سُورَةُ الْمُؤْمِنُونَ 2

كَالَّذِي: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ﴾ [المؤمنون: ٩٨] «فِي شَيْءٍ مِنْ أَمْرِي»
١٧ ‏/ ١٠٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ [المؤمنون: ١٠٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الْمَوْتُ، وَعَايَنَ نُزُولَ ⦗١٠٧⦘ أَمْرِ اللَّهِ بِهِ قَالَ لِعَظِيمِ مَا يُعَايِنُ مِمَّا يَقْدَمُ عَلَيْهِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ تَنَدُّمًا عَلَى مَا فَاتَ، وَتَلَهُّفًا عَلَى مَا فَرَّطَ فِيهِ قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ، وَمَسْأَلَتِهِ لِلْإِقَالَةِ: ﴿رَبِّ ارْجِعُونِ﴾ [المؤمنون: ٩٩] إِلَى الدُّنْيَا فَرُدُّونِي إِلَيْهَا، ﴿لِعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا﴾ [المؤمنون: ١٠٠] يَقُولُ: كَيْ أَعْمَلَ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ قَبْلَ الْيَوْمِ مِنَ الْعَمَلِ فَضَيَّعْتُهُ وَفَرَّطْتُ فِيهِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٧ ‏/ ١٠٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ، قَالَ: كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ يَقْرَأُ عَلَيْنَا: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ﴾ [المؤمنون: ٩٩] قَالَ مُحَمَّدٌ: «إِلَى أَيِّ شَيْءٍ يُرِيدُ؟ إِلَى أَيِّ شَيْءٍ يَرْغَبُ؟ أَجَمْعُ الْمَالِ، أَوْ غَرْسُ الْغِرَاسِ، أَوْ بَنْي بُنْيَانٍ، أَوْ شَقُّ أَنْهَارٍ؟ ثُمَّ يَقُولُ: ﴿لِعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ﴾ [المؤمنون: ١٠٠] يَقُولُ الْجَبَّارُ: ﴿كَلَّا﴾ [المؤمنون: ١٠٠]»
١٧ ‏/ ١٠٧
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿رَبِّ ارْجِعُونِ﴾ [المؤمنون: ٩٩] قَالَ: هَذِهِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، أَلَا تَرَاهُ يَقُولُ: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ﴾ [المؤمنون: ٩٩] قَالَ: حِينَ تَنْقَطِعُ الدُّنْيَا وَيُعَايِنُ الْآخِرَةَ، قَبْلَ أَنْ يَذُوقَ الْمَوْتَ “
١٧ ‏/ ١٠٧
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ لِعَائِشَةَ: «إِذَا عَايَنَ الْمُؤْمِنُ الْمَلَائِكَةَ قَالُوا: نُرْجِعُكَ إِلَى الدُّنْيَا؟ فَيَقُولُ: إِلَى دَارِ الْهُمُومِ وَالْأَحْزَانِ؟ فَيَقُولُ: بَلْ قَدِّمَانِي إِلَى اللَّهِ. وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيُقَالُ: نُرْجِعُكَ؟ فَيَقُولُ: لِعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا ⦗١٠٨⦘ تَرَكْتُ.» الْآيَةُ
١٧ ‏/ ١٠٧
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ﴾ [المؤمنون: ٩٩] «يَعْنِي أَهْلَ الشِّرْكِ» وَقِيلَ: ﴿رَبِّ ارْجِعُونِ﴾ [المؤمنون: ٩٩]، فَابْتَدَأَ الْكَلَامَ بِخِطَابِ اللَّهِ تَعَالَى، ثُمَّ قِيلَ: ﴿ارْجِعُونِ﴾ [المؤمنون: ٩٩]، فَصَارَ إِلَى خِطَابِ الْجَمَاعَةِ، وَاللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ وَاحِدٌ. وَإِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، لِأَنَّ مَسْأَلَةَ الْقَوْمِ الرَّدَّ إِلَى الدُّنْيَا إِنَّمَا كَانَتْ مِنْهُمْ لِلْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ يَقْبِضُونَ رُوحَهُمْ، كَمَا ذَكَرَ ابْنُ جُرَيْجٍ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَهُ. وَإِنَّمَا ابْتُدِئَ الْكَلَامُ بِخِطَابِ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ، لِأَنَّهُمُ اسْتَغَاثُوا بِهِ، ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى مَسْأَلَةِ الْمَلَائِكَةِ الرُّجُوعَ وَالرَّدَ إِلَى الدُّنْيَا. وَكَانَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ يَقُولُ: قِيلَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، لِأَنَّهُ مِمَّا جَرَى عَلَى وَصْفِ اللَّهِ نَفْسَهُ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا﴾ [مريم: ٩] فِي غَيْرِ مَكَانٍ مِنَ الْقُرْآنِ، فَجَرَى هَذَا عَلَى ذَاكَ
١٧ ‏/ ١٠٨
وَقَوْلُهُ: ﴿كَلَّا﴾ [النساء: ١٣٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: لَيْسَ الْأَمْرُ عَلَى مَا قَالَ هَذَا الْمُشْرِكُ؛ لَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا وَلَنْ يُعَادَ إِلَيْهَا
١٧ ‏/ ١٠٨
﴿إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا﴾ [المؤمنون: ١٠٠] يَقُولُ: هَذِهِ الْكَلِمَةُ، وَهُوَ قَوْلُهُ: ﴿رَبِّ ارْجِعُونِ﴾ [المؤمنون: ٩٩] كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا؛ يَقُولُ: هَذَا الْمُشْرِكُ هُوَ قَائِلُهَا
١٧ ‏/ ١٠٨
كَمَا حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿⦗١٠٩⦘ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا﴾ [المؤمنون: ١٠٠] «لَا بُدَّ لَهُ أَنْ يَقُولَهَا» ﴿وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ﴾ [المؤمنون: ١٠٠] يَقُولُ: «وَمِنْ أَمَامِهِمْ حَاجِزٌ يَحْجُزَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الرُّجُوعِ»، يَعْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ مِنْ قُبُورِهِمْ، وَذَلِكَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ؛ وَالْبَرْزَخُ وَالْحَاجِزُ وَالْمُهْلَةُ مُتَقَارِبَاتٌ فِي الْمَعْنَى وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٧ ‏/ ١٠٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ [المؤمنون: ١٠٠] يَقُولُ: «أَجَلٌ إِلَى حِينٍ»
١٧ ‏/ ١٠٩
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ﴾ [المؤمنون: ١٠٠] قَالَ: «مَا بَعْدَ الْمَوْتِ»
١٧ ‏/ ١٠٩
حَدَّثَنِي أَبُو حُمَيْدٍ الْحِمْصِيُّ أَحْمَدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ قَالَ: ثنا أَبُو حَيْوَةَ شُرَيْحُ بْنُ يَزِيدَ قَالَ: ثنا أَرْطَأَةُ، عَنْ أَبِي يُوسُفَ، قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ أَبِي أُمَامَةَ فِي جَنَازَةٍ، فَلَمَّا وُضِعَتْ فِي لَحْدِهَا قَالَ أَبُو أُمَامَةَ: «هَذَا بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ»
١٧ ‏/ ١٠٩
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثنا مَطَرٌ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ [المؤمنون: ١٠٠] قَالَ: «مَا بَيْنَ الْمَوْتِ إِلَى الْبَعْثِ»
١٧ ‏/ ١١٠
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثنا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثنا الْحَسَنُ قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ [المؤمنون: ١٠٠] قَالَ: «حِجَابٌ بَيْنَ الْمَيِّتِ وَالرُّجُوعِ إِلَى الدُّنْيَا» حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدِ مِثْلَهُ
١٧ ‏/ ١١٠
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ [المؤمنون: ١٠٠] قَالَ: بَرْزَخٌ: بَقِيَّةُ الدُّنْيَا ” حَدَّثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، مِثْلَهُ
١٧ ‏/ ١١٠
حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ [المؤمنون: ١٠٠] قَالَ: «الْبَرْزَخُ مَا بَيْنَ الْمَوْتِ إِلَى الْبَعْثِ»
١٧ ‏/ ١١٠
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ: «الْبَرْزَخُ: مَا بَيْنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ»
١٧ ‏/ ١١١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ﴾ [المؤمنون: ١٠١] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمَعْنِيِّ بِقَوْلِهِ: ﴿فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ﴾ [المؤمنون: ١٠١] مِنَ النَّفْخَتَيْنِ أَيَّتُهُمَا عُنِيَ بِهَا؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عُنِيَ بِهَا النَّفْخَةُ الْأُولَى
١٧ ‏/ ١١١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامُ بْنُ سَلْمٍ، قَالَ: ثنا عَمْرٌو عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، أَنَّ رَجُلًا، أَتَى ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ: «سَمِعْتُ اللَّهَ، يَقُولُ: ﴿فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ﴾ [المؤمنون: ١٠١] . الْآيَةَ، وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: ﴿وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ﴾ [الصافات: ٢٧]؟ فَقَالَ: أَمَّا قَوْلُهُ: ﴿فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ﴾ [المؤمنون: ١٠١] فَذَلِكَ فِي النَّفْخَةِ الْأُولَى، فَلَا يَبْقَى عَلَى الْأَرْضِ شَيْءٌ؛ ﴿فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ﴾ [المؤمنون: ١٠١] . وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ﴾ [الصافات: ٢٧] فَإِنَّهُمْ لَمَّا دَخَلُوا الْجَنَّةَ أَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ»
١٧ ‏/ ١١١
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ السُّدِّيِّ فِي قَوْلِهِ ⦗١١٢⦘: ﴿فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ﴾ [المؤمنون: ١٠١] قَالَ: «فِي النَّفْخَةِ الْأُولَى»
١٧ ‏/ ١١١
حَدَّثَنَا عَلِيُّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: ﴿فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ﴾ [المؤمنون: ١٠١] فَذَلِكَ حِينَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ، فَلَا حَيَّ يَبْقَى إِلَّا اللَّهُ. ﴿وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ﴾ [الصافات: ٢٧]، فَذَلِكَ إِذَا بُعِثُوا فِي النَّفْخَةِ الثَّانِيَةِ ” قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَمَعْنَى ذَلِكَ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ: فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ، فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ، فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَتَوَاصَلُونَ بِهَا، وَلَا يَتَسَاءَلُونَ، وَلَا يَتَزَاوَرُونَ، فَيَتَسَاءَلُونَ عَنْ أَحْوَالِهِمْ وَأَنْسَابِهِمْ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عُنِيَ بِذَلِكَ النَّفْخَةُ الثَّانِيَةُ
١٧ ‏/ ١١٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ هَارُونَ بْنِ أَبِي وَكِيعٍ، قَالَ: سَمِعْتُ زَاذَانَ يَقُولُ: أَتَيْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ وَقَدِ اجْتَمَعَ النَّاسُ إِلَيْهِ فِي دَارِهِ، فَلَمْ أَقْدِرْ عَلَى مَجْلِسٍ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، مِنْ أَجْلِ أَنِّي رَجُلٌ مِنَ الْعَجَمِ تَحْقِرُنِي؟ قَالَ: ادْنُ قَالَ: فَدَنَوْتُ، فَلَمْ يَكُنْ بَيْنِي وَبَيْنَهُ جَلِيسٌ، فَقَالَ: «يُؤْخَذُ بِيَدِ الْعَبْدِ أَوِ الْأَمَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رُءُوسِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ قَالَ: وَيُنَادِي مُنَادٍ: أَلَا إِنَّ هَذَا فُلَانُ ابْنُ فُلَانٍ، فَمَنْ كَانَ لَهُ حَقٌّ قِبَلَهُ فَلْيَأْتِ إِلَى حَقِّهِ قَالَ: فَتَفْرَحُ الْمَرْأَةُ يَوْمَئِذٍ ⦗١١٣⦘ أَنْ يَكُونَ لَهَا حَقٌّ عَلَى ابْنِهَا أَوْ عَلَى أَبِيهَا، أَوْ عَلَى أَخِيهَا، أَوْ عَلَى زَوْجِهَا؛ ﴿فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ﴾ [المؤمنون: ١٠١]»
١٧ ‏/ ١١٢
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنْ هَارُونَ بْنِ عَنْتَرَةَ، عَنْ زَاذَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ، يَقُولُ: «يُؤْخَذُ الْعَبْدُ أَوِ الْأَمَةُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُنْصَبُ عَلَى رُءُوسِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ، ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَهُ، وَزَادَ فِيهِ: فَيَقُولُ الرَّبُّ تبارك وتعالى لِلْعَبْدِ: أَعْطِ هَؤُلَاءِ حُقُوقَهُمْ فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ، فَنِيَتِ الدُّنْيَا، فَمِنْ أَيْنَ أُعْطِيهِمْ؟ فَيَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ: خُذُوا مِنْ أَعْمَالِهِ الصَّالِحَةِ، وَأَعْطُوا لِكُلِّ إِنْسَانٍ بِقَدْرِ طِلْبَتِهِ فَإِنْ كَانَ لَهُ فَضْلُ مِثْقَالِ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ، ضَاعَفَهَا اللَّهُ لَهُ حَتَّى يُدْخِلَهُ بِهَا الْجَنَّةَ. ثُمَّ تَلَا ابْنُ مَسْعُودٍ: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ [النساء: ٤٠]، وَإِنْ كَانَ عَبْدًا شَقِيًّا قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ: رَبَّنَا، فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ، وَبَقِيَ طَالِبُونَ كَثِيرٌ، فَيَقُولُ: خُذُوا مِنْ أَعْمَالِهِمُ السَّيِّئَةِ فَأَضِيفُوهَا إِلَى سَيِّئَاتِهِ، وَصُكُّوا لَهُ صَكًّا إِلَى النَّارِ»
١٧ ‏/ ١١٣
قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ: ﴿فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ﴾ [المؤمنون: ١٠١] قَالَ: «لَا يَسْأَلُ أَحَدٌ يَوْمَئِذٍ بِنَسَبٍ شَيْئًا، وَلَا يَتَسَاءَلُونَ، وَلَا يَمُتُّ إِلَيْهِ بِرَحِمٍ»
١٧ ‏/ ١١٣
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، عَنْ حَفْصِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: «لَيْسَ شَيْءٌ أَبْغَضَ إِلَى الْإِنْسَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ أَنْ يَرَى مَنْ يَعْرِفُهُ، مَخَافَةَ أَنْ يَدُورَ لَهُ عَلَيْهِ شَيْءٌ. ثُمَّ قَرَأَ: ﴿يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ﴾ [عبس: ٣٥]»
١٧ ‏/ ١١٤
قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثنا الْحَكَمُ بْنُ سِنَانٍ، عَنْ سَدُوسٍ صَاحِبِ السَّابِرِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ وَأَهْلُ النَّارِ النَّارَ، نَادَى مُنَادٍ مِنْ أَهْلِ الْعَرْشِ: يَا أَهْلَ التَّظَالُمِ تَدَارَكُوا مَظَالِمَكُمْ وَادْخُلُوا الْجَنَّةَ»
١٧ ‏/ ١١٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ﴾ [المؤمنون: ١٠٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ﴾ [الأعراف: ٨] مَوَازِينُ حَسَنَاتِهِ، وَخَفَّتْ مَوَازِينُ سَيِّئَاتِهِ ﴿فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [الأعراف: ٨] يَعْنِي: الْخَالِدُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ⦗١١٥⦘. ﴿وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ﴾ [الأعراف: ٩] يَقُولُ: وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِيُنُ حَسَنَاتِهِ، فَرَجَحَتْ بِهَا مَوَازِينَ سَيِّئَاتِهِ. ﴿فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ﴾ [الأعراف: ٩] يَقُولُ: غَبَنُوا أَنْفُسَهُمْ حُظُوظَهَا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ. ﴿فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ﴾ [المؤمنون: ١٠٣] يَقُولُ: هُمْ فِي نَارِ جَهَنَّمَ. وَقَوْلُهُ: ﴿تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ﴾ [المؤمنون: ١٠٤] يَقُولُ: تَسْفَعُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ
١٧ ‏/ ١١٤
كَمَا حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ﴿تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ﴾ [المؤمنون: ١٠٤] قَالَ: «تَنْفَحُ» ﴿وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ﴾ [المؤمنون: ١٠٤] وَالْكُلُوحُ: أَنْ تَتَقَلَّصَ الشَّفَتَانِ عَنِ الْأَسْنَانِ حَتَّى تَبْدُوَ الْأَسْنَانُ، كَمَا قَالَ الْأَعْشَى:
[البحر الرمل] وَلَهُ الْمُقْدَمُ لَا مِثْلَ لَهُ … سَاعَةَ الشِّدْقُ عَنِ النَّابِ كَلَحْ
فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ: يَسْفَعُ وُجُوهَهُمْ لَهَبُ النَّارِ فَتَحْرِقُهَا، وَهُمْ فِيهَا مُتَقَلِّصُو الشِّفَاهِ عَنِ الْأَسْنَانِ مِنْ إِحْرَاقِ النَّارِ وُجُوهَهُمْ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٧ ‏/ ١١٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي عَلِيُّ قَالَ: ثني عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ⦗١١٦⦘ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ﴾ [المؤمنون: ١٠٤] يَقُولُ: «عَابِسُونَ»
١٧ ‏/ ١١٥
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: ثنا يَحْيَى، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَا: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ﴾ [المؤمنون: ١٠٤] قَالَ: «أَلَمْ تَرَ إِلَى الرَّأْسِ الْمَشِيطِ قَدْ بَدَتْ أَسْنَانُهُ وَقَلَصَتْ شَفَتَاهُ؟»
١٧ ‏/ ١١٦
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ﴾ [المؤمنون: ١٠٤] الْآيَةَ قَالَ: «أَلَمْ تَرَ إِلَى الرَّأْسِ الْمَشِيطِ بِالنَّارِ، وَقَدْ قَلَصَتْ شَفَتَاهُ، وَبَدَتْ أَسْنَانُهُ؟»
١٧ ‏/ ١١٦
حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ﴾ [المؤمنون: ١٠٤] قَالَ: «أَلَمْ تَرَ إِلَى الْغَنَمِ إِذَا مَسَّتِ النَّارُ وُجُوهَهَا كَيْفَ هِيَ؟»
١٧ ‏/ ١١٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ﴾ [المؤمنون: ١٠٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: يُقَالُ لَهُمْ: ﴿أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ﴾ [المؤمنون: ١٠٥] يَعْنِي آيَاتِ الْقُرْآنِ تُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الدُّنْيَا، ﴿فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ﴾ [المؤمنون: ١٠٥] . وَتَرَكَ ذِكْرَ «يُقَالُ» لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ
١٧ ‏/ ١١٦
﴿قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا﴾ [المؤمنون: ١٠٦] اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ وَبَعْضُ أَهْلِ الْكُوفَةِ: ﴿غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا﴾ [المؤمنون: ١٠٦] بِكَسْرِ الشِّينِ، وَبِغَيْرِ أَلِفٍ. وَقَرَأْتُهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْكُوفَةِ: «شَقَاوَتُنَا» بِفَتْحِ الشِّينِ، وَالْأَلِفِ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ، وَقَرَأَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عُلَمَاءٌ مِنَ الْقُرَّاءِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ. وَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ: قَالُوا: رَبَّنَا غَلَبَ عَلَيْنَا مَا سَبَقَ لَنَا فِي سَابِقِ عِلْمِكَ، وَخُطَّ لَنَا فِي أُمِّ الْكِتَابِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٧ ‏/ ١١٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا﴾ [المؤمنون: ١٠٦] قَالَ: «الَّتِي كُتِبَتْ عَلَيْنَا»
١٧ ‏/ ١١٧
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثنا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثنا الْحَسَنُ قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلُهُ: ﴿غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا﴾ [المؤمنون: ١٠٦] «الَّتِي كُتِبَتْ عَلَيْنَا» ⦗١١٨⦘ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٧ ‏/ ١١٧
وَقَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: بَلَغَنَا «أَنَّ أَهْلَ النَّارِ نَادَوْا خَزَنَةَ جَهَنَّمَ: أَنِ ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ﴾ [غافر: ٤٩]، فَلَمْ يُجِيبُوهُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ؛ فَلَمَّا أَجَابُوهُمْ بَعْدَ حِينٍ قَالُوا: ﴿ادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ﴾، قَالَ: ثُمَّ نَادَوْا مَالِكًا: ﴿يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ﴾ [الزخرف: ٧٧] فَسَكَتَ عَنْهُمْ مَالِكٌ خَازِنُ جَهَنَّمَ أَرْبَعِينَ سَنَةً، ثُمَّ أَجَابَهُمْ فَقَالَ: ﴿إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ﴾ [الزخرف: ٧٧]، ثُمَّ نَادَى الْأَشْقِيَاءُ رَبَّهُمْ، فَقَالُوا: ﴿رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ﴾ [المؤمنون: ١٠٧] فَسَكَتَ عَنْهُمْ مِثْلَ مِقْدَارِ الدُّنْيَا، ثُمَّ أَجَابَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ تبارك وتعالى: ﴿اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ﴾»
١٧ ‏/ ١١٨
قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: «يُنَادِي أَهْلُ النَّارِ أَهْلَ الْجَنَّةِ فَلَا يُجِيبُونَهُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ يَقُولُ: أَجِيبُوهُمْ وَقَدْ قَطَعَ الرَّحِمَ وَالرَّحْمَةَ. فَيَقُولُ أَهْلُ الْجَنَّةِ: يَا أَهْلَ النَّارِ عَلَيْكُمْ غَضَبُ اللَّهِ يَا أَهْلَ النَّارِ عَلَيْكُمْ لَعْنَةُ اللَّهِ يَا أَهْلَ النَّارِ، لَا لَبَّيْكُمْ، وَلَا سَعْدَيْكُمْ مَاذَا تَقُولُونَ؟ فَيَقُولُونَ: أَلَمْ نَكُ فِي الدُّنْيَا آبَاءَكُمْ وَأَبْنَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ وَعَشِيرَتَكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: بَلَى. فَيَقُولُونَ: ﴿أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ [الأعراف: ٥٠]»
١٧ ‏/ ١١٨
قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، قَالَ: وَثَنِي عَبْدَةُ الْمَرْوَزِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ عُمَرُ بْنِ أَبِي لَيْلَى، قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ كَعْبٍ، زَادَ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ: «بَلَغَنِي أَوْ ذُكِرَ لِي، أَنَّ أَهْلَ النَّارِ اسْتَغَاثُوا بِالْخَزَنَةِ، ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ فَرَدُّوا عَلَيْهِمْ مَا قَالَ اللَّهُ؛ فَلَمَّا أَيِسُوا نَادَوْا: يَا مَالِكُ وَهُوَ عَلَيْهِمْ، وَلَهُ مَجْلِسٌ فِي وَسَطِهَا، وَجُسُورٌ تَمُرُّ عَلَيْهَا مَلَائِكَةُ الْعَذَابِ، فَهُوَ يَرَى أَقْصَاهَا كَمَا يَرَى أَدْنَاهَا فَقَالُوا: يَا مَالِكُ، لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ سَأَلُوا الْمَوْتَ. فَمَكَثَ لَا يُجِيبُهُمْ ثَمَانِينَ أَلْفَ سَنَةٍ مِنْ سِنِيِّ الْآخِرَةِ، أَوْ كَمَا قَالَ، ثُمَّ انْحَطَّ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ: ﴿إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ﴾ [الزخرف: ٧٧] فَلَمَّا سَمِعُوا ذَلِكَ، قَالُوا: فَاصْبِرُوا، فَلَعَلَّ الصَّبْرَ يَنْفَعُنَا كَمَا صَبَرَ أَهْلُ الدُّنْيَا عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ قَالَ: فَصَبَرُوا، فَطَالَ صَبْرُهُمْ، فَنَادَوْا: ﴿سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصِ﴾ [إبراهيم: ٢١] أَيْ: مَنْجًى، فَقَامَ إِبْلِيسُ عِنْدَ ذَلِكَ فَخَطَبَهُمْ، فَقَالَ: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ﴾ [إبراهيم: ٢٢]، فَلَمَّا سَمِعُوا مَقَالَتَهُمْ، مَقَتُوا أَنْفُسَهُمْ قَالَ: فَنُودُوا: ﴿لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا.﴾ [غافر: ١١] الْآيَةَ قَالَ: فَيُجِيبُهُمُ اللَّهُ فِيهَا: ﴿ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ ⦗١٢٠⦘ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ﴾ [غافر: ١٢] . قَالَ: فَيَقُولُونَ: مَا أَيِسْنَا بَعْدُ قَالَ: ثُمَّ دَعَوْا مَرَّةً أُخْرَى، فَيَقُولُونَ: ﴿رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ﴾ [السجدة: ١٢] قَالَ: فَيَقُولُ الرَّبُّ تبارك وتعالى: ﴿وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا﴾ [السجدة: ١٣] يَقُولُ الرَّبُّ: لَوْ شِئْتُ لَهَدَيْتُ النَّاسَ جَمِيعًا، فَلَمْ يَخْتَلِفْ مِنْهُمْ أحَدٌ ﴿وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا﴾ [السجدة: ١٣] يَقُولُ: بِمَا تَرَكْتُمْ أَنْ تَعْمَلُوا لِيَوْمِكُمْ هَذَا، ﴿إِنَّا نَسِينَاكُمْ﴾ [السجدة: ١٤] أَيْ: تَرَكْنَاكُمْ، ﴿وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [السجدة: ١٤] قَالَ: فَيَقُولُونَ: مَا أَيِسْنَا بَعْدُ قَالَ: فَيَدْعُونَ مَرَّةً أُخْرَى: ﴿رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ﴾ [إبراهيم: ٤٤] قَالَ: فَيُقَالُ لَهُمْ: ﴿أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ﴾ [إبراهيم: ٤٤] الْآيَةَ قَالَ: فَيَقُولُونَ: مَا أَيِسْنَا بَعْدُ ثُمَّ قَالُوا مَرَّةً أُخْرَى: ﴿رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ﴾ [فاطر: ٣٧] قَالَ: فَيَقُولُ: ﴿أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ.﴾ [فاطر: ٣٧] إِلَى: ﴿نَصِيرٍ﴾ [فاطر: ٣٧] . ثُمَّ مَكَثَ عَنْهُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ نَادَاهُمْ: ﴿أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ﴾ [المؤمنون: ١٠٥] فَلَمَّا سَمِعُوا ذَلِكَ، قَالُوا: الْآنَ يَرْحَمُنَا فَقَالُوا عِنْدَ ذَلِكَ: ﴿رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا﴾ [المؤمنون: ١٠٦] أَيِ الْكِتَابَ الَّذِي كُتِبَ عَلَيْنَا ﴿وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا.﴾ [المؤمنون: ١٠٦] الْآيَةَ، فَقَالَ عِنْدَ ذَلِكَ: ﴿اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ﴾ قَالَ: فَلَا يَتَكَلَّمُونَ فِيهَا أَبَدًا. فَانْقَطَعَ عِنْدَ ذَلِكَ الدُّعَاءُ وَالرَّجَاءُ ⦗١٢١⦘ مِنْهُمْ، وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ يَنْبَحُ فِي وَجْهِ بَعْضٍ، فَأُطْبِقَتْ عَلَيْهِمْ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ فِي حَدِيثِهِ: فَحَدَّثَنِي الْأَزْهَرُ بْنُ أَبِي الْأَزْهَرِ أَنَّهُ قَالَ: فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ﴾ [المرسلات: ٣٥]»
١٧ ‏/ ١١٩
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّهُ قَالَ: «فَوَالَّذِي أَنْزَلَ الْقُرْآنَ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَالتَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى، وَالْإِنْجِيلَ عَلَى عِيسَى، مَا تَكَلَّمَ أَهْلُ النَّارِ كَلِمَةً بَعْدَهَا إِلَّا الشَّهِيقَ، وَالزَّعِيقَ فِي الْخُلْدِ أَبَدًا، لَيْسَ لَهُ نَفَادٌ»
١٧ ‏/ ١٢١
قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ، قَالَ: كُنَّا فِي جَنَازَةٍ، وَمَعَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الْقَارِئُ، فَجَلَسْنَا، فَتَنَحَّى أَبُو جَعْفَرٍ، فَبَكَى، فَقِيلَ لَهُ: مَا يُبْكِيكَ يَا أَبَا جَعْفَرٍ؟ قَالَ: أَخْبَرَنِي زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ «أَنَّ أَهْلَ النَّارِ لَا يَتَنَفَّسُونَ»
١٧ ‏/ ١٢١
وَقَوْلُهُ: ﴿وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ﴾ [المؤمنون: ١٠٦] يَقُولُ: كُنَّا قَوْمًا ضَلَلْنَا عَنْ سَبِيلِ الرَّشَادِ، وَقَصْدِ الْحَقِّ
١٧ ‏/ ١٢١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ ⦗١٢٢⦘ قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُخْبِرًا عَنْ قِيلِ الَّذِينَ خَفَّتْ مَوَازِيُنُ صَالِحِ أَعْمَالِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي جَهَنَّمَ: رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنَ النَّارِ، فَإِنْ عُدْنَا لِمَا تَكْرَهُ مِنَّا مِنْ عَمَلٍ فَإِنَّا ظَالِمُونَ
١٧ ‏/ ١٢١
وَقَوْلُهُ: ﴿قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ الرَّبُّ لَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ مُجِيبًا: ﴿اخْسَئُوا فِيهَا﴾ أَيِ اقْعُدُوا فِي النَّارِ. يُقَالُ مِنْهُ: خَسَأْتُ فُلَانًا أَخْسَؤُهُ خَسْأً وَخُسُوءًا، وَخَسِئَ هُوَ يَخْسَأُ، وَمَا كَانَ خَاسِئًا، وَلَقَدْ خَسِئَ. ﴿وَلَا تُكَلِّمُونَ﴾ [المؤمنون: ١٠٨] فَعِنْدَ ذَلِكَ أَيِسَ الْمَسَاكِينُ مِنَ الْفَرَجِ، وَلَقَدْ كَانُوا طَامِعِينَ فِيهِ كَمَا
١٧ ‏/ ١٢٢
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، قَالَ: ثني أَبُو الزَّعْرَاءِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ فِي قِصَّةٍ ذَكَرَهَا فِي الشَّفَاعَةِ قَالَ: «فَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَلَّا يُخْرِجَ مِنْهَا يَعْنِي مِنَ النَّارِ أَحَدًا، غَيَّرَ وُجُوهَهُمْ وَأَلْوَانَهَا، فَيَجِيءُ الرَّجُلُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَيَشْفَعُ فِيهِمْ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ فَيَقُولُ: مَنْ عَرَفَ أَحَدًا فَلْيُخْرِجْهُ قَالَ: فَيَجِيءُ الرَّجُلُ فَيَنْظُرُ فَلَا يَعْرِفُ أَحَدًا، فَيَقُولُ: يَا فُلَانُ، يَا فُلَانُ فَيَقُولُ: مَا أَعْرِفُكَ. فَعِنْدَ ذَلِكَ يَقُولُونَ: ﴿رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ﴾ [المؤمنون: ١٠٧] فَيَقُولُ: ﴿اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ﴾ فَإِذَا قَالُوا ذَلِكَ، انْطَبَقَتْ عَلَيْهِمْ جَهَنَّمُ فَلَا يَخْرُجُ مِنْهَا بَشَرٌ»
١٧ ‏/ ١٢٢
حَدَّثَنَا تَمِيمُ بْنُ الْمُنْتَصِرِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ مَعْدِي كَرِبَ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: «يُرْسَلُ أَوْ يُصَبُّ عَلَى أَهْلِ النَّارِ الْجُوعُ، فَيَعْدِلُ مَا هُمْ فِيهِ مِنَ الْعَذَابِ، فَيَسْتَغِيثُونَ فَيُغَاثُونَ بِالضَّرِيعِ الَّذِي لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ، فَلَا يُغْنِي ذَلِكَ عَنْهُمْ شَيْئًا فَيَسْتَغِيثُونَ، فَيُغَاثُونَ بِطَعَامٍ ذِي غُصَّةٍ، فَإِذَا أَكَلُوهُ نَشِبَ فِي حُلُوقِهِمْ، فَيَذْكُرُونَ أَنَّهُمْ كَانُوا فِي الدُّنْيَا يَحْدِرُونَ الْغُصَّةَ بِالْمَاءِ. فَيَسْتَغِيثُونَ، فَيُرْفَعُ إِلَيْهِمُ الْحَمِيمُ فِي كَلَالِيبِ الْحَدِيدِ، فَإِذَا انْتَهَى إِلَى وُجُوهِهِمْ شَوَى وُجُوهَهُمْ، فَإِذَا شَرِبُوهُ قَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ. قَالَ: فَيُنَادُونَ مَالِكًا: لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ: فَيَتْرُكُهُمْ أَلْفَ سَنَةٍ، ثُمَّ يُجِيبُهُمْ: إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ. قَالَ: فَيُنَادُونَ خَزَنَةَ جَهَنَّمَ: ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ قَالُوا: أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ؟ قَالُوا: بَلَى. قَالُوا: فَادْعُوا، وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ قَالَ: فَيَقُولُونَ مَا نَجِدُ أَحَدًا خَيْرًا لَنَا مِنْ رَبِّنَا، فَيُنَادُونَ رَبَّهُمْ: ﴿رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ﴾ [المؤمنون: ١٠٧] قَالَ: فَيَقُولُ اللَّهُ: ﴿اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ﴾ قَالَ: فَعِنْدَ ذَلِكَ يَئِسُوا مِنْ كُلِّ خَيْرٍ، فَيَدْعُونَ بِالْوَيْلِ وَالشَّهِيقِ وَالثُّبُورِ»
١٧ ‏/ ١٢٣
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُمَارَةَ الْأَسَدِيُّ قَالَ: ثنا عَاصِمُ بْنُ يُوسُفَ الْيَرْبُوعِيُّ قَالَ: ⦗١٢٤⦘ ثنا قُطْبَةُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْأَسَدِيُّ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ شِمْرِ بْنِ عَطِيَّةَ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «يُلْقَى عَلَى أَهْلِ النَّارِ الْجُوعُ»، ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوًا مِنْهُ “
١٧ ‏/ ١٢٣
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: ثنا يَعْقُوبُ الْقُمِّيُّ، عَنْ هَارُونَ بْنِ عَنْتَرَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، قَالَ: «يَرَى أَهْلُ النَّارِ فِي كُلِّ سَبْعِينَ عَامًا سَاقَ مَالِكٍ خَازِنِ النَّارِ، فَيَقُولُونَ: ﴿يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ﴾ [الزخرف: ٧٧] فَيُجِيبُهُمْ بِكَلِمَةٍ. ثُمَّ لَا يَرَوْنَهُ سَبْعِينَ عَامًا، فَيَسْتَغِيثُونَ بِالْخَزَنَةِ، فَيَقُولُونَ لَهُمُ: ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ فَيُجِيبُونَهُمْ: ﴿أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ﴾ [غافر: ٥٠] الْآيَةَ. فَيَقُولُونَ: ادْعُوا رَبَّكُمْ، فَلَيْسَ أَحَدٌ أَرْحَمَ مِنْ رَبِّكُمْ فَيَقُولُونَ: ﴿رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ﴾ [المؤمنون: ١٠٧] . قَالَ: فَيُجِيبُهُمْ: ﴿اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ﴾ . فَعِنْدَ ذَلِكَ يَيْأَسُونَ مِنْ كُلِّ خَيْرٍ، وَيَأْخُذُونَ فِي الشَّهِيقِ وَالْوَيْلِ وَالثُّبُورِ»
١٧ ‏/ ١٢٤
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ﴾ قَالَ: «بَلَغَنِي أَنَّهُمْ يُنَادُونَ مَالِكًا فَيَقُولُونَ: لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ فَيَسْكُتُ عَنْهُمْ قَدْرَ أَرْبَعِينَ سَنَةً، ثُمَّ يَقُولُ: ﴿إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ﴾ [الزخرف: ٧٧]». قَالَ: «ثُمَّ يُنَادُونَ رَبَّهُمْ، فَيَسْكُتُ عَنْهُمْ قَدْرَ الدُّنْيَا مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ يَقُولُ: ﴿اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ﴾». قَالَ: «فَيَيْأَسُ الْقَوْمُ، فَلَا يَتَكَلَّمُونَ بَعْدَهَا كَلِمَةً، وَكَانَ إِنَّمَا هُوَ الزَّفِيرُ وَالشَّهِيقُ» قَالَ قَتَادَةُ: «صَوْتُ الْكَافِرِ فِي النَّارِ مِثْلُ صَوْتِ الْحِمَارِ: أَوَّلُهُ زَفِيرٌ، وَآخِرَهُ ⦗١٢٥⦘ شَهِيقٌ» حَدَّثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، مِثْلَهُ
١٧ ‏/ ١٢٤
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عِيسَى، قَالَ: أَخْبَرَنِي زِيَادٌ الْخُرَاسَانِيُّ، قَالَ: أَسْنَدَهُ إِلَى بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ، فَنُسِّيتُهُ، فِي قَوْلِهِ: ﴿اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ﴾ قَالَ: فَيَسْكُتُونَ، قَالَ: فَلَا يُسْمَعُ فِيهَا حِسٌّ إِلَّا كَطَنِينِ الطَّسْتِ “
١٧ ‏/ ١٢٥
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ﴾ «هَذَا قَوْلُ الرَّحْمَنِ عز وجل، حِينَ انْقَطَعَ كَلَامُهُمْ مِنْهُ»
١٧ ‏/ ١٢٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ﴾ [المؤمنون: ١٠٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿إِنَّهُ﴾ [البقرة: ٣٧] وَهَذِهِ الْهَاءُ فِي قَوْلِهِ «إِنَّهُ» هِيَ الْهَاءُ الَّتِي يُسَمِّيهَا أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ الْمَجْهُولَةَ. وَقَدْ بَيَّنْتُ مَعْنَاهَا فِيمَا مَضَى قَبْلُ، وَمَعْنَى دُخُولِهَا فِي الْكَلَامِ، بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ. ﴿كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي ⦗١٢٦⦘﴾ [المؤمنون: ١٠٩] يَقُولُ: كَانَتْ جَمَاعَةٌ مِنْ عِبَادِي، وَهُمْ أَهْلُ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ، يَقُولُونَ فِي الدُّنْيَا: ﴿رَبَّنَا آمَنَّا﴾ [آل عمران: ٥٣] بِكَ وَبِرُسُلِكَ، وَمَا جَاءُوا بِهِ مِنْ عِنْدَكَ؛ فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ مَنْ رَحِمَ أَهْلَ الْبَلَاءِ، فَلَا تُعَذِّبْنَا بِعَذَابِكَ
١٧ ‏/ ١٢٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ﴾ [المؤمنون: ١١١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَاتَّخَذْتُمْ أَيُّهَا الْقَائِلُونَ لِرَبِّهِمْ ﴿رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ﴾ [المؤمنون: ١٠٦] فِي الدُّنْيَا، الْقَائِلِينَ فِيهَا ﴿رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ﴾ [المؤمنون: ١٠٩] سِخْرِيًّا. وَالْهَاءُ وَالْمِيمُ فِي قَوْلِهِ: ﴿فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ﴾ [المؤمنون: ١١٠] مِنْ ذِكْرِ الْفَرِيقِ. وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿سِخْرِيًّا﴾ [المؤمنون: ١١٠] فَقَرَأَهُ بَعْضُ قُرَّاءِ الْحِجَازِ وَبَعْضُ أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَالْكُوفَةِ: ﴿فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا﴾ [المؤمنون: ١١٠] بِكَسْرِ السِّينِ، وَيَتَأَوَّلُونَ فِي كَسْرِهَا أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ الْهُزْءُ، وَيَقُولُونَ: إِنَّهَا إِذَا ضُمَّتْ فَمَعْنَى الْكَلِمَةِ: السُّخْرَةُ وَالِاسْتِعْبَادُ. فَمَعْنَى الْكَلَامِ عَلَى مَذْهَبِ هَؤُلَاءِ: فَاتَّخَذْتُمْ أَهْلَ الْإِيمَانِ بِي فِي الدُّنْيَا هُزُؤًا وَلَعِبًا، تَهْزَؤُنَ بِهِمْ، حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي. وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَالْكُوفَةِ: (فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سُخْرِيًّا) بِضَمِّ السِّينِ، وَقَالُوا: مَعْنَى الْكَلِمَةِ فِي الضَّمِّ وَالْكَسْرِ وَاحِدٌ. وَحَكَى بَعْضُهُمْ عَنِ الْعَرَبِ سَمَاعًا: لِجِّيُّ، وَلُجِّيُّ، وَدِرِّيُّ، ودُرِّيُّ، مَنْسُوبٌ
١٧ ‏/ ١٢٦
إِلَى الدُّرِّ، وَكَذَلِكَ كِرْسِيُّ، وَكُرْسِيُّ؛ وَقَالُوا ذَلِكَ مِنْ قِيلِهِمْ كَذَلِكَ: نَظِيرُ قَوْلِهِمْ فِي جَمْعِ الْعَصَا: الْعِصِيُّ بِكَسْرِ الْعَيْنِ، وَالْعُصِيُّ بِضَمِّهَا؛ قَالُوا: وَإِنَّمَا اخْتَرْنَا الضَّمَّ فِي السُّخْرِيِّ، لِأَنَّهُ أَفْصَحُ اللُّغَتَيْنِ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ وَلُغَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، قَدْ قَرَأَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عُلَمَاءٌ مِنَ الْقُرَّاءِ، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ ذَلِكَ فَمُصِيبٌ. وَلَيْسَ يُعْرَفُ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ مَعْنَى ذَلِكَ إِذَا كُسِرَتِ السِّينُ وَإِذَا ضُمَّتْ، لِمَا ذَكَرْتُ مِنَ الرِّوَايَةِ عَمَّنْ سَمِعَ مِنَ الْعَرَبِ مَا حَكَيْتُ عَنْهُ ذِكْرُ الرِّوَايَةِ بِهِ عَنْ بَعْضِ مَنْ فَرَّقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ مَعْنَاهُ مَكْسُورَةٍ سِينُهُ وَمَضْمُومَةٍ:
١٧ ‏/ ١٢٧
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: ﴿فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا﴾ [المؤمنون: ١١٠] قَالَ: «هُمَا مُخْتَلِفَتَانِ: سُخْرِيًّا، وَسِخْرِيًّا، يَقُولُ اللَّهُ: ﴿وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضَهُمْ بَعْضًا سِخْرِيًّا﴾ [الزخرف: ٣٢]، قَالَ: هَذَا سِخْرِيًّا: يُسَخِّرُونَهُمْ، وَالْآخَرُونَ: الَّذِينَ يَسْتَهْزِئُونَ بِهِمْ هُمْ «سُخْرِيًّا»، فَتِلْكَ «سُخْرِيًّا» يُسَخِّرُونَهُمْ عِنْدَكَ، فَسَخَّرَكَ: رَفَعَكَ فَوْقَهُ؛ وَالْآخَرُونَ: اسْتَهْزَءُوا بِأَهْلِ الْإِسْلَامِ هِيَ «سُخْرِيًّا» يَسْخَرُونَ مِنْهُمْ، فَهُمَا مُخْتَلِفَتَانِ. وَقَرَأَ قَوْلَ اللَّهِ: ﴿كُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ﴾ [هود: ٣٨]، وَقَالَ: يَسْخَرُونَ مِنْهُمْ كَمَا سَخِرَ قَوْمُ نُوحٍ بِنُوحٍ، «⦗١٢٨⦘ اتَّخَذُوهُمْ سُخْرِيًّا»: اتَّخَذُوهُمْ هُزُؤًا، لَمْ يَزَالُوا يَسْتَهْزِئُونَ بِهِمْ»
١٧ ‏/ ١٢٧
وَقَوْلُهُ: ﴿حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي﴾ [المؤمنون: ١١٠] يَقُولُ: لَمْ يَزَلِ اسْتِهْزَاؤُكُمْ بِهِمْ، أَنْسَاكُمْ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِكُمْ بِهِمْ ذِكْرِي، فَأَلْهَاكُمْ عَنْهُ. ﴿وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ﴾ [المؤمنون: ١١٠]
١٧ ‏/ ١٢٨
كَمَا حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي﴾ [المؤمنون: ١١٠] قَالَ: «أَنْسَى هَؤُلَاءِ اللَّهَ اسْتِهْزَاؤُهُمْ بِهِمْ، وَضَحِكُهُمْ بِهِمْ. وَقَرَأَ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ﴾ [المطففين: ٢٩]، حَتَّى بَلَغَ: ﴿إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ﴾ [المطففين: ٣٢]»
١٧ ‏/ ١٢٨
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا﴾ [المؤمنون: ١١١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنِّي أَيُّهَا الْمُشْرِكُونَ بِاللَّهِ الْمُخَلَّدُونَ فِي النَّارِ، جَزَيْتُ الَّذِينَ اتَّخَذْتُمُوهُمْ فِي الدُّنْيَا سُخْرِيًّا مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ بِي، وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ ﴿الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا﴾ [المؤمنون: ١١١] عَلَى مَا كَانُوا يَلْقَوْنَ بَيْنَكُمْ مِنْ أَذَى سُخْرِيَّتِكُمْ وَضَحِكِكُمْ مِنْهُمْ فِي الدُّنْيَا. ﴿أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ﴾ [المؤمنون: ١١١] . اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ: «إِنَّهُمْ» فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ وَبَعْضُ أَهْلِ الْكُوفَةِ: ﴿أَنَّهُمْ﴾ [البقرة: ٤٦] بِفَتْحِ الْأَلِفِ مِنْ «أَنَّهُمْ» بِمَعْنَى: جَزَيْتُهُمْ هَذَا فَـ «أَنَّ» فِي قِرَاءَةِ هَؤُلَاءِ: فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِوُقُوعِ قَوْلِهِ: «جَزَيْتُهُمْ» عَلَيْهَا، لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ عِنْدَهُمْ: إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ الْفَوْزَ بِالْجَنَّةِ. وَقَدْ يُحْتَمَلُ النَّصْبُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مُوَجَّهًا مَعْنَاهُ إِلَى: إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا، لِأَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ بِمَا صَبَرُوا فِي الدُّنْيَا عَلَى مَا لَقُوا فِي ذَاتِ اللَّهِ. وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ: ﴿«إِنِّي»﴾ [البقرة: ٣٠] بِكَسْرِ الْأَلِفِ مِنْهَا، بِمَعْنَى الِابْتِدَاءِ،
١٧ ‏/ ١٢٨
وَقَالُوا: ذَلِكَ ابْتِدَاءٌ مِنَ اللَّهِ مَدْحَهُمْ. وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ بِكَسْرِ الْأَلِفِ، لِأَنَّ قَوْلُهُ: ﴿جَزَيْتُهُمْ﴾ [المؤمنون: ١١١] قَدْ عَمِلَ فِي الْهَاءِ وَالْمِيمِ، وَالْجَزَاءُ إِنَّمَا يَعْمَلُ فِي مَنْصُوبَيْنِ، وَإِذَا عَمِلَ فِي الْهَاءِ وَالْمِيمِ لَمْ يَكُنْ لَهُ الْعَمَلُ فِي «أَنَّ» فَيَصِيرَ عَامِلًا فِي ثَلَاثَةٍ، إِلَّا أَنْ يُنْوَى بِهِ التَّكْرِيرُ، فَيَكُونُ نَصْبُ «أَنَّ» حِينَئِذٍ بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ لَا بِقَوْلِهِ: ﴿جَزَيْتُهُمْ﴾ [المؤمنون: ١١١]، وَإِنْ هِيَ نُصِبَتْ بِإِضْمَارِ لَامٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَيْضًا كَبِيرُ مَعْنًى؛ لِأَنَّ جَزَاءَ اللَّهِ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ بِالْجَنَّةِ، إِنَّمَا هُوَ عَلَى مَا سَلَفَ مِنْ صَالِحِ أَعْمَالِهِمْ فِي الدُّنْيَا، وَجَزَاؤُهُ إِيَّاهُمْ وَذَلِكَ فِي الْآخِرَةِ هُوَ الْفَوْزُ، فَلَا مَعْنَى لِأَنْ يَشْرُطَ لَهُمُ الْفَوْزَ بِالْأَعْمَالِ، ثُمَّ يُخْبِرَ أَنَّهُمْ إِنَّمَا فَازُوا لِأَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ، فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ إِذْ كَانَ الصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَةِ مَا ذَكَرْنَا: إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ الْجَنَّةَ بِمَا صَبَرُوا فِي الدُّنْيَا عَلَى أَذَاكُمْ بِهَا، فِي أَنَّهُمُ الْيَوْمَ هُمُ الْفَائِزُونَ بِالنَّعِيمِ الدَّائِمِ وَالْكَرَامَةِ الْبَاقِيَةِ أَبَدًا، بِمَا عَمِلُوا مِنْ صَالِحَاتِ الْأَعْمَالِ فِي الدُّنْيَا، وَلَقُوا فِي طَلَبِ رِضَايَ مِنَ الْمَكَارِهِ فِيهَا
١٧ ‏/ ١٢٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ﴾ [المؤمنون: ١١٣] اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ﴾ [المؤمنون: ١١٢] وَفِي قَوْلِهِ: ﴿لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ﴾ [الكهف: ١٩] فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ
١٧ ‏/ ١٢٩
الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ وَبَعْضِ أَهْلِ الْكُوفَةِ عَلَى وَجْهِ الْخَبَرِ: ﴿قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ﴾ [المؤمنون: ١١٢] وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ﴾ [المؤمنون: ١١٤] . وَوَجَّهَ هَؤُلَاءِ تَأْوِيلَ الْكَلَامِ إِلَى أَنَّ اللَّهَ قَالَ لِهَؤُلَاءِ الْأَشْقِيَاءِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ وَهُمْ فِي النَّارِ: ﴿كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ﴾ [المؤمنون: ١١٢] وَأَنَّهُمْ أَجَابُوا اللَّهَ فَقَالُوا: ﴿لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ﴾ [الكهف: ١٩]، فَنَسِيَ الْأَشْقِيَاءُ، لِعَظِيمِ مَا هُمْ فِيهِ مِنَ الْبَلَاءِ وَالْعَذَابِ، مُدَّةَ مُكْثِهِمُ الَّتِي كَانَتْ فِي الدُّنْيَا، وَقَصُرَ عِنْدَهُمْ أَمَدُ مُكْثرِهِمُ الَّذِي كَانَ فِيهَا، لِمَا حَلَّ بِهِمْ مِنْ نِقْمَةِ اللَّهِ، حَتَّى حَسِبُوا أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا مَكَثُوا فِيهَا إِلَّا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ، وَلَعَلَّ بَعْضَهُمْ كَانَ قَدْ مَكَثَ فِيهَا الزَّمَانَ الطَّوِيلَ، وَالسِّنِينَ الْكَثِيرَةَ. وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْكُوفَةِ عَلَى وَجْهِ الْأَمْرِ لَهُمْ بِالْقَوْلِ، كَأَنَّهُ قَالَ لَهُمْ؛ قُولُوا: كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ؟ وَأَخْرَجَ الْكَلَامَ مَخْرَجَ الْأَمْرِ لِلْوَاحِدِ، وَالْمَعْنِيُّ بِهِ الْجَمَاعَةُ، إِذْ كَانَ مَفْهُومًا مَعْنَاهُ. وَإِنَّمَا اخْتَارَ هَذِهِ الْقِرَاءَةَ مَنِ اخْتَارَهَا مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي مَصَاحِفِهِمْ: (قُلْ) بِغَيْرِ أَلِفٍ، وَفِي غَيْرِ مَصَاحِفِهِمْ بِالْأَلِفِ. وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ: ﴿قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ﴾ [المؤمنون: ١١٢] عَلَى وَجْهِ الْخَبَرِ، لِأَنَّ وَجْهَ الْكَلَامِ لَوْ كَانَ ذَلِكَ أَمْرًا، أَنْ يَكُونَ «قُولُوا» عَلَى وَجْهِ الْخِطَابِ لِلْجَمْعِ؛ لِأَنَّ الْخِطَابَ فِيمَا قَبْلَ ذَلِكَ وَبَعْدَهُ جَرَى لِجَمَاعَةِ أَهْلِ النَّارِ،
١٧ ‏/ ١٣٠
فَالَّذِي هُوَ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ قَوْلُهُ: «قُولُوا»؛ لَوْ كَانَ الْكَلَامُ جَاءَ عَلَى وَجْهِ الْأَمْرِ، وَإِنْ كَانَ الْآخَرُ جَائِزًا، أَعْنِي التَّوْحِيدَ، لِمَا بَيَّنْتُ مِنَ الْعِلَّةِ لِقَارِئ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَجَاءَ الْكَلَامُ بِالتَّوْحِيدِ فِي قِرَاءَةِ جَمِيعِ الْقُرَّاءِ، كَانَ مَعْلُومًا أَنَّ قِرَاءَةَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْخَبَرِ عَنِ الْوَاحِدِ أَشْبَهُ، إِذْ كَانَ ذَلِكَ هُوَ الْفَصِيحَ الْمَعْرُوفَ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ. فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ ذَلِكَ، فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ: قَالَ اللَّهُ: كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الدُّنْيَا مِنْ عَدَدِ سِنِينَ؟ قَالُوا مُجِيبِينَ لَهُ: لَبِثْنَا فِيهَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينِ، لِأَنَّا لَا نَدْرِي، قَدْ نَسِينَا ذَلِكَ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمَعْنِيِّ بِالْعَادِّينَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُمُ الْمَلَائِكَةُ الَّذِينَ يَحْفَظُونَ أَعْمَالَ بَنِي آدَمَ، وَيُحْصُونَ عَلَيْهِمْ سَاعَاتِهِمْ
١٧ ‏/ ١٣١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ﴾ [المؤمنون: ١١٣] قَالَ: «الْمَلَائِكَةُ» حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ هُمُ الْحُسَّابُ
١٧ ‏/ ١٣١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ﴾ [المؤمنون: ١١٣] قَالَ: «فَاسْأَلِ الْحُسَّابَ»
١٧ ‏/ ١٣٢
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ﴾ [المؤمنون: ١١٣] قَالَ: «فَاسْأَلْ أَهْلَ الْحِسَابِ» وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَالَ كَمَا قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ﴾ [المؤمنون: ١١٣] وَهُمُ الَّذِينَ يَعُدُّونَ عَدَدَ الشُّهُورِ وَالسِّنِينَ وَغَيْرَ ذَلِكَ. وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونُوا الْمَلَائِكَةَ، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونُوا بَنِي آدَمَ وَغَيْرَهُمْ، وَلَا حُجَّةَ بِأَيِّ ذَلِكَ مِنْ أَيٍّ ثَبَتَتْ صِحَّتُهَا فَغَيْرُ جَائِزٍ تَوْجِيهُ مَعْنَى ذَلِكَ إِلَى بَعْضِ الْعَادِّينَ دُونَ بَعْضٍ
١٧ ‏/ ١٣٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ﴾ [المؤمنون: ١١٥] اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [المؤمنون: ١١٤] اخْتِلَافَهُمْ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ﴾ [المؤمنون: ١١٢] . وَالْقَوْلُ عِنْدَنَا فِي ذَلِكَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ نَحْوُ الْقَوْلِ الَّذِي بَيَّنَّاهُ قَبْلُ فِي قَوْلِهِ: ﴿كَمْ لَبِثْتُمْ﴾ [الكهف: ١٩] وَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ عَلَى قِرَاءَتِنَا: قَالَ اللَّهُ لَهُمْ: مَا لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا يَسِيرًا لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ قَدْرَ لُبْثِكُمْ فِيهَا
١٧ ‏/ ١٣٢
وَقَوْلُهُ: ﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا﴾ [المؤمنون: ١١٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَفَحَسِبْتُمْ أَيُّهَا الْأَشْقِيَاءُ أَنَّا إِنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ إِذْ خَلَقْنَاكُمْ لَعِبًا وَبَاطِلًا، وَأَنَّكُمْ إِلَى رَبِّكُمْ بَعْدَ مَمَاتِكُمْ
١٧ ‏/ ١٣٢
لَا تَصِيرُونَ أَحْيَاءً، فَتُجْزَوْنَ بِمَا كُنْتُمْ فِي الدُّنْيَا تَعْمَلُونَ؟ وَقَدِ اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَهُ بَعْضُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ وَالْكُوفَةِ: ﴿لَا تُرْجَعُونَ﴾ [المؤمنون: ١١٥] بِضَمِّ التَّاءِ: لَا تُرَدُّونَ، وَقَالُوا: إِنَّمَا هُوَ مِنْ مَرْجِعِ الْآخِرَةِ، لَا مِنَ الرُّجُوعِ إِلَى الدُّنْيَا. وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ: (لَا تَرْجِعُونَ) وَقَالُوا: سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ مَرْجِعُ الْآخِرَةِ وَالرُّجُوعُ إِلَى الدُّنْيَا. وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى، لِأَنَّ مَنْ رَدَّهُ اللَّهُ إِلَى الْآخِرَةِ مِنَ الدُّنْيَا بَعْدَ فَنَائِهِ فَقَدْ رَجَعَ إِلَيْهَا، وَأَنَّ مَنْ رَجَعَ إِلَيْهَا فَبِرَدِّ اللَّهِ إِيَّاهُ إِلَيْهَا رَجَعَ. وَهُمَا مَعَ ذَلِكَ قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ، قَدْ قَرَأَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عُلَمَاءٌ مِنَ الْقُرَّاءِ، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا﴾ [المؤمنون: ١١٥] قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٧ ‏/ ١٣٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: ﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا﴾ [المؤمنون: ١١٥] قَالَ: «بَاطِلًا»
١٧ ‏/ ١٣٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ﴾ [المؤمنون: ١١٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ عَمَّا يَصِفُهُ بِهِ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ مِنْ ⦗١٣٤⦘ أَنَّ لَهُ شَرِيكًا، وَعَمَّا يُضِيفُونَ إِلَيْهِ مِنَ اتِّخَاذِ الْبَنَاتِ. ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾ [البقرة: ١٦٣] يَقُولُ: لَا مَعْبُودَ تَنْبَغِي لَهُ الْعُبُودَةُ إِلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ ﴿رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ﴾ [المؤمنون: ١١٦] وَالرَّبُّ: مَرْفُوعٌ بِالرَّدِّ عَلَى الْحَقِّ، وَمَعْنَى الْكَلَامِ: فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ، رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ، لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ
١٧ ‏/ ١٣٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ﴾ [المؤمنون: ١١٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمَنْ يَدْعُ مَعَ الْمَعْبُودِ الَّذِي لَا تَصْلُحُ الْعِبَادَةُ إِلَّا لَهُ مَعْبُودًا آخَرَ، لَا حُجَّةَ لَهُ بِمَا يَقُولُ وَيَعْمَلُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا بَيِّنَةَ
١٧ ‏/ ١٣٤
كَمَا حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلُهُ: ﴿لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ﴾ [المؤمنون: ١١٧] قَالَ: «بَيِّنَةٌ»
١٧ ‏/ ١٣٤
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ﴾ [المؤمنون: ١١٧] قَالَ: «حُجَّةٌ»
١٧ ‏/ ١٣٤
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ﴾ [المؤمنون: ١١٧] قَالَ: «لَا حُجَّةَ»
١٧ ‏/ ١٣٤
وَقَوْلِهِ: ﴿فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ﴾ [المؤمنون: ١١٧] يَقُولُ: فَإِنَّمَا حِسَابُ عَمَلِهِ السَّيِّئ عِنْدَ رَبِّهِ، وَهُوَ مُوَفِّيهِ جَزَاءَهُ إِذَا قَدِمَ عَلَيْهِ ⦗١٣٥⦘. ﴿إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ﴾ [المؤمنون: ١١٧] يَقُولُ: إِنَّهُ لَا يَنْجَحُ أَهْلُ الْكُفْرِ بِاللَّهِ عِنْدَهُ، وَلَا يُدْرِكُونَ الْخُلُودَ وَالْبَقَاءَ فِي النَّعِيمِ
١٧ ‏/ ١٣٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ﴾ [المؤمنون: ١١٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: وَقُلْ يَا مُحَمَّدُ: رَبِّ اسْتُرْ عَلَيَّ ذُنُوبِي بِعَفْوِكَ عَنْهَا، وَارْحَمْنِي بِقَبُولِ تَوْبَتِكَ، وَتَرْكِكَ عِقَابِي عَلَى مَا اجْتَرَمْتُ. ﴿وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ﴾ [المؤمنون: ١٠٩] يَقُولُ: وَقُلْ: أَنْتَ يَا رَبِّ خَيْرُ مَنْ رَحِمِ ذَا ذَنْبٍ فَقَبِلَ تَوْبَتَهُ وَلَمْ يُعَاقِبْهُ عَلَى ذَنْبِهِ
١٧ ‏/ ١٣٥

عن معز نوني

متحصّل على شهادة ختم الدروس للمعهد الأعلى لتكوين المعلمين بقفصة دفعة 2000، يعمل حاليًّا أستاذ مدارس إبتدائية

شاهد أيضاً

سُورَةُ الْفَاتِحَةِ

مَكِّيَّةٌ وَآيَاتُهَا سَبْعٌ ١ ‏/ ١١١ ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ [الفاتحة: ١] الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ …