مَدَنِيَّةٌ وَآيَاتُهَا إِحْدَى عَشْرَةَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
٢٢ / ٦٥٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لِرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لِرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ﴾ [المنافقون: ١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: ﴿إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ﴾ [المنافقون: ١] يَا مُحَمَّدُ قَالُوا بِأَلْسِنَتِهِمْ ﴿نَشْهَدُ إِنَّكَ لِرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لِرَسُولُهُ﴾ [المنافقون: ١] قَالَ الْمُنَافِقُونَ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَقُولُوا ﴿وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ﴾ [المنافقون: ١] يَقُولُ: وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ فِي إِخْبَارِهِمْ عَنْ أَنْفُسِهِمْ أَنَّهَا تَشْهَدُ إِنَّكَ لِرَسُولُ اللَّهِ، وَذَلِكَ أَنَّهَا لَا تَعْتَقِدُ ذَلِكَ وَلَا تُؤْمِنُ بِهِ، فَهُمْ كَاذِبُونَ فِي خَبَرِهِمْ عَنْهَا بِذَلِكَ. وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ﴾ [المنافقون: ١] إِنَّمَا كَذَبَ ضَمِيرُهُمْ لِأَنَّهُمْ أَضْمَرُوا النِّفَاقَ، فَكَمَا لَمْ يَقْبَلْ إِيمَانَهُمْ، وَقَدْ أَظْهَرُوهُ، فَكَذَلِكَ جَعَلَهُمْ كَاذِبَيْنَ، لِأَنَّهُمْ أَضْمَرُوا غَيْرَ مَا أَظْهَرُوا.
٢٢ / ٦٥٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [المنافقون: ٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: اتَّخَذَ الْمُنَافِقُونَ أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً، وَهِيَ حَلِفُهُمْ.
٢٢ / ٦٥٠
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً﴾ [المنافقون: ٢] أَيْ حَلِفَهُمْ جُنَّةً
٢٢ / ٦٥٠
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي ⦗٦٥١⦘ الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً﴾ [المنافقون: ٢] قَالَ: يَجِيئُونَ بِهَا، قَالَ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا
٢٢ / ٦٥٠
حُدِّثْتُ، عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: ثنا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمَعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً﴾ [المنافقون: ٢] يَقُولُ: حَلِفَهُمْ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ جُنَّةً
٢٢ / ٦٥١
وَقَوْلُهُ: ﴿جُنَّةً﴾ [البقرة: ٢٦٥] سُتْرَةً يَسْتَتِرُونَ بِهَا كَمَا يَسْتَتِرُ الْمُسْتَجِنُّ بِجُنَّتِهِ فِي حَرْبٍ وَقِتَالٍ، فَيَمْنَعُونَ بِهَا أَنْفُسَهُمْ وَذَرَارِيَّهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ، وَيَدْفَعُونَ بِهَا عَنْهَا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
٢٢ / ٦٥١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿جُنَّةً﴾ [المنافقون: ٢] لِيَعْصِمُوا بِهَا دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ
٢٢ / ٦٥١
وَقَوْلُهُ: ﴿فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [المجادلة: ١٦] يَقُولُ: فَأَعْرَضُوا عَنْ دِينِ اللَّهِ الَّذِي بَعَثَ بِهِ نَبِيَّهُ ﷺ وَشَرِيعَتَهُ الَّتِي شَرَعَهَا لِخَلْقِهِ. ﴿إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [التوبة: ٩] يَقُولُ: إِنَّ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ فِي اتِّخَاذِهِمْ أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً، لِكَذِبِهِمْ وَنِفَاقِهِمْ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أُمُورِهِمْ.
٢٢ / ٦٥١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ﴾ [المنافقون: ٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [التوبة: ٩] هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ الَّذِينَ اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمْ صَدَّقُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ، ثُمَّ كَفَرُوا بِشَكِّهِمْ فِي ذَلِكَ وَتَكْذِيبِهِمْ بِهِ.
٢٢ / ٦٥٢
وَقَوْلُهُ: ﴿فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ﴾ [المنافقون: ٣] يَقُولُ: فَجَعَلَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ خَتْمًا بِالْكُفْرِ عَنِ الْإِيمَانِ؛ وَقَدْ بَيَّنَّا فِي مَوْضِعٍ غَيْرِ هَذَا صِفَةَ الطَّبْعِ عَلَى الْقَلْبِ بِشَوَاهِدِهَا، وَأَقْوَالَ أَهْلِ الْعِلْمِ، فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ.
٢٢ / ٦٥٢
وَقَوْلُهُ: ﴿فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ﴾ [التوبة: ٨٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ صَوَابًا مِنْ خَطَأٍ، وَحَقًّا مِنْ بَاطِلٍ لِطَبْعِ اللَّهِ عَلَى قُلُوبِهِمْ.
٢٢ / ٦٥٢
وَكَانَ قَتَادَةُ يَقُولُ فِي ذَلِكَ مَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ﴾ [المنافقون: ٣] أَقَرُّوا بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، وَقُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ تَأْبَى ذَلِكَ
٢٢ / ٦٥٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِذَا رَأَيْتُهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كَلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾ [المنافقون: ٤] يَقُولُ جَلَّ ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: وَإِذَا رَأَيْتَ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ يَا مُحَمَّدُ تُعْجِبْكَ أَجْسَامُهُمْ لِاسْتِوَاءِ خَلْقِهَا وَحُسْنِ صُوَرِهَا ﴿وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ﴾ [المنافقون: ٤]⦗٦٥٣⦘ يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَإِنْ يَتَكَلَّمُوا تَسْمَعْ كَلَامَهُمْ يُشْبِهُ مَنْطِقُهُمْ مَنْطِقَ النَّاسِ. ﴿كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ﴾ [المنافقون: ٤] يَقُولُ: كَأَنَّ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ لَا خَيْرَ عِنْدَهُمْ وَلَا فِقْهَ لَهُمْ وَلَا عِلْمَ، وَإِنَّمَا هُمْ صُوَرٌ بِلَا أَحْلَامٍ، وَأَشْبَاحٌ بِلَا عُقُولٍ.
٢٢ / ٦٥٢
وَقَوْلُهُ: ﴿يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ﴾ [المنافقون: ٤] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: يَحْسِبُ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ مِنْ خُبْثِهِمْ وَسُوءِ ظَنِّهِمْ، وَقِلَّةِ يَقِينِهِمْ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ، لِأَنَّهُمْ عَلَى وَجَلٍ أَنْ يُنْزِلَ اللَّهُ فِيهِمْ أَمْرًا يَهْتِكُ بِهِ أَسْتَارَهُمْ وَيَفْضَحُهُمْ، وَيُبِيحُ لِلْمُؤْمِنِينَ قَتْلَهُمْ وَسَبْيَ ذَرَارِيِّهِمْ، وَأَخْذَ أَمْوَالِهِمْ، فَهُمْ مِنْ خَوْفِهِمْ مِنْ ذَلِكَ كُلَّمَا نَزَلَ بِهِمْ مِنَ اللَّهِ وَحْيٌ عَلَى رَسُولِهِ، ظَنُّوا أَنَّهُ نَزَلَ بِهَلَاكِهِمْ وَعَطَبِهِمْ. يَقُولُ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِنَبِيِّهِ ﷺ: هُمُ الْعَدُوُّ يَا مُحَمَّدُ فَاحْذَرْهُمْ، فَإِنَّ أَلْسِنَتَهُمُ إِذَا لَقُوكُمْ مَعَكُمْ وَقُلُوبُهُمْ عَلَيْكُمْ مَعَ أَعْدَائِكُمْ، فَهُمْ عَيْنٌ لِأَعْدَائِكُمْ عَلَيْكُمْ.
٢٢ / ٦٥٣
وَقَوْلُهُ: ﴿قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾ [التوبة: ٣٠] يَقُولُ: أَخْزَاهُمُ اللَّهُ إِلَى أَيِّ وَجْهٍ يُصْرَفُونَ عَنِ الْحَقِّ.
٢٢ / ٦٥٣
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمُ﴾ [المنافقون: ٤] الْآيَةُ، قَالَ: هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ﴾ [المنافقون: ٤] فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةَ وَالْكُوفَةِ خَلَا الْأَعْمَشَ وَالْكِسَائِيَّ: ﴿خُشُبٌ﴾ [المنافقون: ٤] بِضَمِّ الْخَاءِ وَالشِّينِ، كَأَنَّهُمْ وَجَّهُوا ذَلِكَ إِلَى جَمْعِ الْجَمْعِ، جَمَعُوا الْخَشَبَةَ خِشَابًا ثُمَّ جَمَعُوا الْخِشَابَ خُشُبًا، كَمَا جُمِعَتِ الثَّمَرَةُ ثِمَارًا، ثُمَّ ثُمُرًا. وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْخُشُبُ بِضَمِّ الْخَاءِ
٢٢ / ٦٥٣
وَالشِّينِ إِلَى أَنَّهَا جَمْعُ خَشَبَةٍ، فَتُضَمُّ الشَّينِ مِنْهَا مَرَّةً وَتُسَكَّنُ أُخْرَى، كَمَا جَمَعُوا الْأَكَمَةَ أُكْمًا وَأُكُمًا بِضَمِّ الْأَلِفِ وَالْكَافِ مَرَّةً، وَتَسْكِينِ الْكَافِ مِنْهَا مَرَّةً، وَكَمَا قِيلَ: الْبُدْنُ وَالْبُدُنُ، بِضَمِّ الدَّالِ وَتَسْكِينِهَا لِجَمْعِ الْبَدَنَةِ، وَقَرَأَ ذَلِكَ الْأَعْمَشُ وَالْكِسَائِيُّ: (خُشْبٌ) بِضَمِّ الْخَاءِ وَسُكُونِ الشِّينِ. وَلِلصَّوَابِ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ، وَلُغَتَانِ فَصِيحَتَانِ، وَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ وَتَسْكِينُ الْأَوْسَطِ فِيمَا جَاءَ مِنْ جَمْعِ فُعُلَةٍ عَلَى فُعْلٍ فِي الْأَسْمَاءِ عَلَى أَلَسْنِ الْعَرَبِ أَكْثَرُو ذَلِكَ كَجَمْعِهِمُ الْبَدَنَةَ بُدْنًا، وَالْأَجَمَةَ أُجْمًا.
٢٢ / ٦٥٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ﴾ . يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَإِذَا قِيلَ لِهَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ: تَعَالَوْا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ ﴿لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ﴾ يَقُولُ: حَرَّكُوهَا وَهَزُّوهَا اسْتِهْزَاءً بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِاسْتِغْفَارِهِ؛ وَبِتَشْدِيدِهَا الْوَاوَ مِنْ ﴿لَوَّوْا﴾ [المنافقون: ٥] قَرَأَتِ الْقُرَّاءُ عَلَى وَجْهِ الْخَبَرِ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ كَرَّرُوا هَزَّ رُءُوسِهِمْ وَتَحْرِيكِهَا، وَأَكْثَرُوا، إِلَّا نَافِعًا فَإِنَّهُ قَرَأَ ذَلِكَ بِتَخْفِيفِ الْوَاوِ: (لَوَوْا) عَلَى وَجْهِ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ذَلِكَ مَرَّةً وَاحِدَةً. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ قِرَاءَةُ مَنْ شَدَّدَ الْوَاوَ لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَيْهِ.
٢٢ / ٦٥٤
وَقَوْلُهُ: ﴿وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ﴾ [المنافقون: ٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَرَأَيْتَهُمْ يُعْرِضُونَ عَمَّا دُعُوا إِلَيْهِ وُجُوهَهُمْ ﴿وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ﴾ [النحل: ٢٢] يَقُولُ: وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ
٢٢ / ٦٥٤
عَنِ الْمَصِيرِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ لَيَسْتَغْفِرَ لَهُمْ؛ وَإِنَّمَا عُنِيَ بِهَذِهِ الْآيَاتِ كُلِّهَا فِيمَا ذَكَرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيِّ ابْنُ سَلُولَ، وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: ﴿لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا﴾ [المنافقون: ٧]، وَقَالَ: ﴿لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ﴾ [المنافقون: ٨] . فَسَمِعَ بِذَلِكَ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ، فَأَخْبَرَ بِهِ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَدَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَسَأَلَهُ عَمَّا أُخْبِرَ بِهِ عَنْهُ، فَحَلَفَ أَنَّهُ مَا قَالَهُ، وَقِيلَ لَهُ: لَوْ أَتَيْتَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَسَأَلْتَهُ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَكَ، فَجَعَلَ يَلْوِي رَأْسَهُ وَيُحَرِّكُهُ اسْتِهْزَاءً، وَيَعْنِي ذَلِكَ أَنَّهُ غَيْرُ فَاعِلٍ مَا أَشَارُوا بِهِ عَلَيْهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل فِيهِ هَذِهِ السُّورَةَ مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ وَجَاءَتِ الْأَخْبَارُ.
٢٢ / ٦٥٥
ذِكْرُ الرِّوَايَةِ الَّتِي جَاءَتْ بِذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، قَالَ: ثنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ عَمِّي فِي غَزَاةٍ، فَسَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيِّ ابْنُ سَلُولَ يَقُولُ لِأَصْحَابِهِ: لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا، لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ؛ قَالَ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعَمِّي، فَذَكَرَهُ عَمِّي لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَأَرْسَلَ إِلَيَّ، فَحَدَّثْتُهُ، فَأَرْسَلَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ عَلِيًّا رضي الله عنه وَأَصْحَابَهُ، فَحَلَفُوا مَا قَالُوا، قَالَ: فَكَذَّبَنِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَصَدَّقَهُ، فَأَصَابَنِي هَمٌّ لَمْ يُصِبْنِي مِثْلُهُ قَطُّ؛ فَدَخَلْتُ الْبَيْتَ، فَقَالَ لِي عَمِّي: مَا أَرَدْتَ إِلَى أَنْ كَذَّبَكَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَمَقَتَكَ، قَالَ: حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل ﴿إِذَا جَاءَكَ ⦗٦٥٦⦘ الْمُنَافِقُونَ﴾ [المنافقون: ١] قَالَ: فَبَعَثَ إِلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَقَرَأَهَا، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ عز وجل قَدْ صَدَّقَكَ يَا زَيْدُ»
٢٢ / ٦٥٥
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ وَالْقَاسِمُ بْنُ بِشْرِ بْنِ مَعْرُوفٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، قَالَ الْحَكَمُ: أَخْبَرَنِي قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ كَعْبٍ الْقُرَظِيَّ، قَالَ: سَمِعْتُ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ، قَالَ: لَمَّا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيِّ ابْنُ سَلُولَ مَا قَالَ: لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا، وَقَالَ: لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ قَالَ: سَمِعْتُهُ فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ، فَلَامَنِي نَاسٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، قَالَ: وَجَاءَ هُوَ، فَحَلَفَ مَا قَالَ ذَلِكَ، فَرَجَعْتُ إِلَى الْمَنْزِلِ فَنِمْتُ قَالَ: فَأَتَانِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَوْ بَلَغَنِي، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ، فَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى قَدْ صَدَّقَكَ وَعَذَرَكَ» . قَالَ: فَنَزَلَتِ الْآيَةُ ﴿هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ﴾ [المنافقون: ٧] الْآيَةُ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا هَاشِمٌ أَبُو النَّضْرِ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الْحَكَمِ، قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ كَعْبٍ الْقُرَظِيَّ، قَالَ: سَمِعْتُ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ يُحَدِّثُ بِهَذَا الْحَدِيثِ
٢٢ / ٦٥٦
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنِ ⦗٦٥٧⦘ الْحَكَمِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي غَزْوَةٍ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيِّ ابْنُ سَلُولَ: لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ قَالَ: فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ فَأَخْبَرْتُهُ، فَحَلَفَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: فَلَامَنِي قَوْمِي وَقَالُوا: مَا أَرَدْتَ إِلَى هَذَا، قَالَ: فَانْطَلَقْتُ فَنِمْتُ كَئِيبًا أَوْ حَزِينًا، قَالَ: فَأَرْسَلَ إِلَيَّ نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ، أَوْ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَنْزَلَ عُذْرَكِ وَصَدَّقَكَ» قَالَ: وَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا﴾ [المنافقون: ٧] حَتَّى بَلَغَ ﴿لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ﴾ [المنافقون: ٨]
٢٢ / ٦٥٦
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، قَالَ: سَمِعَهَا زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ، فَرَفَعَهَا إِلَى وَلِيِّهِ، قَالَ: فَرَفَعَهَا وَلِيُّهُ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، قَالَ: فَقِيلَ لِزَيْدٍ: وَفَتْ أُذُنُكَ
٢٢ / ٦٥٧
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، قَالَ: ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَكَمِ بْنِ أَبَانَ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني بَشِيرُ بْنُ مُسْلِمٍ أَنَّهُ قِيلَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيِّ ابْنُ سَلُولَ: يَا أَبَا حُبَابٍ، إِنَّهُ قَدْ أُنْزِلَ فِيكَ آيٌ شِدَادٌ، فَاذْهَبْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَسْتَغْفِرْ لَكَ، فَلَوَى رَأْسَهُ وَقَالَ: أَمَرْتُمُونِي أَنْ أُومِنَ فَآمَنْتُ، وَأَمَرْتُمُونِي أَنْ أُعْطِيَ زَكَاةَ مَالِي فَأَعْطَيْتُ، فَمَا بَقِيَ إِلَّا أَنْ أَسْجُدَ لِمُحَمَّدٍ
٢٢ / ٦٥٧
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا﴾ [المنافقون: ٥] الْآيَةُ كُلُّهَا قَرَأَهَا إِلَى ﴿الْفَاسِقِينَ﴾ [المنافقون: ٦] أُنْزِلَتْ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ، وَذَلِكَ أَنَّ غُلَامًا مِنْ قَرَابَتِهِ انْطَلَقَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَحَدَّثَهُ ⦗٦٥٨⦘ بِحَدِيثٍ عَنْهُ وَأَمَرٍ شَدِيدٍ، فَدَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَإِذَا هُوَ يَحْلِفُ وَيَتَبَرَّأُ مِنْ ذَلِكَ، وَأَقْبَلَتِ الْأَنْصَارُ عَلَى ذَلِكَ الْغُلَامِ، فَلَامُوهُ وَعَذَلُوهُ وَقِيلَ لِعَبْدِ اللَّهِ: لَوْ أَتَيْتَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَجَعَلَ يَلْوِي رَأْسَهُ: أَيْ لَسْتُ فَاعِلًا، وَكَذَبَ عَلَيَّ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ مَا تَسْمَعُونَ
٢٢ / ٦٥٧
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ﴾ قَالَ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ، قِيلَ لَهُ: تَعَالَ لَيَسْتَغْفِرْ لَكَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَلَوَى رَأْسَهُ وَقَالَ: مَاذَا قُلْتُ
٢٢ / ٦٥٨
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: قَالَ لَهُ قَوْمُهُ: لَوْ أَتَيْتَ النَّبِيَّ ﷺ فَاسْتَغْفَرَ لَكَ، فَجَعَلَ يَلْوِي رَأْسَهُ، فَنَزَلَتْ فِيهِ ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ﴾ [المنافقون: ٥]
٢٢ / ٦٥٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ [المنافقون: ٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: سَوَاءٌ يَا مُحَمَّدُ عَلَى هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ: ﴿تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ﴾ [المنافقون: ٥] أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ ذُنُوبَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ يَقُولُ: لَنْ يَصْفَحَ اللَّهُ لَهُمْ عَنْ ذُنُوبِهِمْ، بَلْ يُعَاقِبُهُمْ عَلَيْهَا ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ [المنافقون: ٦] يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ لَا يُوَفِّقُ ⦗٦٥٩⦘ لِلْإِيمَانِ الْقَوْمَ الْكَاذِبِينَ عَلَيْهِ، الْكَافِرِينَ بِهِ، الْخَارِجِينَ عَنْ طَاعَتِهِ.
٢٢ / ٦٥٨
وَقَدْ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ﴾ [المنافقون: ٦] قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ بَعْدَ الْآيَةِ الَّتِي فِي سُورَةِ التَّوْبَةِ ﴿إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةٍ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ﴾ [التوبة: ٨٠] فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «زِيَادَةٌ عَلَى سَبْعِينَ مَرَّةٍ» فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿سَوَاءٌ عَلَيْهِمُ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ﴾ [المنافقون: ٦]
٢٢ / ٦٥٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ ﴿هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ﴾ [المنافقون: ٧] يَعْنِي الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ يَقُولُونَ لِأَصْحَابِهِمْ ﴿لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ﴾ [المنافقون: ٧] مِنْ أَصْحَابِهِ الْمُهَاجِرِينَ ﴿حَتَّى يَنْفَضُّوا﴾ [المنافقون: ٧] يَقُولُ: حَتَّى يَتَفَرَّقُوا عَنْهُ.
٢٢ / ٦٥٩
وَقَوْلُهُ: ﴿وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ يَقُولُ: وَلِلَّهِ جَمِيعُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ مِنْ شَيْءٍ وَبِيَدِهِ مَفَاتِيحُ خَزَائِنِ ذَلِكَ، لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يُعْطِيَ أَحَدًا شَيْئًا إِلَّا بِمَشِيئَتِهِ ﴿وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ﴾ [المنافقون: ٧] أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَلِذَلِكَ يَقُولُونَ: ﴿لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا﴾ [المنافقون: ٧] . ⦗٦٦٠⦘ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
٢٢ / ٦٥٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا﴾ [المنافقون: ٧] قَالَ: لَا تُطْعِمُوا مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ حَتَّى تُصِيبَهُمْ مَجَاعَةٌ، فَيَتْرُكُوا نَبِيَّهُمْ
٢٢ / ٦٦٠
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا﴾ [المنافقون: ٧] قَرَأَهَا إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، وَهَذَا قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ لِأَصْحَابِهِ الْمُنَافِقِينَ: لَا تُنْفِقُوا عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ حَتَّى يَدَعُوهُ، فَإِنَّكُمْ لَوْلَا أَنَّكُمْ تُنْفِقُونَ عَلَيْهِمْ لَتَرَكُوهُ وَأَجْلَوْا عَنْهُ
٢٢ / ٦٦٠
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا﴾ [المنافقون: ٧] إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيِّ ابْنُ سَلُولَ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ، فَإِنَّكُمْ لَوْ لَمْ تُنْفِقُوا عَلَيْهِمْ قَدِ انْفَضُّوا
٢٢ / ٦٦٠
حُدِّثْتُ، عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: ثنا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمَعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا﴾ [المنافقون: ٧] يَعْنِي الرِّفْدَ وَالْمَعُونَةَ، وَلَيْسَ يَعْنِي الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ؛ وَالَّذِينَ قَالُوا هَذَا هُمُ الْمُنَافِقُونَ
٢٢ / ٦٦٠
حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: ثنا أَسَدُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ أَبِي ⦗٦٦١⦘ زَائِدَةَ، قَالَ: ثنا الْأَعْمَشُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، قَالَ: لَمَّا قَالَ ابْنُ أُبَيٍّ مَا قَالَ، أَخْبَرْتُ النَّبِيَّ ﷺ، فَجَاءَ فَحَلَفَ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَقُولُونَ لِي؛ تَأْتِي رَسُولَ اللَّهِ ﷺ بِالْكَذِبِ؟ حَتَّى جَلَسْتُ فِي الْبَيْتِ مَخَافَةَ إِذَا رَأَوْنِي قَالُوا: هَذَا الَّذِي يَكْذِبُ، حَتَّى أَنْزَلَ: ﴿هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ﴾ [المنافقون: ٧]
٢٢ / ٦٦٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [المنافقون: ٨] . يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: يَقُولُ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ الَّذِينَ وَصَفَ صِفَتَهُمْ قَبْلُ ﴿لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ﴾ [المنافقون: ٨] فِيهَا، وَيَعْنِي بِالْأَعَزِّ: الْأَشَدَّ وَالْأَقْوَى، قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ﴾ [المنافقون: ٨] يَعْنِي: الشِّدَّةُ وَالْقُوَّةُ ﴿وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [المنافقون: ٨] بِاللَّهِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ ذَلِكَ. وَذُكِرَ أَنَّ سَبَبَ قِيلِ ذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ كَانَ مِنْ أَجْلِ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ كَسَعَ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ.
٢٢ / ٦٦١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرٍ، قَالَ: ثنا أَبُو عَامِرٍ، قَالَ: ثنا زَمْعَةُ، عَنْ عَمْرٍو، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: إِنَّ الْأَنْصَارَ كَانُوا أَكْثَرَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، ثُمَّ إِنَّ الْمُهَاجِرِينَ كَثُرُوا فَخَرَجُوا فِي غَزْوَةٍ لَهُمْ، فَكَسَعَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلًا مِنَ ⦗٦٦٢⦘ الْأَنْصَارِ، قَالَ: فَكَانَ بَيْنَهُمَا قِتَالٌ إِلَى أَنْ صَرَخَ: يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ، وَصَرَخَ الْمُهَاجِرُ: يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ؛ قَالَ: فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ ﷺ، فَقَالَ: «مَا لَكُمْ وِلِدَعْوَةِ الْجَاهِلِيَّةِ؟» فَقَالُوا: كَسَعَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ» قَالَ: فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيِّ ابْنُ سَلُولَ: لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ، فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، دَعْنِي فَأَقْتُلَهُ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ»
٢٢ / ٦٦١
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ﴾ [المنافقون: ٨] إِلَى ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ﴾ [المنافقون: ٨] قَالَ: قَالَ ذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيِّ ابْنُ سَلُولَ الْأَنْصَارِيُّ رَأْسُ الْمُنَافِقِينَ، وَنَاسٌ مَعَهُ مِنَ الْمُنَافِقِينَ
٢٢ / ٦٦٢
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورِ الرَّمَادِيُّ، قَالَ: ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَكَمِ، قَالَ: ثني أَبِي عَنْ عِكْرِمَةَ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيِّ ابْنُ سَلُولَ، كَانَ يُقَالُ لَهُ حُبَابٌ، فَسَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَبْدَ اللَّهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ وَالِدِي يُؤْذِي اللَّهَ وَرَسُولَهُ، فَذَرْنِي حَتَّى أَقْتُلَهُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لَا تُقْتَلْ أَبَاكَ عَبْدَ اللَّهِ» . ثُمَّ جَاءَ أَيْضًا فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ وَالِدِي يُؤْذِي اللَّهَ وَرَسُولَهُ، فَذَرْنِي حَتَّى أَقْتُلَهُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لَا تُقْتَلُ أَبَاكَ» فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَتَوَضَّأْ حَتَّى أَسْقِيَهُ مِنْ وَضُوئِكَ لَعَلَّ قَلْبَهُ
٢٢ / ٦٦٢
أَنْ يَلِينَ، فَتَوَضَّأَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَأَعْطَاهُ، فَذَهَبَ بِهِ إِلَى أَبِيهِ فَسَقَاهُ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: هَلْ تَدْرِي مَا سَقَيْتُكَ؟ فَقَالَ لَهُ وَالِدُهُ: نَعَمْ، سَقَيْتَنِي بَوْلَ أُمِّكِ. فَقَالَ لَهُ ابْنُهُ: لَا وَاللَّهِ، وَلَكِنْ سَقَيْتُكَ وَضُوءَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ؛ قَالَ عِكْرِمَةُ: وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ عَظِيمَ الشَّأْنِ فِيهِمْ. وَفِيهِمْ أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي الْمُنَافِقِينَ: ﴿هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا﴾ [المنافقون: ٧] وَهُوَ الَّذِي قَالَ: لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ، قَالَ: فَلَمَّا بَلَغُوا الْمَدِينَةَ مَدِينَةَ الرَّسُولِ ﷺ وَمَنْ مَعَهُ، أَخَذَ ابْنُهُ السَّيْفَ، ثُمَّ قَالَ لِوَالِدِهِ: أَنْتَ تَزْعُمُ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ، فَوَاللَّهِ لَا تَدْخُلُهَا حَتَّى يَأْذَنَ لَكَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ
٢٢ / ٦٦٣
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ كَسَعَ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ بِرِجْلِهِ وَذَلِكَ فِي أَهْلِ الْيَمَنِ شَدِيدٌ فَنَادَى الْمُهَاجِرِينَ: يَا لِلْمُهَاجِرِينَ، وَنَادَى الْأَنْصَارُ: يَا لِلْأَنْصَارِ قَالَ: وَالْمُهَاجِرُونَ يَوْمَئِذٍ أَكْثَرُ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ» فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيِّ ابْنُ سَلُولَ: لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ
٢٢ / ٦٦٣
حَدَّثَنِي عِمْرَانُ بْنُ بَكَّارٍ الْكَلَاعِيُّ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثنا عَلِيُّ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: ثنا أَبُو إِسْحَاقَ، أَنَّ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيِّ ابْنُ سَلُولَ قَالَ: لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا، وَقَالَ: لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ، قَالَ: فَحَدَّثَنِي زَيْدٌ أَنَّهُ أَخْبَرَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ بِقَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ، قَالَ: فَجَاءَ فَحَلَفَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ مَا قَالَ ذَلِكَ؛ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: فَقَالَ لِي زَيْدٌ، فَجَلَسْتُ فِي بَيْتِي، حَتَّى أَنْزَلَهُ اللَّهُ تَصْدِيقَ زَيْدٍ، وَتَكْذِيبَ ⦗٦٦٤⦘ عَبْدِ اللَّهِ فِي ﴿إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ﴾ [المنافقون: ١]
٢٢ / ٦٦٣
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ﴾ [المنافقون: ٨] قَرَأَ الْآيَةَ كُلَّهَا إِلَى ﴿لَا يَعْلَمُونَ﴾ [المنافقون: ٨] قَالَ: قَدْ قَالَهَا مُنَافِقٌ عَظِيمُ النِّفَاقِ فِي رَجُلَيْنِ اقْتَتَلَا، أَحَدُهُمَا غِفَارِيٌّ، وَالْآخَرُ جُهَنِيٌّ، فَظَهَرَ الْغِفَارِيُّ عَلَى الْجُهَنِيِّ، وَكَانَ بَيْنَ جُهَيْنَةَ وَالْأَنْصَارِ حِلْفٌ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ وَهُوَ ابْنُ أُبَيٍّ: يَا بَنِي الْأَوْسِ، يَا بَنِي الْخَزْرَجِ، عَلَيْكُمْ صَاحِبَكُمْ وَحَلِيفَكُمْ، ثُمَّ قَالَ: وَاللَّهِ مَا مَثَلُنَا وَمَثَلُ مُحَمَّدٍ إِلَّا كَمَا قَالَ الْقَائِلُ: سَمِّنْ كَلْبَكَ يَأْكُلْكَ، وَاللَّهِ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ. فَسَعَى بِهَا بَعْضُهُمْ إِلَى نَبِيِّ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ عُمَرُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ مُرْ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ أَنْ يَضْرِبَ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ، فَقَالَ: «لَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ» . ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ كَانَ أُكْثِرَ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْمُنَافِقِينَ عِنْدَهُ، فَقَالَ: هَلْ يُصَلِّي؟ فَقَالَ: نَعَمْ وَلَا خَيْرَ فِي صَلَاتِهِ، فَقَالَ: نُهِيتُ عَنِ الْمُصَلِّينَ، نُهِيتُ عَنِ الْمُصَلِّينَ
٢٢ / ٦٦٤
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: اقْتَتَلَ رَجُلَانِ، أَحَدُهُمَا مِنْ جُهَيْنَةَ، وَالْآخَرُ مِنْ غِفَارٍ، وَكَانَتْ جُهَيْنَةُ حَلِيفَ الْأَنْصَارِ، فَظَهَرَ عَلَيْهِ الْغِفَارِيُّ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ عَظِيمُ النِّفَاقِ: عَلَيْكُمْ صَاحِبَكُمْ، عَلَيْكُمْ صَاحِبَكُمْ، فَوَاللَّهِ مَا مَثَلُنَا وَمَثَلُ مُحَمَّدٍ إِلَّا كَمَا قَالَ الْقَائِلُ: سَمِّنْ كَلْبَكَ يَأْكُلْكَ، أَمَا وَاللَّهِ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَهُمْ فِي سَفَرٍ، فَجَاءَ رَجُلٌ مِمَّنْ سَمِعَهُ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَأَخْبَرَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ عُمَرُ: مُرْ مُعَاذًا يَضْرِبْ عُنُقَهُ، فَقَالَ: «وَاللَّهِ ⦗٦٦٥⦘ لَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ» . فَنَزَلَتْ فِيهِمْ: ﴿هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ﴾ [المنافقون: ٧]
٢٢ / ٦٦٤
وَقَوْلُهُ: ﴿لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ﴾ [المنافقون: ٨]
٢٢ / ٦٦٥
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الْحَسَنِ، أَنَّ غُلَامًا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ يَقُولُ كَذَا وَكَذَا؛ قَالَ: «فَلَعَلَّكَ غَضِبْتَ عَلَيْهِ؟» قَالَ: لَا وَاللَّهِ لَقَدْ سَمِعْتُهُ يَقُولُهُ؛ قَالَ: «فَلَعَلَّكَ أَخْطَأَ سَمْعُكَ؟» قَالَ: لَا وَاللَّهِ يَا نَبِيَّ اللَّهِ لَقَدْ سَمِعْتُهُ يَقُولُهُ قَالَ: فَلَعَلَّهُ شُبِّهَ عَلَيْكَ ” قَالَ: لَا وَاللَّهِ، قَالَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَصْدِيقًا لِلْغُلَامِ: ﴿لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ﴾ [المنافقون: ٨] فَأَخَذَ النَّبِيُّ ﷺ بِأُذُنِ الْغُلَامِ، فَقَالَ: «وَفَتْ أُذُنُكَ، وَفَتْ أُذُنُكَ يَا غُلَامُ»
٢٢ / ٦٦٥
حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ ﴿لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ﴾ [المنافقون: ٨] قَالَ: كَانَ الْمُنَافِقُونَ يُسَمُّونَ الْمُهَاجِرِينَ: الْجَلَابِيبَ؛ وَقَالَ: قَالَ ابْنُ أُبَيٍّ: قَدْ أَمَرْتُكُمْ فِي هَؤُلَاءِ الْجَلَابِيبِ أَمْرِي، قَالَ: هَذَا بَيْنَ أَمَجٍ وَعُسْفَانَ عَلَى الْكَدِيدِ تَنَازَعُوا عَلَى الْمَاءِ، وَكَانَ الْمُهَاجِرُونَ قَدْ غَلَبُوا عَلَى الْمَاءِ؛ قَالَ: وَقَالَ ابْنُ أُبَيٍّ أَيْضًا: أَمَا وَاللَّهِ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ
٢٢ / ٦٦٥
الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ لَقَدْ قُلْتُ لَكُمْ: لَا تُنْفِقُوا عَلَيْهِمْ، لَوْ تَرَكْتُمُوهُمْ مَا وَجَدُوا مَا يَأْكُلُونَ، وَيَخْرُجُوا وَيَهْرُبُوا؛ فَأَتَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَا تَسْمَعُ مَا يَقُولُ ابْنُ أُبَيٍّ؟ قَالَ: «وَمَا ذَاكَ؟» فَأَخْبَرَهُ وَقَالَ: دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: «إِذًا تَرْعَدُ لَهُ آنَفٌ كَثِيرَةٌ بِيَثْرِبَ» . قَالَ عُمَرُ: فَإِنْ كَرِهْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْ يَقْتُلَهُ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، فَمُرْ بِهِ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ، وَمُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ فَيَقْتُلَانِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنِّي أَكْرَهُ أَنْ يَتَحَدَّثَ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ، ادْعُوا لِي عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ» . فَدَعَاهُ، فَقَالَ: «أَلَا تَرَى مَا يَقُولُ أَبُوكَ؟» قَالَ: وَمَا يَقُولُ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي؟ قَالَ: «يَقُولُ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ»؛ فَقَالَ: فَقَدْ صَدَقَ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنْتَ وَاللَّهِ الْأَعَزُّ وَهُوَ الْأَذَلُّ، أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ قَدِمْتَ الْمَدِينَةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَإِنَّ أَهْلَ يَثْرِبَ لَيَعْلَمُونَ مَا بِهَا أَحَدٌ أَبَرَّ مِنِّي، وَلَئِنْ كَانَ يُرْضِي اللَّهَ وَرَسُولَهُ أَنْ آتِيَهُمَا بِرَأْسِهِ لَآتِيَنَّهُمَا بِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لَا» . فَلَمَّا قَدِمُوا الْمَدِينَةَ، قَامَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ عَلَى بَابِهَا بِالسَّيْفِ لِأَبِيهِ؛ ثُمَّ قَالَ: أَنْتَ الْقَائِلُ: لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ، أَمَا وَاللَّهِ لَتَعْرِفَنَّ الْعِزَّةُ لَكَ أَوْ لِرَسُولِ اللَّهِ، وَاللَّهِ لَا يَأْوِيكَ ظِلُّهُ، وَلَا تَأْوِيهِ أَبَدًا إِلَّا بِإِذْنٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ؛ فَقَالَ: يَا لِلْخَزْرَجِ ابْنِي يَمْنَعُنِي بَيْتِي يَا لِلْخَزْرَجِ ابْنِي يَمْنَعُنِي بَيْتِي فَقَالَ: وَاللَّهِ لَا تَأْوِيهِ أَبَدًا إِلَّا بِإِذْنٍ مِنْهُ؛ فَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ رِجَالٌ فَكَلَّمُوهُ، فَقَالَ: وَاللَّهِ لَا يَدْخُلُهُ إِلَّا بِإِذْنٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَأَتَوُا النَّبِيَّ ﷺ فَأَخْبَرُوهُ، فَقَالَ: «اذْهَبُوا إِلَيْهِ، فَقُولُوا لَهُ خِلِّهِ وَمَسْكَنَهُ»؛ فَأَتَوْهُ، فَقَالَ: أَمَا إِذَا جَاءَ أَمْرُ النَّبِيِّ ﷺ فَنَعَمْ
٢٢ / ٦٦٦
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ وَعَلِيُّ بْنُ مُجَاهِدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ،
٢٢ / ٦٦٦
عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ، قَالَ: كُلٌّ قَدْ حَدَّثَنِي بَعْضُ حَدِيثِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ، قَالُوا: بَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَنَّ بَنِيَ الْمُصْطَلِقِ يَجْمَعُونَ لَهُ، وَقَائِدُهُمُ الْحَارِثُ بْنُ أَبِي ضِرَارٍ أَبُو جُوَيْرِيَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ؛ فَلَمَّا سَمِعَ بِهِمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، خَرَجَ إِلَيْهِمْ حَتَّى لَقِيَهُمْ عَلَى مَاءٍ مِنْ مِيَاهِهِمْ يُقَالَ لَهُ الْمُرَيْسِيعُ مِنْ نَاحِيَةِ قُدَيْدٍ إِلَى السَّاحِلِ، فَتَزَاحَفَ النَّاسُ فَاقْتَتَلُوا، فَهَزَمَ اللَّهُ بَنِي الْمُصْطَلِقِ، وَقَتَلَ مَنْ قَتَلَ مِنْهُمْ، وَنَفَّلَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَبْنَاءَهُمْ وَنِسَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ، فَأَفَاءَهُمُ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَقَدْ أُصِيبَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي كَلْبِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَامِرِ بْنِ لَيْثِ بْنِ بَكْرٍ، يُقَالُ لَهُ هِشَامُ بْنُ صُبَابَةَ أَصَابَهُ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ مِنْ رَهْطِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ مِنَ الْعَدُوِّ، فَقَتَلَهُ خَطَأً، فَبَيْنَا النَّاسُ عَلَى ذَلِكَ الْمَاءِ وَرَدَتْ وَارِدَةُ النَّاسِ وَمَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَجِيرٌ لَهُ مِنْ بَنِي غِفَارٍ يُقَالَ لَهُ جَهْجَاهُ بْنُ سَعِيدٍ، يَقُودُ لَهُ فَرَسَهُ، فَازْدَحَمَ جَهْجَاهٌ وَسِنَانٌ الْجُهَنِيُّ حَلِيفُ بَنِي عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ عَلَى الْمَاءِ فَاقْتَتَلَا، فَصَرَخَ الْجُهَنِيُّ: يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ. وَصَرَخَ جَهْجَاهُ: يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ، فَغَضِبَ عَبْدُ اللَّهِ بْنِ أُبَيِّ ابْنُ سَلُولَ، وَعِنْدَهُ رَهْطٌ مِنْ قَوْمِهِ فِيهِمْ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ، غُلَامٌ حَدِيثُ السِّنِّ، فَقَالَ: قَدْ فَعَلُوهَا؟ قَدْ نَافَرُونَا وَكَاثَرُونَا فِي بِلَادِنَا، وَاللَّهِ مَا أَعُدُّنَا وَجَلَابِيبَ قُرَيْشٍ هَذِهِ إِلَّا كَمَا قَالَ الْقَائِلُ: سَمِّنْ كَلْبَكَ يَأْكُلْكَ. أَمَا وَاللَّهِ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ؛ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى مَنْ حَضَرَ مِنْ قَوْمِهِ، فَقَالَ: هَذَا مَا فَعَلْتُمْ بِأَنْفُسِكُمْ أَحْلَلْتُمُوهُمْ بِلَادَكُمْ، وَقَاسَمْتُمُوهُمْ أَمْوَالَكُمْ، أَمَا وَاللَّهِ لَوْ أَمْسَكْتُمْ عَنْهُمْ مَا
٢٢ / ٦٦٧
بِأَيْدِيكُمْ لَتَحَوَّلُوا إِلَى غَيْرِ بِلَادِكُمْ؛ فَسَمِعَ ذَلِكَ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ فَمَشَى بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَذَلِكَ عِنْدَ فَرَاغِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِنْ غَزْوِهِ، فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ وَعِنْدَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مُرْ بِهِ عَبَّادَ بْنَ بِشْرِ بْنِ وَقْشٍ فَلْيَقْتُلْهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «فَكَيْفَ يَا عُمَرُ إِذَا تَحَدَّثَ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ، لَا، وَلَكِنْ أَذِّنْ بِالرَّحِيلِ» وَذَلِكَ فِي سَاعَةٍ لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَرْتَحِلُ فِيهَا، فَارْتَحَلَ النَّاسُ، وَقَدْ مَشَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ حِينَ بَلَغَهُ أَنَّ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ قَدْ بَلَغَهُ مَا سَمِعَ مِنْهُ، فَحَلَفَ بِاللَّهِ مَا قُلْتُ مَا قَالَ، وَلَا تَكَلَّمْتُ بِهِ؛ وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ فِي قَوْمِهِ شَرِيفًا عَظِيمًا، فَقَالَ مَنْ حَضَرَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ مِنْ أَصْحَابِهِ مِنَ الْأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَسَى أَنْ يَكُونَ الْغُلَامُ أَوْهَمَ فِي حَدِيثِهِ، وَلَمْ يَحْفَظْ مَا قَالَ الرَّجُلُ، حَدَبًا عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيِّ، وَدَفْعًا عَنْهُ؛ فَلَمَّا اسْتَقَلَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَسَارَ، لَقِيَهُ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ، فَحَيَّاهُ بِتَحِيَّةِ النُّبُوَّةِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ؛ ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَقَدْ رُحْتَ فِي سَاعَةٍ مُنْكَرَةٍ مَا كُنْتَ تَرُوحُ فِيهَا، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ «أَوْ مَا بَلَغَكَ مَا قَالَ صَاحِبُكُمْ؟» قَالَ: فَأَيُّ صَاحِبٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ» . قَالَ: وَمَا قَالَ؟ قَالَ: «زَعَمَ أَنَّهُ إِنْ رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ أَخْرَجَ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ» . قَالَ أُسَيْدٌ: فَأَنْتَ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ تُخْرِجُهُ إِنْ شِئْتَ، هُوَ وَاللَّهِ الذَّلِيلُ وَأَنْتَ الْعَزِيزُ؛ ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ارْفُقْ بِهِ، فَوَاللَّهِ لَقَدْ جَاءَ اللَّهُ بِكَ وَإِنَّ قَوْمَهَ لَيَنْظِمُونُ لَهُ الْخَرَزَ لِيُتَوِّجُوهُ، فَإِنَّهُ لَيَرَى أَنَّكَ قَدِ اسْتَلَبْتَهُ مَلَكًا. ثُمَّ مَشَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِالنَّاسِ يَوْمَهُمْ ذَلِكَ حَتَّى أَمْسَى، وَلَيْلَتَهُمْ حَتَّى أَصْبَحَ، وَصَدْرَ يَوْمِهِمْ ذَلِكَ حَتَّى آذَتْهُمُ الشَّمْسُ، ثُمَّ نَزَلَ بِالنَّاسِ، فَلَمْ يَكُنْ إِلَّا أَنْ وَجَدُوا مَسَّ الْأَرْضِ وَقَعُوا نِيَامًا، وَإِنَّمَا فَعَلَ
٢٢ / ٦٦٨
ذَلِكَ لَيَشْغَلَ النَّاسَ عَنِ الْحَدِيثِ الَّذِي كَانَ بِالْأَمْسِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ. ثُمَّ رَاحَ بِالنَّاسِ وَسَلَكَ الْحِجَازَ حَتَّى نَزَلَ عَلَى مَاءٍ بِالْحِجَازِ فُوَيْقَ النَّقِيعِ، يُقَالَ لَهُ نَقْعَاءُ؛ فَلَمَّا رَاحَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ هَبَّتْ عَلَى النَّاسِ رِيحٌ شَدِيدَةٌ آذَتْهُمْ وَتَخَوَّفُوهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لَا تَخَافُوا فَإِنَّمَا هَبَّتْ لِمَوْتِ عَظِيمٍ مِنْ عُظَمَاءِ الْكُفَّارِ» . فَلَمَّا قَدِمُوا الْمَدِينَةَ وَجَدُوا رِفَاعَةَ بْنَ زَيْدِ بْنِ التَّابُوتِ أَحَدَ بَنِي قَيْنُقَاعٍ وَكَانَ مِنْ عُظَمَاءِ يَهُودَ، وَكَهْفًا لِلْمُنَافِقِينَ قَدْ مَاتَ ذَلِكَ الْيَوْمَ، فَنَزَلَتِ السُّورَةُ الَّتِي ذَكَرَ اللَّهِ فِيهَا الْمُنَافِقِينَ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيِّ ابْنُ سَلُولَ، وَمَنْ كَانَ مَعَهُ عَلَى مِثْلِ أَمْرِهِ، فَقَالَ: ﴿إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ﴾ [المنافقون: ١] فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ السُّورَةُ أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِأُذُنِ زَيْدٍ فَقَالَ: «هَذَا الَّذِي أَوْفَى اللَّهَ بِأُذُنِهِ» وَبَلَغَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ الَّذِي كَانَ مِنْ أَبِيهِ
٢٢ / ٦٦٩
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، قَالَ: ثني مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّكَ تُرِيدُ قَتْلَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ فِيمَا بَلَغَكَ عَنْهُ، فَإِنْ كُنْتَ فَاعِلًا، فَمُرْنِي بِهِ فَأَنَا أَحْمِلُ إِلَيْكَ رَأْسَهُ، فَوَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمَتِ الْخَزْرَجُ مَا كَانَ فِيهَا رَجُلٌ أَبَرَّ بِوَالِدِهِ مِنِّي، وَإِنِّي أَخْشَى أَنْ تَأْمُرَ بِهِ غَيْرِي فَيَقْتُلَهُ، فَلَا تَدَعُنِي نَفْسِي أَنْ أَنْظُرَ إِلَى قَاتِلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ يَمْشِي فِي النَّاسِ فَأَقْتُلَهُ، فَأُقْتَلَ مُؤْمِنًا بِكَافِرٍ، فَأَدْخُلَ
٢٢ / ٦٦٩
النَّارَ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «بَلْ نَرْفُقُ بِهِ وَنُحْسِنُ صُحْبَتَهُ مَا بَقِيَ مَعَنَا» وَجَعَلَ بَعْدَ ذَلِكَ الْيَوْمِ إِذَا أَحْدَثَ الْحَدَثَ كَانَ قَوْمُهُ هُمُ الَّذِينَ يُعَاتِبُونَهُ، وَيَأْخُذُونَهُ وَيُعَنِّفُونَهُ وَيَتَوَعَّدُونَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ حِينَ بَلَغَهُ ذَلِكَ عَنْهُمْ مِنْ شَأْنِهِمْ «كَيْفَ تَرَى يَا عُمَرُ؛ أَمَا وَاللَّهِ لَوْ قَتَلْتُهُ يَوْمَ أَمَرْتَنِي بِقَتْلِهِ لَأَرْعَدَتْ لَهُ آنَفٌ، لَوْ أَمَرْتُهَا الْيَوْمَ بِقَتْلِهِ لَقَتَلَتْهُ»؛ قَالَ: فَقَالَ عُمَرُ: قَدْ وَاللَّهِ عَلِمْتُ لَأَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَعْظَمُ بَرَكَةً مِنْ أَمْرِي
٢٢ / ٦٧٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ [المنافقون: ٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ صَدَّقُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴿لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ﴾ [المنافقون: ٩] يَقُولُ: لَا تُوجِبْ لَكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادَكُمُ اللَّهْوَ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ، وَهُوَ مِنْ: أَلْهَيْتُهُ عَنْ كَذَا وَكَذَا، فَلَهَا هُوَ يَلْهُو لَهْوًا؛ وَمِنْهُ قَوْلُ امْرِئِ الْقَيْسِ:
[البحر الطويل] وَمِثْلُكِ حُبْلَى قَدْ طَرَقْتُ وَمُرْضِعٍ … فَأَلْهَيْتُهَا عَنْ ذِي تَمَائِمَ مُحْوِلِ
وَقِيلَ: عُنِيَ بِذِكْرِ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: الصَّلَوَاتُ الْخُمُسُ.
[البحر الطويل] وَمِثْلُكِ حُبْلَى قَدْ طَرَقْتُ وَمُرْضِعٍ … فَأَلْهَيْتُهَا عَنْ ذِي تَمَائِمَ مُحْوِلِ
وَقِيلَ: عُنِيَ بِذِكْرِ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: الصَّلَوَاتُ الْخُمُسُ.
٢٢ / ٦٧٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا مِهْرَانُ، عَنْ أَبِي سِنَانٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ﴾ [المنافقون: ٩] قَالَ: ⦗٦٧١⦘ الصَّلَوَاتُ الْخُمُسُ
٢٢ / ٦٧٠
وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ﴾ [البقرة: ٢٣١] يَقُولُ: وَمَنْ يُلْهِهِ مَالُهُ وَأَوْلَادُهُ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ ﴿فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ [البقرة: ١٢١] يَقُولُ: هُمُ الْمَغْبُونُونَ حُظُوظَهُمْ مِنْ كَرَامَةِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ تبارك وتعالى.
٢٢ / ٦٧١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ [المنافقون: ١١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَأَنْفِقُوا﴾ [البقرة: ١٩٥] أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ مِنَ الْأَمْوَالِ الَّتِي رَزَقْنَاكُمْ ﴿مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ﴾ [المنافقون: ١٠] إِذَا نَزَلَ بِهِ الْمَوْتُ: يَا رَبِّ هَلَّا أَخَّرْتَنِي فَتُمْهِلُ لِي فِي الْأَجَلِ إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ ﴿فَأَصَّدَّقَ﴾ [المنافقون: ١٠] يَقُولُ: فَأُزَكِّي مَالِي ﴿وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ [المنافقون: ١٠] يَقُولُ: وَأَعْمَلُ بِطَاعَتِكَ، وَأُؤَدِّي فَرَائِضَكَ. وَقِيلَ: عَنَى بِقَوْلِهِ: ﴿وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ [المنافقون: ١٠] وَأَحُجُّ بَيْتَكَ الْحَرَامَ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
٢٢ / ٦٧١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي يُونُسُ وَسَعِيدُ بْنُ الرَّبِيعِ، قَالَ سَعِيدٌ، ثنا سُفْيَانُ وَقَالَ يُونُسُ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي جَنَابٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: مَا مِنْ أَحَدٍ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاةَ مَالِهِ وَلَمْ يَحُجَّ إِلَّا سَأَلَ الْكَرَّةَ، فَقَالُوا: يَا أَبَا عَبَّاسٍ لَا ⦗٦٧٢⦘ تَزَالُ تَأْتِينَا بِالشَّيْءِ لَا نَعْرِفُهُ؛ قَالَ: فَأَنَا أَقْرَأُ عَلَيْكُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ: ﴿وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَقَ﴾ [المنافقون: ١٠] قَالَ: أُؤَدِّي زَكَاةَ مَالِي ﴿وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ [المنافقون: ١٠] قَالَ: أَحُجُّ
٢٢ / ٦٧١
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي سِنَانٍ، عَنْ رَجُلٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: مَا يَمْنَعُ أَحَدَكُمْ إِذَا كَانَ لَهُ مَالٌ يَجِبُ عَلَيْهِ فِيهِ الزَّكَاةُ أَنْ يُزَكِّيَ، وَإِذَا أَطَاقَ الْحَجَّ أَنْ يَحُجَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُ الْمَوْتُ، فَيَسْأَلَ رَبَّهُ الْكَرَّةَ فَلَا يُعْطَاهَا، فَقَالَ رَجُلٌ: أَمَا تَتَّقِي اللَّهَ، يَسْأَلُ الْمُؤْمِنُ الْكَرَّةَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَقْرَأُ عَلَيْكُمْ قُرْآنًا، فَقَرَأَ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ﴾ [المنافقون: ٩] فَقَالَ الرَّجُلُ: فَمَا الَّذِي يُوجِبُ عَلَيَّ الْحَجَّ؟ قَالَ: رَاحِلَةٌ تَحْمِلُهُ، وَنَفَقَةٌ تُبَلِّغُهُ
٢٢ / ٦٧٢
حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَسَدِيُّ وَفَضَالَةُ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ عَبَّادٌ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ أَبُو حَازِمٍ، مَوْلَى الضَّحَّاكِ وَقَالَ فَضَالَةُ: ثنا بَزِيعٌ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَقَ﴾ [المنافقون: ١٠] قَالَ: فَأَتَصَدَّقُ بِزَكَاةِ مَالِي ﴿وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ [المنافقون: ١٠] قَالَ: الْحَجُّ
٢٢ / ٦٧٢
حُدِّثْتُ، عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: ثنا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمَعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ﴾ [المنافقون: ٩] إِلَى آخِرِ السُّورَةِ: هُوَ الرَّجُلُ الْمُؤْمِنُ نَزَلَ بِهِ الْمَوْتُ وَلَهُ مَالٌ كَثِيرٌ لَمْ يُزَكِّهِ، وَلَمْ يَحُجَّ مِنْهُ، وَلَمْ يُعْطِ مِنْهُ حَقَّ اللَّهِ يَسْأَلُ الرَّجْعَةَ عِنْدَ الْمَوْتِ فَيُزَكِّي مَالَهُ، قَالَ اللَّهُ: ﴿وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا﴾ [المنافقون: ١١]
٢٢ / ٦٧٢
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ ⦗٦٧٣⦘ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ ﴿لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ﴾ [المنافقون: ٩] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَأَنْفِقُوا مِن مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ﴾ [المنافقون: ١٠] قَالَ: هُوَ الرَّجُلُ الْمُؤْمِنُ إِذَا نَزَلَ بِهِ الْمَوْتُ وَلَهُ مَالٌ لَمْ يُزَكِّهِ وَلَمْ يَحُجَّ مِنْهُ، وَلَمْ يُعْطِ حَقَّ اللَّهِ فِيهِ، فَيَسْأَلُ الرَّجْعَةَ عِنْدَ الْمَوْتِ لَيَتَصَدَّقَ مِنْ مَالِهِ وَيُزَكِّيَ، قَالَ اللَّهُ ﴿وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا﴾ [المنافقون: ١١]
٢٢ / ٦٧٢
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، ﴿فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ [المنافقون: ١٠] قَالَ: الزَّكَاةُ وَالْحَجُّ وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ [المنافقون: ١٠] فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْأَمْصَارِ غَيْرَ ابْنِ مُحَيْصِنٍ وَأَبِي عَمْرٍو: ﴿وَأَكُنْ﴾ [يوسف: ٣٣] جَزْمًا عَطْفًا بِهَا عَلَى تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: ﴿فَأَصَّدَّقَ﴾ [المنافقون: ١٠] لَوْ لَمْ تَكُنْ فِيهِ الْفَاءُ، وَذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ: ﴿فَأَصَّدَّقَ﴾ [المنافقون: ١٠] لَوْ لَمْ تَكُنْ فِيهِ الْفَاءُ كَانَ جَزْمًا. وَقَرَأَ ذَلِكَ ابْنُ مُحَيْصِنٍ وَأَبُو عَمْرٍو: (وَأَكُونَ) بِإِثْبَاتِ الْوَاوِ وَنَصْبِ (وَأَكُونَ) عَطْفًا بِهِ عَلَى قَوْلِهِ: ﴿فَأَصَّدَّقَ﴾ [المنافقون: ١٠] فَنَصْبُ قَوْلِهِ (وَأَكُونَ) إِذْ كَانَ قَوْلُهُ: ﴿فَأَصَّدَّقَ﴾ [المنافقون: ١٠] نَصَبًا. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ: أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ
٢٢ / ٦٧٣
وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا﴾ [المنافقون: ١١] يَقُولُ: لَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ فِي أَجَلِ أَحَدٍ فَيَمُدَّ لَهُ فِيهِ إِذَا حَضَرَ أَجَلُهُ، وَلَكِنَّهُ يَخْتَرِمُهُ. ﴿وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ [آل عمران: ١٥٣] يَقُولُ: وَاللَّهُ ذُو خِبْرَةٍ وَعِلْمٍ بِأَعْمَالِ عَبِيدِهِ هُوَ بَجَمِيعِهَا مُحِيطٌ، لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَهُوَ مُجَازِيهِمْ بِهَا، الْمُحْسِنَ بِإِحْسَانِهِ، وَالْمُسِيءُ بِإِسَاءَتِهِ.