مَكِّيَّةٌ وَآيَاتُهَا أَرْبَعٌ وَخَمْسُونَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
١٩ / ٢٠٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: الشُّكْرُ الْكَامِلُ، وَالْحَمْدُ التَّامُّ كُلُّهُ لِلْمَعْبُودِ الَّذِي هُوَ مَالِكُ جَمِيعِ مَا فِي السَّمَوَاتِ السَّبْعِ، وَمَا فِي الْأَرَضِينَ السَّبْعِ دُونَ كُلِّ مَا يَعْبُدُونَهُ، وَدُونَ كُلِّ شَيْءٍ سِوَاهُ، لَا مَالِكَ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ غَيْرُهُ؛ فَالْمَعْنَى: الَّذِي هُوَ مَالِكٌ جَمِيعَهُ ﴿وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ﴾ [سبأ: ١] يَقُولُ: وَلَهُ الشُّكْرُ الْكَامِلُ فِي الْآخِرَةِ، كَالَّذِي هُوَ لَهُ ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا الْعَاجِلَةِ، لِأَنَّ مِنْهُ النِّعَمَ كُلَّهَا عَلَى كُلِّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ فِي الدُّنْيَا، وَمِنْهُ يَكُونُ ذَلِكَ فِي الْآخِرَةِ، فَالْحَمْدُ لِلَّهِ خَالِصًا دُونَ مَا سِوَاهُ فِي عَاجِلِ الدُّنْيَا، وَآجِلِ الْآخِرَةِ، لِأَنَّ النِّعَمَ كُلَّهَا مِنْ قِبَلِهِ لَا يُشْرِكُهُ فِيهَا أَحَدٌ مِنْ دُونِهِ، وَهُوَ الْحَكِيمُ فِي تَدْبِيرِهِ خَلْقَهُ وَصَرْفِهِ إِيَّاهُمْ فِي تَقْدِيرِهِ، خَبِيرٌ بِهِمْ وَبِمَا يُصْلِحُهُمْ، وَبِمَا عَمِلُوا، وَمَا هُمْ عَامِلُونَ، مُحِيطٌ بِجَمِيعِ ذَلِكَ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٩ / ٢٠٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ﴾ [سبأ: ١] «حَكِيمٌ فِي أَمْرِهِ، خَبِيرٌ بِخَلْقِهِ»
١٩ / ٢٠٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ﴾ [سبأ: ٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: يَعْلَمُ مَا يَدْخُلُ الْأَرْضَ وَمَا يَغِيبُ فِيهَا مِنْ شَيْءٍ؛ مِنْ قَوْلِهِمْ: وَلَجْتُ فِي كَذَا: إِذَا دَخَلْتُ فِيهِ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الطويل] رَأَيْتُ الْقَوَافِيَ يَتَّلِجْنَ مَوَالِجًا … تَضَايَقَ عَنْهَا أَنْ تَوَلَّجَهَا الْإِبَرْ
يَعْنِي بِقَوْلِهِ: «يَتَّلِجْنَ مَوَالِجًا»: يَدْخُلْنَ مَدَاخِلَ ﴿وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا﴾ [سبأ: ٢] يَقُولُ: وَمَا يَخْرُجُ مِنَ الْأَرْضِ ﴿وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا﴾ [سبأ: ٢] يَعْنِي: وَمَا يَصْعَدُ فِي السَّمَاءِ؛ وَذَلِكَ خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ أَنَّهُ الْعَالِمُ الَّذِي لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، مِمَّا ظَهَرَ فِيهَا وَمَا بَطَنَ ﴿وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ﴾ [سبأ: ٢] وَهُوَ الرَّحِيمُ بِأَهْلِ التَّوْبَةِ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ يُعَذِّبَهُمُ بَعْدَ تَوْبَتِهِمْ، الْغَفُورُ لِذُنُوبِهِمْ إِذَا تَابُوا مِنْهَا
[البحر الطويل] رَأَيْتُ الْقَوَافِيَ يَتَّلِجْنَ مَوَالِجًا … تَضَايَقَ عَنْهَا أَنْ تَوَلَّجَهَا الْإِبَرْ
يَعْنِي بِقَوْلِهِ: «يَتَّلِجْنَ مَوَالِجًا»: يَدْخُلْنَ مَدَاخِلَ ﴿وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا﴾ [سبأ: ٢] يَقُولُ: وَمَا يَخْرُجُ مِنَ الْأَرْضِ ﴿وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا﴾ [سبأ: ٢] يَعْنِي: وَمَا يَصْعَدُ فِي السَّمَاءِ؛ وَذَلِكَ خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ أَنَّهُ الْعَالِمُ الَّذِي لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، مِمَّا ظَهَرَ فِيهَا وَمَا بَطَنَ ﴿وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ﴾ [سبأ: ٢] وَهُوَ الرَّحِيمُ بِأَهْلِ التَّوْبَةِ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ يُعَذِّبَهُمُ بَعْدَ تَوْبَتِهِمْ، الْغَفُورُ لِذُنُوبِهِمْ إِذَا تَابُوا مِنْهَا
١٩ / ٢٠٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَيَسْتَعْجِلُكَ يَا مُحَمَّدُ الَّذِينَ جَحَدُوا قُدْرَةَ اللَّهِ عَلَى إِعَادَةِ خَلْقِهِ بَعْدَ فَنَائِهِمْ بِهَيْئَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا بِهَا مِنْ قَبْلِ فَنَائِهِمْ مِنْ قَوْمِكَ بِقِيَامِ السَّاعَةِ، اسْتِهْزَاءً بِوَعْدِكَ إِيَّاهُمْ، وَتَكْذِيبًا لِخَبَرِكَ، قُلْ لَهُمْ: بَلَى تَأْتِيكُمْ وَرَبِّي، قَسْمًا بِهِ لَتَأْتِيَنَّكُمُ السَّاعَةُ، ثُمَّ عَادَ ﷻ بَعْدَ ذِكْرِهِ السَّاعَةَ عَلَى نَفْسِهِ، وَتَمْجِيدِهَا، فَقَالَ: ﴿عَالِمِ الْغَيْبِ﴾ [الأنعام: ٧٣] وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ: (عَالِمُ الْغَيْبِ) عَلَى مِثَالِ فَاعِلِ، بِالرَّفْعِ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ، إِذْ دَخَلَ بَيْنَ قَوْلِهِ: ﴿وَرَبِّي﴾ [يونس: ٥٣]، وَبَيْنَ قَوْلِهِ: ﴿عَالِمِ الْغَيْبِ﴾ [الأنعام: ٧٣] كَلَامٌ حَائِلٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ. وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ قُرَّاءُ الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ، عَالِمَ عَلَى مِثَالِ فَاعِلِ، غَيْرَ أَنَّهُمْ خَفَضُوا عَالِمِ رَدًّا مِنْهُمْ لَهُ عَلَى قَوْلِهِ ﴿وَرَبِّي﴾ [يونس: ٥٣] إِذْ كَانَ مِنْ صِفَتِهِ وَقَرَأَ ذَلِكَ بَقِيَّةُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ
١٩ / ٢٠٩
: (عَلَّامِ الْغَيْبِ) عَلَى مِثَالِ فَعَّالِ، وَبِالْخَفْضِ رَدًّا لِإِعْرَابِهِ عَلَى أَعْرَابِ قَوْلِهِ ﴿وَرَبِّي﴾ [يونس: ٥٣] إِذْ كَانَ مِنْ نَعَتِهِ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا، أَنَّ كُلَّ هَذِهِ الْقِرَاءَاتِ الثَّلَاثِ، قِرَاءَاتٌ مَشْهُورَاتٌ فِي قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ مُتَقَارِبَاتُ الْمَعَانِي، فَبِأَيَّتِهِنَّ قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ؛ غَيْرَ أَنَّ أَعْجَبَ الْقِرَاءَاتِ فِي ذَلِكَ إِلَيَّ أَنْ أَقْرَأَ بِهَا: (عَلَّامِ الْغَيْبِ) عَلَى الْقِرَاءَةِ الَّتِي ذَكَرْتُهَا عَنْ عَامَّةِ قُرَّاءِ أَهْلِ الْكُوفَةِ؛ فَأَمَّا اخْتِيَارُ عَلَّامِ عَلَى عَالِمِ، فَلِأَنَّهَا أَبْلَغُ فِي الْمَدْحِ وَأَمَّا الْخَفْضُ فِيهَا فَلِأَنَّهَا مِنْ نَعْتِ الرَّبِّ، وَهُوَ فِي مَوْضِعِ الْجَرِّ وَعَنَى بِقَوْلِهِ: عَلَّامِ الْغَيْبِ: عَلَّامَ مَا يَغِيبُ عَنْ أَبْصَارِ الْخَلْقِ، فَلَا يَرَاهُ أَحَدٌ، إِمَّا مَا لَمْ يُكَوِّنْهُ مِمَّا سَيُكَوِّنُهُ، أَوْ مَا قَدْ كَوَّنَهُ فَلَمْ يُطْلِعْ عَلَيْهِ أَحَدًا غَيْرَهُ. وَإِنَّمَا وَصَفَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ نَفْسَهُ بِعِلْمِهِ الْغَيْبَ، إِعْلَامًا مِنْهُ خَلْقَهُ أَنَّ السَّاعَةَ لَا يَعْلَمُ وَقْتَ مَجِيئِهَا أَحَدٌ سِوَاهُ، وَإِنْ كَانَتْ جَائِيَةً، فَقَالَ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ: بَلَى وَرَبِّكُمْ لَتَأْتِيَنَّكُمُ السَّاعَةُ، وَلَكِنَّهُ لَا يَعْلَمُ وَقْتَ مَجِيئِهَا أَحَدٌ سِوَى عَلَّامِ الْغُيُوبِ، الَّذِي لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿لَا يَعْزُبُ عَنْهُ﴾ [سبأ: ٣] لَا يَغِيبُ عَنْهُ، وَلَكِنَّهُ ظَاهَرٌ لَهُ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٩ / ٢١٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿لَا يَعْزُبُ عَنْهُ﴾ [سبأ: ٣] يَقُولُ: «لَا يَغِيبُ عَنْهُ»
١٩ / ٢١١
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿لَا يَعْزُبُ عَنْهُ﴾ [سبأ: ٣] قَالَ: «لَا يَغِيبُ»
١٩ / ٢١١
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ﴾ [سبأ: ٣] أَيْ لَا يَغِيبُ عَنْهُ ” وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ بِشَوَاهِدِهِ فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ
١٩ / ٢١١
وَقَوْلُهُ: ﴿مِثْقَالُ ذَرَّةٍ﴾ [النساء: ٤٠] يَعْنِي: زِنَةُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ؛ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: لَا يَغِيبُ عَنْهُ شَيْءٌ مِنْ زِنَةِ ذَرَّةٍ فَمَا فَوْقَهَا فَمَا دُونَهَا، أَيْنَ كَانَ فِي السَّمَوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ ﴿وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ﴾ [يونس: ٦١] يَقُولُ: وَلَا يَعْزُبُ عَنْهُ أَصْغَرُ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ ﴿وَلَا أَكْبَرُ﴾ [يونس: ٦١] مِنْهُ ﴿إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾ [الأنعام: ٥٩] يَقُولُ: هُوَ مُثْبَتٌ فِي كِتَابٍ يَبِينُ لِلنَّاظِرِ فِيهِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ قَدْ أَثْبَتَهُ وَأَحْصَاهُ وَعَلِمَهُ، فَلَمْ يَعْزُبْ عَنْ عَلْمُهُ
١٩ / ٢١١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا ⦗٢١٢⦘ الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾ [سبأ: ٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَثْبَتَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ الْمُبِينِ، كَيْ يُثِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَعَمِلُوا بِمَا أَمَرَهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ بِهِ، وَانْتَهُوا عَمَّا نَهَاهُمْ عَنْهُ عَلَى طَاعَتِهِمْ رَبَّهُمْ ﴿أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ﴾ [هود: ١١] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ، مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ لِذُنُوبِهِمْ ﴿وَرُزِقٌ كَرِيمٌ﴾ [الأنفال: ٤] يَقُولُ: وَعَيْشٌ هَنِيءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي الْجَنَّةِ
١٩ / ٢١١
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ﴾ [هود: ١١] لِذُنُوبِهِمْ ﴿وَرُزِقٌ كَرِيمٌ﴾ [الأنفال: ٤] فِي الْجَنَّةِ “
١٩ / ٢١٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ﴾ [سبأ: ٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَثْبَتَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ، لِيَجْزِي الْمُؤْمِنِينَ مَا وَصَفَ، وَلِيَجْزِي الَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ؛ يَقُولُ: وَكَيْ يُثِيبُ الَّذِينَ عَمِلُوا فِي إِبْطَالِ أَدِلَّتِنَا وَحُجَجِنَا مُعَاوِنِينَ، يَحْسِبُونَ أَنَّهُمْ يَسْبِقُونَنَا بِأَنْفُسِهِمْ فَلَا نَقْدِرُ عَلَيْهِمْ ﴿أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ﴾ [آل عمران: ٩١] يَقُولُ: هَؤُلَاءِ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ شَدِيدِ الْعَذَابِ الْأَلِيمٌ؛ وَيَعْنِي بِالْأَلِيمِ: الْمُوجِعُ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٩ / ٢١٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ: ﴿وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ﴾ [سبأ: ٥] أَيْ لَا يُعْجِزُونَ ﴿أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ﴾ [سبأ: ٥] قَالَ: الرِّجْزُ: سُوءُ الْعَذَابِ، الْأَلِيمُ: الْمُوجِعُ “
١٩ / ٢١٣
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ﴾ [سبأ: ٥] قَالَ: “جَاهِدِينَ لِيُهْبِطُوهَا أَوْ يُبْطِلُوهَا، قَالَ: وَهُمُ الْمُشْرِكُونَ، وَقَرَأَ: ﴿لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ﴾ [فصلت: ٢٦]
١٩ / ٢١٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾ [سبأ: ٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَثْبَتَ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ؛ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا، وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مَا قَدْ بَيَّنَ لَهُمْ، وَلِيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ؛ فَيَرَى فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَطْفًا بِهِ عَلَى قَوْلِهِ: يَجْزِيَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [يونس: ٤] وَعَنَى بِالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ: مُسْلِمَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَّامٍ، وَنُظَرَائِهِ الَّذِينَ قَدْ قَرَؤُوا كُتُبَ اللَّهِ الَّتِي أُنْزِلَتْ قَبْلَ الْفُرْقَانِ، فَقَالَ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلِيَرَى هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ بِكِتَابِ اللَّهِ الَّذِي هُوَ التَّوْرَاةُ، الْكِتَابُ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ ⦗٢١٤⦘ وَقِيلَ: عَنَى بِالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ: أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ
١٩ / ٢١٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ﴾ [سبأ: ٦] قَالَ: «أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ»
١٩ / ٢١٤
وَقَوْلُهُ: ﴿وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾ [سبأ: ٦] يَقُولُ: وَيُرْشِدُ مَنِ اتَّبَعَهُ، وَعَمِلَ بِمَا فِيهِ إِلَى سَبِيلِ اللَّهِ الْعَزِيزِ فِي انْتِقَامِهِ مِنْ أَعْدَائِهِ، الْحَمِيدُ عِنْدَ خَلْقِهِ، فَأَيَادِيهِ عِنْدَهُمْ، وَنِعَمُهُ لَدَيْهِمْ. وَإِنَّمَا يَعْنِي أَنَّ الْكِتَابَ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ يَهْدِي إِلَى الْإِسْلَامِ
١٩ / ٢١٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ [سبأ: ٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ مُحَمَّدٍ ﷺ، مُتَعَجِّبِينَ مِنْ وَعْدِهِ إِيَّاهُمُ الْبَعْثَ بَعْدَ الْمَمَاتِ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: ﴿هَلْ نَدُلُّكُمْ﴾ [سبأ: ٧] أَيُّهَا النَّاسُ ﴿عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ [سبأ: ٧] يَقُولُ: يُخْبِرُكُمْ أَنَّكُمْ بَعْدَ تَقْطِيعِكُمْ فِي الْأَرْضِ بَلَاءً وَبَعْدَ مَصِيرِكُمْ فِي التُّرَابِ رُفَاتًا، عَائِدُونَ كَهَيْئَتِكُمْ قَبْلَ الْمَمَاتِ خَلْقًا جَدِيدًا
١٩ / ٢١٤
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ﴾ [سبأ: ٧] قَالَ: «ذَلِكَ مُشْرِكُو قُرَيْشٍ وَالْمُشْرِكُونَ مِنَ النَّاسِ» ﴿يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ﴾ [سبأ: ٧] «إِذَا أَكَلَتْكُمُ الْأَرْضُ، وَصِرْتُمْ رُفَاتًا وَعِظَامًا، وَقَطَّعَتْكُمُ السِّبَاعُ وَالطَّيْرُ» ﴿إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ [سبأ: ٧] «سَتُحْيَوْنَ وَتُبْعَثُونَ»
١٩ / ٢١٥
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ﴾ [سبأ: ٧] إِلَى ﴿خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ [سبأ: ٧] قَالَ: يَقُولُ: ﴿إِذَا مُزِّقْتُمْ﴾ [سبأ: ٧] «وَإِذَا بُلِيتُمْ وَكُنْتُمْ عِظَامًا وَتُرَابًا وَرُفَاتًا» ذَلِكَ ﴿كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلَقٍ جَدِيدٍ﴾ [سبأ: ٧] «قَالَ: يُنَبِّئُكُمْ إِنَّكُمْ» فَكَسَرَ إِنَّ وَلَمْ يُعْمِلْ يُنَبِّئُكُمْ فِيهَا، وَلَكِنِ ابْتَدَأَ بِهَا ابْتِدَاءً، لِأَنَّ النَّبَأَ خَبَرٌ وَقَوْلٌ، فَالْكَسْرُ فِي إِنَّ لِمَعْنَى الْحِكَايَةِ فِي قَوْلِهِ: ﴿يُنَبِّئُكُمْ﴾ [الأنعام: ٦٠] دُونَ لَفْظِهِ، كَأَنَّهُ قِيلَ: يَقُولُ لَكُمْ: ﴿إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ [سبأ: ٧] “
١٩ / ٢١٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَمْ بِهِ جِنَّةٌ، بَلِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلَالِ الْبَعِيدِ﴾ [سبأ: ٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُخْبِرًا عَنْ قِيلِ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَفَرُوا ⦗٢١٦⦘ بِهِ، وَأَنْكَرُوا الْبَعْثَ بَعْدَ الْمَمَاتِ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ، مُعْجَبِينَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي وَعْدِهِ إِيَّاهُمْ ذَلِكَ: أَفْتَرَى هَذَا الَّذِي يَعِدُنَا أَنَّا بَعْدَ أَنْ نُمَزَّقَ كُلَّ مُمَزَّقٍ فِي خَلْقٍ جَدِيدٍ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا، فَتَخَلَّقَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ بَاطِلًا مِنَ الْقَوْلِ، وَتَخَرَّصَ عَلَيْهِ قَوْلَ الزُّورِ ﴿أَمْ بِهِ جِنَّةٌ﴾ [سبأ: ٨] يَقُولُ: أَمْ هُوَ مَجْنُونٌ فَيَتَكَلَّمُ بِمَا لَا مَعْنَى لَهُ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٩ / ٢١٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: قَالُوا تَكْذِيبًا: ﴿أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا﴾ [سبأ: ٨] قَالَ: «قَالُوا: إِمَّا أَنْ يَكُونَ يَكْذِبُ عَلَى اللَّهِ، أَمْ بِهِ جِنَّةٌ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مَجْنُونًا ﴿بَلِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ [سبأ: ٨] الْآيَةُ»
١٩ / ٢١٦
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ؛ ” ثُمَّ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: ﴿أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَمْ بِهِ جِنَّةٌ﴾ [سبأ: ٨] الرَّجُلُ مَجْنُونُ فَيَتَكَلَّمُ بِمَا لَا يَعْقِلُ، فَقَالَ اللَّهُ: ﴿بَلِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلَالِ الْبَعِيدِ﴾ [سبأ: ٨]
١٩ / ٢١٦
وَقَوْلُهُ: ﴿بَلِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلَالِ الْبَعِيدِ﴾ [سبأ: ٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: مَا الْأَمْرُ كَمَا قَالَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ فِي مُحَمَّدٍ ﷺ، وَظَنُّوا بِهِ مِنْ أَنَّهُ أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا، أَوْ أَنَّ بِهَ جِنَّةً، لَكِنِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مِنْ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ فِي عَذَابِ اللَّهِ فِي الْآخِرَةِ، وَفِي الذَّهَابِ الْبَعِيدِ عَنْ طَرِيقِ الْحَقِّ، وَقَصْدِ ⦗٢١٧⦘ السَّبِيلِ، فَهُمْ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ يَقُولُونَ فِيهِ مَا يَقُولُونَ
١٩ / ٢١٦
حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ؛ ” قَالَ اللَّهُ: ﴿بَلِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلَالِ الْبَعِيدِ﴾ [سبأ: ٨] وَأَمَرَهُ أَنْ يَحْلِفَ لَهُمْ لِيَعْتَبِرُوا، وَقَرَأَ: ﴿قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ﴾ [التغابن: ٧] . . . . . . الْآيَةَ كُلَّهَا، وَقَرَأَ: ﴿قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ﴾ [سبأ: ٣] وَقُطِعَتِ الْأَلِفُ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ﴾ [سبأ: ٨] فِي الْقَطْعِ وَالْوَصْلِ، فَفُتِحَتْ لِأَنَّهَا أَلِفُ اسْتِفْهَامِ فَأَمَّا الْأَلِفُ الَّتِي بَعْدَهَا، الَّتِي هِيَ أَلِفُ افْتَعَلَ، فَإِنَّهَا ذَهَبَتْ لِأَنَّهَا خَفِيفَةٌ زَائِدَةٌ تَسْقُطُ فِي اتِّصَالِ الْكَلَامِ، وَنَظِيرُهَا: ﴿سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ﴾ [المنافقون: ٦]، وَ﴿بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ﴾ [ص: ٧٥] وَ﴿أَصْطَفَى الْبَنَاتِ﴾ [الصافات: ١٥٣] وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَأَمَّا أَلِفُ آلْآنَ، وَآلذَّكَرَيْنِ فَطُوِّلَتْ هَذِهِ، وَلَمْ تُطَوَّلْ تِلْكَ، لِأَنَّ الْآنَ وَالذَّكَرَيْنِ كَانَتْ مَفْتُوحَةً، فَلَوْ أُسْقِطَتْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الِاسْتِفْهَامِ وَالْخَبَرِ فَرْقٌ، فَجَعَلَ التَّطْوِيلَ فِيهَا فَرْقًا بَيْنَ الِاسْتِفْهَامِ وَالْخَبَرِ، وَأَلِفُ الِاسْتِفْهَامِ مَفْتُوحَةٌ، فَكَانَتَا مُفْتَرَقَتَيْنِ بِذَلِكَ، فَأَغْنَى ذَلِكَ دَلَالَةً عَلَى الْفَرْقِ مِنَ التَّطْوِيلِ
١٩ / ٢١٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ﴾ [سبأ: ٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَفَلَمْ يَنْظُرْ هَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبُونَ بِالْمِعَادِ، الْجَاحِدُونَ الْبَعْثَ بَعْدَ الْمَمَاتِ، الْقَائِلُونَ لِرَسُولِنَا مُحَمَّدٍ ﷺ: ﴿أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَمْ بِهِ جِنَّةٌ﴾ [سبأ: ٨] إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، فَيَعْلَمُوا أَنَّهُمْ حَيْثُ كَانُوا، فَإِنَّ أَرْضِي وَسَمَائِي مُحِيطَةٌ بِهِمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمَنْ خَلْفِهُمْ، وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ، وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ، فَيَرْتَدِعُوا عَنْ جَهْلِهِمْ، وَيَتَزَجَّرُوا عَنْ تَكْذِيبِهِمْ بِآيَاتِنَا حَذَرًا أَنْ نَأْمُرَ الْأَرْضَ فَتَخْسِفُ بِهِمْ، أَوِ السَّمَاءَ فَتَسْقُطُ عَلَيْهِ قِطَعًا، فَإِنَّا إِنْ نَشَأْ نَفْعَلْ ذَلِكَ بِهِمْ فِعْلَنَا وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٩ / ٢١٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ﴾ [سبأ: ٩] قَالَ: «يَنْظُرُونَ عَنْ أَيْمَانِهِمْ، وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ، كَيْفَ السَّمَاءُ قَدْ أَحَاطَتْ بِهِمْ ﴿إِنْ نَشَأْ نَخْسِفُ بِهِمُ الْأَرْضَ﴾ [سبأ: ٩] كَمَا خَسَفْنَا بِمَنْ كَانَ قَبْلَهُمْ ﴿أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ﴾ [سبأ: ٩] أَيْ قِطَعًا مِنَ السَّمَاءِ»
١٩ / ٢١٨
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ﴾ [سبأ: ٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ فِي ⦗٢١٩⦘ إِحَاطَةِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ بِعِبَادِ اللَّهِ ﴿لَآيَةً﴾ [البقرة: ٢٤٨] يَقُولُ: لَدَلَالَةً ﴿لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ﴾ [سبأ: ٩] يَقُولُ: لِكُلِّ عَبْدٍ أَنَابَ إِلَى رَبِّهِ بِالتَّوْبَةِ، وَرَجَعَ إِلَى مَعْرِفَةِ تَوْحِيدِهِ، وَالْإِقْرَارِ بِرُبُوبِيَّتِهِ، وَالِاعْتِرَافِ بِوَحْدَانِيَّتِهِ، وَالْإِذْعَانِ لِطَاعَتِهِ، عَلَى أَنَّ فَاعِلَ ذَلِكَ لَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ فِعْلُ شَيْءٍ أَرَادَ فِعْلَهُ، وَلَا يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ فِعْلُ شَيْءٍ شَاءَهُ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٩ / ٢١٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ﴾ [سبأ: ٩] «وَالْمُنِيبُ: الْمُقْبِلُ التَّائِبُ»
١٩ / ٢١٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَقَدْ أُعْطِينَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلًا، وَقُلْنَا لِلْجِبَالِ: ﴿أَوِّبِي مَعَهُ﴾ [سبأ: ١٠] سَبِّحِي مَعَهُ إِذَا سَبَّحَ وَالتَّأْوِيبُ عِنْدَ الْعَرَبِ: الرُّجُوعُ، وَمَبِيتُ الرَّجُلِ فِي مَنْزِلِهِ وَأَهْلِهِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
[البحر البسيط] يَوْمَانِ يَوْمُ مَقَامَاتٍ وَأَنْدِيَةٍ … وَيَوْمُ سَيْرٍ إِلَى الْأَعْدَاءِ تَأْوِيبِ،
أَيْ رُجُوعٍ. وَقَدْ كَانَ بَعْضُهُمْ يَقْرَؤُهُ: أَوِّبِي مَعَهُ مِنْ آبَ يَؤُوبُ، بِمَعْنَى: تَصَرَّفِي مَعَهُ؛ وَتِلْكَ قِرَاءَةٌ لَا أَسْتَجِيزُ الْقِرَاءَةَ بِهَا لِخِلَافِهَا قِرَاءَةَ الْحُجَّةِ ⦗٢٢٠⦘ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
[البحر البسيط] يَوْمَانِ يَوْمُ مَقَامَاتٍ وَأَنْدِيَةٍ … وَيَوْمُ سَيْرٍ إِلَى الْأَعْدَاءِ تَأْوِيبِ،
أَيْ رُجُوعٍ. وَقَدْ كَانَ بَعْضُهُمْ يَقْرَؤُهُ: أَوِّبِي مَعَهُ مِنْ آبَ يَؤُوبُ، بِمَعْنَى: تَصَرَّفِي مَعَهُ؛ وَتِلْكَ قِرَاءَةٌ لَا أَسْتَجِيزُ الْقِرَاءَةَ بِهَا لِخِلَافِهَا قِرَاءَةَ الْحُجَّةِ ⦗٢٢٠⦘ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٩ / ٢١٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: ثني مُحَمَّدُ بْنُ الصَّلْتِ، قَالَ: ثنا أَبُو كُدَيْنَةَ وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ الْقَزَّازُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ بْنُ الْحَسَنِ الْأَشْقَرُ، قَالَ: ثنا أَبُو كُدَيْنَةَ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﴿أَوِّبِي مَعَهُ﴾ [سبأ: ١٠] قَالَ: سَبِّحِي مَعَهُ “
١٩ / ٢٢٠
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ ﴿يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ﴾ [سبأ: ١٠] يَقُولُ: «سَبِّحِي مَعَهُ»
١٩ / ٢٢٠
حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعَلَائِيُّ، قَالَ: ثنا مِسْعَرٌ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ ﴿يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ﴾ [سبأ: ١٠] يَقُولُ: سَبِّحِي “
١٩ / ٢٢٠
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي مَيْسَرَةَ ﴿يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ﴾ [سبأ: ١٠] قَالَ: «سَبِّحِي، بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ»
١٩ / ٢٢٠
حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ طَلْحَةَ الْيَرْبُوعِيُّ، قَالَ: ثنا فُضَيْلٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ﴾ [سبأ: ١٠] قَالَ: سَبِّحِي مَعَهُ “
١٩ / ٢٢٠
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ﴾ [سبأ: ١٠] قَالَ: سَبِّحِي “
١٩ / ٢٢١
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ﴾ [سبأ: ١٠] «أَيْ سَبِّحِي مَعَهُ إِذَا سَبَّحَ»
١٩ / ٢٢١
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ﴾ [سبأ: ١٠] قَالَ: «سَبِّحِي مَعَهُ؛ قَالَ: وَالطَّيْرُ أَيْضًا»
١٩ / ٢٢١
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ﴾ [سبأ: ١٠] قَالَ: سَبِّحِي “
١٩ / ٢٢١
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، قَالَ: ثنا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، قَوْلُهُ: ﴿يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ﴾ [سبأ: ١٠] «سَبِّحِي مَعَهُ»
١٩ / ٢٢١
وَقَوْلُهُ: ﴿وَالطَّيْرَ﴾ [الأنبياء: ٧٩] وَفِي نَصْبِ الطَّيْرِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ زَيْدٍ مِنْ أَنَّ الطَّيْرَ نُودِيَتْ كَمَا نُودِيَتِ الْجِبَالُ، فَتَكُونُ مَنْصُوبَةً مِنْ أَجْلِ أَنَّهَا مَعْطُوفَةٌ عَلَى مَرْفُوعٍ، بِمَا لَا يَحْسِنُ إِعَادَةُ رَافِعِهِ عَلَيْهِ، فَيَكُونُ كَالْمَصْدَرِ عَنْ جِهَتِهِ، ⦗٢٢٢⦘ وَالْآخَرُ: فِعْلُ ضَمِيرٍ مَتْرُوكٍ اسْتُغْنِيَ بِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ، فَيَكُونُ مَعْنَى الْكَلَامِ: فَقُلْنَا: يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ، وَسَخَّرْنَا لَهُ الطَّيْرَ وَإِنْ رُفِعَ رَدًّا عَلَى مَا فِي قَوْلِهِ «سَبِّحِي» مِنْ ذِكْرِ الْجِبَالِ كَانَ جَائِزًا وَقَدْ يَجُوزُ رَفْعُ الطَّيْرَ وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى الْجِبَالِ، وَإِنْ لَمْ يَحْسُنْ نِدَاؤُهَا بِالَّذِي نُودِيَتْ بِهِ الْجِبَالُ، فَيَكُونُ ذَلِكَ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الوافر] أَلَا يَا عَمْرُو وَالضَّحَّاكُ سِيرَا … فَقَدْ جَاوَزْتُمَا خَمَرَ الطَّرِيقِ
[البحر الوافر] أَلَا يَا عَمْرُو وَالضَّحَّاكُ سِيرَا … فَقَدْ جَاوَزْتُمَا خَمَرَ الطَّرِيقِ
١٩ / ٢٢١
وَقَوْلُهُ: ﴿وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ﴾ [سبأ: ١٠] ذَكَرَ أَنَّ الْحَدِيدَ كَانَ فِي يَدِهِ كَالطِّينِ الْمَبْلُولِ يَصْرِفُهُ فِي يَدِهِ كَيْفَ يَشَاءُ بِغَيْرِ إِدْخَالِ نَارٍ، وَلَا ضَرْبٍ بِحَدِيدِ
١٩ / ٢٢٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ﴾ [سبأ: ١٠] «سَخَّرَ اللَّهُ لَهُ الْحَدِيدَ بِغَيْرِ نَارٍ»
١٩ / ٢٢٢
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ عَثْمَةَ، قَالَ: ثنا سَعِيدُ بْنُ بَشِيرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ﴾ [سبأ: ١٠] «كَانَ يُسَوِّيهَا بِيَدِهِ، وَلَا يُدْخِلُهَا نَارًا، وَلَا يَضْرِبُهَا بِحَدِيدَةٍ»
١٩ / ٢٢٢
وَقَوْلُهُ: ﴿أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ﴾ [سبأ: ١١] يَقُولُ: وَعَهِدْنَا إِلَيْهِ أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ، وَهِيَ التَّوَامُ الْكَوَامِلُ مِنَ الدُّرُوعِ ⦗٢٢٣⦘ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٩ / ٢٢٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ﴾ [سبأ: ١١] «: دُرُوعٌ، وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ صَنَعَهَا دَاوُدُ، إِنَّمَا كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ صَفَائِحُ»
١٩ / ٢٢٣
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ﴾ [سبأ: ١١] قَالَ: «السَّابِغَاتُ: دُرُوعُ الْحَدِيدِ»
١٩ / ٢٢٣
وَقَوْلُهُ: ﴿وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ﴾ [سبأ: ١١] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي السَّرْدِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: السَّرْدُ: هُوَ مِسْمَارُ حَلْقِ الدِّرْعِ
١٩ / ٢٢٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ﴾ [سبأ: ١١] قَالَ: «كَانَ يَجْعَلُهَا بِغَيْرِ نَارٍ، وَلَا يَقْرِعُهَا بِحَدِيدٍ، ثُمَّ يَسْرِدُهَا وَالسَّرْدُ: الْمَسَامِيرُ الَّتِي فِي الْحَلْقِ» وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ الْحَلْقُ بِعَيْنِهَا
١٩ / ٢٢٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ ⦗٢٢٤⦘: ﴿وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ﴾ [سبأ: ١١] قَالَ: «السَّرْدُ: حَلْقَةٌ؛ أَيْ قَدِّرْ تِلْكَ الْحَلْقَ» قَالَ: وَقَالَ الشَّاعِرُ: أَجَادَ الْمُسَدِّي سَرْدَهَا وَأَذَالَهَا قَالَ: يَقُولُ: وَسَّعَهَا، وَأَجَادَ حَلْقَهَا
١٩ / ٢٢٣
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﴿وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ﴾ [سبأ: ١١] «يَعْنِي بِالسَّرْدِ: ثَقْبَ الدُّرُوعِ فَيَسُدُّ قَتِيرَهَا» وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِكَلَامِ الْعَرَبِ: يُقَالُ دِرْعٌ مَسْرُودَةٌ: إِذَا كَانَتْ مَسْمُورَةَ الْحَلْقِ؛ وَاسْتُشْهِدَ لِقِيلِهِ ذَلِكَ بِقَوْلِ الشَّاعِرِ:
[البحر الكامل] وَعَلَيْهِما مَسْرُودَتَانِ قَضَاهُمَا … دَاوُدُ أَوْ صَنَعَ السَّوَابِغَ تُبَّعُ
وَقِيلَ: إِنَّمَا قَالَ اللَّهُ لِدَاوُدَ: ﴿وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ﴾ [سبأ: ١١] لِأَنَّهَا كَانَتْ قَبْلُ صَفَائِحَ
[البحر الكامل] وَعَلَيْهِما مَسْرُودَتَانِ قَضَاهُمَا … دَاوُدُ أَوْ صَنَعَ السَّوَابِغَ تُبَّعُ
وَقِيلَ: إِنَّمَا قَالَ اللَّهُ لِدَاوُدَ: ﴿وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ﴾ [سبأ: ١١] لِأَنَّهَا كَانَتْ قَبْلُ صَفَائِحَ
١٩ / ٢٢٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: ثنا أَبِي، قَالَ، ثنا خَالِدُ بْنُ قَيْسٍ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ﴾ [سبأ: ١١] قَالَ: «كَانَتْ صَفَائِحَ، فَأَمَرَ أَنْ يَسْرُدُهَا حَلْقًا» وَعَنَى بِقَوْلِهِ ﴿وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ﴾ [سبأ: ١١] وَقَدِّرِ الْمَسَامِيرَ فِي حَلْقِ الدُّرُوعِ حَتَّى يَكُونَ ⦗٢٢٥⦘ بِمِقْدَارٍ لَا تَغْلُظُ الْمِسْمَارَ، وَتَضِيقُ الْحَلْقَةُ، فَتُفْصَمُ الْحَلْقَةُ، وَلَا تُوَسِّعِ الْحَلْقَةَ، وَتُصَغِّرِ الْمَسَامِيرَ وَتَدُقَّهَا، فَتَسْلَسْ فِي الْحَلْقَةِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٩ / ٢٢٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ﴾ [سبأ: ١١] قَالَ: «قَدِّرِ الْمَسَامِيرَ وَالْحَلْقَ، لَا تَدُقُّ الْمَسَامِيرَ فَتَسْلَسُ، وَلَا تُجْلِهَا» قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، وَقَالَ الْحَارِثُ: فَتُفْصَمُ “
١٩ / ٢٢٥
حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: ثنا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ﴾ [سبأ: ١١] قَالَ: «لَا تُصَغِّرُ الْمِسْمَارَ، وَتُعَظِّمُ الْحَلْقَةَ فَتَسْلَسُ، وَلَا تُعَظِّمُ الْمِسْمَارَ وَتُصَغِّرُ الْحَلْقَةَ فَيُفْصَمُ الْمِسْمَارُ»
١٩ / ٢٢٦
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُيَيْنَةَ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنِ الْحَكَمِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ﴾ [سبأ: ١١] قَالَ: «لَا تُغْلِظِ الْمِسْمَارَ فَيَفْصِمُ الْحَلْقَةُ، وَلَا تَدُقَّهُ فَيُفْلَقْ»
١٩ / ٢٢٦
وَقَوْلُهُ: ﴿وَاعْمَلُوا صَالِحًا﴾ [المؤمنون: ٥١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَاعْمَلْ يَا دَاوُدُ أَنْتَ وَآلُكَ بِطَاعَةِ اللَّهِ ﴿إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ [سبأ: ١١] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: إِنِّي بِمَا تَعْمَلُ أَنْتَ وَأَتْبَاعَكَ ذُو بَصَرٍ لَا يَخْفَى عَلَيَّ مِنْهُ شَيْءٌ، وَأَنَا مُجَازِيكَ وَإِيَّاهُمْ عَلَى جَمِيعِ ذَلِكَ
١٩ / ٢٢٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ﴾ [سبأ: ١٢] اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ﴾ [الأنبياء: ٨١] فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ ﴿وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ﴾ [الأنبياء: ٨١] بِنَصْبِ الرِّيحِ، بِمَعْنَى: وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلًا، وَسَخَّرْنَا لِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ وَقَرَأَ ذَلِكَ عَاصِمٌ: (وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحُ) رَفْعًا بِحَرْفِ الصِّفَةِ، إِذْ لَمْ يَظْهَرِ النَّاصِبُ ⦗٢٢٧⦘ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا النَّصْبُ لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَيْهِ
١٩ / ٢٢٦
وَقَوْلُهُ: ﴿غُدُوُّهَا شَهْرٌ﴾ [سبأ: ١٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَسَخَّرْنَا لِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ، غُدُوُّهَا إِلَى انْتِصَافِ النَّهَارِ مَسِيرَةُ شَهْرٍ، وَرَوَاحُهَا مِنَ انْتِصَافِ النَّهَارِ إِلَى اللَّيْلِ مَسِيرَةُ شَهْرٍ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٩ / ٢٢٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ﴾ [سبأ: ١٢] قَالَ: «تَغْدُو مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وَتَرُوحُ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، قَالَ: مَسِيرَةُ شَهْرَيْنِ فِي يَوْمٍ»
١٩ / ٢٢٧
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ: ﴿وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ﴾ [سبأ: ١٢] قَالَ: «ذُكِرَ لِي أَنَّ مَنْزِلًا بِنَاحِيَةِ دِجْلَةَ مَكْتُوبٌ فِيهِ كِتَابٌ كَتَبَهُ بَعْضُ صَحَابَةِ سُلَيْمَانَ، إِمَّا مِنَ الْجِنِّ، وَإِمَّا مِنَ الْإِنْسِ: نَحْنُ نَزَلْنَاهُ وَمَا بَنَيْنَاهُ، وَمَبْنِيًّا وَجَدْنَاهُ، غَدَوْنَا مِنْ إِصْطَخْرَ فَقُلْنَاهُ، وَنَحْنُ رَائِحُونَ مِنْهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَبَائِتُونَ بِالشَّامِ»
١٩ / ٢٢٧
حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ﴾ [سبأ: ١٢] قَالَ: «كَانَ لَهُ مَرْكَبٌ مِنْ خَشَبٍ، وَكَانَ فِيهِ أَلْفُ رُكْنٍ، فِي كُلِّ رُكْنٍ أَلْفُ بَيْتٍ تَرْكَبُ فِيهِ الْجِنُّ ⦗٢٢٨⦘ وَالْإِنْسُ، تَحْتَ كُلِّ رُكْنٍ أَلْفُ شَيْطَانَ، يَرْفَعُونَ ذَلِكَ الْمَرْكَبَ هُمْ وَالْعِصَارُ؛ فَإِذَا ارْتَفَعَ أَتَتِ الرِّيحُ رَخَاءً، فَسَارَتْ بِهِ، وَسَارُوا مَعَهُ، يَقِيلُ عِنْدَ قَوْمٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ شَهْرٌ، وَيُمْسِي عِنْدَ قَوْمٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ شَهْرٌ، وَلَا يَدْرِي الْقَوْمُ إِلَّا وَقَدْ أَظَلَّهُمْ مَعَهُ الْجُيُوشُ وَالْجُنُودُ»
١٩ / ٢٢٧
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا أَبُو عَامِرٍ، قَالَ: ثنا قُرَّةُ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ ﴿غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ﴾ [سبأ: ١٢] قَالَ: «كَانَ يَغْدُو فَيَقِيلُ فِي إِصْطَخْرَ، ثُمَّ يَرُوحُ مِنْهَا، فَيَكُونُ رَوَاحُهَا بِكَابُلَ» حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا حَمَّادٌ، قَالَ: ثنا قُرَّةُ، عَنِ الْحَسَنِ بِمِثْلِهِ
١٩ / ٢٢٨
وَقَوْلُهُ: ﴿وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ﴾ [سبأ: ١٢] يَقُولُ: وَأَذَبْنَا لَهُ عَيْنَ النَّحَّاسِ، وَأَجْرَينَاهَا لَهُ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٩ / ٢٢٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿وَأْسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ﴾ [سبأ: ١٢] «عَيْنَ النَّحَّاسِ، كَانَتْ بِأَرْضِ الْيَمَنِ، وَإِنَّمَا يُنْتَفَعُ الْيَوْمَ بِمَا أَخْرَجَ اللَّهُ لِسُلَيْمَانَ»
١٩ / ٢٢٨
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ﴾ [سبأ: ١٢] قَالَ: «الصِّفْرُ سَالَ كَمَا يَسِيلُ الْمَاءُ، يُعْمَلُ بِهِ كَمَا كَانَ يُعْمَلُ الْعَجِينُ فِي اللَّبَنِ»
١٩ / ٢٢٩
حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ﴾ [سبأ: ١٢] يَقُولُ: «النَّحَّاسَ»
١٩ / ٢٢٩
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ ﴿وَأْسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ﴾ [سبأ: ١٢] يَعْنِي: «عَيْنَ النَّحَّاسِ أُسِيلَتْ»
١٩ / ٢٢٩
وَقَوْلُهُ: ﴿وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ﴾ [سبأ: ١٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يُطِيعُهُ، وَيَأْتَمِرُ بِأَمْرِهِ، وَيَنْتَهِي لِنَهْيِهِ، فَيَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ مَا يَأْمُرُهُ طَاعَةً لَهُ ﴿بِإِذْنِ رَبِّهِ﴾ [الأعراف: ٥٨] يَقُولُ: بِأَمْرِ اللَّهِ بِذَلِكَ، وَتَسْخِيرِهِ إِيَّاهُ لَهُ ﴿وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا﴾ [سبأ: ١٢] يَقُولُ: وَمَنْ يَزَلْ وَيَعْدِلْ مِنَ الْجِنِّ عَنْ أَمْرِنَا الَّذِي أَمَرَنَاهُ مِنْ طَاعَةِ سُلَيْمَانَ ﴿نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ﴾ [سبأ: ١٢] فِي الْآخِرَةِ، وَذَلِكَ عَذَابُ نَارِ جَهَنَّمَ الْمُوقَدَةِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٩ / ٢٢٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا﴾ [سبأ: ١٢] ” أَيْ يَعْدِلُ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا عَمَّا أَمَرَهُ بِهِ سُلَيْمَانُ ﴿نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ ⦗٢٣٠⦘ السَّعِيرِ﴾ [سبأ: ١٢]
١٩ / ٢٢٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾ يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ: يَعْمَلُ الْجِنُّ لِسُلَيْمَانَ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ، وَهِيَ جَمْعُ مِحْرَابٍ، وَالْمِحْرَابُ: مُقَدَّمُ كُلِّ مَسْجِدٍ وَبَيْتٍ وَمُصَلَّى، وَمِنْهُ قَوْلُ عَدِيِّ بْنِ زَيْدٍ:
[البحر الخفيف] كَدُمَى الْعَاجِ فِي الْمَحَارِيبِ أَوْ كَالْ … بَيْضِ فِي الرَّوْضِ زَهْرُهُ مُسْتَنِيرُ
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
[البحر الخفيف] كَدُمَى الْعَاجِ فِي الْمَحَارِيبِ أَوْ كَالْ … بَيْضِ فِي الرَّوْضِ زَهْرُهُ مُسْتَنِيرُ
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٩ / ٢٣٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ﴾ [سبأ: ١٣] قَالَ: «بُنْيَانٌ دُونَ الْقُصُورِ»
١٩ / ٢٣٠
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ﴾ [سبأ: ١٣] وَقُصُورٍ وَمَسَاجِدَ “
١٩ / ٢٣٠
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ﴾ [سبأ: ١٣] قَالَ: “الْمَحَارِيبُ: الْمَسَاكِنُ وَقَرَأَ قَوْلَ اللَّهِ: ﴿فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ﴾ [آل عمران: ٣٩]
١٩ / ٢٣١
حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْآمُلِيُّ، قَالَ: ثنا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ: ﴿يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ﴾ [سبأ: ١٣] قَالَ: «الْمَحَارِيبُ: الْمَسَاجِدُ»
١٩ / ٢٣١
وَقَوْلُهُ: ﴿وَتَمَاثيلَ﴾ [سبأ: ١٣] يَعْنِي أَنَّهُمْ يَعْمَلُونَ لَهُ تَمَاثِيلَ مِنْ نُحَاسٍ وَزُجَاجٍ
١٩ / ٢٣١
كَمَا: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ﴿وَتَمَاثيلَ﴾ [سبأ: ١٣] قَالَ: «مِنْ نُحَاسٍ»
١٩ / ٢٣١
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿وَتَمَاثيلَ﴾ [سبأ: ١٣] قَالَ: «مِنْ زجاجٍ وَشَبَهِ»
١٩ / ٢٣١
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، قَالَ: ثنا مَرْوَانُ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، فِي قَوْلِ اللَّهِ ﴿وَتَمَاثيلَ﴾ [سبأ: ١٣] قَالَ: «الصُوَرُ»
١٩ / ٢٣١
وَقَوْلُهُ: ﴿وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ﴾ [سبأ: ١٣] يَقُولُ: وَيَنْحَتُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ جِفَانٍ كَالْجَوَابِ؛ وَهِيَ جَمْعُ جَابِيَةٍ، وَالْجَابِيَةُ: الْحَوْضُ الَّذِي يُجْبَى فِيهِ الْمَاءُ، كَمَا قَالَ الْأَعْشَى مَيْمُونُ بْنُ قَيْسٍ:
تَرُوحُ عَلَى نَادِي الْمُحَلَّقِ جَفْنَةٌ … كَجَابِيَةِ الشَّيْخِ الْعِرَاقِيِّ تَفْهَقُ
وَكَمَا قَالَ الْآخَرُ:
[البحر الرجز] فَصَبَّحْتُ جَابِيَةً صَهَارِجًا … كَأَنَّهَا جِلْدُ السَّمَاءِ خَارِجَا
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
تَرُوحُ عَلَى نَادِي الْمُحَلَّقِ جَفْنَةٌ … كَجَابِيَةِ الشَّيْخِ الْعِرَاقِيِّ تَفْهَقُ
وَكَمَا قَالَ الْآخَرُ:
[البحر الرجز] فَصَبَّحْتُ جَابِيَةً صَهَارِجًا … كَأَنَّهَا جِلْدُ السَّمَاءِ خَارِجَا
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٩ / ٢٣٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ﴾ [سبأ: ١٣] يَقُولُ: «كَالْجَوْبَةِ مِنَ الْأَرْضِ»
١٩ / ٢٣٢
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثَنَّى أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ ﴿وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ﴾ [سبأ: ١٣] «يَعْنِي بِالْجَوَابِ: الْحِيَاضَ»
١٩ / ٢٣٣
وَحَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، عَنِ الْحَسَنِ ﴿وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ﴾ [سبأ: ١٣] قَالَ: «كَالْحِيَاضِ»
١٩ / ٢٣٣
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ﴾ [سبأ: ١٣] قَالَ: «حِيَاضُ الْإِبِلِ»
١٩ / ٢٣٣
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ﴾ [سبأ: ١٣] قَالَ: «جِفَانٌ كَجَوْبَةِ الْأَرْضِ مِنَ الْعَظْمِ، وَالْجَوْبَةُ مِنَ الْأَرْضِ: يَسْتَنْقِعُ فِيهَا الْمَاءُ»
١٩ / ٢٣٣
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: ⦗٢٣٤⦘ سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ﴾ [سبأ: ١٣] «كَالْحِيَاضِ»
١٩ / ٢٣٣
حَدَّثَنَا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، قَالَ: ثنا جُوَيْبِرٌ، عَنِ الضَّحَّاكِ: وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ قَالَ: «كَحِيَاضِ الْإِبِلِ مِنَ الْعَظْمِ»
١٩ / ٢٣٤
وَقَوْلُهُ: ﴿وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ﴾ [سبأ: ١٣] يَقُولُ: وَقُدُورٍ ثَابِتَاتٍ لَا يُحَرَّكْنَ عَنْ أَمَاكِنِهِنَّ، وَلَا تُحَوَّلُ لِعِظَمِهِنَّ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٩ / ٢٣٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ﴾ [سبأ: ١٣] قَالَ: «عِظَامٌ»
١٩ / ٢٣٤
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ﴾ [سبأ: ١٣] قَالَ: «عِظَامٌ ثَابِتَاتُ ⦗٢٣٥⦘ الْأَرْضِ لَا يُزَلْنَ عَنْ أَمْكِنَتِهِنَّ»
١٩ / ٢٣٤
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ﴾ [سبأ: ١٣] قَالَ: «مِثَالُ الْجِبَالِ مِنْ عِظَمِهَا، يُعْمَلُ فِيهَا الطَّعَامُ مِنَ الْكِبَرِ وَالْعَظْمِ، لَا تُحَرَّكُ، وَلَا تَنْقُلُ، كَمَا قَالَ لِلْجِبَالِ: رَاسِيَاتٍ»
١٩ / ٢٣٥
وَقَوْلُهُ: ﴿اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَقُلْنَا لَهُمُ اعْمَلُوا بِطَاعَةِ اللَّهِ يَا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا لَهُ عَلَى مَا أَنْعَمَ عَلَيْكُمْ مِنَ النِّعَمِ الَّتِي خَصَّكُمْ بِهَا عَنْ سَائِرِ خَلْقِهِ مَعَ الشُّكْرِ لَهُ عَلَى سَائِرِ نِعَمِهِ الَّتِي عَمَّكُمْ بِهَا مَعَ سَائِرِ خَلْقِهِ؛ وَتَرَكَ ذِكْرَ وَقُلْنَا لَهُمُ اكْتِفَاءً بِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَى مَا تُرِكَ مِنْهُ، وَأَخْرَجَ قَوْلَهُ ﴿شُكْرًا﴾ [سبأ: ١٣] مَصْدَرًا مِنْ قَوْلِهِ ﴿اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ﴾ لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ ﴿اعْمَلُوا﴾ [الأنعام: ١٣٥] اشْكُرُوا رَبَّكُمْ بِطَاعَتِكُمْ إِيَّاهُ، وَأَنَّ الْعَمَلَ بِالَّذِي رَضِيَ اللَّهُ، لِلَّهِ شُكْرٌ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٩ / ٢٣٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثنا مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةْ عَنْ ⦗٢٣٦⦘ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ، قَوْلُهُ: ﴿اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا﴾ قَالَ: «الشُّكْرُ: تَقْوَى اللَّهِ، وَالْعَمَلُ بِطَاعَتِهِ»
١٩ / ٢٣٥
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: أَخْبَرَنِي حَيْوَةُ، عَنْ زُهْرَةَ بْنِ مَعْبَدٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيَّ، يَقُولُ: ﴿اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا﴾ «وَأَفْضَلُ الشُّكْرِ الْحَمْدُ»
١٩ / ٢٣٦
قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ ﴿اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا﴾ قَالَ: «أَعْطَاكُمْ وَعَلَّمَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا لَمْ يُسَخِّرْ لَغَيْرِكُمْ، وَعَلَّمَكُمْ مَنْطِقَ الطَّيْرِ، اشْكُرُوا لَهُ يَا آلَ دَاوُدَ، قَالَ: الْحَمْدُ طَرَفٌ مِنَ الشُّكْرِ»
١٩ / ٢٣٦
وَقَوْلُهُ: ﴿وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾ [سبأ: ١٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الْمُخْلِصُو تَوْحِيدِي، وَالْمُفْرِدُو طَاعَتِي وَشُكْرِي عَلَى نِعْمَتِي عَلَيْهِمْ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٩ / ٢٣٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ⦗٢٣٧⦘ قَوْلُهُ: ﴿وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾ [سبأ: ١٣] يَقُولُ: «قَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الْمُوَحِّدُونَ تَوْحِيدَهُمْ»
١٩ / ٢٣٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ﴾ [سبأ: ١٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَلَمَّا أَمْضَيْنَا قَضَاءَنَا عَلَى سُلَيْمَانَ بِالْمَوْتِ فَمَاتَ ﴿مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ﴾ [سبأ: ١٤] يَقُولُ: لَمْ يَدُلَّ الْجِنَّ عَلَى مَوْتِ سُلَيْمَانَ ﴿إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ﴾ [سبأ: ١٤] وَهِيَ الْأَرَضَةُ وَقَعَتْ فِي عَصَاهُ، الَّتِي كَانَ مُتَّكِئًا عَلَيْهَا فَأَكَلَتْهَا، فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عز وجل ﴿تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ﴾ [سبأ: ١٤] وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٩ / ٢٣٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي ابْنُ الْمُثَنَّى، وَعَلِيٌّ، قَالَا: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ﴾ [سبأ: ١٤] يَقُولُ: «الْأَرَضَةُ تَأْكُلُ عَصَاهُ»
١٩ / ٢٣٧
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ ﴿تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ﴾ [سبأ: ١٤] قَالَ: «عَصَاهُ»
١٩ / ٢٣٧
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثني أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي ⦗٢٣٨⦘ الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ﴾ [سبأ: ١٤] قَالَ: «الْأَرَضَةُ» ﴿تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ﴾ [سبأ: ١٤] قَالَ: «عَصَاهُ»
١٩ / ٢٣٧
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُمَارَةَ، قَالَ: ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي يَحْيَى، عَنْ مُجَاهِدٍ ﴿تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ﴾ [سبأ: ١٤] قَالَ: «عَصَاهُ»
١٩ / ٢٣٨
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ عَثْمَةَ، قَالَ: ثنا سَعِيدُ بْنُ بَشِيرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ﴾ [سبأ: ١٤] «أَكَلَتْ عَصَاهُ حَتَّى خَرَّ»
١٩ / ٢٣٨
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: “الْمَنْسَأَةُ: «الْعَصَا بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ»
١٩ / ٢٣٨
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: “الْمَنْسَأَةُ: «الْعَصَا» وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿مِنْسَأَتَهُ﴾ [سبأ: ١٤] فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَبَعْضُ أَهْلِ الْبَصْرَةِ: (مِنْسَاتَهُ) غَيْرُ مَهْمُوزَةٍ؛ وَزَعَمَ مَنِ اعْتَلَّ لِقَارِئِ ذَلِكَ
١٩ / ٢٣٨
كَذَلِكَ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ أَنَّ الْمِنْسَاةَ: الْعَصَا، وَأَنَّ أَصْلَهَا مِنْ نَسَأْتُ بِهَا الْغَنَمَ، قَالَ: وَهِيَ مِنَ الْهَمْزِ الَّذِي تَرَكَتْهُ الْعَرَبُ، كَمَا تَرَكُوا هَمْزَ النَّبِيِّ وَالْبَرِيَّةِ وَالْخَابِيَةِ، وَأَنْشَدَ لِتَرْكِ الْهَمْزَ فِي ذَلِكَ بَيْتًا لِبَعْضِ الشُّعَرَاءِ:
[البحر البسيط] إِذَا دَبَبْتَ عَلَى الْمِنْسَاةِ مِنْ هَرَمٍ … فَقَدْ تَبَاعَدَ عَنْكَ اللَّهْوُ وَالْغَزْلُ
وَذَكَرَ الْفَرَّاءُ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الرُّوَاسِيِّ، أَنَّهُ سَأَلَ عَنْهَا أَبَا عَمْرٍو، فَقَالَ: مِنْسَأَتَهُ بِغَيْرِ هَمْزٍ وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ: ﴿مِنْسَأَتَهُ﴾ [سبأ: ١٤] بِالْهَمْزِ، وَكَأَنَّهُمْ وَجَّهُوا ذَلِكَ إِلَى أَنَّهَا مِفْعَلَةٌ، مِنْ نَسَأْتُ الْبَعِيرَ: إِذَا زَجَرْتُهُ لِيَزْدَادَ سَيْرَهُ، كَمَا يُقَالُ: نَسَأْتُ اللَّبَنَ: إِذَا صَبَبْتَ عَلَيْهِ الْمَاءَ، وَهُوَ النَّسِيءُ. وَكَمَا يُقَالُ: نَسَأَ اللَّهُ فِي أَجَلِكَ أَيْ أَدَامَ اللَّهُ فِي أَيَّامِ حَيَاتِكَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَهُمَا قِرَاءَتَانِ قَدْ قَرَأَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عُلَمَاءُ مِنَ الْقُرَّاءِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ، وَإِنْ كُنْتُ أَخْتَارُ الْهَمْزَ فِيهَا لِأَنَّهُ الْأَصْلُ
[البحر البسيط] إِذَا دَبَبْتَ عَلَى الْمِنْسَاةِ مِنْ هَرَمٍ … فَقَدْ تَبَاعَدَ عَنْكَ اللَّهْوُ وَالْغَزْلُ
وَذَكَرَ الْفَرَّاءُ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الرُّوَاسِيِّ، أَنَّهُ سَأَلَ عَنْهَا أَبَا عَمْرٍو، فَقَالَ: مِنْسَأَتَهُ بِغَيْرِ هَمْزٍ وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ: ﴿مِنْسَأَتَهُ﴾ [سبأ: ١٤] بِالْهَمْزِ، وَكَأَنَّهُمْ وَجَّهُوا ذَلِكَ إِلَى أَنَّهَا مِفْعَلَةٌ، مِنْ نَسَأْتُ الْبَعِيرَ: إِذَا زَجَرْتُهُ لِيَزْدَادَ سَيْرَهُ، كَمَا يُقَالُ: نَسَأْتُ اللَّبَنَ: إِذَا صَبَبْتَ عَلَيْهِ الْمَاءَ، وَهُوَ النَّسِيءُ. وَكَمَا يُقَالُ: نَسَأَ اللَّهُ فِي أَجَلِكَ أَيْ أَدَامَ اللَّهُ فِي أَيَّامِ حَيَاتِكَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَهُمَا قِرَاءَتَانِ قَدْ قَرَأَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عُلَمَاءُ مِنَ الْقُرَّاءِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ، وَإِنْ كُنْتُ أَخْتَارُ الْهَمْزَ فِيهَا لِأَنَّهُ الْأَصْلُ
١٩ / ٢٣٩
وَقَوْلُهُ: ﴿فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ﴾ [سبأ: ١٤] يَقُولُ عز وجل: فَلَمَّا خَرَّ سُلَيْمَانُ سَاقِطًا بِانْكِسَارِ مِنْسَأَتِهِ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ ﴿أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ﴾ [سبأ: ١٤] الَّذِي يَدَّعُونَ عِلْمَهُ ⦗٢٤٠⦘ ﴿مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ﴾ [سبأ: ١٤] الْمُذِلِّ حَوْلًا كَامِلًا بَعْدَ مَوْتِ سُلَيْمَانَ، وَهُمْ يَحْسِبُونَ أَنَّ سُلَيْمَانَ حَيٌّ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٩ / ٢٣٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: ثنا مُوسَى بْنُ مَسْعُودٍ أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «وَكَانَ سُلَيْمَانُ نَبِيُّ اللَّهِ إِذَا صَلَّى رَأَى شَجَرَةً نَابِتَةً بَيْنَ يَدَيْهِ، فَيَقُولُ لَهَا: مَا اسْمُكِ؟ فَتَقُولُ: كَذَا، فَيَقُولُ: لِأَيِّ شَيْءٍ أَنْتِ؟ فَإِنْ كَانَتْ تُغْرَسُ غُرِسَتْ، وَإِنْ كَانَتْ لِدَوَاءٍ كُتِبَتْ، فَبَيْنَمَا هُوَ يُصَلِّي ذَاتَ يَوْمٍ، إِذْ رَأَى شَجَرَةً بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ لَهَا: مَا اسْمُكِ؟ قَالَتْ: الْخَرُّوبُ، قَالَ: لِأَيِّ شَيْءٍ أَنْتِ؟ قَالَتْ: لِخَرَابِ هَذَا الْبَيْتِ، فَقَالَ سُلَيْمَانُ: اللَّهُمَّ عَمِّ عَلَى الْجِنِّ مَوْتِي حَتَّى يَعْلَمَ الْإِنْسُ أَنَّ الْجِنَّ لَا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ، فَنَحَتَهَا عَصَا فَتَوَكَّأَ عَلَيْهَا حَوْلًا مَيِّتًا، وَالْجِنُّ تَعْمَلُ، فَأَكَلَتْهَا الْأَرَضَةُ، فَسَقَطَ، فَتَبَيَّنَتِ الْإِنْسُ أَنَّ الْجِنَّ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا حَوْلًا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ» قَالَ: وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقْرَؤُهَا كَذَلِكَ، قَالَ: فَشَكَرَتِ الْجِنُّ لِلْأَرَضَةَ، فَكَانَتْ تَأْتِيهَا “
١٩ / ٢٤٠
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، فِي خَبَرٍ ذَكَرَهُ عَنْ أَبِي مَالِكٍ، وَعَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَنْ مُرَّةَ الْهَمْدَانِيِّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَعَنْ أُنَاسٍ، مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «كَانَ سُلَيْمَانُ يَتَجَرَّدُ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ السُّنَّةَ وَالسَّنَتَيْنِ، وَالشَّهْرَ وَالشَّهْرَيْنِ، وَأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ وَأَكْثَرَ، يَدْخُلُ طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَدَخَلَهُ فِي الْمَرَّةِ الَّتِي مَاتَ فِيهَا، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَوْمٌ يُصْبِحُ فِيهِ، إِلَّا تَنْبُتُ فِيهِ شَجَرَةٌ، فَيَسْأَلُهَا مَا اسْمُكِ؟ فَتَقُولُ الشَّجَرَةُ: اسْمِي كَذَا وَكَذَا، فَيَقُولُ لَهَا: لِأَيِّ شَيْءٍ نَبَتِّ؟ فَتَقُولُ: نَبَتُّ لِكَذَا وَكَذَا، فَيَأْمُرُ بِهَا فَتُقْطَعُ، فَإِنْ كَانَتْ نَبَتَتْ لِغَرْسٍ غَرَسَهَا، وَإِنْ كَانَتْ نَبَتَتْ لِدَوَاءٍ، قَالَتْ: نَبَتُّ دَوَاءً لِكَذَا وَكَذَا، فَيَجْعَلُهَا كَذَلِكَ، حَتَّى نَبَتَتْ شَجَرَةٌ يُقَالُ لَهَا الْخَرُّوبَةُ، فَسَأَلَهَا: مَا اسْمُكِ؟ فَقَالَتْ لَهُ: أَنَا الْخَرُّوبَةُ، فَقَالَ: لِأَيِّ شَيْءٍ نَبَتِّ؟ قَالَتْ: لِخَرَابِ هَذَا الْمَسْجِدِ؛ قَالَ سُلَيْمَانُ: مَا كَانَ اللَّهُ لِيُخْرِبَهُ وَأَنَا حَيٌّ، أَنْتِ الَّتِي عَلَى وَجْهِكِ هَلَاكِي وَخَرَابُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَنَزَعَهَا وَغَرَسَهَا فِي حَائِطٍ لَهُ، ثُمَّ دَخَلَ الْمِحْرَابَ، فَقَامَ يُصَلِّي مُتَّكِئًا عَلَى عَصَاهُ، فَمَاتَ وَلَا تَعْلَمُ بِهِ الشَّيَاطِينُ فِي ذَلِكَ، وَهُمْ يَعْمَلُونَ لَهُ يَخَافُونَ أَنْ يَخْرُجَ فَيُعَاقِبَهُمْ؛ وَكَانَتِ الشَّيَاطِينُ تَجْتَمِعُ حَوْلَ الْمِحْرَابِ، وَكَانَ الْمِحْرَابُ لَهُ كُوًى بَيْنَ يَدَيْهِ وَخَلْفَهُ، وَكَانَ الشَّيْطَانُ الَّذِي يُرِيدُ أَنْ يَخْلَعَ يَقُولُ: أَلَسْتُ جَلَدًا إِنْ دَخَلْتُ فَخَرَجْتُ مِنَ الْجَانِبِ الْآخَرِ؛ فَدَخَلَ شَيْطَانُ مِنْ أُولَئِكَ فَمَرَّ، وَلَمْ يَكُنْ ⦗٢٤٢⦘ شَيْطَانُ يَنْظُرُ إِلَى سُلَيْمَانَ فِي الْمِحْرَابِ إِلَّا احْتَرَقَ، فَمَرَّ وَلَمْ يَسْمَعْ صَوْتَ سُلَيْمَانَ عليه السلام، ثُمَّ رَجَعَ فَلَمْ يَسْمَعْ، ثُمَّ رَجَعَ فَوَقَعَ فِي الْبَيْتِ فَلَمْ يَحْتَرِقْ، وَنَظَرَ إِلَى سُلَيْمَانَ قَدْ سَقَطَ فَخَرَجَ فَأَخْبَرَ النَّاسَ أَنَّ سُلَيْمَانَ قَدْ مَاتَ، فَفَتَحُوا عَنْهُ فَأَخْرَجُوهُ وَوَجَدُوا مِنْسَأَتَهُ، وَهِيَ الْعَصَا بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ، قَدْ أَكَلَتْهَا الْأَرَضَةُ، وَلَمْ يَعْلَمُوا مُنْذُ كَمْ مَاتَ، فَوَضَعُوا الْأَرَضَةَ عَلَى الْعَصَا، فَأَكَلَتْ مِنْهَا يَوْمًا وَلَيْلَةً، ثُمَّ حَسَبُوا عَلَى ذَلِكَ النَّحْوِ، فَوَجَدُوهُ قَدْ مَاتَ مُنْذُ سَنَةٍ» وَهِيَ فِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ: فَمَكَثُوا يَدْأَبُونَ لَهُ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ حَوْلًا كَامِلًا فَأَيْقَنَ النَّاسُ عِنْدَ ذَلِكَ أَنَّ الْجِنَّ كَانُوا يَكْذِبُونَهُمْ، وَلَوْ أَنَّهُمْ عَلِمُوا الْغَيْبَ لَعَلِمُوا بِمَوْتِ سُلَيْمَانَ، وَلَمْ يَلْبَثُوا فِي الْعَذَابِ سَنَةً يَعْمَلُونَ لَهُ، وَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ: ﴿مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ﴾ [سبأ: ١٤] يَقُولُ: تَبَيَّنَ أَمْرُهُمْ لِلنَّاسِ أَنَّهُمْ كَانُوا يُكَذِّبُونَهُمْ، ثُمَّ إِنَّ الشَّيَاطِينَ قَالُوا لِلْأَرَضَةِ: لَوْ كُنْتِ تَأْكُلِينَ الطَّعَامَ أَتَيْنَاكِ بِأَطْيَبِ الطَّعَامِ، وَلَوْ كُنْتِ تَشْرَبِينَ الشَّرَابَ سَقَيْنَاكِ أَطْيَبَ الشَّرَابِ، وَلَكِنَّا سَنَنْقِلُ إِلَيْكِ الْمَاءَ وَالطِّينَ، فَالَّذِي يَكُونُ فِي جَوْفِ الْخَشَبِ، فَهُوَ مَا تَأْتِيهَا بِهِ الشَّيَاطِينُ شُكْرًا لَهَا
١٩ / ٢٤١
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: «كَانَتِ الْجِنُّ تُخْبِرُ الْإِنْسَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَعْلَمُونَ مِنَ الْغَيْبِ أَشْيَاءَ، وَأَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ مَا فِي غَدٍ، فَابْتُلُوا بِمَوْتِ ⦗٢٤٣⦘ سُلَيْمَانَ، فَمَاتَ، فَلَبِثَ سَنَةً عَلَى عَصَاهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ بِمَوْتِهِ، وَهُمْ مُسَخَّرُونَ تِلْكَ السَّنَةَ يَعْمَلُونَ دَائِبِينَ ﴿فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ﴾ [سبأ: ١٤] وَلَقَدْ لَبِثُوا يَدْأَبُونَ، وَيَعْمَلُونَ لَهُ حَوْلًا»
١٩ / ٢٤٢
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ﴾ [سبأ: ١٤] قَالَ: “قَالَ سُلَيْمَانُ لِمَلَكِ الْمَوْتِ: يَا مَلَكَ الْمَوْتِ، إِذَا أُمِرْتَ بِي فَأَعْلِمْنِي؛ قَالَ: فَأَتَاهُ فَقَالَ: يَا سُلَيْمَانُ، قَدْ أُمِرْتُ بِكَ، قَدْ بَقِيَتْ لَكَ سُوَيْعَةٌ، فَدَعَا الشَّيَاطِينَ فَبَنَوْا عَلَيْهِ صَرْحًا مِنْ قَوَارِيرَ، لَيْسَ لَهُ بَابٌ، فَقَامَ يُصَلِّي، وَاتَّكَأَ عَلَى عَصَاهُ؛ قَالَ: فَدَخَلَ عَلَيْهِ مَلَكُ الْمَوْتِ فَقَبَضَ رُوحَهُ وَهُوَ مُتَّكِئٌ عَلَى عَصَاهُ؛ وَلَمْ يَصْنَعْ ذَلِكَ فِرَارًا مِنْ مَلَكِ الْمَوْتِ، قَالَ: وَالْجِنُّ تَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، يَحْسِبُونَ أَنَّهُ حَيٌّ، قَالَ: فَبَعَثَ اللَّهُ دَابَّةَ الْأَرْضِ، قَالَ: دَابَّةٌ تَأْكُلُ الْعِيدَانَ يُقَالُ لَهَا الْقَادِحُ، فَدَخَلَتْ فِيهَا فَأَكَلَتْهَا، حَتَّى إِذَا أَكَلَتْ جَوْفَ الْعَصَا، ضَعُفَتْ وَثَقُلَ عَلَيْهَا، فَخَرَ مَيِّتًا، قَالَ: فَلَمَّا رَأَتِ الْجِنُّ ذَلِكَ، انْفَضُّوا وَذَهَبُوا، قَالَ: فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ﴾ [سبأ: ١٤] قَالَ: وَالْمَنْسَأَةُ: «الْعَصَا»
١٩ / ٢٤٣
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: «كَانَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ يُصَلِّي، فَمَاتَ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي وَالْجِنُّ يَعْمَلُونَ لَا يَعْلَمُونَ بِمَوْتِهِ، حَتَّى أَكَلَتِ الْأَرَضَةُ عَصَاهُ، فَخَرَّ» ⦗٢٤٤⦘ وَأَنْ فِي قَوْلِهِ: ﴿أَنْ لَوْ كَانُوا﴾ [سبأ: ١٤] فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بِتَبَيَّنَ، لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ: فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَ وَانْكَشَفَ أَنْ لَوْ كَانَ الْجِنُّ يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ، مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ وَأَمَّا عَلَى التَّأْوِيلِ الَّذِي تَأَوَّلَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ مِنْ أَنَّ مَعْنَاهُ: تَبَيَّنَتِ الْإِنْسُ الْجِنُّ، فَإِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِتَكْرِيرِهَا عَلَى الْجِنِّ، وَكَذَلِكَ يَجِبُ عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ أَنْ تَكُونَ الْجِنُّ مَنْصُوبَةً، غَيْرَ أَنِّي لَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ يَقْرَأُ ذَلِكَ بِنَصْبِ الْجِنِّ، وَلَوْ نُصِبَ كَانَ فِي قَوْلِهِ ﴿تَبَيَّنَتْ﴾ [سبأ: ١٤] ضَمِيرٌ مِنْ ذِكْرِ الْإِنْسِ
١٩ / ٢٤٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ﴾ [سبأ: ١٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: لَقَدْ كَانَ لِوَلَدِ سَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ عَلَامَةٌ بَيِّنَةٌ، وَحُجَّةٌ وَاضِحَةٌ، عَلَى أَنَّهُ لَا رَبَّ لَهُمْ إِلَّا الَّذِي أَنْعَمَ عَلَيْهِمُ النِّعَمَ الَّتِي كَانُوا فِيهَا وَسَبَأٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ اسْمُ أَبِي الْيَمَنِ
١٩ / ٢٤٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا وَكِيعٌ، عَنْ أَبِي حَيَّانَ الْكَلْبِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ ⦗٢٤٥⦘ هَانِئٍ، عَنْ عُرْوَةَ الْمُرَادِيِّ، عَنْ رَجُلٍ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ: فَرْوَةُ بْنُ مُسَيْكٍ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي عَنْ سَبَإٍ، مَا كَانَ؟ رَجُلًا كَانَ أَوِ امْرَأَةً، أَوْ جَبَلًا، أَوْ دَوَابًّ؟ فَقَالَ: «لَا، كَانَ رَجُلًا مِنَ الْعَرَبِ وَلَهُ عَشَرَةُ أَوْلَادٍ، فَتَيَمَّنَ مِنْهُمْ سِتَّةٌ، وَتَشَاءَمَ أَرْبَعَةٌ، فَأَمَّا الَّذِينَ تَيَمَّنُوا مِنْهُمْ فَكِنْدَةُ، وَحِمْيَرُ، وَالْأَزْدُ، وَالْأَشْعَرِيُّونَ، وَمَذْحِجُ، وَأنْمَارُ الَّذِينَ مِنْهَا خَثْعَمٌ وَبَجِيلَةُ وَأَمَّا الَّذِينَ تَشَاءَمُوا: فَعَامِلَةُ، وَجُذَامُ، وَلَخْمُ، وَغَسَّانُ»
١٩ / ٢٤٤
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا أَبُو أُسَامَةَ، قَالَ: ثني الْحَسَنُ بْنُ الْحَكَمِ، قَالَ: ثنا أَبُو سَبْرَةَ النَّخَعِيُّ، عَنْ فَرْوَةَ بْنِ مُسَيْكٍ الْقَطِيعِيِّ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي عَنْ سَبَإٍ مَا هُوَ؟ أَرْضٌ أَوِ امْرَأَةٌ؟ قَالَ: لَيْسَ بِأَرْضٍ وَلَا امْرَأَةٍ، وَلَكِنْ رَجُلٌ وَلَدَ عَشْرَةً مِنَ الْوَلَدِ، فَتَيَامَنَ سِتَّةٌ، وَتَشَاءَمَ أَرْبَعَةٌ، فَأَمَّا الَّذِينَ تَشَاءَمُوا: فَلَخْمُ، وَجُذَامُ، وَعَامِلَةُ، وَغَسَّانُ؛ وَأَمَّا الَّذِينَ تَيَامَنُوا: فَكِنْدَةُ، وَالْأَشْعَرِيُّونَ، وَالْأَزْدُ، وَمَذْحِجُ، وَحِمْيَرُ، وَأنْمَارُ “؛ فَقَالَ رَجُلٌ: مَا أَنْمَارُ؟ قَالَ: «الَّذِينَ مِنْهُمْ خَثْعَمٌ وَبَجِيلَةُ» حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا الْعَنْقَزِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَسْبَاطُ بْنُ نَصْرٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ هَانِئٍ الْمُرَادِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، أَوْ عَنْ عَمِّهِ أَسْبَاطٍ شَكَّ قَالَ: قَدِمَ فَرْوَةُ بْنُ مُسَيْكٍ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخْبِرْنِي عَنْ سَبَإٍ، أَجَبَلًا كَانَ أَوْ أَرْضًا؟ ⦗٢٤٦⦘ فَقَالَ: «لَمْ يَكُنْ جَبَلًا وَلَا أَرْضًا، وَلَكِنَّهُ كَانَ رَجُلًا مِنَ الْعَرَبِ وَلَدَ عَشْرَةَ قَبَائِلَ»، ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَهُ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: «وَأنْمَارُ الَّذِينَ يَقُولُونَ مِنْهُمْ بَجِيلَةُ وَخَثْعَمٌ» فَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، مِنْ أَنَّ سَبَأً رَجُلٌ، كَانَ الْإِجْرَاءُ فِيهِ وَغَيْرُ الْإِجْرَاءَ مُعْتَدِلَيْنِ أَمَّا الْإِجْرَاءُ فَعَلَى أَنَّهُ اسْمُ رَجُلٍ مَعْرُوفٍ، وَأَمَّا تَرْكُ الْإِجْرَاءِ فَعَلَى أَنَّهُ اسْمُ قَبِيلَةٍ أَوْ أَرْضٍ. وَقَدْ قَرَأَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عُلَمَاءُ مِنَ الْقُرَّاءِ وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: «فِي مَسَاكِنِهِمْ» فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ وَبَعْضُ الْكُوفِيِّينَ: (فِي مَسَاكِنِهِمْ) عَلَى الْجِمَاعِ بِمَعْنَى مَنَازِلِ آلِ سَبَأٍ. وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفِيِّينَ فِي مَسَكِنِهِمْ عَلَى التَّوْحِيدِ وَبِكَسْرِ الْكَافِ، وَهِيَ لُغَةٌ لِأَهْلِ الْيَمَنِ فِيمَا ذُكِرَ لِي وَقَرَأَ حَمْزَةُ: ﴿مَسْكَنِهِمْ﴾ [سبأ: ١٥] عَلَى التَّوْحِيدِ وَفَتْحِ الْكَافِ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا: أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ قِرَاءَاتٌ مُتَقَارِبَاتُ الْمَعْنَى، فَبِأَيِّ ذَلِكَ قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ
١٩ / ٢٤٥
وَقَوْلُهُ: ﴿آيَةٌ﴾ [البقرة: ١٠٦] قَدْ بَيَّنَّا مَعْنَاهَا قَبْلُ ⦗٢٤٧⦘ وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ﴾ [سبأ: ١٥] فَإِنَّهُ يَعْنِي: بُسْتَانَانِ كَانَا بَيْنَ جَبَلَيْنِ، عَنْ يَمِينِ مَنْ أَتَاهُمَا وَشِمَالِهِ
١٩ / ٢٤٦
وَكَانَ مِنْ صِنْفِهِمَا فِيمَا ذُكِرَ لَنَا مَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا سُلَيْمَانُ، قَالَ: ثنا أَبُو هِلَالٍ، قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ﴾ [سبأ: ١٥] قَالَ: «كَانَتْ جَنَّتَانِ بَيْنَ جَبَلَيْنِ، فَكَانَتِ الْمَرْأَةُ تَخْرُجُ، مِكْتَلُهَا عَلَى رَأْسِهَا، فَتَمْشِي بَيْنَ جَبَلَيْنِ، فَيَمْتَلِئُ مِكْتَلُهَا، وَمَا مَسَّتْ بِيَدِهَا، فَلَمَّا طَغَوْا بَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ دَابَّةٌ، يُقَالُ لَهَا» جُرَذٌ «، فَنَقَّبَتْ عَلَيْهِمْ، فَغَرَّقَتْهُمْ، فَمَا بَقِيَ لَهُمْ إِلَّا أَثْلٌ، وَشَيْءٌ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٌ»
١٩ / ٢٤٧
حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ﴾ [سبأ: ١٥] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ﴾ [سبأ: ١٦] قَالَ: «وَلَمْ يَكُنْ يُرَى فِي قَرْيَتِهِمْ بَعُوضَةٌ قَطُّ، وَلَا ذُبَابٌ، وَلَا بَرْغُوثٌ، وَلَا عَقْرَبٌ، وَلَا حَيَّةٌ، وَإِنْ كَانَ الرَّكْبُ لَيَأْتُونَ وَفِي ثِيَابِهِمُ الْقَمْلُ وَالدَّوَابُّ، فَمَا هُمْ إِلَّا أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى بُيُوتِهِمْ، فَتَمُوتُ الدَّوَابُّ، قَالَ: وَإِنْ كَانَ الْإِنْسَانُ لِيَدْخُلُ الْجَنَّتَيْنِ، فَيُمْسِكُ الْقُفَّةَ عَلَى رَأْسِهِ، فَيَخْرُجُ حِينَ يَخْرُجُ وَقَدِ امْتَلَأَتْ تِلْكَ الْقُفَّةِ مِنْ أَنْوَاعِ الْفَاكِهَةِ وَلَمْ يَتَنَاوَلْ مِنْهَا شَيْئًا بِيَدِهِ؛ قَالَ: وَالسَّدُّ يَسْقِيهَا» وَرُفِعَتِ الْجَنَّتَانِ فِي قَوْلِهِ: ﴿جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ﴾ [سبأ: ١٥] تَرْجَمَةً عَنِ الْآيَةِ، لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ: لَقَدْ كَانَ لِسَبأٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ هِيَ جَنَّتَانِ عَنْ أَيْمَانِهِمْ وَشَمَائِلِهِمْ
١٩ / ٢٤٧
وَقَوْلُهُ: ﴿كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ﴾ [سبأ: ١٥] الَّذِي يَرْزُقُكُمْ مِنْ هَاتَيْنِ الْجَنَّتَيْنِ مِنْ زُروعِهِمَا وَأَثْمَارِهِمَا، ﴿وَاشْكُرُوا لَهُ﴾ [العنكبوت: ١٧] عَلَى مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْكُمْ مِنْ رِزْقِهِ ذَلِكَ؛ وَالَى هَذَا مُنْتَهَى الْخَبَرِ، ثُمَّ ابْتَدَأَ الْخَبَرَ عَنِ الْبَلْدَةِ، فَقِيلَ: هَذِهِ بَلْدَةٌ طَيْبَةٌ: أَيْ لَيْسَتْ بِسَبِخَةٍ، وَلَكِنَّهَا كَمَا ذَكَرْنَا مِنْ صِفَتِهَا عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدٍ أَنْ كَانَتْ كَمَا وَصَفَهَا بِهِ ابْنُ زَيْدٍ، مِنْ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِيهَا شَيْءٌ مُؤْذٍ، الْهَمَجُ وَالدَّبِيبُ وَالْهَوَامُّ ﴿وَرَبٌّ غَفُورٌ﴾ [سبأ: ١٥] يَقُولُ: وَرَبٌّ غَفُورٌ لِذُنُوبِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ أَطَعْتُمُوهُ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٩ / ٢٤٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿بَلْدَةٌ طَيْبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ﴾ [سبأ: ١٥] «وَرَبُّكُمْ غَفُورٌ لِذِنُوبِكُمْ، قَوْمٌ أَعْطَاهُمُ اللَّهُ نِعْمَةً، وَأَمَرَهُمْ بِطَاعَتِهِ، وَنَهَاهُمْ عَنْ مَعْصِيَتِهِ»
١٩ / ٢٤٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ ⦗٢٤٩⦘ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَأَعْرَضَتْ سَبَأٌ عَنْ طَاعَةِ رَبِّهَا وَصَدَّتْ عَنِ اتِّبَاعِ مَا دَعَتْهَا إِلَيْهِ رُسُلُهَا مِنْ أَنَّهُ خَالِقُهَا
١٩ / ٢٤٨
كَمَا: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، قَالَ: ثني مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ الْيَمَانِيِّ، قَالَ: “لَقَدْ بَعَثَ اللَّهُ إِلَى سَبَإٍ، ثَلَاثَةَ عَشَرَ نَبِيًّا، فَكَذَّبُوهُمْ ﴿فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ﴾ [سبأ: ١٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: «فَثَقَبْنَا عَلَيْهِمْ حِينَ اعْرَضُوا عَنْ تَصْدِيقِ رُسُلِنَا سَدَّهُمُ الَّذِي كَانَ يُحْبَسُ عَنْهُمُ السُّيُولَ» وَالْعَرِمِ: الْمُسَنَّاةُ الَّتِي تُحْبَسُ الْمَاءَ، وَاحِدُهَا: عَرِمِةٌ، وَإِيَّاهُ عَنَى الْأَعْشَى بِقَوْلِهِ:
[البحر المتقارب] فَفِي ذَاكَ لِلْمُؤْتَسِي أُسْوَةٌ … وَمَأْرِبٌ عَفَّى عَلَيْهِ الْعَرِمْ
رِجَامٌ بَنَتْهُ لَهُمْ حِمْيَرٌ … إِذَا جَاءَ مَاؤُهُمْ لَمْ يَرِمْ
وَكَانَ الْعَرِمُ فِيمَا ذُكِرَ مِمَّا بَنَتْهُ بَلْقِيسُ
[البحر المتقارب] فَفِي ذَاكَ لِلْمُؤْتَسِي أُسْوَةٌ … وَمَأْرِبٌ عَفَّى عَلَيْهِ الْعَرِمْ
رِجَامٌ بَنَتْهُ لَهُمْ حِمْيَرٌ … إِذَا جَاءَ مَاؤُهُمْ لَمْ يَرِمْ
وَكَانَ الْعَرِمُ فِيمَا ذُكِرَ مِمَّا بَنَتْهُ بَلْقِيسُ
١٩ / ٢٤٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، قَالَ: ثني وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ،
١٩ / ٢٤٩
قَالَ: ثنا أَبِي، قَالَ: سَمِعْتُ الْمُغِيرَةَ بْنَ حَكِيمٍ، قَالَ: «لَمَّا مَلَكَتْ بَلْقِيسُ، جَعَلَ قَوْمُهَا يَقْتَتِلُونَ عَلَى مَاءِ وَادِيهِمْ؛ قَالَ: فَجَعَلَتْ تَنْهَاهُمْ فَلَا يُطِيعُونَهَا فَتَرَكَتْ مُلْكَهَا، وَانْطَلَقَتْ إِلَى قَصْرٍ لَهَا، وَتَرَكَتْهُمْ؛ فَلَمَّا كَثُرَ الشَّرُّ بَيْنَهُمْ، وَنَدِمُوا أَتَوْهَا، فَأَرَادُوهَا عَلَى أَنْ تَرْجِعَ إِلَى مُلْكِهَا، فَأَبَتْ، فَقَالُوا: لَتَرْجِعِنَّ أَوْ لَنَقْتُلَنَّكِ، فَقَالَتْ: إِنَّكُمْ لَا تُطِيعُونَنِي، وَلَيْسَتْ لَكُمْ عُقُولٌ، وَلَا تُطِيعُونِي، قَالُوا: فَإِنَّا نُطِيعُكِ، وَإِنَّا لَمْ نَجِدْ فِينَا خَيْرًا بَعْدَكِ، فَجَاءَتْ فَأَمَرَتْ بِوَادِيهِمْ، فَسُدِّ بِالْعَرِمِ» قَالَ أَحْمَدُ، قَالَ وَهْبٌ، قَالَ أَبِي: فَسَأَلْتُ الْمُغِيرَةَ بْنَ حَكِيمٍ عَنِ الْعَرِمِ، فَقَالَ: هُوَ بِكَلَامِ حِمْيَرَ الْمُسَنَّاةُ؛ فَسَدَتْ مَا بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ، فَحَبَسَتِ الْمَاءَ مِنْ وَرَاءِ السَّدِّ، وَجَعَلَتْ لَهُ أَبْوَابًا بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ، وَبَنَتْ مِنْ دُونِهِ بِرْكَةً ضَخْمَةً، فَجَعَلَتْ فِيهَا أَثْنَى عَشَرَ مَخْرَجًا عَلَى عِدَّةِ أَنْهَارِهِمْ؛ فَلَمَّا جَاءَ الْمَطَرُ احْتَبَسَ السَّيْلُ مِنْ وَرَاءِ السَّدِّ، فَأَمَرَتْ بِالْبَابِ الْأَعْلَى فَفُتِحَ، فَجَرَى مَاؤُهُ فِي الْبِرْكَةِ، وَأَمَرَتْ بِالْبَعْرِ فَأُلْقِيَ فِيهَا، فَجَعَلَ بَعْضُ الْبَعْرِ يَخْرُجُ أَسْرَعَ مِنْ بَعْضٍ، فَلَمْ تَزَلْ تُضَيِّقُ تِلْكَ الْأَنْهَارَ، وَتُرْسِلُ الْبَعْرَ فِي الْمَاءِ، حَتَّى خَرَجَ جَمِيعًا مَعًا، فَكَانَتْ تَقْسِمُهُ بَيْنَهُمْ عَلَى ذَلِكَ، حَتَّى كَانَ مِنْ شَأْنِهَا وَشَأْنِ سُلَيْمَانَ مَا كَانَ
١٩ / ٢٥٠
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ الْبَصْرِيُّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحِ بْنُ زُرَيْقٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا شَرِيكٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي مَيْسَرَةَ، فِي قَوْلِهِ ﴿فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ﴾ [سبأ: ١٦]⦗٢٥١⦘ قَالَ: «الْمُسَنَّاةُ بِلَحْنِ الْيَمَنِ»
١٩ / ٢٥٠
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿سَيْلَ الْعَرِمِ﴾ [سبأ: ١٦] قَالَ: «شَدِيدٌ» وَقِيلَ: إِنَّ الْعَرِمَ اسْمُ وَادٍ كَانَ لِهَؤُلَاءِ الْقَوْمِ
١٩ / ٢٥١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنَّى أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ﴾ [سبأ: ١٦] قَالَ: «وَادٍ كَانَ بِالْيَمَنِ، كَانَ يَسِيلُ إِلَى مَكَّةَ، وَكَانُوا يَسْقُونَ وَيَنْتَهِي سَيْلُهُمْ إِلَيْهِ»
١٩ / ٢٥١
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ﴾ [سبأ: ١٦] «ذَكَرَ لَنَا أَنَّ سَيْلَ الْعَرِمِ وَادٍ كَانَتْ تَجْتَمِعُ إِلَيْهِ مَسَايِلُ مِنْ أَوْدِيَةٍ شَتَّى، فَعَمَدُوا فَسَدُّوا مَا بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ بِالْقِيرِ وَالْحِجَارَةِ، وَجَعَلُوا عَلَيْهِ أَبْوَابًا، وَكَانُوا يَأْخُذُونَ مِنْ مَائِهِ مَا احْتَاجُوا إِلَيْهِ، وَيسُدُّونَ عَنْهُمْ مَا لَمْ يَعْنُوا بِهِ مِنْ مَائِهِ شَيْئًا»
١٩ / ٢٥١
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ، فِي قَوْلِهِ: ﴿فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ﴾ [سبأ: ١٦] «وَادٍ ⦗٢٥٢⦘ يُدْعَى الْعَرِمُ، وَكَانَ إِذَا مَطَرَ سَالَتْ أَوْدِيَةُ الْيَمَنِ إِلَى الْعَرِمِ، وَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ الْمَاءُ، فَعَمَدَتْ سَبَأٌ إِلَى الْعَرِمِ، فَسَدُّوا مَا بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ، فَحَجَزُوهُ بِالصَّخْرِ وَالْقَارِ، فَانْسَدَّ زَمَانًا مِنَ الدَّهْرِ، لَا يَرْجُونَ الْمَاءَ، يَقُولُ: لَا يَخَافُونُ» وَقَالَ آخَرُونَ: الْعَرِمُ: صِفَةٌ لِلْمُسَنَّاةُ الَّتِي كَانَتْ لَهُمْ وَلَيْسَ بِاسْمٍ لَهَا
١٩ / ٢٥١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ ﴿سَيْلَ الْعَرِمِ﴾ [سبأ: ١٦] يَقُولُ: «الشَّدِيدُ، وَكَانَ السَّبَبُ الَّذِي سَبَّبَ اللَّهُ لِإِرْسَالِ ذَلِكَ السَّيْلِ عَلَيْهِمْ فِيمَا ذُكِرَ لِي جُرَذًا ابْتَعَثَهُ اللَّهُ عَلَى سَدِّهِمْ، فَثَقَبَ فِيهِ ثُقْبًا» ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي صِفَةِ مَا حَدَثَ عَنْ ذَلِكَ الثَّقْبِ مِمَّا كَانَ فِيهِ خَرَابُ جَنَّتَيْهِمْ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَ صِفَةَ ذَلِكَ أَنَّ السَيْلَ لَمَّا وَجَدَ عَمَلًا فِي السَّدِّ عَمِلَ فِيهِ، ثُمَّ فَاضَ الْمَاءُ عَلَى جَنَّاتِهِمْ، فَغَرَّقَهَا وَخَرَّبَ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ
١٩ / ٢٥٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، قَالَ: ثني مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ الْيَمَانِيِّ، قَالَ: “كَانَ لَهُمْ، يَعْنِي لِسَبَأٍ سَدٌّ، قَدْ كَانُوا بَنَوْهُ بُنْيَانًا أَبَدًا، وَهُوَ الَّذِي كَانَ يَرُدُّ عَنْهُمُ السَيْلَ إِذَا جَاءَ أَنْ يُغْشِي أَمْوَالَهُمْ وَكَانَ فِيمَا يَزْعُمُونَ فِي عِلْمِهِمْ مِنْ
١٩ / ٢٥٢
كَهَانَتِهِمْ، أَنَّهُ إِنَّمَا يُخَرِّبُ عَلَيْهِمْ سَدَّهُمْ ذَلِكَ فَأْرَةٌ، فَلَمْ يَتْرُكُوا فُرْجَةً بَيْنَ حَجَرَيْنِ، إِلَّا رَبَطُوا عِنْدَهَا هِرَّةً؛ فَلَمَّا جَاءَ زَمَانُهُ، وَمَا أَرَادَ اللَّهُ بِهِمْ مِنَ التَّغْرِيقِ، أَقْبَلَتْ فِيمَا يَذْكُرُونَ فَأْرَةٌ حَمْرَاءُ إِلَى هِرَّةٍ مِنْ تِلْكَ الْهِرَرِ، فَسَاوَرَتْهَا، حَتَّى اسْتَأْخَرَتْ عَنْهَا أَيِ الْهِرَّةُ، فَدَخَلَتْ فِي الْفُرْجَةِ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَهَا، فَغَلْغَلَتْ فِي السَّدِّ، فَحَفَرَتْ فِيهِ حَتَّى وَهَنَتْهُ لِلسَّيْلِ وَهُمْ لَا يَدْرُونَ؛ فَلَمَّا جَاءَ السَّيْلُ وَجَدَ خَلَلًا، فَدَخَلَ فِيهِ حَتَّى قَلَعَ السَّدَّ، وَفَاضَ عَلَى الْأَمْوَالِ، فَاحْتَمَلَهَا فَلَمْ يُبْقِ مِنْهَا إِلَّا مَا ذَكَرَهُ اللَّهُ؛ فَلَمَّا تَفَرَّقُوا نَزَلُوا عَلَى كَهَانَةِ عِمْرَانَ بْنِ عَامِرٍ “
١٩ / ٢٥٣
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: «لَمَّا تَرَكَ الْقَوْمُ أَمْرَ اللَّهِ، بَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ جُرَذًا يُسَمَّى الْخُلْدُ، فَثَقَبَهُ مِنْ أَسْفَلِهِ حَتَّى غَرَّقَ بِهِ جَنَّاتِهِمْ، وَخَرَّبَ بِهِ أَرْضَهُمْ عُقُوبَةً بِأَعْمَالِهِمْ»
١٩ / ٢٥٣
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ: «لَمَّا طَغَوْا وَبَغَوْا، يَعْنِي سَبَأً، بَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ جُرَذًا، فَخَرَقَ عَلَيْهِمُ السَّدَّ، فَأَغْرَقَهُمُ اللَّهُ»
١٩ / ٢٥٣
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: «بَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِ ⦗٢٥٤⦘ جُرَذًا، وَسَلَّطَهُ عَلَى الَّذِي كَانَ يُحْبَسُ الْمَاءَ الَّذِي يَسْقِيهَا، فَأَخْرَبَ فِي أَفْوَاهِ تِلْكَ الْحِجَارَةِ، وَكُلَّ شَيْءٍ مِنْهَا مِنْ رَصَاصٍ وَغَيْرِهِ، حَتَّى تَرَكَهَا حِجَارَةً، ثُمَّ بَعَثَ اللَّهُ سَيْلَ الْعَرِمِ، فَاقْتَلَعَ ذَلِكَ السَّدَّ، وَمَا كَانَ يَحْبِسُ، وَاقْتَلَعَ تِلْكَ الْجَنَّتَيْنِ، فَذَهَبَ بِهِمَا» وَقَرَأَ: ﴿فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ﴾ [سبأ: ١٦] قَالَ: ذَهَبَ بِتِلْكَ الْقُرَى وَالْجَنَّتَيْنِ وَقَالَ آخَرُونَ: كَانَتْ صِفَةُ ذَلِكَ أَنَّ الْمَاءَ الَّذِي كَانُوا يُعْمِرُونَ بِهِ جَنَّاتِهِمْ سَالَ إِلَى مَوْضِعٍ غَيْرِ الْمَوْضِعِ الَّذِي كَانُوا يَنْتَفِعُونَ بِهِ، فَبِذَلِكَ خَرِبَتْ جَنَّاتُهُمْ
١٩ / ٢٥٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «بَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ يَعْنِي عَلَى الْعَرِمِ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ، فَثَقَبَتْ فِيهِ ثَقْبًا، فَسَالَ ذَلِكَ الْمَاءُ إِلَى مَوْضِعٍ غَيْرِ الْمَوْضِعِ الَّذِي كَانُوا يَنْتَفِعُونَ بِهِ، وَأَبْدَلَهُمُ اللَّهُ مَكَانَ جَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ، وَذَلِكَ حِينَ عَصَوْا، وَبَطَرُوا الْمَعِيشَةَ» وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَشْبَهُ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ ظَاهَرُ التَّنْزِيلِ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَخْبَرَ أَنَّهُ أَرْسَلَ عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ، وَلَا يَكُونُ إِرْسَالُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ إِلَّا بِإِسَالَتِهِ عَلَيْهِمْ، أَوْ عَلَى جَنَّاتِهِمْ وَأَرْضِهِمْ، لَا بِصَرْفِهِ عَنْهُمْ
١٩ / ٢٥٤
وَقَوْلُهُ: ﴿وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَجَعَلْنَا لَهُمْ مَكَانَ بَسَاتِينِهِمْ مِنَ الْفَوَاكِهِ وَالثِّمَارِ، بَسَاتِينَ مِنْ جَنَى ثَمَرِ الْأَرَاكِ، وَالْأَرَاكُ: هُوَ الْخَمْطُ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٩ / ٢٥٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «أَبْدَلَهُمُ اللَّهُ مَكَانَ جَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ، وَالْخَمْطُ: الْأَرَاكُ»
١٩ / ٢٥٥
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ﴾ قَالَ: «أَرَاهُ قَالَ: الْخَمْطُ: الْأَرَاكُ»
١٩ / ٢٥٥
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُمَارَةَ، قَالَ: ثني عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي يَحْيَى، عَنْ مُجَاهِدٍ، ﴿أُكُلٍ خَمْطٍ﴾ [سبأ: ١٦] قَالَ: «الْخَمْطُ: الْأَرَاكُ»
١٩ / ٢٥٥
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ﴿ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ﴾ قَالَ: «الْأَرَاكُ»
١٩ / ٢٥٦
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ﴾ «وَالْخَمْطُ: الْأَرَاكُ، وَأُكُلُهُ: بَرِيرُهُ»
١٩ / ٢٥٦
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ﴾ قَالَ: «بَدَّلَهُمُ اللَّهُ بِجِنَانِ الْفَوَاكِهِ وَالْأَعْنَابِ، إِذْ أَصْبَحَتْ جَنَّاتُهُمْ خَمْطًا، وَهُوَ الْأَرَاكُ»
١٩ / ٢٥٦
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ﴾ [سبأ: ١٦] قَالَ: «أَذْهَبَ تِلْكَ الْقُرَى وَالْجَنَّتَيْنِ، وَأَبْدَلَهُمُ الَّذِي أَخْبَرَكَ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ؛ قَالَ: فَالْخَمْطُ: الْأَرَاكُ، قَالَ: جَعَلَ مَكَانَ الْعِنَبِ أَرَاكًا، وَالْفَاكِهَةِ أَثْلًا، وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ» وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ بِتَنْوِينِ أُكُلٍ غَيْرَ أَبِي عَمْرٍو، فَإِنَّهُ يُضِيفُهَا إِلَى الْخَمْطِ، بِمَعْنَى: ذَوَاتَيْ ثَمَرِ خَمْطٍ وَأَمَّا الَّذِينَ لَمْ يُضِيفُوا ذَلِكَ إِلَى الْخَمْطِ، وَيُنَوِّنُونَ الْأُكُلَ، فَإِنَّهُمْ جَعَلُوا
١٩ / ٢٥٦
الْخَمْطَ هُوَ الْأَكْلُ، فَرَدُّوهُ عَلَيْهِ فِي إِعْرَابِهِ وَبِضَمِّ الْأَلِفِ وَالْكَافِ مِنَ الْأُكُلِ قَرَأَتْ قُرَّاءُ الْأَمْصَارِ، غَيْرُ نَافِعٍ، فَإِنَّهُ كَانَ يُخَفِّفُ مِنْهَا وَالصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَهُ: ﴿ذَوَاتَيْ أُكُلٍ﴾ بِضَمِّ الْأَلِفِ وَالْكَافِ لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَيْهِ، وَبِتَنْوِينِ أُكُلٍ لِاسْتِفَاضَةِ الْقِرَاءَةِ بِذَلِكَ فِي قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ أَرَى خَطَأَ قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ بِإِضَافَتِهِ إِلَى الْخَمْطِ؛ وَذَلِكَ فِي إِضَافَتِهِ وَتَرْكِ إِضَافَتِهِ، نَظِيرُ قَوْلِ الْعَرَبِ: فِي بُسْتَانِ فُلَانٍ أَعْنَابُ كَرْمٍ وَأَعْنَابُ كَرْمٍ، فَتُضِيفُ أَحْيَانًا الْأَعْنَابَ إِلَى الْكَرْمِ، لِأَنَّهَا مِنْهُ، وَتُنَوَّنُ أَحْيَانًا، ثُمَّ تُتَرْجَمُ بِالْكَرْمِ عَنْهَا، إِذْ كَانَتِ الْأَعْنَابُ ثَمَرَ الْكَرْمِ وَأَمَّا الْأَثْلُ فَإِنَّهُ يُقَالُ لَهُ الطَّرْفَاءُ؛ وَقِيلَ: شَجَرٌ شَبِيهٌ بِالطَّرْفَاءِ، غَيْرَ أَنَّهُ أَعْظَمُ مِنْهَا وَقِيلَ: إِنَّهَا السَّمُرُ
١٩ / ٢٥٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﴿وَأَثْلٍ﴾ [سبأ: ١٦]، قَالَ: «الْأَثْلُ: الطَّرْفَاءُ»
١٩ / ٢٥٧
وَقَوْلُهُ: ﴿وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ﴾ [سبأ: ١٦] يَقُولُ: ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ
١٩ / ٢٥٧
وَكَانَ قَتَادَةُ يَقُولُ فِي ذَلِكَ مَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثني سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ﴾ قَالَ: «بَيْنَمَا شَجَرُ الْقَوْمِ خَيْرُ الشَّجَرِ، إِذْ صَيَّرَهُ اللَّهُ مِنْ شَرِّ الشَّجَرِ بِأَعْمَالِهِمْ»
١٩ / ٢٥٨
وَقَوْلُهُ: ﴿ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا﴾ [سبأ: ١٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: هَذَا الَّذِي فَعَلْنَا بِهَؤُلَاءِ الْقَوْمِ مِنْ سَبَأٍ مِنْ إِرْسَالِنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ، حَتَّى هَلَكَتْ أَمْوَالُهُمْ، وَخَرِبَتْ جَنَّاتُهُمْ، جَزَاءً مِنَّا عَلَى كُفْرِهِمْ بِنَا، وَتَكْذِيبِهِمْ رُسُلَنَا وَذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ﴾ [الأنعام: ١٤٦] فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِوُقُوعِ جَزَيْنَاهُمْ عَلَيْهِ؛ وَمَعْنَى الْكَلَامِ: جَزَيْنَاهُمْ ذَلِكَ بِمَا كَفَرُوا
١٩ / ٢٥٨
وَقَوْلُهُ: ﴿وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ﴾ [سبأ: ١٧] اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَتِهِ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ، وَبَعْضُ أَهْلِ الْكُوفَةِ: (وَهَلْ يُجَازَى) بِالْيَاءِ وَبِفَتْحِ الزَّايِ عَلَى وَجْهِ مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ إِلَّا الْكَفُورُ، رَفَعَا، وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ: ﴿وَهَلْ نُجَازِي﴾ [سبأ: ١٧] بِالنُّونِ وَبِكَسْرِ الزَّايِ ﴿إِلَّا الْكَفُورَ﴾ [سبأ: ١٧] بِالنَّصْبِ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ فِي قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ، مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ وَمَعْنَى الْكَلَامِ: كَذَلِكَ كَافَأْنَاهُمْ عَلَى كُفْرِهِمْ بِاللَّهِ، وَهَلْ يُجَازَى إِلَّا الْكَفُورَ لِنِعْمَةِ اللَّهِ؟
١٩ / ٢٥٨
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: أَوَمَا يَجْزِي اللَّهُ أَهْلَ الْإِيمَانِ بِهِ عَلَى أَعْمَالِهِمُ الصَّالِحَةِ، فَيَخُصُّ أَهْلَ الْكُفْرِ بِالْجَزَاءِ؟ فَيُقَالُ: وَهَلْ يُجَازَى إِلَّا الْكُفُورَ؟ قِيلَ: إِنَّ الْمُجَازَاةَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: الْمُكَافَأَةُ، وَاللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ وَعَدَ أَهْلَ الْإِيمَانِ بِهِ التَّفَضُّلَ عَلَيْهِمْ، وَأَنْ يَجْعَلَ لَهُمْ بِالْوَاحِدَةِ مِنْ أَعْمَالِهِمُ الصَّالِحَةِ عَشْرَ أَمْثَالِهَا إِلَى مَا لَا نِهَايَةَ لَهُ مِنَ التَّضْعِيفِ، وَوَعَدَ الْمُسِيءَ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ يَجْعَلَ بِالْوَاحِدَةِ مِنْ سَيِّئَاتِهِ مِثْلَهَا مُكَافَأَةً لَهُ عَلَى جُرْمِهِ، وَالْمُكَافَأَةُ لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ وَالْكُفْرِ، وَالْجَزَاءُ لِأَهْلِ الْإِيمَانِ مَعَ التَّفَضُّلِ، فَلِذَلِكَ قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: وَهَلْ يُجَازَى إِلَّا الْكُفُورُ؟ كَأَنَّهُ قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: لَا يُجَازَى: لَا يُكَافَأُ عَلَى عَمَلِهِ إِلَّا الْكَفُورَ، إِذَا كَانَتِ الْمُكَافَأَةُ مِثْلَ الْمُكَافَأِ عَلَيْهِ، وَاللَّهُ لَا يَغْفِرُ لَهُ مِنْ ذُنُوبِهِ شَيْئًا، وَلَا يُمَحَّصُ شَيْءٌ مِنْهَا فِي الدُّنْيَا. وَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَإِنَّهُ يَتَفَضَّلُ عَلَيْهِ عَلَى مَا وَصَفْتُ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٩ / ٢٥٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ﴿وَهَلْ نُجَازِي﴾ [سبأ: ١٧] «نُعَاقِبُ»
١٩ / ٢٥٩
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكُفُورَ﴾ [سبأ: ١٧] ” إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِذَا أَرَادَ بِعَبْدِهِ كَرَامَةً تَقَبَّلَ حَسَنَاتِهِ، وَإِذَا أَرَادَ بِعَبْدِهِ هَوَانًا أَمْسَكَ عَلَيْهِ ذُنُوبَهُ حَتَّى يُوَافَى بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. قَالَ: وَذَكَرَ لَنَا أَنَّ رَجُلًا بَيْنَمَا هُوَ فِي طَرِيقٍ مِنْ طَرِيقِ الْمَدِينَةِ، إِذَا مَرَّتْ بِهِ امْرَأَةٌ، فَأَتْبَعَهَا بَصَرَهُ، حَتَّى أَتَى عَلَى حَائِطٍ، فَشَّجَ وَجْهَهُ، فَأَتَى نَبِيُّ اللَّهِ وَوَجْهُهُ يَسِيلُ دَمًا، فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ لَهُ نَبِيُّ اللَّهِ: «إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَرَادَ بِعَبْدٍ كَرَامَةً، عَجَلَ لَهُ عُقُوبَةَ ذَنْبِهِ فِي الدُّنْيَا، وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ هَوَانًا أَمْسَكَ عَلَيْهِ ذَنْبَهُ حَتَّى يُوَافَى بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، كَأَنَّهُ عَبَرَ أَبْتَرَ»
١٩ / ٢٦٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً، وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ، سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ﴾ [سبأ: ١٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُخْبِرًا عَنْ نِعْمَتِهِ الَّتِي كَانَ أَنْعَمَهَا عَلَى هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَ بَلَدِهِمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَهِيَ الشَّامُ، قُرًى ظَاهِرَةً وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٩ / ٢٦٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي ⦗٢٦١⦘ الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبَى نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا﴾ [سبأ: ١٨] قَالَ: «الشَّامُ»
١٩ / ٢٦٠
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا﴾ [سبأ: ١٨] «يَعْنِي الشَّامَ»
١٩ / ٢٦١
حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: ثنا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ﴿الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا﴾ [سبأ: ١٨] قَالَ: «الشَّامُ» وَقِيلَ: عُنِيَ بِالْقُرَى الَّتِي بُورِكَ فِيهَا بَيْتَ الْمَقْدِسِ
١٩ / ٢٦١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ﴿وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً﴾ [سبأ: ١٨] قَالَ: الْأَرْضُ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا: هِيَ الْأَرْضُ الْمُقَدَّسَةُ “
١٩ / ٢٦١
وَقَوْلُهُ: ﴿قُرًى ظَاهِرَةً﴾ [سبأ: ١٨] يَعْنِي: قُرًى مُتَّصِلَةٌ، وَهِيَ قُرًى عَرَبِيَّةٌ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٩ / ٢٦١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ، فِي ⦗٢٦٢⦘ قَوْلِهِ: ﴿وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً﴾ [سبأ: ١٨] قَالَ: «قُرًى مُتَوَاصِلَةٌ، قَالَ: كَانَ أَحَدُهُمْ يَغْدُو فَيَقِيلُ فِي قَرْيَةٍ وَيَرُوحُ، فَيَأْوِي إِلَى قَرْيَةٍ أُخْرَى قَالَ: وَكَانَتِ الْمَرْأَةُ تَضَعُ زَنْبِيلَهَا عَلَى رَأْسِهَا، ثُمَّ تَمُتُّهُنَّ بِمِغْزَلِهَا، فَلَا تَأْتِي بَيْتَهَا حَتَّى يَمْتَلِئَ مِنْ كُلِّ الثِّمَارِ»
١٩ / ٢٦١
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿قُرًى ظَاهِرَةً﴾ [سبأ: ١٨] «أَيْ مُتَوَاصِلَةٌ»
١٩ / ٢٦٢
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنَّى أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثَنَّى أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿قُرًى ظَاهِرَةً﴾ [سبأ: ١٨] «يَعْنِي: قُرًى عَرَبِيَّةً، بَيْنَ الْمَدِينَةِ وَالشَّامِ»
١٩ / ٢٦٢
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَّى أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿قُرًى ظَاهِرَةً﴾ [سبأ: ١٨] قَالَ: «السَّرَوَاتُ»
١٩ / ٢٦٢
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿قُرًى ظَاهِرَةً﴾ [سبأ: ١٨] «يَعْنِي: قُرًى عَرَبِيَّةً، وَهِيَ بَيْنَ الْمَدِينَةِ وَالشَّامِ»
١٩ / ٢٦٢
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً﴾ [سبأ: ١٨] قَالَ: «كَانَ بَيْنَ قَرْيَتِهِمْ وَبَيْنَ الشَّامِ قُرًى ظَاهِرَةً، قَالَ: إِنْ كَانَتِ الْمَرْأَةُ لَتَخْرُجُ مَعَهَا مِغْزَلُهَا وَمِكْتَلُهَا عَلَى رَأْسِهَا، تَرُوحُ مِنْ قَرْيَةٍ وَتَغْدُوهَا، وَتَبِيتُ فِي قَرْيَةٍ لَا تَحْمِلُ زَادًا وَلَا مَاءً لِمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الشَّامِ»
١٩ / ٢٦٣
وَقَوْلُهُ: ﴿وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ﴾ [سبأ: ١٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَجَعَلْنَا بَيْنَ قُرَاهُمْ وَالْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا سَيْرًا مُقَدَّرًا مِنْ مَنْزِلٍ إِلَى مَنْزِلٍ، وَقَرْيَةٍ إِلَى قَرْيَةٍ، لَا يَنْزِلُونَ إِلَّا فِي قَرْيَةٍ، وَلَا يَغْدُونَ إِلَّا مِنْ قَرْيَةٍ
١٩ / ٢٦٣
وَقَوْلُهُ: ﴿سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ﴾ [سبأ: ١٨] يَقُولُ: وَقُلْنَا لَهُمْ سِيرُوا فِي هَذِهِ الْقُرَى مَا بَيْنَ قُرَاكُمْ وَالْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا، آمِنِينَ لَا تَخَافُونَ جُوعًا وَلَا عَطَشًا، وَلَا مِنْ أَحَدٍ ظُلْمًا وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٩ / ٢٦٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ﴾ [سبأ: ١٨] «لَا يَخَافُونَ ظُلْمًا وَلَا جُوعًا، وَإِنَّمَا يَغْدُونَ فَيَقِيلُونَ، وَيَرُوحُونَ فَيُبَيَّتُونَ فِي قَرْيَةِ أَهْلِ جَنَّةٍ وَنَهَرٍ، حَتَّى لَقَدْ ذَكَرَ لَنَا أَنَّ الْمَرْأَةَ كَانَتْ تَضَعُ مِكْتَلَهَا عَلَى رَأْسِهَا، وَتَمْتَهِنُ بِيَدِهَا، فَيَمْتَلِئُ مِكْتَلُهَا مِنَ الثَّمَرِ قَبْلَ أَنْ تَرْجِعَ إِلَى ⦗٢٦٤⦘ أَهْلِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ تَخْتَرِفَ شَيْئًا، وَكَانَ الرَّجُلُ يُسَافَرُ لَا يَحْمِلُ مَعَهُ زَادًا وَلَا سِقَاءً مِمَّا بَسَطَ لِلْقَوْمِ»
١٩ / ٢٦٣
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَأَيَّامًا آمِنِينَ﴾ [سبأ: ١٨] قَالَ: «لَيْسَ فِيهَا خَوْفٌ»
١٩ / ٢٦٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ﴾ [سبأ: ١٩] اخْتَلَفَ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا﴾ [سبأ: ١٩] فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَالْكُوفَةِ: ﴿رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا﴾ [سبأ: ١٩] عَلَى وَجْهِ الدُّعَاءِ وَالْمَسْأَلَةِ بِالْأَلِفِ؛ وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ أَهْلِ مَكَّةَ وَالْبَصْرَةِ: (بَعِّدْ) بِتَشْدِيدِ الْعَيْنِ عَلَى الدُّعَاءِ أَيْضًا وَذُكِرَ عَنِ الْمُتَقَدِّمِينَ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهُ: رَبَّنَا بَاعَدَ بَيْنَ أَسْفَارِنَا عَلَى وَجْهِ الْخَبَرِ مِنَ اللَّهِ أَنَّ اللَّهَ فَعَلَ ذَلِكَ بِهِمْ. وَحُكِيَ عَنْ آخَرَ أَنَّهُ قَرَأَهُ: رَبَّنَا بَعَّدَ عَلَى وَجْهِ الْخَبَرِ أَيْضًا غَيْرَ أَنَّ الرَّبَّ مُنَادًى
١٩ / ٢٦٤
وَالصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا: ﴿رَبَّنَا بَاعِدْ﴾ [سبأ: ١٩] وَبَعِّدْ لِأَنَّهُمَا الْقِرَاءَتَانِ الْمَعْرُوفَتَانِ فِي قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ وَمَا عَدَاهُمَا فَغَيْرُ مَعْرُوفٍ فِيهِمْ؛ عَلَى أَنَّ التَّأْوِيلَ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ أَيْضًا يُحَقِّقُ قِرَاءَةَ مَنْ قَرَأَهُ عَلَى وَجْهِ الدُّعَاءِ وَالْمَسْأَلَةِ، وَذَلِكَ أَيْضًا مِمَّا يَزِيدُ الْقِرَاءَةَ الْأُخْرَى بُعْدًا مِنَ الصَّوَابِ فَإِذَا كَانَ هُوَ الصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَةِ، فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ: فَقَالُوا: يَا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا، فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الشَّامِ فَلَوَاتٍ وَمَفَاوِزٍ، لِنَرْكَبَ فِيهَا الرَّوَاحِلَ، وَنَتَزَوَّدُ مَعَنَا فِيهَا الْأَزْوَادَ؛ وَهَذَا مِنَ الدَّلَالَةِ عَلَى بَطْرِ الْقَوْمِ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وَإِحْسَانِهِ إِلَيْهِمْ، وَجَهْلِهِمْ بِمِقْدَارِ الْعَافِيَةِ؛ وَلَقَدْ عَجَّلَ لَهُمْ رَبُّهُمُ الْإِجَابَةَ، كَمَا عَجَّلَ لِلْقَائِلِينَ: ﴿إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [الأنفال: ٣٢] أَعْطَاهُمْ مَا رَغِبُوا إِلَيْهِ فِيهِ وَطَلَبُوا مِنَ الْمَسْأَلَةِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٩ / ٢٦٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي أَبُو حُصَيْنٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ، قَالَ: ثنا عَبْثَرٌ، قَالَ: ثنا حُصَيْنٌ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ، فِي هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا﴾ [سبأ: ١٩] قَالَ: «كَانَتْ لَهُمْ قُرًى مُتَّصِلَةٌ بِالْيَمَنِ، كَانَ بَعْضُهَا يَنْظُرُ إِلَى بَعْضٍ، فَبَطَرُوا ذَلِكَ، وَقَالُوا: رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا، قَالَ: فَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ، وَجَعَلَ طَعَامَهُمْ أَثْلًا وَخَمْطًا وَشَيْئًا مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ»
١٩ / ٢٦٥
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ ⦗٢٦٦⦘ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ﴾ [سبأ: ١٩] قَالَ: «فَإِنَّهُمْ بَطَرُوا عَيْشَهُمْ، وَقَالُوا: لَوْ كَانَ جَنَى جَنَّاتِنَا أَبْعَدَ مِمَّا هِيَ كَانَ أَجْدَرَ أَنْ نَشْتَهِيهِ، فَمَزَّقُوا بَيْنَ الشَّامِ وَسَبأٍ، وَبَدَّلُوا بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ، وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ»
١٩ / ٢٦٥
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا﴾ [سبأ: ١٩] ” بَطِرَ الْقَوْمُ نِعْمَةَ اللَّهِ، وَغَمَطُوا كَرَامَةَ اللَّهِ، قَالَ اللَّهُ ﴿وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ﴾ [سبأ: ١٩]
١٩ / ٢٦٦
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا﴾ [سبأ: ١٩] ” حَتَّى نَبِيتُ فِي الْفَلَوَاتِ وَالصَّحَارِي ﴿وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ﴾ [سبأ: ١٩]
١٩ / ٢٦٦
وَقَوْلُهُ ﴿وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ﴾ [سبأ: ١٩] وَكَانَ ظُلْمُهُمْ إِيَّاهَا عِمْلَهُمْ بِمَا يَسْخَطُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ مَعَاصِيهِ، مِمَّا يُوجِبُ لَهُمْ عِقَابَ اللَّهِ ﴿فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ﴾ [سبأ: ١٩] يَقُولُ: صَيَّرِنَاهُمْ أَحَادِيثَ لِلنَّاسِ يَضْرِبُونَ بِهِمُ الْمَثَلَ فِي السَّبِّ، فَيُقَالُ: تَفَرَّقَ الْقَوْمُ أَيَادِيَ سَبًّا، وَأَيْدِي سَبًّا، إِذَا تَفَرَّقُوا وَتُقَطَّعُوا
١٩ / ٢٦٦
وَقَوْلِهِ ﴿وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ﴾ [سبأ: ١٩] يَقُولُ: وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْبِلَادِ كُلِّ مَقْطَعٍ
١٩ / ٢٦٦
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿وَظَلَمُوا ⦗٢٦٧⦘ أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ﴾ [سبأ: ١٩] قَالَ قَتَادَةُ: قَالَ عَامِرٌ الشَّعْبِيُّ: «أَمَّا غَسَّانُ فَقَدْ لَحِقُوا بِالشَّامِ، وَأَمَّا الْأَنْصَارُ فَلَحِقُوا بِيَثْرِبَ، وَأَمَّا خُزَاعَةُ فَلَحِقُوا بِتِهَامَةَ، وَأَمَّا الْأَزْدُ فَلَحِقُوا بِعُمَانَ»
١٩ / ٢٦٦
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: “يَزْعُمُونَ أَنَّ عِمْرَانَ بْنَ عَامِرٍ، وَهُوَ عَمُّ الْقَوْمِ كَانَ كَاهِنًا فَرَأَى فِي كَهَانَتِهِ أَنَّ قَوْمَهُ سَيُمَزَّقُونَ وَيَتَبَاعَدُونَ، فَقَالَ لَهُمْ: إِنِّي قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكُمْ سَتُمَزَّقُونَ، فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ ذَا هَمٍّ بَعِيدٍ، وَجَمَلٍ شَدِيدٍ، وَمَزَادٍ جَدِيدٍ، فَلْيَلْحَقْ بِكَأْسٍ أَوْ كَرُودٍ، قَالَ: فَكَانَتْ وَادِعَةُ بْنُ عَمْرٍو؛ وَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ ذَا هَمٍّ مُدْنٍ، وَأَمْرَدٍ عَنٍ، فَلْيَلْحَقْ بِأَرْضٍ شَنَّ، فَكَانَتْ عَوْفُ بْنُ عَمْرٍو، وَهُمُ الَّذِينَ يُقَالُ لَهُمْ بَارِقٌ؛ وَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُرِيدُ عَيْشًا آيِنًا، وَحَرَمًا آمِنًا، فَلْيَلْحَقْ بِالْأَرْزَيْنِ، فَكَانَتْ خُزَاعَةُ؛ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ الرَّاسِيَاتِ فِي الْوَحْلِ، الْمُطْعِمَاتِ فِي الْمُحِلِّ، فَلْيَلْحَقْ بِيَثْرِبَ ذَاتِ النَّخْلِ، فَكَانَتِ الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ فَهُمَا هَذَانِ الْحَيَّانِ مِنَ الْأَنْصَارِ؛ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ خَمْرًا وَخَمِيرًا، وَذَهَبًا وَحَرِيرًا، وَمُلْكًا وَتَأْمِيرًا فَلْيَلْحَقْ بِكُوثَى وَبُصْرَى،
١٩ / ٢٦٧
فَكَانَتْ غَسَّانُ بَنُو جَفْنَةَ مُلُوكَ الشَّامِ وَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ بِالْعِرَاقِ ” قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: قَدْ سَمِعْتُ بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُ: إِنَّمَا قَالَتْ هَذِهِ الْمَقَالَةَ طُرَيْفَةُ امْرَأَةُ عِمْرَانَ بْنِ عَامِرٍ، وَكَانَتْ كَاهِنَةً، فَرَأَتْ فِي كَهَانَتِهَا ذَلِكَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَيُّ ذَلِكَ كَانَ؛ قَالَ: فَلَمَّا تَفَرَّقُوا، نَزَلُوا عَلَى كَهَانَةِ عِمْرَانَ بْنِ عَامِرٍ
١٩ / ٢٦٨
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ﴾ [إبراهيم: ٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ فِي تَمْزِيقِنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ ﴿لَآيَاتٍ﴾ [البقرة: ١٦٤] يَقُولُ: لَعِظَةً وَعِبْرَةً وَدِلَالَةً عَلَى وَاجِبِ حَقِّ اللَّهِ عَلَى عَبْدِهِ مِنَ الشُّكْرِ عَلَى نِعَمِهِ إِذَا أَنْعَمَ عَلَيْهِ، وَحَقِّهِ مِنَ الصَّبْرِ عَلَى مِحْنَتِهِ إِذَا امْتَحَنَهُ بِبَلَاءٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ عَلَى نِعَمِهِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٩ / ٢٦٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ﴾ [إبراهيم: ٥] كَانَ مُطَرِّفٌ يَقُولُ: «نِعْمَ الْعَبْدُ الصَّبَّارُ الشَّكُورُ، الَّذِي إِذَا أُعْطِيَ شَكَرَ، وَإِذَا ابْتُلِيَ صَبَرَ»
١٩ / ٢٦٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [سبأ: ٢٠]
١٩ / ٢٦٨
اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ﴾ [سبأ: ٢٠] فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفِيِّينَ: ﴿وَلَقَدْ صَدَّقَ﴾ [سبأ: ٢٠] بِتَشْدِيدِ الدَّالِ مِنْ صَدَّقَ، بِمَعْنَى أَنَّهُ قَالَ ظَنًّا مِنْهُ: ﴿وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ﴾ [الأعراف: ١٧]، وَقَالَ: ﴿فَبِعِزَّتِكَ لَأَغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ﴾ [ص: ٨٣]، ثُمَّ صَدَّقَ ظَنَّهُ ذَلِكَ فِيهِمْ، فَحَقَّقَ ذَلِكَ بِهِمْ، وَبِاتِّبَاعِهِمْ إِيَّاهُ وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَالشَّامِ وَالْبَصْرَةِ (وَلَقَدْ صَدَقَ) بِتَخْفِيفِ الدَّالِ، بِمَعْنَى: وَلَقَدْ صَدَقَ عَلَيْهِمْ ظَنُّهُ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى؛ وَذَلِكَ أَنَّ إِبْلِيسَ قَدْ صَدَّقَ عَلَى كُفْرِهِ بَنِي آدَمَ فِي ظَنِّهِ، وَصَدَقَ عَلَيْهِمْ ظَنُّهُ الَّذِي ظَنَّ حِينَ قَالَ: ﴿ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمَنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ﴾ [الأعراف: ١٧]، وَحِينَ قَالَ: ﴿وَلَأُضِلِّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ﴾ [النساء: ١١٩] الْآيَةَ، قَالَ ذَلِكَ عَدُوُّ اللَّهِ، ظَنًّا مِنْهُ أَنَّهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ لَا عِلْمًا، فَصَارَ ذَلِكَ حَقًّا بِاتِّبَاعِهِمْ إِيَّاهُ، فَبِأَيٍّ الْقِرَاءَتَيْنِ قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ بِتَشْدِيدِ الدَّالِ: وَلَقَدْ ظَنَّ إِبْلِيسُ بِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ بَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ، عُقُوبَةً مِنَّا لَهُمْ، ظَنًّا غَيْرَ يَقِينٍ، عَلِمَ أَنَّهُمْ يَتَّبِعُونَهُ وَيُطِيعُونَهُ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ، فَصَدَقَ ظَنُّهُ عَلَيْهِمْ، بِإِغْوَائِهِ إِيَّاهُمْ، حَتَّى أَطَاعُوهُ، وَعَصَوْا رَبَّهُمْ، إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بِاللَّهِ، فَإِنَّهُمْ ثَبَتُوا عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ وَمَعْصِيَةِ إِبْلِيسَ
١٩ / ٢٦٩
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٩ / ٢٧٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: ثنا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا حَجَّاجٌ، عَنْ هَارُونَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الْجَوْزَاءِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَرَأَ: ﴿وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ﴾ [سبأ: ٢٠] مُشَدَّدَةً، وَقَالَ: «ظَنَّ ظَنًّا، فَصَدَّقَ ظَنَّهُ»
١٩ / ٢٧٠
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ﴿وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ﴾ [سبأ: ٢٠] قَالَ: «ظَنَّ ظَنًّا فَاتَّبَعُوا ظَنَّهُ»
١٩ / ٢٧٠
قَالَ: ثنا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ﴾ [سبأ: ٢٠] «قَالَ اللَّهُ: مَا كَانَ إِلَّا ظَنًّا ظَنَّهُ، وَاللَّهُ لَا يُصَدِّقُ كَاذِبًا، وَلَا يُكَذِّبُ صَادِقًا»
١٩ / ٢٧٠
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ﴾ [سبأ: ٢٠] قَالَ: “أَرَأَيْتَ هَؤُلَاءَ الَّذِينَ كَرَّمْتَهُمْ عَلَيَّ، وَفَضَّلْتَهُمْ وَشَرَّفْتَهُمْ، لَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ، وَكَانَ ذَلِكَ ظَنًّا مِنْهُ بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَقَالَ اللَّهُ: ﴿فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [سبأ: ٢٠]
١٩ / ٢٧٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ﴾ [سبأ: ٢١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمَا كَانَ لِإِبْلِيسَ عَلَى هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ ⦗٢٧١⦘ الَّذِينَ وَصَفَ صِفَتَهُمْ مِنْ حُجَّةٍ يُضِلُّهُمْ بِهَا، إِلَّا بِتَسْلِيطِنَاهُ عَلَيْهِمْ، لِيَعْلَمَ حِزْبُنَا وَأَوْلِيَاؤُنَا ﴿مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ﴾ [سبأ: ٢١] يَقُولُ: مَنْ يُصَدِّقُ بِالْبَعْثِ وَالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ ﴿مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ﴾ [سبأ: ٢١] فَلَا يُوقِنُ بِالْمِيعَادِ، وَلَا يُصَدِّقُ بِثَوَابٍ وَلَا عِقَابٍ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٩ / ٢٧٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ﴾ [سبأ: ٢١] قَالَ: قَالَ الْحَسَنُ: «وَاللَّهِ مَا ضَرَبَهُمْ بِعَصَا وَلَا سَيْفٍ وَلَا سَوْطٍ، إِلَّا أَمَانِيًّ وَغُرُورًا دَعَاهُمْ إِلَيْهَا»
١٩ / ٢٧١
قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ﴾ [سبأ: ٢١] قَالَ: «وَإِنَّمَا كَانَ بَلَاءً لِيَعْلَمَ اللَّهُ الْكَافِرَ مِنَ الْمُؤْمِنِ» وَقِيلَ: عُنِيَ بِقَوْلِهِ: ﴿إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ﴾ [سبأ: ٢١] إِلَّا لِنَعْلَمَ ذَلِكَ مَوْجُودًا ظَاهِرًا لِيَسْتَحِقَّ بِهِ الثَّوَابَ أَوِ الْعِقَابَ
١٩ / ٢٧١
وَقَوْلُهُ: ﴿وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ﴾ [سبأ: ٢١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَرَبُّكَ يَا مُحَمَّدُ عَلَى أَعْمَالِ هَؤُلَاءِ الْكَفَرَةِ بِهِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا ﴿حَفِيظٌ﴾ [هود: ٥٧] لَا يَعْزُبُ عَنْهُ عِلْمُ شَيْءٍ مِنْهُ، وَهُوَ مَجَازٍ جَمِيعَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، بِمَا كَسَبُوا فِي الدُّنْيَا مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ
١٩ / ٢٧٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَهَذَا فِعْلُنَا بِوَلِيِّنَا وَمَنْ أَطَاعَنَا، دَاوُدُ وَسُلَيْمَانُ الَّذِي فَعَلْنَا بِهِمَا مِنْ إِنْعَامِنَا عَلَيْهِمَا النِّعَمَ الَّتِي لَا كِفَاءَ لَهَا إِذْ شَكَرَانَا، وَذَاكَ فِعْلُنَا بِسَبَإٍ الَّذِينَ فَعَلْنَا بِهِمْ، إِذْ بَطَرُوا نِعْمَتَنَا، وَكَذَّبُوا رُسُلَنَا، وَكَفَرُوا أَيَادِينَا، فَقُلْ يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ بِرَبِّهِمْ مِنْ قَوْمِكَ، الْجَاحِدِينَ نِعَمَنَا عِنْدَهُمُ: ادْعُوا أَيُّهَا الْقَوْمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ لِلَّهِ شَرِيكٌ مِنْ دُونِهِ، فَسَلُوهُمْ أَنْ يَفْعَلُوا بِكُمْ بَعْضَ أَفْعَالِنَا، بِالَّذِينَ وَصَفْنَا أَمْرَهُمْ مِنْ إِنْعَامٍ أَوِ إِيَاسٍ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَى ذَلِكَ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُبْطِلُونَ، لِأَنَّ الشَّرِكَةَ فِي الرُّبُوبِيَّةِ لَا تَصْلُحُ وَلَا تَجُوزُ، ثُمَّ وَصَفَ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ، فَقَالَ: إِنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ مِنْ خَيْرٍ وَلَا شَرٍّ وَلَا ضُرٍّ وَلَا نَفْعٍ، فَكَيْفَ يَكُونُ إِلَهًا مَنْ كَانَ كَذَلِكَ
١٩ / ٢٧٢
وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ﴾ [سبأ: ٢٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَا هُمْ إِذْ لَمْ يَكُونُوا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ، مُنْفَرِدِينَ بِمُلْكِهِ مِنْ ⦗٢٧٣⦘ دُونِ اللَّهِ، يَمْلِكُونَهُ عَلَى وَجْهِ الشَّرِكَةِ، لِأَنَّ الْأَمْلَاكَ فِي الْمَمْلُوكَاتِ، لَا تَكُونُ لِمَالِكِهَا إِلَّا عَلَى أَحَدِ وَجْهَيْنِ: إِمَّا مَقْسُومًا، وَإِمَّا مُشَاعًا؛ يَقُولُ: وَآلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ، لَا يَمْلِكُونَ وَزْنَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ، لَا مُشَاعًا وَلَا مَقْسُومًا، فَكَيْفَ يَكُونُ مَنْ كَانَ هَكَذَا شَرِيكًا لِمَنْ لَهُ مُلْكُ جَمِيعِ ذَلِكَ
١٩ / ٢٧٢
وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ﴾ [سبأ: ٢٢] يَقُولُ: وَمَا لِلَّهِ مِنَ الْآلِهَةِ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مُعِينٌ عَلَى خَلْقِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا عَلَى حِفْظِهِ، إِذْ لَمْ يَكُنْ لَهَا مُلْكُ شَيْءٍ مِنْهُ مُشَاعًا وَلَا مَقْسُومًا، فَيُقَالُ: هُوَ لَكَ شَرِيكٌ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ أَعَانَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِلْكُ شَيْءٍ مِنْهُ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٩ / ٢٧٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ﴾ يَقُولُ: «مَا لِلَّهِ مِنْ شَرِيكٍ فِي السَّمَاءِ وَلَا فِي الْأَرْضِ» ﴿وَمَا لَهُ مِنْهُمْ﴾ [سبأ: ٢٢] مِنَ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴿مِنْ ظَهِيرٍ﴾ [سبأ: ٢٢] «مِنْ عَوْنٍ بِشَيْءٍ»
١٩ / ٢٧٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ
١٩ / ٢٧٣
الْكَبِيرُ﴾ [سبأ: ٢٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَا تَنْفَعُ شَفَاعَةُ شَافِعٍ كَائِنًا مَنْ كَانَ الشَّافِعُ لِمَنْ شَفَعَ لَهُ، إِلَّا أَنْ يَشْفَعَ لِمَنْ أَذِنَ اللَّهُ فِي الشَّفَاعَةِ يَقُولُ تَعَالَى: فَإِذَا كَانَتِ الشَّفَاعَاتُ لَا تَنْفَعُ عِنْدَ اللَّهِ أَحَدًا إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ اللَّهُ فِي الشَّفَاعَةِ لَهُ، وَاللَّهُ لَا يَأْذَنُ لِأَحَدٍ مِنْ أَوْلِيَائِهِ فِي الشَّفَاعَةِ لِأَحَدٍ مِنَ الْكَفَرَةِ بِهِ، وَأَنْتُمْ أَهْلُ كُفْرٍ بِهِ أَيُّهَا الْمُشْرِكُونَ، فَكَيْفَ تَعْبُدُونَ مَنْ تَعَبْدُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ زَعْمًا مِنْكُمْ أَنَّكُمْ تَعَبْدُونَهُ، لِيُقَرِّبَكُمْ إِلَى اللَّهِ زُلْفَى، وَلِيَشْفَعَ لَكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ؛ فَمَنْ إِذْ كَانَ هَذَا مَعْنَى الْكَلَامِ الَّتِي فِي قَوْلِهِ ﴿إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ﴾ [سبأ: ٢٣] الْمَشْفُوعُ لَهُ وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿أَذِنَ لَهُ﴾ [طه: ١٠٩] فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ الْقُرَّاءِ بِضَمِّ الْأَلِفِ مِنْ (أُذِنَ لَهُ) عَلَى وَجْهٍ مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ، وَقَرَأَهُ بَعْضُ الْكُوفِيِّينَ: ﴿أَذِنَ لَهُ﴾ [طه: ١٠٩] عَلَى اخْتِلَافٍ أَيْضًا عَنْهُ فِيهِ، بِمَعْنَى أَذِنَ اللَّهُ لَهُ
١٩ / ٢٧٤
وَقَوْلُهُ: ﴿حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ﴾ [سبأ: ٢٣] يَقُولُ: حَتَّى إِذَا جُلِّيَ عَنْ قُلُوبِهِمْ، وَكَشَفَ عَنْهَا الْفَزَعَ وَذَهَبَ ⦗٢٧٥⦘ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٩ / ٢٧٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ﴾ [سبأ: ٢٣] «يَعْنِي: جُلِّيَ»
١٩ / ٢٧٥
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ﴿حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ،﴾ [سبأ: ٢٣] قَالَ: «كُشِفَ عَنْهَا الْغِطَاءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»
١٩ / ٢٧٥
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: «إِذَا جُلِّيَ عَنْ قُلُوبِهِمْ» وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمَوْصُوفِينَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ مَنْ هُمْ؟ وَمَا السَّبَبُ الَّذِي مِنْ أَجَلِهِ فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمُ: الَّذِي فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمُ الْمَلَائِكَةُ، قَالُوا: وَإِنَّمَا يَفْزَعُ عَنْ قُلُوبِهِمْ مِنْ غَشِيَّةٍ تُصِيبُهُمْ عِنْدَ سَمَاعِهِمُ اللَّهَ بِالْوَحْي
١٩ / ٢٧٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ دَاوُدَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ﴾ [سبأ: ٢٣] قَالَ: «إِذَا حَدَثَ أَمْرٌ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ سَمِعَ مَنْ دُونَهُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ صَوْتًا كَجَرِّ السِّلْسِلَةِ عَلَى الصَّفَا، فَيُغْشَى عَلَيْهِمْ، فَإِذَا ذَهَبَ الْفَزَعُ عَنْ قُلُوبِهِمْ تَنَادَوْا: ﴿مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ﴾ [سبأ: ٢٣] قَالَ: فَيَقُولُ مَنْ شَاءَ، قَالَ: الْحَقَّ، وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ»
١٩ / ٢٧٦
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا الْمُعْتَمِرُ، قَالَ: سَمِعْتُ دَاوُدَ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: «إِذَا حَدَثَ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ أَمْرٌ سَمِعَتِ الْمَلَائِكَةُ صَوْتًا كَجَرِّ السِّلْسِلَةِ عَلَى الصَّفَا، قَالَ: فَيُغْشَى عَلَيْهِمْ، فَإِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ، قَالُوا: مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟ قَالَ: فَيَقُولُ مَنْ شَاءَ اللَّهُ: الْحَقَّ، وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ» حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثني عَبْدُ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا دَاوُدُ، عَنْ عَامِرٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّهُ قَالَ: إِذَا حَدَثَ أَمْرٌ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ، ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ مَعْنَاهُ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: فَيَغْشَى عَلَيْهِمْ مِنَ الْفَزَعِ، حَتَّى إِذَا ذَهَبَ ذَلِكَ عَنْهُمْ تَنَادَوْا: مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ
١٩ / ٢٧٦
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ﴾ [سبأ: ٢٣] قَالَ: «إِنَّ الْوَحْيَ إِذَا أُلْقِيَ سَمِعَ أَهْلُ السَّمَوَاتِ صَلْصَلَةً كَصَلْصَلَةِ السِّلْسِلَةِ عَلَى الصَّفْوَانِ، قَالَ: فَيَتَنَادَوْنَ فِي السَّمَوَاتِ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟ قَالَ: فَيَتَنَادَوْنَ: الْحَقَّ، وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ» وَبِهِ عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، مِثْلَهُ
١٩ / ٢٧٦
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَعْقُوبُ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدٍ، قَالَ: «يَنْزِلُ الْأَمْرُ مِنْ عِنْدِ رَبِّ الْعِزَّةِ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَيَفْزَعُ أَهْلُ السَّمَاءِ الدُّنْيَا، حَتَّى يَسْتَبِينَ لَهُمُ الْأَمْرُ الَّذِي نَزَلَ فِيهِ، فَيَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: قَالَ الْحَقَّ، وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ، فَذَلِكَ قَوْلِهِ: ﴿حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ﴾ [سبأ: ٢٣] الْآيَةُ»
١٩ / ٢٧٦
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ الضَّبِّيُّ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: ثنا أَبُو هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: “إِنَّ اللَّهَ إِذَا قَضَى أَمْرًا فِي السَّمَاءِ ضَرَبَتِ الْمَلَائِكَةُ بِأَجْنِحَتِهَا جَمِيعًا، وَلَقَوْلُهُ: صَوْتٌ كَصَوْتِ السِّلْسِلَةِ عَلَى الصَّفَا الصَّفْوَانِ، فَذَلِكَ قَوْلِهِ: ﴿حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ﴾ [سبأ: ٢٣]
١٩ / ٢٧٧
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ: ثنا أَيُّوبُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، قَالَ: قَالَ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ: كَيْفَ يَأْتِيكَ الْوَحْيُ؟ قَالَ: «⦗٢٧٨⦘ يَأْتِينِي فِي صَلْصَلَةٍ كَصَلْصَلَةٍ الْجَرَسِ فَيَفْصِمُ عَنِّي حِينَ يَفْصِمُ وَقَدْ وَعَيْتُهُ، وَيَأْتِي أَحْيَانًا فِي مِثْلِ صُورَةِ الرَّجُلِ، فَيُلَكِّمُنِي بِهِ كَلَامًا، وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيَّ»
١٩ / ٢٧٧
حَدَّثَنِي زَكَرِيَّا بْنُ أَبَانَ الْمِصْرِيِّ، قَالَ: ثنا نُعَيْمٌ، قَالَ: ثنا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي زَكَرِيَّا، عَنْ رَجَاءِ بْنِ حَيْوَةَ، عَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُوحِيَ بِالْأَمْرِ تَكَلَّمَ بِالْوَحْيِ، أَخَذَتِ السَّمَوَاتُ مِنْهُ رَجْفَةً أَوْ قَالَ رَعْدَةً شَدِيدَةً خَوْفَ أَمْرِ اللَّهِ، فَإِذَا سَمِعَ بِذَلِكَ أَهْلُ السَّمَوَاتِ صَعِقُوا وَخَرُّوا لِلَّهِ سُجَّدًا، فَيَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يَرْفَعُ رَأْسَهُ جَبْرَائِيلُ، فَيُكَلِّمُهُ اللَّهُ مِنْ وَحْيِهِ بِمَا أَرَادَ، ثُمَّ يَمُرُّ جَبْرَائِيلُ عَلَى الْمَلَائِكَةِ كُلَّمَا مَرَّ بِسَمَاءٍ سَأَلَهُ مَلَائِكَتُهَا مَاذَا قَالَ رَبُّنَا يَا جَبْرَائِيلُ؟ فَيَقُولُ جَبْرَائِيلُ قَالَ الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ، قَالَ: فَيَقُولُونَ كُلُّهُمْ مِثْلَ مَا قَالَ جَبْرَائِيلُ، فَيَنْتَهِي جَبْرَائِيلُ بِالْوَحْيِ حَيْثُ أَمَرَهُ اللَّهُ»
١٩ / ٢٧٨
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ﴾ [سبأ: ٢٣] الْآيَةَ، قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: «إِنَّ اللَّهَ لَمَّا أَرَادَ أَنْ يُوحِيَ إِلَى مُحَمَّدٍ، دَعَا جِبْرِيلَ، فَلَمَّا تَكَلَّمَ رَبُّنَا بِالْوَحْيِ، كَانَ صَوْتُهُ كَصَوْتِ الْحَدِيدِ عَلَى الصَّفَا؛ فَلَمَّا سَمِعَ أَهْلُ السَّمَوَاتِ صَوْتَ الْحَدِيدِ خَرُّوا سُجَّدًا؛ فَلَمَّا أَتَى عَلَيْهِمْ جَبْرَائِيلُ بِالرِّسَالَةِ رَفَعُوا رُءُوسَهُمْ، فَقَالُوا: ﴿مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ﴾ [سبأ: ٢٣] وَهَذَا قَوْلُ الْمَلَائِكَةِ»
١٩ / ٢٧٩
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ ﴿حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ﴾ [سبأ: ٢٣] إِلَى ﴿وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ﴾ [سبأ: ٢٣] قَالَ: “لَمَّا أَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ إِلَى مُحَمَّدٍ ﷺ دَعَا الرَّسُولَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، فَبَعَثَ بِالْوَحْيِ، سَمِعَتِ الْمَلَائِكَةُ صَوْتَ الْجَبَّارِ يَتَكَلَّمُ بِالْوَحْيِ؛ فَلَمَّا كَشَفَ عَنْ قُلُوبِهِمْ سَأَلُوا عَمَّا قَالَ اللَّهُ، فَقَالُوا: الْحَقَّ، وَعَلِمُوا أَنَّ اللَّهَ لَا يَقُولُ إِلَّا حَقًّا، وَأَنَّهُ مُنْجِزُ مَا وَعَدَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَصَوْتُ الْوَحْيِ كَصَوْتِ الْحَدِيدِ عَلَى الصَّفَا؛ فَلَمَّا سَمِعُوهُ خَرُّوا سُجَّدًا؛ فَلَمَّا رَفَعُوا رُءُوسَهُمْ ﴿قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ﴾ [سبأ: ٢٣] ثُمَّ أَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ ﴿قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَوَاتِ﴾ إِلَى قَوْلِهِ: ﴿فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ [الأنعام: ٧٤]
١٩ / ٢٧٩
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا أَبُو عَامِرٍ، قَالَ: ثنا قُرَّةُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْقَاسِمِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ﴾ [سبأ: ٢٣] الْآيَةَ، قَالَ: “الْوَحْيُ يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ، فَإِذَا ⦗٢٨٠⦘ قَضَاهُ ﴿قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ، قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ﴾ [سبأ: ٢٣]
١٩ / ٢٧٩
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ﴾ [سبأ: ٢٣] قَالَ: “إِنَّ الْوَحْيَ إِذَا قَضَى فِي زَوَايَا السَّمَاءِ، قَالَ: مِثْلُ وَقْعِ الْفُولَاذِ عَلَى الصَّخْرَةِ، قَالَ: فَيُشْفَقُونَ، لَا يَدْرُونَ مَا حَدَثَ، فَيَفْزَعُونَ، فَإِذَا مَرَّتْ بِهِمُ الرُّسُلُ ﴿قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ﴾ [سبأ: ٢٣] وَقَالَ آخَرُونَ مِمَّنْ قَالَ: الْمَوْصُوفُونَ بِذَلِكَ الْمَلَائِكَةُ: إِنَّمَا يُفَزَّعُ عَنْ قُلُوبِهِمْ فَزَعُهُمْ مِنْ قَضَاءِ اللَّهِ الَّذِي يَقْضِيهِ حَذَرًا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ قِيَامَ السَّاعَةِ
١٩ / ٢٨٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ، قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ﴾ [سبأ: ٢٣] الْآيَةَ، قَالَ: «يُوحِي اللَّهُ إِلَى جَبْرَائِيلَ، فَتُفَرَّقَ الْمَلَائِكَةُ، أَوْ تَفْزَعُ مَخَافَةَ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ مِنْ أَمْرِ السَّاعَةِ، فَإِذَا جُلِّيَ عَنْ قُلُوبِهِمْ، وَعَلِمُوا أَنَّهُ لَيْسَ ذَلِكَ مِنْ أَمْرِ السَّاعَةِ ﴿قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ﴾ [سبأ: ٢٣] وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِ مَلَائِكَةِ السَّمَوَاتِ إِذَا مَرَّتْ بِهَا الْمُعَقِّبَاتُ فَزَعًا أَنْ يَكُونَ حَدَثَ أَمْرُ السَّاعَةِ»
١٩ / ٢٨٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ﴾ [سبأ: ٢٣] الْآيَةَ، زَعَمَ ابْنُ مَسْعُودٍ «أَنَّ الْمَلَائِكَةَ الْمُعَقِّبَاتَ الَّذِينَ يَخْتَلِفُونَ إِلَى الْأَرْضِ يَكْتُبُونَ أَعْمَالَهُمْ، إِذَا أَرْسَلَهُمُ الرَّبُّ فَانْحَدَرُوا سُمِعَ لَهُمُ صَوْتٌ شَدِيدٌ، فَيَحْسِبُ الَّذِينَ هُمْ أَسْفَلُ مِنْهُمْ مِنَ الْمَلَائِكَةِ أَنَّهُ مِنْ أَمْرِ السَّاعَةِ، فَخَرُّوا سُجَّدًا، وَهَكَذَا كُلَّمَا مُرُوا عَلَيْهِمْ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ مِنْ خَوْفِ رَبِّهِمْ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلِ الْمَوْصُوفُونَ بِذَلِكَ الْمُشْرِكُونَ، قَالُوا: وَإِنَّمَا يُفَزَّعُ الشَّيْطَانُ عَنْ قُلُوبِهِمْ؛ قَالَ: وَإِنَّمَا يَقُولُونَ: مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ عِنْدَ نُزُولِ الْمَنِيَّةِ بِهِمْ
١٩ / ٢٨١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ﴾ [سبأ: ٢٣] قَالَ: «فَزِعَ الشَّيْطَانُ عَنْ قُلُوبِهِمْ وَفَارَقَهُمْ وَأَمَانِيهِمْ، وَمَا كَانَ يُضِلُّهُمْ ﴿قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ﴾ [سبأ: ٢٣] قَالَ: وَهَذَا فِي بَنِي آدَمَ، وَهَذَا عِنْدَ الْمَوْتِ أَقَرُّوا بِهِ حِينَ لَمْ يَنْفَعْهُمُ الْإِقْرَارُ» وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ، الْقَوْلُ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّعْبِيُّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ لِصِحَّةِ الْخَبَرِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِتَأْيِيدِهِ
١٩ / ٢٨١
وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَمَعْنَى الْكَلَامِ: لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ، إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ أَنْ يُشَّفَعَ عِنْدَهُ، فَإِذَا أَذِنَ اللَّهُ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ أَنْ يُشَفَّعَ فَزِعَ لِسَمَاعِهِ إِذْنَهُ، حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ، فَجُلِّيَ عَنْهَا، وَكَشَفَ الْفَزَعَ عَنْهُمْ، قَالُوا: مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ: الْحَقَّ، ﴿وَهُوَ الْعَلِيُّ﴾ [سبأ: ٢٣] عَلَى كُلِّ شَيْءٍ ﴿الْكَبِيرُ﴾ [سبأ: ٢٣] الَّذِي لَا شَيْءَ دُونَهُ. وَالْعَرَبُ تَسْتَعْمِلُ فَزِعَ فِي مَعْنَيَيْنِ، فَتَقُولُ لِلشُّجَاعِ الَّذِي بِهِ تَنْزِلُ الْأُمُورُ الَّتِي يُفْزَعُ مِنْهَا: وَهُوَ مُفْزَعٌ؛ وَتَقُولُ لِلْجَبَانِ الَّذِي يَفْزَعُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ: إِنَّهُ لَمُفَزَّعُ، وَكَذَلِكَ تَقُولُ لِلرَّجُلِ الَّذِي يَقْضِي لَهُ النَّاسُ فِي الْأُمُورِ بِالْغَلَبَةِ عَلَى مَنْ نَازِلَهُ فِيهَا: هُوَ مُغَلِّبُ؛ وَإِذَا أُرِيدَ بِهِ هَذَا الْمَعْنَى كَانَ غَالِبًا؛ وَتَقُولُ لِلرَّجُلِ أَيْضًا الَّذِي هُوَ مَغْلُوبٌ أَبَدًا: مُغَلَّبٌ. وَقَدِ اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ أَجْمَعُونَ: ﴿فُزِّعَ﴾ [النمل: ٨٩] بِالزَّايِ وَالْعَيْنِ عَلَى التَّأْوِيلِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ فِي ذَلِكَ وَرُوِي عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَرَأَ ذَلِكَ: (حَتَّى إِذَا فُرِّغَ عَنْ قُلُوبِهِمْ) بِالرَّاءِ وَالْغَيْنِ عَلَى التَّأْوِيلِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنِ ابْنِ زَيْدٍ وَقَدْ يَحْتَمِلُ تَوْجِيهُ مَعْنَى قِرَاءَةِ الْحَسَنِ ذَلِكَ كَذَلِكَ، إِلَى حَتَّى إِذَا فُرِّغَ عَنْ قُلُوبِهِمْ فَصَارَتْ فَارِغَةً مِنَ الْفَزَعِ الَّذِي كَانَ حَلَّ بِهَا ذُكِرَ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قَرَأَ ذَلِكَ: فُزِّعَ بِمَعْنَى: كَشَفَ اللَّهُ الْفَزَعَ عَنْهَا
١٩ / ٢٨٢
وَالصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي ذَلِكَ الْقِرَاءَةُ بِالزَّايِ وَالْعَيْنِ لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ وَأَهْلِ التَّأْوِيلِ عَلَيْهَا، وَلِصِحَّةِ الْخَبَرِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِتَأْيِيدِهَا، وَالدَّلَالَةِ عَلَى صِحَّتِهَا
١٩ / ٢٨٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ بِرَبِّهِمُ الْأَوْثَانَ وَالْأَصْنَامَ: مَنْ يَرْزُقُّكُمْ مِنَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ بِإِنْزَالِهِ الْغَيْثَ عَلَيْكُمْ مِنْهَا حَيَاةً لِحُرُوثِكُمْ، وَصَلَاحًا لِمَعَايِشِكُمْ، وَتَسْخِيرِهِ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ لِمَنَافِعِكُمْ، وَمَنَافِعِ أَقْوَاتِكُمْ، وَالْأَرْضَ بِإِخْرَاجِهِ مِنْهَا أَقْوَاتَكُمْ وَأَقْوَاتَ أَنْعَامَكُمْ؟ وَتَرَكَ الْخَبَرُ عَنْ جَوَّابِ الْقَوْمِ اسْتِغْنَاءً بِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ، ثُمَّ ذَكَرَهُ، وَهُوَ: فَإِنْ قَالُوا: لَا نَدْرِي، فَقُلِ: الَّذِي يَرْزُقُكُمْ ذَلِكَ اللَّهُ، ﴿وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ﴾ [سبأ: ٢٤] أَيُّهَا الْقَوْمُ ﴿لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ [سبأ: ٢٤] يَقُولُ: قُلْ لَهُمْ: إِنَّا لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ، أَوِ انَّكُمْ عَلَى ضَلَالٍ أَوْ هُدًى وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٩ / ٢٨٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿قُلْ مَنْ ⦗٢٨٤⦘ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ قَالَ: «قَدْ قَالَ ذَلِكَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ لِلْمُشْرِكِينَ، وَاللَّهُ مَا أَنَا وَأَنْتُمْ عَلَى أَمْرٍ وَاحِدٍ، إِنَّ أَحَدَ الْفَرِيقَيْنِ لَمُهْتَدٍ» وَقَدْ قَالَ قَوْمٌ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَإِنَّا لَعَلَى هُدًى، وَإِنَّكُمْ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ “
١٩ / ٢٨٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الشَّهِيدِيُّ، قَالَ: ثنا عَتَّابُ بْنُ بَشِيرٍ، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، وَزِيَادٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ [سبأ: ٢٤] قَالَ: «إِنَّا لَعَلَى هُدًى؛ وَإِنَّكُمْ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ» وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي وَجْهِ دُخُولِ أَوْ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ: لَيْسَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ شَكٌّ، وَلَكِنْ هَذَا فِي كَلَامِ الْعَرَبِ عَلَى أَنَّهُ هُوَ الْمُهْتَدِي، قَالَ: وَقَدْ يَقُولُ الرَّجُلُ لِعَبْدِهِ: أَحَدُنَا ضَارِبُ صَاحِبِهِ، وَلَا يَكُونُ فِيهِ إِشْكَالٌ عَلَى السَّامِعِ أَنَّ الْمَوْلَىَ هُوَ الضَّارِبُ وَقَالَ آخَرُ مِنْهُمْ: مَعْنَى ذَلِكَ: إِنَّا لَعَلَى هُدًى، وَإِنَّكُمْ إِيَّاكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ، لِأَنَّ الْعَرَبَ تَضَعُ أَوْ فِي مَوْضِعِ وَاوِ الْمُوَالَاةِ، قَالَ جَرِيرٌ:
[البحر الوافر]
[البحر الوافر]
١٩ / ٢٨٤
أَثَعْلَبَةُ الْفَوَارِسِ أَوْ رِيَاحًا … عَدَلْتَ بِهِمْ طُهَيَّةَ وَالْخِشَابَا
قَالَ: يَعْنِي ثَعْلَبَةً وَرِيَاحًا، قَالَ: وَقَدْ تَكَلَّمَ بِهَذَا مَنْ لَا يُشَكُّ فِي دِينِهِ، وَقَدْ عَلِمُوا أَنَّهُمْ عَلَى هُدًى، وَأُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ، فَيُقَالُ: هَذَا وَإِنْ كَانَ كَلَامًا وَاحِدًا عَلَى جِهَةِ الِاسْتِهْزَاءِ، فَقَالَ: هَذَا لَهُمْ، وَقَالَ:
[البحر الوافر] فَإِنْ يَكُنْ حُبُّهُمْ رُشْدًا أُصِبْهُ … وَلَسْتُ بِمُخْطِئٍ إِنْ كَانَ غَيًّا
وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِيِّ الْكُوفَةِ: مَعْنَى أَوْ مَعْنَى الْوَاوِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ فِي الْمَعْنَى غَيْرُ أَنَّ الْقَرِينَةَ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ لَا تَكُونُ أَوْ بِمَنْزِلَةِ الْوَاوِ، وَلَكِنَّهَا تَكُونُ فِي الْأَمْرِ الْمُفَوَّضِ، كَمَا تَقُولُ: إِنْ شِئْتَ فَخُذْ دِرْهَمًا أَوِ اثْنَيْنِ، فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ اثْنَيْنِ أَوْ وَاحِدًا، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ ثَلَاثَةً. قَالَ: وَهُوَ فِي قَوْلِ مَنْ لَا يُبْصِرُ الْعَرَبِيَّةَ، وَيَجْعَلُ أَوْ بِمَنْزِلَةِ الْوَاوِ، وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ ثَلَاثَةً، لِأَنَّهُ فِي قَوْلِهِمْ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِكَ: خُذْ دِرْهَمًا أَوِ اثْنَيْنِ؛ قَالَ: وَالْمَعْنَى فِي ﴿إِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ﴾ [سبأ: ٢٤] إِنَّا لَضَالُّونَ أَوْ مُهْتَدُونَ، وَإِنَّكُمْ أَيْضًا لَضَالُّونَ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ رَسُولَهُ الْمُهْتَدِي، وَأَنَّ غَيْرُهُ الضَّالُّ. قَالَ: وَأَنْتَ تَقُولُ فِي الْكَلَامِ لِلرَّجُلِ يُكَذِّبُكَ وَاللَّهِ إِنَّ أَحَدَنَا لَكَاذِبٌ،
قَالَ: يَعْنِي ثَعْلَبَةً وَرِيَاحًا، قَالَ: وَقَدْ تَكَلَّمَ بِهَذَا مَنْ لَا يُشَكُّ فِي دِينِهِ، وَقَدْ عَلِمُوا أَنَّهُمْ عَلَى هُدًى، وَأُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ، فَيُقَالُ: هَذَا وَإِنْ كَانَ كَلَامًا وَاحِدًا عَلَى جِهَةِ الِاسْتِهْزَاءِ، فَقَالَ: هَذَا لَهُمْ، وَقَالَ:
[البحر الوافر] فَإِنْ يَكُنْ حُبُّهُمْ رُشْدًا أُصِبْهُ … وَلَسْتُ بِمُخْطِئٍ إِنْ كَانَ غَيًّا
وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِيِّ الْكُوفَةِ: مَعْنَى أَوْ مَعْنَى الْوَاوِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ فِي الْمَعْنَى غَيْرُ أَنَّ الْقَرِينَةَ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ لَا تَكُونُ أَوْ بِمَنْزِلَةِ الْوَاوِ، وَلَكِنَّهَا تَكُونُ فِي الْأَمْرِ الْمُفَوَّضِ، كَمَا تَقُولُ: إِنْ شِئْتَ فَخُذْ دِرْهَمًا أَوِ اثْنَيْنِ، فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ اثْنَيْنِ أَوْ وَاحِدًا، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ ثَلَاثَةً. قَالَ: وَهُوَ فِي قَوْلِ مَنْ لَا يُبْصِرُ الْعَرَبِيَّةَ، وَيَجْعَلُ أَوْ بِمَنْزِلَةِ الْوَاوِ، وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ ثَلَاثَةً، لِأَنَّهُ فِي قَوْلِهِمْ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِكَ: خُذْ دِرْهَمًا أَوِ اثْنَيْنِ؛ قَالَ: وَالْمَعْنَى فِي ﴿إِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ﴾ [سبأ: ٢٤] إِنَّا لَضَالُّونَ أَوْ مُهْتَدُونَ، وَإِنَّكُمْ أَيْضًا لَضَالُّونَ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ رَسُولَهُ الْمُهْتَدِي، وَأَنَّ غَيْرُهُ الضَّالُّ. قَالَ: وَأَنْتَ تَقُولُ فِي الْكَلَامِ لِلرَّجُلِ يُكَذِّبُكَ وَاللَّهِ إِنَّ أَحَدَنَا لَكَاذِبٌ،
١٩ / ٢٨٥
وَأَنْتَ تَعْنِيهِ، وَكَذَّبَتْهُ تَكْذِيبًا غَيْرَ مَكْشُوفٍ، وَهُوَ فِي الْقُرْآنِ وَكَلَامِ الْعَرَبِ كَثِيرٌ، أَنْ يُوَجِّهَ الْكَلَامَ إِلَى أَحْسَنِ مَذَاهِبِهِ، إِذَا عُرِفَ، كَقَوْلِ الْقَائِلِ لِمَنْ قَالَ: وَاللَّهِ لَقَدْ قَدِمَ فُلَانٌ، وَهُوَ كَاذِبٌ، فَيَقُولُ: قُلْ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ، أَوْ قُلْ: فِيمَا أَظُنُّ، فَيُكَذِّبُهُ بِأَحْسَنِ تَصْرِيحِ التَّكْذِيبِ. قَالَ: وَمِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ أَنْ يَقُولُوا: قَاتَلَهُ اللَّهُ، ثُمَّ يَسْتَقْبِحُ فَيَقُولُونَ: قَاتَلَهُ اللَّهُ، وَكَاتَعَهُ اللَّهُ قَالَ: وَمِنْ ذَلِكَ: وَيْحَكَ، وَوَيْسَكَ، إِنَّمَا هِيَ فِي مَعْنَى: وَيْلُكَ، إِلَّا أَنَّهَا دُونَهَا وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّ ذَلِكَ أَمْرٌ مِنَ اللَّهِ لِنَبِيِّهِ بِتَكْذِيبِ مَنْ أَمَرَهُ بِخِطَابِهِ بِهَذَا الْقَوْلِ بِأَجْمَلِ التَّكْذِيبِ، كَمَا يَقُولُ الرَّجُلُ لِصَاحِبٍ لَهُ يُخَاطِبُهُ، وَهُوَ يُرِيدُ تَكْذِيبَهُ فِي خَبَرٍ لَهُ: أَحَدُنَا كَاذِبٌ، وَقَائِلٌ ذَلِكَ يَعْنِي صَاحِبَهُ، لَا نَفْسَهُ؛ فَلِهَذَا الْمَعْنَى صُيِّرَ الْكَلَامُ بِأَوْ
١٩ / ٢٨٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قُلْ لَا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ﴾ [سبأ: ٢٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: قُلْ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ: أَحَدُ فَرِيقَيْنَا عَلَى هُدًى وَالْآخَرُ عَلَى ضَلَالٍ، لَا تُسْأَلُونَ أَنْتُمْ
١٩ / ٢٨٦
عَمَّا أَجْرَمْنَا نَحْنُ مِنْ جُرْمٍ، وَرَكِبْنَا مِنْ إِثْمٍ، وَلَا نُسْأَلُ نَحْنُ عَمَّا تَعْمَلُونَ أَنْتُمْ مِنْ عَمَلٍ، قُلْ لَهُمْ: يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَهُ، ثُمَّ يُفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ. يَقُولُ: ثُمَّ يَقْضِي بَيْنَنَا بِالْعَدْلِ، فَيَتَبَيَّنُ عِنْدَ ذَلِكَ الْمُهْتَدِي مِنَّا مِنَ الضَّالِّ ﴿وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ﴾ [سبأ: ٢٦] يَقُولُ: وَاللَّهُ الْقَاضِي الْعَلِيمُ بِالْقَضَاءِ بَيْنَ خَلْقِهِ، لِأَنَّهُ لَا تَخْفَى عَنْهُ خَافِيَةٌ، وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى شُهُودٍ تُعَرِّفُهُ الْمُحِقَّ مِنَ الْمُبْطِلِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٩ / ٢٨٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا﴾ [سبأ: ٢٦] «يَوْمَ الْقِيَامَةِ» ﴿ثُمَّ يُفْتَحُ بَيْنَنَا﴾ [سبأ: ٢٦] «أَيْ يَقْضِي بَيْنَنَا»
١٩ / ٢٨٧
حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ﴾ [سبأ: ٢٦] يَقُولُ: «الْقَاضِي»
١٩ / ٢٨٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قُلْ أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكَاءَ كَلَّا بَلْ هُوَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [سبأ: ٢٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ بِاللَّهِ الْآلِهَةَ وَالْأَصْنَامَ: أَرُونِي أَيُّهَا الْقَوْمُ الَّذِينَ ⦗٢٨٨⦘ أَلْحَقْتُمُوهُمْ بِاللَّهِ فَصَيَّرْتُمُوهُمْ لَهُ شُرَكَاءَ فِي عِبَادَتِكُمْ إِيَّاهُمْ: مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ، أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَوَاتِ ﴿كَلَّا﴾ [النساء: ١٣٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: كَذَبُوا، لَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا وَصَفُوا، وَلَا كَمَا جَعَلُوا وَقَالُوا مِنْ أَنَّ لِلَّهِ شَرِيكًا، بَلْ هُوَ الْمَعْبُودُ الَّذِي لَا شَرِيكَ لَهُ، وَلَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ لَهُ شَرِيكٌ فِي مُلْكِهِ، الْعَزِيزُ فِي انْتِقَامِهِ مِمَّنْ أَشْرَكَ بِهِ مِنْ خَلْقِهِ، الْحَكِيمُ فِي تَدْبِيرِهِ خَلْقَهُ
١٩ / ٢٨٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [سبأ: ٢٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ يَا مُحَمَّدُ إِلَى هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ بِاللَّهِ مِنْ قَوْمِكِ خَاصَّةً، وَلَكِنَّا أَرْسَلْنَاكَ كَافَّةً لِلنَّاسِ أَجْمَعِينَ، الْعَرَبِ مِنْهُمْ وَالْعَجَمِ، وَالْأَحْمَرِ وَالْأَسْوَدِ، بَشِيرًا مَنْ أَطَاعَكَ، وَنَذِيرًا مَنْ كَذَّبَكَ، ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [الأعراف: ١٨٧] أَنَّ اللَّهَ أَرْسَلَكَ كَذَلِكَ إِلَى جَمِيعِ الْبَشَرِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٩ / ٢٨٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ﴾ [سبأ: ٢٨] قَالَ: «أَرْسَلَ اللَّهُ مُحَمَّدًا إِلَى الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ، فَأَكْرَمَهُمْ عَلَى اللَّهِ أَطْوَعُهُمْ لَهُ» ذَكَرَ لَنَا نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «أَنَا سَابِقُ الْعَرَبِ، وَصُهَيْبٌ سَابِقُ الرُّومِ، وَبِلَالٌ سَابِقُ الْحَبَشَةِ، وَسَلْمَانُ سَابِقُ فَارِسَ»
١٩ / ٢٨٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ قُلْ لَكُمْ مِيعَادُ يَوْمٍ لَّا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلَا تَسْتَقْدِمُونَ﴾ [سبأ: ٣٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَيَقُولُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ بِاللَّهِ إِذَا سَمِعُوا وَعِيدَ اللَّهِ الْكُفَّارَ وَمَا هُوَ فَاعِلٌ بِهِمْ فِي مَعَادِهِمْ مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ: ﴿مَتَى هَذَا الْوَعْدُ﴾ [يونس: ٤٨] جَائِيًا، وَفِي أَيِّ وَقْتٍ هُوَ كَائِنٌ ﴿إِنْ كُنْتُمْ﴾ [البقرة: ٢٣] فِيمَا تَعِدُونَنَا مِنْ ذَلِكَ ﴿صَادِقِينَ﴾ [البقرة: ٢٣] أَنَّهُ كَائِنٌ قَالَ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ: ﴿قُلْ﴾ [البقرة: ٨٠] لَهُمْ يَا مُحَمَّدُ: ﴿لَكُمْ﴾ [البقرة: ٢٢] أَيُّهَا الْقَوْمُ ﴿مِيعَادُ يَوْمٍ﴾ [سبأ: ٣٠] هُوَ آتِيكُمْ ﴿لَا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ﴾ [سبأ: ٣٠] إِذَا جَاءَكُمْ ﴿سَاعَةً﴾ [الأعراف: ٣٤] فَتَنْظُرُوا لِلتَّوْبَةِ وَالْإِنَابَةِ ﴿وَلَا تَسْتَقْدِمُونَ﴾ [سبأ: ٣٠] قِبَلَهُ بِالْعَذَابِ، لِأَنَّ اللَّهَ جَعَلَ لَكُمْ ذَلِكَ أَجَلًا
١٩ / ٢٨٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ وَلَا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ﴾ [سبأ: ٣١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [إبراهيم: ١٣] مِنْ مُشْرِكِي الْعَرَبِ: ﴿لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ﴾ [سبأ: ٣١] الَّذِي جَاءَنَا بِهِ مُحَمَّدٌ ﷺ وَلَا بِالْكِتَابِ الَّذِي جَاءَ بِهِ غَيْرُهُ مِنْ بَيْنَ يَدَيْهِ
١٩ / ٢٨٩
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿لَنْ ⦗٢٩٠⦘ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ وَلَا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ [سبأ: ٣١] قَالَ: «قَالَ الْمُشْرِكُونَ: لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ، وَلَا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكُتُبِ وَالْأَنْبِيَاءِ»
١٩ / ٢٨٩
وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ [سبأ: ٣١] يَتَلَاوَمُونَ، يُحَاوِرُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، يَقُولُ الْمُسْتَضْعَفُونَ كَانُوا فِي الدُّنْيَا لِلَّذِينَ كَانُوا عَلَيْهِمْ فِيهَا يَسْتَكْبِرُونَ: لَوْلَا أَنْتُمْ أَيُّهَا الرُّؤَسَاءُ وَالْكُبَرَاءُ فِي الدُّنْيَا لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ بِاللَّهِ وَآيَاتِهِ
١٩ / ٢٩٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ﴾ [سبأ: ٣٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا﴾ [الأعراف: ٧٦] فِي الدُّنْيَا، فَرَأَسُوا فِي الضَّلَالَةِ وَالْكُفْرِ بِاللَّهِ ﴿لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا﴾ [الأعراف: ٧٥] فِيهَا فَكَانُوا أَتْبَاعًا لِأَهْلِ الضَّلَالَةِ مِنْهُمْ إِذْ قَالُوا لَهُمْ: ﴿لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ﴾ [سبأ: ٣١]، ﴿أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى﴾ [سبأ: ٣٢] وَمَنَعْنَاكُمْ مِنَ اتِّبَاعِ الْحَقِّ ﴿بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ﴾ [سبأ: ٣٢] مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، يُبَيِّنُ لَكُمْ ﴿بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ﴾ [سبأ: ٣٢] فَمَنَعَكُمْ إِيثَارُكُمُ الْكُفْرَ بِاللَّهِ عَلَى الْإِيمَانِ مِنَ اتِّبَاعِ الْهُدَى وَالْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ
١٩ / ٢٩٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا
١٩ / ٢٩٠
يَعْمَلُونَ﴾ [سبأ: ٣٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا﴾ [سبأ: ٣٣] مِنَ الْكَفَرَةِ بِاللَّهِ فِي الدُّنْيَا، فَكَانُوا أَتْبَاعًا لِرُؤَسَائِهِمْ فِي الضَّلَالَةِ ﴿لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا﴾ [إبراهيم: ٢١] فِيهَا، فَكَانُوا لَهُمْ رُؤَسَاءَ ﴿بَلْ مَكْرُ﴾ [سبأ: ٣٣] كَمْ لَنَا بِـ ﴿اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ﴾ [البقرة: ١٦٤] صَدَّنَا عَنِ الْهُدَى ﴿إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ﴾ [سبأ: ٣٣] أَمْثَالًا وَأَشْبَاهًا فِي الْعِبَادَةِ وَالْأُلُوهَةِ؛ فَأُضِيفَ الْمَكْرُ إِلَى اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْمَعْنَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ مَكْرِ الْمُسْتَكْبِرِينَ بِالْمُسْتَضْعَفِينَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، عَلَى اتِّسَاعِ الْعَرَبِ فِي الَّذِي قَدْ عَرَفَ مَعْنَاهَا فِيهِ مِنْ مَنْطِقِهَا، مِنْ نَقْلِ صِفَةِ الشَّيْءِ إِلَى غَيْرِهِ، فَتَقُولُ لِلرَّجُلِ: يَا فُلَانُ نَهَارُكَ صَائِمٌ وَلَيْلُكَ قَائِمٌ، وَكَمَا قَالَ الشَّاعِرُ: وَنِمْتِ وَمَا لَيْلُ الْمَطِيِّ بِنَائِمِ وَمَا أَشْبَهُ ذَلِكَ مِمَّا قَدْ مَضَى بَيَانًا لَهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٩ / ٢٩١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا﴾ [سبأ: ٣٣] يَقُولُ: «بَلْ مَكْرُكُمْ بِنَا فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَيُّهَا الْعُظَمَاءُ الرُّؤَسَاءُ حَتَّى أَزَلْتُمُونَا عَنْ عِبَادَةِ اللَّهِ»
١٩ / ٢٩٢
وَقَدْ ذُكِرَ فِي تَأْوِيلِهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ مَا حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ﴿بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ﴾ [سبأ: ٣٣] قَالَ: «مَرُّ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ»
١٩ / ٢٩٢
وَقَوْلُهُ: ﴿إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ﴾ [سبأ: ٣٣] يَقُولُ: حِينَ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ
١٩ / ٢٩٢
وَقَوْلُهُ: ﴿وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا﴾ [سبأ: ٣٣] يَقُولُ: شُرَكَاءَ
١٩ / ٢٩٢
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا﴾ [سبأ: ٣٣] شُرَكَاءَ “
١٩ / ٢٩٢
قَوْلِهِ: ﴿وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ﴾ [يونس: ٥٤] يَقُولُ: وَنَدِمُوا عَلَى مَا فَرَّطُوا مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ فِي الدُّنْيَا حِينَ عَايَنُوا عَذَابَ اللَّهِ الَّذِي أَعَدَّهُ لَهُمْ
١٩ / ٢٩٢
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ ⦗٢٩٣⦘ قَتَادَةَ ﴿وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ﴾ [سبأ: ٣٣] بَيْنَهُمْ ﴿لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ﴾ [سبأ: ٣٣]
١٩ / ٢٩٢
قَوْلُهُ: ﴿وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [سبأ: ٣٣] وَغُلَّتْ أَيْدِي الْكَافِرِينَ بِاللَّهِ فِي جَهَنَّمَ إِلَى أَعْنَاقِهِمْ فِي جَوَامِعَ مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ، جَزَاءً بِمَا كَانُوا بِاللَّهِ فِي الدُّنْيَا يَكْفُرُونَ، يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: مَا يَفْعَلُ اللَّهُ ذَلِكَ بِهِمْ إِلَّا ثَوَابًا لِأَعْمَالِهِمُ الْخَبِيثَةِ الَّتِي كَانُوا فِي الدُّنْيَا يَعْمَلُونَهَا، وَمُكَافَأَةً لَهُمْ عَلَيْهَا
١٩ / ٢٩٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ﴾ [سبأ: ٣٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمَا بَعَثَنَا إِلَى أَهْلِ قَرْيَةٍ نَذِيرًا يُنْذِرُهُمْ بَأْسَنَا أَنْ يَنْزِلَ بِهِمْ عَلَى مَعْصِيَتِهِمْ إِيَّانَا، إِلَّا قَالَ كُبَرَاؤُهَا وَرُؤَسَاؤُهَا فِي الضَّلَالَةِ كَمَا قَالَ قَوْمُ فِرْعَوْنَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ لَهُ: إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ مِنَ النِّذَارَةِ، وَبُعِثْتُمْ بِهِ مِنْ تَوْحِيدِ اللَّهِ، وَالْبَرَاءَةِ مِنَ الْآلِهَةِ وَالْأَنْدَادِ كَافِرُونَ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٩ / ٢٩٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ﴾ [سبأ: ٣٤] قَالَ: «هُمْ رُءُوسُهُمْ وَقَادَتُهُمْ فِي الشَّرِّ»
١٩ / ٢٩٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [سبأ: ٣٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَقَالَ أَهْلُ الِاسْتِكْبَارِ عَلَى اللَّهِ مِنْ كُلِّ قَرْيَةٍ أَرْسَلْنَا فِيهَا نَذِيرًا لِأَنْبِيَائِنَا وَرُسِلِنَا: ﴿نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا﴾ [سبأ: ٣٥] وَمَا نَحْنُ فِي الْآخِرَةِ ﴿بِمُعَذَّبِينَ﴾ [الشعراء: ١٣٨] لِأَنَّ اللَّهَ لَوْ لَمْ يَكُنْ رَاضِيًا مَا نَحْنُ عَلَيْهِ مِنَ الْمِلَّةِ وَالْعَمَلِ لَمْ يُخَوِّلْنَا الْأَمْوَالَ وَالْأَوْلَادَ، وَلَمْ يَبْسُطْ لَنَا فِي الرِّزْقِ، وَإِنَّمَا أَعْطَانَا مَا أَعْطَانَا مِنْ ذَلِكَ لِرِضَاهُ أَعْمَالَنَا، وَآثَرَنَا بِمَا آثَرَنَا عَلَى غَيْرِنَا لِفَضْلِنَا، وَزُلْفَةٍ لَنَا عِنْدَهُ، يَقُولُ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّدُ: ﴿إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ﴾ [سبأ: ٣٦] مِنَ الْمَعَاشِ وَالرِّيَاشِ فِي الدُّنْيَا ﴿لِمَنْ يَشَاءُ﴾ [البقرة: ٢٦١] مِنْ خَلْقِهِ ﴿وَيَقْدِرُ﴾ [الرعد: ٢٦] فَيُضَيَّقُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ لَا لِمَحَبَّةٍ فِيمَنْ يَبْسُطُ لَهُ ذَلِكَ وَلَا خَيْرٍ فِيهِ وَلَا زُلْفَةٍ لَهُ، اسْتَحَقَّ بِهَا مِنْهُ، وَلَا لِبُغْضٍ مِنْهُ لِمَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَلَا مَقْتٍ، وَلَكِنَّهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِحْنَةً لِعِبَادِهِ وَابْتِلَاءً، وَأَكْثَرُ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ ذَلِكَ اخْتِبَارًا لِعِبَادِهِ، وَلَكِنَّهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْهُ مَحَبَّةٌ لِمَنْ بَسَطَ لَهُ وَمَقْتٌ لِمَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٩ / ٢٩٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادَكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى﴾ [سبأ: ٣٧] الْآيَةَ، قَالَ: «قَالُوا: نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا، فَأَخْبَرَهُمُ اللَّهُ أَنَّهُ لَيْسَتْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى، ﴿إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا﴾ [سبأ: ٣٧]، قَالَ: وَهَذَا قَوْلُ الْمُشْرِكِينَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَأَصْحَابِهِ، قَالُوا: لَوْ لَمْ يَكُنِ اللَّهُ عَنَّا رَاضِيًّا لَمْ يُعْطِنَا هَذَا، كَمَا قَالَ قَارُونُ: لَوْلَا أَنَّ اللَّهَ رَضِيَ بِي وِبِحَالِي مَا أَعْطَانِي هَذَا، قَالَ: ﴿أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلَهُ مِنَ الْقُرُونِ﴾ [القصص: ٧٨] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ»
١٩ / ٢٩٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ﴾ [سبأ: ٣٧] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَمَا أَمْوَالُكُمُ الَّتِي تَفْتَخِرُونَ بِهَا أَيُّهَا الْقَوْمُ عَلَى النَّاسِ، وَلَا أَوْلَادَكُمُ الَّذِينَ تَتَكَبَّرُونَ بِهِمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ مِنَّا قُرْبَةً وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٩ / ٢٩٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي ⦗٢٩٦⦘ الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿عِنْدَنَا زُلْفَى﴾ [سبأ: ٣٧] قَالَ: «قُرْبَى»
١٩ / ٢٩٥
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى﴾ [سبأ: ٣٧] «لَا يُعْتَبَرُ النَّاسَ بِكَثْرَةِ الْمَالِ وَالْوَلَدِ، وَإِنَّ الْكَافِرَ قَدْ يُعْطَى الْمَالَ، وَرُبَّمَا حُبِسَ عَنِ الْمُؤْمِنِ» وَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى﴾ [سبأ: ٣٧] وَلَمْ يَقُلْ بِاللَّتَيْنِ، وَقَدْ ذَكَرَ الْأَمْوَالَ وَالْأَوْلَادَ، وَهُمَا نَوْعَانِ مُخْتَلِفَانِ لِأَنَّهُ ذَكَرَ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ مِنْهُمَا جَمْعًا يَصْلُحُ فِيهِ الَّتِي؛ وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ: أَرَادَ بِذَلِكَ أَحَدَ النَّوْعَيْنِ لَمْ يُبْعِدْ قَوْلَهُ، وَكَانَ ذَلِكَ كَقَوْلِ الشَّاعِرِ:
[البحر المنسرح] نَحْنُ بِمَا عِنْدَنَا، وَأَنْتَ بِمَا عِنْـ … ـدَكَ رَاضٍ وَالرَّأْيُ مُخْتَلِفُ
وَلَمْ يَقُلْ: رَاضِيَانِ
[البحر المنسرح] نَحْنُ بِمَا عِنْدَنَا، وَأَنْتَ بِمَا عِنْـ … ـدَكَ رَاضٍ وَالرَّأْيُ مُخْتَلِفُ
وَلَمْ يَقُلْ: رَاضِيَانِ
١٩ / ٢٩٦
وَقَوْلُهُ: ﴿إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا﴾ [سبأ: ٣٧] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى ذَلِكَ؛ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى، إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا، فَإِنَّهُ تَقْرَبُهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ ⦗٢٩٧⦘ بِطَاعَتِهِمُ اللَّهِ فِي ذَلِكَ وَأَدَائِهِمْ فِيهِ حَقَّهُ إِلَى اللَّهِ زُلْفَى دُونَ أَهْلِ الْكُفْرِ بِاللَّهِ
١٩ / ٢٩٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا﴾ [سبأ: ٣٧] قَالَ: “لَمْ تَضُرَّهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ فِي الدُّنْيَا لِلْمُؤْمِنِينَ، وَقَرَأَ: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾ [يونس: ٢٦] فَالْحُسْنَى: الْجَنَّةُ، وَالزِّيَادَةُ: مَا أَعْطَاهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا لَمْ يُحَاسِبْهُمْ بِهِ، كَمَا حَاسَبَ الْآخَرِينَ، فَمَنْ حَمَلَهَا عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ نَصَبَ بِوُقُوعِ تُقَرِّبُ عَلَيْهِ، وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَنْ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ، فَيَكُونُ كَأَنَّهُ قِيلَ: وَمَا هُوَ إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا
١٩ / ٢٩٧
وَقَوْلُهُ: ﴿فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضَّعْفِ﴾ [سبأ: ٣٧] يَقُولُ: فَهَؤُلَاءِ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ عَلَى أَعْمَالِهِمُ الصَّالِحَةِ الضَّعْفُ مِنَ الثَّوَابِ، بِالْوَاحِدَةِ عَشْرُ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٩ / ٢٩٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضَّعْفِ بِمَا عَمِلُوا﴾ [سبأ: ٣٧] قَالَ: «بِأَعْمَالِهِمُ الْوَاحِدِ عَشْرُ، وَفِي ⦗٢٩٨⦘ سَبِيلِ اللَّهِ بِالْوَاحِدِ سَبْعُ مِائَةٍ»
١٩ / ٢٩٧
وَقَوْلُهُ: ﴿فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ﴾ [سبأ: ٣٧] يَقُولُ: وَهُمْ فِي غُرُفَاتِ الْجَنَّاتِ آمِنُونَ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ
١٩ / ٢٩٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾ [سبأ: ٣٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَالَّذِينَ يَعْمَلُونَ فِي آيَاتِنَا، يَعْنِي: فِي حُجَجِنَا وآيِ كِتَابِنَا، يَبْتَغُونَ إِبْطَالَهُ، وَيُرِيدُونَ إِطْفَاءَ نُورَهُ مُعَاوِنِينَ، يَحْسِبُونَ أَنَّهُمْ يَفُوتُونَنَا بِأَنْفُسِهِمْ، وَيُعْجُزُونَنَا ﴿أُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ﴾ [سبأ: ٣٨] يَعْنِي فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ مُحْضَرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
١٩ / ٢٩٨
﴿قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ﴾ [سبأ: ٣٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ خَلْقِهِ، فَيُوَسِّعُهُ عَلَيْهِ تَكْرِمَةً لَهُ وَغَيْرَ تَكْرِمَةٍ، وَيَقْدِرُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْهُمْ فَيُضَيِّقُهُ وَيُقْتِرُهُ إِهَانَةً لَهُ وَغَيْرَ إِهَانَةٍ، بَلْ مِحْنَةً وَاخْتِبَارًا ﴿وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ﴾ [سبأ: ٣٩] يَقُولُ: وَمَا أَنْفَقْتُمْ أَيُّهَا النَّاسُ مِنْ نَفَقَةٍ فِي طَاعَةِ اللَّهِ، فَإِنَّ اللَّهَ يُخْلِفُهَا عَلَيْكُمْ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٩ / ٢٩٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، ⦗٢٩٩⦘ عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ﴿وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ﴾ [سبأ: ٣٩] قَالَ: «مَا كَانَ فِي غَيْرِ إِسْرَافٍ وَلَا تَقْتِيرٍ»
١٩ / ٢٩٨
وَقَوْلُهُ: ﴿وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾ [المؤمنون: ٧٢] يَقُولُ: وَهُوَ خَيْرُ مَنْ قِيلَ إِنَّهُ يَرْزُقُ وَوُصِفَ بِهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ يُوصَفُ بِذَلِكَ مَنْ دُونَهُ، فَيُقَالُ: فُلَانٌ يَرْزُقُ أَهْلَهُ وَعِيَالَهُ
١٩ / ٢٩٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنِ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ﴾ [سبأ: ٤١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَيَوْمَ نَحْشُرُ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارَ بِاللَّهِ جَمِيعًا، ثُمَّ نَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ: أَهَؤُلَاءِ كَانُوا يَعْبِدُونَكُمْ مِنْ دُونِنَا؟ فَتَتَبَرَّأُ مِنْهُمُ الْمَلَائِكَةُ، ﴿قَالُوا: سُبْحَانَكَ﴾ [البقرة: ٣٢] رَبَّنَا، تَنْزِيهًا لَكَ وَتَبْرِئَةً مِمَّا أَضَافَ إِلَيْكَ هَؤُلَاءِ مِنَ الشُّرَكَاءِ وَالْأَنْدَادِ ﴿أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ﴾ [سبأ: ٤١] لَا نَتَّخِذُ وَلِيًّا دُونَكَ ﴿بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ﴾ [سبأ: ٤١] وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٩ / ٢٩٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ﴾ [سبأ: ٤٠] «اسْتِفْهَامٌ، كَقَوْلِهِ لِعِيسَى ⦗٣٠٠⦘»: ﴿أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ [المائدة: ١١٦]
١٩ / ٢٩٩
وَقَوْلِهِ: ﴿أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ﴾ [سبأ: ٤١] يَقُولُ: أَكْثَرُهُمْ بِالْجِنِّ مُصَدِّقُونَ، يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ بَنَاتُ اللَّهِ، تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا
١٩ / ٣٠٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَالْيَوْمَ لَا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ﴾ [سبأ: ٤٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَالْيَوْمَ لَا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ أَيُّهَا الْمَلَائِكَةُ لِلَّذِينَ كَانُوا فِي الدُّنْيَا يَعْبِدُونَكُمْ نَفْعًا يَنْفَعُونَكُمْ بِهِ وَلَا ضَرًّا يَنَالُونَكُمْ بِهِ، أَوْ تَنَالُونَهُمْ بِهِ ﴿وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ [سبأ: ٤٢] يَقُولُ: وَنَقُولُ لِلَّذِينَ عَبَدُوا غَيْرَ اللَّهِ فَوَضَعُوا الْعِبَادَةَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا، وَجَعَلُوهَا لِغَيْرِ مَنْ تَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ لَهُ: ﴿ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا﴾ [سبأ: ٤٢] فِي الدُّنْيَا ﴿تُكَذِّبُونَ﴾ [المؤمنون: ١٠٥] فَقَدْ وَرَدْتُمُوهَا
١٩ / ٣٠٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ وَقَالُوا مَا هَذَا إِلَّا إِفْكٌ مُفْتَرًى وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ﴾ [سبأ: ٤٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَإِذَا تُتْلَى عَلَى هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ آيَاتُ كِتَابِنَا ﴿بَيِّنَاتٍ﴾ [البقرة: ٩٩] يَقُولُ: وَاضِحَاتٍ أَنَّهُنَّ حَقٌّ مِنْ عِنْدِنَا ﴿قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ﴾ [سبأ: ٤٣] يَقُولُ: قَالُوا عِنْدَ ذَلِكَ: لَا تَتَّبِعُوا
١٩ / ٣٠٠
مُحَمَّدًا، فَمَا هُوَ إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ مِنَ الْأَوْثَانِ، وَيُغَيِّرُ دِينَكُمْ وَدِينَ آبَائِكُمْ ﴿وَقَالُوا مَا هَذَا إِلَّا إِفْكٌ مُفْتَرًى﴾ [سبأ: ٤٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَقَالَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ: مَا هَذَا الَّذِي تَتْلُو عَلَيْنَا يَا مُحَمَّدُ، يَعْنُونَ الْقُرْآنَ، إِلَّا أَفُكُّ، يَقُولُ: إِلَّا كَذِبٌ مُفْتَرًى؛ يَقُولُ: مُخْتَلَقٌ. مُتَخَرَّصٌ ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ إِنَّ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ﴾ [سبأ: ٤٣] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَقَالَ الْكُفَّارُ لِلْحَقِّ، يَعْنِي مُحَمَّدًا ﷺ لَمَّا جَاءَهُمْ، يَعْنِي: لَمَّا بَعَثَهُ اللَّهُ نَبِيًّا: هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ؛ يَقُولُ: مَا هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ، يَبِينُ لِمَنْ رَآهُ وَتَأَمَّلَهُ أَنَّهُ سِحْرٌ
١٩ / ٣٠١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا آتَيْنَاهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ﴾ [سبأ: ٤٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى الْمُشْرِكِينَ الْقَائِلِينَ لِمُحَمَّدٍ ﷺ لَمَّا جَاءَهُمْ بِآيَاتِنَا: هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ بِمَا يَقُولُونَ مِنْ ذَلِكَ كُتُبًا يَدْرُسُونَهَا: يَقُولُ: يَقْرَؤُونَهَا
١٩ / ٣٠١
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَمَا آتَيْنَاهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا﴾ [سبأ: ٤٤] «أَيْ يَقْرَؤُونَهَا»
١٩ / ٣٠١
﴿وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ﴾ [سبأ: ٤٤] يَقُولُ: وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ قَوْمِكَ يَا مُحَمَّدُ فِيمَا يَقُولُونَ وَيَعْمَلُونَ قَبْلَكَ مِنْ نَبِيٍّ يُنْذِرُهُمْ بَأْسَنَا عَلَيْهِ ⦗٣٠٢⦘ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٩ / ٣٠١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ﴾ [سبأ: ٤٤] «مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى الْعَرَبِ كِتَابًا قَبْلَ الْقُرْآنِ، وَلَا بَعَثَ إِلَيْهِمْ نَبِيًّا قَبْلَ مُحَمَّدٍ ﷺ»
١٩ / ٣٠٢
وَقَوْلُهُ: ﴿وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾ [سبأ: ٤٥] يَقُولُ: وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْأُمَمِ رُسُلَنَا وَتَنْزِيلَنَا ﴿وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ﴾ [سبأ: ٤٥] يَقُولُ: وَلَمْ يَبْلُغْ قَوْمُكَ يَا مُحَمَّدُ عُشْرَ مَا أعْطَيْنَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْأُمَمِ مِنَ الْقُوَّةِ وَالْأَيْدِي وَالْبَطْشِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ النِّعَمِ، وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٩ / ٣٠٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ﴾ [سبأ: ٤٥] «مِنَ الْقُوَّةِ فِي الدُّنْيَا»
١٩ / ٣٠٢
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ ﴿وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ﴾ [سبأ: ٤٥] يَقُولُ: «مَا جَاوَزُوا ⦗٣٠٣⦘ مِعْشَارَ مَا أَنْعَمْنَا عَلَيْهِمْ»
١٩ / ٣٠٢
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ﴾ [سبأ: ٤٥] «يُخْبِرُكُمْ أَنَّهُ أَعْطَى الْقَوْمَ مَا لَمْ يُعْطِكُمْ مِنَ الْقُوَّةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ»
١٩ / ٣٠٣
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ﴾ [سبأ: ٤٥] قَالَ: «مَا بَلَغَ هَؤُلَاءِ أُمَّةُ مُحَمَّدٍ ﷺ مِعْشَارَ مَا آتَيْنَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ، وَمَا أَعْطَيْنَاهُمْ مِنَ الدُّنْيَا، وَبَسَطْنَا عَلَيْهِمْ»
١٩ / ٣٠٣
﴿فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ﴾ [سبأ: ٤٥] يَقُولُ: فَكَذَّبُوا رُسُلِي فِيمَا أَتَوْهُمْ بِهِ مِنْ رِسَالَتِي، فَعَاقَبْنَاهُمْ بِتَغْيِيرِنَا بِهِمْ مَا كُنَّا آتَيْنَاهُمْ مِنَ النِّعَمِ، فَانْظُرْ يَا مُحَمَّدُ كَيْفَ كَانَ نَكِيرِ. يَقُولُ: كَيْفَ كَانَ تَغْيِيرِي بِهِمْ وَعُقُوبَتِي
١٩ / ٣٠٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَّكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ﴾ [سبأ: ٤٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ قَوْمِكَ: إِنَّمَا أَعِظُكُمْ أَيُّهَا الْقَوْمُ بِوَاحِدَةٍ، وَهِيَ طَاعَةُ اللَّهِ
١٩ / ٣٠٣
كَمَا: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ﴾ [سبأ: ٤٦] قَالَ: «بِطَاعَةِ اللَّهِ»
١٩ / ٣٠٤
وَقَوْلُهُ: ﴿أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى﴾ [سبأ: ٤٦] يَقُولُ: وَتِلْكَ الْوَاحِدَةُ الَّتِي أَعِظُكُمْ بِهَا هِيَ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ، ﴿وَفُرَادَى﴾ [سبأ: ٤٦] فُرَادَى، فَأَنْ فِي مَوْضِعِ خَفْضٍ تَرْجَمَةً عَنِ الْوَاحِدَةِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٩ / ٣٠٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثني أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ﴿أَنْ تَقُومُوا، لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى﴾ [سبأ: ٤٦] قَالَ: «وَاحِدًا وَاثْنَيْنِ»
١٩ / ٣٠٤
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى﴾ [سبأ: ٤٦] «رَجُلًا وَرَجُلَيْنِ» ⦗٣٠٥⦘ وَقِيلَ: إِنَّمَا قِيلَ: إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ، وَتِلْكَ الْوَاحِدَةُ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ بِالنَّصِيحَةِ وَتَرْكِ الْهَوَى ﴿مَثْنَى﴾ [سبأ: ٤٦] يَقُولُ: يَقُومُ الرَّجُلُ مِنْكُمْ مَعَ آخَرِ فَيَتَصَادَقَانِ عَلَى الْمُنَاظَرَةِ، هَلْ عَلِمْتُمْ بِ مُحَمَّدٍ ﷺ جُنُونًا قَطُّ؟ ثُمَّ يَنْفَرِدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ، فَيَتَفَكَّرُ وَيَعْتَبِرُ فَرْدًا هَلْ كَانَ ذَلِكَ بِهِ؟ فَتَعْلَمُوا حِينَئِذٍ أَنَّهُ نَذِيرٌ لَكُمْ “
١٩ / ٣٠٤
وَقَوْلُهُ: ﴿ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ﴾ [سبأ: ٤٦] يَقُولُ: لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَجْنُونٍ
١٩ / ٣٠٥
وَقَوْلِهِ ﴿إِنَّ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ﴾ [سبأ: ٤٦] يَقُولُ: مَا مُحَمَّدٌ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ يُنْذِرُكُمْ عَلَى كُفْرِكُمْ بِاللَّهِ عِقَابَهُ أَمَامَ عَذَابِ جَهَنَّمَ قَبْلَ أَنْ تَصْلُوهَا وَقَوْلُهُ: «هُوَ» كِنَايَةُ اسْمِ مُحَمَّدٍ ﷺ
١٩ / ٣٠٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ [سبأ: ٤٧]⦗٣٠٦⦘ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِقَوْمِكَ الْمُكَذِّبِيكَ، الرَّادِينَ عَلَيْكَ مَا أَتَيْتُهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ رَبِّكَ: مَا أَسْأَلُكُمْ مِنْ جُعْلٍ عَلَى إِنْذَارِيكُمْ عَذَابَ اللَّهِ، وَتَخْوِيفِكُمْ بِهِ بَأْسَهُ، وَنَصِيحَتِي لَكُمْ فِي أَمْرِي إِيَّاكُمْ بِالْإِيمَانِ بِاللَّهِ، وَالْعَمَلِ بِطَاعَتِهِ، فَهُوَ لَكُمْ لَا حَاجَةَ لِي بِهِ. وَإِنَّمَا مَعْنَى الْكَلَامِ: قُلْ لَهُمْ: إِنِّي لَمْ أَسْأَلْكُمْ عَلَى ذَلِكَ جُعْلًا فَتَتَّهِمُونِي، وَتَظُنُّوا أَنِّي إِنَّمَا دَعَوْتُكُمْ إِلَى اتِّبَاعِي لِمَالٍ آخُذُهُ مِنْكُمْ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٩ / ٣٠٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ﴾ [سبأ: ٤٧] «أَيْ جُعْلٍ ﴿فَهُوَ لَكُمْ﴾ [سبأ: ٤٧] يَقُولُ: لَمْ أَسْأَلْكُمْ عَلَى الْإِسْلَامِ جُعْلًا»
١٩ / ٣٠٦
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ﴾ [يونس: ٧٢] يَقُولُ: مَا ثَوَابِي عَلَى دُعَائِكُمْ إِلَى الْإِيمَانِ بِاللَّهِ، وَالْعَمَلِ بِطَاعَتِهِ، وَتَبْلِيغِكُمْ رِسَالَتَهُ، إِلَّا عَلَى اللَّهِ ﴿وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ [سبأ: ٤٧] يَقُولُ: وَاللَّهُ عَلَى حَقِيقَةِ مَا أَقُولُ لَكُمْ شَهِيدٌ يَشْهَدُ لِي بِهِ، وَعَلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا
١٩ / ٣٠٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ﴾ [سبأ: ٤٩] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: ﴿قُلْ﴾ [البقرة: ٨٠] يَا مُحَمَّدُ لِمُشْرِكِي قَوْمِكَ ﴿إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ﴾ [سبأ: ٤٨] وَهُوَ الْوَحْيُ، يَقُولُ: يُنْزِلُهُ مِنَ السَّمَاءِ،
١٩ / ٣٠٦
فَيَقْذِفُهُ إِلَى نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ ﴿عَلَّامُ الْغُيُوبِ﴾ [المائدة: ١٠٩] يَقُولُ: عَلَّامُ مَا يَغِيبُ عَنِ الْأَبْصَارِ، وَلَا مَظْهَرَ لَهَا، وَمَا لَمْ يَكُنْ مِمَّا هُوَ كَائِنٌ، وَذَلِكَ مِنْ صِفَةِ الرَّبِّ؛ غَيْرَ أَنَّهُ رُفِعَ لِمَجِيئِهِ بَعْدَ الْخَبَرِ، وَكَذَلِكَ تَفْعَلُ الْعَرَبُ إِذَا وَقَعَ النَّعْتُ بَعْدَ الْخَبَرِ، فِي أَنِ اتْبَعُوا النَّعْتَ أَعْرَابَ مَا فِي الْخَبَرِ، فَقَالُوا: إِنَّ أَبَاكَ يَقُومُ الْكَرِيمُ، فَرَفَعَ الْكَرِيمَ عَلَى مَا وَصَفْتُ، وَالنَّصْبُ فِيهِ جَائِزٌ، لِأَنَّهُ نَعْتٌ لِلْأَبٍ، فَيَتْبَعُ إِعْرَابَهُ ﴿قُلْ جَاءَ الْحَقُّ﴾ [سبأ: ٤٩] يَقُولُ: قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّدُ: جَاءَ الْقُرْآنُ وَوَحْيُ اللَّهِ ﴿وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ﴾ [سبأ: ٤٩] يَقُولُ: وَمَا يُنْشِئُ الْبَاطِلُ خَلْقًا؛ وَالْبَاطِلُ هُوَ فِيمَا فَسَّرَهُ أَهْلُ التَّأْوِيلِ: إِبْلِيسُ ﴿وَمَا يُعِيدُ﴾ [سبأ: ٤٩] يَقُولُ: وَلَا يُعِيدُهُ حَيًّا بَعْدَ فَنَائِهِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٩ / ٣٠٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ﴾ [سبأ: ٤٨] «أَيْ بِالْوَحْيِ» ﴿عَلَّامُ الْغُيُوبِ قُلْ جَاءَ الْحَقُّ﴾ [سبأ: ٤٩] «أَيِ الْقُرْآنُ» ﴿وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ﴾ [سبأ: ٤٩] «وَالْبَاطِلُ: إِبْلِيسُ: أَيْ مَا يَخْلُقُ إِبْلِيسُ أَحَدًا، وَلَا يَبْعَثُهُ»
١٩ / ٣٠٧
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ﴾ [سبأ: ٤٨] «فَقَرَأَ: ﴿بَلْ نقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ﴾ [الأنبياء: ١٨] إِلَى قَوْلِهِ ﴿وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ﴾ [الأنبياء: ١٨] قَالَ:»يُزْهِقُ اللَّهُ الْبَاطِلَ، وَيُثْبِتُ اللَّهُ ⦗٣٠٨⦘ الْحَقَّ الَّذِي دَمَغَ بِهِ الْبَاطِلَ، يَدْمَغُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ، فَيُهْلِكُ الْبَاطِلَ وَيُثْبِتُ الْحَقَّ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ ﴿قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ﴾ [سبأ: ٤٨]
١٩ / ٣٠٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ﴾ [سبأ: ٥٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِقَوْمِكَ: إِنْ ضَلَلْتُ عَنِ الْهُدَى، فَسَلَكْتُ غَيْرَ طَرِيقِ الْحَقِّ، فَإِنَّمَا ضَلَالِي عَنِ الصَّوَابِ عَلَى نَفْسِي، يَقُولُ: فَإِنَّ ضَلَالِي عَنِ الْهُدَى عَلَى نَفْسِي ضُرُّهُ ﴿وَإِنِ اهْتَدَيْتُ﴾ [سبأ: ٥٠] يَقُولُ: وَإِنِ اسْتَقَمْتُ عَلَى الْحَقِّ ﴿فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي﴾ [سبأ: ٥٠] يَقُولُ: فَبِوَحْيِ اللَّهِ الَّذِي يُوحِي إِلَيَّ، وَتَوْفِيقِهِ لِلِاسْتِقَامَةِ عَلَى مَحَجَّةِ الْحَقِّ وَطَرِيقِ الْهُدَى
١٩ / ٣٠٨
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّهُ سُمَيْعٌ قَرِيبٌ﴾ [سبأ: ٥٠] يَقُولُ: إِنَّ رَبِّي سُمَيْعٌ لِمَا أَقُولُ لَكُمْ، حَافِظٌ لَهُ، وَهُوَ الْمُجَازِي لِي عَلَى صِدْقِي فِي ذَلِكَ، وَذَلِكَ مِنِّي غَيْرُ بَعِيدٍ، فَيَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ سَمَاعُ مَا أَقُولُ لَكُمْ، وَمَا تَقُولُونَ، وَمَا يَقُولُهُ غَيْرُنَا، وَلَكِنَّهُ قَرِيبٌ مِنْ كُلِّ مُتَكَلِّمٍ يَسْمَعُ كُلَّ مَا يَنْطِقُ بِهِ، أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ
١٩ / ٣٠٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ﴾ [سبأ: ٥١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٌ ﷺ: وَلَوْ تَرَى يَا مُحَمَّدُ ⦗٣٠٩⦘ إِذْ فَزِعُوا وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمَعْنِيِّينَ بِهَذِهِ الْآيَةِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عُنِيَ بِهَا هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ الَّذِينَ وَصَفَهُمْ تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ﴾ [سبأ: ٤٣] قَالَ: وَعُنِيَ بِقَوْلِهِ: ﴿إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ﴾ [سبأ: ٥١] عِنْدَ نُزُولِ نَقْمَةِ اللَّهِ بِهِمْ فِي الدُّنْيَا
١٩ / ٣٠٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ﴾ [سبأ: ٥١] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، قَالَ: «هَذَا مِنْ عَذَابِ الدُّنْيَا»
١٩ / ٣٠٩
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ﴾ [سبأ: ٥١] قَالَ: «هَذَا عَذَابُ الدُّنْيَا»
١٩ / ٣٠٩
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ﴾ [سبأ: ٥١] إِلَى آخِرِ السُّورَةِ، قَالَ: «هَؤُلَاءِ قَتْلَى الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ، نَزَلَتْ فِيهِمْ هَذِهِ الْآيَةُ، قَالَ: وَهُمُ الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا، وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ جَهَنَّمَ، أَهْلُ بَدْرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ» ⦗٣١٠⦘ وَقَالَ آخَرُونَ: عُنِيَ بِذَلِكَ جَيْشٌ يُخْسَفُ بِهِمْ بِبَيْدَاءَ مِنَ الْأَرْضِ
١٩ / ٣٠٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَعْقُوبُ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ﴾ [سبأ: ٥١] قَالَ: «هُمُ الْجَيْشُ الَّذِي يُخْسَفُ بِهِمْ بِالْبَيْدَاءِ، يَبْقَى مِنْهُمْ رَجُلٌ يُخْبِرُ النَّاسَ بِمَا لَقِيَ أَصْحَابُهُ»
١٩ / ٣١٠
حَدَّثَنَا عِصَامُ بْنُ رَوَّادِ بْنِ الْجَرَّاحِ، قَالَ: ثنا أَبِي، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: ثني مَنْصُورُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ، قَالَ: سَمِعْتُ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، وَذَكَرَ فِتْنَةً تَكُونُ بَيْنَ أَهْلِ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ قَالَ: «فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ، إِذْ خَرَجَ عَلَيْهِمُ السُّفْيَانِيُّ مِنَ الْوَادِي الْيَابِسِ فِي فَوْرَةِ ذَلِكَ، حَتَّى يَنْزِلَ دِمَشْقَ، فَيَبْعَثُ جَيْشَيْنِ: جَيْشًا إِلَى الْمَشْرِقِ، وَجَيْشًا إِلَى الْمَدِينَةِ، حَتَّى يَنْزِلُوا بِأَرْضِ بَابِلَ فِي الْمَدِينَةِ الْمَلْعُونَةِ، وَالْبُقْعَةِ الْخَبِيثَةِ، فَيَقْتُلُونَ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ آلَافٍ، وَيَبْقِرُونَ بِهَا أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ امْرَأَةٍ، وَيَقْتُلُونَ بِهَا ثَلَاثَ مِائَةِ كَبْشٍ مِنْ بَنِي الْعَبَّاسِ، ثُمَّ يَنْحَدِرُونَ إِلَى الْكُوفَةِ فَيَخْرُجُونَ مَا حَوْلَهَا، ثُمَّ يَخْرُجُونَ مُتَوَجِّهِينَ إِلَى الشَّامِ، فَتَخْرُجُ رَايَةُ هَذَا مِنَ الْكُوفَةِ، فَتَلْحَقُ ذَلِكَ الْجَيْشَ مِنْهَا عَلَى الْفِئَتَيْنِ فَيَقْتُلُونَهُمْ، لَا يَفْلِتُ ⦗٣١١⦘ مِنْهُمْ مُخْبِرٌ، وَيَسْتَنْقِذُونَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ مِنَ السَّبْيِ وَالْغَنَائِمِ، وَيُخَلِّي جَيْشَهُ التَّالِي بِالْمَدِينَةِ، فَيَنْهَبُونَهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا، ثُمَّ يَخْرُجُونَ مُتَوَجِّهِينَ إِلَى مَكَّةَ، حَتَّى إِذَا طَافُوا بِالْبَيْدَاءِ، بَعَثَ اللَّهُ جِبْرِيلَ، فَيَقُولُ: يَا جَبْرَائِيلُ اذْهَبْ فَأَبِدْهُمْ، فَيَضْرِبُهَا بِرِجْلِهِ ضَرْبَةً يُخْسَفُ اللَّهُ بِهِمْ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ فِي سُورَةِ سَبَأٍ ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ﴾ [سبأ: ٥١] الْآيَةَ، وَلَا يَنْفَلِتُ مِنْهُمْ إِلَّا رَجُلَانِ: أَحَدُهُمَا بَشِيرٌ، وَالْآخَرُ نَذِيرٌ، وَهُمَا مِنْ جُهَيْنَةَ، فَلِذَلِكَ جَاءَ الْقَوْلُ: وَعِنْدَ جُهَيْنَةَ الْخَبَرُ الْيَقِينُ» حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَلَفٍ الْعَسْقَلَانِيُّ، قَالَ: سَأَلْتُ رَوَّادَ بْنَ الْجَرَّاحِ، عَنِ الْحَدِيثِ الَّذِي، حُدِّثَ بِهِ، عَنْهُ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ رِبْعِيٍّ، عَنْ حُذَيْفَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، عَنْ قِصَّةٍ، ذَكَرَهَا فِي الْفِتَنِ، قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: أَخْبِرْنِي عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ سَمِعْتُهُ مِنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ؟ قَالَ: لَا، قُلْتُ: فَقَرَأْتُهُ عَلَيْهِ، قَالَ: لَا، قُلْتُ: فَقُرِئَ عَلَيْهِ ⦗٣١٢⦘ وَأَنْتَ حَاضِرٌ؟ قَالَ: لَا، قُلْتُ: فَمَا قِصَّتُهُ، فَمَا خَبَرُهُ؟ قَالَ: جَاءَنِي قَوْمٌ فَقَالُوا: مَعَنَا حَدِيثٌ عَجِيبٌ، أَوْ كَلَامٌ هَذَا مَعْنَاهُ، نَقْرَؤُهُ وَتَسْمَعُهُ، قُلْتُ لَهُمْ: هَاتُوهُ، فَقَرَءُوهُ عَلَيَّ، ثُمَّ ذَهَبُوا فَحَدَّثُوا بِهِ عَنِّي، أَوْ كَلَامٌ هَذَا مَعْنَاهُ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَقَدْ: حَدَّثَنِي بِبَعْضِ هَذَا الْحَدِيثِ مُحَمَّدُ بْنُ خَلَفٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبَانَ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ رِبْعِيٍّ، عَنْ حُذَيْفَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ حَدِيثٌ طَوِيلٌ، قَالَ: رَأَيْتُهُ فِي كِتَابِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ الصُّدَائِيِّ، عَنْ شَيْخٍ، عَنْ رَوَّادٍ، عَنْ سُفْيَانَ بِطُولِهِ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عُنِيَ بِذَلِكَ الْمُشْرِكُونَ إِذَا فَزِعُوا عِنْدَ خُرُوجِهِمْ مِنْ قُبُورِهِمْ
١٩ / ٣١٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، قَوْلُهُ: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا﴾ [سبأ: ٥١] قَالَ: «فَزِعُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِينَ خَرَجُوا مِنْ قُبُورِهِمْ» وَقَالَ قَتَادَةُ: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ﴾ [سبأ: ٥١] حِينَ ⦗٣١٣⦘ عَايَنُوا عَذَابَ اللَّهِ
١٩ / ٣١٢
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ مَعْقِلٍ، ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ﴾ [سبأ: ٥١] قَالَ: «أَفْزَعَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَلَمْ يَفُوتُوا» وَالَّذِي هُوَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، وَأَشْبَهُ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ التَّنْزِيلِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: وَعِيدُ اللَّهِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ كَذَبُوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ مِنْ قَوْمِهِ لِأَنَّ الْآيَاتَ قَبْلَ هَذِهِ الْآيَةِ جَاءَتْ بِالْإِخْبَارِ عَنْهُمْ وَعَنْ أَسْبَابِهِمْ، وَبِوَعِيدِ اللَّهِ إِيَّاهُمْ مَغَبَّتَهُ، وَهَذِهِ الْآيَةُ فِي سِيَاقِ تِلْكَ الْآيَاتِ، فَلَأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ خَبَرًا عَنْ حَالِهِمْ أَشْبَهَ مِنْهُ بِأَنْ يَكُونَ خَبَرًا لِمَا لَمْ يُجِرْ لَهُ ذِكْرُهُ وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ: وَلَوْ تَرَى يَا مُحَمَّدُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ قَوْمَكَ، فَتُعَايِنُهُمْ حِينَ فَزِعُوا مِنْ مُعَايَنَتِهِمْ عَذَابَ اللَّهِ ﴿فَلَا فَوْتَ﴾ [سبأ: ٥١] يَقُولُ فَلَا سَبِيلَ حِينَئِذٍ أَنْ يَفُوتُوا بِأَنْفُسِهِمْ، أَوْ يُعْجِزُونَا هَرَبًا، وَيُنْجَوْا مِنْ عَذَابِنَا
١٩ / ٣١٣
كَمَا: حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ﴾ [سبأ: ٥١] يَقُولُ: «فَلَا نَجَاةَ»
١٩ / ٣١٣
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، قَالَ: ثنا مَرْوَانُ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ﴾ [سبأ: ٥١] قَالَ: «لَا هَرَبَ»
١٩ / ٣١٤
وَقَوْلُهُ: ﴿وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ﴾ [سبأ: ٥١] يَقُولُ: وَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِعَذَابِهِ مِنْ مَوْضِعٍ قَرِيبٍ، لِأَنَّهُمْ حَيْثُ كَانُوا مِنَ اللَّهِ قَرِيبٌ لَا يَبْعُدُونَ عَنْهُ
١٩ / ٣١٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ﴾ [سبأ: ٥٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَقَالَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ حِينَ عَايَنُوا عَذَابَ اللَّهِ آمَنَّا بِهِ، يَعْنِي: آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِكِتَابِهِ وَرَسُولِهِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٩ / ٣١٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ﴾ [سبأ: ٥٢] قَالُوا: «آمَنَّا بِاللَّهِ»
١٩ / ٣١٤
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿قَالُوا آمَنَّا بِهِ﴾ [سبأ: ٥٢] عِنْدَ ذَلِكَ، «يَعْنِي: حِينَ عَايَنُوا عَذَابَ اللَّهِ»
١٩ / ٣١٤
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي ⦗٣١٥⦘ قَوْلِهِ: ﴿وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ﴾ [سبأ: ٥٢] «بَعْدَ الْقَتْلِ وَقَوْلُهُ ﴿وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ﴾ [سبأ: ٥٢] يَقُولُ: وَمِنْ أَيِّ وَجْهٍ لَهُمُ التَّنَاوُشُ» وَاخْتَلَفَتْ قُرَّاءُ الْأَمْصَارِ فِي ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ ﴿التَّنَاوُشُ﴾ [سبأ: ٥٢] بِغَيْرِ هَمْزٍ، بِمَعْنَى: التَّنَاوُلِ؛ وَقَرَأْتُهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ: (التَّنَاؤُشُ) بِالْهَمْزِ، بِمَعْنَى: التَّنَؤُّشِ، وَهُوَ الْإِبْطَاءُ، يُقَالُ مِنْهُ: تَنَاءَشْتُ الشَّيْءَ: أَخَذْتُهُ مِنْ بَعِيدٍ، وَنُشْتَهُ: أَخَذْتُهُ مِنْ قَرِيبٍ؛ وَمِنَ التَّنَؤُّشِ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
[البحر الطويل] تَمَنَّى نَئِيشًا أَنْ يَكُونَ أَطَاعَنِي … وَقَدْ حَدَثَتْ بَعْدَ الْأُمُورِ أُمُورُ
وَمَنَ النَّوْشِ قَوْلُ الرَّاجِزِ:
[البحر الرجز] فَهِيَ تَنُوشُ الْحَوْضَ نَوْشًا مِنْ عَلَا … ⦗٣١٦⦘ نَوْشًا بِهِ تَقْطَعُ أَجْوَازَ الْفَلَا
وَيُقَالُ لِلْقَوْمِ فِي الْحَرْبِ، إِذَا دَنَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ بِالرِّمَاحِ وَلَمْ يَتَلَاقَوْا: قَدْ تَنَاوَشَ الْقَوْمُ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ فِي قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ، مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى، وَذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ: وَقَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ، فِي حِينَ لَا يَنْفَعُهُمْ قِيلَ ذَلِكَ، فَقَالَ اللَّهُ ﴿وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ﴾ [سبأ: ٥٢] أَيْ وَأَيْنَ لَهُمُ التَّوْبَةُ وَالرَّجْعَةُ: أَيْ قَدْ بَعُدَتْ عَنْهُمْ، فَصَارُوا مِنْهَا كَمَوْضِعٍ بَعِيدٍ أَنْ يَتَنَاوَلُوهَا؛ وَإِنَّمَا وَصَفْتُ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ بِالْبَعِيدِ، لِأَنَّهُمْ قَالُوا ذَلِكَ فِي الْقِيَامَةِ، فَقَالَ اللَّهُ: أَنِّي لَهُمْ بِالتَّوْبَةِ الْمَقْبُولَةِ، وَالتَّوْبَةُ الْمَقْبُولَةُ إِنَّمَا كَانَتْ فِي الدُّنْيَا، وَقَدْ ذَهَبتِ الدُّنْيَا فَصَارَتْ بَعِيدًا مِنَ الْآخِرَةِ، فَبِأَيَّةِ الْقِرَاءَتَيْنِ اللَّتَيْنِ ذَكَرْتُ قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ الصَّوَابَ فِي ذَلِكَ وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الَّذِينَ قَرَؤُوا ذَلِكَ بِالْهَمْزِ هَمَزُوا، وَهُمْ يُرِيدُونَ مَعْنَى مَنْ لَمْ يَهْمِزْ، وَلَكِنَّهُمْ هَمَزُوهُ لِانْضِمَامِ الْوَاوِ فَقَلَبُوهَا، كَمَا قِيلَ: ﴿وَإِذَا الرُّسُلُ ⦗٣١٧⦘ أُقِتَتْ﴾ [المرسلات: ١١] فَجُعِلَتِ الْوَاوُ مِنْ وَقَتَتْ، إِذَا كَانَتْ مَضْمُومَةٌ هَمَزُوهُ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
[البحر الطويل] تَمَنَّى نَئِيشًا أَنْ يَكُونَ أَطَاعَنِي … وَقَدْ حَدَثَتْ بَعْدَ الْأُمُورِ أُمُورُ
وَمَنَ النَّوْشِ قَوْلُ الرَّاجِزِ:
[البحر الرجز] فَهِيَ تَنُوشُ الْحَوْضَ نَوْشًا مِنْ عَلَا … ⦗٣١٦⦘ نَوْشًا بِهِ تَقْطَعُ أَجْوَازَ الْفَلَا
وَيُقَالُ لِلْقَوْمِ فِي الْحَرْبِ، إِذَا دَنَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ بِالرِّمَاحِ وَلَمْ يَتَلَاقَوْا: قَدْ تَنَاوَشَ الْقَوْمُ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ فِي قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ، مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى، وَذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ: وَقَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ، فِي حِينَ لَا يَنْفَعُهُمْ قِيلَ ذَلِكَ، فَقَالَ اللَّهُ ﴿وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ﴾ [سبأ: ٥٢] أَيْ وَأَيْنَ لَهُمُ التَّوْبَةُ وَالرَّجْعَةُ: أَيْ قَدْ بَعُدَتْ عَنْهُمْ، فَصَارُوا مِنْهَا كَمَوْضِعٍ بَعِيدٍ أَنْ يَتَنَاوَلُوهَا؛ وَإِنَّمَا وَصَفْتُ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ بِالْبَعِيدِ، لِأَنَّهُمْ قَالُوا ذَلِكَ فِي الْقِيَامَةِ، فَقَالَ اللَّهُ: أَنِّي لَهُمْ بِالتَّوْبَةِ الْمَقْبُولَةِ، وَالتَّوْبَةُ الْمَقْبُولَةُ إِنَّمَا كَانَتْ فِي الدُّنْيَا، وَقَدْ ذَهَبتِ الدُّنْيَا فَصَارَتْ بَعِيدًا مِنَ الْآخِرَةِ، فَبِأَيَّةِ الْقِرَاءَتَيْنِ اللَّتَيْنِ ذَكَرْتُ قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ الصَّوَابَ فِي ذَلِكَ وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الَّذِينَ قَرَؤُوا ذَلِكَ بِالْهَمْزِ هَمَزُوا، وَهُمْ يُرِيدُونَ مَعْنَى مَنْ لَمْ يَهْمِزْ، وَلَكِنَّهُمْ هَمَزُوهُ لِانْضِمَامِ الْوَاوِ فَقَلَبُوهَا، كَمَا قِيلَ: ﴿وَإِذَا الرُّسُلُ ⦗٣١٧⦘ أُقِتَتْ﴾ [المرسلات: ١١] فَجُعِلَتِ الْوَاوُ مِنْ وَقَتَتْ، إِذَا كَانَتْ مَضْمُومَةٌ هَمَزُوهُ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٩ / ٣١٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ عَطِيَّةَ، قَالَ: ثنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ التَّمِيمِيِّ، قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: أَرَأَيْتَ قَوْلَ اللَّهِ: ﴿وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ﴾ [سبأ: ٥٢] قَالَ: «يَسْأَلُونَ الرَّدَّ، وَلَيْسَ بِحِينِ رَدٍّ» حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ التَّمِيمِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ نَحْوَهُ
١٩ / ٣١٧
حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ ﴿وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ﴾ [سبأ: ٥٢] يَقُولُ: «فَكَيْفَ لَهُمْ بِالرَّدِّ»
١٩ / ٣١٧
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ﴿وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ﴾ [سبأ: ٥٢] قَالَ: «الرَّدُّ»
١٩ / ٣١٧
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ ﴿وَأَنَّى لَهُمُ ⦗٣١٨⦘ التَّنَاوُشُ﴾ [سبأ: ٥٢] قَالَ: “التَّنَاوُلُ ﴿مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ﴾ [الفرقان: ١٢]
١٩ / ٣١٧
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ﴾ [سبأ: ٥٢] قَالَ: «هَؤُلَاءِ قَتْلَى أَهْلِ بَدْرٍ مَنْ قُتِلَ مِنْهُمْ، وَقَرَأَ: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ﴾ [سبأ: ٥٢] الْآيَةَ، قَالَ: التَّنَاوُشُ: التَّنَاوُلُ، وَأَنَّى لَهُمْ تَنَاوَلُ التَّوْبَةِ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ، وَقَدْ تَرَكُوهَا فِي الدُّنْيَا، قَالَ: وَهَذَا بَعْدَ الْمَوْتِ فِي الْآخِرَةِ» قَالَ: وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ ﴿وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ﴾ [سبأ: ٥٢] بَعْدَ الْقَتْلِ ﴿وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ﴾ [سبأ: ٥٢] وَقَرَأَ: ﴿وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ﴾ [النساء: ١٨] قَالَ: لَيْسَ لَهُمْ تَوْبَةٌ، وَقَالَ: عَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ أَنْ يَتُوبُوا مَرَّةً وَاحِدَةً، فَيَقْبَلُهَا اللَّهُ مِنْهُمْ، فَأَبَوْا، أَوْ يَعْرِضُونَ التَّوْبَةَ بَعْدَ الْمَوْتِ، قَالَ: فَهُمْ يَعْرِضُونَهَا فِي الْآخِرَةِ خَمْسَ عَرَضَاتٍ، فَيَأْبَى اللَّهُ أَنْ يَقْبَلَهَا مِنْهُمْ؛ قَالَ: وَالتَّائِبُ عِنْدَ الْمَوْتِ لَيْسَتْ لَهُ تَوْبَةٌ ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذَّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا﴾ [الأنعام: ٢٧] الْآيَةَ، وَقَرَأَ: ﴿رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ﴾ [السجدة: ١٢]
١٩ / ٣١٨
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، قَالَ: ثنا مَرْوَانُ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ﴾ [سبأ: ٥٢] قَالَ: «وَأَنَّى لَهُمُ الرَّجْعَةُ»
١٩ / ٣١٩
وَقَوْلُهُ: ﴿مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ﴾ [الفرقان: ١٢] يَقُولُ: مِنْ آخِرَتِهِمْ إِلَى الدُّنْيَا
١٩ / ٣١٩
كَمَا: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ﴾ [الفرقان: ١٢] «مِنَ الْآخِرَةِ إِلَى الدُّنْيَا»
١٩ / ٣١٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ﴾ [سبأ: ٥٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ﴾ [سبأ: ٥٣] يَقُولُ: وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا يَسْأَلُونَهُ رَبَّهُمْ عِنْدَ نُزُولِ الْعَذَابِ بِهِمْ، وَمُعَايَنَتِهِمْ إِيَّاهُ مِنَ الْإِقَالَةِ لَهُ، وَذَلِكَ الْإِيمَانُ بِاللَّهِ وَبِمُحَمَّدٍ ﷺ، وَبِمَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٩ / ٣١٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ﴾ [سبأ: ٥٣] «أَيْ بِالْإِيمَانِ فِي الدُّنْيَا»
١٩ / ٣١٩
وَقَوْلُهُ: ﴿وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ﴾ [سبأ: ٥٣] يَقُولُ: وَهُمُ الْيَوْمَ يَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مُحَمَّدًا مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ، يَعْنِي أَنَّهُمْ يَرْجُمُونَهُ، وَمَا أَتَاهُمْ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ بِالظُّنُونِ وَالْأَوْهَامِ، فَيَقُولُ بَعْضُهُمْ: هُوَ سَاحِرٌ، وَبَعْضُهُمْ شَاعِرٌ، وَغَيْرُ ذَلِكَ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٩ / ٣٢٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ﴾ [سبأ: ٥٣] قَالَ: «قَوْلُهُمْ سَاحِرٌ، بَلْ هُوَ كَاهِنٌ، بَلْ هُوَ شَاعِرٌ»
١٩ / ٣٢٠
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ﴾ [سبأ: ٥٣] «أَيْ يَرْجِمُونَ بِالظَّنِّ، يَقُولُونَ: لَا بَعْثَ، وَلَا جَنَّةَ، وَلَا نَارَ»
١٩ / ٣٢٠
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ زَيْدٌ، فِي قَوْلِهِ: ﴿يَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ﴾ [سبأ: ٥٣] قَالَ: «بِالْقُرْآنِ»
١٩ / ٣٢٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ﴾ [سبأ: ٥٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَحِيلَ بَيْنَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ حِينَ فَزِعُوا، فَلَا فَوْتَ، وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ، فَقَالُوا آمَنَّا بِهِ ﴿وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ﴾ [سبأ: ٥٤] حِينَئِذٍ مِنَ الْإِيمَانِ بِمَا كَانُوا بِهِ فِي الدُّنْيَا قَبْلَ ذَلِكَ يَكْفُرُونَ وَلَا سَبِيلَ لَهُمْ إِلَيْهِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٩ / ٣٢١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ حَفْصٍ الْأُبُلِّيُّ، قَالَ: ثنا الْمُعْتَمِرُ، عَنْ أَبِي الْأَشْهَبِ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ﴾ [سبأ: ٥٤] قَالَ: «حِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ»
١٩ / ٣٢١
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا مُؤَمَّلٌ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ، قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ، وَسُئِلَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ ﴿وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ﴾ [سبأ: ٥٤] قَالَ: «حِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْإِيمَانِ»
١٩ / ٣٢١
حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي زِيَادٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا أَبُو الْأَشْهَبِ، عَنِ الْحَسَنِ ﴿وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ﴾ [سبأ: ٥٤] قَالَ: «حِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْإِيمَانِ»
١٩ / ٣٢١
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْأَنْصَارِيُّ، قَالَ: ثنا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ شِبْلٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ﴿وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ﴾ [سبأ: ٥٤] قَالَ: «مِنَ الرُّجُوعِ إِلَى الدُّنْيَا لِيَتُوبُوا»
١٩ / ٣٢٢
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ﴾ [سبأ: ٥٤] «كَانَ الْقَوْمُ يَشْتَهُونَ طَاعَةَ اللَّهِ أَنْ يَكُونُوا عَمِلُوا بِهَا فِي الدُّنْيَا حِينَ عَايَنُوا مَا عَايَنُوا»
١٩ / ٣٢٢
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ بْنُ حَبِيبٍ، قَالَ: ثنا أَبُو الْأَشْهَبِ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ﴾ [سبأ: ٥٤] قَالَ: «حِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْإِيمَانِ» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ مِنْ مَالٍ وَوَلَدٍ وَزَهْرَةِ الدُّنْيَا
١٩ / ٣٢٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، قَالَ: ثني الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ﴾ [سبأ: ٥٤] قَالَ: «مِنْ مَالٍ أَوْ وَلَدٍ أَوْ زَهْرَةٍ»
١٩ / ٣٢٢
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَحِيلَ ⦗٣٢٣⦘ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ﴾ [سبأ: ٥٤] قَالَ: «فِي الدُّنْيَا الَّتِي كَانُوا فِيهَا وَالْحَيَاةِ» وَإِنَّمَا اخْتَرْنَا الْقَوْلَ الَّذِي اخْتَرْنَاهُ فِي ذَلِكَ، لِأَنَّ الْقَوْمَ إِنَّمَا تَمَنَّوْا حِينَ عَايَنُوا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مَا عَايَنُوا، مَا أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ تَمَنَّوْهُ، وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ، فَقَالَ اللَّهُ: وَأَنَّى لَهُمْ تَنَاوُشُ ذَلِكَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ، وَقَدْ كَفَرُوا مِنْ قَبْلِ ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَلَأَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: ﴿وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ﴾ [سبأ: ٥٤] خَبَرًا عَنْ أَنَّهُ لَا سَبِيلَ لَهُمْ إِلَى مَا تَمَنَّوْهُ أَوْلَى مِنْ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا عَنْ غَيْرِهِ
١٩ / ٣٢٢
وَقَوْلُهُ: ﴿كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ﴾ [سبأ: ٥٤] يَقُولُ فَعَلْنَا بِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ، فَحِلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ مِنَ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ عِنْدَ نُزُولِ سَخَطِ اللَّهِ بِهِمْ، وَمُعَايَنَتِهِمْ بَأْسَهُ كَمَا فَعَلْنَا بِأَشْيَاعِهِمْ عَلَى كُفْرِهِمْ بِاللَّهِ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ كُفَّارِ الْأُمَمِ، فَلَمْ نَقْبَلْ مِنْهُمْ إِيمَانَهُمْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، كَمَا لَمْ نَقْبَلْ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْوَقْتِ مِنْ ضُرَبَائِهِمْ. وَالْأَشْيَاعُ: جَمْعُ شِيَعٍ، وَشِيَعٍ: جَمْعُ شِيعَةٍ، فَأَشْيَاعُ جَمْعُ الْجَمْعِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٩ / ٣٢٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ ﴿كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ﴾ [سبأ: ٥٤] قَالَ: «الْكُفَّارُ مِنْ قَبْلِهِمْ»
١٩ / ٣٢٤
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ﴾ [سبأ: ٥٤] «أَيْ فِي الدُّنْيَا كَانُوا إِذَا عَايَنُوا الْعَذَابَ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُمْ إِيمَانٌ»
١٩ / ٣٢٤
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ﴾ [سبأ: ٥٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَحِيلَ بَيْنَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ حِينَ عَايَنُوا بَأْسَ اللَّهِ، وَبَيْنَ الْإِيمَانِ: إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلُ فِي الدُّنْيَا فِي شَكٍّ مِنْ نُزُولِ الْعَذَابِ الَّذِي نَزَلَ بِهِمْ وَعَايَنُوهُ، وَقَدْ أَخْبَرَهُمْ نَبِيُّهُمْ أَنَّهُمْ إِنْ لَمْ يُنِيبُوا مِمَّا هُمْ عَلَيْهِ مُقِيمُونَ مِنَ الْكُفْرِ بِاللَّهِ، وَعِبَادَةِ الْأَوْثَانِ أَنَّ اللَّهَ مُهْلِكُهُمْ، وَمُحِلٌّ بِهِمْ عُقُوبَتَهُ فِي عَاجِلِ الدُّنْيَا، وَآجِلِ الْآخِرَةِ قَبْلَ نُزُولِهِ بِهِمْ ﴿مُرِيبٍ﴾ [هود: ٦٢] يَقُولُ: مُوجِبٍ لِصَاحِبِهِ الَّذِي هُوَ بِهِ مَا يُرِيبُهُ مِنْ مَكْرُوهٍ، مِنْ قَوْلِهِمْ: قَدْ أَرَابَ الرَّجُلُ: إِذَا أَتَى رِيبَةً وَرَكِبَ فَاحِشَةً؛ كَمَا قَالَ الرَّاجِزُ:
[البحر الرجز] يَا قَوْمُ مَالِي وَأَبَا ذُؤَيْبٍ؟ … ⦗٣٢٥⦘ كُنْتُ إِذَا أَتَوْتُهُ مِنْ غَيْبِ
يَشُمُّ عِطْفِي وَيَبَزُّ ثَوْبِي … كَأَنَّمَا أَرَبْتُهُ بِرَيبِ
يَقُولُ: كَأَنَّمَا أَتَيْتُ إِلَيْهِ رِيبَةً
[البحر الرجز] يَا قَوْمُ مَالِي وَأَبَا ذُؤَيْبٍ؟ … ⦗٣٢٥⦘ كُنْتُ إِذَا أَتَوْتُهُ مِنْ غَيْبِ
يَشُمُّ عِطْفِي وَيَبَزُّ ثَوْبِي … كَأَنَّمَا أَرَبْتُهُ بِرَيبِ
يَقُولُ: كَأَنَّمَا أَتَيْتُ إِلَيْهِ رِيبَةً
١٩ / ٣٢٤