سُورَةُ الْقَصَصِ 3

وَقَوْلُهُ سبحانه وتعالى: ﴿عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [الأعراف: ١٩٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ تَنْزِيهًا لِلَّهِ وَتَبْرِئَةً لَهُ، وَعُلُوًّا عَمَّا أَضَافَ إِلَيْهِ الْمُشْرِكُونَ مِنَ الشِّرْكِ، وَمَا تَخَرَّصُوهُ مِنَ الْكَذِبِ وَالْبَاطِلِ عَلَيْهِ. وَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَنْ شِرْكِهُمْ. وَقَدْ كَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ يُوَجِّهُهُ إِلَى أَنَّهُ بِمَعْنَى: وَتَعَالَى عَنِ الَّذِي يُشْرِكُونَ بِهِ.
١٨ ‏/ ٣٠٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ. وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ، وَلَهُ الْحُكْمُ، وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [القصص: ٧٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَرَبُّكَ يَا مُحَمَّدُ يَعْلَمُ مَا تُخْفِي صُدُورُ خَلْقِهِ؛ وَهُوَ مِنْ: أَكْنَنْتُ الشَّيْءَ فِي صَدْرِي: إِذَا أَضْمَرْتُهُ فِيهِ، وَكَنَنْتُ الشَّيْءَ: إِذَا صُنْتُهُ، ﴿وَمَا يُعْلِنُونَ﴾ [البقرة: ٧٧]: يَقُولُ: وَمَا يُبْدُونَهُ بِأَلْسِنَتِهِمْ وَجَوَارِحِهِمْ، وَإِنَّمَا يَعْنِي بِذَلِكَ أَنَّ اخْتِيَارَ مَنْ يَخْتَارُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ بِهِ عَلَى عِلْمٍ مِنْهُ بِسَرَائِرِ أُمُورِهِمْ وَبَوَادِيهَا، وَإِنَّهُ يَخْتَارُ لِلْخَيْرِ أَهْلَهُ، فَيُوَفِّقُهُمْ لَهُ، وَيُوَلِّي الشَّرَّ أَهْلَهُ، وَيُخَلِّيهِمْ ⦗٣٠٤⦘ وَإِيَّاهُ.
١٨ ‏/ ٣٠٣
وَقَوْلُهُ: ﴿وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾ [القصص: ٧٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَرَبُّكَ يَا مُحَمَّدُ الْمَعْبُودُ الَّذِي لَا تَصْلُحُ الْعِبَادَةُ إِلَّا لَهُ، وَلَا مَعْبُودَ تَجُوزُ عِبَادَتُهُ غَيْرُهُ. يَعْنِي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ﴿وَلَهُ الْحُكْمُ﴾ [القصص: ٧٠] يَقُولُ: وَلَهُ الْقَضَاءُ بَيْنَ خَلْقِهِ ﴿وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [البقرة: ٢٤٥] يَقُولُ: وَإِلَيْهِ تُرَدُّونَ مِنْ بَعْدِ مَمَاتِكُمْ، فَيَقْضِي بَيْنَكُمْ بِالْحَقِّ.
١٨ ‏/ ٣٠٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ، أَفَلَا تَسْمَعُونَ﴾ [القصص: ٧١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ بِاللَّهِ: أَيُّهَا الْقَوْمُ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ دَائِمًا لَا نَهَارَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ يَعْقُبُهُ. وَالْعَرَبُ تَقُولُ لِكُلِّ مَا كَانَ مُتَّصِلًا لَا يَنْقَطِعُ مِنْ رَخَاءٍ أَوْ بَلَاءٍ أَوْ نِعْمَةٍ هُوَ سَرْمَدٌ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ ‏/ ٣٠٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ: «﴿سَرْمَدًا﴾ [القصص: ٧١]: دَائِمًا لَا يَنْقَطِعُ». حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٨ ‏/ ٣٠٤
حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ «﴿إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا﴾ [القصص: ٧١] يَقُولُ: دَائِمًا»
١٨ ‏/ ٣٠٥
وَقَوْلُهُ: ﴿مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيَكُمْ بِضِيَاءٍ﴾ [القصص: ٧١] يَقُولُ: مَنْ مَعْبُودٌ غَيْرُ الْمَعْبُودِ الَّذِي لَهُ عِبَادَةُ كُلِّ شَيْءٍ يَأْتِيَكُمْ بِضِيَاءِ النَّهَارِ، فَتَسْتَضِيئُونَ بِهِ ﴿أَفَلَا تَسْمَعُونَ﴾ [القصص: ٧١] يَقُولُ: أَفَلَا تَرْعَوْنَ ذَلِكَ سَمْعَكُمْ، وَتُفَكِّرُونَ فِيهِ فَتَتَّعِظُونَ، وَتَعْلَمُونَ أَنَّ رَبَّكُمْ هُوَ الَّذِي يَأْتِي بِاللَّيْلِ وَيَذْهَبُ بِالنَّهَارِ إِذَا شَاءَ، وَإِذَا شَاءَ أَتَى بِالنَّهَارِ وَذَهَبَ بِاللَّيْلِ، فَيُنْعِمُ بِاخْتِلَافِهِمَا كَذَلِكَ عَلَيْكُمْ.
١٨ ‏/ ٣٠٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيَكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ، أَفَلَا تُبْصِرُونَ﴾ [القصص: ٧٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: ﴿قُلْ﴾ [البقرة: ٨٠] يَا مُحَمَّدُ لِمُشْرِكِي قَوْمِكَ ﴿أَرَأَيْتُمْ﴾ [الأنعام: ٤٦] أَيُّهَا الْقَوْمُ ﴿إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا﴾ [القصص: ٧٢] دَائِمًا لَا لَيْلَ مَعَهُ أَبَدًا ﴿إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ﴾ [القصص: ٧١] مِنْ مَعْبُودٍ غَيْرِ الْمَعْبُودِ الَّذِي لَهُ عِبَادَةُ كُلِّ شَيْءٍ ﴿يَأْتِيَكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ﴾ [القصص: ٧٢] فَتَسْتَقِرُّونَ وَتَهْدَءُونَ فِيهِ. ﴿أَفَلَا تُبْصِرُونَ﴾ [القصص: ٧٢] يَقُولُ: أَفَلَا تَرَوْنَ بِأَبْصَارِكُمُ اخْتِلَافَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ عَلَيْكُمْ، رَحْمَةً مِنَ اللَّهِ لَكُمْ، وَحُجَّةً مِنْهُ عَلَيْكُمْ، فَتَعَلَمُوا بِذَلِكَ أَنَّ الْعِبَادَةَ لَا تَصْلُحُ إِلَّا لِمَنْ أَنْعَمَ عَلَيْكُمْ بِذَلِكَ دُونَ غَيْرِهِ، وَلِمَنْ لَهُ الْقُدْرَةُ الَّتِي خَالَفَ بِهَا بَيْنَ ذَلِكَ.
١٨ ‏/ ٣٠٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [القصص: ٧٣]
١٨ ‏/ ٣٠٥
يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَمِنْ رَحْمَتِهِ﴾ [القصص: ٧٣] بِكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ ﴿جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ﴾ [القصص: ٧٣] فَخَالَفَ بَيْنَهُمَا، فَجَعَلَ هَذَا اللَّيْلَ ظَلَامًا ﴿لِتَسْكُنُوا فِيهِ﴾ [يونس: ٦٧] وَتَهْدَءُوا وَتَسْتَقِرُّوا لِرَاحَةِ أَبْدَانِكُمْ فِيهِ مِنْ تَعَبِ التَّصَرُّفِ الَّذِي تَتَصَرَّفُونَ نَهَارًا لِمَعَايِشِكُمْ. وَفِي الْهَاءِ الَّتِي فِي قَوْلِهِ: ﴿لِتَسْكُنُوا فِيهِ﴾ [يونس: ٦٧] وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكُونَ مِنْ ذِكْرِ اللَّيْلِ خَاصَّةً، وَيُضَمُّ لِلنَّهَارِ مَعَ الِابْتِغَاءِ هَاءٌ أُخْرَى. وَالثَّانِي: أَنْ تَكُونَ مِنْ ذِكْرِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، فَيَكُونَ وَجْهُ تَوْحِيدِهَا وَهِيَ لَهُمَا وَجْهُ تَوْحِيدِ الْعَرَبِ فِي قَوْلِهِمْ: إِقْبَالُكَ وَإِدْبَارُكَ يُؤْذِينِي، لِأَنَّ الْإِقْبَالَ وَالْإِدْبَارَ فِعْلٌ، وَالْفِعْلُ يُوَحَّدَ كَثِيرُهُ وَقَلِيلُهُ. وَجَعَلَ هَذَا النَّهَارَ ضِيَاءً تُبْصِرُونَ فِيهِ، فَتَتَصَرَّفُونَ بِأَبْصَارِكُمْ فِيهِ لِمَعَايِشِكُمْ، وَابْتِغَاءَ رِزْقِهِ الَّذِي قَسَّمَهُ بَيْنَكُمْ بِفَضْلِهِ الَّذِي تَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ.
١٨ ‏/ ٣٠٦
وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [البقرة: ١٨٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلِتَشْكُرُوهُ عَلَى إِنْعَامِهِ عَلَيْكُمْ بِذَلِكَ، فَعَلَ ذَلِكَ بِكُمْ لِتُفْرِدُوهُ بِالشُّكْرِ، وَتُخْلِصُوا لَهُ الْحَمْدَ، لِأَنَّهُ لَمْ يُشْرِكْهُ فِي إِنْعَامِهِ عَلَيْكُمْ بِذَلِكَ شَرِيكٌ، فَلِذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْحَمْدِ عَلَيْهِ.
١٨ ‏/ ٣٠٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ. وَنَزَعْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا فَقُلْنَا هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ، فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ، وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ﴾ [القصص: ٧٥] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَيَوْمَ يُنَادِي رَبُّكَ يَا مُحَمَّدُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ فَيَقُولُ لَهُمْ: ﴿أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ﴾ [القصص: ٦٢] أَيُّهَا الْقَوْمُ فِي الدُّنْيَا أَنَّهُمْ شُرَكَائِي، وَقَوْلُهُ: ﴿وَنَزَعْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا﴾ [القصص: ٧٥] وَأَحْضَرْنَا مِنْ كُلِّ جَمَاعَةٍ شَهِيدَهَا وَهُوَ نَبِيُّهَا الَّذِي يَشْهَدُ عَلَيْهَا بِمَا إِجَابَتْهُ أُمَّتُهُ فِيمَا أَتَاهُمْ بِهِ عَنِ اللَّهِ مِنَ ⦗٣٠٧⦘ الرِّسَالَةِ. وَقِيلَ: وَنَزَعْنَا مِنْ قَوْلِهِ: نَزَعَ فُلَانٌ بِحُجَّةِ كَذَا، بِمَعْنَى: أَحْضَرَهَا وَأَخْرَجَهَا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ ‏/ ٣٠٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: «﴿وَنَزَعْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا﴾ [القصص: ٧٥] وَشَهِيدُهَا نَبِيُّهَا، يَشْهَدُ عَلَيْهَا أَنَّهُ قَدْ بَلَّغَ رِسَالَةَ رَبِّهِ»
١٨ ‏/ ٣٠٧
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا؛ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ: «﴿وَنَزَعْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا﴾ [القصص: ٧٥] قَالَ: رَسُولًا». حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، بِنَحْوِهِ
١٨ ‏/ ٣٠٧
وَقَوْلُهُ: ﴿فَقُلْنَا هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ﴾ [القصص: ٧٥] يَقُولُ: فَقُلْنَا لَأُمَّةِ كُلِّ نَبِيٍّ مِنْهُمُ الَّتِي رَدَّتْ نَصِيحَتَهُ، وَكَذَّبَتْ بِمَا جَاءَهَا بِهِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِمْ، إِذْ شَهِدَ نَبِيُّهَا عَلَيْهَا بِإِبْلَاغِهِ إِيَّاهَا رِسَالَةَ اللَّهِ: ﴿هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ﴾ [البقرة: ١١١] يَقُولُ: فَقَالَ لَهُمْ: هَاتُوا حُجَّتَكُمْ عَلَى إِشْرَاكِكُمْ بِاللَّهِ مَا كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ مَعَ إِعْذَارِ اللَّهِ إِلَيْكُمْ بِالرُّسُلِ وَإِقَامَتِهِ عَلَيْكُمْ ⦗٣٠٨⦘ بِالْحُجَجِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ ‏/ ٣٠٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿فَقُلْنَا هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ﴾ [القصص: ٧٥] أَيْ بِيَّنَتَكُمْ»
١٨ ‏/ ٣٠٨
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ: «﴿فَقُلْنَا هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ﴾ [القصص: ٧٥] قَالَ: حُجَّتَكُمْ لِمَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ وَتَقُولُونَ»
١٨ ‏/ ٣٠٨
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «﴿فَقُلْنَا هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ﴾ [القصص: ٧٥] قَالَ: حُجَّتَكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ»
١٨ ‏/ ٣٠٨
وَقَوْلُهُ: ﴿فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ﴾ [القصص: ٧٥] يَقُولُ: فَعَلِمُوا حِينَئِذٍ أَنَّ الْحُجَّةَ الْبَالِغَةَ لِلَّهِ عَلَيْهِمْ، وَأَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَالصِّدْقَ خَبَرُهُ، فَأَيْقَنُوا بِعَذَابٍ مِنَ اللَّهِ لَهُمْ دَائِمٌ. ﴿وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ﴾ [الأنعام: ٢٤] يَقُولُ: وَاضْمَحَلَّ فَذَهَبَ الَّذِي كَانُوا يُشْرِكُونَ بِاللَّهِ فِي الدُّنْيَا، وَمَا كَانُوا يَتَخَرَّصُونَ، وَيُكَذِّبُونَ عَلَى رَبِّهِمْ، فَلَمْ يَنْفَعْهُمْ هُنَالِكَ بَلْ ضَرَّهُمْ وَأَصْلَاهُمْ نَارَ جَهَنَّمَ.
١٨ ‏/ ٣٠٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ، وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ، إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ﴾ [القصص: ٧٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿إِنَّ قَارُونَ﴾ [القصص: ٧٦] وَهُوَ قَارُونُ بْنُ يَصْهُرَ بْنِ قَاهِثَ بْنِ لَاوِي بْنِ يَعْقُوبَ ﴿كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى﴾ [القصص: ٧٦] يَقُولُ: كَانَ مِنْ عَشِيرَةِ مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ النَّبِيِّ ﷺ، وَهُوَ ابْنُ عَمِّهِ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ، وَذَلِكَ أَنَّ قَارُونَ هُوَ قَارُونُ بْنُ يَصْهُرَ بْنِ قَاهِثَ، وَمُوسَى: هُوَ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ بْنِ قَاهِثَ، كَذَا نَسَبُهُ ابْنُ جُرَيْجٍ.
١٨ ‏/ ٣٠٩
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَوْلَهُ: «﴿إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى﴾ [القصص: ٧٦] قَالَ: ابْنُ عَمِّهِ ابْنُ أَخِي أَبِيهِ، فَإِنَّ قَارُونَ بْنَ يَصْفُرَ، هَكَذَا قَالَ الْقَاسِمُ، وَإِنَّمَا هُوَ يَصْهُرُ بْنُ قَاهِثَ، وَمُوسَى بْنُ عَوْمَرَ بْنِ قَاهِثَ، وَعَوْمَرُ بِالْعَرَبِيَّةِ عِمْرَانُ»
١٨ ‏/ ٣٠٩
وَأَمَّا ابْنُ إِسْحَاقَ فَإِنَّ ابْنَ حُمَيْدٍ حَدَّثَنَا قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنْهُ أَنَّ يَصْهُرَ بْنَ قَاهِثَ، تَزَوَّجَ سُمَيْتَ بِنْتَ بَتَاوِيتَ بْنِ بَرْكَنَا بْنِ بَقْشَانَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، فَوَلَدَتْ لَهُ عِمْرَانَ بْنَ يَصْهُرَ، وَقَارُونَ بْنَ يَصْهُرَ، فَنَكَحَ عِمْرَانُ بِخِنْتَ بِنْتَ شَمْوِيلَ بْنِ ⦗٣١٠⦘ بَرْكَنَا بْنِ بَقْشَانَ بْنِ بَرْكَنَا، فَوَلَدَتْ لَهُ هَارُونَ بْنَ عِمْرَانَ، وَمُوسَى بْنَ عِمْرَانَ صَفِيَّ اللَّهِ وَنَبِيَّهُ». فَمُوسَى عَلَى مَا ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ ابْنُ أَخِي قَارُونَ، وَقَارُونُ هُوَ عَمُّهُ أَخُو أَبِيهِ لِأَبِيهِ وَلِأُمِّهِ. وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي ذَلِكَ عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ جُرَيْجٍ.
١٨ ‏/ ٣٠٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا جَابِرُ بْنُ نُوحٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، فِي قَوْلِهِ: «﴿إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى﴾ [القصص: ٧٦] قَالَ: كَانَ ابْنَ عَمِّ مُوسَى»
١٨ ‏/ ٣١٠
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى﴾ [القصص: ٧٦]: كُنَّا نُحَدَّثُ أَنَّهُ كَانَ ابْنَ عَمِّهِ أَخِي أَبِيهِ، وَكَانَ يُسَمَّى الْمُنَوَّرَ مِنْ حُسْنِ صَوْتِهِ بِالتَّوْرَاةِ، وَلَكِنَّ عَدُوَّ اللَّهِ نَافَقَ، كَمَا نَافَقَ السَّامِرِيُّ، فَأَهْلَكَهُ ⦗٣١١⦘ الْبَغْيُ»
١٨ ‏/ ٣١٠
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، «﴿إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى﴾ [القصص: ٧٦] قَالَ: كَانَ ابْنَ عَمِّهِ فَبَغَى عَلَيْهِ»
١٨ ‏/ ٣١١
قَالَ: ثنا يَحْيَى الْقَطَّانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: «كَانَ قَارُونُ ابْنَ عَمِّ مُوسَى»
١٨ ‏/ ٣١١
قَالَ: ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، «﴿إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى﴾ [القصص: ٧٦] قَالَ: كَانَ ابْنَ عَمِّهِ»
١٨ ‏/ ٣١١
حَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ هِلَالٍ الصَّوَّافُ، قَالَ: ثنا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ الضُّبَعِيُّ، عَنْ مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ، قَالَ: «بَلَغَنِي أَنَّ مُوسَى بْنَ عِمْرَانَ كَانَ ابْنَ عَمِّ قَارُونَ»
١٨ ‏/ ٣١١
وَقَوْلُهُ: ﴿فَبَغَى عَلَيْهِمْ﴾ [القصص: ٧٦] يَقُولُ: فَتَجَاوَزَ حَدَّهُ فِي الْكِبْرِ وَالتَّجَبُّرِ عَلَيْهِمْ. وَكَانَ بَعْضُهُمْ يَقُولُ: كَانَ بَغْيُهُ عَلَيْهِمْ زِيَادَةَ شِبْرٍ أَخَذَهَا فِي طُولِ ثِيَابِهِ
١٨ ‏/ ٣١١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ الْكِنْدِيُّ، وَأَبُو السَّائِبِ، وَابْنُ وَكِيعٍ، قَالُوا: ثنا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، «﴿إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ﴾ [القصص: ٧٦] قَالَ: زَادَ عَلَيْهِمْ فِي الثِّيَابِ شِبْرًا». ⦗٣١٢⦘ وَقَالَ آخَرُونَ: كَانَ بَغْيُهُ عَلَيْهِمْ بِكَثْرَةِ مَالِهِ.
١٨ ‏/ ٣١١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: «إِنَّمَا بَغَى عَلَيْهِمْ بِكَثْرَةِ مَالِهِ»
١٨ ‏/ ٣١٢
وَقَوْلُهُ: ﴿وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ﴾ [القصص: ٧٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَآتَيْنَا قَارُونَ مِنْ كُنُوزِ الْأَمْوَالِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ، وَهِيَ جَمْعُ مَفْتَحٍ، وَهُوَ الَّذِي يُفْتَحُ بِهِ الْأَبْوَابُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَنَى بِالْمَفَاتِحِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: الْخَزَائِنَ لَتُثْقِلَ الْعُصْبَةَ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ ‏/ ٣١٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ مَا قُلْنَا فِي مَعْنَى مَفَاتِحَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا جَابِرُ بْنُ نُوحٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ خَيْثَمَةَ، قَالَ: «كَانَتْ مَفَاتِحُ قَارُونَ تُحْمَلُ عَلَى سِتِّينَ بَغْلًا، كُلُّ مِفْتَاحٍ مِنْهَا بَابُ كَنْزٍ مَعْلُومٍ مِثْلُ الْأُصبُعِ مِنْ جُلُودٍ»
١٨ ‏/ ٣١٢
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ خَيْثَمَةَ، قَالَ: «كَانَتْ مَفَاتِحُ كُنُوزِ قَارُونَ مِنْ جُلُودٍ، كُلُّ مِفْتَاحٍ مِثْلُ الْأُصْبُعِ، كُلُّ مِفْتَاحٍ عَلَى خِزَانَةٍ عَلَى حِدَةٍ، ⦗٣١٣⦘ فَإِذَا رَكِبَ حُمِلَتِ الْمَفَاتِيحُ عَلَى سِتِّينَ بَغْلًا أَغَرَّ مُحَجَّلًا»
١٨ ‏/ ٣١٢
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ خَيْثَمَةَ، فِي قَوْلِهِ «﴿مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ﴾ [القصص: ٧٦] قَالَ: نَجِدُ مَكْتُوبًا فِي الْإِنْجِيلِ: مَفَاتِحُ قَارُونَ وِقْرُ سِتِّينَ بَغْلًا غُرًّا مُحَجَّلَةً، مَا يَزِيدُ كُلُّ مِفْتَاحٍ مِنْهَا عَلَى أُصْبُعٍ، لِكُلِّ مِفْتَاحٍ مِنْهَا كَنْزٌ»
١٨ ‏/ ٣١٣
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «كَانَتِ الْمَفَاتِحُ مِنْ جُلُودِ الْإِبِلِ»
١٨ ‏/ ٣١٣
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «﴿وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ﴾ [القصص: ٧٦] قَالَ: مَفَاتِحُ مِنْ جُلُودٍ كَمَفَاتِحِ الْعِيدَانِ». وَقَالَ قَوْمٌ: عَنَى بِالْمَفَاتِحِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: خَزَائِنَهُ.
١٨ ‏/ ٣١٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ سَالِمٍ، عَنْ أَبِي ⦗٣١٤⦘ صَالِحٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ﴾ [القصص: ٧٦] قَالَ: كَانَتْ خَزَائِنُهُ تُحْمَلُ عَلَى أَرْبَعِينَ بَغْلًا»
١٨ ‏/ ٣١٣
حَدَثًا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ أَبِي حُجَيْرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، «﴿مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ﴾ [القصص: ٧٦] قَالَ: أَوْعِيَتَهُ». وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ﴾ [القصص: ٧٦] قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ ‏/ ٣١٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا جَابِرُ بْنُ نُوحٍ، قَالَ: ثنا أَبُو رَوْقٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ﴾ [القصص: ٧٦] قَالَ: لَتُثْقِلُ بِالْعُصْبَةِ»
١٨ ‏/ ٣١٤
حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ «﴿لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ﴾ [القصص: ٧٦] يَقُولُ: تُثْقِلُ. وَأَمَّا الْعُصْبَةُ فَإِنَّهَا الْجَمَاعَةُ». وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَبْلَغِ عَدَدِهَا الَّذِي أُرِيدَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ؛ فَأَمَّا مَبْلَغِ عَدَدِ الْعُصْبَةِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ فَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِيمَا مَضَى بِاخْتِلَافِ الْمُخْتَلِفِينَ فِيهِ، وَالرِّوَايَةُ فِي ذَلِكَ، وَالشَّوَاهِدُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ قَوْلِهِمْ فِي ذَلِكَ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَتْ مَفَاتِحُهُ تَنُوءُ بِعُصْبِةٍ مَبْلَغُ عَدَدِهَا أَرْبَعُونَ رَجُلًا.
١٨ ‏/ ٣١٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ سَالِمٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، قَوْلَهُ: «﴿لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ﴾ [القصص: ٧٦] قَالَ: أَرْبَعُونَ رَجُلًا»
١٨ ‏/ ٣١٥
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ﴾ [القصص: ٧٦] قَالَ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ الْعُصْبَةَ مَا بَيْنَ الْعَشَرَةِ إِلَى الْأَرْبَعِينَ»
١٨ ‏/ ٣١٥
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: «﴿لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ﴾ [القصص: ٧٦]: يَزْعُمُونَ أَنَّ الْعُصْبَةَ أَرْبَعُونَ رَجُلًا، يَنْقِلُونَ مَفَاتِحَهُ مِنْ كَثْرَةِ عَدَدِهَا»
١٨ ‏/ ٣١٥
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثَنَّى أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: «﴿وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ﴾ [القصص: ٧٦] قَالَ: أَرْبَعُونَ رَجُلًا». وَقَالَ آخَرُونَ: سِتُّونَ، وَقَالَ: كَانَتْ مَفَاتِحُهُ تُحْمَلُ عَلَى سِتِّينَ بَغْلًا. حَدَّثَنَا كَذَلِكُ ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ خَيْثَمَةَ. وَقَالَ آخَرُونَ: كَانَتْ تُحْمَلُ عَلَى مَا بَيْنَ ثَلَاثَةٍ إِلَى عَشَرَةٍ.
١٨ ‏/ ٣١٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا جَابِرُ بْنُ نُوحٍ، عَنْ أَبِي رَوْقٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، «﴿لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ﴾ [القصص: ٧٦] قَالَ: الْعُصْبَةُ: ثَلَاثَةٌ»
١٨ ‏/ ٣١٦
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا جَابِرُ بْنُ نُوحٍ، قَالَ: ثنا أَبُو رَوْقٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، «﴿لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ﴾ [القصص: ٧٦] قَالَ: الْعُصْبَةُ: مَا بَيْنَ الثَّلَاثَةِ إِلَى الْعَشَرَةِ». وَقَالَ آخَرُونَ: كَانَتْ تُحْمَلُ مَا بَيْنَ عَشَرَةٍ إِلَى خَمْسَةَ عَشَرَ
١٨ ‏/ ٣١٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: «﴿مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ﴾ [القصص: ٧٦] قَالَ: الْعُصْبَةُ: مَا بَيْنَ الْعَشَرَةِ إِلَى الْخَمْسَةَ عَشَرَ»
١٨ ‏/ ٣١٦
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «﴿لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ﴾ [القصص: ٧٦] قَالَ: الْعُصْبَةُ خَمْسَةَ عَشَرَ رَجُلًا»
١٨ ‏/ ٣١٦
وَقَوْلُهُ: ﴿أُولِي الْقُوَّةِ﴾ [القصص: ٧٦] يَعْنِي: أُولِي الشِّدَّةِ.
١٨ ‏/ ٣١٦
وَقَالَ مُجَاهِدٌ فِي ذَلِكَ مَا: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ ⦗٣١٧⦘ ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «﴿أُولِي الْقُوَّةِ﴾ [القصص: ٧٦] قَالَ: خَمْسَةُ عَشَرَ». فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَكَيْفَ قِيلَ ﴿وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ﴾ [القصص: ٧٦] وَكَيْفَ تَنُوءُ الْمَفَاتِحُ بِالْعُصْبَةِ، وَإِنَّمَا الْعُصْبَةُ هِيَ الَّتِي تَنُوءُ بِهَا؟ قِيلَ: اخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِكَلَامِ الْعَرَبِ، فَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْبَصْرَةِ: مَجَازُ ذَلِكَ: مَا إِنَّ الْعُصْبَةَ ذَوِي الْقُوَّةِ لَتَنُوءُ بِمَفَاتِحِ نِعَمِهِ. قَالَ: وَيُقَالُ فِي الْكَلَامِ: إِنَّهَا لَتَنُوءُ بِهَا عَجِيزَتُهَا، وَإِنَّمَا هُوَ: تَنُوءُ بِعَجِيزَتِهَا كَمَا يَنُوءُ الْبَعِيرُ بِحَمْلِهِ، قَالَ: وَالْعَرَبُ قَدْ تَفْعَلُ مِثْلَ هَذَا. قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الوافر] فَدَيْتُ بِنَفْسِهِ نَفْسِي وَمَالِي … وَمَا آلُوكَ إِلَّا مَا أُطِيقُ
وَالْمَعْنَى: فَدَيْتُ بِنَفْسِي وَبِمَالِي نَفْسَهُ. وَقَالَ آخَرُ:
[البحر الطويل] وَتَرْكَبُ خَيْلًا لَا هَوَادَةَ بَيْنَهَا … وَتَشْقَى الرِّمَاحُ بِالضَّيَاطِرَةِ الْحُمْرِ
وَإِنَّمَا تَشْقَى الضَّيَاطِرَةُ بِالرِّمَاحِ. قَالَ: وَالْخَيْلُ هَا هُنَا: الرِّجَالُ. وَقَالَ آخَرُ مِنْهُمْ ﴿مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ﴾ [القصص: ٧٦] قَالَ: وَهَذَا مَوْضِعٌ لَا يَكَادُ يُبْتَدَأُ فِيهِ «إِنَّ»، وَقَدْ قَالَ: ﴿إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ﴾ [الجمعة: ٨] . وَقَوْلُهُ: ﴿لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ﴾ [القصص: ٧٦] إِنَّمَا الْعُصْبَةُ تَنُوءُ بِهَا؛ وَفِي الشَّعْرِ:
[البحر الكامل] ⦗٣١٨⦘ تَنُوءُ بِهَا فَتُثْقِلُهَا عَجِيزَتُهَا
وَلَيْسَتِ الْعَجِيزَةُ تَنُوءُ بِهَا، وَلَكِنَّهَا هِيَ تَنُوءُ بِالْعَجِيزَةِ؛ وَقَالَ الْأَعْشَى:
[البحر الكامل] مَا كُنْتُ فِي الْحَرْبِ الْعَوَانِ مُغَمَّرًا … إِذْ شَبَّ حَرُّ وَقُودِهَا أَجْذَالَهَا
وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ مِنَ الْكُوفِيِّينَ يُنْكِرُ هَذَا الَّذِي قَالَهُ هَذَا الْقَائِلُ، وَابْتِدَاءُ إِنَّ بَعْدَ مَا، وَيَقُولُ: ذَلِكَ جَائِزٌ مَعَ مَا وَمَنْ، وَهُوَ مَعَ مَا وَمَنْ أَجْوَدُ مِنْهُ مَعَ الَّذِي، لِأَنَّ الَّذِي لَا يَعْمَلُ فِي صِلَتِهِ، وَلَا تَعْمَلُ صِلَتُهُ فِيهِ، فَلِذَلِكَ جَازَ، وَصَارَتِ الْجُمْلَةُ عَائِدُ «مَا»، إِذْ كَانَتْ لَا تَعْمَلُ فِي «مَا»، وَلَا تَعْمَلُ «مَا» فِيهَا؛ قَالَ: وَحَسُنَ مَعَ «مَا» وَ«مَنْ»، لِأَنَّهُمَا يَكُونَانِ بِتَأْوِيلِ النَّكِرَةِ إِنْ شِئْتَ، وَالْمَعْرِفَةِ إِنْ شِئْتَ، فَتَقُولُ: ضَرَبْتُ رَجُلًا لَيَقُومَنَّ، وَضَرَبْتُ رَجُلًا إِنَّهُ لَمُحْسِنٌ، فَتَكُونُ «مَنْ وَمَا» تَأْوِيلُ هَذَا، وَمَعَ «الَّذِي» أَقْبَحُ، لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ بِتَأْوِيلِ النَّكِرَةِ. وَقَالَ آخَرُ مِنْهُمْ فِي قَوْلِهِ: ﴿لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ﴾ [القصص: ٧٦]: نَوْءُهَا بِالْعُصْبَةِ: أَنْ تُثْقِلَهُمْ؛ وَقَالَ: الْمَعْنَى: إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتُنِيءُ الْعُصْبَةَ: تُمِيلُهُنَّ مِنْ ثِقَلِهَا، فَإِذَا أُدْخِلَتِ الْبَاءُ قُلْتَ: تَنُوءُ بِهِمْ، كَمَا قَالَ: ﴿آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا﴾ [الكهف: ٩٦] قَالَ وَالْمَعْنَى: آتُونِي بِقِطْرٍ أُفْرِغْ عَلَيْهِ؛ فَإِذَا حُذِفَتِ الْبَاءُ، زِدْتَ عَلَى الْفِعْلِ أَلِفًا فِي أَوَّلِهِ؛ وَمِثْلُهُ: ﴿فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ﴾ [مريم: ٢٣] مَعْنَاهُ: فَجَاءَ بِهَا الْمَخَاضُ؛ وَقَالَ: قَدْ قَالَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ: مَا إِنَّ الْعُصْبَةَ تَنُوءُ بِمَفَاتِحِهِ، فَحَوَّلَ الْفِعْلَ إِلَى الْمَفَاتِحِ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الرجز] إِنَّ سِرَاجًا لَكَرِيمٌ مَفْخَرُهْ … تَحْلَى بِهِ الْعَيْنُ إِذَا مَا تَجْهَرُهْ
⦗٣١٩⦘ وَهُوَ الَّذِي يَحْلَى بِالْعَيْنِ، قَالَ: فَإِنْ كَانَ سَمِعَ أَثَرًا بِهَذَا، فَهُوَ وَجْهٌ، وَإِلَّا فَإِنَّ الرَّجُلَ جَهِلَ الْمَعْنَى. قَالَ: وَأَنْشَدَنِي بَعْضُ الْعَرَبِ:
حَتَّى إِذَا مَا الْتَأَمَتْ مَوَاصِلُهُ … وَنَاءَ فِي شِقِّ الشِّمَالِ كَاهِلُهُ
يَعْنِي: الرَّامِي لِمَا أَخَذَ الْقَوْسَ، وَنَزَعَ مَالَ عَلَيْهَا. قَالَ: وَنَرَى أَنَّ قَوْلَ الْعَرَبِ: مَا سَاءَكَ، وَنَاءَكَ مِنْ ذَلِكَ، وَمَعْنَاهُ: مَا سَاءَكَ وَأَنَاءَكَ مِنْ ذَلِكَ، إِلَّا أَنَّهُ أَلْقَى الْأَلْفَ لِأَنَّهُ مُتْبَعٌ لِسَاءَكَ، كَمَا قَالَتِ الْعَرَبُ: أَكَلْتُ طَعَامًا فَهَنَّأَنِي وَمَرَّأَنِي، وَمَعْنَاهُ: إِذَا أَفْرَدْتَ: وَأَمْرَأَنِي فَحُذِفَتْ مِنْهُ الْأَلْفُ لِمَا أَتْبَعَ مَا لَيْسَ فِيهِ أَلْفٌ. وَهَذَا الْقَوْلُ الْآخَرُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: ﴿لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ﴾ [القصص: ٧٦]: أَوْلَى بِالصَّوَابِ مِنَ الْأَقْوَالِ الْأُخَرِ، لِمَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ تَأْوِيلٌ مُوَافِقٌ لِظَاهِرِ التَّنْزِيلِ. وَالثَّانِي: أَنَّ الْآثَارَ الَّتِي ذَكَرْنَا عَنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ بِنَحْوِ هَذَا الْمَعْنَى جَاءَتْ، وَإِنَّ قَوْلَ مَنْ قَالَ: مَعْنَى ذَلِكَ: مَا إِنَّ الْعُصْبَةَ لَتَنُوءُ بِمَفَاتِحَهُ، إِنَّمَا هُوَ تَوْجِيهٌ مِنْهُمْ إِلَى أَنَّ مَعْنَاهُ: مَا إِنَّ الْعُصْبَةَ لَتَنْهَضُ بِمَفَاتِحِهِ؛ وَإِذَا وُجِّهَ إِلَى ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مِنَ الدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّهُ أُرِيدَ بِهِ الْخَبَرُ عَنْ كَثْرَةِ كُنُوزِهِ، عَلَى نَحْوِ مَا فِيهِ، إِذَا وُجِّهَ إِلَى أَنَّ مَعْنَاهُ: إِنَّ مَفَاتِحَهُ تُثْقِلُ الْعُصْبَةَ وَتُمِيلُهَا، لِأَنَّهُ قَدْ تَنْهَضُ الْعُصْبَةُ بِالْقَلِيلِ مِنَ الْمَفَاتِحِ وَبِالْكَثِيرِ. وَإِنَّمَا قَصَدَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ الْخَبَرَ عَنْ كَثْرَةِ ذَلِكَ، وَإِذَا أُرِيدَ بِهِ الْخَبَرُ عَنْ كَثْرَتِهِ، كَانَ لَا شَكَّ أَنَّ الَّذِيَ قَالَهُ مِنْ ذِكْرِنَا قَوْلَهُ، مِنْ أَنَّ مَعْنَاهُ: لَتَنُوءُ الْعَصَبَةُ بِمَفَاتِحِهِ، قَوْلٌ لَا مَعْنًى لَهُ، هَذَا مَعَ خِلَافِهِ تَأْوِيلَ السَّلَفِ فِي ذَلِكَ.
١٨ ‏/ ٣١٦
وَقَوْلُهُ: ﴿إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ، إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ﴾ [القصص: ٧٦] يَقُولُ: إِذْ قَالَ قَوْمُهُ: لَا تَبْغِ وَلَا تَبْطَرْ فَرِحًا، إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مِنْ خَلْقِهِ الْأَشِرِينَ الْبَطِرِينَ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ ‏/ ٣٢٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ «﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ﴾ [القصص: ٧٦] يَقُولُ: الْمَرِحِينَ»
١٨ ‏/ ٣٢٠
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ﴾ [القصص: ٧٦] قَالَ: الْمُتَبَذِّخِينَ الْأَشِرِينَ الْبَطِرِينَ، الَّذِينَ لَا يَشْكُرُونَ اللَّهَ عَلَى مَا أَعْطَاهُمْ»
١٨ ‏/ ٣٢٠
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ مُجَاهِدًا يَقُولُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ «﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ﴾ [القصص: ٧٦] قَالَ: الْأَشِرِينَ الْبَطِرِينَ الْبَذِخِينَ»
١٨ ‏/ ٣٢٠
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْعَوَّامُ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ «﴿لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ﴾ [القصص: ٧٦] قَالَ: يَعْنِي بِهِ الْبَغْيَ»
١٨ ‏/ ٣٢٠
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي ⦗٣٢١⦘ نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: «﴿لَا تَفْرَحْ، إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ﴾ [القصص: ٧٦] قَالَ: الْمُتَبَذِّخِينَ الْأَشِرِينَ، الَّذِينَ لَا يَشْكُرُونَ اللَّهَ فِيمَا أَعْطَاهُمْ». حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ؛ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: الْمُتَبَذِّخِينَ
١٨ ‏/ ٣٢٠
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُخَرِّمِيُّ، قَالَ: ثني شَبَابَةُ، قَالَ ثني وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «﴿لَا تَفْرَحْ، إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ﴾ [القصص: ٧٦] قَالَ: الْأَشِرِينَ الْبَطِرِينَ»
١٨ ‏/ ٣٢١
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، «إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ ﴿لَا تَفْرَحْ﴾ [القصص: ٧٦]: أَيْ لَا تَمْرَحْ ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ﴾ [القصص: ٧٦]: أَيْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمَرِحِينَ»
١٨ ‏/ ٣٢١
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «﴿لَا تَفْرَحْ، إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ﴾ [القصص: ٧٦] قَالَ: الْأَشِرِينَ الْبَطِرِينَ، الَّذِينَ لَا يَشْكُرُونَ اللَّهَ فِيمَا أَعْطَاهُمْ»
١٨ ‏/ ٣٢١
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْعَوَّامُ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ «﴿إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ، إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ﴾ [القصص: ٧٦] قَالَ: هُوَ فَرَحُ الْبَغْيِ»
١٨ ‏/ ٣٢١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ، وَلَا تَنْسَ ⦗٣٢٢⦘ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا، وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ، وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ، إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾ [القصص: ٧٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ، مُخْبِرًا عَنْ قِيلِ قَوْمِ قَارُونَ لَهُ: لَا تَبْغِ يَا قَارُونُ عَلَى قَوْمِكَ بِكَثْرَةِ مَالِكَ، وَالْتَمِسْ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ مِنَ الْأَمْوَالِ خَيْرَاتِ الْآخِرَةِ بِالْعَمَلِ فِيهَا بِطَاعَةِ اللَّهِ فِي الدُّنْيَا.
١٨ ‏/ ٣٢١
وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا﴾ [القصص: ٧٧] يَقُولُ: وَلَا تَتْرُكْ نَصِيبَكَ وَحَظَّكَ مِنَ الدُّنْيَا، أَنْ تَأْخُذَ فِيهَا بِنَصِيبِكَ مِنَ الْآخِرَةِ، فَتَعْمَلَ فِيهِ بِمَا يُنْجِيكَ غَدًا مِنْ عِقَابَ اللَّهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ ‏/ ٣٢٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: «﴿وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا، وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ﴾ [القصص: ٧٧] يَقُولُ: لَا تَتْرُكْ أَنْ تَعْمَلَ لِلَّهِ فِي الدُّنْيَا»
١٨ ‏/ ٣٢٢
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، «﴿وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا﴾ [القصص: ٧٧] قَالَ: أَنْ تَعْمَلَ فِيهَا لِآخِرَتِكَ»
١٨ ‏/ ٣٢٢
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ، عَنْ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، «﴿وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا﴾ [القصص: ٧٧] قَالَ: إِنَّ قَوْمًا يَضَعُونَهَا عَلَى غَيْرِ ⦗٣٢٣⦘ مَوْضِعِهَا. ﴿وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا﴾ [القصص: ٧٧]: تَعْمَلُ فِيهَا بِطَاعَةِ اللَّهِ»
١٨ ‏/ ٣٢٢
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «﴿وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا﴾ [القصص: ٧٧] قَالَ: الْعَمَلُ بِطَاعَتِهِ»
١٨ ‏/ ٣٢٣
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «تَعْمَلُ فِي دُنْيَاكَ لِآخِرَتِكَ»
١٨ ‏/ ٣٢٣
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ: «﴿وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا﴾ [القصص: ٧٧] قَالَ: الْعَمَلُ فِيهَا بِطَاعَةِ اللَّهِ». حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٨ ‏/ ٣٢٣
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عِيسَى الْجُرَشِيِّ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا﴾ [القصص: ٧٧] قَالَ: أَنْ تَعْمَلَ فِي دُنْيَاكَ لِآخِرَتِكَ»
١٨ ‏/ ٣٢٣
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا أَبُو سُفْيَانَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «الْعَمَلُ بِطَاعَةِ اللَّهِ نَصِيبُهُ مِنَ الدُّنْيَا، الَّذِي يُثَابُ عَلَيْهِ فِي الْآخِرَةِ»
١٨ ‏/ ٣٢٣
حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَلَا ⦗٣٢٤⦘ تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا﴾ [القصص: ٧٧] قَالَ: لَا تَنْسَ أَنْ تُقَدِّمَ مِنْ دُنْيَاكَ لِآخِرَتِكَ، فَإِنَّمَا تَجِدُ فِي آخِرَتِكَ مَا قَدَّمْتَ فِي الدُّنْيَا، فِيمَا رَزَقَكَ اللَّهُ». وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: لَا تَتْرُكْ أَنْ تَطْلُبَ فِيهَا حَظَّكَ مِنَ الرِّزْقِ.
١٨ ‏/ ٣٢٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: “﴿وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا﴾ [القصص: ٧٧]: قَالَ الْحَسَنُ: «مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ مِنْهَا، فَإِنَّ لَكَ فِيهِ غِنًى وَكِفَايَةً»
١٨ ‏/ ٣٢٤
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ الْمَعْمَرِيُّ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا﴾ [القصص: ٧٧] قَالَ: طَلَبُ الْحَلَالِ»
١٨ ‏/ ٣٢٤
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا حَفْصٌ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنِ الْحَسَنِ: «﴿وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا﴾ [القصص: ٧٧]: قَالَ: قَدِّمِ الْفَضْلَ، وَأَمْسِكْ مَا يَبْلُغُكَ»
١٨ ‏/ ٣٢٤
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: «الْحَلَالَ فِيهَا»
١٨ ‏/ ٣٢٤
وَقَوْلُهُ: ﴿وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ﴾ [القصص: ٧٧] يَقُولُ: وَأَحْسِنْ فِي الدُّنْيَا إِنْفَاقَ مَالِكَ الَّذِي آتَاكَهُ اللَّهُ، فِي وُجُوهِهِ وَسُبُلِهِ، كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ، فَوَسَّعَ ⦗٣٢٥⦘ عَلَيْكَ مِنْهُ، وَبَسَطَ لَكَ فِيهَا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ ‏/ ٣٢٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ﴾ [القصص: ٧٧] قَالَ: أَحْسِنْ فِيمَا رَزَقَكَ اللَّهُ»
١٨ ‏/ ٣٢٥
﴿وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ﴾ [القصص: ٧٧] يَقُولُ: وَلَا تَلْتَمِسْ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْكَ مِنَ الْبَغْيِ عَلَى قَوْمِكَ، ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾ [القصص: ٧٧] يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ بُغَاةَ الْبَغْيِ وَالْمَعَاصِي.
١٨ ‏/ ٣٢٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي، أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا، وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ﴾ [القصص: ٧٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ قَارُونُ لِقَوْمِهِ الَّذِينَ وَعَظُوهُ: إِنَّمَا أُوتِيتُ هَذِهِ الْكُنُوزَ عَلَى فَضْلِ عِلْمٍ عِنْدِي، عَلِمَهُ اللَّهُ مِنِّي، فَرَضِيَ بِذَلِكَ عَنِّي، وَفَضَّلَنِي بِهَذَا الْمَالِ عَلَيْكُمْ، لِعِلْمِهِ بِفَضْلِي عَلَيْكُمْ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ ‏/ ٣٢٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا أَبُو سُفْيَانَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿⦗٣٢٦⦘ قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي﴾ [القصص: ٧٨] قَالَ: عَلَى خَبَرٍ عِنْدِي»
١٨ ‏/ ٣٢٥
قَالَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ «﴿إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي﴾ [القصص: ٧٨] قَالَ: لَوْلَا رِضَا اللَّهِ عَنِّي وَمَعْرِفَتُهُ بِفَضْلِي مَا أَعْطَانِي هَذَا، وَقَرَأَ: ﴿أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا﴾ [القصص: ٧٨] . . الْآيَةَ». وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿عِنْدِي﴾ [الأنعام: ٥٠] بِمَعْنَى: أَرَى، كَأَنَّهُ قَالَ: إِنَّمَا أُوتِيتُهُ لِفَضْلِ عِلْمِي، فِيمَا أَرَى.
١٨ ‏/ ٣٢٦
وَقَوْلُهُ: ﴿أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا﴾ [القصص: ٧٨] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: أَوَلَمْ يَعْلَمْ قَارُونُ حِينَ زَعَمَ أَنَّهُ أُوتِيَ الْكُنُوزَ لِفَضْلِ عِلْمٍ عِنْدَهُ عَلِمْتُهُ أَنَا مِنْهُ، فَاسْتَحَقَّ بِذَلِكَ أَنْ يُؤْتَى مَا أُوتِيَ مِنَ الْكُنُوزِ، أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْأُمَمِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ بَطْشًا، وَأَكْثَرُ جَمْعًا لِلْأَمْوَالِ؛ وَلَوْ كَانَ اللَّهُ يُؤْتِي الْأَمْوَالَ مَنْ يُؤْتِيَهُ لِفَضْلٍ فِيهِ وَخَيْرٍ عِنْدَهُ، وَلِرِضَاهُ عَنْهُ، لَمْ يَكُنْ يَهْلِكُ مَنْ أَهْلَكَ مِنْ أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ الَّذِينَ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُ مَالًا، لِأَنَّ مَنْ كَانَ اللَّهُ عَنْهُ رَاضِيًا فَمُحَالٌ أَنْ يُهْلِكَهُ اللَّهُ وَهُوَ عَنْهُ رَاضٍ، وَإِنَّمَا يَهْلِكُ مَنْ كَانَ عَلَيْهِ سَاخِطًا.
١٨ ‏/ ٣٢٦
وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ﴾ [القصص: ٧٨] قِيلَ: إِنَّ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُمْ يُدْخَلُونَ النَّارَ بِغَيْرِ حِسَابٍ.
١٨ ‏/ ٣٢٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ عُمَرَ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ﴾ [القصص: ٧٨] قَالَ: يُدْخَلُونَ النَّارَ بِغَيْرِ حِسَابٍ». وَقِيلَ: مَعْنَى ذَلِكَ: أَنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا تَسْأَلُ عَنْهُمْ، لِأَنَّهُمْ يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ.
١٨ ‏/ ٣٢٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «﴿وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ﴾ [القصص: ٧٨] كَقَوْلِهِ: ﴿يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ﴾ [الرحمن: ٤١] زُرْقًا سُودَ الْوجُوهِ، وَالْمَلَائِكَةُ لَا تَسْأَلُ عَنْهُمْ، قَدْ عَرَفَتْهُمْ». وَقِيلَ مَعْنَى ذَلِكَ: وَلَا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَهْلَكَهُمُ اللَّهُ مِنَ الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ الْمُجْرِمُونَ فِيمَ أُهْلِكُوا.
١٨ ‏/ ٣٢٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ، «﴿وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ﴾ [القصص: ٧٨] قَالَ: عَنْ ذُنُوبِ الَّذِينَ مَضَوْا فِيمَ أُهْلِكُوا». ⦗٣٢٨⦘ فَالْهَاءُ وَالْمِيمُ فِي قَوْلِهِ ﴿عَنْ ذُنُوبِهِمْ﴾ [القصص: ٧٨] عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ لِمَنِ الَّذِي فِي قَوْلِهِ: ﴿أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً﴾ [القصص: ٧٨] . وَعَلَى التَّأْوِيلِ الْأَوَّلِ الَّذِي قَالَهُ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ لِلْمُجْرِمِينَ، وَهِيَ بِأَنْ تَكُونَ مِنْ ذِكْرِ الْمُجْرِمِينَ أَوْلَى، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ غَيْرُ سَائِلٍ عَنْ ذُنُوبِ مُذْنِبٍ غَيْرَ مَنْ أَذْنَبَ، لَا مُؤْمِنٌ وَلَا كَافِرٌ. فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا مَعْنًى لِخُصُوصِ الْمُجْرِمِينَ، لَوْ كَانَتِ الْهَاءُ وَالْمِيمُ اللَّتَانِ فِي قَوْلِهِ ﴿عَنْ ذُنُوبِهِمْ﴾ [القصص: ٧٨] لِمَنِ الَّذِي فِي قَوْلِهِ ﴿مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً﴾ [القصص: ٧٨] مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ، يَعْنِي لِأَنَّهُ غَيْرُ مَسْئُولٍ عَنْ ذَلِكَ مُؤْمِنٌ وَلَا كَافِرٌ، إِلَّا الَّذِينَ رَكِبُوهُ وَاكْتَسَبُوهُ.
١٨ ‏/ ٣٢٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ، قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ، إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَخَرَجَ قَارُونُ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ، وَهِيَ فِيمَا ذُكِرَ ثِيَابُ الْأُرْجُوَانِ.
١٨ ‏/ ٣٢٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا طَلْحَةُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، «﴿فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ﴾ [القصص: ٧٩] قَالَ: فِي الْقِرْمِزِ»
١٨ ‏/ ٣٢٨
قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «﴿فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ﴾ [القصص: ٧٩] قَالَ: فِي ثِيَابٍ حُمْرٍ»
١٨ ‏/ ٣٢٨
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ ثنا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «﴿فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ﴾ [القصص: ٧٩] قَالَ: عَلَى بَرَاذِينَ بِيضٍ، عَلَيْهَا سُرُوجُ الْأُرْجُوَانِ، عَلَيْهِمُ الْمُعَصْفَرَاتِ»
١٨ ‏/ ٣٢٩
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «﴿فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ﴾ [القصص: ٧٩] قَالَ: عَلَيْهِ ثَوْبَانِ مُعَصْفَرَانِ»
١٨ ‏/ ٣٢٩
وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: «عَلَى بَغْلَةٍ شَهْبَاءَ عَلَيْهَا الْأُرْجُوَانُ، وَثَلَاثُ مِائَةِ جَارِيَةٍ عَلَى الْبِغَالِ الشُّهُبِ، عَلَيْهِنَّ ثِيَابٌ حُمْرٌ»
١٨ ‏/ ٣٢٩
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثني أَبِي وَيَحْيَى بْنُ يَمَانٍ، عَنْ مُبَارَكٍ، عَنِ الْحَسَنِ، «﴿فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ﴾ [القصص: ٧٩] قَالَ: فِي ثِيَابٍ حُمْرٍ وَصُفْرٍ»
١٨ ‏/ ٣٢٩
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ سِمَاكٍ، أَنَّهُ سَمِعَ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيَّ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ «﴿فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ﴾ [القصص: ٧٩] قَالَ: فِي ثِيَابٍ حُمْرٍ». حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، مِثْلَهُ، ⦗٣٣٠⦘ حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا غُنْدَرٌ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ مِثْلَهُ
١٨ ‏/ ٣٢٩
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَلِيٍّ الْمُقَدَّمِيُّ، قَالَ: ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ حَكِيمٍ، قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ عَشِيَّةً، وَإِذَا هُوَ فِي ذِكْرِ قَارُونَ، قَالَ: وَإِذَا رَجُلٌ مِنْ جِيرَانِهِ عَلَيْهِ ثِيَابٌ مُعَصْفَرَةٌ، قَالَ: فَقَالَ مَالِكٌ: ﴿فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ﴾ [القصص: ٧٩] قَالَ: فِي ثِيَابٍ مِثْلَ ثِيَابِ هَذَا “
١٨ ‏/ ٣٣٠
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ﴾ [القصص: ٧٩]: ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُمْ خَرَجُوا عَلَى أَرْبَعَةِ آلَافِ دَابَّةٍ، عَلَيْهِمْ وَعَلَى دَوَابِّهِمُ الْأُرْجُوَانُ»
١٨ ‏/ ٣٣٠
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ﴾ [القصص: ٧٩] قَالَ: خَرَجَ فِي سَبْعِينَ أَلْفًا، عَلَيْهِمُ الْمُعَصْفَرَاتُ»، فِيمَا كَانَ أَبِي يَذْكُرُ لَنَا
١٨ ‏/ ٣٣٠
﴿قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ﴾ [القصص: ٧٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنْ قَوْمِ قَارُونَ: يَا لَيْتَنَا أُعْطِينَا مِثْلَ مَا أُعْطِيَ قَارُونُ مِنْ زِينَتِهَا، ﴿إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾ [القصص: ٧٩] يَقُولُ: إِنَّ قَارُونَ لَذُو نَصِيبٍ مِنَ الدُّنْيَا.
١٨ ‏/ ٣٣٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ، ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا، وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ﴾ [القصص: ٨٠]⦗٣٣١⦘ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ بِاللَّهِ، حِينَ رَأَوْا قَارُونَ خَارِجًا عَلَيْهِمْ فِي زِينَتِهِ، لِلَّذِينَ قَالُوا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ: وَيْلَكُمُ، اتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوهُ، فَثَوَابُ اللَّهِ وَجَزَاؤُهُ لِمَنْ آمَنَ بِهِ وَبِرُسُلِهِ، وَعَمِلَ بِمَا جَاءَتْ بِهِ رُسُلُهُ مِنْ صَالِحَاتِ الْأَعْمَالِ فِي الْآخِرَةِ، خَيْرٌ مِمَّا أُوتِيَ قَارُونُ مِنْ زِينَتِهِ وَمَالِهِ لِقَارُونَ.
١٨ ‏/ ٣٣٠
وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ﴾ [القصص: ٨٠] يَقُولُ: وَلَا يُلَقَّاهَا: أَيْ وَلَا يُوَفَّقُ لِقِيلِ هَذِهِ الْكَلِمَةِ، وَهِيَ قَوْلُهُ: ﴿ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا﴾ [القصص: ٨٠] وَالْهَاءُ وَالْأَلِفُ كِنَايَةٌ عَنِ الْكَلِمَةَ. وَقَالَ: ﴿إِلَّا الصَّابِرُونَ﴾ [القصص: ٨٠] يَعْنِي بِذَلِكَ: الَّذِينَ صَبَرُوا عَنْ طَلَبِ زِينَةِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَآثَرُوا مَا عِنْدَ اللَّهِ مِنْ جَزِيلِ ثَوَابِهِ عَلَى صَالِحَاتِ الْأَعْمَالِ عَلَى لَذَّاتِ الدُّنْيَا وَشَهَوَاتِهَا، فَجَدُّوا فِي طَاعَةِ اللَّهِ، وَرَفَضُوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا.
١٨ ‏/ ٣٣١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ، فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ، وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ﴾ [القصص: ٨١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَخَسَفْنَا بِقَارُونَ وَأَهْلِ دَارِهِ، وَقِيلَ: وَبِدَارِهِ، لِأَنَّهُ ذُكِرَ أَنَّ مُوسَى إِذْ أَمَرَ الْأَرْضَ أَنْ تَأْخُذَهُ أَمَرَهَا بِأَخْذِهِ، وَأَخْذِ مَنْ كَانَ مَعَهُ مِنْ جُلَسَائِهِ فِي دَارِهِ، وَكَانُوا جَمَاعَةً جُلُوسًا مَعَهُ، وَهُمْ عَلَى مِثْلِ الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ مِنَ النِّفَاقِ وَالْمُؤَازَرَةِ عَلَى أَذَى مُوسَى.
١٨ ‏/ ٣٣١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا جَابِرُ بْنُ نُوحٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْأَعْمَشُ، عَنِ الْمِنْهَالِ ⦗٣٣٢⦘ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «لَمَّا نَزَلَتِ الزَّكَاةُ أَتَى قَارُونُ مُوسَى، فَصَالَحَهُ عَلَى كُلِّ أَلْفِ دِينَارٍ دِينَارًا، وَكُلِّ أَلْفِ شَيْءٍ شَيْئًا، أَوْ قَالَ: وَكُلِّ أَلْفِ شَاةٍ شَاةً، الطَّبَرِيُّ يَشُكُّ، قَالَ: ثُمَّ أَتَى بَيْتَهُ فَحَسَبَهُ فَوَجَدَهُ كَثِيرًا، فَجَمَعَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَقَالَ: يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنَّ مُوسَى قَدْ أَمَرَكُمْ بِكُلِّ شَيْءٍ فَأَطَعْتُمُوهُ، وَهُوَ الْآنَ يُرِيدُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ أَمْوَالِكُمْ، فَقَالُوا: أَنْتَ كَبِيرُنَا وَأَنْتَ سَيِّدُنَا، فَمُرْنَا بِمَا شِئْتَ، فَقَالَ: آمُرُكُمْ أَنْ تَجِيئُوا بِفُلَانَةِ الْبَغِيِّ فَتَجْعَلُوا لَهَا جُعْلًا، فَتَقْذِفُهُ بِنَفْسِهَا، فَدَعَوْهَا فَجَعَلَ لَهَا جُعْلًا عَلَى أَنْ تَقْذِفَهُ بِنَفْسِهَا، ثُمَّ أَتَى مُوسَى، فَقَالَ لِمُوسَى: إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدِ اجْتَمَعُوا لِتَأْمُرَهُمْ وَلِتَنْهَاهُمْ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ وَهُمْ فِي بَرَاحٍ مِنَ الْأَرْضِ، فَقَالَ: يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مَنْ سَرَقَ قَطَعْنَا يَدَهُ، وَمَنِ افْتَرَى جَلَدْنَاهُ، وَمَنْ زَنَى وَلَيْسَ لَهُ امْرَأَةٌ جَلَدْنَاهُ مِائَةً، وَمَنْ زَنَى وَلَهُ امْرَأَةٌ جَلَدْنَاهُ حَتَّى يَمُوتَ، أَوْ رَجَمْنَاهُ حَتَّى يَمُوتَ، وَالطَّبَرِيُّ يَشُكُّ، فَقَالَ لَهُ قَارُونُ: وَإِنْ كُنْتَ أَنْتَ؟ قَالَ: وَإِنْ كُنْتُ أَنَا، قَالَ: فَإِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَزْعُمُونَ أَنَّكَ فَجَرْتَ بِفُلَانَةَ. قَالَ: ادْعُوهَا، فَإِنْ قَالَتْ فَهُوَ كَمَا قَالَتْ؛ فَلَمَّا جَاءَتْ قَالَ لَهَا مُوسَى: يَا فُلَانَةُ، قَالَتْ: يَا لَبَّيْكَ، قَالَ: أَنَا فَعَلْتُ بِكِ مَا يَقُولُ هَؤُلَاءِ؟ قَالَتْ: لَا وَكَذَبُوا، وَلَكِنْ جَعَلُوا لِي جُعْلًا عَلَى أَنْ أَقْذِفَكَ بِنَفْسِي؛ فَوَثَبَ، فَسَجَدَ وَهُوَ بَيْنَهُمْ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: مُرِ الْأَرْضَ بِمَا شِئْتَ، قَالَ: يَا أَرْضُ خُذِيهِمْ، فَأَخَذَتْهُمْ إِلَى أَقْدَامِهِمْ. ثُمَّ قَالَ: يَا أَرْضُ خُذِيهِمْ، فَأَخَذَتْهُمْ إِلَى رُكَبِهِمْ. ثُمَّ قَالَ: يَا أَرْضُ خُذِيهِمْ، فَأَخَذَتْهُمْ إِلَى حِقِيِّهِمْ، ثُمَّ قَالَ: يَا أَرْضُ خُذِيهِمْ، فَأَخَذَتْهُمْ إِلَى أَعْنَاقِهِمْ، قَالَ: فَجَعَلُوا يَقُولُونَ: يَا مُوسَى، يَا مُوسَى، ⦗٣٣٣⦘ وَيَتَضَرَّعُونَ إِلَيْهِ. قَالَ: يَا أَرْضُ خُذِيهِمْ، فَانْطَبَقَتْ عَلَيْهِمْ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: يَا مُوسَى، يَقُولُ لَكَ عِبَادِي: يَا مُوسَى، يَا مُوسَى، فَلَا تَرْحَمُهُمْ؟ أَمَا لَوْ إِيَّايَ دَعَوْا، لَوَجَدُونِي قَرِيبًا مُجِيبًا؛ قَالَ: فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ: ﴿فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ﴾ [القصص: ٧٩] وَكَانَتْ زِينَتُهُ أَنَّهُ خَرَجَ عَلَى دَوَابٍّ شُقْرٍ عَلَيْهَا سُرُوجٌ حُمْرٌ، عَلَيْهِمْ ثِيَابٌ مُصَبَّغَةٌ بِالْبَهْرَمَانِ. ﴿قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ﴾ [القصص: ٧٩] . . إِلَى قَوْلِهِ ﴿إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ﴾ [المؤمنون: ١١٧] يَا مُحَمَّدُ ﴿تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا، وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [القصص: ٨٣]»
١٨ ‏/ ٣٣١
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ عِيسَى، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنِ الْمِنْهَالِ، عَنْ رَجُلٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «لَمَّا أَمَرَ اللَّهُ مُوسَى بِالزَّكَاةِ، قَالَ: رَمَوْهُ بِالزِّنَا، فَجَزَعَ مِنْ ذَلِكَ، فَأَرْسَلُوا إِلَى امْرَأَةٍ كَانَتْ قَدْ أَعْطَوْهَا حُكْمَهَا عَلَى أَنْ تَرْمِيَهُ بِنَفْسِهَا؛ فَلَمَّا جَاءَتْ عَظَّمَ عَلَيْهَا وَسَأَلَهَا بِالَّذِي فَلَقَ الْبَحْرَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ، وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى إِلَّا صَدَقَتْ. قَالَتْ: إِذْ قَدِ اسْتَحْلَفْتَنِي، فَإِنِّي أَشْهَدُ أَنَّكَ بَرِيءٌ، وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، فَخَرَّ سَاجِدًا يَبْكِي، فَأَوْحَى اللَّهُ تبارك وتعالى: مَا يُبْكِيكَ؟ قَدْ سَلَّطْنَاكَ عَلَى الْأَرْضِ، فَمُرْهَا بِمَا شِئْتَ، فَقَالَ: خُذِيهِمْ، فَأَخَذَتْهُمْ إِلَى مَا شَاءَ اللَّهُ، فَقَالُوا: يَا مُوسَى، يَا مُوسَى، فَقَالَ: خُذِيهِمْ، فَأَخَذَتْهُمْ إِلَى مَا شَاءَ اللَّهُ، فَقَالُوا: يَا مُوسَى، يَا مُوسَى، فَخَسَفَتْهُمْ. قَالَ: وَأَصَابَ بَنِي إِسْرَائِيلَ بَعْدَ ذَلِكَ شِدَّةٌ وَجُوعٌ شَدِيدٌ، فَأَتَوْا مُوسَى، فَقَالُوا: ادْعُ لَنَا رَبَّكَ؛ قَالَ: فَدَعَا لَهُمْ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: يَا مُوسَى، أَتُكَلِّمُنِي فِي قَوْمٍ قَدْ ⦗٣٣٤⦘ أَظْلَمَ مَا بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ خَطَايَاهُمْ، وَقَدْ دَعَوْكَ فَلَمْ تُجِبْهُمْ، أَمَا إِيَّايَ لَوْ دَعَوْا لَأَجَبْتُهُمْ»
١٨ ‏/ ٣٣٣
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنِ الْمِنْهَالِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، «﴿فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ﴾ [القصص: ٨١] قَالَ: قِيلَ لِلْأَرْضِ خُذِيهِمْ، فَأَخَذَتْهُمْ إِلَى أَعْقَابِهِمْ؛ ثُمَّ قِيلَ لَهَا: خُذِيهِمْ، فَأَخَذَتْهُمْ إِلَى رُكَبِهِمْ؛ ثُمَّ قِيلَ لَهَا: خُذِيهِمْ، فَأَخَذَتْهُمْ إِلَى أَحْقَائِهِمْ؛ ثُمَّ قِيلَ لَهَا: خُذِيهِمْ، فَأَخَذَتْهُمْ إِلَى أَعْنَاقِهِمْ؛ ثُمَّ قِيلَ لَهَا: خُذِيهِمْ، فَخُسِفَ بِهِمْ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ﴾ [القصص: ٨١]»
١٨ ‏/ ٣٣٤
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا عَلِيُّ بْنُ هَاشِمِ بْنِ الْبَرِيدِ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنِ الْمِنْهَالِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ «﴿إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى﴾ [القصص: ٧٦] قَالَ: كَانَ ابْنَ عَمِّهِ، وَكَانَ مُوسَى يَقْضِي فِي نَاحِيَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَقَارُونُ فِي نَاحِيَةٍ، قَالَ: فَدَعَا بَغِيَّةً كَانَتْ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَجَعَلَ لَهَا جُعْلًا عَلَى أَنْ تَرْمِيَ مُوسَى بِنَفْسِهَا، فَتَرَكَتْهُ إِذَا كَانَ يَوْمٌ تَجْتَمِعُ فِيهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ إِلَى مُوسَى، أَتَاهُ قَارُونُ فَقَالَ: يَا مُوسَى مَا حَدُّ مَنْ سَرَقَ؟ قَالَ: أَنْ تَنْقَطِعَ يَدَهُ، قَالَ: وَإِنْ كُنْتَ أَنْتَ؟ قَالَ: نَعَمْ؛ قَالَ. فَمَا حَدُّ مَنْ زَنَى؟ قَالَ: أَنْ يُرْجَمَ، قَالَ: وَإِنْ كُنْتَ أَنْتَ؟ قَالَ: نَعَمْ؛ قَالَ: فَإِنَّكَ قَدْ فَعَلْتَ، قَالَ: وَيْلَكَ بِمَنْ؟ قَالَ: بِفُلَانَةَ، فَدَعَاهَا مُوسَى، فَقَالَ: أَنْشُدُكِ بِالَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ، أَصَدَقَ قَارُونُ؟ قَالَتِ: اللَّهُمَّ إِذْ نَشَدْتَنِي، فَإِنِّي أَشْهَدُ أَنَّكَ بَرِيءٌ، وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، وَأَنَّ عَدُوَّ اللَّهِ قَارُونَ جَعَلَ ⦗٣٣٥⦘ لِي جُعْلًا عَلَى أَنْ أَرْمِيَكَ بِنَفْسِي؛ قَالَ: فَوَثَبَ مُوسَى، فَخَرَّ سَاجِدًا لِلَّهِ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَنِ ارْفَعْ رَأْسَكَ، فَقَدْ أَمَرْتُ الْأَرْضَ أَنْ تُطِيعَكَ، فَقَالَ مُوسَى: يَا أَرْضُ خُذِيهِمْ، فَأَخَذَتْهُمْ حَتَّى بَلَغُوا الْحُقْوَ، قَالَ: يَا مُوسَى؛ قَالَ: خُذِيهِمْ، فَأَخَذَتْهُمْ حَتَّى بَلَغُوا الصُّدُورَ، قَالَ: يَا مُوسَى، قَالَ: خُذِيهِمْ، قَالَ: فَذَهَبُوا. قَالَ: فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ يَا مُوسَى: اسْتَغَاثَ بِكَ فَلَمْ تُغِثْهُ، أَمَا لَوِ اسْتَغَاثَ بِي لَأَجَبْتُهُ وَلَأَغَثْتُهُ»
١٨ ‏/ ٣٣٤
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ هِلَالٍ الصَّوَّافُ، قَالَ: ثنا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ الضُّبَعِيُّ، قَالَ: ثنا عَلِيُّ بْنُ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ، قَالَ: خَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ مِنَ الدَّارِ، وَدَخَلَ الْمَقْصُورَةَ؛ فَلَمَّا خَرَجَ مِنْهَا، جَلَسَ وَتَسَانَدَ عَلَيْهَا، وَجَلَسْنَا إِلَيْهِ، فَذَكَرَ سُلَيْمَانَ بْنَ دَاوُدَ ﴿قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ﴾ [النمل: ٣٨] . . إِلَى قَوْلِهِ ﴿إِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ﴾ ثُمَّ سَكَتَ عَنْ ذِكْرِ سُلَيْمَانَ، فَقَالَ: ﴿إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ﴾ [القصص: ٧٦] وَكَانَ قَدْ أُوتِيَ مِنَ الْكُنُوزِ مَا ذَكَرَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ ﴿مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أَوْلِي الْقُوَّةِ﴾ [القصص: ٧٦]، ﴿قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي﴾ [القصص: ٧٨] قَالَ: وَعَادَى مُوسَى، وَكَانَ مُؤْذِيًا لَهُ، وَكَانَ مُوسَى يَصْفَحُ عَنْهُ وَيَعْفُو لِلْقَرَابَةِ، حَتَّى بَنَى دَارًا، وَجَعَلَ بَابَ دَارِهِ مِنْ ذَهَبٍ، وَضَرَبَ عَلَى جُدْرَانِهِ صَفَائِحَ الذَّهَبِ، وَكَانَ الْمَلَأُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَغْدُونَ عَلَيْهِ وَيَرُوحُونَ، فَيُطْعِمُهُمُ الطَّعَامَ، وَيُحَدِّثُونَهُ وَيُضْحِكُونَهُ، فَلَمْ تَدَعْهُ شِقْوَتُهُ وَالْبَلَاءُ، حَتَّى أَرْسَلَ إِلَى امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مَشْهُورَةٍ بِالْخَنَا، مَشْهُورَةٍ بِالسَّبِّ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا فَجَاءَتْهُ، فَقَالَ لَهَا: هَلْ لَكِ أَنْ أُمَوِّلَكِ وَأُعْطِيَكِ، وَأَخْلِطَكِ فِي نِسَائِي، عَلَى أَنْ تَأْتِيَنِي وَالْمَلَأُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عِنْدِي،
١٨ ‏/ ٣٣٥
فَتَقُولِي: يَا قَارُونُ أَلَا تَنْهَى عَنِّي مُوسَى؟ قَالَتْ: بَلَى. فَلَمَّا جَلَسَ قَارُونُ، وَجَاءَ الْمَلَأُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، أَرْسَلَ إِلَيْهَا، فَجَاءَتْ فَقَامَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَلَّبَ اللَّهُ قَلْبَهَا، وَأَحْدَثَ لَهَا تَوْبَةً، فَقَالَتْ فِي نَفْسِهَا: لِأَنَّ أُحْدِثَ الْيَوْمَ تَوْبَةً أَفْضَلُ مِنْ أَنْ أُوذِيَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، وَأُكَذِّبَ عَدُوَّ اللَّهِ لَهُ. فَقَالَتْ: إِنَّ قَارُونَ قَالَ لِي: هَلْ لَكِ أَنْ أُمَوِّلَكِ وَأُعْطِيَكِ وَأَخْلِطَكِ بِنِسَائِي عَلَى أَنْ تَأْتِيَنِي وَالْمَلَأُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عِنْدِي فَتَقُولِي: يَا قَارُونُ أَلَا تَنْهَى عَنِّي مُوسَى، فَلَمْ أَجِدْ تَوْبَةً أَفْضَلَ مِنْ أَنْ لَا أُوذِيَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، وَأُكَذِّبَ عَدُوَّ اللَّهِ؛ فَلَمَّا تَكَلَّمَتْ بِهَذَا الْكَلَامِ، سُقِطَ فِي يَدَيْ قَارُونَ، وَنَكَّسَ رَأْسَهُ، وَسَكَتَ الْمَلَأُ، وَعَرَفَ أَنَّهُ قَدْ وَقَعَ فِي هَلَكَةٍ، وَشَاعَ كَلَامُهَا فِي النَّاسِ، حَتَّى بَلَغَ مُوسَى؛ فَلَمَّا بَلَغَ مُوسَى اشْتَدَّ غَضَبُهُ، فَتَوَضَّأَ مِنَ الْمَاءِ، وَصَلَّى وَبَكَى، وَقَالَ: يَا رَبِّ، عَدُوُّكَ لِي مُؤْذٍ، أَرَادَ فَضِيحَتِي وَشَيْنِي، يَا رَبِّ سَلِّطْنِي عَلَيْهِ. فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَنْ مُرِ الْأَرْضَ بِمَا شِئْتَ تُطِعْكَ. فَجَاءَ مُوسَى إِلَى قَارُونَ؛ فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ، عَرَفَ الشَّرَّ فِي وَجْهِ مُوسَى لَهُ، فَقَالَ: يَا مُوسَى ارْحَمْنِي؛ قَالَ: يَا أَرْضُ خُذِيهِمْ، قَالَ: فَاضْطَرَبَتْ دَارُهُ، وَسَاخَتْ بِقَارُونَ وَأَصْحَابِهِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ، وَجَعَلَ يَقُولُ: يَا مُوسَى، فَأَخَذَتْهُمْ إِلَى رُكَبِهِمْ، وَهُوَ يَتَضَرَّعُ إِلَى مُوسَى: يَا مُوسَى ارْحَمْنِي؛ قَالَ: يَا أَرْضُ خُذِيهِمْ، قَالَ: فَاضْطَرَبَتْ دَارُهُ وَسَاخَتْ وَخُسِفَ بِقَارُونَ وَأَصْحَابِهِ إِلَى سُرَرِهِمْ، وَهُوَ يَتَضَرَّعُ إِلَى مُوسَى: يَا مُوسَى ارْحَمْنِي؛ قَالَ: يَا أَرْضُ خُذِيهِمْ، فَخُسِفَ بِهِ وَبِدَارِهِ وَأَصْحَابِهِ. قَالَ: وَقِيلَ لِمُوسَى ﷺ: يَا مُوسَى مَا أَفَظَّكَ، أَمَا وَعِزَّتِي، لَوْ إِيَّايَ نَادَى لَأَجَبْتُهُ “
١٨ ‏/ ٣٣٦
حَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ هِلَالٍ، قَالَ: ثنا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ، قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّهُ قِيلَ لِمُوسَى: لَا أُعَبِّدُ الْأَرْضَ لِأَحَدٍ بَعْدَكَ أَبَدًا “
١٨ ‏/ ٣٣٧
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، وَعَبْدُ الْحَمِيدِ الْحِمَّانِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الْأَغَرِّ بْنِ الصَّبَّاحِ، عَنْ خَلِيفَةَ بْنِ حُصَيْنٍ، قَالَ عَبْدُ الْحَمِيدِ، عَنْ أَبِي نَصْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلَمْ يَذْكُرِ ابْنُ مَهْدِيٍّ أَبَا نَصْرٍ: «﴿فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ﴾ [القصص: ٨١] قَالَ: الْأَرْضَ السَّابِعَةَ»
١٨ ‏/ ٣٣٧
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّهُ يُخْسَفُ بِهِ كُلَّ يَوْمٍ مِائَةَ قَامَةٍ، وَلَا يَبْلُغُ أَسْفَلَ الْأَرْضِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ فِيهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ “
١٨ ‏/ ٣٣٧
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا زَيْدُ بْنُ حِبَّانٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكَ بْنَ دِينَارٍ، قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ قَارُونَ يُخْسَفُ بِهِ كُلَّ يَوْمٍ مِائَةَ قَامَةٍ “
١٨ ‏/ ٣٣٧
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ﴾ [القصص: ٨١] ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ يُخْسَفُ بِهِ كُلَّ يَوْمٍ قَامَةً، وَأَنَّهُ يَتَجَلْجَلُ فِيهَا، لَا يَبْلُغُ قَعْرَهَا ⦗٣٣٨⦘ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ»
١٨ ‏/ ٣٣٧
وَقَوْلُهُ: ﴿فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ [القصص: ٨١] يَقُولُ: فَلَمْ يَكُنْ لَهُ جُنْدٌ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ، وَلَا فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ لِمَا نَزَلَ بِهِ مِنْ سَخَطِهِ، بَلْ تَبَرَّءُوا مِنْهُ، ﴿وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ﴾ [القصص: ٨١] يَقُولُ: وَلَا كَانَ هُوَ مِمَّنْ يَنْتَصِرُ مِنَ اللَّهِ إِذَا أَحَلَّ بِهِ نِقْمَتَهُ، فَيَمْتَنِعُ لِقُوَّتِهِ مِنْهَا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ ‏/ ٣٣٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ﴾ [القصص: ٨١] أَيْ جُنْدٌ يَنْصُرُونَهُ، وَمَا عِنْدَهُ مَنَعَةٌ يَمْتَنِعُ بِهَا مِنَ اللَّهِ». وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْفِئَةِ فِيمَا مَضَى وَأَنَّهَا الْجَمَاعَةُ مِنَ النَّاسِ، وَأَصْلُهَا الْجَمَاعَةُ الَّتِي يُفِيءُ إِلَيْهَا الرَّجُلُ عِنْدَ الْحَاجَةِ إِلَيْهِمْ، لِلْعَوْنِ عَلَى الْعَدُوِّ، ثُمَّ تَسْتَعْمِلَ ذَلِكَ الْعَرَبُ فِي كُلِّ جَمَاعَةٍ كَانَتْ عَوْنًا لِلرَّجُلِ، وَظَهْرًا لَهُ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ خُفَافٍ:
[البحر الوافر] فَلَمْ أَرَ مِثْلَهُمْ حَيًّا لَقَاحًا … وَجَدِّكَ بَيْنَ نَاضِحَةٍ وَحَجْرِ
⦗٣٣٩⦘ أَشَدَّ عَلَى صُرُوفِ الدَّهْرِ آدًا … وَأَكْبَرَ مِنْهُمُ فِئَةً بِصَبْرِ
١٨ ‏/ ٣٣٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ، لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا، وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ﴾ [القصص: ٨٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ مِنَ الدُّنْيَا وَغِنَاهُ وَكَثْرَةَ مَالِهِ وَمَا بُسِطَ لَهُ مِنْهَا بِالْأَمْسِ، يَعْنِي قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ بِهِ مَا نَزَلَ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ وَعِقَابِهِ، يَقُولُونَ: وَيْكَأَنَّ اللَّهَ. . اخْتُلِفَ فِي مَعْنَى ﴿وَيْكَأَنَّ اللَّهَ﴾ [القصص: ٨٢] فَأَمَّا قَتَادَةُ، فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا مَا
١٨ ‏/ ٣٣٩
حَدَّثَنَا بِهِ ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ عَثْمَةَ، قَالَ: ثنا سَعِيدُ بْنُ بَشِيرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ فِي قَوْلِهِ «﴿وَيْكَأَنَّهُ﴾ [القصص: ٨٢] قَالَ: أَلَمْ تَرَ أَنَّهُ»
١٨ ‏/ ٣٣٩
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿وَيْكَأَنَّهُ﴾ [القصص: ٨٢]: أَوَلَا تَرَى أَنَّهُ»
١٨ ‏/ ٣٣٩
وَحَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ الْمُتَوَكِّلِ الْأَشْجَعِيُّ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، قَالَ: ثني مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿وَيْكَأَنَّهُ﴾ [القصص: ٨٢] قَالَ: أَلَمْ تَرَ أَنَّهُ». وَالْقَوْلُ الْآخَرُ مَا:
١٨ ‏/ ٣٣٩
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا أَبُو سُفْيَانَ، عَنْ
١٨ ‏/ ٣٣٩
مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ﴾ [القصص: ٨٢] قَالَ: أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ ﴿وَيْكَأَنَّهُ﴾ [القصص: ٨٢]: أَوَلَا يَعْلَمُ أَنَّهُ». وَتَأَوَّلَ هَذَا التَّأْوِيلَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ قَتَادَةَ فِي ذَلِكَ أَيْضًا بَعْضُ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِكَلَامِ الْعَرَبِ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، وَاسْتُشْهِدَ لِصِحَّةِ تَأْوِيلِهِ ذَلِكَ كَذَلِكَ، بِقَوْلِ الشَّاعِرِ:
[البحر الخفيف] سَالَتَانِي الطَّلَاقَ أَنْ رَأَتَانِي … قَلَّ مَالِي، قَدْ جِئْتُمَانِي بِنُكْرِ
وَيْكَأَنْ مَنْ يَكُنْ لَهُ نَشَبٌ يُحْـ … بَبْ وَمَنْ يَفْتَقِرْ يَعِشْ عَيْشَ ضُرِّ
وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ: «وَيْكَأَنَّ» فِي كَلَامِ الْعَرَبِ: تَقْرِيرٌ، كَقَوْلِ الرَّجُلِ: أَمَا تَرَى إِلَى صُنْعِ اللَّهِ وَإِحْسَانِهِ وَذَكَرَ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ مَنْ سَمِعَ أَعْرَابِيَّةً تَقُولُ لِزَوْجِهَا: أَيْنَ ابْنُنَا؟ فَقَالَ: وَيْكَأَنَّهُ وَرَاءَ الْبَيْتِ. مَعْنَاهُ: أَمَا تَرَيْنَهُ وَرَاءَ الْبَيْتِ قَالَ: وَقَدْ يَذْهَبُ بِهَا بَعْضُ النَّحْوِيِّينَ إِلَى أَنَّهَا كَلِمَتَانَ، يُرِيدُ: وَيْكَ أَنَّهُ، كَأَنَّهُ أَرَادَ: وَيْلَكَ، فَحَذَفَ اللَّامَ، فَتُجْعَلُ «أَنَّ» مَفْتُوحَةً بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ، كَأَنَّهُ قَالَ:
١٨ ‏/ ٣٤٠
وَيْلَكَ اعْلَمْ أَنَّهُ وَرَاءَ الْبَيْتِ، فَأَضْمَرَ «اعْلَمْ» . قَالَ: وَلَمْ نَجِدِ الْعَرَبَ تُعْمِلُ الظَّنَّ مُضْمِرًا، وَلَا الْعِلْمَ وَأَشْبَاهَهُ فِي «أَنَّ»، وَذَلِكَ أَنَّهُ يَبْطُلُ إِذَا كَانَ بَيْنَ الْكَلِمَتَيْنِ، أَوْ فِي آخِرِ الْكَلِمَةِ، فَلَمَّا أُضْمِرَ جَرَى مَجْرَى الْمُتَأَخِّرِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي الِابْتِدَاءِ أَنْ يَقُولَ: يَا هَذَا، أَنَّكَ قَائِمٌ، وَيَا هَذَا أَنْ قُمْتَ، يُرِيدُ: عَلِمْتُ، أَوْ أَعْلَمُ، أَوْ ظَنَنْتُ، أَوْ أَظُنُّ. وَأَمَّا حَذْفُ اللَّامِ مِنْ قَوْلِكَ: وَيْلَكَ حَتَّى تَصِيرَ: وَيْكَ، فَقَدْ تَقُولُهُ الْعَرَبُ، لِكَثْرَتِهَا فِي الْكَلَامِ، قَالَ عَنْتَرَةُ:
[البحر الكامل] وَلَقَدْ شَفَى نَفْسِي وَأَبْرَأَ سُقْمَهَا … قَوْلُ الْفَوَارِسِ وَيْكَ عَنْتَرُ أَقْدِمِ
قَالَ: وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ ﴿وَيْكَأَنَّ﴾ [القصص: ٨٢]: «وَيْ» مُنْفَصِلَةٌ مِنْ كَأَنَّ، كَقَوْلِكَ لِلرَّجُلِ: وَيْ أَمَا تَرَى مَا بَيْنَ يَدَيْكَ؟ فَقَالَ: «وَيْ» ثُمَّ اسْتَأْنَفَ، كَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ، وَهِيَ تَعَجَّبٌ، وَكَأَنَّ فِي مَعْنَى الظَّنِّ وَالْعِلْمِ، فَهَذَا وَجْهٌ يَسْتَقِيمُ. قَالَ: وَلَمْ تَكْتُبْهَا الْعَرَبُ مُنْفَصِلَةً، وَلَوْ كَانَتْ عَلَى هَذَا لَكَتَبُوهَا مُنْفَصِلَةً، وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ كَثُرَ بِهَا الْكَلَامُ، فَوُصِلَتْ بِمَا لَيْسَتْ مِنْهُ. وَقَالَ آخَرُ مِنْهُمْ: إِنَّ «وَيْ»: تَنْبِيهٌ، وَكَأَنَّ حَرْفٌ آخَرُ غَيْرُهُ، بِمَعْنَى: لَعَلَّ الْأَمْرَ كَذَا، وَأَظُنُّ الْأَمْرَ كَذَا، لِأَنَّ كَأَنَّ بِمَنْزِلَةِ أَظُنُّ وَأَحْسَبُ وَأَعْلَمُ. وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصِّحَّةِ: الْقَوْلُ الَّذِي ذَكَرْنَا عَنْ قَتَادَةَ، مِنْ أَنَّ مَعْنَاهُ: أَلَمْ تَرَ، أَلَمْ تَعْلَمْ، لِلشَّاهِدِ الَّذِي ذَكَرْنَا فِيهِ مِنْ قَوْلِ الشَّاعِرِ، وَالرِّوَايَةُ عَنِ الْعَرَبِ؛ وَأَنَّ ﴿وَيْكَأَنَّ﴾ [القصص: ٨٢] فِي خَطِّ الْمُصْحَفِ حَرْفٌ وَاحِدٌ. وَمَتَى وُجِّهَ ذَلِكَ إِلَى غَيْرِ التَّأْوِيلِ الَّذِي ذَكَرْنَا عَنْ قَتَادَةَ، فَإِنَّهُ يَصِيرُ حَرْفَيْنِ، وَذَلِكَ
١٨ ‏/ ٣٤١
أَنَّهُ إِنْ وُجِّهَ إِلَى قَوْلِ مَنْ تَأَوَّلَهُ بِمَعْنَى: وَيْلَكَ اعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ، وَجَبَ أَنْ يُفْصَلَ «وَيْكَ» مِنْ «أَنَّ»، وَذَلِكَ خِلَافُ خَطِّ جَمِيعِ الْمَصَاحِفِ، مَعَ فَسَادِهِ فِي الْعَرَبِيَّةِ، لِمَا ذَكَرْنَا. وَإِنْ وُجِّهَ إِلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ: «وَيْ» بِمَعْنَى التَّنْبِيهِ، ثُمَّ اسْتَأْنَفَ الْكَلَامَ بِكَأَنَّ، وَجَبَ أَنْ يُفْصَلَ «وَيْ» مِنْ «كَأَنَّ»، وَذَلِكَ أَيْضًا خِلَافُ خُطُوطِ الْمَصَاحِفِ كُلِّهَا. فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ حَرْفًا وَاحِدًا، فَالصَّوَابُ مِنَ التَّأْوِيلِ: مَا قَالَهُ قَتَادَةُ، وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ هُوَ الصَّوَابُ، فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ: وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَ قَارُونَ وَمَوْضِعَهُ مِنَ الدُّنْيَا بِالْأَمْسِ، يَقُولُونَ لَمَّا عَايَنُوا مَا أَحَلَّ اللَّهُ بِهِ مِنْ نِقْمَتِهِ، أَلَمْ تَرَ يَا هَذَا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ، فَيُوسِّعُ عَلَيْهِ، لَا لِفَضْلِ مَنْزِلَتِهِ عِنْدَهُ، وَلَا لِكَرَامَتِهِ عَلَيْهِ، كَمَا كَانَ بَسَطَ مِنْ ذَلِكَ لِقَارُونَ، لَا لِفَضْلِهِ وَلَا لِكَرَامَتِهِ عَلَيْهِ، ﴿وَيَقْدِرُ﴾ [القصص: ٨٢] يَقُولُ: وَيُضَيَّقُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ خَلْقِهِ ذَلِكَ، وَيُقْتِرُ عَلَيْهِ، لَا لِهَوَانِهِ، وَلَا لِسُخْطِهِ عَمَلَهُ.
١٨ ‏/ ٣٤٢
وَقَوْلُهُ: ﴿لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا﴾ [القصص: ٨٢] يَقُولُ: لَوْلَا أَنْ تَفَضَّلَ عَلَيْنَا، فَصَرَفَ عَنَّا مَا كُنَّا نَتَمَنَّاهُ بِالْأَمْسِ ﴿لَخَسَفَ بِنَا﴾ [القصص: ٨٢] وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ سِوَى شَيْبَةَ: (لَخُسِفَ بِنَا) بِضَمِّ الْخَاءِ، وَكَسْرِ السِّينِ، وَذُكِرَ عَنْ شَيْبَةَ وَالْحَسَنِ: ﴿لَخَسَفَ بِنَا﴾ [القصص: ٨٢] بِفَتْحِ الْخَاءِ وَالسِّينِ، بِمَعْنَى: لَخَسَفَ اللَّهُ بِنَا.
١٨ ‏/ ٣٤٢
وَقَوْلُهُ: ﴿وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ﴾ [القصص: ٨٢] يَقُولُ: أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ، فَتَنْجَحُ طَلِبَاتُهُمْ.
١٨ ‏/ ٣٤٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [القصص: ٨٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُ نَعِيمَهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ تَكَبُّرًا عَنِ الْحَقِّ فِي الْأَرْضِ وَتَجَبُّرًا عَنْهُ وَلَا فَسَادًا. يَقُولُ: وَلَا ظُلْمَ النَّاسِ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَعَمَلًا بِمَعَاصِي اللَّهِ فِيهَا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ ‏/ ٣٤٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ زِيَادِ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ، يَقُولُ «﴿لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا﴾ [القصص: ٨٣] قَالَ: الْعُلُوُّ: التَّجَبُّرُ»
١٨ ‏/ ٣٤٣
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ، «﴿تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا﴾ [القصص: ٨٣] قَالَ: الْعُلُوُّ: التَّكَبُّرُ فِي الْحَقِّ، وَالْفَسَادُ: الْأَخْذُ بِغَيْرِ الْحَقِّ»
١٨ ‏/ ٣٤٣
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ: «﴿لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ﴾ [القصص: ٨٣] قَالَ: التَّكَبُّرُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ﴿وَلَا فَسَادًا﴾ [القصص: ٨٣] أَخْذُ الْمَالِ بِغَيْرِ حَقٍّ»
١٨ ‏/ ٣٤٣
قَالَ: ثنا ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: «﴿لِلَّذِينَ لَا ⦗٣٤٤⦘ يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ﴾ [القصص: ٨٣] قَالَ: الْبَغْيُ»
١٨ ‏/ ٣٤٣
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَوْلَهُ: «﴿لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ﴾ [القصص: ٨٣] قَالَ: تَعَظُّمًا وَتَجَبُّرًا ﴿وَلَا فَسَادًا﴾ [القصص: ٨٣]: عَمَلًا بِالْمَعَاصِي»
١٨ ‏/ ٣٤٤
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ أَشْعَثَ السَّمَّانِ، عَنْ أَبِي سَلْمَانَ الْأَعْرَجِ، عَنْ عَلِيٍّ، رضي الله عنه قَالَ: «إِنَّ الرَّجُلَ لَيُعْجِبُهُ مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ أَنْ يَكُونَ أَجْوَدَ مِنْ شِرَاكِ صَاحِبِهِ، فَيَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ ﴿تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [القصص: ٨٣]»
١٨ ‏/ ٣٤٤
وَقَوْلُهُ: ﴿وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [الأعراف: ١٢٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَالْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ، وَهُمُ الَّذِينَ اتَّقَوْا مَعَاصِي اللَّهِ، وَأَدَّوْا فَرَائِضَهُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي مَعْنَى الْعَاقِبَةِ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ ‏/ ٣٤٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [القصص: ٨٣] أَيِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ»
١٨ ‏/ ٣٤٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [القصص: ٨٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: مَنْ جَاءَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِإِخْلَاصِ التَّوْحِيدِ، فَلَهُ خَيْرٌ، وَذَلِكَ الْخَيْرُ هُوَ الْجَنَّةُ وَالنَّعِيمُ الدَّائِمُ، وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ، وَهَىَ الشِّرْكُ بِاللَّهِ.
١٨ ‏/ ٣٤٥
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ «﴿مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا﴾ [النمل: ٨٩]: أَيْ لَهُ مِنْهَا حَظُّ خَيْرٍ، وَالْحَسَنَةُ: الْإِخْلَاصُ، وَالسَّيِّئَةُ: الشِّرْكُ». وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ الْمُخْتَلِفِينَ، وَدَلَّلْنَا عَلَى الصَّوَابِ مِنَ الْقَوْلِ فِيهِ.
١٨ ‏/ ٣٤٥
وَقَوْلُهُ: ﴿فَلَا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ﴾ [القصص: ٨٤] يَقُولُ: فَلَا يُثَابُ الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ عَلَى أَعْمَالِهِمُ السَّيِّئَةِ، ﴿إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الأعراف: ١٤٧] يَقُولُ: إِلَّا جَزَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ.
١٨ ‏/ ٣٤٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ [القصص: ٨٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ الْقُرْآنَ.
١٨ ‏/ ٣٤٥
كَمَا: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ﴾ [القصص: ٨٥] قَالَ: الَّذِي أَعْطَاكَ ⦗٣٤٦⦘ الْقُرْآنَ»
١٨ ‏/ ٣٤٥
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ «﴿إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ﴾ [القصص: ٨٥] قَالَ: الَّذِي أَعْطَاكَهُ». وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: ﴿لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ﴾ [القصص: ٨٥] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: لَمُصَيِّرُكَ إِلَى الْجَنَّةِ.
١٨ ‏/ ٣٤٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ حَبِيبِ بْنِ الشَّهِيدِ، قَالَ: ثنا عَتَّابُ بْنُ بَشِيرٍ، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، «﴿لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ﴾ [القصص: ٨٥] قَالَ: إِلَى مَعْدِنِكَ مِنَ الْجَنَّةِ»
١٨ ‏/ ٣٤٦
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «إِلَى الْجَنَّةِ»
١٨ ‏/ ٣٤٦
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ حِبَّانَ، سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، «﴿لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ﴾ [القصص: ٨٥] قَالَ: مَعَادُهُ آخِرَتُهُ ⦗٣٤٧⦘ الْجَنَّةُ»
١٨ ‏/ ٣٤٦
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ فِي «﴿إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ﴾ [القصص: ٨٥] قَالَ: إِلَى الْجَنَّةِ لِيَسْأَلَكَ عَنِ الْقُرْآنِ»
١٨ ‏/ ٣٤٧
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، وَابْنُ وَكِيعٍ، قَالَا: ثنا ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، قَالَ: «الْجَنَّةُ»
١٨ ‏/ ٣٤٧
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ: «﴿لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ﴾ [القصص: ٨٥] قَالَ: إِلَى الْجَنَّةِ»
١٨ ‏/ ٣٤٧
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ، قَالَ: «يَرُدُّكَ إِلَى الْجَنَّةِ، ثُمَّ يَسْأَلُكَ عَنِ الْقُرْآنِ»
١٨ ‏/ ٣٤٧
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، وَمُجَاهِدٍ، قَالَا: «إِلَى الْجَنَّةِ»
١٨ ‏/ ٣٤٧
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا أَبُو تُمَيْلَةَ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، وَعَطَاءٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَأَبِي قَزَعَةَ وَالْحَسَنِ، قَالُوا: «يَوْمَ الْقِيَامَةِ»
١٨ ‏/ ٣٤٧
قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ﴾ [القصص: ٨٥] قَالَ: يَجِيءُ بِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»
١٨ ‏/ ٣٤٨
قَالَ ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا أَبُو سُفْيَانَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الْحَسَنِ، وَالزُّهْرِيِّ، قَالَا: «مَعَادُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»
١٨ ‏/ ٣٤٨
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ: «﴿لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ﴾ [القصص: ٨٥] قَالَ: يَجِيءُ بِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»
١٨ ‏/ ٣٤٨
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا هَوْذَةُ، قَالَ: ثنا عَوْفٌ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: «﴿لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ﴾ [القصص: ٨٥] قَالَ: مَعَادُكَ مِنَ الْآخِرَةِ»
١٨ ‏/ ٣٤٨
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ﴾ [القصص: ٨٥] قَالَ: كَانَ الْحَسَنُ يَقُولُ: «إِي وَاللَّهِ، إِنَّ لَهُ لَمَعَادًا، يَبْعَثُهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَيُدْخِلُهُ الْجَنَّةَ» . وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: لَرَادُّكَ إِلَى الْمَوْتِ.
١٨ ‏/ ٣٤٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ وَهْبٍ الْوَاسِطِيُّ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيُّ، ⦗٣٤٩⦘ قَالَ: ثنا سُفْيَانُ بْنُ سَعِيدٍ الثَّوْرِيُّ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «﴿لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ﴾ [القصص: ٨٥] قَالَ: الْمَوْتُ»
١٨ ‏/ ٣٤٨
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ رَجُلٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «إِلَى الْمَوْتِ»
١٨ ‏/ ٣٤٩
قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدٍ: «﴿لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ﴾ [القصص: ٨٥] قَالَ: إِلَى الْمَوْتِ»
١٨ ‏/ ٣٤٩
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَمَّنْ، سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ، قَالَ: «إِلَى الْمَوْتِ»
١٨ ‏/ ٣٤٩
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، وَابْنُ وَكِيعٍ، قَالَا: ثنا ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: «إِلَى الْمَوْتِ»
١٨ ‏/ ٣٤٩
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي قَوْلِهِ: «﴿لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ﴾ [القصص: ٨٥] قَالَ: الْمَوْتُ»
١٨ ‏/ ٣٤٩
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا أَبُو تُمَيْلَةَ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «إِلَى الْمَوْتِ، أَوْ إِلَى مَكَّةَ» . وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: لَرَادُّكَ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي خَرَجْتَ مِنْهُ، وَهُوَ مَكَّةُ.
١٨ ‏/ ٣٤٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ، عَنْ سُفْيَانَ الْعُصْفُرِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «﴿لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ﴾ [القصص: ٨٥] قَالَ: إِلَى مَكَّةَ»
١٨ ‏/ ٣٥٠
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «﴿لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ﴾ [القصص: ٨٥] قَالَ: يَقُولُ: لَرَادُّكَ إِلَى مَكَّةَ، كَمَا أَخْرَجَكَ مِنْهَا»
١٨ ‏/ ٣٥٠
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ يَمَانٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «مَوْلِدُهُ بِمَكَّةَ»
١٨ ‏/ ٣٥٠
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ ثنا أَبِي، عَنْ يُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ مُجَاهِدًا، يَقُولُ: «﴿لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ﴾ [القصص: ٨٥] قَالَ: إِلَى مَوْلِدِكَ بِمَكَّةَ»
١٨ ‏/ ٣٥٠
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثنا يُونُسُ بْنُ عَمْرٍو وَهُوَ ابْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ﴾ [القصص: ٨٥] قَالَ: إِلَى مَوْلِدِكَ بِمَكَّةَ»
١٨ ‏/ ٣٥٠
حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الصُّدَائِيُّ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ مَرْزُوقٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ أَبِي الْحَجَّاجِ، فِي قَوْلِهِ: «﴿إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ ⦗٣٥١⦘ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ﴾ [القصص: ٨٥] قَالَ: إِلَى مَوْلِدِهِ بِمَكَّةَ»
١٨ ‏/ ٣٥٠
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: «إِلَى مَوْلِدِكَ بِمَكَّةَ» . وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي: قَوْلُ مَنْ قَالَ: لَرَادُّكَ إِلَى عَادَتِكَ مِنَ الْمَوْتِ، أَوْ إِلَى عَادَتِكَ حَيْثُ وُلِدْتَ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمَعَادَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: الْمَفْعَلُ مِنَ الْعَادَةِ، لَيْسَ مِنَ الْعَوْدِ، إِلَّا أَنْ يُوَجَّهَ مُوَجَّهَ تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: ﴿لَرَادُّكَ﴾ [القصص: ٨٥] لَمُصَيِّرُكَ، فَيَتَوَجَّهُ حِينَئِذٍ قَوْلُهُ ﴿إِلَى مَعَادٍ﴾ [القصص: ٨٥] إِلَى مَعْنَى الْعَوْدِ، وَيَكُونُ تَأْوِيلُهُ: إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَمُصَيِّرُكَ إِلَى أَنْ تَعُودَ إِلَى مَكَّةَ مَفْتُوحَةً لَكَ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَهَذِهِ الْوجُوهُ الَّتِي وَصَفْتَ فِي ذَلِكَ قَدْ فَهِمْنَاهَا، فَمَا وَجْهُ تَأْوِيلِ مَنْ تَأَوَّلَهُ بِمَعْنَى: لَرَادُّكَ إِلَى الْجَنَّةِ؟ قِيلَ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ وَجْهُ تَأْوِيلِهِ ذَلِكَ كَذَلِكَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ الْآخَرِ، وَهُوَ لَمُصَيِّرُكَ إِلَى أَنْ تَعُودَ إِلَى الْجَنَّةِ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: أَوَكَانَ أُخْرِجَ مِنَ الْجَنَّةِ، فَيُقَالُ لَهُ: نَحْنُ نُعِيدُكَ إِلَيْهَا؟ قِيلَ: لِذَلِكَ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ إِنْ كَانَ أَبُوهُ آدَمُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمَا أُخْرِجَ مِنْهَا، فَكَأَنَّ وَلَدَهُ بِإِخْرَاجِ اللَّهِ إِيَّاهُ مِنْهَا، قَدْ أُخْرِجُوا مِنْهَا، فَمَنْ دَخَلَهَا فَكَأَنَّمَا يُرَدُّ إِلَيْهَا بَعْدَ الْخُرُوجِ. وَالثَّانِي أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُ كَانَ ﷺ دَخَلَهَا لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ، كَمَا رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: «دَخَلْتُ الْجَنَّةَ فَرَأَيْتُ فِيهَا قَصْرًا، فَقُلْتُ: لِمَنْ هَذَا؟ فَقَالُوا لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ»، وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنَ الْأَخْبَارِ الَّتِي رُوِيَتْ عَنْهُ بِذَلِكَ، ثُمَّ رُدَّ إِلَى الْأَرْضِ، فَيُقَالُ لَهُ: ﴿إِنَّ
١٨ ‏/ ٣٥١
الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ﴾ [القصص: ٨٥] لَمُصَيِّرُكَ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي خَرَجْتَ مِنْهُ مِنَ الْجَنَّةِ إِلَى أَنْ تَعُودَ إِلَيْهِ، فَذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ قَوْلُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ.
١٨ ‏/ ٣٥٢
وَقَوْلُهُ: ﴿قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى﴾ [القصص: ٨٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ: ﴿رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى﴾ [القصص: ٨٥] الَّذِي مَنْ سَلَكَهُ نَجَا، وَمَنْ هُوَ فِي جَوْرٍ عَنْ قَصْدِ السَّبِيلِ مِنَّا وَمِنْكُمْ، وَقَوْلُهُ: ﴿مُبِينٍ﴾ [البقرة: ١٦٨] يَعْنِي أَنَّهُ يَبِينُ لِلْمُفَكِّرِ الْفَهْمِ إِذَا تَأَمَّلَهُ وَتَدَبَّرَهُ، أَنَّهُ ضَلَالٌ وَجَوْرٌ عَنِ الْهُدَى.
١٨ ‏/ ٣٥٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِلْكَافِرِينَ﴾ [القصص: ٨٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمَا كُنْتَ تَرْجُو يَا مُحَمَّدُ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنُ، فَتَعْلَمَ الْأَنْبَاءَ وَالْأَخْبَارَ عَنِ الْمَاضِينَ قَبْلَكَ وَالْحَادِثَةِ بَعْدَكَ، مِمَّا لَمْ يَكُنْ بَعْدُ، مِمَّا لَمْ تَشْهَدْهُ وَلَا تَشْهَدُهُ، ثُمَّ تَتْلُو ذَلِكَ عَلَى قَوْمِكَ مِنْ قُرَيْشٍ، إِلَّا أَنَّ رَبَّكَ رَحِمَكَ، فَأَنْزَلَهُ عَلَيْكَ، فَقَوْلُهُ: ﴿إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ﴾ [الإسراء: ٨٧] اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ.
١٨ ‏/ ٣٥٢
وَقَوْلُهُ: ﴿فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِلْكَافِرِينَ﴾ [القصص: ٨٦] يَقُولُ: فَاحْمَدْ رَبَّكَ عَلَى مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْكَ مِنْ رَحْمَتِهِ إِيَّاكَ، بِإِنْزَالِهِ عَلَيْكَ هَذَا الْكِتَابَ، وَلَا تَكُونَنَّ عَوْنًا لِمَنْ كَفَرَ بِرَبِّكَ عَلَى كُفْرِهِ بِهِ. وَقِيلَ: إِنَّ ذَلِكَ مِنَ الْمُؤَخَّرِ الَّذِي مَعْنَاهُ التَّقْدِيمُ، وَإِنَّ مَعْنَى اللَّامِ: إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ، فَأَنْزَلَهُ عَلَيْكَ وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكَ، فَتَكُونَ نَبِيًّا قَبْلَ ⦗٣٥٣⦘ ذَلِكَ، لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ.
١٨ ‏/ ٣٥٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آيَاتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ، وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ، وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [القصص: ٨٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَا يَصْرِفُنَّكَ عَنْ تَبْلِيغِ آيَاتِ اللَّهِ وَحُجَجِهِ بَعْدَ أَنْ أَنْزَلَهَا إِلَيْكَ رَبُّكَ يَا مُحَمَّدُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ بِقَوْلِهِمْ: ﴿لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى﴾ [القصص: ٤٨] وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ وَبَلِّغْ رِسَالَتَهُ إِلَى مَنْ أَرْسَلَكَ إِلَيْهِ بِهَا ﴿وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [الأنعام: ١٤] يَقُولُ: وَلَا تَتْرُكَنَّ الدُّعَاءَ إِلَى رَبِّكَ، وَتَبْلِيغَ الْمُشْرِكِينَ رِسَالَتَهُ، فَتَكُونَ مِمَّنْ فَعَلَ فِعْلَ الْمُشْرِكِينَ بِمَعْصِيَتِهِ رَبَّهِ، وَخِلَافِهِ أَمْرَهُ.
١٨ ‏/ ٣٥٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [القصص: ٨٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَا تَعْبُدْ يَا مُحَمَّدُ مَعَ مَعْبُودِكَ الَّذِي لَهُ عِبَادَةُ كُلِّ شَيْءٍ مَعْبُودًا آخَرَ سِوَاهُ.
١٨ ‏/ ٣٥٣
وَقَوْلُهُ: ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾ [البقرة: ١٦٣] يَقُولُ: لَا مَعْبُودَ تَصْلُحُ لَهُ الْعِبَادَةُ إِلَّا اللَّهُ الَّذِي كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ. وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿إِلَّا وَجْهَهُ﴾ [القصص: ٨٨] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا هُوَ. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: إِلَّا مَا أُرِيدَ بِهِ وَجْهُهُ، وَاسْتَشْهَدُوا لِتَأْوِيلِهِمْ ذَلِكَ كَذَلِكَ بِقَوْلِ الشَّاعِرِ:
[البحر البسيط] ⦗٣٥٤⦘ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ ذَنْبًا لَسْتُ مُحْصِيَهُ … رَبَّ الْعِبَادِ إِلَيْهِ الْوَجْهُ وَالْعَمَلُ
١٨ ‏/ ٣٥٣
وَقَوْلُهُ: ﴿لَهُ الْحُكْمُ﴾ [الأنعام: ٦٢] يَقُولُ: لَهُ الْحُكْمُ بَيْنَ خَلْقِهِ دُونَ غَيْرِهِ، لَيْسَ لِأَحَدٍ غَيْرُهُ مَعَهُ فِيهِمْ حُكْمٌ ﴿وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [البقرة: ٢٤٥] يَقُولُ: وَإِلَيْهِ تُرَدُّونَ مِنْ بَعْدِ مَمَاتِكُمْ، فَيَقْضِي بَيْنَكُمْ بِالْعَدْلِ، فَيُجَازِي مُؤْمِنِيكُمْ جَزَاءَهُمْ، وَكُفَّارَكُمْ مَا وَعْدَهُمْ.

عن معز نوني

متحصّل على شهادة ختم الدروس للمعهد الأعلى لتكوين المعلمين بقفصة دفعة 2000، يعمل حاليًّا أستاذ مدارس إبتدائية

شاهد أيضاً

سُورَةُ الْفَاتِحَةِ

مَكِّيَّةٌ وَآيَاتُهَا سَبْعٌ ١ ‏/ ١١١ ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ [الفاتحة: ١] الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ …