا تَخَفْ﴾ [طه: ٢١] يَقُولُ: وَلَا تَخَفْ مِنْ هَذِهِ الْحَيَّةِ. ﴿سَنُعِيدَهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى﴾ [طه: ٢١] . يَقُولُ: فَإِنَّا سَنُعِيدُهَا لِهَيْئَتِهَا الْأُولَى الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهَا قَبْلَ أَنْ نُصَيِّرَهَا حَيَّةً، وَنَرُدَّهَا عَصًا كَمَا كَانَتْ. يُقَالُ لِكُلِّ مَنْ كَانَ عَلَى أَمْرٍ فَتَرَكَهُ، وَتَحَوَّلَ عَنْهُ ثُمَّ رَاجَعَهُ: عَادَ فُلَانٌ سِيرَتَهُ الْأُولَى، وَعَادَ لِسِيرَتِهِ الْأُولَى، وَعَادَ إِلَى سِيرَتِهِ الْأُولَى. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٦ ‏/ ٤٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ ﴿سِيرَتَهَا الْأُولَى﴾ [طه: ٢١] يَقُولُ: حَالَتَهَا الْأُولَى
١٦ ‏/ ٤٨
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ﴿سِيرَتَهَا الْأُولَى﴾ [طه: ٢١] قَالَ: هَيْئَتُهَا حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحَسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ ⦗٤٩⦘ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٦ ‏/ ٤٨
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، ﴿سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى﴾ [طه: ٢١] أَيْ سَنَرُدُّهَا عَصًا كَمَا كَانَتْ
١٦ ‏/ ٤٩
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى﴾ [طه: ٢١] قَالَ: إِلَى هَيْئَتِهَا الْأُولَى
١٦ ‏/ ٤٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى﴾ [طه: ٢٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَاضْمُمْ يَا مُوسَى يَدَكَ، فَضَعْهَا تَحْتَ عَضُدِكَ، وَالْجَنَاحَانِ هُمَا الْيَدَانِ، كَذَلِكَ رُوِيَ الْخَبَرُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَكَعْبِ الْأَحْبَارِ. وَأَمَّا أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ، فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ: هُمَا الْجَنْبَانِ. وَكَانَ بَعْضُهُمْ يَسْتَشْهِدُ لِقَوْلِهِ ذَلِكَ بِقَوْلِ الرَّاجِزِ:
[البحر الرجز] أَضُمُّهُ لِلصَّدْرِ وَالْجَنَاحِ
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٦ ‏/ ٤٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿إِلَى جَنَاحِكَ﴾ [طه: ٢٢] قَالَ: كَفَّهُ تَحْتَ عَضُدِهِ ⦗٥٠⦘ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَينُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٦ ‏/ ٤٩
وَقَوْلُهُ: ﴿تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ﴾ [طه: ٢٢] .
١٦ ‏/ ٥٠
ذُكِرَ أَنَّ مُوسَى عليه السلام كَانَ رَجُلًا آدَمَ، فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِي جَيْبِهِ، ثُمَّ أَخْرَجَهَا بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ، مِنْ غَيْرِ بَرَصٍ، مِثْلَ الثَّلْجِ، ثُمَّ رَدَّهَا، فَخَرَجَتْ كَمَا كَانَتْ عَلَى لَوْنِهِ حَدَّثَنَا بِذَلِكَ ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ
١٦ ‏/ ٥٠
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُوسَى الْفَزَارِيُّ، قَالَ: ثنا شَرِيكٌ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ ﴿تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ﴾ [طه: ٢٢] قَالَ: مِنْ غَيْرِ بَرَصٍ
١٦ ‏/ ٥٠
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ﴿مِنْ غَيْرِ سُوءٍ﴾ [طه: ٢٢] قَالَ: مِنْ غَيْرِ بَرَصٍ
١٦ ‏/ ٥٠
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ ﴿⦗٥١⦘ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ﴾ [طه: ٢٢] قَالَ: مِنْ غَيْرِ بَرَصٍ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٦ ‏/ ٥٠
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿مِنْ غَيْرِ سُوءٍ﴾ [طه: ٢٢] قَالَ: مِنْ غَيْرِ بَرَصٍ
١٦ ‏/ ٥١
حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، ﴿تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ﴾ [طه: ٢٢] قَالَ: مِنْ غَيْرِ بَرَصٍ
١٦ ‏/ ٥١
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ ﴿مِنْ غَيْرِ سُوءٍ﴾ [طه: ٢٢] قَالَ: مِنْ غَيْرِ بَرَصٍ
١٦ ‏/ ٥١
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا حَمَّادُ بْنُ مَسْعَدَةَ، قَالَ: ثنا قُرَّةُ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ﴾ [طه: ٢٢] قَالَ: أَخْرَجَهَا اللَّهُ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ، مِنْ غَيْرِ بَرَصٍ، فَعَلِمَ مُوسَى أَنَّهُ لَقِيَ رَبَّهُ
١٦ ‏/ ٥١
وَقَوْلُهُ: ﴿آيَةً أُخْرَى﴾ [طه: ٢٢] يَقُولُ: وَهَذِهِ عَلَامَةٌ وَدِلَالَةٌ أُخْرَى غَيْرَ الْآيَةِ الَّتِي أَرَيْنَاكَ قَبْلَهَا مِنْ تَحْوِيلِ الْعَصَا حَيَّةً تَسْعَى عَلَى حَقِيقَةِ مَا بَعَثْنَاكَ بِهِ مِنَ الرِّسَالَةِ لِمَنْ بَعَثْنَاكَ إِلَيْهِ. وَنَصَبَ آيَةً عَلَى اتِّصَالِهَا بِالْفِعْلِ، إِذْ لَمْ يَظْهَرْ لَهَا مَا يَرْفَعُهَا مِنْ هَذِهِ أَوْ هِيَ
١٦ ‏/ ٥١
وَقَوْلُهُ: ﴿لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى﴾ [طه: ٢٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَاضْمُمْ يَدَكَ يَا مُوسَى إِلَى جَنَاحِكَ، تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ، كَيْ نُرِيَكَ مِنْ أَدِلَّتِنَا الْكُبْرَى عَلَى عَظِيمِ سُلْطَانِنَا وَقُدْرَتِنَا. وَقَالَ: الْكُبْرَى، فَوَحَّدَ، وَقَدْ قَالَ: ﴿مِنْ آيَاتِنَا﴾ [الإسراء: ١] كَمَا قَالَ: ﴿لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى﴾ [طه: ٨] وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ هُنَالِكَ. وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْبَصْرَةِ يَقُولُ: إِنَّمَا قِيلَ الْكُبْرَى، لِأَنَّهُ أُرِيدَ بِهَا التَّقْدِيمُ، كَأَنَّ مَعْنَاهَا عِنْدَهُ: لِنُرِيَكَ الْكُبْرَى مِنْ آيَاتِنَا
١٦ ‏/ ٥٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي هَارُونَ أَخِي﴾ [طه: ٢٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُوسَى صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ: ﴿اذْهَبْ﴾ [الإسراء: ٦٣] يَا مُوسَى ﴿إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى﴾ [طه: ٢٤] يَقُولُ: إِنَّهُ تَجَاوَزَ قَدْرَهُ، وَتَمَرَّدَ عَلَى رَبِّهِ، وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الطُّغْيَانِ بِمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ، فِي هَذَا الْمَوْضِعِ. وَفِي الْكَلَامِ مَحْذُوفٌ اسْتَغْنَى بِفَهْمِ السَّامِعِ بِمَا ذُكِرَ مِنْهُ، وَهُوَ قَوْلُهُ: ﴿اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى﴾ [طه: ٢٤] فَادْعُهُ إِلَى تَوْحِيدِ اللَّهِ وَطَاعَتِهِ، وَإِرْسَالِ بَنِي إِسْرَائِيلَ مَعَكَ. ﴿قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي﴾ [طه: ٢٥] يَقُولُ: رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي، لِأَعِيَ عَنْكَ مَا تُودِعُهُ مِنْ وَحْيِكَ، وَأَجْتَرِئَ بِهِ عَلَى خَطَّابِ فِرْعَوْنَ. ﴿وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي﴾ [طه: ٢٦] يَقُولُ: وَسَهِّلْ عَلَيَّ
١٦ ‏/ ٥٢
الْقِيَامَ بِمَا تُكَلِّفُنِي مِنَ الرِّسَالَةِ، وَتَحْمِلُنِي مِنَ الطَّاعَةِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٦ ‏/ ٥٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي﴾ [طه: ٢٥] قَالَ: جُرْأَةً لِي
١٦ ‏/ ٥٣
وَقَوْلُهُ: ﴿وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي﴾ [طه: ٢٧] يَقُولُ: وَأَطْلِقْ لِسَانِي بِالْمَنْطِقِ، وَكَانَتْ فِيهِ فِيمَا ذُكِرَ عُجْمَةٌ عَنِ الْكَلَامِ الَّذِي كَانَ مِنْ إِلقائهِ الْجَمْرَةَ إِلَى فِيهِ يَوْمَ هَمَّ فِرْعَوْنُ بِقَتْلِهِ
١٦ ‏/ ٥٣
ذِكْرُ الرِّوَايَةِ بِذَلِكَ عَمَّنْ قَالَهُ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي﴾ [طه: ٢٧] قَالَ: عُجْمَةً لِجَمْرَةِ نَارٍ أَدْخَلَهَا فِي فِيهِ عَنْ أَمْرِ امْرَأَةِ فِرْعَوْنَ، تَرُدُّ بِهِ عَنْهُ عُقُوبَةَ فِرْعَوْنَ، حِينَ أَخَذَ مُوسَى بِلِحْيَتِهِ وَهُوَ لَا يَعْقِلُ، فَقَالَ: هَذَا عَدُوٌّ لِي، فَقَالَتْ لَهُ، إِنَّهُ لَا يَعْقِلُ
١٦ ‏/ ٥٣
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، عَنْ ابن أَبِي نَجِيحٍ ﴿وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي﴾ [طه: ٢٧] لِجَمْرَةِ نَارٍ أَدْخَلَهَا فِي فِيهِ عَنْ أَمْرِ امْرَأَةِ فِرْعَوْنَ، تَدْرَأُ بِهِ عَنْهُ عُقُوبَةَ فِرْعَوْنَ، حِينَ أَخَذَ مُوسَى بِلِحْيَتِهِ وَهُوَ لَا يَعْقِلُ، فَقَالَ: هَذَا ⦗٥٤⦘ عَدُوٌّ لِي، فَقَالَتْ لَهُ: إِنَّهُ لَا يَعْقِلُ هَذَا قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ
١٦ ‏/ ٥٣
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي﴾ [طه: ٢٧] قَالَ: عُجْمَةُ الْجَمْرَةِ نَارٌ أَدْخَلَهَا فِي فِيهِ، عَنْ أَمْرِ امْرَأَةِ فِرْعَوْنَ تَرُدُّ بِهِ عَنْهُ عُقُوبَةَ فِرْعَوْنَ حِينَ أَخَذَ بِلِحْيَتِهِ
١٦ ‏/ ٥٤
حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: لَمَّا تَحَرَّكَ الْغُلَامُ، يَعْنِي مُوسَى، أَوْرَتْهُ أُمُّهُ آسِيَةُ صَبِيًّا، فَبَيْنَمَا هِيَ تُرْقِصُهُ وَتَلْعَبُ بِهِ، إِذْ نَاوَلْتُهُ فِرْعَوْنَ، وَقَالَتْ: خُذْهُ، فَلَمَّا أَخَذَهُ إِلَيْهِ أَخَذَ مُوسَى بِلِحْيَتِهِ فَنَتَفَهَا، فَقَالَ فِرْعَوْنُ: عَلَيَّ بِالذَّبَّاحِينَ، قَالَتْ آسِيَةُ: ﴿لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا﴾ [القصص: ٩] إِنَّمَا هُوَ صَبِيُّ لَا يَعْقِلُ، وَإِنَّمَا صَنَعَ هَذَا مِنْ صِبَاهُ، وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي أَهْلِ مِصْرَ أَحْلَى مِنِّي أَنَا أَضَعُ لَهُ حُلِيًّا مِنَ الْيَاقُوتِ، وَأَضَعُ لَهُ جَمْرًا، فَإِنْ أَخَذَ الْيَاقُوتَ فَهُوَ يَعْقِلُ فَاذْبَحْهُ، وَإِنْ أَخَذَ الْجَمْرَ فَإِنَّمَا هُوَ صَبِيُّ، فَأَخْرَجَتْ لَهُ يَاقُوتَهَا وَوَضَعَتْ لَهُ طَسْتًا مِنْ جَمْرٍ، فَجَاءَ جَبْرَائِيلُ ﷺ، فَطَرَحَ فِي يَدِهِ جَمْرَةً، فَطَرَحَهَا مُوسَى فِي فِيهِ، فَأَحْرَقَتْ لِسَانَهُ، فَهُوَ الَّذِي يَقُولُ اللَّهُ عز وجل ﴿وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾ [طه: ٢٨] فَزَالَتْ عَنْ مُوسَى مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ
١٦ ‏/ ٥٤
وَقَوْلُهُ: ﴿يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾ [طه: ٢٨] يَقُولُ: يَفْقَهُوا عَنِّي مَا أُخَاطِبُهُمْ وَأُرَاجِعُهُمْ بِهِ مِنَ ⦗٥٥⦘ الْكَلَامِ. ﴿وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي﴾ [طه: ٢٩] يَقُولُ: وَاجْعَلْ لِي عَوْنًا مِنْ أَهْلِ بَيْتِي ﴿هَارُونَ أَخِي﴾ [طه: ٣٠] . وَفِي نَصْبِ هَارُونَ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ هَارُونُ مَنْصُوبًا عَلَى التَّرْجَمَةِ عَنِ الْوَزِيرِ
١٦ ‏/ ٥٤
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ هَارُونُ أَكْبَرَ مِنْ مُوسَى
١٦ ‏/ ٥٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا﴾ [طه: ٣٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُخْبِرًا عَنْ مُوسَى أَنَّهُ سَأَلَ رَبَّهُ أَنْ يُشَدِّدَ أَزْرَهُ بِأَخِيهِ هَارُونَ. وَإِنَّمَا يَعْنِي بِقَوْلِهِ: ﴿اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي﴾ [طه: ٣١] قَوِّ ظَهْرِي، وَأَعْنِي بِهِ. يُقَالُ مِنْهُ: قَدْ آزَرَ فُلَانٌ فُلَانًا: إِذَا أَعَانَهُ وَشَدَّ ظَهْرَهُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٦ ‏/ ٥٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي﴾ [طه: ٣١] يَقُولُ: اشْدُدْ بِهِ ظَهْرِي
١٦ ‏/ ٥٥
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿اشْدُدْ ⦗٥٦⦘ بِهِ أَزْرِي﴾ [طه: ٣١] يَقُولُ: اشْدُدْ بِهِ أَمْرِي، وَقَوِّنِي بِهِ، فَإِنَّ لِي بِهِ قُوَّةً
١٦ ‏/ ٥٥
وَقَوْلُهُ: ﴿وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي﴾ [طه: ٣٢] يَقُولُ: وَاجْعَلْهُ نَبِيًّا مِثْلَ مَا جَعَلْتَنِي نَبِيًّا، وَأَرْسِلْهُ مَعِي إِلَى فِرْعَوْنَ. ﴿كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا﴾ [طه: ٣٣] يَقُولُ: كَيْ نُعَظِّمَكَ بِالتَّسْبِيحِ لَكَ كَثِيرًا. ﴿وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا﴾ [طه: ٣٤] فَنَحْمَدَكَ. ﴿إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا﴾ [طه: ٣٥] يَقُولُ: إِنَّكَ كُنْتَ ذَا بَصَرٍ بِنَا لَا يَخْفَى عَلَيْكَ مِنْ أَفْعَالِنَا شَيْءٌ. وَذُكِرَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ: «أُشْدُدْ بِهِ أَزْرِي» بِفَتْحِ الْأَلِفِ مِنْ أَشْدُدْ «وَأُشْرِكْهُ فِي أَمْرِي» بِضَمِّ الْأَلِفِ مِنْ أَشْرَكَهُ، بِمَعْنَى الْخَبَرِ مِنْ مُوسَى عَنْ نَفْسِهِ، أَنَّهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ، لَا عَلَى وَجْهِ الدُّعَاءِ. وَإِذَا قُرِئَ ذَلِكَ كَذَلِكَ جُزِمَ أَشْدُدْ وَأُشْرِكْ عَلَى الْجَزَاءِ، أَوْ جَوَابِ الدُّعَاءِ، وَذَلِكَ قِرَاءَةٌ لَا أَرَى الْقِرَاءَةَ بِهَا، وَإِنْ كَانَ لَهَا وَجْهٌ مَفْهُومٌ، لِخِلَافِهَا قِرَاءَةَ الْحُجَّةِ الَّتِي لَا يَجُوزُ خِلَافُهَا
١٦ ‏/ ٥٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى﴾ [طه: ٣٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ اللَّهُ لِمُوسَى ﷺ: قَدْ أُعْطِيتَ مَا سَأَلْتَ يَا مُوسَى رَبَّكَ مِنْ شَرْحِهِ صَدْرَكَ وَتَيْسِيرِهِ لَكَ أَمْرَكَ، وَحَلِّ عُقْدَةِ لِسَانِكَ، وَتَصْيِيرِ أَخِيكَ هَارُونَ وَزِيرًا لَكَ، وَشَدِّ أَزْرِكَ بِهِ، وَإِشْرَاكِهِ فِي الرِّسَالَةِ مَعَكَ
١٦ ‏/ ٥٦
﴿وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى﴾ [طه: ٣٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَقَدْ تَطَوَّلْنَا عَلَيْكَ يَا مُوسَى قَبْلَ هَذِهِ الْمَرَّةِ مَرَّةً أُخْرَى، وَذَلِكَ حِينَ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ، إِذْ وَلَدَتْكَ فِي الْعَامِ الَّذِي كَانَ فِرْعَوْنُ يَقْتُلُ كُلَّ مَوْلُودٍ ذَكَرٍ مِنْ قَوْمِكَ مَا أَوْحَيْنَا إِلَيْهَا، ثُمَّ فَسَّرَ تَعَالَى ذِكْرُهُ مَا أَوْحَى إِلَى أُمِّهِ، ⦗٥٧⦘ فَقَالَ: هُوَ أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ، فَأَنَّ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ رَدًّا عَلَى «مَا» الَّتِي فِي قَوْلِهِ: ﴿مَا يُوحَى﴾ [الأنعام: ٥٠] وَتَرْجَمَةً عَنْهَا
١٦ ‏/ ٥٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي﴾ [طه: ٣٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ يَا مُوسَى مَرَّةً أُخْرَى حِينَ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ أَنِ اقْذِفِي ابْنَكِ مُوسَى حِينَ وَلَدَتْكَ فِي التَّابُوتِ ﴿فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ﴾ [طه: ٣٩] يَعْنِي بِالْيَمِّ: النِّيلَ ﴿فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ﴾ [طه: ٣٩] يَقُولُ: فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ، يُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ، وَهُوَ جَزَاءٌ أُخْرِجَ مَخْرَجَ الْأَمْرِ، كَأَنَّ الْيَمَّ هُوَ الْمَأْمُورُ، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ﴾ [العنكبوت: ١٢] يَعْنِي: اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا نَحْمِلْ عَنْكُمْ خَطَايَاكُمْ، فَفَعَلَتْ ذَلِكَ أُمُّهُ بِهِ فَأَلْقَاهُ الْيَمُّ بِمَشْرَعَةِ آلِ فِرْعَوْنَ
١٦ ‏/ ٥٧
كَمَا: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: لَمَّا وَلَدَتْ مُوسَى أُمُّهُ أَرْضَعَتْهُ، حَتَّى إِذَا أَمَرَ فِرْعَوْنُ بِقَتْلِ الْوِلْدَانِ مِنْ سَنَتِهِ تِلْكَ عَمَدَتْ إِلَيْهِ، فَصَنَعَتْ بِهِ مَا أَمَرَهَا اللَّهُ تَعَالَى، جَعَلَتْهُ فِي تَابُوتٍ صَغِيرٍ، وَمَهَّدَتْ لَهُ فِيهِ، ثُمَّ عَمَدَتْ إِلَى النِّيلِ فَقَذَفَتْهُ فِيهِ، وَأَصْبَحَ فِرْعَوْنُ فِي مَجْلِسٍ لَهُ كَانَ يَجْلِسُهُ عَلَى شَفِيرِ النِّيلِ كُلَّ غَدَاةٍ، فَبَيْنَا هُوَ جَالِسٌ، إِذْ مَرَّ النِّيلُ بِالتَّابُوتِ فَقَذَفَ بِهِ وَآسِيَةُ ابْنَةُ مُزَاحِمٍ امْرَأَتُهُ جَالِسَةٌ إِلَى جَنْبِهِ، فَقَالَ: إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ فِي الْبَحْرِ، فَأْتُونِي بِهِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ أَعْوَانُهُ حَتَّى جَاءُوا بِهِ، فَفَتَحَ التَّابُوتَ فَإِذَا فِيهِ صَبِيُّ فِي مَهْدِهِ، فَأَلْقَى اللَّهُ عَلَيْهِ مَحَبَّتَهُ، وَعَطَفَ عَلَيْهِ نَفْسَهُ وَعَنَى جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ﴾ [طه: ٣٩] فِرْعَوْنُ هُوَ الْعَدُو، ⦗٥٨⦘ كَانَ لِلَّهِ وَلِمُوسَى
١٦ ‏/ ٥٧
حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، فِي قَوْلِهِ: ﴿فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ﴾ [طه: ٣٩] وَهُوَ الْبَحْرُ، وَهُوَ النِّيلُ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى الْمَحَبَّةِ الَّتِي قَالَ اللَّهُ جَلَّ، ثَنَاؤُهُ ﴿وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي﴾ [طه: ٣٩] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَنَى بِذَلِكَ أَنَّهُ حَبَّبَهُ إِلَى عِبَادِهِ
١٦ ‏/ ٥٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الصُّدَائِيُّ، وَالْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ، قَالَا: ثنا حُسَيْنُ الْجُعْفِيُّ، عَنْ مُوسَى بْنِ قَيْسٍ الْحَضْرَمِيِّ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي﴾ [طه: ٣٩] قَالَ عَبَّاسٌ: حَبَّبْتُكَ إِلَى عِبَادِي، وَقَالَ الصُّدَائِيُّ: حَبَّبْتُكَ إِلَى خَلْقِي وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: أَيْ حَسَّنْتُ خَلْقَكَ
١٦ ‏/ ٥٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ رَجُلٍ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ أَبَانَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي﴾ [طه: ٣٩] قَالَ: حُسْنًا وَمَلَاحَةً قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالَّذِي هُوَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ ⦗٥٩⦘ أَلْقَى مَحَبَّتَهُ عَلَى مُوسَى، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ﴿وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي﴾ [طه: ٣٩] فَحَبَّبَهُ إِلَى آسِيَةَ امْرَأَةِ فِرْعَوْنَ، حَتَّى تَبَنَّتْهُ وَغَذَّتْهُ وَرَبَّتْهُ، وَإِلَى فِرْعَوْنَ، حَتَّى كَفَّ عَنْهُ عَادِيَتَهُ وَشَرَّهُ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّمَا قِيلَ: وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي، لِأَنَّهُ حَبَّبَهُ إِلَى كُلِّ مَنْ رَآهُ. وَمَعْنَى ﴿وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي﴾ [طه: ٣٩] حَبَّبْتُكَ إِلَيْهِمْ، يَقُولُ الرَّجُلُ لِآخَرَ إِذَا أَحَبَّهُ: أَلْقَيْتُ عَلَيْكَ رَحْمَتِي: أَيْ مَحَبَّتِي
١٦ ‏/ ٥٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى﴾ [طه: ٤٠] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ ﴿وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي﴾ [طه: ٣٩] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: وَلِتُغَذَّى وَتُرَبَّى عَلَى مَحَبَّتِي وَإِرَادَتِي
١٦ ‏/ ٥٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي﴾ [طه: ٣٩] قَالَ: هُوَ غِذَاؤُهُ، وَلْتُغَذَّى عَلَى عَيْنِي
١٦ ‏/ ٥٩
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ ﴿وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي﴾ [طه: ٣٩] قَالَ: جَعَلَهُ فِي بَيْتِ الْمَلِكِ يَنْعَمُ وَيَتْرَفُ غِذَاؤُهُ عِنْدَهُمْ غِذَاءُ الْمَلِكِ، فَتِلْكَ الصَّنْعَةُ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: وَأَنْتَ بِعَيْنِي فِي أَحْوَالِكَ كُلِّهَا
١٦ ‏/ ٥٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، ﴿وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي﴾ [طه: ٣٩] قَالَ: أَنْتَ بِعَيْنَيَّ إِذْ جَعَلَتْكَ أُمُّكَ فِي التَّابُوتِ، ثُمَّ فِي الْبَحْرِ، وَ﴿إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ﴾ [طه: ٤٠] وَقَرَأَ ابْنُ نَهِيكٍ: «وَلِتَصْنَعَ» بِفَتْحِ التَّاءِ وَتَأَوَّلَهُ
١٦ ‏/ ٦٠
كَمَا: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْمُؤْمِنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا نَهِيكٍ، يَقْرَأُ «وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي» فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: وَلْتُعْمَلَ عَلَى عَيْنِي قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالْقِرَاءَةُ الَّتِي لَا أَسْتَجِيزُ الْقِرَاءَةَ بِغَيْرِهَا ﴿وَلِتُصْنَعَ﴾ [طه: ٣٩] بِضَمِّ التَّاءِ، لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَيْهَا. وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ بِهِ التَّأْوِيلُ الَّذِي تَأَوَّلَهُ قَتَادَةُ، وَهُوَ: ﴿وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي﴾ [طه: ٣٩] وَلِتُغَذَّى عَلَى عَيْنِي، أَلْقَيْتُ عَلَيْكَ الْمَحَبَّةَ مِنِّي. وَعَنَى بِقَوْلِهِ: ﴿عَلَى عَيْنِي﴾ [طه: ٣٩] بِمَرْأًى مِنِّي وَمَحَبَّةً وَإِرَادَةً
١٦ ‏/ ٦٠
وَقَوْلُهُ: ﴿إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ﴾ [طه: ٤٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: حِينَ تَمْشِي أُخْتُكَ تَتْبَعُكَ حَتَّى وَجَدَتْكَ، ثُمَّ تَأْتِي مَنْ يَطْلُبُ الْمَرَاضِعَ لَكَ، فَتَقُولُ: هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ؟ وَحُذِفَ مِنَ الْكَلَامِ مَا ذَكَرْتُ بَعْدَ قَوْلِهِ ﴿إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ﴾ [طه: ٤٠] اسْتِغْنَاءً بِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ. ⦗٦١⦘ وَإِنَّمَا قَالَتْ أُخْتُ مُوسَى ذَلِكَ لَهُمْ لِمَا:
١٦ ‏/ ٦٠
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: لَمَّا أَلْقَتْهُ أُمُّهُ فِي الْيَمِّ ﴿قَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ﴾ [القصص: ١١] فَلَمَّا الْتَقَطُهُ آلُ فِرْعَوْنَ، وَأَرَادُوا لَهُ الْمُرْضِعَاتِ، فَلَمْ يَأْخُذْ مِنْ أَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ، وَجَعَلَ النِّسَاءُ يَطْلُبْنَ ذَلِكَ لَيَنْزِلْنَ عِنْدَ فِرْعَوْنَ فِي الرَّضَاعِ، فَأَبَى أَنْ يَأْخُذَ، فَقَالَتْ أُخْتُهُ: ﴿هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلٍ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ﴾ [القصص: ١٢] فَأَخَذُوهَا وَقَالُوا: بَلْ قَدْ عَرَفْتِ هَذَا الْغُلَامَ، فَدُلِّينَا عَلَى أَهْلِهِ، قَالَتْ: مَا أَعْرِفُهُ، وَلَكِنْ إِنَّمَا قُلْتُ هُمْ لِلْمَلِكِ نَاصِحُونَ
١٦ ‏/ ٦١
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: قَالَتْ، يَعْنِي أُمَّ مُوسَى لِأُخْتِهِ: قُصِّيهِ فَانْظُرِي مَاذَا يَفْعَلُونَ بِهِ، فَخَرَجَتْ فِي ذَلِكَ ﴿فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ [القصص: ١١] وَقَدِ احْتَاجَ إِلَى الرَّضَاعِ وَالْتَمَسَ الثَّدْيَ، وَجَمَعُوا لَهُ الْمَرَاضِعَ حِينَ أَلْقَى اللَّهُ مَحَبَّتَهُمْ عَلَيْهِ، فَلَا يُؤْتَى بِامْرَأَةٍ، فَيَقْبَلُ ثَدْيَهَا، فَيُرْمِضُهُمْ ذَلِكَ، فَيُؤْتَى بِمُرْضِعٍ بَعْدَ مُرْضَعٍ، فَلَا يَقْبَلُ شَيْئًا مِنْهُمْ، فَقَالَتْ لَهُمْ أُخْتُهُ حِينَ رَأَتْ مِنْ وَجْدِهِمْ بِهِ وَحِرْصِهِمْ عَلَيْهِ ﴿هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ﴾ [القصص: ١٢] أَيْ لِمَنْزِلَتِهِ عِنْدَكُمْ وَحِرْصُكُمْ عَلَى مَسَرَّةِ الْمَلِكِ وَعَنَى بِقَوْلِهِ: ﴿هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ﴾ [طه: ٤٠] هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَضُمُّهُ إِلَيْهِ ⦗٦٢⦘ فَيَحْفَظُهُ وَيُرْضِعُهُ وَيُرَبِّيهِ. وَقِيلَ: مَعْنَى ﴿وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا﴾ [آل عمران: ٣٧] ضَمَّهَا
١٦ ‏/ ٦١
وَقَوْلُهُ: ﴿فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنْ﴾ [طه: ٤٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَرَدَدْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ بَعْدَ مَا صِرْتَ فِي أَيْدِي آلِ فِرْعَوْنَ، كَيْمَا تَقَرَّ عَيْنُهَا بِسَلَامَتِكَ وَنَجَاتِكَ مِنَ الْقَتْلِ وَالْغَرِقِ فِي الْيَمِّ، وَكِيلَا تَحْزَنَ عَلَيْكَ مِنَ الْخَوْفِ مِنْ فِرْعَوْنَ عَلَيْكَ أَنْ يَقْتُلَكَ
١٦ ‏/ ٦٢
كَمَا: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: لَمَّا قَالَتْ أُخْتُ مُوسَى لَهُمْ مَا قَالَتْ، قَالُوا: هَاتِ، فَأَتَتْ أُمَّهُ فَأَخْبَرَتْهَا، فَانْطَلَقَتْ مَعَهَا حَتَّى أَتَتْهُمْ، فَنَاوَلُوهَا إِيَّاهُ، فَلَمَّا وَضَعَتْهُ فِي حِجْرِهَا أَخَذَ ثَدْيَهَا، وَسُرُّوا بِذَلِكَ مِنْهُ، وَرَدَّهُ اللَّهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا، وَلَا تَحْزَنَ، فَبَلَغَ لُطْفُ اللَّهِ لَهَا وَلَهُ، أَنْ رَدَّ عَلَيْهَا وَلَدَهَا وَعَطَفَ عَلَيْهَا نَفْعَ فِرْعَوْنَ وَأَهْلِ بَيْتِهِ مَعَ الْأَمَنَةِ مِنَ الْقَتْلِ الَّذِي يُتَخَوَّفُ عَلَى غَيْرِهِ، فَكَأَنَّهُمْ كَانُوا مِنْ أَهْلِ بَيْتِ فِرْعَوْنَ فِي الْأَمَانِ وَالسَّعَةِ، فَكَانَ عَلَى فَرْشِ فِرْعَوْنَ وَسُرُرِهِ
١٦ ‏/ ٦٢
وَقَوْلُهُ: ﴿وَقَتَلْتَ نَفْسًا﴾ [طه: ٤٠] يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِذَلِكَ: قَتْلَهُ الْقِبْطِيَّ الَّذِي قَتَلَهُ حِينَ اسْتَغَاثَهُ عَلَيْهِ الْإِسْرَائِيلِيِّ، فَوَكَزَهُ مُوسَى
١٦ ‏/ ٦٢
وَقَوْلُهُ: ﴿فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ﴾ [طه: ٤٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَنَجَّيْنَاكَ مِنْ غَمِّكِ بِقَتْلِكَ النَّفْسَ الَّتِي قَتَلْتَ، إِذْ أَرَادُوا أَنْ يَقْتُلُوكَ بِهَا فَخَلَّصْنَاكَ مِنْهُمْ، حَتَّى هَرَبْتَ إِلَى أَهْلِ مَدَيْنَ، فَلَمْ يَصِلُوا إِلَى قَتْلِكَ وَقَوَدِكَ. وَكَانَ قَتْلُهُ إِيَّاهُ فِيمَا ذُكِرَ خَطَأً
١٦ ‏/ ٦٢
كَمَا: حَدَّثَنِي وَاصِلُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «إِنَّمَا قَتَلَ مُوسَى الَّذِي قَتَلَ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ خَطَأً، فَقَالَ اللَّهُ لَهُ: ﴿وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا﴾ [طه: ٤٠]»
١٦ ‏/ ٦٣
حَدَّثَنِي زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَا: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ﴿فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ﴾ [طه: ٤٠] قَالَ: مِنْ قَتْلِ النَّفْسِ
١٦ ‏/ ٦٣
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ﴾ [طه: ٤٠] النَّفْسُ الَّتِي قَتَلَ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ ﴿وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا﴾ [طه: ٤٠] فَقَالَ بَعْضُهُمُ: ابْتَلَيْنَاكَ ابْتِلَاءً وَاخْتَبَرْنَاكَ اخْتِبَارًا
١٦ ‏/ ٦٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا﴾ [طه: ٤٠] يَقُولُ: اخْتَبَرْنَاكَ اخْتِبَارًا
١٦ ‏/ ٦٣
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﴿وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا﴾ [طه: ٤٠] قَالَ: ابْتُلِيتَ بَلَاءً
١٦ ‏/ ٦٤
حَدَّثَنِي الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ الْآمُلِيُّ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَصْبَغُ بْنُ زَيْدٍ الْجُهَنِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْقَاسِمُ بْنُ أًبِي أَيُّوبَ، قَالَ: ثني سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، قَالَ: سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ، لِمُوسَى ﴿وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا﴾ [طه: ٤٠] فَسَأَلْتُهُ عَلَى الْفُتُونِ مَا هِيَ؟ فَقَالَ لِي: اسْتَأْنِفِ النَّهَارَ يَا ابْنَ جُبَيْرٍ فَإِنَّ لَهَا حَدِيثًا طَوِيلًا، قَالَ فَلَمَّا أَصْبَحْتُ غَدَوْتُ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ لِأَنْتَجِزَ مِنْهُ مَا وَعَدَنِي، قَالَ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: تَذَاكَرَ فِرْعَوْنُ وَجُلَسَاؤُهُ مَا وَعَدَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ مِنْ أَنْ يَجْعَلَ فِي ذُرِّيَّتِهِ أَنْبِيَاءَ وَمُلُوكًا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَنْتَظِرُونَ ذَلِكَ وَمَا يَشُكُّونَ فِيهِ، وَلَقَدْ كَانُوا يَظُنُّونَ أَنَّهُ يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ، فَلَمَّا هَلَكَ قَالُوا: لَيْسَ هَكَذَا كَانَ وَعَدَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ، فَقَالَ فِرْعَوْنُ: فَكَيْفَ تَرَوْنَ؟ قَالَ: فَأْتَمَرُوا بَيْنَهُمْ وَأَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ رِجَالًا مَعَهُمُ الشِّفَارُ يَطُوفُونَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَلَا يَجِدُونَ مَوْلُودًا ذَكَرًا إِلَّا ذَبَحُوهُ، فَلَمَّا رَأَوْا أَنَّ الْكِبَارَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَمُوتُونَ بِآجَالِهِمْ، وَأَنَّ الصَّغَارَ يُذْبَحُونَ، قَالُوا: يُوشِكُ أَنْ تُفْنُوا بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَتَصِيرُونَ إِلَى أَنْ تُبَاشِرُوا مِنَ الْأَعْمَالِ وَالْخِدْمَةِ الَّتِي كَانُوا يَكْفُونَكُمْ، فَاقْتُلُوا عَامًا كُلَّ مَوْلُودٍ ذَكَرٍ، فَيَقِلَّ أَبَناؤُهُمْ، وَدَعُوا عَامًا فَلَا تقْتَلُوا مِنْهُمْ أَحَدٌ، فَتَشِبُّ الصِّغَارُ مَكَانَ مَنْ يَمُوتُ مِنَ الْكِبَارِ، فَإِنَّهُمْ لَنْ يَكْثُرُوا بِمَنْ تَسْتَحْيُونَ ⦗٦٥⦘ مِنْهُمْ فَتَخَافُونَ مُكَاثَرَتَهُمْ إِيَّاكُمْ، وَلَنْ يَقِلُّوا بِمَنْ تَقْتُلُونَ، فَأَجْمِعُوا أَمْرَهُمْ عَلَى ذَلِكَ فَحَمَلَتْ أُمُّ مُوسَى بِهَارُونَ فِي الْعَامِ الْمُقْبِلِ الَّذِي لَا يُذْبَحُ فِيهِ الْغِلْمَانُ، فَوَلَدَتْهُ عَلَانِيَةً آمِنَةً، حَتَّى إِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ حَمَلَتْ بِمُوسَى فَوَقَعَ فِي قَلْبِهَا الْهَمُّ وَالْحُزْنُ وَذَلِكَ مِنَ الْفُتُونِ يَا ابْنَ جُبَيْرٍ مِمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ فِي بَطْنِ أُمِّهِ مِمَّا يُرَادُ بِهِ، فَأَوْحَى اللَّهُ تبارك وتعالى إِلَيْهَا أَنْ ﴿لَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ [القصص: ٧] وَأَمَرَهَا إِذَا وَلَدَتْ أَنْ تَجْعَلَهُ فِي تَابُوتٍ، ثُمَّ تُلْقِيهِ فِي الْيَمِّ، فَلَمَّا وَلَدَتْهُ فَعَلَتْ مَا أُمِرَتْ بِهِ، حَتَّى إِذَا تَوَارَى عَنْهَا ابْنُهَا أَتَاهَا إِبْلِيسُ، فَقَالَتْ فِي نَفْسِهَا: مَا صَنَعْتُ بِابْنٍ، لَوْ ذُبِحَ عِنْدِي فَوَارَيْتُهُ وَكَفَّنْتُهُ كَانَ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُلْقِيهِ بِيَدِي إِلَى حِيتَانِ الْبَحْرِ وَدَوَرَانِهِ، فَانْطَلَقَ بِهِ الْمَاءُ حَتَّى أَوْفَى بِهِ فُرْضَةَ مُسْتَقَى جَوَارِي آلِ فِرْعَوْنَ، فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَخَذْنَهُ، فَهَمَمْنَ أَنْ يَفْتَحْنَ التَّابُوتَ، فَقَالَ بَعْضُهُنَّ: إِنَّ فِي هَذَا مَالًا وَإِنَّا إِنْ فَتَحْنَاهُ لَمْ تُصَدِّقْنَا امْرَأَةُ الْمَلَكِ بِمَا وَجَدْنَا فِيهِ، فَحَمَلْنَهُ كَهَيْئَتِهِ لَمْ يُحَرِّكْنَ مِنْهُ شَيْئًا حَتَّى دَفَعْنَهُ إِلَيْهَا، فَلَمَّا فَتَحَتْهُ رَأَتْ فِيهِ غُلَامًا فَأُلْقِيَ عَلَيْهِ مِنْهَا مَحَبَّةً لَمْ يُلْقَ مِثْلُهَا مِنْهَا عَلَى أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ، فَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا مِنْ ذِكْرِ مُوسَى. فَلَمَّا سَمِعَ الذَّبَّاحُونَ بِأَمْرِهِ أَقْبَلُوا إِلَى امْرَأَةِ فِرْعَوْنَ بِشِفَارِهِمْ، يُرِيدُونَ أَنْ يَذْبَحُوهُ وَذَلِكَ مِنَ الْفُتُونِ يَا ابْنَ جُبَيْرٍ فَقَالَتْ لِلذَّبَّاحِينَ: انْصَرِفُوا عَنِّي، فَإِنَّ هَذَا الْوَاحِدَ لَا يَزِيدُ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَآتِي فِرْعَوْنَ فَأَسْتَوْهِبُهُ إِيَّاهُ، فَإِنْ وَهَبَهُ لِي كُنْتُمْ قَدْ أَحْسَنْتُمْ وَأَجْمَلْتُمْ، وَإِنْ أَمَرَ بِذَبْحِهِ لَمْ أَلُمْكُمْ، فَلَمَّا أَتَتْ بِهِ فِرْعَوْنَ قَالَتْ: ﴿قُرَّةُ عَيْنٍ ⦗٦٦⦘ لِي وَلَكَ﴾ قَالَ فِرْعَوْنُ: يَكُونُ لَكِ، وَأَمَّا أَنَا فَلَا حَاجَةَ لِي فِيهِ. فَقَالَ: وَالَّذِي يُحْلَفُ بِهِ لَوْ أَقَرَّ فِرْعَوْنُ أَنْ يَكُونَ لَهُ قُرَّةَ عَيْنٍ كَمَا أَقَرَّتْ بِهِ، لَهَدَاهُ اللَّهُ بِهِ كَمَا هَدَى بِهِ امْرَأَتَهُ، وَلَكِنَّ اللَّهَ حَرَمَهُ ذَلِكَ. فَأَرْسَلَتْ إِلَى مَنْ حَوْلَهَا مِنْ كُلِّ أُنْثَى لَهَا لَبَنٌ، لِتَخْتَارَ لَهُ ظِئْرًا، فَجَعَلَ كُلَّمَا أَخَذَتْهُ امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ لِتُرْضِعَهُ لَمْ يَقْبَلْ ثَدْيَهَا، حَتَّى أَشْفَقَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنَ اللَّبَنِ فَيَمُوتَ، فَحَزَّنَهَا ذَلِكَ، فَأَمَرَتْ بِهِ فَأُخْرِجَ إِلَى السُّوقِ مَجْمَعَ النَّاسِ تَرْجُو أَنْ تُصِيبَ لَهُ ظِئْرًا يَأْخُذُ مِنْهَا، فَلَمْ يَقْبَلْ مِنْ أَحَدٍ. وَأَصْبَحَتْ أُمُّ مُوسَى، فَقَالَتْ لِأُخْتِهِ: قُصِّيهِ وَاطْلُبِيهِ، هَلْ تَسْمَعِينَ لَهُ ذِكْرًا؟ أَحَيُّ ابْنِي، أَوْ قَدْ أَكَلَتْهُ دَوَابُّ الْبَحْرِ وَحِيتَانُهُ؟ وَنَسِيَتِ الَّذِي كَانَ اللَّهُ وَعَدَهَا، فَبَصُرَتْ بِهِ أُخْتُهُ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ، فَقَالَتْ مِنَ الْفَرَحِ حِينَ أَعْيَاهُمُ الظُّئُورَاتُ: أَنَا أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ، فَأَخَذُوهَا وَقَالُوا: وَمَا يُدْرِيكِ مَا نُصْحُهُمْ لَهُ؟ هَلْ يَعْرِفُونَهُ؟ حَتَّى شَكُّوا فِي ذَلِكَ وَذَلِكَ مِنَ الْفُتُونِ يَا ابْنَ جُبَيْرٍ فَقَالَتْ: نُصْحُهُمْ لَهُ وَشَفَقَتُهُمْ عَلَيْهِ، رَغْبَتُهُمْ فِي ظُئُورَةِ الْمَلِكِ، وَرَجَاءَ مَنْفَعَتِهِ، فَتَرَكُوهَا، فَانْطَلَقَتْ إِلَى أُمِّهَا فَأَخْبَرَتْهَا الْخَبَرَ، فَجَاءَتْ، فَلَمَّا وَضَعَتْهُ فِي حِجْرِهَا نَزَا إِلَى ثَدْيِهَا حَتَّى امْتَلَأَ جَنْبَاهُ، فَانْطَلَقَ الْبُشَرَاءُ إِلَى امْرَأَةِ فِرْعَوْنَ يُبَشِّرُونَها أَنْ قَدْ وَجَدْنَا لِابْنِكِ ظِئْرًا، فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهَا، فَأُتِيَتْ بِهَا وَبِهِ، فَلَمَّا رَأَتْ مَا يَصْنَعُ بِهَا قَالَتِ: امْكُثِي عِنْدِي حَتَّى تُرْضِعِي ابْنِي هَذَا فَإِنِّي لَمْ أُحِبَّ حُبَّهُ شَيْئًا قَطُّ، قَالَ: فَقَالَتْ: لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَدَعَ بَيْتِي وَوَلَدِي، فَيَضِيعُ، فَإِنْ طَابَتْ نَفْسُكِ أَنْ تُعْطِينِيهِ فَأَذْهَبَ بِهِ إِلَى بَيْتِي فَيَكُونَ مَعِي لَا آلُوهُ خَيْرًا فَعَلْتِ، وَإِلَّا فَإِنِّي غَيْرُ تَارِكَةٍ بَيْتِي وَوَلَدِي وَذَكَرَتْ أُمُّ مُوسَى مَا كَانَ اللَّهُ وَعَدَهَا، فَتَعَاسَرَتْ عَلَى ⦗٦٧⦘ امْرَأَةِ فِرْعَوْنَ، وَأَيْقَنَتْ أَنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى مُنْجِزٌ وَعْدَهُ، فَرَجَعْتُ بِابْنِهَا إِلَى بَيْتِهَا مِنْ يَوْمِهَا، فَأَنْبَتَهُ اللَّهُ نَبَاتًا حَسَنًا، وَحَفِظَهُ لِمَا قَضَى فِيهِ، فَلَمْ يَزَلْ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَهُمْ مُجْتَمِعُونَ فِي نَاحِيَةِ الْمَدِينَةِ يَمْتَنِعُونَ بِهِ مِنَ الظُّلْمِ وَالسُّخْرَةِ الَّتِي كَانَتْ فِيهِمْ. فَلَمَّا تَرَعْرَعَ، قَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ لِأُمِّ مُوسَى: أَزِيرِينِي ابْنِي. فَوَعَدَتْهَا يَوْمًا تُزِيرُهَا إِيَّاهُ فِيهِ، فَقَالَتْ لِخَوَاصِّهَا وَظُئُورَتِهَا وَقَهَارِمَتِهَا: لَا يَبْقَيْنَ أَحَدٌ مِنْكُمْ إِلَّا اسْتَقْبَلَ ابْنِي بِهَدِيَّةٍ وَكَرَامَةٍ لِيُرَى ذَلِكَ، وَأَنَا بَاعِثَةٌ أَمِينَةً تُحْصِي كُلَّ مَا يَصْنَعُ كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْكُمْ، فَلَمْ تَزَلِ الْهَدِيَّةُ وَالْكَرَامَةُ وَالتُّحَفُ تَسْتَقْبِلُهُ مِنْ حِينِ خَرَجَ مِنْ بَيْتِ أُمِّهِ إِلَى أَنْ دَخَلَ عَلَى امْرَأَةِ فِرْعَوْنَ. فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهَا نَحَلَتْهُ وَأَكْرَمَتْهُ وَفَرِحَتْ بِهِ، وَأَعْجَبَهَا مَا رَأَتْ مِنْ حُسْنِ أَثَرِهَا عَلَيْهِ، وَقَالَتِ: انْطَلِقْنَ بِهِ إِلَى فِرْعَوْنَ، فَلْيُنْحِلْهُ وَلْيُكْرِمْهُ. فَلَمَّا دَخَلُوا بِهِ عَلَيْهِ جَعَلَتْهُ فِي حِجْرِهِ، فَتَنَاوَلَ مُوسَى لِحْيَةَ فِرْعَوْنَ حَتَّى مَدَّهَا، فَقَالَ عَدُوٌّ مِنْ أَعْدَاءِ اللَّهِ: أَلَا تَرَى مَا وَعَدَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ أَنَّهُ سَيَصْرَعُكَ وَيَعْلُوكَ، فَأَرْسِلْ إِلَى الذَّبَّاحِينَ لِيَذْبَحُوهُ وَذَلِكَ مِنَ الْفُتُونِ يَا ابْنَ جُبَيْرٍ بَعْدَ كُلِّ بَلَاءٍ ابْتُلِيَ بِهِ وَأُرِيدُ بِهِ. فَجَاءَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ تَسْعَى إِلَى فِرْعَوْنَ، فَقَالَتْ: مَا بَدَا لَكَ فِي هَذَا الصَّبِيِّ الَّذِي قَدْ وَهَبْتَهُ لِي؟ قَالَ: أَلَا تَرَيْنَ يَزْعُمُ أَنَّهُ سَيَصْرَعُنِي وَيَعْلُونِي، فَقَالَتِ: اجْعَلْ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَمْرًا تَعْرِفُ فِيهِ الْحَقَّ، ائْتِ ⦗٦٨⦘ بِجَمْرَتَيْنِ وَلُؤْلُؤَتَيْنِ، فَقَرِّبْهُنَّ إِلَيْهِ، فَإِنْ بَطَشَ بِاللُّؤْلُؤَتَيْنِ وَاجْتَنَبَ الْجَمْرَتَيْنِ عَلِمْتَ أَنَّهُ يَعْقِلُ، وَإِنْ تَنَاوَلَ الْجَمْرَتَيْنِ وَلَمْ يُرِدِ اللُّؤْلُؤَتَيْنِ فَاعْلَمْ أَنَّ أَحَدًا لَا يُؤْثِرُ الْجَمْرَتَيْنِ عَلَى اللُّؤْلُؤَتَيْنِ وَهُوَ يَعْقِلُ، فَقَرَّبَ ذَلِكَ إِلَيْهِ، فَتَنَاوَلَ الْجَمْرَتَيْنِ، فَنَزَعُوهُمَا مِنْهُ مَخَافَةَ أَنْ تَحْرِقَا يَدَهُ، فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ: أَلَا تَرَى؟ فَصَرَفَهُ اللَّهُ عَنْهُ بَعْدَ مَا قَدْ هَمَّ بِهِ، وَكَانَ اللَّهُ بَالِغًا فِيهِ أَمْرَهُ. فَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ، وَكَانَ مِنَ الرِّجَالِ، لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَخْلُصُ إِلَى أَحَدٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مَعَهُ بِظُلْمٍ وَلَا سُخْرَةٍ، حَتَّى امْتَنَعُوا كُلَّ امْتِنَاعٍ، فَبَيْنَمَا هُوَ يَمْشِي ذَاتَ يَوْمٍ فِي نَاحِيَةِ الْمَدِينَةِ، إِذْ هُوَ بِرَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ، أَحَدُهُمَا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَالْآخَرُ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ، فَاسْتَغَاثَهُ الْإِسْرَائِيلِيُّ عَلَى الْفِرْعَوْنِيِّ، فَغَضِبَ مُوسَى وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ، لِأَنَّهُ تَنَاوَلَهُ وَهُوَ يَعْلَمُ مَنْزِلَةَ مُوسَى مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَحِفْظَهُ لَهُمْ، وَلَا يَعْلَمُ النَّاسُ إِلَّا أَنَّمَا ذَلِكَ مِنْ قِبَلِ الرَّضَاعَةِ غَيْرُ أُمُّ مُوسَى، إِلَّا أَنْ يَكُونَ اللَّهُ أَطْلَعَ مُوسَى مِنْ ذَلِكَ عَلَى مَا لَمْ يُطْلِعْ عَلَيْهِ غَيْرَهُ، فَوَكَزَ مُوسَى الْفِرْعَوْنيِّ فَقَتَلَهُ وَلَيْسَ يَرَاهُمَا أَحَدٌ إِلَّا اللَّهُ وَالْإِسْرَائِيلِيُّ، فَقَالَ مُوسَى حِينَ قَتَلَ الرَّجُلَ: ﴿هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ﴾ [القصص: ١٥] ثُمَّ قَالَ: ﴿رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [القصص: ١٦] ﴿فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ﴾ [القصص: ١٨] الْأَخْبَارَ، فَأُتِيَ فِرْعَوْنُ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ قَتَلُوا رَجُلًا مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ، فَخُذْ لَنَا بِحَقِّنَا وَلَا تُرَخِّصْ لَهُمْ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: ابْغُونِي قَاتِلَهُ وَمَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ لَا يَسْتَقِيمُ أَنْ يُقْضَى بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ وَلَا ثَبْتٍ، فَطَلَبُوا لَهُ ذَلِكَ، فَبَيْنَمَا هُمْ يَطُوفُونَ لَا يَجِدُونَ ثَبْتًا، إِذْ مَرَّ مُوسَى مِنَ الْغَدِ، فَرَأَى ذَلِكَ الْإِسْرَائِيلِيَّ يُقَاتِلُ ⦗٦٩⦘ فِرْعَوْنِيًّا، فَاسْتَغَاثَهُ الْإِسْرَائِيلِيُّ عَلَى الْفِرْعَوْنِيِّ، فَصَادَفَ مُوسَى وَقَدْ نَدِمَ عَلَى مَا كَانَ مِنْهُ بِالْأَمْسِ وَكَرِهَ الَّذِي رَأَى، فَغَضِبَ مُوسَى، فَمَدَّ يَدَهُ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَبْطِشَ بِالْفِرْعَوْنِيِّ، قَالَ لِلْإِسْرَائِيلِيِّ لِمَا فَعَلَ بِالْأَمْسِ وَالْيَوْمَ ﴿إِنَّكَ لَغَوِيُّ مُبِينٌ﴾ [القصص: ١٨] فَنَظَرَ الْإِسْرَائِيلِيُّ مُوسَى بَعْدَ مَا قَالَ، فَإِذَا هُوَ غَضْبَانُ كَغَضَبِهِ بِالْأَمْسِ الَّذِي قَتَلَ فِيهِ الْفِرْعَوْنِيُّ، فَخَافَ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ مَا قَالَ لَهُ ﴿إِنَّكَ لَغَوِيُّ مُبِينٌ﴾ [القصص: ١٨] أَنْ يَكُونَ إِيَّاهُ أَرَادَ، وَلَمْ يَكُنْ أَرَادَهُ، إِنَّمَا أَرَادَ الْفِرْعَوْنِيَّ فَخَافَ الْإِسْرَائِيلِيُّ فَحَاجَزَ الْفِرْعَوْنِيَّ فَقَالَ: ﴿يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِيَ كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ﴾ [القصص: ١٩] وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ مَخَافَةَ أَنْ يَكُونَ إِيَّاهُ أَرَادَ مُوسَى لِيَقْتُلَهُ، فَتَتَارَكَا، فَانْطَلَقَ الْفِرْعَوْنِيُّ إِلَى قَوْمِهِ فَأَخْبَرَهُمْ بِمَا سَمِعَ مِنَ الْإِسْرَائِيلِيِّ مِنَ الْخَبَرِ حِينَ يَقُولُ: أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ؟ فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ الذَّبَّاحِينَ، فَسَلَكَ مُوسَى الطَّرِيقَ الْأَعْظَمَ، فَطَلَبُوهُ وَهُمْ لَا يَخَافُونَ أَنْ يَفُوتَهُمْ، وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ شِيعَةِ مُوسَى مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ، فَاخْتَصَرَ طَرِيقًا قَرِيبًا حَتَّى سَبَقَهُمْ إِلَى مُوسَى، فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ، وَذَلِكَ مِنَ الْفُتُونِ يَا ابْنَ جُبَيْرٍ.
١٦ ‏/ ٦٤
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿فُتُونًا﴾ [طه: ٤٠] قَالَ: بَلَاءٌ، إِلْقَاؤُهُ فِي التَّابُوتِ، ثُمَّ فِي الْبَحْرِ، ثُمَّ الْتِقَاطُ آلِ فِرْعَوْنَ إِيَّاهُ، ثُمَّ خُرُوجُهُ خَائِفًا. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، وَقَالَ أَبُو عَاصِمٍ: خَائِفًا، أَوْ جَائِعًا «شَكَّ أَبُو عَاصِمٍ»، وَقَالَ الْحَارِثُ: خَائِفًا يَتَرَقَّبُ، وَلَمْ يَشُكَّ
١٦ ‏/ ٧٠
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ وَقَالَ: ﴿خَائِفًا يَتَرَقَّبُ﴾ [القصص: ١٨] وَلَمْ يَشُكَّ
١٦ ‏/ ٧٠
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا﴾ [طه: ٤٠] يَقُولُ: ابْتَلَيْنَاكَ بَلَاءً
١٦ ‏/ ٧٠
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا﴾ [طه: ٤٠] هُوَ الْبَلَاءُ عَلَى إِثْرِ الْبَلَاءِ وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: أَخْلَصْنَاكَ
١٦ ‏/ ٧٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ ⦗٧١⦘ مُجَاهِدٍ، ﴿وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا﴾ [طه: ٤٠] أَخْلَصْنَاكَ إِخْلَاصًا
١٦ ‏/ ٧٠
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ يَعْلَى بْنِ مُسْلِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ، يُفَسِّرُ هَذَا الْحَرْفَ: ﴿وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا﴾ [طه: ٤٠] قَالَ: أَخْلَصْنَاكَ إِخْلَاصًا قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى مِنْ كِتَابِنَا هَذَا مَعْنَى الْفِتْنَةِ، وَأَنَّهَا الِابْتِلَاءُ وَالِاخْتِبَارُ بِالْأَدِلَّةِ الْمُغْنِيَةِ عَنِ الْإِعَادَةِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ
١٦ ‏/ ٧١
وَقَوْلُهُ: ﴿فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدَيْنَ﴾ [طه: ٤٠] وَهَذَا الْكَلَامُ قَدْ حُذِفَ مِنْهُ بَعْضُ مَا بِهِ تَمَامُهُ اكْتِفَاءً بِدَلَالَةِ مَا ذُكِرَ عَمَّا حُذِفَ. وَمَعْنَى الْكَلَامِ: وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا، فَخَرَجْتَ خَائِفًا إِلَى أَهْلِ مَدْيَنَ، فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِيهِمْ
١٦ ‏/ ٧١
وَقَوْلُهُ: ﴿ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدْرٍ يَا مُوسَى﴾ [طه: ٤٠] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ثُمَّ جِئْتَ لِلْوَقْتِ الَّذِي أَرَدْنَا إِرْسَالَكَ إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا وَلِمِقْدَارِهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٦ ‏/ ٧١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى﴾ [طه: ٤٠] يَقُولُ: لَقَدْ جِئْتَ لِمِيقَاتٍ يَا مُوسَى
١٦ ‏/ ٧١
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: ﴿عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى﴾ [طه: ٤٠] قَالَ: مَوْعِدٌ
١٦ ‏/ ٧٢
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: عَلَى ذِي مَوْعِدٍ
١٦ ‏/ ٧٢
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى﴾ [طه: ٤٠] قَالَ: قَدَرُ الرِّسَالَةِ وَالنُّبُوَّةِ وَالْعَرَبُ تَقُولُ: جَاءَ فُلَانٌ عَلَى قَدَرٍ: إِذَا جَاءَ لِمِيقَاتِ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
[البحر البسيط] نَالَ الْخِلَافَةَ أَوْ كَانَتْ لَهُ قَدَرًا … كَمَا أَتَى رَبَّهُ مُوسَى عَلَى قَدَرِ
١٦ ‏/ ٧٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى﴾ [طه: ٤٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي﴾ [طه: ٤١] أَنْعَمْتُ عَلَيْكَ يَا مُوسَى هَذِهِ النِّعَمَ، وَمَنَنْتُ عَلَيْكَ هَذِهِ الْمِنَنَ، اجْتِبَاءً مِنِّي لَكَ، وَاخْتِيَارًا لِرِسَالَتِي وَالْبَلَاغَ عَنِّي، وَالْقِيَامَ بِأَمْرِي وَنَهْيِي. ﴿اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ﴾ [طه: ٤٢] هَارُونُ ﴿بِآيَاتِي﴾ [البقرة: ٤١] يَقُولُ:
١٦ ‏/ ٧٢
بِأَدِلَّتِي وَحُجَجِي، اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ بِهَا إِنَّهُ تَمَرَّدَ فِي ضَلَالِهِ وَغِيِّهِ، فَأَبْلِغَاهُ رِسَالَاتِي. ﴿وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي﴾ [طه: ٤٢] . يَقُولُ: وَلَا تَضْعُفَا فِي أَنْ تَذْكُرَانِي فِيمَا أَمَرْتُكُمَا وَنَهَيْتُكُمَا، فَإِنَّ ذِكْرَكُمَا إِيَّايَ يُقَوِّي عَزَائِمَكُمَا، وَيُثَبِّتَ أَقْدَامَكُمَا، لِأَنَّكُمَا إِذَا ذَكَرْتُمَانِي ذَكَرْتُمَا مِنِّي عَلَيْكُمَا نِعَمًا جَمَّةً، وَمِنَنًا لَا تُحْصَى كَثْرَةً. يُقَالُ مِنْهُ: وَنَى فُلَانٌ فِي هَذَا الْأَمْرِ، وَعَنْ هَذَا الْأَمْرِ: إِذَا ضَعُفَ، وَهُوَ يَنِي وَنْيًا كَمَا قَالَ الْعَجَّاجُ:
[البحر الرجز] فَمَا وَنَى مُحَمَّدٌ مُذْ أَنْ غَفَرْ … لَهُ الْإِلَهُ مَا مَضَى وَمَا غَبَرْ
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٦ ‏/ ٧٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَلَا تَنِيَا﴾ [طه: ٤٢] يَقُولُ: لَا تُبْطِئَا
١٦ ‏/ ٧٣
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ ﴿وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي﴾ [طه: ٤٢] يَقُولُ: وَلَا تَضْعُفَا فِي ذِكْرِي
١٦ ‏/ ٧٣
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ⦗٧٤⦘ قَوْلُهُ: ﴿وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي﴾ [طه: ٤٢] قَالَ: لَا تَضْعُفَا
١٦ ‏/ ٧٣
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ﴿تَنِيَا﴾ [طه: ٤٢] تَضْعُفَا
١٦ ‏/ ٧٤
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي﴾ [طه: ٤٢] يَقُولُ: لَا تَضْعُفَا فِي ذِكْرِي
١٦ ‏/ ٧٤
حَدَّثَنَا الْحَسَنِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي﴾ [طه: ٤٢] قَالَ: لَا تَضْعُفَا
١٦ ‏/ ٧٤
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي﴾ [طه: ٤٢] يَقُولُ: لَا تَضْعُفَا
١٦ ‏/ ٧٤
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي﴾ [طه: ٤٢] قَالَ: الْوَانِي: هُوَ الْغَافِلُ الْمُفْرِطُ، ذَلِكَ الْوَانِي
١٦ ‏/ ٧٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى﴾ [طه: ٤٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِمُوسَى وَهَارُونَ: فَقُولَا لِفِرْعَوْنَ قَوْلًا لَيِّنًا
١٦ ‏/ ٧٤
ذِكْرُ أَنَّ الْقَوْلَ اللَّيِّنَ الَّذِي أَمَرَهُمَا اللَّهُ أَنْ يَقُولَاهُ لَهُ، هُوَ أَنْ يُكَنِّيَاهُ. ⦗٧٥⦘ حَدَّثَنِي جَعْفَرُ ابْنُ ابْنَةِ إِسْحَاقَ بْنِ يُوسُفَ الْأَزْرَقُ، قَالَ: ثنا سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الثَّقَفِيُّ، قَالَ: ثنا عَلِيُّ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا﴾ [طه: ٤٤] قَالَ: كَنِّيَاهُ
١٦ ‏/ ٧٤
وَقَوْلُهُ: ﴿لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى﴾ [طه: ٤٤] اخْتَلَفَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿لَعَلَّهُ﴾ [طه: ٤٤] فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ مَعْنَاهَا هَهُنَا الِاسْتِفْهَامُ، كَأَنَّهُمْ وَجَّهُوا مَعْنَى الْكَلَامِ إِلَى: فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا، فَانْظُرَا هَلْ يَتَذَكَّرُ وَيُرَاجِعُ أَوْ يَخْشَى اللَّهَ فَيَرْتَدِعَ عَنْ طُغْيَانِهِ
١٦ ‏/ ٧٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى﴾ [طه: ٤٤] يَقُولُ: هَلْ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى لَعَلَّ هَهُنَا كَيْ، وَوَجَّهُوا مَعْنَى الْكَلَامِ إِلَى ﴿اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى﴾ [طه: ٤٣] فَادْعُوَاهُ وَعِظَاهُ لِيَتَذَّكَرَ أَوْ يَخْشَى، كَمَا يَقُولُ الْقَائِلُ: اعْمَلْ عَمَلَكَ لَعَلَّكَ تَأْخُذُ أَجْرَكَ، بِمَعْنًى: لِتَأْخُذَ أَجْرَكَ، وَافْرُغْ مِنْ عَمَلِكَ لَعَلَّنَا نَتَغَدَّى، بِمَعْنَى: لِنَتَغَدَّى، أَوْ حَتَّى نَتَغَدَّى، وَلِكِلَا هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ وَجْهٌ حَسَنٌ، وَمَذْهَبٌ صَحِيحٌ
١٦ ‏/ ٧٥
وَقَوْلُهُ: ﴿قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا﴾ [طه: ٤٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ مُوسَى وَهَارُونُ: رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ فِرْعَوْنَ إِنْ نَحْنُ دَعَوْنَاهُ إِلَى مَا أَمَرْتَنَا أَنْ نَدْعُوهُ إِلَيْهِ، أَنْ يَعْجَلَ عَلَيْنَا بِالْعُقُوبَةِ، وَهُوَ مِنْ قَوْلِهِمْ: فَرَطَ مِنِّي إِلَى فُلَانٍ أَمْرٌ: إِذَا سَبَقَ مِنْهُ ذَلِكَ إِلَيْهِ، وَمِنْهُ: فَارِطُ الْقَوْمِ، وَهُوَ الْمُتَعَجِّلُ الْمُتَقَدِّمُ أَمَامَهُمْ إِلَى الْمَاءِ أَوِ الْمَنْزِلِ كَمَا قَالَ الرَّاجِزُ:
[البحر الرجز] قَدْ فَرَطَ الْعِلْجُ عَلَيْنَا وَعَجِلْ
وَأَمَّا الْإِفْرَاطُ: فَهُوَ الْإِسْرَافُ وَالْإِشْطَاطُ وَالتَّعَدِّي. يُقَالُ مِنْهُ: أَفْرَطْتَ فِي قَوْلِكَ: إِذَا أَسْرَفَ فِيهِ وَتَعَدَّى. وَأَمَّا التَّفْرِيطُ: فَإِنَّهُ التَّوَانِي. يُقَالُ مِنْهُ: فَرَّطْتُ فِي هَذَا الْأَمْرِ حَتَّى فَاتَ: إِذَا تَوَانَى فِيهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:
١٦ ‏/ ٧٦
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ﴿أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا﴾ [طه: ٤٥] قَالَ: عُقُوبَةً مِنْهُ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٦ ‏/ ٧٦
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿إِنَّنَا ⦗٧٧⦘ نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى﴾ [طه: ٤٥] قَالَ: نَخَافُ أَنْ يَعْجَلَ عَلَيْنَا إِذْ نُبَلِّغُهُ كَلَامَكَ أَوْ أَمَرَكَ، يَفْرُطُ وَيَعْجَلُ. وَقَرَأَ ﴿لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى﴾ [طه: ٤٦]
١٦ ‏/ ٧٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى﴾ [طه: ٤٧] يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ اللَّهُ لِمُوسَى وَهَارُونَ: ﴿لَا تَخَافَا﴾ [طه: ٤٦] فِرْعَوْنَ ﴿إِنَّنِي مَعَكُمَا﴾ [طه: ٤٦] أُعِينُكُمَا عَلَيْهِ، وَأُبَصِّرُكُمَا ﴿أَسْمَعُ﴾ [مريم: ٣٨] مَا يَجْرِي بَيْنَكُمَا وَبَيْنَهُ، فَأُفْهِمُكُمَا مَا تُحَاوِرَانِهِ بِهِ ﴿وَأَرَى﴾ [طه: ٤٦] مَا تَفْعَلَانِ وَيَفْعَلُ، لَا يَخْفَى عَلَيَّ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ ﴿فَأْتِيَاهُ فَقُولَا﴾ [طه: ٤٧] لَهُ ﴿إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ﴾ [طه: ٤٧] . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٦ ‏/ ٧٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ ﴿قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى﴾ [طه: ٤٦] مَا يُحَاوِرُكُمَا فَأُوحِي إِلَيْكُمَا فَتُجَاوِبَانِهِ
١٦ ‏/ ٧٧
وَقَوْلُهُ: ﴿فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ﴾ [طه: ٤٧] أَرْسَلَنَا إِلَيْكَ يَأْمُرُكَ أَنْ تُرْسِلَ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَأَرْسِلْهُمْ مَعَنَا وَلَا تُعَذِّبْهُمْ بِمَا تُكَلِّفُهُمْ مِنَ الْأَعْمَالِ الرَّدِيئَةِ. ﴿قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ﴾ [طه: ٤٧] مُعْجِزَةٍ ﴿مِنْ رَبِّكَ﴾ [البقرة: ١٤٧] عَلَى أَنَّهُ أَرْسَلَنَا إِلَيْكَ بِذَلِكَ، إِنْ أَنْتَ لَمْ تُصَدِّقْنَا فِيمَا نَقُولُ لَكَ أَرَيْنَاكَهَا، ﴿وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى﴾ [طه: ٤٧]، يَقُولُ: وَالسَّلَامَةُ لِمَنِ اتَّبَعَ هُدَى اللَّهِ، وَهُوَ بَيَانُهُ. يُقَالُ: السَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى، وَلِمَنِ اتَّبَعَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ
١٦ ‏/ ٧٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى﴾ [طه: ٤٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِرَسُولِهِ مُوسَى وَهَارُونُ: قَوْلًا لِفِرْعَوْنَ إِنَّا قَدْ أَوْحَى إِلَيْنَا رَبُّكَ أَنَّ عَذَابَهُ الَّذِي لَا نَفَادَ لَهُ، وَلَا انْقِطَاعَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ بِمَا نَدْعُوهُ إِلَيْهِ مِنْ تَوْحِيدِ اللَّهِ وَطَاعَتِهِ، وَإِجَابَةِ رُسُلِهِ ﴿وَتَوَلَّى﴾ [يوسف: ٨٤] يَقُولُ: وَأَدْبَرَ مُعْرِضًا عَمَّا جِئْنَاهُ بِهِ مِنَ الْحَقِّ
١٦ ‏/ ٧٨
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿أَنَّ الْعَذَابَ، عَلَى مَنْ كَذَبَ وَتَوَلَّى﴾ [طه: ٤٨] كَذَّبَ بِكِتَابِ اللَّهِ، وَتَوَلَّى عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ
١٦ ‏/ ٧٨
وَقَوْلُهُ: ﴿قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى﴾ [طه: ٤٩] فِي هَذَا الْكَلَامِ مَتْرُوكٌ، تُرِكَ ذِكْرُهُ اسْتِغْنَاءً بِدَلَالَةِ مَا ذُكِرَ عَلَيْهِ عَنْهُ، وَهُوَ قَوْلُهُ: ﴿فَأْتِيَاهُ﴾ [طه: ٤٧] فَقَالَا لَهُ مَا أَمَرَهُمَا بِهِ رَبُّهُمَا وَأَبْلَغَاهُ رِسَالَتَهُ، فَقَالَ فِرْعَوْنُ لَهُمَا ﴿فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى﴾ [طه: ٤٩] فَخَاطَبَ مُوسَى وَحْدَهُ بِقَوْلِهِ: يَا مُوسَى، وَقَدْ وَجَّهَ الْكَلَامَ قَبْلَ ذَلِكَ إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ. وَإِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، لِأَنَّ الْمُجَاوَبَةَ إِنَّمَا تَكُونُ مِنَ الْوَاحِدِ وَإِنْ كَانَ الْخِطَابُ بِالْجَمَاعَةِ لَا مِنَ الْجَمِيعِ، وَذَلِكَ نَظِيرُ قَوْلِهِ: ﴿نَسِيَا حُوتَهُمَا﴾ [الكهف: ٦١] وَكَانَ الَّذِي يَحْمِلُ الْحُوتَ وَاحِدٌ، وَهُوَ فَتَى مُوسَى، يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ﴾ [الكهف: ٦٣]، وَقَوْلُهُ: ﴿قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هُدًى﴾ [طه: ٥٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ مُوسَى لَهُ مُجِيبًا: رَبَّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ، يَعْنِي: نَظِيرَ خَلْقِهِ فِي الصُّورَةِ وَالْهَيْئَةِ كَالذُّكُورِ مِنْ بَنِي آدَمَ، أَعْطَاهُمْ نَظِيرَ خَلْقِهِمْ مِنَ الْإِنَاثِ أَزْوَاجًا، وَكَالذُّكُورِ مِنَ الْبَهَائِمِ، أَعْطَاهَا نَظِيرَ خَلْقِهَا، وَفِي صُورَتِهَا وَهَيْئَتِهَا مِنَ الْإِنَاثِ أَزْوَاجًا، فَلَمْ يُعْطِ الْإِنْسَانَ خِلَافَ خَلْقِهِ، فَيُزَوِّجَهُ بِالْإِنَاثِ مِنَ الْبَهَائِمِ، وَلَا الْبَهَائِمَ بِالْإِنَاثِ مِنَ الْإِنْسِ، ثُمَّ هَدَاهُمْ لِلْمَأْتَى الَّذِي مِنْهُ النَّسْلُ وَالنَّمَاءُ كَيْفَ يَأْتِيهِ، وَلِسَائِرِ مَنَافِعِهِ مِنَ الْمَطَاعِمِ وَالْمَشَارِبِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: بِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِيهِ
١٦ ‏/ ٧٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هُدَى﴾ [طه: ٥٠] يَقُولُ: خَلَقَ لِكُلِّ شَيْءٍ زَوْجَةً، ثُمَّ ⦗٨٠⦘ هَدَاهُ لِمَنْكَحِهِ وَمَطْعَمِهِ وَمَشْرَبِهِ وَمَسْكَنِهِ وَمَوْلِدِهِ
١٦ ‏/ ٧٩
حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى﴾ [طه: ٥٠] يَقُولُ: أَعْطَى كُلَّ دَابَّةٍ خَلْقَهَا زَوْجًا، ثُمَّ هُدًى لِلنِّكَاحِ وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى قَوْلِهِ ﴿ثُمَّ هَدَى﴾ [طه: ٥٠] أَنَّهُ هَدَاهُمْ إِلَى الْأُلْفَةِ وَالِاجْتِمَاعِ وَالْمُنَاكَحَةِ
١٦ ‏/ ٨٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى﴾ [طه: ٥٠] يَعْنِي: هَدَى بَعْضَهُمْ إِلَى بَعْضٍ، أَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَهَدَاهُمْ لِلتَّزْوِيجِ أَنْ يُزَوِّجَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ صُورَتَهُ، وَهِيَ خَلْقُهُ الَّذِي خَلَقَهُ بِهِ، ثُمَّ هَدَاهُ لِمَا يُصْلِحُهُ مِنَ الِاحْتِيَالِ لِلْغِذَاءِ وَالْمَعَاشِ
١٦ ‏/ ٨٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، وَأَبُو السَّائِبِ، قَالَا: ثنا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى﴾ [طه: ٥٠] قَالَ: أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ صُورَتَهُ ثُمَّ ⦗٨١⦘ هَدَى كُلَّ شَيْءٍ إِلَى مَعِيشَتِهِ
١٦ ‏/ ٨٠
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى﴾ [طه: ٥٠] قَالَ: سَوَّى خَلْقَ كُلِّ دَابَّةٍ، ثُمَّ هَدَاهَا لِمَا يُصْلِحُهَا، فَعَلَّمَهَا إِيَّاهُ
١٦ ‏/ ٨١
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى﴾ [طه: ٥٠] قَالَ: سَوَّى خَلْقَ كُلِّ دَابَّةٍ ثُمَّ هَدَاهَا لِمَا يُصْلِحُهَا وَعَلَّمَهَا إِيَّاهُ، وَلَمْ يَجْعَلِ النَّاسَ فِي خَلْقِ الْبَهَائِمِ، وَلَا خَلْقَ الْبَهَائِمِ فِي خَلْقِ النَّاسِ، وَلَكِنْ خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا
١٦ ‏/ ٨١
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ مُجَاهِدٍ ﴿أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى﴾ [طه: ٥٠] قَالَ: هَدَاهُ إِلَى حِيلَتِهِ وَمَعِيشَتِهِ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ مَا يُصْلِحُهُ، ثُمَّ هَدَاهُ لَهُ.
١٦ ‏/ ٨١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ﴾ [طه: ٥٠] قَالَ: أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ مَا يُصْلِحُهُ. ثُمَّ هَدَاهُ لَهُ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَإِنَّمَا اخْتَرْنَا الْقَوْلَ الَّذِي اخْتَرْنَا فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ
١٦ ‏/ ٨١
أَخْبَرَ أَنَّهُ أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ، وَلَا يُعْطِي الْمُعْطِي نَفْسَهُ، بَلْ إِنَّمَا يُعْطِي مَا هُوَ غَيْرُهُ، لِأَنَّ الْعَطِيَّةَ تَقْتَضِي الْمُعْطِي وَالْمُعْطَى وَالْعَطِيَّةَ، وَلَا تَكُونُ الْعَطِيَّةُ هِيَ الْمُعْطَى، وَإِذَا لَمْ تَكُنْ هِيَ هُوَ، وَكَانَتْ غَيْرَهُ، وَكَانَتْ صُورَةُ كُلِّ خَلْقٍ بَعْضَ أَجْزَائِهِ، كَانَ مَعْلُومًا أَنَّهُ إِذَا قِيلَ: أَعْطَى الْإِنْسَانَ صُورَتَهُ، إِنَّمَا يَعْنِي أَنَّهُ أَعْطَى بَعْضَ الْمَعَانِي الَّتِي بِهِ مَعَ غَيْرِهِ دُعِيَ إِنْسَانًا، فَكَأَنَّ قَائِلَهُ قَالَ: أَعْطَى كُلَّ خَلْقٍ نَفْسَهُ، وَلَيْسَ ذَلِكَ إِذَا وُجِّهَ إِلَيْهِ الْكَلَامُ بِالْمَعْرُوفِ مِنْ مَعَانِي الْعَطِيَّةِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ يَحْتَمِلُهُ الْكَلَامُ. فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَالْأَصْوَبُ مِنْ مَعَانِيهِ أَنْ يَكُونَ مُوَجَّهًا إِلَى أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ أَعْطَاهُ رَبُّهُ مِثْلَ خَلْقِهِ، فَزَوَّجَهُ بِهِ، ثُمَّ هَدَاهُ لِمَا بَيَّنَّا، ثُمَّ تَرَكَ ذِكْرَ مِثْلٍ، وَقِيلَ ﴿أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ﴾ [طه: ٥٠] كَمَا يُقَالُ: عَبْدُ اللَّهِ مِثْلُ الْأَسَدِ، ثُمَّ يُحْذَفُ مِثْلُ، فَيَقُولُ: عَبْدُ اللَّهِ الْأَسَدُ
١٦ ‏/ ٨٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى﴾ [طه: ٥٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ فِرْعَوْنُ لِمُوسَى إِذْ وَصَفَ مُوسَى رَبَّهُ ﷻ بِمَا وَصَفَهُ بِهِ مِنْ عَظِيمِ السُّلْطَانِ، وَكَثْرَةِ الْإِنْعَامِ عَلَى خَلْقِهِ وَالْإِفْضَالِ: فَمَا شَأْنُ الْأُمَمِ الْخَالِيَةِ مِنْ قَبْلِنَا لَمْ تُقِرَّ بِمَا تَقُولُ، وَلَمْ تُصَدِّقْ بِمَا تَدْعُو إِلَيْهِ، وَلَمْ تُخْلِصْ لَهُ الْعِبَادَةَ، وَلَكِنَّهَا عَبَدَتِ الْآلِهَةَ وَالْأَوْثَانَ مِنْ دُونِهِ، إِنْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا تَصِفُ مِنْ أَنَّ الْأَشْيَاءَ كُلَّهَا خَلْقُهُ، وَأَنَّهَا فِي نِعَمِهِ تَتَقَلَّبُ، وَفِي مِنَنِهِ تَتَصَرَّفُ؟ فَأَجَابَهُ مُوسَى فَقَالَ: عِلْمُ هَذِهِ الْأُمَمِ الَّتِي مَضَتْ مِنْ قَبْلِنَا فِيمَا فَعَلْتَ مِنْ ذَلِكَ، عِنْدَ رَبِّي فِي
١٦ ‏/ ٨٢
كِتَابٍ: يَعْنِي فِي أُمِّ الْكِتَابِ، لَا عِلْمَ لِي بِأَمْرِهَا، وَمَا كَانَ سَبَبُ ضَلَالِ مَنْ ضَلَّ مِنْهُمْ فَذَهَبَ عَنْ دِينِ اللَّهِ ﴿لَا يَضِلُّ رَبِّي﴾ [طه: ٥٢] يَقُولُ: لَا يُخْطِئُ رَبِّي فِي تَدْبِيرِهِ وَأَفْعَالِهِ، فَإِنْ كَانَ عَذَّبَ تِلْكَ الْقُرُونَ فِي عَاجِلٍ، وَعَجَّلَ هَلَاكَهَا، فَالصَّوَابُ مَا فَعَلَ، وَإِنْ كَانَ أَخَّرَ عِقَابَهَا إِلَى الْقِيَامَةِ، فَالْحَقُّ مَا فَعَلَ، هُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُ، لَا يُخْطِئُ رَبِّي ﴿وَلَا يَنْسَى﴾ [طه: ٥٢] فَيِتْرُكَ فِعْلَ مَا فِعْلُهُ حِكْمَةٌ وَصَوَابٌ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٦ ‏/ ٨٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى﴾ [طه: ٥٢] يَقُولُ: لَا يُخْطِئُ رَبِّي وَلَا يَنْسَى
١٦ ‏/ ٨٣
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى﴾ [طه: ٥١] يَقُولُ فَمَا أَعْمَى الْقُرُونَ الْأُولَى، فَوَكَلَهَا نَبِيُّ اللَّهِ مَوْكِلًا فَقَالَ: ﴿عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي﴾ [الأعراف: ١٨٧] . . الْآيَةَ، يَقُولُ: أَيْ أَعْمَارُهَا وَآجَالُهَا وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى قَوْلِهِ ﴿لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى﴾ [طه: ٥٢] وَاحِدٌ
١٦ ‏/ ٨٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى﴾ [طه: ٥٢] قَالَ: هُمَا شَيْءٌ وَاحِدٌ ⦗٨٤⦘ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ وَالْعَرَبُ تَقُولُ: ضَلَّ فُلَانٌ مَنْزِلَهُ: إِذَا أَخْطَأَهُ، يُضِلُّهُ بِغَيْرِ أَلِفٍ، وَكَذَلِكَ ذَلِكَ فِي كُلِّ مَا كَانَ مِنْ شَيْءٍ ثَابِتٍ لَا يَبْرَحُ، فَأَخْطَأَهُ مُرِيدُهُ، فَإِنَّهَا تَقُولُ: أَضَلَّهُ، فَأَمَّا إِذَا ضَاعَ مِنْهُ مَا يَزُولُ بِنَفْسِهِ مِنْ دَابَّةٍ وَنَاقَةٍ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْحَيَوَانِ الَّذِي يَنْفَلِتُ مِنْهُ فَيَذْهَبُ، فَإِنَّهَا تَقُولُ: أَضَلَّ فُلَانٌ بَعِيرَهُ أَوْ شَاتَهُ أَوْ نَاقَتَهُ يُضِلُّهُ بِالْأَلِفِ. وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى النِّسْيَانِ فِيمَا مَضَى قَبْلُ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ
١٦ ‏/ ٨٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى﴾ [طه: ٥٣] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ ﴿مَهْدًا﴾ [طه: ٥٣] فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ: (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مِهَادًا) بِكَسْرِ الْمِيمِ مِنَ الْمِهَادِ وَإِلْحَاقِ أَلِفٍ فِيهِ بَعْدَ الْهَاءِ، وَكَذَلِكَ عَمَلُهُمْ ذَلِكَ فِي كُلِّ الْقُرْآنِ. وَزَعَمَ بَعْضُ مَنِ اخْتَارَ قِرَاءَةَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، أَنَّهُ إِنَّمَا اخْتَارَهُ مِنْ أَجْلِ أَنَّ ⦗٨٥⦘ الْمِهَادَ: اسْمُ الْمَوْضِعِ، وَأَنَّ الْمَهْدَ الْفِعْلَ، قَالَ: وَهُوَ مِثْلُ الْفَرْشِ وَالْفِرَاشِ. وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفِيِّينَ: ﴿مَهْدًا﴾ [طه: ٥٣] بِمَعْنَى: الَّذِي مَهَّدَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مُسْتَفِيضَتَانِ فِي قِرَاءَةِ الْأَمْصَارِ مَشْهُورَتَانِ، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ الصَّوَابَ فِيهَا
١٦ ‏/ ٨٤
وَقَوْلُهُ: ﴿وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا﴾ [طه: ٥٣] يَقُولُ: وَأَنْهَجَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ طُرُقًا. وَالْهَاءُ فِي قَوْلِهِ فِيهَا: مِنْ ذِكْرِ الْأَرْضِ،
١٦ ‏/ ٨٥
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا﴾ [طه: ٥٣] أَيْ طُرُقًا
١٦ ‏/ ٨٥
وَقَوْلُهُ: ﴿وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً﴾ [البقرة: ٢٢] يَقُولُ: وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَطَرًا ﴿فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى﴾ [طه: ٥٣] وَهَذَا خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ عَنْ إِنْعَامِهِ عَلَى خَلْقِهِ بِمَا يُحْدِثُ لَهُمْ مِنَ الْغَيْثِ الَّذِي يُنْزِلُهُ مِنْ سَمَائِهِ إِلَى أَرْضِهِ، بَعْدَ تَنَاهِي خَبَرِهِ عَنْ جَوَابِ مُوسَى فِرْعَوْنَ عَمَّا سَأَلَهُ عَنْهُ وَثَنَائِهِ عَلَى رَبِّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ. يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: فَأَخْرَجْنَا ⦗٨٦⦘ نَحْنُ أَيُّهَا النَّاسُ بِمَا نُنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ أَزْوَاجًا، يَعْنِي أَلْوَانًا مِنْ نَبَاتِ شَتَّى، يَعْنِي مُخْتَلِفَةَ الطُّعُومِ، وَالْأَرَايِيحِ وَالْمَنْظَرِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٦ ‏/ ٨٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى﴾ [طه: ٥٣] يَقُولُ: مُخْتَلِفٌ
١٦ ‏/ ٨٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لِآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى﴾ [طه: ٥٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: كُلُوا أَيُّهَا النَّاسُ مِنْ طَيِّبِ مَا أَخْرَجْنَا لَكُمْ بِالْغَيْثِ الَّذِي أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ مِنْ ثِمَارِ ذَلِكَ وَطَعَامِهِ، وَمَا هُوَ مِنْ أَقْوَاتِكُمْ وَغِذَائِكُمْ، وَارْعَوْا فِيمَا هُوَ أَرْزَاقُ بِهَائِمِكُمْ مِنْهُ وَأَقْوَاتُهَا أَنْعَامَكُمْ. ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ﴾ [يونس: ٦٧] يَقُولُ: إِنَّ فِيمَا وَصَفْتُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مِنْ قُدْرَةِ رَبِّكُمْ، وَعَظِيمِ سُلْطَانِهِ لَآيَاتٌ: يَعْنِي لَدَلَالَاتٌ وَعَلَامَاتٌ تَدُلُّ عَلَى وَحْدَانِيَّةِ رَبِّكُمْ، وَأَنْ لَا إِلَهَ لَكُمْ غَيْرُهُ ﴿أُولِي النُّهَى﴾ يَعْنِي: أَهْلَ الْحِجَى وَالْعُقُولِ. وَالنُّهَى: جَمْعُ نُهْيَةٍ، كَمَا الْكُشَى: جَمْعُ كُشْيَةٍ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالْكُشَى: شَحْمَةٌ تَكُونُ فِي جَوْفِ الضَّبِّ، شَبِيهَةٌ بِالسُّرَّةِ، وَخَصَّ تَعَالَى ذِكْرُهُ بِأَنَّ ذَلِكَ آيَاتٌ لِأُولِي النُّهَى، لِأَنَّهُمْ أَهْلُ التَّفَكُّرِ وَالِاعْتِبَارِ، وَأَهْلُ التَّدَبُّرِ وَالِاتِّعَاظِ
١٦ ‏/ ٨٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا ⦗٨٧⦘ نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى﴾ [طه: ٥٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: مِنَ الْأَرْضِ خَلَقْنَاكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ، فَأَنْشَأْنَاكُمْ أَجْسَامًا نَاطِقَةً. ﴿وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ﴾ [طه: ٥٥] يَقُولُ: وَفِي الْأَرْضِ نُعِيدُكُمْ بَعْدَ مَمَاتِكُمْ، فَنُصَيِّرُكُمْ تُرَابًا، كَمَا كُنْتُمْ قَبْلَ إِنْشَائِنَا لَكُمْ بَشَرًا سَوِيًّا. ﴿وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ﴾ [طه: ٥٥] يَقُولُ: وَمِنَ الْأَرْضِ نُخْرِجُكُمْ كَمَا كُنْتُمْ قَبْلَ مَمَاتِكُمْ أَحْيَاءً، فَنُنْشِئُكُمْ مِنْهَا، كَمَا أَنْشَأْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ. وَقَوْلُهُ: ﴿تَارَةً أُخْرَى﴾ [الإسراء: ٦٩] يَقُولُ: مَرَّةً أُخْرَى،
١٦ ‏/ ٨٦
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى﴾ [طه: ٥٥] يَقُولُ: مَرَّةً أُخْرَى
١٦ ‏/ ٨٧
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿تَارَةً أُخْرَى﴾ [طه: ٥٥] قَالَ: مَرَّةً أُخْرَى الْخَلْقُ الْآخَرُ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ إِذَنْ: مِنَ الْأَرْضِ أَخْرَجْنَاكُمْ وَلَمْ تَكُونُوا شَيْئًا خَلْقًا سَوِيًّا، وَسُنُخْرِجُكُمْ مِنْهَا بَعْدَ مَمَاتِكُمْ مَرَّةً أُخْرَى، كَمَا أَخْرَجْنَاكُمْ مِنْهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ
١٦ ‏/ ٨٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَى﴾ [طه: ٥٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَقَدْ أَرَيْنَا فِرْعَوْنَ آيَاتِنَا، يَعْنِي أَدِلَّتَنَا وَحُجَجَنَا ⦗٨٨⦘ عَلَى حَقِيقَةِ مَا أَرْسَلْنَا بِهِ رَسُولَيْنَا، مُوسَى وَهَارُونَ إِلَيْهِ كُلَّهَا ﴿فَكَذَّبَ وَأَبَى﴾ [طه: ٥٦] أَنْ يَقْبَلَ مِنْ مُوسَى وَهَارُونَ مَا جَاءَا بِهِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهُمَا مِنَ الْحَقِّ اسْتِكْبَارًا وَعُتُوًّا
١٦ ‏/ ٨٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى﴾ [طه: ٥٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ فِرْعَوْنُ لَمَّا أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا لِرَسُولِنَا مُوسَى: أَجِئْتَنَا يَا مُوسَى لِتُخْرِجَنَا مِنْ مَنَازِلِنَا وَدُورِنَا بِسِحْرِكَ هَذَا الَّذِي جِئْتَنَا بِهِ ﴿فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا﴾ [طه: ٥٨] لَا نَتَعَدَّاهُ، لِنَجِيءَ بِسَحْرٍ مِثْلِ الَّذِي جِئْتَ بِهِ، فَنَنْظُرَ أَيُّنَا يَغْلِبَ صَاحِبَهُ، لَا نُخْلِفُ ذَلِكَ الْمَوْعِدَ ﴿نَحْنُ وَلَا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى﴾ [طه: ٥٨] يَقُولُ: بِمَكَانٍ عَدْلٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ وَنِصْفٌ. وَقَدِ اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْحِجَازِ وَالْبَصْرَةِ وَبَعْضُ الْكُوفِيِّينَ: (مَكَانًا سِوًى) بِكَسْرِ السِّينِ، وَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ: ﴿مَكَانًا سُوًى﴾ [طه: ٥٨] بِضَمِّهَا. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا، أَنَّهُمَا لُغَتَانِ، أَعْنِي
١٦ ‏/ ٨٨
الْكِسَرَ وَالضَّمَّ فِي السِّينِ مِنْ «سِوَى» مَشْهُورَتَانِ فِي الْعَرَبِ. وَقَدْ قَرَأَتْ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عُلَمَاءُ مِنَ الْقُرَّاءِ، مَعَ اتِّفَاقِ مَعْنَيَيْهِمَا، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ. وَلِلْعَرَبِ فِي ذَلِكَ إِذَا كَانَ بِمَعْنَى الْعَدْلِ وَالنُّصْبُ لُغَةٌ هِيَ أَشْهَرُ مِنَ الْكَسْرِ وَالضَّمِّ وَهُوَ الْفَتْحُ، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ﴿تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ﴾ [آل عمران: ٦٤] وَإِذَا فَتَحَ السِّينَ مِنْهُ مَدَّ. وَإِذَا كُسِرَتْ أَوْ ضُمَّتْ قُصِرَ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الطويل] فَإِنَّ أَبَانَا كَانَ حَلَّ بِبَلْدَةٍ … سُوًى بَيْنَ قَيْسٍ قَيْسِ عَيْلَانَ وَالْفِزْرِ
وَنَظِيرُ ذَلِكَ مِنَ الْأَسْمَاءِ: طُوَى، وَطَوَى، وَثنى وَثنى، وَعَدَى، وَعُدَى. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٦ ‏/ ٨٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿مَكَانًا سُوًى﴾ [طه: ٥٨] قَالَ: مُنْصِفًا بَيْنَهُمْ ⦗٩٠⦘ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، بِنَحْوِهِ
١٦ ‏/ ٨٩
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿مَكَانًا سُوًى﴾ [طه: ٥٨] أَيْ عَادِلًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ
١٦ ‏/ ٩٠
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿مَكَانًا سُوًى﴾ [طه: ٥٨] قَالَ: نِصْفًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ
١٦ ‏/ ٩٠
حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، فِي قَوْلِهِ: ﴿فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى﴾ [طه: ٥٨] قَالَ: يَقُولُ: عَدْلًا
١٦ ‏/ ٩٠
وَكَانَ ابْنُ زَيْدٍ يَقُولُ فِي ذَلِكَ مَا حَدَّثَنِي بِهِ، يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿مَكَانًا سُوًى﴾ [طه: ٥٨] قَالَ: مَكَانًا مُسْتَوِيًا يَتَبَيَّنُ لِلنَّاسِ مَا فِيهِ، لَا يَكُونُ صَوْبٌ وَلَا شَيْءٌ فَيَغِيبُ بَعْضُ ذَلِكَ عَنْ بَعْضٍ مُسْتَوْ حِينَ يُرَى
١٦ ‏/ ٩٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى﴾ [طه: ٦٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ مُوسَى لِفِرْعَوْنَ، حِينَ سَأَلَهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ مَوْعِدًا ⦗٩١⦘ لِلِاجْتِمَاعِ: مَوْعِدُكُمْ لِلِاجْتِمَاعِ ﴿يَوْمُ الزِّينَةِ﴾ [طه: ٥٩] يَعْنِي يَوْمَ عِيدٍ كَانَ لَهُمْ، أَوْ سُوقٍ كَانُوا يَتَزَيَّنُونَ فِيهِ ﴿وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ﴾ [طه: ٥٩] يَقُولُ: وَأَنْ يُسَاقَ النَّاسُ مِنْ كُلِّ فَجٍّ وَنَاحِيَةٍ ﴿ضُحًى﴾ [الأعراف: ٩٨] فَذَلِكَ مَوْعِدٌ مَا بَيْنِي وَبَيْنَكَ لِلِاجْتِمَاعِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٦ ‏/ ٩٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى﴾ [طه: ٥٩] فَإِنَّهُ يَوْمُ زِينَةٍ يَجْتَمِعُ النَّاسُ إِلَيْهِ وَيُحْشَرُ النَّاسُ لَهُ
١٦ ‏/ ٩١
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، ﴿قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ﴾ [طه: ٥٩] قَالَ: يَوْمُ زِينَةٍ لَهُمْ، وَيَوْمُ عِيدٍ لَهُمْ ﴿وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى﴾ [طه: ٥٩] إِلَى عِيدٍ لَهُمْ
١٦ ‏/ ٩١
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَعْقُوبُ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدٍ، ﴿يَوْمُ الزِّينَةِ﴾ [طه: ٥٩] قَالَ: يَوْمُ السُّوقِ
١٦ ‏/ ٩١
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ﴿يَوْمُ الزِّينَةِ﴾ [طه: ٥٩] مَوْعِدُهُمْ ⦗٩٢⦘ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٦ ‏/ ٩١
حَدَّثَنِي مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ مُوسَى: ﴿مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى﴾ [طه: ٥٩] وَذَلِكَ يَوْمُ عِيدٍ لَهُمْ
١٦ ‏/ ٩٢
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ﴾ [طه: ٥٩] يَوْمُ عِيدٍ كَانَ لَهُمْ. وَقَوْلُهُ: ﴿وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى﴾ [طه: ٥٩] يَجْتَمِعُونَ لِذَلِكَ الْمِيعَادِ الَّذِي وَعَدُوهُ
١٦ ‏/ ٩٢
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ﴾ [طه: ٥٩] قَالَ: يَوْمُ الْعِيدِ، يَوْمُ يَتَفَرَّغُ النَّاسُ مِنَ الْأَعْمَالِ، وَيَشْهَدُونَ وَيَحْضُرُونَ وَيَرَوْنَ
١٦ ‏/ ٩٢
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، ﴿قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ﴾ [طه: ٥٩] يَوْمُ عِيدٍ كَانَ فِرْعَوْنُ يَخْرُجُ لَهُ ﴿وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى﴾ [طه: ٥٩] حَتَّى يَحْضُرُوا أَمْرِي وَأَمْرَكَ وَأَنْ مِنْ قَوْلِهِ ﴿وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى﴾ [طه: ٥٩] رُفِعَ بِالْعَطْفِ عَلَى قَوْلِهِ ﴿يَوْمُ الزِّينَةِ﴾ [طه: ٥٩]
١٦ ‏/ ٩٢
وَذُكِرَ عَنْ أَبِي نَهِيكٍ فِي ذَلِكَ مَا: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْمُؤْمِنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا نَهِيكٍ، يَقُولُ: ﴿وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى﴾ [طه: ٥٩] يَعْنِي فِرْعَوْنُ يَحْشُرُ قَوْمَهُ
١٦ ‏/ ٩٣
وَقَوْلُهُ: ﴿فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ﴾ [طه: ٦٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَأَدْبَرَ فِرْعَوْنُ مُعْرِضًا عَمَّا أَتَاهُ بِهِ مِنَ الْحَقِّ ﴿فَجَمَعَ كَيْدَهُ﴾ [طه: ٦٠] يَقُولُ: فَجَمَعَ مَكْرَهُ، وَذَلِكَ جَمْعُهُ سَحَرَتَهُ بَعْدَ أَخْذِهِ إِيَّاهُمْ بِتَعَلُّمِهِ ﴿ثُمَّ أَتَى﴾ [طه: ٦٠] يَقُولُ: ثُمَّ جَاءَ لِلْمَوْعِدِ الَّذِي وَعَدَهُ مُوسَى، وَجَاءَ بِسَحَرَتِهِ
١٦ ‏/ ٩٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَالَ لَهُمْ مُوسَى وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى﴾ [طه: ٦١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ مُوسَى لِلسَّحَرَةِ لَمَّا جَاءَ بِهِمْ فِرْعَوْنُ: ﴿وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا﴾ [طه: ٦١] يَقُولُ: لَا تَخْتَلِفُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا، وَلَا تَتَقَوَّلُوهُ. ﴿فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ﴾ [طه: ٦١] فَيَسْتَأْصِلَكُمْ بِهَلَاكٍ فَيُبِيدَكُمْ. وَلِلْعَرَبِ فِيهِ لُغَتَانِ: سَحَتَ، وَأَسْحَتَ، وَسَحَتَ أَكْثَرُ مِنْ أَسْحَتَ، يُقَالُ مِنْهُ: سَحَتَ الدَّهْرُ، وَأَسْحَتَ مَالُ فُلَانٍ: إِذَا أَهْلَكَهُ فَهُوَ يَسْحَتُهُ سَحْتًا، وَأَسْحَتَهُ يُسْحِتُهُ إِسْحَاتًا. وَمِنَ الْإِسْحَاتِ قَوْلُ الْفَرَزْدَقِ:
[البحر الطويل] ⦗٩٤⦘ وَعَضُّ زَمَانٍ يَا ابْنَ مَرْوَنَ لَمْ يَدَعْ … مِنَ الْمَالِ إِلَّا مُسْحَتًا أَوْ مُجَلَّفُ
وَيُرْوَى: إِلَّا مُسْحَتٌ أَوْ مُجَلَّفُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٦ ‏/ ٩٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ﴾ [طه: ٦١] يَقُولُ: فَيُهْلِكَكُمْ
١٦ ‏/ ٩٤
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ﴾ [طه: ٦١] يَقُولُ: يَسْتَأْصِلَكُمْ بِعَذَابٍ
١٦ ‏/ ٩٤
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ﴾ [طه: ٦١] قَالَ: فَيَسْتَأْصِلَكُمْ بِعَذَابٍ فَيُهْلِكَكُمْ
١٦ ‏/ ٩٤
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ﴾ [طه: ٦١] قَالَ: يُهْلِكُكُمْ هَلَاكًا لَيْسَ فِيهِ بَقِيَّةٌ، قَالَ: وَالَّذِي يُسْحَتُ لَيْسَ فِيهِ بَقِيَّةٌ
١٦ ‏/ ٩٤
حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، ﴿فَيُسْحِتَكُمْ ⦗٩٥⦘ بِعَذَابٍ﴾ [طه: ٦١] يَقُولُ يُهْلِكُكُمْ بِعَذَابٍ وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ وَبَعْضِ أَهْلِ الْكُوفَةِ: (فَيَسْحَتَكُمْ) بِفَتْحِ الْيَاءِ مِنْ سَحَتَ يَسْحَتُ. وَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ: ﴿فَيُسْحِتَكُمْ﴾ [طه: ٦١] بِضَمِّ الْيَاءِ مِنْ أَسْحَتَ يُسْحِتُ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ، وَلُغَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ، غَيْرَ أَنَّ الْفَتْحَ فِيهَا أَعْجَبُ إِلَيَّ لِأَنَّهَا لُغَةُ أَهْلِ الْعَالِيَةِ، وَهِيَ أَفْصَحُ، وَالْأُخْرَى وَهِيَ الضَّمُّ فِي نَجْدٍ
١٦ ‏/ ٩٤
وَقَوْلُهُ: ﴿وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى﴾ [طه: ٦١] يَقُولُ: وَلَمْ يَظْفَرْ مَنْ يَخْلُقْ كَذِبًا وَيَقُولُهُ، بِكَذِبِهِ ذَلِكَ، بِحَاجَتِهِ الَّتِي طَلَبَهَا بِهِ، وَرَجَا إِدْرَاكَهَا بِهِ
١٦ ‏/ ٩٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى﴾ [طه: ٦٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَتَنَازَعَ السَّحَرَةُ أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ. وَكَانَ تَنَازُعُهُمْ أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ فِيمَا ذُكِرَ أَنْ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ
١٦ ‏/ ٩٥
مَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى﴾ [طه: ٦٢] قَالَ السَّحَرَةُ بَيْنَهُمْ: إِنْ كَانَ هَذَا سَاحِرًا فَإِنَّا سَنَغْلِبُهُ، وَإِنْ كَانَ مِنَ ⦗٩٦⦘ السَّمَاءِ فَلَهُ أَمْرٌ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ هُوَ أَنَّ بَعْضَهُمْ قَالَ لِبَعْضٍ: مَا هَذَا الْقَوْلُ بِقَوْلِ سَاحِرٍ
١٦ ‏/ ٩٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حُدِّثْتُ عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: جَمَعَ كُلُّ سَاحِرٍ حِبَالَهُ وَعِصِيَّهُ، وَخَرَجَ مُوسَى مَعَهُ أَخُوهُ يَتَّكِئُ عَلَى عَصَاهُ، حَتَّى أَتَى الْمَجْمَعَ، وَفِرْعَوْنُ فِي مَجْلِسِهِ، مَعَهُ أَشْرَافُ أَهْلِ مَمْلَكَتِهِ، قَدِ اسْتَكَفَّ لَهُ النَّاسُ، فَقَالَ مُوسَى لِلسَّحَرَةِ حِينَ جَاءَهُمْ: ﴿وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى﴾ [طه: ٦١] فَتَرَادَّ السَّحَرَةُ بَيْنَهُمْ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: مَا هَذَا بِقَوْلِ سَاحِرٍ. وَقَوْلُهُ: ﴿وَأَسَرُّوا النَّجْوَى﴾ [طه: ٦٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَأَسَرُّوا السَّحَرَةُ الْمُنَاجَاةَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي السِّرَارِ الَّذِي أَسَرُّوهُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ قَوْلُ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ: إِنْ كَانَ هَذَا سَاحِرًا فَإِنَّا سَنَغْلِبُهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَمْرِ السَّمَاءِ فَإِنَّهُ سَيَغْلِبُنَا
١٦ ‏/ ٩٦
وَقَالَ آخَرُونَ فِي ذَلِكَ مَا: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حُدِّثْتُ عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: أَشَارَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ بِتَنَاجٍ: ﴿إِنْ هَذَانِ ⦗٩٧⦘ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا﴾ [طه: ٦٣]
١٦ ‏/ ٩٦
حَدَّثَنِي مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿فَتَنَازَعُوا أَمَرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى﴾ [طه: ٦٢] مِنْ دُونِ مُوسَى وَهَارُونَ، قَالُوا فِي نَجْوَاهُمْ: ﴿إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى﴾ [طه: ٦٣] قَالُوا: إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يَعْنُونَ بِقَوْلِهِمْ: إِنْ هَذَانِ مُوسَى وَهَارُونُ، لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا
١٦ ‏/ ٩٧
كَمَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا﴾ [طه: ٦٣] مُوسَى وَهَارُونُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمَا وَقَدِ اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ﴾ [طه: ٦٣] فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ: (إِنَّ هَذَانِ) بِتَشْدِيدِ إِنَّ وَبِالْأَلِفِ فِي هَذَانِ، وَقَالُوا: قَرَأْنَا ذَلِكَ كَذَلِكَ. وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ
١٦ ‏/ ٩٧
مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ يَقُولُ: «إِنْ» خَفِيفَةٌ فِي مَعْنَى ثَقِيلَةٍ، وَهِيَ لُغَةُ لِقَوْمٍ يَرْفَعُونَ بِهَا، وَيُدْخِلُونَ اللَّامَ لِيُفَرِّقُوا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الَّتِي تَكُونُ فِي مَعْنَى مَا. وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ: ذَلِكَ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا عَلَى لُغَةِ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ وَمَنْ جَاوَرَهُمْ، يَجْعَلُونَ الِاثْنَيْنِ فِي رَفْعِهِمَا وَنَصْبِهِمَا وَخَفْضِهِمَا بِالْأَلِفِ. وَقَدْ أَنْشَدَنِي رَجُلٌ مِنَ الْأَسَدِ عَنْ بَعْضِ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ:
[البحر الطويل] فَأَطْرَقَ إِطْرَاقَ الشُّجَاعِ وَلَوْ رَأَى … مَسَاغًا لِنَابَاهُ الشُّجَاعُ لَصَّمَمَا
قَالَ: وَحُكِيَ عَنْهُ أَيْضًا: هَذَا خَطُّ يَدَا أَخِي أَعْرِفُهُ، قَالَ: وَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا أُقِيسَ، لِأَنَّ الْعَرَبَ قَالُوا: مُسْلِمُونَ، فَجَعَلُوا الْوَاوَ تَابَعَةً لِلضَّمَّةِ، لِأَنَّهَا لَا تُعْرَبُ، ثُمَّ قَالُوا رَأَيْتُ الْمُسْلِمِينَ، فَجَعَلُوا الْيَاءَ تَابَعَةً لِكَسْرَةِ الْمِيمِ، قَالُوا: فَلَمَّا رَأَوُا الْيَاءَ مِنَ الِاثْنَيْنِ لَا يُمْكِنُهُمْ كَسْرُ مَا قَبْلَهَا، وَثَبَتَ مَفْتُوحًا، تَرَكُوا الْأَلِفَ تَتْبَعُهُ، فَقَالُوا: رَجُلَانِ فِي كُلِّ حَالٍ. قَالَ: وَقَدِ اجْتَمَعَتِ الْعَرَبُ عَلَى إِثْبَاتِ الْأَلِفِ فِي كِلَا الرَّجُلَيْنِ، فِي الرَّفْعِ وَالنَّصْبِ وَالْخَفْضِ، وَهُمَا اثْنَانِ، إِلَّا بَنِي كِنَانَةَ، فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ:
١٦ ‏/ ٩٨
رَأَيْتُ كُلِي الرَّجُلَيْنِ، وَمَرَرْتُ بِكُلِي الرَّجُلَيْنِ، وَهِيَ قَبِيحَةُ قَلِيلَةُ مَضَوْا عَلَى الْقِيَاسِ. قَالَ: وَالْوَجْهُ الْآخَرُ أَنْ تَقُولَ: وَجَدْتُ الْأَلِفَ مِنْ هَذَا دِعَامَةً، وَلَيْسَتْ بِلَامِ «فَعَلَى» فَلَمَّا بُنِيَتْ زِدْتُ عَلَيْهَا نُونًا، ثُمَّ تَرَكْتُ الْأَلِفَ ثَابِتَةً عَلَى حَالِهَا لَا تَزُولُ بِكُلِّ حَالٍ، كَمَا قَالَتِ الْعَرَبُ الَّذِي، ثُمَّ زَادُوا نُونًا تَدُلُّ عَلَى الْجَمْعِ، فَقَالُوا: الَّذِينَ فِي رَفْعِهِمْ وَنَصْبِهِمْ وَخَفْضِهِمْ، كَمَا تَرَكُوا هَذَانِ فِي رَفَعِهِ وَنَصْبِهِ وَخَفْضِهِ. قَالَ: وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يَقُولُوا: الذُّونَ. وَقَالَ آخَرُ مِنْهُمْ: ذَلِكَ مِنَ الْجَزْمِ الْمُرْسَلِ، وَلَوْ نُصِبَ لَخَرَجَ إِلَى الِانْبِسَاطِ
١٦ ‏/ ٩٩
وَحُدِّثْتُ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ مَعْمَرِ بْنِ الْمُثَنَّى، قَالَ: قَالَ أَبُو عَمْرٍو وَعِيسَى بْنُ عُمَرَ وَيُونُسَ، إِنْ هَذَيْنِ لَسَاحِرَانِ فِي اللَّفْظِ، وَكُتِبَ «هِذَانِ» كَمَا يُرِيدُونَ الْكِتَابَ، وَاللَّفْظُ صَوَابٌ
١٦ ‏/ ٩٩
قَالَ: وَزَعَمَ أَبُو الْخَطَّابِ أَنَّهُ سَمِعَ قَوْمًا مِنْ بَنِي كِنَانَةَ وَغَيْرِهِمْ، يَرْفَعُونَ الِاثْنَيْنِ فِي مَوْضِعِ الْجَرِّ وَالنَّصْبِ
١٦ ‏/ ٩٩
قَالَ: وَقَالَ بِشْرُ بْنُ هِلَالٍ: إِنْ بِمَعْنَى الِابْتِدَاءِ وَالْإِيجَابِ. أَلَا تَرَى أَنَّهَا
١٦ ‏/ ٩٩
تَعْمَلُ فِيمَا يَلِيهَا، وَلَا تَعْمَلُ فِيمَا بَعْدَ الَّذِي بَعْدَهَا، فَتَرْفَعُ الْخَبَرَ وَلَا تَنْصِبُهُ، كَمَا نَصَبَتِ الِاسْمَ، فَكَانَ مَجَازُ «إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ» مَجَازَ كَلَامَيْنِ، مَخْرَجُهُ: إِنَّهُ: إِي نَعَمْ، ثُمَّ قُلْتُ: هَذَانِ سَاحِرَانِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ يَرْفَعُونَ الْمُشْتَرِكَ كَقَوْلِ ضَابِئٍ:
[البحر الطويل] فَمَنْ يَكُ أَمْسَى بِالْمَدِينَةِ رَحْلُهُ … فَإِنِّي وَقَيَّارٌ بِهَا لَغَرِيبُ
وَقَوْلُهُ:
[البحر الكامل] إِنَّ السُّيُوفَ غُدُوُّهَا وَرَوَاحُهَا … تَرَكَتْ هَوَازِنَ مِثْلَ قَرْنِ الْأَعْضَبِ
قَالَ: وَيَقُولُ بَعْضُهُمْ: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتُهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ، فَيَرْفَعُونَ عَلَى شَرِكَةِ الِابْتِدَاءِ، وَلَا يُعْمِلُونَ فِيهِ إِنَّ. قَالَ: وَقَدْ سَمِعْتُ الْفُصَحَاءَ مِنَ الْمُحْرِمِينَ يَقُولُونَ: إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ، لَا شَرِيكَ لَكَ. قَالَ: وَقَرَأَهَا قَوْمٌ عَلَى تَخْفِيفِ نُونِ إِنَّ وَإِسْكَانِهَا. قَالَ: وَيَجُوزُ، لِأَنَّهُمْ قَدْ أَدْخَلُوا اللَّامَ فِي
١٦ ‏/ ١٠٠
الِابْتِدَاءِ وَهِيَ فَصْلٌ، قَالَ:
[البحر الرجز] أُمُّ الْحُلَيْسِ لَعَجُوزٌ شَهْرَبَهْ
قَالَ: وَزَعَمَ قَوْمٌ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، لِأَنَّهُ إِذَا خَفَّفَ نُونَ «إِنَّ» فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ أَنْ يُدْخِلَ «إِلَّا» فَيَقُولُ: إِنْ هَذَا إِلَّا سَاحِرَانِ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَةَ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا: «إِنَّ» بِتَشْدِيدِ نُونِهَا، وَهَذَانِ بِالْأَلِفِ لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ كَذَلِكَ هُوَ فِي خَطِّ الْمُصْحَفِ. وَوَجْهُهُ إِذَا قُرِئَ كَذَلِكَ مُشَابَهَتُهُ الَّذِينَ إِذْ زَادُوا عَلَى الَّذِي النُّونَ، وَأُقِرَّ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ الْإِعْرَابُ عَلَى حَالَةٍ وَاحِدَةٍ، فَكَذَلِكَ ﴿إِنْ هَذَانِ﴾ [طه: ٦٣] زِيدَتْ عَلَى هَذَا نُونٌ وَأُقِرَّ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِ الْإِعْرَابِ عَلَى حَالٍ وَاحِدَةٍ، وَهِيَ لُغَةُ الْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ، وَخَثْعَمٍ، وَزُبَيْدٍ، وَمَنْ وَلِيَهُمْ مِنْ قَبَائِلِ الْيَمَنِ
١٦ ‏/ ١٠١
وَقَوْلُهُ: ﴿وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى﴾ [طه: ٦٣] يَقُولُ: وَيَغْلِبَا عَلَى سَادَاتِكُمْ وَأَشْرَافِكُمْ، يُقَالُ: هُوَ طَرِيقَةُ قَوْمِهِ وَنُظُورَةُ قَوْمِهِ، وَنَظِيرُتُهُمْ إِذَا كَانَ سَيِّدُهُمْ وَشَرِيفُهُمْ وَالْمَنْظُورُ إِلَيْهِ، يُقَالُ ذَلِكَ لِلْوَاحِدِ وَالْجَمْعِ، وَرُبَّمَا جَمَعُوا، فَقَالُوا: هَؤُلَاءِ طَرَائِقُ قَوْمِهِمْ، وَمِنْهُ قَوْلُ اللَّهِ تبارك وتعالى: ﴿كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا﴾ [الجن: ١١] وَهَؤُلَاءِ نَظَائِرُ قَوْمِهِمْ
١٦ ‏/ ١٠١
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿الْمُثْلَى﴾ [طه: ٦٣] فَإِنَّهَا تَأْنِيثُ الْأَمْثَلِ، يُقَالُ لِلْمُؤَنَّثِ، خُذِ الْمُثْلَى مِنْهُمَا. وَفِي الْمُذَكَّرِ: خُذِ الْأَمْثَلَ مِنْهُمَا، وَوُحِّدَتِ الْمُثْلَى، وَهِيَ صِفَةٌ وَنَعْتٌ لِلْجَمَاعَةِ، كَمَا قِيلَ: ﴿لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى﴾ [طه: ٨] وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُثْلَى أُنِّثَتْ لِتَأْنِيثِ الطَّرِيقَةِ. وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى﴾ [طه: ٦٣] قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٦ ‏/ ١٠٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى﴾ [طه: ٦٣] يَقُولُ: أَمْثَلُكُمْ وَهُمْ بَنُو إِسْرَائِيلَ
١٦ ‏/ ١٠٢
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى﴾ [طه: ٦٣] قَالَ: أُولِي الْعَقْلِ وَالشَّرَفِ وَالْأَنْسَابِ
١٦ ‏/ ١٠٢

عن معز نوني

متحصّل على شهادة ختم الدروس للمعهد الأعلى لتكوين المعلمين بقفصة دفعة 2000، يعمل حاليًّا أستاذ مدارس إبتدائية

شاهد أيضاً

سُورَةُ الْفَاتِحَةِ

مَكِّيَّةٌ وَآيَاتُهَا سَبْعٌ ١ ‏/ ١١١ ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ [الفاتحة: ١] الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ …