مَكِّيَّةُ وَآيَاتُهَا ثَمِانِيَ عَشْرَةَ وَمِائَةٌ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
١٧ / ٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ﴾ [المؤمنون: ٢] قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ﴾ [المؤمنون: ١] قَدْ أَدْرَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ مُحَمَّدًا ﷺ، وَأَقَرُّوا بِمَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَعَمِلُوا بِمَا دَعَاهُمْ إِلَيْهِ مِمَّا سُمِّيَ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ، الْخُلُودَ فِي جَنَّاتِ رَبِّهِمْ وَفَازُوا بِطِلَبَتِهِمْ لَدَيْهِ
١٧ / ٥
كَمَا حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ﴾ [المؤمنون: ١] قَالَ: قَالَ كَعْبٌ: «لَمْ يَخْلُقِ اللَّهُ بِيَدِهِ إِلَّا ثَلَاثَةً: خَلَقَ آدَمَ بِيَدِهِ، وَكَتَبَ التَّوْرَاةَ بِيَدِهِ، وَغَرَسَ جَنَّةَ عَدْنٍ بِيَدِهِ، ثُمَّ قَالَ لَهَا: تَكَلَّمِي فَقَالَتْ: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ﴾ [المؤمنون: ١] لِمَا عَلِمَتْ فِيهَا مِنَ الْكَرَامَةِ»
١٧ / ٥
حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ مُوسَى الرَّازِيُّ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ الضُّرَيْسِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي قَيْسٍ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «لَمَّا غَرَسَ اللَّهُ تبارك وتعالى الْجَنَّةَ، نَظَرَ إِلَيْهَا فَقَالَ: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ﴾ [المؤمنون: ١]»
١٧ / ٦
قَالَ: ثنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، عَنْ أَبِي خَلْدَةَ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ قَالَ: «لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الْجَنَّةَ قَالَ: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ﴾ [المؤمنون: ١] فَأَنْزَلَ اللَّهُ بِهِ قُرْآنًا»
١٧ / ٦
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: ثنا جُبَيْرٌ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ مَيْسَرَةَ، قَالَ: «لَمْ يَخْلُقِ اللَّهُ شَيْئًا بِيَدِهِ غَيْرَ أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ: خَلَقَ آدَمَ بِيَدِهِ، وَكَتَبَ الْأَلْوَاحَ بِيَدِهِ، وَالتَّوْرَاةَ بِيَدِهِ، وَغَرَسَ عَدْنًا بِيَدِهِ، ثُمَّ قَالَ: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ﴾ [المؤمنون: ١]»
١٧ / ٦
وَقَوْلُهُ ﴿الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾ [المؤمنون: ٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ إِذَا قَامُوا فِيهَا خَاشِعُونَ؛ وَخُشُوعُهُمْ فِيهَا تَذَلُّلُهُمْ لِلَّهِ فِيهَا بِطَاعَتِهِ، وَقِيَامُهُمْ فِيهَا بِمَا أَمَرَهُمْ بِالْقِيَامِ بِهِ فِيهَا. وَقِيلَ: إِنَّهَا نَزَلَتْ مِنْ أَجْلِ أَنَّ الْقَوْمَ كَانُوا يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ فِيهَا إِلَى السَّمَاءِ قَبْلَ نُزُولِهَا، فَنُهُوا بِهَذِهِ الْآيَةِ عَنْ ذَلِكَ
١٧ / ٦
ذِكْرُ الرِّوَايَةِ بِذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ خَالِدًا، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِذَا صَلَّى نَظَرَ إِلَى السَّمَاءِ، فَأُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾ [المؤمنون: ٢] قَالَ: فَجَعَلَ بَعْدَ ذَلِكَ وَجْهَهُ حَيْثُ يَسْجُدُ»
١٧ / ٧
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا هَارُونُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنِ الْحَجَّاجِ الصَّوَّافِ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، قَالَ: «كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ فِي الصَّلَاةِ إِلَى السَّمَاءِ؛ حَتَّى نَزَلَتْ: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾ [المؤمنون: ٢] فَقَالُوا بَعْدَ ذَلِكَ بِرُءُوسِهِمْ هَكَذَا»
١٧ / ٧
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَيُّوبُ، عَنْ مُحَمَّدٍ، قَالَ: نُبِّئْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ «كَانَ إِذَا صَلَّى رَفَعَ بَصَرَهُ إِلَى السَّمَاءِ، فَنَزَلَتْ آيَةٌ إِنْ لَمْ تَكُنْ ﴿الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾ [المؤمنون: ٢] فَلَا أَدْرِي أَيَّةُ آيَةِ هِيَ؟ قَالَ: فَطَأْطَأَ. قَالَ: وَقَالَ مُحَمَّدٌ: وَكَانُوا يَقُولُونَ: لَا يُجَاوِزُ بَصَرُهُ مُصَلَّاهُ، فَإِنْ كَانَ قَدِ اسْتَعَادَ النَّظَرَ فَلْيُغْمِضْ» حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدِ نَحْوَهُ ⦗٨⦘ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الَّذِي عُنِيَ بِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مِنَ الْخُشُوعِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عُنِيَ بِهِ سُكُونُ الْأَطْرَافِ فِي الصَّلَاةِ
١٧ / ٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾ [المؤمنون: ٢] قَالَ: «السُّكُونُ فِيهَا»
١٧ / ٨
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: ﴿الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾ [المؤمنون: ٢] قَالَ: سُكُونُ الْمَرْءِ فِي صَلَاتِهِ ” حَدَّثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، مِثْلَهُ
١٧ / ٨
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: «سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ: ﴿الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾ [المؤمنون: ٢] قَالَ: لَا تَلْتَفِتْ فِي صَلَاتِكَ»
١٧ / ٨
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ يَحْيَى الرَّمْلِيُّ، قَالَ: قَالَ ضَمْرَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، عَنْ أَبِي شَوْذَبٍ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: “﴿الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾ [المؤمنون: ٢] قَالَ: «كَانَ ⦗٩⦘ خُشُوعُهُمْ فِي قُلُوبِهِمْ، فَغَضُّوا بِذَلِكَ الْبَصَرَ، وَخَفَضُوا بِهِ الْجَنَاحَ»
١٧ / ٨
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿خَاشِعُونَ﴾ [المؤمنون: ٢] قَالَ: «الْخُشُوعُ فِي الْقَلْبِ، وَقَالَ: سَاكِنُونَ»
١٧ / ٩
قَالَ: ثنا الْحَسَنُ قَالَ: ثني خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ الْمَسْعُودِيِّ، عَنْ أَبِي سِنَانٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ قَوْمِهِ، عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: «الْخُشُوعُ فِي الْقَلْبِ، وَأَنْ تُلِينَ لِلْمَرْءِ الْمُسْلِمِ كَنَفَكَ، وَلَا تَلْتَفِتْ»
١٧ / ٩
قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قَالَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾ [المؤمنون: ٢] قَالَ: «التَّخَشُّعُ فِي الصَّلَاةِ»
١٧ / ٩
وَقَالَ لِي غَيْرُ عَطَاءٍ: «كَانَ النَّبِيُّ ﷺ إِذَا قَامَ فِي الصَّلَاةِ نَظَرَ عَنْ يَمِينِهِ وَيَسَارِهِ وَوِجَاهِهِ، حَتَّى نَزَلَتْ: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾ [المؤمنون: ٢] فَمَا رُؤِيَ بَعْدَ ذَلِكَ يَنْظُرُ إِلَّا إِلَى الْأَرْضِ» وَقَالَ آخَرُونَ: عُنِيَ بِهِ الْخَوْفُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ
١٧ / ٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الْحَسَنِ: “﴿الَّذِينَ هُمْ ⦗١٠⦘ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾ [المؤمنون: ٢] قَالَ: «خَائِفُونَ»
١٧ / ٩
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، فِي قَوْلِهِ: ﴿الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾ [المؤمنون: ٢] قَالَ الْحَسَنُ: خَائِفُونَ. وَقَالَ قَتَادَةُ: الْخُشُوعُ فِي الْقَلْبِ “
١٧ / ١٠
حَدَّثَنِي عَلِيُّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: “﴿الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾ [المؤمنون: ٢] يَقُولُ: «خَائِفُونَ سَاكِنُونَ» وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى قَبْلُ مِنْ كِتَابِنَا أَنَّ الْخُشُوعَ التَّذَلُّلُ وَالْخُضُوعُ، بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ. وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَلَمْ يَكُنِ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ دَلَّ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ مِنْ ذَلِكَ مَعْنًى دُونَ مَعْنًى فِي عَقْلٍ وَلَا خَبَرٍ، كَانَ مَعْلُومًا أَنَّ مَعْنَى مُرَادِهِ مِنْ ذَلِكَ الْعُمُومُ. وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ مَا وَصَفْتُ مِنْ قَبْلُ مِنْ أَنَّهُ: وَالَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ مُتَذَلِّلُونُ لِلَّهِ بِإِدَامَةِ مَا أَلْزَمُهُمْ مِنْ فَرْضِهِ وَعِبَادَتِهِ، وَإِذَا تَذَلَّلَ لِلَّهِ فِيهَا الْعَبْدُ رُؤِيَتْ ذِلَّةُ خُضُوعِهِ فِي سُكُونِ أَطْرَافِهِ، وَشُغْلِهِ بِفَرْضِهِ، وَتَرْكِهِ مَا أُمِرَ بِتَرْكِهِ فِيهَا
١٧ / ١٠
وَقَوْلُهُ ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ﴾ [المؤمنون: ٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ الْبَاطِلِ وَمَا يَكْرَهُهُ اللَّهُ مِنْ خَلْقِهِ مُعْرِضُونَ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٧ / ١٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي عَلِيُّ قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ، مُعْرِضُونَ﴾ [المؤمنون: ٣] يَقُولُ: الْبَاطِلُ»
١٧ / ١١
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الْحَسَنِ: «﴿عَنِ اللَّغْوِ، مُعْرِضُونَ﴾ [المؤمنون: ٣] قَالَ: عَنِ الْمَعَاصِي» حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الْحَسَنِ، مِثْلَهُ
١٧ / ١١
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: “﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ، مُعْرِضُونَ﴾ [المؤمنون: ٣] قَالَ: «النَّبِيُّ ﷺ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ صَحَابَتِهِ، مِمَّنْ آمَنَ بِهِ وَاتَّبَعَهُ وَصَدَّقَهُ، كَانُوا عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضِينَ»
١٧ / ١١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ﴾ [المؤمنون: ٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَالَّذِينَ هُمْ لِزَكَاةِ أَمْوَالِهِمُ الَّتِي فَرَضَهَا اللَّهُ عَلَيْهِمْ فِيهَا مُؤَدُّونَ، وَفِعْلُهُمُ الَّذِي وُصِفُوا بِهِ هُوَ أَدَاؤُهُمُوهَا
١٧ / ١١
قَوْلُهُ ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ﴾ [المؤمنون: ٦] يَقُولُ: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِ أَنْفُسِهِمْ. وَعَنِيَ بِالْفُرُوجِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: فَرُوجَ الرِّجَالِ، وَذَلِكَ أَقْبَالُهُمْ. ﴿حَافِظُونَ﴾ [المؤمنون: ٥] يَحْفَظُونَهَا مِنْ أَعْمَالِهَا فِي شَيْءٍ مِنَ الْفُرُوجِ. ﴿إِلَّا عَلَى ⦗١٢⦘ أَزْوَاجِهِمْ﴾ [المؤمنون: ٦] يَقُولُ: إِلَّا مِنْ أَزْوَاجِهِمُ اللَّاتِي أَحَلَّهُنَّ اللَّهُ لِلرِّجَالِ بِالنِّكَاحِ. ﴿أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ﴾ [المؤمنون: ٦] يَعْنِي بِذَلِكَ: إِمَاءَهُمْ. وَ(مَا) الَّتِي فِي قَوْلِهِ: ﴿أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ﴾ [المؤمنون: ٦] فِي مَحِلِّ خَفْضٍ عَطْفًا عَلَى الْأَزْوَاجِ. ﴿فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ﴾ [المؤمنون: ٦] يَقُولُ: فَإِنَّ مَنْ لَمْ يَحْفَظْ فَرْجَهُ عَنْ زَوْجِهِ وَمِلْكِ يَمِينِهِ، وَحَفِظَهُ عَنْ غُيْرِهِ مِنَ الْخَلْقِ، فَإِنَّهُ غَيْرُ مُوَبَّخٍ عَلَى ذَلِكَ وَلَا مَذْمُومٍ، وَلَا هُوَ بِفِعْلِهِ ذَلِكَ رَاكِبٌ ذنبًا يُلَامُ عَلَيْهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٧ / ١١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: «﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ﴾ [المؤمنون: ٦] يَقُولُ: رَضِيَ اللَّهُ لَهُمْ إِتْيَانَهُمْ أَزْوَاجَهُمْ، وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ» وَقَوْلُهُ: ﴿فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ﴾ [المؤمنون: ٧] يَقُولُ: فَمَنِ الْتَمَسَ لِفَرْجِهِ مَنْكَحًا سِوَى زَوْجَتِهِ وَمِلْكِ يَمِينِهِ، ﴿فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ﴾ [المؤمنون: ٧] يَقُولُ: فَهُمُ الْعَادُونَ حُدُودَ اللَّهِ، الْمُجَاوِزُونَ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَهُمْ إِلَى مَا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٧ / ١٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «نَهَاهُمُ اللَّهُ نَهْيًا شَدِيدًا، فَقَالَ: ﴿فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ ⦗١٣⦘ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ﴾ [المؤمنون: ٧] فَسَمَّى الزَّانِيَ مِنَ الْعَادِينَ»
١٧ / ١٢
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ﴾ [المؤمنون: ٧] قَالَ: «الَّذِينَ يَتَعَدُّونَ الْحَلَالَ إِلَى الْحَرَامِ»
١٧ / ١٣
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي قَوْلِهِ: «﴿فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ﴾ [المؤمنون: ٧] قَالَ: مَنْ زَنَى فَهُوَ عَادٍ»
١٧ / ١٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لَأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ﴾ [المؤمنون: ٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لَأَمَانَاتِهِمْ﴾ [المؤمنون: ٨] الَّتِي ائْتُمِنُوا عَلَيْهَا، وَعَهْدِهِمْ، وَهُوَ عُقُودُهُمُ الَّتِي عَاقَدُوا النَّاسَ ﴿رَاعُونَ﴾ [المؤمنون: ٨] يَقُولُ: حَافِظُونَ لَا يُضَيِّعُونَ، وَلَكِنَّهُمْ يُوفُونَ بِذَلِكَ كُلِّهِ وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ إِلَّا ابْنَ كَثِيرٍ: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لَأَمَانَاتِهِمْ﴾ [المؤمنون: ٨] عَلَى الْجَمْعِ. وَقَرَأَ ذَلِكَ ابْنُ كَثِيرٍ: (لَأَمَانَتِهِمْ) عَلَى الْوَاحِدَةِ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا: ﴿لِأَمَانَاتِهِمْ﴾ [المؤمنون: ٨] لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَيْهَا
١٧ / ١٣
قَوْلُهُ ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ﴾ [المؤمنون: ٩] يَقُولُ: وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى أَوْقَاتِ ⦗١٤⦘ صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ، فَلَا يُضَيِّعُونَهَا وَلَا يَشْتَغِلُونَ عَنْهَا حَتَّى تَفُوتَهُمْ، وَلَكِنَّهُمْ يُرَاعُونَهَا حَتَّى يُؤَدُّوهَا فِيهَا وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٧ / ١٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ: «﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ﴾ [المؤمنون: ٩] قَالَ: عَلَى وَقْتِهَا»
١٧ / ١٤
حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ قَالَ: ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ: «﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ﴾ [المؤمنون: ٩] عَلَى مِيقَاتِهَا»
١٧ / ١٤
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَرْقِيُّ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ زَحْرٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ صُبَيْحٍ، قَالَ: «﴿الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ﴾ [المؤمنون: ٩] قَالَ: إِقَامُ الصَّلَاةِ لِوَقْتِهَا» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: عَلَى صَلَوَاتِهِمْ دَائِمُونَ
١٧ / ١٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ: «﴿عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ﴾ [المؤمنون: ٩] قَالَ: دَائِمُونَ. قَالَ: يَعْنِي بِهَا الْمَكْتُوبَةَ»
١٧ / ١٤
قَوْلُهُ ﴿أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ﴾ [المؤمنون: ١٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ هَذِهِ صِفَتُهُمْ فِي الدُّنْيَا، هُمُ الْوَارِثُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنَازِلَ أَهْلِ النَّارِ مِنَ الْجَنَّةِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، رُوِيَ الْخَبَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَتَأَوَّلَهُ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٧ / ١٥
ذِكْرُ الرِّوَايَةِ بِذَلِكَ حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ، قَالَ: ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَلَهُ مَنْزِلَانِ: مَنْزِلٌ فِي الْجَنَّةِ، وَمَنْزِلٌ فِي النَّارِ، وَإِنْ مَاتَ وَدَخَلَ النَّارَ وَرِثَ أَهْلُ الْجَنَّةِ مَنْزِلَهُ» فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ﴾ [المؤمنون: ١٠]
١٧ / ١٥
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، فِي قَوْلِهِ، «﴿أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ﴾ [المؤمنون: ١٠] قَالَ: يَرِثُونَ مَسَاكِنَهُمْ وَمَسَاكِنَ إِخْوَانِهِمُ الَّتِي أُعِدَّتْ لَهُمْ لَوْ أَطَاعُوا اللَّهَ»
١٧ / ١٥
حَدَّثَنِي ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﴿أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ «﴾ [المؤمنون: ١٠] قَالَ: يَرِثُونَ مَسَاكِنَهُمْ وَمَسَاكِنَ إِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ أُعِدَّتْ لَهُمْ لَوْ أَطَاعُوا اللَّهَ»
١٧ / ١٥
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: «الْوَارِثُونَ الْجَنَّةَ أُورِثْتُمُوهَا، وَالْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا، هُنَّ سَوَاءٌ» ⦗١٦⦘ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قَالَ مُجَاهِدٌ: “يَرِثُ الَّذِي مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَهْلَهُ وَأَهْلَ غَيْرِهِ، وَمَنْزِلُ الَّذِينَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ هُمْ يَرِثُونَ أَهْلَ النَّارِ، فَلَهُمْ مَنْزِلَانِ فِي الْجَنَّةِ وَأَهْلَانِ. وَذَلِكَ أَنَّهُ مَنْزِلٌ فِي الْجَنَّةِ، وَمَنْزِلٌ فِي النَّارِ، فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَيَبْنِي مَنْزِلَهُ الَّذِي فِي الْجَنَّةِ، وَيَهْدِمُ مَنْزِلَهُ الَّذِي فِي النَّارِ، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيَهْدِمُ مَنْزِلَهُ الَّذِي فِي الْجَنَّةِ، وَيَبْنِي مَنْزِلَهُ الَّذِي فِي النَّارِ. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، أَنَّهُ قَالَ مِثْلَ ذَلِكَ
١٧ / ١٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [المؤمنون: ١١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿الَّذِينَ يَرِثُونَ﴾ [المؤمنون: ١١] الْبُسْتَانَ ذَا الْكَرْمِ، وَهُوَ الْفِرْدَوْسُ عِنْدَ الْعَرَبِ. وَكَانَ مُجَاهِدٌ يَقُولُ: هُوَ بِالرُّومِيَّةِ
١٧ / ١٦
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ﴾ [المؤمنون: ١١] قَالَ: «الْفِرْدَوْسُ: بُسْتَانٌ بِالرُّومِيَّةِ»
١٧ / ١٦
قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «عَدْنٌ حَدِيقَةٌ فِي الْجَنَّةِ، قَصْرُهَا فِيهَا عَدَنُهَا، خَلَقَهَا بِيَدِهِ، تُفْتَحُ كُلَّ فَجْرٍ فَيَنْظُرُ فِيهَا ثُمَّ يَقُولُ: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ﴾ [المؤمنون: ١] قَالَ: هِيَ الْفِرْدَوْسُ أَيْضًا تِلْكَ الْحَدِيقَةُ، قَالَ مُجَاهِدٌ: غَرَسَهَا اللَّهُ بِيَدِهِ؛ فَلَمَّا بَلَغَتْ قَالَ: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ﴾ [المؤمنون: ١] ثُمَّ أَمَرَ بِهَا تُغْلَقُ، فَلَا يَنْظُرُ فِيهَا خَلْقٌ وَلَا مَلَكٌ مُقَرَّبٌ، ثُمَّ تُفْتَحَ كُلَّ سَحَرٍ، فَيَنْظُرُ فِيهَا فَيَقُولُ: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ﴾ [المؤمنون: ١] ثُمَّ تُغْلَقُ إِلَى مِثْلِهَا»
١٧ / ١٦
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: “قُتِلَ حَارِثَةُ بْنُ سُرَاقَةَ يَوْمَ بَدْرٍ، فَقَالَتْ أُمُّهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنْ كَانَ ابْنِي مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ لَمْ أَبْكِ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ بَالَغْتُ فِي الْبُكَاءِ. قَالَ: «يَا أُمَّ حَارِثَةَ، إِنَّهَا جَنَّتَانِ فِي جَنَّةٍ، وَإِنَّ ابْنَكِ قَدْ أَصَابَ الْفِرْدَوْسَ الْأَعْلَى مِنَ الْجَنَّةِ» حَدَّثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، مِثْلَهُ
١٧ / ١٧
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني أَبُو سُفْيَانَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ كَعْبٍ، قَالَ: «خَلَقَ اللَّهُ بِيَدِهِ جَنَّةَ الْفِرْدَوْسِ، غَرَسَهَا بِيَدِهِ، ثُمَّ قَالَ: تَكَلَّمِي قَالَتْ: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ﴾ [المؤمنون: ١]» قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنْ حُسَامِ بْنِ مِصَكٍّ، عَنْ قَتَادَةَ، أَيْضًا، مِثْلَهُ، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: «تَكَلَّمِي، قَالَتْ: طُوبَى لِلْمُتَّقِينَ»
١٧ / ١٧
قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ أَبِي دَاوُدَ نُفَيْعٍ قَالَ: «لَمَّا خَلَقَهَا اللَّهُ قَالَ لَهَا: تَزَيَّنِي فَتَزَيَّنَتْ؛ ثُمَّ قَالَ لَهَا: تَكَلَّمِي فَقَالَتْ: طُوبَى لِمَنْ رَضِيتَ عَنْهُ»
١٧ / ١٧
وَقَوْلُهُ: ﴿هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [البقرة: ٣٩] يَعْنِي مَاكِثُونَ فِيهَا، يَقُولُ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ خَالِدُونَ، يَعْنِي مَاكِثُونَ فِيهَا أَبَدًا لَا يَتَحَوَّلُونَ عَنْهَا
١٧ / ١٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ﴾ [المؤمنون: ١٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ﴾ [المؤمنون: ١٢] أَسْلَلْنَاهُ مِنْهُ، فَالسُّلَالَةُ هِيَ الْمُسْتَلَّةُ مِنْ كُلِّ تُرْبَةٍ؛ وَلِذَلِكَ كَانَ آدَمُ خُلِقَ مِنْ تُرْبَةٍ أُخِذَتْ مِنْ أَدِيمِ الْأَرْضِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ عَلَى اخْتِلَافٍ مِنْهُمْ فِي الْمَعْنِيِّ بِالْإِنْسَانِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عُنِيَ بِهِ آدَمُ
١٧ / ١٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿مِنْ طِينٍ﴾ [الأنعام: ٢] قَالَ: اسْتُلَّ آدَمُ مِنَ الطِّينِ»
١٧ / ١٨
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: «﴿مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ﴾ [المؤمنون: ١٢] قَالَ: اسْتُلَّ آدَمُ مِنْ طِينٍ، وَخُلِقَتْ ذُرِّيَّتُهُ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: وَلَقَدْ خَلَقْنَا وَلَدَ آدَمَ، وَهُوَ الْإِنْسَانُ الَّذِي ذُكِرَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، مِنْ سُلَالَةٍ، وَهِيَ النُّطْفَةُ الَّتِي اسْتُلَّتْ مِنْ ظَهْرِ الْفَحْلِ مِنْ طِينٍ، وَهُوَ آدَمُ الَّذِي خُلِقَ مِنْ طِينٍ
١٧ / ١٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي يَحْيَى، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «﴿مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ﴾ [المؤمنون: ١٢] قَالَ: صَفْوَةُ الْمَاءِ»
١٧ / ١٩
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: «﴿مِنْ سُلَالَةٍ﴾ [المؤمنون: ١٢] مِنْ مَنِيِّ آدَمَ» حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ. قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ. قَالَ: ثني حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَاهُ: وَلَقَدْ خَلَقْنَا ابْنَ آدَمَ مِنْ سُلَالَةِ آدَمَ، وَهِيَ صِفَةُ مَائِهِ، وَآدَمُ هُوَ الطِّينُ، لِأَنَّهُ خُلِقَ مِنْهُ وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ بِالْآيَةِ، لِدَلَالَةِ قَوْلُهُ: ﴿ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ﴾ [المؤمنون: ١٣] عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ أَنَّهُ لَمْ يَصِرْ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ إِلَّا بَعْدَ خَلْقِهِ فِي صُلْبِ الْفَحْلِ، وَمِنْ بَعْدِ تَحَوُّلِهِ مِنْ صُلْبِهِ صَارَ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ؛ وَالْعَرَبُ تُسَمِّي وَلَدَ الرَّجُلِ وَنُطْفَتَهُ: سَلِيلَهُ وَسُلَالَتَهُ. لِأَنَّهُمَا مَسْلُولَانِ مِنْهُ؛ وَمِنَ السُّلَالَةِ قَوْلُ بَعْضِهِمْ:
[البحر الطويل]
١٧ / ١٩
حَمَلَتْ بِهِ عَضْبَ الْأَدِيمِ غَضَنْفَرًا … سُلَالَةَ فَرْجٍ كَانَ غَيْرَ حَصِينِ
وَقَوْلُ الْآخَرِ:
[البحر الطويل]
وَهَلْ كُنْتُ إِلَّا مُهْرَةً عَرَبِيَّةً … سُلَالَةَ أَفْرَاسٍ تَجَلَّلَهَا بَغْلُ
فَمَنْ قَالَ: سُلَالَةٌ جَمْعُهَا سُلَالَاتٌ، وَرُبَّمَا جَمَعُوهَا سَلَائِلَ، وَلَيْسَ بِالْكَثِيرِ. لِأَنَّ السَّلَائِلَ جَمْعٌ لِلسَّلِيلِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ بَعْضِهِمْ:
[البحر الطويل]
إِذَا أُنْتِجَتْ مِنْهَا الْمَهَارَى تَشَابَهَتْ … عَلَى الْقَوْدِ إِلَّا بِالْأُنُوفِ سَلَائِلُهْ
وَقَوْلُ الرَّاجِزِ:
[البحر الرجز]
يَقْذِفْنَ فِي أَسْلَابِهَا بِالسَّلَائِلْ
١٧ / ٢٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةٍ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾ [المؤمنون: ١٤] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ﴾ [المؤمنون: ١٣] ثُمَّ جَعَلْنَا الْإِنْسَانَ الَّذِي جَعَلْنَاهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ، نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ، وَهُوَ حَيْثُ اسْتَقَرَّتْ فِيهِ نُطْفَةُ الرَّجُلِ مِنْ رَحِمِ الْمَرْأَةِ. وَوَصَفَهُ بِأَنَّهُ مَكِينٍ، لِأَنَّهُ مُكِّنَ لِذَلِكَ وَهُيِّئَ لَهُ لِيَسْتَقِرَّ فِيهِ إِلَى بُلُوغِ أَمْرِهِ الَّذِي جَعَلَهُ لَهُ قَرَارًا
١٧ / ٢٠
وَقَوْلُهُ: ﴿ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً﴾ [المؤمنون: ١٤] يَقُولُ: ثُمَّ صَيَّرْنَا النُّطْفَةَ الَّتِي جَعَلْنَاهَا فِي قَرَارٍ مَكِينٍ عَلَقَةً، وَهِيَ الْقِطْعَةُ مِنَ الدَّم ِ ﴿فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً﴾ [المؤمنون: ١٤] يَقُولُ: فَجَعَلْنَا ذَلِكَ الدَّمَ مُضْغَةً، وَهِيَ الْقِطْعَةُ مِنَ اللَّحْمِ
١٧ / ٢١
وَقَوْلُهُ: ﴿فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا﴾ [المؤمنون: ١٤] يَقُولُ: فَجَعَلْنَا تِلْكَ الْمُضْغَةَ اللَّحْمَ عِظَامًا وَقَدِ اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ سِوَى عَاصِمٍ: ﴿فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا﴾ [المؤمنون: ١٤] عَلَى الْجِمَاعِ، وَكَانَ عَاصِمٌ وَعَبْدُ اللَّهِ يَقْرَآنِ ذَلِكَ: (عَظْمًا) فِي الْحَرْفَيْنِ عَلَى التَّوْحِيدِ جَمِيعًا. وَالْقِرَاءَةُ الَّتِي نَخْتَارُ فِي ذَلِكَ الْجِمَاعُ، لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَيْهِ
١٧ / ٢١
وَقَوْلُهُ: ﴿فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا﴾ [المؤمنون: ١٤] يَقُولُ: فَأَلْبَسْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا. وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ: (ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَظْمًا وَعَصَبًا فَكَسَوْنَاهُ لَحْمًا) . وَقَوْلُهُ: ﴿ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ﴾ [المؤمنون: ١٤] يَقُولُ: ثُمَّ أَنْشَأْنَا هَذَا الْإِنْسَانَ خَلْقًا آخَرَ. وَهَذِهِ الْهَاءُ الَّتِي فِي: ﴿أَنْشَأْنَاهُ﴾ [المؤمنون: ١٤] عَائِدَةٌ عَلَى الْإِنْسَانِ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ﴾ [الحجر: ٢٦] قَدْ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مِنْ ذِكْرِ الْعَظْمِ وَالنُّطْفَةِ وَالْمُضْغَةِ، جُعِلَ ذَلِكَ كُلُّهُ كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ، فَقِيلَ: ثُمَّ أَنْشَأْنَا ذَلِكَ خَلْقًا آخَرَ. ⦗٢٢⦘ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: ﴿ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ﴾ [المؤمنون: ١٤] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنْشَاؤُهُ إِيَّاهُ خَلْقًا آخَرَ: نَفْخُهُ الرُّوحَ فِيهِ، فَيَصِيرُ حِينَئِذٍ إِنْسَانًا، وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ صُورَةً
١٧ / ٢١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حَجَّاجٌ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ﴾ [المؤمنون: ١٤] قَالَ: نَفْخُ الرُّوحِ فِيهِ» حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَأَةَ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، بِمِثْلِهِ
١٧ / ٢٢
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «﴿ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ﴾ [المؤمنون: ١٤] قَالَ: الرُّوحُ»
١٧ / ٢٢
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَصْبَهَانِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، فِي قَوْلِهِ: «﴿ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ﴾ [المؤمنون: ١٤] قَالَ: نَفْخُ الرُّوحِ فِيهِ»
١٧ / ٢٢
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، وَابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَا: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ: «﴿ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ﴾ [المؤمنون: ١٤] قَالَ: نُفِخُ فِيهِ الرُّوحُ» قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، بِمِثْلِهِ
١٧ / ٢٢
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، فِي قَوْلِهِ: «﴿ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ﴾ [المؤمنون: ١٤] قَالَ: نُفِخَ فِيهِ الرُّوحُ، فَهُوَ الْخَلْقُ الْآخَرُ الَّذِي ذَكَرَ»
١٧ / ٢٣
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ، فِي قَوْلِهِ: «﴿ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا﴾ [المؤمنون: ١٤] يَعْنِي الرُّوحَ، تُنْفَخُ فِيهِ بَعْدَ الْخَلْقِ»
١٧ / ٢٣
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: “﴿ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ﴾ [المؤمنون: ١٤] قَالَ: «الرُّوحُ الَّذِي جَعَلَهُ فِيهِ» وَقَالَ آخَرُونَ: إِنْشَاؤُهُ خَلْقًا آخَرَ: تَصْرِيفُهُ إِيَّاهُ فِي الْأَحْوَالِ بَعْدَ الْوِلَادَةِ: فِي الطُّفُولَةِ، وَالْكُهُولَةِ، وَالِاغْتِذَاءُ، وَنَبَاتُ الشَّعْرِ، وَالسِّنِّ، وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ أَحْوَالِ الْأَحْيَاءِ فِي الدُّنْيَا
١٧ / ٢٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلِهِ: ﴿ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾ [المؤمنون: ١٤] يَقُولُ: “خَرَجَ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ بَعْدَ مَا خُلِقَ، فَكَانَ مِنْ بَدْءِ خَلْقِهِ الْآخَرِ أَنِ اسْتَهَلَّ، ثُمَّ كَانَ مِنْ خَلْقِهِ أَنْ دُلَّ عَلَى ثَدْيِ أُمِّهِ، ثُمَّ كَانَ مِنْ خَلْقِهِ أَنْ عُلِّمَ كَيْفَ يَبْسُطُ رِجْلَيْهِ، إِلَى أَنْ قَعَدَ، إِلَى أَنْ حَبَا، إِلَى أَنْ قَامَ عَلَى رِجْلَيْهِ، إِلَى أَنْ مَشَى، إِلَى أَنْ فُطِمَ، فَعُلِّمَ كَيْفَ ⦗٢٤⦘ يَشْرَبُ وَيَأْكُلُ مِنَ الطَّعَامِ، إِلَى أَنْ بَلَغَ الْحُلُمَ، إِلَى أَنْ بَلَغَ أَنْ يَتَقَلَّبَ فِي الْبِلَادِ
١٧ / ٢٣
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ﴾ [المؤمنون: ١٤] قَالَ: يَقُولُ بَعْضُهُمْ: هُوَ نَبَاتُ الشَّعْرِ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: هُوَ نَفْخُ الرُّوحِ» حَدَّثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، مِثْلَهُ
١٧ / ٢٤
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ: ﴿ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ﴾ [المؤمنون: ١٤] قَالَ: «يُقَالُ الْخَلْقُ الْآخَرُ بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ بِسِنِّهِ وَشَعْرِهِ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عَنَى بِإِنْشَائِهِ خَلْقًا آخَرَ: سَوَّى شَبَابَهُ
١٧ / ٢٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ﴾ [المؤمنون: ١٤] قَالَ: «حِينَ اسْتَوَى شَبَابُهُ»
١٧ / ٢٤
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قَالَ مُجَاهِدٌ: «حِينَ اسْتَوَى بِهِ الشَّبَابُ» وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: عَنَى بِذَلِكَ نَفْخَ الرُّوحِ فِيهِ؛ ⦗٢٥⦘ وَذَلِكَ أَنَّهُ بِنَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ يَتَحَوَّلُ خَلْقًا آخَرَ إِنْسَانًا، وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ بِالْأَحْوَالِ الَّتِي وَصَفَهُ اللَّهُ أَنَّهُ كَانَ بِهَا، مِنْ نُطْفَةٍ وَعَلَقَةٍ وَمُضْغَةٍ وَعَظْمٍ، وَبِنَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ، يَتَحَوَّلُ عَنْ تِلْكِ الْمَعَانِي كُلِّهَا إِلَى مَعْنَى الْإِنْسَانِيَّةِ، كَمَا تَحَوَّلَ أَبُوهُ آدَمُ بِنَفْخِ الرُّوحِ فِي الطِّينَةِ الَّتِي خُلِقَ مِنْهَا إِنْسَانًا وَخَلْقًا آخَرَ، غَيْرَ الطِّينِ الَّذِي خُلِقَ مِنْهُ
١٧ / ٢٤
وَقَوْلُهُ: ﴿فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾ [المؤمنون: ١٤] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الصَّانِعِينَ
١٧ / ٢٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾ [المؤمنون: ١٤] قَالَ: «يَصْنَعُونَ وَيَصْنَعُ اللَّهُ، وَاللَّهُ خَيْرُ الصَّانِعِينَ» وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّمَا قِيلَ: ﴿فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾ [المؤمنون: ١٤] لِأَنَّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ كَانَ يَخْلُقُ، فَأَخْبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ يَخْلُقُ أَحْسَنَ مِمَّا كَانَ يَخْلُقُ
١٧ / ٢٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾ [المؤمنون: ١٤] قَالَ: عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَخْلُقُ ” وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مُجَاهِدٍ، لِأَنَّ الْعَرَبَ تُسَمِّي كُلَّ صَانِعٍ خَالِقًا؛ وَمِنْهُ قَوْلُ زُهَيْرٍ:
[البحر الكامل]
⦗٢٦⦘ وَلَأَنْتَ تَفْرِي مَا خَلَقْتَ وَبَعْـ … ـضُ الْقَوْمِ يَخْلُقُ ثُمَّ لَا يَفْرِي
وَيُرْوَى:
وَلَأَنْتَ تَخْلُقُ مَا فَرَيْتَ وَبَعْـ … ـضُ الْقَوْمِ يَخْلُقُ ثُمَّ لَا يَفْرِي
١٧ / ٢٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ﴾ [المؤمنون: ١٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ مِنْ بَعْدِ إِنْشَائِكُمْ خَلْقًا آخَرَ وَتَصْيِيرِنَاكُمْ إِنْسَانًا سَوِيًّا مَيِّتُونَ وَعَائِدُونَ تُرَابًا كَمَا كُنْتُمْ، ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ مَوْتِكُمْ وَعَوْدِكُمْ رُفَاتًا بَالِيًا مَبْعُوثُونَ مِنَ التُّرَابِ خَلْقًا جَدِيدًا كَمَا بَدَأْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ. وَإِنَّمَا قِيلَ: ﴿ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ﴾ [المؤمنون: ١٥] لِأَنَّهُ خَبَرٌ عَنْ حَالٍ لَهُمْ يَحْدُثُ لَمْ يَكُنْ. وَكَذَلِكَ تَقُولُ الْعَرَبُ لِمَنْ لَمْ يَمُتْ: هُوَ مَائِتٌ وَمَيِّتٌ عَنْ قَلِيلٍ، وَلَا يَقُولُونَ لِمَنْ قَدْ مَاتَ مَائِتٌ، وَكَذَلِكَ هُوَ طَمِعٌ فِيمَا عِنْدَكَ إِذَا وُصِفَ بِالطَّمَعِ، فَإِذَا أَخْبَرَ عَنْهُ أَنَّهُ سَيَفْعَلُ وَلَمْ يَفْعَلْ قِيلَ هُوَ طَامِعٌ فِيمَا عِنْدَكَ غَدًا، وَكَذَلِكَ ذَلِكَ فِي كُلِّ مَا كَانَ نَظِيرًا لِمَا ذَكَرْنَاهُ
١٧ / ٢٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقِكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ﴾ [المؤمنون: ١٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ بَعْضُهُنَّ فَوْقَ بَعْضٍ؛ وَالْعَرَبُ تُسَمِّي كُلَّ شَيْءٍ فَوْقَ شَيْءٍ طَرِيقَةً. وَإِنَّمَا قِيلَ لِلسَّمَاوَاتِ السَّبْعِ سَبْعَ طَرَائِقَ، لِأَنَّ بَعْضَهُنَّ فَوْقَ بَعْضٍ، فَكُلُّ سَمَاءٍ مِنْهُنَّ طَرِيقَةٌ ⦗٢٧⦘ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٧ / ٢٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ﴾ [المؤمنون: ١٧] قَالَ: «الطَّرَائِقُ: السَّمَاوَاتُ»
١٧ / ٢٧
وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ﴾ [المؤمنون: ١٧] يَقُولُ: وَمَا كُنَّا فِي خَلْقِنَا السَّمَاوَاتِ السَّبْعَ فَوْقَكُمْ عَنْ خَلْقِنَا الَّذِي تَحْتَهَا غَافِلِينَ، بَلْ كُنَّا لَهُمْ حَافِظَيْنَ مِنْ أَنْ تَسْقُطَ عَلَيْهِمْ فَتُهْلِكَهُمْ
١٧ / ٢٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ﴾ [المؤمنون: ١٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَا فِي الْأَرْضِ مِنْ مَاءٍ، فَأَسْكَنَّاهُ فِيهَا
١٧ / ٢٧
كَمَا حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: ﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ﴾ [المؤمنون: ١٨] «مَاءٌ هُوَ مِنَ السَّمَاءِ»
١٧ / ٢٧
وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ﴾ [المؤمنون: ١٨] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَإِنَّا عَلَى الْمَاءِ الَّذِي أَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ لَقَادِرُونَ أَنْ نَذْهَبَ بِهِ فَتَهْلَكُوا أَيُّهَا النَّاسُ عَطَشًا، وَتَخْرَبَ أَرَضُوكُمْ، فَلَا تُنْبِتُ زَرْعًا وَلَا غَرْسًا، وَتَهْلَكَ مَوَاشِيكُمْ، يَقُولُ: فَمِنْ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ تَرْكِي ذَلِكَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ جَارِيًا
١٧ / ٢٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَأَنْشَأْنَا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلِ وَأَعْنَابٍ لَكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ﴾ [المؤمنون: ١٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَأَحْدَثْنَا لَكُمْ بِالْمَاءِ الَّذِي أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ، بَسَاتِينَ مِنْ نَخِيلِ
١٧ / ٢٧
وَأَعْنَابٍ ﴿لَكُمْ فِيهَا﴾ [الأعراف: ١٠] يَقُولُ: لَكُمْ فِي الْجَنَّاتِ فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ. ﴿وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ﴾ [النحل: ٥] يَقُولُ: وَمِنَ الْفَوَاكِهِ تَأْكُلُونَ. وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْهَاءُ وَالْأَلِفُ مِنْ ذِكْرِ الْجَنَّاتِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ مِنْ ذِكْرِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ وَخَصَّ جَلَّ ثَنَاؤُهُ الْجَنَّاتِ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، فَوَصَفَهَا بِأَنَّهَا مِنْ نَخِيلِ وَأَعْنَابٍ دُونَ وَصْفِهَا بِسَائِرِ ثِمَارِ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّ هَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ مِنَ الثِّمَارِ كَانَا هُمَا أَعْظَمَ ثِمَارِ الْحِجَازِ وَمَا قَرُبَ مِنْهَا، فَكَانَتِ النَّخِيلُ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَالْأَعْنَابُ لِأَهْلِ الطَّائِفِ، فَذَكَّرَ الْقَوْمَ بِمَا يَعْرِفُونَ مِنْ نِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ، بِمَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِمْ مِنْ ثِمَارِهَا
١٧ / ٢٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ﴾ [المؤمنون: ٢٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَأَنْشَأْنَا لَكُمْ أَيْضًا شَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ وَ﴿شَجَرَةً﴾ [طه: ١٢٠] مَنْصُوبَةٌ عَطْفًا عَلَى ﴿الْجَنَّاتِ﴾ [الشورى: ٢٢]، وَيَعْنِي بِهَا: شَجَرَةَ الزَّيْتُونِ
١٧ / ٢٨
وَقَوْلُهُ: ﴿تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ﴾ [المؤمنون: ٢٠] يَقُولُ: تَخْرُجُ مِنْ جَبَلٍ يُنْبِتُ الْأَشْجَارَ. وَقَدْ بَيَّنْتُ مَعْنَى الطُّورِ فِيمَا مَضَى بِشَوَاهِدِهِ، وَاخْتِلَافَ الْمُخْتَلِفِينَ، بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿سَيْنَاءَ﴾ [المؤمنون: ٢٠] فَإِنَّ الْقُرَّاءَ اخْتَلَفَتْ فِي قِرَاءَتِهِ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ: (سِينَاءَ) بِكَسْرِ السِّينِ. وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ: ﴿سَيْنَاءَ﴾ [المؤمنون: ٢٠] بِفَتْحِ السِّينِ، وَهُمَا جَمِيعًا مُجْمِعُونَ عَلَى مَدِّهَا، ⦗٢٩⦘ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ: أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ فِي قِرَاءَةِ الْأَمْصَارِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: الْمُبَارَكُ، كَأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ عِنْدَهُ: وَشَجَرَةٌ تَخْرُجُ مِنْ جَبَلٍ مُبَارَكٍ
١٧ / ٢٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿طُورِ سَيْنَاءَ﴾ [المؤمنون: ٢٠] قَالَ: «الْمُبَارَكُ» حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٧ / ٢٩
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ﴾ [المؤمنون: ٢٠] قَالَ: «هُوَ جَبَلٌ بِالشَّامِ مُبَارَكٌ» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَاهُ: حَسَنٌ
١٧ / ٢٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿⦗٣٠⦘ طُورِ سَيْنَاءَ﴾ [المؤمنون: ٢٠] قَالَ: «هُوَ جَبَلٌ حَسَنٌ»
١٧ / ٢٩
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ﴾ [المؤمنون: ٢٠] ” الطُّورُ: الْجَبَلُ بِالنَّبَطِيَّةِ، وَسَيْنَاءُ: حَسَنَةٌ بِالنَّبَطِيَّةِ وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ اسْمُ جَبَلٍ مَعْرُوفٍ
١٧ / ٣٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ﴾ [المؤمنون: ٢٠] قَالَ: «الْجَبَلُ الَّذِي نُودِيَ مِنْهُ مُوسَى ﷺ»
١٧ / ٣٠
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿طُورِ سَيْنَاءَ﴾ [المؤمنون: ٢٠] قَالَ: «هُوَ جَبَلُ الطُّورِ الَّذِي بِالشَّامِ، جَبَلٌ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ» قَالَ: «مَمْدُودٌ، هُوَ بَيْنَ مِصْرَ وَبَيْنَ أَيْلَةَ» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَاهُ: أَنَّهُ جَبَلٌ ذُو شَجَرٍ.
١٧ / ٣٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَمَّنْ قَالَهُ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ سَيْنَاءَ اسْمٌ أُضِيفَ إِلَيْهِ الطُّورُ يُعْرَفُ بِهِ، كَمَا قِيلَ جَبَلَا طَيِّئٍ، فَأُضِيفَا إِلَى طَيِّئٍ، وَلَوْ كَانَ الْقَوْلُ فِي ذَلِكَ كَمَا قَالَ مَنْ قَالَ مَعْنَاهُ جَبَلٌ مُبَارَكٌ، أَوْ كَمَا قَالَ مَنْ قَالَ مَعْنَاهُ حَسَنٌ، لَكَانَ الطُّورُ مُنَوَّنًا، وَكَانَ قَوْلُهُ ﴿سَيْنَاءَ﴾ [المؤمنون: ٢٠] مِنْ نَعْتِهِ. عَلَى أَنَّ سَيْنَاءَ بِمَعْنَى: مُبَارَكٌ وَحَسَنٌ، غَيْرُ مَعْرُوفٍ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ فَيُجْعَلُ ذَلِكَ مِنْ نَعْتِ الْجَبَلِ، وَلَكِنَّ الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، مِنْ أَنَّهُ جَبَلٌ عُرِفَ بِذَلِكَ، وَأَنَّهُ الْجَبَلُ الَّذِي نُودِيَ مِنْهُ مُوسَى ﷺ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ مُبَارَكٌ، لَا أَنَّ مَعْنَى سَيْنَاءَ مَعْنَى مُبَارَكٍ
١٧ / ٣١
وَقَوْلُهُ: ﴿تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ﴾ [المؤمنون: ٢٠] اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿تَنْبُتُ﴾ [البقرة: ٦١] فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ: ﴿تَنْبُتُ﴾ [البقرة: ٦١] بِفَتْحِ التَّاءِ، بِمَعْنَى: تَنْبُتُ هَذِهِ الشَّجَرَةُ بِثَمَرِ الدُّهْنِ، وَقَرَأَهُ يَعَضُّ قُرَّاءِ الْبَصْرَةِ: (تُنْبِتُ) بِضَمِّ التَّاءِ، بِمَعْنَى: تُنْبِتُ الدُّهْنَ: تُخْرِجُهُ. وَذُكِرَ أَنَّهَا فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ: (تُخْرِجُ الدُّهْنَ) وَقَالُوا: الْبَاءُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ زَائِدَةٌ، كَمَا قِيلَ: أَخَذْتُ ثَوْبَهُ وَأَخَذْتُ بِثَوْبِهِ؛ وَكَمَا قَالَ الرَّاجِزُ:
[البحر الرجز]
١٧ / ٣١
نَحْنُ بَنُو جَعْدَةَ أَرْبَابُ الْفَلَجْ … نَضْرِبُ بِالْبِيضِ وَنَرْجُو بِالْفَرَجْ
بِمَعْنَى: وَنَرْجُو الْفَرَجَ. وَالْقَوْلُ عِنْدِي فِي ذَلِكَ أَنَّهُمَا لُغَتَانِ: نَبَتَ، وَأَنْبَتَ؛ وَمِنْ أَنْبَتَ قَوْلُ زُهَيْرٍ:
[البحر الطويل]
رَأَيْتَ ذَوِي الْحَاجَاتِ حَوْلَ بُيُوتِهِمْ … قَطِينًا لَهُمْ حَتَّى إِذَا أَنْبَتَ الْبَقْلُ
وَيُرْوَى: نَبَتَ، وَهُو كَقَوْلِهِ: ﴿فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ﴾ [هود: ٨١]، وَ(فَاسْرِ) . غَيْرَ أَنَّ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ الْقِرَاءَةَ الَّتِي لَا أَخْتَارُ غَيْرَهَا فِي ذَلِكَ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ: ﴿تَنْبُتُ﴾ [البقرة: ٦١] بِفَتْحِ التَّاءِ، لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَيْهَا. وَمَعْنَى ذَلِكَ: تَنْبُتُ هَذِهِ الشَّجَرَةُ بِثَمَرِ الدُّهْنِ
١٧ / ٣٢
كَمَا: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ﴾ [المؤمنون: ٢٠] قَالَ: «بِثَمِرِهِ» حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ ⦗٣٣⦘ وَالدُّهْنُ الَّذِي هُوَ مِنْ ثَمَرِهِ الزَّيْتُ
١٧ / ٣٢
كَمَا: حَدَّثَنِي عَلِيُّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ﴾ [المؤمنون: ٢٠] يَقُولُ: «هُوَ الزَّيْتُ يُؤْكَلُ وَيُدْهَنُ بِهِ»
١٧ / ٣٣
وَقَوْلُهُ: ﴿وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ﴾ [المؤمنون: ٢٠] يَقُولُ: تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَبِصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ، يَصْطَبِغُ بِالزَّيْتِ الَّذِينَ يَأْكُلُونَهُ
١٧ / ٣٣
كَمَا: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ﴾ [المؤمنون: ٢٠] قَالَ: «هَذَا الزَّيْتُونُ صِبْغٌ لِلْآكِلِينَ، يَأْتُدِمُونَ بِهِ وَيَصْطَبِغُونَ بِهِ» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَالصِّبْغُ عَطْفٌ عَلَى الدُّهْنِ
١٧ / ٣٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ﴾ [المؤمنون: ٢٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَإِنَّ لَكُمْ﴾ [النحل: ٦٦] أَيُّهَا النَّاسُ، ﴿فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً﴾ [النحل: ٦٦] تَعْتَبِرُونَ بِهَا، فَتَعْرِفُونَ بِهَا أَيَادِيَ اللَّهِ عِنْدَكُمْ، وَقُدْرَتَهُ عَلَى مَا يَشَاءُ، وَأَنَّهُ الَّذِي لَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ شَيْءٌ أَرَادَهُ وَلَا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ شَاءَهُ ﴿نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهَا﴾ [المؤمنون: ٢١] مِنَ اللَّبَنِ الْخَارِجِ مِنْ بَيْنِ الْفَرْثِ وَالدَّمِ. ﴿وَلَكُمْ﴾ [البقرة: ٣٦] مَعَ ذَلِكَ ﴿فِيهَا﴾ [البقرة: ٢٥] يَعْنِي: فِي الْأَنْعَامِ، ﴿مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ﴾ [المؤمنون: ٢١] وَذَلِكَ كَالْإِبِلِ الَّتِي يُحْمَلُ عَلَيْهَا، وَيُرْكَبُ ظَهْرُهَا، وَيُشْرَبُ دَرُّهَا. ﴿وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ﴾ [النحل: ٥] يَعْنِي: مِنْ لُحُومِهَا تَأْكُلُونَ
١٧ / ٣٣
وَقَوْلُهُ: ﴿وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ﴾ [المؤمنون: ٢٢] يَقُولُ: وَعَلَى الْأَنْعَامِ وَعَلَى السُّفُنِ ⦗٣٤⦘ تُحْمَلُونَ، عَلَى هَذِهِ فِي الْبَرِّ، وَعَلَى هَذِهِ فِي الْبَحْرِ
١٧ / ٣٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ﴾ [المؤمنون: ٢٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ﴾ [هود: ٢٥] دَاعِيهِمْ إِلَى طَاعَتِنَا وَتَوْحِيدِنَا وَالْبَرَاءَةِ مِنْ كُلِّ مَعْبُودٍ سِوَانَا ﴿فَقَالَ﴾ [البقرة: ٣١] لَهُمْ نُوحٌ: ﴿يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ﴾ [الأعراف: ٥٩] يَقُولُ: قَالَ لَهُمْ: ذِلُّوا يَا قَوْمِ لِلَّهِ بِالطَّاعَةِ. ﴿مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾ [الأعراف: ٥٩] يَقُولُ: مَا لَكُمْ مِنْ مَعْبُودٍ يَجُوزُ لَكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ غَيْرُهُ. ﴿أَفَلَا تَتَّقُونَ﴾ [الأعراف: ٦٥] يَقُولُ: أَفَلَا تَخْشَوْنَ بِعِبَادَتِكُمْ غَيْرَهُ عِقَابَهُ أَنْ يَحِلَّ بِكُمْ
١٧ / ٣٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَنزَلَ مَلَائِكَةً مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ﴾ [المؤمنون: ٢٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَقَالَتْ جَمَاعَةُ أَشْرَافِ قَوْمِ نُوحٍ، الَّذِينَ جَحَدُوا تَوْحِيدَ اللَّهِ وَكَذَّبُوهُ، لِقَوْمِهِمْ: مَا نُوحُ أَيُّهَا الْقَوْمُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ، إِنَّمَا هُوَ إِنْسَانٌ مِثْلُكُمْ وَكَبَعْضِكُمْ، ﴿يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ﴾ [المؤمنون: ٢٤] يَقُولُ: يُرِيدُ أَنْ يَصِيرَ لَهُ الْفَضْلُ عَلَيْكُمْ، فَيَكُونَ مَتْبُوعًا وَأَنْتُمْ لَهُ تَبَعٌ. ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَنزَلَ مَلَائِكَةً﴾ [المؤمنون: ٢٤] يَقُولُ: وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ لَا نَعْبُدَ شَيْئًا سِوَاهُ لِأَنْزِلَ مَلَائِكَةً، يَقُولُ: لَأَرْسَلَ بِالدُّعَاءِ إِلَى مَا يَدْعُوكُمْ إِلَيْهِ نُوحٌ مَلَائِكَةً تُؤَدِّي إِلَيْكُمْ رِسَالَتَهُ.
١٧ / ٣٤
وَقَوْلُهُ: ﴿مَا سَمِعْنَا بِهَذَا﴾ [المؤمنون: ٢٤] الَّذِي يَدْعُونَا إِلَيْهٌِ نُوحٌ مِنْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ لَنَا ⦗٣٥⦘ غَيْرُ اللَّهِ فِي الْقُرُونِ الْمَاضِيَةِ، وَهِيَ آبَاؤُهُمُ الْأَوَّلُونَ
١٧ / ٣٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا فَإِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ﴾ [المؤمنون: ٢٦] يَعْنِي ذَكْرُهُ مُخْبِرًا عَنْ قِيلِ الْمَلَأِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِ نُوحٍ ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ﴾ [المؤمنون: ٢٥] مَا نُوحٌ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جُنُونٌ. وَقَدْ يُقَالُ أَيْضًا لِلْجِنِّ جِنَّةٌ، فَيَتَّفِقُ الِاسْمُ وَالْمَصْدَرُ، وَهُوَ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿إِنْ هُوَ﴾ [الأنعام: ٩٠] كِنَايَةُ اسْمِ نُوحٍ
١٧ / ٣٥
وَقَوْلُهُ: ﴿فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ﴾ [المؤمنون: ٢٥] يَقُولُ: فَتَلَبَّثُوا بِهِ، وَتَنَظَّرُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ؛ يَقُولُ: إِلَى وَقْتٍ مَا. وَلَمْ يَعْنُوا بِذَلِكَ وَقْتًا مَعْلُومًا، إِنَّمَا هُوَ كَقَوْلِ الْقَائِلِ: دَعْهُ إِلَى يَوْمٍ مَا، أَوْ إِلَى وَقْتٍ مَا
١٧ / ٣٥
وَقَوْلُهُ: ﴿قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ﴾ [المؤمنون: ٢٦] يَقُولُ: قَالَ نُوحٌ دَاعِيًا رَبَّهُ مُسْتَنْصِرًا بِهِ عَلَى قَوْمِهِ، لَمَّا طَالَ أَمْرُهُ وَأَمْرُهُمْ، وَتَمَادَوْا فِي غَيِّهِمْ: ﴿رَبِّ انْصُرْنِي﴾ [المؤمنون: ٢٦] عَلَى قَوْمِي ﴿بِمَا كَذَّبُونِ﴾ [المؤمنون: ٢٦] يَعْنِي بِتَكْذِيبِهِمْ إِيَّايَ، فِيمَا بَلَّغْتُهُمْ مِنْ رِسَالَتِكَ، وَدَعَوْتُهُمْ إِلَيْهِ مِنْ تَوْحِيدِكَ
١٧ / ٣٥
وَقَوْلُهُ: ﴿فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ﴾ [المؤمنون: ٢٧] يَقُولُ: فَقُلْنَا لَهُ حِينَ اسْتَنْصَرَنَا عَلَى كَفَرَةِ قَوْمِهِ: اصْنَعِ الْفُلْكَ، وَهِيَ السَّفِينَةُ ﴿بِأَعْيُنِنَا﴾ [هود: ٣٧] يَقُولُ: بِمَرْأًى مِنَّا وَمَنْظَرٍ، ﴿وَوَحْيِنَا﴾ [هود: ٣٧] يَقُولُ: وَبِتَعْلِيمِنَا إِيَّاكَ صَنْعَتَهَا. ﴿فَإِذَا
١٧ / ٣٥
جَاءَ أَمْرُنَا﴾ [المؤمنون: ٢٧] يَقُولُ: فَإِذَا جَاءَ قَضَاؤُنَا فِي قَوْمِكَ، بِعَذَابِهِمْ وَهَلَاكِهِمْ؛ وَقَوْلُهُ: ﴿وَفَارَ التَّنُّورُ﴾ [هود: ٤٠] وَقَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا مَضَى اخْتِلَافَ الْمُخْتَلِفِينَ فِي صِفَةِ التَّنُّورِ وَالصَّوَابَ عِنْدَنَا مِنَ الْقَوْلِ فِيهِ بِشَوَاهِدِهِ، بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ. ﴿فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ﴾ [المؤمنون: ٢٧] يَقُولُ: فَأَدْخِلْ فِي الْفُلْكِ وَاحْمِلْ. وَالْهَاءُ وَالْأَلِفُ فِي قَوْلِهِ ﴿فِيهَا﴾ [البقرة: ٢٥] مِنْ ذِكْرِ الْفُلْكِ ﴿مِنْ كُلِّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ﴾ [هود: ٤٠] . يُقَالُ: سَلَكْتُهُ فِي كَذَا، وَأَسْلَكْتُهُ فِيهِ؛ وَمِنْ سَلَكْتُهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
[البحر الوافر]
وَكُنْتُ لِزَازَ خَصْمِكَ لَمْ أُعَرِّدْ … وَقَدْ سَلَكُوكَ فِي يَوْمٍ عَصِيبِ
وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: أَسْلَكْتُ بِالْأَلْفِ؛ وَمِنْهُ قُولُ الْهُذَلِيِّ.
[البحر البسيط]
حَتَّى إِذَا أَسْلَكُوهُمْ فِي قَتَائِدَةٍ شَلًّا … كَمَا تَطْرُدِ الْجَمَّالَةُ الشُّرُدَا
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٧ / ٣٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ﴾ [المؤمنون: ٢٧] يَقُولُ لِنُوحٍ: اجْعَلْ فِي السَّفِينَةِ مِنْ كُلِّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ ⦗٣٧⦘. ﴿وَأَهْلَكَ﴾ [المؤمنون: ٢٧] وَهُمْ وَلَدُهُ وَنِسَاؤُهُمْ. ﴿إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ﴾ [هود: ٤٠] مِنَ اللَّهِ بِأَنَّهُ هَالِكٌ فِيمَنْ يَهْلِكُ مِنْ قَوْمِكَ، فَلَا تَحْمِلْهُ مَعَكَ، وَهُوَ يَامُ الَّذِي غَرِقَ ” ويعني بِقَوْلِهِ: ﴿مِنْهُمْ﴾ [المؤمنون: ٢٧] مِنْ أَهْلِكَ، وَالْهَاءُ وَالْمِيمُ فِي قَوْلِهِ ﴿مِنْهُمْ﴾ [المؤمنون: ٢٧] مِنْ ذِكْرِ الْأَهْلِ
١٧ / ٣٦
وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَا تُخَاطِبْنِي﴾ [هود: ٣٧] الْآيَةُ، يَقُولُ: وَلَا تَسْأَلْنِي فِي الَّذِينَ كَفَرُوا بِاللَّهِ أَنْ أُنَجِّيَهُمْ. ﴿إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ﴾ [هود: ٣٧] يَقُولُ: فَإِنِّي قَدْ حَتَّمْتُ عَلَيْهِمْ أَنْ أُغْرِقَ جَمِيعَهُمْ
١٧ / ٣٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ [المؤمنون: ٢٨] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ﴾ [المؤمنون: ٢٨] فَإِذَا اعْتَدَلَتْ فِي السَّفِينَةِ أَنْتَ وَمَعَكَ مِمَّنْ حَمَلْتَهُ مَعَكَ مِنْ أَهْلِكَ، رَاكِبًا فِيهَا عَالِيًا فَوْقَهَا؛ ﴿فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ [المؤمنون: ٢٨] يَعْنِي مِنَ الْمُشْرِكِينَ
١٧ / ٣٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَقُلْ رَبِّ أَنْزَلَنِي مُنْزَلًا مُبَارَكًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ﴾ [المؤمنون: ٣٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ نُوحٍ عليه السلام: وَقُلْ إِذَا سَلَّمَكَ اللَّهُ وَأَخْرَجَكَ مِنَ الْفُلْكِ فَنَزَلَتْ عَنْهَا: ﴿رَبِّ أَنْزَلَنِي مُنْزَلًا﴾ [المؤمنون: ٢٩] مِنَ الْأَرْضِ ﴿مُبَارَكًا وَأَنْتَ خَيْرُ﴾ [المؤمنون: ٢٩] مَنْ أَنْزَلَ عِبَادَهُ الْمَنَازِلَوَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٧ / ٣٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿مُنْزَلًا مُبَارَكًا﴾ [المؤمنون: ٢٩] قَالَ: «لِنُوحٍ حِينَ نَزَلَ مِنَ السَّفِينَةِ» حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ. فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ: ﴿رَبِّ أَنْزَلَنِي مُنْزَلًا مُبَارَكًا﴾ [المؤمنون: ٢٩] بِضَمِّ الْمِيمِ، وَفَتْحِ الزَّايِ. بِمَعْنَى: أَنْزِلْنِي إِنْزَالًا مُبَارَكًا. وَقَرَأَهُ عَاصِمٌ: (مَنْزِلًا) بِفَتْحِ الْمِيمِ، وَكَسْرِ الزَّايِ. بِمَعْنَى: أَنْزَلَنِي مَكَانًا مُبَارَكًا وَمَوْضِعًا
١٧ / ٣٨
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ﴾ [يونس: ٦٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ فِيمَا فَعَلْنَا بِقَوْمِ نُوحٍ يَا مُحَمَّدُ مِنْ إِهْلَاكِنَاهُمْ إِذْ كَذَّبُوا رُسُلَنَا، وَجَحَدُوا وَحْدَانِيَّتَنَا، وعَبَدُوا الْآلِهَةَ وَالْأَصْنَامَ، لِعِبَرًا لِقَوْمِكَ مِنْ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ، وَعِظَاتٍ، وَحُجَجًا لَنَا، يَسْتَدِلُّونَ بِهَا عَلَى سُنَّتِنَا فِي أَمْثَالِهِمْ، فَيَنْزَجِرُوا عَنْ كُفْرِهِمْ، وَيَرْتَدِعُوا عَنْ تَكْذِيبِكَ، حَذَرًا أَنْ يُصِيبَهُمْ مِثْلُ الَّذِي أَصَابَهُمْ مِنَ الْعَذَابِ. ⦗٣٩⦘ وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ﴾ [المؤمنون: ٣٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَكُنَّا مُخْتَبِرِيهِمْ بِتَذْكِيرِنَا إِيَّاهُمْ بِآيَاتِنَا، لَنَنْظُرَ مَا هُمْ عَامِلُونَ قَبْلَ نُزُولِ عُقُوبَتِنَا بِهِمْ
١٧ / ٣٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ثُمَّ أَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ فَأَرْسَلْنَا فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ﴾ [المؤمنون: ٣٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ثُمَّ أَحْدَثْنَا مِنْ بَعْدِ مَهْلِكِ قَوْمِ نُوحٍ قَرْنًا آخَرِينَ فَأَوْجَدْنَاهُمْ. ﴿فَأَرْسَلْنَا فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ﴾ [المؤمنون: ٣٢] دَاعِيًا لَهُمْ، ﴿أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ﴾ [المائدة: ١١٧] يَا قَوْمِ، وَأَطِيعُوهُ دُونَ الْآلِهَةِ وَالْأَصْنَامِ، فَإِنَّ الْعِبَادَةَ لَا تَنْبَغِي إِلَّا لَهُ. ﴿مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾ [الأعراف: ٥٩] يَقُولُ: مَا لَكُمْ مِنْ مَعْبُودٍ يَصْلُحُ أَنْ تَعْبُدُوا سِوَاهُ. ﴿أَفَلَا تَتَّقُونَ﴾ [الأعراف: ٦٥] أَفَلَا تَخَافُونَ عِقَابَ اللَّهِ بِعِبَادَتِكُمْ شَيْئًا دُونَهُ، وَهُوَ الْإِلَهُ الَّذِي لَا إِلَهَ لَكُمْ سِوَاهُ
١٧ / ٣٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ﴾ [المؤمنون: ٣٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَقَالَتِ الْأَشْرَافُ مِنْ قَوْمِ الرَّسُولِ الَّذِي أَرْسَلْنَا بَعْدَ نُوحٍ. وَعُنِيَ بِالرَّسُولِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: صَالِحًا، وَبِقَوْمِهِ: ثَمُودَ. ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الْآخِرَةِ﴾ [المؤمنون: ٣٣] يَقُولُ: الَّذِينَ جَحَدُوا تَوْحِيدَ اللَّهِ. ﴿وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الْآخِرَةِ﴾ [المؤمنون: ٣٣] يَعْنِي: كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ فِي الْآخِرَةِ
١٧ / ٣٩
وَقَوْلُهُ: وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا يَقُولُ: وَنَعَّمْنَاهُمْ فِي حَيَاتِهِمُ الدُّنْيَا ⦗٤٠⦘ بِمَا وَسَّعَنَا عَلَيْهِمْ مِنَ الْمَعَاشِ وَبَسَطْنَا لَهُمْ مِنَ الرِّزْقِ، حَتَّى بَطِرُوا وَعَتَوْا عَلَى رَبِّهِمْ وَكَفَرُوا؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الرَّاجِزِ: وَقَدْ أُرَانِي بِالدِّيَارِ مُتْرَفَا
١٧ / ٣٩
وَقَوْلُهُ: مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلَكُمْ يَقُولُ: قَالُوا: بَعَثَ اللَّهُ صَالِحًا إِلَيْنَا رَسُولًا مِنْ بَيْنِنَا، وَخَصَّهُ بِالرِّسَالَةِ دُونَنَا، وَهُوَ إِنْسَانٌ مِثْلُنَا يَأْكُلُ مِمَّا نَأْكُلُ مِنْهُ مِنَ الطَّعَامِ وَيَشْرَبُ مِمَّا نَشْرَبُ، وَكَيْفَ لَمْ يُرْسِلْ مَلَكًا مِنْ عِنْدِهِ يُبَلِّغُنَا رِسَالَتَهُ؟ قَالَ: وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ مَعْنَاهُ: مِمَّا تَشْرَبُونَ مِنْهُ، فَحَذَفَ مِنَ الْكَلَامِ (مِنْهُ)، لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ: وَيَشْرَبُ مِنْ شَرَابِكُمْ، وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ: شَرِبْتُ مِنْ شَرَابِكَ
١٧ / ٤٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَرًا مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ﴾ [المؤمنون: ٣٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُخْبِرًا عَنْ قِيلِ الْمَلَأِ مِنْ قَوْمِ صَالِحٍ لِقَوْمِهِمْ: ﴿وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَرًا مِثْلَكُمْ﴾ [المؤمنون: ٣٤] فَاتَّبَعْتُمُوهُ وَقَبِلْتُمْ مَا يَقُولُ وَصَدَّقْتُمُوهُ. ﴿إِنَّكُمْ﴾ [البقرة: ٥٤] أَيُّهَا الْقَوْمُ ⦗٤١⦘ ﴿إِذًا لَخَاسِرُونَ﴾ [الأعراف: ٩٠] يَقُولُ: قَالُوا: إِنَّكُمْ إِذَنْ لَمَغْبُونُونَ حُظُوظَكُمْ مِنَ الشَّرَفِ وَالرِّفْعَةِ فِي الدُّنْيَا، بِاتِّبَاعِكُمْ إِيَّاهُ
١٧ / ٤٠
قَوْلُهُ: أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا الْآيَةُ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالُوا لَهُمْ: أَيَعِدُكُمْ صَالِحٌ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا فِي قُبُورِكُمْ وَعِظَامًا قَدْ ذَهَبَتْ لُحُومُ أَجْسَادِكُمْ، وَبَقِيَتْ عِظَامُهَا، أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ مِنْ قُبُورِكُمْ أَحْيَاءً كَمَا كُنْتُمْ قَبْلَ مَمَاتِكُمْ؟ وَأُعِيدَتْ (أَنَّكُمْ) مَرَّتَيْنِ، وَالْمَعْنَى: أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا مُخْرَجُونَ مَرَّةً وَاحِدَةً، لَمَّا فَرَّقَ بَيْنَ (أَنَّكُمُ) الْأُولَى وَبَيْنَ خَبَرِهَا بِـ (إِذَا)، وَكَذَلِكَ تَفْعَلُ الْعَرَبُ بِكُلِّ اسْمٍ أَوْقَعَتْ عَلَيْهِ الظَّنَّ وَأَخَوَاتِهِ، ثُمَّ اعْتَرَضَتْ بِالْجَزَاءِ دُونَ خَبَرِهِ، فَتُكَرِّرُ اسْمَهُ مَرَّةً، وَتَحْذِفُهُ أُخْرَى، فَتَقُولُ: أَظُنُّ أَنَّكَ إِنْ جَالَسْتَنَا أَنَّكَ مُحْسِنٌ، فَإِنْ حَذَفْتَ (أَنَّكَ) الْأُولَى أَوِ الثَّانِيَةَ صَلُحَ، وَإِنْ أَثْبَتَّهُمَا صَلُحَ، وَإِنْ لَمْ تَعْتَرِضْ بَيْنَهُمَا بِشَيْءٍ لَمْ يَجُزْ، خَطَأٌ أَنْ يُقَالَ: أَظُنُّ أَنَّكَ أَنَّكَ جَالِسٌ. وَذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ: «أَيَعِدُكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعَظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ»
١٧ / ٤١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ﴾ [المؤمنون: ٣٧]⦗٤٢⦘ وَهَذَا خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْ قَوْلِ الْمَلَأِ مِنْ ثَمُودَ أَنَّهُمْ قَالُوا: ﴿هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ﴾ [المؤمنون: ٣٦] أَيْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ أَيُّهَا الْقَوْمُ، مِنْ أَنَّكُمْ بَعْدَ مَوْتِكُمْ وَمَصِيرِكُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا مُخْرَجُونَ أَحْيَاءً مِنْ قُبُورِكُمْ، يَقُولُونَ: ذَلِكَ غَيْرُ كَائِنٍوَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٧ / ٤١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ يَقُولُ: «بَعِيدٌ بَعِيدٌ»
١٧ / ٤٢
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ﴾ [المؤمنون: ٣٦] قَالَ: «يَعْنِي الْبَعْثَ» وَالْعَرَبُ تُدْخِلُ اللَّامَ مَعَ (هَيْهَاتَ) فِي الِاسْمِ الَّذِي يَصْحَبُهَا، وَتَنْزَعُهَا مِنْهُ، تَقُولُ: هَيْهَاتَ لَكَ هَيْهَاتَ، وَهَيْهَاتَ مَا تَبْتَغِي هَيْهَاتَ؛ وَإِذَا أَسْقَطَتِ اللَّامُ رَفَعَتِ الِاسْمَ، بِمَعْنَى هَيْهَاتَ، كَأَنَّهُ قَالَ: بَعِيدٌ مَا يَنْبَغِي لَكَ؛ كَمَا قَالَ جَرِيرٌ:
[البحر الطويل]
⦗٤٣⦘ فَهَيْهَاتَ هَيْهَاتَ الْعَقِيقُ وَمَنْ بِهِ … وَهَيْهَاتَ خِلٌّ بِالْعَقِيقِ نُوَاصِلُهْ
كَأَنَّهُ قَالَ: الْعَقِيقُ وَأَهْلُهُ. وَإِنَّمَا دَخَلَتِ اللَّامُ مَعَ هَيْهَاتَ فِي الِاسْمِ لِأَنَّهُمْ قَالُوا: (هَيْهَاتَ) أَدَاةٌ غَيْرُ مَأْخُوذَةٍ مِنْ فِعْلٍ، فَأَدْخَلُوا مَعَهَا فِي الِاسْمِ اللَّامَ. كَمَا أَدْخَلُوهَا مَعَ هَلُمَّ لَكَ. إِذْ لَمْ تَكُنْ مَأْخُوذَةً مِنْ فِعْلٍ. فَإِذَا قَالُوا أَقْبِلْ. لَمْ يَقُولُوا لَكَ. لِاحْتِمَالِ الْفِعْلِ ضَمِيرَ الِاسْمِ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي كَيْفِيَّةِ الْوَقْفِ عَلَى هَيْهَاتَ، فَكَانَ الْكِسَائِيُّ يَخْتَارُ الْوقُوفَ فِيهَا بِالْهَاءِ. لِأَنَّهَا مَنْصُوبَةٌ، وَكَانَ الْفَرَّاءُ يَخْتَارُ الْوقُوفَ عَلَيْهَا بِالتَّاءِ. وَيَقُولُ: مِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَخْفِضُ التَّاءَ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ بِهَاءِ التَّأْنِيثِ. فَصَارَتْ بِمَنْزِلَةِ: دَرَاكِ، وَنَظَارِ؛ وَأَمَّا نَصْبُ التَّاءِ فِيهِمَا. فَلِأَنَّهُمَا أَدَاتَانِ. فَصَارَتَا بِمَنْزِلَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ. وَكَانَ الْفَرَّاءُ يَقُولُ: إِنْ قِيلَ: إِنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مُسْتَغْنِيَةٌ بِنَفْسِهَا يَجُوزُ الْوقُوفُ عَلَيْهَا. وَإِنَّ نَصْبَهَا كَنَصْبِ قَوْلِهِ: ثُمَّتَ جَلَسْتُ؛ وَبِمَنْزِلَةِ قَوْلِ الشَّاعِرِ:
[البحر السريع]
مَاوِيَّ يَا رُبَّتَمَا غَارَةٍ … شَعْوَاءَ كَاللَّذْعَةِ بِالْمَيْسَمِ
⦗٤٤⦘ قَالَ: فَنَصْبُ (هَيْهَاتَ) بِمَنْزِلَةِ هَذِهِ الْهَاءِ الَّتِي فِي (رُبَّتَ) لِأَنَّهَا دَخَلَتْ عَلَى حَرْفٍ، عَلَى (رُبَّ) وَعَلَى (ثُمَّ)، وَكَانَا أَدَاتَيْنِ، فَلَمْ تُغَيِّرْهَا عَنْ أَدَاتِهِمَا فَنُصِبَا. وَاخْتَلَفَ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ. فَقَرَأَتْهُ قُرَّاءُ الْأَمْصَارِ غَيْرَ أَبِي جَعْفَرٍ: ﴿هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ﴾ [المؤمنون: ٣٦] بِفَتْحِ التَّاءِ فِيهِمَا. وَقَرَأَ ذَلِكَ أَبُو جَعْفَرٍ: (هَيْهَاتِ هَيْهَاتِ) بِكَسْرِ التَّاءِ فِيهِمَا. وَالْفَتْحُ فِيهِمَا هُوَ الْقِرَاءَةُ عِنْدَنَا، لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَيْهِ
١٧ / ٤٢
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا﴾ [الأنعام: ٢٩] يَقُولُ: مَا حَيَاةٌ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا الَّتِي نَحْنُ فِيهَا ﴿نَمُوتُ وَنَحْيَا﴾ [المؤمنون: ٣٧] يَقُولُ: تَمُوتُ الْأَحْيَاءُ مِنَّا، فَلَا تَحْيَا، وَيُحْدَثُ آخَرُونَ مِنَّا فَيُولَدُونَ أَحْيَاءً. ﴿وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ﴾ [الأنعام: ٢٩] يَقُولُ: قَالُوا: وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ بَعْدَ الْمَمَاتِ
١٧ / ٤٤
كَمَا حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَحْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ قَالَ: «يَقُولُ: لَيْسَ آخِرَةٌ وَلَا بَعْثٌ، يَكْفُرُونَ بِالْبَعْثِ، يَقُولُونَ: إِنَّمَا هِيَ حَيَاتُنَا هَذِهِ، ثُمَّ نَمُوتُ وَلَا نَحْيَا، يَمُوتُ هَؤُلَاءِ، وَيَحْيَا هَؤُلَاءِ، يَقُولُونَ: إِنَّمَا النَّاسُ كَالزَّرْعِ، يُحْصَدُ هَذَا، وَيَنْبُتُ هَذَا: يَقُولُونَ: يَمُوتُ هَؤُلَاءِ، وَيَأْتِي آخَرُونَ. وَقَرَأَ: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلًٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ، وَقَرَأَ: لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ»
١٧ / ٤٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ قَالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ﴾ [المؤمنون: ٣٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالُوا مَا صَالِحٌ إلَّا رَجُلٌ اخْتَلَقَ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فِي قَوْلِهِ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُ اللَّهِ، وَفِي وَعْدِهِ إِيَّاكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ. وَقَوْلُهُ: ﴿هُوَ﴾ [البقرة: ٢٩] مِنْ ذِكْرِ الرَّسُولِ، وَهُوَ صَالِحٌ ﴿وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ﴾ [المؤمنون: ٣٨] فِيمَا يَقُولُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ لَنَا غَيْرُ اللَّهِ، وَفِيمَا يَعِدُنَا مِنَ الْبَعْثِ بَعْدَ الْمَمَاتِ
١٧ / ٤٥
وَقَوْلُهُ: قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ يَقُولُ: قَالَ صَالِحٌ لَمَّا أَيسَ مِنْ إِيمَانِ قَوْمِهِ بِاللَّهِ وَمِنْ تَصْدِيقِهِمْ إِيَّاهُ بِقَوْلِهِمْ وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى هَؤُلَاءِ بِمَا كَذَّبُونِ يَقُولُ: بِتَكْذِيبِهِمْ إِيَّايَ فِيمَا دَعَوْتُهُمْ إِلَيْهِ مِنَ الْحَقِّ. فَاسْتَغَاثَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ بِرَبِّهِ مِنْ أَذَاهُمْ إِيَّاهُ، وَتَكْذِيبِهِمْ لَهُ، فَقَالَ اللَّهُ لَهُ مُجِيبًا فِي مَسْأَلَتِهِ إِيَّاهُ مَا سَأَلَ: عَنْ قَلِيلٍ يَا صَالِحُ لَيُصْبِحَنَّ مُكَذِّبُوكَ مِنْ قَوْمِكَ عَلَى تَكْذِيبِهِمْ إِيَّاكَ نَادِمِينَ، وَذَلِكَ حِينَ تَنْزِلُ بِهِمْ نِقْمَتُنَا فَلَا يَنْفَعُهُمُ النَّدَمُ
١٧ / ٤٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً فَبُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ، فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الصَّيْحَةَ فَأَخَذَتْهُمْ بِالْحَقِّ؛ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ عَاقَبَهُمْ بِاسْتِحْقَاقِهِمُ الْعِقَابَ مِنْهُ بِكُفْرِهِمْ بِهِ، وَتَكْذِيبِهِمْ رَسُولَهُ. ⦗٤٦⦘ فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً يَقُولُ: فَصَيَّرْنَاهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْغُثَاءِ، وَهُوَ مَا ارْتَفَعَ عَلَى السَّيْلِ وَنَحْوِهِ، كَمَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ فِي شَيْءٍ. فَإِنَّمَا هَذَا مَثَلٌ، وَالْمَعْنَى: فَأَهْلَكْنَاهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ كَالشَّيْءِ الَّذِي لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٧ / ٤٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً فَبُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ [المؤمنون: ٤١] يَقُولُ: «جُعِلُوا كَالشَّيْءِ الْمَيِّتِ الْبَالِي مِنَ الشَّجَرِ»
١٧ / ٤٦
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿غُثَاءً﴾ [المؤمنون: ٤١] «كَالرَّمِيمِ الْهَامِدِ، الَّذِي يَحْتَمِلُ السَّيْلُ»
١٧ / ٤٦
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: ﴿فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً﴾ [المؤمنون: ٤١] قَالَ: «كَالرَّمِيمِ الْهَامِدِ الَّذِي يَحْتَمِلُ السَّيْلُ»
١٧ / ٤٦
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً﴾ [المؤمنون: ٤١] قَالَ: «هُوَ الشَّيْءُ الْبَالِي» ⦗٤٧⦘ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، مِثْلَهُ
١٧ / ٤٦
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً﴾ [المؤمنون: ٤١] قَالَ: «هَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ»
١٧ / ٤٧
وَقَوْلُهُ: ﴿فَبُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ [المؤمنون: ٤١] يَقُولُ: فَأَبْعَدَ اللَّهُ الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ بِهَلَاكِهِمْ، إِذْ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ، وَعَصَوْا رُسُلَهُ، وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ
١٧ / ٤٧
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «أُولَئِكَ ثَمُودُ، يَعْنِي قَوْلُهُ: ﴿فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً فَبُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ [المؤمنون: ٤١]»
١٧ / ٤٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ثُمَّ أَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قُرُونًا آخَرِينَ مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ﴾ [المؤمنون: ٤٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ثُمَّ أَحْدَثْنَا مِنْ بَعْدِ هَلَاكِ ثَمُودَ قَوْمًا آخَرِينَ
١٧ / ٤٧
وَقَوْلُهُ: ﴿مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا﴾ [الحجر: ٥] يَقُولُ: مَا يَتَقَدَّمُ هَلَاكُ أُمَّةٍ مِنْ تِلْكَ الْأُمَمِ الَّتِي أَنْشَأْنَاهَا بَعْدَ ثَمُودَ قَبْلَ الْأَجَلِ الَّذِي أَجَّلْنَا لِهَلَاكِهَا، وَلَا يَسْتَأْخِرُ هَلَاكُهَا عَنِ الْأَجَلِ الَّذِي أَجَّلْنَا لِهَلَاكِهَا، وَالْوَقْتِ الَّذِي وَقَّتْنَا لِفَنَائِهَا؛ وَلَكِنَّهَا تَهْلِكُ لِمَجِيئِهِ. وَهَذَا وَعِيدٌ مِنَ اللَّهِ لِمُشْرِكِي قَوْمِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ ﷺ، وَإِعْلَامٌ مِنْهُ لَهُمْ أَنَّ تَأْخِيرَهُ فِي آجَالِهِمْ ⦗٤٨⦘ مَعَ كُفْرِهِمْ بِهِ، وَتَكْذِيبِهِمْ رَسُولَهُ، لِيَبْلُغُوا الْأَجَلَ الَّذِي أَجَّلَ لَهُمْ، فَيُحِلُّ بِهِمْ نِقْمَتَهُ، كَسُنَّتِهِ فِيمَنْ قَبْلَهُمْ مِنَ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ
١٧ / ٤٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضًا وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ فَبُعْدًا لِقَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ثُمَّ أَرْسَلْنَا إِلَى الْأُمَمِ الَّتِي أَنْشَأْنَا بَعْدَ ثَمُودَ رُسُلَنَا تَتْرَى يَعْنِي: يَتْبَعُ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَبَعْضُهَا فِي أَثَرِ بَعْضٍ. وَهِيَ مِنَ الْمُوَاتَرَةِ، وَهِيَ اسْمٌ لِجَمْعٍ، مِثْلُ (شَيْءٍ)، لَا يُقَالُ: جَاءَنِي فُلَانٌ تَتْرَى، كَمَا لَا يُقَالُ: جَاءَنِي فُلَانٌ مُوَاتَرَةً، وَهِيَ تُنَوَّنُ وَلَا تُنَوَّنُ، وَفِيهَا الْيَاءُ، فَمَنْ لَمْ يُنَوِّنْهَا فَعْلَى، مِنْ وَتَرْتُ، وَمَنْ قَالَ (تَتْرَا) يُوهِمُ أَنَّ الْيَاءَ أَصْلِيَّةٌ، كَمَا قِيلَ: مِعْزًى بِالْيَاءِ، وَمَعْزَا وَبُهْمَى بِهِمَا، وَنَحْوُ ذَلِكَ، فَأُجْرِيَتْ أَحْيَانًا، وَتُرِكَ إِجْرَاؤُهَا أَحْيَانًا، فَمَنْ جَعَلَهَا (فَعْلَى) وَقَفَ عَلَيْهَا، أَشَارَ إِلَى الْكَسْرِ، وَمَنْ جَعَلَهَا أَلِفَ إِعْرَابٍ لَمْ يُشِرْ، لِأَنَّ أَلِفَ الْإِعْرَابِ لَا تُكْسَرُ، لَا يُقَالُ: رَأَيْتُ زَيْدًا، فَيُشَارُ فِيهِ إِلَى الْكَسْرِوَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٧ / ٤٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثنا مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ⦗٤٩⦘ قَوْلُهُ: ﴿ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى﴾ يَقُولُ: «يَتْبَعُ بَعْضُهَا بَعْضًا»
١٧ / ٤٨
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿ثُمَّ أَرُسُلَنَا رُسُلَنَا تَتْرَى﴾ يَقُولُ: «بَعْضُهَا عَلَى أَثَرِ»
١٧ / ٤٩
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿تَتْرَى﴾ قَالَ: «اتِّبَاعُ بَعْضِهَا بَعْضًا»
١٧ / ٤٩
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿ثُمَّ أَرُسُلَنَا رُسُلَنَا تَتْرَى﴾ قَالَ: يَتْبَعُ بَعْضُهَا بَعْضًا “
١٧ / ٤٩
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ، ﴿ثُمَّ أَرُسُلَنَا رُسُلَنَا تَتْرَى﴾ قَالَ: «بَعْضُهُمْ عَلَى أَثَرِ بَعْضٍ، يَتْبَعُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا» وَاخْتَلَفَتْ قُرَّاءُ الْأَمْصَارِ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ قُرَّاءِ أَهْلِ مَكَّةَ وَبَعْضُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَبَعْضُ أَهْلِ الْبَصْرَةِ: (تَتْرًى) بِالتَّنْوِينِ. ⦗٥٠⦘ وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ مَكَّةَ، وَبَعْضُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَعَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ يَقْرَءُونَهُ: ﴿تَتْرَى﴾ بِإِرْسَالِ الْيَاءِ عَلَى مِثَالِ (فَعْلَى) . وَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ، وَلُغَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ؛ غَيْرَ أَنِّي مَعَ ذَلِكَ أَخْتَارُ الْقِرَاءَةَ بِغَيْرِ تَنْوِينٍ، لِأَنَّهُ أَفْصَحُ اللُّغَتَيْنِ وَأَشْهَرُهُمَا
١٧ / ٤٩
وَقَوْلُهُ: ﴿كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ﴾ [المؤمنون: ٤٤] يَقُولُ: كُلَّمَا جَاءَ أُمَّةً مِنْ تِلْكِ الْأُمَمِ الَّتِي أَنْشَأْنَاهَا بَعْدَ ثَمُودَ رَسُولُهَا الَّذِي نُرْسِلُهُ إِلَيْهِمْ، كَذَّبُوهُ فِيمَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنَ الْحَقِّ مِنْ عِنْدِنَا
١٧ / ٥٠
وَقَوْلُهُ: ﴿فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضًا﴾ [المؤمنون: ٤٤] يَقُولُ: فَأَتْبَعْنَا بَعْضَ تِلْكَ الْأُمَمِ بَعْضًا بِالْهَلَاكِ، فَأَهْلَكْنَا بَعْضَهُمْ فِي إِثْرِ بَعْضٍ
١٧ / ٥٠
وَقَوْلُهُ: ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ﴾ [المؤمنون: ٤٤] لِلنَّاسِ، وَمَثَلًا يُتَحَدَّثُ بِهِمْ، وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ جَمْعَ حَدِيثٍ. وَإِنَّمَا قِيلَ: ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ﴾ [المؤمنون: ٤٤] لِأَنَّهُمْ جُعِلُوا حَدِيثًا، وَمَثَلًا يُتَمَثَّلُ بِهِمْ فِي الشَّرِّ، وَلَا يُقَالُ فِي الْخَيْرِ: جَعَلْتُهُ حَدِيثًا، وَلَا أُحْدُوثَةٌ
١٧ / ٥٠
وَقَوْلُهُ: ﴿فَبُعْدًا لِقَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ [المؤمنون: ٤٤] يَقُولُ: فَأَبْعَدَ اللَّهُ قَوْمًا لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا يُصَدِّقُونَ بِرَسُولِهِ
١٧ / ٥٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ ⦗٥١⦘ مُبِينٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا عَالِينَ﴾ [المؤمنون: ٤٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ثُمَّ أَرْسَلْنَا بَعْدَ الرُّسُلِ الَّذِينَ وَصَفَ صِفَتَهُمْ قَبْلَ هَذِهِ الْآيَةِ، مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَأَشْرَافِ قَوْمِهِ مِنَ الْقِبْطِ ﴿بِآيَاتِنَا﴾ [البقرة: ٣٩] يَقُولُ: بِحُجَجِنَا، إِلَى فِرْعَوْنَ، وَأَشْرَافِ قَوْمِهِ مِنَ الْقِبْطِ ﴿فَاسْتَكْبَرُوا﴾ [الأعراف: ١٣٣] عَنِ اتِّبَاعِهَا، وَالْإِيمَانِ بِمَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ. ﴿وَكَانُوا قَوْمًا عَالِينَ﴾ [المؤمنون: ٤٦] يَقُولُ: وَكَانُوا قَوْمًا عَالِينَ عَلَى أَهْلِ نَاحِيَتِهِمْ وَمَنْ فِي بِلَادِهِمْ مِنْ بَنَى إِسْرَائِيلَ وَغَيْرِهِمْ بِالظُّلْمِ، قَاهِرِينَ لَهُمْ. وَكَانَ ابْنُ زَيْدٍ يَقُولُ فِي ذَلِكَ
١٧ / ٥٠
مَا حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، وَقَوْلُهُ: ﴿وَكَانُوا قَوْمًا عَالِينَ﴾ [المؤمنون: ٤٦] قَالَ: «عَلَوْا عَلَى رُسُلِهِمْ، وَعَصَوْا رَبَّهُمْ؛ ذَلِكَ عُلُوُّهُمْ» وَقَرَأَ: ﴿تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ﴾ [القصص: ٨٣] الْآيَةَ
١٧ / ٥١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ فَكَذَّبُوهُمَا فَكَانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ﴾ [المؤمنون: ٤٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَقَالَ فِرْعَوْنُ وَمَلُؤُهُ: ﴿أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا﴾ [المؤمنون: ٤٧] فَنَتَّبِعُهُمَا ﴿وَقَوْمُهُمَا﴾ [المؤمنون: ٤٧] مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ ﴿لَنَا عَابِدُونَ﴾ [المؤمنون: ٤٧] يَعْنُونَ أَنَّهُمْ لَهُمْ مُطِيعُونَ مُتَذَلِّلُونَ، يَأْتَمِرُونَ لَأَمْرِهِمْ، وَيَدِينُونَ لَهُمْ وَالْعَرَبُ تُسَمِّي كُلَّ مَنْ دَانَ لِمَلِكٍ عَابِدًا لَهُ، وَمِنْ ذَلِكَ قِيلَ لِأَهْلِ الْحِيرَةِ: الْعِبَادُ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا أَهْلَ طَاعَةٍ لِمُلُوكِ الْعَجَمِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٧ / ٥١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: «قَالَ فِرْعَوْنُ ⦗٥٢⦘: ﴿أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا﴾ [المؤمنون: ٤٧] . الْآيَةَ، نَذْهَبُ نَرْفَعُهُمْ فَوْقَنَا، وَنَكُونُ تَحْتَهُمْ، وَنَحْنُ الْيَوْمَ فَوْقَهُمْ وَهُمْ تَحْتَنَا، كَيْفَ نَصْنَعُ ذَلِكَ؟ وَذَلِكَ حِينَ أَتَوْهُمْ بِالرِّسَالَةِ» وَقَرَأَ: ﴿وَتَكُونُ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الْأَرْضِ﴾ [يونس: ٧٨] قَالَ: «الْعُلُوُّ فِي الْأَرْضِ»
١٧ / ٥١
وَقَوْلُهُ: ﴿فَكَذَّبُوهُمَا فَكَانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ﴾ [المؤمنون: ٤٨] يَقُولُ: فَكَذَّبَ فِرْعَوْنُ وَمَلُؤُهُ مُوسَى وَهَارُونَ، فَكَانُوا مِمَّنْ أَهْلَكَهُمُ اللَّهُ كَمَا أَهْلَكَ مَنْ قَبْلَهُمْ مِنَ الْأُمَمِ بِتَكْذِيبِهَا رُسُلَهَا
١٧ / ٥٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ﴾ [المؤمنون: ٥٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى التَّوْرَاةَ، لِيَهْتَدِيَ بِهَا قَوْمُهُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَيَعْمَلُوا بِمَا فِيهَا ﴿وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ﴾ [المؤمنون: ٥٠] يَقُولُ: وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ حُجَّةً لَنَا عَلَى مَنْ كَانَ بَيْنَهُمْ، وَعَلَى قُدْرَتِنَا عَلَى إِنْشَاءِ الْأَجْسَامِ مِنْ غَيْرِ أَصْلٍ، كَمَا أَنْشَأْنَا خَلْقُ عِيسَى مِنْ غَيْرِ أَبٍ
١٧ / ٥٢
كَمَا حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ﴾ [المؤمنون: ٥٠] قَالَ: «وَلَدَتْهُ مِنْ غَيْرِ أَبٍ هُوَ لَهُ» وَلِذَلِكَ وُحِّدَتِ الْآيَةُ، وَقَدْ ذُكِرَ مَرْيَمُ وَابْنُهَا
١٧ / ٥٢
وَقَوْلُهُ ﴿وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ﴾ [المؤمنون: ٥٠] يَقُولُ: وَضَمَمْنَاهُمَا وَصَيَّرْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ، ⦗٥٣⦘ يُقَالُ: أَوَى فُلَانٌ إِلَى مَوْضِعِ كَذَا، فَهُوَ يَأْوِي إِلَيْهِ. إِذَا صَارَ إِلَيْهِ؛ وَعَلَى مِثَالِ أَفْعَلْتُهُ، فَهُوَ يُؤْوِيهِ وَقَوْلُهُ ﴿إِلَى رَبْوَةٍ﴾ [المؤمنون: ٥٠] يَعْنِي: إِلَى مَكَانٍ مُرْتَفِعٍ مِنَ الْأَرْضِ عَلَى مَا حَوْلَهُ؛ وَلِذَلِكَ قِيلَ لِلرَّجُلِ يَكُونُ فِي رِفْعَةٍ مِنْ قَوْمِهِ وَعِزٍّ وَشَرَفٍ وَعَدَدٍ: هُوَ فِي رَبْوَةٍ مِنْ قَوْمِهِ، وَفِيهَا لُغَتَانِ: ضَمُّ الرَّاءِ، وَكَسْرُهَا إِذَا أُرِيدَ بِهَا الِاسْمُ، وَإِذَا أُرِيدَ بِهَا الْفَعْلَةُ مِنَ الْمَصْدَرِ قِيلَ: رَبَا رَبْوَةً وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمَكَانِ الَّذِي وَصَفَهُ اللَّهُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَآوَى إِلَيْهِ مَرْيَمَ وَابْنَهَا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ الرَّمْلَةُ مِنْ فِلَسْطِينَ
١٧ / ٥٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا صَفْوَانُ بْنُ عِيسَى قَالَ: ثنا بِشْرُ بْنُ رَافِعٍ قَالَ: ثني ابْنُ عَمٍّ لِأَبِي هُرَيْرَةَ يُقَالُ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ لَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ: «الْزَمُوا هَذِهِ الرَّمْلَةَ مِنْ فِلَسْطِينَ، فَإِنَّهَا الرَّبْوَةُ الَّتِي قَالَ اللَّهُ: ﴿وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ﴾ [المؤمنون: ٥٠]»
١٧ / ٥٣
حَدَّثَنِي عِصَامُ بْنُ رَوَّادِ بْنِ الْجَرَّاحِ، قَالَ: ثنا أَبِي قَالَ: ثنا عَبَّادٌ أَبُو عُتْبَةَ الْخَوَّاصُ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ أَبِي عَمْرٍو السَّيْبَانِيُّ، عَنِ ابْنِ وَعْلَةَ، عَنْ كُرَيْبٍ، ⦗٥٤⦘ قَالَ: مَا أَدْرِي مَا حَدَّثَنَا مُرَّةُ الْبَهْزِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ «ذَكَرَ أَنَّ الرَّبْوَةَ هِيَ الرَّمْلَةُ»
١٧ / ٥٣
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ بِشْرِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ عَمِّ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ فِي قَوْلِ اللَّهِ: «﴿إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ﴾ [المؤمنون: ٥٠] قَالَ: هِيَ الرَّمْلَةُ مِنْ فِلَسْطِينَ»
١٧ / ٥٤
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: ثنا صَفْوَانُ قَالَ: ثنا بِشْرُ بْنُ رَافِعٍ قَالَ: ثني أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ابْنُ عَمِّ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ لَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ: «الْزَمُوا هَذِهِ الرَّمْلَةَ الَّتِي بِفِلَسْطِينَ، فَإِنَّهَا الرَّبْوَةُ الَّتِي قَالَ اللَّهُ: ﴿وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ﴾ [المؤمنون: ٥٠]» وَقَالَ آخَرُونَ: هِيَ دِمَشْقُ
١٧ / ٥٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْوَلِيدِ الْقُرَشِيُّ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ﴾ [المؤمنون: ٥٠] قَالَ: «زَعَمُوا أَنَّهَا دِمَشْقُ»
١٧ / ٥٤
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ قَالَ: بَلَغَنِي عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ قَالَ: «دِمَشْقُ» حَدَّثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ ⦗٥٥⦘ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، مِثْلَهُ
١٧ / ٥٤
حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ بْنِ صَالِحٍ السَّهْمِيُّ قَالَ: ثنا ابْنُ بُكَيْرٍ قَالَ: ثنا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: ثني عَبْدُ اللَّهِ بْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ﴾ [المؤمنون: ٥٠] قَالَ: إِلَى رَبْوَةٍ مِنْ رُبَا مِصْرَ قَالَ: «وَلَيْسَ الرُّبَا إِلَّا فِي مِصْرَ، وَالْمَاءُ حِينَ يُرْسَلُ تَكُونُ الرُّبَا عَلَيْهَا الْقُرَى، لَوْلَا الرُّبَا لَغِرَقَتْ تِلْكَ الْقُرَى» وَقَالَ آخَرُونَ: هِيَ بَيْتُ الْمَقْدِسِ
١٧ / ٥٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: «هُوَ بَيْتُ الْمَقْدِسِ»
١٧ / ٥٥
قَالَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: كَانَ كَعْبٌ يَقُولُ: «بَيْتُ الْمَقْدِسِ أَقْرَبُ إِلَى السَّمَاءِ بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ مِيلًا» حَدَّثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ كَعْبٍ، مِثْلَهُ ⦗٥٦⦘ وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ بِتَأْوِيلِ ذَلِكَ: أَنَّهَا مَكَانٌ مُرْتَفِعٌ ذُو اسْتِوَاءٍ وَمَاءٍ ظَاهِرٍ؛ وَلَيْسَ كَذَلِكَ صِفَةُ الرَّمْلَةِ، لِأَنَّ الرَّمْلَةَ لَا مَاءَ بِهَا مَعِينٌ، وَاللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ وَصَفَ هَذِهِ الرَّبْوَةَ بِأَنَّهَا ذَاتُ قَرَارٍ وَمَعِينٍوَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ
١٧ / ٥٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ﴾ [المؤمنون: ٥٠] قَالَ: «الرَّبْوَةُ: الْمُسْتَوِيَةُ»
١٧ / ٥٦
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿إِلَى رَبْوَةٍ﴾ [المؤمنون: ٥٠] قَالَ: «مُسْتَوِيَةٌ» حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٧ / ٥٦
وَقَوْلُهُ: ﴿ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ﴾ [المؤمنون: ٥٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: مِنْ صِفَةِ الرَّبْوَةِ الَّتِي أَوَيْنَا إِلَيْهَا مَرْيَمَ وَابْنَهَا عِيسَى، أَنَّهَا أَرْضٌ مُنْبَسِطَةٌ، وَسَاحَةٌ وَذَاتُ مَاءٍ ظَاهِرٍ لِغَيْرٍِ الْبَاطِنِ جَارٍ. ⦗٥٧⦘ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٧ / ٥٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَمَعِينٍ﴾ [المؤمنون: ٥٠] قَالَ: «الْمَعِينُ: الْمَاءُ الْجَارِي، وَهُوَ النَّهَرُ الَّذِي قَالَ اللَّهُ: ﴿قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا﴾ [مريم: ٢٤]»
١٧ / ٥٧
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُمَارَةَ الْأَسَدِيُّ قَالَ: ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي يَحْيَى، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ﴾ [المؤمنون: ٥٠] قَالَ: «الْمَعِينُ: الْمَاءُ»
١٧ / ٥٧
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُمَارَةَ الْأَسَدِيُّ قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثنا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثنا الْحَسَنُ قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدِ: «مَعِينٍ قَالَ: مَاءٌ» حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٧ / ٥٧
حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّلْتِ، قَالَ: ثنا شَرِيكٌ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ سَعِيدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ﴾ [المؤمنون: ٥٠] قَالَ: الْمَكَانُ الْمُسْتَوِي، «وَالْمَعِينُ: الْمَاءُ الظَّاهِرُ»
١٧ / ٥٧
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَعِينٍ﴾ [المؤمنون: ٥٠] «هُوَ الْمَاءُ الظَّاهِرُ» وَقَالَ آخَرُونَ: عُنِيَ بِالْقَرَارِ الثِّمَارُ
١٧ / ٥٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ﴾ [المؤمنون: ٥٠] «هِيَ ذَاتُ ثِمَارٍ، وَهِيَ بَيْتُ الْمَقْدِسِ» حَدَّثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، مِثْلَهُ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَهَذَا الْقَوْلُ الَّذِي قَالَهُ قَتَادَةُ فِي مَعْنَى: ﴿ذَاتِ قَرَارٍ﴾ [المؤمنون: ٥٠] وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ: إِنَّهَا إِنَّمَا وُصِفَتْ بِأَنَّهَا ذَاتُ قَرَارٍ، لِمَا فِيهَا مِنَ الثِّمَارِ، وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ يَسْتَقِرُّ فِيهَا سَاكِنُوهَا، فَلَا وَجْهَ لَهُ نَعْرِفُهُ. وَأَمَّا ﴿مَعِينٍ﴾ [الصافات: ٤٥] فَإِنَّهُ مَفْعُولٌ مِنْ عِنْتُهُ فَأَنَا أُعِينُهُ، وَهُوَ مَعِينٌ؛ وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فَعِيلًا مِنْ مَعَنَ يَمْعَنُ، فَهُوَ مَعِينٌ مِنَ الْمَاعُونِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ عَبِيدِ بْنِ الْأَبْرَصِ:
[البحر البسيط]
وَاهِيَةٌ أَوْ مَعِينٌ مُمْعِنٌ … أَوْ هَضْبَةٌ دُونَهَا لَهُوبُ
١٧ / ٥٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾ [المؤمنون: ٥١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَقُلْنَا لِعِيسَى: يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الْحَلَالِ الَّذِي طَيَّبَهُ اللَّهُ لَكُمْ دُونَ الْحَرَامِ، ﴿وَاعْمَلُوا صَالِحًا﴾ [المؤمنون: ٥١] تَقُولُ فِي الْكَلَامِ لِلرَّجُلِ الْوَاحِدِ: أَيُّهَا الْقَوْمُ كُفُّوا عَنَّا أَذَاكُمْ، وَكَمَا قَالَ: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ﴾ [آل عمران: ١٧٣]، وَهُوَ رَجُلٌ وَاحِدٌوَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٧ / ٥٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ وَاصِلٍ، قَالَ: ثني عُبَيْدُ بْنُ إِسْحَاقَ الضَّبِّيُّ الْعَطَّارُ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عُمَرَ الْفَزَارِيِّ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ: ﴿يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا﴾ [المؤمنون: ٥١] قَالَ: «كَانَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَأْكُلُ مِنْ غَزْلِ أُمِّهِ»
١٧ / ٥٩
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾ [المؤمنون: ٥١] يَقُولُ: إِنِّي بِأَعْمَالِكُمْ ذُو عِلْمٍ، لَا يَخْفَى عَلَيَّ مِنْهَا شَيْءٌ، وَأَنَا مُجَازِيكُمْ بِجَمِيعِهَا، وَمُوَفِّيكُمْ أُجُورَكُمْ وَثَوَابَكُمْ عَلَيْهَا، فَخُذُوا فِي صَالِحَاتِ الْأَعْمَالِ وَاجْتَهِدُوا
١٧ / ٥٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ﴾ [المؤمنون: ٥٢] اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾ [المؤمنون: ٥٢]، فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ: (وَأَنَّ) بِالْفَتْحِ، بِمَعْنَى: إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ، وَأَنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً. فَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلَ (وَأَنَّ) فِي مَوْضِعِ خَفْضٍ، عَطْفٌ بِهَا عَلَى (مَا) مِنْ قَوْلِهِ: ﴿بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ [البقرة: ١١٠]، وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ إِذَا قُرِئَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَيَكُونُ مَعْنَى الْكَلَامِ حِينَئِذٍ: وَاعْلَمُوا أَنَّ هَذِهِ، وَيَكُونُ نَصْبُهَا بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ. وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفِيِّينَ بِالْكَسْرِ: ﴿وَإِنَّ﴾ [البقرة: ٢٣] هَذِهِ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ. وَالْكَسْرُ فِي ذَلِكَ عِنْدِي عَلَى الِابْتِدَاءِ هُوَ الصَّوَابُ، لِأَنَّ الْخَبَرَ مِنَ اللَّهِ عَنْ قَيْلِهِ لِعِيسَى: ﴿يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ﴾ [المؤمنون: ٥١] مُبْتَدَأٌ، فَقَوْلُهُ: ﴿وَإِنَّ هَذِهِ﴾ [المؤمنون: ٥٢] مَرْدُودٌ عَلَيْهِ عَطْفًا بِهِ عَلَيْهِ؛ فَكَانَ مَعْنَى الْكَلَامِ: وَقُلْنَا لِعِيسَى: يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ، وَقُلْنَا: وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً. وَقِيلَ: إِنَّ الْأُمَّةَ الَّذِي فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: الدِّينُ وَالْمِلَّةُ
١٧ / ٦٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾ [المؤمنون: ٥٢] قَالَ: «الْمِلَّةُ وَالدِّينُ»
١٧ / ٦٠
وَقَوْلُهُ: ﴿وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونَ﴾ [المؤمنون: ٥٢] يَقُولُ: وَأَنَا مَوْلَاكُمْ فَاتَّقُونِ بِطَاعَتِي تَأْمَنُوا عِقَابِي
وَنُصِبَتْ ﴿أُمَّةً وَاحِدَةً﴾ [المؤمنون: ٥٢] عَلَى الْحَالِ. وَذُكِرَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ قَرَأَ ذَلِكَ رَفْعًا. وَكَانَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ يَقُولُ: رَفْعُ ذَلِكَ إِذَا رُفِعَ عَلَى الْخَبَرِ، وَيَجْعَلُ أُمَّتَكُمْ نَصْبًا عَلَى الْبَدَلِ مِنْ هَذِهِ. وَأَمَّا نَحْوُيِّوُ الْكُوفَةِ فَيَأْبَوْنَ ذَلِكَ إِلَّا فِي ضَرُورَةِ شِعْرٍ، وَقَالُوا: لَا يُقَالُ: مَرَرْتُ بِهَذَا غُلَامِكُمْ؛ لِأَنَّ هَذَا لَا تَتْبَعُهُ إِلَّا الْأَلْفُ وَاللَّامُ وَالْأَجْنَاسُ، لِأَنَّ (هَذَا) إِشَارَةٌ إِلَى عَدَدٍ، فَالْحَاجَةُ فِي ذَلِكَ إِلَى تَبْيِينِ الْمُرَادِ مِنَ الْمُشَارِ إِلَيْهِ أَيُّ الْأَجْنَاسِ هُوَ؟ وَقَالُوا: وَإِذَا قِيلَ: هَذِهِ أُمَّتُكُمْ وَاحِدَةً، وَالْأُمَّةُ غَائِبَةٌ وَهَذِهِ حَاضِرَةٌ، قَالُوا: فَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يُبَيَّنَ عَنِ الْحَاضِرِ بِالْغَائِبِ، قَالُوا: فَلِذَلِكَ لَمْ يَجُزْ: إِنَّ هَذَا زَيْدٌ قَائِمٌ، مِنْ أَجْلِ أَنَّ هَذَا مُحْتَاجٌ إِلَى الْجِنْسِ لَا إِلَى الْمَعْرِفَةِ
١٧ / ٦١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾ [المؤمنون: ٥٣] اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿زُبُرًا﴾ [المؤمنون: ٥٣] فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ ⦗٦٢⦘ وَالْعِرَاقِ: ﴿(زُبُرًا)﴾ بِمَعْنَى جَمْعِ الزَّبُورِ. فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ عَلَى قِرَاءَةِ هَؤُلَاءِ: فَتَفَرَّقَ الْقَوْمُ الَّذِينَ أَمَرَهُمُ اللَّهُ مِنْ أُمَّةِ الرَّسُولِ عِيسَى بِالِاجْتِمَاعِ عَلَى الدِّينِ الْوَاحِدِ، وَالْمِلَّةِ الْوَاحِدَةِ، دِينَهُمُ الَّذِي أَمَرَهُمُ اللَّهُ بِلُزُومِهِ ﴿زُبُرًا﴾ [المؤمنون: ٥٣] كُتُبًا، فَدانَ كُلُّ فَرِيقٍ مِنْهُمْ بِكِتَابٍ غَيْرِ الْكِتَابِ الَّذِينَ دَانَ بِهِ الْفَرِيقُ الْآخَرُ، كَالْيَهُودِ الَّذِينَ زَعَمُوا أَنَّهُمْ دَانُوا بِحُكْمِ التَّوْرَاةِ، وَكَذَّبُوا بِحُكْمِ الْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ، وَكَالنَّصَارَى الَّذِينَ دَانُوا بِالْإِنْجِيلِ بِزَعْمِهِمْ وَكَذَّبُوا بِحُكْمِ الْفُرْقَانِ
١٧ / ٦١
ذِكْرُ مَنْ تَأَوَّلَ ذَلِكَ كَذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿زُبُرًا﴾ [المؤمنون: ٥٣] قَالَ: «كُتُبًا» حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، مِثْلَهُ
١٧ / ٦٢
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿بَيْنَهُمْ زُبُرًا﴾ [المؤمنون: ٥٣] قَالَ: «كُتُبُ اللَّهِ فَرَّقُوهَا»
١٧ / ٦٢
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا﴾ [المؤمنون: ٥٣] قَالَ مُجَاهِدٌ: «كُتُبُهُمْ فَرَّقُوهَا قِطَعًا» ⦗٦٣⦘ وَقَالَ آخَرُونَ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الْقِرَاءَةِ: إِنَّمَا مَعْنَى الْكَلَامِ: فَتَفَرَّقُوا دِينَهُمْ بَيْنَهُمْ كُتُبًا أَحْدَثُوهَا يَحْتَجُّونَ فِيهَا لِمَذْهَبِهِمْ
١٧ / ٦٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾ [المؤمنون: ٥٣] قَالَ: «هَذَا مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْأَدْيَانِ وَالْكُتُبِ، كُلٌّ مُعْجَبُونَ بِرَأْيهِمْ، لَيْسَ أَهْلُ هَوَاءٍ إِلَّا وَهُمْ مُعْجَبُونَ بِرَأْيهِمْ وَهَوَاهُمْ وَصَاحِبِهِمُ الَّذِي اخْتَرَقَ ذَلِكَ لَهُمْ» وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الشَّامِ: (فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبَرًا) بِضَمِّ الزَّايِ، وَفَتْحِ الْبَاءِ، بِمَعْنَى: فَتَفَرَّقُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ قِطَعًا كَزُبَرِ الْحَدِيدِ، وَذَلِكَ الْقِطَعُ مِنْهَا، وَاحِدَتُهَا زُبْرَةٌ، مِنْ قَوْلِ اللَّهِ: ﴿آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ﴾ [الكهف: ٩٦] . فَصَارَ بَعْضُهُمْ يَهُودًا، وَبَعْضُهُمْ نَصَارَى. وَالْقِرَاءَةُ الَّتِي نَخْتَارُ فِي ذَلِكَ: قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَهُ بِضَمِّ الزَّايِ وَالْبَاءِ، لِإِجْمَاعِ أَهْلِ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ مُرَادٌ بِهِ الْكُتُبُ، فَذَلِكَ يُبَيِّنُ عَنْ صِحَّةِ مَا اخْتَرْنَا فِي ذَلِكَ، لِأَنَّ الزُّبُرَ هِيَ الْكُتُبُ، يُقَالُ مِنْهُ: زَبَرْتُ الْكِتَابَ: إِذْ كَتَبْتُهُ. فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ: فَتَفَرَّقَ الَّذِينَ أَمَرَهُمُ اللَّهُ بِلُزُومِ دِينِهِ مِنَ الْأُمَمِ دِينَهُمْ بَيْنَهُمْ كُتُبًا، كَمَا بَيَّنَّا قَبْلُ
١٧ / ٦٣
وَقَوْلُهُ: ﴿كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾ [المؤمنون: ٥٣] يَقُولُ: كُلُّ فَرِيقٍ مِنْ تِلْكِ الْأُمَمِ بِمَا ⦗٦٤⦘ اخْتَارُوهُ لِأَنْفُسِهِمْ مِنَ الدِّينِ وَالْكُتُبِ فَرِحُونَ. مُعْجَبُونَ بِهِ، لَا يَرَوْنَ أَنَّ الْحَقَّ سِوَاهُ
١٧ / ٦٣
كَمَا حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾ [المؤمنون: ٥٣] «قِطْعَةٌ وَهَؤُلَاءِ هُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ»
١٧ / ٦٤
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿كُلُّ حِزْبٍ﴾ [المؤمنون: ٥٣] «قِطْعَةٌ. أَهْلُ الْكِتَابِ»
١٧ / ٦٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ [المؤمنون: ٥٥] قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: فَدَعْ يَا مُحَمَّدُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ تَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا، ﴿فِي غَمْرَتِهِمْ﴾ [المؤمنون: ٥٤] فِي ضَلَالَتِهِمْ وَغَيِّهِمْ، ﴿حَتَّى حِينٍ﴾ [يوسف: ٣٥] يَعْنِي: إِلَى أَجَلٍ سَيَأْتِيهِمْ عِنْدَ مَجِيئِهِ عَذَابِي. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٧ / ٦٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ﴿فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ﴾ [المؤمنون: ٥٤] قَالَ: «فِي ضَلَالِهِمْ»
١٧ / ٦٤
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿فَذَرْهُمْ ⦗٦٥⦘ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ﴾ [المؤمنون: ٥٤] قَالَ: «الْغَمْرَةُ: الْغَمْرُ»
١٧ / ٦٤
وَقَوْلُهُ: ﴿أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ﴾ [المؤمنون: ٥٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَيَحْسَبُ هَؤُلَاءِ الْأَحْزَابُ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ زُبُرًا، أَنَّ الَّذِيَ نُعْطِيهِمْ فِي عَاجِلِ الدُّنْيَا مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ ﴿نُسَارِعُ لَهُمْ﴾ [المؤمنون: ٥٦] يَقُولُ: نُسَابِقُ لَهُمْ فِي خَيْرَاتِ الْآخِرَةِ، وَنُبَادِرُ لَهُمْ فِيهَا؟ وَ(مَا) مِنْ قَوْلِهِ: ﴿أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ﴾ [المؤمنون: ٥٥] نَصْبٌ، لِأَنَّهَا بِمَعْنَى الَّذِي. ﴿بَلْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ [المؤمنون: ٥٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ تَكْذِيبًا لَهُمْ: مَا ذَلِكَ كَذَلِكَ بَلْ لَا يَعْلَمُونَ أَنَّ إِمْدَادِيَ إِيَّاهُمْ بِمَا أُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ إِمْلَاءٌ وَاسْتِدْرَاجٌ لَهُمْ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٧ / ٦٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ﴾ [المؤمنون: ٥٥] قَالَ: نُعْطِيهِمْ، نُسَارِعُ لَهُمْ قَالَ: نَزِيدُهُمْ فِي الْخَيْرِ، نُمْلِي لَهُمْ قَالَ: «هَذَا لِقُرَيْشٍ» حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٧ / ٦٥
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَلِيٍّ، قَالَ: ثني أَشْعَثُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، ⦗٦٦⦘ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، قَالَ: قُلْتُ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، قَوْلُ اللَّهِ: ﴿نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ﴾ [المؤمنون: ٥٦] قَالَ: «يُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ» وَكَأَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرَةَ وَجَّهَ بِقِرَاءَتِهِ ذَلِكَ كَذَلِكَ، إِلَى أَنَّ تَأْوِيلَهُ: يُسَارِعُ لَهُمْ إِمْدَادُنَا إِيَّاهُمْ بِالْمَالِ وَالْبَنِينَ فِي الْخَيْرَتِ
١٧ / ٦٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ﴾ [المؤمنون: ٥٨] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ﴾ [المؤمنون: ٥٧] إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَتِهِمْ وَخَوْفِهِمْ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مُشْفِقُونَ، فَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِمْ مِنْ ذَلِكَ دَائِبُونَ فِي طَاعَتِهِ، جَادُّونَ فِي طَلَبِ مَرْضَاتِهِ. ﴿وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ﴾ [المؤمنون: ٥٨] يَقُولُ: وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ كِتَابِهِ وَحُجَجِهِ مُصَدِّقُونَ ﴿وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ﴾ [المؤمنون: ٥٩] يَقُولُ: وَالَّذِينَ يُخْلِصُونَ لِرَبِّهِمْ عِبَادَتَهُمْ، فَلَا يَجْعَلُونَ لَهُ فِيهَا لِغَيْرِهِ شِرْكًا لِوَثَنٍ وَلَا لِصَنَمٍ، وَلَا يُرَاءُونَ بِهَا أَحَدًا مِنْ خَلْقِهِ، وَلَكِنَّهُمْ يَجْعَلُونَ أَعْمَالَهُمْ لِوَجْهِهِ خَالِصًا، وَإِيَّاهُ يَقْصِدُونَ بِالطَّاعَةِ وَالْعِبَادَةِ دُونَ كُلِّ شَيْءٍ سِوَاهُ
١٧ / ٦٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ﴾ [المؤمنون: ٦١] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتَوْنَ مَا آتَوْا﴾ [المؤمنون: ٦٠] وَالَّذِينَ يُعْطُونَ أَهْلَ ⦗٦٧⦘ سُهْمَانَ الصَّدَقَةَ مَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُمْ فِي أَمْوَالِهِمْ. ﴿مَا آتَوْا﴾ [المؤمنون: ٦٠] يَعْنِي: مَا أَعْطَوْهُمْ إِيَّاهُ مِنْ صَدَقَةٍ، وَيُؤَدُّونَ حُقُوقَ اللَّهِ عَلَيْهِمْ فِي أَمْوَالِهِمْ إِلَى أَهْلِهَا. ﴿وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ﴾ [المؤمنون: ٦٠] يَقُولُ: خَائِفَةٌ مِنْ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ، فَلَا يُنَجِّيهِمْ مَا فَعَلُوا مِنْ ذَلِكَ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ، فَهُمْ خَائِفُونَ مِنَ الْمَرْجِعِ إِلَى اللَّهِ لِذَلِكَ، كَمَا قَالَ الْحَسَنُ: إِنَّ الْمُؤْمِنَ جَمَعَ إِحْسَانًا وَشَفَقَةً. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٧ / ٦٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبْجَرَ، عَنْ رَجُلٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: ﴿يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ﴾ [المؤمنون: ٦٠] قَالَ: «الزَّكَاةُ»
١٧ / ٦٧
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُمَارَةَ، قَالَ: ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي يَحْيَى، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ﴾ [المؤمنون: ٦٠] قَالَ: «الْمُؤْمِنُ يُنْفِقُ مَالَهُ وَقَلْبُهُ وَجِلٌ»
١٧ / ٦٧
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنْ أَبِي الْأَشْهَبِ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: ﴿يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ﴾ [المؤمنون: ٦٠] قَالَ: «يَعْمَلُونَ مَا عَمِلُوا مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ، وَهُمْ يَخَافُونَ أَلَّا يُنَجِّيَهُمْ ذَلِكَ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ»
١٧ / ٦٧
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: ⦗٦٨⦘ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ﴿يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ﴾ [المؤمنون: ٦٠] قَالَ: «الْمُؤْمِنُ يُنْفِقُ مَالَهُ وَيَتَصَدَّقُ، وَقَلْبُهُ وَجِلٌ أَنَّهُ إِلَى رَبِّهِ رَاجِعٌ»
١٧ / ٦٧
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: «إِنَّ الْمُؤْمِنَ جَمَعَ إِحْسَانًا وَشَفَقَةً، وَإِنَّ الْمُنَافِقَ جَمَعَ إِسَاءَةً وَأَمْنًا. ثُمَّ تَلَا الْحَسَنُ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ﴾ [المؤمنون: ٥٧] إِلَى: ﴿وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ﴾ [المؤمنون: ٦٠] وَقَالَ الْمُنَافِقُ: إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي»
١٧ / ٦٨
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ بْنُ وَاقِدٍ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ عِكْرِمَةَ: ﴿يُؤْتَوْنَ مَا آتَوْا﴾ [المؤمنون: ٦٠] قَالَ: يُعْطُونَ مَا أَعْطَوْا. ﴿وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ﴾ [المؤمنون: ٦٠] يَقُولُ: خَائِفَةٌ “
١٧ / ٦٨
حَدَّثَنَا خَلَّادُ بْنُ أَسْلَمَ قَالَ: ثنا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سَالِمٌ الْأَفْطَسُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ﴾ [المؤمنون: ٦٠] قَالَ: «يَفْعَلُونَ مَا يَفْعَلُونَ، وَهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّهُمْ صَائِرُونَ إِلَى الْمَوْتِ؛ وَهِيَ مِنَ الْمُبَشِّرَاتِ»
١٧ / ٦٨
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ﴾ [المؤمنون: ٦٠] قَالَ: «يُعْطُونَ مَا أَعْطَوْا وَيَعْمَلُونَ مَا عَمِلُوا مِنْ خَيْرٍ، وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ خَائِفَةٌ» حَدَّثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، مِثْلَهُ
١٧ / ٦٨
حَدَّثَنَا عَلِيُّ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ﴾ [المؤمنون: ٦٠] يَقُولُ: «يَعْمَلُونَ خَائِفِينَ»
١٧ / ٦٩
قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ﴾ [المؤمنون: ٦٠] قَالَ: «يُعْطُونَ مَا أَعْطَوْا فَرَقًا مِنَ اللَّهِ وَوَجَلًا مِنَ اللَّهِ»
١٧ / ٦٩
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿يُؤْتَوْنَ مَا آتَوْا﴾ [المؤمنون: ٦٠] «يُنْفِقُونَ مَا أَنْفَقُوا»
١٧ / ٦٩
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: ﴿يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ﴾ [المؤمنون: ٦٠] قَالَ: «يُعْطُونَ مَا أَعْطَوْا وَيُنْفِقُونَ مَا أَنْفَقُوا، وَيَتَصَدَّقُونَ بِمَا تَصَدَّقُوا، وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ، اتِّقَاءً لِسُخْطِ اللَّهِ وَالنَّارِ» وَعَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ، أَعْنِي عَلَى ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتَوْنَ مَا آتَوْا﴾ [المؤمنون: ٦٠] قِرَاءَةُ الْأَمْصَارِ، وَبِهِ رُسُومُ مَصَاحِفِهِمْ وَبِهِ نَقْرَأُ، لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَيْهِ، وَوِفَاقِهِ خَطَّ مَصَاحِفِ الْمُسْلِمِينَ، ⦗٧٠⦘ وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها فِي ذَلِكَ
١٧ / ٦٩
مَا حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: ثنا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا عَلِيُّ بْنُ ثَابِتٍ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِي خَلَفٍ، قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ عَلَى عَائِشَةَ فَسَأَلَهَا عُبَيْدٌ: كَيْفَ نَقْرَأُ هَذَا الْحَرْفِ ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتَوْنَ مَا آتَوْا﴾ [المؤمنون: ٦٠] فَقَالَتْ: «يَأْتُونَ مَا أَتَوْا» وَكَأَنَّهَا تَأَوَّلَتْ فِي ذَلِكَ: وَالَّذِينَ يَفْعَلُونَ مَا يَفْعَلُونَ مِنَ الْخَيْرَاتِ، وَهُمْ وَجِلُونَ مِنَ اللَّهِ
١٧ / ٧٠
كَالَّذِي حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا الْحَكَمُ بْنُ بَشِيرٍ، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ قَيْسٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ وَهْبٍ الْهَمْدَانِيِّ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ﴾ [المؤمنون: ٦٠] هُوَ الَّذِي يُذْنِبُ الذَّنْبَ وَهُوَ وَجِلٌ مِنْهُ؟ فَقَالَ: «لَا، وَلَكِنْ مَنْ يَصُومُ وَيُصَلِّي وَيَتَصَدَّقُ وَهُوَ وَجِلٌ»
١٧ / ٧٠
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ وَهْبٍ، أَنَّ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ﴿الَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ﴾ [المؤمنون: ٦٠] أَهُمُ الَّذِينَ يُذْنِبُونَ وَهُمْ مُشْفِقُونَ ⦗٧١⦘ وَيَصُومُونَ وَهُمْ مُشْفِقُونَ؟ ” حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ، ثنا ابْنُ إِدْرِيسَ قَالَ: ثنا لَيْثٌ، عَنْ مُغِيثٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: ﴿الَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ﴾ [المؤمنون: ٦٠] قَالَ: فَذَكَرَ مِثْلَ هَذَا
١٧ / ٧٠
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ قَالَ، ثنا أَبِي، عَنْ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ﴿الَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ﴾ [المؤمنون: ٦٠] أَهُوَ الرَّجُلُ يَزْنِي وَيَسْرِقُ وَيَشْرَبُ الْخَمْرَ؟ قَالَ: «لَا يَا ابْنَةَ أَبِي بَكْرٍ أَوْ يَا ابْنَةَ الصِّدِّيقِ وَلَكِنَّهُ الرَّجُلُ يَصُومُ وَيُصَلِّي وَيَتَصَدَّقُ، وَيَخَافُ أَنْ لَا يُقْبَلَ مِنْهُ»
١٧ / ٧١
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني جَرِيرٌ، عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ، وَهُشَيْمٍ، عَنِ الْعَوَّامِ بْنِ حَوْشَبٍ، جَمِيعًا، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: «وَيَا ابْنَةَ أَبِي بَكْرٍ أَوْ يَا ابْنَةَ الصِّدِّيقِ هُمُ الَّذِينَ يُصَلُّونَ وَيَفْرَقُونَ أَنْ لَا يُتَقَبَّلَ مِنْهُمْ» وَ(أَنَّ) مِنْ قَوْلِهِ: ﴿أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ﴾ [المؤمنون: ٦٠] . فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ، لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ: ﴿وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ﴾ [المؤمنون: ٦٠] مِنْ أَنَّهُمْ، فَلَمَّا حُذِفَتْ (مَنِ) اتَّصَلَ الْكَلَامُ قَبْلَهَا، فَنُصِبَتْ. ⦗٧٢⦘ وَكَانَ بَعْضُهُمْ يَقُولُ: هُوَ فِي مَوْضِعِ خَفْضٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْخَافِضُ ظَاهِرًا
١٧ / ٧١
وَقَوْلُهُ: ﴿أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ﴾ [المؤمنون: ٦١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ هَذِهِ الصِّفَاتُ صِفَاتُهُمْ، يُبَادِرُونَ فِي الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، وَيَطْلُبُونَ الزُّلْفَةَ عِنْدَ اللَّهِ بِطَاعَتِهِ
١٧ / ٧٢
كَمَا حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ﴾ [المؤمنون: ٦١] “
١٧ / ٧٢
وَقَوْلُهُ: ﴿وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ﴾ [المؤمنون: ٦١] كَانَ بَعْضُهُمْ يَقُولُ: مَعْنَاهُ: سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ السَّعَادَةُ، فَذَلِكَ سَبُوقُهُمُ الْخَيْرَاتِ الَّتِي يَعْمَلُونَهَا
١٧ / ٧٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي عَلِيُّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ، ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ﴾ [المؤمنون: ٦١] يَقُولُ: «سَبَقَتْ لَهُمُ السَّعَادَةُ»
١٧ / ٧٢
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ﴾ [المؤمنون: ٦١] «فَتِلْكَ الْخَيْرَاتُ» وَكَانَ بَعْضُهُمْ يَتَأَوَّلُ ذَلِكَ بِمَعْنَى: وَهُمْ إِلَيْهَا سَابِقُونَ. وَتَأَوَّلَهُ آخَرُونَ: وَهُمْ مِنْ أَجْلِهَا سَابِقُونَ وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ الْقَوْلُ الَّذِي قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، مِنْ أَنَّهُ ⦗٧٣⦘ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ السَّعَادَةُ قَبْلَ مُسَارَعَتِهِمْ فِي الْخَيْرَاتِ، وَلَمَّا سَبَقَ لَهُمْ مِنْ ذَلِكَ سَارَعُوا فِيهَا. وَإِنَّمَا قُلْتُ ذَلِكَ أَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ بِالْكَلَامِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَظْهَرُ مَعْنَيَيْهِ، وَأَنَّهُ لَا حَاجَةَ بِنَا إِذَا وَجَّهْنَا تَأْوِيلَ الْكَلَامِ إِلَى ذَلِكَ، إِلَى تَحْوِيلِ مَعْنَى اللَّامِ الَّتِي فِي قَوْلِهِ: ﴿وَهُمْ لَهَا﴾ [المؤمنون: ٦١] إِلَى غَيْرِ مَعْنَاهَا الْأَغْلَبِ عَلَيْهَا
١٧ / ٧٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ [المؤمنون: ٦٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا مَا يَسَعُهَا وَيَصْلُحُ لَهَا مِنَ الْعِبَادَةِ؛ وَلِذَلِكَ كَلَّفْنَاهَا مَا كَلَّفْنَاهَا مِنْ مَعْرِفَةِ وَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ، وَشَرَعْنَا لَهَا مَا شَرَعْنَا مِنَ الشَّرَائِعِ. ﴿وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ﴾ [المؤمنون: ٦٢] يَقُولُ: وَعِنْدَنَا كِتَابُ أَعْمَالِ الْخَلْقِ بِمَا عَمِلُوا مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ؛ ﴿يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ [المؤمنون: ٦٢] يَقُولُ: يُبَيِّنُ بِالصِّدْقِ عَمَّا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فِي الدُّنْيَا، لَا زِيَادَةَ عَلَيْهِ، وَلَا نُقْصَانَ. وَنَحْنُ مُوَفُّو جَمِيعِهِمْ أُجُورَهُمْ، الْمُحْسِنُ مِنْهُمْ بِإِحْسَانِهِ وَالْمُسِيءَ بِإِسَاءَتِهِ. ﴿وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ [البقرة: ٢٨١] يَقُولُ: وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ، بِأَنْ يُزَادَ عَلَى سَيِّئَاتِ الْمُسِيءِ مِنْهُمْ مَا لَمْ يَعْمَلْهُ فَيُعَاقَبَ عَلَى غَيْرِ جُرْمِهِ، وَيُنْقَصَ الْمُحْسِنُ عَمَّا عَمِلَ مِنْ إِحْسَانِهِ فَيُنْقَصَ عَمَّا لَهُ مِنَ الثَّوَابِ
١٧ / ٧٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هَذَا وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ﴾ [المؤمنون: ٦٣]⦗٧٤⦘ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: مَا الْأَمْرُ كَمَا يَحْسِبُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ، مِنْ أَنَّ إِمْدَادَنَاهُمْ بِمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ، بِخَيْرٍ نَسُوقُهُ بِذَلِكَ إِلَيْهِمْ، وَالرِّضَا مِنَّا عَنْهُمْ؛ وَلَكِنَّ قُلُوبَهُمْ فِي غَمْرَةِ عَمًى عَنْ هَذَا الْقُرْآنِ. وَعُنِيَ بِالْغَمْرَةِ: مَا غَمَرَ قُلُوبَهُمْ فَغَطَّاهَا عَنْ فَهْمِ مَا أَوْدَعَ اللَّهُ كِتَابَهُ مِنَ الْمَوَاعِظِ وَالْعِبَرِ وَالْحُجَجِ. وَعَنَى بِقَوْلِهِ: ﴿مِنْ هَذَا﴾ [الكهف: ٢٤] مِنَ الْقُرْآنِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٧ / ٧٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلُهُ: ﴿فِي غَمْرَةٍ مِنْ هَذَا﴾ [المؤمنون: ٦٣] قَالَ: «فِي عَمًى مِنْ هَذَا الْقُرْآنِ»
١٧ / ٧٤
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿فِي غَمْرَةٍ مِنْ هَذَا﴾ [المؤمنون: ٦٣] قَالَ: «مِنَ الْقُرْآنِ»
١٧ / ٧٤
وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ﴾ [المؤمنون: ٦٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلِهَؤُلَاءِ الْكُفَّارِ أَعْمَالٌ لَا يَرْضَاهَا اللَّهُ مِنَ الْمَعَاصِي ﴿مِنْ دُونِ ذَلِكَ﴾ [المؤمنون: ٦٣] يَقُولُ: مِنْ دُونِ أَعْمَالِ أَهْلِ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ، وَأَهْلِ التَّقْوَى وَالْخَشْيَةِ لَهُ. ⦗٧٥⦘ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٧ / ٧٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ﴾ [المؤمنون: ٦٣] قَالَ: «الْخَطَايَا»
١٧ / ٧٥
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ﴾ [المؤمنون: ٦٣] قَالَ: «الْحَقُّ»
١٧ / ٧٥
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ قَالَ: ثنا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ﴾ [المؤمنون: ٦٣] قَالَ: «خَطَايَا مِنْ دُونِ ذَلِكَ الْحَقِّ»
١٧ / ٧٥
قَالَ: ثنا حَجَّاجٌ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ﴾ [المؤمنون: ٦٣] . الْآيَةَ، قَالَ: «أَعْمَالٌ دُونَ الْحَقِّ»
١٧ / ٧٥
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: «ذَكَرَ اللَّهُ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ، ثُمَّ قَالَ لِلْكُفَّارِ: ﴿بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هَذَا وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ﴾ [المؤمنون: ٦٣] قَالَ: مِنْ دُونِ الْأَعْمَالِ الَّتِي مِنْهَا قَوْلُهُ: ﴿مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ﴾ [المؤمنون: ٥٧]⦗٧٦⦘ وَالَّذِينَ، وَالَّذِينَ»
١٧ / ٧٥
حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الْكَرِيمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «أَعْمَالٌ لَا بُدَّ لَهُمْ مِنْ أَنْ يَعْمَلُوهَا»
١٧ / ٧٦
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ قَالَ: ثنا زَيْدُ بْنُ أَبِي الزَّرْقَاءِ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ، قَالَ: سَأَلْتُ الْحَسَنَ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ: ﴿وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ﴾ [المؤمنون: ٦٣] قَالَ: «أَعْمَالٌ لَمْ يَعْمَلُوهَا سَيَعْمَلُونَهَا»
١٧ / ٧٦
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ﴾ [المؤمنون: ٦٣] قَالَ: «لَمْ يَكُنْ لَهُ بُدٌّ مِنْ أَنْ يَسْتَوْفِيَ بَقِيَّةَ عَمَلِهِ، وَيُصَلِّيَ بِهِ»
١٧ / ٧٦
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الْكَرِيمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ﴾ [المؤمنون: ٦٣] قَالَ: «أَعْمَالٌ لَا بُدَّ لَهُمْ مِنْ أَنْ يَعْمَلُوهَا»
١٧ / ٧٦
حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ: ثنا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الْكَرِيمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ تبارك وتعالى: ﴿وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ﴾ [المؤمنون: ٦٣] قَالَ: أَعْمَالٌ لَا بُدَّ لَهُمْ مِنْ أَنْ يَعْمَلُوهَا “
١٧ / ٧٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ ⦗٧٧⦘ يَجْأَرُونَ لَا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِنَّا لَا تُنصَرُونَ﴾ [المؤمنون: ٦٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلِهَؤُلَاءِ الْكُفَّارِ مِنْ قُرَيْشٍ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ، إِلَى أَنْ يُؤْخَذَ أَهْلُ النِّعْمَةِ وَالْبَطَرِ مِنْهُمْ بِالْعَذَابِ
١٧ / ٧٦
كَمَا: حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: ﴿إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ﴾ [المؤمنون: ٦٤] قَالَ: الْمُتْرَفُونَ: الْعُظَمَاءُ. ﴿إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ﴾ [المؤمنون: ٦٤] يَقُولُ: «فَإِذَا أَخَذْنَاهُمْ بِهِ جَأَرُوا»، يَقُولُ: «ضَجُّوا وَاسْتَغَاثُوا مِمَّا حَلَّ بِهِمْ مِنْ عَذَابِنَا» وَلَعَلَّ الْجُؤَارَ: رَفْعُ الصَّوْتِ، كَمَا يَجْأَرُ الثَّوْرُ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الْأَعْشَى:
[البحر المتقارب]
يُرَاوِحُ مِنْ صَلَوَاتِ الْمَلِيكِ … طَوْرًا سُجُودًا وَطَوْرًا جُؤَارَا
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٧ / ٧٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي عَلِيُّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ﴾ [المؤمنون: ٦٤] يَقُولُ: «يَسْتَغِيثُونَ»
١٧ / ٧٧
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَا: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ عَلْقَمَةَ ⦗٧٨⦘ بْنِ قَرْدَدٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ﴾ [المؤمنون: ٦٤] قَالَ: «بِالسُّيُوفِ يَوْمَ بَدْرٍ»
١٧ / ٧٧
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ﴾ [المؤمنون: ٦٤] قَالَ: «يَجْزَعُونَ»
١٧ / ٧٨
قَالَ: ثنا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: ﴿حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ﴾ [المؤمنون: ٦٤] قَالَ: عَذَابُ يَوْمِ بَدْرٍ. ﴿إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ﴾ [المؤمنون: ٦٤] قَالَ: «الَّذِينَ بِمَكَّةَ»
١٧ / ٧٨
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ﴾ [المؤمنون: ٦٤] «يَعْنِي أَهْلَ بَدْرٍ، أَخَذَهُمُ اللَّهُ بِالْعَذَابِ يَوْمَ بَدْرٍ»
١٧ / ٧٨
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ زَيْدٍ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ﴾ [المؤمنون: ٦٤] قَالَ: «يَجْزَعُونَ»
١٧ / ٧٨
وَقَوْلُهُ: ﴿لَا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ﴾ [المؤمنون: ٦٥] يَقُولُ: لَا تَضِجُّوا وَتَسْتَغِيثُوا الْيَوْمَ وَقَدْ نَزَلَ بِكُمُ الْعَذَابُ الَّذِي لَا يُدْفَعُ عَنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ، فَإِنَّ ضَجِيجَكُمْ غَيْرُ نَافِعِكُمْ، وَلَا دَافِعٍ عَنْكُمْ شَيْئًا مِمَّا قَدْ نَزَلَ بِكُمْ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ. ﴿إِنَّكُمْ مِنَّا لَا تُنْصَرُونَ﴾ [المؤمنون: ٦٥] يَقُولُ: إِنَّكُمْ مِنْ عَذَابِنَا الَّذِي قَدْ حَلَّ بِكُمْ لَا تُسْتَنْقَذُونَ، وَلَا يُخَلِّصُكُمْ مِنْهُ شَيْءٌ ⦗٧٩⦘ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٧ / ٧٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ: ﴿لَا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ﴾ [المؤمنون: ٦٥] «لَا تَجْزَعُوا الْيَوْمَ»
١٧ / ٧٩
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ: ﴿لَا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ﴾ [المؤمنون: ٦٥] «لَا تَجْزَعُوا الْآنَ حِينَ نَزَلَ بِكُمُ الْعَذَابُ، إِنَّهُ لَا يَنْفَعُكُمْ، فَلَوْ كَانَ هَذَا الْجَزَعُ قَبْلُ نَفَعَكُمْ»
١٧ / ٧٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنْكِصُونَ مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ﴾ [المؤمنون: ٦٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ قُرَيْشٍ: لَا تَضِجُّوا الْيَوْمَ وَقَدْ نَزَلَ بِكُمْ سَخَطُ اللَّهِ وَعَذَابُهُ، بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَاسْتَوْجَبْتُمُوهُ بِكُفْرِكُمْ بِآيَاتِ رَبِّكُمْ. ﴿قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ﴾ [المؤمنون: ٦٦] يَعْنِي: آيَاتِ كِتَابِ اللَّهِ، يَقُولُ: كَانَتْ آيَاتُ كِتَابِي تُقْرَأُ عَلَيْكُمْ فَتُكَذِّبُونَ بِهَا، وَتَرْجِعُونَ مُوَلِّينَ عَنْهَا إِذَا سَمِعْتُمُوهَا، كَرَاهِيَةً مِنْكُمْ لِسَمَاعِهَا. وَكَذَلِكَ يُقَالُ لِكُلِّ مَنْ رَجَعَ مِنْ حَيْثُ جَاءَ: نَكَصَ فُلَانٌ عَلَى عَقِبِهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٧ / ٧٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ ⦗٨٠⦘ مُجَاهِدٍ: ﴿فَكُنْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنْكِصُونَ﴾ [المؤمنون: ٦٦] قَالَ: «تَسْتَأْخِرُونَ»
١٧ / ٧٩
حَدَّثَنِي عَلِيُّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿فَكُنْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنْكِصُونَ﴾ [المؤمنون: ٦٦] يَقُولُ: «تُدْبِرُونَ»
١٧ / ٨٠
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنْكِصُونَ﴾ [المؤمنون: ٦٦] «يَعْنِي أَهْلَ مَكَّةَ»
١٧ / ٨٠
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثنا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثنا الْحَسَنُ. قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿تَنْكِصُونَ﴾ [المؤمنون: ٦٦] قَالَ: «تَسْتَأْخِرُونَ»
١٧ / ٨٠
وَقَوْلُهُ: ﴿مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ﴾ [المؤمنون: ٦٧] يَقُولُ: مُسْتَكْبِرِينَ بُحَرَمِ اللَّهِ، يَقُولُونَ: لَا يَظْهَرُ عَلَيْنَا فِيهِ أَحَدٌ، لِأَنَّا أَهْلُ الْحَرَمِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٧ / ٨٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ﴾ [المؤمنون: ٦٧] يَقُولُ: «مُسْتَكْبِرِينَ بِحَرمِ الْبَيْتِ أَنَّهُ لَا يَظْهَرُ عَلَيْنَا فِيهِ أحَدٌ»
١٧ / ٨٠
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ﴾ [المؤمنون: ٦٧] قَالَ: «بِمَكَّةَ بِالْبَلَدِ» حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، نَحْوَهُ
١٧ / ٨١
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا هَوْذَةُ، قَالَ: ثنا عَوْفٌ، عَنِ الْحَسَنِ: ﴿مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ﴾ [المؤمنون: ٦٧] قَالَ: مُسْتَكْبِرِينَ بِحَرَمِي “
١٧ / ٨١
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ﴾ [المؤمنون: ٦٧] «بِالْحَرَمِ»
١٧ / ٨١
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ﴾ [المؤمنون: ٦٧] قَالَ: «مُسْتَكْبِرِينَ بِالْحَرَمِ» حَدَّثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، مِثْلَهُ
١٧ / ٨١
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ﴾ [المؤمنون: ٦٧] قَالَ: «بِالْحَرَمِ»
١٧ / ٨١
وَقَوْلُهُ: ﴿سَامِرًا﴾ [المؤمنون: ٦٧] يَقُولُ: تَسْمُرُونَ بِاللَّيْلِ. ⦗٨٢⦘ وَوَحَّدَ قَوْلُهُ: ﴿سَامِرًا﴾ [المؤمنون: ٦٧] وَهُوَ بِمَعْنَى السُّمَّارِ، لِأَنَّهُ وُضِعَ مَوْضِعَ الْوَقْتِ. وَمَعْنَى الْكَلَامِ: وَتَهْجُرُونَ لَيْلًا، فَوَضَعَ السَّامِرَ مَوْضِعَ اللَّيْلِ، فَوَحَّدَ لِذَلِكَ. وَقَدْ كَانَ بَعْضُ الْبَصْرِيِّينَ يَقُولُ: وَحَّدَ وَمَعْنَاهُ الْجَمْعُ، كَمَا قِيلَ: طِفْلٌ فِي مَوْضِعِ أَطْفَالٍ. وَمِمَّا يُبَيِّنُ عَنْ صِحَّةِ مَا قُلْنَا فِي أَنَّهُ وُضِعَ مَوْضِعَ الْوَقْتِ فَوُحِّدَ لِذَلِكَ، قَوْلُ الشَّاعِرِ:
[البحر الكامل]
مِنْ دُونِهِمْ إِنْ جِئْتَهُمْ سَمَرًا … عَزْفُ الْقِيَانِ وَمَجْلِسٌ غَمْرُ
فَقَالَ: سَمَرًا، لِأَنَّ مَعْنَاهُ: إِنْ جِئْتَهُمْ لَيْلًا وَهُمْ يَسْمُرُونَ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿سَامِرًا﴾ [المؤمنون: ٦٧] . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٧ / ٨١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: ﴿سَامِرًا﴾ [المؤمنون: ٦٧] يَقُولُ: «يَسْمُرُونَ حَوْلَ الْبَيْتِ»
١٧ / ٨٢
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ⦗٨٣⦘: ﴿سَامِرًا﴾ [المؤمنون: ٦٧] قَالَ: «مَجْلِسًا بِاللَّيْلِ»
١٧ / ٨٢
حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿سَامِرًا﴾ [المؤمنون: ٦٧] قَالَ: «مَجَالِسُ»
١٧ / ٨٣
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: ثنا يَحْيَى قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: ﴿سَامِرًا﴾ [المؤمنون: ٦٧] قَالَ: «تَسْمُرُونَ بِاللَّيْلِ»
١٧ / ٨٣
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿سَامِرًا﴾ [المؤمنون: ٦٧] قَالَ: «كَانُوا يَسْمُرُونَ لَيْلَتَهُمْ وَيَلْعَبُونَ: يَتَكَلَّمُونَ بِالشِّعْرِ وَالْكَهَانَةِ وَبِمَا لَا يَدْرُونَ»
١٧ / ٨٣
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿سَامِرًا﴾ [المؤمنون: ٦٧] قَالَ: «يَعْنِي سَمَرَ اللَّيْلِ» وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي ذَلِكَ
١٧ / ٨٣
مَا حَدَّثَنَا بِهِ ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿سَامِرًا﴾ [المؤمنون: ٦٧] يَقُولُ: سَامِرًا مِنْ أَهْلِ الْحَرَمِ آمِنًا لَا يَخَافُ، كَانُوا يَقُولُونَ: نَحْنُ أَهْلُ الْحَرَمِ؛ «لَا يَخَافُونَ»
١٧ / ٨٣
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿سَامِرًا﴾ [المؤمنون: ٦٧] يَقُولُ: سَامِرًا مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ آمِنًا لَا يَخَافُ قَالَ: كَانُوا يَقُولُونَ: نَحْنُ أَهْلُ الْحَرَمِ لَا نَخَافُ “
١٧ / ٨٣
وَقَوْلُهُ: ﴿تَهْجُرُونَ﴾ [المؤمنون: ٦٧] اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَتِهِ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ ⦗٨٤⦘: ﴿تَهْجُرُونَ﴾ [المؤمنون: ٦٧] بِفَتْحِ التَّاءِ وَضَمَّ الْجِيمِ. وَلِقِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ كَذَلِكَ وَجْهَانِ مِنَ الْمَعْنَى: أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ عَنَى أَنَّهُ وَصَفَهُمْ بِالْإِعْرَاضِ عَنِ الْقُرْآنِ أَوِ الْبَيْتِ، أَوْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَرَفْضِهِ. وَالْآخَرُ: أَنْ يَكُونَ عَنَى أَنَّهُمْ يَقُولُونَ شَيْئًا مِنَ الْقَوْلِ كَمَا يَهْجُرُ الرَّجُلُ فِي مَنَامِهِ، وَذَلِكَ إِذَا هَذَى؛ فَكَأَنَّهُ وَصَفَهُمْ بِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ فِي الْقُرْآنِ مَا لَا مَعْنَى لَهُ مِنَ الْقَوْلِ، وَذَلِكَ أَنْ يَقُولُوا فِيهِ بَاطِلًا مِنَ الْقَوْلِ الَّذِي لَا يَضُرَّهُ. وَقَدْ جَاءْ بِكِلَا الْقَوْلَيْنِ التَّأْوِيلُ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ
١٧ / ٨٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ: كَانُوا يُعْرِضُونَ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَالْحَقِّ وَيَهْجُرُونَهُ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿تَهْجُرُونَ﴾ [المؤمنون: ٦٧] قَالَ: «يَهْجُرُونَ ذِكْرَ اللَّهِ وَالْحَقَّ»
١٧ / ٨٤
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ الصَّمَدِ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿سَامِرًا تَهْجُرُونَ﴾ [المؤمنون: ٦٧] قَالَ: «السَّبُّ»
١٧ / ٨٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ: كَانُوا يَقُولُونَ الْبَاطِلَ وَالسِّيِّئَ مِنَ الْقَوْلِ فِي الْقُرْآنِ حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: ﴿تَهْجُرُونَ﴾ [المؤمنون: ٦٧] قَالَ: «يَهْجُرُونَ فِي الْبَاطِلِ»
١٧ / ٨٤
قَالَ: ثنا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرِ: ﴿سَامِرًا ⦗٨٥⦘ تَهْجُرُونَ﴾ [المؤمنون: ٦٧] قَالَ: يَسْمُرُونَ بِاللَّيْلِ يَخُوضُونَ فِي الْبَاطِلِ “
١٧ / ٨٤
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿تَهْجُرُونَ﴾ [المؤمنون: ٦٧] قَالَ: «بِالْقَوْلِ السِّيِّئِ فِي الْقُرْآنِ» حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٧ / ٨٥
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿تَهْجُرُونَ﴾ [المؤمنون: ٦٧] قَالَ: «الْهَذَيَانُ؛ الَّذِي يَتَكَلَّمُ بِمَا لَا يُرِيدُ، وَلَا يَعْقِلُ كَالْمَرِيضِ الَّذِي يَتَكَلَّمُ بِمَا لَا يَدْرِي» قَالَ: «كَانَ أُبَيُّ يَقْرَؤُهَا: ﴿سَامِرًا تَهْجُرُونَ﴾ [المؤمنون: ٦٧]» وَقَرَأَ ذَلِكَ آخَرُونَ: «سَامِرًا تُهْجِرُونَ» بِضَمِّ التَّاءِ، وَكَسْرِ الْجِيمِ. وَمِمَّنْ قَرَأَ ذَلِكَ كَذَلِكَ مِنْ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ نَافِعُ بْنُ أَبِي نُعَيْمٍ، بِمَعْنَى: يُفْحِشُونَ فِي الْمِنْطَقِ، وَيَقُولُونَ الْخَنَا، مِنْ قَوْلِهِمْ: أَهَجَرَ الرَّجُلُ: إِذَا أَفْحَشَ فِي الْقَوْلِ. وَذُكِرَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَسُبُّونَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ
١٧ / ٨٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: (تُهْجِرُونَ) قَالَ: «تَقُولُونَ هُجْرًا»
١٧ / ٨٥
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْمُؤْمِنِ، عَنْ أَبِي نَهِيكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، أَنَّهُ قَرَأَ: «سَامِرًا تُهْجِرُونَ»: «أَيْ تَسُبُّونَ»
١٧ / ٨٦
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا هَوْذَةُ، قَالَ: ثنا عَوْفٌ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: «سَامِرًا تُهْجِرُونَ» رَسُولِي “
١٧ / ٨٦
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: قَالَ الْحَسَنُ: «تُهْجِرُونَ» رَسُولَ اللَّهِ ﷺ “
١٧ / ٨٦
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، «تُهْجِرُونَ» يَقُولُ: «يَقُولُونَ سُوءًا»
١٧ / ٨٦
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، قَالَ: قَالَ الْحَسَنُ: «تُهْجِرُونَ» كِتَابَ اللَّهِ وَرَسُولَهُ. “
١٧ / ٨٦
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: «تُهْجِرُونَ» يَقُولُ: «يَقُولُونَ الْمُنْكَرَ وَالْخَنَا مِنَ الْقَوْلِ، كَذَلِكَ هُجْرُ الْقَوْلِ» وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا الْقِرَاءَةُ الَّتِي عَلَيْهَا قُرَّاءُ الْأَمْصَارِ، وَهِيَ فَتْحُ التَّاءِ وَضَمُّ الْجِيمِ، لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ
١٧ / ٨٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ
١٧ / ٨٦
الْأَوَّلِينَ أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ﴾ [المؤمنون: ٦٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَفَلَمْ يَتَدَبَّرْ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ تَنْزِيلَ اللَّهِ وَكَلَامَهُ، فَيَعْلَمُوا مَا فِيهِ مِنَ الْعِبَرِ، وَيَعْرِفُوا حُجَجَ اللَّهِ الَّتِي احْتَجَّ بِهَا عَلَيْهِ فِيهِ؟ ﴿أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ﴾ [المؤمنون: ٦٨] يَقُولُ: أَمْ جَاءَهُمْ أَمْرُ مَا لَمْ يَأْتِ مَنْ قَبْلَهُمْ مِنْ أَسْلَافِهِمْ، فَاسْتَكْبَرُوا ذَلِكَ وَأَعْرَضُوا، فَقَدْ جَاءَتِ الرُّسُلُ مِنْ قَبْلِهِمْ، وَأَنْزَلْتُ مَعَهُمُ الْكُتُبَ. وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ «أَمْ» فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بِمَعْنَى: «بَلْ»، فَيَكُونُ تَأْوِيلِ الْكَلَامِ: أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ؟ بَلْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ، فَتَرَكُوا لِذَلِكَ التَّدَبُّرَ وَأَعْرَضُوا عَنْهُ، إِذْ لَمْ يَكُنْ فِيمَنْ سَلَفَ مِنْ آبَائِهِمْ ذَلِكَ. وَقَدْ ذُكِرَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي نَحْوِ هَذَا الْقَوْلِ
١٧ / ٨٧
مَا حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ﴾ [المؤمنون: ٦٨] قَالَ: «لَعَمْرِي لَقَدْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ، وَلَكِنْ أَوَ لَمْ يَأْتِهِمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ»
١٧ / ٨٧
وَقَوْلُهُ: ﴿أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ﴾ [المؤمنون: ٦٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَمْ لَمْ يَعْرِفْ هَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبُونَ مُحَمَّدًا، وَأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الصِّدْقِ وَالْأَمَانَةِ؟، ﴿فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ﴾ [المؤمنون: ٦٩] يَقُولُ: فَيُنْكِرُوا قَوْلَهُ، أَوَ لَمْ يَعْرِفُوهُ بِالصِّدْقِ، وَيَحْتَجُّوا بِأَنَّهُمْ لَا يَعْرِفُونَهُ. يَقُولُ جَلَّ
١٧ / ٨٧
ثَنَاؤُهُ: فَكَيْفَ يُكَذِّبُونَهُ وَهُمْ يَعْرِفُونَهُ فِيهِمْ بِالصِّدْقِ وَالْأَمَانَةِ. ﴿أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ﴾ [المؤمنون: ٧٠] . يَقُولُ: أَيَقُولُونَ بِمُحَمَّدٍ جُنُونٌ، فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا لَا مَعْنَى لَهُ، وَلَا يَفْهَمُ وَلَا يَدْرِي مَا يَقُولُ. ﴿بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ﴾ [المؤمنون: ٧٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَإِنْ يَقُولُوا ذَلِكَ فَكَذِبُهُمْ فِي قِيلِهِمْ ذَلِكَ وَاضِحٌ بَيِّنٌ؛ وَذَلِكَ أَنَّ الْمَجْنُونَ يَهْذِي فَيَأْتِي مِنَ الْكَلَامِ بِمَا لَا مَعْنَى لَهُ، وَلَا يُعْقَلُ وَلَا يُفْهَمُ، وَالَّذِي جَاءَهُمْ بِهِ مُحَمَّدٌ هُوَ الْحِكْمَةُ الَّتِي لَا أَحْكَمَ مِنْهَا، وَالْحَقُّ الَّذِي لَا تَخْفَى صِحَّتُهُ عَلَى ذِي فِطْرَةٍ صَحِيحَةٍ، فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: هُوَ كَلَامُ مَجْنُونٍ؟
١٧ / ٨٨
وَقَوْلُهُ: ﴿وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ﴾ [المؤمنون: ٧٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: مَا بِهَؤُلَاءِ الْكَفَرَةِ أَنَّهُمْ لَمْ يَعْرِفُوا مُحَمَّدًا بِالصِّدْقِ، وَلَا أَنَّ مُحَمَّدًا عِنْدَهُمْ مَجْنُونٌ، بَلْ قَدْ عَلِمُوهُ صَادِقًا مُحِقًّا فِيمَا يَقُولُ وَفِيمَا يَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ، وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لِلْإِذْعَانِ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ، وَلِاتِّبَاعِ مُحَمَّدٍ سَاخِطُونَ، حَسَدًا مِنْهُمْ لَهُ، وَبَغْيًا عَلَيْهِ وَاسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ
١٧ / ٨٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَوْ عَمِلَ الرَّبُّ تَعَالَى ذِكْرُهُ بِمَا يَهْوَى هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ، وَأَجْرَى التَّدْبِيرَ عَلَى مَشِيئَتِهِمْ وَإِرَادَتِهِمْ، وَتَرَكَ الْحَقَّ الَّذِي هُمْ لَهُ كَارِهُونَ، لَفَسَدَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ؛ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ لَا يَعْرِفُونَ عَوَاقِبَ الْأُمُورِ، وَالصَّحِيحَ مِنَ التَّدْبِيرِ وَالْفَاسِدَ. فَلَوْ كَانَتِ الْأُمُورُ جَارِيَةً عَلَى مَشِيئَتِهِمْ وَأَهْوَائِهِمْ مَعَ إِيثَارِ أَكْثَرِهِمُ الْبَاطِلَ عَلَى الْحَقِّ، لَمْ تَقِرَّ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ، لِأَنَّ ذَلِكَ قَامَ بِالْحَقِّ ⦗٨٩⦘ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٧ / ٨٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ الصَّمَدِ قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، قَالَ: ثنا السُّدِّيُّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ: ﴿وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ﴾ [المؤمنون: ٧١] قَالَ: «اللَّهُ»
١٧ / ٨٩
قَالَ: ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ: ﴿وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ﴾ [المؤمنون: ٧١] قَالَ: «الْحَقُّ: هُوَ اللَّهُ»
١٧ / ٨٩
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ﴾ [المؤمنون: ٧١] قَالَ: «الْحَقُّ: اللَّهُ»
١٧ / ٨٩
وَقَوْلُهُ: ﴿بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ﴾ [المؤمنون: ٧١] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ الذِّكْرِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ بَيَانُ الْحَقِّ لَهُمْ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ مِنْ هَذَا الْقُرْآنِ
١٧ / ٨٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ﴾ [المؤمنون: ٧١] يَقُولُ: بَيَّنَّا لَهُمْ ” وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِشَرَفِهِمْ؛ وَذَلِكَ أَنَّ هَذَا الْقُرْآنَ كَانَ ⦗٩٠⦘ شَرَفًا لَهُمْ، لِأَنَّهُ نَزَلَ عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ، فَأَعْرَضُوا عَنْهُ، وَكَفَرُوا بِهِ. وَقَالُوا: ذَلِكَ نظيرُ قَوْلِهِ ﴿وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ﴾ [الزخرف: ٤٤] وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ مُتَقَارِبَا الْمَعْنَى. وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنْزَلَ هَذَا الْقُرْآنَ بَيَانًا بَيَّنَ فِيهِ مَا لِخَلْقِهِ إِلَيْهِ الْحَاجَةُ مِنْ أَمْرِ دِينِهِمْ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ ذِكْرٌ لِرَسُولِهِ ﷺ وَقَوْمِهِ، وَشَرَفٌ لَهُمْ
١٧ / ٨٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجًا فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ [المؤمنون: ٧٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَمْ تَسْأَلُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ يَا مُحَمَّدُ مِنْ قَوْمِكَ خَرَاجًا، يَعْنِي أَجْرًا عَلَى مَا جِئْتَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مِنَ النَّصِيحَةِ وَالْحَقِّ؛ ﴿فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ﴾ [المؤمنون: ٧٢] فَأَجْرُ رَبِّكَ عَلَى نَفَاذِكَ لِأَمْرِهِ، وَابْتِغَاءِ مَرْضَاتِهِ خَيْرٌ لَكَ مِنْ ذَلِكَ، وَلَمْ يَسْأَلْهُمْ ﷺ عَلَى مَا أَتَاهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ أَجْرًا، قَالَ لَهُمْ كَمَا قَالَ اللَّهُ لَهُ، وَأَمَرَهُ بِقِيلِهِ لَهُمْ: ﴿قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾ [الشورى: ٢٣]، وَإِنَّمَا مَعْنَى الْكَلَامِ: أَمْ تَسْأَلُهُمْ عَلَى مَا جِئْتَهُمْ بِهِ أَجْرًا، فَنَكَصُوا عَلَى أَعْقَابِهِمْ إِذَا تَلَوْتَهُ عَلَيْهِمْ، مُسْتَكْبِرِينَ بِالْحَرَمِ، فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٧ / ٩٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الْحَسَنِ: ﴿أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجا فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ﴾ [المؤمنون: ٧٢] قَالَ: «أَجْرًا» ⦗٩١⦘ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الْحَسَنِ، مِثْلَهُ وَأَصْلُ الْخَرَاجِ وَالْخَرْجُ: مَصْدَرَانِ لَا يُجْمَعَانِ
١٧ / ٩٠
وَقَوْلُهُ: ﴿وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾ [المؤمنون: ٧٢] يَقُولُ: وَاللَّهُ خَيْرُ مَنْ أَعْطَى عِوَضًا عَلَى عَمَلٍ وَرَزَقَ رِزْقًا
١٧ / ٩١
وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [المؤمنون: ٧٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَإِنَّكَ يَا مُحَمَّدُ لَتَدْعُو هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَى دِينِ الْإِسْلَامِ، وَهُوَ الطَّرِيقُ الْقَاصِدُ وَالصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ الَّذِي لَا اعْوِجَاجَ فِيهِ
١٧ / ٩١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ [المؤمنون: ٧٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: الَّذِينَ لَا يُصَدِّقُونَ بِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَمَاتِ، وَقِيَامِ السَّاعَةِ، وَمُجَازَاةِ اللَّهِ عِبَادَهُ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ؛ ﴿عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ﴾ [المؤمنون: ٧٤] يَقُولُ: عَنْ مَحَجَّةِ الْحَقِّ، وَقَصْدِ السَّبِيلِ، وَذَلِكَ دِينُ اللَّهِ الَّذِي ارْتَضَاهُ لِعِبَادِهِ؛ لَعَادِلُونَ، يُقَالُ مِنْهُ: قَدْ نَكَبَ فُلَانٌ عَنْ كَذَا: إِذَا عَدَلَ عَنْهُ، وَنَكَبَ عَنْهُ: أَيْ عَدَلَ عَنْهُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٧ / ٩١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿عَنِ الصِّرَاطِ، لَنَاكِبُونَ﴾ [المؤمنون: ٧٤] قَالَ: «لَعَادِلُونَ»
١٧ / ٩١
حَدَّثَنِي عَلِيُّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ﴾ [المؤمنون: ٧٤] يَقُولُ: «عَنِ الْحَقِّ عَادِلُونَ»
١٧ / ٩٢
وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ﴾ [المؤمنون: ٧٥] يَقُولُ تَعَالَى: وَلَوْ رَحِمْنَا هَؤُلَاءِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ، وَرَفَعْنَا عَنْهُمْ مَا بِهِمْ مِنَ الْقَحْطِ وَالْجَدْبِ وَضُرِّ الْجُوعِ وَالْهُزَالِ؛ ﴿لَلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ﴾ [المؤمنون: ٧٥] يَعْنِي فِي عُتُوِّهِمْ وَجُرْأَتِهِمْ عَلَى رَبِّهِمْ. ﴿يَعْمَهُونَ﴾ [البقرة: ١٥] يَعْنِي: يَتَرَدَّدُونَ
١٧ / ٩٢
كَمَا حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ﴾ [المؤمنون: ٧٥] قَالَ: «لْجُوعُ»
١٧ / ٩٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ﴾ [المؤمنون: ٧٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَقَدْ أَخَذْنَا هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ بِعَذَابِنَا، وَأَنْزَلْنَا بِهِمْ بَأْسَنَا، وَسُخْطَنَا، وَضَيَّقْنَا عَلَيْهِمْ مَعَايِشَهُمْ، وَأَجْدَبْنَا بِلَادَهُمْ، وَقَتَلْنَا سُرَاتَهُمْ بِالسَّيْفِ ﴿فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ﴾ [المؤمنون: ٧٦] يَقُولُ: فَمَا خَضَعُوا لِرَبِّهِمْ فَيَنْقَادُوا لِأَمْرِهِ وَنَهْيِهِ، وَيُنِيبُوا إِلَى طَاعَتِهِ. ﴿وَمَا يَتَضَرَّعُونَ﴾ [المؤمنون: ٧٦] يَقُولُ: وَمَا يَتَذَلَّلُونَ لَهُ. وَذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ حِينَ أَخَذَ اللَّهُ قُرَيْشًا بِسِنِيِّ الْجَدْبِ، وَدَعَا عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ
١٧ / ٩٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا أَبُو تُمَيْلَةَ، عَنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: جَاءَ أَبُو سُفْيَانَ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَنْشُدُكَ اللَّهَ وَالرَّحِمَ، فَقَدْ أَكَلْنَا الْعِلْهِزَ يَعْنِي الْوَبَرَ وَالدَّمَ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ﴾ [المؤمنون: ٧٦] “
١٧ / ٩٣
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْمُؤْمِنِ، عَنْ عِلْبَاءَ بْنِ أَحْمَرَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ ابْنَ أُثَالٍ الْحَنَفِيَّ لَمَّا أَتَى النَّبِيَّ ﷺ وَهُوَ أَسِيرٌ، فَخَلَّى سَبِيلَهُ، فَلَحِقَ بِمَكَّةَ، فَحَالَ بَيْنَ أَهْلِ مَكَّةَ وَبَيْنَ الْمِيرَةِ مِنَ الْيَمَامَةِ، حَتَّى أَكَلَتْ قُرَيْشٌ الْعِلْهِزَ، فَجَاءَ أَبُو سُفْيَانَ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَقَالَ: أَلَيْسَ تَزْعُمُ بِأَنَّكَ بُعِثْتَ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ؟ فَقَالَ: «بَلَى» فَقَالَ: قَدْ قَتَلْتَ الْآبَاءَ بِالسَّيْفِ وَالْأَبْنَاءَ بِالْجُوعِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ﴾ [المؤمنون: ٧٦] الْآيَةَ
١٧ / ٩٣
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا الْحَكَمُ بْنُ بَشِيرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَمْرٌو، قَالَ: قَالَ الْحَسَنُ: «إِذَا أَصَابَ النَّاسَ مِنْ قِبَلِ الشَّيْطَانِ بَلَاءٌ فَإِنَّمَا هِيَ نِقْمَةٌ، فَلَا تَسْتَقْبِلُوا ⦗٩٤⦘ نِقْمَةَ اللَّهِ بِالْحَمِيَّةِ وَلَكِنِ اسْتَقْبِلُوهَا بِالِاسْتِغْفَارِ، وَتَضَرَّعُوا إِلَى اللَّهِ. وَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ﴾ [المؤمنون: ٧٦]»
١٧ / ٩٣
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ﴾ [المؤمنون: ٧٦] قَالَ: الْجُوعُ وَالْجَدْبُ. ﴿فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ﴾ [المؤمنون: ٧٦] فَصَبَرُوا. ﴿فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ﴾ [المؤمنون: ٧٦] “
١٧ / ٩٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ﴾ [المؤمنون: ٧٧] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابَ الْقِتَالِ؛ فَقُتِلُوا يَوْمَ بَدْرٍ
١٧ / ٩٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ شَاهِينَ، قَالَ: ثنا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ﴾ [المؤمنون: ٧٧] قَدْ مَضَى، كَانَ يَوْمَ بَدْرٍ ” حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: ثني عَبْدُ الْأَعْلَى قَالَ: ثنا دَاوُدُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَهُ
١٧ / ٩٤
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: ﴿حَتَّى ⦗٩٥⦘ إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ﴾ [المؤمنون: ٧٧] قَالَ: «يَوْمَ بَدْرٍ» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَاهُ: حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابَ الْمَجَاعَةِ وَالضُّرِّ، وَهُوَ الْبَابُ ذُو الْعَذَابِ الشَّدِيدِ
١٧ / ٩٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ﴾ [المؤمنون: ٧٧] قَالَ: لِكُفَّارِ قُرَيْشٍ الْجُوعُ، وَمَا قَبْلَهَا مِنَ الْقِصَّةِ لَهُمْ أَيْضًا ” حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، بِنَحْوِهِ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: وَمَا قَبْلَهَا أَيْضًا وَهَذَا الْقَوْلُ الَّذِي قَالَهُ مُجَاهِدٌ: أَوْلَى بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ، لِصِحَّةِ الْخَبَرِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي قِصَّةِ الْمَجَاعَةِ الَّتِي أَصَابَتْ قُرَيْشًا بِدُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عَلَيْهِمْ، وَأَمْرِ ثُمَامَةَ بْنِ أُثَالٍ؛ وَذَلِكَ لَا شَكَّ أَنَّهُ كَانَ بَعْدَ وَقْعَةِ بَدْرٍ
١٧ / ٩٥
وَقَوْلُهُ: ﴿إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ﴾ [المؤمنون: ٧٧]
١٧ / ٩٥
يَقُولُ: إِذَا هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ فِيمَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ الْعَذَابِ حَزَانَى نَادِمُونَ عَلَى مَا سَلَفَ مِنْهُمْ فِي تَكْذِيبِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ، فِي حِينَ لَا يَنْفَعُهُمُ النَّدَمُ وَالْحُزْنُ
١٧ / ٩٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ﴾ [المؤمنون: ٧٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَاللَّهُ الَّذِي أَحْدَثَ لَكُمْ أَيُّهَا الْمُكَذِّبُونَ بِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَمَاتِ، السَّمْعَ الَّذِي تَسْمَعُونَ بِهِ، وَالْأَبْصَارَ الَّتِي تُبْصِرُونَ بِهَا، وَالْأَفْئِدَةَ الَّتِي تَفْقَهُونَ بِهَا، فَكَيْفَ يَتَعَذَّرُ عَلَى مَنْ أَنْشَأَ ذَلِكَ ابْتِدَاءً إِعَادَتُهُ بَعْدَ عَدَمِهِ وَفَقْدِهِ، وَهُوَ الَّذِي يُوجِدُ ذَلِكَ كُلَّهُ إِذَا شَاءَ، وَيُفْنِيهِ إِذَا أَرَادَ. ﴿قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ﴾ [الأعراف: ١٠] يَقُولُ: تَشْكُرُونَ أَيُّهَا الْمُكَذِّبُونَ خَبَرَ اللَّهِ مِنْ عَطَائِكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا
١٧ / ٩٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾ [المؤمنون: ٧٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَاللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ مِنْ بَعْدِ مَمَاتِكُمْ، ثُمَّ تُبْعَثُونَ مِنْ قُبُورِكُمْ إِلَى مَوْقِفِ الْحِسَابِ
١٧ / ٩٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلَافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ [المؤمنون: ٨٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَاللَّهُ الَّذِي يُحْيِي خَلْقَهُ؛ يَقُولُ: يَجْعَلُهُمْ أَحْيَاءً بَعْدَ أَنْ كَانُوا نُطَفًا أَمْوَاتًا، بِنَفْخِ الرُّوحِ فِيهَا بَعْدَ التَّارَاتِ الَّتِي تَأْتِي عَلَيْهَا. ﴿وَيُمِيتُ﴾ [البقرة: ٢٥٨] يَقُولُ: وَيُمِيتُهُمْ بَعْدَ أَنْ أَحْيَاهُمُ ﴿وَلَهُ اخْتِلَافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ﴾ [المؤمنون: ٨٠] يَقُولُ: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ مُخْتَلِفَيْنِ، كَمَا يُقَالُ فِي الْكَلَامِ: لَكَ الْمَنُّ وَالْفَضْلُ، بِمَعْنَى: إِنَّكَ تَمُنُّ وَتُفْضِلُ
١٧ / ٩٦
وَقَوْلُهُ: ﴿أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ [البقرة: ٤٤] يَقُولُ: أَفَلَا تَعْقِلُونَ أَيُّهَا النَّاسُ أَنَّ الَّذِيَ فَعَلَ هَذِهِ ⦗٩٧⦘ الْأَفْعَالَ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ أَصْلٍ لَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ إِحْيَاءُ الْأَمْوَاتِ بَعْدَ فَنَائِهِمْ، وَإِنْشَاءُ مَا شَاءَ إِعْدَامَهُ بَعْدَ إِنْشَائِهِ
١٧ / ٩٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿بَلْ قَالُوا مِثْلَ مَا قَالَ الْأَوَّلُونَ قَالُوا أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ﴾ [المؤمنون: ٨٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: مَا اعْتَبَرَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَلَا تَدَبَّرُوا مَا احْتَجَّ عَلَيْهِمْ مِنَ الْحُجَجِ وَالدَلَالَةِ عَلَى قُدْرَتِهِ عَلَى فِعْلِ كُلِّ مَا يَشَاءُ؛ وَلَكِنْ قَالُوا مِثْلَ مَا قَالَ أَسْلَافُهُمْ مِنَ الْأُمَمِ الْمُكَذِّبَةِ رُسُلَهَا قَبْلَهُمْ. ﴿قَالُوا أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا﴾ [المؤمنون: ٨٢] يَقُولُ: أَإِذَا مِتْنَا وَعُدْنَا تُرَابًا قَدْ بَلِيَتْ أَجْسَامُنَا، وَبَرَأَتْ عِظَامُنَا مِنْ لُحُومِنَا، ﴿أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ﴾ [المؤمنون: ٨٢] يَقُولُ: أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ مِنْ قُبُورِنَا أَحْيَاءً كَهَيْئَتِنَا قَبْلَ الْمَمَاتِ؟ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ غَيْرُ كَائِنٍ
١٧ / ٩٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا هَذَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾ [المؤمنون: ٨٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالُوا: لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا الْوَعْدَ الَّذِي تَعِدُنَا يَا مُحَمَّدُ، وَوَعَدَ آبَاءَنَا مِنْ قَبْلِنَا قَوْمٌ ذَكَرُوا أَنَّهُمْ لِلَّهِ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ، فَلَمْ نَرَهُ حَقِيقَةً أَنَّ هَذَا يَقُولُ: مَا هَذَا الَّذِي تَعِدُنَا مِنَ الْبَعْثِ بَعْدَ الْمَمَاتِ؛ ﴿إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾ [الأنعام: ٢٥] يَقُولُ: مَا سَطَّرَهُ الْأَوَّلُونَ فِي كُتُبِهِمْ مِنَ الْأَحَادِيثِ وَالْأَخْبَارِ الَّتِي لَا صِحَّةَ لَهَا وَلَا حَقِيقَةَ
١٧ / ٩٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾ [المؤمنون: ٨٥]⦗٩٨⦘ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبِينَ بِالْآخِرَةِ مِنْ قَوْمِكَ: لِمَنْ مُلْكُ الْأَرْضِ وَمَنْ فِيهَا مِنَ الْخَلْقِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ مَنْ مَالِكُهَا؟ ثُمَّ أَعْلَمُهُ أَنَّهُمْ سَيُقِرُّونَ بِأَنَّهَا لِلَّهِ مُلْكًا، دُونَ سَائِرِ الْأَشْيَاءِ غَيْرِهِ. ﴿قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾ [المؤمنون: ٨٥] يَقُولُ: فَقُلْ لَهُمْ إِذَا أَجَابُوكَ بِذَلِكَ كَذَلِكَ: أَفَلَا تَذَكَّرُونَ فَتَعْلَمُونَ أَنَّ مَنْ قَدَرَ عَلَى خَلْقِ ذَلِكَ ابْتِدَاءً، فَهُوَ قَادِرٌ عَلَى إِحْيَائِهِمْ بَعْدَ مَمَاتِهِمْ وَإِعَادَتِهِمْ خَلْقًا سَوِيًّا بَعْدَ فَنَائِهِمْ؟
١٧ / ٩٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّدُ: مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ، وَرَبُّ الْعَرْشِ الْمُحِيطِ بِذَلِكَ؟ سَيَقُولُونَ: ذَلِكَ كُلُّهُ لِلَّهِ، وَهُوَ رَبُّهُ. فَقُلْ لَهُمْ: أَفَلَا تَتَّقُونَ عِقَابَهُ عَلَى كُفْرِكُمْ بِهِ، وَتَكْذِيبِكُمْ خَبَرَهُ وَخَبَرَ رَسُولِهِ؟ وَقَدِ اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿سَيَقُولُونَ لِلَّهِ﴾ [المؤمنون: ٨٥] فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ وَالشَّامِ: ﴿سَيَقُولُونَ لِلَّهِ﴾ [المؤمنون: ٨٥]، سِوَى أَبِي عَمْرٍو، فَإِنَّهُ خَالَفَهُمْ فَقَرَأَهُ: (سَيَقُولُونَ اللَّهُ) فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، وَفِي الْآخَرِ الَّذِي بَعْدَهُ، اتِّبَاعًا لِخَطِّ الْمُصْحَفِ، فَإِنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ فِي مَصَاحِفِ الْأَمْصَارِ إِلَّا فِي مُصْحَفِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، فَإِنَّهُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ بِالْأَلِفِ، فَقَرَءُوا بِالْأَلِفِ كُلِّهَا اتِّبَاعًا لِخَطِّ مُصْحَفِهِمْ. فَأَمَّا الَّذِينَ قَرَءُوهُ بِالْأَلِفِ فَلَا مُؤْنَةَ فِي قِرَاءَتِهِمْ ذَلِكَ كَذَلِكَ، لِأَنَّهُمْ أَجْرَوُا الْجَوَابَ عَلَى الِابْتِدَاءِ، وَرَدُّوا مَرْفُوعًا عَلَى مَرْفُوعٍ. وَذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ
١٧ / ٩٨
عَلَى قِرَاءَتِهِمْ: قُلْ: مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ؟ سَيَقُولُونَ: رَبُّ ذَلِكَ اللَّهُ. فَلَا مُؤْنَةَ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ كَذَلِكَ. وَأَمَّا الَّذِينَ قَرَءُوا ذَلِكَ فِي هَذَا وَالَّذِي يَلِيهِ بِغَيْرِ أَلِفٍ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا: مَعْنَى قَوْلِهِ ﴿قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَوَاتِ﴾ لِمَنِ السَّمَوَاتُ؟ لِمَنْ مُلْكُ ذَلِكَ؟ فَجَعَلَ الْجَوَابَ عَلَى الْمَعْنَى، فَقِيلَ: لِلَّهِ؛ لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ عَنْ مُلْكِ ذَلِكَ لِمَنْ هُوَ؟ قَالُوا: وَذَلِكَ نَظِيرُ قَوْلِ قَائِلٍ لِرَجُلٍ: مَنْ مَوْلَاكَ؟ فَيُجِيبُ الْمُجِيبُ عَنْ مَعْنَى مَا سُئِلَ، فَيَقُولُ: أَنَا لِفُلَانٍ؛ لِأَنَّهُ مَفْهُومٌ بِذَلِكَ مِنَ الْجَوَابِ مَا هُوَ مَفْهُومٌ بِقَوْلِهِ: مَوْلَايَ فُلَانٌ. وَكَانَ بَعْضُهُمْ يَذْكُرُ أَنَّ بَعْضَ بَنِي عَامِرٍ أَنْشَدَهُ:
[البحر الوافر]
وَأَعْلَمُ أَنَّنِي سَأَكُونُ رَمْسًا … إِذَا سَارَ النَّوَاجِعُ لَا يَسِيرُ
فَقَالَ السَّائِلُونَ لِمَنْ حَفَرْتُمْ فَقَالَ الْمُخْبِرُونَ لَهُمْ وَزِيرُ فَأَجَابَ الْمَخْفُوضَ بِمَرْفُوعٍ، لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ: فَقَالَ السَّائِلُونَ: مَنِ الْمَيِّتُ؟ فَقَالَ الْمُخْبِرُونَ: الْمَيِّتُ وَزِيرٌ؛ فَأَجَابُوا عَنِ الْمَعْنَى دُونَ اللَّفْظِ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي ذَلِكَ أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ قَدْ قَرَأَ بِهِمَا عُلَمَاءٌ مِنَ الْقُرَّاءِ، مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ. غَيْرَ أَنِّي مَعَ ذَلِكَ أَخْتَارُ قِرَاءَةَ جَمِيعِ ذَلِكَ بِغَيْرِ أَلِفٍ، لِإِجْمَاعِ خُطُوطِ مَصَاحِفِ الْأَمْصَارِ عَلَى ذَلِكَ سِوَى خَطِّ مُصْحَفِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ
١٧ / ٩٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ ⦗١٠٠⦘ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ﴾ [المؤمنون: ٨٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ: مَنْ بِيَدِهِ خَزَائِنُ كُلِّ شَيْءٍ؟
١٧ / ٩٩
كَمَا حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ [المؤمنون: ٨٨] قَالَ: خَزَائِنُ كُلِّ شَيْءٍ “
١٧ / ١٠٠
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ [المؤمنون: ٨٨] قَالَ: خَزَائِنُ كُلِّ شَيْءٍ “
١٧ / ١٠٠
وَقَوْلُهُ: ﴿وَهُوَ يُجِيرُ﴾ [المؤمنون: ٨٨] مَنْ أَرَادَ مِمَّنْ قَصَدَهُ بِسُوءٍ
١٧ / ١٠٠
﴿وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ﴾ [المؤمنون: ٨٨] يَقُولُ: وَلَا أَحَدَ يَمْتَنِعُ مِمَّنْ أَرَادَهُ هُوَ بِسُوءٍ فَيُدْفَعُ عَنْهُ عَذَابَهُ وَعِقَابَهُ ﴿إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: ١٨٤] مِنْ ذَلِكَ صِفَتُهُ، فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّ مَلَكُوتَ كُلِّ شَيْءٍ، وَالْقُدْرَةَ عَلَى الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا لِلَّهِ. فَقُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّدُ: ﴿فَأَنَّى تُسْحَرُونَ﴾ [المؤمنون: ٨٩] يَقُولُ: فَمِنْ أَيِّ وَجْهٍ تُصْرَفُونَ عَنِ التَّصْدِيقِ بِآيَاتِ اللَّهِ، وَالْإِقْرَارِ بِأَخْبَارِهِ، وَأَخْبَارِ رَسُولِهِ، وَالْإِيمَانِ بِأَنَّ اللَّهَ الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ مَا يَشَاءُ وَعَلَى بَعْثِكُمْ أَحْيَاءً ⦗١٠١⦘ بَعْدَ مَمَاتِكُمْ، مَعَ عِلْمِكُمْ بِمَا تَقُولُونَ مِنْ عَظِيمِ سُلْطَانِهِ وَقُدْرَتِهِ؟ . وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِيمَا ذُكِرَ عَنْهُ يَقُولُ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ ﴿تُسْحَرُونَ﴾ [المؤمنون: ٨٩]
١٧ / ١٠٠
مَا حَدَّثَنِي بِهِ عَلِيُّ قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿فَأَنَّى تُسْحَرُونَ﴾ [المؤمنون: ٨٩] يَقُولُ: «تُكَذِّبُونَ» وَقَدْ بَيَّنْتُ فِيمَا مَضَى السِّحْرَ: أَنَّهُ تَخْيِيلُ الشَّيْءِ إِلَى النَّاظِرِ أَنَّهُ عَلَى خِلَافِ مَا هُوَ بِهِ مِنْ هَيْئَتِهِ، فَذَلِكَ مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿فَأَنَّى تُسْحَرُونَ﴾ [المؤمنون: ٨٩] إِنَّمَا مَعْنَاهُ: فَمِنْ أَيِّ وَجْهٍ يُخَيَّلُ إِلَيْكُمُ الْكَذِبُ حَقًّا، وَالْفَاسِدُ صَحِيحًا، فَتُصْرَفُونَ عَنِ الْإِقْرَارِ بِالْحَقِّ الَّذِي يَدْعُوكُمْ إِلَيْهِ رَسُولُنَا مُحَمَّدٌ ﷺ
١٧ / ١٠١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [المؤمنون: ٩١] يَقُولُ: مَا الْأَمْرُ كَمَا يَزْعُمُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ بِاللَّهِ مِنْ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ بَنَاتُ اللَّهِ وَأَنَّ الْآلِهَةَ وَالْأَصْنَامَ آلِهَةٌ دُونَ اللَّهِ. ﴿بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِالْحَقِّ﴾ [المؤمنون: ٩٠] الْيَقِينِ، وَهُوَ الدِّينُ الَّذِي ابْتَعَثَ اللَّهُ بِهِ نَبِيَّهُ ﷺ، وَذَلِكَ الْإِسْلَامُ، وَلَا يُعْبَدُ شَيْءٌ سِوَى اللَّهِ لِأَنَّهُ لَا إِلَهَ غَيْرُهُ. ﴿وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ [الأنعام: ٢٨] يَقُولُ: وَإِنَّ الْمُشْرِكِينَ لَكَاذِبُونَ فِيمَا يُضِيفُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَنْحِلُونَهُ مِنَ الْوَلَدِ وَالشَّرِيكِ
١٧ / ١٠١
وَقَوْلُهُ: ﴿مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ﴾ [المؤمنون: ٩١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: مَا لِلَّهِ مِنْ وَلَدٍ، وَلَا كَانَ مَعَهُ فِي الْقَدِيمِ، وَلَا حِينَ ابْتَدَعَ الْأَشْيَاءَ مَنْ تَصْلُحُ عِبَادَتُهُ، وَلَوْ كَانَ مَعَهُ ⦗١٠٢⦘ فِي الْقَدِيمِ، أَوْ عِنْدَ خَلْقِهِ الْأَشْيَاءَ مِنْ تَصْلُحُ عِبَادَتُهُ ﴿مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ﴾ [المؤمنون: ٩١] يَقُولُ: إِذًا لَاعْتَزَلَ كُلُّ إِلَهٍ مِنْهُمْ ﴿بِمَا خَلَقَ﴾ [المؤمنون: ٩١] مِنْ شَيْءٍ، فَانْفَرَدَ بِهِ، وَلَتَغَالَبُوا، فَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، وَغَلَبَ الْقَوِيُّ مِنْهُمُ الضَّعِيفَ؛ لِأَنَّ الْقَوِيَّ لَا يَرْضَى أَنْ يَعْلُوَهُ ضَعِيفٌ، وَالضَّعِيفَ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ إِلَهًا. فَسُبْحَانَ اللَّهِ مَا أَبْلَغَهَا مِنْ حُجَّةٍ وَأَوْجَزَهَا لِمَنْ عَقِلَ وَتَدَبَّرَ وَقَوْلُهُ: ﴿إِذًا لَذَهَبَ﴾ [المؤمنون: ٩١] جَوَابٌ لِمَحْذُوفٍ، وَهُوَ: لَوْ كَانَ مَعَهُ إِلَهٌ إِذَنْ لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ؛ اجْتُزِئَ بِدَلَالَةِ مَا ذُكِرَ عَلَيْهِ عَنْهُ
١٧ / ١٠١
وَقَوْلُهُ: ﴿سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ﴾ [المؤمنون: ٩١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: تَنْزِيهًا لِلَّهِ عَمَّا يَصِفُهُ بِهِ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ مِنْ أَنَّ لَهُ وَلَدًا، وَعَمَّا قَالُوهُ مِنْ أَنَّ لَهُ شَرِيكًا، أَوْ أَنَّ مَعَهُ فِي الْقِدَمِ إِلَهًا يُعْبَدُ، تبارك وتعالى
١٧ / ١٠٢
وَقَوْلُهُ: ﴿عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ﴾ [الأنعام: ٧٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: هُوَ عَالِمُ مَا غَابَ عَنْ خَلْقِهِ مِنَ الْأَشْيَاءِ، فَلَمْ يَرَوْهُ وَلَمْ يُشَاهِدُوهُ، وَمَا رَأَوْهُ وَشَاهَدُوهُ. إِنَّمَا هَذَا مِنَ اللَّهِ خَبَرٌ عَنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ قَالُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ: اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا، وعَبَدُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً، أَنَّهُمْ فِيمَا يَقُولُونَ وَيَفْعَلُونَ مُبْطِلُونَ مُخْطِئُونَ، فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا يَقُولُونَ مِنْ قَوْلٍ فِي ذَلِكَ عَنْ غَيْرِ عِلْمٍ، بَلْ عَنْ جَهْلٍ مِنْهُمْ بِهِ؛ وَإِنَّ الْعَالِمَ بِقَدِيمِ الْأُمُورِ، وَبِحَدِيثِهَا، وَشَاهِدِهَا وَغَائِبِهَا عَنْهُمْ، اللَّهُ الَّذِي لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ، فَخَبَرُهُ هُوَ الْحَقُّ دُونَ خَبَرِهِمْ. وَقَالَ: ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ﴾ [الأنعام: ٧٣] فَرَفَعَ عَلَى الِابْتِدَاءِ، بِمَعْنَى: هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ، وَلِذَلِكَ دَخَلَتِ الْفَاءُ فِي قَوْلِهِ: ﴿فَتَعَالَى﴾ [الأعراف: ١٩٠] كَمَا يُقَالُ: مَرَرْتُ بِأَخِيكَ الْمُحْسِنُ
١٧ / ١٠٢
فَأَحْسَنْتُ إِلَيْهِ، فَتَرْفَعُ الْمُحْسِنَ إِذَا جَعَلْتَ فَأَحْسَنْتُ إِلَيْهِ بِالْفَاءِ، لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ إِذَا كَانَ كَذَلِكَ: مَرَرْتُ بِأَخِيكَ هُوَ الْمُحْسِنُ، فَأَحْسَنْتُ إِلَيْهِ. وَلَوْ جُعِلَ الْكَلَامُ بِالْوَاوِ فَقِيلَ: وَأَحْسَنْتُ إِلَيْهِ، لَمْ يَكُنْ وَجْهُ الْكَلَامِ فِي «الْمُحْسِنِ» إِلَّا الْخَفْضُ عَلَى النَّعْتِ لِلْأَخِ، وَلِذَلِكَ لَوْ جَاءَ «فَتَعَالَى» بِالْوَاوِ كَانَ وَجْهُ الْكَلَامِ فِي عَالِمِ الْغَيْبِ الْخَفْضَ عَلَى الِإِتْبَاعِ لِإِعْرَابِ اسْمِ اللَّهِ، وَكَانَ يَكُونُ مَعْنَى الْكَلَامِ: سُبْحَانَ اللَّهِ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَتَعَالَى فَيَكُونُ قَوْلُهُ: «وَتَعَالَى»، حِينَئِذٍ مَعْطُوفًا عَلَى ﴿سُبْحَانَ اللَّهِ﴾ [المؤمنون: ٩١] . وَقَدْ يَجُوزُ الْخَفْضُ مَعَ الْفَاءِ، لِأَنَّ الْعَرَبَ قَدْ تَبْدَأُ الْكَلَامَ بِالْفَاءِ، كَابْتِدَائِهَا بِالْوَاوِ. وَبِالْخَفْضِ كَانَ يَقْرَأُ: ﴿عَالِمِ الْغَيْبِ﴾ [الأنعام: ٧٣] فِي هَذَا الْمَوْضِعِ أَبُو عَمْرٍو، وَعَلَى خِلَافِهِ فِي ذَلِكَ قَرَأَةُ الْأَمْصَارِ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا: الرَّفْعُ، لِمَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: إِجْمَاعُ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَيْهِ، وَالثَّانِي: صِحَّتُهُ فِي الْعَرَبِيَّةِ
١٧ / ١٠٣
وَقَوْلُهُ: ﴿فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [المؤمنون: ٩٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَارْتَفَعَ اللَّهُ وَعَلَا عَنْ شِرْكِ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ، وَوَصْفِهِمْ إِيَّاهُ بِمَا يَصِفُونَ
١٧ / ١٠٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قُلْ رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ رَبِّ فَلَا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ وَإِنَّا عَلَى أَنْ نُرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقَادِرُونَ﴾ [المؤمنون: ٩٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ: رَبِّ إِنْ تُرِيَنِّي فِي هَؤُلَاءِ ⦗١٠٤⦘ الْمُشْرِكِينَ مَا تَعِدُهُمْ مِنْ عَذَابِكَ فَلَا تُهْلِكَنِّي بِمَا تُهْلِكُهُمْ بِهِ. وَنَجِّنِي مِنْ عَذَابِكَ وَسَخَطِكَ، فَلَا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الْمُشْرِكِينَ؛ وَلَكِنِ اجْعَلْنِي مِمَّنْ رَضِيتَ عَنْهُ مِنْ أَوْلِيَائِكَ وَقَوْلُهُ: ﴿فَلَا تَجْعَلْنِي﴾ [المؤمنون: ٩٤] جَوَابٌ لِقَوْلِهِ: ﴿إِمَّا تُرِيَنِّي﴾ [المؤمنون: ٩٣] اعْتَرَضَ بَيْنَهُمَا بِالنِّدَاءِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ قَبْلَهُ جَزَاءٌ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ فِي الْكَلَامِ، لَا يُقَالُ: يَا زَيْدُ فَقُمْ، وَلَا: يَا رَبِّ فَاغْفِرْ، لِأَنَّ النِّدَاءَ مُسْتَأْنَفٌ، وَكَذَلِكَ الْأَمْرُ بَعْدَهُ مُسْتَأْنَفٌ، لَا تَدْخُلُهُ الْفَاءُ وَالْوَاوُ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ جَوَابًا لِكَلَامٍ قَبْلَهُ
١٧ / ١٠٣
وَقَوْلُهُ ﴿وَإِنَّا عَلَى أَنْ نُرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقَادِرُونَ﴾ [المؤمنون: ٩٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَإِنَّا يَا مُحَمَّدُ عَلَى أَنْ نُرِيَكَ فِي هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ مَا نَعِدُهُمْ مِنْ تَعْجِيلِ الْعَذَابِ لَهُمْ، لَقَادِرُونَ، فَلَا يَحْزُنَنَّكَ تَكْذِيبُهُمْ إِيَّاكَ بِمَا نَعِدُهُمْ بِهِ، وَإِنَّمَا نُؤَخِّرُ ذَلِكَ لِيَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ
١٧ / ١٠٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ﴾ [المؤمنون: ٩٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ: ادْفَعْ يَا مُحَمَّدُ بِالْخَلَّةِ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ، وَذَلِكَ الْإِغْضَاءُ وَالصَّفْحُ عَنْ جَهَلَةِ الْمُشْرِكِينَ، وَالصَّبْرُ عَلَى أَذَاهُمْ، وَذَلِكَ أَمْرُهُ إِيَّاهُ قَبْلَ أَمْرِهِ بِحَرْبِهِمْ. وَعَنَى بِالسَّيِّئَةِ: أَذَى الْمُشْرِكِينَ إِيَّاهُ، وَتَكْذِيبُهُمْ لَهُ فِيمَا أَتَاهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، يَقُولُ لَهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: اصْبِرْ عَلَى مَا تَلْقَى مِنْهُمْ فِي ذَاتِ اللَّهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٧ / ١٠٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلُهُ: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ﴾ [المؤمنون: ٩٦] قَالَ: أَعْرِضْ عَنْ أَذَاهُمْ إِيَّاكَ “
١٧ / ١٠٥
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ﴾ [المؤمنون: ٩٦] قَالَ: «هُوَ السَّلَامُ، تُسَلِّمُ عَلَيْهِ إِذَا لَقِيتُهُ» حَدَّثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٧ / ١٠٥
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا هَوْذَةُ، قَالَ: ثنا عَوْفٌ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ﴾ [المؤمنون: ٩٦] قَالَ: «وَاللَّهِ لَا يُصِيبُهَا صَاحِبُهَا حَتَّى يَكْظِمَ غَيْظًا، وَيَصْفَحَ عَمَّا يَكْرَهُ»
١٧ / ١٠٥
وَقَوْلُهُ: ﴿نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ﴾ [المؤمنون: ٩٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ اللَّهَ بِهِ، وَيَنْحَلُونَهُ مِنَ الْأَكَاذِيبِ، وَالْفِرْيَةِ عَلَيْهِ، وَبِمَا يَقُولُونَ فِيكَ مِنَ السُّوءِ، وَنَحْنُ مُجَازُوهُمْ عَلَى جَمِيعِ ذَلِكَ، فَلَا يَحْزُنْكَ مَا تَسْمَعُ مِنْهُمْ مِنْ قَبِيحِ الْقَوْلِ
١٧ / ١٠٥
وَقَوْلُهُ: ﴿وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ﴾ [المؤمنون: ٩٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ ⦗١٠٦⦘ مُحَمَّدٍ ﷺ: وَقُلْ يَا مُحَمَّدُ: رَبِّ أَسْتَجِيرُ بِكَ مِنْ خَنْقِ الشَّيَاطِينِ وَهَمَزَاتِهَا، وَالْهَمْزُ: هُوَ الْغَمْزُ، وَمِنْ ذَلِكَ قِيلَ لِلْهَمْزِ فِي الْكَلَامِ: هَمْزَةٌ، وَالْهَمَزَاتُ جَمْعُ هَمْزَةٍ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٧ / ١٠٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ﴾ [المؤمنون: ٩٧] قَالَ: هَمَزَاتُ الشَّيَاطِينِ: خَنْقُهُمُ النَّاسَ، فَذَلِكَ هَمَزَاتُهُمْ “
١٧ / ١٠٦
وَقَوْلُهُ: ﴿وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ﴾ [المؤمنون: ٩٨] يَقُولُ: وَقُلْ أَسْتَجِيرُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ فِي أُمُورِي