سُورَةُ الْقَصَصِ 2

كَمَا: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: «﴿وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى﴾ [القصص: ٢٠] قَالَ: يُعَجِّلُ، لَيْسَ بِالشَّدِّ»
١٨ ‏/ ٢٠٠
وَقَوْلُهُ: ﴿قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ﴾ [القصص: ٢٠] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: قَالَ الرَّجُلُ الَّذِي جَاءَهُ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى لِمُوسَى: يَا مُوسَى إِنَّ أَشْرَافَ قَوْمِ فِرْعَوْنَ وَرُؤَسَاءَهُمْ يَتَآمَرُونَ بِقَتْلِكَ، وَيَتَشَاوَرُونَ وَيَرْتَئُونَ فِيكَ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
[البحر الكامل] مَا تَأْتَمِرْ فِينَا فَأَمْرُكَ … فِي يَمِينِكَ أَوْ شِمَالِكَ
يَعْنِي: مَا تَرْتَئِي، وَتَهُمُّ بِهِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الْنَّمِرِ بْنِ تَوْلَبٍ:
[البحر المتقارب] أَرَى النَّاسَ قَدْ أَحْدَثُوا شِيمَةً … وَفِي كُلِّ حَادِثَةٍ يُؤْتَمَرْ
أَيْ يُتَشَاوَرُ وَيُرْتَأَى فِيهَا.
١٨ ‏/ ٢٠١
وَقَوْلُهُ: ﴿فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ﴾ [القصص: ٢٠] يَقُولُ: فَاخْرُجْ مِنْ هَذِهِ الْمَدِينَةِ، إِنِّي لَكَ فِي إِشَارَتِي عَلَيْكَ بِالْخُرُوجِ مِنْهَا مِنَ النَّاصِحِينَ.
١٨ ‏/ ٢٠١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ، قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ. وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ﴾ [القصص: ٢٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَخَرَجَ مُوسَى مِنْ مَدِينَةِ فِرْعَوْنَ خَائِفًا مِنْ قَتْلِهِ النَّفْسَ أَنْ يُقْتَلَ بِهِ ﴿يَتَرَقَّبُ﴾ [القصص: ١٨] يَقُولُ: يَنْتَظِرُ الطَّلَبَ أَنْ يُدْرِكَهُ فَيَأْخُذَهُ.
١٨ ‏/ ٢٠١
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ﴾ [القصص: ٢١] خَائِفًا مِنْ قَتْلِهِ النَّفْسَ يَتَرَقَّبُ الطَّلَبَ ﴿قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ ⦗٢٠٢⦘ الظَّالِمِينَ﴾ [القصص: ٢١]»
١٨ ‏/ ٢٠١
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني أَبُو سُفْيَانَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ﴾ [القصص: ٢١] قَالَ: خَائِفًا مِنْ قَتْلِ النَّفْسِ، يَتَرَقَّبُ أَنْ يَأْخُذَهُ الطَّلَبُ»
١٨ ‏/ ٢٠٢
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: «ذُكِرَ لِي أَنَّهُ خَرَجَ عَلَى وَجْهِهِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ مَا يَدْرِي أَيَّ وَجْهٍ يَسْلُكُ، وَهُوَ يَقُولُ: ﴿رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ [القصص: ٢١]»
١٨ ‏/ ٢٠٢
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ «﴿فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ﴾ [القصص: ٢١] قَالَ: يَتَرَقَّبُ مَخَافَةَ الطَّلَبِ»
١٨ ‏/ ٢٠٢
وَقَوْلُهُ: ﴿قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ [القصص: ٢١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ مُوسَى وَهُوَ شَاخِصٌ عَنْ مَدِينَةِ فِرْعَوْنَ خَائِفًا: رَبِّ نَجِّنِي مِنْ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ، الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ بِكُفْرِهِمْ بِكَ.
١٨ ‏/ ٢٠٢
وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ﴾ [القصص: ٢٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَمَّا جَعَلَ مُوسَى وَجْهَهُ نَحْوَ مَدْيَنَ، مَاضِيًا إِلَيْهَا، شَاخِصًا عَنْ مَدِينَةِ فِرْعَوْنَ، وَخَارِجًا عَنْ سُلْطَانِهِ، ﴿قَالَ: عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ﴾ [القصص: ٢٢] وَعُنِيَ بِقَوْلِهِ: ﴿تِلْقَاءَ﴾ [الأعراف: ٤٧]: نَحْوَ مَدْيَنَ؛ وَيُقَالُ: فَعَلَ ذَلِكَ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ، يَعْنِي بِهِ: مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ، وَيُقَالُ: دَارُهُ تِلْقَاءُ دَارِ فُلَانٍ: إِذَا كَانَتْ مُحَاذِيَتَهَا، ⦗٢٠٣⦘ وَلَمْ يَصْرِفِ اسْمَ مَدْيَنَ لِأَنَّهَا اسْمُ بَلْدَةٍ مَعْرُوفَةٍ، كَذَلِكَ تَفْعَلُ الْعَرَبُ بِأَسْمَاءِ الْبِلَادِ الْمَعْرُوفَةِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
[البحر الكامل] رُهْبَانُ مَدْيَنَ لَوْ رَأَوْكِ تَنَزَّلُوا … وَالْعُصْمُ مِنْ شَعَفِ الْعُقُولِ الْفَادِرِ
١٨ ‏/ ٢٠٢
وَقَوْلُهُ: ﴿عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ﴾ [القصص: ٢٢] يَقُولُ: عَسَى رَبِّي أَنْ يُبَيِّنَ لِي قَصْدَ السَّبِيلِ إِلَى مَدْيَنَ، وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُ الطَّرِيقَ إِلَيْهَا. وَذُكِرَ أَنَّ اللَّهَ قَيَّضَ لَهُ إِذْ قَالَ: ﴿رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ [القصص: ٢١] مَلَكًا سَدَّدَهُ الطَّرِيقَ، وَعَرَّفَهُ إِيَّاهُ.
١٨ ‏/ ٢٠٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: «لَمَّا أَخَذَ مُوسَى فِي بُنَيَّاتِ الطَّرِيقِ جَاءَهُ مَلَكٌ عَلَى فَرَسٍ بِيَدِهِ عَنَزَةٌ؛ فَلَمَّا رَآهُ مُوسَى سَجَدَ لَهُ مِنَ الْفَرَقِ قَالَ: لَا تَسْجُدْ لِي وَلَكِنِ اتْبَعْنِي، فَاتَّبَعَهُ، فَهَدَاهُ نَحْوَ مَدْيَنَ. وَقَالَ مُوسَى وَهُوَ مُتَوَجِّهٌ نَحْوَ مَدْيَنَ: ﴿عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ﴾ [القصص: ٢٢] فَانْطَلَقَ بِهِ حَتَّى انْتَهَى بِهِ إِلَى مَدْيَنَ»
١٨ ‏/ ٢٠٣
حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْأَصْبَغُ بْنُ زَيْدٍ، قَالَ: ثنا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «خَرَجَ مُوسَى مُتَوَجِّهًا نَحْوَ مَدْيَنَ، وَلَيْسَ لَهُ عِلْمٌ بِالطَّرِيقِ إِلَّا حُسْنَ ظَنِّهِ بِرَبِّهِ، فَإِنَّهُ قَالَ ﴿عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ﴾ [القصص: ٢٢]»
١٨ ‏/ ٢٠٣
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: «ذُكِرَ لِي أَنَّهُ خَرَجَ وَهُوَ يَقُولُ: ﴿رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ [القصص: ٢١] فَهَيَّأَ اللَّهُ الطَّرِيقَ إِلَى مَدْيَنَ، فَخَرَجَ مِنْ مِصْرِ بِلَا زَادٍ، وَلَا حِذَاءٍ، وَلَا ظَهْرٍ، وَلَا دِرْهَمٍ، وَلَا رَغِيفٍ، خَائِفًا يَتَرَقَّبُ، حَتَّى وَقَعَ إِلَى أُمَّةٍ مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ بِ مَدْيَنَ»
١٨ ‏/ ٢٠٤
حَدَّثَنَا أَبُو عَمَّارٍ الْحُسَيْنُ بْنُ حُرَيْثٍ الْمَرْوَزِيُّ، قَالَ: ثنا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: «خَرَجَ مُوسَى مِنْ مِصْرَ إِلَى مَدْيَنَ، وَبَيْنَهَا وَبَيْنَهَا مَسِيرَةَ ثَمَانٍ، قَالَ: وَكَانَ يُقَالُ نَحْوٌ مِنَ الْكُوفَةِ إِلَى الْبَصْرَةِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ طَعَامٌ إِلَّا وَرَقُ الشَّجَرِ، وَخَرَجَ حَافِيًا، فَمَا وَصَلَ إِلَيْهَا حَتَّى وَقَعَ خُفُّ قَدَمِهِ». حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا عَثَّامٌ، قَالَ: ثنا الْأَعْمَشُ، عَنِ الْمِنْهَالِ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «لَمَّا خَرَجَ مُوسَى مِنْ مِصْرَ إِلَى مَدْيَنَ، وَبَيْنَهُ وَبَيْنَهَا ثَمَانِ لَيَالٍ، كَانَ يُقَالُ: نَحْوٌ مِنَ الْبَصْرَةِ إِلَى الْكُوفَةِ» ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَهُ. وَمَدْيَنُ كَانَ بِهَا يَوْمَئِذٍ قَوْمُ شُعَيْبٍ عليه السلام.
١٨ ‏/ ٢٠٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: «﴿وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ﴾ [القصص: ٢٢] وَمَدْيَنُ مَاءٌ كَانَ عَلَيْهِ قَوْمُ شُعَيْبٍ ﴿قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي ⦗٢٠٥⦘ سَوَاءَ السَّبِيلِ﴾ [القصص: ٢٢]» وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿سَوَاءَ السَّبِيلِ﴾ [البقرة: ١٠٨] فَإِنَّ أَهْلَ التَّأْوِيلِ اخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِهِ نَحْوَ قَوْلِنَا فِيهِ.
١٨ ‏/ ٢٠٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿سَوَاءَ السَّبِيلِ﴾ [البقرة: ١٠٨] قَالَ: الطَّرِيقَ إِلَى مَدْيَنَ». حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٨ ‏/ ٢٠٥
قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا أَبُو سُفْيَانَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ﴾ [القصص: ٢٢] قَالَ: قَصْدَ السَّبِيلِ»
١٨ ‏/ ٢٠٥
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا عَبَّادُ بْنُ رَاشِدٍ، عَنِ الْحَسَنِ: «﴿عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ﴾ [القصص: ٢٢] قَالَ: الطَّرِيقَ الْمُسْتَقِيمَ»
١٨ ‏/ ٢٠٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ، وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ، قَالَ مَا خَطْبُكُمَا، قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ، وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ﴾ [القصص: ٢٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَلَمَّا وَرَدَ﴾ [القصص: ٢٣] مُوسَى ﴿مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً﴾ [القصص: ٢٣] يَعْنِي جَمَاعَةً ﴿مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ﴾ [القصص: ٢٣] نَعَمَهُمْ وَمَوَاشِيهِمْ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ ‏/ ٢٠٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، «﴿وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ﴾ [القصص: ٢٣] يَقُولُ: كَثْرَةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ»
١٨ ‏/ ٢٠٦
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ «﴿أُمَّةً مِنَ النَّاسِ﴾ [القصص: ٢٣] قَالَ: أُنَاسًا». حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٨ ‏/ ٢٠٦
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: «وَقَعَ إِلَى أُمَّةٍ مِنَ ⦗٢٠٧⦘ النَّاسِ يَسْقُونَ بِمَدْيَنَ أَهْلِ نَعَمٍ وَشَاءٍ»
١٨ ‏/ ٢٠٦
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُوسَى، وَابْنُ بَشَّارٍ قَالَا: ثنا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عِمْرَانُ الْقَطَّانُ، قَالَ: ثنا أَبُو حَمْزَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ﴾ [القصص: ٢٣] قَالَ عَلِيُّ بْنُ مُوسَى: قَالَ: مِثْلَ مَاءِ جَوْبِكُمْ هَذَا، يَعْنِي الْمُحْدَثَةَ. وَقَالَ ابْنُ بَشَّارٍ: مِثْلَ مُحْدَثَتِكُمْ هَذِهِ، يَعْنِي جَوْبَكُمْ هَذَا»
١٨ ‏/ ٢٠٧
وَقَوْلُهُ: ﴿وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ﴾ [القصص: ٢٣] يَقُولُ: وَوَجَدَ مِنْ دُونِ أُمَّةِ النَّاسِ الَّذِينَ هُمْ عَلَى الْمَاءِ، امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ، يَعْنِي بِقَوْلِهِ: ﴿تَذُودَانِ﴾ [القصص: ٢٣] تَحْبِسَانِ غَنَمَهُمَا؛ يُقَالُ مِنْهُ: ذَادَ فُلَانٌ غَنَمَهُ وَمَاشِيَتَهُ: إِذَا أَرَادَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ يَشُذُّ وَيَذْهَبُ، فَرَدُّهُ وَمَنْعُهُ يَذُودُهَا ذَوْدًا. وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ مِنَ الْكُوفِيِّينَ: لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: ذُدْتُ الرَّجُلَ بِمَعْنَى: حَبَسْتُهُ، إِنَّمَا يُقَالُ ذَلِكَ لِلْغَنَمِ وَالْإِبِلِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: «إِنِّي لَبِعُقْرِ حَوْضِي أَذُودُ النَّاسَ عَنْهُ بِعَصَايَ» فَقَدْ جَعَلَ الذَّوْدَ ﷺ فِي النَّاسِ؛ وَمَنَ الذَّوْدِ قَوْلُ سُوَيْدِ بْنِ كُرَاعٍ:
[البحر الطويل] أَبِيتُ عَلَى بَابِ الْقَوَافِي كَأَنَّمَا … أَذُودُ بِهَا سِرْبًا مِنَ الْوَحْشِ نُزَّعَا
١٨ ‏/ ٢٠٧
وَقَوْلُ الْآخَرِ:
[البحر الوافر] وَقَدْ سَلَبَتْ عَصَاكَ بَنُو تَمِيمٍ … فَمَا تَدْرِي بِأَيِّ عَصًا تَذُودُ
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ ‏/ ٢٠٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: «﴿تَذُودَانِ﴾ [القصص: ٢٣] يَقُولُ: تَحْبِسَانِ»
١٨ ‏/ ٢٠٨
حَدَّثَنِي الْعَبَّاسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْأَصْبَغُ، قَالَ: ثنا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثني سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، «﴿وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ﴾ [القصص: ٢٣] يَعْنِي بِذَلِكَ أَنَّهُمَا حَابِسَتَانِ»
١٨ ‏/ ٢٠٨
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ﴾ [القصص: ٢٣] قَالَ: حَابِسَتَيْنِ»
١٨ ‏/ ٢٠٨
حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، «﴿وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ﴾ [القصص: ٢٣] يَقُولُ: تَحْبِسَانِ غَنَمَهُمَا». وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الَّذِي كَانَتْ عَنْهُ تَذُودُ هَاتَانِ الْمَرْأَتَانِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَتَا تَذُودَانِ غَنَمَهُمَا عَنِ الْمَاءِ، حَتَّى يَصْدُرَ عَنْهُ مَوَاشِي النَّاسِ، ثُمَّ تَسْقِيَانِ ⦗٢٠٩⦘ مَاشِيَتَهُمَا لِضَعْفِهِمَا.
١٨ ‏/ ٢٠٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حُصَيْنٌ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ، قَوْلَهُ: «﴿امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ﴾ [القصص: ٢٣] قَالَ: تَحْبِسَانِ غَنَمَهُمَا عَنِ النَّاسِ حَتَّى يَفْرُغُوا وَتَخْلُوَ لَهُمَا الْبِئْرُ»
١٨ ‏/ ٢٠٩
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، «﴿وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ﴾ [القصص: ٢٣] يَعْنِي دُونَ الْقَوْمِ تَذُودَانِ غَنَمَهُمَا عَنِ الْمَاءِ، وَهُوَ مَاءُ مَدْيَنَ». وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: تَذُودَانِ النَّاسَ عَنْ غَنَمِهِمَا.
١٨ ‏/ ٢٠٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ﴾ [القصص: ٢٣] قَالَ: أَيْ حَابِسَتَيْنِ شَاءَهُمَا تَذُودَانِ النَّاسَ عَنْ شَائِهِمَا»
١٨ ‏/ ٢٠٩
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا أَبُو سُفْيَانَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ ⦗٢١٠⦘ أَصْحَابِهِ، ﴿تَذُودَانِ﴾ [القصص: ٢٣] قَالَ: تَذُودَانِ النَّاسَ عَنْ غَنَمِهِمَا». وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ مَعْنَاهُ: تَحْبِسَانِ غَنَمَهُمَا عَنِ النَّاسِ حَتَّى يَفْرُغُوا مِنْ سَقْيِ مَوَاشِيهِمْ. وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ لِدَلَالَةِ قَوْلِهِ: ﴿مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ﴾ [القصص: ٢٣] عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَذَلِكَ أَنَّهُمَا إِنَّمَا شَكَتَا أَنَّهُمَا لَا تَسْقِيَانِ حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ، إِذْ سَأَلَهُمَا مُوسَى عَنْ ذَوْدِهِمَا، وَلَوْ كَانَتَا تَذُودَانِ عَنْ غَنَمِهِمَا النَّاسَ، كَانَ لَا شَكَّ أَنَّهُمَا كَانَتَا تُخْبِرَانِ عَنْ سَبَبِ ذَوْدِهِمَا عَنْهَا النَّاسَ، لَا عَنْ سَبَبِ تَأَخُّرِ سَقْيِهِمَا إِلَى أَنْ يُصْدِرَ الرِّعَاءُ.
١٨ ‏/ ٢٠٩
وَقَوْلُهُ: ﴿قَالَ مَا خَطْبُكُمَا﴾ [القصص: ٢٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ مُوسَى لِلْمَرْأَتَيْنِ مَا شَأْنُكُمَا وَأَمْرُكُمَا تَذُودَانِ مَاشِيَتَكُمَا عَنِ النَّاسِ، هَلَّا تَسْقُونَهَا مَعَ مَوَاشِي النَّاسِ وَالْعَرَبِ، تَقُولُ لِلرَّجُلِ: مَا خَطْبُكَ: بِمَعْنَى مَا أَمَرُكَ وَحَالُكَ، كَمَا قَالَ الرَّاجِزُ:
[البحر الرجز] يَا عَجَبًا مَا خَطْبُهُ وَخَطْبِي
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ ‏/ ٢١٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْأَصْبَغُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثني سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ لَهُمَا: «﴿مَا خَطْبُكُمَا﴾ [القصص: ٢٣] مُعْتَزِلَتَيْنِ لَا ⦗٢١١⦘ تَسْقِيَانِ مَعَ النَّاسِ؟»
١٨ ‏/ ٢١٠
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: «وَجَدَ لَهُمَا رَحْمَةً، وَدَخَلَتْهُ فِيهِمَا خَشْيَةٌ، لِمَا رَأَى مِنْ ضَعْفِهِمَا، وَغَلَبَةِ النَّاسِ عَلَى الْمَاءِ دُونَهُمَا، فَقَالَ لَهُمَا: مَا خَطْبُكُمَا: أَيْ مَا شَأْنُكُمَا؟»
١٨ ‏/ ٢١١
وَقَوْلُهُ: ﴿قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ﴾ [القصص: ٢٣] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: قَالَتِ الْمَرْأَتَانِ لِمُوسَى: لَا نَسْقِي مَاشِيَتَنَا حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ مَوَاشِيهِمْ، لَأَنَّا لَا نَطِيقُ أَنْ نَسْقِيَ، وَإِنَّمَا نَسْقِي مَوَاشِينَا مَا أَفْضَلَتْ مَوَاشِي الرِّعَاءِ فِي الْحَوْضِ، وَالرِّعَاءُ جَمْعُ رَاعٍ، وَالرَّاعِي جَمْعُهُ رِعَاءٌ وَرُعَاةٌ وَرُعْيَانُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ ‏/ ٢١١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْعَبَّاسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْأَصْبَغُ، قَالَ: ثنا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثني سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «لَمَّا قَالَ مُوسَى لِلْمَرْأَتَيْنِ: مَا خَطْبُكُمَا؟ قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ: أَيْ لَا نَسْتَطِيعُ أَنْ نَسْقِيَ حَتَّى يَسْقِيَ النَّاسُ، ثُمَّ نَتْبَعُ فَضَلَاتِهِمْ»
١٨ ‏/ ٢١١
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَوْلَهُ: «﴿حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ﴾ [القصص: ٢٣] قَالَ: تَنْتَظِرُ أَنْ تَسْقِيَانِ مِنْ فُضُولِ مَا فِي الْحِيَاضِ حِيَاضِ الرِّعَاءِ»
١٨ ‏/ ٢١١
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، «﴿قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ﴾ [القصص: ٢٣] امْرَأَتَانِ لَا نَسْتَطِيعُ أَنْ نُزَاحِمَ الرِّجَالَ ﴿وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ﴾ [القصص: ٢٣] لَا يَقْدِرُ أَنْ يَمَسَّ ذَلِكَ مِنْ نَفْسِهِ، وَلَا يَسْقِي مَاشِيَتِهِ، فَنَحْنُ نَنْتَظِرُ النَّاسَ حَتَّى إِذَا فَرَغُوا أَسْقَيْنَا ثُمَّ انْصَرَفْنَا». وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ﴾ [القصص: ٢٣]، فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْحِجَازِ سِوَى أَبِي جَعْفَرٍ الْقَارِئُ وَعَامَّةُ قُرَّاءِ الْعِرَاقِ سِوَى أَبِي عَمْرٍو: ﴿يُصْدِرَ الرِّعَاءُ﴾ [القصص: ٢٣] بِضَمِّ الْيَاءِ، وَقَرَأَ ذَلِكَ أَبُو جَعْفَرٍ وَأَبُو عَمْرٍو بِفَتْحِ الْيَاءِ مِنْ يَصْدُرَ الرِّعَاءُ عَنِ الْحَوْضِ. وَأَمَّا الْآخَرُونَ فَإِنَّهُمْ ضَمُّوا الْيَاءَ، بِمَعْنَى: أَصْدَرَ الرِّعَاءُ مَوَاشِيهِمْ، وَهُمَا عِنْدِي قِرَاءَتَانِ مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى، قَدْ قَرَأَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عُلَمَاءُ مِنَ الْقُرَّاءِ، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ.
١٨ ‏/ ٢١٢
وَقَوْلُهُ: ﴿وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ﴾ [القصص: ٢٣] يَقُولَانِ: لَا يَسْتَطِيعُ مِنَ الْكِبَرِ وَالضَّعْفِ أَنْ يُسْقَىَ مَاشِيَتَهُ.
١٨ ‏/ ٢١٢
وَقَوْلُهُ: ﴿فَسَقَى لَهُمَا﴾ [القصص: ٢٤] ذُكِرَ أَنَّهُ عليه السلام فَتَحَ لَهُمَا عَنْ رَأْسِ بِئْرٍ كَانَ عَلَيْهَا حَجَرٌ لَا يُطِيقُ رَفْعَهُ إِلَّا جَمَاعَةٌ مِنَ النَّاسِ، ثُمَّ اسْتَسْقَى فَسَقَى لَهُمَا مَاشِيَتَهُمَا مِنْهُ.
١٨ ‏/ ٢١٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي ⦗٢١٣⦘ الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «فَتَحَ لَهُمَا عَنْ بِئْرٍ، حَجَرًا عَلَى فِيهَا، فَسَقَى لَهُمَا مِنْهَا» . حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، بِنَحْوِهِ، وَزَادَ فِيهِ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: «حَجَرًا كَانَ لَا يُطِيقُهُ إِلَّا عَشَرَةُ رَهْطٍ»
١٨ ‏/ ٢١٢
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْحَجَّاجِ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ شُرَيْحٍ، قَالَ: «انْتَهَى إِلَى حَجَرٍ لَا يَرْفَعُهُ إِلَّا عَشْرَةُ رِجَالٍ، فَرَفَعَهُ وَحْدَهُ»
١٨ ‏/ ٢١٣
حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: «رَحِمَهُمَا مُوسَى حِينَ ﴿قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ﴾ [القصص: ٢٣] فَأَتَى إِلَى الْبِئْرِ فَاقْتَلَعَ صَخْرَةً عَلَى الْبِئْرِ كَانَ النَّفْرُ مِنْ أَهْلِ مَدْيَنَ يَجْتَمِعُونَ عَلَيْهَا، حَتَّى يَرْفَعُوهَا، فَسَقَى لَهُمَا مُوسَى دَلْوًا فَأَرْوَتَا غَنَمَهُمَا، فَرَجَعَتَا سَرِيعًا، وَكَانَتَا إِنَّمَا تَسْقِيَانِ مِنْ فُضُولِ الْحِيَاضِ»
١٨ ‏/ ٢١٣
حَدَّثَنِي الْعَبَّاسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْأَصْبَغُ، قَالَ: ثنا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، «﴿فَسَقَى لَهُمَا﴾ [القصص: ٢٤] فَجَعَلَ يَغْرِفُ فِي الدَّلْوِ مَاءً كَثِيرًا حَتَّى كَانَتْ أَوَّلَ الرِّعَاءِ رَيًّا، فَانْصَرَفَتَا إِلَى ⦗٢١٤⦘ أَبِيهِمَا بِغَنَمِهِمَا»
١٨ ‏/ ٢١٣
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: «تَصَدَّقَ عَلَيْهِمَا نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ، فَسَقَى لَهُمَا، فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ أَرْوَى غَنَمَهُمَا»
١٨ ‏/ ٢١٤
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: «أَخَذَ دَلْوَهُمَا مُوسَى، ثُمَّ تَقَدَّمَ إِلَى السِّقَاءِ بِفَضْلِ قُوَّتِهِ، فَزَاحَمَ الْقَوْمَ عَلَى الْمَاءِ حَتَّى أَخَّرَهُمْ عَنْهُ، ثُمَّ سَقَى لَهُمَا»
١٨ ‏/ ٢١٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ﴾ [القصص: ٢٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَسَقَى مُوسَى لِلْمَرْأَتَيْنِ مَاشِيَتَهُمَا، ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى ظِلِّ شَجَرَةٍ ذُكِرَ أَنَّهَا سَمُرَةٌ.
١٨ ‏/ ٢١٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، «﴿ثُمَّ تَوَلَّى﴾ [القصص: ٢٤] مُوسَى إِلَى ظِلِّ شَجَرَةٍ سَمُرَةٍ، فَقَالَ: ﴿رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ﴾ [القصص: ٢٤]»
١٨ ‏/ ٢١٤
حَدَّثَنِي الْعَبَّاسُ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْأَصْبَغُ، قَالَ: ثنا الْقَاسِمُ، قَالَ: ⦗٢١٥⦘ ثني سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «انْصَرَفَ مُوسَى إِلَى شَجَرَةٍ، فَاسْتَظَلَّ بِظِلِّهَا، ﴿فَقَالَ: رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ﴾ [القصص: ٢٤]»
١٨ ‏/ ٢١٤
حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَمْرٍو الْعَنْقَزِيُّ، قَالَ: ثنا أَبِي قَالَ: ثنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: «حَثَثْتُ عَلَى جَمَلٍ لِي لَيْلَتَيْنِ حَتَّى صَبَّحْتُ مَدْيَنَ، فَسَأَلْتُ عَنِ الشَّجَرَةِ الَّتِي أَوَى إِلَيْهَا مُوسَى، فَإِذَا شَجَرَةٌ خَضْرَاءُ تَرِفُّ، فَأَهْوَى إِلَيْهَا جَمَلِي وَكَانَ جَائِعًا، فَأَخَذَهَا جَمَلِي، فَعَالَجَهَا سَاعَةً، ثُمَّ لَفِظَهَا، فَدَعَوْتُ اللَّهَ لِمُوسَى عليه السلام، ثُمَّ انْصَرَفْتِ»
١٨ ‏/ ٢١٥
وَقَوْلُهُ: ﴿فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ﴾ [القصص: ٢٤] مُحْتَاجٌ. وَذُكِرَ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ مُوسَى عليه السلام قَالَ هَذَا الْقَوْلَ، وَهُوَ بِجَهْدٍ شَدِيدٍ، وَعَرَّضَ ذَلِكَ لِلْمَرْأَتَيْنِ تَعْرِيضًا لَهُمَا، لَعَلَّهُمَا أَنْ تُطْعِمَاهُ مِمَّا بِهِ مِنْ شِدَّةِ الْجُوعِ. وَقِيلَ: إِنَّ الْخَيْرَ الَّذِي قَالَ نَبِيُّ اللَّهِ ﴿إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ﴾ [القصص: ٢٤] مُحْتَاجٌ، إِنَّمَا عَنَى بِهِ: شَبْعَةً مِنْ طَعَامٍ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ ‏/ ٢١٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَعْقُوبُ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «لَمَّا هَرَبَ مُوسَى مِنْ فِرْعَوْنَ أَصَابَهُ جُوعٌ شَدِيدٌ، حَتَّى كَانَتْ تُرَى أَمْعَاؤُهُ مِنْ ظَاهَرِ الصِّفَاقِ؛ فَلَمَّا سَقَى لِلْمَرْأَتَيْنِ، وَأَوَى إِلَى الظِّلِّ، قَالَ: ﴿رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ﴾ [القصص: ٢٤]»
١٨ ‏/ ٢١٦
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، قَالَ: ثنا عَنْبَسَةُ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ﴾ [القصص: ٢٣] قَالَ: وَرَدَ الْمَاءَ وَإِنَّهُ لَيُتَرَاءَى خُضْرَةُ الْبَقْلِ فِي بَطْنِهِ مِنَ الْهُزَالِ، ﴿فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ﴾ [القصص: ٢٤] قَالَ: شَبْعَةً»
١٨ ‏/ ٢١٦
حَدَّثَنِي نَصْرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَوْدِيُّ، قَالَ: ثنا حَكَّامُ بْنُ سَلْمٍ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ﴾ [القصص: ٢٣] قَالَ: وَرَدَ الْمَاءَ، وَإِنَّ خُضْرَةَ الْبَقْلِ لَتُرَى فِي بَطْنِهِ مِنَ الْهُزَالِ»
١٨ ‏/ ٢١٦
حَدَّثَنِي نَصْرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا حَكَّامُ بْنُ سَلْمٍ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، «﴿إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ﴾ [القصص: ٢٤] قَالَ: شَبْعَةٌ يَوْمَئِذٍ»
١٨ ‏/ ٢١٦
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، فِي قَوْلِهِ، فَقَالُ: «﴿رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ﴾ [القصص: ٢٤] قَالَ: قَالَ هَذَا وَمَا مَعَهُ دِرْهَمٌ وَلَا دِينَارٌ»
١٨ ‏/ ٢١٧
قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «﴿إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ﴾ [القصص: ٢٤] قَالَ: مَا سَأَلَ إِلَّا الطَّعَامَ»
١٨ ‏/ ٢١٧
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ بْنُ الْفَضْلِ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ فَقَالَ: «﴿رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ﴾ [القصص: ٢٤] قَالَ: مَا سَأَلَ رَبَّهُ إِلَّا الطَّعَامَ»
١٨ ‏/ ٢١٧
حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ﴾ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «لَقَدْ قَالَ مُوسَى: وَلَوْ شَاءَ إِنْسَانٌ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى خُضْرَةِ أَمْعَائِهِ مِنْ شِدَّةِ الْجُوعِ، وَمَا يَسْأَلُ اللَّهَ إِلَّا أَكْلَةً»
١٨ ‏/ ٢١٧
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: «﴿رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ﴾ [القصص: ٢٤] قَالَ: كَانَ نَبِيُّ اللَّهِ بِجَهْدٍ»
١٨ ‏/ ٢١٧
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، فِي قَوْلِهِ: «﴿إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ﴾ [القصص: ٢٤] قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ مُوسَى قَالَهَا وَأَسْمَعَ الْمَرْأَةَ»
١٨ ‏/ ٢١٧
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثني أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ⦗٢١٨⦘ قَوْلَهُ: «﴿مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ﴾ [القصص: ٢٤] قَالَ: طَعَامٌ»
١٨ ‏/ ٢١٧
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «﴿مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ﴾ [القصص: ٢٤] قَالَ: طَعَامٌ»
١٨ ‏/ ٢١٨
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ﴾ [القصص: ٢٤] قَالَ: الطَّعَامَ يَسْتَطْعِمُ، لَمْ يَكُنْ مَعَهُ طَعَامٌ، وَإِنَّمَا سَأَلَ الطَّعَامَ»
١٨ ‏/ ٢١٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ، قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا، فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ، قَالَ لَا تَخَفْ، نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ [القصص: ٢٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَجَاءَتْ مُوسَى إِحْدَى الْمَرْأَتَيْنِ اللَّتَيْنِ سَقَى لَهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ مِنْ مُوسَى، قَدْ سَتَرَتْ وَجْهَهَا بِثَوْبِهَا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ ‏/ ٢١٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو السَّائِبِ، وَالْفَضْلُ بْنُ الصَّبَّاحِ، قَالَا: ثنا ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ ضِرَارِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الْهُذَيْلِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، رضي الله عنه، فِي قَوْلِهِ: «﴿فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ﴾ [القصص: ٢٥] قَالَ: مُسْتَتِرَةً بِكُمِّ دِرْعِهَا، أَوْ بِكُمِّ قَمِيصِهَا»
١٨ ‏/ ٢١٨
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عَمْرٍو الْأَسَدِيِّ، عَنْ أَبِي سِنَانٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي الْهُذَيْلِ، عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه، قَالَ: «وَاضِعَةً يَدَهَا عَلَى وَجْهِهَا مُسْتَتِرَةً»
١٨ ‏/ ٢١٩
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ نَوْفٍ: «﴿فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ﴾ [القصص: ٢٥] قَالَ: قَدْ سَتَرَتْ وَجْهَهَا بِيَدَيْهَا». قَالَ: ثنا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ نَوْفٍ بِنَحْوِهِ
١٨ ‏/ ٢١٩
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ نَوْفٍ: ﴿فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ﴾ [القصص: ٢٥] قَالَ: «قَائِلَةً بِيَدَيْهَا عَلَى وَجْهِهَا»، وَوَضَعَ أَبِي يَدَهُ عَلَى وَجْهِهِ
١٨ ‏/ ٢١٩
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، «﴿فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ﴾ [القصص: ٢٥] قَالَ: لَيْسَتْ بِسَلْفَعٍ مِنَ النِّسَاءِ خَرَّاجَةً وَلَّاجَةً، وَاضِعَةً ثَوْبَهَا عَلَى وَجْهِهَا. تَقُولُ ﴿إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا﴾ [القصص: ٢٥]»
١٨ ‏/ ٢١٩
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، رضي الله عنه: «﴿فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ﴾ [القصص: ٢٥] قَالَ: لَمْ تَكُنْ سَلْفَعًا مِنَ النِّسَاءِ خَرَّاجَةً وَلَّاجَةً، قَائِلَةً بِيَدِهَا عَلَى وَجْهِهَا ﴿إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا﴾ [القصص: ٢٥]»
١٨ ‏/ ٢١٩
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، قَالَ: ثنا قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: «﴿فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ﴾ [القصص: ٢٥] قَالَ: بَعِيدَةً مِنَ الْبَذَاءِ»
١٨ ‏/ ٢٢٠
حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، «﴿تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ﴾ [القصص: ٢٥] قَالَ: أَتَتْهُ تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ مِنْهُ»
١٨ ‏/ ٢٢٠
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، «﴿فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ﴾ [القصص: ٢٥] قَالَ: وَاضِعَةً يَدَهَا عَلَى جَبِينِهَا»
١٨ ‏/ ٢٢٠
وَقَوْلُهُ: ﴿قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا﴾ [القصص: ٢٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَتِ الْمَرْأَةُ الَّتِي جَاءَتْ مُوسَى تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ: إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ: تَقُولُ: يُثِيبَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا.
١٨ ‏/ ٢٢٠
وَقَوْلُهُ: ﴿فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ﴾ [القصص: ٢٥] يَقُولُ: فَمَضَى مُوسَى مَعَهَا إِلَى أَبِيهَا، فَلَمَّا جَاءَ أَبَاهَا وَقَصَّ عَلَيْهِ قَصَصَهُ مَعَ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ مِنَ الْقِبْطِ، قَالَ لَهُ أَبُوهَا: ﴿لَا تَخَفْ﴾ [هود: ٧٠] فَقَدْ ﴿نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ [القصص: ٢٥] يَعْنِي: مِنْ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ، لِأَنَّهُ لَا سُلْطَانَ لَهُ بِأَرْضِنَا الَّتِي أَتَوْا بِهَا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ ‏/ ٢٢٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْعَبَّاسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا الْأَصْبَغُ، قَالَ: ثنا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «اسْتَنْكَرَ أَبُو الْجَارِيَتَيْنِ سُرْعَةَ ⦗٢٢١⦘ صُدُورِهِمَا بِغَنَمِهِمَا حُفَّلًا بِطَانًا، فَقَالَ: إِنَّ لَكُمَا الْيَوْمَ لَشَأْنًا». قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: أَحْسَبُهُ قَالَ: فَأَخْبَرَتَاهُ الْخَبَرَ؛ فَلَمَّا أَتَاهُ مُوسَى كَلَّمَهُ، ﴿قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ [القصص: ٢٥] لَيْسَ لِفِرْعَوْنَ وَلَا لِقَوْمِهِ عَلَيْنَا سُلْطَانٌ، وَلَسْنَا فِي مَمْلَكَتِهِ “
١٨ ‏/ ٢٢٠
حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: «لَمَّا رَجَعَتِ الْجَارِيتَانِ إِلَى أَبِيهِمَا سَرِيعًا سَأَلَهُمَا، فَأَخْبَرَتَاهُ خَبَرَ مُوسَى، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ إِحْدَاهُمَا، فَأَتَتْهُ تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ، وَهِيَ تَسْتَحْيِي مِنْهُ ﴿قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا﴾ [القصص: ٢٥] فَقَامَ مَعَهَا وَقَالَ لَهَا: امْضِي، فَمَشَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَضَرَبَتْهَا الرِّيحُ، فَنَظَرَ إِلَى عَجِيزَتِهَا، فَقَالَ لَهَا مُوسَى: امْشِي خَلْفِي، وَدُلِّينِي عَلَى الطَّرِيقِ إِنْ أَخْطَأْتُ. فَلَمَّا جَاءَ الشَّيْخَ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ ﴿قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ [القصص: ٢٥]»
١٨ ‏/ ٢٢١
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا﴾ [القصص: ٢٥] قَالَ: قَالَ مُطَرِّفٌ: «أَمَا وَاللَّهِ لَوْ كَانَ عِنْدَ نَبِيِّ اللَّهِ شَيْءٌ مَا تَتَبَّعَ مَذْقَيْهِمَا، وَلَكِنْ إِنَّمَا حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ الْجَهْدُ ﴿فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ [القصص: ٢٥]»
١٨ ‏/ ٢٢١
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: «رَجَعَتَا إِلَى أَبِيهِمَا فِي ⦗٢٢٢⦘ سَاعَةٍ كَانَتَا لَا تَرْجِعَانِ فِيهَا، فَأَنْكَرَ شَأْنَهُمَا، فَسَأَلَهُمَا فَأَخْبَرَتَاهُ الْخَبَرَ، فَقَالَ لِإِحْدَاهُمَا: عَجِّلِي عَلَيَّ بِهِ، فَأَتَتْهُ عَلَى اسْتِحْيَاءٍ فَجَاءَتْهُ، فَقَالَتْ ﴿إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا﴾ [القصص: ٢٥] فَقَامَ مَعَهَا كَمَا ذُكِرَ لِي، فَقَالَ لَهَا: امْشِي خَلْفِي، وَانْعَتِي لِيَ الطَّرِيقَ، وَأَنَا أَمْشِي أَمَامَكِ، فَإِنَّا لَا نَنْظُرُ إِلَى أَدْبَارِ النِّسَاءِ؛ فَلَمَّا جَاءَهُ أَخْبَرَهُ الْخَبَرَ، وَمَا أَخْرَجَهُ مِنْ بِلَادِهِ، فَلَمَّا ﴿قَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ [القصص: ٢٥] وَقَدْ أَخْبَرَتْ أَبَاهَا بِقَوْلِهِ إِنَّا لَا نَنْظُرُ إِلَى أَدْبَارِ النِّسَاءِ»
١٨ ‏/ ٢٢١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ، إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ﴾ [القصص: ٢٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَتْ إِحْدَى الْمَرْأَتَيْنِ اللَّتَيْنِ سَقَى لَهُمَا مُوسَى لِأَبِيهَا حِينَ أَتَاهُ مُوسَى، وَكَانَ اسْمُ إِحْدَاهُمَا صَفُّورَا، وَاسْمُ الْأُخْرَى لَيَّا، وَقِيلَ: شَرْفَا كَذَلِكَ.
١٨ ‏/ ٢٢٢
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي وَهْبُ بْنُ سُلَيْمَانَ الرَّمَادِيُّ، عَنْ شُعَيْبٍ الْجَبَئِيِّ، قَالَ: «اسْمُ الْجَارِيَتَيْنِ لَيَّا، وَصَفُّورَا، وَامْرَأَةُ مُوسَى صَفُّورَا ابْنَةُ يَثْرُونَ كَاهِنِ مَدْيَنَ، وَالْكَاهِنُ: حَبْرٌ»
١٨ ‏/ ٢٢٢
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: «إِحْدَاهُمَا صَفُّورَا ⦗٢٢٣⦘ ابْنَةُ يَثْرُونَ وَأُخْتُهَا شَرْفَا، وَيُقَالُ: لَيَّا، وَهُمَا اللَّتَانِ كَانَتَا تَذُودَانِ». وَأَمَّا أَبُوهُمَا فَفِي اسْمِهِ اخْتِلَافٌ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَ اسْمُهُ يَثْرُونَ
١٨ ‏/ ٢٢٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ، قَالَ: ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، قَالَ: «كَانَ الَّذِي اسْتَأْجَرَ مُوسَى ابْنُ أَخِي شُعَيْبٍ يَثْرُونُ»
١٨ ‏/ ٢٢٣
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، قَالَ: «الَّذِي اسْتَأْجَرَ مُوسَى يَثْرُونُ ابْنُ أَخِي شُعَيْبٍ عليه السلام» . وَقَالَ آخَرُونَ: بَلِ اسْمُهُ: يَثَرَى.
١٨ ‏/ ٢٢٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا الْعَلَاءُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «الَّذِي اسْتَأْجَرَ مُوسَى: يَثَرَى صَاحِبُ مَدْيَنَ»
١٨ ‏/ ٢٢٣
حَدَّثَنِي أَبُو الْعَالِيَةِ الْعَبْدِيُّ إِسْمَاعِيلُ بْنُ الْهَيْثَمِ، قَالَ: ثنا أَبُو قُتَيْبَةَ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «الَّذِي اسْتَأْجَرَ مُوسَى: يَثَرَى صَاحِبُ مَدْيَنَ»
١٨ ‏/ ٢٢٣
حَدَّثَنِي أَبُو الْعَالِيَةِ الْعَبْدِيُّ إِسْمَاعِيلُ بْنُ الْهَيْثَمِ، قَالَ: ثنا أَبُو قُتَيْبَةَ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «اسْمُ أَبِي الْمَرْأَةِ: يَثَرَى». ⦗٢٢٤⦘ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلِ اسْمُهُ شُعَيْبٌ، وَقَالُوا: هُوَ شُعَيْبٌ النَّبِيُّ ﷺ.
١٨ ‏/ ٢٢٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ، يَقُولُ: «يَقُولُونَ شُعَيْبٌ صَاحِبُ مُوسَى، وَلَكِنَّهُ سَيِّدُ أَهْلِ الْمَاءِ يَوْمَئِذٍ» . قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَهَذَا مِمَّا لَا يُدْرَكُ عِلْمُهُ إِلَّا بِخَبَرٍ، وَلَا خَبَرَ بِذَلِكَ تَجِبُ حُجَّتُهُ، فَلَا قَوْلَ فِي ذَلِكَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ مِمَّا قَالَهُ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ﴿وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ. . قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ﴾ تَعْنِي بِقَوْلِهَا: اسْتَأْجِرْهُ لَيَرْعَى عَلَيْكَ مَاشِيَتَكَ. ﴿إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ﴾ [القصص: ٢٦] تَقُولُ: إِنَّ خَيْرَ مَنْ تَسْتَأْجِرْهُ لِلرَّعْيِ الْقَوِيُّ عَلَى حِفْظِ مَاشِيَتِكَ وَالْقِيَامِ عَلَيْهَا فِي إِصْلَاحِهَا وَصَلَاحِهَا، الْأَمِينُ الَّذِي لَا تَخَافُ خِيَانَتَهُ فِيمَا تَأْمَنُهُ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: إِنَّهَا لَمَّا قَالَتْ ذَلِكَ لِأَبِيهَا، اسْتَنْكَرَ أَبُوهَا ذَلِكَ مِنْ وَصْفِهَا إِيَّاهُ فَقَالَ لَهَا: وَمَا عِلْمُكِ بِذَلِكَ، فَقَالَتْ: أَمَّا قُوَّتُهُ فَمَا رَأَيْتُ مِنْ عِلَاجِهِ مَا عَالَجَ عِنْدَ السَّقْيِ عَلَى الْبِئْرِ، وَأَمَّا الْأَمَانَةُ فَمَا رَأَيْتُ مِنْ غَضِّ الْبَصَرِ عَنِّي. وَبِنَحْوِ ذَلِكَ جَاءَتِ الْأَخْبَارُ عَنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ.
١٨ ‏/ ٢٢٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْأَصْبَغُ بْنُ زَيْدٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي أَيُّوبَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «﴿قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ، إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ﴾ [القصص: ٢٦] قَالَ: فَأَحْفَظَتْهُ الْغَيْرَةُ أَنْ قَالَ: وَمَا يُدْرِيكِ مَا قُوَّتُهُ وَأَمَانَتُهُ؟ قَالَتْ: أَمَا قُوَّتُهُ، فَمَا رَأَيْتُ مِنْهُ حِينَ سَقَى لَنَا، لَمْ أَرَ رَجُلًا قَطُّ أَقْوَى فِي ذَلِكَ السَّقْيِ مِنْهُ؛ وَأَمَّا أَمَانَتُهُ، فَإِنَّهُ نَظَرَ حِينَ أَقْبَلْتُ إِلَيْهِ وَشَخَصْتُ لَهُ، فَلَمَّا عَلِمَ أَنِّي امْرَأَةٌ صَوَّبَ رَأْسَهُ فَلَمْ يَرْفَعْهُ، وَلَمْ يَنْظُرْ إِلَيَّ حَتَّى بَلَّغْتُهُ رِسَالَتَكَ، ثُمَّ قَالَ: امْشِي خَلْفِي وَانْعَتِي لِيَ الطَّرِيقَ، وَلَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ إِلَّا وَهُوَ أَمِينٌ، فَسُرِّيَ عَنْ أَبِيهَا وَصَدَّقَهَا وَظَنَّ بِهِ الَّذِي قَالَتْ»
١٨ ‏/ ٢٢٥
حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ لِمُوسَى ﴿إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ﴾ [القصص: ٢٦] يَقُولُ: «أَمِينٌ فِيمَا وَلِيَ، أَمِينٌ عَلَى مَا اسْتُودِعَ»
١٨ ‏/ ٢٢٥
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: «﴿قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ، إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ﴾ [القصص: ٢٦] قَالَ: إِنَّ مُوسَى لَمَّا سَقَى لَهُمَا، وَرَأَتْ قُوَّتَهُ، وَحَرَّكَ حَجَرًا عَلَى الرَّكِيَّةِ لَمْ يَسْتَطِعْهُ ثَلَاثُونَ رَجُلًا، فَأَزَالَهُ عَنِ الرَّكِيَّةِ، وَانْطَلَقَ مَعَ الْجَارِيَةِ ⦗٢٢٦⦘ حِينَ دَعَتْهُ، فَقَالَ لَهَا: امْشِي خَلْفِي وَأَنَا أَمَامَكِ، كَرَاهِيَةَ أَنْ يَرَى شَيْئًا مِنْ خَلْفِهَا مِمَّا حَرَّمَ اللَّهُ أَنْ يُنْظَرَ إِلَيْهِ، وَكَانَ يَوْمًا فِيهِ رِيحٌ»
١٨ ‏/ ٢٢٥
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي نُعْمٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ، إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ﴾ [القصص: ٢٦] قَالَ لَهَا أَبُوهَا: مَا رَأَيْتِ مِنْ أَمَانَتِهِ؟ قَالَتْ: لَمَّا دَعَوْتُهُ مَشِيتُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَجَعَلَتِ الرِّيحُ تَضْرِبُ ثِيَابِي، فَتَلْزَقُ بِجَسَدِي، فَقَالَ: كُونِي خَلْفِي، فَإِذَا بَلَغْتُ الطَّرِيقَ فَاذْهَبِي، قَالَتْ: وَرَأَيْتُهُ يَمْلَأُ الْحَوْضَ بِسَجْلٍ وَاحِدٍ»
١٨ ‏/ ٢٢٦
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ: «﴿الْقَوِيُّ الْأَمِينُ﴾ [القصص: ٢٦] قَالَ: غَضَّ طَرْفَهُ عَنْهُمَا». قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو فِي حَدِيثِهِ: حِينَ، أَوْ حَتَّى سَقَى لَهُمَا فَصَدَرَتَا. وَقَالَ الْحَارِثُ فِي حَدِيثِهِ: حَتَّى سَقَى بِغَيْرِ شَكٍّ “
١٨ ‏/ ٢٢٦
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «فَتَحَ عَنْ بِئْرٍ حَجَرًا عَلَى فِيهَا، فَسَقَى لَهُمَا بِهَا، وَالْأَمِينُ: أَنَّهُ غَضَّ بَصَرَهُ عَنْهُمَا حِينَ سَقَى لَهُمَا فَصَدَرَتَا»
١٨ ‏/ ٢٢٦
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ، وَهَانِئُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ الْحَجَّاجِ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «﴿إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ﴾ [القصص: ٢٦] قَالَ: رَفَعَ ⦗٢٢٧⦘ حَجَرًا لَا يَرْفَعُهُ إِلَّا فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ»
١٨ ‏/ ٢٢٦
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ عَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ، فِي قَوْلِهِ «﴿الْقَوِيُّ الْأَمِينُ﴾ [القصص: ٢٦] قَالَ: كَانَ يَوْمَ رِيحٍ، فَقَالَ: لَا تَمْشِي أَمَامِي، فَيَصِفُكِ الرِّيحُ لِي، وَلَكِنِ امْشِي خَلْفِي وَدُلِّينِي عَلَى الطَّرِيقِ؛ قَالَ: فَقَالَ لَهَا: كَيْفَ عَرَفْتِ قُوَّتَهُ؟ قَالَتْ: كَانَ الْحَجَرُ لَا يُطِيقُهُ إِلَّا عَشَرَةٌ فَرَفَعَهُ وَحْدَهُ»
١٨ ‏/ ٢٢٧
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَأَةَ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ شُرَيْحٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿الْقَوِيُّ الْأَمِينُ﴾ [القصص: ٢٦] قَالَ: أَمَا قُوَّتُهُ: فَانْتَهَى إِلَى حَجَرٍ لَا يَرْفَعُهُ إِلَّا عَشْرَةٌ، فَرَفَعَهُ وَحْدَهُ. وَأَمَّا أَمَانَتُهُ: فَإِنَّهَا مَشَتْ أَمَامَهُ فَوَصَفَهَا الرِّيحُ، فَقَالَ لَهَا: امْشِي خَلْفِي وَصِفِي لِيَ الطَّرِيقَ»
١٨ ‏/ ٢٢٧
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ زَائِدَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، قَالَ: سَأَلْتُ تَمِيمَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ: «بِمَ عَرَفْتَ أَمَانَتَهُ؟ قَالَ: فِي طَرْفِهِ، بِغَضِّ طَرْفِهِ عَنْهَا»
١٨ ‏/ ٢٢٧
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿إِنَّ خَيْرَ مَنِ ⦗٢٢٨⦘ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ﴾ [القصص: ٢٦] قَالَ: الْقَوِيُّ فِي الصَّنْعَةِ، الْأَمِينُ فِيمَا وَلِيَ، قَالَ: وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ الَّذِيَ رَأَتْ مِنْ قُوَّتِهِ: أَنَّهُ لَمْ تَلْبَثْ مَاشِيَتُهَا حَتَّى أَرْوَاهَا؛ وَأَنَّ الْأَمَانَةَ الَّتِي رَأَتْ مِنْهُ أَنَّهَا حِينَ جَاءَتْ تَدَعُوهُ، قَالَ لَهَا: كُونِي وَرَائِي، وَكَرِهَ أَنْ يَسْتَدْبِرَهَا، فَذَلِكَ مَا رَأَتْ مِنْ قُوَّتِهِ وَأَمَانَتِهِ»
١٨ ‏/ ٢٢٧
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا أَبُو سُفْيَانَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: «﴿يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ، إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ﴾ [القصص: ٢٦] قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ قُوَّتَهُ كَانَتْ سُرْعَةَ مَا أَرْوَى غَنَمَهُمَا. وَبَلَغَنَا أَنَّهُ مَلَأَ الْحَوْضَ بِدَلْو وَاحِدٍ. وَأَمَّا أَمَانَتُهُ فَإِنَّهُ أَمَرَهَا أَنْ تَمْشِيَ خَلْفَهُ»
١٨ ‏/ ٢٢٨
حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: «﴿قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ، إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ﴾ [القصص: ٢٦] وَهِيَ الْجَارِيَةُ الَّتِي دَعَتْهُ، قَالَ الشَّيْخُ: هَذِهِ الْقُوَّةُ قَدْ رَأَيْتِ حِينَ اقْتَلَعَ الصَّخْرَةَ، أَرَأَيْتِ أَمَانَتَهُ، مَا يُدْرِيكِ مَا هِيَ؟ قَالَتْ: مَشَيْتُ قُدَّامَهُ فَلَمْ يُحِبَّ أَنْ يَخُونَنِي فِي نَفْسِي، فَأَمَرَنِي أَنْ أَمْشِيَ خَلْفَهُ»
١٨ ‏/ ٢٢٨
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ، إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ﴾ [القصص: ٢٦] فَقَالَ لَهَا: وَمَا عِلْمُكِ بِقُوَّتِهِ وَأَمَانَتِهِ، فَقَالَتْ: أَمَا قُوَّتُهُ فَإِنَّهُ كَشَفَ الصَّخْرَةَ الَّتِي عَلَى بِئْرِ آلِ فُلَانٍ، وَكَانَ لَا يَكْشِفُهَا دُونَ سَبْعَةِ نَفَرٍ. وَأَمَّا أَمَانَتُهُ فَإِنِّي لَمَّا جِئْتُ أَدْعُوهُ قَالَ: ⦗٢٢٩⦘ كُونِي خَلْفَ ظَهْرِي، وَأَشِيرِي لِي إِلَى مَنْزِلِكِ، فَعَرَفْتُ أَنَّ ذَلِكَ مِنْهُ أَمَانَةٌ»
١٨ ‏/ ٢٢٨
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: «قَالَتْ ﴿يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ﴾ [القصص: ٢٦] لَمَّا رَأَتْ مِنْ قُوَّتِهِ وَقَوْلِهِ لَهَا مَا قَالَ: أَنِ امْشِي خَلْفِي، لِئَلَّا يَرَى مِنْهَا شَيْئًا مِمَّا يَكْرَهُ، فَزَادَهُ ذَلِكَ فِيهِ رَغْبَةً»
١٨ ‏/ ٢٢٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿قَالَ﴾ [البقرة: ٣٠] أَبُو الْمَرْأَتَيْنِ اللَّتَيْنِ سَقَى لَهُمَا مُوسَى لِمُوسَى: ﴿إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ﴾ [القصص: ٢٧] يَعْنِي بِقَوْلِهِ: ﴿عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي﴾ [القصص: ٢٧]: عَلَى أَنْ تُثِيبَنِي مِنْ تَزْوِيجِهَا رَعْيَ مَاشِيَتِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ، مِنْ قَوْلِ النَّاسِ: آجَرَكَ اللَّهُ فَهُوَ يَأْجُرُكَ، بِمَعْنَى: أَثَابَكَ اللَّهُ؛ وَالْعَرَبُ تَقُولُ: أَجَرْتُ الْأَجِيرَ آجُرُهُ، بِمَعْنَى: أَعْطَيْتُهُ ذَلِكَ، كَمَا يُقَالُ: أَخَذْتُهُ فَأَنَا آخُذُهُ. وَحَكَى بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ أَنَّ لُغَةَ الْعَرَبِ: أَجَرْتُ غُلَامِي فَهُوَ مَأْجُورٌ، وَآجَرْتُهُ فَهُوَ مُؤْجَرٌ، يُرِيدُ: أَفْعَلْتُهُ. قَالَ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ: آجُرُهُ فَهُوَ مُؤَاجَرٌ، أَرَادَ فَاعَلْتُهُ؛ وَكَأَنَّ أَبَاهَا عِنْدِي جَعَلَ صَدَاقَ ابْنَتِهِ الَّتِي زَوَّجَهَا مُوسَى رَعْيَ مُوسَى عَلَيْهِ مَاشِيَتَهُ ثَمَانِيَ حِجَجٍ، وَالْحِجَجُ: السُّنُونُ.
١٨ ‏/ ٢٢٩
وَقَوْلُهُ: ﴿فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ﴾ [القصص: ٢٧] يَقُولُ: فَإِنْ أَتْمَمْتَ الثَّمَانِيَ ⦗٢٣٠⦘ الْحِجَجَ عَشْرًا الَّتِي شَرَطْتُهَا عَلَيْكَ بِإِنْكَاحِي إِيَّاكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ، فَجَعَلْتَهَا عَشَرَ حِجَجٍ، فَإِحْسَانٌ مِنْ عِنْدِكَ، وَلَيْسَ مِمَّا اشْتَرَطْتُهُ عَلَيْكَ بِسَبَبِ تَزْوِيجِكَ ابْنَتِي ﴿وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ﴾ [القصص: ٢٧] بِاشْتِرَاطِ الثَّمَانِيَ الْحِجَجَ عَشْرًا عَلَيْكَ ﴿سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ [القصص: ٢٧] فِي الْوَفَاءِ بِمَا قُلْتُ لَكَ.
١٨ ‏/ ٢٢٩
كَمَا: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: «﴿سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ [القصص: ٢٧] أَيْ فِي حُسْنِ الصُّحْبَةِ وَالْوَفَاءِ بِمَا قُلْتُ»
١٨ ‏/ ٢٣٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ، أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ، وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ﴾ [القصص: ٢٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿قَالَ﴾ [البقرة: ٣٠] مُوسَى لِأَبِي الْمَرْأَتَيْنِ ﴿ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ﴾ [القصص: ٢٨] أَيْ هَذَا الَّذِي قُلْتَ مِنْ أَنَّكَ تُزَوِّجُنِي إِحْدَى ابْنَتَيْكَ عَلَى أَنْ آجُرَكَ ثَمَانِيَ حِجَجٍ، وَاجِبٌ بَيْنِي وَبَيْنَكَ، عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا الْوَفَاءُ لِصَاحِبِهِ بِمَا أَوْجَبَ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ.
١٨ ‏/ ٢٣٠
وَقَوْلُهُ: ﴿أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ﴾ [القصص: ٢٨] يَقُولُ: أَيَّ الْأَجَلَيْنِ مِنَ الثَّمَانِيَ الْحِجَجِ وَالْعَشْرِ الْحِجَجِ قَضَيْتُ، يَقُولُ: فَرَغْتُ مِنْهَا فَوَفَّيْتُكَهَا رَعْيَ غَنَمِكَ وَمَاشِيَتِكَ ﴿فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ﴾ [القصص: ٢٨] يَقُولُ: فَلَيْسَ لَكَ أَنْ تَعْتَدِيَ عَلَيَّ، فَتُطَالِبَنِي بِأَكْثَرَ مِنْهُ، وَ«مَا» فِي قَوْلِهِ: ﴿أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ﴾ [القصص: ٢٨] صِلَةٌ يُوصَلُ بِهَا أَيُّ عَلَى الدَّوَامِ، ⦗٢٣١⦘ وَزَعَمَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ أَنَّ هَذَا أَكْثَرُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ مِنْ أَيٍّ، وَأَنْشَدَ قَوْلَ الشَّاعِرِ:
[البحر الطويل] وَأَيُّهُمَا مَا أَتْبَعَنَّ فَإِنَّنِي … حَرِيصٌ عَلَى إِثْرِ الَّذِي أَنَا تَابِعُ
وَقَالَ عَبَّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ:
[البحر الوافر] فَأَيِّي مَا وَأَيُّكَ كَانَ شَرًّا … فَقِيدَ إِلَى الْمَقَامَةِ لَا يَرَاهَا
١٨ ‏/ ٢٣٠
وَقَوْلُهُ: ﴿وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ﴾ [القصص: ٢٨] كَانَ ابْنُ إِسْحَاقَ يَرَى هَذَا الْقَوْلَ مِنْ أَبِي الْمَرْأَتَيْنِ.
١٨ ‏/ ٢٣١
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: «قَالَ مُوسَى ﴿ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ﴾ [القصص: ٢٨] قَالَ: نَعَمْ. ﴿وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ﴾ [القصص: ٢٨] فَزَوَّجَهُ، وَأَقَامَ مَعَهُ يَكْفِيهِ، وَيَعْمَلُ لَهُ فِي رِعَايَةِ غَنَمِهِ، وَمَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْهُ، وَزَوْجَةُ مُوسَى صَفُّورَا أَوْ أُخْتُهَا: شَرْفَا أَوْ لَيَّا»
١٨ ‏/ ٢٣١
حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، «الْجَارِيَةُ الَّتِي دَعَتْهُ هِيَ الَّتِي تَزَوَّجَ»
١٨ ‏/ ٢٣١
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، «قَالَ لَهُ ﴿إِنِّي ⦗٢٣٢⦘ أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي﴾ [القصص: ٢٧] . . إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، قَالَ: وَأَيَّتُهُمَا تُرِيدُ أَنْ تُنْكِحَنِي؟ قَالَ: الَّتِي دَعَتْكَ، قَالَ: لَا. أَلَا وَهِيَ بَرِيئَةٌ مِمَّا دَخَلَ نَفْسَكَ عَلَيْهَا، فَقَالَ: هِيَ عِنْدَكَ كَذَلِكَ، فَزَوَّجَهُ». وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي قَوْلِهِ: ﴿أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ﴾ [القصص: ٢٨] قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ ‏/ ٢٣١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: «﴿قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ﴾ [القصص: ٢٨] إِمَّا ثَمَانِيًا، وَإِمَّا عَشْرًا»
١٨ ‏/ ٢٣٢
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَسَأَلَهُ رَجُلٌ قَالَ «﴿أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ﴾ [القصص: ٢٨] قَالَ: فَقَالَ الْقَاسِمُ: مَا أُبَالِي أَيُّ ذَلِكَ كَانَ، إِنَّمَا هُوَ مَوْعِدٌ وَقَضَاءٌ»
١٨ ‏/ ٢٣٢
وَقَوْلُهُ: ﴿وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ﴾ [القصص: ٢٨] يَقُولُ: وَاللَّهُ عَلَى مَا أَوْجَبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا لِصَاحِبِهِ عَلَى نَفْسِهِ بِهَذَا الْقَوْلِ، شَهِيدٌ وَحَفِيظٌ.
١٨ ‏/ ٢٣٢
كَالَّذِي: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ﴾ [القصص: ٢٨] قَالَ: شَهِيدٌ عَلَى قَوْلِ مُوسَى وَخَتَنِهِ». وَذُكِرَ أَنَّ مُوسَى وَصَاحِبَهُ لَمَّا تَعَاقَدَا بَيْنَهُمَا هَذَا الْعَقْدَ، أَمَرَ إِحْدَى ابْنَتَيْهِ أَنْ ⦗٢٣٣⦘ تُعْطِيَ مُوسَى عَصًا مِنَ الْعِصِيِّ الَّتِي تَكُونُ مَعَ الرُّعَاةِ، فَأَعْطَتْهُ إِيَّاهُ، فَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهَا الْعَصَا الَّتِي جَعَلَهَا اللَّهُ لَهُ آيَةً. وَقَالَ بَعْضُهُمْ تِلْكَ عَصًا أَعْطَاهُ إِيَّاهَا جِبْرِيلُ عليه السلام.
١٨ ‏/ ٢٣٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: «أَمَرَ يَعْنِي أَبَا الْمَرْأَتَيْنِ إِحْدَى ابْنَتَيْهِ أَنْ تَأْتِيَهَ، يَعْنِي أَنْ تَأْتِيَ مُوسَى بِعَصًا، فَأَتَتْهُ بِعَصًا، وَكَانَتْ تِلْكَ الْعَصَا عَصًا اسْتَوْدَعَهَا إِيَّاهُ مَلَكٌ فِي صُورَةِ رَجُلٍ، فَدَفَعَهَا إِلَيْهِ، فَدَخَلَتِ الْجَارِيَةُ، فَأَخَذَتِ الْعَصَا، فَأَتَتْهُ بِهَا؛ فَلَمَّا رَآهَا الشَّيْخُ قَالَ: لَا، ائْتِيهِ بِغَيْرِهَا، فَأَلْقَتْهَا تُرِيدُ أَنْ تَأْخُذَ غَيْرَهَا، فَلَا يَقَعُ فِي يَدِهَا إِلَّا هِيَ، وَجَعَلَ يُرَدِّدُهَا، وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يَخْرُجُ فِي يَدِهَا غَيْرُهَا؛ فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ عَمَدَ إِلَيْهَا، فَأَخْرَجَهَا مَعَهُ، فَرَعَى بِهَا. ثُمَّ إِنَّ الشَّيْخَ نَدِمَ وَقَالَ: كَانَتْ وَدِيعَةً، فَخَرَجَ يَتَلَقَّى مُوسَى، فَلَمَّا لَقِيَهُ قَالَ: اعْطِنِي الْعَصَا، فَقَالَ مُوسَى: هِيَ عَصَايَ، فَأَبَى أَنْ يُعْطِيَهُ، فَاخْتَصَمَا، فَرَضِيَا أَنْ يَجْعَلَا بَيْنَهُمَا أَوَّلَ رَجُلٍ يَلْقَاهُمَا، فَأَتَاهُمَا مَلَكٌ يَمْشِي، فَقَالَ: ضَعُوهَا فِي الْأَرْضِ، فَمَنْ حَمَلَهَا فَهِيَ لَهُ، فَعَالَجَهَا الشَّيْخُ فَلَمْ يَطِقْهَا، وَأَخَذَ مُوسَى بِيَدِهِ فَرَفَعَهَا، فَتَرَكَهَا لَهُ الشَّيْخُ، فَرَعَى لَهُ عَشْرَ سِنِينَ»
١٨ ‏/ ٢٣٣
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ: «كَانَ مُوسَى أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ»
١٨ ‏/ ٢٣٣
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: «قَالَ يَعْنِي أَبَا الْجَارِيَةِ لَمَّا زَوَّجَهَا مُوسَى لِمُوسَى: ادْخُلْ ذَلِكَ الْبَيْتَ فَخُذْ عَصًا فَتَوَكَّأْ عَلَيْهَا، ⦗٢٣٤⦘ فَدَخَلَ فَلَمَّا وَقَفَ عَلَى بَابِ الْبَيْتِ، طَارَتْ إِلَيْهِ تِلْكَ الْعَصَا، فَأَخَذَهَا، فَقَالَ: ارْدُدْهَا وَخُذْ أُخْرَى مَكَانَهَا، قَالَ: فَرَدَّهَا، ثُمَّ ذَهَبَ لِيَأْخُذَ أُخْرَى، فَطَارَتْ إِلَيْهِ كَمَا هِيَ، فَقَالَ: لَا أَرُدُّهَا، فَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثًا، فَقَالَ: ارْدُدْهَا، فَقَالَ: لَا أَجِدُ غَيْرَهَا الْيَوْمَ، فَالْتَفَتَ إِلَى ابْنَتِهِ، فَقَالَ لِابْنَتِهِ: إِنَّ زَوْجَكِ لَنَبِيٌّ»
١٨ ‏/ ٢٣٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ: الَّتِي كَانَتْ آيَةً عَصًا أَعْطَاهَا مُوسَى جَبْرَائِيلُ عليه السلام: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: سَأَلْتُ عِكْرِمَةَ قَالَ: «أَمَّا عَصَا مُوسَى، فَإِنَّهَا خَرَجَ بِهَا آدَمُ مِنَ الْجَنَّةِ، ثُمَّ قَبَضَهَا بَعْدَ ذَلِكَ جَبْرَائِيلُ عليه السلام، فَلَقِيَ مُوسَى بِهَا لَيْلًا، فَدَفَعَهَا إِلَيْهِ»
١٨ ‏/ ٢٣٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا، قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ﴾ [القصص: ٢٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَلَمَّا وَفَّى مُوسَى صَاحِبَهُ الْأَجَلَ الَّذِي فَارَقَهُ عَلَيْهِ، عِنْدَ إِنْكَاحِهِ إِيَّاهُ ابْنَتَهُ، وَذَكَرَ أَنَّ الَّذِيَ وَفَّاهُ مِنَ الْأَجَلَيْنِ أَتَمُّهُمَا وَأَكْمَلُهُمَا، وَذَلِكَ الْعَشْرُ الْحِجَجُ، عَلَى أَنَّ بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ قَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: زَادَ مَعَ الْعَشْرِ عَشْرًا أُخْرَى.
١٨ ‏/ ٢٣٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ: الَّذِي قَضَى مِنْ ذَلِكَ هُوَ الْحِجَجَ الْعَشْرَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ: «أَيَّ الْأَجَلَيْنِ قَضَى مُوسَى؟ ⦗٢٣٥⦘ قَالَ: خَيْرَهُمَا وَأَوْفَاهُمَا»
١٨ ‏/ ٢٣٤
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ سُئِلَ: «أَيَّ الْأَجَلَيْنِ قَضَى مُوسَى؟ قَالَ: أَتَمَّهُمَا وَأَخْيَرَهُمَا»
١٨ ‏/ ٢٣٥
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُمَارَةَ، قَالَ: ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، قَالَ: ثنا مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَخِيهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «قَضَى مُوسَى آخِرَ الْأَجَلَيْنِ»
١٨ ‏/ ٢٣٥
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ أَبَانَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «أَيَّ الْأَجَلَيْنِ قَضَى مُوسَى؟ قَالَ: أَتَمَّهُمَا وَأَوْفَاهُمَا»
١٨ ‏/ ٢٣٥
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، قَالَ: ثني ابْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: قَالَ يَهُودِيُّ بِالْكُوفَةِ وَأَنَا أَتَجَهَّزُ لِلْحَجِّ: إِنِّي أَرَاكَ رَجُلًا تَتَتَبَّعُ الْعِلْمَ، أَخْبَرَنِي أَيَّ الْأَجَلَيْنِ قَضَى مُوسَى؟ قُلْتُ: لَا أَعْلَمُ، وَأَنَا الْآنَ قَادِمٌ عَلَى حَبْرِ الْعَرَبِ يَعْنِي ابْنَ عَبَّاسٍ، فَسَائِلُهُ عَنْ ذَلِكَ؛ فَلَمَّا قَدِمْتُ مَكَّةَ سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ ذَلِكَ وَأَخْبَرْتُهُ بِقَوْلِ الْيَهُودِيِّ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «قَضَى أَكْثَرَهُمَا وَأَطْيَبَهُمَا، إِنَّ النَّبِيَّ إِذَا وَعَدَ لَمْ يُخْلِفْ»، قَالَ سَعِيدٌ: فَقَدِمْتُ ⦗٢٣٦⦘ الْعِرَاقَ فَلَقِيتُ الْيَهُودِيَّ، فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: صَدَقَ، وَمَا أُنْزِلَ عَلَى مُوسَى هَذَا، وَاللَّهُ الْعَالِمُ “
١٨ ‏/ ٢٣٥
قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا الْأَصْبَغُ بْنُ زَيْدٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي أَيُّوبَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: سَأَلَنِي رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ النَّصْرَانِيَّةِ: أَيَّ الْأَجَلَيْنِ قَضَى مُوسَى؟ قُلْتُ: لَا أَعْلَمُ، وَأَنَا يَوْمَئِذٍ لَا أَعْلَمُ، فَلَقِيتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، فَذَكَرْتُ لَهُ الَّذِي سَأَلَنِي عَنْهُ النَّصْرَانِيُّ، فَقَالَ: «أَمَا كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ ثَمَانِيًا وَاجِبٌ عَلَيْهِ، لَمْ يَكُنْ نَبِيُّ اللَّهِ نَقَصَ مِنْهَا شَيْئًا، وَتَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ كَانَ قَاضِيًا عَنْ مُوسَى عُدَّتَهُ الَّتِي وَعْدَهُ، فَإِنَّهُ قَضَى عَشْرَ سِنِينَ»
١٨ ‏/ ٢٣٦
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ” ﴿فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ﴾ [القصص: ٢٩] قَالَ: حَدَّثَ ابْنُ عَبَّاسٍ، قَالَ: «رَعَى عَلَيْهِ نَبِيُّ اللَّهِ أَكْثَرَهَا وَأَطْيَبَهَا»
١٨ ‏/ ٢٣٦
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: “أَيُّ الْأَجَلَيْنِ قَضَى مُوسَى؟ قَالَ: «أَوْفَاهُمَا وَأَتَمَّهُمَا»
١٨ ‏/ ٢٣٦
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطُّوسِيُّ، قَالَ: ثنا الْحُمَيْدِيُّ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، قَالَ: ثني إِبْرَاهِيمُ بْنُ يَحْيَى بْنِ أَبِي يَعْقُوبَ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ أَبَانَ، ⦗٢٣٧⦘ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «سَأَلْتُ جِبْرَائِيلَ أَيَّ الْأَجَلَيْنِ قَضَى مُوسَى؟ قَالَ: أَتَمَّهُمَا وَأَكْمَلَهُمَا»
١٨ ‏/ ٢٣٦
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ مُجَاهِدٌ: إِنَّ النَّبِيَّ ﷺ سَأَلَ جِبْرَائِيلَ: «أَيَّ الْأَجَلَيْنِ قَضَى مُوسَى؟ قَالَ سَوْفَ أَسْأَلُ إِسْرَافِيلَ، فَسَأَلَهُ فَقَالَ: سَوْفَ أَسْأَلُ اللَّهَ تبارك وتعالى، فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: أَبَرَّهُمَا وَأَوْفَاهُمَا»
١٨ ‏/ ٢٣٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ: قَضَى الْعَشْرَ الْحِجَجَ وَزَادَ عَلَى الْعَشْرِ عَشْرًا أُخْرَى: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ: «﴿فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ﴾ [القصص: ٢٩] قَالَ: عَشْرَ سِنِينَ، ثُمَّ مَكَثَ بَعْدَ ذَلِكَ عَشْرًا أُخْرَى»
١٨ ‏/ ٢٣٧
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ﴾ [القصص: ٢٩] عَشْرَ سِنِينَ، ثُمَّ مَكَثَ بَعْدَ ذَلِكَ عَشْرًا أُخْرَى»
١٨ ‏/ ٢٣٧
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: ثنا أَنَسٌ، قَالَ: «لَمَّا دَعَا نَبِيَّ اللَّهِ مُوسَى صَاحِبُهُ إِلَى الْأَجَلِ الَّذِي كَانَ بَيْنَهُمَا، قَالَ لَهُ ⦗٢٣٨⦘ صَاحِبُهُ: كُلُّ شَاةٍ وَلَدَتْ عَلَى غَيْرِ لَوْنِهَا فَلَكَ وَلَدُهَا، فَعَمَدَ، فَرَفَعَ خَيَالًا عَلَى الْمَاءِ، فَلَمَّا رَأَتِ الْخَيَالَ، فَزِعَتْ، فَجَالَتْ جَوْلَةً فَوَلَدْنَ كُلُّهُنَّ بُلْقًا، إِلَّا شَاةً وَاحِدَةً، فَذَهَبَ بِأَوْلَادِهِنَّ ذَلِكَ الْعَامَ»
١٨ ‏/ ٢٣٧
وَقَوْلُهُ: ﴿وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا﴾ [القصص: ٢٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ﴾ [القصص: ٢٩] شَاخِصًا بِهِمْ إِلَى مَنْزِلِهِ مِنْ مِصْرَ ﴿آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ﴾ [القصص: ٢٩] يَعْنِي بِقَوْلِهِ: آنَسَ: أَبْصَرَ وَأَحَسَّ، كَمَا قَالَ الْعَجَّاجُ:
[البحر الرجز] آنَسَ خِرْبَانَ فَضَاءٍ فَانْكَدَرْ … دَانَى جَنَاحَيْهِ مِنَ الطُّورِ فَمَرْ
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ. وَقَدْ ذَكَرْنَا الرِّوَايَةَ بِذَلِكَ فِيمَا مَضَى قَبْلُ، غَيْرَ أَنَّا نَذْكُرُ هَا هُنَا بَعْضَ مَا لَمْ نَذْكُرْ قَبْلُ.
١٨ ‏/ ٢٣٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا﴾ [القصص: ٢٩]: أَيْ أَحْسَسْتُ نَارًا». وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الطُّورِ فِيمَا مَضَى بِشَوَاهِدِهِ، وَمَا فِيهِ مِنَ الرِّوَايَةَ عَنْ أَهْلِ ⦗٢٣٩⦘ التَّأْوِيلِ.
١٨ ‏/ ٢٣٨
وَقَوْلُهُ: ﴿لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا﴾ [طه: ١٠] يَقُولُ: قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ: تَمَهَّلُوا وَانْتَظِرُوا: إِنِّي أَبْصَرْتُ نَارًا ﴿لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا﴾ [طه: ١٠] يَعْنِي مِنَ النَّارِ ﴿بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ﴾ [القصص: ٢٩] يَقُولُ: أَوْ آتِيكُمْ بِقِطْعَةٍ غَلِيظَةٍ مِنَ الْحَطَبِ فِيهَا النَّارُ، وَهِيَ مِثْلُ الْجِذْمَةِ مِنْ أَصْلِ الشَّجَرَةِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ ابْنِ مُقْبِلٍ:
[البحر البسيط] بَاتَتْ حَوَاطِبُ لَيْلَى يَلْتَمِسْنَ لَهَا … جَزْلَ الْجَذَا غَيْرَ خَوَّارٍ وَلَا دَعِرِ
وَفِي الْجَذْوَةِ لُغَاتٌ لِلْعَرَبِ ثَلَاثٌ: (جِذْوَةٍ) بِكَسْرِ الْجِيمِ، وَبِهَا قَرَأَتْ قُرَّاءُ الْحِجَازِ وَالْبَصْرَةُ وَبَعْضُ أَهْلِ الْكُوفَةِ، وَهِيَ أَشْهُرُ اللُّغَاتِ الثَّلَاثِ فِيهَا: ﴿وَجَذْوَةٍ﴾ بِفَتْحِ الْجِيمِ، وَبِهَا قَرَأَ أَيْضًا بَعْضُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ. وَهَذِهِ اللُّغَاتُ الثَّلَاثُ وَإِنْ كُنَّ مَشْهُورَاتٍ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، فَالْقِرَاءَةُ بِأَشْهَرِهَا أَعْجَبُ إِلَيَّ، وَإِنَّ لَمْ أُنْكِرْ قِرَاءَةَ مَنْ قَرَأَ بِغَيْرِ الْأَشْهُرِ مِنْهُنَّ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي مَعْنَى الْجَذْوَةِ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ ‏/ ٢٣٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ «﴿أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ﴾ [القصص: ٢٩] يَقُولُ شِهَابٌ»
١٨ ‏/ ٢٣٩
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿أَوْ جَذْوَةٍ﴾ [القصص: ٢٩] وَالْجِذْوَةُ: أَصْلُ شَجَرَةٍ فِيهَا نَارٌ»
١٨ ‏/ ٢٤٠
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا أَبُو سُفْيَانَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ «﴿إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ﴾ [القصص: ٢٩] قَالَ: أَصْلُ الشَّجَرَةِ فِي طَرْفِهَا النَّارُ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ ﴿أَوْ جَذْوَةٍ﴾ [القصص: ٢٩] قَالَ: السَّعْفُ فِيهِ النَّارُ»
١٨ ‏/ ٢٤٠
قَالَ مَعْمَرٌ، وَقَالَ قَتَادَةُ: «﴿أَوْ جَذْوَةٍ﴾ [القصص: ٢٩]: أَوْ شُعْلَةٍ مِنَ النَّارِ»
١٨ ‏/ ٢٤٠
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ «﴿أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ﴾ [القصص: ٢٩] قَالَ: أَصْلُ شَجَرَةٍ»
١٨ ‏/ ٢٤٠
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «﴿أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ﴾ [القصص: ٢٩] قَالَ: أَصْلُ شَجَرَةٍ»
١٨ ‏/ ٢٤٠
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ «﴿أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ﴾ [القصص: ٢٩] قَالَ: الْجَذْوَةُ: الْعُودُ مِنَ الْحَطَبِ الَّذِي فِيهِ النَّارُ، ذَلِكَ الْجَذْوَةُ»
١٨ ‏/ ٢٤٠
وَقَوْلُهُ: ﴿لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ﴾ [النمل: ٧] يَقُولُ: لَعَلَّكُمْ تَسْخَنُونَ بِهَا مِنَ الْبَرْدِ، وَكَانَ فِي شِتَاءٍ.
١٨ ‏/ ٢٤١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَلَمَّا أَتَى مُوسَى النَّارَ الَّتِي ﴿آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ﴾ [القصص: ٢٩] ﴿نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ﴾ يَعْنِي بِالشَّاطِئِ: الشَّطَّ، وَهُوَ جَانِبُ الْوَادِي وَعَدْوَتُهُ، وَالشَّاطِئُ يُجْمَعُ شَوَاطِئُ وَشُطْآنُ. وَالشَّطُّ: الشُّطُوطُ. وَالْأَيْمَنُ: نَعْتٌ مِنَ الشَّاطِئِ عَنْ يَمِينِ مُوسَى. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ ‏/ ٢٤١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ «﴿مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ﴾ قَالَ ابْنُ عَمْرِو فِي حَدِيثِهِ عِنْدَ الطُّورِ. وَقَالَ الْحَارِثُ فِي حَدِيثِهِ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِي الْأَيْمَنِ عِنْدَ الطُّورِ عَنْ يَمِينِ مُوسَى»
١٨ ‏/ ٢٤١
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «﴿فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ﴾ قَالَ: شِقُّ الْوَادِي عَنْ ⦗٢٤٢⦘ يَمِينِ مُوسَى عِنْدَ الطُّورِ»
١٨ ‏/ ٢٤١
وَقَوْلُهُ: ﴿فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ﴾ [القصص: ٣٠] مِنْ صِلَةِ الشَّاطِئِ. وَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ: فَلَمَّا أَتَاهَا نَادَى اللَّهُ مُوسَى مِنْ شَاطِئِ الْوَادِي الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنْهُ مِنَ الشَّجَرَةِ: ﴿أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ [القصص: ٣٠] . وَقِيلَ: إِنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ ﴿مِنَ الشَّجَرَةِ﴾ [القصص: ٣٠]: عِنْدَ الشَّجَرَةِ.
١٨ ‏/ ٢٤٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ «﴿فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ﴾ قَالَ: نُودِيَ مِنْ عِنْدِ الشَّجَرَةِ ﴿أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ [القصص: ٣٠]». وَقِيلَ: إِنَّ الشَّجَرَةَ الَّتِي نَادَى مُوسَى مِنْهَا رَبُّهُ: شَجَرَةُ عَوْسَجٍ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ كَانَتْ شَجَرَةُ الْعَلِيقِ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:
١٨ ‏/ ٢٤٢
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني أَبُو سُفْيَانَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ «﴿الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ﴾ [القصص: ٣٠] قَالَ: الشَّجَرَةُ عَوْسَجٌ»
١٨ ‏/ ٢٤٢
قَالَ مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ: «عَصَا مُوسَى مِنَ الْعَوْسَجِ؛ وَالشَّجَرَةُ مِنَ الْعَوْسَجِ»
١٨ ‏/ ٢٤٢
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ بَعْضِ مَنْ ⦗٢٤٣⦘ لَا يُتَّهَمُ، عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ، «﴿إِنِّي آنَسْتُ نَارًا﴾ [طه: ١٠] قَالَ: خَرَجَ نَحْوَهَا، فَإِذَا هِيَ شَجَرَةٌ مِنَ الْعَلِيقِ، وَبَعْضُ أَهْلِ الْكِتَابِ يَقُولُ: هِيَ عَوْسَجَةٌ»
١٨ ‏/ ٢٤٢
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: «رَأَيْتُ الشَّجَرَةَ الَّتِي نُودِيَ مِنْهَا مُوسَى عليه السلام، شَجَرَةٌ سَمْرَاءُ خَضْرَاءُ تَرِفُّ»
١٨ ‏/ ٢٤٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ، فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ، يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ، إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ. اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ، وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ، فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ، إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ﴾ [القصص: ٣٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: نُودِيَ مُوسَى: ﴿أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ. وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ﴾ [القصص: ٣٠] فَأَلْقَاهَا مُوسَى، فَصَارَتْ حَيَّةً تَسْعَى ﴿فَلَمَّا رَآهَا﴾ [النمل: ١٠] مُوسَى ﴿تَهْتَزُّ﴾ [النمل: ١٠] يَقُولُ: تَتَحَرَّكُ وَتَضْطَرِبُ. ﴿كَأَنَّهَا جَانٌّ﴾ [النمل: ١٠] وَالْجَانُّ: وَاحِدُ الْجِنَّانِ، وَهِيَ نَوْعٌ مَعْرُوفٌ مِنْ أَنْوَاعِ الْحَيَّاتِ، وَهِيَ مِنْهَا عِظَامٌ. وَمَعْنَى الْكَلَامِ: كَأَنَّهَا جَانٌّ مِنَ الْحَيَّاتِ. ﴿وَلَّى مُدْبِرًا﴾ [النمل: ١٠] يَقُولُ: وَلَّى مُوسَى هَارِبًا مِنْهَا.
١٨ ‏/ ٢٤٣
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿وَلَّى ⦗٢٤٤⦘ مُدْبِرًا﴾ [النمل: ١٠] فَارًّا مِنْهَا. ﴿وَلَمْ يُعَقِّبْ﴾ [القصص: ٣١] يَقُولُ: وَلَمْ يَرْجِعْ عَلَى عَقِبِهِ». وَقَدْ ذَكَرْنَا الرِّوَايَةَ فِي ذَلِكَ، وَمَا قَالَهُ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِيمَا مَضَى، فَكَرِهْنَا إِعَادَتَهُ، غَيْرَ أَنَّا نَذْكُرُ فِي ذَلِكَ بَعْضَ مَا لَمْ نَذْكُرْهُ هُنَالِكَ.
١٨ ‏/ ٢٤٣
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿وَلَمْ يُعَقِّبَ﴾ [النمل: ١٠] يَقُولُ: وَلَمْ يُعَقِّبَ، أَيْ لَمْ يَلْتَفِتْ مِنَ الْفَرَقِ»
١٨ ‏/ ٢٤٤
حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، «﴿وَلَمْ يُعَقِّبَ﴾ [النمل: ١٠] يَقُولُ: لَمْ يَنْتَظِرْ»
١٨ ‏/ ٢٤٤
وَقَوْلُهُ: ﴿يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ﴾ [القصص: ٣١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَنُودِيَ مُوسَى: يَا مُوسَى أَقْبِلْ إِلَيَّ وَلَا تَخَفْ مِنَ الَّذِي تَهْرَبُ مِنْهُ. ﴿إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ﴾ [القصص: ٣١] مِنْ أَنْ يَضُرَّكَ، إِنَّمَا هُوَ عَصَاكَ.
١٨ ‏/ ٢٤٤
وَقَوْلُهُ: ﴿اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ﴾ [القصص: ٣٢] يَقُولُ: أَدْخِلْ يَدَكَ. وَفِيهِ لُغَتَانِ: سَلَكْتَهُ، وَأَسْلَكْتَهُ ﴿فِي جَيْبِكَ﴾ [النمل: ١٢] يَقُولُ: فِي جَيْبِ قَمِيصِكَ.
١٨ ‏/ ٢٤٤
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ﴾ [القصص: ٣٢]: أَيْ فِي جَيْبِ قَمِيصِكَ». وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى السَّبَبَ الَّذِي مِنْ أَجَلِهِ أُمِرَ أَنْ يُدْخِلَ يَدَهُ فِي ⦗٢٤٥⦘ الْجَيْبِ دُونَ الْكُمِّ.
١٨ ‏/ ٢٤٤
وَقَوْلُهُ: ﴿تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ﴾ [طه: ٢٢] يَقُولُ: تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ بَرَصٍ.
١٨ ‏/ ٢٤٥
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا ابْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: «﴿اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ﴾ [القصص: ٣٢] قَالَ: فَخَرَجَتْ كَأَنَّهَا الْمِصْبَاحُ، فَأَيْقَنَ مُوسَى أَنَّهُ لَقِيَ رَبَّهُ»
١٨ ‏/ ٢٤٥
وَقَوْلُهُ: ﴿وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ﴾ [القصص: ٣٢] يَقُولُ: وَاضْمُمْ إِلَيْكَ يَدَكَ.
١٨ ‏/ ٢٤٥
كَمَا: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «﴿وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ﴾ [القصص: ٣٢] قَالَ: يَدَكَ»
١٨ ‏/ ٢٤٥
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «﴿وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ﴾ [القصص: ٣٢] قَالَ: وَجَنَاحَاهُ: الذِّرَاعُ. وَالْعَضِدُ: هُوَ الْجَنَاحُ. وَالْكَفُّ: الْيَدُ، ﴿وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ﴾ [طه: ٢٢]»
١٨ ‏/ ٢٤٥
وَقَوْلُهُ: ﴿مِنَ الرَّهْبِ﴾ [القصص: ٣٢] يَقُولُ: مِنَ الْخَوْفِ وَالْفَرَقُ الَّذِي قَدْ نَالَكَ مِنْ مُعَايَنَتِكَ مَا عَايَنْتَ مِنْ هَوْلِ الْحَيَّةِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٨ ‏/ ٢٤٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي ⦗٢٤٦⦘ الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ «﴿مِنَ الرَّهْبِ﴾ [القصص: ٣٢] قَالَ: الْفَرَقُ». حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٨ ‏/ ٢٤٥
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ﴾ [القصص: ٣٢]: أَيْ مِنَ الرُّعْبِ»
١٨ ‏/ ٢٤٦
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ «﴿مِنَ الرَّهْبِ﴾ [القصص: ٣٢] قَالَ: مِمَّا دَخَلَهُ مِنَ الْفَرَقِ مِنَ الْحَيَّةِ وَالْخَوْفِ، وَقَالَ: ذَلِكَ الرَّهْبُ، وَقَرَأَ قَوْلَ اللَّهِ ﴿يَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا﴾ [الأنبياء: ٩٠] قَالَ: خَوْفًا وَطَمَعًا». وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْحِجَازِ وَالْبَصْرَةِ: (مِنَ الرَّهَبِ)، بِفَتْحِ الرَّاءِ وَالْهَاءِ. وَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ: (مِنَ الرُّهْبِ)، بِضَمِّ الرَّاءِ وَتَسْكِينِ الْهَاءِ، وَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مُتَّفِقَتَا الْمَعْنَى مَشْهُورَتَانِ فِي قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ.
١٨ ‏/ ٢٤٦
وَقَوْلُهُ: ﴿فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكِ﴾ [القصص: ٣٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَهَذَانِ اللَّذَانِ ⦗٢٤٧⦘ أَرَيْتُكَهُمَا يَا مُوسَى مِنْ تَحَوُّلِ الْعَصَا حَيَّةً، وَيَدُكَ وَهِيَ سَمْرَاءُ بَيْضَاءَ تَلْمَعُ مِنْ غَيْرِ بَرَصٍ، بُرْهَانَانِ: يَقُولُ: آيَتَانِ وَحُجَّتَانِ وَأَصْلُ الْبُرْهَانِ: الْبَيَانُ، يُقَالُ لِلرَّجُلِ يَقُولُ الْقَوْلَ إِذَا سُئِلَ الْحِجَّةَ عَلَيْهِ: هَاتِ بُرْهَانَكَ عَلَى مَا تَقُولُ: أَيْ هَاتِ تِبْيَانَ ذَلِكَ وَمِصْدَاقَهُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ ‏/ ٢٤٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، «﴿فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ﴾ [القصص: ٣٢] الْعَصَا وَالْيَدُ آيَتَانِ»
١٨ ‏/ ٢٤٧
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ «﴿فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكِ﴾ [القصص: ٣٢] تِبْيَانَانِ مِنْ رَبِّكَ»
١٨ ‏/ ٢٤٧
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، «﴿فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ﴾ [القصص: ٣٢] هَذَانِ بُرْهَانَانِ»
١٨ ‏/ ٢٤٧
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ «﴿فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ﴾ [القصص: ٣٢] فَقَرَأَ: ﴿هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ﴾ [القصص: ٧٥]، عَلَى ذَلِكَ آيَةً نَعْرِفُهَا، وَقَالَ: بُرْهَانَانِ: آيَتَانِ مِنَ اللَّهِ». وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿فَذَانِكَ﴾ [القصص: ٣٢] فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ، سِوَى ابْنِ كَثِيرٍ وَأَبِي عَمْرٍو: ﴿فَذَانِكَ﴾ [القصص: ٣٢] بِتَخْفِيفِ النُّونِ، لِأَنَّهَا نُونُ الِاثْنَيْنِ، وَقَرَأَهُ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو: (فَذَانِّكَ) بِتَشْدِيدِ النُّونِ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي وَجْهِ تَشْدِيدِهَا، فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ: ثَقَّلَ النُّونَ مَنْ ثَقَّلَهَا لِلتَّوْكِيدِ، كَمَا أَدْخَلُوا اللَّامَ فِي ذَلِكَ. وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ: شُدِّدَتْ فَرْقًا بَيْنَهَا وَبَيْنَ النُّونِ الَّتِي تَسْقُطُ لِلْإِضَافَةِ، لِأَنَّ هَاتَانِ وَهَذَانِ لَا تُضَافُ. وَقَالَ آخَرُ مِنْهُمْ: هُوَ مِنْ لُغَةِ مَنْ قَالَ: هَذَا آقَالَ ذَلِكَ، فَزَادَ عَلَى الْأَلِفِ أَلِفًا، كَذَا زَادَ عَلَى النُّونِ نُونًا لِيَفْصِلَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْأَسْمَاءِ الْمُتَمَكِّنَةِ، وَقَالَ فِي ذَانِكَ إِنَّمَا كَانَتْ ذَلِكَ فِيمَنْ قَالَ: هَذَانِ يَا هَذَا، فَكَرِهُوا تَثْنِيَةَ الْإِضَافَةِ فَأَعْقَبُوهَا بِاللَّامِ، لِأَنَّ الْإِضَافَةَ تَعَقُّبٌ بِاللَّامِ. وَكَانَ أَبُو عَمْرٍو يَقُولُ: ⦗٢٤٩⦘ التَّشْدِيدُ فِي النُّونِ فِي ﴿ذَانِكَ﴾ مِنْ لُغَةِ قُرَيْشٍ.
١٨ ‏/ ٢٤٨
﴿إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ﴾ [الأعراف: ١٠٣] يَقُولُ: إِلَى فِرْعَوْنَ وَأَشْرَافِ قَوْمِهِ، حُجَّةً عَلَيْهِمْ، وَدِلَالَةً عَلَى حَقِيقَةِ نُبُوَّتِكَ يَا مُوسَى.
١٨ ‏/ ٢٤٩
﴿إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ﴾ [النمل: ١٢] يَقُولُ: إِنَّ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ كَانُوا قَوْمًا كَافِرِينَ.
١٨ ‏/ ٢٤٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ. وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا، فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي، إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ﴾ [القصص: ٣٤] يقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ مُوسَى: رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ نَفْسًا، فَأَخَافُ إِنْ أَتَيْتُهُمْ فَلَمْ أَبِنْ عَنْ نَفْسِي بِحُجَّةٍ أَنْ يَقْتُلُونِ، لِأَنَّ فِي لِسَانِي عُقْدَةً، وَلَا أُبِينُ مَعَهَا مَا أُرِيدُ مِنَ الْكَلَامِ.
١٨ ‏/ ٢٤٩
﴿وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا﴾ [القصص: ٣٤] يَقُولُ: أَحْسَنُ بَيَانًا عَمَّا يُرِيدُ أَنْ يُبَيِّنَهُ.
١٨ ‏/ ٢٤٩
﴿فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا﴾ [القصص: ٣٤] يَقُولُ: عَوْنًا. يُصَدِّقُنِي: أَيْ يُبَيِّنُ لَهُمْ عَنِّي مَا أُخَاطِبُهُمْ بِهِ
١٨ ‏/ ٢٤٩
كَمَا: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، «﴿وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا، فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي﴾ [القصص: ٣٤]: أَيْ يُبَيِّنُ لَهُمْ عَنِّي مَا أُكَلِّمُهُمْ بِهِ، فَإِنَّهُ يَفْهَمُ مَا لَا يَفْهَمُونَ». وَقِيلَ: إِنَّمَا سَأَلَ مُوسَى رَبَّهُ يُؤَيِّدُهُ بِأَخِيهِ، لِأَنَّ الِاثْنَيْنِ إِذَا اجْتَمَعَا عَلَى الْخَيْرِ، كَانَتِ النَّفْسُ إِلَى تَصْدِيقِهِمَا أَسْكَنَ مِنْهَا إِلَى تَصْدِيقِ خَبَرِ الْوَاحِدِ.
١٨ ‏/ ٢٤٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ «﴿فَأَرْسِلْهُ ⦗٢٥٠⦘ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي﴾ [القصص: ٣٤] لِأَنَّ الِاثْنَيْنِ أَحْرَى أَنْ يُصَدَّقَا مِنْ وَاحِدٍ». وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ ‏/ ٢٤٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ «﴿فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي﴾ [القصص: ٣٤] قَالَ عَوْنًا». حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٨ ‏/ ٢٥٠
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ «﴿رِدْءًا يُصَدِّقُنِي﴾ [القصص: ٣٤]: أَيْ عَوْنًا». وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: كَيْمَا يُصَدِّقَنِي.
١٨ ‏/ ٢٥٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، «﴿رِدْءًا يُصَدِّقُنِي﴾ [القصص: ٣٤] يَقُولُ: كَيْ يُصَدِّقَنِي»
١٨ ‏/ ٢٥٠
حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، «﴿فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي﴾ [القصص: ٣٤] يَقُولُ: كَيْمَا يُصَدِّقَنِي»
١٨ ‏/ ٢٥١
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «﴿رِدْءًا يُصَدِّقُنِي﴾ [القصص: ٣٤] يَقُولُ: كَيْمَا يُصَدِّقَنِي». وَالرِّدْءُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ: هُوَ الْعَوْنُ، يُقَالُ مِنْهُ: قَدْ أَرْدَأْتُ فُلَانًا عَلَى أَمْرِهِ: أَيْ أَكْفَيْتُهُ وَأَعَنْتُهُ. وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿يُصَدِّقُنِي﴾ [القصص: ٣٤] فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْحِجَازِ وَالْبَصْرَةِ: (رِدْءًا يُصَدِّقْنِي) بِجَزْمِ ﴿يُصَدِّقُنِي﴾ [القصص: ٣٤] . وَقَرَأَ عَاصِمٌ وَحَمْزَةُ: ﴿يُصَدِّقُنِي﴾ [القصص: ٣٤]، بِرَفْعِهِ، فَمَنْ رَفَعَهُ جَعَلَهُ صِلَةً لِلرِّدْءِ، بِمَعْنَى: فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا مِنْ صِفَتِهِ يُصَدِّقُنِي؛ وَمَنْ جَزَمَهُ جَعَلَهُ جَوَابًا لِقَوْلِهِ فَأَرْسِلْهُ، فَإِنَّكَ إِذَا أَرْسَلْتَهُ صَدَّقَنِي، عَلَى وَجْهِ الْخَبَرِ. وَالرَّفْعُ فِي ذَلِكَ أَحَبُّ الْقِرَاءَتَيْنِ إِلَيَّ، لِأَنَّهُ مَسْأَلَةٌ مِنْ مُوسَى رَبَّهُ أَنْ يُرْسِلَ أَخَاهُ عَوْنًا لَهُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ.
١٨ ‏/ ٢٥١
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكْذِبُونِ﴾ [الشعراء: ١٢] يَقُولُ: إِنِّي أَخَافُ أَنْ لَا يُصَدِّقُونِ عَلَى قُولِي لَهُمْ إِنِّي أُرْسِلْتُ إِلَيْكُمْ.
١٨ ‏/ ٢٥١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكِ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا، بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ﴾ [القصص: ٣٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ اللَّهُ لِمُوسَى ﴿سَنَشُدُّ عَضُدَكَ﴾ [القصص: ٣٥]؛ أَيْ نُقَوِّيكَ ⦗٢٥٢⦘ وَنُعِينُكَ بِأَخِيكَ. تَقُولُ الْعَرَبُ إِذَا أَعَزَّ رَجُلٌ رَجُلًا، وَأَعَانَهُ وَمَنْعَهُ مِمَّنْ أَرَادَهُ بِظُلْمٍ: قَدْ شَدَّ فُلَانٌ عَلَى عَضُدِ فُلَانٍ، وَهُوَ مَنْ عَاضَدَهُ عَلَى أَمْرِهِ: إِذَا أَعَانَهُ، وَمِنْهُ قَوْلُ ابْنِ مُقْبِلٍ:
[البحر البسيط] عَاضَدْتُهَا بِعَتُودٍ غَيْرِ مُعْتَلَثٍ … كَأَنَّهُ وَقْفُ عَاجٍ بَاتَ مَكْنُونَا
يَعْنِي بِذَلِكَ: قَوْسًا عَاضَدَهَا بِسَهْمٍ. وَفِي الْعَضُدِ لُغَاتٌ أَرْبَعٌ: أَجْوَدُهَا: الْعَضُدُ، ثُمَّ الْعَضْدُ، ثُمَّ الْعُضُدُ وَالْعُضْدُ. يُجْمَعُ جَمِيعُ ذَلِكَ عَلَى أَعْضَادٍ.
١٨ ‏/ ٢٥١
وَقَوْلُهُ: ﴿وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا﴾ [القصص: ٣٥] يَقُولُ: وَنَجْعَلُ لَكُمَا حَجَّةً.
١٨ ‏/ ٢٥٢
كَمَا: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ «﴿لَكُمَا سُلْطَانًا﴾ [القصص: ٣٥] حَجَّةً». حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٨ ‏/ ٢٥٢
حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، «﴿وَنَجْعَلُ ⦗٢٥٣⦘ لَكُمَا سُلْطَانًا﴾ [القصص: ٣٥] وَالسُّلْطَانُ: الْحِجَّةُ»
١٨ ‏/ ٢٥٢
وَقَوْلُهُ: ﴿فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا﴾ [القصص: ٣٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَلَا يَصِلُ إِلَيْكُمَا فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ بِسُوءٍ.
١٨ ‏/ ٢٥٣
وَقَوْلُهُ: ﴿بِآيَاتِنَا﴾ [البقرة: ٣٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا﴾ [القصص: ٣٥] فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ ﴿بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ﴾ [القصص: ٣٥] فَالْبَاءُ فِي قَوْلِهِ بِآيَاتِنَا مِنْ صِلَةِ غَالِبُونَ. وَمَعْنَى الْكَلَامِ: أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ بِآيَاتِنَا أَيْ بِحُجَّتِنَا وَسُلْطَانِنَا الَّذِي نَجْعَلُهُ لَكُمَا.
١٨ ‏/ ٢٥٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَلَمَّا جَاءَهُمْ مُوسَى بِآيَاتِنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُفْتَرًى وَمَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ﴾ [القصص: ٣٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَلَمَّا جَاءَ مُوسَى فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ بِأَدِلَّتِنَا وَحُجَجِنَا بَيِّنَاتٍ أَنَّهَا حُجَجٌ شَاهِدَةٌ بِحَقِيقَةِ مَا جَاءَ بِهِ مُوسَى مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ، قَالُوا لِمُوسَى: مَا هَذَا الَّذِي جِئْتَنَا بِهِ إِلَّا سِحْرًا افْتَرَيْتَهُ مِنْ قِبَلِكَ وَتَخَرَّصْتَهُ كَذِبًا وَبَاطِلًا ﴿وَمَا سَمِعْنَا بِهَذَا﴾ [القصص: ٣٦] الَّذِي تَدْعُونَا إِلَيْهِ مِنْ عِبَادَةِ مَنْ تَدْعُونَا إِلَى عِبَادَتِهِ فِي أَسْلَافِنَا وَآبَائِنَا الْأَوَّلِينَ الَّذِينَ مَضَوْا قَبْلَنَا.
١٨ ‏/ ٢٥٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَقَالَ مُوسَى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جَاءَ بِالْهُدَى مِنْ عِنْدِهِ وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ، إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ﴾ [القصص: ٣٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَقَالَ مُوسَى﴾ [الأعراف: ١٠٤] مُجِيبًا لِفِرْعَوْنَ: ﴿رَبِّي أَعْلَمُ﴾ [الكهف: ٢٢] بِالْمُحِقِّ مِنَّا يَا فِرْعَوْنُ مِنَ الْمُبْطِلِ، وَمَنِ الَّذِي جَاءَ بِالرَّشَادِ إِلَى سَبِيلِ الصَّوَابِ وَالْبَيَانِ عَنْ وَاضِحِ الْحُجَّةِ مِنْ عِنْدِهِ، وَمَنِ الَّذِي لَهُ الْعُقْبَى الْمَحْمُودَةُ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ مِنَّا. وَهَذِهِ مُعَارَضَةٌ مِنْ نَبِيِّ
١٨ ‏/ ٢٥٣
اللَّهِ مُوسَى عليه السلام لِفِرْعَوْنَ، وَجَمِيلُ مُخَاطَبَةٍ، إِذْ تَرَكَ أَنْ يَقُولَ لَهُ: بَلِ الَّذِي غَرَّ قَوْمَهُ وَأَهْلَكَ جُنُودَهُ، وَأَضَلَّ أَتْبَاعَهُ أَنْتَ لَا أَنَا، وَلَكِنَّهُ قَالَ: ﴿رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جَاءَ بِالْهُدَى مِنْ عِنْدِهِ، وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ﴾ [القصص: ٣٧] ثُمَّ بَالَغَ فِي ذَمِّ عَدُوِّ اللَّهِ بِأَجْمَلَ مِنَ الْخَطَّابِ فَقَالَ: ﴿إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ﴾ [الأنعام: ٢١] يَقُولُ: إِنَّهُ لَا يَنْجَحُ وَلَا يُدْرِكَ طِلْبَتَهُمُ الْكَافِرُونَ بِاللَّهِ تَعَالَى، يَعْنِي بِذَلِكَ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ وَلَا يَنْجَحُ لِكُفْرِهِ بِهِ.
١٨ ‏/ ٢٥٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي، فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ، فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ﴾ [القصص: ٣٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَقَالَ فِرْعَوْنُ لِأَشْرَافِ قَوْمِهِ وَسَادَتِهِمْ: ﴿يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي﴾ [القصص: ٣٨] فَتَعْبُدُوهُ، وَتُصَدِّقُوا قَوْلَ مُوسَى فِيمَا جَاءَكُمْ بِهِ مِنْ أَنَّ لَكُمْ وَلَهُ رَبًّا غَيْرِي وَمَعْبُودًا سِوَايَ. ﴿فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ﴾ [القصص: ٣٨] يَقُولُ: فَاعْمَلْ لِي آجُرًّا، وَذُكِرَ أَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ طَبَخَ الْآجُرَّ وَبَنَى بِهِ.
١٨ ‏/ ٢٥٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ﴾ [القصص: ٣٨] قَالَ: عَلَى الْمَدَرِ يَكُونُ لَبِنًا مَطْبُوخًا»
١٨ ‏/ ٢٥٤
قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: «أَوَّلُ مَنْ أَمَرَ بِصَنْعَةِ الْآجُرِّ وَبَنَى بِهِ فِرْعَوْنُ»
١٨ ‏/ ٢٥٥
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ﴾ [القصص: ٣٨] قَالَ: فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ طَبَخَ الْآجُرَّ يَبْنِي بِهِ الصَّرْحَ»
١٨ ‏/ ٢٥٥
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ: «﴿فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ﴾ [القصص: ٣٨] قَالَ: الْمَطْبُوخِ الَّذِي يُوقِدُ عَلَيْهِ هُوَ مِنْ طِينٍ يَبْنُونَ بِهِ الْبُنْيَانَ»
١٨ ‏/ ٢٥٥
وَقَوْلُهُ: ﴿فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا﴾ [القصص: ٣٨] يَقُولُ: ابْنِ لِي بِالْآجُرِّ بِنَاءً، وَكُلُّ بِنَاءٍ مِسْطَحٍ فَهُوَ صَرْحٌ كَالْقَصَرِ. وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
[البحر المتقارب] بِهِنَّ نَعَامٌ بَنَاهَا الرِّجَا … لُ يَحْسَبُ أَعْلَامَهُنَّ الصُّرُوحَا
يَعْنِي بِالصُّرُوحِ: جَمَعَ صَرْحٍ.
١٨ ‏/ ٢٥٥
وَقَوْلُهُ: ﴿لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى﴾ [القصص: ٣٨] يَقُولُ: انْظُرُ إِلَى مَعْبُودِ مُوسَى، الَّذِي يَعْبُدُهُ، وَيَدْعُو إِلَى عِبَادَتِهِ ﴿وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ﴾ [القصص: ٣٨] فِيمَا يَقُولُ مِنْ أَنَّ لَهُ مَعْبُودًا يَعْبُدُهُ فِي السَّمَاءِ، وَأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يُؤَيِّدُهُ وَيَنْصُرُهُ، وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَهُ إِلَيْنَا ﴿مِنَ ⦗٢٥٦⦘ الْكَاذِبِينَ﴾ [الأعراف: ٦٦]؛ فَذُكِرَ لَنَا أَنَّ هَامَانَ بَنَى لَهُ الصَّرْحَ، فَارْتَقَى فَوْقَهُ
١٨ ‏/ ٢٥٥
فَكَانَ مِنْ قِصَّتِهِ وَقِصَّةِ ارْتِقَائِهِ مَا: حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: قَالَ فِرْعَوْنُ لِقَوْمِهِ: ﴿يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي، فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ، فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا﴾ [القصص: ٣٨] لَعَلِّي أَذْهِبُ فِي السَّمَاءِ، فَأَنْظُرُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى؛ فَلَمَّا بُنِيَ لَهُ الصَّرْحُ، ارْتَقَى فَوْقَهُ، فَأَمَرَ بِنُشَّابَةٍ فَرَمَى بِهَا نَحْوَ السَّمَاءِ، فَرُدَّتْ إِلَيْهِ وَهِيَ مُتَلَطِّخَةٌ دَمًا، فَقَالَ: قَدْ قَتَلْتُ إِلَهَ مُوسَى، تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُونَ “
١٨ ‏/ ٢٥٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ. فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ، فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ﴾ [القصص: ٤٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَاسْتَكْبَرَ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ فِي أَرْضِ مِصْرَ عَنْ تَصْدِيقِ مُوسَى، وَاتِّبَاعِهِ عَلَى مَا دَعَاهُمْ إِلَيْهِ مِنْ تَوْحِيدِ اللَّهِ، وَالْإِقْرَارِ بِالْعُبُودِيَّةِ لَهُ ﴿بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾ [البقرة: ٦١] يَعْنِي تَعَدِّيًا وَعُتُوًّا عَلَى رَبِّهِمْ ﴿وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ﴾ [القصص: ٣٩] يَقُولُ: وَحَسِبُوا أَنَّهُمْ بَعْدَ مَمَاتِهِمْ لَا يُبْعَثُونَ، وَلَا ثَوَابَ، وَلَا عِقَابَ، فَرَكِبُوا أَهْوَاءَهُمْ، وَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ لَهُمْ بِالْمِرْصَادِ، وَأَنَّهُ لَهُمْ مَجَازٍ عَلَى أَعْمَالِهِمُ الْخَبِيثَةِ.
١٨ ‏/ ٢٥٦
وَقَوْلُهُ: ﴿فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ﴾ [القصص: ٤٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَجَمَعْنَا فِرْعَوْنَ وَجُنُودَهُ مِنَ الْقِبْطِ ﴿فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ﴾ [القصص: ٤٠] يَقُولُ: فَأَلْقَيْنَاهُمْ جَمِيعَهُمْ فِي الْبَحْرِ، فَغَرَّقْنَاهُمْ فِيهِ، كَمَا قَالَ أَبُو الْأَسْوَدِ الدُّؤَلِيُّ:
[البحر الطويل] ⦗٢٥٧⦘ نَظَرْتُ إِلَى عُنْوَانِهِ فَنَبَذْتُهُ … كَنَبْذِكَ نَعْلًا أَخْلَقَتْ مِنْ نِعَالِكَا
وَذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ بَحْرٌ مِنْ وَرَاءِ مِصْرَ
١٨ ‏/ ٢٥٦
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ﴾ [القصص: ٤٠] قَالَ: كَانَ الْيَمُّ بَحْرًا يُقَالُ لَهُ إِسَافُ مِنْ وَرَاءِ مِصْرَ، غَرَّقَهُمُ اللَّهُ فِيهِ»
١٨ ‏/ ٢٥٧
وَقَوْلُهُ: ﴿فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ﴾ [يونس: ٣٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَانْظُرْ يَا مُحَمَّدُ بِعَيْنِ قَلْبِكَ: كَيْفَ كَانَ أَمْرُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ، فَكَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَرَدُّوا عَلَى رَسُولِهِ نَصِيحَتَهُ، أَلَمْ نُهْلِكْهُمْ فَنُوَرِّثْ دِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ أَوْلِيَاءَنَا، وَنُخَوِّلْهُمْ مَا كَانَ لَهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ، وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ، بَعْدَ أَنْ كَانُوا مُسْتَضْعَفِينَ، تُقَتَّلُ أَبْنَاؤُهُمْ، وَتُسْتَحْيَا نِسَاؤُهُمْ، فَإِنَّا كَذَلِكَ بِكَ وَبِمَنْ آمَنَ بِكَ وَصَدَّقَكَ فَاعِلُونَ مُخَوِّلُوكَ وَإِيَّاهُمْ دِيَارَ مَنْ كَذَّبَكَ وَرَدَّ عَلَيْكَ مَا أَتَيْتَهُمْ بِهِ مِنَ الْحَقِّ وَأَمْوَالَهُمْ، وَمُهْلِكُوهُمْ قَتْلًا بِالسَّيْفِ، سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ.
١٨ ‏/ ٢٥٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ، وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنصَرُونَ. وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً، وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ﴾ [القصص: ٤٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَجَعَلْنَا فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ أَئِمَّةً يَأْتَمُّ بِهِمْ أَهْلُ الْعُتُوِّ عَلَى اللَّهِ، وَالْكُفْرِ بِهِ، يَدْعُونَ النَّاسَ إِلَى أَعْمَالِ أَهْلِ النَّارِ
١٨ ‏/ ٢٥٧
﴿وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنصَرُونَ﴾ [القصص: ٤١] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يَنْصُرُهُمْ إِذَا عَذَّبَهُمُ اللَّهُ نَاصِرٌ، وَقَدْ كَانُوا فِي الدُّنْيَا يَتَنَاصَرُونَ، فَاضْمَحَلَّتْ تِلْكَ النُّصْرَةُ يَوْمَئِذٍ.
١٨ ‏/ ٢٥٧
وَقَوْلُهُ: ﴿وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ [القصص: ٤٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَأَلْزَمْنَا فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا خِزْيًا وَغَضَبًا مِنَّا عَلَيْهِمْ، فَحَتَّمْنَا لَهُمْ فِيهَا بِالْهَلَاكِ وَالْبَوَارِ وَالثَّنَاءِ السَّيِّئِ، وَنَحْنُ مُتْبِعُوهُمْ لَعْنَةً أُخْرَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَمُخْزُوهُمْ بِهَا الْخِزْيَ الدَّائِمَ، وَمُهِينُوهُمُ الْهَوَانَ اللَّازِمَ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ ‏/ ٢٥٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ [القصص: ٤٢] قَالَ: لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، قَالَ: هُوَ كَقَوْلِهِ ﴿وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ، بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ﴾ [هود: ٩٩]»
١٨ ‏/ ٢٥٨
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَوْلَهُ: «﴿وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ [القصص: ٤٢] لَعْنَةً أُخْرَى، ثُمَّ اسْتَقْبَلَ فَقَالَ: ﴿هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ﴾ [القصص: ٤٢]»
١٨ ‏/ ٢٥٨
وَقَوْلُهُ: ﴿هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ﴾ [القصص: ٤٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: هُمْ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ قَبَّحَهُمُ اللَّهُ، فَأَهْلَكَهُمْ بِكُفْرِهِمْ بِرَبِّهِمْ، وَتَكْذِيبِهِمْ رَسُولَهُ مُوسَى عليه السلام، فَجَعَلَهُمْ عِبْرَةً لِلْمُعْتَبِرِينَ، وَعِظَةً لِلْمُتَّعِظِينَ.
١٨ ‏/ ٢٥٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾ [القصص: ٤٣]⦗٢٥٩⦘ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى التَّوْرَاةَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْأُمَمَ الَّتِي كَانَتْ قَبْلَهُ، كَقَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ لُوطٍ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ. ﴿بَصَائِرَ لِلنَّاسِ﴾ [القصص: ٤٣] يَقُولُ: ضِيَاءً لِبَنِي إِسْرَائِيلَ فِيمَا بِهِمْ إِلَيْهِ الْحَاجَةُ مِنْ أَمْرِ دِينِهِمْ. ﴿وَهَدَى﴾ [البقرة: ٩٧] يَقُولُ: وَبَيَانًا لَهُمْ وَرَحْمَةً لِمَنْ عَمِلَ بِهِ مِنْهُمْ ﴿لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾ [البقرة: ٢٢١] يَقُولُ: لِيَتَذَكَّرُوا نِعَمَ اللَّهِ بِذَلِكَ عَلَيْهِمْ، فَيَشْكُرُوهُ عَلَيْهَا وَلَا يَكْفُرُوا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى﴾ [القصص: ٤٣] قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ ‏/ ٢٥٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدٌ، وَعَبْدُ الْوَهَّابِ، قَالَا: ثنا عَوْفٌ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: «مَا أَهْلِكَ اللَّهُ قَوْمًا بِعَذَابٍ مِنَ السَّمَاءِ وَلَا مِنَ الْأَرْضِ بَعْدَ مَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ غَيْرَ الْقَرْيَةِ الَّتِي مُسِخُوا قِرَدَةً، أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَقُولُ: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهَدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾ [القصص: ٤٣]»
١٨ ‏/ ٢٥٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ، وَمَا كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ﴾ [القصص: ٤٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: ﴿وَمَا كُنْتَ﴾ [آل عمران: ٤٤] يَا مُحَمَّدُ ﴿بِجَانِبِ﴾ [القصص: ٤٤] غَرْبِيِّ الْجَبَلِ، ﴿إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ﴾ [القصص: ٤٤] يَقُولُ: إِذْ فَرَضْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ فِيمَا أَلْزَمْنَاهُ وَقَوْمَهُ، وَعَهِدْنَا إِلَيْهِ مِنْ عَهْدٍ، ﴿وَمَا كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ﴾ [القصص: ٤٤] يَقُولُ: وَمَا كُنْتَ ⦗٢٦٠⦘ لِذَلِكَ مِنَ الشَّاهِدِينَ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ ‏/ ٢٥٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: «﴿وَمَا كُنْتَ﴾ [آل عمران: ٤٤] يَا مُحَمَّدُ ﴿بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ﴾ [القصص: ٤٤] يَقُولُ: بِجَانِبِ غَرْبِيِّ الْجَبَلِ ﴿إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ﴾ [القصص: ٤٤]»
١٨ ‏/ ٢٦٠
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: «غَرْبِيِّ الْجَبَلِ»
١٨ ‏/ ٢٦٠
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُدْرِكٍ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: «إِنَّكُمْ أُمَّةُ مُحَمَّدٍ ﷺ قَدْ أَجَبْتُمْ قَبْلَ أَنْ تُسْأَلُوا، وَقَرَأَ: ﴿وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ﴾ [القصص: ٤٤]»
١٨ ‏/ ٢٦٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَكِنَّا أَنْشَأْنَا قُرُونًا فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ، وَمَا كُنْتَ ثَاوِيًا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا، وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ﴾ [القصص: ٤٥] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَلَكِنَّا أَنْشَأْنَا قُرُونًا﴾ [القصص: ٤٥] وَلَكِنَّا خَلَقْنَا أُمَمًا فَأَحْدَثْنَاهَا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ ﴿فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ﴾ [القصص: ٤٥] .
١٨ ‏/ ٢٦٠
وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَا كُنْتَ ثَاوِيًا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ﴾ [القصص: ٤٥] يَقُولُ: وَمَا كُنْتَ مُقِيمًا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ، يُقَالُ: ثَوَيْتُ بِالْمَكَانِ أَثْوِي بِهِ ثَوَاءً، قَالَ أَعْشَى ثَعْلَبَةَ:
[البحر الكامل] أَثْوَى وَقَصَّرَ لَيْلَهُ لِيُزَوَّدَا … فَمَضَى وَأَخْلَفَ مِنْ قُتَيْلَةَ مَوْعِدَا
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ ‏/ ٢٦١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَمَا كُنْتَ ثَاوِيًا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ﴾ [القصص: ٤٥] قَالَ: الثَّاوِي: الْمُقِيمُ. ﴿تَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا﴾ [القصص: ٤٥] يَقُولُ: تَقْرَأُ عَلَيْهِمْ كِتَابَنَا، ﴿وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ﴾ [القصص: ٤٥] يَقُولُ: لَمْ تَشْهَدْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ يَا مُحَمَّدُ، وَلَكِنَّا كُنَّا نَحْنُ نَفْعَلُ ذَلِكَ وَنُرْسِلُ الرُّسُلَ»
١٨ ‏/ ٢٦١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا، وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾ [القصص: ٤٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمَا كُنْتَ يَا مُحَمَّدُ بِجَانِبِ الْجَبَلِ إِذْ نَادَيْنَا مُوسَى بِأَنْ ﴿سَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ، وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ. الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ﴾ الْآيَةَ
١٨ ‏/ ٢٦١
كَمَا: حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ عُثْمَانَ بْنِ عِيسَى الرَّمْلِيُّ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ عِيسَى، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُدْرِكٍ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: «﴿وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا﴾ [القصص: ٤٦] قَالَ: نَادَى يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ، أَعْطَيْتُكُمْ قَبْلَ أَنْ تَسْأَلُونِي، وَأَجَبْتُكُمْ قَبْلَ أَنْ تَدْعُونِي»
١٨ ‏/ ٢٦٢
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: «﴿وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا﴾ [القصص: ٤٦] قَالَ: نُودُوا: يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ، أَعْطَيْتُكُمْ قَبْلَ أَنْ تَسْأَلُونِيَ، وَاسْتَجَبْتُ لَكُمْ قَبْلَ أَنْ تَدْعُونِي»
١٨ ‏/ ٢٦٢
حَدَّثَنِي ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا حَرْمَلَةُ بْنُ قَيْسٍ النَّخَعِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ أَبِي زُرْعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، «﴿وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا﴾ [القصص: ٤٦] قَالَ: نُودُوا يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ، أَعْطَيْتُكُمْ قَبْلَ أَنْ تَسْأَلُونِي، وَاسْتَجَبْتُ لَكُمْ قَبْلَ أَنْ تَدْعُونِي»
١٨ ‏/ ٢٦٢
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا مُعْتَمِرٌ، عَنْ سُلَيْمَانَ، وَسُفْيَانُ، عَنْ سُلَيْمَانَ، وَحَجَّاجٌ، عَنْ حَمْزَةَ الزَّيَّاتِ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُدْرِكٍ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا﴾ [القصص: ٤٦] قَالَ: نُودُوا يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ، أَعْطَيْتُكُمْ قَبْلَ أَنْ تَسْأَلُونِي، وَاسْتَجَبْتُ لَكُمْ قَبْلَ أَنْ تَدْعُونِي، قَالَ: وَهُوَ قَوْلُهُ حِينَ قَالَ مُوسَى ﴿وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ﴾ [الأعراف: ١٥٦] . الْآيَةَ». ⦗٢٦٣⦘ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، مِثْلَ ذَلِكَ
١٨ ‏/ ٢٦٢
وَقَوْلِهِ: ﴿وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ﴾ [القصص: ٤٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: لَمْ تَشْهَدْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ يَا مُحَمَّدُ فَتَعْلَمَهُ، وَلَكِنَّا عَرَّفْنَاكَهُ، وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ، فَاقْتَصَصْنَا ذَلِكَ كُلَّهُ عَلَيْكَ فِي كِتَابِنَا، وَابْتَعَثْنَاكَ بِمَا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ مِنْ ذَلِكَ رَسُولًا إِلَى مَنِ ابْتَعَثْنَاكَ إِلَيْهِ مِنَ الْخَلْقِ رَحْمَةً مِنَّا لَكَ وَلَهُمْ
١٨ ‏/ ٢٦٣
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ﴾ [القصص: ٤٦] مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ ﴿لِتُنْذِرَ قَوْمًا﴾ [القصص: ٤٦] . الْآيَةَ»
١٨ ‏/ ٢٦٣
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «﴿وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ﴾ [القصص: ٤٦] قَالَ: كَانَ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكِ النُّبُوَّةُ»
١٨ ‏/ ٢٦٣
وَقَوْلُهُ: ﴿لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ﴾ [القصص: ٤٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَكِنْ أَرْسَلْنَاكَ بِهَذَا الْكِتَابِ وَهَذَا الدِّينِ لِتُنْذِرَ قَوْمًا لَمْ يَأْتِهِمْ مِنْ قَبْلِكَ نَذِيرٌ، وَهُمُ الْعَرَبُ الَّذِينَ بُعِثَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، بَعَثَهُ اللَّهُ إِلَيْهِمْ رَحْمَةً لِيُنْذِرَهُمْ بَأْسَهُ عَلَى عِبَادَتِهِمُ الْأَصْنَامَ، وَإِشْرَاكِهِمْ بِهِ الْأَوْثَانَ وَالْأَنْدَادَ.
١٨ ‏/ ٢٦٣
وَقَوْلُهُ: ﴿لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾ [البقرة: ٢٢١] يَقُولُ: لِيَتَذَكَّرُوا خَطَأَ مَا هُمْ عَلَيْهِ مُقِيمُونَ مِنْ كُفْرِهِمْ بِرَبِّهِمْ، فَيُنِيبُوا إِلَى الْإِقْرَارِ لِلَّهِ بِالْوَحْدَانِيَّةِ، وَإِفْرَادِهِ بِالْعِبَادَةِ دُونَ كُلِّ مَا سِوَاهُ مِنَ الْآلِهَةِ. ⦗٢٦٤⦘ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ ‏/ ٢٦٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، «﴿وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ﴾ [القصص: ٤٦] قَالَ: الَّذِي أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ مِنَ الْقُرْآنِ ﴿لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ﴾ [القصص: ٤٦]»
١٨ ‏/ ٢٦٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [القصص: ٤٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَوْلَا أَنْ يَقُولَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَرْسَلْتُكَ يَا مُحَمَّدُ إِلَيْهِمْ، لَوْ حَلَّ بِهِمْ بَأْسُنَا، أَوْ أَتَاهُمْ عَذَابُنَا مِنْ قَبْلِ أَنْ نُرْسِلَكَ إِلَيْهِمْ عَلَى كُفْرِهِمْ بِرَبِّهِمْ، وَاكْتِسَابِهِمُ الْآثَامَ، وَاجْتِرَامِهِمُ الْمَعَاصِي: رَبَّنَا هَلَّا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا مِنْ قَبْلِ أَنْ يَحِلَّ بِنَا سَخَطُكَ، وَيَنْزِلَ بِنَا عَذَابُكَ فَنَتَّبِعَ أَدِلَّتَكَ، وَآيَ كِتَابِكَ الَّذِي تُنَزِّلُهُ عَلَى رَسُولِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بِأُلُوهِيَّتِكَ، الْمُصَدِّقِينَ رَسُولَكَ فِيمَا أَمَرْتَنَا وَنَهَيْتَنَا، لَعَاجَلْنَاهُمُ الْعُقُوبَةَ عَلَى شِرْكِهِمْ مِنْ قَبْلِ مَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَيْهِمْ، وَلَكِنَّا بَعَثْنَاكَ إِلَيْهِمْ نَذِيرًا بَأْسَنَا عَلَى كُفْرِهِمْ، لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ. وَالْمُصِيبَةُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: الْعَذَابُ وَالنِّقْمَةُ. وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ: ﴿بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ﴾ [البقرة: ٩٥] بِمَا اكْتَسَبُوا.
١٨ ‏/ ٢٦٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدَنَا قَالُوا لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى، أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ، قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا، وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ﴾ [القصص: ٤٨]
١٨ ‏/ ٢٦٤
يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَلَمَّا جَاءَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ لَمْ يَأْتِهِمْ مِنْ قَبْلِكَ يَا مُحَمَّدُ نَذِيرٌ فَبَعَثْنَاكَ إِلَيْهِمْ نَذِيرًا ﴿الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا﴾ [يونس: ٧٦]، وَهُوَ مُحَمَّدٌ ﷺ بِالرِّسَالَةِ مِنَ اللَّهِ إِلَيْهِمْ، قَالُوا تَمَرُّدًا عَلَى اللَّهِ، وَتَمَادِيًا فِي الْغَيِّ: هَلَّا أُوتِي هَذَا الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْنَا، وَهُوَ مُحَمَّدٌ ﷺ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ مِنَ الْكِتَابِ؟ يَقُولُ اللَّهُ تبارك وتعالى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِقَوْمِكَ مِنْ قُرَيْشٍ، الْقَائِلِينَ لَكَ ﴿لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى﴾ [القصص: ٤٨]: أَوَ لَمْ يَكْفُرِ الَّذِينَ عَلِمُوا هَذِهِ الْحُجَّةَ مِنَ الْيَهُودِ بِمَا أُوتِي مُوسَى مِنْ قَبْلِكَ؟ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ ‏/ ٢٦٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «الْيَهُودُ تَأْمُرُ قُرَيْشًا أَنْ تَسْأَلَ مُحَمَّدًا مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى، يَقُولُ اللَّهُ لِمُحَمَّدٍ ﷺ: قُلْ لِقُرَيْشٍ يَقُولُوا لَهُمْ: أَوَ لَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ؟». حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: “﴿قَالُوا لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى﴾ [القصص: ٤٨] قَالَ: الْيَهُودُ تَأْمُرُ قُرَيْشًا، ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَهُ. وَاخْتَلَفَ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ ⦗٢٦٦⦘ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ: (قَالُوا سَاحِرَانِ تَظَاهَرَا) بِمَعْنَى: أَوَ لَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِي مُوسَى مِنْ قَبْلُ، وَقَالُوا لَهُ وَلِمُحَمَّدٍ ﷺ فِي قَوْلِ بَعْضِ الْمُفَسِّرِينَ، وَفِي قَوْلِ بَعْضِهِمْ لِمُوسَى وَهَارُونَ عليهما السلام، وَفِي قَوْلِ بَعْضِهِمْ: لِعِيسَى وَمُحَمَّدٍ سَاحِرَانِ تَعَاوَنَا. وَقَرَأَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ: ﴿قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا﴾ [القصص: ٤٨] بِمَعْنَى: وَقَالُوا لِلتَّوْرَاةِ وَالْفُرْقَانِ فِي قَوْلِ بَعْضِ أَهْلِ التَّأْوِيلِ، وَفِي قَوْلِ بَعْضِهِمْ لِلْإِنْجِيلِ وَالْفُرْقَانِ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ عَلَى قَدْرِ اخْتِلَافِ الْقُرَّاءِ فِي قِرَاءَتِهِ.
١٨ ‏/ ٢٦٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ: عُنِيَ بِالسَاحِرَيْنِ اللَّذَيْنِ تَظَاهَرَا مُحَمَّدٌ وَمُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمَا: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ الرُّعَيْنِيُّ، قَالَ: ثنا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ مُسْلِمَ بْنَ يَسَارٍ، يُحَدِّثُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ (قَالُوا سَاحِرَانِ تَظَاهَرَا)، قَالَ: مُوسَى وَمُحَمَّدٌ “
١٨ ‏/ ٢٦٦
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ مُسْلِمَ بْنَ يَسَارٍ، قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ (قَالُوا سَاحِرَانِ تَظَاهَرَا)، قَالَ: مُوسَى وَمُحَمَّدٌ “
١٨ ‏/ ٢٦٦
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ ⦗٢٦٧⦘ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَرَأَ (سَاحِرَانِ) قَالَ مُوسَى وَمُحَمَّدٌ عليهما السلام». حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ كَيْسَانَ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، مِثْلَهُ
١٨ ‏/ ٢٦٦
وَمَنْ قَالَ: مُوسَى وَهَارُونَ عليهما السلام: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ (سَاحِرَانِ تَظَاهَرَا) . قَالَ الْيَهُودُ لِمُوسَى وَهَارُونَ “
١٨ ‏/ ٢٦٧
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، (قَالُوا سَاحِرَانِ تَظَاهَرَا)، قَوْلُ يَهُودَ لِمُوسَى وَهَارُونَ عليهما السلام “
١٨ ‏/ ٢٦٧
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَأَبِي رَزِينٍ أَنَّ أَحَدَهُمَا، «قَرَأَ: (سَاحِرَانِ تَظَاهَرَا)، وَالْآخَرُ: ﴿سِحْرَانِ﴾ [القصص: ٤٨] . قَالَ: الَّذِي قَرَأَ ﴿سِحْرَانِ﴾ [القصص: ٤٨] قَالَ: التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ. وَقَالَ: الَّذِي قَرَأَ: (سَاحِرَانِ) قَالَ: مُوسَى وَهَارُونُ». وَقَالَ آخَرُونَ: عَنَوْا بِالسَّاحِرَيْنِ عِيسَى وَمُحَمَّدًا ﷺ.
١٨ ‏/ ٢٦٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ،. قَالَ: ثنا أَبُو سُفْيَانَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَوْلَهُ (سَاحِرَانِ تَظَاهَرَا) قَالَ عِيسَى وَمُحَمَّدٌ، أَوْ قَالَ مُوسَى ﷺ “
١٨ ‏/ ٢٦٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ: عَنَوْا بِذَلِكَ التَّوْرَاةَ وَالْفُرْقَانَ، وَوَجْهُ تَأْوِيلِهِ إِلَى قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ ﴿سِحْرَانِ تَظَاهَرَا﴾ [القصص: ٤٨]: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ ثنى مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: «﴿سِحْرَانِ تَظَاهَرَا﴾ [القصص: ٤٨] يَقُولُ: التَّوْرَاةُ وَالْقُرْآنُ»
١٨ ‏/ ٢٦٨
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمَّى، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، «﴿قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا﴾ [القصص: ٤٨] يَعْنِي: التَّوْرَاةَ وَالْفُرْقَانَ»
١٨ ‏/ ٢٦٨
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا﴾ [القصص: ٤٨] قَالَ: كِتَابُ مُوسَى، وَكِتَابُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ»
١٨ ‏/ ٢٦٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ: عَنَوْا بِهِ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ حُمَيْدٍ الْأَعْرَجِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: ⦗٢٦٩⦘ كُنْتُ إِلَى جَنْبِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَهُوَ يَتَعَوَّذُ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ، فَقُلْتُ كَيْفَ تَقْرَأُ: ﴿سِحْرَانِ﴾ [القصص: ٤٨]، أَوْ (سَاحِرَانِ)، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ شَيْئًا، فَقَالَ عِكْرِمَةُ: (سَاحِرَانِ)، وَظَنَنْتُ أَنَّهُ لَوْ كَرِهَ ذَلِكَ أَنْكَرَهُ عَلَيَّ. قَالَ حُمَيْدٌ: فَلَقِيتُ عِكْرِمَةَ بَعْدَ ذَلِكَ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، وَقُلْتُ: كَيْفَ كَانَ يَقْرَؤُهَا؟ قَالَ: «كَانَ يَقْرَأُ ﴿سِحْرَانِ تَظَاهَرَا﴾ [القصص: ٤٨] أَيِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ»
١٨ ‏/ ٢٦٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ: عَنَوْا بِهِ الْفُرْقَانَ وَالْإِنْجِيلَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثنا عُبَيْدٌ، عَنِ الضَّحَّاكِ، أَنَّهُ «قَرَأَ ﴿سِحْرَانِ تَظَاهَرَا﴾ [القصص: ٤٨] يَعْنُونَ الْإِنْجِيلَ وَالْفُرْقَانَ»
١٨ ‏/ ٢٦٩
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ «﴿قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا﴾ [القصص: ٤٨] قَالَتْ ذَلِكَ أَعْدَاءُ اللَّهِ الْيَهُودُ لِلْإِنْجِيلِ وَالْفُرْقَانِ، فَمَنْ قَالَ (سَاحِرَانِ) فَيَقُولُ: مُحَمَّدٌ، وَعِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ». قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا بِالصَّوَابِ، قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَهُ ﴿قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا﴾ [القصص: ٤٨] بِمَعْنَى: كِتَابُ مُوسَى وَهُوَ التَّوْرَاةُ، وَكِتَابُ عِيسَى وَهُوَ الْإِنْجِيلُ. وَإِنَّمَا قُلْنَا: ذَلِكَ أَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ بِالصَّوَابِ، لِأَنَّ الْكَلَامَ مِنْ قَبْلِهِ جَرَى بِذِكْرِ الْكِتَابِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: ﴿وَقَالُوا لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى﴾ وَالَّذِي يَلِيهِ مِنْ ⦗٢٧٠⦘ بَعْدِهِ ذِكْرُ الْكِتَابِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: ﴿فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ﴾ [القصص: ٤٩] فَالَّذِي بَيْنَهُمَا بِأَنْ يَكُونَ مِنْ ذِكْرِهِ أَوْلَى وَأَشْبَهُ بِأَنْ يَكُونَ مِنْ ذِكْرِ غَيْرِهِ. وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ هُوَ الْأُولَى بِالْقِرَاءَةِ، فَمَعْلُومٌ أَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ: أَوَ لَمْ يَكْفُرْ هَؤُلَاءِ الْيَهُودُ بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ، وَقَالُوا لِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنَ الْكِتَابِ وَمَا أُوتِيتَهُ أَنْتَ، سِحْرَانِ تَعَاوَنَا.
١٨ ‏/ ٢٦٩
وَقَوْلُهُ: ﴿وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ﴾ [القصص: ٤٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَقَالَتِ الْيَهُودُ: إِنَّا بِكُلِّ كِتَابٍ فِي الْأَرْضِ مِنْ تَوْرَاةٍ وَإِنْجِيلٍ وَزَبُورٍ وَفُرْقَانٍ كَافِرُونَ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ التَّأْوِيلِ، وَخَالَفَهُ فِيهِ مُخَالِفُونَ.
١٨ ‏/ ٢٧٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ مِثْلَ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ: «﴿إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ﴾ [القصص: ٤٨] قَالُوا: نَكْفُرُ أَيْضًا بِمَا أُوتِيَ مُحَمَّدٌ»
١٨ ‏/ ٢٧٠
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ﴾ [القصص: ٤٨] قَالَ الْيَهُودُ أَيْضًا: نَكْفُرُ بِمَا أُوتِيَ مُحَمَّدٌ أَيْضًا». وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: وَقَالُوا إِنَّا بِكُلِّ الْكِتَابَيْنِ الْفُرْقَانِ وَالْإِنْجِيلِ كَافِرُونَ.
١٨ ‏/ ٢٧٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثنا عُبَيْدٌ، عَنِ الضَّحَّاكِ، «﴿وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ﴾ [القصص: ٤٨] يَقُولُ: بِالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ»
١٨ ‏/ ٢٧١
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: «﴿وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ﴾ [القصص: ٤٨]: يَعْنُونَ الْإِنْجِيلَ وَالْفُرْقَانَ»
١٨ ‏/ ٢٧١
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، «وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ قَالَ: هُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ، يَقُولُ: بِالْكِتَابَيْنِ: التَّوْرَاةِ وَالْفُرْقَانِ»
١٨ ‏/ ٢٧١
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ﴾ [القصص: ٤٨] الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى، وَالَّذِي جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ ﷺ»
١٨ ‏/ ٢٧١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [القصص: ٤٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِلْقَائِلِينَ لِلتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ: هُمَا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا: ائْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا لِطَرِيقِ الْحَقِّ، وَلِسَبِيلِ الرَّشَادِ ﴿أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [القصص: ٤٩] فِي زَعْمِكُمْ أَنَّ هَذَيْنِ الْكِتَابَيْنِ سِحْرَانِ، وَأَنَّ الْحَقَّ فِي غَيْرِهِمَا. ⦗٢٧٢⦘ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى ” ﴿قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا﴾ [القصص: ٤٩] . . الْآيَةَ
١٨ ‏/ ٢٧١
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: «فَقَالَ ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا مِنْ هَذَيْنِ الْكِتَابَيْنِ؛ الَّذِي بُعِثَ بِهِ مُوسَى، وَالَّذِي بُعِثَ بِهِ مُحَمَّدٌ ﷺ»
١٨ ‏/ ٢٧٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ، وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ [القصص: ٥٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَإِنْ لَمْ يُجِبْكَ هَؤُلَاءِ الْقَائِلُونَ لِلتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ: سِحْرَانِ تَظَاهَرَا، الزَّاعِمُونَ أَنَّ الْحَقَّ فِي غَيْرِهِمَا مِنَ الْيَهُودِ يَا مُحَمَّدُ، إِلَى أَنْ يَأْتُوكَ بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا، فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ، وَأَنَّ الَّذِي يَنْطِقُونَ بِهِ، وَيَقُولُونَ فِي الْكِتَابَيْنِ، قَوْلٌ كَذِبٌ وَبَاطِلٌ، لَا حَقِيقَةَ لَهُ، وَلَعَلَّ قَائِلًا أَنْ يَقُولَ: أَوَ لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ ﷺ يَعْلَمُ أَنَّ مَا قَالَ الْقَائِلُونَ مِنَ الْيَهُودِ وَغَيْرِهِمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ مِنَ الْإِفْكِ وَالزُّورِ الْمُسَمُّوهُمَا سِحْرَيْنِ بَاطِلٌ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا بِأَنْ لَا يُجِيبُوهُ إِلَى إِتْيَانِهِمْ بِكِتَابٍ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا؟
١٨ ‏/ ٢٧٢
قِيلَ: هَذَا كَلَامٌ خَرَجَ مَخْرَجَ الْخِطَابِ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْمَقُولُ لَهُمْ أَوَ لَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ مِنْ كُفَّارِ قُرَيْشٍ، وَذَلِكَ أَنَّهُ قِيلَ لِلنَّبِيِّ ﷺ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِمُشْرِكِي قُرَيْشٍ: أَوَ لَمْ يَكْفُرْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَمَرُوكُمْ أَنْ تَقُولُوا: هَلَّا أُوتِيَ مُحَمَّدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى، بِالَّذِي أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَبْلِ هَذَا الْقُرْآنِ، وَيَقُولُوا لِلَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْهِ وَعَلَى عِيسَى ﴿سِحْرَانِ تَظَاهَرَا﴾ [القصص: ٤٨] فَقُولُوا لَهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ أَنَّ مَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى سِحْرٌ، فَأْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، هُوَ أَهْدَى مِنْ كِتَابَيْهِمَا، فَإِنْ هُمْ لَمْ يُجِيبُوكُمْ إِلَى ذَلِكَ فَاعْلَمُوا أَنَّهُمْ كَذْبَةٌ، وَأَنَّهُمْ إِنَّمَا يَتَّبِعُونَ فِي تَكْذِيبِهِمْ مُحَمَّدًا، وَمَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ أَهْوَاءَ أَنْفُسِهِمْ، وَيَتْرُكُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ.
١٨ ‏/ ٢٧٣
﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ﴾ [القصص: ٥٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمَنْ أَضَلُّ عَنْ طَرِيقِ الرَّشَادِ، وَسَبِيلِ السَّدَادِ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَى نَفْسِهِ بِغَيْرِ بَيَانٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَعَهْدٍ مِنَ اللَّهِ، وَيَتْرُكُ عَهْدَ اللَّهِ الَّذِي عَهِدَهُ إِلَى خَلْقِهِ فِي وَحْيِهِ وَتَنْزِيلِهِ.
١٨ ‏/ ٢٧٣
﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ [المائدة: ٥١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ اللَّهَ لَا يُوَفِّقُ لِإِصَابَةِ الْحَقِّ وَسَبِيلِ الرُّشْدِ الْقَوْمَ الَّذِينَ خَالَفُوا أَمْرَ اللَّهِ وَتَرَكُوا طَاعَتَهُ، وَكَذَّبُوا رَسُولَهُ، وَبَدَّلُوا عَهْدَهُ، وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَ أَنْفُسِهِمْ إِيثَارًا مِنْهُمْ لِطَاعَةِ الشَّيْطَانِ عَلَى طَاعَةِ رَبِّهِمْ.
١٨ ‏/ ٢٧٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ. الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ﴾ [القصص: ٥٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَقَدْ وَصَّلْنَا يَا مُحَمَّدُ لِقَوْمِكَ مِنْ قُرَيْشٍ ولِلْيَهُودِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ الْقَوْلَ بِأَخْبَارِ الْمَاضِينَ وَالنَّبَأَ عَمَّا أَحْلَلْنَا بِهِمْ مِنْ بَأْسِنَا، إِذْ كَذَّبُوا رُسُلَنَا، ⦗٢٧٤⦘ وَعَمَّا نَحْنُ فَاعِلُونَ بِمَنِ اقْتَفَى آثَارَهُمْ، وَاحْتَذَى فِي الْكُفْرِ بِاللَّهِ وَتَكْذِيبِ رُسُلِهِ مِثَالَهُمْ، لِيَتَذَكَّرُوا فَيَعْتَبِرُوا وَيَتَّعِظُوا. وَأَصْلُهُ مِنْ: وَصَلَ الْحِبَالَ بَعْضَهَا بِبَعْضٍ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
[البحر الطويل] فَقُلْ لِبَنِي مَرْوَانَ مَا بَالُ ذِمَّةٍ … وَحَبْلٍ ضَعِيفٍ مَا يَزَالُ يُوَصَّلُ
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ وَإِنِ اخْتَلَفَتْ أَلْفَاظُهُمْ بِبَيَانِهِمْ عَنْ تَأْوِيلِهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ بَيَّنَّا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: فَصَّلْنَا.
١٨ ‏/ ٢٧٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ «﴿وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ﴾ [القصص: ٥١] قَالَ: فَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ»
١٨ ‏/ ٢٧٤
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ﴾ [القصص: ٥١] قَالَ: وَصَّلَ اللَّهُ لَهُمُ الْقَوْلَ فِي هَذَا الْقُرْآنِ، يُخْبِرُهُمْ كَيْفَ صَنَعَ بِمَنْ مَضَى، وَكَيْفَ هُوَ صَانِعٌ ﴿لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾ [القصص: ٥١]»
١٨ ‏/ ٢٧٤
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى أَبُو جَعْفَرٍ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ: «وَصَّلْنَا: بَيَّنَّا»
١٨ ‏/ ٢٧٤
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ «﴿وَلَقَدْ ⦗٢٧٥⦘ وَصَّلْنَا لَهُمْ﴾ [القصص: ٥١] الْخَبَرَ، خَبَرَ الدُّنْيَا بِخَبَرِ الْآخِرَةِ، حَتَّى كَأَنَّهُمْ عَايَنُوا الْآخِرَةَ، وَشَهِدُوهَا فِي الدُّنْيَا، بِمَا نُرِيهِمْ مِنَ الْآيَاتِ فِي الدُّنْيَا وَأَشْبَاهِهَا. وَقَرَأَ ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآخِرَةِ﴾ [هود: ١٠٣] وَقَالَ: إِنَّا سَوْفَ نُنْجِزُهُمْ مَا وَعَدْنَاهُمْ فِي الْآخِرَةِ، كَمَا أَنْجَزْنَا لِلْأَنْبِيَاءِ مَا وَعَدْنَاهُمْ، نَقْضِي بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ قَوْمِهِمْ». وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ، فِيمَنْ عَنَى بِالْهَاءِ وَالْمِيمِ مِنْ قَوْلِهِ ﴿وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمْ﴾ [القصص: ٥١] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَنَى بِهِمَا قُرَيْشًا.
١٨ ‏/ ٢٧٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ: «﴿وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ﴾ [القصص: ٥١] قَالَ: قُرَيْشٍ»
١٨ ‏/ ٢٧٥
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «﴿وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ﴾ [القصص: ٥١] قَالَ: لِقُرَيْشٍ»
١٨ ‏/ ٢٧٥
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ ⦗٢٧٦⦘ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ «﴿وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾ [القصص: ٥١] قَالَ: يَعْنِي مُحَمَّدًا ﷺ». وَقَالَ آخَرُونَ: عُنِيَ بِهِمَا الْيَهُودُ.
١٨ ‏/ ٢٧٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ آدَمَ، قَالَ: ثنا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ: ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ جَعْدَةَ، عَنْ رِفَاعَةَ الْقُرَظِيِّ، قَالَ: «نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي عَشَرَةٍ أَنَا أَحَدُهُمْ ﴿وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾ [القصص: ٥١]»
١٨ ‏/ ٢٧٦
حَدَّثَنَا ابْنُ سِنَانٍ، قَالَ: ثنا حَيَّانُ، قَالَ: ثنا حَمَّادٌ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ يَحْيَى بْنِ جَعْدَةَ، عَنْ عَطِيَّةَ الْقُرَظِيِّ، قَالَ: «نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ ﴿وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾ [القصص: ٥١] حَتَّى بَلَغَ ﴿إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ﴾ [القصص: ٥٣] فِي عَشَرَةٍ أَنَا أَحَدُهُمْ». فَكَأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَرَادَ بِقَوْلِهِ: يَعْنِي مُحَمَّدًا: لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ عَهْدَ اللَّهِ فِي مُحَمَّدٍ إِلَيْهِمْ، فَيُقِرُّونَ بِنُبُوَّتِهِ وَيُصَدِّقُونَهُ
١٨ ‏/ ٢٧٦
وَقَوْلُهُ: ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ﴾ [القصص: ٥٢] يَعْنِي بِذَلِكَ تَعَالَى ذِكْرُهُ قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمَنُوا بِرَسُولِهِ وَصَدَّقُوهُ، فَقَالَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ⦗٢٧٧⦘ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِ هَذَا الْقُرْآنِ، هُمْ بِهَذَا الْقُرْآنِ يُؤْمِنُونَ، فَيُقِرُّونَ أَنَّهُ حَقٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَيُكَذِّبُ جَهَلَةَ الْأُمِّيِّينَ، الَّذِينَ لَمْ يَأْتِهِمْ مِنَ اللَّهِ كِتَابٌ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ ‏/ ٢٧٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثنى أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثنى أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ تَعَالَى «﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ﴾ [القصص: ٥٢] قَالَ: يَعْنِي مَنْ آمَنَ بِمُحَمَّدٍ ﷺ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ»
١٨ ‏/ ٢٧٧
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ﴾ [القصص: ٥٢] . . إِلَى قَوْلِهِ ﴿لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ﴾ [القصص: ٥٥] فِي مُسْلِمَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ»
١٨ ‏/ ٢٧٧
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ «﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ﴾ [القصص: ٥٢] . . إِلَى قَوْلِهِ ﴿الْجَاهِلِينَ﴾ [القصص: ٥٥] قَالَ: هُمْ مُسْلِمَةُ أَهْلِ الْكِتَابِ»
١٨ ‏/ ٢٧٧
قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ: أَنَّ يَحْيَى بْنَ جَعْدَةَ أَخْبَرَهُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ رِفَاعَةَ، قَالَ: «خَرَجَ عَشَرَةُ رَهْطٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، مِنْهُمْ أَبُو رِفَاعَةَ، يَعْنِي أَبَاهُ، إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَآمَنُوا، فَأُوذُوا، فَنَزَلَتْ: ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ﴾ [القصص: ٥٢] قَبْلَ ⦗٢٧٨⦘ الْقُرْآنِ»
١٨ ‏/ ٢٧٧
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ «﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ﴾ [القصص: ٥٢] قَالَ: كُنَّا نُحَدَّثُ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي أُنَاسٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ كَانُوا عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْحَقِّ، يَأْخُذُونَ بِهَا، وَيَنْتَهُونَ إِلَيْهَا، حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّدًا ﷺ، فَآمَنُوا بِهِ، وَصَدَّقُوا بِهِ، فَأَعْطَاهُمُ اللَّهُ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِصَبْرِهِمْ عَلَى الْكِتَابِ الْأَوَّلِ، وَاتِّبَاعِهِمْ مُحَمَّدًا ﷺ، وَصَبْرِهِمْ عَلَى ذَلِكَ، وَذُكِرَ أَنَّ مِنْهُمْ سَلْمَانَ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ»
١٨ ‏/ ٢٧٨
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ، فِي قَوْلِهِ: «﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ﴾ [القصص: ٥٢] . . إِلَى قَوْلِهِ ﴿مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ﴾ [القصص: ٥٣]: نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمَنُوا بِالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ ثُمَّ أَدْرَكُوا مُحَمَّدًا ﷺ، فَآمَنُوا بِهِ، فَآتَاهُمُ اللَّهُ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا: بِإِيمَانِهِمْ بِمُحَمَّدٍ ﷺ قَبْلَ أَنْ يُبْعَثَ، وَبِاتِّبَاعِهِمْ إِيَّاهُ حِينَ بُعِثَ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ﴾ [القصص: ٥٣]»
١٨ ‏/ ٢٧٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا، إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ﴾ [القصص: ٥٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَإِذَا يُتْلَى هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِ نُزُولِ هَذَا الْقُرْآنِ ﴿قَالُوا آمَنَّا بِهِ﴾ [القصص: ٥٣] يَقُولُ: يَقُولُونَ صَدَّقْتَا بِهِ ﴿إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ ⦗٢٧٩⦘ رَبِّنَا﴾ [القصص: ٥٣] يَعْنِي مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا نَزَلَ، إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِ نُزُولِ هَذَا الْقُرْآنِ مُسْلِمِينَ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ بِمَا جَاءَ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ قَبْلَ مَجِيءِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ ﷺ، وَعَلَيْهِمْ مِنَ الْكُتُبِ، وَفِي كُتُبِهِمْ صِفَةُ مُحَمَّدٍ وَنَعْتُهُ، فَكَانُوا بِهِ وَبِمَبْعَثِهِ وَبِكِتَابِهِ مُصَدِّقِينَ قَبْلَ نُزُولِ الْقُرْآنِ، فَلِذَلِكَ قَالُوا: ﴿إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ﴾ [القصص: ٥٣] .
١٨ ‏/ ٢٧٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ وَصَفْتُ صِفَتَهُمْ، يُؤْتَوْنَ ثَوَابَ عَمَلِهِمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى الصَّبْرِ الَّذِي وَعَدَ اللَّهُ مَا وَعَدَ عَلَيْهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَعَدَهُمْ مَا وَعَدَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ، بِصَبْرِهِمْ عَلَى الْكِتَابِ الْأَوَّلِ، وَاتِّبَاعِهِمْ مُحَمَّدًا ﷺ، وَصَبْرِهِمْ عَلَى ذَلِكَ. وَذَلِكَ قَوْلُ قَتَادَةَ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ وَعَدَهُمْ بِصَبْرِهِمْ بِإِيمَانِهِمْ بِمُحَمَّدٍ ﷺ قَبْلَ أَنْ يُبْعَثَ، وَبِاتِّبَاعِهِمْ إِيَّاهُ حِينَ بُعِثَ. وَذَلِكَ قَوْلُ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ أَيْضًا قَبْلُ، وَمِمَّنْ وَافَقَ قَتَادَةَ عَلَى قَوْلِهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدٍ.
١٨ ‏/ ٢٧٩
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ﴾ [القصص: ٥٣] عَلَى دِينِ عِيسَى، فَلَمَّا جَاءَ النَّبِيُّ ﷺ أَسْلَمُوا، فَكَانَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ مَرَّتَيْنِ: بِمَا صَبَرُوا أَوَّلَ مَرَّةٍ، وَدَخَلُوا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ فِي الْإِسْلَامِ»
١٨ ‏/ ٢٧٩
وَقَالَ قَوْمٌ فِي ذَلِكَ بِمَا: حَدَّثَنَا بِهِ ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «إِنَّ قَوْمًا كَانُوا مُشْرِكِينَ ⦗٢٨٠⦘ أَسْلَمُوا، فَكَانَ قَوْمُهُمْ يُؤْذُونَهُمْ، فَنَزَلَتْ ﴿أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا﴾ [القصص: ٥٤]»
١٨ ‏/ ٢٧٩
وَقَوْلُهُ ﴿وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ﴾ يَقُولُ: وَيَدْفَعُونَ بِحَسَنَاتِ أَفْعَالِهِمُ الَّتِي يَفْعَلُونَهَا سَيِّئَاتِهِمْ ﴿وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ﴾ [البقرة: ٣] مِنَ الْأَمْوَالِ ﴿يُنْفِقُونَ﴾ [البقرة: ٣] فِي طَاعَةِ اللَّهِ، إِمَّا فِي جِهَادٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِمَّا فِي صَدَقَةٍ عَلَى مُحْتَاجٍ، أَوْ فِي صِلَةِ رَحِمٍ.
١٨ ‏/ ٢٨٠
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: «﴿وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا، إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ﴾ [القصص: ٥٣] قَالَ اللَّهُ: ﴿أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا﴾ [القصص: ٥٤] وَأَحْسَنَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الثَّنَاءَ كَمَا تَسْمَعُونَ، فَقَالَ: ﴿وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ﴾»
١٨ ‏/ ٢٨٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ، سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ﴾ [القصص: ٥٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَإِذَا سَمِعَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ اللَّغْوَ، وَهُوَ الْبَاطِلُ مِنَ الْقَوْلِ
١٨ ‏/ ٢٨٠
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ، سَلَامٌ عَلَيْكُمْ، لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ﴾ [القصص: ٥٥] لَا يُجَارُونَ أَهْلَ الْجَهْلِ وَالْبَاطِلِ فِي بَاطِلِهِمْ، أَتَاهُمْ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ مَا ⦗٢٨١⦘ وَقَذَهُمْ عَنْ ذَلِكَ». وَقَالَ آخَرُونَ: عُنِيَ بِاللَّغْوِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مَا كَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلْحَقُوهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ، مِمَّا لَيْسَ هُوَ مِنْهُ.
١٨ ‏/ ٢٨٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ، أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا﴾ [القصص: ٥٥] . . إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، قَالَ: هَذِهِ لِأَهْلِ الْكِتَابِ إِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ الَّذِي كَتَبَ الْقَوْمُ بِأَيْدِيهِمْ مَعَ كِتَابِ اللَّهِ، وَقَالُوا: هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، إِذَا سَمِعَهُ الَّذِينَ أَسْلَمُوا، وَمَرُّوا بِهِ يَتْلُونَهُ، أَعْرَضُوا عَنْهُ، وَكَأَنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُؤْمِنُوا بِالنَّبِيِّ ﷺ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا مُسْلِمِينَ عَلَى دِينِ عِيسَى، أَلَا تَرَى أَنُّهُمْ يَقُولُونَ: ﴿إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ﴾ [القصص: ٥٣]»
١٨ ‏/ ٢٨١
وَقَالَ آخَرُونَ فِي ذَلِكَ بِمَا: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «﴿وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ، وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ، سَلَامٌ عَلَيْكُمْ﴾ [القصص: ٥٥] قَالَ: نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ كَانُوا مُشْرِكِينَ فَأَسْلَمُوا، فَكَانَ قَوْمُهُمْ يُؤْذُونَهُمْ»
١٨ ‏/ ٢٨١
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ «﴿⦗٢٨٢⦘ وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ، وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ﴾ [القصص: ٥٥] قَالَ: كَانَ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أَسْلَمُوا، فَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يُؤْذُونَهُمْ، فَكَانُوا يَصْفَحُونَ عَنْهُمْ، يَقُولُونَ: ﴿سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ﴾ [القصص: ٥٥]»
١٨ ‏/ ٢٨١
وَقَوْلُهُ: ﴿أَعْرَضُوا عَنْهُ﴾ [القصص: ٥٥] يَقُولُ: لَمْ يَصْغُوا إِلَيْهِ وَلَمْ يَسْتَمِعُوهُ ﴿وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ﴾ [القصص: ٥٥] وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللَّغْوَ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، إِنَّمَا هُوَ مَا قَالَهُ مُجَاهِدٌ، مِنْ أَنَّهُ سَمَاعُ الْقَوْمِ مِمَّنْ يُؤْذِيهِمْ بِالْقَوْلِ مَا يَكْرَهُونَ مِنْهُ فِي أَنْفُسِهِمْ، وَأَنَّهُمْ أَجَابُوهُمْ بِالْجَمِيلِ مِنَ الْقَوْلِ ﴿لَنَا أَعْمَالُنَا﴾ [القصص: ٥٥] قَدْ رَضِينَا بِهَا لِأَنْفُسِنَا، ﴿وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ﴾ [البقرة: ١٣٩] قَدْ رَضِيتُمْ بِهَا لِأَنْفُسِكُمْ.
١٨ ‏/ ٢٨٢
وَقَوْلُهُ: ﴿سَلَامٌ عَلَيْكُمْ﴾ [الأنعام: ٥٤] يَقُولُ: أَمَنَةٌ لَكُمْ مِنَّا أَنْ نُسَابَّكُمْ، أَوْ تَسْمَعُوا مِنَّا مَا لَا تُحِبُّونَ ﴿لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ﴾ [القصص: ٥٥] يَقُولُ: لَا نُرِيدُ مُحَاوَرَةَ أَهْلِ الْجَهْلِ وَمُسَابَّتَهُمْ.
١٨ ‏/ ٢٨٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: ﴿إِنَّكَ﴾ [البقرة: ٣٢] يَا مُحَمَّدُ ﴿لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ﴾ [القصص: ٥٦] هِدَايَتَهُ، ﴿وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾ [البقرة: ٢٧٢] أَنْ يَهْدِيَهُ مِنْ خَلْقِهِ، بِتَوْفِيقِهِ لِلْإِيمَانِ بِهِ وَبِرَسُولِهِ. وَلَوْ قِيلَ: مَعْنَاهُ: إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَهُ، لِقَرَابَتِهِ مِنْكَ، وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ، كَانَ مَذْهَبًا ﴿وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَاللَّهُ أَعْلَمُ مَنْ سَبَقَ لَهُ فِي عِلْمِهِ أَنَّهُ يَهْتَدِي لِلرَّشَادِ، ذَلِكَ الَّذِي يَهْدِيهِ اللَّهُ ⦗٢٨٣⦘ فَيُسَدِّدُهُ وَيُوَفِّقُهُ، وَذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِنْ أَجْلِ امْتِنَاعِ أَبِي طَالِبٍ عَمِّهِ مِنْ إِجَابَتِهِ، إِذْ دَعَاهُ إِلَى الْإِيمَانِ بِاللَّهِ، إِلَى مَا دَعَاهُ إِلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ.
١٨ ‏/ ٢٨٢
ذِكْرُ الرِّوَايَةِ بِذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، وَالْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الصُّدَائِيُّ، قَالَا: ثنا الْوَلِيدُ بْنُ الْقَاسِمِ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ كَيْسَانَ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِعَمِّهِ عِنْدَ الْمَوْتِ: «قُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أَشْهَدُ لَكَ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» قَالَ: لَوْلَا أَنْ تُعَيِّرَنِي قُرَيْشٌ لَأَقْرَرْتُ عَيْنَكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ﴾ [القصص: ٥٦] . . الْآيَةَ«. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ كَيْسَانَ، قَالَ: ثني أَبُو حَازِمٍ الْأَشْجَعِيُّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِعَمِّهِ: «قُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ كَيْسَانَ، سَمِعَ أَبَا حَازِمٍ الْأَشْجَعِيَّ، يَذْكُرُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: لَمَّا حَضَرَتْ وَفَاةُ أَبِي طَالِبٍ، أَتَاهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: «يَا عَمَّاهُ، قُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» فَذَكَرَ مِثْلَهُ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: لَوْلَا أَنْ تُعَيِّرَنِي قُرَيْشٌ، يَقُولُونَ: مَا حَمَلَهُ عَلَيْهِ إِلَّا جَزَعُ الْمَوْتِ». ⦗٢٨٤⦘ حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ كَيْسَانَ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ، فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ أَبِي كُرَيْبٍ الصُّدَائِيِّ
١٨ ‏/ ٢٨٣
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَهْبٍ، قَالَ: ثني عَمِّي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، قَالَ: ثني يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: ثني سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا طَالِبٍ الْوَفَاةُ، جَاءَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَوَجَدَ عِنْدَهُ أَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «يَا عَمِّ قُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ كَلِمَةً أَشْهَدُ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللَّهِ»، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ: يَا أَبَا طَالِبٍ: أَتَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ؟ فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَعْرِضُهَا عَلَيْهِ، وَيُعِيدُ لَهُ تِلْكَ الْمَقَالَةَ، حَتَّى قَالَ أَبُو طَالِبٍ آخِرَ مَا كَلَّمَهُمْ: هُوَ عَلَى مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَأَبَى أَنْ يَقُولَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «أَمَا وَاللَّهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْكَ»، فَأَنْزَلَ اللَّهُ ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى﴾ [التوبة: ١١٣] وَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ: ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي﴾ [القصص: ٥٦] . . الْآيَةَ». حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِيهِ، بِنَحْوِهِ
١٨ ‏/ ٢٨٤
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَعِيدِ بْنِ رَافِعٍ، قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ عُمَرَ: «﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ﴾ [القصص: ٥٦] نَزَلَتْ فِي أَبِي طَالِبٍ؟ قَالَ: ⦗٢٨٥⦘ نَعَمْ»
١٨ ‏/ ٢٨٤
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ: «﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ﴾ [القصص: ٥٦] قَالَ: قَوْلُ مُحَمَّدٍ لِأَبِي طَالِبٍ: «قُلْ كَلِمَةَ الْإِخْلَاصِ أُجَادِلْ عَنْكَ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو فِي حَدِيثِهِ: قَالَ: يَا ابْنَ أَخِي، مِلَّةَ الْأَشْيَاخِ، أَوْ سُنَّةَ الْأَشْيَاخِ. وَقَالَ الْحَارِثُ فِي حَدِيثِهِ: قَالَ يَا ابْنَ أَخِي، مِلَّةَ الْأَشْيَاخِ»
١٨ ‏/ ٢٨٥
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ﴾ [القصص: ٥٦] قَالَ: قَالَ مُحَمَّدٌ لِأَبِي طَالِبٍ: «اشْهَدْ بِكَلِمَةِ الْإِخْلَاصِ أُجَادِلُ عَنْكَ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ»، قَالَ: أَيِ ابْنَ أَخِي، مِلَّةَ الْأَشْيَاخِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ﴾ [القصص: ٥٦] ” قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي أَبِي طَالِبٍ
١٨ ‏/ ٢٨٥
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ «﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ﴾ [القصص: ٥٦] ذُكِرَ لَنَا أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي أَبِي طَالِبٍ، قَالَ الْأَصَمُّ عِنْدَ مَوْتِهِ يَقُولُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ لِكَيْمَا تَحِلَّ لَهُ بِهَا الشَّفَاعَةُ، فَأَبَى عَلَيْهِ»
١٨ ‏/ ٢٨٥
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ عَامِرٍ: لَمَّا حَضَرَ أَبَا طَالِبٍ الْمَوْتُ، قَالَ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ: «يَا عَمَّاهُ قُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أَشْهَدُ لَكَ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ»، فَقَالَ لَهُ: يَا ابْنَ أَخِي، إِنَّهُ لَوْلَا أَنْ يَكُونَ عَلَيْكَ عَارٌ لَمْ أُبَالِ أَنْ أَفْعَلَ؛ فَقَالَ لَهُ ذَلِكَ مِرَارًا. فَلَمَّا مَاتَ اشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ وَقَالُوا: مَا تَنْفَعُ قَرَابَةُ أَبِي طَالِبٍ مِنْكَ، فَقَالَ: «بَلَى وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّهُ السَّاعَةَ لَفِي ضَحْضَاحٍ مِنَ النَّارِ عَلَيْهِ نَعْلَانِ مِنْ نَارٍ تَغْلِي مِنْهُمَا أُمُّ رَأْسِهِ، وَمَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ مِنْ إِنْسَانٍ هُوَ أَهْوَنُ عَذَابًا مِنْهُ، وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ، وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾»
١٨ ‏/ ٢٨٦
وَقَوْلُهُ: ﴿وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ يَقُولُ: وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ قَضَى لَهُ الْهُدَى.
١٨ ‏/ ٢٨٦
كَالَّذِي: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ «﴿وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ [القصص: ٥٦] قَالَ بِمَنْ قُدِّرَ لَهُ الْهُدَى وَالضَّلَالَةُ». حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٨ ‏/ ٢٨٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا، أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا، وَلَكِنَّ ⦗٢٨٧⦘ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [القصص: ٥٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَقَالَتْ كُفَّارُ قُرَيْشٍ: إِنْ نَتَّبِعِ الْحَقَّ الَّذِي جِئْتَنَا بِهِ مَعَكَ، وَنَتَبَرَّأْ مِنَ الْأَنْدَادِ وَالْآلِهَةِ، يَتَخَطَّفُنَا النَّاسُ مِنْ أَرْضِنَا بِإِجْمَاعِ جَمِيعِهِمْ عَلَى خِلَافِنَا وَحَرْبِنَا، يَقُولُ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ: فَقُلْ ﴿أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا﴾ [القصص: ٥٧] يَقُولُ: أَوَ لَمْ نُوَطِّئْ لَهُمْ بَلَدًا حَرَّمْنَا عَلَى النَّاسِ سَفْكَ الدِّمَاءِ فِيهِ، وَمَنَعْنَاهُمْ مِنْ أَنْ يَتَنَاوَلُوا سُكَّانَهُ فِيهِ بِسُوءٍ، وَأَمَّنَّا عَلَى أَهْلِهِ مِنْ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِهَا غَارَةٌ، أَوْ قَتْلٌ، أَوْ سِبَاءٌ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ ‏/ ٢٨٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ الْحَارِثَ بْنَ نَوْفَلٍ الَّذِي، قَالَ: «﴿إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضَنَا﴾ [القصص: ٥٧] وَزَعَمُوا أَنَّهُمْ قَالُوا: قَدْ عَلِمْنَا أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، وَلَكِنَّا نَخَافُ أَنْ نُتَخَطَّفَ مِنْ أَرْضَنَا، ﴿أَوَ لَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ﴾ الْآيَةَ»
١٨ ‏/ ٢٨٧
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ «﴿وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا﴾ [القصص: ٥٧] قَالَ: هُمْ أُنَاسٌ مِنْ قُرَيْشٍ قَالُوا لِمُحَمَّدٍ: إِنْ نَتَّبِعْكَ يَتَخَطَّفْنَا النَّاسُ، فَقَالَ اللَّهُ ⦗٢٨٨⦘ ﴿أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ [القصص: ٥٧]»
١٨ ‏/ ٢٨٧
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ «﴿وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ﴾ [العنكبوت: ٦٧]: قَالَ: كَانَ يُغِيرُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ». وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي مَعْنَى قَوْلِهِ ﴿أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا﴾ [القصص: ٥٧] قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ ‏/ ٢٨٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ «﴿وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا﴾ [القصص: ٥٧] قَالَ اللَّهُ ﴿أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ [القصص: ٥٧] يَقُولُ: أَوَ لَمْ يَكُونُوا آمِنِينَ فِي حَرَمِهِمْ لَا يُغْزَوْنَ فِيهِ وَلَا يَخَافُونَ، يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ»
١٨ ‏/ ٢٨٨
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ ثني أَبُو سُفْيَانَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿أَوَ َمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا﴾ قَالَ: كَانَ أَهْلُ الْحَرَمِ آمِنِينَ يَذْهَبُونَ حَيْثُ شَاءُوا، إِذَا خَرَجَ أَحَدُهُمْ فَقَالَ: إِنِّي مِنْ أَهْلِ الْحَرَمِ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ، وَكَانَ غَيْرُهُمْ مِنَ النَّاسِ إِذَا خَرَجَ أَحَدُهُمْ قُتِلَ»
١٨ ‏/ ٢٨٨
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ «﴿أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا﴾ [القصص: ٥٧] قَالَ: آمَنَّاكُمْ بِهِ، قَالَ: هِيَ مَكَّةُ، وَهُمْ قُرَيْشٌ»
١٨ ‏/ ٢٨٩
وَقَوْلُهُ: ﴿يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ [القصص: ٥٧] يَقُولُ: يُجْمَعُ إِلَيْهِ، وَهُوَ مِنْ قَوْلِهِمْ: جَبَيْتُ الْمَاءَ فِي الْحَوْضِ: إِذَا جَمَعْتَهُ فِيهِ، وَإِنَّمَا أُرِيدَ بِذَلِكَ: يُحْمَلُ إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ بَلَدٍ.
١٨ ‏/ ٢٨٩
كَمَا: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ ثنا ابْنُ عَطِيَّةَ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي «﴿يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ [القصص: ٥٧] قَالَ: ثَمَرَاتُ الْأَرْضِ»
١٨ ‏/ ٢٨٩
وَقَوْلُهُ: ﴿رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا﴾ [القصص: ٥٧] يَقُولُ: وَرِزْقًا رَزَقْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا، يَعْنِي: مِنْ عِنْدِنَا. ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [الأنعام: ٣٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَكِنَّ أَكْثَرَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الْقَائِلِينَ لِرَسُولِ اللَّهِ: ﴿إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا﴾ [القصص: ٥٧] لَا يَعْلَمُونَ أَنَّا نَحْنُ الَّذِينَ مَكَّنَّا لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا، وَرَزَقْنَاهُمْ فِيهِ، وَجَعَلْنَا الثَّمَرَاتِ مِنْ كُلِّ أَرْضٍ تُجْبَى إِلَيْهِمْ، فَهُمْ بِجَهْلِهِمْ بِمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ بِهِمْ يَكْفُرُونَ، لَا يَشْكُرُونَ مَنْ أَنْعَمَ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ.
١٨ ‏/ ٢٨٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا، فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا، وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ﴾ [القصص: ٥٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ أَبْطَرَتْهَا مَعِيشَتُهَا، فَبَطِرَتْ، وَأَشِرَتْ، ⦗٢٩٠⦘ وَطَغَتْ، فَكَفَرَتْ رَبَّهَا، وَقِيلَ: بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا، فَجَعَلَ الْفِعْلَ لِلْقَرْيَةِ، وَهُوَ فِي الْأَصْلِ لِلْمَعِيشَةِ، كَمَا يُقَالُ: أَسْفَهَكَ رَأْيُكَ فَسَفِهْتَهُ، وَأَبْطَرَكَ مَالُكَ فَبَطِرْتَهُ، وَالْمَعِيشَةُ مَنْصُوبَةٌ عَلَى التَّفْسِيرِ. وَقَدْ بَيَّنَّا نَظَائِرَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ ‏/ ٢٨٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ «﴿وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بِطَرِتْ مَعِيشَتَهَا﴾ [القصص: ٥٨] قَالَ: الْبَطَرُ: أَشَرُ أَهْلِ الْغَفْلَةِ وَأَهْلِ الْبَاطِلِ وَالرُّكُوبُ لِمَعَاصِي اللَّهِ، وَقَالَ: ذَلِكَ الْبَطَرُ فِي النِّعْمَةِ»
١٨ ‏/ ٢٩٠
﴿فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [القصص: ٥٨] يَقُولُ: فَتِلْكَ دُورُ الْقَوْمِ الَّذِينَ أَهْلَكْنَاهُمْ بِكُفْرِهِمْ بِرَبِّهِمْ وَمَنَازِلُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا، يَقُولُ: خَرِبَتْ مِنْ بَعْدِهِمْ، فَلَمْ يَعْمَرْ مِنْهَا إِلَّا أَقَلُّهَا، وَأَكْثَرُهَا خَرَابٌ. وَلَفْظُ الْكَلَامِ وَإِنْ كَانَ خَارِجًا عَلَى أَنَّ مَسَاكِنَهُمْ قَدْ سُكِنَتْ قَلِيلًا، فَإِنَّ مَعْنَاهُ: فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهَا، كَمَا يُقَالُ: قَضَيْتُ حَقَّكَ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُ.
١٨ ‏/ ٢٩٠
وَقَوْلُهُ: ﴿وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ﴾ [القصص: ٥٨] يَقُولُ: وَلَمْ يَكُنْ لِمَا خَرَّبْنَا مِنْ مَسَاكِنِهِمْ مِنْهُمْ وَارِثٌ، وَعَادَتْ كَمَا كَانَتْ قَبْلَ سُكْنَاهُمْ فِيهَا، لَا مَالِكَ لَهَا إِلَّا اللَّهُ، الَّذِي لَهُ ⦗٢٩١⦘ مِيرَاثُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ.
١٨ ‏/ ٢٩٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا، وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ﴾ [القصص: ٥٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَمَا كَانَ رَبِّكَ﴾ [هود: ١١٧] يَا مُحَمَّدُ ﴿مُهْلِكَ الْقُرَى﴾ [الأنعام: ١٣١] الَّتِي حَوَالَيْ مَكَّةَ فِي زَمَانِكَ وَعَصْرِكَ ﴿حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا﴾ [القصص: ٥٩] يَقُولُ: حَتَّى يَبْعَثَ فِي مَكَّةَ رَسُولًا، وَهِيَ أُمُّ الْقُرَى، يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِ كِتَابِنَا، وَالرَّسُولُ: مُحَمَّدٌ ﷺ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ ‏/ ٢٩١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا﴾ [القصص: ٥٩] وَأُمُّ الْقُرَى مَكَّةُ، وَبَعَثَ اللَّهُ إِلَيْهِمْ رَسُولًا: مُحَمَّدًا ﷺ»
١٨ ‏/ ٢٩١
وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ﴾ [القصص: ٥٩] يَقُولُ: وَلَمْ نَكُنْ لِنُهْلِكَ قَرْيَةً وَهِيَ بِاللَّهِ مُؤْمِنَةٌ إِنَّمَا نُهْلِكُهَا بِظُلْمِهَا أَنْفُسَهَا بِكُفْرِهَا بِاللَّهِ، وَإِنَّمَا أَهْلَكْنَا أَهْلَ مَكَّةَ بِكُفْرِهِمْ بِرَبِّهِمْ وَظُلْمِ أَنْفُسِهِمْ، وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ ‏/ ٢٩١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: «﴿وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ﴾ [القصص: ٥٩] قَالَ اللَّهُ: لَمْ يُهْلِكْ قَرْيَةً بِإِيمَانٍ، وَلَكِنَّهُ يُهْلِكُ الْقُرَى بِظُلْمٍ إِذَا ظَلَمَ أَهْلُهَا، وَلَوْ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ لَمْ يَهْلَكُوا مَعَ مَنْ هَلَكَ، وَلَكِنَّهُمْ كَذَّبُوا وَظَلَمُوا، فَبِذَلِكَ أُهْلِكُوا»
١٨ ‏/ ٢٩٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا، وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى، أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ [القصص: ٦٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمَا أُعْطِيتُمْ أَيُّهَا النَّاسُ مِنْ شَيْءٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ، فَإِنَّمَا هُوَ مَتَاعٌ تَتَمَتَّعُونَ بِهِ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَهُوَ مِنْ زِينَتِهَا الَّتِي يُتَزَيَّنُ بِهِ فِيهَا، لَا يُغْنِي عَنْكُمْ عِنْدَ اللَّهِ شَيْئًا، وَلَا يَنْفَعُكُمْ شَيْءٌ مِنْهُ فِي مَعَادِكُمْ، وَمَا عِنْدَ اللَّهِ لِأَهْلِ طَاعَتِهِ وَوِلَايَتِهِ خَيْرٌ مِمَّا أُوتِيتُمُوهُ أَنْتُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا مِنْ مَتَاعِهَا وَزِينَتِهَا وَأَبْقَى، يَقُولُ: وَأَبْقَى لِأَهْلِهِ، لِأَنَّهُ دَائِمٌ لَا نَفَادَ لَهُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ ‏/ ٢٩٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، فِي قَوْلِهِ «﴿وَمَا عِنْدَ اللَّهِ ⦗٢٩٣⦘ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾ [القصص: ٦٠] قَالَ: خَيْرٌ ثَوَابًا، وَأَبْقَى عِنْدَنَا. ﴿أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ [القصص: ٦٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَفَلَا عُقُولَ لَكُمْ أَيُّهَا الْقَوْمُ تَتَدَبَّرُونَ بِهَا فَتَعْرِفُونَ بِهَا الْخَيْرَ مِنَ الشَّرِّ، وَتَخْتَارُونَ لِأَنْفُسِكُمْ خَيْرَ الْمَنْزِلَتَيْنِ عَلَى شَرِّهِمَا، وَتُؤْثِرُونَ الدَّائِمَ الَّذِي لَا نَفَادَ لَهُ مِنَ النَّعِيمِ، عَلَى الْفَانِي الَّذِي لَا بَقَاءَ لَهُ»
١٨ ‏/ ٢٩٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ﴾ [القصص: ٦١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ مِنْ خَلْقِنَا عَلَى طَاعَتِهِ إِيَّانَا الْجَنَّةَ، فَآمَنَ بِمَا وَعَدْنَاهُ وَصَدَّقَ وَأَطَاعَنَا، فَاسْتَحَقَّ بِطَاعَتِهِ إِيَّانَا أَنْ نُنْجِزَ لَهُ مَا وَعَدْنَا، فَهُوَ لَاقٍ مَا وُعِدَ، وَصَائِرٌ إِلَيْهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مَتَاعَهَا، فَتَمَتَّعَ بِهِ، وَنَسِيَ الْعَمَلَ بِمَا وَعَدْنَا أَهْلَ الطَّاعَةِ، وَتَرَكَ طَلَبَهُ، وَآثَرَ لَذَّةً عَاجِلَةً عَلَى آجِلَةٍ، ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِذَا وَرَدَ عَلَى اللَّهِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ، يَعْنِي مِنَ الْمُشْهَدِينَ عَذَابَ اللَّهِ، وَأَلِيمَ عِقَابِهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ ‏/ ٢٩٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ «﴿أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ﴾ [القصص: ٦١] قَالَ: هُوَ الْمُؤْمِنُ، سَمِعَ كِتَابَ اللَّهِ فَصَدَّقَ بِهِ، وَآمَنَ بِمَا وَعَدَ اللَّهُ فِيهِ ﴿كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [القصص: ٦١] هُوَ هَذَا الْكَافِرُ، لَيْسَ وَاللَّهِ كَالْمُؤْمِنِ ﴿ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ﴾ [القصص: ٦١]: أَيْ فِي عَذَابِ اللَّهِ»
١٨ ‏/ ٢٩٣
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ ابْنُ عَمْرِو فِي حَدِيثِهِ: قَوْلُهُ «﴿مِنَ الْمُحْضَرِينَ﴾ [القصص: ٦١] قَالَ: أُحْضِرُوهَا. وَقَالَ الْحَارِثُ فِي حَدِيثِهِ ﴿ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ﴾ [القصص: ٦١] أَهْلُ النَّارِ، أُحْضِرُوهَا»
١٨ ‏/ ٢٩٤
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «﴿ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ﴾ [القصص: ٦١] قَالَ: أَهْلُ النَّارِ، أُحْضِرُوهَا». وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِيمَنْ نَزَلَتْ فِيهِ هَذِهِ الْآيَةُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: نَزَلَتْ فِي النَّبِيِّ ﷺ، وَفِي أَبِي جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ.
١٨ ‏/ ٢٩٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو النُّعْمَانِ الْحَكَمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْعِجْلِيُّ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبَانَ بْنِ تَغْلِبَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «﴿أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ﴾ [القصص: ٦١] قَالَ نَزَلَتْ فِي النَّبِيِّ ﷺ، وَفِي أَبِي جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ»
١٨ ‏/ ٢٩٤
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، «﴿أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ﴾ [القصص: ٦١] قَالَ: النَّبِيُّ ﷺ». ⦗٢٩٥⦘ وَقَالَ آخَرُونَ: نَزَلَتْ فِي حَمْزَةَ وَعَلِيٍّ رضي الله عنهما، وَأَبِي جَهْلٍ لَعَنَهُ اللَّهُ.
١٨ ‏/ ٢٩٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا بَدَلُ بْنُ الْمُحَبَّرِ التَّغْلِبِيُّ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبَانَ بْنِ تَغْلِبَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «﴿أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ﴾ [القصص: ٦١] قَالَ: نَزَلَتْ فِي حَمْزَةَ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَأَبِي جَهْلٍ»
١٨ ‏/ ٢٩٥
حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبَانَ بْنِ تَغْلِبَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «نَزَلَتْ فِي حَمْزَةَ وَأَبِي جَهْلٍ»
١٨ ‏/ ٢٩٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ. قَالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنَا، أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا، تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ، مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ﴾ [القصص: ٦٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَيَوْمَ يُنَادِي رَبُّ الْعِزَّةِ الَّذِينَ أَشْرَكُوا بِهِ الْأَنْدَادَ وَالْأَوْثَانَ فِي الدُّنْيَا، فَيَقُولُ لَهُمْ: ﴿أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ﴾ [القصص: ٦٢] أَنَّهُمْ لِي فِي الدُّنْيَا شُرَكَاءُ؟ ﴿قَالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ﴾ [القصص: ٦٣] يَقُولُ: قَالَ الَّذِينَ وَجَبَ عَلَيْهِمْ غَضَبُ اللَّهِ وَلَعْنَتُهُ، وَهُمُ الشَّيَاطِينُ الَّذِينَ كَانُوا يُغْوُونَ بَنِي آدَمَ: ﴿رَبَّنَا هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنَا، أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا﴾ [القصص: ٦٣] . ⦗٢٩٦⦘ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ ‏/ ٢٩٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا أَبُو سُفْيَانَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ «﴿هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنَا، أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا﴾ [القصص: ٦٣] قَالَ: هُمُ الشَّيَاطِينُ»
١٨ ‏/ ٢٩٦
وَقَوْلُهُ: ﴿تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ﴾ [القصص: ٦٣] يَقُولُ: تَبَرَّأْنَا مِنْ وَلَايَتِهِمْ وَنُصْرَتِهِمْ إِلَيْكَ ﴿مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ﴾ [القصص: ٦٣] يَقُولُ: لَمْ يَكُونُوا يَعْبُدُونَنَا.
١٨ ‏/ ٢٩٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ، فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ، وَرَأَوُا الْعَذَابَ، لَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَهْتَدُونَ﴾ [القصص: ٦٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَقِيلَ لِلْمُشْرِكِينَ بِاللَّهِ الْآلِهَةَ وَالْأَنْدَادَ فِي الدُّنْيَا ﴿ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ﴾ [الأعراف: ١٩٥] الَّذِينَ كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴿فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ﴾ [الكهف: ٥٢] يَقُولُ فَلَمْ يُجِيبُوهُمْ. ﴿وَرَأَوُا الْعَذَابَ﴾ [البقرة: ١٦٦] يَقُولُ: وَعَايَنُوا الْعَذَابَ. ﴿لَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَهْتَدُونَ﴾ [القصص: ٦٤] يَقُولُ: فَوَدُّوا حِينَ رَأَوُا الْعَذَابَ لَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا فِي الدُّنْيَا مُهْتَدِينَ لِلْحَقِّ.
١٨ ‏/ ٢٩٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ. فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنبَاءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لَا يَتَسَاءَلُونَ﴾ [القصص: ٦٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَيَوْمَ يُنَادِي اللَّهُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ، فَيَقُولُ لَهُمْ ﴿مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ﴾ [القصص: ٦٥] فِيمَا أَرْسَلْنَاهُمْ بِهِ إِلَيْكُمْ، مِنْ دُعَائِكُمْ إِلَى تَوْحِيدِنَا، وَالْبَرَاءَةِ مِنَ ⦗٢٩٧⦘ الْأَوْثَانِ وَالْأَصْنَامِ. ﴿فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنبَاءُ يَوْمَئِذٍ﴾ [القصص: ٦٦] يَقُولُ: فَخَفِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَخْبَارُ، مِنْ قَوْلِهِمْ: قَدْ عَمِيَ عَنِّي خَبَرُ الْقَوْمِ: إِذَا خَفِي. وَإِنَّمَا عُنِيَ بِذَلِكَ أَنَّهُمْ عَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْحُجَّةُ، فَلَمْ يَدْرُوا مَا يَحْتَجُّونَ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ كَانَ أَبْلَغَ إِلَيْهِمْ فِي الْمَعْذِرَةِ، وَتَابَعَ عَلَيْهِمُ الْحُجَّةَ، فَلَمْ تَكُنْ لَهُمْ حُجَّةٌ يَحْتَجُّونَ بِهَا، وَلَا خَبَرٌ يُخْبِرُونَ بِهِ، مِمَّا تَكُونُ لَهُمْ بِهِ نَجَاةٌ وَمَخْلَصٌ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ ‏/ ٢٩٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْبَاءُ﴾ [القصص: ٦٦] قَالَ: الْحُجَجُ، يَعْنِي الْحُجَّةَ»
١٨ ‏/ ٢٩٧
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْبَاءُ﴾ [القصص: ٦٦] قَالَ: الْحُجَجُ»
١٨ ‏/ ٢٩٧
قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ﴾ [القصص: ٦٥] قَالَ: بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، التَّوْحِيدِ»
١٨ ‏/ ٢٩٧
وَقَوْلُهُ: ﴿فَهُمْ لَا يَتَسَاءَلُونَ﴾ [القصص: ٦٦] بِالْأَنْسَابِ وَالْقَرَابَةِ.
١٨ ‏/ ٢٩٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿فَهُمْ لَا يَتَسَاءَلُونَ﴾ [القصص: ٦٦] قَالَ: لَا يَتَسَاءَلُونَ بِالْأَنْسَابِ، وَلَا يَتَمَاتُّونَ بِالْقَرَابَاتِ، إِنَّهُمْ كَانُوا فِي الدُّنْيَا إِذَا الْتَقَوْا تَسَاءَلُوا وَتَمَاتُّوا»
١٨ ‏/ ٢٩٨
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿فَهُمْ لَا يَتَسَاءَلُونَ﴾ [القصص: ٦٦] قَالَ: بِالْأَنْسَابِ». وَقِيلَ مَعْنَى ذَلِكَ: فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْحُجَجُ يَوْمَئِذٍ، فَسَكَتُوا، فَهُمْ لَا يَتَسَاءَلُونَ فِي حَالِ سُكُوتِهِمْ.
١٨ ‏/ ٢٩٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَأَمَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ﴾ [القصص: ٦٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿فَأَمَّا مَنْ تَابَ﴾ [القصص: ٦٧] مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَأَنَابَ وَرَاجَعَ الْحَقَّ، وَأَخْلَصَ لِلَّهِ الْأُلُوهَةَ، وَأَفْرَدَ لَهُ الْعِبَادَةَ، فَلَمْ يُشْرِكْ فِي عِبَادَتِهِ شَيْئًا، ﴿وَآمَنَ﴾ [مريم: ٦٠] يَقُولُ: وَصَدَّقَ بِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ. ﴿وَعَمِلَ صَالِحًا﴾ [البقرة: ٦٢] يَقُولُ: وَعَمِلَ بِمَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِعَمَلِهِ فِي كِتَابِهِ، وَعَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ ﷺ ﴿فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ﴾ [القصص: ٦٧] يَقُولُ: فَهُوَ مِنَ الْمُنْجَحِينَ الْمُدْرِكِينَ طِلْبَتَهُمْ عِنْدَ اللَّهِ، الْخَالِدِينَ فِي جِنَانِهِ، وَعَسَى ⦗٢٩٩⦘ مِنَ اللَّهِ وَاجِبٌ.
١٨ ‏/ ٢٩٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ، مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ، سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [القصص: ٦٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَرَبُّكَ﴾ [النساء: ٦٥] يَا مُحَمَّدُ ﴿يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ﴾ [آل عمران: ٤٧] أَنْ يَخْلُقَهُ، ﴿وَيَخْتَارُ﴾ [القصص: ٦٨] لِوَلَايَتِهِ الْخِيَرَةَ مِنْ خَلْقِهِ، وَمَنْ سَبَقَتْ لَهُ مِنْهُ السَّعَادَةُ. وَإِنَّمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ﴿وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ﴾ [القصص: ٦٨] وَالْمَعْنَى: مَا وَصَفْتُ، لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا فِيمَا ذُكِرَ عَنْهُمْ يَخْتَارُونَ أَمْوَالَهُمْ، فَيَجْعَلُونَهَا لِآلِهَتِهِمْ، فَقَالَ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: وَرَبُّكَ يَا مُحَمَّدُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ أَنْ يَخْلُقَهُ، وَيَخْتَارُ لِلْهِدَايَةِ وَالْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ مِنْ خَلْقِهِ مَا هُوَ فِي سَابِقِ عِلْمِهِ أَنَّهُ خِيَرَتُهُمْ، نَظِيرَ مَا كَانَ مِنْ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ لِآلِهَتِهِمْ خِيَارَ أَمْوَالِهِمْ، فَكَذَلِكَ اخْتِيَارِي لِنَفْسِي. وَاجْتِبَائِي لِوَلَايَتِي، وَاصْطِفَائِي لِخِدْمَتِي وَطَاعَتِي، خِيَارَ مُمْلَكَتِي وَخَلْقِي. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ ‏/ ٢٩٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: «﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ، مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ﴾ [القصص: ٦٨] قَالَ: كَانُوا يَجْعَلُونَ خَيْرَ أَمْوَالِهِمْ لِآلِهَتِهِمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ «. فَإِذَا كَانَ مَعْنَى ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَلَا شَكَّ أَنَّ» مَا» مِنْ قَوْلِهِ: ﴿وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ﴾ [القصص: ٦٨] فِي مَوْضِعِ نَصَبٍ، بِوُقُوعِ يَخْتَارُ عَلَيْهَا، وَأَنَّهَا بِمَعْنَى الَّذِي. ⦗٣٠٠⦘ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا وَصَفْتَ، مِنْ أَنَّ «مَا» اسْمٌ مَنْصُوبٌ بِوُقُوعِ قَوْلِهِ ﴿يَخْتَارُ﴾ [القصص: ٦٨] عَلَيْهَا، فَأَيْنَ خَبَرُ كَانَ؟ فَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ ذَلِكَ إِذَا كَانَ كَمَا قُلْتَ، أَنَّ فِيَ كَانَ ذِكْرًا مِنْ مَا، لَا بُدَّ لِكَانَ إِذَا كَانَ كَذَلِكَ مِنْ تَمَامٍ، وَأَيْنَ التَّمَامُ؟ قِيلَ: إِنَّ الْعَرَبَ تَجْعَلُ لِحُرُوفِ الصِّفَاتِ إِذَا جَاءَتِ الْأَخْبَارُ بَعْدَهَا أَحْيَانًا، أَخْبَارًا، كَفِعْلِهَا بِالْأَسْمَاءِ إِذَا جَاءَتْ بَعْدَهَا أَخْبَارُهَا. ذَكَرَ الْفَرَّاءُ أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مَعْنٍ أَنْشَدَهُ قَوْلَ عَنْتَرَةَ:
[البحر البسيط] أَمِنْ سُمَيَّةَ دَمْعُ الْعَيْنِ تَذْرِيفُ … لَوْ كَانَ ذَا مِنْكِ قَبْلَ الْيَوْمِ مَعْرُوفُ
فَرَفَعَ مَعْرُوفًا بِحَرْفِ الصِّفَةِ، وَهُوَ لَا شَكَّ خَبَرٌ لِذَا، وَذَكَرَ أَنَّ الْمُفَضَّلَ أَنْشَدَهُ ذَلِكَ:
لَوْ أَنَّ ذَا مِنْكِ قَبْلَ الْيَوْمِ مَعْرُوفُ
وَمِنْهُ أَيْضًا قَوْلُ عُمَرَ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ:
[البحر الرجز] قُلْتُ أَجِيبِي عَاشِقًا بِحُبِّكُمْ مُكَلَّفُ
فِيهَا ثَلَاثٌ كَالدُّمَى وَكَاعِبٌ وَمُسْلِفُ
⦗٣٠١⦘ فَمُكَلَّفٌ مِنْ نَعْتِ عَاشِقٍ، وَقَدْ رَفَعَهُ بِحَرْفِ الصِّفَةِ، وَهُوَ الْبَاءُ، فِي أَشْبَاهٍ لِمَا ذَكَرْنَا بِكَثِيرٍ مِنَ الشَّوَاهِدِ، فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ﴾ [القصص: ٦٨] رُفِعَتِ الْخِيَرَةُ بِالصِّفَةِ، وَهِيَ لَهُمْ، إِنْ كَانَتْ خَبَرًا لِمَا، لَمَّا جَاءَتْ بَعْدَ الصِّفَةِ، وَوَقَعَتِ الصُّفَّةُ مَوْقِعَ الْخَبَرِ، فَصَارَ كَقَوْلِ الْقَائِلِ: كَانَ عُمَرُ وَأَبُوهُ قَائِمٌ، لَا شَكَّ أَنَّ قَائِمًا لَوْ كَانَ مَكَانَ الْأَبِ، وَكَانَ الْأَبُ هُوَ الْمُتَأَخِّرِ بَعْدَهُ، كَانَ مَنْصُوبًا، فَكَذَلِكَ وَجْهُ رَفْعِ الْخِيَرَةِ، وَهُوَ خَبَرٌ لِمَا. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَهَلْ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ «مَا» فِي هَذَا الْمَوْضِعِ جَحْدًا، وَيَكُونَ مَعْنَى الْكَلَامِ: وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ أَنْ يَخْلُقَهُ، وَيَخْتَارُ مَا يَشَاءُ أَنْ يَخْتَارَهُ، فَيَكُونَ قَوْلُهُ ﴿وَيَخْتَارُ﴾ [القصص: ٦٨] نِهَايَةَ الْخَبَرِ عَنِ الْخَلْقِ وَالِاخْتِيَارِ، ثُمَّ يَكُونَ الْكَلَامُ بَعْدَ ذَلِكَ مُبْتَدَأٌ بِمَعْنَى: لَمْ تَكُنْ لَهُمُ الْخِيَرَةُ: أَيْ لَمْ يَكُنْ لِلْخَلْقِ الْخِيَرَةُ، وَإِنَّمَا الْخِيَرَةُ لِلَّهِ وَحْدَهُ؟ قِيلَ: هَذَا قَوْلٌ لَا يَخْفَى فَسَادُهُ عَلَى ذِي حِجًا مِنْ وُجُوهٍ، لَوْ لَمْ يَكُنْ بِخِلَافِهِ لِأَهْلِ التَّأْوِيلِ قَوْلٌ، فَكَيْفَ وَالتَّأْوِيلُ عَمَّنْ ذَكَرْنَا بِخِلَافِهِ؛ فَأَمَّا أَحَدُ وُجُوهِ فَسَادِهِ، فَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُ: ﴿مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ﴾ [القصص: ٦٨] لَوْ كَانَ كَمَا ظَنَّهُ مَنْ ظَنَّهُ، مِنْ أَنَّ «مَا» بِمَعْنَى الْجَحْدِ، عَلَى نَحْوِ التَّأْوِيلِ الَّذِي ذَكَرْتُ، كَانَ إِنَّمَا جَحَدَ تَعَالَى ذِكْرُهُ، أَنْ تَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ فِيمَا مَضَى قَبْلَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ، فَأَمَّا فِيمَا يَسْتَقْبِلُونَهُ فَلَهُمُ الْخِيَرَةُ، لِأَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ: مَا كَانَ لَكَ هَذَا، لَا شَكَّ إِنَّمَا هُوَ خَبَرٌ عَنْ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ فِيمَا مَضَى. وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لَهُ فِيمَا يَسْتَقْبِلُ، وَذَلِكَ ⦗٣٠٢⦘ مِنَ الْكَلَامِ لَا شَكَّ خُلْفٌ. لِأَنَّ مَا لَمْ يَكُنْ لِلْخَلْقِ مِنْ ذَلِكَ قَدِيمًا، فَلَيْسَ ذَلِكَ لَهُمْ أَبَدًا. وَبَعْدُ، لَوْ أُرِيدَ ذَلِكَ الْمَعْنَى، لَكَانَ الْكَلَامُ: فَلَيْسَ. وَقِيلَ: وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ، لَيْسَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ، لِيَكُونَ نَفْيًا عَنْ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لَهُمْ فِيمَا قَبْلُ وَفِيمَا بَعْدُ. وَالثَّانِي: أَنَّ كِتَابَ اللَّهِ أَبْيَنُ الْبَيَانِ، وَأَوْضَحُ الْكَلَامِ، وَمُحَالٌ أَنْ يُوجَدَ فِيهِ شَيْءٌ غَيْرُ مَفْهُومِ الْمَعْنَى، وَغَيْرُ جَائِزٍ فِي الْكَلَامِ أَنْ يُقَالَ ابْتِدَاءٌ: مَا كَانَ لِفُلَانٍ الْخِيَرَةُ، وَلَمَّا يَتَقَدَّمْ قَبْلَ ذَلِكَ كَلَامٌ يَقْتَضِي ذَلِكَ؛ فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿وَيَخْتَارُ، مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ﴾ [القصص: ٦٨] وَلَمْ يَتَقَدَّمْ قَبْلَهُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ خَبَرٌ عَنْ أَحَدٍ أَنَّهُ ادَّعَى أَنَّهُ كَانَ لَهُ الْخِيَرَةُ، فَيُقَالُ لَهُ: مَا كَانَ لَكَ الْخِيَرَةُ، وَإِنَّمَا جَرَى قَبْلَهُ الْخَبَرُ عَمَّنْ هُوَ صَائِرٌ إِلَيْهِ أَمْرُ مَنْ تَابَ مِنْ شِرْكِهِ، وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا، وَأَتْبَعْ ذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ الْخَبَرَ عَنْ سَبَبِ إِيمَانِ مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا مِنْهُمْ، وَأَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ لِاخْتِيَارِهِ إِيَّاهُ لِلْإِيمَانِ، وَلِلسَّابِقِ مِنْ عَلْمِهِ فِيهِ اهْتَدَى. وَيَزِيدُ مَا قُلْنَا مِنْ ذَلِكَ إِبَانَةً قَوْلُهُ: ﴿وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ﴾ [القصص: ٦٩] فَأَخْبَرَ أَنَّهُ يَعْلَمُ مِنْ عِبَادِهِ السَّرَائِرَ وَالظَّوَاهِرَ، وَيَصْطَفِي لِنَفْسِهِ وَيَخْتَارُ لِطَاعَتِهِ مَنْ قَدْ عَلِمَ مِنْهُ السَّرِيرَةَ الصَّالِحَةَ، وَالْعَلَانِيَةَ الرَّضِيَّةَ. وَالثَّالِثُ: أَنَّ مَعْنَى الْخِيَرَةِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: إِنَّمَا هُوَ الْخِيَرَةُ، وَهُوَ الشَّيْءُ الَّذِي يُخْتَارُ مِنَ الْبَهَائِمِ وَالْأَنْعَامِ وَالرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، يُقَالُ مِنْهُ: أُعْطِيَ الْخِيَرَةَ وَالْخِيرَةَ، مِثْلَ الطِّيَرَةِ وَالطِّيرَةِ، وَلَيْسَ بِالِاخْتِيَارِ، وَإِذَا كَانَتِ الْخِيَرَةُ مَا وَصَفْنَا، ⦗٣٠٣⦘ فَمَعْلُومٌ أَنَّ مِنْ أَجْوَدِ الْكَلَامِ أَنْ يُقَالَ: وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ، وَيَخْتَارُ مَا يَشَاءُ، لَمْ يَكُنْ لَهُمْ خِيرُ بَهِيمَةٍ أَوْ خِيرُ طَعَامٍ، أَوْ خِيرُ رَجُلٍ أَوِ امْرَأَةٍ. فَإِنْ قَالَ: فَهَلْ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ؟ قِيلَ: لَا، وَذَلِكَ أَنَّهَا إِذَا كَانَتْ مَصْدَرًا كَانَ مَعْنَى الْكَلَامِ: وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ كَوْنَ الْخِيَرَةِ لَهُمْ. وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مَعْنَاهُ وَجَبَ أَنْ لَا تَكُونَ الشِّرَارُ لَهُمْ مِنَ الْبَهَائِمِ وَالْأَنْعَامِ؛ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ شِرَارُ ذَلِكَ وَجَبَ أَنْ لَا يَكُونَ لَهَا مَالِكٌ، وَذَلِكَ مَا لَا يَخْفَى خَطَؤُهُ، لِأَنَّ لِخِيَارِهَا وَلِشِرَارِهَا أَرْبَابًا يَمْلِكُونَهَا بِتَمْلِيكِ اللَّهِ إِيَّاهُمْ ذَلِكَ، وَفِي كَوْنِ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَسَادُ تَوْجِيهِ ذَلِكَ إِلَى مَعْنَى الْمَصْدَرِ

عن معز نوني

متحصّل على شهادة ختم الدروس للمعهد الأعلى لتكوين المعلمين بقفصة دفعة 2000، يعمل حاليًّا أستاذ مدارس إبتدائية

شاهد أيضاً

سُورَةُ الْفَاتِحَةِ

مَكِّيَّةٌ وَآيَاتُهَا سَبْعٌ ١ ‏/ ١١١ ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ [الفاتحة: ١] الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ …