سُورَةُ الْمُجَادَلَةِ

مَدَنِيَّةٌ وَآيَاتُهَا اثْنَتَانِ وَعِشْرُونَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
٢٢ ‏/ ٤٤٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ﴾ [المجادلة: ١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ﴾ [المجادلة: ١] يَا مُحَمَّدُ ﴿قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا﴾ [المجادلة: ١] وَالَّتِي كَانَتْ تُجَادِلُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فِي زَوْجِهَا امْرَأَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي نَسَبِهَا وَاسْمِهَا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: خَوْلَةُ بِنْتُ ثَعْلَبَةَ، وَقَالَ بَعْضُهُمُ: اسْمُهَا خُوَيْلَةُ بِنْتُ ثَعْلَبَةَ. وَقَالَ آخَرُونَ: هِيَ خُوَيْلَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ. وَقَالَ آخَرُونَ: هِيَ خُوَيْلَةُ بِنْتُ الصَّامِتِ. وَقَالَ آخَرُونَ: هِيَ خُوَيْلَةُ ابْنَةُ الدَّلِيجِ. وَكَانَتْ مُجَادَلَتُهَا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فِي زَوْجِهَا، وَزَوْجُهَا أَوْسُ بْنُ الصَّامِتِ، مُرَاجَعَتَهَا إِيَّاهُ فِي أَمْرِهِ، وَمَا كَانَ مِنْ قَوْلِهِ لَهَا: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي. وَمُحَاوَرَتَهَا إِيَّاهُ فِي ذَلِكَ. وَبِذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ، وَتَظَاهَرَتْ بِهِ الرِّوَايَةُ.
٢٢ ‏/ ٤٤٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ وَالْآثَارُ الْوَارِدَةُ بِهِ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْعَالِيَةِ يَقُولُ: إِنَّ خُوَيْلَةَ ابْنَةَ الدَّلِيجِ أَتَتِ النَّبِيَّ ﷺ وَعَائِشَةُ تَغْسِلُ شِقَّ رَأْسِهِ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، طَالَتْ صُحْبَتِي مَعَ زَوْجِي، وَنَفَضْتُ لَهُ بَطْنِي، وَظَاهَرَ مِنِّي. فَقَالَ ⦗٤٤٧⦘ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «حَرُمْتِ عَلَيْهِ» . فَقَالَتْ: أَشْكُو إِلَى اللَّهِ فَاقَتِي. ثُمَّ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ طَالَتْ صُحْبَتِي، وَنَفَضْتُ لَهُ بَطْنِي. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «حَرُمْتِ عَلَيْهِ» . فَجَعَلَ إِذَا قَالَ لَهَا: «حَرُمْتِ عَلَيْهِ» . هَتَفَتْ وَقَالَتْ: أَشْكُو إِلَى اللَّهِ فَاقَتِي. قَالَ: فَنَزَلَ الْوَحْيُ، وَقَدْ قَامَتْ عَائِشَةُ تَغْسِلُ شِقَّ رَأْسِهِ الْآخَرَ، فَأَوْمَأَتْ إِلَيْهَا عَائِشَةُ أَنِ: اسْكُتِيَ. قَالَتْ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِذَا نَزَلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ أَخَذَهُ مِثْلُ السُّبَاتِ، فَلَمَّا قُضِيَ الْوَحْيُ، قَالَ: «ادْعِي زَوْجَكِ» . فَتَلَاهَا عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا﴾ [المجادلة: ١] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا﴾ [المجادلة: ٣] أَيْ يَرْجِعُ فِيهِ ﴿فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا﴾ [المجادلة: ٣]: «أَتَسْتَطِيعُ رَقَبَةً؟» قَالَ: لَا. قَالَ: ﴿فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ﴾ [النساء: ٩٢] قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي إِذَا لَمْ آكُلْ فِي الْيَوْمِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ خَشِيتُ أَنْ يَعْشُوَ بَصَرِي. قَالَ: ﴿فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا﴾ [المجادلة: ٤] قَالَ: «أَتَسْتَطِيعُ أَنْ تُطْعِمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟» قَالَ: لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِلَّا أَنْ تُعِينَنِي. فَأَعَانَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَأَطْعَمَ
٢٢ ‏/ ٤٤٦
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ خُوَيْلَةَ ابْنَةَ ثَعْلَبَةَ وَكَانَ زَوْجُهَا أَوْسَ بْنَ الصَّامِتِ قَدْ ظَاهَرَ مِنْهَا، فَجَاءَتْ تَشْتَكِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَتْ: ظَاهَرَ مِنِّي زَوْجِي حِينَ كَبِرَ سِنِّي، وَرَقَّ عَظْمِي. فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهَا مَا تَسْمَعُونَ: ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ﴾ [المجادلة: ١] فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ ﴿لَعَفُوٌّ غَفُورٌ وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا ⦗٤٤٨⦘ قَالُوا﴾ [المجادلة: ٣] يُرِيدُ أَنْ يَغْشَى بَعْدَ قَوْلِهِ ذَلِكَ، فَدَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ لَهُ: «أَتَسْتَطِيعُ أَنْ تُحَرِّرَ مُحَرَّرًا؟» قَالَ: مَا لِي بِذَلِكَ يَدَانِ. أَوْ قَالَ: لَا أَجِدُ. قَالَ: «أَتَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟» قَالَ: لَا وَاللَّهِ؛ إِنَّهُ إِذَا أَخْطَأَهُ الْمَأْكَلُ كُلَّ يَوْمٍ مِرَارًا يَكِلُّ بَصَرُهُ. قَالَ: «أَتَسْتَطِيعُ أَنْ تُطْعِمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟» قَالَ: لَا وَاللَّهِ، إِلَّا أَنْ تُعِينَنِي مِنْكَ بِعَوْنٍ وَصَلَاةٍ. قَالَ بِشْرٌ، قَالَ يَزِيدُ: يَعْنِي دُعَاءً؛ فَأَعَانَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِخَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا، فَجَمَعَ اللَّهُ لَهُ، وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ
٢٢ ‏/ ٤٤٧
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا﴾ [المجادلة: ١] قَالَ: ذَاكَ أَوْسُ بْنُ الصَّامِتِ، ظَاهَرَ مِنِ امْرَأَتِهِ خُوَيْلَةَ ابْنَةِ ثَعْلَبَةَ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَبِرَ سِنِّي، وَرَقَّ عَظْمِي، وَظَاهَرَ مِنِّي زَوْجِي. قَالَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ﴾ [المجادلة: ٢] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا﴾ [المجادلة: ٣] يُرِيدُ أَنْ يَغْشَى بَعْدَ قَوْلِهِ: ﴿فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا﴾ [المجادلة: ٣] فَدَعَاهُ إِلَيْهِ نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: «هَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُعْتِقَ رَقَبَةً؟» قَالَ: لَا. قَالَ: «أَفَتَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟» قَالَ: إِنَّهُ إِذَا أَخْطَأَهُ أَنْ يَأْكُلَ كُلَّ يَوْمٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ يَكِلُّ بَصَرُهُ. قَالَ: «أَتَسْتَطِيعُ أَنْ تُطْعِمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟» قَالَ: لَا، إِلَّا أَنْ يُعِينَنِيَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِعَوْنٍ وَصَلَاةٍ. فَأَعَانَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِخَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا، وَجَمَعَ اللَّهُ لَهُ أَمْرَهُ، وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ
٢٢ ‏/ ٤٤٨
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ إِذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ ⦗٤٤٩⦘ أُمِّي، حَرُمَتْ فِي الْإِسْلَامِ، فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ ظَاهَرَ فِي الْإِسْلَامِ أَوْسُ بْنُ الصَّامِتِ، وَكَانَتْ تَحْتَهُ ابْنَةُ عَمٍّ لَهُ يُقَالَ لَهَا خُوَيْلَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ وَظَاهَرَ مِنْهَا، فَأُسْقِطَ فِي يَدَيْهِ، وَقَالَ: مَا أَرَاكِ إِلَّا قَدْ حَرُمْتِ عَلَيَّ. وَقَالَتْ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، قَالَ: فَانْطَلِقِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ؛ قَالَ: فَأَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَوَجَدَتْ عِنْدَهُ مَاشِطَةً تَمْشُطُ رَأْسَهُ، فَأَخْبَرَتْهُ، فَقَالَ: «يَا خُوَيْلَةُ مَا أُمِرْنَا فِي أَمْرِكِ بِشَيْءٍ» . فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: «يَا خُوَيْلَةُ أَبْشِرِي» . قَالَتْ: خَيْرًا. قَالَ: فَقَرَأَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ﴾ [المجادلة: ١] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا﴾ [المجادلة: ٣] قَالَتْ: وَأَيُّ رَقَبَةٍ لَنَا، وَاللَّهِ مَا يَجِدُ رَقَبَةً غَيْرِي. قَالَ: ﴿فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ﴾ [النساء: ٩٢] قَالَتْ: وَاللَّهِ لَوْلَا أَنَّهُ يَشْرَبُ فِي الْيَوْمِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لَذَهَبَ بَصَرُهُ. قَالَ: ﴿فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا﴾ [المجادلة: ٤] قَالَتْ: مِنْ أَيْنَ؟ مَا هِيَ إِلَّا أُكْلَةً إِلَى مِثْلِهَا، قَالَ: فَرَعَاهُ بِشَطْرِ وَسَقٍ ثَلَاثِينَ صَاعًا وَالْوَسَقُ سِتُّونَ صَاعًا فَقَالَ: «لِيُطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا وَلْيُرَاجِعْكِ»
٢٢ ‏/ ٤٤٨
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ﴾ [المجادلة: ١] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا﴾ [المجادلة: ٤] وَذَلِكَ أَنَّ خَوْلَةَ بِنْتَ الصَّامِتِ امْرَأَةٌ ⦗٤٥٠⦘ مِنَ الْأَنْصَارِ ظَاهَرَ مِنْهَا زَوْجُهَا، فَقَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ مِثْلُ ظَهْرِ أُمِّي. فَأَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَقَالَتْ: إِنَّ زَوْجِي كَانَ تَزَوَّجَنِي، وَأَنَا أَحَبُّ، حَتَّى إِذَا كَبِرْتُ وَدَخَلْتُ فِي السِّنِّ قَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ مِثْلُ ظَهْرِ أُمِّي، فَتَرَكَنِي إِلَى غَيْرِ أَحَدٍ، فَإِنْ كُنْتَ تَجِدُ لِي رُخْصَةً يَا رَسُولَ اللَّهِ تُنْعِشُنِي وَإِيَّاهُ بِهَا فَحَدِّثْنِي بِهَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَا أُمِرْتُ فِي شَأْنِكِ بِشَيْءٍ حَتَّى الْآنَ، وَلَكِنِ ارْجِعِي إِلَى بَيْتِكِ، فَإِنْ أُومَرْ بِشَيْءٍ لَا أُغْمِمْهُ عَلَيْكِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ» . فَرَجَعَتْ إِلَى بَيْتِهَا، وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ ﷺ فِي الْكِتَابِ رُخْصَتَهَا وَرُخْصَةَ زَوْجِهَا: ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا﴾ [المجادلة: ١] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [البقرة: ١٠٤] فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِلَى زَوْجِهَا؛ فَلَمَّا أَتَاهُ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَا أَرَدْتَ إِلَى يَمِينِكَ الَّتِي أَقْسَمْتَ عَلَيْهَا؟» فَقَالَ: وَهَلْ لَهَا كَفَّارَةٌ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «هَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُعْتِقَ رَقَبَةً؟» قَالَ: إِذًا يَذْهَبُ مَالِي كُلُّهُ، الرَّقَبَةُ غَالِيَةٌ وَأَنَا قَلِيلُ الْمَالِ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟» قَالَ: لَا وَاللَّهِ لَوْلَا أَنِّي آكُلُ فِي الْيَوْمِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لِكُلِّ بَصَرِي، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «هَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُطْعِمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟» قَالَ: لَا وَاللَّهِ إِلَّا أَنْ تُعِينَنِي عَلَى ذَلِكَ بِعَوْنٍ وَصَلَاةٍ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنِّي مُعِينُكَ بِخَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا، وَأَنَا دَاعٍ لَكَ بِالْبَرَكَةِ» فَأَصْلَحْ ذَلِكَ بَيْنَهُمَا. قَالَ: وَجَعَلَ فِيهِ تَحْرِيرَ رَقَبَةٍ لِمَنْ كَانَ مُوسِرًا لَا يُكَفِّرُ عَنْهُ إِلَّا تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ إِذَا كَانَ مُوسِرًا مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُوسِرًا فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، لَا يَصْلُحُ لَهُ إِلَّا الصَّوْمُ إِذَا كَانَ مُعْسِرًا، إِلَّا أَنْ لَا يَسْتَطِيعَ، ⦗٤٥١⦘ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا، وَذَلِكَ كُلُّهُ قَبْلَ الْجِمَاعِ
٢٢ ‏/ ٤٤٩
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا مِهْرَانُ، عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ الْمَدَنِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، قَالَ: كَانَتْ خَوْلَةُ ابْنَةُ ثَعْلَبَةَ تَحْتَ أَوْسِ بْنِ الصَّامِتِ، وَكَانَ رَجُلًا بِهِ لَمَمٌ، فَقَالَ فِي بَعْضِ هِجْرَاتِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، ثُمَّ نَدِمَ عَلَى مَا قَالَ، فَقَالَ لَهَا: مَا أَظُنُّكِ إِلَّا قَدْ حَرُمْتِ عَلَيَّ. قَالَتْ: لَا تَقُلْ ذَلِكَ، فَوَاللَّهِ مَا أَحَبَّ اللَّهُ طَلَاقًا. قَالَتِ: ائْتِ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَسَلْهُ. فَقَالَ: إِنِّي أَجِدُنِي أَسْتَحِي مِنْهُ أَنْ أَسْأَلَهُ عَنْ هَذَا، فَقَالَتْ: فَدَعْنِي أَنْ أَسْأَلَهُ، فَقَالَ لَهَا: سَلِيهِ؛ فَجَاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَتْ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنَّ أَوْسَ بْنَ الصَّامِتِ أَبُو وَلَدِي، وَأَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ، قَدْ قَالَ كَلِمَةً، وَالَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مَا ذَكَرَ طَلَاقًا، قَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي. فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «مَا أَرَاكِ إِلَّا قَدْ حَرُمْتِ عَلَيْهِ» . قَالَتْ: لَا تَقُلْ ذَلِكَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ، وَاللَّهِ مَا ذَكَرَ طَلَاقًا؛ فَرَادَّتِ النَّبِيَّ ﷺ مِرَارًا، ثُمَّ قَالَتِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَشْكُو الْيَوْمَ شِدَّةَ حَالِي وَوَحْدَتِي، وَمَا يَشُقُّ عَلَيَّ مِنْ فِرَاقِهِ، اللَّهُمَّ فَأَنْزِلْ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكَ. فَلَمْ تَرِمْ مَكَانَهَا حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ﴾ [المجادلة: ١] إِلَى أَنْ ذَكَرَ الْكَفَّارَاتِ، فَدَعَاهُ النَّبِيُّ ﷺ فَقَالَ: «أَعْتِقْ رَقَبَةً» . لَا أَجِدُ، فَقَالَ: «صُمْ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ» قَالَ: لَا أَسْتَطِيعُ، إِنِّي لَأَصُومُ الْيَوْمَ الْوَاحِدَ فَيَشُقُّ عَلَيَّ. قَالَ: «أَطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟» قَالَ: أَمَّا هَذَا فَنَعَمْ
٢٢ ‏/ ٤٥١
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا﴾ [المجادلة: ١] قَالَ: نَزَلَتْ فِي امْرَأَةٍ اسْمُهَا خَوْلَةُ، وَقَالَ
٢٢ ‏/ ٤٥١
عِكْرِمَةُ: اسْمُهَا خُوَيْلَةُ ابْنَةُ ثَعْلَبَةُ وَزَوْجُهَا أَوْسُ بْنُ الصَّامِتِ، جَاءَتِ النَّبِيَّ ﷺ، فَقَالَتْ: إِنَّ زَوْجَهَا جَعَلَهَا عَلَيْهِ كَظَهْرِ أُمِّهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «مَا أَرَاكِ إِلَّا قَدْ حَرُمْتِ عَلَيْهِ» . وَهُوَ حِينَئِذٍ يَغْسِلُ رَأْسَهُ، فَقَالَتِ: انْظُرْ جُعِلْتُ فِدَاكَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ. فَقَالَ: «مَا أَرَاكِ إِلَّا قَدْ حَرُمْتِ عَلَيْهِ» . فَقَالَتِ: انْظُرْ فِي شَأْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَجَعَلَتْ تُجَادِلُهُ، ثُمَّ حَوَّلَ رَأْسَهُ لِيَغْسِلَهُ، فَتَحَوَّلَتْ مِنَ الْجَانِبِ الْآخَرِ، فَقَالَتِ: انْظُرْ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاكَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ، فَقَالَتِ الْغَاسِلَةُ: أَقْصِرِي حَدِيثَكِ وَمُخَاطَبَتَكِ يَا خُوَيْلَةُ، أَمَا تَرَيْنَ وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مُتَرَبَّدًا لَيُوحَى إِلَيْهِ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا﴾ [المجادلة: ١] حَتَّى بَلَغَ ﴿ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا﴾ [المجادلة: ٣] قَالَ قَتَادَةُ: فَحَرَّمَهَا، ثُمَّ يُرِيدُ أَنْ يَعُودَ لَهَا فَيَطَأَهَا، ﴿فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ﴾ [المجادلة: ٣] حَتَّى بَلَغَ ﴿بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ [المجادلة: ٣] قَالَ أَيُّوبُ: أَحْسِبُهُ ذَكَرَهُ عَنْ عِكْرِمَةَ، أَنَّ الرَّجُلَ قَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ مَا أَجِدُ رَقَبَةً، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «مَا أَنَا بِزَائِدِكَ» فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ: ﴿فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا﴾ [المجادلة: ٤] فَقَالَ: وَاللَّهِ يَا نَبِيَّ اللَّهِ مَا أُطِيقُ الصَّوْمَ، إِنِّي إِذَا لَمْ آكُلْ فِي الْيَوْمِ كَذَا وَكَذَا أُكْلَةً لَقِيتُ وَلَقِيتُ، فَجَعَلَ يَشْكُو إِلَيْهِ، فَقَالَ: «مَا أَنَا بِزَائِدِكَ» فَنَزَلَتْ: ﴿فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا﴾ [المجادلة: ٤]
٢٢ ‏/ ٤٥٢
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ عز وجل: ﴿الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا﴾ [المجادلة: ١] قَالَ: تُجَادِلُ مُحَمَّدًا ﷺ، فَهِيَ تَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ عِنْدَ كِبَرِهِ وَكِبَرِهَا حَتَّى انْتَفَضَ وَانْتَفَضَ رَحِمَهَا. حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ ⦗٤٥٣⦘ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ ﴿الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا﴾ [المجادلة: ١] قَالَ: مُحَمَّدًا فِي زَوْجِهَا قَدْ ظَاهَرَ مِنْهَا، وَهِيَ تَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ، ثُمَّ ذَكَرَ سَائِرَ الْحَدِيثِ نَحْوَهُ
٢٢ ‏/ ٤٥٢
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، قَالَ: ثنا أَبِي، قَالَ: ثنا أَبَانُ الْعَطَّارُ، قَالَ: ثنا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ عُرْوَةَ، أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ: كَتَبْتَ إِلَيَّ تَسْأَلُنِي عَنْ خُوَيْلَةَ ابْنَةِ أَوْسِ بْنِ الصَّامِتِ، وَإِنَّهَا لَيْسَتْ بِابْنَةِ أَوْسِ بْنِ الصَّامِتِ، وَلَكِنَّهَا امْرَأَةُ أَوْسٍ، وَكَانَ أَوْسٌ امْرَأً بِهِ لَمَمٌ، وَكَانَ إِذَا اشْتَدَّ بِهِ لَمَمُهُ تَظَاهَرَ مِنْهَا، وَإِذَا ذَهَبَ عَنْهُ لَمَمُهُ لَمْ يَقُلْ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا، فَجَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ تَسْتَفْتِيهِ وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ مَا سَمِعْتَ، وَذَلِكَ شَأْنُهُمَا
٢٢ ‏/ ٤٥٣
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ، يُحَدِّثُ عَنْ مَعْمَرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ، قَالَ: حَدَّثَتْنِي خُوَيْلَةُ، امْرَأَةُ أَوْسِ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَتْ: كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ شَيْءٌ، تَعْنِي زَوْجَهَا، فَقَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى نَادِي قَوْمِهِ، ثُمَّ رَجَعَ فَرَاوَدَنِي عَنْ نَفْسِي، فَقَالَتْ: كَلَّا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ حَتَّى يَنْتَهِيَ أَمْرِي وَأَمْرُكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَيَقْضِيَ فِيَّ وَفِيكَ أَمَرَهُ، وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا رَقِيقًا، فَغَلَبَتْهُ بِمَا تَغْلِبُ بِهِ الْمَرْأَةُ الْقَوِيَّةُ الرَّجُلَ الضَّعِيفَ، ثُمَّ خَرَجَتْ إِلَى جَارَةٍ لَهَا، فَاسْتَعَارَتْ ثِيَابَهَا، فَأَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ حَتَّى جَلَسَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَذَكَرَتْ لَهُ أَمْرَهُ، فَمَا بَرِحَتْ حَتَّى أُنْزِلَ الْوَحْيُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، ثُمَّ قَالَتْ: لَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ، قَالَ: «إِنَّا سَنُعِينُهُ عَلَى ذَلِكَ بِفَرَقٍ مِنْ تَمْرٍ» . قُلْتُ: وَأَنَا أُعِينُهُ بِفَرَقٍ آخَرَ، فَأَطْعَمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا
٢٢ ‏/ ٤٥٣
حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ، قَالَ: ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ تَمِيمٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَسِعَ سَمْعُهُ الْأَصْوَاتَ، لَقَدْ جَاءَتِ الْمُجَادِلَةُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَأَنَا فِي نَاحِيَةِ الْبَيْتِ تَشْكُو زَوْجَهَا مَا أَسْمَعُ مَا تَقُولُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل: ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ﴾ [المجادلة: ١] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ
٢٢ ‏/ ٤٥٤
حَدَّثَنِي عِيسَى بْنُ عُثْمَانَ الرَّمْلِيُّ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ عِيسَى، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ تَمِيمِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: تَبَارَكَ الَّذِي وَسِعَ سَمْعُهُ الْأَصْوَاتَ كُلَّهَا، إِنَّ الْمَرْأَةَ لَتُنَاجِي النَّبِيَّ ﷺ أَسْمَعُ بَعْضَ كَلَامِهَا، وَيَخْفَى عَلَيَّ بَعْضُ كَلَامِهَا، إِذْ أَنْزَلَ اللَّهُ ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا﴾ [المجادلة: ١]
٢٢ ‏/ ٤٥٤
حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمَسْعُودِيُّ، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ تَمِيمِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: تَبَارَكَ الَّذِي وَسِعَ سَمْعُهُ كُلَّ شَيْءٍ، إِنِّي لَأَسْمَعُ كَلَامَ خَوْلَةَ ابْنَةِ ثَعْلَبَةَ، وَيَخْفَى عَلَيَّ بَعْضُهُ، وَهِيَ تَشْتَكِي زَوْجَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَهِيَ تَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَكَلَ شَبَابِي، وَنَثَرْتُ لَهُ بَطْنِي، حَتَّى إِذَا كَبِرَ سِنِّي، وَانْقَطَعَ وَلَدِي، ظَاهَرَ مِنِّي، اللَّهُمَّ إِنِّي أَشْكُو إِلَيْكَ. قَالَ: فَمَا بَرِحَتْ حَتَّى نَزَلَ جِبْرِيلُ عليه السلام بِهَؤُلَاءِ الْآيَاتِ ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا﴾ [المجادلة: ١] قَالَ: زَوْجُهَا أَوْسُ بْنُ الصَّامِتِ
٢٢ ‏/ ٤٥٤
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ تَمِيمِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَسِعَ سَمْعُهُ الْأَصْوَاتَ، إِنَّ خَوْلَةَ تَشْتَكِي زَوْجَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَيَخْفَى عَلَيَّ أَحْيَانًا بَعْضُ مَا تَقُولُ، قَالَتْ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ﴾ [المجادلة: ١]
٢٢ ‏/ ٤٥٥
حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: ثنا أَسَدُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ جَمِيلَةَ كَانَتِ امْرَأَةَ أَوْسِ بْنِ الصَّامِتِ، وَكَانَ امْرَأً بِهِ لَمَمٌ، وَكَانَ إِذَا اشْتَدَّ بِهِ لَمَمُهُ ظَاهَرَ مِنِ امْرَأَتِهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل آيَةَ الظِّهَارِ
٢٢ ‏/ ٤٥٥
حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ بِشْرٍ الْقَرْقَسَانِيُّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأُمَوِيُّ، قَالَ: ثنا خُصَيْفٌ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ ظِهَارُ الْجَاهِلِيَّةِ طَلَاقًا، فَأَوَّلُ مَنْ ظَاهَرَ فِي الْإِسْلَامِ أَوْسُ بْنُ الصَّامِتِ أَخُو عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ مِنِ امْرَأَتِهِ الْخَزْرَجِيَّةِ، وَهِيَ خَوْلَةُ بِنْتُ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَالِكٍ؛ فَلَمَّا ظَاهَرَ مِنْهَا حَسِبَتْ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ طَلَاقًا، فَأَتَتْ بِهِ نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أَوْسًا ظَاهَرَ مِنِّي، وَإِنَّا إِنِ افْتَرَقْنَا هَلَكْنَا، وَقَدْ نَثَرْتُ بَطْنِي مِنْهُ، وَقَدِمَتْ صُحْبَتُهُ؛ فَهِيَ تَشْكُو ذَلِكَ وَتَبْكِي، وَلَمْ يَكُنْ جَاءَ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل: ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا﴾ [المجادلة: ١] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [البقرة: ١٠٤] فَدَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: «أَتَقْدِرُ عَلَى رَقَبَةٍ تُعْتِقُهَا؟» فَقَالَ: لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا أَقْدِرُ عَلَيْهَا. فَجَمَعَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حَتَّى أَعْتَقَ عَنْهُ، ثُمَّ رَاجَعَ أَهْلَهُ. ⦗٤٥٦⦘ وَذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: «قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُحَاوِرُكَ فِي زَوْجِهَا»
٢٢ ‏/ ٤٥٥
وَقَوْلُهُ: ﴿وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ﴾ [المجادلة: ١] يَقُولُ: وَتَشْتَكِي الْمُجَادِلَةُ مَا لَدَيْهَا مِنَ الْهَمِّ بِظِهَارِ زَوْجِهَا مِنْهَا إِلَى اللَّهِ وَتَسْأَلُهُ الْفَرَجَ ﴿وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا﴾ [المجادلة: ١] يَعْنِي تَحَاوُرَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَالْمُجَادِلَةُ خَوْلَةُ ابْنَةُ ثَعْلَبَةَ. ﴿إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ﴾ [الحج: ٧٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿إِنَّ اللَّهَ سُمَيْعٌ﴾ [البقرة: ١٨١] لِمَا يَتَجَاوَبَانِهِ وَيَتَحَاوَرَانِهِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ خَلْقِهِ، ﴿بَصِيرٌ﴾ [البقرة: ٩٦] بِمَا يَعْلَمُونَ، وَيَعْمَلُ جَمِيعُ عِبَادِهِ
٢٢ ‏/ ٤٥٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ﴾ [المجادلة: ٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: الَّذِينَ يُحَرِّمُونَ نِسَاءَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ تَحْرِيمَ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ظُهُورَ أُمَّهَاتِهِمْ، فَيَقُولُونَ لَهُنَّ: أَنْتُنَّ عَلَيْنَا كَظُهُورِ أُمَّهَاتِنَا، وَذَلِكَ كَانَ طَلَاقَ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ.
٢٢ ‏/ ٤٥٦
كَذَلِكَ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ: ثنا أَيُّوبُ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، قَالَ: كَانَ الظِّهَارُ طَلَاقًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، الَّذِي إِذَا تَكَلَّمَ بِهِ أَحَدُهُمْ لَمْ يَرْجِعْ فِي امْرَأَتِهِ أَبَدًا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل فِيهِ مَا أَنْزَلَ.
٢٢ ‏/ ٤٥٦
وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ سِوَى نَافِعٍ، وَعَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوَفَةِ خَلَا عَاصِمٍ: (يَظَّاهَرُونَ) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَتَشْدِيدِ الظَّاءِ وَإِثْبَاتِ الْأَلِفِ، وَكَذَلِكَ قَرَءُوا الْأُخْرَى بِمَعْنَى: يَتَظَاهَرُونَ، ثُمَّ أُدْغِمَتِ التَّاءُ فِي الظَّاءِ فَصَارَتَا ظَاءً مُشَدَّدَةً. وَذُكِرَ أَنَّهَا فِي قِرَاءَةِ أُبَيٍّ: «يَتَظَاهَرُونَ» وَذَلِكَ تَصْحِيحٌ لِهَذِهِ الْقِرَاءَةِ وَتَقْوِيَةٌ لَهَا؛ وَقَرَأَ ذَلِكَ نَافِعٌ وَأَبُو عَمْرٍو وَكَذَلِكَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَتَشْدِيدِ الظَّاءِ، غَيْرَ أَنَّهُمَا قَرَآهُ بِغَيْرِ أَلِفٍ: (يَظَّهَّرُونَ) . وَقَرَأَ ذَلِكَ عَاصِمٌ: ﴿يُظَاهِرُونَ﴾ [المجادلة: ٣] بِتَخْفِيفِ الظَّاءِ وَضَمِّ الْيَاءِ وَإِثْبَاتِ الْأَلِفِ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّ كُلَّ هَذِهِ الْقِرَاءَاتِ مُتَقَارِبَاتُ الْمَعَانِي. وَأَمَّا (يَظَّاهَرُونَ) فَهُوَ مِنْ تَظَاهَرَ، فَهُوَ يَتَظَاهَرُ. وَأَمَّا (يَظَّهَّرُونَ) فَهُوَ مِنْ تَظَهَّرَ فَهُوَ يَتَظَهَّرُ، ثُمَّ أُدْغِمَتِ التَّاءُ فِي الظَّاءِ فَقِيلَ: يَظَّهَّرُ. وَأَمَّا ﴿يُظَاهِرُونَ﴾ [المجادلة: ٢] فَهُوَ مِنْ ظَاهَرَ يُظَاهِرُ، فَبِأَيَّةِ هَذِهِ الْقِرَاءَاتِ الثَّلَاثِ قَرَأَ ذَلِكَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ
٢٢ ‏/ ٤٥٧
وَقَوْلُهُ: ﴿مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ﴾ [المجادلة: ٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: مَا نِسَاؤُهُمُ اللَّائِي يُظَاهِرْنَ مِنْهُنَّ بِأُمَّهَاتِهِمْ، فَيَقُولُوا لَهُنَّ: أَنْتُنَّ عَلَيْنَا كَظَهْرِ أُمَّهَاتِنَا، بَلْ هُنَّ لَهُمْ حَلَالٌ.
٢٢ ‏/ ٤٥٧
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ﴾ [المجادلة: ٢] لَا اللَّائِي قَالُوا لَهُنَّ ذَلِكَ.
٢٢ ‏/ ٤٥٧
وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا﴾ [المجادلة: ٢] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَإِنَّ ⦗٤٥٨⦘ الرِّجَالَ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ الَّذِي لَا تُعْرَفُ صِحَّتَهُ؛ وَزُورًا: يَعْنِي كَذِبًا.
٢٢ ‏/ ٤٥٧
كَمَا: حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا﴾ [المجادلة: ٢] قَالَ: الزُّورُ: الْكَذِبُ ﴿وَإِنَّ اللهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ﴾ [المجادلة: ٢] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: إِنَّ اللَّهَ لَذُو عَفْوٍ وَصَفْحٍ عَنْ ذُنُوبِ عِبَادِهِ إِذَا تَابُوا مِنْهَا وَأَنَابُوا، غَفُورٌ لَهُمْ أَنْ يُعَاقِبَهُمْ عَلَيْهَا بَعْدَ التَّوْبَةِ
٢٢ ‏/ ٤٥٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ [المجادلة: ٣] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَالَّذِينَ يَقُولُونَ لِنِسَائِهِمْ: أَنْتُنَّ عَلَيْنَا كَظُهُورِ أُمَّهَاتِنَا.
٢٢ ‏/ ٤٥٨
وَقَوْلُهُ: ﴿ثُمَّ يَعُودُونَ﴾ [المجادلة: ٣] لِمَا قَالُوا اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي مَعْنَى الْعَوْدِ لِمَا قَالَ الْمُظَاهِرُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ الرُّجُوعُ فِي تَحْرِيمِ مَا حَرَّمَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ زَوْجَتِهِ الَّتِي كَانَتْ لَهُ حَلَالًا قَبْلَ تَظَاهُرِهِ، فَيُحِلُّهَا بَعْدَ تَحْرِيمِهِ إِيَّاهَا عَلَى نَفْسِهِ بِعَزْمِهِ عَلَى غَشَيَانِهَا وَوَطْئِهَا.
٢٢ ‏/ ٤٥٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا﴾ [المجادلة: ٣] قَالَ: يُرِيدُ أَنْ يَغْشَى بَعْدَ قَوْلِهِ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، مِثْلَهُ
٢٢ ‏/ ٤٥٨
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا﴾ [المجادلة: ٣] قَالَ: حَرَّمَهَا، ثُمَّ يُرِيدُ أَنْ يَعُودَ لَهَا فَيَطَأَهَا وَقَالَ آخَرُونَ نَحْوَ هَذَا الْقَوْلِ، إِلَّا أَنَّهُمْ قَالُوا: إِمْسَاكُهُ إِيَّاهَا بَعْدَ تَظْهِيرِهِ مِنْهَا، وَتَرْكُهُ فِرَاقَهَا عَوْدٌ مِنْهُ لِمَا قَالَ، عَزَمَ عَلَى الْوَطْءِ أَوْ لَمْ يَعْزِمْ. وَكَانَ أَبُو الْعَالِيَةِ يَقُولُ: مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿لِمَا قَالُوا﴾ [المجادلة: ٣]: فِيمَا قَالُوا
٢٢ ‏/ ٤٥٩
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثني عَبْدُ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا دَاوُدُ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْعَالِيَةِ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا﴾ [المجادلة: ٣] أَيْ يَرْجِعُ فِيهِ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي مَعْنَى ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّ الْبَصْرَةِ فِي ذَلِكَ الْمَعْنَى: فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامٌ، فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا، ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا إِنَّا لَا نَفْعَلُهُ فَيَفْعَلُونَهُ هَذَا الظِّهَارَ يَقُولُ: هِيَ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، وَمَا أَشْبَهَ هَذَا مِنَ الْكَلَامِ، فَإِذَا أَعْتَقَ رَقَبَةً أَوْ أَطْعَمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا عَادَ لِمَا قَدْ قَالَ: هُوَ عَلَيَّ حَرَامٌ يَفْعَلُهُ. وَكَأَنَّ قَائِلَ هَذَا الْقَوْلَ كَانَ يَرَى أَنَّ هَذَا مِنَ الْمُقَدَّمِ الَّذِي مَعْنَاهُ التَّأْخِيرُ. وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّ الْكُوَفَةِ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا يَصْلُحُ فِيهَا فِي
٢٢ ‏/ ٤٥٩
الْعَرَبِيَّةِ: ثُمَّ يَعُودُونَ إِلَى مَا قَالُوا، وَفِيمَا قَالُوا، يُرِيدُونَ النِّكَاحَ، يُرِيدُ: يَرْجِعُونَ عَمَّا قَالُوا، وَفِي نَقْضِ مَا قَالُوا، قَالَ: وَيَجُوزُ فِي الْعَرَبِيَّةِ أَنْ تَقُولَ: إِنْ عَادَ لِمَا فَعَلَ، تُرِيدُ إِنْ فَعَلَ مَرَّةً أُخْرَى، وَيَجُوزُ إِنْ عَادَ لِمَا فَعَلَ: إِنْ نَقَضَ مَا فَعَلَ، وَهُوَ كَمَا تَقُولُ: حَلَفَ أَنْ يَضْرِبَكَ، فَيَكُونَ مَعْنَاهُ: حَلَفَ لَا يَضْرِبُكَ، وَحَلَفَ لَيَضْرِبَنَّكَ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يُقَالَ: مَعْنَى اللَّامِ فِي قَوْلِهِ: ﴿لِمَا قَالُوا﴾ [المجادلة: ٣] بِمَعْنَى إِلَى أَوْ فِي، لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ: ثُمَّ يَعُودُونَ لِنَقْضِ مَا قَالُوا مِنَ التَّحْرِيمِ فَيُحَلِّلُونَهُ. وَإِنْ قِيلَ مَعْنَاهُ: ثُمَّ يَعُودُونَ إِلَى تَحْلِيلِ مَا حَرَّمُوا، أَوْ فِي تَحْلِيلِ مَا حَرَّمُوا فَصَوَابٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ عَوْدٌ لَهُ، فتَأْوِيلُ الْكَلَامِ: ثُمَّ يَعُودُونَ لِتَحْلِيلِ مَا حَرَّمُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ مِمَّا أَحَلَّهُ اللَّهُ لَهُمْ. وَقَوْلُهُ: ﴿فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا﴾ [المجادلة: ٣] يَقُولُ: فَعَلَيْهِ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ، يَعْنِي عِتْقَ رَقَبَةٍ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ، مِنْ قَبْلِ أَنْ يَمَاسَّ الرَّجُلُ الْمُظَاهِرُ امْرَأَتَهُ الَّتِي ظَاهَرَ مِنْهَا أَوْ تَمَاسَّهُ. وَاخْتُلِفَ فِي الْمَعْنَى بِالْمَسِيسِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ نَظِيرَ اخْتِلَافِهِمْ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ﴾ [البقرة: ٢٣٧] . وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ هُنَالِكَ. وَسَنَذْكُرُ بَعْضَ مَا لَمْ نَذْكُرْهُ هُنَالِكَ:
٢٢ ‏/ ٤٦٠
حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ⦗٤٦١⦘ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا﴾ [المجادلة: ٣] فَهُوَ الرَّجُلُ يَقُولُ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي؛ فَإِذَا قَالَ ذَلِكَ، فَلَيْسَ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَقْرَبَهَا بِنِكَاحٍ وَلَا غَيْرِهِ حَتَّى يُكَفِّرَ عَنْ يَمِينِهِ بِعِتْقِ رَقَبَةٍ ﴿فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا﴾ [المجادلة: ٤] وَالْمَسُّ: النِّكَاحُ ﴿فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا﴾ [المجادلة: ٤] وَإِنْ هُوَ قَالَ لَهَا: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي إِنْ فَعَلْتِ كَذَا وَكَذَا، فَلَيْسَ يَقَعُ فِي ذَلِكَ ظِهَارٌ حَتَّى يَحْنَثَ، فَإِنْ حَنِثَ فَلَا يَقْرَبْهَا حَتَّى يُكَفِّرَ، وَلَا يَقَعُ فِي الظِّهَارِ طَلَاقٌ
٢٢ ‏/ ٤٦٠
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، قَالَ: ثنا أَشْعَثُ، عَنِ الْحَسَنِ، أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بَأْسًا أَنْ يَغْشَى الْمُظَاهِرُ دُونَ الْفَرْجِ
٢٢ ‏/ ٤٦١
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: ثنا زَيْدٌ، قَالَ: قَالَ سُفْيَانُ: إِنَّمَا الْمُظَاهَرَةُ عَنِ الْجِمَاعِ. وَلَمْ يَرَ بَأْسًا أَنْ يَقْضِيَ حَاجَتَهُ دُونَ الْفَرْجِ أَوْ فَوْقَ الْفَرْجِ، أَوْ حَيْثُ يَشَاءُ، أَوْ يُبَاشِرُ وَقَالَ آخَرُونَ: عُنِيَ بِذَلِكَ كُلُّ مَعَانِي الْمَسِيسِ، وَقَالُوا: الْآيَةُ عَلَى الْعُمُومِ
٢٢ ‏/ ٤٦١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا وُهَيْبٌ، عَنْ يُونُسَ، قَالَ: بَلَغَنِي عَنِ الْحَسَنِ، أَنَّهُ كَرِهَ لِلْمُظَاهِرِ الْمَسِيسَ
٢٢ ‏/ ٤٦١
وَقَوْلُهُ: ﴿ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ﴾ [المجادلة: ٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَوْجَبَ رَبُّكُمْ ذَلِكَ عَلَيْكُمْ عِظَةً لَكُمْ تَتَّعِظُونَ بِهِ، فَتَنْتَهُونَ عَنِ الظِّهَارِ وَقَوْلِ الزُّورِ. ﴿وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ ⦗٤٦٢⦘ خَبِيرٌ﴾ [البقرة: ٢٣٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَاللَّهُ بِأَعْمَالِكُمُ الَّتِي تَعْلَمُونَهَا أَيُّهَا النَّاسُ ذُو خِبْرَةٍ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْهَا، وَهُوَ مُجَازِيكُمْ عَلَيْهَا، فَانْتَهُوا عَنْ قَوْلِ الْمُنْكَرِ وَالزُّورِ.
٢٢ ‏/ ٤٦١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [المجادلة: ٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَمَنْ لَمْ يَجِدْ مِنْكُمْ مِمَّنْ ظَاهَرَ مِنِ امْرَأَتِهِ رَقَبَةً يُحَرِّرُهَا، فَعَلَيْهِ صِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا؛ وَالشَّهْرَانِ الْمُتَتَابِعَانِ هُمَا اللَّذَانِ لَا فَصْلَ بَيْنَهُمَا بِإِفْطَارٍ فِي نَهَارِ شَيْءٍ مِنْهُمَا إِلَّا مِنْ عُذْرٍ، فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ الْإِفْطَارُ بِالْعُذْرِ فَفِيهِ اخْتِلَافٌ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِذَا كَانَ إِفْطَارُهُ لِعُذْرٍ فَزَالَ الْعُذْرُ بَنَى عَلَى مَا مَضَى مِنَ الصَّوْمِ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ يَسْتَأْنِفُ، لِأَنَّ مَنْ أَفْطَرَ بِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِ عُذْرٍ لَمْ يُتَابِعْ صَوْمَ شَهْرَيْنِ
٢٢ ‏/ ٤٦٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ: إِذَا أَفْطَرَ بِعُذْرٍ وَزَالَ الْعُذْرُ بَنَى وَكَانَ مُتَابِعًا حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ عَدِي وَعَبْدُ الْأَعْلَى، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، أَنَّهُ قَالَ فِي رَجُلٍ صَامَ مِنْ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ، أَوْ كَفَّارَةِ الْقَتْلِ، وَمَرَضَ فَأَفْطَرَ، أَوْ أَفْطَرَ مِنْ عُذْرٍ، قَالَ: عَلَيْهِ أَنْ يَقْضِيَ يَوْمًا مَكَانَ يَوْمٍ، وَلَا يَسْتَقْبِلَ صَوْمَهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا ابْنُ عَدِيٍّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ ⦗٤٦٣⦘ الْمُسَيِّبِ، بِمِثْلِهِ
٢٢ ‏/ ٤٦٢
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى، عَنِ ابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، فِي الْمُظَاهِرِ الَّذِي عَلَيْهِ صَوْمُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، فَصَامَ شَهْرًا، ثُمَّ أَفْطَرَ، قَالَ: يُتِمُّ مَا بَقِيَ
٢٢ ‏/ ٤٦٣
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فِي رَجُلٍ صَامَ مِنْ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ شَهْرًا أَوْ أَكْثَرَ ثُمَّ مَرِضَ، قَالَ: يَعْتَدُّ بِمَا مَضَى إِذَا كَانَ لَهُ عُذْرٌ
٢٢ ‏/ ٤٦٣
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا سَالِمُ بْنُ نُوحٍ، قَالَ: ثنا عُمَرُ بْنُ عَامِرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي الرَّجُلِ يَكُونُ عَلَيْهِ الصَّوْمُ فِي قَتْلٍ أَوْ نَذْرٍ أَوْ ظِهَارٍ، فَصَامَ بَعْضَهُ ثُمَّ أَفْطَرَ، قَالَ: إِنْ كَانَ مَعْذُورًا فَإِنَّهُ يَقْضِي
٢٢ ‏/ ٤٦٣
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: إِنْ أَفْطَرَ مِنْ عُذْرٍ أَتَمَّ، وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ اسْتَأْنَفَ
٢٢ ‏/ ٤٦٣
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، عَنْ حَجَّاجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: مَنْ كَانَ عَلَيْهِ صَوْمُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ فَمَرِضَ فَأَفْطَرَ، قَالَ: يَقْضِي مَا بَقِيَ عَلَيْهِ
٢٢ ‏/ ٤٦٣
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، فِي الرَّجُلِ يُفْطِرُ فِي الْيَوْمِ الْغَيْمِ، يَظُنُّ أَنَّ اللَّيْلَ قَدْ دَخَلَ عَلَيْهِ ⦗٤٦٤⦘ فِي الشَّهْرَيْنِ الْمُتَتَابِعَيْنِ أَنَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَى أَنْ يُبْدِلَهُ، وَلَا يَسْتَأْنِفَ شَهْرَيْنِ آخَرَيْنِ
٢٢ ‏/ ٤٦٣
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: إِنْ جَامَعَ الْمُعْتَكِفُ وَقَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ أَيَّامٌ مِنِ اعْتِكَافِهِ قَالَ: يُتِمُّ مَا بَقِيَ، وَالْمُظَاهِرُ كَذَلِكَ
٢٢ ‏/ ٤٦٤
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: إِذَا كَانَ شَيْئًا ابْتُلِيَ بِهِ بَنَى عَلَى صَوْمِهِ، وَإِذَا كَانَ شَيْئًا هُوَ فَعَلَهُ اسْتَأْنَفَ. قَالَ: سُفْيَانُ: هَذَا مَعْنَاهُ
٢٢ ‏/ ٤٦٤
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ بَيَانٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ عَامِرٍ، فِي رَجُلٍ ظَاهَرَ، فَصَامَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ إِلَّا يَوْمَيْنِ ثُمَّ مَرِضَ، قَالَ: يُتِمُّ مَا بَقِيَ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ إِدْرِيسَ، قَالَ: سَمِعْتُ إِسْمَاعِيلَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ بِنَحْوِهِ
٢٢ ‏/ ٤٦٤
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ وَيَعْقُوبُ قَالَا: ثنا هُشَيْمٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ فِي رَجُلٍ عَلَيْهِ صِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، فَصَامَ فَمَرِضَ فَأَفْطَرَ، قَالَ: يَقْضِي وَلَا يَسْتَأْنِفُ
٢٢ ‏/ ٤٦٤
ذَكْرُ مَنْ قَالَ: يَسْتَقْبِلُ مَنْ أَفْطَرَ بِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِ عُذْرٍ حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، فِي رَجُلٍ عَلَيْهِ صِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ فَأَفْطَرَ، قَالَ: يَسْتَأْنِفُ، وَالْمَرْأَةُ إِذَا ⦗٤٦٥⦘ حَاضَتْ فَأَفْطَرَتْ تَقْضِي
٢٢ ‏/ ٤٦٤
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: إِذَا مَرِضَ فَأَفْطَرَ اسْتَأْنَفَ، يَعْنِي مَنْ كَانَ عَلَيْهِ صَوْمُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ فَمَرِضَ فَأَفْطَرَ
٢٢ ‏/ ٤٦٥
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، قَالَ: يَسْتَأْنِفُ وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ عِنْدَنَا بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: يَبْنِي الْمُفْطِرُ بِعُذْرٍ، وَيَسْتَقْبِلُ الْمُفْطِرُ بِغَيْرِ عُذْرٍ، لِإِجْمَاعِ الْجَمِيعِ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا حَاضَتْ فِي صَوْمِهَا الشَّهْرَيْنِ الْمُتَتَابِعَيْنِ بِعُذْرٍ، فَمِثْلُهُ، لِأَنَّ إِفْطَارَ الْحَائِضِ بِسَبَبِ حَيْضِهَا بِعُذْرٍ كَانَ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ، فَكُلُّ عُذْرٍ كَانَ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ فَمِثْلُهُ
٢٢ ‏/ ٤٦٥
وَقَوْلُهُ: ﴿فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا﴾ [المجادلة: ٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْهُمُ الصِّيَامَ فَعَلَيْهِ إِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا. وَقَدْ بَيَّنَّا وَجْهَ الْإِطْعَامِ فِي الْكَفَّارَاتِ فِيمَا مَضَى قَبْلُ، فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إِعَادَتِهِ.
٢٢ ‏/ ٤٦٥
وَقَوْلُهُ: ﴿ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ [المجادلة: ٤] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: هَذَا الَّذِي فَرَضْتُ عَلَى مَنْ ظَاهَرَ مِنْكُمْ مَا فَرَضْتُ فِي حَالِ الْقُدْرَةِ عَلَى الرَّقَبَةِ، ثُمَّ خَفَّفْتُ عَنْهُ مَعَ الْعَجْزِ بِالصَّوْمِ، وَمَعَ فَقْدِ الِاسْتِطَاعَةِ عَلَى الصَّوْمِ بِالْإِطْعَامِ، وَإِنَّمَا فَعَلْتُهُ كَيْ تُقِرَّ النَّاسُ بِتَوْحِيدِ اللَّهِ وَرِسَالَةِ الرَّسُولِ مُحَمَّدٍ ﷺ، وَيُصَدِّقُوا بِذَلِكَ، وَيَعْمَلُوا بِهِ، وَيَنْتَهُوا عَنْ قَوْلِ الزُّورِ وَالْكَذِبِ. ﴿وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ﴾ [البقرة: ٢٣٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَهَذِهِ الْحُدُودُ الَّتِي حَدَّهَا اللَّهُ لَكُمْ، وَالْفُرُوضُ الَّتِي بَيَّنَهَا لَكُمْ حُدُودُ اللَّهُ فَلَا تَتَعَدُّوهَا أَيُّهَا ⦗٤٦٦⦘ النَّاسُ. ﴿وَلِلْكَافِرِينَ﴾ [البقرة: ٩٠] بِهَا وَهُمْ جَاحِدُو هَذِهِ الْحُدُودِ وَغَيْرِهَا مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ أَنْ تَكُونَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ﴿عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [البقرة: ١٠] يَقُولُ: عَذَابٌ مُؤْلِمٌ.
٢٢ ‏/ ٤٦٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنْزَلْنَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾ [المجادلة: ٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ اللَّهَ فِي حُدُودِهِ وَفَرَائِضِهِ، فَيَجْعَلُونَ حُدُودًا غَيْرَ حُدُودِهِ، وَذَلِكَ هُوَ الْمُحَادَّةُ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ، وَأَمَّا قَتَادَةُ فَإِنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي مَعْنَى ذَلِكَ مَا:
٢٢ ‏/ ٤٦٦
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ [المجادلة: ٥] يَقُولُ: يُعَادُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
٢٢ ‏/ ٤٦٦
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾ [المجادلة: ٥] فَإِنَّهُ يَعْنِي: غِيظُوا وَأُخْزُوا كَمَا غِيظَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْأُمَمِ الَّذِينَ حَادُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَخُزُوا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
٢٢ ‏/ ٤٦٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾ [المجادلة: ٥] خُزُوا كَمَا خَزِيَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِكَلَامِ الْعَرَبِ يَقُولُ: مَعْنَى ﴿كُبِتُوا﴾ [المجادلة: ٥]: أُهْلِكُوا. وَقَالَ آخَرُ مِنْهُمْ: يَقُولُ: مَعْنَاهُ غِيظُوا وَأُخْزُوا يَوْمَ الْخَنْدَقِ كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ ⦗٤٦٧⦘ مِنْ قَبْلِهِمْ يُرِيدُ مَنْ قَاتَلَ الْأَنْبِيَاءَ مِنْ قَبْلِهِمْ
٢٢ ‏/ ٤٦٦
وَقَوْلُهُ: ﴿وَقَدْ أَنْزَلْنَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ﴾ [المجادلة: ٥] يَقُولُ: وَقَدْ أَنْزَلْنَا دَلَالَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ، وَعَلَامَاتٍ مُحْكَمَاتٍ تَدُلُّ عَلَى حَقَائِقِ حُدُودِ اللَّهِ.
٢٢ ‏/ ٤٦٧
وَقَوْلُهُ: ﴿وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾ [البقرة: ٩٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلِجَاحِدِي تِلْكَ الْآيَاتِ الْبَيِّنَاتِ الَّتِي أَنْزَلْنَاهَا عَلَى رَسُولِنَا مُحَمَّدٍ ﷺ وَمُنْكِرِيهَا عَذَابٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴿مُهِينٌ﴾ [البقرة: ٩٠]: يَعْنِي مُذِلٌّ فِي جَهَنَّمَ.
٢٢ ‏/ ٤٦٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ [المجادلة: ٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ فِي يَوْمِ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا، وَذَلِكَ يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا مِنْ قُبُورِهِمْ لِمَوْقِفِ الْقِيَامَةِ ﴿فَيُنَبِّئُهُمُ﴾ [الأنعام: ١٠٨] اللَّهُ ﴿بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ﴾ [المجادلة: ٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَحْصَى اللَّهُ مَا عَمِلُوا، فَعَدَّهُ عَلَيْهِمْ، وَأَثْبَتَهُ وَحَفِظَهُ، وَنَسِيَهُ عَامِلُوهُ ﴿وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ [المجادلة: ٦] يَقُولُ: وَاللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ عَمِلُوهُ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَمْرِ خَلْقِهِ ﴿شَهِيدٌ﴾ [البقرة: ٢٨٢] يَعْنِي شَاهِدٌ يَعْلَمُهُ وَيُحِيطُ بِهِ، فَلَا يَغْرُبُ عَنْهُ شَيْءٌ مِنْهُ.
٢٢ ‏/ ٤٦٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾
٢٢ ‏/ ٤٦٧
يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: أَلَمْ تَنْظُرْ يَا مُحَمَّدُ بِعَيْنِ قَلْبِكَ فَتَرَى أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَيْءٍ، لَا يَخْفَى عَلَيْهِ صَغِيرُ ذَلِكَ وَكَبِيرُهُ؛ يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: فَكَيْفَ يَخْفَى عَلَى مَنْ كَانَتْ هَذِهِ صِفَتَهُ أَعْمَالُ هَؤُلَاءِ الْكَافِرِينَ وَعِصْيَانُهُمْ رَبَّهُمْ، ثُمَّ وَصَفَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ قُرْبَهُ مِنْ عِبَادِهِ وَسَمَاعَهُ نَجْوَاهُمْ، وَمَا يَكْتُمُونَهُ النَّاسَ مِنْ أَحَادِيثِهِمْ، فَيَتَحَدَّثُونَهُ سِرًّا بَيْنَهُمْ، فَقَالَ: ﴿مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ﴾ [المجادلة: ٧] مِنْ خَلْقِهِ ﴿إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ﴾ [المجادلة: ٧] يَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ، لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ أَسْرَارِهِمْ ﴿وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ﴾ [المجادلة: ٧] يَقُولُ: وَلَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ كَذَلِكَ ﴿وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ﴾ [المجادلة: ٧] يَقُولُ: وَلَا أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ ﴿وَلَا أَكْثَرَ﴾ [المجادلة: ٧] مِنْ خَمْسَةٍ ﴿إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ﴾ [المجادلة: ٧] إِذَا تَنَاجَوْا ﴿أَيْنَ مَا كَانُوا﴾ [المجادلة: ٧] يَقُولُ: فِي أَيِّ مَوْضِعٍ وَمَكَانٍ كَانُوا. وَعَنَى بِقَوْلِهِ: ﴿هُوَ رَابِعُهُمْ﴾ [المجادلة: ٧] بِمَعْنَى أَنَّهُ مُشَاهِدُهُمْ بِعِلْمِهِ، وَهُوَ عَلَى عَرْشِهِ، كَمَا:.
٢٢ ‏/ ٤٦٨
حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي زِيَادٍ، قَالَ: ثني نَصْرُ بْنُ مَيْمُونٍ الْمَضْرُوبُ، قَالَ: ثنا بُكَيْرُ بْنُ مَعْرُوفٍ، عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ، عَنِ الضَّحَّاكِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ﴾ [المجادلة: ٧] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿هُوَ مَعَهُمْ﴾ [المجادلة: ٧] قَالَ: هُوَ فَوْقَ الْعَرْشِ وَعِلْمُهُ مَعَهُمْ ﴿أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [المجادلة: ٧]
٢٢ ‏/ ٤٦٨
وَقَوْلُهُ: ﴿ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ [المجادلة: ٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ثُمَّ يُخْبِرُ هَؤُلَاءِ الْمُتَنَاجِينَ وَغَيْرَهُمْ بِمَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ مِمَّا يُحِبُّهُ وَيَسْخَطُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. ﴿إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٍ﴾ [الأنفال: ٧٥] يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ بِنَجْوَاهُمْ وَأَسْرَارِهِمْ، وَسَرَائِرِ أَعْمَالِهِمْ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أُمُورِهِمْ وَأُمُورِ عِبَادِهِ عَلِيمٌ. وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءِ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ﴾ [المجادلة: ٧] فَقَرَأَتْ قُرَّاءُ الْأَمْصَارِ ذَلِكَ ﴿مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى﴾ [المجادلة: ٧] بِالْيَاءِ، خَلَا أَبِي جَعْفَرٍ الْقَارِئِ، فَإِنَّهُ قَرَأَهُ: (مَا تَكُونُ) بِالتَّاءِ. وَالْيَاءُ هِيَ الصَّوَابُ فِي ذَلِكَ، لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ عَلَيْهَا، وَلِصِحَّتِهَا فِي الْعَرَبِيَّةِ.
٢٢ ‏/ ٤٦٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى مِنَ الْيَهُودِ ثُمَّ يَعُودُونَ فَقَدْ نَهَى اللَّهُ عز وجل إِيَّاهُمْ عَنْهَا، وَيَتَنَاجَوْنَ بَيْنَهُمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
٢٢ ‏/ ٤٦٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ⦗٤٧٠⦘ فِي قَوْلِهِ: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى﴾ [المجادلة: ٨] قَالَ: الْيَهُودُ
٢٢ ‏/ ٤٦٩
قَوْلُهُ: ﴿ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ﴾ [المجادلة: ٨] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ثُمَّ يَرْجِعُونَ إِلَى مَا نُهُوا عَنْهُ مِنَ النَّجْوَى. ﴿وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ﴾ يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَيَتَنَاجَوْنَ بِمَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ الْفَوَاحِشِ وَالْعُدْوَانِ، وَذَلِكَ خِلَافُ أَمْرِ اللَّهِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ مُحَمَّدٍ ﷺ. وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءِ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿وَيَتَنَاجَوْنَ﴾ [المجادلة: ٨] فَقَرَأَتْ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ وَبَعْضُ الْكُوفِيِّينَ وَالْبَصْرِيِّينَ ﴿وَيَتَنَاجَوْنَ﴾ [المجادلة: ٨] عَلَى مِثَالِ يَتَفَاعَلُونَ، وَكَانَ يَحْيَى وَحَمْزَةُ وَالْأَعْمَشُ يَقْرَءُونَ (وَيَنْتَجُونَ) عَلَى مِثَالِ يَفْتَعِلُونَ. وَاعْتَلَّ الَّذِينَ قَرَءُوهُ: ﴿وَيَتَنَاجَوْنَ﴾ [المجادلة: ٨] بِقَوْلِهِ: ﴿إِذَا تَنَاجَيْتُمْ﴾ [المجادلة: ٩] وَلَمْ يَقُلْ: إِذَا انْتَجَيْتُمْ.
٢٢ ‏/ ٤٧٠
وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: وَإِذَا جَاءَكَ يَا مُحَمَّدُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى، الَّذِينَ وَصَفَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ صِفَتَهُمْ، حَيَّوْكَ بِغَيْرِ التَّحِيَّةِ الَّتِي جَعَلَهَا اللَّهُ لَكَ تَحِيَّةً، وَكَانَتْ تَحِيَّتُهُمُ الَّتِي كَانُوا يُحَيُّونَهُ بِهَا الَّتِي أَخْبَرَ اللَّهُ أَنَّهُ لَمْ يُحَيِّهِ بِهَا فِيمَا جَاءَتْ بِهِ الْأَخْبَارُ، أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ: السَّامُ عَلَيْكَ.
٢٢ ‏/ ٤٧٠
ذَكْرُ الرِّوَايَةِ الْوَارِدَةِ بِذَلِكَ حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ وَكِيعٍ، قَالَا: ثنا جَرِيرٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، ⦗٤٧١⦘ عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: جَاءَ نَاسٌ مِنَ الْيَهُودِ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيْكَ يَا أَبَا الْقَاسِمِ، فَقُلْتُ: السَّامُ عَلَيْكُمْ، وَفَعَلَ اللَّهُ بِكُمْ وَفَعَلَ. فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «يَا عَائِشَةُ، إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفُحْشَ» فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَسْتَ تَرَى مَا يَقُولُونَ فَقَالَ: «أَلَسْتِ تَرِينَنِي أَرُدُّ عَلَيْهِمْ مَا يَقُولُونَ، أَقُولُ: عَلَيْكُمْ». وَهَذِهِ الْآيَةُ فِي ذَلِكَ نَزَلَتْ ﴿وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾
٢٢ ‏/ ٤٧٠
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ الْيَهُودُ يَأْتُونَ النَّبِيَّ ﷺ فَيَقُولُونَ: السَّامُ عَلَيْكُمْ، فَيَقُولُ: «عَلَيْكُمْ» . قَالَتْ عَائِشَةُ: السَّامُ عَلَيْكُمْ وَغَضَبُ اللَّهِ. فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَاحِشَ الْمُتَفَحِّشَ» . قَالَتْ: إِنَّهُمْ يَقُولُونَ: السَّامُ عَلَيْكُمْ، قَالَ: «إِنِّي أَقُولُ: عَلَيْكُمْ». فَنَزَلَتْ: ﴿وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ﴾ قَالَ: فَإِنَّ الْيَهُودَ يَأْتُونَ النَّبِيَّ ﷺ، فَيَقُولُونَ: السَّامُ عَلَيْكُمْ
٢٢ ‏/ ٤٧١
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ ﴿وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ﴾ قَالَ: كَانَتِ الْيَهُودُ يَأْتُونَ النَّبِيَّ ﷺ، فَيَقُولُونَ: السَّامُ عَلَيْكُمْ
٢٢ ‏/ ٤٧١
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ ⦗٤٧٢⦘ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ﴾ إِلَى ﴿فَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ [المجادلة: ٨] قَالَ: كَانَ الْمُنَافِقُونَ يَقُولُونَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ إِذَا حَيَّوْهُ: سَامٌ عَلَيْكُمْ، فَقَالَ اللَّهُ ﴿حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ [المجادلة: ٨]
٢٢ ‏/ ٤٧١
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ﴾ قَالَ: يَقُولُونَ: سَامٌ عَلَيْكُمْ، قَالَ: هُمْ أَيْضًا يَهُودُ
٢٢ ‏/ ٤٧٢
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ﴾ [المجادلة: ٨] قَالَ: الْيَهُودُ كَانَتْ تَقُولُ: سَامٌ عَلَيْكُمْ
٢٢ ‏/ ٤٧٢
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَنَّ عَائِشَةَ فَطِنَتْ إِلَى قَوْلِهِمْ، فَقَالَتْ: وَعَلَيْكُمُ السَّامَةُ وَاللَّعْنَةُ. فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «مَهْلًا يَا عَائِشَةُ، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الْأَمْرِ كُلِّهِ» . فَقَالَتْ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، أَلَمْ تَسْمَعْ مَا يَقُولُونَ قَالَ: «أَفَلَمْ تَسْمَعِي مَا أَرُدُّ عَلَيْهِمْ، أَقُولُ: عَلَيْكُمْ»
٢٢ ‏/ ٤٧٢
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ بَيْنَمَا هُوَ جَالِسٌ مَعَ أَصْحَابِهِ، إِذْ أَتَى عَلَيْهِمْ يَهُودِيٌّ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ، فَرَدُّوا عَلَيْهِ، فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ: «هَلْ تَدْرُونَ مَا قَالَ؟» قَالُوا: سَلَّمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: «بَلْ قَالَ: سَأَمٌ عَلَيْكُمْ، أَيْ تَسْأَمُونَ دِينَكُمْ» فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «أَقُلْتَ سَأْمٌ عَلَيْكُمْ؟» قَالَ: نَعَمْ. فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «إِذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَقُولُوا وَعَلَيْكَ» . أَيْ: عَلَيْكَ مَا قُلْتَ
٢٢ ‏/ ٤٧٣
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ﴾ قَالَ: هَؤُلَاءِ يَهُودُ، جَاءَ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ مِنْهُمْ إِلَى بَابِ النَّبِيِّ ﷺ، فَتَنَاجَوْا سَاعَةً، ثُمَّ اسْتَأْذَنَ أَحَدُهُمْ، فَأَذِنَ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ، فَقَالَ: السَّامُ عَلَيْكُمْ. فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «عَلَيْكَ» ثُمَّ الثَّانِي، ثُمَّ الثَّالِثُ. قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: السَّامُ: الْمَوْتُ
٢٢ ‏/ ٤٧٣
وَقَوْلُهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ﴾ [المجادلة: ٨] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَيَقُولُ مُحَيُّوكَ بِهَذِهِ التَّحِيَّةِ مِنَ الْيَهُودِ: هَلَّا يُعَاقِبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ لِمُحَمَّدٍ ﷺ، فَيُعَجِّلُ عُقُوبَتَهُ لَنَا عَلَى ذَلِكَ، يَقُولُ اللَّهُ: حَسْبُ قَائِلِي ذَلِكَ يَا مُحَمَّدُ جَهَنَّمُ، وَكَفَاهُمْ بِهَا يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَبِئْسَ الْمَصِيرُ جَهَنَّمُ.
٢٢ ‏/ ٤٧٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾ ⦗٤٧٤⦘ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ صَدَّقُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴿إِذَا تَنَاجَيْتُمْ﴾ [المجادلة: ٩] بَيْنَكُمْ ﴿فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ﴾ وَلَكِنْ تَنَاجَوْا ﴿بِالْبِرِّ﴾ [البقرة: ٤٤] يَعْنِي طَاعَةَ اللَّهِ وَمَا يُقَرِّبُكُمْ مِنْهُ، ﴿وَالتَّقْوَى﴾ [المائدة: ٢] يَقُولُ: وَبِاتِّقَائِهِ بِأَدَاءِ مَا كَلَّفَكُمْ مِنْ فَرَائِضِهِ وَاجْتِنَابِ مَعَاصِيهِ. ﴿وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾ [المائدة: ٩٦] يَقُولُ: وَخَافُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ مَصِيرُكُمْ، وَعِنْدَهُ مُجْتَمَعُكُمْ فِي تَضْيِيعِ فَرَائِضِهِ، وَالتَّقَدُّمِ عَلَى مَعَاصِيهِ أَنْ يُعَاقِبَكُمْ عَلَيْهِ عِنْدَ مَصِيرِكُمْ إِلَيْهِ.
٢٢ ‏/ ٤٧٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ [المجادلة: ١٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّمَا الْمُنَاجَاةُ مِنَ الشَّيْطَانِ، ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي النَّجْوَى الَّتِي أَخْبَرَ اللَّهُ أَنَّهَا مِنَ الشَّيْطَانِ، أَيُّ ذَلِكَ هُوَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَنَى بِذَلِكَ مُنَاجَاةَ الْمُنَافِقِينَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا.
٢٢ ‏/ ٤٧٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [المجادلة: ١٠] كَانَ الْمُنَافِقُونَ يَتَنَاجَوْنَ بَيْنَهُمْ، وَكَانَ ذَلِكَ يَغِيظُ الْمُؤْمِنِينَ، وَيَكْبُرُ عَلَيْهِمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي ذَلِكَ الْقُرْآنَ ﴿إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا﴾ [المجادلة: ١٠] الْآيَةَ
٢٢ ‏/ ٤٧٤
وَقَالَ آخَرُونَ بِمَا: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ عز وجل ﴿إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ [المجادلة: ١٠] قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ يَأْتِي رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَسْأَلُهُ الْحَاجَةَ لِيُرِيَ النَّاسَ أَنَّهُ قَدْ نَاجَى رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، قَالَ: وَكَانَ النَّبِيُّ ﷺ لَا يَمْنَعُ ذَلِكَ مِنْ أَحَدٍ. ⦗٤٧٥⦘ قَالَ: وَالْأَرْضُ يَوْمَئِذٍ حَرْبٌ عَلَى أَهْلِ هَذَا الْبَلَدِ، وَكَانَ إِبْلِيسُ يَأْتِي الْقَوْمَ فَيَقُولُ لَهُمْ: إِنَّمَا يَتَنَاجَوْنَ فِي أُمُورٍ قَدْ حَضَرَتْ، وَجُمُوعٍ قَدْ جُمِعَتْ لَكُمْ وَأَشْيَاءَ، فَقَالَ اللَّهُ: ﴿إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [المجادلة: ١٠] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ
٢٢ ‏/ ٤٧٤
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، قَالَ: كَانَ الْمُسْلِمُونَ إِذَا رَأَوُا الْمُنَافِقِينَ خَلَوْا يَتَنَاجَوْنَ، يَشُقُّ عَلَيْهِمْ، فَنَزَلَتْ ﴿إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [المجادلة: ١٠] وَقَالَ آخَرُونَ: عُنِيَ بِذَلِكَ أَحْلَامُ النَّوْمِ الَّتِي يَرَاهَا الْإِنْسَانُ فِي نَوْمِهِ فَتُحْزِنُهُ
٢٢ ‏/ ٤٧٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ دَاوُدَ الْبَلْخِيُّ، قَالَ: سُئِلَ عَطِيَّةُ، وَأَنَا أَسْمَعُ الرُّؤْيَا، فَقَالَ: الرُّؤْيَا عَلَى ثَلَاثِ مَنَازِلَ، فَمِنْهَا وَسْوَسَةُ الشَّيْطَانِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ﴾ [المجادلة: ١٠] وَمِنْهَا مَا يُحَدِّثُ نَفْسَهُ بِالنَّهَارِ فَيَرَاهُ بِاللَّيْلِ؛ وَمِنْهَا كَالْأَخْذِ بِالْيَدِ وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: عُنِيَ بِهِ مُنَاجَاةُ الْمُنَافِقِينَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ تَقَدَّمَ بِالنَّهْيِ عَنْهَا بِقَوْلِهِ: ﴿إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ﴾ ثُمَّ عَمَّا فِي ذَلِكَ مِنَ الْمَكْرُوهِ عَلَى أَهْلِ الْإِيمَانِ، وَعَنْ سَبَبِ نَهْيِهِ إِيَّاهُمْ عَنْهُ، فَقَالَ: ﴿إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ
٢٢ ‏/ ٤٧٥
الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [المجادلة: ١٠] فَبَيَّنَ بِذَلِكَ إِذْ كَانَ النَّهْيُ عَنْ رُؤْيَةِ الْمَرْءِ فِي مَنَامِهِ كَانَ كَذَلِكَ، وَكَانَ عُقَيْبَ نَهْيِهِ عَنِ النَّجْوَى بِصِفَةِ أَنَّهُ مِنْ صِفَةِ مَا نَهَى عَنْهُ
٢٢ ‏/ ٤٧٦
وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ [المجادلة: ١٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَيْسَ التَّنَاجِي بِضَارٍّ الْمُؤْمِنِينَ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ، يَعْنِي: بِقَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ.
٢٢ ‏/ ٤٧٦
وَقَوْلُهُ: ﴿وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ [آل عمران: ١٢٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ فِي أُمُورِهِمْ أَهْلُ الْإِيمَانِ بِهِ، وَلَا يَحْزَنُوا مِنْ تَنَاجِي الْمُنَافِقِينَ وَمَنْ يَكِيدُهُمْ بِذَلِكَ، وَأَنَّ تَنَاجِيَهُمْ غَيْرُ ضَارِّهِمْ إِذَا حَفِظَهُمْ رَبُّهُمْ.
٢٢ ‏/ ٤٧٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ [المجادلة: ١١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ صَدَّقُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴿إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ﴾ [المجادلة: ١١] يَعْنِي بِقَوْلِهِ: ﴿تَفَسَّحُوا﴾ [المجادلة: ١١] تَوَسَّعُوا مِنْ قَوْلِهِمْ: مَكَانٌ فَسِيحٌ إِذَا كَانَ وَاسِعًا. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمَجْلِسِ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ بِالتَّفَسُّحِ فِيهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: ذَلِكَ كَانَ مَجْلِسَ النَّبِيِّ ﷺ خَاصَّةً.
٢٢ ‏/ ٤٧٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي ⦗٤٧٧⦘ نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ﴾ [المجادلة: ١١] قَالَ: مَجْلِسُ النَّبِيِّ ﷺ، كَانَ يُقَالُ ذَاكَ خَاصَّةٌ. حَدَّثَنَا الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
٢٢ ‏/ ٤٧٦
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ﴾ [المجادلة: ١١] الْآيَةُ: كَانُوا إِذَا رَأَوْا مَنْ جَاءَهُمْ مُقْبِلًا ضَنُّوا بِمَجْلِسِهِمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يُفْسِحَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ
٢٢ ‏/ ٤٧٧
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ﴾ [المجادلة: ١١] قَالَ: كَانَ هَذَا لِلنَّبِيِّ ﷺ وَمَنْ حَوْلَهُ خَاصَّةً يَقُولُ: اسْتَوْسِعُوا حَتَّى يُصِيبَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ مَجْلِسًا مِنَ النَّبِيِّ ﷺ، وَهِيَ أَيْضًا مَقَاعِدُ لِلْقِتَالِ
٢٢ ‏/ ٤٧٧
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ﴾ [المجادلة: ١١] قَالَ: كَانَ النَّاسُ يَتَنَافَسُونَ فِي مَجْلِسِ النَّبِيِّ ﷺ فَقِيلَ لَهُمْ: ﴿إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا﴾ [المجادلة: ١١]
٢٢ ‏/ ٤٧٧
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ﴾ [المجادلة: ١١] قَالَ: هَذَا مَجْلِسُ ⦗٤٧٨⦘ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، كَانَ الرَّجُلُ يَأْتِي فَيَقُولُ: افْسَحُوا لِي رَحِمَكُمُ اللَّهُ، فَيَضِنُّ كُلُّ أَحَدٍ مِنْهُمْ بِقُرْبِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَأَمَرَهُمُ اللَّهُ بِذَلِكَ، وَرَأَى أَنَّهُ خَيْرٌ لَهُمْ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عُنِيَ بِذَلِكَ فِي مَجَالِسِ الْقِتَالِ إِذَا اصْطَفُّوا لِلْحَرْبِ
٢٢ ‏/ ٤٧٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ﴾ [المجادلة: ١١] قَالَ: ذَلِكَ فِي مَجْلِسِ الْقِتَالِ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَتَفَسَّحُوا فِي الْمَجْلِسِ، وَلَمْ يُخَصِّصْ بِذَلِكَ مَجْلِسَ النَّبِيِّ ﷺ دُونَ مَجْلِسِ الْقِتَالِ، وَكِلَا الْمَوْضِعَيْنِ يُقَالُ لَهُ مَجْلِسٌ، فَذَلِكَ عَلَى جَمِيعِ الْمَجَالِسِ مِنْ مَجَالِسِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَمَجَالِسِ الْقِتَالِ. وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ: (تَفَسَّحُوا فِي الْمَجْلِسِ) عَلَى التَّوْحِيدِ غَيْرَ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَعَاصِمٍ، فَإِنَّهُمَا قَرَآ ذَلِكَ ﴿فِي الْمَجَالِسِ﴾ [المجادلة: ١١] عَلَى الْجِمَاعِ. وَبِالتَّوْحِيدِ قِرَاءَةُ ذَلِكَ عِنْدَنَا؛ لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَيْهِ
٢٢ ‏/ ٤٧٨
وَقَوْلُهُ: ﴿فَافْسَحُوا﴾ [المجادلة: ١١] يَقُولُ: فَوَسِّعُوا ﴿يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ﴾ [المجادلة: ١١] يَقُولُ: يُوَسِّعُ اللَّهُ مَنَازِلَكُمْ فِي الْجَنَّةِ. ﴿وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا﴾ [المجادلة: ١١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَإِذَا ⦗٤٧٩⦘ قِيلَ ارْتَفِعُوا، وَإِنَّمَا يُرَادُ بِذَلِكَ: وَإِذَا قِيلَ لَكُمْ قُومُوا إِلَى قِتَالِ عَدُوٍّ، أَوْ صَلَاةٍ، أَوْ عَمَلِ خَيْرٍ، أَوْ تَفَرَّقُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقُومُوا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
٢٢ ‏/ ٤٧٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ﴿وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا﴾ [المجادلة: ١١] إِلَى ﴿وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ [المجادلة: ١١] قَالَ: إِذَا قِيلَ: انْشُزُوا فَانْشُزُوا إِلَى الْخَيْرِ وَالصَّلَاةِ
٢٢ ‏/ ٤٧٩
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿فَانْشُزُوا﴾ [المجادلة: ١١] قَالَ: إِلَى كُلِّ خَيْرٍ، قِتَالِ عَدُوٍّ، أَوْ أَمْرٍ بِالْمَعْرُوفِ، أَوْ حَقٍّ مَا كَانَ
٢٢ ‏/ ٤٧٩
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا﴾ [المجادلة: ١١] يَقُولُ: إِذَا دُعِيتُمْ إِلَى خَيْرٍ فَأَجِيبُوا
٢٢ ‏/ ٤٧٩
وَقَالَ الْحَسَنُ: هَذَا كُلُّهُ فِي الْغَزْوِ
٢٢ ‏/ ٤٧٩
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: ثنا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا﴾ [المجادلة: ١١]: كَانَ إِذَا نُودِيَ إِلَى الصَّلَاةِ تَثَاقَلَ رِجَالٌ، فَأَمَرَهُمُ اللَّهُ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ أَنْ يَرْتَفِعُوا إِلَيْهَا، يَقُومُوا إِلَيْهَا
٢٢ ‏/ ٤٧٩
وَحَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا﴾ [المجادلة: ١١] قَالَ: انْشُزُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، قَالَ: هَذَا فِي بَيْتِهِ إِذَا قِيلَ انْشُزُوا، فَارْتَفِعُوا عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، فَإِنَّ لَهُ حَوَائِجَ، فَأَحَبَّ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِ بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ: ﴿وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا﴾ [المجادلة: ١١] وَإِنَّمَا اخْتَرْتُ التَّأْوِيلَ الَّذِي قُلْتُ فِي ذَلِكَ، لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا قِيلَ لَهُمُ انْشُزُوا، أَنْ يَنْشُزُوا، فَعَمَّ بِذَلِكَ الْأَمْرَ جَمِيعَ مَعَانِي النُّشُوزِ مِنَ الْخَيْرَاتِ، فَذَلِكَ عَلَى عُمُومِهِ حَتَّى يَخُصَّهُ مَا يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهُ. وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ ﴿فَانْشُزُوا﴾ [المجادلة: ١١] بِضَمِّ الشِّينِ، وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةَ وَالْبَصْرَةِ بِكَسْرِهَا. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ، وَلُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ بِمَنْزِلَةِ يَعْكِفُونَ وَيَعْكُفُونَ، وَيَعْرِشُونَ وَيَعْرُشُونَ، فَبِأَيِّ الْقِرَاءَتَيْنِ قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ
٢٢ ‏/ ٤٨٠
وَقَوْلُهُ: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾ [المجادلة: ١١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: يَرْفَعُ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ مِنْكُمْ أَيُّهَا الْقَوْمُ بِطَاعَتِهِمْ رَبَّهُمْ فَمَا أَمَرَهُمْ بِهِ مِنَ التَّفَسُّحِ فِي الْمَجْلِسِ إِذَا قِيلَ لَهُمْ تَفَسَّحُوا، أَوْ بِنُشُوزِهِمْ إِلَى الْخَيْرَاتِ إِذَا قِيلَ لَهُمُ انْشُزُوا إِلَيْهَا، وَيَرْفَعُ اللَّهُ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يُؤْتُوا الْعِلْمَ بِفَضْلِ عِلْمِهِمْ دَرَجَاتٍ، إِذَا عَمِلُوا بِمَا أُمِرُوا بِهِ.
٢٢ ‏/ ٤٨٠
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ ⦗٤٨١⦘ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾ [المجادلة: ١١]: إِنَّ بِالْعِلْمِ لِأَهْلِهِ فَضْلًا، وَإِنَّ لَهُ عَلَى أَهْلِهِ حَقًّا، وَلَعَمْرِي لِلْحَقِّ عَلَيْكَ أَيُّهَا الْعَالِمُ فَضْلٌ، وَاللَّهُ مُعْطِي كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ
٢٢ ‏/ ٤٨٠
وَكَانَ مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ يَقُولُ: فَضْلُ الْعِلْمِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ فَضْلِ الْعِبَادَةِ، وَخَيْرُ دِينِكُمُ الْوَرَعُ
٢٢ ‏/ ٤٨١
وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُطَرِّفٍ يَقُولُ: إِنَّكَ لَتَلْقَى الرَّجُلَيْنِ أَحَدَهُمَا أَكْثَرُ صَوْمًا وَصَلَاةً وَصَدَقَةً، وَالْآخَرَ أَفْضَلَ مِنْهُ بَوْنًا بَعِيدًا، قِيلَ لَهُ: وَكَيْفَ ذَاكَ؟ فَقَالَ: هُوَ أَشَدُّهُمَا وَرَعًا لِلَّهِ عَنْ مَحَارِمِهِ
٢٢ ‏/ ٤٨١
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾ [المجادلة: ١١] فِي دِينِهِمْ إِذَا فَعَلُوا مَا أُمِرُوا بِهِ
٢٢ ‏/ ٤٨١
وَقَوْلُهُ: ﴿وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ [البقرة: ٢٣٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَاللَّهُ بِأَعْمَالِكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ ذُو خِبْرَةٍ، لَا يَخْفَى عَلَيْهِ الْمُطِيعُ مِنْكُمْ رَبَّهُ مِنَ الْعَاصِي، وَهُوَ مَجَازٍ جَمِيعَكُمْ بِعَمَلِهِ الْمُحْسِنَ بِإِحْسَانِهِ، وَالْمُسِيءَ بِالَّذِي هُوَ أَهْلُهُ، أَوْ يَعْفُو.
٢٢ ‏/ ٤٨١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [المجادلة: ١٢]⦗٤٨٢⦘ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ صَدَّقُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ، إِذَا نَاجَيْتُمُ رَسُولَ اللَّهِ، فَقَدِّمُوا أَمَامَ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً تَتَصَدَّقُونَ بِهَا عَلَى أَهْلِ الْمَسْكَنَةِ وَالْحَاجَةِ. ﴿ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ﴾ [المجادلة: ١٢] يَقُولُ: وَتَقْدِيمُكُمُ الصَّدَقَةَ أَمَامَ نَجْوَاكُمْ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَأَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ مِنَ الْمَآثِمِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
٢٢ ‏/ ٤٨١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى،؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً﴾ [المجادلة: ١٢] قَالَ: نُهُوا عَنْ مُنَاجَاةِ النَّبِيِّ ﷺ حَتَّى يَتَصَدَّقُوا، فَلَمْ يُنَاجِهِ إِلَّا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه قَدَّمَ دِينَارًا فَتَصَدَّقَ بِهِ، ثُمَّ أُنْزِلَتِ الرُّخْصَةُ فِي ذَلِكَ
٢٢ ‏/ ٤٨٢
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ مُحَمَّدِ الْمُحَارِبِيُّ، قَالَ: ثنا الْمُطَّلِبُ بْنُ زِيَادٍ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه: إِنَّ فِي كِتَابِ اللَّهِ عز وجل لَآيَةً مَا عَمِلَ بِهَا أَحَدٌ قَبْلِي، وَلَا يَعْمَلُ بِهَا أَحَدٌ بَعْدِي: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ﴾ [المجادلة: ١٢] الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً قَالَ: فُرِضَتْ، ثُمَّ نُسِخَتْ
٢٢ ‏/ ٤٨٢
حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَسْرُوقِيُّ، قَالَ: ثنا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ شِبْلِ بْنِ عَبَّادٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ ⦗٤٨٣⦘ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً﴾ [المجادلة: ١٢] قَالَ: نُهُوا عَنْ مُنَاجَاةِ النَّبِيِّ ﷺ حَتَّى يَتَصَدَّقُوا، فَلَمْ يُنَاجِهِ إِلَّا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه قَدَّمَ دِينَارًا صَدَقَةً تَصَدَّقَ بِهِ، ثُمَّ أُنْزِلَتِ الرُّخْصَةُ
٢٢ ‏/ ٤٨٢
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ إِدْرِيسَ، قَالَ: سَمِعْتُ لَيْثًا، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه: آيَةٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ لَمْ يَعْمَلْ بِهَا أَحَدٌ قَبْلِي، وَلَا يَعْمَلُ بِهَا أَحَدٌ بَعْدِي، كَانَ عِنْدِي دِينَارٌ فَصَرَفْتُهُ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ، فَكُنْتُ إِذَا جِئْتُ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ تَصَدَّقْتُ بِدِرْهَمٍ، فَنُسِخَتْ فَلَمْ يَعْمَلْ بِهَا أَحَدٌ قَبْلِي ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً﴾ [المجادلة: ١٢]
٢٢ ‏/ ٤٨٣
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً﴾ [المجادلة: ١٢] قَالَ: سَأَلَ النَّاسُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ حَتَّى أَحْفَوْهُ بِالْمَسْأَلَةِ، فَوَعَظَهُمُ اللَّهُ بِهَذِهِ الْآيَةِ، وَكَانَ الرَّجُلُ تَكُونُ لَهُ الْحَاجَةُ إِلَى نَبِيِّ اللَّهِ ﷺ، فَلَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَقْضِيَهَا حَتَّى يُقَدِّمَ بَيْنَ يَدَيْهِ صَدَقَةً، فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل الرُّخْصَةَ بَعْدَ ذَلِكَ ﴿فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [المجادلة: ١٢]
٢٢ ‏/ ٤٨٣
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً﴾ [المجادلة: ١٢] قَالَ: إِنَّهَا مَنْسُوخَةٌ، مَا كَانَتْ إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ
٢٢ ‏/ ٤٨٤
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً﴾ [المجادلة: ١٢] إِلَى ﴿فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [البقرة: ١٩٢] قَالَ: كَانَ الْمُسْلِمُونَ يُقَدِّمُونَ بَيْنَ يَدَيِ النَّجْوَى صَدَقَةً، فَلَمَّا نَزَلَتِ الزَّكَاةُ نُسِخَ هَذَا
٢٢ ‏/ ٤٨٤
حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً﴾ [المجادلة: ١٢] وَذَاكَ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ أَكْثَرُوا الْمَسَائِلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ حَتَّى شَقُّوا عَلَيْهِ، فَأَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْ نَبِيِّهِ؛ فَلَمَّا قَالَ ذَلِكَ صَبَرَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، وَكَفُّوا عَنِ الْمَسْأَلَةِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ بَعْدُ هَذَا ﴿فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ﴾ [المجادلة: ١٣] فَوَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يُضَيِّقْ
٢٢ ‏/ ٤٨٤
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْمُغِيرَةِ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَلْقَمَةَ الْأَنْمَارِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «مَا تَرَى؟ دِينَارٌ» قَالَ: لَا يُطِيقُونَ، قَالَ: «نِصْفُ دِينَارٍ؟» قَالَ: لَا يُطِيقُونَ قَالَ: «مَا تَرَى؟» قَالَ: شَعِيرَةٌ. فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ: «إِنَّكَ لَزَهِيدٌ» . قَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه: فَبِي خَفَّفَ اللَّهُ عَنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَقَوْلُهُ: ﴿إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا ⦗٤٨٥⦘ بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ﴾ [المجادلة: ١٢] صَدَقَةً فَنَزَلَتْ ﴿أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ﴾ [المجادلة: ١٣]
٢٢ ‏/ ٤٨٤
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً﴾ [المجادلة: ١٢] لِئَلَّا يُنَاجِيَ أَهْلُ الْبَاطِلِ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَيَشُقَّ ذَلِكَ عَلَى أَهْلِ الْحَقِّ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا نَسْتَطِيعُ ذَلِكَ وَلَا نُطِيقُهُ، فَقَالَ اللَّهُ عز وجل: ﴿أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ﴾ [المجادلة: ١٣] وَقَالَ: ﴿لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ﴾ [النساء: ١١٤] مَنْ جَاءَ يُنَاجِيكَ فِي هَذَا فَاقْبَلْ مُنَاجَاتَهُ، وَمَنْ جَاءَ يُنَاجِيكَ فِي غَيْرِ هَذَا فَاقْطَعْ أَنْتَ ذَاكَ عَنْهُ لَا تُنَاجِهِ. قَالَ: وَكَانَ الْمُنَافِقُونَ رُبَّمَا نَاجَوْا فِيمَا لَا حَاجَةَ لَهُمْ فِيهِ، فَقَالَ اللَّهُ عز وجل: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ﴾ قَالَ: لِأَنَّ الْخَبِيثَ يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ
٢٢ ‏/ ٤٨٥
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، عَنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ عِكْرِمَةَ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، قَالَا: قَالَ فِي الْمُجَادَلَةِ: ﴿إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [المجادلة: ١٢] فَنَسَخَتْهَا الْآيَةُ الَّتِي بَعْدَهَا، فَقَالَ: ﴿أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ ⦗٤٨٦⦘ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ [المجادلة: ١٣]
٢٢ ‏/ ٤٨٥
وَقَوْلُهُ: ﴿فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا﴾ [النور: ٢٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مَا تَتَصَدَّقُونَ بِهِ أَمَامَ مُنَاجَاتِكُمْ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ. ﴿فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [البقرة: ١٩٢] يَقُولُ: فَإِنَّ اللَّهَ ذُو عَفْوٍ عَنْ ذُنُوبِكُمْ إِذَا تُبْتُمْ مِنْهَا، رَحِيمٌ بِكُمْ أَنْ يُعَاقِبَكُمْ عَلَيْهَا بَعْدَ التَّوْبَةِ، وَغَيْرُ مُؤَاخِذِكُمْ بِمُنَاجَاتِكُمْ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَبْلَ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ إِيَّاهُ صَدَقَةً.
٢٢ ‏/ ٤٨٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ [المجادلة: ١٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَشَقَّ عَلَيْكُمْ وَخَشِيتُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِأَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ صَدَقَاتٍ الْفَاقَةَ، وَأَصْلُ الْإِشْفَاقِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ: الْخَوْفُ وَالْحَذَرُ، وَمَعْنَاهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: أَخَشِيتُمْ بِتَقْدِيمِ الصَّدَقَةِ الْفَاقَةَ وَالْفَقْرَ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
٢٢ ‏/ ٤٨٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى،؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ﴿أَأَشْفَقْتُمْ﴾ [المجادلة: ١٣] قَالَ: شَقَّ عَلَيْكُمْ تَقْدِيمُ الصَّدَقَةِ، فَقَدْ وُضِعَتْ عَنْكُمْ، وَأُمِرُوا بِمُنَاجَاةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِغَيْرِ صَدَقَةٍ حِينَ شَقَّ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ. ⦗٤٨٧⦘ حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَسْرُوقِيُّ، قَالَ: ثنا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ شِبْلِ بْنِ عَبَّادٍ الْمَكِّيِّ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
٢٢ ‏/ ٤٨٦
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ﴾ [المجادلة: ١٣] فَرِيضَتَانِ وَاجِبَتَانِ لَا رَجْعَةَ لِأَحَدٍ فِيهِمَا، فَنَسَخَتْ هَذِهِ الْآيَةُ مَا كَانَ قَبْلَهَا مِنْ أَمْرِ الصَّدَقَةِ فِي النَّجْوَى
٢٢ ‏/ ٤٨٧
وَقَوْلُهُ: ﴿فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ﴾ [المجادلة: ١٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَإِذْ لَمْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ، وَرَزَقَكُمُ اللَّهُ التَّوْبَةَ مِنْ تَرْكِكُمْ ذَلِكَ، فَأَدُّوا فَرَائِضَ اللَّهِ الَّتِي أَوْجَبَهَا عَلَيْكُمْ، وَلَمْ يَضَعْهَا عَنْكُمْ مِنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ، وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ، فِيمَا أَمَرَكُمْ بِهِ، وَفِيمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ. ﴿وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ [آل عمران: ١٥٣] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَاللَّهُ ذُو خِبْرَةٍ وَعِلْمٍ بِأَعْمَالِكُمْ، وَهُوَ مُحْصِيهَا عَلَيْكُمْ لِيُجَازِيكُمْ بِهَا.
٢٢ ‏/ ٤٨٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ [المجادلة: ١٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: أَلَمْ تَنْظُرْ بِعَيْنِ قَلْبِكَ يَا مُحَمَّدُ، فَتَرَى إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، وَهُمُ الْمُنَافِقُونَ تَوَلَّوُا الْيَهُودَ وَنَاصَحُوهُمْ.
٢٢ ‏/ ٤٨٧
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ﴾ [المجادلة: ١٤] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، قَالَ: هُمُ الْمُنَافِقُونَ تَوَلَّوُا الْيَهُودَ وَنَاصَحُوهُمْ
٢٢ ‏/ ٤٨٧
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿تَوَلَّوْا قَوْمًا ⦗٤٨٨⦘ غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ﴾ [المجادلة: ١٤] قَالَ: هُمُ الْيَهُودُ تَوَلَّاهُمُ الْمُنَافِقُونَ
٢٢ ‏/ ٤٨٧
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ عز وجل ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَا مِنْهُمْ﴾ [المجادلة: ١٤] قَالَ: هَؤُلَاءِ كَفَرَةُ أَهْلِ الْكِتَابِ الْيَهُودُ وَالَّذِينَ تَوَلَّوْهُمُ الْمُنَافِقُونَ تَوَلَّوُا الْيَهُودَ، وَقَرَأَ قَوْلَ اللَّهِ: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ﴾ [الحشر: ١١] حَتَّى بَلَغَ ﴿وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ [التوبة: ١٠٧] لَئِنْ كَانَ ذَلِكَ لَا يَفْعَلُونَ وَقَالَ: هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا: لَا نَدَعُ حُلَفَاءَنَا وَمَوَالِينَا يَكُونُوا مَعًا لَنُصْرَتِنَا وَعِزِّنَا، وَمَنْ يَدْفَعُ عَنَّا نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ، فَقَالَ اللَّهُ عز وجل: ﴿فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ﴾ [المائدة: ٥٢] حَتَّى بَلَغَ: ﴿فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ﴾ [الحشر: ١٣] وَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ: ﴿أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ﴾ [الحشر: ١٤] قَالَ: لَا يَبْرُزُونَ
٢٢ ‏/ ٤٨٨
قَوْلُهُ: ﴿مَا هُمْ مِنْكُمْ﴾ [المجادلة: ١٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: مَا هَؤُلَاءِ الَّذِينَ تَوَلَّوْا هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ الَّذِينَ غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ﴿مِنْكُمْ﴾ [البقرة: ٦٥] يَعْنِي: مِنْ أَهْلِ دِينِكُمْ وَمِلَّتِكُمْ ﴿وَلَا مِنْهُمْ﴾ [المجادلة: ١٤] وَلَا هُمْ مِنَ الْيَهُودِ الَّذِينَ غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، وَإِنَّمَا وَصَفَهُمْ بِذَلِكَ مِنْكُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِأَنَّهُمْ مُنَافِقُونَ إِذَا لَقُوا الْيَهُودَ، قَالُوا ﴿إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ﴾ ﴿وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا﴾ [البقرة: ١٤] .
٢٢ ‏/ ٤٨٨
وَقَوْلُهُ: ﴿وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ [المجادلة: ١٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ، وَذَلِكَ قَوْلُهُمْ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ: نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَهُمْ كَاذِبُونَ غَيْرُ مُصَدِّقِينَ بِهِ، وَلَا مُؤْمِنِينَ بِهِ، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿وَاللَّهُ ⦗٤٨٩⦘ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ﴾ [المنافقون: ١] وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي رَجُلٍ مِنْهُمْ عَاتَبَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلَى أَمْرٍ بَلَغَهُ عَنْهُ، فَحَلَفَ كَذِبًا.
٢٢ ‏/ ٤٨٨
ذِكْرُ الْخَبَرِ الَّذِي رُوِيَ بِذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «يَدْخُلُ عَلَيْكُمْ رَجُلٌ يَنْظُرُ بِعَيْنِ شَيْطَانٍ، أَوْ بِعَيْنَيَّ شَيْطَانٍ» قَالَ: فَدَخَلَ رَجُلٌ أَزْرَقُ، فَقَالَ لَهُ: «عَلَامَ تَسُبُّنِي أَوْ تَشْتُمُنِي؟» قَالَ: فَجَعَلَ يَحْلِفُ، قَالَ: فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ الَّتِي فِي الْمُجَادَلَةِ: ﴿وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ [المجادلة: ١٤] وَالْآيَةُ الْأُخْرَى
٢٢ ‏/ ٤٨٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ﴾ [المجادلة: ١٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَعَدَّ اللَّهُ لِهَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ تَوَلَّوُا الْيَهُودَ عَذَابًا فِي الْآخِرَةِ شَدِيدًا. ﴿إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [التوبة: ٩] فِي الدُّنْيَا بِغِشِّهِمُ الْمُسْلِمِينَ. وَنُصْحِهِمْ لِأَعْدَائِهِمْ مِنَ الْيَهُودِ.
٢٢ ‏/ ٤٨٩
وَقَوْلُهُ: ﴿اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً﴾ [المجادلة: ١٦] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: جَعَلُوا حَلِفَهُمْ وَأَيْمَانَهُمْ جُنَّةً يَسْتَجِنُّونَ بِهَا مِنَ الْقَتْلِ وَيَدْفَعُونَ بِهَا عَنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَذَرَارِيِّهِمْ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ إِذَا اطُّلِعَ مِنْهُمْ عَلَى النِّفَاقِ، حَلَفُوا لِلْمُؤْمِنِينَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْهُمْ. ﴿فَصَدُّوا عَنْ ⦗٤٩٠⦘ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [المجادلة: ١٦] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: فَصَدُّوا بِأَيْمَانِهِمُ الَّتِي اتَّخَذُوهَا جُنَّةً الْمُؤْمِنِينَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فِيهِمْ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَفَرَةٌ، وَحُكْمُ اللَّهِ وسَبِيلُهُ فِي أَهْلِ الْكُفْرِ بِهِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ الْقَتْلُ، أَوْ أَخْذُ الْجِزْيَةِ، وَفِي عَبْدَةِ الْأَوْثَانِ الْقَتْلُ، فَالْمُنَافِقُونَ يَصُدُّونَ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فِيهِمْ بِأَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ مُؤْمِنُونَ، وَإِنَّهُمْ مِنْهُمْ، فَيَحُولُونَ بِذَلِكَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ قَتْلِهِمْ، وَيَمْتَنِعُونَ بِهِ مِمَّا يَمْتَنِعُ مِنْهُ أَهْلُ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ.
٢٢ ‏/ ٤٨٩
وَقَوْلُهُ: ﴿فَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾ [المجادلة: ١٦] يَقُولُ: فَلَهُمْ عَذَابٌ مُذِلٌّ لَهُمْ فِي النَّارِ.
٢٢ ‏/ ٤٩٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [المجادلة: ١٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: لَنْ تُغْنِيَ عَنْ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْوَالُهُمْ، فَيَفْتَدُوا بِهَا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ الْمُهِينِ لَهُمْ، وَلَا أَوْلَادُهُمْ فَيَنْصُرُونَهُمْ وَيَسْتَنْقِذُونَهُمْ مِنَ اللَّهِ إِذَا عَاقَبَهُمْ. ﴿أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ﴾ [البقرة: ٣٩] يَقُولُ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، وَهُمُ الْمُنَافِقُونَ ﴿أَصْحَابُ النَّارِ﴾ [البقرة: ٣٩]، يَعْنِي أَهْلَهَا الَّذِينَ ﴿هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [البقرة: ٣٩]، يَقُولُ: هُمْ فِي النَّارِ مَاكِثُونَ إِلَى غَيْرِ النِّهَايَةِ.
٢٢ ‏/ ٤٩٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ﴾ [المجادلة: ١٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ، يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا، يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا. فَيَوْمٌ مِنْ صِلَةِ أَصْحَابِ النَّارِ. وَعَنَى بِقَوْلِهِ: ﴿يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا﴾ [المجادلة: ٦] مِنْ قُبُورِهِمْ أَحْيَاءً كَهَيْئَاتِهِمْ قَبْلَ مَمَاتِهِمْ، ⦗٤٩١⦘ فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ كَاذِبَيْنَ مُبْطِلِينَ فِيهَا.
٢٢ ‏/ ٤٩٠
كَمَا: حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿فَيَحْلِفُونَ لَهُ﴾ [المجادلة: ١٨] قَالَ: إِنَّ الْمُنَافِقَ حَلَفَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَمَا حَلَفَ لِأَوْلِيَائِهِ فِي الدُّنْيَا
٢٢ ‏/ ٤٩١
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا﴾ [المجادلة: ٦] الْآيَةُ، وَاللَّهِ حَالَفَ الْمُنَافِقُونَ رَبَّهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، كَمَا حَالَفُوا أَوْلِيَاءَهُ فِي الدُّنْيَا
٢٢ ‏/ ٤٩١
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ الْبَكْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ فِي ظِلِّ حُجْرَةٍ قَدْ كَادَ يَقْلِصُ عَنْهُ الظِّلُّ، فَقَالَ: «إِنَّهُ سَيَأْتِيكُمْ رَجُلٌ، أَوْ يَطْلُعُ رَجُلٌ بِعَيْنِ شَيْطَانٍ فَلَا تُكَلِّمُوهُ» فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ جَاءَ، فَاطَّلَعَ فَإِذَا رَجُلٌ أَزْرَقُ، فَقَالَ لَهُ: «عَلَامَ تَشْتُمُنِي أَنْتَ وَفُلَانٌ وَفُلَانٌ»؟ قَالَ: فَذَهَبَ فَدَعَا أَصْحَابَهُ، فَحَلَفُوا مَا فَعَلُوا، فَنَزَلَتْ: ﴿يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ﴾ [المجادلة: ١٨]
٢٢ ‏/ ٤٩١
وَقَوْلُهُ: ﴿وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ﴾ [المجادلة: ١٨] يَقُولُ: وَيُظُنُّونَ أَنَّهُمْ فِي أَيْمَانِهِمْ وَحَلِفِهِمْ بِاللَّهِ كَاذِبَيْنَ عَلَى شَيْءٍ مِنَ الْحَقِّ، أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ فِيمَا يَحْلِفُونَ عَلَيْهِ.
٢٢ ‏/ ٤٩١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ [المجادلة: ١٩] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ﴾ [المجادلة: ١٩] غَلَبَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ ⦗٤٩٢⦘ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ ﴿أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ﴾ [المجادلة: ١٩] يَعْنِي جُنْدُهُ وَأَتْبَاعُهُ. ﴿أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ [المجادلة: ١٩] يَقُولُ: أَلَا إِنَّ جُنْدَ الشَّيْطَانِ وَأَتْبَاعَهُ هُمُ الْهَالِكُونَ الْمَغْبُونُونَ فِي صَفْقَتِهِمْ.
٢٢ ‏/ ٤٩١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ كَتَبَ اللهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ [المجادلة: ٢١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فِي حُدُودِهِ، وَفِيمَا فَرَضَ عَلَيْهِمْ مِنْ فَرَائِضِهِ فَيُعَادُونَهُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٢ ‏/ ٤٩٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ [المجادلة: ٢٠] يَقُولُ: يُعَادُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ بِنَحْوِهِ
٢٢ ‏/ ٤٩٢
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ [المجادلة: ٢٠] قَالَ: يُعَادُونَ يُشَاقُّونَ
٢٢ ‏/ ٤٩٢
وَقَوْلُهُ: ﴿أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ﴾ [المجادلة: ٢٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فِي أَهْلِ الذِّلَّةِ، لِأَنَّ الْغَلَبَةَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ.
٢٢ ‏/ ٤٩٢
وَقَوْلُهُ: ﴿كَتَبَ اللَّهُ لَأُغْلَبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي﴾ [المجادلة: ٢١] يَقُولُ: قَضَى اللَّهُ وَخَطَّ فِي أُمِّ الْكِتَابِ، لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي مَنْ حَادَّنِي وَشَاقَّنِي. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
٢٢ ‏/ ٤٩٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ ﴿كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي﴾ [المجادلة: ٢١] الْآيَةُ، قَالَ: كَتَبَ اللَّهُ كِتَابًا وَأَمْضَاهُ
٢٢ ‏/ ٤٩٣
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ [الحديد: ٢٥] يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ذُو قُوَّةٍ وَقُدْرَةٍ عَلَى كُلِّ مَنْ حَادَّهُ، وَرَسُولَهُ أَنْ يُهْلِكَهُ، ذُو عِزَّةٍ فَلَا يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَنْتَصِرَ مِنْهُ إِذَا هُوَ أَهْلَكَ وَلِيَّهُ، أَوْ عَاقَبَهُ، أَوْ أَصَابَهُ فِي نَفْسِهِ بِسُوءٍ.
٢٢ ‏/ ٤٩٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [المجادلة: ٢٢] يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ [المجادلة: ٢٢] لَا تَجِدُ يَا مُحَمَّدُ قَوْمًا يُصَدِّقُونَ اللَّهَ، وَيُقِرُّونَ بِالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَشَاقَّهُمَا وَخَالَفَ أَمْرَ اللَّهِ وَنَهْيَهُ ﴿وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ﴾ [المجادلة: ٢٢] يَقُولُ: وَلَوْ كَانَ الَّذِينَ حَادُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴿آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ
٢٢ ‏/ ٤٩٣
إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ﴾ [المجادلة: ٢٢] وَإِنَّمَا أَخْبَرَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ نَبِيَّهُ عليه الصلاة والسلام بِهَذِهِ الْآيَةِ ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ﴾ [المجادلة: ١٤] لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ، فَلِذَلِكَ تَوَلَّوُا الَّذِينَ تَوَلَّوْهُمْ مِنَ الْيَهُودِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
٢٢ ‏/ ٤٩٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ [المجادلة: ٢٢] لَا تَجِدُ يَا مُحَمَّدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، ﴿يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ [المجادلة: ٢٢]: أَيْ مَنْ عَادَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ
٢٢ ‏/ ٤٩٤
وَقَوْلُهُ: ﴿أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ﴾ [المجادلة: ٢٢] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ لَا يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ، أَوْ أَبْنَاءَهُمْ، أَوْ إِخْوَانَهُمْ، أَوْ عَشِيرَتَهُمْ، كَتَبَ اللَّهُ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ، وَإِنَّمَا عُنِيَ بِذَلِكَ: قَضَى لِقُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ. فَـ «فِي» بِمَعْنَى اللَّامِ، وَأَخْبَرَ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَنَّهُ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ لَهُمْ، وَذَلِكَ لَمَّا كَانَ الْإِيمَانُ بِالْقُلُوبِ، وَكَانَ مَعْلُومًا بِالْخَبَرِ عَنِ الْقُلُوبِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَهْلُهَا، اجْتَزَى بِذِكْرِهَا مِنْ ذِكْرِ أَهْلِهَا.
٢٢ ‏/ ٤٩٤
وَقَوْلُهُ: ﴿وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ﴾ [المجادلة: ٢٢] يَقُولُ: وَقَوَّاهُمْ بِبُرْهَانٍ مِنْهُ وَنُورٍ وَهُدًى. يَقُولُ: ﴿وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ﴾ [المجادلة: ٢٢] يَقُولُ: وَيُدْخِلُهُمْ بَسَاتِينَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِ أَشْجَارِهَا الْأَنْهَارُ. ﴿خَالِدِينَ فِيهَا﴾ [البقرة: ١٦٢] يَقُولُ: مَاكِثِينَ فِيهَا أَبَدًا. ﴿رضي الله عنهم﴾ [المائدة: ١١٩] بِطَاعَتِهِمْ إِيَّاهُ فِي الدُّنْيَا ﴿وَرَضُوا عَنْهُ﴾ [المائدة: ١١٩] فِي الْآخِرَةِ بِإِدْخَالِهِ إِيَّاهُمُ الْجَنَّةَ. ﴿أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ﴾ [المجادلة: ٢٢] يَقُولُ: أُولَئِكَ الَّذِينَ هَذِهِ صِفَتُهُمْ جُنْدُ اللَّهِ ⦗٤٩٥⦘ وَأَوْلِيَاؤُهُ. ﴿أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ﴾ [المجادلة: ٢٢] يَقُولُ: أَلَا إِنَّ جُنْدَ اللَّهِ وَأَوْلِيَاءَهُ. ﴿هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [البقرة: ٥] يَقُولُ: هُمُ الْبَاقُونَ الْمُنْجَحُونَ بِإِدْرَاكِهِمْ مَا طَلَبُوا، وَالْتَمَسُوا بِبَيْعَتِهِمْ فِي الدُّنْيَا، وَطَاعَتِهِمْ رَبَّهُمْ.

عن معز نوني

متحصّل على شهادة ختم الدروس للمعهد الأعلى لتكوين المعلمين بقفصة دفعة 2000، يعمل حاليًّا أستاذ مدارس إبتدائية

شاهد أيضاً

سُورَةُ الْفَاتِحَةِ

مَكِّيَّةٌ وَآيَاتُهَا سَبْعٌ ١ ‏/ ١١١ ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ [الفاتحة: ١] الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ …