الْخُلُوفِ مِنْ بَعْدِهِ، فَجَاءَهُ جَبْرَائِيلُ ﷺ مِنْ بَعْدِ الْأَرْبَعِينَ لَيْلَةً، فَقَالَ: يَا دَاوُدُ إِنَّ اللَّهَ قَدْ غَفَرَ لَكَ الْهَمَّ الَّذِي هُمِمْتَ بِهِ، فَقَالَ دَاوُدُ: عَلِمْتُ أَنَّ الرَّبَّ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَغْفِرَ لِي الْهَمَّ الَّذِي هَمَمْتُ بِهِ، وَقَدْ عَرَفْتُ أَنَّ اللَّهَ عَدْلٌ لَا يَمِيلُ فَكَيْفَ بِفُلَانٍ إِذَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَقَالَ: يَا رَبِّ دَمِي الَّذِي عِنْدَ دَاوُدَ؟ فَقَالَ جَبْرَائِيلُ ﷺ: مَا سَأَلْتُ رَبَّكَ عَنْ ذَلِكَ، وَلَئِنْ شِئْتَ لَأَفْعَلَنَّ، فَقَالَ: نَعَمْ، فَعَرَجَ جِبْرِيلُ وَسَجَدَ دَاوُدُ، فَمَكَثَ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ نَزَلَ فَقَالَ: قَدْ سَأَلْتُ رَبَّكَ عز وجل يَا دَاوُدَ عَنِ الَّذِي أَرْسَلَتْنِي فِيهِ، فَقَالَ: قُلْ لِدَاوُدَ: إِنَّ اللَّهَ يَجْمَعُكُمَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَقُولُ: هَبْ لِي دَمَكَ الَّذِي عِنْدَ دَاوُدَ، فَيَقُولُ: هُوَ لَكَ يَا رَبِّ، فَيَقُولُ: فَإِنَّ لَكَ فِي الْجَنَّةِ مَا شِئْتَ وَمَا اشْتَهَيْتَ عِوَضًا “
٢٠ / ٧٥
حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: ثنا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ جَابِرٍ، عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ: «أَنَّ كِتَابَ صَاحِبِ الْبَعْثِ جَاءَ يَنْعِي مَنْ قَتَلَ، فَلَمَّا قَرَأَ دَاوُدُ نَعْيَ رَجُلٍ مِنْهُمْ رَجَعَ، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى اسْمِ الرَّجُلِ قَالَ: كَتَبَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ الْمَوْتَ، قَالَ: فَلَمَّا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا خَطَبَهَا»
٢٠ / ٧٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ ⦗٧٦⦘ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ﴾ يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ﴾ [ص: ٢٥] فَعَفَوْنَا عَنْهُ، وَصفَحْنَا لَهُ عَنْ أَنْ نُؤَاخِذَهُ بِخَطِيئَتِهِ وَذَنْبِهِ ذَلِكَ ﴿وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى﴾ [ص: ٢٥] يَقُولُ: وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَلْقُرْبَةَ مِنَّا يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي قَوْلِهِ: ﴿فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ﴾ [ص: ٢٥] قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٠ / ٧٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ﴾ [ص: ٢٥] «الذَّنْبَ»
٢٠ / ٧٦
وَقَوْلُهُ: ﴿وَحُسْنَ مَآبٍ﴾ [الرعد: ٢٩] يَقُولُ: مَرْجِعٍ وَمُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٠ / ٧٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿وَحُسْنَ مَآبٍ﴾ [ص: ٢٥] «أَيْ حُسْنَ مَصِيرٍ»
٢٠ / ٧٦
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَوْلُهُ: ﴿وَحُسْنَ مَآبٍ﴾ [ص: ٢٥] قَالَ: «حُسْنَ الْمُنْقَلَبِ»
٢٠ / ٧٧
وَقَوْلُهُ: ﴿يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَقُلْنَا لِدَاوُدَ: يَا دَاوُدُ إِنَّا اسْتَخْلَفْنَاكَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِ مَنْ كَانَ قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا حَكَمًا بَيْنَ أَهْلِهَا
٢٠ / ٧٧
كَمَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، ﴿إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً﴾ [ص: ٢٦] «مَلَّكَهُ فِي الْأَرْضِ»
٢٠ / ٧٧
وَقَوْلُهُ ﴿فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ﴾ [ص: ٢٦] يَعْنِي: بِالْعَدْلِ وَالْإِنْصَافِ ﴿وَلَا تَتْبَعِ الْهَوَى﴾ [ص: ٢٦] يَقُولُ: وَلَا تُؤْثِرْ هَوَاكَ فِي قَضَائِكَ بَيْنَهُمْ عَلَى الْحَقِّ وَالْعَدْلِ فِيهِ، فَتَجُورُ عَنِ الْحَقِّ ﴿فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [ص: ٢٦] يَقُولُ: فَيَمِيلَ بِكَ اتِّبَاعُكَ هَوَاكَ فِي قَضَائِكَ عَلَى الْعَدْلِ وَالْعَمَلِ بِالْحَقِّ عَنْ طَرِيقِ اللَّهِ الَّذِي جَعَلَهُ لِأَهْلِ الْإِيمَانِ فِيهِ، فَتَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ بِضَلَالِكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ
٢٠ / ٧٧
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ﴾ [ص: ٢٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ الَّذِينَ يَمِيلُونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، وَذَلِكَ الْحَقُّ الَّذِي شَرَعَهُ لِعِبَادِهِ، وَأَمَرَهُمْ بِالْعَمَلِ بِهِ، فَيَجُورُونَ عَنْهُ فِي الدُّنْيَا، لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ يَوْمَ الْحِسَابِ عَذَابٌ شَدِيدٌ عَلَى ضَلَالِهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِمَا نَسُوا أَمْرَ اللَّهِ، يَقُولُ: ⦗٧٨⦘ بِمَا تَرَكُوا الْقَضَاءَ بِالْعَدْلِ، وَالْعَمَلَ بِطَاعَةِ اللَّهِ ﴿يَوْمَ الْحِسَابِ﴾ [ص: ١٦] مِنْ صِلَةِ الْعَذَابِ الشَّدِيدِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٠ / ٧٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْعَوَّامُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ﴾ [ص: ٢٦] قَالَ: «هَذَا مِنَ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ، يَقُولُ: لَهُمْ يَوْمَ الْحِسَابِ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا»
٢٠ / ٧٨
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَوْلُهُ: ﴿بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ﴾ [ص: ٢٦] قَالَ: «نَسُوا: تَرَكُوا»
٢٠ / ٧٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا﴾ [الأنبياء: ١٦] عَبَثًا وَلَهْوًا، مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا لَيُعْمَلَ فِيهِمَا بِطَاعَتِنَا، وَيُنْتَهَى إِلَى أَمْرِنَا وَنَهْيِنَا ⦗٧٩⦘ ﴿ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [ص: ٢٧] يَقُولُ: أَيْ ظَنٌّ أَنَّا خَلَقْنَا ذَلِكَ بَاطِلًا وَلَعِبًا، ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِاللَّهِ فَلَمْ يُوَحِّدُوهُ، وَلَمْ يَعْرَفُوا عَظَمَتَهُ، وَأَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُعْبَثَ، فَيَتَيَقَّنُوا بِذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَخْلُقُ شَيْئًا بَاطِلًا ﴿فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ﴾ [ص: ٢٧] يَعْنِي: مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ
٢٠ / ٧٨
وَقَوْلُهُ: ﴿أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ﴾ [ص: ٢٨] يَقُولُ: أَنَجْعَلُ الَّذِينَ صَدَقُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَعَمِلُوا بِمَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ، وَانْتَهَوْا عَمَّا نَهَاهُمْ عَنْهُ ﴿كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ﴾ [ص: ٢٨] يَقُولُ: كَالَّذِينَ يُشْرِكُونَ بِاللَّهِ وَيَعْصُونَهُ وَيُخَالِفُونَ أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ ﴿أُمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ﴾ [ص: ٢٨] يَقُولُ: الَّذِينَ اتَّقُوا اللَّهَ بِطَاعَتِهِ وَرَاقَبُوهُ، فَحَذِرُوا مَعَاصِيَهُ ﴿كَالْفُجَّارِ﴾ [ص: ٢٨] يَعْنِي: كَالْكُفَّارِ الْمُنْتَهِكِينَ حُرُمَاتِ اللَّهِ
٢٠ / ٧٩
وَقَوْلُهُ: ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ﴾ [إبراهيم: ١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: وَهَذَا الْقُرْآنُ ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ﴾ [إبراهيم: ١] يَا مُحَمَّدُ ﴿مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ﴾ [ص: ٢٩] يَقُولُ: لَيَتَدَبَّرُوا حُجَجِ اللَّهِ الَّتِي فِيهِ، وَمَا شَرَعَ فِيهِ مِنْ شَرَائِعِهِ، فَيَتَّعِظُوا وَيَعْمَلُوا بِهِ وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ الْقُرَّاءِ: ﴿لِيَدَّبَّرُوا﴾ [ص: ٢٩] بِالْيَاءِ، يَعْنِي: لِيَتَدَبَّرَ هَذَا الْقُرْآنَ مَنْ أَرْسَلْنَاكَ إِلَيْهِ مِنْ قَوْمِكِ يَا مُحَمَّدُ وَقَرَاءَهُ أَبُو جَعْفَرٍ وَعَاصِمٌ (لَتَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ) بِالتَّاءِ، بِمَعْنَى: لِتَتَدَبَّرَهُ أَنْتَ يَا مُحَمَّدُ وَأَتْبَاعُكَ
٢٠ / ٧٩
وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ عِنْدَنَا بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ صَحِيحَتَا الْمَعْنَى، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ ﴿وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ يَقُولُ: وَلْيَعْتَبِرَ أُولُو الْعُقُولِ وَالْحِجَا مَا فِي هَذَا الْكِتَابِ مِنَ الْآيَاتِ، فَيَرْتَدِعُوا عَمَّا هُمْ عَلَيْهِ مُقِيمِينَ مِنَ الضَّلَالَةِ، وَيَنْتَهَوْا إِلَى مَا دَلَّهُمْ عَلَيْهِ مِنَ الرَّشَادِ وَسَبِيلِ الصَّوَابِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٠ / ٨٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، ﴿أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ قَالَ: «أُولُو الْعُقُولِ مِنَ النَّاسِ» وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِيمَا مَضَى قَبْلُ بِشَوَاهِدِهِ، بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ
٢٠ / ٨٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَوَهَبْنَا لِدَاوُدَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ ﴿وَوَهَبْنَا لِدَاوُدَ سُلَيْمَانَ﴾ ابْنَهُ وَلَدًا ﴿نِعَمَ الْعَبْدُ﴾ [ص: ٣٠] يَقُولُ: نِعْمَ الْعَبْدُ سُلَيْمَانُ ﴿إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾ [ص: ١٧] يَقُولُ: إِنَّهُ رَجَّاعٌ إِلَى طَاعَةِ اللَّهِ ⦗٨١⦘ تَوَّابٌ إِلَيْهِ مِمَّا يَكْرَهُهُ مِنْهُ. وَقِيلَ: إِنَّهُ عُنِيَ بِهِ أَنَّهُ كَثِيرُ الذِّكْرِ لِلَّهِ وَالطَّاعَةِ
٢٠ / ٨٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ﴿نَعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾ [ص: ٣٠] قَالَ: «الْأَوَّابُ: الْمُسَبِّحُ»
٢٠ / ٨١
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾ [ص: ٣٠] قَالَ: «كَانَ مُطِيعًا لِلَّهِ كَثِيرَ الصَّلَاةِ»
٢٠ / ٨١
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَوْلُهُ: ﴿نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾ [ص: ٣٠] قَالَ: الْمُسَبِّحُ ” وَالْمُسَبِّحُ قَدْ يَكُونُ فِي الصَّلَاةِ وَالذِّكْرِ وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْأَوَّابِ، وَذَكَرِنَا اخْتِلَافَ أَهْلِ التَّأْوِيلَ فِيهِ فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ هَاهُنَا
٢٠ / ٨١
وَقَوْلُهُ: ﴿إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ﴾ [ص: ٣١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّهُ تَوَّابٌ إِلَى اللَّهِ مِنْ خَطِيئَتِهِ الَّتِي أَخْطَأَهَا، إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ؛ فَإِذْ مِنْ صِلَةِ أَوَّابٌ، وَالصَافِنَاتُ: جَمْعُ الصَافِنِ مِنَ الْخَيْلِ، وَالْأُنْثَى: صَافِنَةٌ، وَالصَافِنُ مِنْهَا عِنْدَ بَعْضِ الْعَرَبِ: الَّذِي يَجْمَعُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَيَثْنِي طَرَفَ سُنْبُكِ إِحْدَى رِجْلَيْهِ، وَعِنْدَ آخَرِينَ: الَّذِي يَجْمَعُ يَدَيْهِ وَزَعَمَ الْفَرَّاءُ أَنَّ ⦗٨٢⦘ الصَافِنَ: هُوَ الْقَائِمُ، يُقَالُ مِنْهُ: صَفَنَتِ الْخَيْلُ تَصفِنُ صُفُونًا وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٠ / ٨١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ﴾ [ص: ٣١] قَالَ: «صُفُونُ الْفَرَسِ: رَفْعُ إِحْدَى يَدَيْهِ حَتَّى يَكُونَ عَلَى طَرَفِ الْحَافِرِ»
٢٠ / ٨٢
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: “صَفَنَ الْفَرَسُ: «رَفَعَ إِحْدَى يَدَيْهِ حَتَّى يَكُونَ عَلَى طَرَفِ الْحَافِرِ»
٢٠ / ٨٢
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ﴾ [ص: ٣١] «يَعْنِي:»الْخَيْلَ، وَصُفُونُهَا: قِيَامُهَا وَبَسْطُهَا قَوَائِمَهَا “
٢٠ / ٨٢
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: “الصَّافِنَاتُ، قَالَ: «الْخَيْلُ»
٢٠ / ٨٢
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ﴾ [ص: ٣١] قَالَ: «الْخَيْلُ أَخْرَجَهَا الشَّيْطَانُ لِسُلَيْمَانَ، مِنْ مَرْجٍ مِنْ مُرُوجِ الْبَحْرِ قَالَ: الْخَيْلُ وَالْبِغَالُ وَالْحَمِيرُ تَصْفِنَ، وَالصَفْنُ أَنْ تَقُومَ عَلَى ثَلَاثٍ، وَتَرْفَعُ رِجْلًا وَاحِدَةً حَتَّى يَكُونَ طَرَفُ الْحَافِرِ عَلَى الْأَرْضِ»
٢٠ / ٨٢
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: «الصَّافِنَاتُ: ⦗٨٣⦘ الْخَيْلُ، وَكَانَتْ لَهَا أَجْنِحَةٌ» وَأَمَّا الْجِيَادُ، فَإِنَّهَا السِّرَاعُ، وَاحِدُهَا: جَوَادٌ
٢٠ / ٨٢
كَمَا: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ﴿الْجِيَادُ﴾ [ص: ٣١]: قَالَ: «السِّرَاعُ» وَذُكِرَ أَنَّهَا كَانَتْ عِشْرِينَ فَرَسًا ذَوَاتَ أَجْنِحَةٍ
٢٠ / ٨٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا مُؤَمَّلٌ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، فِي قَوْلِهِ: ﴿إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ﴾ [ص: ٣١] قَالَ: «كَانَتْ عِشْرِينَ فَرَسًا ذَاتَ أَجْنِحَةٍ»
٢٠ / ٨٣
وَقَوْلُهُ: ﴿فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ﴾ [ص: ٣٢] وَفِي هَذَا الْكَلَامِ مَحْذُوفٌ اسْتُغْنِيَ بِدَلَالَةِ الظَّاهِرِ عَلَيْهِ مِنْ ذِكْرِهِ: فَلُهِيَ عَنِ الصَّلَاةِ حَتَّى فَاتَتْهُ، فَقَالَ: إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ: ﴿فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ﴾ [ص: ٣٢] أَيْ أَحْبَبْتُ حُبًّا لِلْخَيْرٍ، ثُمَّ أُضِيفَ الْحَبُّ إِلَى الْخَيْرِ، وَعُنِيَ بِالْخَيْرِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ الْخَيْلُ؛ وَالْعَرَبُ فِيمَا بَلَغَنِي تُسَمِّي الْخَيْلَ الْخَيْرَ، وَالْمَالُ أَيْضًا يُسَمُّونَهُ الْخَيْرَ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٠ / ٨٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ﴾ [ص: ٣٢] «أَيِ الْمَالِ وَالْخَيْلِ، أَوِ الْخَيْرِ مِنَ الْمَالِ»
٢٠ / ٨٤
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ السُّدِّيِّ، ﴿فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ﴾ [ص: ٣٢] قَالَ: «الْخَيْلُ»
٢٠ / ٨٤
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَوْلُهُ: ﴿إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ﴾ [ص: ٣٢] قَالَ: «الْمَالُ»
٢٠ / ٨٤
وَقَوْلُهُ: ﴿عَنْ ذِكْرِ رَبِّي﴾ [ص: ٣٢] يَقُولُ: إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ حَتَّى سَهَوْتُ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي وَأَدَاءِ فَرِيضَتِهِ وَقِيلَ: إِنَّ ذَلِكَ كَانَ صَلَاةَ الْعَصْرِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٠ / ٨٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿عَنْ ذَكْرِ رَبِّي﴾ [ص: ٣٢] «عَنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ»
٢٠ / ٨٤
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، ﴿عَنْ ذِكْرِ ⦗٨٥⦘ رَبِّي﴾ [ص: ٣٢] قَالَ: «صَلَاةِ الْعَصْرِ»
٢٠ / ٨٤
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، قَالَ: ثنا أَبُو زُرْعَةَ، قَالَ: ثنا حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ، قَالَ: ثنا أَبُو صَخْرٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا مُعَاوِيَةَ الْبَجَلِيَّ، مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا الصَّهْبَاءِ الْبَكْرِيَّ، يَقُولُ: سَأَلْتُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، عَنِ الصَّلَاةِ الْوسْطَى فَقَالَ: «هِيَ الْعَصْرُ، وَهِيَ الَّتِي فُتِنَ بِهَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ»
٢٠ / ٨٥
وَقَوْلُهُ: ﴿حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ﴾ [ص: ٣٢] يَقُولُ: حَتَّى تَوَارَتِ الشَّمْسُ بِالْحِجَابِ، يَعْنِي: تَغَيَّبَتْ فِي مَغِيبِهَا
٢٠ / ٨٥
كَمَا: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، قَالَ: ثنا مِيكَائِيلٌ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدَ، قَالَ: قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ﴾ [ص: ٣٢] قَالَ: «تَوَارَتِ الشَّمْسُ مِنْ وَرَاءِ يَاقُوتَةٍ خَضْرَاءَ، فَخُضْرَةُ السَّمَاءِ مِنْهَا»
٢٠ / ٨٥
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ﴾ [ص: ٣٢] «حَتَّى دَلَكَتْ بَرَاحٍ» قَالَ قَتَادَةُ: فَوَاللَّهِ مَا نَازَعَتْهُ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَلَا كَابَرُوهُ، وَلَكِنْ وَلُّوهُ مِنْ ذَلِكَ مَا وَلَّاهُ اللَّهُ “
٢٠ / ٨٥
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، ﴿حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ﴾ [ص: ٣٢] «حَتَّى غَابَتْ»
٢٠ / ٨٥
وَقَوْلُهُ: ﴿رُدُّوهَا عَلَيَّ﴾ [ص: ٣٣] يَقُولُ: رُدُّوا عَلَيَّ الْخَيْلَ الَّتِي عُرِضَتْ عَلَيَّ، فَشَغَلَتْنِي عَنِ الصَّلَاةِ، فَكُرُّوهَا عَلَيَّ
٢٠ / ٨٦
كَمَا: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ ﴿رُدُّوهَا عَلَيَّ﴾ [ص: ٣٣] قَالَ: «الْخَيْلَ»
٢٠ / ٨٦
وَقَوْلُهُ: ﴿فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ﴾ [ص: ٣٣] يَقُولُ: فَجَعَلَ يَمْسَحُ مِنْهَا السُّوقَ، وَهِيَ جَمْعُ السَّاقِ، وَالْأَعْنَاقَ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى مَسَحَ سُلَيْمَانُ بِسُوقِ هَذِهِ الْخَيْلِ الْجِيَادِ وَأَعْنَاقِهَا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ عَقَرَهَا وَضَرَبَ أَعْنَاقَهَا، مِنْ قَوْلِهِمْ: مَسَحَ عَلَاوَتَهُ: إِذَا ضَرَبَ عُنُقَهُ
٢٠ / ٨٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ﴾ [ص: ٣٣] قَالَ: قَالَ الْحَسَنُ: «قَالَ لَا وَاللَّهِ لَا تَشْغَلِينِي عَنْ عِبَادَةِ رَبِّي آخِرَ مَا عَلَيْكَ» قَالَ قَوْلَهُمَا فِيهِ، يَعْنِي قَتَادَةَ وَالْحَسَنَ قَالَ: فَكَسَفَ عَرَاقِيبَهَا، وَضَرَبَ أَعْنَاقَهَا “
٢٠ / ٨٦
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، ﴿فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ﴾ [ص: ٣٣] «فَضَرَبَ سُوقَهَا وَأَعْنَاقَهَا»
٢٠ / ٨٦
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَزِيعٍ، قَالَ: ثنا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، عَنْ عَوْفٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: «أَمَرَ بِهَا فَعُقِرَتْ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ جَعَلَ يَمْسَحُ أَعْرَافَهَا وَعَرَاقِيبَهَا بِيَدِهِ حُبًّا لَهَا
٢٠ / ٨٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ﴾ [ص: ٣٣] يَقُولُ: «جَعَلَ يَمْسَحُ أَعْرَافَ الْخَيْلِ وَعَرَاقِيبَهَا: حُبًّا لَهَا» وَهَذَا الْقَوْلُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَشْبَهُ بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ، لِأَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ لَمْ يَكُنْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَ حَيَوَانًا بِالْعَرْقَبَةِ، وَيُهْلِكَ مَالًا مِنْ مَالِهِ بِغَيْرِ سَبَبٍ، سِوَى أَنَّهُ اشْتَغَلَ عَنْ صَلَاتِهِ بِالنَّظَرِ إِلَيْهَا، وَلَا ذَنْبَ لَهَا بِاشْتِغَالِهِ بِالنَّظَرِ إِلَيْهَا
٢٠ / ٨٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ﴾ [ص: ٣٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَقَدِ ابْتَلَيْنَا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا شَيْطَانًا مُتَمَثِّلًا بِإِنْسَانٍ، ذَكَرُوا أَنَّ اسْمَهُ صَخْرٌ وَقِيلَ: إِنَّ اسْمَهُ آصَفٌ وَقِيلَ: إِنَّ اسْمَهُ أَصَرٌ وَقِيلَ: إِنَّ اسْمَهُ حَبْقِيقُ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٠ / ٨٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا﴾ [ص: ٣٤] قَالَ: «هُوَ صَخْرٌ الْجِنِّيُّ تَمَثَّلَ عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا»
٢٠ / ٨٨
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنَّى أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ﴾ [ص: ٣٤] قَالَ: «الْجَسَدُ: الشَّيْطَانُ الَّذِي كَانَ دَفَعَ إِلَيْهِ سُلَيْمَانُ خَاتَمَهُ، فَقَذَفَهُ فِي الْبَحْرِ، وَكَانَ مُلْكُ سُلَيْمَانَ فِي خَاتَمِهِ، وَكَانَ اسْمُ الْجِنِّيِّ صَخْرًا»
٢٠ / ٨٨
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: ثنا مُبَارَكٌ، عَنِ الْحَسَنِ ﴿وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا﴾ [ص: ٣٤] قَالَ: «شَيْطَانًا»
٢٠ / ٨٨
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ﴿وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا﴾ [ص: ٣٤] قَالَ: «شَيْطَانًا»
٢٠ / ٨٨
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ﴿وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا﴾ [ص: ٣٤] قَالَ: «شَيْطَانًا يُقَالُ لَهُ آصَرُ»
٢٠ / ٨٨
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي ⦗٨٩⦘ نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا﴾ [ص: ٣٤] قَالَ: «شَيْطَانًا يُقَالُ لَهُ آصَفُ، فَقَالَ لَهُ سُلَيْمَانُ: كَيْفَ تَفْتِنُونَ النَّاسَ؟ قَالَ: أَرِنِي خَاتَمَكَ أُخْبِرُكَ فَلَمَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ نَبَذَهُ آصَفُ فِي الْبَحْرِ، فَسَاحَ سُلَيْمَانُ وَذَهَبَ مُلْكُهُ، وَقَعَدَ آصَفُ عَلَى كُرْسِيِّهِ، وَمَنْعَهُ اللَّهُ نِسَاءَ سُلَيْمَانَ، فَلَمْ يَقْرَبْهُنَّ، وَأَنْكَرْنَهُ؛ قَالَ: فَكَانَ سُلَيْمَانُ يَسْتَطْعِمُ فَيَقُولُ: أَتَعْرِفُونِي أَطْعِمُونِي أَنَا سُلَيْمَانُ، فَيُكَذِّبُونَهُ، حَتَّى أَعْطَتْهُ امْرَأَةٌ يَوْمًا حُوتًا يُطَيِّبُ بَطْنَهُ، فَوَجَدَ خَاتَمَهُ فِي بَطْنِهِ، فَرَجَعَ إِلَيْهِ مُلْكُهُ، وَفَرَّ آصَفُ فَدَخَلَ الْبَحْرَ فَارًّا» حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ بِنَحْوُهُ، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ فِي حَدِيثِهِ: فَيَقُولُ: لَوْ تَعْرِفُونِي أَطْعَمْتُمُونِي
٢٠ / ٨٨
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ﴾ [ص: ٣٤] قَالَ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ أَنَّ سُلَيْمَانَ أُمِرَ بِبِنَاءِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَقِيلَ لَهُ: ابْنِهِ وَلَا يُسْمَعُ فِيهِ صَوْتُ حَدِيدٍ، قَالَ: فَطُلِبَ ذَلِكَ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ شَيْطَانًا فِي الْبَحْرِ يُقَالُ لَهُ صَخْرٌ شَبَهُ الْمَارِدِ، قَالَ: فَطَلَبَهُ، وَكَانَتْ عَيْنٌ فِي الْبَحْرِ يَرِدُهَا فِي كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ مَرَّةً، فَنُزِحَ مَاؤُهَا وَجُعِلَ فِيهَا خَمْرٌ، فَجَاءَ يَوْمُ وُرُودِهِ فَإِذَا هُوَ بِالْخَمْرِ، فَقَالَ: إِنَّكَ لِشَرَابٌ طَيِّبٍ، إِلَّا أَنَّكَ تُصِبِينَ الْحَلِيمَ، ⦗٩٠⦘ وَتُزِيدِينَ الْجَاهِلَ جَهْلًا، قَالَ: ثُمَّ رَجَعَ حَتَّى عَطِشَ عَطَشًا شَدِيدًا، ثُمَّ أَتَاهَا فَقَالَ: إِنَّكِ لِشَرَابٌ طَيِّبٌ، إِلَّا أَنَّكِ تُصِبِينَ الْحَلِيمَ، وَتُزِيدِينَ الْجَاهِلَ جَهْلًا؛ قَالَ: ثُمَّ شَرِبَهَا حَتَّى غَلَبَتْ عَلَى عَقْلِهِ، قَالَ: فَأُرِيَ الْخَاتَمَ أَوْ خُتِمَ بِهِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ، فَذَلَّ، قَالَ: فَكَانَ مُلْكُهُ فِي خَاتَمِهِ، فَأَتَى بِهِ سُلَيْمَانَ، فَقَالَ: إِنَّا قَدْ أَمَرْنَا بِبِنَاءِ هَذَا الْبَيْتِ وَقِيلَ لَنَا: لَا يُسْمَعَنَّ فِيهِ صَوْتُ حَدِيدٍ، قَالَ: فَأَتَى بِبَيْضِ الْهُدْهُدِ، فَجَعَلَ عَلَيْهِ زُجَاجَةً، فَجَاءَ الْهُدْهُدُ، فَدَارَ حَوْلَهَا، فَجَعَلَ يَرَى بَيْضَهُ وَلَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، فَذَهَبَ فَجَاءَ بِالْمَاسِ، فَوَضَعَهُ عَلَيْهِ، فَقَطَعَهَا بِهِ حَتَّى أَفْضَى إِلَى بَيْضِهِ، فَأُخِذَ الْمَاسُ، فَجَعَلُوا يَقْطَعُونَ بِهِ الْحِجَارَةَ، فَكَانَ سُلَيْمَانُ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ الْخَلَاءَ أَوِ الْحَمَّامَ لَمْ يَدْخُلْهَا بِخَاتَمِهِ؛ فَانْطَلَقَ يَوْمًا إِلَى الْحَمَّامِ، وَذَلِكَ الشَّيْطَانُ صَخْرٌ مَعَهُ، وَذَلِكَ عِنْدَ مُقَارَفَةِ ذَنْبٍ قَارَفَ فِيهِ بَعْضَ نِسَائِهِ، قَالَ: فَدَخَلَ الْحَمَّامَ، وَأَعْطَى الشَّيْطَانَ خَاتَمَهُ، فَأَلْقَاهُ فِي الْبَحْرِ، فَالْتَقَمَتْهُ سَمَكَةٌ، وَنُزِعَ مُلْكُ سُلَيْمَانَ مِنْهُ، وَأُلْقِيَ عَلَى الشَّيْطَانِ شِبْهُ سُلَيْمَانَ؛ قَالَ: فَجَاءَ فَقَعَدَ عَلَى كُرْسِيِّهِ وَسَرِيرِهِ، وَسُلِّطَ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ كُلِّهِ غَيْرَ نِسَائِهِ؛ قَالَ: فَجَعَلَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ، وَجَعَلُوا يُنْكِرُونَ مِنْهُ أَشْيَاءَ حَتَّى قَالُوا: لَقَدْ فُتِنَ نَبِيُّ اللَّهِ؛ وَكَانَ فِيهِمْ رَجُلٌ يشَبهْوَنهِ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي الْقُوَّةِ، فَقَالَ: وَاللَّهِ لَأُجَرِّبَنَّهُ؛ قَالَ: فَقَالَ لَهُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ وَهُوَ لَا يَرَى إِلَّا أَنَّهُ نَبِيُّ اللَّهِ أَحَدُنَا تُصِيبُهُ الْجَنَابَةُ فِي اللَّيْلَةِ الْبَارِدَةِ، فَيَدَعُ الْغُسْلَ عَمْدًا حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، أَتَرَى عَلَيْهِ بَأْسًا؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً حَتَّى وَجَدَ نَبِيُّ اللَّهِ خَاتَمَهُ فِي بَطْنِ سَمَكَةٍ، فَأَقْبَلَ فَجَعَلَ لَا يَسْتَقْبِلُهُ جِنِّيٌّ وَلَا طَيْرٌ إِلَّا سَجَدَ لَهُ، حَتَّى انْتَهَى إِلَيْهِمْ ﴿وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا﴾ [ص: ٣٤] قَالَ: هُوَ الشَّيْطَانُ صَخْرٌ “
٢٠ / ٨٩
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ﴾ [ص: ٣٤] قَالَ: “لَقَدِ ابْتَلَيْنَا ﴿وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا﴾ [ص: ٣٤] قَالَ: الشَّيْطَانُ حِينَ جَلَسَ عَلَى كُرْسِيِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا؛ قَالَ: كَانَ لِسُلَيْمَانَ مِائَةُ امْرَأَةٍ، وَكَانَتِ امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ يُقَالُ لَهَا جَرَادَةٌ، وَهِيَ آثَرُ نِسَائِهِ عِنْدَهُ، وَآمَنُهُنَّ عِنْدَهُ، وَكَانَ إِذَا أَجْنَبَ أَوِ أَتَى حَاجَةً نَزَعَ خَاتَمَهُ، وَلَمْ يَأْتَمِنْ عَلَيْهِ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ غَيْرَهَا؛ فَجَاءَتْهُ يَوْمًا مِنَ الْأَيَّامِ، فَقَالَتْ: إِنَّ أَخِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ فُلَانٍ خُصُومَةٌ، وَأَنَا أَحِبُّ أَنْ تَقْضِيَ لَهُ إِذَا جَاءَكَ، فَقَالَ لَهَا: نَعَمْ، وَلَمْ يَفْعَلْ، فَابْتُلِيَ وَأَعْطَاهَا خَاتَمَهُ، وَدَخَلَ الْمَخْرَجَ، فَخَرَجَ الشَّيْطَانُ فِي صُورَتِهِ، فَقَالَ لَهَا: هَاتِي الْخَاتَمَ، فَأَعْطَتْهُ، فَجَاءَ حَتَّى جَلَسَ عَلَى مَجْلِسِ سُلَيْمَانَ، وَخَرَجَ سُلَيْمَانُ بَعْدُ، فَسَأَلَهَا أَنْ تُعْطِيَهُ خَاتَمَهُ، فَقَالَتْ: أَلَمْ تَأْخُذْهُ قَبْلُ؟ قَالَ: لَا، وَخَرَجَ مَكَانَهُ تَائِهًا؛ قَالَ: وَمَكَثَ الشَّيْطَانُ يَحْكُمُ بَيْنَ النَّاسِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا قَالَ: فَأَنْكَرَ النَّاسُ أَحْكَامَهُ، فَاجْتَمَعَ قُرَّاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَعُلَمَاؤُهُمْ، فَجَاءُوا حَتَّى دَخَلُوا عَلَى نِسَائِهِ، فَقَالُوا: إِنَّا قَدْ أَنْكَرْنَا هَذَا فَإِنْ كَانَ سُلَيْمَانُ فَقَدْ ذَهَبَ عَقْلُهُ وَأَنْكَرْنَا أَحْكَامَهُ قَالَ: فَبَكَى النِّسَاءُ عِنْدَ ذَلِكَ، قَالَ: فَأَقْبَلُوا يَمْشُونَ حَتَّى أَتَوْهُ، فَأَحْدَقُوا بِهِ، ثُمَّ نَشَرُوا التَّوْرَاةَ، فَقَرَءُوا؛ قَالَ: فَطَارَ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ حَتَّى وَقَعَ عَلَى شُرْفَةٍ وَالْخَاتَمُ مَعَهُ، ثُمَّ طَارَ حَتَّى ذَهَبَ إِلَى الْبَحْرِ، فَوَقَعَ الْخَاتَمُ مِنْهُ فِي الْبَحْرِ، فَابْتَلَعَهُ حُوتٌ مِنْ حَيَّتَانِ الْبَحْرِ قَالَ: وَأَقْبَلَ سُلَيْمَانُ فِي حَالِهِ الَّتِي كَانَ فِيهَا حَتَّى انْتَهَى إِلَى صَيَّادٍ مِنْ صَيَّادِي الْبَحْرِ وَهُوَ جَائِعٌ، وَقَدِ اشْتَدَّ جُوعُهُ، فَاسْتَطْعَمَهُمْ مِنْ صَيْدِهِمْ، قَالَ: إِنِّي أَنَا سُلَيْمَانُ، فَقَامَ إِلَيْهِ
٢٠ / ٩١
بَعْضُهُمْ فَضَرَبَهُ بِعَصَا فَشَجَّهُ، فَجَعَلَ يَغْسِلُ دَمَهُ وَهُوَ عَلَى شَاطِئِ الْبَحْرِ، فَلَامَ الصَّيَّادُونَ صَاحِبَهُمُ الَّذِي ضَرَبَهُ، فَقَالُوا: بِئْسَ مَا صَنَعْتَ حَيْثُ ضَرَبْتَهُ، قَالَ: إِنَّهُ زَعَمَ أَنَّهُ سُلَيْمَانُ، قَالَ: فَأَعْطَوْهُ سَمَكَتَيْنِ مِمَّا قَدْ مَذِرَ عِنْدَهُمْ، وَلَمْ يَشْغَلْهُ مَا كَانَ بِهِ مِنَ الضَّرَرِ، حَتَّى قَامَ إِلَى شَطِّ الْبَحْرِ، فَشَقَّ بُطُونَهُمَا، فَجَعَلَ يَغْسِلُ. . .، فَوَجَدَ خَاتَمَهُ فِي بَطْنِ إِحْدَاهُمَا، فَأَخَذَهُ فَلَبِسَهُ، فَرَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِ بَهَاءَهُ وَمُلْكَهُ، وَجَاءَتِ الطَّيْرُ حَتَّى حَامَتْ عَلَيْهِ، فَعَرَفَ الْقَوْمُ أَنَّهُ سُلَيْمَانُ، فَقَامَ الْقَوْمُ يَعْتَذِرُونَ مِمَّا صَنَعُوا، فَقَالَ: مَا أَحْمَدَكُمْ عَلَى عُذْرِكُمْ، وَلَا أَلُومُكُمْ عَلَى مَا كَانَ مِنْكُمْ، كَانَ هَذَا الْأَمْرُ لَا بُدَّ مِنْهُ، قَالَ: فَجَاءَ حَتَّى أَتَى مُلْكَهُ، فَأَرْسَلَ إِلَى الشَّيْطَانِ فَجِيءَ بِهِ، وَسَخَّرَ لَهُ الرِّيحَ وَالشَّيَاطِينَ يَوْمَئِذٍ، وَلَمْ تَكُنْ سُخِّرَتْ لَهُ قَبْلَ ذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلُهُ: ﴿وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ﴾ [ص: ٣٥] قَالَ: وَبَعَثَ إِلَى الشَّيْطَانِ، فَأُتِيَ بِهِ، فَأَمَرَ بِهِ فَجُعِلَ فِي صَنْدُوقٍ مِنْ حَدِيدٍ، ثُمَّ أُطْبِقَ عَلَيْهِ فَأُقْفِلَ عَلَيْهِ بِقُفْلٍ، وَخَتَمَ عَلَيْهِ بِخَاتَمِهِ، ثُمَّ أَمَرَ بِهِ، فَأُلْقِيَ فِي الْبَحْرِ، فَهُوَ فِيهِ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ، وَكَانَ اسْمُهُ حَبْقِيقَ “
٢٠ / ٩٢
وَقَوْلُهُ: ﴿ثُمَّ أَنَابَ﴾ [ص: ٣٤] سُلَيْمَانُ، فَرَجَعَ إِلَى مُلْكِهِ مِنْ بَعْدِ مَا زَالَ عَنْهُ مُلْكُهُ فَذَهَبَ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٠ / ٩٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حُدِّثْتُ عَنِ الْمُحَارِبِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿ثُمَّ أَنَابَ﴾ [ص: ٣٤] قَالَ: «دَخَلَ سُلَيْمَانُ عَلَى امْرَأَةٍ تَبِيعُ السَّمَكَ، فَاشْتَرَى مِنْهَا سَمَكَةً، فَشَقَّ بَطْنَهَا، فَوَجَدَ خَاتَمَهُ، فَجَعَلَ لَا يَمُرُّ عَلَى شَجَرٍ وَلَا حَجَرٍ وَلَا شَيْءٍ إِلَّا سَجَدَ لَهُ، حَتَّى أَتَى مُلْكَهُ وَأَهْلَهُ» فَذَلِكَ قَوْلُهُ؛ ﴿ثُمَّ أَنَابَ﴾ [ص: ٣٤] يَقُولُ: ثُمَّ رَجَعَ “
٢٠ / ٩٣
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿ثُمَّ أَنَابَ﴾ [ص: ٣٤] «وَأَقْبَلَ يَعْنِي سُلَيْمَانَ»
٢٠ / ٩٣
قَوْلُهُ: ﴿قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي﴾ [ص: ٣٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ سُلَيْمَانُ رَاغِبًا إِلَى رَبِّهِ: رَبِّ اسْتُرْ عَلَيَّ ذَنْبِيَ الَّذِي أَذْنَبْتُ بَيْنِي وَبَيْنَكَ، فَلَا تُعَاقِبْنِي بِهِ ﴿وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي﴾ [ص: ٣٥] لَا يَسْلِبْنِيهِ أَحَدٌ كَمَا سَلَبَنِيهِ قَبْلَ هَذِهِ الشَّيْطَانُ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٠ / ٩٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي﴾ [ص: ٣٥] يَقُولُ: «مُلْكًا لَا أُسْلَبُهُ كَمَا سُلِبْتُهُ» ⦗٩٤⦘ وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ يُوَجِّهُ مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي﴾ [ص: ٣٥] إِلَى: أَنْ لَا يَكُونَ لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي، كَمَا قَالَ ابْنُ أَحْمَرَ:
[البحر البسيط] مَا أُمُّ غُفْرٍ عَلَى دَعْجَاءَ ذِي عَلَقٍ … يَنْفِي الْقَرَامِيدَ عَنْهَا الْأَعْصَمُ الْوَقِلُ
فِي رَأْسِ حَلْقَاءَ مِنْ عَنْقَاءَ مُشْرِفَةٌ … لَا يَنْبَغِي دُونَهَا سَهْلٌ وَلَا جَبَلُ
بِمَعْنَى: لَا يَكُونُ فَوْقَهَا سَهْلٌ وَلَا جَبَلٌ أُحْصَنُ مِنْهَا
[البحر البسيط] مَا أُمُّ غُفْرٍ عَلَى دَعْجَاءَ ذِي عَلَقٍ … يَنْفِي الْقَرَامِيدَ عَنْهَا الْأَعْصَمُ الْوَقِلُ
فِي رَأْسِ حَلْقَاءَ مِنْ عَنْقَاءَ مُشْرِفَةٌ … لَا يَنْبَغِي دُونَهَا سَهْلٌ وَلَا جَبَلُ
بِمَعْنَى: لَا يَكُونُ فَوْقَهَا سَهْلٌ وَلَا جَبَلٌ أُحْصَنُ مِنْهَا
٢٠ / ٩٣
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ﴾ [آل عمران: ٨] يَقُولُ: إِنَّكَ وَهَّابٌ مَا تَشَاءُ لِمَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ خَزَائِنُ كُلِّ شَيْءٍ تَفْتَحُ مِنْ ذَلِكَ مَا أَرَدْتَ لِمَنْ أَرَدْتَ
٢٠ / ٩٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ﴾ [ص: ٣٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَاسْتَجَبْنَا لَهُ دُعَاءَهُ، فَأَعْطَيْنَاهُ مَلَكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ ﴿فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ﴾ [ص: ٣٦] مَكَانَ الْخَيْلِ الَّتِي شَغَلَتْهُ عَنِ الصَّلَاةِ ﴿تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً﴾ [ص: ٣٦] يَعْنِي: رَخْوَةً لَيِّنَةً، وَهِيَ مِنَ الرَّخَاوَةِ
٢٠ / ٩٤
كَمَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَزِيعٍ، قَالَ: ثنا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا عَوْفٌ، عَنِ الْحَسَنِ «أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ سُلَيْمَانَ ﷺ لَمَّا عُرِضَتْ عَلَيْهِ الْخَيْلُ، فَشَغَلَهُ النَّظَرُ إِلَيْهَا عَنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ ﴿حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ﴾ [ص: ٣٢] فَغَضِبَ لِلَّهِ، فَأَمَرَ بِهَا فَعُقِرَتْ، فَأَبْدَلَهُ اللَّهُ مَكَانَهَا أَسْرَعَ مِنْهَا، سَخَّرَ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ شَاءَ، فَكَانَ يَغْدُو مِنْ إِيلِيَاءَ، ⦗٩٥⦘ وَيَقِيلُ بِقَزْوِينَ، ثُمَّ يَرُوحُ مِنْ قَزْوِينَ وَيَبِيتُ بِكَابُلَ»
٢٠ / ٩٤
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي﴾ [ص: ٣٥] «فَإِنَّهُ دَعَا يَوْمَ دَعَا وَلَمْ يَكُنْ فِي مُلْكِهِ الرِّيحُ، وَكُلُّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ مِنَ الشَّيَاطِينِ، فَدَعَا رَبَّهُ عِنْدَ تَوْبَتِهِ وَاسْتِغْفَارِهِ، فَوَهَبَ اللَّهُ لَهُ مَا سَأَلَ، فَتَمَّ مُلْكَهُ» وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى الرَّخَاءِ، فَقَالَ فِيهِ بَعْضُهُمْ نَحْوَ الَّذِي قُلْنَا فِيهِ
٢٠ / ٩٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً﴾ [ص: ٣٦] قَالَ: «طَيِّبَةً» حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ بِنَحْوَهُ
٢٠ / ٩٥
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ﴾ [ص: ٣٦] قَالَ: «سَرِيعَةً طَيِّبَةً، قَالَ: لَيْسَتْ بِعَاصِفَةٍ وَلَا بَطِيئَةٍ»
٢٠ / ٩٥
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿رُخَاءً﴾ [ص: ٣٦] قَالَ: «الرُّخَاءُ اللَّيِّنَةُ»
٢٠ / ٩٥
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا أَبُو عَامِرٍ، قَالَ: ثنا قُرَّةُ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ﴾ [ص: ٣٦] قَالَ: «لَيْسَتْ بِعَاصِفَةٍ، وَلَا الْهَيِّنَةٍ بَيْنَ ذَلِكَ رُخَاءً» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: مُطِيعَةٌ لِسُلَيْمَانَ
٢٠ / ٩٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿رُخَاءً﴾ [ص: ٣٦] يَقُولُ: «مُطِيعَةً لَهُ»
٢٠ / ٩٦
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﴿تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً﴾ [ص: ٣٦] قَالَ: «يَعْنِي بِالرُّخَاءِ: الْمُطِيعَةَ»
٢٠ / ٩٦
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو النُّعْمَانِ الْحَكَمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً﴾ [ص: ٣٦] قَالَ: «مُطِيعَةً»
٢٠ / ٩٦
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿رُخَاءً﴾ [ص: ٣٦] يَقُولُ: «مُطِيعَةً»
٢٠ / ٩٦
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَوْلُهُ: ﴿رُخَاءً﴾ [ص: ٣٦] قَالَ: «طَوْعًا»
٢٠ / ٩٦
وَقَوْلُهُ: ﴿حَيْثُ أَصَابَ﴾ [ص: ٣٦] يَقُولُ: حَيْثُ أَرَادَ، مِنْ قَوْلِهِمْ: أَصَابَ اللَّهُ بِكَ خَيْرًا: أَيْ أَرَادَ اللَّهُ بِكَ خَيْرًا وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٠ / ٩٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿حَيْثُ أَصَابَ﴾ [ص: ٣٦] يَقُولُ: «حَيْثُ أَرَادَ»
٢٠ / ٩٧
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: ﴿حَيْثُ أَصَابَ﴾ [ص: ٣٦] يَقُولُ: «حَيْثُ أَرَادَ انْتَهَى عَلَيْهَا»
٢٠ / ٩٧
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ. ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿حَيْثُ أَصَابَ﴾ [ص: ٣٦] قَالَ: «حَيْثُ شَاءَ»
٢٠ / ٩٧
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو النُّعْمَانِ الْحَكَمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿حَيْثُ أَصَابَ﴾ [ص: ٣٦] قَالَ: «حَيْثُ أَرَادَ»
٢٠ / ٩٧
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿حَيْثُ أَصَابَ﴾ [ص: ٣٦] قَالَ: «إِلَى حَيْثُ أَرَادَ»
٢٠ / ٩٧
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿حَيْثُ أَصَابَ﴾ [ص: ٣٦] قَالَ: «حَيْثُ أَرَادَ»
٢٠ / ٩٨
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ ﴿حَيْثُ أَصَابَ﴾ [ص: ٣٦] «أَيْ حَيْثُ أَرَادَ»
٢٠ / ٩٨
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ ﴿حَيْثُ أَصَابَ﴾ [ص: ٣٦] قَالَ: «حَيْثُ أَرَادَ»
٢٠ / ٩٨
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿حَيْثُ أَصَابَ﴾ [ص: ٣٦] قَالَ: «حَيْثُ أَرَادَ»
٢٠ / ٩٨
وَقَوْلُهُ: ﴿وَالشَّيَاطِينُ كُلُّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ﴾ [ص: ٣٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَسَخَّرْنَا لَهُ الشَّيَاطِينَ فَسَلَّطْنَاهُ عَلَيْهَا مَكَانَ مَا ابْتَلَيْنَاهُ بِالَّذِي أَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ مِنْهَا يَسْتَعْمِلُهَا فِيمَا يَشَاءُ مِنْ أَعْمَالِهِ مِنْ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ؛ فَالْبُنَاةُ مِنْهَا يَصْنَعُونَ مَحَارِيبَ وَتَمَاثيلَ، وَالْغَاصَةُ يَسْتَخْرِجُونَ لَهُ الْحُلِيَّ مِنَ الْبِحَارِ، وَآخَرُونَ يَنْحِتُونَ لَهُ جِفَانًا وَقُدُورًا، وَالْمَرَدَةُ فِي الْأَغْلَالِ مُقَرَّنُونَ
٢٠ / ٩٨
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿وَالشَّيَاطِينُ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ﴾ [ص: ٣٧] قَالَ: «يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثيلَ، وَغَوَّاصٍ يَسْتَخْرِجُونَ الْحُلِيَّ مِنَ الْبَحْرِ» ﴿وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ﴾ [ص: ٣٨] قَالَ: «مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ فِي الْأَغْلَالِ»
٢٠ / ٩٨
حُدِّثْتُ عَنِ الْمُحَارِبِيِّ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، ﴿وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ﴾ [ص: ٣٧] قَالَ: “لَمْ يَكُنْ هَذَا فِي مُلْكِ دَاوُدَ، أَعْطَاهُ اللَّهُ مُلْكَ دَاوُدَ وَزَادَهُ الرِّيحَ ﴿وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ﴾ [ص: ٣٨] يَقُولُ: «فِي السَّلَاسِلِ»
٢٠ / ٩٩
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَوْلُهُ: ﴿الْأَصْفَادِ﴾ [إبراهيم: ٤٩] قَالَ: «تَجْمَعُ الْيَدَيْنِ إِلَى عُنُقِهِ، وَالْأَصْفَادُ: جَمْعُ صَفَدٍ وَهِيَ الْأَغْلَالُ»
٢٠ / ٩٩
وَقَوْلُهُ: ﴿هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ [ص: ٣٩] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمُشَارِ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ: ﴿هَذَا﴾ [البقرة: ٢٥] مِنَ الْعَطَاءِ، وَأَيُّ عَطَاءٍ أُرِيدَ بِقَوْلِهِ: عَطَاؤُنَا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عُنِيَ بِهِ الْمُلْكُ الَّذِي أَعْطَاهُ اللَّهُ
٢٠ / ٩٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ [ص: ٣٩] قَالَ: قَالَ الْحَسَنُ: «الْمُلْكُ الَّذِي أَعْطَيْنَاكَ فَأَعْطِ مَا شِئْتَ وَامْنَعْ مَا شِئْتَ»
٢٠ / ٩٩
حُدِّثْتُ عَنِ الْمُحَارِبِيِّ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ ﴿هَذَا عَطَاؤُنَا﴾ [ص: ٣٩] «هَذَا مُلْكُنَا» ⦗١٠٠⦘ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عُنِيَ بِذَلِكَ تَسْخِيرُهُ لَهُ الشَّيَاطِينَ، وَقَالُوا: وَمَعْنَى الْكَلَامِ: هَذَا الَّذِي أَعْطَيْنَاكَ مِنْ كُلِّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ مِنَ الشَّيَاطِينِ وَغَيْرِهِمْ عَطَاؤُنَا
٢٠ / ٩٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ [ص: ٣٩] قَالَ: «هَؤُلَاءِ الشَّيَاطِينُ احْبِسْ مَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ فِي وَثَاقِكَ وَفِي عَذَابِكَ أَوْ سَرِّحْ مَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ تَتَّخِذُ عِنْدَهُ يَدًا، اصْنَعْ مَا شِئْتَ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ ذَلِكَ مَا كَانَ أُوتِيَ مِنَ الْقُوَّةِ عَلَى الْجِمَاعِ
٢٠ / ١٠٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حُدِّثْتُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ طَرِيفٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: “كَانَ سُلَيْمَانُ فِي ظَهْرِهِ مَاءُ مِائَةِ رَجُلٍ، وَكَانَ لَهُ ثَلَاثُ مِائَةِ امْرَأَةٍ وَتِسْعُ مِائَةِ سَرِيَّةٍ ﴿هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ [ص: ٣٩] وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ الْقَوْلُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنِ الْحَسَنِ وَالضَّحَّاكِ مِنْ أَنَّهُ عُنِيَ بِالْعَطَاءِ مَا أَعْطَاهُ مِنَ الْمُلْكِ تَعَالَى ذِكْرُهُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ذَكَرَ ذَلِكَ عُقَيْبَ خَبَرِهِ عَنْ مَسْأَلَةِ نَبِيِّهِ سُلَيْمَانُ صَلَوَاتُ اللَّهُ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ إِيَّاهُ مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ، فَأُخْبِرَ أَنَّهُ سُخِّرَ لَهُ مَا لَمْ يُسَخَّرْ لِأَحَدٍ مِنْ بَنِي آدَمَ، وَذَلِكَ تَسْخِيرُهُ لَهُ الرِّيحَ وَالشَّيَاطِينَ عَلَى مَا وُصِفَتْ، ثُمَّ قَالَ لَهُ عَزَّ ذِكْرُهُ: هَذَا الَّذِي
٢٠ / ١٠٠
أَعْطَيْنَاكَ مِنَ الْمُلْكِ، وَتَسْخِيرُنَا مَا سَخَّرْنَا لَكَ عَطَاؤُنَا، وَوَهَبْنَا لَكَ مَا سَأَلْتَنَا أَنْ نَهَبَهُ لَكَ مِنَ الْمُلْكِ الَّذِي لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِكَ ﴿فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ [ص: ٣٩] وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ ﴿فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ [ص: ٣٩] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَنَى بِذَلِكَ فَأَعْطِ مَنْ شِئْتَ مَا شِئْتَ مِنَ الْمُلْكِ الَّذِي آتَيْنَاكَ، وَامْنَعْ مَنْ شِئْتَ مِنْهُ مَا شِئْتَ، لَا حِسَابَ عَلَيْكَ فِي ذَلِكَ
٢٠ / ١٠١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: قَالَ الْحَسَنُ ﴿فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ [ص: ٣٩] «الْمُلْكُ الَّذِي أَعْطَيْنَاكَ، فَأَعْطِ مَا شِئْتَ وَامْنَعْ مَا شِئْتَ، فَلَيْسَ عَلَيْكَ تَبِعَةٌ وَلَا حِسَابٌ»
٢٠ / ١٠١
حُدِّثْتُ عَنِ الْمُحَارِبِيِّ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، ﴿فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ [ص: ٣٩] «سَأَلَ مُلْكًا هَنِيئًا لَا يُحَاسَبُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَقَالَ: مَا أَعْطَيْتَ، وَمَا أَمْسَكْتَ، فَلَا حَرَجَ عَلَيْكَ»
٢٠ / ١٠١
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، ﴿فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ [ص: ٣٩] قَالَ: «أَعْطِ أَوِ امْسِكْ، فَلَا حِسَابَ عَلَيْكَ»
٢٠ / ١٠١
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ﴿فَامْنُنْ﴾ [ص: ٣٩] قَالَ: «أَعْطِ أَوِ امْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: أَعْتِقْ مِنْ هَؤُلَاءِ الشَّيَاطِينِ الَّذِينَ سَخَّرْنَاهُمْ لَكَ مِنَ الْخِدْمَةِ، أَوْ مِنَ الْوَثَاقِ مِمَّنْ كَانَ مِنْهُمْ مُقَرَّنًا فِي الْأَصْفَادِ مَنْ شِئْتَ وَاحْبِسْ مَنْ شِئْتَ فَلَا حَرَجَ عَلَيْكَ فِي ذَلِكَ
٢٠ / ١٠٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ [ص: ٣٩] يَقُولُ: «هَؤُلَاءِ الشَّيَاطِينُ احْبِسْ مَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ فِي وَثَاقِكَ وَفِي عَذَابِكَ، وَسَرِّحْ مَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ تَتَّخِذُ عِنْدَهُ يَدًا، اصْنَعْ مَا شِئْتَ لَا حِسَابَ عَلَيْكَ فِي ذَلِكَ»
٢٠ / ١٠٢
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ﴿فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ [ص: ٣٩] يَقُولُ: «أَعْتِقْ مِنَ الْجِنِّ مَنْ شِئْتَ، وَأَمْسِكْ مَنْ شِئْتَ»
٢٠ / ١٠٢
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَوْلُهُ: ﴿فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ [ص: ٣٩] قَالَ: «تَمُنُّ عَلَى مَنْ تَشَاءُ مِنْهُمْ فَتَعْتِقُهُ، وَتَمْسِكُ مَنْ شِئْتَ فَتَسْتَخْدِمُهُ لَيْسَ عَلَيْكَ فِي ذَلِكَ حِسَابٌ»
٢٠ / ١٠٢
وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: هَذَا الَّذِي أَعْطَيْنَاكَ مِنَ الْقُوَّةِ عَلَى الْجِمَاعِ عَطَاؤُنَا، فَجَامِعْ مَنْ شِئْتَ مِنْ نِسَائِكَ وَجَوَارِيكَ مَا شِئْتَ بِغَيْرِ حِسَابٍ، وَاتْرُكْ جِمَاعَ مَنْ شِئْتَ مِنْهُنَّ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ ذَلِكَ مِنَ الْمُقَدَّمِ وَالْمُؤَخَّرِ وَمَعْنَى الْكَلَامِ: هَذَا عَطَاؤُنَا بِغَيْرِ حِسَابٍ، فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ وَذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ: «هَذَا فَامْنُنْ أَوِ أَمْسِكْ عَطَاؤُنَا بِغَيْرِ حِسَابٍ» وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِكَلَامِ الْعَرَبِ مِنَ الْبَصْرِيِّينَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ [ص: ٣٩] وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا: بِغَيْرِ جَزَاءٍ وَلَا ثَوَابٍ. وَالْآخَرُ: مِنَّةٍ وَلَا قِلَّةٍ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ مَا ذَكَرْتُهُ عَنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ مِنْ أَنَّ مَعْنَاهُ: لَا يُحَاسَبُ عَلَى مَا أُعْطِيَ مِنْ ذَلِكَ الْمُلْكِ وَالسُّلْطَانِ وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ هُوَ الصَّوَابُ لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ عَلَيْهِ
٢٠ / ١٠٣
وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ﴾ [ص: ٢٥] يَقُولُ: وَإِنَّ لِسُلَيْمَانَ عِنْدَنَا لَقُرْبَةً بِإِنَابَتِهِ إِلَيْنَا وَتَوْبَتِهِ وَطَاعَتِهِ لَنَا، وَحُسْنَ مَآبٍ: يَقُولُ: وَحُسْنَ مَرْجِعٍ وَمَصِيرٍ فِي الْآخِرَةِ
٢٠ / ١٠٣
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ﴾ [ص: ٢٥] «أَيْ مَصِيرٍ» إِنَّ قَالَ لَنَا قَائِلٌ: وَمَا وَجْهُ رَغْبَةِ سُلَيْمَانَ إِلَى رَبِّهِ فِي الْمُلْكِ، وَهُوَ نَبِيٌّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، ⦗١٠٤⦘ وَإِنَّمَا يَرْغَبُ فِي الْمُلْكِ أَهْلُ الدُّنْيَا الْمُؤْثِرُونَ لَهَا عَلَى الْآخِرَةِ؟ أَمْ مَا وَجْهُ مَسْأَلَتِهِ إِيَّاهُ إِذْ سَأَلَهُ ذَلِكَ مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ، وَمَا كَانَ يَضُرُّهُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ مَنْ بَعْدَهُ يُؤْتَى مِثْلَ الَّذِي أُوتِيَ مِنْ ذَلِكَ؟ أَكَانَ بِهِ بُخْلٌ بِذَلِكَ، فَلَمْ يَكُنْ مِنْ مُلْكِهِ يُعْطَى ذَلِكَ مَنْ يُعْطَاهُ، أَمْ حَسَدٌ لِلنَّاسِ، كَمَا ذُكِرَ عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ يُوسُفَ؛ فَإِنَّهُ ذُكِرَ أَنَّهُ قَرَأَ قَوْلَهُ: ﴿وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي﴾ [ص: ٣٥] فَقَالَ: إِنْ كَانَ لَحَسُودًا، فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ أَخْلَاقِ الْأَنْبِيَاءِ قِيلَ: أَمَّا رَغْبَتُهُ إِلَى رَبِّهِ فِيمَا يَرْغَبُ إِلَيْهِ مِنَ الْمُلْكِ، فَلَمْ تَكُنْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِهِ رَغْبَةً فِي الدُّنْيَا، وَلَكِنْ إِرَادَةً مِنْهُ أَنْ يَعْلَمَ مَنْزِلَتَهُ مِنَ اللَّهِ فِي إِجَابَتِهِ فِيمَا رَغِبَ إِلَيْهِ فِيهِ، وَقَبُولَهُ تَوْبَتَهُ، وَإِجَابَتَهُ دُعَاءَهُ وَأَمَّا مَسْأَلَتُهُ رَبَّهُ مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ، فَإِنَّا قَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا مَضَى قَبْلُ قَوْلَ مَنْ قَالَ: إِنَّ مَعْنَى ذَلِكَ: هَبْ لِي مُلْكًا لَا أُسْلَبُهُ كَمَا سُلِبْتُهُ قَبْلُ وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ عِنْدَ هَؤُلَاءِ: هَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي أَنْ يَسْلُبَنِيهِ وَقَدْ يَتَّجِهُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى: لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ سِوَايَ مِنْ أَهْلِ زَمَانِي فَيَكُونُ حُجَّةً وَعِلْمًا لِي عَلَى نُبُوَّتِي وَأَنِّي رَسُولُكَ إِلَيْهِمْ مَبْعُوثٌ، إِذْ كَانَتِ الرُّسُلُ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ أَعْلَامٍ تُفَارِقُ بِهَا سَائِرَ النَّاسِ سِوَاهُمْ وَيَتَّجِهُ أَيْضًا لِأَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ: وَهَبْ لِي مُلْكًا تَخُصُّنِي بِهِ، لَا تُعْطِيَهُ أَحَدًا غَيْرِي تَشْرِيفًا مِنْكَ لِي بِذَلِكَ، وَتَكْرِمَةً، لَتُبَيِّنَ مَنْزِلَتِي مِنْكَ بِهِ مِنْ مَنَازِلِ مَنْ سِوَايَ، وَلَيْسَ فِي وَجْهٍ مِنْ هَذِهِ الْوجُوهِ مِمَّا ظَنَّهُ الْحَجَّاجُ فِي مَعْنَى ذَلِكَ شَيْءٌ
٢٠ / ١٠٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ
٢٠ / ١٠٤
الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ﴾ [ص: ٤٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: ﴿وَاذْكُرْ﴾ [آل عمران: ٤١] أَيْضًا يَا مُحَمَّدُ ﴿عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ﴾ [ص: ٤١] مُسْتَغِيثًا بِهِ فِيمَا نَزَلَ بِهِ مِنَ الْبَلَاءِ: يَا رَبِّ ﴿أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ﴾ [ص: ٤١] فَاخْتَلَفْتُ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿بِنُصْبٍ﴾ [ص: ٤١] فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ خَلَا أَبِي جَعْفَرٍ الْقَارِئِ: ﴿بِنُصْبٍ﴾ [ص: ٤١] بِضَمِّ النُّونِ وَسُكُونِ الصَادِ، وَقَرَأَ ذَلِكَ أَبُو جَعْفَرٍ: بِضَمِّ النُّونِ وَالصَادِ كِلَيْهِمَا، وَقَدْ حُكِيَ عَنْهُ بِفَتْحِ النُّونِ وَالصَادِ؛ وَالنُّصُبُ وَالنَّصُبُ بِمَنْزِلَةِ الْحُزْنِ وَالْحَزَنِ، وَالْعُدْمِ وَالْعَدَمِ، وَالرُّشْدِ وَالرَّشَدِ، وَالصُّلْبِ وَالصَّلَبِ وَكَانَ الْفَرَّاءُ يَقُولُ: إِذَا ضُمَّ أَوَّلُهُ لَمْ يَثْقُلْ، لِأَنَّهُمْ جَعَلُوهُمَا عَلَى سِمَتَيْنِ: إِذَا فَتَحُوا أَوَّلَهُ ثَقَّلُوا، وَإِذَا ضَمُّوا أَوَّلَهُ خَفَّفُوا قَالَ: وَأَنْشَدَنِي بَعْضُ الْعَرَبِ:
[البحر الطويل] لَئِنْ بَعَثَتْ أُمُّ الْحُمَيْدَيْنِ مَائِرًا … لَقَدْ غَنَيَتْ فِي غَيْرِ بُؤْسٍ وَلَا جُحْدِ
مِنْ قَوْلِهِمْ: جَحِدَ عَيْشَهُ: إِذَا ضَاقَ وَاشْتَدَّ؛ قَالَ: فَلَمَّا قَالَ جُحْدِ خَفَّفَ وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِكَلَامِ الْعَرَبِ مِنَ الْبَصْرِيِّينَ: النُّصُبُ مِنَ الْعَذَابِ وَقَالَ: الْعَرَبُ تَقُولُ: أَنْصَبَنِي: عَذَّبَنِي وَبَرَّحَ بِي. قَالَ: وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: نَصَبَنِي، وَاسْتَشْهَدَ لِقِيلِهِ ذَلِكَ بِقَوْلِ بِشْرِ بْنِ أَبِي خَازِمٍ:
[البحر الطويل] تَعَنَّاكَ نَصْبٌ مِنْ أُمَيْمَةَ مُنْصَبُ … كَذِي الشَّجْوِ لَمَّا يَسْلَهُ وَسَيَذْهَبُ
[البحر الطويل] لَئِنْ بَعَثَتْ أُمُّ الْحُمَيْدَيْنِ مَائِرًا … لَقَدْ غَنَيَتْ فِي غَيْرِ بُؤْسٍ وَلَا جُحْدِ
مِنْ قَوْلِهِمْ: جَحِدَ عَيْشَهُ: إِذَا ضَاقَ وَاشْتَدَّ؛ قَالَ: فَلَمَّا قَالَ جُحْدِ خَفَّفَ وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِكَلَامِ الْعَرَبِ مِنَ الْبَصْرِيِّينَ: النُّصُبُ مِنَ الْعَذَابِ وَقَالَ: الْعَرَبُ تَقُولُ: أَنْصَبَنِي: عَذَّبَنِي وَبَرَّحَ بِي. قَالَ: وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: نَصَبَنِي، وَاسْتَشْهَدَ لِقِيلِهِ ذَلِكَ بِقَوْلِ بِشْرِ بْنِ أَبِي خَازِمٍ:
[البحر الطويل] تَعَنَّاكَ نَصْبٌ مِنْ أُمَيْمَةَ مُنْصَبُ … كَذِي الشَّجْوِ لَمَّا يَسْلَهُ وَسَيَذْهَبُ
٢٠ / ١٠٥
وَقَالَ: يَعْنِي بِالنُّصُبِ: الْبَلَاءَ وَالشَّرَّ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ نَابِغَةِ بَنِي ذُبْيَانَ:
[البحر الطويل] كِلِينِي لِهَمٍّ يَا أُمَيْمَةَ نَاصِبِ … وَلَيْلٍ أُقَاسِيهِ بَطِيءِ الْكَوَاكِبِ
قَالَ: وَالنَّصَبُ إِذَا فُتِحَتْ وَحُرِّكَتْ حُرُوفُهَا كَانَتْ مِنَ الْإِعْيَاءِ وَالنَّصَبُ إِذَا فُتِحَ أَوَّلَهُ وَسُكِّنَ ثَانِيهِ: وَاحِدُ أَنْصَابِ الْحَرَمِ، وَكُلُّ مَا نُصِبَ عِلْمًا، وَكَأَنَّ مَعْنَى النَّصَبِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: الْعِلَّةُ الَّتِي نَالَتْهُ فِي جَسَدِهِ وَالْعَنَاءُ الَّذِي لَاقَى فِيهِ، وَالْعَذَابُ فِي ذِهَابِ مَالِهِ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا مَا عَلَيْهِ قُرَّاءُ الْأَمْصَارِ، وَذَلِكَ الضَّمُ فِي النُّونِ وَالسُّكُونُ فِي الصَادِ وَأَمَّا التَّأْوِيلُ فَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِيهِ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
[البحر الطويل] كِلِينِي لِهَمٍّ يَا أُمَيْمَةَ نَاصِبِ … وَلَيْلٍ أُقَاسِيهِ بَطِيءِ الْكَوَاكِبِ
قَالَ: وَالنَّصَبُ إِذَا فُتِحَتْ وَحُرِّكَتْ حُرُوفُهَا كَانَتْ مِنَ الْإِعْيَاءِ وَالنَّصَبُ إِذَا فُتِحَ أَوَّلَهُ وَسُكِّنَ ثَانِيهِ: وَاحِدُ أَنْصَابِ الْحَرَمِ، وَكُلُّ مَا نُصِبَ عِلْمًا، وَكَأَنَّ مَعْنَى النَّصَبِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: الْعِلَّةُ الَّتِي نَالَتْهُ فِي جَسَدِهِ وَالْعَنَاءُ الَّذِي لَاقَى فِيهِ، وَالْعَذَابُ فِي ذِهَابِ مَالِهِ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا مَا عَلَيْهِ قُرَّاءُ الْأَمْصَارِ، وَذَلِكَ الضَّمُ فِي النُّونِ وَالسُّكُونُ فِي الصَادِ وَأَمَّا التَّأْوِيلُ فَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِيهِ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٠ / ١٠٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ﴾ [ص: ٤١] حَتَّى بَلَغَ: ﴿بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ﴾ [ص: ٤١] «ذَهَابُ الْمَالِ وَالْأَهْلِ، وَالضُّرُ الَّذِي أَصَابَهُ فِي جَسَدِهِ، قَالَ: ابْتُلِيَ سَبْعَ سِنِينَ وَأَشْهُرًا مُلْقًى عَلَى كُنَاسَةِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ تَخْتَلِفُ الدَّوَابُّ فِي جَسَدِهِ، فَفَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ، وَعَظَّمَ لَهُ الْأَجْرَ، وَأَحْسَنَ عَلَيْهِ الثَّنَاءَ»
٢٠ / ١٠٦
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ. ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَوْلُهُ: ﴿مَسَّنِي الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ﴾ [ص: ٤١] قَالَ «نُصُبٍ فِي جَسَدِي، وَعَذَابٍ فِي مَالِي»
٢٠ / ١٠٧
حُدِّثْتُ عَنِ الْمُحَارِبِيِّ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ: ﴿أَنِّي مَسَّنِي الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ﴾ [ص: ٤١] ” يَعْنِي: «الْبَلَاءَ فِي الْجَسَدِ» ﴿وَعَذَابٍ﴾ [الأنعام: ٧٠] قَوْلُهُ: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ﴾ [الشورى: ٣٠]
٢٠ / ١٠٧
وَقَوْلُهُ: ﴿ارْكُضْ بِرِجْلِكَ﴾ [ص: ٤٢] وَمَعْنَى الْكَلَامِ: إِذْ نَادَى رَبَّهُ مُسْتَغِيثًا بِهِ، أَنِّي مَسَّنِي الشَّيْطَانُ بِبَلَاءٍ فِي جَسَدِي، وَعَذَابٍ بِذِهَابِ مَالِي وَوَلَدِي، فَاسْتَجَبْنَا لَهُ، وَقُلْنَا لَهُ: ارْكُضْ بِرِجْلِكَ الْأَرْضَ: أَيْ حَرِّكْهَا وَادْفَعْهَا بِرِجْلِكَ، وَالرَّكْضُ: حَرَكَةُ الرِّجْلِ، يُقَالُ مِنْهُ: رَكَضَتِ الدَابَّةُ، وَلَا تَرْكُضْ ثَوْبَكَ بِرِجْلِكَ وَقِيلَ: إِنَّ الْأَرْضَ الَّتِي أُمِرَ أَيُّوبُ أَنْ يَرْكُضَهَا بِرِجْلِهِ: الْجَابِيَةُ
٢٠ / ١٠٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿ارْكُضْ بِرِجْلِكَ. . .﴾ [ص: ٤٢] الْآيَةَ، قَالَ: «ضَرَبَ بِرِجْلِهِ الْأَرْضَ، أَرْضًا يُقَالُ لَهَا الْجَابِيَةُ»
٢٠ / ١٠٧
وَقَوْلُهُ: ﴿هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ﴾ [ص: ٤٢] ذُكِرَ أَنَّهُ نَبَعَتْ لَهُ حِينَ ضَرَبَ بِرِجْلِهِ الْأَرْضَ عَيْنَانِ، فَشَرِبَ مِنْ إِحْدَاهُمَا، وَاغْتَسَلَ مِنَ الْأُخْرَى
٢٠ / ١٠٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: «ضَرَبَ بِرِجْلِهِ الْأَرْضَ، فَإِذَا عَيْنَانِ تَنْبُعَانِ، فَشَرِبَ مِنْ إِحْدَاهُمَا، وَاغْتَسَلَ مِنَ الْأُخْرَى»
٢٠ / ١٠٨
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، ﴿ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ﴾ [ص: ٤٢] قَالَ: «فَرَكَضَ بِرِجْلِهِ، فَانْفَجَرَتْ لَهُ عَيْنٌ، فَدَخَلَ فِيهَا وَاغْتَسَلَ، فَأَذْهَبَ اللَّهُ عَنْهُ كُلَّ مَا كَانَ مِنَ الْبَلَاءِ»
٢٠ / ١٠٨
حَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ آدَمَ، قَالَ: ثنا أَبُو قُتَيْبَةَ، قَالَ: ثنا أَبُو هِلَالٍ، قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿ارْكُضْ بِرِجْلِكَ﴾ [ص: ٤٢] «فَرَكَضَ بِرِجْلِهِ، فَنَبَعَتْ عَيْنٌ فَاغْتَسَلَ مِنْهَا، ثُمَّ مَشَى نَحْوًا مِنْ أَرْبَعِينَ ذِرَاعًا، ثُمَّ رَكَضَ بِرِجْلِهِ، فَنَبَعَتْ عَيْنٌ، فَشَرِبَ مِنْهَا» فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ﴾ [ص: ٤٢] وَعُنِيَ بِقَوْلِهِ: ﴿مُغْتَسَلٌ﴾ [ص: ٤٢] مَا يُغْتَسَلُ بِهِ مِنَ الْمَاءِ، يُقَالُ مِنْهُ: هَذَا مُغْتَسَلٌ، وَغَسُولٌ لِلَّذِي يُغْتَسَلُ بِهِ مِنَ الْمَاءِ وَقَوْلُهُ: ﴿وَشَرَابٌ﴾ [ص: ٤٢] يَعْنِي: وَيُشْرَبُ مِنْهُ، وَالْمَوْضِعُ الَّذِي يُغْتَسَلُ فِيهِ يُسَمَّى مُغْتَسَلًا
٢٠ / ١٠٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾ [ص: ٤٤]⦗١٠٩⦘ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ﴾ [ص: ٤٣] وَقَدْ ذَكَرْنَا اخْتِلَافَهُمْ فِي ذَلِكَ، وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ عِنْدَنَا فِيهِ فِي سُورَةِ الْأَنْبِيَاءِ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ: فَاغْتَسَلَ وَشُرِبَ، فَفَرَّجْنَا عَنْهُ مَا كَانَ فِيهِ مِنَ الْبَلَاءِ، وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ، مِنْ زَوْجَةٍ وَوَلَدٍ ﴿وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا﴾ [ص: ٤٣] لَهُ وَرَأْفَةً ﴿وَذِكْرَى﴾ [الأعراف: ٢] يَقُولُ: وَتَذْكِيرًا لِأُولِي الْعُقُولِ، لَيَعْتَبِرُوا بِهَا فَيَتَّعِظُوا
٢٠ / ١٠٨
وَقَدْ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي نَافِعُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «إِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ أَيُّوبَ لَبِثَ بِهِ بَلَاؤُهُ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَرَفَضَهُ الْقَرِيبُ وَالْبَعِيدُ، إِلَّا رَجُلَانِ مِنْ إِخْوَانِهِ كَانَا مِنْ أَخَصِّ إِخْوَانِهِ بِهِ، كَانَا يَغْدُوَانِ إِلَيْهِ وَيَرُوحَانِ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: تَعْلَمُ وَاللَّهِ لَقَدْ أَذْنَبَ أَيُّوبُ ذَنْبًا مَا أَذْنَبَهُ أَحَدٌ مِنَ الْعَالَمِينَ، قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: مِنْ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً لَمْ يَرْحَمْهُ اللَّهُ فَيَكْشَفَ مَا بِهِ؛ فَلَمَّا رَاحَا إِلَيْهِ لَمْ يَصْبِرِ الرَّجُلُ حَتَّى ذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ أَيُّوبُ: لَا أَدْرِي مَا تَقُولُ، غَيْرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ أَنِّي كُنْتُ أَمُرُّ عَلَى الرَّجُلَيْنِ يَتَنَازَعَانِ فَيَذْكُرَانِ اللَّهَ، فَأَرْجِعَ إِلَى بَيْتِي فَأُكَفِّرُ عَنْهُمَا كَرَاهِيَةَ أَنْ يُذْكَرَ اللَّهُ إِلَّا فِي حَقٍّ؛ قَالَ: وَكَانَ يَخْرُجُ إِلَى حَاجَتِهِ، فَإِذَا قَضَاهَا أَمْسَكَتِ امْرَأَتُهُ بِيَدِهِ حَتَّى يَبْلُغَ فَلَمَّا كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ أَبْطَأَ عَلَيْهَا، وَأُوحِيَ إِلَى أَيُّوبَ فِي مَكَانِهِ: أَنِ ﴿ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ﴾ [ص: ٤٢] فَاسْتَبْطَأَتْهُ، فَتَلَقَّتْهُ تَنْظُرُ، فَأَقْبَلَ عَلَيْهَا قَدْ أَذْهَبَ اللَّهُ مَا بِهِ مِنَ الْبَلَاءِ، وَهُوَ عَلَى أَحْسَنِ مَا كَانَ؛ فَلَمَّا رَأَتْهُ ⦗١١٠⦘ قَالَتْ: أَيْ بَارَكَ اللَّهُ فِيكَ، هَلْ رَأَيْتَ نَبِيَّ اللَّهِ هَذَا الْمُبْتَلَى، فَوَاللَّهِ عَلَى ذَلِكَ مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَشْبَهَ بِهِ مِنْكَ إِذْ كَانَ صحِيحًا؟ قَالَ: فَإِنِّي أَنَا هُوَ؛ قَالَ: وَكَانَ لَهُ أَنْدَرَانِ: أَنْدَرٌ لِلْقَمْحِ، وَأَنْدَرٌ لِلشَّعِيرِ، فَبَعَثَ اللَّهُ سَحَابَتَيْنِ، فَلَمَّا كَانَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى أَنْدَرِ الْقَمْحِ، أَفْرَغَتْ فِيهِ الذَّهَبَ حَتَّى فَاضَ، وَأَفْرَغَتِ الْأُخْرَى فِي أَنْدَرِ الشَّعِيرِ الْوَرِقَ حَتَّى فَاضَ»
٢٠ / ١٠٩
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ﴾ [ص: ٤٣] قَالَ: قَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ: «فَأَحْيَاهُمُ اللَّهُ بِأَعْيَانِهِمْ، وَزَادَهُمْ مِثْلَهُمْ»
٢٠ / ١١٠
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَوْفٍ، قَالَ: ثنا أَبُو الْمُغِيرَةِ، قَالَ: ثنا صَفْوَانُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ جُبَيْرٍ، قَالَ: “لِمَا ابْتُلِيَ نَبِيُّ اللَّهِ أَيُّوبُ ﷺ بِمَالِهِ وَوَلَدِهِ وَجَسَدِهِ، وَطُرِحَ فِي مَزْبَلَةٍ، جَعَلَتِ امْرَأَتَهُ تَخْرُجُ تَكْسِبُ عَلَيْهِ مَا تُطْعِمُهُ، فَحَسَدَهُ الشَّيْطَانُ عَلَى ذَلِكَ، وَكَانَ يَأْتِي أَصْحَابَ الْخُبْزِ وَالشَّوْيِ الَّذِينَ كَانُوا يَتَصَدَّقُونَ عَلَيْهَا، فَيَقُولُ: اطْرُدُوا هَذِهِ الْمَرْأَةَ الَّتِي تَغْشَاكُمْ، فَإِنَّهَا تُعَالِجُ صَاحِبَهَا وَتَلْمَسُهُ بِيَدِهَا، فَالنَّاسُ يَتَقَذَّرُونَ طَعَامَكُمْ مِنْ أَجْلِ أَنَّهَا تَأْتِيكُمْ وَتَغْشَاكُمْ عَلَى ذَلِكَ؛ وَكَانَ يَلْقَاهَا إِذَا خَرَجَتْ كَالْمَحْزُونِ لِمَا لَقِيَ أَيُّوبُ، فَيَقُولُ: لَجَّ صَاحِبُكِ، فَأَبَى إِلَّا مَا أَتَى، فَوَاللَّهِ لَوْ ⦗١١١⦘ تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ لَكُشِفَ عَنْهُ كُلُّ ضُرٍّ، وَلَرَجَعَ إِلَيْهِ مَالُهُ وَوَلَدُهُ، فَتَجِيءُ، فَتُخْبِرُ أَيُّوبَ، فَيَقُولُ لَهَا: لَقِيَكِ عَدُوُّ اللَّهِ فَلَقَّنَكِ هَذَا الْكَلَامَ؛ وَيْلَكِ، إِنَّمَا مَثَلُكِ كَمَثَلِ الْمَرْأَةِ الزَّانِيَةِ إِذَا جَاءَ صَدِيقُهَا بِشَيْءٍ قَبَلَتْهُ وَأَدْخَلَتْهُ، وَإِنْ لَمْ يَأْتِهَا بِشَيْءٍ طَرَدَتْهُ، وَأَغْلَقَتْ بَابَهَا عَنْهُ لَمَّا أَعْطَانَا اللَّهُ الْمَالَ وَالْوَلَدَ آمَنَّا بِهِ، وَإِذَا قَبَضَ الَّذِي لَهُ مِنَّا نَكْفُرُ بِهِ، وَنُبَدِّلُ غَيْرَهُ إِنْ أَقَامَنِي اللَّهُ مِنْ مَرَضِي هَذَا لَأَجْلِدَنَّكِ مِائَةً، قَالَ: فَلِذَلِكَ قَالَ اللَّهُ: ﴿وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثُ﴾ [ص: ٤٤]
٢٠ / ١١٠
وَقَوْلُهُ: ﴿وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا﴾ [ص: ٤٤] يَقُولُ: وَقُلْنَا لِأَيُّوبَ: خُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا، وَهُوَ مَا يُجْمَعُ مِنْ شَيْءٍ مِثْلِ حُزْمَةِ الرُّطْبَةِ، وَكَمِلْءِ الْكَفِّ مِنَ الشَّجَرِ أَوِ الْحَشِيشِ وَالشَّمَارِيخِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا قَامَ عَلَى سَاقٍ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ عَوْفِ بْنِ الْخَرِعِ:
[البحر الطويل] وَأَسْفَلَ مِنِّي نَهْدَةٌ قَدْ رَبَطْتُهَا … وَأَلْقَيْتُ ضِغْثًا مِنْ خَلًا مُتَطَيِّبِ
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
[البحر الطويل] وَأَسْفَلَ مِنِّي نَهْدَةٌ قَدْ رَبَطْتُهَا … وَأَلْقَيْتُ ضِغْثًا مِنْ خَلًا مُتَطَيِّبِ
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٠ / ١١١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثني عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا﴾ [ص: ٤٤] يَقُولُ: «حُزْمَةً»
٢٠ / ١١١
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ﴾ [ص: ٤٤] قَالَ: «أُمِرَ أَنْ ⦗١١٢⦘ يَأْخُذَ ضِغْثًا مِنْ رَطْبَةٍ بِقَدْرِ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ فَيَضْرِبُ بِهِ»
٢٠ / ١١١
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ يَمَانٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا﴾ [ص: ٤٤] قَالَ: «عِيدَانًا رُطْبَةٍ»
٢٠ / ١١٢
حَدَّثَنَا أَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ، قَالَ: ثنا يَحْيَى، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُهَاجِرِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﴿وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا﴾ [ص: ٤٤] قَالَ: «هُوَ الْأَثْلُ»
٢٠ / ١١٢
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا﴾ [ص: ٤٤] . . الْآيَةَ، قَالَ: «كَانَتِ امْرَأَتُهُ قَدْ عَرَضَتْ لَهُ بِأَمْرٍ، وَأَرَادَهَا إِبْلِيسُ عَلَى شَيْءٍ، فَقَالَ: لَوْ تَكَلَّمَتْ بِكَذَا وَكَذَا، وَإِنَّمَا حَمْلَهَا عَلَيْهَا الْجَزَعُ، فَحَلَفَ نَبِيُّ اللَّهِ: لَئِنِ اللَّهُ شَفَاهُ لَيَجْلِدَنَّهَا مِائَةَ جَلْدَةٍ؛ قَالَ: فَأُمِرَ بِغُصْنٍ فِيهِ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ قَضِيبًا، وَالْأَصْلُ تَكْمِلَةُ الْمِائَةِ، فَضَرَبَهَا ضَرْبَةً وَاحِدَةً، فَأَبَرَّ نَبِيُّ اللَّهِ، وَخَفَّفَ اللَّهُ عَنْ أُمَّتِهِ، وَاللَّهُ رَحِيمٌ»
٢٠ / ١١٢
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا﴾ [ص: ٤٤] «يَعْنِي: ضِغْثًا مِنَ الشَّجَرِ الرَّطْبِ، كَانَ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ، فَأَخَذَ مِنَ الشَّجَرِ عَدَدَ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ، فَضَرَبَ بِهِ ضَرْبَةً وَاحِدَةً، فَبَرَّتْ يَمِينُهُ، وَهُوَ الْيَوْمَ فِي النَّاسِ يَمِينُ أَيُّوبَ، مِنْ أَخَذَ بِهَا فَهُوَ حَسَنٌ»
٢٠ / ١١٢
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ﴾ [ص: ٤٤] قَالَ: «ضِغْثًا وَاحِدًا مِنَ الْكَلَأِ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ مِائَةِ ⦗١١٣⦘ عُودٍ، فَضَرَبَ بِهِ ضَرْبَةً وَاحِدَةً، فَذَلِكَ مِائَةُ ضَرْبَةٍ»
٢٠ / ١١٢
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَوْفٍ، قَالَ: ثنا أَبُو الْمُغِيرَةِ، قَالَ: ثنا صَفْوَانُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ جُبَيْرٍ، ﴿وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ﴾ [ص: ٤٤] يَقُولُ: «فَاضْرِبْ زَوْجَتَكَ بِالضِّغْثِ، لِتُبِرَّ فِي يَمِينِكَ الَّتِي حَلَفْتَ بِهَا عَلَيْهَا أَنْ تَضْرِبَهَا» ﴿وَلَا تَحْنَثْ﴾ [ص: ٤٤] يَقُولُ: «وَلَا تَحْنَثْ فِي يَمِينِكَ»
٢٠ / ١١٣
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ﴾ [ص: ٤٤] يَقُولُ: إِنَّا وَجَدْنَا أَيُّوبَ صَابِرًا عَلَى الْبَلَاءِ، لَا يَحْمِلُهُ الْبَلَاءُ عَلَى الْخُرُوجِ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ، وَالدُّخُولِ فِي مَعْصِيَتِهِ ﴿نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾ [ص: ٣٠] يَقُولُ: «إِنَّهُ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ مُقْبِلٌ، وَإِلَى رِضَاهُ رَجَّاعٌ»
٢٠ / ١١٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ﴾ اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿عِبَادَنَا﴾ [يوسف: ٢٤] فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ: ﴿وَاذْكُرْ عِبَادَنَا﴾ [ص: ٤٥] عَلَى الْجِمَاعِ غَيْرَ ابْنِ كَثِيرٍ، فَإِنَّهُ ذُكِرَ عَنْهُ أَنَّهُ قَرَأَهُ: (وَاذْكُرْ عَبْدَنَا) عَلَى التَّوْحِيدِ، كَأَنَّهُ يُوَجِّهُ الْكَلَامَ إِلَى أَنَّ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ، وَأَنَّهُمَا ⦗١١٤⦘ ذُكِرَا مِنْ بَعْدِهِ
٢٠ / ١١٣
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عَطَاءٍ، سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ، يَقْرَأُ: «وَاذْكُرْ عَبْدَنَا إِبْرَاهِيمَ» قَالَ: «إِنَّمَا ذُكِرَ إِبْرَاهِيمُ، ثُمَّ ذُكِرَ وَلَدُهُ بَعْدَهُ» وَالصَّوَابُ عِنْدَهُ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي ذَلِكَ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَهُ عَلَى الْجِمَاعِ، عَلَى أَنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ بَيَانٌ عَنِ الْعِبَادِ وَتَرْجَمَةٌ عَنْهُ، لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَيْهِ
٢٠ / ١١٤
وَقَوْلُهُ: ﴿أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ﴾ [ص: ٤٥] وَيَعْنِي بِالْأَيْدِي: الْقُوَّةَ، يَقُولُ: أَهْلُ الْقُوَّةِ عَلَى عِبَادَةِ اللَّهِ وَطَاعَتِهِ وَيَعْنِي بِالْأَبْصَارِ: أَنَّهُمْ أَهْلُ إِبْصَارِ الْقُلُوبِ، يَعْنِي بِهِ: أُولِي الْعُقُولِ لِلْحَقِّ وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي ذَلِكَ نَحْوًا مِمَّا قُلْنَا فِيهِ
٢٠ / ١١٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿أُولِي الْأَيْدِي﴾ [ص: ٤٥] يَقُولُ: «أُولِي الْقُوَّةِ وَالْعِبَادَةِ، وَالْأَبْصَارِ يَقُولُ: الْفِقْهُ فِي الدِّينِ»
٢٠ / ١١٤
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ ⦗١١٥⦘ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ﴾ [ص: ٤٥] قَالَ: «فُضِّلُوا بِالْقُوَّةِ وَالْعِبَادَةِ»
٢٠ / ١١٤
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ﴿أُولِي الْأَيْدِي﴾ [ص: ٤٥] قَالَ: «الْقُوَّةِ»
٢٠ / ١١٥
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿أُولِي الْأَيْدِي﴾ [ص: ٤٥] قَالَ: «الْقُوَّةِ فِي أَمْرِ اللَّهِ»
٢٠ / ١١٥
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ﴿أُولِي الْأَيْدِي﴾ [ص: ٤٥] قَالَ: «الْأَيْدِي: الْقُوَّةُ فِي أَمْرِ اللَّهِ» ﴿وَالْأَبْصَارِ﴾ [يونس: ٣١] «الْعُقُولُ»
٢٠ / ١١٥
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ﴿أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ﴾ [ص: ٤٥] قَالَ: «الْقُوَّةُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ» ﴿وَالْأَبْصَارِ﴾ [يونس: ٣١] قَالَ: «الْبَصَرُ فِي الْحَقِّ»
٢٠ / ١١٥
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ﴾ [ص: ٤٥] يَقُولُ: «أُعْطُوا قُوَّةً فِي الْعِبَادَةِ، وَبَصَرًا فِي الدِّينِ»
٢٠ / ١١٥
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَوْلُهُ: ﴿أُولِي ⦗١١٦⦘ الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ﴾ [ص: ٤٥] قَالَ: «الْأَيْدِي: الْقُوَّةُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ، وَالْأَبْصَارُ: الْبَصَرُ بِعُقُولِهِمْ فِي دِينِهِمْ»
٢٠ / ١١٥
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ﴾ [ص: ٤٥] قَالَ: «الْأَيْدِي: الْقُوَّةُ، وَالْأَبْصَارُ: الْعُقُولُ» فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِلٌ: وَمَا الْأَيْدِي مِنَ الْقُوَّةِ، وَالْأَيْدِي إِنَّمَا هِيَ جَمْعُ يَدٍ، وَالْيَدُ جَارِحَةٌ، وَمَا الْعُقُولُ مِنَ الْأَبْصَارِ، وَإِنَّمَا الْأَبْصَارُ جَمْعُ بَصَرٍ؟ قِيلَ: إِنَّ ذَلِكَ مَثَلٌ، وَذَلِكَ أَنَّ بِالْيَدِ الْبَطْشَ، وَبِالْبَطْشِ تُعْرَفُ قُوَّةُ الْقَوِيِّ، فَلِذَلِكَ قِيلَ لِلْقَوِيِّ: ذُو يَدٍ؛ وَأَمَّا الْبَصَرُ، فَإِنَّهُ عُنِيَ بِهِ بَصَرُ الْقَلْبِ، وَبِهِ تُنَالُ مَعْرِفَةُ الْأَشْيَاءِ، فَلِذَلِكَ قِيلَ لِلرَّجُلِ الْعَالِمِ بِالشَّيْءِ: بَصِيرٌ بِهِ وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ عُنِيَ بِقَوْلِهِ: ﴿أُولِي الْأَيْدِي﴾ [ص: ٤٥] أُولِي الْأَيْدِي عِنْدَ اللَّهِ بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، فَجَعَلَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمُ الصَّالِحَةَ الَّتِي عَمِلُوهَا فِي الدُّنْيَا أَيْدِيًا لَهُمْ عِنْدَ اللَّهِ تَمْثِيلًا لَهَا بِالْيَدِ، تَكُونُ عِنْدَ الرَّجُلِ الْآخَرِ وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهُ: «أُولِي الْأَيْدِ» بِغَيْرِ يَاءٍ، وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنَ التَّأْيِيدِ، وَأَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى الْأَيْدِي، وَلَكِنَّهُ أَسْقَطَ مِنْهُ الْيَاءَ، كَمَا قِيلَ: ﴿يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ﴾ [ق: ٤١] بِحَذْفِ الْيَاءِ وَقَوْلُهُ عز وجل: ﴿إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ﴾ [ص: ٤٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّا خَصَصْنَاهُمْ بِخَاصَّةٍ: ذِكْرَى الدَّارِ وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ﴾ [ص: ٤٦] فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ ⦗١١٧⦘ الْمَدِينَةِ: (بِخَالِصَةِ ذِكْرَى الدَّارِ) بِإِضَافَةِ خَالِصَةٍ إِلَى ذِكْرَى الدَّارِ، بِمَعْنَى: أَنَّهُمْ أُخْلِصُوا بِخَالِصَةِ الذِّكْرَى، وَالذِّكْرَى إِذَا قُرِئَ كَذَلِكَ غَيْرُ الْخَالِصَةِ، كَمَا الْمُتَكَبِّرُ إِذَا قُرِئَ: عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ بِإِضَافَةِ الْقَلْبِ إِلَى الْمُتَكَبِّرِ، هُوَ الَّذِي لَهُ الْقَلْبُ وَلَيْسَ بِالْقَلْبِ وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْعِرَاقِ: ﴿بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ﴾ [ص: ٤٦] بِتَنْوِينِ قَوْلِهِ: ﴿خَالِصَةٍ﴾ [البقرة: ٩٤] وَرَدِّ ذِكْرَى عَلَيْهَا، عَلَى أَنَّ الدَّارَ هِيَ الْخَالِصَةُ، فَرَدُّوا الذِّكْرَى وَهِيَ مَعْرِفَةٌ عَلَى خَالِصَةٍ، وَهِيَ نَكِرَةٌ، كَمَا قِيلَ: لَشَرَّ مَآبٍ جَهَنَّمَ، فَرَدُّ جَهَنَّمَ وَهِيَ مَعْرِفَةٌ عَلَى الْمَآبِ وَهِيَ نَكِرَةٌ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مُسْتَفِيضَتَانِ فِي قَرَأَةِ الْأَمْصَارِ، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ، فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ هِيَ ذِكْرَى الدَّارِ: أَيْ أَنَّهُمْ كَانُوا يُذَكِّرُونَ النَّاسَ الدَّارَ الْآخِرَةَ، وَيَدْعُونَهُمْ إِلَى طَاعَةِ اللَّهِ، وَالْعَمَلِ لِلدَّارِ الْآخِرَةِ
٢٠ / ١١٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ﴾ [ص: ٤٦] قَالَ: «بِهَذِهِ أَخْلَصَهُمُ اللَّهُ، كَانُوا يَدْعُونَ إِلَى الْآخِرَةِ وَإِلَى اللَّهِ» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ أَخْلَصَهُمْ بِعَمَلِهِمْ لِلْآخِرَةِ وَذِكْرِهِمْ لَهَا
٢٠ / ١١٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ الْأَزْدِيُّ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ﴾ [ص: ٤٦] قَالَ: «بِذِكْرِ الْآخِرَةِ فَلَيْسَ لَهُمْ هُمْ غَيْرُهَا»
٢٠ / ١١٨
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، ﴿إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ﴾ [ص: ٤٦] قَالَ: «بِذِكْرِهِمُ الدَّارَ الْآخِرَةَ، وَعَمَلِهِمْ لِلْآخِرَةِ» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِأَفْضَلِ مَا فِي الْآخِرَةِ؛ وَهَذَا التَّأْوِيلُ عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَهُ بِالْإِضَافَةِ وَأَمَّا الْقَوْلَانِ الْأَوَّلَانِ فَعَلَى تَأْوِيلِ قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَهُ بِالتَّنْوِينِ
٢٠ / ١١٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ﴾ [ص: ٤٦] قَالَ: «بِأَفْضَلِ مَا فِي الْآخِرَةِ أَخْلَصْنَاهُمْ بِهِ، وَأَعْطَيْنَاهُمْ إِيَّاهُ؛ قَالَ: وَالدَّارُ: الْجَنَّةُ، وَقَرَأَ: ﴿تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ﴾ [القصص: ٨٣]، قَالَ: الْجَنَّةُ» وَقَرَأَ: ﴿وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ﴾ [النحل: ٣٠] قَالَ: هَذَا كُلُّهُ الْجَنَّةُ، وَقَالَ: أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَيْرِ الْآخِرَةِ ” وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: خَالِصَةً عُقْبَى الدَّارِ
٢٠ / ١١٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ سَالِمٍ الْأَفْطَسِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ﴿بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ﴾ [ص: ٤٦] قَالَ: «عُقْبَى الدَّارِ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: بِخَالِصَةٍ أَهْلِ الدَّارِ
٢٠ / ١١٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حُدِّثْتُ عَنِ ابْنِ أَبِي زَائِدَةَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: ثني ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ، أَنَّهُ سَمِعَ مُجَاهِدًا، يَقُولُ: ﴿بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ﴾ [ص: ٤٦] «هُمْ أَهْلُ الدَّارِ؛ وَذُو الدَّارِ، كَقَوْلِكَ: ذُو الْكَلَاعِ، وَذُو يَزَنَ» وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِكَلَامِ الْعَرَبِ مِنَ الْبَصْرِيِّينَ يَتَأَوَّلُ ذَلِكَ عَلَى الْقِرَاءَةِ بِالتَّنْوِينِ ﴿بِخَالِصَةٍ﴾ [ص: ٤٦] عَمِلَ فِي ذِكْرِ الْآخِرَةِ وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَهُ بِالتَّنْوِينِ أَنْ يُقَالَ: مَعْنَاهُ: إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ هِيَ ذِكْرَى الدَّارِ الْآخِرَةِ، فَعَمِلُوا لَهَا فِي الدُّنْيَا، فَأَطَاعُوا اللَّهَ وَرَاقَبُوهُ؛ وَقَدْ يَدْخُلُ فِي وَصْفِهِمْ بِذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مِنْ صِفَتِهِمْ أَيْضًا الدُّعَاءُ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى الدَّارِ الْآخِرَةِ، لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ وَالْعَمَلِ لِلدَّارِ الْآخِرَةِ، غَيْرَ أَنَّ مَعْنَى الْكَلِمَةِ مَا ذَكَرْتُ وَأَمَّا عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَهُ بِالْإِضَافَةِ، فَأَنْ يُقَالُ: مَعْنَاهُ: إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةِ مَا ذَكَرَ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ؛ فَلَمَّا لَمْ تَذْكُرْ فِي أُضِيفَتِ الذِّكْرَى إِلَى الدَّارِ كَمَا قَدْ بَيَّنَّا قَبْلُ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿لَا يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ﴾ [فصلت: ٤٩]⦗١٢٠⦘ وَقَوْلُهُ: ﴿بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ﴾ [ص: ٢٤]
٢٠ / ١١٩
وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لِمَنِ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ﴾ [ص: ٤٧] يَقُولُ: وَإِنَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ ذَكَرْنَا عِنْدَنَا لِمَنِ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَاهُمْ لِذِكْرَى الْآخِرَةِ الْأَخْيَارُ، الَّذِينَ اخْتَرْنَاهُمْ لِطَاعَتِنَا وَرِسَالَتِنَا إِلَى خَلْقِنَا
٢٠ / ١٢٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيَارِ هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ﴾ [ص: ٤٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ ﷺ: وَاذْكُرْ يَا مُحَمَّدُ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ، وَمَا أَبْلَوْا فِي طَاعَةِ اللَّهِ، فَتَأَسَّ بِهِمْ، وَاسْلُكْ مِنْهَاجَهُمْ فِي الصَّبْرِ عَلَى مَا نَالَكَ فِي اللَّهِ، وَالنَّفَاذِ لِبَلَاغِ رِسَالَتِهِ وَقَدْ بَيَّنَّا قَبْلَ مِنْ أَخْبَارِ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ فِيمَا مَضَى مِنْ كِتَابِنَا هَذَا مَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَالْكِفْلُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ: الْحَظُّ وَالْجَدُّ
٢٠ / ١٢٠
وَقَوْلُهُ: ﴿هَذَا ذِكْرٌ﴾ [الأنبياء: ٢٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: هَذَا الْقُرْآنُ الَّذِي أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ ذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ، ذَكَّرْنَاكَ وَإِيَّاهُمْ بِهِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٠ / ١٢٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ ﴿هَذَا ذِكْرٌ﴾ [ص: ٤٩] قَالَ: «الْقُرْآنُ»
٢٠ / ١٢٠
وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ﴾ [ص: ٤٩] يَقُولُ: وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ اتَّقَوْا اللَّهَ فَخَافُوهُ بِأَدَاءِ فَرَائِضِهِ، وَاجْتِنَابِ مَعَاصِيهِ لَحُسْنَ مَرْجِعٍ يَرْجِعُونَ إِلَيْهِ فِي الْآخِرَةِ، وَمَصِيرٍ يَصِيرُونَ إِلَيْهِ ثُمَّ أَخْبَرَ تَعَالَى ذِكْرُهُ عَنْ ذَلِكَ الَّذِي وَعْدَهُ مِنْ حُسْنِ الْمَآبِ مَا هُوَ، فَقَالَ: ﴿جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ﴾ [ص: ٥٠]
٢٠ / ١٢١
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَوْلُهُ: ﴿وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ﴾ [ص: ٤٩] قَالَ: «لَحُسْنَ مُنْقَلَبٍ»
٢٠ / ١٢١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿جَنَّاتَ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ﴾ [ص: ٥١] قَوْلُهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿جَنَّاتِ عَدْنٍ﴾ [التوبة: ٧٢] بَيَانٌ عَنْ حُسْنِ الْمَآبِ وَتَرْجَمَةٌ عَنْهُ، وَمَعْنَاهُ: بَسَاتِينُ إِقَامَةٍ وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى ذَلِكَ بِشَوَاهِدِهِ، وَذَكَرْنَا مَا فِيهِ مِنَ الِاخْتِلَافِ فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ
٢٠ / ١٢١
وَقَدْ. . . حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿جَنَّاتِ عَدْنٍ﴾ [ص: ٥٠] قَالَ: سَأَلَ عُمَرُ كَعْبًا مَا عَدْنٌ؟ قَالَ: «يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قُصُورٌ فِي الْجَنَّةِ مِنْ ذَهَبٍ يَسْكُنُهَا النَّبِيُّونَ وَالصِدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ وَأَئِمَّةُ الْعَدْلِ»
٢٠ / ١٢١
وَقَوْلُهُ: ﴿مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ﴾ [ص: ٥٠] يَعْنِي: مُفَتَّحَةً لَهُمْ أَبْوَابُهَا؛ وَأُدْخِلَتِ الْأَلِفُ وَاللَّامُ فِي الْأَبْوَابِ بَدَلًا مِنَ الْإِضَافَةِ، كَمَا قِيلَ: ﴿فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى﴾ [النازعات: ٤١]
٢٠ / ١٢١
بِمَعْنَى: هِيَ مَأْوَاهُ، وَكَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الطويل] مَا وَلَدَتْكُمْ حَيَّةُ ابْنَةُ مَالِكٍ … سِفَاحًا وَمَا كَانَتْ أَحَادِيثَ كَاذِبِ
وَلَكِنْ نَرَى أَقْدَامَنَا فِي نِعَالِكُمْ … وَآنُفَنَا بَيْنَ اللِّحَى وَالْحَوَاجِبِ
بِمَعْنَى: بَيْنَ لِحَاكُمْ وَحَوَاجِبِكُمْ؛ وَلَوْ كَانَتِ الْأَبْوَابُ جَاءَتْ بِالنَّصْبِ لَمْ يَكُنْ لَحْنًا، وَكَانَ نَصْبُهُ عَلَى تَوْجِيهِ الْمُفَتَّحَةِ فِي اللَّفْظِ إِلَى جَنَّاتٍ، وَإِنْ كَانَ فِي الْمَعْنَى لِلْأَبْوَابِ، وَكَانَ كَقَوْلُ الشَّاعِرِ:
[البحر الوافر] وَمَا قَوْمِي بِثَعْلَبَةَ بْنَ سَعْدٍ … وَلَا بِفَزَارَةَ الشِّعْرَ الرِّقَابَا
ثُمَّ نُوِّنَتْ مُفَتَّحَةً، وَنُصِبَتِ الْأَبْوَابُ فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِلٌ: وَمَا فِي قَوْلِهِ: ﴿مُفَتَّحَةٌ لَهُمُ الْأَبْوَابُ﴾ [ص: ٥٠] مِنْ فَائِدَةِ خَبَرٍ حَتَّى ذَكَرَ ذَلِكَ؟ قِيلَ: فَإِنَّ الْفَائِدَةَ فِي ذَلِكَ إِخْبَارُ اللَّهِ تَعَالَى عَنْهَا أَنَّ أَبْوَابَهَا تُفْتَحُ لَهُمْ بِغَيْرِ فَتْحِ سُكَّانِهَا إِيَّاهَا، بِمُعَانَاةٍ بِيَدٍ وَلَا جَارِحَةٍ، وَلَكِنْ بِالْأَمْرِ فِيمَا ذُكِرَ
[البحر الطويل] مَا وَلَدَتْكُمْ حَيَّةُ ابْنَةُ مَالِكٍ … سِفَاحًا وَمَا كَانَتْ أَحَادِيثَ كَاذِبِ
وَلَكِنْ نَرَى أَقْدَامَنَا فِي نِعَالِكُمْ … وَآنُفَنَا بَيْنَ اللِّحَى وَالْحَوَاجِبِ
بِمَعْنَى: بَيْنَ لِحَاكُمْ وَحَوَاجِبِكُمْ؛ وَلَوْ كَانَتِ الْأَبْوَابُ جَاءَتْ بِالنَّصْبِ لَمْ يَكُنْ لَحْنًا، وَكَانَ نَصْبُهُ عَلَى تَوْجِيهِ الْمُفَتَّحَةِ فِي اللَّفْظِ إِلَى جَنَّاتٍ، وَإِنْ كَانَ فِي الْمَعْنَى لِلْأَبْوَابِ، وَكَانَ كَقَوْلُ الشَّاعِرِ:
[البحر الوافر] وَمَا قَوْمِي بِثَعْلَبَةَ بْنَ سَعْدٍ … وَلَا بِفَزَارَةَ الشِّعْرَ الرِّقَابَا
ثُمَّ نُوِّنَتْ مُفَتَّحَةً، وَنُصِبَتِ الْأَبْوَابُ فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِلٌ: وَمَا فِي قَوْلِهِ: ﴿مُفَتَّحَةٌ لَهُمُ الْأَبْوَابُ﴾ [ص: ٥٠] مِنْ فَائِدَةِ خَبَرٍ حَتَّى ذَكَرَ ذَلِكَ؟ قِيلَ: فَإِنَّ الْفَائِدَةَ فِي ذَلِكَ إِخْبَارُ اللَّهِ تَعَالَى عَنْهَا أَنَّ أَبْوَابَهَا تُفْتَحُ لَهُمْ بِغَيْرِ فَتْحِ سُكَّانِهَا إِيَّاهَا، بِمُعَانَاةٍ بِيَدٍ وَلَا جَارِحَةٍ، وَلَكِنْ بِالْأَمْرِ فِيمَا ذُكِرَ
٢٠ / ١٢٢
كَمَا: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْوَلِيدِ الرَّمْلِيُّ، قَالَ: ثنا ابْنُ نُفَيْلٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ دُعَيْجٍ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿مُفَتَّحَةٌ لَهُمُ الْأَبْوَابُ﴾ [ص: ٥٠] قَالَ: «أَبْوَابٌ تُكَلَّمُ، فَتُكَلَّمُ: انْفَتِحِي، انْغَلِقِي»
٢٠ / ١٢٢
وَقَوْلُهُ: ﴿مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ﴾ [ص: ٥١] يَقُولُ: مُتَّكِئِينَ فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ، عَلَى سُرُرٍ يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ، يَعْنِي بِثِمَارٍ مِنْ ثِمَارِ الْجَنَّةِ ⦗١٢٣⦘ كَثِيرَةٍ، وَشَرَابٍ مِنْ شَرَابِهَا
٢٠ / ١٢٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ﴾ [ص: ٥٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: عِنْدَ هَؤُلَاءِ الْمُتَّقِينَ الَّذِينَ أَكْرَمَهُمُ اللَّهُ بِمَا وَصَفَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مِنْ إِسْكَانِهِمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ ﴿قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ﴾ [الصافات: ٤٨] يَعْنِي: نِسَاءٌ قُصِرَتْ أَطْرَافُهُنَّ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ، فَلَا يَرِدْنَ غَيْرَهُمْ، وَلَا يَمْدِدْنَ أَعْيُنَهُنَّ إِلَى سِوَاهُمْ
٢٠ / ١٢٣
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ﴾ [الصافات: ٤٨] قَالَ: «قَصَرْنَ طَرْفَهُنَّ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ، فَلَا يَرِدْنَ غَيْرَهُمْ»
٢٠ / ١٢٣
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، ﴿قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ﴾ [ص: ٥٢] قَالَ: «قَصَرْنَ أَبْصَارَهُنَّ وَقُلُوبَهُنَّ وَأَسْمَاعَهُنَّ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ، فَلَا يَرِدْنَ غَيْرَهُمْ»
٢٠ / ١٢٣
وَقَوْلُهُ: ﴿أَتْرَابٌ﴾ [ص: ٥٢] يَعْنِي: أَسْنَانٌ وَاحِدَةٌ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ عَلَى اخْتِلَافٍ بَيْنَ أَهْلِ التَّأْوِيلِ
٢٠ / ١٢٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ⦗١٢٤⦘ ﴿قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ﴾ [ص: ٥٢] قَالَ: «أَمْثَالٌ»
٢٠ / ١٢٣
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿أَتْرَابٌ﴾ [ص: ٥٢] «سِنٌّ وَاحِدَةٌ»
٢٠ / ١٢٤
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، ﴿أَتْرَابٌ﴾ [ص: ٥٢] قَالَ: «مُسْتَوِيَاتٌ قَالَ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مُتَوَاخِيَاتٌ لَا يِتَبَاغَضْنَ، وَلَا يَتَعَادَيْنَ، وَلَا يَتَغَايَرْنَ، وَلَا يَتَحَاسَدْنَ»
٢٠ / ١٢٤
وَقَوْلُهُ: ﴿هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ﴾ [ص: ٥٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: هَذَا الَّذِي يَعِدُكُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِهِ مِنَ الْكَرَامَةِ لِمَنْ أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ مِنْكُمْ فِي الْآخِرَةِ
٢٠ / ١٢٤
كَمَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، ﴿هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ﴾ [ص: ٥٣] قَالَ: «هُوَ فِي الدُّنْيَا لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ»
٢٠ / ١٢٤
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ﴾ [ص: ٥٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ هَذَا الَّذِي أَعْطَيْنَا هَؤُلَاءِ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ مِنَ الْفَاكِهَةِ الْكَثِيرَةِ وَالشَّرَابِ، وَالْقَاصِرَاتِ ⦗١٢٥⦘ الطَّرْفِ، وَمَكَّنَّاهُمْ فِيهَا مِنَ الْوُصُولِ إِلَى اللَّذَّاتِ وَمَا اشْتَهَتْهُ فِيهَا أَنْفُسُهُمْ لَرِزْقُنَا، رَزَقْنَاهُمْ فِيهَا كَرَامَةً مِنَّا لَهُمْ ﴿مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ﴾ [ص: ٥٤] يَقُولُ: لَيْسَ لَهُ عَنْهُمُ انْقِطَاعٌ وَلَا لَهُ فَنَاءٌ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كُلَّمَا أَخَذُوا ثَمَرَةً مِنْ ثِمَارِ شَجَرَةٍ مِنْ أَشْجَارِهَا، فَأَكَلُوهَا، عَادَتْ مَكَانَهَا أُخْرَى مِثْلُهَا، فَذَلِكَ لَهُمْ دَائِمٌ أَبَدًا، لَا يَنْقَطِعُ انْقِطَاعَ مَا كَانَ أَهْلُ الدُّنْيَا أُوتُوهُ فِي الدُّنْيَا، فَانْقَطَعَ بِالْفَنَاءِ، وَنَفَدَ بِالْإِنْفَادِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٠ / ١٢٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، ﴿إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ﴾ [ص: ٥٤] قَالَ: «رِزْقُ الْجَنَّةِ، كُلَّمَا أُخِذَ مِنْهُ شَيْءٌ عَادَ مِثْلُهُ مَكَانَهُ، وَرِزْقُ الدُّنْيَا لَهُ نَفَادٍ»
٢٠ / ١٢٥
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ﴾ [ص: ٥٤] «أَيْ مَا لَهُ انْقِطَاعٌ»
٢٠ / ١٢٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمِهَادُ هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ هَذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ لَا مَرْحَبًا بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُوا النَّارِ قَالُوا بَلْ أَنْتُمْ لَا مَرْحَبًا بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا فَبِئْسَ الْقَرَارُ﴾ [ص: ٥٦] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿هَذَا﴾ [البقرة: ٢٥] الَّذِي وَصَفْتُ لِهَؤُلَاءِ الْمُتَّقِينَ: ثُمَّ اسْتَأْنَفَ جَلَّ وَعَزَّ الْخَبَرَ عَنِ الْكَافِرِينَ بِهِ الَّذِينَ طَغَوْا عَلَيْهِ وَبَغَوْا، فَقَالَ: ﴿وَإِنَّ ⦗١٢٦⦘ لِلطَّاغِينَ﴾ [ص: ٥٥] وَهُمُ الَّذِينَ تَمَرَّدُوا عَلَى رَبِّهِمْ، فَعَصَوْا أَمْرَهُ مَعَ إِحْسَانِهِ إِلَيْهِمْ ﴿لَشَرَّ مَآبٍ﴾ [ص: ٥٥] يَقُولُ: لَشَرَّ مَرْجِعٍ وَمَصِيرٍ يَصِيرُونَ إِلَيْهِ فِي الْآخِرَةِ بَعْدَ خُرُوجِهِمْ مِنَ الدُّنْيَا
٢٠ / ١٢٥
كَمَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، ﴿وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ﴾ [ص: ٥٥] قَالَ: «لَشَرَّ مُنْقَلَبٍ» ثُمَّ بَيَّنَ تَعَالَى ذِكْرُهُ: مَا ذَلِكَ الَّذِي إِلَيْهِ يَنْقَلِبُونَ وَيَصِيرُونَ فِي الْآخِرَةِ، فَقَالَ: ﴿جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا﴾ [ص: ٥٦] فَتَرْجَمَ عَنْ جَهَنَّمَ بِقَوْلِهِ: ﴿لَشَرَّ مَآبٍ﴾ [ص: ٥٥] وَمَعْنَى الْكَلَامِ: إِنَّ لِلْكَافِرِينَ لَشَرَّ مَصِيرٍ يَصِيرُونَ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، لِأَنَّ مَصِيرَهُمْ إِلَى جَهَنَّمَ، وَإِلَيْهَا مُنْقَلَبُهُمْ بَعْدَ وَفَاتِهِمْ ﴿فَبِئْسَ الْمِهَادُ﴾ [ص: ٥٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَبِئْسَ الْفِرَاشُ الَّذِي افْتَرَشُوهُ لِأَنْفُسِهِمْ جَهَنَّمُ
٢٠ / ١٢٦
وَقَوْلُهُ: ﴿هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ﴾ [ص: ٥٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: هَذَا حَمِيمٌ، وَهُوَ الَّذِي قَدْ أُغْلِيَ حَتَّى انْتَهَى حَرُّهُ، وَغَسَّاقٌ فَلْيَذُوقُوهُ؛ فَالْحَمِيمُ مَرْفُوعٌ بِهَذَا، وَقَوْلُهُ: ﴿فَلْيَذُوقُوهُ﴾ [ص: ٥٧] مَعْنَاهُ التَّأْخِيرُ، لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ مَا ذَكَرْتُ، وَهُوَ: هَذَا حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ فَلْيَذُوقُوهُ وَقَدْ يَتَّجِهُ إِلَى أَنْ يَكُونَ هَذَا مُكْتَفِيًا بِقَوْلِهِ فَلْيَذُوقُوهُ ثُمَّ يُبْتَدَأُ فَيُقَالُ: حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ، بِمَعْنَى: مِنْهُ حَمِيمٌ وَمِنْهُ غَسَّاقٌ؛ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر البسيط] حَتَّى إِذَا مَا أَضَاءَ الصُّبْحُ فِي غَلَسٍ … وَغُودِرَ الْبَقْلُ مَلْوِيٌّ وَمَحْصُودُ
وَإِذَا وُجِّهَ إِلَى هَذَا الْمَعْنَى جَازَ فِي هَذَا النَّصْبُ وَالرَّفْعُ النَّصْبُ: عَلَى أَنْ
[البحر البسيط] حَتَّى إِذَا مَا أَضَاءَ الصُّبْحُ فِي غَلَسٍ … وَغُودِرَ الْبَقْلُ مَلْوِيٌّ وَمَحْصُودُ
وَإِذَا وُجِّهَ إِلَى هَذَا الْمَعْنَى جَازَ فِي هَذَا النَّصْبُ وَالرَّفْعُ النَّصْبُ: عَلَى أَنْ
٢٠ / ١٢٦
يُضْمَرَ قَبْلَهَا لَهَا نَاصِبٌ، كَمْ قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الطويل] زِيَادَتَنَا نُعْمَانُ لَا تَحْرِمَنَّنَا … تَقِ اللَّهَ فِينَا وَالْكِتَابَ الَّذِي تَتْلُو
وَالرَّفْعُ بِالْهَاءِ فِي قَوْلِهِ: ﴿فَلْيَذُوقُوهُ﴾ [ص: ٥٧] كَمَا يُقَالُ: اللَّيْلُ فَبَادِرُوهُ، وَاللَّيْلَ فَبَادِرُوهُ
[البحر الطويل] زِيَادَتَنَا نُعْمَانُ لَا تَحْرِمَنَّنَا … تَقِ اللَّهَ فِينَا وَالْكِتَابَ الَّذِي تَتْلُو
وَالرَّفْعُ بِالْهَاءِ فِي قَوْلِهِ: ﴿فَلْيَذُوقُوهُ﴾ [ص: ٥٧] كَمَا يُقَالُ: اللَّيْلُ فَبَادِرُوهُ، وَاللَّيْلَ فَبَادِرُوهُ
٢٠ / ١٢٧
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، ﴿هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ﴾ [ص: ٥٧] قَالَ: “الْحَمِيمُ: «الَّذِي قَدِ انْتَهَى حَرُّهُ»
٢٠ / ١٢٧
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: «الْحَمِيمُ دُمُوعُ أَعْيُنِهِمْ، تُجْمَعُ فِي حِيَاضِ النَّارِ فَيُسْقَوْنَهُ»
٢٠ / ١٢٧
وَقَوْلُهُ: ﴿وَغَسَّاقٌ﴾ [ص: ٥٧] اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَتِهِ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْحِجَازِ وَالْبَصْرَةِ وَبَعْضُ الْكُوفِيِّينَ وَالشَّامِ بِالتَّخْفِيفِ: ﴿وَغَسَاقٌ﴾ [ص: ٥٧] وَقَالُوا: هُوَ اسْمٌ مَوْضُوعٌ وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ: ﴿وَغَسَّاقٌ﴾ [ص: ٥٧] مُشَدَّدَةً، وَوَجَّهُوهُ إِلَى أَنَّهُ صِفَةٌ مِنْ قَوْلِهِمْ: غَسَقَ يَغْسِقُ غُسُوقًا: إِذَا سَالَ، وَقَالُوا: إِنَّمَا مَعْنَاهُ: أَنَّهُمْ يُسْقَوْنَ الْحَمِيمَ، وَمَا يَسِيلُ مِنْ صَدِيدِهِمْ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ قَدْ قَرَأَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عُلَمَاءُ مِنَ الْقُرَّاءِ، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ، وَإِنْ كَانَ التَّشْدِيدُ فِي ⦗١٢٨⦘ السِّينِ أَتَمَّ عِنْدَنَا فِي ذَلِكَ، لِأَنَّ الْمَعْرُوفُ ذَلِكَ فِي الْكَلَامِ، وَإِنْ كَانَ الْآخَرُ غَيْرَ مَدْفُوعَةٌ صِحَّتَهُ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ مَا يَسِيلُ مِنْ جُلُودِهِمْ مِنَ الصَّدِيدِ وَالدَّمِ
٢٠ / ١٢٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ﴾ [ص: ٥٧] قَالَ: «كُنَّا نُحَدَّثُ أَنَّ الْغَسَّاقَ: مَا يَسِيلُ مِنْ بَيْنَ جِلْدِهِ وَلَحْمِهِ»
٢٠ / ١٢٨
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: «الْغَسَّاقُ: الَّذِي يَسِيلُ مِنْ أَعْيُنِهِمْ مِنْ دُمُوعِهِمْ، يُسْقَوْنَهُ مَعَ الْحَمِيمِ»
٢٠ / ١٢٨
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: «الْغَسَّاقُ»: مَا يَسِيلُ مِنْ سُرْمِهِمْ، وَمَا يَسْقُطُ مِنْ جُلُودِهِمْ “
٢٠ / ١٢٨
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: “الْغَسَّاقُ: «الصَّدِيدُ الَّذِي يُجْمَعُ مِنْ جُلُودِهِمْ مِمَّا تُصْهِرُهُ النَّارُ فِي حِيَاضٍ يَجْتَمِعُ فِيهَا فَيُسْقَوْنَهُ»
٢٠ / ١٢٨
حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ بْنِ صَالِحٍ السَّهْمِيُّ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثنا ابْنُ لَهِيعَةَ، قَالَ: ثني أَبُو قَبِيلٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُبَيْرَةَ الزِّيَادِيَّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو، يَقُولُ: أَيُّ شَيْءٍ الْغَسَّاقُ؟ قَالُوا: اللَّهُ أَعْلَمُ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو: «هُوَ الْقَيْحُ الْغَلِيظُ، لَوْ أَنَّ قَطْرَةً مِنْهُ تُهْرَاقُ فِي الْمَغْرِبِ لَأَنْتَنَتْ أَهْلَ الْمَشْرِقِ، وَلَوْ تُهْرَاقُ فِي الْمَشْرِقِ لَأَنْتَنَتْ أَهْلَ الْمَغْرِبِ» قَالَ يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ، قَالَ أَبِي: ثنا ابْنُ لَهِيعَةَ، مَرَّةً أُخْرَى، فَقَالَ: ثنا أَبُو قَبِيلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هُبَيْرَةَ وَلَمْ يَذْكُرْ لَنَا أَبَا هُبَيْرَةَ
٢٠ / ١٢٩
حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْفٍ، قَالَ: ثنا أَبُو الْمُغِيرَةِ، قَالَ: ثنا صَفْوَانُ، قَالَ: ثنا أَبُو يَحْيَى عَطِيَّةُ الْكَلَاعِيُّ، أَنَّ كَعْبًا، كَانَ يَقُولُ: «هَلْ تَدْرُونَ مَا غَسَّاقٌ؟ قَالُوا: لَا وَاللَّهِ، قَالَ: عَيْنٌ فِي جَهَنَّمَ يَسِيلُ إِلَيْهَا حُمَةُ كُلِّ ذَاتِ حُمَةٍ مِنْ حَيَّةٍ أَوْ عَقْرَبٍ أَوْ غَيْرِهَا، فَيُسْتَنْقَعُ فَيُؤْتَى بِالْآدَمِيِّ، فَيُغْمَسُ فِيهَا غَمْسَةً وَاحِدَةً، فَيَخْرُجُ وَقَدْ سَقَطَ جِلْدُهُ وَلَحْمُهُ عَنِ الْعِظَامِ حَتَّى يَتَعَلَّقَ جِلْدُهُ فِي كَعْبَيْهِ وَعَقِبَيْهِ، وَيُنْجَرَ لَحْمُهُ كَجَرِّ الرَّجُلِ ثَوْبَهُ» وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ الْبَارِدُ الَّذِي لَا يُسْتَطَاعُ مِنْ بُرْدِهِ
٢٠ / ١٢٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حُدِّثْتُ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ﴿وَغَسَّاقٌ﴾ [ص: ٥٧]⦗١٣٠⦘ قَالَ: «بَارِدٌ لَا يُسْتَطَاعُ، أَوْ قَالَ: بُرْدٌ لَا يُسْتَطَاعُ»
٢٠ / ١٢٩
حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، ﴿هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ﴾ [ص: ٥٧] قَالَ: «يُقَالُ: الْغَسَّاقُ: أَبْرَدُ الْبَرْدِ، وَيَقُولُ آخَرُونَ: لَا؛ بَلْ هُوَ أَنْتَنُ النَتْنِ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ هُوَ الْمُنْتِنُ
٢٠ / ١٣٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حُدِّثْتُ عَنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ النُّكْرِيِّ، عَنْ صَالِحِ بْنِ حَيَّانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، قَالَ: “الْغَسَّاقُ: «الْمُنْتَنُ، وَهُوَ بِالطُّخَارِيَّةِ»
٢٠ / ١٣٠
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: ثني عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ دَرَّاجٍ، عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «لَوْ أَنَّ دَلْوًا مِنْ غَسَّاقٍ يُهْرَاقُ فِي الدُّنْيَا لَأَنْتَنَ أَهْلُ الدُّنْيَا» وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: هُوَ مَا يَسِيلُ مِنْ صَدِيدِهِمْ، لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْأَغْلَبُ مِنْ مَعْنَى الْغُسُوقِ، وَإِنْ كَانَ لِلْآخَرِ وَجْهٌ صَحِيحٌ
٢٠ / ١٣٠
وَقَوْلُهُ: ﴿وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ﴾ [ص: ٥٨] اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ
٢٠ / ١٣٠
عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَالْكُوفَةِ ﴿وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ﴾ [ص: ٥٨] عَلَى التَّوْحِيدِ، بِمَعْنَى: هَذَا حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ فَلْيَذُوقُوهُ، وَعَذَابٌ آخَرُ مِنْ نَحْوِ الْحَمِيمِ أَلْوَانٌ وَأَنْوَاعٌ، كَمَا يُقَالُ: لَكَ عَذَابٌ مِنْ فُلَانٍ: ضُرُوبٌ وَأَنْوَاعٌ؛ وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا بِالْأَزْوَاجِ الْخَبَرُ عَنِ الْحَمِيمِ وَالْغَسَّاقِ، وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ، وَذَلِكَ ثَلَاثَةٌ، فَقِيلَ أَزْوَاجٌ، يُرَادُ أَنْ يَنْعَتَ بِالْأَزْوَاجِ تِلْكَ الْأَشْيَاءَ الثَّلَاثَةَ وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ الْمَكِّيِّينَ وَبَعْضُ الْبَصْرِيِّينَ: (وَأُخَرُ) عَلَى الْجِمَاعِ، وَكَأَنَّ مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ كَذَلِكَ كَانَ عِنْدَهُ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ الْأَزْوَاجُ وَهِيَ جَمْعٌ نَعْتًا لِوَاحِدٍ، فَلِذَلِكَ جَمَعَ أُخَرَ، لِتَكُونَ الْأَزْوَاجُ نَعْتًا لَهَا؛ وَالْعَرَبُ لَا تَمْنَعُ أَنْ يُنْعَتَ الِاسْمُ إِذَا كَانَ فِعْلًا بِالْكَثِيرِ وَالْقَلِيلِ وَالِاثْنَيْنِ كَمَا بَيَّنَّا، فَتَقُولُ: عَذَابُ فُلَانٍ أَنْوَاعٌ، وَنَوْعَانِ مُخْتَلَفَانِ وَأَعْجَبُ الْقِرَاءَتَيْنِ إِلَيَّ أَنْ أَقْرَأَ بِهَا: ﴿وَآخَرُ﴾ [التوبة: ١٠٢] عَلَى التَّوْحِيدِ، وَإِنْ كَانَتِ الْأُخْرَى صَحِيحَةً لِاسْتِفَاضَةِ الْقِرَاءَةِ بِهَا فِي قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ؛ وَإِنَّمَا اخْتَرْنَا التَّوْحِيدَ لِأَنَّهُ أَصَحُّ مَخْرَجًا فِي الْعَرَبِيَّةِ، وَأَنَّهُ فِي التَّفْسِيرِ بِمَعْنَى التَّوْحِيدِ وَقِيلَ إِنَّهُ الزَّمْهَرِيرُ
٢٠ / ١٣١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ﴿وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ﴾ [ص: ٥٨] قَالَ: «الزَّمْهَرِيرُ» ⦗١٣٢⦘ حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، بِمِثْلِهِ حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا مُعَاوِيَةُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَمَّنْ أَخْبَرَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بِمِثْلِهِ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: عَذَابُ الزَّمْهَرِيرِ
٢٠ / ١٣١
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ مُرَّةَ الْهَمْدَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: «هُوَ الزَّمْهَرِيرُ»
٢٠ / ١٣٢
حُدِّثْتُ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ مُبَارَكِ بْنِ فَضَالَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: «ذَكَرَ اللَّهُ الْعَذَابَ، فَذَكَرَ السَّلَاسِلَ وَالْأَغْلَالَ، وَمَا يَكُونُ فِي الدُّنْيَا، ثُمَّ قَالَ: ﴿وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ﴾ [ص: ٥٨] قَالَ: وَآخَرُ لَمْ يُرَ فِي الدُّنْيَا» وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿مِنْ شَكْلِهِ﴾ [ص: ٥٨] فَإِنَّ مَعْنَاهُ: مِنْ ضَرْبِهِ، وَنَحْوُهُ يَقُولُ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ: مَا أَنْتَ مِنْ شَكْلِي، بِمَعْنَى: مَا أَنْتَ مِنْ ضَرْبِي بِفَتْحِ الشِّينِ وَأَمَّا الشِّكْلُ فَإِنَّهُ مِنَ الْمَرْأَةِ مَا عَلَّقَتْ مِمَّا تَتَحَسَّنُ بِهِ، وَهُوَ الدَّلُ أَيْضًا مِنْهَا وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ﴾ [ص: ٥٨] يَقُولُ: مِنْ نَحْوِهِ حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ ⦗١٣٣⦘ أَزْوَاجٌ﴾ [ص: ٥٨] مِنْ نَحْوِهِ
٢٠ / ١٣٢
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ﴾ [ص: ٥٨] قَالَ: «مِنْ كُلِّ شَكَلِ ذَلِكَ الْعَذَابِ الَّذِي سَمَّى اللَّهُ، أَزْوَاجٌ لَمْ يُسَمِّهَا اللَّهُ، قَالَ: وَالشَّكْلُ: الشَّبِيهُ»
٢٠ / ١٣٣
وَقَوْلُهُ: ﴿أَزْوَاجٌ﴾ [البقرة: ٢٥] يَعْنِي: أَلْوَانٌ وَأَنْوَاعٌ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٠ / ١٣٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ﴾ [ص: ٥٨] قَالَ: «أَلْوَانٌ مِنَ الْعَذَابِ»
٢٠ / ١٣٣
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿أَزْوَاجٌ﴾ [ص: ٥٨] «زَوْجٌ زَوْجٌ مِنَ الْعَذَابِ»
٢٠ / ١٣٣
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿أَزْوَاجٌ﴾ [ص: ٥٨] قَالَ: «أَزْوَاجٌ مِنَ الْعَذَابِ فِي النَّارِ»
٢٠ / ١٣٣
وَقَوْلُهُ: ﴿هَذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ﴾ [ص: ٥٩] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿هَذَا فَوْجٌ﴾ [ص: ٥٩] هَذَا فِرْقَةٌ وَجَمَاعَةٌ مُقْتَحِمَةٌ مَعَكُمْ أَيُّهَا الطَّاغُونَ النَّارَ، وَذَلِكَ دُخُولُ أُمَّةٍ مِنَ
٢٠ / ١٣٣
الْأُمَمِ الْكَافِرَةِ بَعْدَ أُمَّةٍ؛ ﴿لَا مَرْحَبًا بِهِمْ ِ﴾ [ص: ٥٩] وَهَذَا خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ عَنْ قِيلِ الطَّاغِينَ الَّذِينَ كَانُوا قَدْ دَخَلُوا النَّارَ قَبْلَ هَذَا الْفَوْجِ الْمُقْتَحِمِ لِلْفَوْجِ الْمُقْتَحِمِ فِيهَا عَلَيْهِمْ، لَا مَرْحَبًا بِهِمْ، وَلَكِنَّ الْكَلَامَ اتَّصَلَ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَوْلٌ وَاحِدٌ، كَمَا قِيلَ: ﴿يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ﴾ [الأعراف: ١١٠] فَاتَّصَلَ قَوْلُ فِرْعَوْنَ بِقَوْلِ مَلَئِهِ، وَهَذَا كَمَا قَالَ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُخْبِرًا عَنْ أَهْلِ النَّارِ: ﴿كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا﴾ [الأعراف: ٣٨] وَيَعْنِي بِقَوْلِهِمْ: ﴿لَا مَرْحَبًا بِهِمْ﴾ [ص: ٥٩] لَا اتَّسَعَتْ بِهِمْ مَدَاخِلُهُمْ، كَمَا قَالَ أَبُو الْأَسْوَدِ:
[البحر الطويل] أَلَا مَرْحَبٌ وَادِيكَ غَيْرُ مُضَيِّقِ
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
[البحر الطويل] أَلَا مَرْحَبٌ وَادِيكَ غَيْرُ مُضَيِّقِ
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٠ / ١٣٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿هَذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ﴾ [ص: ٥٩] ” فِي النَّارِ ﴿لَا مَرْحَبًا بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُوا النَّارِ قَالُوا بَلْ أَنْتُمْ لَا مَرْحَبًا بِكُمْ﴾ [ص: ٦٠] . . حَتَّى بَلَغَ: ﴿فَبِئْسَ الْقَرَارُ﴾ [ص: ٦٠] قَالَ: «هَؤُلَاءِ التُّبَّاعُ يَقُولُونَ لِلرِّؤُوسِ»
٢٠ / ١٣٤
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿هَذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ لَا مَرْحَبًا بِهِمْ﴾ [ص: ٥٩] قَالَ: «الْفَوْجُ: الْقَوْمُ الَّذِينَ يَدْخُلُونَ فَوْجًا بَعْدَ ⦗١٣٥⦘ فَوْجٍ» وَقَرَأَ: ﴿كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا﴾ [الأعراف: ٣٨] الَّتِي كَانَتْ قَبْلَهَا “
٢٠ / ١٣٤
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّهُمْ صَالُوا النَّارِ﴾ [ص: ٥٩] يَقُولُ: إِنَّهُمْ وَارِدُو النَّارِ وَدَاخِلُوهَا ﴿قَالُوا بَلْ أَنْتُمْ لَا مَرْحَبًا بِكُمْ﴾ [ص: ٦٠] يَقُولُ: قَالَ الْفَوْجُ الْوَارِدُونَ جَهَنَّمَ عَلَى الطَّاغِينَ الَّذِينَ وَصَفَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ صِفَتَهُمْ لَهُمْ: بَلْ أَنْتُمْ أَيُّهَا الْقَوْمُ لَا مَرْحَبًا بِكُمْ: أَيْ لَا اتَّسَعَتْ بِكُمْ أَمَاكِنُكُمْ، ﴿أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا﴾ [ص: ٦٠] يَعْنُونَ: أَنْتُمْ قَدَّمْتُمْ لَنَا سُكْنَى هَذَا الْمَكَانِ، وَصَلِيَّ النَّارِ بِإِضْلَالِكُمْ إِيَّانَا، وَدُعَائِكُمْ لَنَا إِلَى الْكُفْرِ بِاللَّهِ، وَتَكْذِيبِ رُسُلِهِ، حَتَّى ضَلَلْنَا بِاتِّبَاعِكُمْ، فَاسْتَوْجَبْنَا سُكْنَى جَهَنَّمَ الْيَوْمَ، فَذَلِكَ تَقْدِيمُهُمْ لَهُمْ مَا قَدَّمُوا فِي الدُّنْيَا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ ﴿فَبِئْسَ الْقَرَارُ﴾ [ص: ٦٠] يَقُولُ: فَبِئْسَ الْمَكَانُ يُسْتَقَرُّ فِيهِ جَهَنَّمُ
٢٠ / ١٣٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَالُوا رَبَّنَا مَنْ قَدَّمَ لَنَا هَذَا فَزِدْهُ عَذَابًا ضِعْفًا فِي النَّارِ﴾ [ص: ٦١] وَهَذَا أَيْضًا قَوْلُ الْفَوْجِ الْمُقْتَحِمِ عَلَى الطَّاغِينَ، وَهُمْ كَانُوا أَتْبَاعَ الطَّاغِينَ فِي الدُّنْيَا، يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَقَالَ الْأَتْبَاعُ: ﴿رَبَّنَا مَنْ قَدَّمَ لَنَا هَذَا﴾ [ص: ٦١] يَعْنُونَ: مَنْ قَدَّمَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا بِدُعَائِهِمْ إِلَى الْعَمَلِ الَّذِي يُوجِبُ لَهُمُ النَّارَ الَّتِي وَرَدُوهَا، وَسُكْنَى الْمَنْزِلِ الَّذِي سَكَنُوهُ مِنْهَا وَيَعْنُونَ بِقَوْلِهِمْ ﴿هَذَا﴾ [البقرة: ٢٥] الْعَذَابُ الَّذِي وَرَدْنَاهُ ﴿فَزِدْهُ عَذَابًا ضِعْفًا فِي النَّارِ﴾ [ص: ٦١] يَقُولُونَ: فَأَضْعِفْ لَهُ الْعَذَابَ فِي النَّارِ عَلَى الْعَذَابِ الَّذِي هُوَ فِيهِ فِيهَا، وَهَذَا أَيْضًا مِنْ دُعَاءِ الْأَتْبَاعِ لِلْمَتْبُوعِينَ
٢٠ / ١٣٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَقَالُوا مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرَارِ أَتَّخَذْنَاهُمْ سُخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ﴾ [ص: ٦٣]⦗١٣٦⦘ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ الطَّاغُونَ الَّذِينَ وَصَفَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ صِفَتَهُمْ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ، وَهُمْ فِيمَا ذَكَرَ أَبُو جَهْلٍ وَالْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ وَذَوُوهُمَا: ﴿مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا﴾ [ص: ٦٢] يَقُولُ: مَا بَالُنَا لَا نَرَى مَعَنَا فِي النَّارِ رِجَالًا ﴿كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرَارِ﴾ [ص: ٦٢] يَقُولُ: كُنَّا نَعُدُّهُمْ فِي الدُّنْيَا مِنْ أَشْرَارِنَا، وَعَنَوْا بِذَلِكَ فِيمَا ذُكِرَ صُهَيْبًا وَخَبَّابًا وَبِلَالًا وَسَلْمَانَ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٠ / ١٣٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرَارِ﴾ [ص: ٦٢] قَالَ: «ذَاكَ أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ وَالْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، وَذَكَرَ أُنَاسًا صُهَيْبًا وَعَمَّارًا وَخَبَّابًا، كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرَارِ فِي الدُّنْيَا»
٢٠ / ١٣٦
حَدَّثَنَا أَبُو السَّائِبِ، قَالَ: ثنا ابْنُ إِدْرِيسَ، قَالَ: سَمِعْتُ لَيْثًا يَذْكُرُ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَقَالُوا مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرَارِ﴾ [ص: ٦٢] قَالَ: «قَالُوا: أَيْنَ سَلْمَانُ؟ أَيْنَ خَبَّابٌ؟ أَيْنَ بِلَالٌ؟»
٢٠ / ١٣٦
وَقَوْلُهُ: ﴿أَتَّخَذْنَاهُمْ سُخْرِيًّا﴾ [ص: ٦٣] اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَتِهِ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَالشَّامِ وَبَعْضُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ: ﴿أَتَّخَذْنَاهُمْ﴾ [ص: ٦٣] بِفَتْحِ الْأَلِفِ مِنْ «أَتَّخَذْنَاهُمْ»،
٢٠ / ١٣٦
وَقَطْعِهَا عَلَى وَجْهِ الِاسْتِفْهَامِ، وَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ وَبَعْضُ قُرَّاءِ مَكَّةَ بِوَصْلِ الْأَلِفِ مِنَ الْأَشْرَارِ: (آتَّخَذْنَاهُمْ) وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى قَبْلُ، أَنَّ كُلَّ اسْتِفْهَامٍ كَانَ بِمَعْنَى التَّعَجُّبِ وَالتَّوْبِيخِ فَإِنَّ الْعَرَبَ تَسْتَفْهِمُ فِيهِ أَحْيَانًا، وَتُخْرِجْهُ عَلَى وَجْهِ الْخَبَرِ أَحْيَانًا وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَهُ بِالْوَصْلِ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ الِاسْتِفْهَامِ، لِتَقَدُّمِ الِاسْتِفْهَامِ قَبْلَ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: ﴿مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا﴾ [ص: ٦٢] فَيَصِيرُ قَوْلُهُ: أَتَّخَذْنَاهُمْ بِالْخَبَرِ أَوْلَى وَإِنْ كَانَ لِلِاسْتِفْهَامِ وَجْهٌ مَفْهُومٌ لِمَا وَصَفْتُ قَبْلُ مِنْ أَنَّهُ بِمَعْنَى التَّعَجُّبِ وَإِذْ كَانَ الصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي ذَلِكَ مَا اخْتَرْنَا لِمَا وَصَفْنَا، فَمَعْنَى الْكَلَامِ: وَقَالَ الطَّاغُونَ: مَا لَنَا لَا نَرَى سَلْمَانَ وَبِلَالًا وَخَبَّابًا الَّذِينَ كُنَّا نَعُدُّهُمْ فِي الدُّنْيَا أَشْرَارًا، أَتَّخَذْنَاهُمْ فِيهَا سُخْرِيًّا نَهْزَأُ بِهِمْ فِيهَا مَعَنَا الْيَوْمَ فِي النَّارِ؟ وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْعَرَبِيَّةِ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ يَقُولُ: مَنْ كَسَرَ السِّينَ مِنَ السِّخْرِي، فَإِنَّهُ يُرِيدُ بِهِ الْهُزْءَ، يُرِيدُ يَسْخَرُ بِهِ، وَمَنْ ضَمَّهَا فَإِنَّهُ يَجْعَلُهُ مِنَ السُّخْرَةِ، يَسْتَسْخِرُونَهُمْ: يَسْتَذِلُّونَهُمْ، أَزَاغَتْ عَنْهُمْ أَبْصَارُنَا وَهُمْ مَعَنَا وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٠ / ١٣٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ﴿أَتَّخَذْنَاهُمْ سُخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ﴾ [ص: ٦٣] يَقُولُ: «أَهُمْ فِي النَّارِ لَا نَعْرِفُ مَكَانَهُمْ؟»
٢٠ / ١٣٨
وَحُدِّثْتُ عَنِ الْمُحَارِبِيِّ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، ﴿وَقَالُوا مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرَارِ﴾ [ص: ٦٢] قَالَ: «هُمْ قَوْمٌ كَانُوا يَسْخَرُونَ مِنْ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ، فَانْطُلِقَ بِهِ وَبِأَصْحَابِهِ إِلَى الْجَنَّةِ وَذُهِبَ بِهِمْ إِلَى النَّارِ فَ ﴿قَالُوا مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرَارِ أَتَّخَذْنَاهُمْ سُخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ﴾ [ص: ٦٣] يَقُولُونَ: أَزَاغَتْ أَبْصَارُنَا عَنْهُمْ فَلَا نَدْرِي أَيْنَ هُمْ؟»
٢٠ / ١٣٨
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿أَتَّخَذْنَاهُمْ سُخْرِيًّا﴾ [ص: ٦٣] قَالَ: «أَخْطَأْنَاهُمْ ﴿أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ﴾ [ص: ٦٣] وَلَا نَرَاهُمْ؟»
٢٠ / ١٣٨
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَقَالُوا مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرَارِ﴾ [ص: ٦٢] قَالَ: «فَقَدُوا أَهْلَ الْجَنَّةَ» ﴿أَتَّخَذْنَاهُمْ سُخْرِيًّا﴾ [ص: ٦٣] فِي الدُّنْيَا ﴿أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ﴾ [ص: ٦٣] «وَهُمْ مَعَنَا فِي النَّارِ»
٢٠ / ١٣٨
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ﴾ [ص: ٦٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ هَذَا الَّذِي أَخْبَرْتُكُمْ أَيُّهَا ⦗١٣٩⦘ النَّاسُ مِنَ الْخَبَرِ عَنْ تُرَاجِعِ أَهْلِ النَّارِ، وَلَعْنِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا، وَدُعَاءِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ فِي النَّارِ لَحَقٌّ يَقِينٌ، فَلَا تَشُكُّوا فِي ذَلِكَ، وَلَكِنِ اسْتَيْقِنُوهُ تَخَاصُمَ أَهْلِ النَّارِ
٢٠ / ١٣٨
وَقَوْلُهُ: ﴿تَخَاصُمُ﴾ [ص: ٦٤] رَدٌّ عَلَى قَوْلِهِ: ﴿لَحَقٌّ﴾ [يونس: ٥٣] وَمَعْنَى الْكَلَامِ: إِنَّ تَخَاصُمَ أَهْلِ النَّارِ الَّذِي أَخْبَرْتُكُمْ بِهِ لَحَقٌّ وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ يُوَجِّهُ مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ﴾ [ص: ٦٣] إِلَى: بَلْ زَاغَتْ عَنْهُمْ
٢٠ / ١٣٩
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ﴾ [ص: ٦٤] فَقَرَأَ: ﴿تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الشعراء: ٩٨] وَقَرَأَ: ﴿يَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا﴾ [الأنعام: ٢٢] حَتَّى بَلَغَ: ﴿إِنْ كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ﴾ [يونس: ٢٩] قَالَ: «إِنْ كُنْتُمْ تَعْبُدُونَنَا كَمَا تَقُولُونَ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ، مَا كُنَّا نَسْمَعُ وَلَا نُبْصُرُ، قَالَ: وَهَذِهِ الْأَصْنَامُ، قَالَ: هَذِهِ خُصُومَةُ أَهْلِ النَّارِ» وَقَرَأَ: ﴿وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ﴾ [الأنعام: ٢٤] قَالَ: «وَضَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ فِي الدُّنْيَا»
٢٠ / ١٣٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا مُنْذِرٌ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: ﴿قُلْ﴾ [البقرة: ٨٠] يَا مُحَمَّدُ لِمُشْرِكِي قَوْمِكَ. ﴿إِنَّمَا أَنَا مُنْذِرٌ﴾ [ص: ٦٥] لَكُمْ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ، أُنْذِرُكُمْ عَذَابَ اللَّهِ وَسَخَطَهُ أَنْ يَحِلَّ بِكُمْ عَلَى كُفْرِكُمْ بِهِ، فَاحْذَرُوهُ وَبَادِرُوا حُلُولَهُ بِكُمْ بِالتَّوْبَةِ ﴿وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ﴾ [ص: ٦٥] يَقُولُ: وَمَا مِنْ مَعْبُودٍ تَصْلُحُ لَهُ الْعِبَادَةُ، وَتَنْبَغِي
٢٠ / ١٣٩
لَهُ الرُّبُوبِيَّةُ، إِلَّا اللَّهَ الَّذِي يَدِينُ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ، وَيَعْبُدُهُ كُلُّ خَلْقٍ، الْوَاحِدُ الَّذِي لَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لَهُ فِي مُلْكِهِ شَرِيكٌ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ لَهُ صَاحِبَةٌ، الْقَهَّارُ لِكُلِّ مَا دُونَهُ بِقُدْرَتِهِ، رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، يَقُولُ: مَالِكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا مِنَ الْخَلْقِ؛ يَقُولُ: فَهَذَا الَّذِي هَذِهِ صِفَتُهُ، هُوَ الْإِلَهُ الَّذِي لَا إِلَهَ سِوَاهُ، لَا الَّذِي لَا يَمْلِكُ شَيْئًا، وَلَا يَضُرُّ، وَلَا يَنْفَعُ
٢٠ / ١٤٠
وَقَوْلُهُ: ﴿الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ﴾ [ص: ٦٦] يَقُولُ: الْعَزِيزُ فِي نَقْمَتِهِ مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ بِهِ، الْمُدَّعِينَ مَعَهُ إِلَهًا غَيْرَهُ، الْغَفَّارُ لِذُنُوبِ مَنْ تَابَ مِنْهُمْ وَمِنْ غَيْرِهِمْ مِنْ كُفِرِهِ وَمَعَاصِيهِ، فَأَنَابَ إِلَى الْإِيمَانِ بِهِ، وَالطَّاعَةِ لَهُ بِالِانْتِهَاءِ إِلَى أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ
٢٠ / ١٤٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ مَا كَانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى إِذْ يَخْتَصمُونَ إِنْ يُوحَى إِلَيَّ إِلَّا أَنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ﴾ [ص: ٦٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: ﴿قُلْ﴾ [البقرة: ٨٠] يَا مُحَمَّدُ لِقَوْمِكَ الْمُكَذِّبِيكَ فِيمَا جِئْتَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مِنْ هَذَا الْقُرْآنِ، الْقَائِلِينَ لَكَ فِيهِ: إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ ﴿هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ﴾ [ص: ٦٧] يَقُولُ: هَذَا الْقُرْآنُ خَبَرٌ عَظِيمٌ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٠ / ١٤٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ وَاصِلٍ الْأَسَدِيُّ، قَالَ: ثنا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ شِبْلِ بْنِ عَبَّادٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ أَنْتُمْ عَنْهُ ⦗١٤١⦘ مُعْرِضُونَ﴾ [ص: ٦٨] قَالَ: «الْقُرْآنُ»
٢٠ / ١٤٠
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ شُرَيْحٍ، أَنَّ رَجُلًا قَالَ لَهُ: أَتَقْضِي عَلَيَّ بِالنَّبَأِ؟ قَالَ: فَقَالَ لَهُ شُرَيْحٌ: «أَوَلَيْسَ الْقُرْآنُ نَبَأٌ؟» قَالَ: وَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ﴾ [ص: ٦٧] قَالَ: «وَقَضَى عَلَيْهِ»
٢٠ / ١٤١
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَوْلُهُ: ﴿قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ﴾ [ص: ٦٨] قَالَ: «الْقُرْآنُ»
٢٠ / ١٤١
وَقَوْلُهُ: ﴿أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ﴾ [ص: ٦٨] يَقُولُ: أَنْتُمْ عَنْهُ مُنْصَرِفُونَ لَا تَعْمَلُونَ بِهِ، وَلَا تُصَدِّقُونَ بِمَا فِيهِ مِنْ حِجَجِ اللَّهِ وَآيَاتِهِ
٢٠ / ١٤١
وَقَوْلُهُ: ﴿مَا كَانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى﴾ [ص: ٦٩] يَقُولُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِمُشْرِكِي قَوْمِكَ: ﴿مَا كَانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَأِ الْأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ﴾ فِي شَأْنِ آدَمَ مِنْ قَبْلُ أَنْ يُوحِيَ إِلَيَّ رَبِّي فَيُعَلِّمُنِي ذَلِكَ، يَقُولُ: فَفِي إِخْبَارِي لَكُمْ عَنْ ذَلِكَ دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى أَنَّ هَذَا الْقُرْآنَ وَحْيٌ مِنَ اللَّهِ وَتَنْزِيلٌ مِنْ عِنْدِهِ، لِأَنَّكُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ عِلْمَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ عِنْدِي قَبْلَ نُزُولِ هَذَا الْقُرْآنِ، وَلَا هُوَ مِمَّا شَاهَدْتُهُ فَعَايَنْتُهُ، وَلَكِنِّي عَلِمْتُ ذَلِكَ بِإِخْبَارِ اللَّهِ إِيَّايَ بِهِ ⦗١٤٢⦘ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٠ / ١٤١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿مَا كَانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ﴾ [ص: ٦٩] قَالَ: «الْمَلَأُ الْأَعْلَى: الْمَلَائِكَةُ حِينَ شُووِرُوا فِي خَلْقِ آدَمَ، فَاخْتَصَمُوا فِيهِ، وَقَالُوا: لَا تَجْعَلْ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً»
٢٠ / ١٤٢
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، ﴿بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ﴾ [ص: ٦٩] ” هُوَ: ﴿إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ [البقرة: ٣٠]
٢٠ / ١٤٢
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿مَا كَانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى﴾ [ص: ٦٩] قَالَ: «هُمُ الْمَلَائِكَةُ، كَانَتْ خُصُومَتُهُمْ فِي شَأْنِ آدَمَ حِينَ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ»: ﴿إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ﴾ [ص: ٧١] . . حَتَّى بَلَغَ ﴿سَاجِدِينَ﴾ [ص: ٧٢] وَحِينَ قَالَ: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ [البقرة: ٣٠] . . . حَتَّى بَلَغَ ﴿وَيُسْفِكُ الدِّمَاءَ﴾ [البقرة: ٣٠] فَفِي هَذَا اخْتَصَمَ الْمَلَأُ الْأَعْلَى “
٢٠ / ١٤٢
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنْ يُوحَى إِلَيَّ إِلَّا أَنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ﴾ [ص: ٧٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِمُشْرِكِي قُرَيْشٍ: مَا يُوحِي اللَّهُ إِلَيَّ عِلْمَ مَا لَا عِلْمَ لِي بِهِ، مِنْ نَحْوِ الْعِلْمِ بِالْمَلَأِ الْأَعْلَى وَاخْتِصَامِهِمْ فِي أَمْرِ آدَمَ إِذَا أَرَادَ خَلْقَهُ، إِلَّا لِأَنِّي إِنَّمَا أَنَا
٢٠ / ١٤٢
نَذِيرٌ مُبِينٌ؛ فأَنَّمَا عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ فِي مَوْضِعِ خَفْضٍ عَلَى قَوْلِ مَنْ كَانَ يَرَى أَنَّ مِثْلَ هَذَا الْحَرْفِ الَّذِي ذَكَرْنَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْ حَرْفٍ خَافِضٍ، فَسَوَاءٌ إِسْقَاطُ خَافِضِهِ مِنْهُ وَإِثْبَاتُهُ وَإِمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ رَأَى أَنَّ مِثْلَ هَذَا يُنْصَبُ إِذَا أُسْقِطَ مِنْهُ الْخَافِضُ، فَإِنَّهُ عَلَى مُذْهَبِهِ نُصَبَ، وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَقَدْ يَتَّجِهُ لِهَذَا الْكَلَامِ وَجْهٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ: مَا يُوحِي اللَّهُ إِلَى إِنْذَارِكُمْ، وَإِذَا وَجْهُ الْكَلَامِ إِلَى هَذَا الْمَعْنَى، كَانَتْ إِنَّمَا فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ، لِأَنَّ الْكَلَامَ يَصِيرُ حِينَئِذٍ بِمَعْنَى: مَا يُوحَى إِلَيَّ إِلَّا الْإِنْذَارُ
٢٠ / ١٤٣
قَوْلِهِ: ﴿إِلَّا أَنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ﴾ [ص: ٧٠] يَقُولُ: إِلَّا أَنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ مُبِينٌ لَكُمْ إِلَّا إِنْذَارُكُمْ وَقِيلَ: إِلَّا أَنَّمَا أَنَا، وَلَمْ يَقُلْ: إِلَّا أَنَّمَا أَنَّكَ، وَالْخَبَرُ مِنْ مُحَمَّدٍ عَنِ اللَّهِ، لِأَنَّ الْوَحْيَ قَوْلٌ، فَصَارَ فِي مَعْنَى الْحِكَايَةِ، كَمَا يُقَالُ فِي الْكَلَامِ: أَخْبَرُونِي أَنِّي مُسِيءٌ، وَأَخْبَرُونِي أَنَّكَ مُسِيءٌ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الرجز] رَجْلَانِ مِنْ ضَبَّةَ أَخْبَرَانَا … أَنَّا رَأَيْنَا رَجُلًا عُرْيَانَا
بِمَعْنَى: أَخَبْرَانَا أَنَّهُمَا رَأَيَا، وَجَازَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْخَبَرَ أَصْلُهُ حِكَايَةٌ
[البحر الرجز] رَجْلَانِ مِنْ ضَبَّةَ أَخْبَرَانَا … أَنَّا رَأَيْنَا رَجُلًا عُرْيَانَا
بِمَعْنَى: أَخَبْرَانَا أَنَّهُمَا رَأَيَا، وَجَازَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْخَبَرَ أَصْلُهُ حِكَايَةٌ
٢٠ / ١٤٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ ⦗١٤٤⦘ طِينٍ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾ [ص: ٧٢] وَقَوْلُهُ: ﴿إِذْ قَالَ رَبُّكَ﴾ [ص: ٧١] مِنْ صِلَةِ قَوْلِهِ: ﴿إِذْ يَخْتَصِمُونَ﴾ [آل عمران: ٤٤] وَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ: مَا كَانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَأ الْأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ حِينَ قَالَ رَبُّكَ يَا مُحَمَّدُ ﴿لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ﴾ [ص: ٧١] يَعْنِي بِذَلِكَ خَلْقَ آدَمَ
٢٠ / ١٤٣
وَقَوْلُهُ: ﴿فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي﴾ [الحجر: ٢٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَإِذَا سَوَّيْتُ خَلْقَهُ، وَعَدَّلْتُ صُورَتَهُ، وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي، قِيلَ: عُنِيَ بِذَلِكَ: وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ قُدْرَتِي
٢٠ / ١٤٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حُدِّثْتُ عَنِ الْمُسَيَّبِ بْنِ شَرِيكٍ، عَنْ أَبِي رَوْقٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ ﴿وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي﴾ [الحجر: ٢٩] قَالَ: «مِنْ قُدْرَتِي»
٢٠ / ١٤٤
﴿فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ﴾ [الحجر: ٢٩] يَقُولُ: فَاسْجُدُوا لَهُ وَخِرُّوا لَهُ سُجَّدًا
٢٠ / ١٤٤
وَقَوْلُهُ: ﴿فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ﴾ [الحجر: ٣٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَلَمَّا سَوَّى اللَّهُ خَلْقَ ذَلِكَ الْبَشَرِ وَهُوَ آدَمُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ، سَجَدَ لَهُ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ، يَعْنِي بِذَلِكَ: الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴿إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ﴾ [ص: ٧٤] يَقُولُ: غَيْرَ إِبْلِيسَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَسْجُدْ، اسْتَكْبَرَ عَنِ السُّجُودِ لَهُ تَعَظُّمًا وَتَكَبُّرًا ﴿وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾ [البقرة: ٣٤] يَقُولُ: وَكَانَ بِتَعَظُّمِهِ ذَلِكَ، وَتَكَبُّرِهِ عَلَى رَبِّهِ وَمَعْصِيَتِهِ أَمْرَهُ، مِمَّنْ كَفَرَ فِي عِلْمِ اللَّهِ السَّابِقِ، فَجَحَدَ رُبُوبِيَّتَهُ، وَأَنْكَرَ مَا عَلَيْهِ ⦗١٤٥⦘ الْإِقْرَارُ لَهُ بِهِ مِنَ الْإِذْعَانِ بِالطَّاعَةِ
٢٠ / ١٤٤
كَمَا: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ فِي: ﴿إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾ [ص: ٧٤] قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «كَانَ فِي عِلْمِ اللَّهِ مِنَ الْكَافِرِينَ»
٢٠ / ١٤٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ﴾ [ص: ٧٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿قَالَ﴾ [البقرة: ٣٠] اللَّهُ لِإِبْلِيسَ، إِذْ لَمْ يَسْجُدْ لِآدَمَ، وَخَالَفَ أَمْرَهُ: ﴿يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ﴾ [ص: ٧٥] يَقُولُ: أَيُّ شَيْءٍ مَنَعَكَ مِنَ السُّجُودِ ﴿لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ﴾ [ص: ٧٥] يَقُولُ: لِخَلْقِ يَدَيَّ؛ يُخْبِرُ تَعَالَى ذِكْرُهُ بِذَلِكَ أَنَّهُ خَلَقَ آدَمَ بِيَدَيْهِ
٢٠ / ١٤٥
كَمَا: حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدٌ الْمُكْتِبُ، قَالَ: سَمِعْتُ مُجَاهِدًا يُحَدِّثُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: “خَلَقَ اللَّهُ أَرْبَعَةً بِيَدِهِ: الْعَرْشُ، وَعَدْنُ، وَالْقَلَمُ، وَآدَمُ، «ثُمَّ قَالَ لِكُلِّ شَيْءٍ كُنْ فَكَانَ»
٢٠ / ١٤٥
وَقَوْلُهُ: ﴿أَسْتَكْبَرْتَ﴾ [ص: ٧٥] يَقُولُ لِإِبْلِيسَ: تَعَظَّمْتَ عَنِ السُّجُودِ لِآدَمَ، فَتَرَكْتَ السُّجُودَ لَهُ اسْتِكْبَارًا عَلَيْهِ، وَلَمْ تَكُنْ مِنَ الْمُتَكَبِّرِينَ الْعَالِينَ قَبْلَ ذَلِكَ ﴿أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ﴾ [ص: ٧٥] يَقُولُ: أَمْ كُنْتَ كَذَلِكَ مِنْ قَبْلُ ذَا عُلُوٍّ وَتَكَبُّرٍ عَلَى رَبِّكَ ﴿قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ﴾ [الأعراف: ١٢] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: قَالَ إِبْلِيسُ لِرَبِّهِ: فَعَلْتَ ذَلِكَ فَلَمْ أَسْجُدْ لِلَّذِي أَمَرْتَنِي بِالسُّجُودِ لَهُ لِأَنِّي خَيْرٌ مِنْهُ وَكُنْتُ خَيْرًا لِأَنَّكَ
٢٠ / ١٤٥
خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ، وَالنَّارُ تَأْكُلُ الطِّينَ وَتُحْرِقُهُ، فَالنَّارُ خَيْرٌ مِنْهُ، يَقُولُ: لَمْ أَفْعَلْ ذَلِكَ اسْتِكْبَارًا عَلَيْكَ، وَلَا لِأَنِّي كُنْتُ مِنَ الْعَالِينَ، وَلَكِنِّي فَعَلْتُهُ مِنْ أَجْلِ أَنِّي أَشْرَفُ مِنْهُ؛ وَهَذَا تَقْرِيعٌ مِنَ اللَّهِ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمُحَمَّدٍ ﷺ، وَأَبَوْا الِانْقِيَادَ لَهُ، وَاتِّبَاعَ مَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ اسْتِكْبَارًا عَنْ أَنْ يَكُونُوا تَبَعًا لِرَجُلٍ مِنْهُمْ حِينَ قَالُوا: ﴿أَؤُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا﴾ وَ﴿هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ﴾ [الأنبياء: ٣] فَقَصَّ عَلَيْهِمْ تَعَالَى ذِكْرُهُ قِصَّةَ إِبْلِيسَ وَإِهْلَاكِهِ بِاسْتِكْبَارِهِ عَنِ السُّجُودِ لِآدَمَ بِدَعْوَاهُ أَنَّهُ خَيْرٌ مِنْهُ، مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ خُلِقَ مِنْ نَارٍ، وَخُلِقَ آدَمُ مِنْ طِينٍ، حَتَّى صَارَ شَيْطَانًا رَجِيمًا، وَحَقَّتْ عَلَيْهِ مِنَ اللَّهِ لَعْنَتُهُ، مُحَذِّرَهُمْ بِذَلِكَ أَنْ يَسْتَحِقُّوا بِاسْتِكْبَارِهِمْ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَتَكْذِيبِهِمْ إِيَّاهُ فِيمَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ حَسَدًا وَتَعَظُّمًا مِنَ اللَّعْنِ وَالسَّخْطِ مَا اسْتَحَقَّهُ إِبْلِيسُ بِتَكَبُّرِهِ عَنِ السُّجُودِ لِآدَمَ
٢٠ / ١٤٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ [ص: ٧٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِإِبْلِيسَ: ﴿فَاخْرُجْ مِنْهَا﴾ [الحجر: ٣٤] يَعْنِي مِنَ الْجَنَّةِ ﴿فَإِنَّكَ رَجِيمٌ﴾ [الحجر: ٣٤] يَقُولُ: فَإِنَّكَ مَرْجُومٌ بِالْقَوْمِ، مَشْتُومٌ مَلْعُونٌ
٢٠ / ١٤٦
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿فَاخْرُجْ مِنْهَا ⦗١٤٧⦘ فَإِنَّكَ رَجِيمٌ﴾ [ص: ٧٧] قَالَ: «وَالرَّجِيمُ: اللَّعِينُ» حُدِّثْتُ عَنِ الْمُحَارِبِيِّ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، بِمِثْلُهُ
٢٠ / ١٤٦
وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي﴾ [ص: ٧٨] يَقُولُ: وَإِنَّ لَكَ طَرْدِي مِنَ الْجَنَّةِ ﴿إِلَى يَوْمِ الدِّينِ﴾ [الحجر: ٣٥] يَعْنِي: إِلَى يَوْمِ مُجَازَاةِ الْعِبَادِ وَمُحَاسَبَتِهِمْ ﴿قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يَبْعَثُونَ﴾ [الحجر: ٣٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ إِبْلِيسُ لِرَبِّهِ: رَبِّ فَإِذْ لَعَنْتَنِي، وَأَخْرَجْتَنِي مِنْ جَنَّتِكَ ﴿فَأَنْظِرْنِي﴾ [الأعراف: ١٤] يَقُولُ: فَأَخِّرْنِي فِي الْأَجَلِ، وَلَا تُهْلِكْنِي ﴿إِلَى يَوْمِ يَبْعَثُونَ﴾ [الأعراف: ١٤] يَقُولُ: إِلَى يَوْمِ تَبْعَثُ خَلْقَكَ مِنْ قُبُورِهِمْ
٢٠ / ١٤٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ﴾ [ص: ٨١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ اللَّهُ لِإِبْلِيسَ: فَإِنَّكَ مِمَّنْ أَنْظَرْتُهُ إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ، وَذَلِكَ الْوَقْتُ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ أَجَلًا لِهَلَاكِهِ وَقَدْ بَيَّنْتُ وَقْتَ ذَلِكَ فِيمَا مَضَى عَلَى اخْتِلَافِ أَهْلِ الْعِلْمِ فِيهِ وَقَالَ: ﴿فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ [ص: ٨٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ إِبْلِيسُ: فَبِعِزَّتِكَ: أَيْ بِقُدْرَتِكَ وَسُلْطَانِكَ وَقَهْرِكَ مَا دُونَكَ مِنْ خَلْقِكَ ﴿لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ [ص: ٨٢] يَقُولُ: لَأُضِلَّنَّ بَنِي آدَمَ أَجْمَعِينَ ﴿إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ﴾ [الحجر: ٤٠] يَقُولُ: إِلَّا مَنْ أَخْلَصْتَهُ مِنْهُمْ لِعِبَادَتِكَ، وَعَصَمْتَهُ مِنْ إِضْلَالِي، فَلَمْ تَجْعَلْ لِي عَلَيْهِ سَبِيلًا، فَإِنِّي لَا أَقْدِرُ عَلَى إِضْلَالِهِ وَإِغْوَائِهِ
٢٠ / ١٤٧
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ [ص: ٨٢] قَالَ: «عَلِمَ عَدُوُّ اللَّهِ أَنَّهُ لَيْسَتْ لَهُ عِزَّةٌ»
٢٠ / ١٤٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ﴾ [ص: ٨٥] اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ﴾ [ص: ٨٤] فَقَرَأَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْحِجَازِ وَعَامَّةُ الْكُوفِيِّينَ بِرَفْعِ الْحَقِّ الْأَوَّلِ، وَنَصْبِ الثَّانِي وَفِي رَفْعِ الْحَقِّ الْأَوَّلِ إِذَا قُرِئَ كَذَلِكَ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا رَفْعُهُ بِضَمِيرٍ لِلَّهِ الْحَقُّ، أَوْ أَنَا الْحَقُّ وَأَقُولُ الْحَقَّ وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مَرْفُوعًا بِتَأْوِيلِ قَوْلِهِ: ﴿لَأَمْلَأَنَّ﴾ [الأعراف: ١٨] فَيَكُونُ مَعْنَى الْكَلَامِ حِينَئِذٍ: فَالْحَقُ أَنْ أَمْلَأَ جَهَنَّمَ مِنْكَ، كَمَا يَقُولُ: عَزْمَةٌ صَادِقَةٌ لَآتِيَنَّكَ، فَرَفَعَ عَزْمَةً بِتَأْوِيلِ لَآتِيَنَّكَ، لِأَنَّ تَأْوِيلَهُ أَنْ آتِيَكَ، كَمَا قَالَ: ﴿ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ لَيَسْجُنَنَّهُ﴾ [يوسف: ٣٥] فَلَا بُدَّ لِقَوْلِهِ: ﴿بَدَا لَهُمْ﴾ [الأنعام: ٢٨] مِنْ مَرْفُوعٍ، وَهُوَ مُضْمَرٌ فِي الْمَعْنَى وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ وَبَعْضُ الْمَكِّيِّينَ وَالْكُوفِيِّينَ بِنَصْبِ الْحَقِّ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي كِلَيْهِمَا، بِمَعْنَى: حَقًّا لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ وَالْحَقَّ أَقُولُ، ثُمَّ أُدْخِلَتِ الْأَلِفُ وَاللَّامُ عَلَيْهِ، وَهُوَ مَنْصُوبٌ، لِأَنَّ دُخُولَهُمَا إِذَا كَانَ كَذَلِكَ مَعْنَى الْكَلَامِ وَخُرُوجَهُمَا مِنْهُ سَوَاءٌ، كَمَا سَوَاءٌ قَوْلُهُمْ: حَمْدًا لِلَّهِ، وَالْحَمْدَ لِلَّهِ عِنْدَهُمْ إِذَا نَصَبَ وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ نَصَبُهُ عَلَى وَجْهِ الْإِغْرَاءِ بِمَعْنَى: الْزَمُوا الْحَقَّ،
٢٠ / ١٤٨
وَاتَّبِعُوا الْحَقَّ، وَالْأَوَّلُ أَشْبَهُ لِأَنَّهُ خِطَابٌ مِنَ اللَّهِ لِإِبْلِيسَ بِمَا هُوَ فَاعِلٌ بِهِ وَبِتُبَّاعِهِ وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مُسْتَفِيضَتَانِ فِي قَرَأَةِ الْأَمْصَارِ، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ لِصِحَّةِ مَعْنَيَيْهِمَا وَأَمَّا الْحَقُّ الثَّانِي، فَلَا اخْتِلَافَ فِي نَصْبِهِ بَيْنَ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ كُلِّهُمْ، بِمَعْنَى: وَأَقُولُ الْحَقَّ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٠ / ١٤٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿فَالْحَقُ وَالْحَقَّ أَقُولُ﴾ [ص: ٨٤] «يَقُولُ اللَّهُ: أَنَا الْحَقُّ، وَالْحَقَّ أَقُولُ»
٢٠ / ١٤٩
وَحُدِّثْتُ عَنِ ابْنِ أَبِي زَائِدَةَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ﴿فَالْحَقُ وَالْحَقَّ أَقُولُ﴾ [ص: ٨٤] «يَقُولُ اللَّهُ: الْحَقُّ مِنِّي، وَأَقُولُ الْحَقَّ»
٢٠ / ١٤٩
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: ثنا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا حَجَّاجٌ، عَنْ هَارُونَ، قَالَ: ثنا أَبَانُ بْنُ تَغْلِبَ، عَنْ طَلْحَةَ الْيَامِيِّ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «أَنَّهُ قَرَأَهَا ﴿فَالْحَقُ﴾ [ص: ٨٤] بِالرَّفْعِ ﴿وَالْحَقَّ أَقُولُ﴾ [ص: ٨٤] نَصْبًا وَقَالَ: يَقُولُ اللَّهُ: أَنَا الْحَقُّ، وَالْحَقَّ أَقُولُ»
٢٠ / ١٤٩
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، فِي قَوْلِهِ: ﴿الْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ﴾ قَالَ: «قَسَمٌ أَقْسَمَ اللَّهُ بِهِ»
٢٠ / ١٤٩
وَقَوْلُهُ: ﴿لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ﴾ [ص: ٨٥] يَقُولُ لِإِبْلِيسَ: لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْ بَنِي آدَمَ أَجْمَعِينَ
٢٠ / ١٥٠
وَقَوْلُهُ: ﴿قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ﴾ [الفرقان: ٥٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِمُشْرِكِي قَوْمِكَ، الْقَائِلِينَ لَكَ ﴿أَؤُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنَنَا﴾ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَى هَذَا الذِّكْرِ وَهُوَ الْقُرْآنُ الَّذِي أَتَيْتُكُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ أَجْرًا، يَعْنِي: ثَوَابًا وَجَزَاءً ﴿وَمَا أَنَا مِنُ الْمُتَكَلِّفِينَ﴾ [ص: ٨٦] يَقُولُ: وَمَا أَنَا مِمَّنْ يَتَكَلَّفُ تَخَرُّصُهَ وَافْتِرَاءَهُ، فَتَقُولُونَ: ﴿إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ﴾ [الفرقان: ٤] وَ﴿إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ﴾ [ص: ٧]
٢٠ / ١٥٠
كَمَا: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنُ الْمُتَكَلِّفِينَ﴾ [ص: ٨٦] قَالَ: «لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَى الْقُرْآنِ أَجْرًا تَعْطُونِّي شَيْئًا، وَمَا أَنَا مِنُ الْمُتَكَلِّفِينَ أَتَخَرَّصُ وَأَتَكَلَّفُ مَا لَمْ يَأْمُرْنِي اللَّهُ بِهِ»
٢٠ / ١٥٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ﴾ [ص: ٨٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: قُلْ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ قَوْمِكَ: ﴿إِنْ هُوَ﴾ [الأنعام: ٩٠] يَعْنِي: مَا هَذَا الْقُرْآنُ ﴿إِلَّا ذِكْرٌ﴾ [يوسف: ١٠٤] يَقُولُ: إِلَّا تَذْكِيرٌ مِنَ اللَّهِ ﴿لِلْعَالَمِينَ﴾ [آل عمران: ٩٦] مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ، ذَكَّرَهُمْ رَبُّهُمْ إِرَادَةَ اسْتِنْقَاذِ مَنْ آمَنَ بِهِ مِنْهُمْ مِنَ الْهَلَكَةِ
٢٠ / ١٥٠
وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ﴾ [ص: ٨٨] يَقُولُ: وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّهَا الْمُشْرِكُونَ بِاللَّهِ مِنْ قُرَيْشٍ نَبَأَهُ، يَعْنِي: نَبَأَ هَذَا الْقُرْآنِ، وَهُوَ خَبَرُهُ، يَعْنِي: حَقِيقَةَ مَا فِيهِ مِنَ الْوَعْدِ ⦗١٥١⦘ وَالْوَعِيدِ بَعْدَ حِينٍ وَبِمِثْلِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٠ / ١٥٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ﴾ [ص: ٨٨] قَالَ: «صَدْقَ هَذَا الْحَدِيثِ نَبَأَ مَا كَذَّبُوا بِهِ» وَقِيلَ: ﴿نَبَأَهُ﴾ [ص: ٨٨] «حَقِيقَةَ أَمْرِ مُحَمَّدٍ ﷺ أَنَّهُ نَبِيٌّ» ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي مُدَّةِ الْحِينِ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: مَا هِيَ، وَمَا نِهَايَتُهَا؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: نِهَايَتُهَا الْمَوْتُ
٢٠ / ١٥١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ﴾ [ص: ٨٨] «أَيْ بَعْدَ الْمَوْتِ» وَقَالَ الْحَسَنُ: يَا ابْنَ آدَمَ عِنْدَ الْمَوْتِ يَأْتِيكَ الْخَبَرُ الْيَقِينُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَتْ نِهَايَتُهَا إِلَى يَوْمِ بَدْرٍ
٢٠ / ١٥١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ﴾ [ص: ٨٨] قَالَ: «يَوْمُ بَدْرٍ» وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَوْمُ ⦗١٥٢⦘ الْقِيَامَةِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: نَهَايَتُهَا الْقِيَامَةُ
٢٠ / ١٥١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ﴾ [ص: ٨٨] قَالَ: “يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَعْلَمُونَ نَبَأَ مَا كَذَّبُوا بِهِ بَعْدَ حِينٍ مِنَ الدُّنْيَا وَهُوَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ وَقَرَأَ: ﴿لِكُلِّ نَبَأٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾ قَالَ: «وَهَذَا أَيْضًا الْآخِرَةُ يِسْتَقِرُّ فِيهَا الْحَقُّ، وَيَبْطُلُ الْبَاطِلُ» وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ أَعْلَمَ الْمُشْرِكِينَ الْمُكَذِّبِينَ بِهَذَا الْقُرْآنِ أَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ مِنْ غَيْرِ حَدٍّ مِنْهُ لِذَلِكَ الْحِينِ بِحَدٍّ، وَقَدْ عُلِمَ نَبَأُهُ مِنْ أَحْيَائِهِمُ الَّذِينَ عَاشُوا إِلَى ظُهُورِ حَقِيقَتِهِ، وَوُضُوحِ صِحَّتِهِ فِي الدُّنْيَا، وَمِنْهُمْ مَنْ عَلِمَ حَقِيقَةَ ذَلِكَ بِهَلَاكِهِ بِبَدْرٍ وَقَبْلَ ذَلِكَ، وَلَا حَدَّ عِنْدَ الْعَرَبِ لِلْحِينِ، لَا يُجَاوِزُ وَلَا يَقْصُرُ عَنْهُ فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلَا قَوْلَ فِيهِ أَصَحُّ مِنْ أَنْ يُطْلَقَ كَمَا أَطْلَقَهُ اللَّهُ مِنْ غَيْرِ حَصْرِ ذَلِكَ عَلَى وَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ وَبِنَحْوِ الَّذِينَ قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٠ / ١٥٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ: ثنا أَيُّوبُ، قَالَ: قَالَ عِكْرِمَةُ: «سُئِلْتُ عَنْ رَجُلٍ، حَلَفَ أَنَّ لَا يَصْنَعَ كَذَا وَكَذَا إِلَى حِينٍ، فَقُلْتُ: إِنَّ مِنَ ⦗١٥٣⦘ الْحِينِ حِينًا لَا يُدْرَكُ، وَمِنَ الْحِينِ حِينٌ يُدْرَكُ، فَالْحِينُ الَّذِي لَا يُدْرَكُ قَوْلُهُ: ﴿وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ﴾ [ص: ٨٨] وَالْحِينُ الَّذِي يُدْرَكُ قَوْلُهُ: ﴿تُؤْتِي أَكْلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا﴾ [إبراهيم: ٢٥] وَذَلِكَ مِنْ حِينِ تُصْرَمُ النَّخْلَةُ إِلَى حِينِ تَطْلُعُ، وَذَلِكَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ»
٢٠ / ١٥٢