سُورَةُ الْقَصَصِ 1

مَكِّيَّةٌ وَآيَاتُهَا ثَمَانٍ وَثَمَانُونَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
١٨ ‏/ ١٤٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿طسم، تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ. نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ [القصص: ٢] قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَقَدْ بَيَّنَّا قبل فِيمَا مَضَى تأويل قَوْلِ اللَّهِ عز وجل ﴿طسم﴾ [الشعراء: ١] وَذَكَرْنَا اخْتِلَافَ أَهْلِ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِهِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ﴾ [يوسف: ١] فَإِنَّهُ يَعْنِي هَذِهِ آيَاتُ الْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلْتُهُ إِلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ، الْمُبِينُ أَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَأَنَّكَ لَمْ تَتَقَوَّلْهُ وَلَمْ تَتَخَرَّصْهُ.
١٨ ‏/ ١٤٩
وَكَانَ قَتَادَةُ فِيمَا ذُكِرَ عَنْهُ يَقُولُ فِي ذَلِكَ مَا: حَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ «﴿طسم. تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ﴾ [الشعراء: ٢] يَعْنِي مُبِينٌ وَاللَّهِ بَرَكَتُهُ وَرُشْدُهُ وَهُدَاهُ»
١٨ ‏/ ١٤٩
وَقَوْلُهُ: ﴿نَتْلُوا عَلَيْكَ﴾ [القصص: ٣] يَقُولُ: نَقْرَأُ عَلَيْكَ وَنَقُصُّ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ خَبَرِ مُوسَى ﴿وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ﴾ [القصص: ٣] .
١٨ ‏/ ١٤٩
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ «﴿نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَأِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ يَقُولُ: فِي هَذَا الْقُرْآنِ نَبَؤُهُمْ»
١٨ ‏/ ١٤٩
وَقَوْلُهُ: ﴿لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ [الأنعام: ٩٩] يَقُولُ: لِقَوْمٍ يُصَدِّقُونَ بِهَذَا الْكِتَابِ، لِيَعْلَمُوا أَنَّ مَا نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَئِهِمْ فِيهِ نَبَؤُهُمْ، وَتَطْمَئِنَّ نُفُوسُهُمْ، بِأَنَّ سُنَّتَنَا فِيمَنْ خَالَفَكَ وَعَادَاكَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ سُنَّتُنَا فِيمَنْ عَادَى مُوسَى وَمَنْ آمَنَ بِهِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ، أَنْ نُهْلِكَهُمْ كَمَا أَهْلَكْنَاهُمْ، وَنُنْجِيَهُمْ مِنْهُمْ كَمَا أَنْجَيْنَاهُمْ.
١٨ ‏/ ١٥٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ، يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ، وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ، إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ﴾ [القصص: ٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ فِرْعَوْنَ تَجَبَّرَ فِي أَرْضِ مِصْرَ وَتَكَبَّرَ، وَعَلَا أَهْلَهَا وَقَهَرَهُمْ، حَتَّى أَقَرُّوا لَهُ بِالْعُبُودَةِ.
١٨ ‏/ ١٥٠
كَمَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، «﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ﴾ [القصص: ٤] يَقُولُ: تَجَبَّرَ فِي الْأَرْضِ»
١٨ ‏/ ١٥٠
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ﴾ [القصص: ٤] أَيْ بَغَى فِي الْأَرْضِ»
١٨ ‏/ ١٥٠
وَقَوْلُهُ: ﴿وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا﴾ [القصص: ٤] يَعْنِي بِالشِّيَعِ: الْفِرَقَ، يَقُولُ: وَجَعَلَ أَهْلَهَا فِرَقًا مُتَفَرَّقِينَ.
١٨ ‏/ ١٥٠
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿وَجَعَلَ ⦗١٥١⦘ أَهْلَهَا شِيَعًا﴾ [القصص: ٤]: أَيْ فِرَقًا يُذَبِّحُ طَائِفَةً مِنْهُمْ، وَيَسْتَحْيِي طَائِفَةً، وَيُعَذِّبُ طَائِفَةً، وَيَسْتَعْبِدُ طَائِفَةً. قَالَ اللَّهُ عز وجل: ﴿يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ، وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ، إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ﴾ [القصص: ٤]»
١٨ ‏/ ١٥٠
حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: «كَانَ مِنْ شَأْنِ فِرْعَوْنَ أَنَّهُ رَأَى رُؤْيَا فِي مَنَامِهِ، أَنَّ نَارًا أَقْبَلَتْ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ حَتَّى اشْتَمَلَتْ عَلَى بُيُوتِ مِصْرَ، فَأَحْرَقَتِ الْقِبْطَ، وَتَرَكَتْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَأَحْرَقَتْ بُيُوتَ مِصْرَ، فَدَعَا السَّحَرَةَ وَالْكَهَنَةَ وَالْقَافَّةَ وَالْحَازَّةَ، فَسَأَلَهُمْ عَنْ رُؤْيَاهُ، فَقَالُوا لَهُ: يَخْرُجُ مِنْ هَذَا الْبَلَدِ الَّذِي جَاءَ بَنُو إِسْرَائِيلَ مِنْهُ، يَعْنُونَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، رَجُلٌ يَكُونُ عَلَى وَجْهِهِ هَلَاكُ مِصْرَ، فَأَمَرَ بِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ لَا يُولَدَ لَهُمْ غُلَامٌ إِلَّا ذَبَحُوهُ، وَلَا تُولَدُ لَهُمْ جَارِيَةٌ إِلَّا تُرِكَتْ، وَقَالَ لِلْقِبْطِ: انْظُرُوا مَمْلُوكِيكُمُ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ خَارِجًا، فَأَدْخِلُوهُمْ، وَاجْعَلُوا بَنِي إِسْرَائِيلَ يَلُونَ تِلْكَ الْأَعْمَالَ الْقَذِرَةَ، فَجَعَلَ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي أَعْمَالِ غِلْمَانِهِمْ، وَأَدْخَلُوا غِلْمَانَهُمْ، فَذَلِكَ حِينَ يَقُولُ: ﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا﴾ [القصص: ٤] يَعْنِي بَنِي إِسْرَائِيلَ حِينَ جَعَلَهُمْ فِي الْأَعْمَالِ الْقَذِرَةِ»
١٨ ‏/ ١٥١
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «﴿وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا﴾ [القصص: ٤] قَالَ: فَرَّقَ بَيْنَهُمْ»
١٨ ‏/ ١٥١
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا﴾ [القصص: ٤] قَالَ: فِرَقًا»
١٨ ‏/ ١٥٢
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا﴾ [القصص: ٤] قَالَ: الشِّيَعُ: الْفِرَقُ»
١٨ ‏/ ١٥٢
وَقَوْلُهُ: ﴿يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ﴾ [القصص: ٤] ذُكِرَ أَنَّ اسْتِضْعَافَهُ إِيَّاهَا كَانَ اسْتِعْبَادَهُ.
١٨ ‏/ ١٥٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني أَبُو سُفْيَانَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: «يستعَبْدُ طَائِفَةً مِنْهُمْ، وَيُذَبِّحُ طَائِفَةً، وَيَقْتُلُ طَائِفَةً، وَيَسْتَحْيِي طَائِفَةً»
١٨ ‏/ ١٥٢
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ﴾ [القصص: ٤] يَقُولُ: إِنَّهُ كَانَ مِمَّنْ يُفْسِدُ فِي الْأَرْضِ بِقَتْلِهِ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ مِنْهُ الْقَتْلُ، وَاسْتِعْبَادِهِ مَنْ لَيْسَ لَهُ اسْتِعْبَادُهُ، وَتَجَبُّرِهِ فِي الْأَرْضِ عَلَى أَهْلِهَا، وَتَكَبُّرِهِ عَلَى عِبَادَةِ رَبِّهِ.
١٨ ‏/ ١٥٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ. وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ﴾ [القصص: ٦] قَوْلُهُ: ﴿وَنُرِيدُ﴾ [القصص: ٥] عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ ﴿يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ﴾ [القصص: ٤] وَمَعْنَى الْكَلَامِ: أَنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِرَقًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ وَنَحْنُ ﴿نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ﴾ [القصص: ٥] اسْتَضْعَفَهُمْ فِرْعَوْنُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ ﴿وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً﴾ [القصص: ٥] . ⦗١٥٣⦘ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ ‏/ ١٥٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ﴾ [القصص: ٥] قَالَ: بَنُو إِسْرَائِيلَ»
١٨ ‏/ ١٥٣
قَوْلُهُ: ﴿وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً﴾ [القصص: ٥] أَيْ وُلَاةً وَمُلُوكًا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ ‏/ ١٥٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً﴾ [القصص: ٥] أَيْ وُلَاةَ الْأَمْرِ»
١٨ ‏/ ١٥٣
وَقَوْلُهُ: ﴿وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾ [القصص: ٥] يَقُولُ: وَنَجْعَلَهُمْ وَرَّاثَ آلِ فِرْعَوْنَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَلَدِ مَهْلِكِهِمْ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ ‏/ ١٥٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾ [القصص: ٥]: أَيْ يَرِثُونَ الْأَرْضَ بَعْدَ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ»
١٨ ‏/ ١٥٣
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني أَبُو سُفْيَانَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾ [القصص: ٥] يَقُولُ: يَرِثُونَ الْأَرْضَ بَعْدَ فِرْعَوْنَ»
١٨ ‏/ ١٥٤
وَقَوْلُهُ: ﴿وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ﴾ [القصص: ٦] يَقُولُ: وَنُوَطِّئُ لَهُمْ فِي أَرْضِ الشَّامِ وَمِصْرَ ﴿وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا﴾ [القصص: ٦] كَانُوا قَدْ أُخْبِرُوا أَنَّ هَلَاكَهُمْ عَلَى يَدِ رَجُلٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَكَانُوا مِنْ ذَلِكَ عَلَى وَجَلٍ مِنْهُمْ، وَلِذَلِكَ كَانَ فِرْعَوْنُ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ، وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ، فَأَرَى اللَّهُ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى يَدِ مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ نَبِيِّهِ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَهُ مِنْهُمْ مِنْ هَلَاكِهِمْ وَخَرَابِ مَنَازِلِهِمْ وَدُورِهِمْ.
١٨ ‏/ ١٥٤
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ﴾ [القصص: ٦] شَيْئًا مَا حَذَرَ الْقَوْمُ، قَالَ: وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ حَازِيًا حَزَا لِعَدُوِّ اللَّهِ فِرْعَوْنَ، فَقَالَ: يُولَدُ فِي هَذَا الْعَامِ غُلَامٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَسْلُبُكَ مُلْكَكَ، فَتَتَبَّعَ أَبْنَاءَهُمْ ذَلِكَ الْعَامَ، يَقْتُلُ أَبْنَاءَهُمْ، وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ حَذَرًا مِمَّا قَالَ لَهُ الْحَازِي»
١٨ ‏/ ١٥٤
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا أَبُو سُفْيَانَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: «كَانَ لِفِرْعَوْنَ رَجُلٌ يَنْظُرُ لَهُ وَيُخْبِرُهُ، يَعْنِي أَنَّهُ كَاهِنٌ، فَقَالَ لَهُ: إِنَّهُ يُولَدُ فِي هَذَا الْعَامِ غُلَامٌ يَذْهَبُ بِمُلْكِكُمْ، فَكَانَ فِرْعَوْنُ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ، وَيَسْتَحْيِي ⦗١٥٥⦘ نِسَاءَهُمْ حَذَرًا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ ﴿وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ﴾ [القصص: ٦]». وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ﴾ [القصص: ٦] فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْحِجَازِ وَالْبَصْرَةِ وَبَعْضُ الْكُوفِيِّينَ: ﴿وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ﴾ [القصص: ٦] بِمَعْنَى: وَنُرِيَ نَحْنُ بِالنُّونِ عَطْفًا بِذَلِكَ عَلَى قَوْلِهِ: ﴿وَنُمَكِّنَ لَهُمْ﴾ [القصص: ٦] . وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ: (وَيَرَى فِرْعَوْنُ) عَلَى أَنَّ الْفِعْلَ لِفِرْعَوْنَ، بِمَعْنَى: وَيُعَايِنُ فِرْعَوْنُ، بِالْيَاءِ مِنْ يَرَى، وَرَفْعِ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَالْجُنُودِ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ فِي قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ، مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى، قَدْ قَرَأَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عُلَمَاءُ مِنَ الْقُرَّاءِ، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَهُوَ مُصِيبٌ، لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ أَنَّ فِرْعَوْنَ لَمْ يَكُنْ لِيَرَى مِنْ مُوسَى مَا رَأَى، إِلَّا بِأَنْ يُرِيَهُ اللَّهُ عز وجل مِنْهُ، وَلَمْ يَكُنْ لِيُرِيَهُ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ ذَلِكَ مِنْهُ إِلَّا رَآهُ.
١٨ ‏/ ١٥٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ [القصص: ٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى﴾ [القصص: ٧] حِينَ وَلَدَتْ مُوسَى ﴿أَنْ أَرْضِعِيهِ﴾ [القصص: ٧] . وَكَانَ قَتَادَةُ يَقُولُ فِي مَعْنَى ذَلِكَ: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى﴾ [القصص: ٧]: قَذَفْنَا فِي قَلْبِهَا.
١٨ ‏/ ١٥٥
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ ⦗١٥٦⦘ مُوسَى﴾ [القصص: ٧] وَحْيًا جَاءَهَا مِنَ اللَّهِ، فَقَذَفَ فِي قَلْبِهَا، وَلَيْسَ بِوَحْيِ نُبُوَّةٍ، أَنْ أَرْضِعِي مُوسَى ﴿فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ، وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي﴾ [القصص: ٧] . . الْآيَةَ»
١٨ ‏/ ١٥٥
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني أَبُو سُفْيَانَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ «﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى﴾ [القصص: ٧] قَالَ: قُذِفَ فِي نَفْسِهَا»
١٨ ‏/ ١٥٦
حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: «أَمَرَ فِرْعَوْنُ أَنْ يُذْبَحَ، مَنْ وُلِدَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ سَنَةً، وَيَتْرُكُوا سَنَةً؛ فَلَمَّا كَانَ فِي السَّنَةِ الَّتِي يَذْبَحُونَ فِيهَا حَمَلَتْ بِمُوسَى؛ فَلَمَّا أَرَادَتْ وَضْعَهُ، حَزِنَتْ مِنْ شَأْنِهِ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهَا ﴿أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ﴾ [القصص: ٧]». وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْحَالِ الَّتِي أُمِرَتْ أُمُّ مُوسَى أَنْ تُلْقِيَ مُوسَى فِي الْيَمِّ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أُمِرَتْ أَنْ تُلْقِيهِ فِي الْيَمِّ بَعْدَ مِيلَادِهِ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، وَذَلِكَ حَالُ طَلَبِهِ مِنَ الرَّضَاعِ أَكْثَرُ مِمَّا يُطْلَبُ الصَّبِيُّ بَعْدَ حَالِ سُقُوطِهِ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ.
١٨ ‏/ ١٥٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَوْلَهُ: «﴿أَنْ أَرْضِعِيهِ، فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ﴾ [القصص: ٧] قَالَ: إِذَا بَلَغَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَصَاحَ وَابْتَغَى مِنَ الرَّضَاعِ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ ﴿فَأَلْقِيهِ﴾ [القصص: ٧] حِينَئِذٍ ﴿فِي الْيَمِّ﴾ [القصص: ٧] فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ﴾ [القصص: ٧]»
١٨ ‏/ ١٥٦
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: «لَمْ يَقُلْ لَهَا: إِذَا وَلَدْتِيهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ، إِنَّمَا قَالَ لَهَا ﴿أَنْ أَرْضِعِيهِ، فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ﴾ [القصص: ٧] بِذَلِكَ أُمِرَتْ، قَالَ: جَعَلَتْهُ فِي بُسْتَانٍ، فَكَانَتْ تَأْتِيهِ كُلَّ يَوْمٍ فَتُرْضِعُهُ، وَتَأْتِيهِ كُلَّ لَيْلَةٍ فَتُرْضِعُهُ، فَيَكْفِيهِ ذَلِكَ». وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ أُمِرَتْ أَن تُلْقِيَهُ فِي الْيَمِّ بَعْدَ وِلَادِهَا إِيَّاهُ، وَبَعْدَ رِضَاعِهَا.
١٨ ‏/ ١٥٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: «لَمَّا وَضَعَتْهُ أَرْضَعَتْهُ ثُمَّ دَعَتْ لَهُ نَجَّارًا، فَجَعَلَ لَهُ تَابُوتًا، وَجَعَلَ مِفْتَاحَ التَّابُوتِ مِنْ دَاخِلٍ، وَجَعَلَتْهُ فِيهِ، فَأَلْقَتْهُ فِي الْيَمِّ» . وَأَوْلَى قَوْلٍ قِيلَ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ، أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَمَرَ أُمَّ مُوسَى أَنْ تُرْضِعَهُ، فَإِذَا خَافَتْ عَلَيْهِ مِنْ عَدُوِّ اللَّهِ فِرْعَوْنَ وَجُنْدِهِ أَنْ تُلْقِيَهُ فِي الْيَمِّ. وَجَائِزٌ أَنْ تَكُونَ خَافَتْهُمْ عَلَيْهِ بَعْدَ أَشْهُرٍ مِنْ وِلَادِهَا إِيَّاهُ؛ وَأَيُّ ذَلِكَ كَانَ، فَقَدْ فَعَلَتْ مَا أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهَا فِيهِ، وَلَا خَبَرَ قَامَتْ بِهِ حُجَّةٌ، وَلَا فِطْرَةَ فِي الْعَقْلِ لِبَيَانِ أَيِّ ذَلِكَ كَانَ مِنْ أَيٍّ، فَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصِّحَّةِ أَنْ يُقَالَ كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ. وَالْيَمُّ الَّذِي أُمِرَتْ أَنْ تُلْقِيَهُ فِيهِ هُوَ النِّيلُ.
١٨ ‏/ ١٥٧
كَمَا: حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، «﴿فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ﴾ [القصص: ٧] قَالَ: هُوَ الْبَحْرُ، وَهُوَ النِّيلُ». ⦗١٥٨⦘ وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ بِشَوَاهِدِهِ، وَذَكَرَ الرِّوَايَةَ فِيهِ فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ.
١٨ ‏/ ١٥٧
وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي﴾ [القصص: ٧] يَقُولُ: لَا تَخَافِي عَلَى وَلَدِكِ مِنْ فِرْعَوْنَ وَجُنْدِهِ أَنْ يَقْتُلُوهُ، وَلَا تَحْزَنِي لِفِرَاقِهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ ‏/ ١٥٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: «﴿وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي﴾ [القصص: ٧] قَالَ: لَا تَخَافِي عَلَيْهِ الْبَحْرَ، وَلَا تَحْزَنِي لِفِرَاقِهِ ﴿إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ﴾ [القصص: ٧]»
١٨ ‏/ ١٥٨
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ [القصص: ٧] يَقُولُ: إِنَّا رَادُّو وَلَدَكِ إِلَيْكِ لِلرَّضَاعِ لِتَكُونِي أَنْتِ تُرْضِعِيهِ، وَبَاعِثُوهُ رَسُولًا إِلَى مَنْ تَخَافِينَهُ عَلَيْهِ أَنْ يَقْتُلَهُ، وَفَعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ بِهَا وَبِهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ ‏/ ١٥٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، «﴿إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ﴾ [القصص: ٧] وَبَاعِثُوهُ رَسُولًا إِلَى هَذَا الطَّاغِيَةِ، وَجَاعِلُو هَلَاكَهُ وَنَجَاةَ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِمَّا هُمْ فِيهِ مِنَ الْبَلَاءِ عَلَى يَدَيْهِ»
١٨ ‏/ ١٥٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا، إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ﴾ [القصص: ٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ فَأَصَابُوهُ وَأَخْذُوهُ؛ وَأَصْلُهُ مِنَ اللُّقَطَةِ، وَهُوَ مَا وُجِدَ ضَالًّا فَأُخِذَ. وَالْعَرَبُ تَقُولُ لِمَا وَرَدَتْ عَلَيْهِ فَجْأَةً مِنْ غَيْرِ طَلَبٍ لَهُ وَلَا إِرَادَةٍ: أَصَبْتُهُ الْتِقَاطًا، وَلَقِيتُ فُلَانًا الْتِقَاطًا؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الرَّاجِزِ:
[البحر الرجز] وَمَنْهَلٍ وَرَدْتُهُ الْتِقَاطَا … لَمْ أَلْقَ إِذْ وَرَدْتُهُ فُرَّاطَا
يَعْنِي فَجْأَةً. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمَعْنِيِّ بِقَوْلِهِ: ﴿آلُ فِرْعَوْنَ﴾ [البقرة: ٤٩] فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عُنِيَ بِذَلِكَ: جَوَارِي امْرَأَةَ فِرْعَوْنَ.
١٨ ‏/ ١٥٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: «أَقْبَلَ الْمَوْجُ بِالتَّابُوتِ يَرْفَعُهُ مَرَّةً وَيَخْفِضُهُ أُخْرَى، حَتَّى أَدْخَلَهُ بَيْنَ أَشْجَارٍ عِنْدَ بَيْتِ فِرْعَوْنَ، فَخَرَجَ جَوَارِي آسِيَةَ امْرَأَةِ فِرْعَوْنَ يَغْسِلْنَ، فَوَجَدْنَ التَّابُوتَ، فَأَدْخَلْنَهُ إِلَى آسِيَةَ، وَظَنَنَّ أَنَّ فِيهِ مَالًا؛ فَلَمَّا نَظَرَتْ إِلَيْهِ آسِيَةُ، وَقَعَتْ عَلَيْهَا رَحْمَتُهُ فَأَحَبَّتْهُ؛ فَلَمَّا أَخْبَرَتْ بِهِ فِرْعَوْنَ أَرَادَ أَنْ يَذْبَحَهُ، فَلَمْ تَزَلْ آسِيَةُ تُكَلِّمُهُ حَتَّى تَرَكَهُ لَهَا، قَالَ: إِنِّي ⦗١٦٠⦘ أَخَافُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَأَنْ يَكُونَ هَذَا الَّذِي عَلَى يَدَيْهِ هَلَاكُنَا، فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ: ﴿فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا﴾ [القصص: ٨]». وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عُنِيَ بِهِ ابْنَةُ فِرْعَوْنَ
١٨ ‏/ ١٥٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ، قَالَ: «كَانَتْ بِنْتُ فِرْعَوْنَ بَرْصَاءَ، فَجَاءَتْ إِلَى النِّيلِ، فَإِذَا التَّابُوتُ فِي النِّيلِ تُخْفِقُهُ الْأَمْوَاجُ، فَأَخَذَتْهُ بِنْتُ فِرْعَوْنَ، فَلَمَّا فَتَحَتِ التَّابُوتَ، فَإِذَا هِيَ بِصَبِيٍّ، فَلَمَّا اطَّلَعَتْ فِي وَجْهِهِ بَرِأَتْ مِنَ الْبَرَصِ، فَجَاءَتْ بِهِ إِلَى أُمِّهَا، فَقَالَتْ: إِنَّ هَذَا الصَّبِيَّ مُبَارَكٌ، لَمَّا نَظَرْتُ إِلَيْهِ بَرِئْتُ، فَقَالَ فِرْعَوْنُ: هَذَا مِنْ صِبْيَانِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، هَلُمَّ حَتَّى أَقْتُلَهُ، فَقَالَتْ: ﴿قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ﴾». وَقَالَ آخَرُونَ: عُنِيَ بِهِ أَعْوَانُ فِرْعَوْنَ.
١٨ ‏/ ١٦٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: «أَصْبَحَ فِرْعَوْنُ فِي مَجْلِسٍ لَهُ كَانَ يَجْلِسُهُ عَلَى شَفِيرِ النِّيلِ كُلَّ غَدَاةٍ: فَبَيْنَمَا هُوَ جَالِسٌ، إِذْ مَرَّ النِّيلُ بِالتَّابُوتِ يَقْذِفُ بِهِ، وَآسِيَةُ بِنْتُ مُزَاحِمٍ امْرَأَتُهُ جَالِسَةٌ إِلَى جَنْبِهِ، فَقَالَتْ: إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ فِي الْبَحْرِ، فَأْتُونِي بِهِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ أَعْوَانُهُ، حَتَّى جَاءُوا بِهِ، فَفُتِحَ التَّابُوتُ فَإِذَا فِيهِ صَبِيٌّ فِي مَهْدِهِ، فَأَلْقَى اللَّهُ عَلَيْهِ مَحَبَّتَهُ، وَعَطَفَ عَلَيْهِ نَفْسَهُ، قَالَتِ امْرَأَتُهُ آسِيَةُ: ﴿لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا﴾ [القصص: ٩]». ⦗١٦١⦘ وَلَا قَوْلَ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا أَوْلَى بِالصَّوَابِ مِمَّا قَالَ اللَّهُ عز وجل: ﴿فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ﴾ [القصص: ٨] وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْآلِ فِيمَا مَضَى بِمَا فِيهِ الْكِفَايَةُ مِنْ إِعَادَتِهِ هَهُنَا.
١٨ ‏/ ١٦٠
وَقَوْلُهُ: ﴿لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا﴾ [القصص: ٨] فَيَقُولُ الْقَائِلُ: لِيَكُونَ مُوسَى لِآلِ فِرْعَوْنَ عَدُوًّا وَحَزَنًا فَالْتَقَطُوهُ، فَيُقَالُ ﴿فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا﴾ [القصص: ٨] قِيلَ: إِنَّهُمْ حِينَ الْتَقَطُوهُ لَمْ يَلْتَقِطُوهُ لِذَلِكَ، بَلْ لِمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ.
١٨ ‏/ ١٦١
وَلَكِنَّهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ كَمَا: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، فِي قَوْلِهِ: «﴿فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا﴾ [القصص: ٨] قَالَ: لِيَكُونَ فِي عَاقِبَةِ أَمْرِهِ عَدُوًّا وَحَزَنًا لِمَا أَرَادَ اللَّهُ بِهِ». وَلَيْسَ لِذَلِكَ أَخَذُوهُ، وَلَكِنَّ امْرَأَةَ فِرْعَوْنَ قَالَتْ: ﴿قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ﴾ فَكَانَ قَوْلُ اللَّهِ: ﴿لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا﴾ [القصص: ٨] لِمَا هُوَ كَائِنٌ فِي عَاقِبَةِ أَمْرِهِ لَهُمْ، وَهُوَ كَقَوْلِ الْآخَرِ إِذَا قَرَّعَهُ لِفِعْلٍ كَانَ فَعَلَهُ وَهُوَ يُحْسَبُ مُحْسِنًا فِي فِعْلِهِ، فَأَدَّاهُ فِعْلُهُ ذَلِكَ إِلَى مَسَاءَةٍ مُنَدِّمًا لَهُ عَلَى فِعْلِهِ: فَعَلْتَ هَذَا لِضُرِّ نَفْسِكَ، وَلِتَضُرَّ بِهِ نَفْسَكَ فَعَلْتَ. وَقَدْ كَانَ الْفَاعِلُ فِي حَالِ فِعْلِهِ ذَلِكَ عِنْدَ نَفْسِهِ يَفْعَلُهُ رَاجِيًا نَفْعَهُ، غَيْرَ أَنَّ الْعَاقِبَةَ جَاءَتْ بِخِلَافِ مَا كَانَ يَرْجُو. فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا﴾ [القصص: ٨] إِنَّمَا هُوَ: فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ ظَنًّا مِنْهُمْ أَنَّهُمْ مُحْسِنُونَ إِلَى أَنْفُسِهِمْ، لِيَكُونَ قُرَّةَ عَيْنٍ لَهُمْ، فَكَانَتْ عَاقِبَةُ الْتِقَاطِهِمْ إِيَّاهُ مِنْهُ ⦗١٦٢⦘ هَلَاكَهُمْ عَلَى يَدَيْهِ
١٨ ‏/ ١٦١
وَقَوْلُهُ: ﴿عَدُوًّا وَحَزَنًا﴾ [القصص: ٨] يَقُولُ: يَكُونُ لَهُمْ عَدُوًّا فِي دِينِهِمْ، وَحَزَنًا عَلَى مَا يَنَالُهُمْ مِنْهُ مِنَ الْمَكْرُوهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ ‏/ ١٦٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: «﴿فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا﴾ [القصص: ٨] عَدُوًّا لَهُمْ فِي دِينِهِمْ، وَحَزَنًا لِمَا يَأْتِيهِمْ». وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ وَبَعْضُ أَهْلِ الْكُوفَةِ: ﴿وَحَزَنًا﴾ [القصص: ٨]، بِفَتْحِ الْحَاءِ وَالزَّايِ. وَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ: (وَحُزْنًا) بِضَمِّ الْحَاءِ وَتَسْكِينِ الزَّايِ. وَالْحَزَنُ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَالزَّايِ مَصْدَرٌ مِنْ حَزِنْتُ حُزْنًا، وَالْحُزْنُ بِضَمِّ الْحَاءِ وَتَسْكِينِ الزَّايِ الِاسْمُ: كَالْعَدَمِ وَالْعُدْمِ وَنَحْوِهِ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى، وَهُمَا عَلَى اخْتِلَافِ اللَّفْظِ فِيهِمَا بِمَنْزِلَةِ الْعَدَمِ، وَالْعُدْمِ، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ.
١٨ ‏/ ١٦٢
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ﴾ [القصص: ٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا بِرَبِّهِمْ آثِمِينَ، فَلِذَلِكَ كَانَ لَهُمْ مُوسَى عَدُوًّا وَحَزَنًا.
١٨ ‏/ ١٦٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ، لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا، وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ﴾ لَهُ هَذَا ﴿قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ﴾ يَا فِرْعَوْنُ؛ فَقُرَّةُ عَيْنٍ مَرْفُوعَةٌ بِمُضْمَرٍ هُوَ هَذَا، أَوْ هُوَ. وَقَوْلُهُ: ﴿لَا تَقْتُلُوهُ﴾ [القصص: ٩] مَسْأَلَةٌ مِنَ امْرَأَةِ فِرْعَوْنَ أَنْ لَا يَقْتُلَهُ. وَذُكِرَ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَمَّا قَالَتْ هَذَا الْقَوْلَ لِفِرْعَوْنَ، قَالَ فِرْعَوْنُ: أَمَّا لَكِ فَنَعَمْ، وَأَمَّا لِي فَلَا، فَكَانَ كَذَلِكَ.
١٨ ‏/ ١٦٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ، قَالَ: قَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ: ﴿قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ، لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا﴾ قَالَ فِرْعَوْنُ: قُرَّةُ عَيْنٍ لَكِ، أَمَّا لِي فَلَا “
١٨ ‏/ ١٦٣
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ قَيْسٍ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لَوْ قَالَ فِرْعَوْنُ: قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكِ، لَكَانَ لَهُمَا جَمِيعًا»
١٨ ‏/ ١٦٣
حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: «اتَّخَذَهُ فِرْعَوْنُ وَلَدًا، وَدُعِيَ عَلَى أَنَّهُ ابْنُ فِرْعَوْنَ؛ فَلَمَّا تَحَرَّكَ الْغُلَامُ أُرَتْهُ أُمُّهُ آسِيَةُ صَبِيًّا، فَبَيْنَمَا هِيَ تُرْقِصُهُ وَتَلْعَبُ بِهِ، إِذْ نَاوَلَتْهُ فِرْعَوْنَ، وَقَالَتْ: خُذْهُ قُرَّةَ عَيْنٍ لِي وَلَكَ، قَالَ فِرْعَوْنُ: هُوَ قُرَّةُ عَيْنٍ لَكِ، لَا لِي»
١٨ ‏/ ١٦٣
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ: «لَوْ أَنَّهُ قَالَ: وَهُوَ لِي قُرَّةُ عَيْنٍ إِذَنْ لَآمَنَ بِهِ، وَلَكِنَّهُ أَبَى»
١٨ ‏/ ١٦٣
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، «قَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ: ﴿قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ﴾ تَعْنِي بِذَلِكَ مُوسَى»
١٨ ‏/ ١٦٤
حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْأَصْبَغُ بْنُ يَزِيدَ، قَالَ: ثنا الْقَاسِمُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ، قَالَ: ثني سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا أَتَتْ بِمُوسَى امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ فِرْعَوْنَ قَالَتْ: ﴿قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ﴾ قَالَ فِرْعَوْنُ: يَكُونُ لَكِ، فَأَمَّا لِي فَلَا حَاجَةَ لِي فِيهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «وَالَّذِي يُحْلَفُ بِهِ، لَوْ أَقَرَّ فِرْعَوْنُ أَنْ يَكُونَ لَهُ قُرَّةَ عَيْنٍ كَمَا أَقَرَّتْ، لَهَدَاهُ اللَّهُ بِهِ كَمَا هَدَى بِهِ امْرَأَتَهُ، وَلَكِنَّ اللَّهَ حَرَمَهُ ذَلِكَ»
١٨ ‏/ ١٦٤
وَقَوْلُهُ: ﴿لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا﴾ [القصص: ٩] ذَكَرَ أَنَّ امْرَأَةَ فِرْعَوْنَ قَالَتْ هَذَا الْقَوْلَ حِينَ هَمَّ بِقَتْلِهِ. قَالَ بَعْضُهُمْ: حِينَ أُتِيَ بِهِ يَوْمَ أَلْتَقَطَهُ مِنَ الْيَمِّ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَوْمَ نَتَفَ مِنْ لِحْيَتِهِ أَوْ ضَرَبَهُ بِعَصًا كَانَتْ فِي يَدِهِ.
١٨ ‏/ ١٦٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ: قَالَتْ ذَلِكَ يَوْمَ نَتَفَ لِحْيَتَهُ: حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: «لَمَّا أُتِيَ فِرْعَوْنُ بِهِ صَبِيًّا أَخَذَهُ إِلَيْهِ، فَأَخَذَ مُوسَى بِلِحْيَتِهِ فَنَتَفَهَا، قَالَ فِرْعَوْنُ: عَلِيَّ بِالذَّبَّاحِينَ، هُوَ هَذَا قَالَتْ آسِيَةُ: ﴿لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا﴾ [القصص: ٩] إِنَّمَا هُوَ صَبِيٌّ لَا يَعْقِلُ، وَإِنَّمَا صَنَعَ هَذَا مِنْ صِبَاهُ»
١٨ ‏/ ١٦٤
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا﴾ [القصص: ٩] قَالَ: أُلْقِيَتْ عَلَيْهِ رَحْمَتُهَا حِينَ أَبْصَرَتْهُ»
١٨ ‏/ ١٦٥
وَقَوْلُهُ: ﴿وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ [الأعراف: ٩٥] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ هَلَاكَهُمْ عَلَى يَدِهِ.
١٨ ‏/ ١٦٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ [القصص: ٩] قَالَ: وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ أَنَّ هَلَكَتَهُمْ عَلَى يَدَيْهِ، وَفِي زَمَانِهِ»
١٨ ‏/ ١٦٥
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني سُفْيَانُ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ [القصص: ٩] قَالَ: إِنَّ هَلَاكَهُمْ عَلَى يَدَيْهِ»
١٨ ‏/ ١٦٥
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ «﴿وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ [القصص: ٩] قَالَ: آلُ فِرْعَوْنَ أَنَّهُ لَهُمْ عَدُوٌّ». وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: ﴿وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ [القصص: ٩] بِمَا هُوَ كَائِنٌ مِنْ أَمْرِهِمْ وَأَمْرِهِ.
١٨ ‏/ ١٦٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: «قَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ ⦗١٦٦⦘ آسِيَةُ: ﴿لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ [القصص: ٩] يَقُولُ اللَّهُ: وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ أَيْ بِمَا هُوَ كَائِنٌ بِمَا أَرَادَ اللَّهُ بِهِ». وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى قَوْلِهِ ﴿وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ [القصص: ٩] بَنُو إِسْرَائِيلَ لَا يَشْعُرُونَ أَنَّا الْتَقَطْنَاهُ.
١٨ ‏/ ١٦٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ، «﴿لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ [القصص: ٩] قَالَ: يَقُولُ: لَا تَدْرِي بَنُو إِسْرَائِيلَ أَنَّا الْتَقَطْنَاهُ». وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ، قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَفِرْعَوْنُ وَآلُهُ لَا يَشْعُرُونَ بِمَا هُوَ كَائِنٌ مِنْ هَلَاكِهِمْ عَلَى يَدَيْهِ. وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى التَّأْوِيلَاتِ بِهِ لِأَنَّهُ عُقَيْبُ قَوْلِهِ: ﴿وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ، لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا﴾ وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ عَقِبُهُ، فَهُوَ بِأَنْ يَكُونَ بَيَانًا عَنِ الْقَوْلِ الَّذِي هُوَ عَقِبُهُ أَحَقُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ بَيَانًا عَنْ غَيْرِهِ.
١٨ ‏/ ١٦٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا، إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [القصص: ١٠]⦗١٦٧⦘ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمَعْنَى الَّذِي عَنَى اللَّهُ أَنَّهُ أَصْبَحَ مِنْهُ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا، فَقَالَ بَعْضُهُمُ: الَّذِي عَنَى جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّهُ أَصْبَحَ مِنْهُ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا: كُلُّ شَيْءٍ سِوَى ذِكْرِ ابْنِهَا مُوسَى.
١٨ ‏/ ١٦٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، قَالَ: ثنا جَابِرُ بْنُ نُوحٍ، قَالَ: ثنا الْأَعْمَشُ، عَنْ مُجَاهِدٍ، وَحَسَّانَ أَبِي الْأَشْرَسِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا﴾ [القصص: ١٠] قَالَ: فَرَغَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا مِنْ ذِكْرِ مُوسَى»
١٨ ‏/ ١٦٧
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ حَسَّانَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، «﴿وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا﴾ [القصص: ١٠] قَالَ: فَارِغًا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا مِنْ ذِكْرِ مُوسَى»
١٨ ‏/ ١٦٧
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَارَةَ، قَالَ: ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ رَجُلٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، «﴿وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا﴾ [القصص: ١٠] قَالَ: فَارِغًا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا مِنْ هَمِّ مُوسَى»
١٨ ‏/ ١٦٧
حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ «﴿وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا﴾ [القصص: ١٠] قَالَ: يَقُولُ: لَا تَذْكُرُوا إِلَّا مُوسَى»
١٨ ‏/ ١٦٧
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَارَةَ، قَالَ: ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي يَحْيَى، عَنْ مُجَاهِدٍ، «﴿وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا﴾ [القصص: ١٠] قَالَ: مِنْ كُلِّ شَيْءٍ غَيْرَ ذِكْرِ مُوسَى»
١٨ ‏/ ١٦٨
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ «﴿وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا﴾ [القصص: ١٠] قَالَ: فَرَغَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا مِنْ ذِكْرِ مُوسَى»
١٨ ‏/ ١٦٨
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ يَحْيَى الرَّمْلِيُّ، قَالَ: ثنا ضَمْرَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، عَنِ ابْنِ شَوْذَبٍ، عَنْ مَطَرٍ، فِي قَوْلِهِ «﴿وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا﴾ [القصص: ١٠] قَالَ: فَارِغًا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا مِنْ هَمِّ مُوسَى»
١٨ ‏/ ١٦٨
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا﴾ [القصص: ١٠]: أَيْ لَاغِيًا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، إِلَّا مِنْ ذِكْرِ مُوسَى»
١٨ ‏/ ١٦٨
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ «﴿وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا﴾ [القصص: ١٠] قَالَ: فَرَغَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ غَيْرَ ذِكْرِ مُوسَى». وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عَنَى أَنَّ فُؤَادَهَا أَصْبَحَ فَارِغًا مِنَ الْوَحْيِ الَّذِي كَانَ اللَّهُ أَوْحَاهُ إِلَيْهَا، إِذْ أَمَرَهَا أَنْ تُلْقِيَهُ فِي الْيَمِّ فَقَالَ ﴿وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي، إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ، وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ [القصص: ٧] قَالَ: فَحَزِنَتْ وَنَسِيَتْ عَهْدَ اللَّهِ إِلَيْهَا، فَقَالَ اللَّهُ عز وجل ﴿وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا﴾ [القصص: ١٠] مِنْ وَحْيِنَا الَّذِي أَوْحَيْنَاهُ إِلَيْهَا.
١٨ ‏/ ١٦٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ «﴿وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا﴾ [القصص: ١٠] قَالَ: فَارِغًا مِنَ الْوَحْيِ الَّذِي أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهَا حِينَ أَمَرَهَا أَنْ تُلْقِيَهُ فِي الْبَحْرِ، وَلَا تَخَافُ وَلَا تَحْزَنُ. قَالَ: فَجَاءَهَا الشَّيْطَانُ، فَقَالَ: يَا أُمَّ مُوسَى، كَرِهْتِ أَنْ يَقْتُلَ فِرْعَوْنُ مُوسَى، فَيَكُونَ لَكِ أَجْرُهُ وَثَوَابُهُ وَتَوَلَّيْتِ قَتْلَهُ، فَأَلْقَيْتِيهِ فِي الْبَحْرِ وَغَرَّقْتِيهِ، فَقَالَ اللَّهُ: ﴿وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا﴾ [القصص: ١٠] مِنَ الْوَحْيِ الَّذِي أَوْحَاهُ إِلَيْهَا»
١٨ ‏/ ١٦٩
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: ثني الْحَسَنُ، قَالَ: «أَصْبَحَ فَارِغًا مِنَ الْعَهْدِ الَّذِي عَهِدْنَا إِلَيْهَا، وَالْوَعْدِ الَّذِي وَعَدْنَاهَا أَنْ نَرُدَّ عَلَيْهَا ابْنَهَا، فَنَسِيَتْ ذَلِكَ كُلَّهُ، حَتَّى كَادَتْ أَنْ تُبْدِيَ بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا»
١٨ ‏/ ١٦٩
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، قَالَ: قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: «قَدْ كَانَتْ أُمُّ مُوسَى تَرْفَعُ لَهُ حِينَ قَذَفَتْهُ فِي الْبَحْرِ، هَلْ تَسْمَعُ لَهُ بِذِكْرٍ، حَتَّى أَتَاهَا الْخَبَرُ بِأَنَّ فِرْعَوْنَ أَصَابَ الْغَدَاةَ صَبِيًّا فِي النِّيلِ فِي التَّابُوتِ، فَعَرَفَتِ الصِّفَةَ، وَرَأَتْ أَنَّهُ وَقَعَ فِي يَدَيْ عَدُوِّهِ الَّذِي فَرَّتْ بِهِ مِنْهُ، وَأَصْبَحَ فُؤَادُهَا فَارِغًا مِنْ عَهْدِ اللَّهِ إِلَيْهَا فِيهِ قَدْ أَنْسَاهَا عَظِيمُ الْبَلَاءِ مَا كَانَ مِنَ الْعَهْدِ عِنْدَهَا مِنَ اللَّهِ فِيهِ» . وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِكَلَامِ الْعَرَبِ: مَعْنَى ذَلِكَ: ﴿وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى ⦗١٧٠⦘ فَارِغًا﴾ [القصص: ١٠] مِنَ الْحُزْنِ، لِعِلْمِهَا بِأَنَّهُ لَمْ يَغْرَقْ. قَالَ: وَهُوَ مِنْ قَوْلِهِمْ: دَمٌ فَرَغَ: أَيْ لَا قَوَدَ وَلَا دِيَةَ؛ وَهَذَا قَوْلٌ لَا مَعْنًى لَهُ لِخِلَافِهِ قَوْلَ جَمِيعِ أَهْلِ التَّأْوِيلِ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ عِنْدِي قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَاهُ: ﴿وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا﴾ [القصص: ١٠] مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا مِنْ هَمِّ مُوسَى. وَإِنَّمَا قُلْنَا: ذَلِكَ أَوْلَى الْأَقْوَالِ فِيهِ بِالصَّوَابِ لِدَلَالَةِ قَوْلِهِ: ﴿إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا﴾ [القصص: ١٠] وَلَوْ كَانَ عَنَى بِذَلِكَ: فَرَاغَ قَلْبِهَا مِنَ الْوَحْيِ لَمْ يُعَقِّبْ بِقَوْلِهِ: ﴿إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ﴾ [القصص: ١٠] لِأَنَّهَا إِنْ كَانَتْ قَارَبَتْ أَنْ تُبْدِيَ الْوَحْيَ، فَلَمْ تَكَدْ أَنْ تُبْدِيَهُ إِلَّا لِكَثْرَةِ ذِكْرِهَا إِيَّاهُ، وَوُلُوعِهَا بِهِ. وَمُحَالٌ أَنْ تَكُونَ بِهِ وَلِعَةٌ إِلَّا وَهِيَ ذَاكِرَةٌ. وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ بَطَلَ الْقَوْلُ بِأَنَّهَا كَانَتْ فَارِغَةَ الْقَلْبِ مِمَّا أُوحِيَ إِلَيْهَا. وَأُخْرَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَخْبَرَ عَنْهَا أَنَّهَا أَصْبَحَتْ فَارِغَةَ الْقَلْبِ، وَلَمْ يُخَصِّصْ فَرَاغَ قَلْبِهَا مِنْ شَيْءٍ دُونَ شَيْءٍ، فَذَلِكَ عَلَى الْعُمُومِ إِلَّا مَا قَامَتْ حُجَّتُهُ أَنَّ قَلْبَهَا لَمْ يَفْرُغْ مِنْهُ. وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهُ: «وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَازِعًا» مِنَ الْفَزَعِ.
١٨ ‏/ ١٦٩
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ﴾ [القصص: ١٠] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمَعْنَى الَّذِي عَادَتْ عَلَيْهِ الْهَاءُ فِي قَوْلِهِ: ﴿بِهِ﴾ [البقرة: ٢٢] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ مِنْ ذِكْرِ مُوسَى، وَعَلَيْهِ عَادَتْ.
١٨ ‏/ ١٧٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا جَابِرُ بْنُ نُوحٍ، قَالَ: ثنا الْأَعْمَشُ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ⦗١٧١⦘ وَحَسَّانَ أَبِي الْأَشْرَسِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، «﴿إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ﴾ [القصص: ١٠] أَنْ تَقُولَ: يَا ابْنَاهُ»
١٨ ‏/ ١٧٠
قَالَ: ثني يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ حَسَّانَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، «﴿إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ﴾ [القصص: ١٠] أَنْ تَقُولَ: يَا ابْنَاهُ»
١٨ ‏/ ١٧١
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ حَسَّانَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، «﴿إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ﴾ [القصص: ١٠] أَنْ تَقُولَ: يَا ابْنَاهُ»
١٨ ‏/ ١٧١
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ﴾ [القصص: ١٠] أَيْ لَتُبْدِي بِهِ أَنَّهُ ابْنُهَا مِنْ شِدَّةِ وَجْدِهَا»
١٨ ‏/ ١٧١
حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: «لَمَّا جَاءَتْ أُمُّهُ أَخَذَ مِنْهَا، يَعْنِي الرَّضَاعَ، فَكَادَتْ أَنْ تَقُولَ: هُوَ ابْنِي، فَعَصَمَهَا اللَّهُ، فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ ﴿إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا﴾ [القصص: ١٠]». وَقَالَ آخَرُونَ بِمَا أَوْحَيْنَاهُ إِلَيْهَا: أَيْ تَظْفَرُ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ مَا قَالَهُ الَّذِينَ ذَكَرْنَا قَوْلَهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوا: إِنْ كَادَتْ لَتَقُولُ: يَا بُنَيَّاهُ، لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ عَلَى ذَلِكَ، وَأَنَّهُ عُقَيْبُ قَوْلِهِ: ﴿وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا﴾ [القصص: ١٠] فَلَأَنْ يَكُونَ لَوْ لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ ذَكَرْنَا فِي ذَلِكَ ⦗١٧٢⦘ إِجْمَاعٌ عَلَى ذَلِكَ مِنْ ذِكْرِ مُوسَى، لِقُرْبِهِ مِنْهُ، أَشْبَهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مِنْ ذِكْرِ الْوَحْيِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ ﴿إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي﴾ [القصص: ١٠] بِمُوسَى فَتَقُولُ: هُوَ ابْنِي. قَالَ: وَذَلِكَ أَنَّ صَدْرَهَا ضَاقَ إِذْ نُسِبَ إِلَى فِرْعَوْنَ، وَقِيلَ ابْنُ فِرْعَوْنَ. وَعُنِيَ بِقَوْلِهِ ﴿لَتُبْدِي بِهِ﴾ [القصص: ١٠] لَتُظْهِرُهُ وَتُخْبِرُ بِهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ ‏/ ١٧١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ، فِي قَوْلِهِ: «﴿إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ﴾ [القصص: ١٠]: لَتُشْعِرُ بِهِ»
١٨ ‏/ ١٧٢
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ﴾ [القصص: ١٠] قَالَ: لَتُعْلِنُ بِأَمْرِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ»
١٨ ‏/ ١٧٢
وَقَوْلُهُ: ﴿لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا﴾ [القصص: ١٠] يَقُولُ: لَوْلَا أَنْ عَصَمْنَاهَا مِنْ ذَلِكَ بِتَثْبِيتِنَاهَا وَتَوْفِيقِنَاهَا لِلسُّكُوتِ عَنْهُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ ‏/ ١٧٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: «قَالَ اللَّهُ ﴿لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا﴾ [القصص: ١٠]: أَيْ بِالْإِيمَانِ ﴿لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [القصص: ١٠]»
١٨ ‏/ ١٧٢
حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: «كَادَتْ تَقُولُ: هُوَ ابْنِي، فَعَصَمَهَا اللَّهُ، فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ: ﴿إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا﴾ [القصص: ١٠]»
١٨ ‏/ ١٧٣
وَقَوْلُهُ: ﴿لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [القصص: ١٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: عَصَمْنَاهَا مِنْ إِظْهَارِ ذَلِكَ وَقِيلِهِ بِلِسَانِهَا، وَثَبَّتْنَاهَا لِلْعَهْدِ الَّذِي عَهِدْنَا إِلَيْهَا ﴿لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [القصص: ١٠] بِوَعْدِ اللَّهِ، الْمُوقِنِينَ بِهِ.
١٨ ‏/ ١٧٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ [القصص: ١١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَقَالَتْ﴾ [البقرة: ١١٣] أُمُّ مُوسَى لِأُخْتِ مُوسَى حِينَ أَلْقَتْهُ فِي الْيَمِّ ﴿قُصِّيهِ﴾ [القصص: ١١] يَقُولُ: قُصِّي أَثَرَ مُوسَى، اتْبَعِي أَثَرَهُ، تَقُولُ: قَصَصْتُ آثَارَ الْقَوْمِ: إِذَا اتَّبَعْتَ آثَارَهُمْ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ ‏/ ١٧٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ: «﴿لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ﴾ [القصص: ١١] قَالَ: اتْبَعِي أَثَرَهُ كَيْفَ يُصْنَعُ بِهِ»
١٨ ‏/ ١٧٣
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «﴿قُصِّيهِ﴾ [القصص: ١١] أَيْ قُصِّي أَثَرَهُ»
١٨ ‏/ ١٧٤
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، «﴿وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ﴾ [القصص: ١١] قَالَ: اتْبَعِي أَثَرَهُ»
١٨ ‏/ ١٧٤
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ﴾ [القصص: ١١] أَيِ انْظُرِي مَاذَا يَفْعَلُونَ بِهِ»
١٨ ‏/ ١٧٤
حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، «﴿وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ﴾ [القصص: ١١] يَعْنِي: قُصِّي أَثَرَهُ»
١٨ ‏/ ١٧٤
حَدَّثَنِي الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْأَصْبَغُ بْنُ زَيْدٍ، قَالَ: ثنا الْقَاسِمُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ، قَالَ: ثني سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، «﴿وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ﴾ [القصص: ١١] أَيْ قُصِّي أَثَرَهُ وَاطْلُبِيهِ هَلْ تَسْمَعِينَ لَهُ ذِكْرًا، أَحَيٌّ ابْنِي أَوْ قَدْ أَكَلَتْهُ دَوَابُّ الْبَحْرِ وَحِيتَانُهُ؟ وَنَسِيَتِ الَّذِي كَانَ اللَّهُ وَعَدَهَا»
١٨ ‏/ ١٧٤
وَقَوْلُهُ: ﴿فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ﴾ [القصص: ١١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَقَصَّتْ أُخْتُ مُوسَى أَثَرَهُ، فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ: يَقُولُ فَبَصُرَتْ بِمُوسَى عَنْ بُعْدٍ لَمْ تَدْنُ مِنْهُ وَلَمْ تَقْرَبْ، لِئَلَّا يُعْلَمَ أَنَّهَا مِنْهُ بِسَبِيلٍ. يُقَالُ مِنْهُ: بَصُرْتُ بِهِ وَأَبْصَرْتُهُ، لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ، وَأَبْصَرَتْ عَنْ جُنُبٍ، وَعَنْ جَنَابَةٍ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الطويل] ⦗١٧٥⦘ أَتَيْتُ حُرَيْثًا زَائِرًا عَنْ جَنَابَةٍ … فَكَانَ حُرَيْثٌ عَنْ عَطَائِي جَاحِدَا
يَعْنِي بِقَوْلِهِ: عَنْ جَنَابَةٍ: عَنْ بُعْدٍ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ ‏/ ١٧٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ: «﴿عَنْ جُنُبٍ﴾ [القصص: ١١] قَالَ: بُعْدٍ»
١٨ ‏/ ١٧٥
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «﴿عَنْ جُنُبٍ﴾ [القصص: ١١] قَالَ: عَنْ بُعْدٍ»
١٨ ‏/ ١٧٥
قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، «﴿عَنْ جُنُبٍ﴾ [القصص: ١١] قَالَ: هِيَ عَلَى الْحَدِّ فِي الْأَرْضِ، وَمُوسَى يَجْرِي بِهِ النِّيلُ وَهُمَا مُتَحَاذِيَانِ كَذَلِكَ تَنْظُرُ إِلَيْهِ نَظْرَةً، وَإِلَى النَّاسِ نَظْرَةً، وَقَدْ جُعِلَ فِي تَابُوتٍ مُقَيَّرٍ ظَهْرُهُ وَبَطْنُهُ، وَأَقْفِلَتُهُ عَلَيْهِ»
١٨ ‏/ ١٧٥
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ﴾ [القصص: ١١] يَقُولُ: بَصُرَتْ بِهِ وَهِيَ مُحَاذِيَتُهُ لَمْ تَأْتِهِ»
١٨ ‏/ ١٧٥
حَدَّثَنِي الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْأَصْبَغُ بْنُ زَيْدٍ، قَالَ: ثني الْقَاسِمُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ، قَالَ: ثني سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، «﴿فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ﴾ [القصص: ١١] وَالْجُنُبُ: أَنْ يَسْمُوَ بَصَرُ الْإِنْسَانِ إِلَى الشَّيْءِ الْبَعِيدِ، وَهُوَ إِلَى جَنْبِهِ لَا يَشْعُرُ بِهِ»
١٨ ‏/ ١٧٦
وَقَوْلُهُ: ﴿وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ [الأعراف: ٩٥] يَقُولُ: وَقَوْمُ فِرْعَوْنَ لَا يَشْعُرُونَ بِأُخْتِ مُوسَى أَنَّهَا أُخْتُهُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ ‏/ ١٧٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «﴿وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ [القصص: ٩] قَالَ: آلُ فِرْعَوْنَ». حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٨ ‏/ ١٧٦
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ، وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ [القصص: ١١] أَنَّهَا أُخْتُهُ، قَالَ: جَعَلَتْ تَنْظُرُ إِلَيْهِ كَأَنَّهَا لَا تُرِيدُهُ»
١٨ ‏/ ١٧٦
حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: «﴿وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ [القصص: ١١] أَنَّهَا أُخْتُهُ»
١٨ ‏/ ١٧٧
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، «﴿وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ [القصص: ١١] أَيْ لَا يَعْرِفُونَ أَنَّهَا مِنْهُ بِسَبِيلٍ»
١٨ ‏/ ١٧٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ، فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ﴾ [القصص: ١٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمَنَعْنَا مُوسَى الْمَرَاضِعَ أَنْ يَرْتَضِعَ مِنْهُنَّ مِنْ قَبْلِ أُمِّهِ. ذُكِرَ أَنَّ أُخْتًا لِمُوسَى هِيَ الَّتِي قَالَتْ لِآلِ فِرْعَوْنَ: ﴿هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ﴾ [القصص: ١٢] وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ ‏/ ١٧٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: «أَرَادُوا لَهُ الْمُرْضِعَاتِ، فَلَمْ يَأْخُذْ مِنْ أَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ، وَجَعَلَ النِّسَاءُ يَطْلُبْنَ ذَلِكَ لَيَنْزِلْنَ عِنْدَ فِرْعَوْنَ فِي الرَّضَاعِ، فَأَبَى أَنْ يَأْخُذَ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ﴾ [القصص: ١٢] أُخْتُهُ ﴿هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ﴾ [القصص: ١٢] فَلَمَّا جَاءَتْ أُمُّهُ أَخَذَ مِنْهَا»
١٨ ‏/ ١٧٧
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي ⦗١٧٨⦘ الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ: «﴿وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ﴾ [القصص: ١٢] قَالَ: لَا يَقْبَلُ ثَدْيَ امْرَأَةٍ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى أُمِّهِ»
١٨ ‏/ ١٧٧
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ حَسَّانَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، «﴿وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ﴾ [القصص: ١٢] قَالَ: كَانَ لَا يُؤْتَى بِمُرْضَعٍ فَيَقْبَلُهَا»
١٨ ‏/ ١٧٨
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ: «﴿وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ﴾ [القصص: ١٢] قَالَ: لَا يَرْضَعُ ثَدْيَ امْرَأَةٍ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى أُمِّهِ»
١٨ ‏/ ١٧٨
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ﴾ [القصص: ١٢] قَالَ: جَعَلَ لَا يُؤْتَى بِامْرَأَةٍ إِلَّا لَمْ يَأْخُذْ ثَدْيَهَا، قَالَ: ﴿فَقَالَتْ﴾ [القصص: ١٢] أُخْتُهُ ﴿هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ﴾ [القصص: ١٢]»
١٨ ‏/ ١٧٨
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: «جَمَعُوا الْمَرَاضِعَ حِينَ أَلْقَى اللَّهُ مَحَبَّتَهُمْ عَلَيْهِ، فَلَا يُؤْتَى بِامْرَأَةٍ فَيَقْبَلُ ثَدْيَهَا فَيَرْمَضُهُمْ ذَلِكَ، فَيُؤْتِي ⦗١٧٩⦘ بِمُرْضِعٍ بَعْدَ مُرْضَعٍ، فَلَا يَقْبَلُ شَيْئًا مِنْهُنَّ ﴿فَقَالَتْ﴾ [القصص: ١٢] لَهُمْ أُخْتُهُ حِينَ رَأَتْ مِنْ وَجْدِهِمْ بِهِ، وَحِرْصِهِمْ عَلَيْهِ ﴿هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ﴾ [القصص: ١٢]، وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ ﴿يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ﴾ [القصص: ١٢]: يَضُمُّونَهُ لَكُمْ»
١٨ ‏/ ١٧٨
وَقَوْلُهُ: ﴿وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ﴾ [القصص: ١٢] ذُكِرَ أَنَّهَا أُخِذَتْ، فَقِيلَ: قَدْ عَرَفْتِهِ، فَقَالَتْ: إِنَّمَا عَنَيْتُ أَنَّهُمْ لِلْمَلِكِ نَاصِحُونَ.
١٨ ‏/ ١٧٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: «لَمَّا قَالَتْ أُخْتُهُ ﴿هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ﴾ [القصص: ١٢] أَخَذُوهَا، وَقَالُوا: إِنَّكِ قَدْ عَرَفْتِ هَذَا الْغُلَامَ، فَدُلِّينَا عَلَى أَهْلِهِ، فَقَالَتْ: مَا أَعْرِفُهُ، وَلَكِنِّي إِنَّمَا قُلْتُ: هُمْ لِلْمَلِكِ نَاصِحُونَ»
١٨ ‏/ ١٧٩
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَوْلَهُ: «﴿هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ﴾ [القصص: ١٢] قَالَ: فَعَلَّقُوهَا حِينَ قَالَتْ: وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ، قَالُوا: قَدْ عَرَفْتِهِ، قَالَتْ: إِنَّمَا أَرَدْتُ هُمْ لِلْمَلِكِ نَاصِحُونَ»
١٨ ‏/ ١٧٩
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، «﴿وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ﴾ [القصص: ١٢] أَيْ لِمَنْزِلَتِهِ عِنْدَكُمْ، وَحِرْصِكُمْ عَلَى مَسَرَّةِ الْمَلِكِ، قَالُوا: هَاتِي»
١٨ ‏/ ١٧٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ، وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعَدَ اللَّهِ حَقٌّ، وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [القصص: ١٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَرَدَدْنَا مُوسَى ﴿إِلَى أُمِّهِ﴾ [القصص: ١٣] بَعْدَ أَنِ الْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ، لِتَقَرَّ عَيْنُهَا بِابْنِهَا، إِذْ رَجَعَ إِلَيْهَا سَلِيمًا مِنْ قَتْلِ فِرْعَوْنَ ﴿وَلَا تَحْزَنَ﴾ [الحجر: ٨٨] عَلَى فِرَاقِهِ إِيَّاهَا ﴿وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ﴾ [القصص: ١٣] الَّذِي وَعَدَهَا إِذْ قَالَ لَهَا ﴿فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي﴾ [القصص: ٧] . . الْآيَةَ، حَقٌّ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ ‏/ ١٨٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ﴾ [القصص: ١٣] فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ ﴿لَا يَعْلَمُونَ﴾ [القصص: ١٣] وَوَعَدَهَا أَنَّهُ رَادُّهُ إِلَيْهَا وَجَاعِلُهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ، فَفَعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ بِهَا»
١٨ ‏/ ١٨٠
وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [الأنعام: ٣٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَكِنَّ أَكْثَرَ الْمُشْرِكِينَ لَا يَعْلَمُونَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ، لَا يُصَدِّقُونَ بِأَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ.
١٨ ‏/ ١٨٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا، وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾ [القصص: ١٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَلَمَّا بَلَغَ﴾ [يوسف: ٢٢] مُوسَى ﴿أَشُدَّهُ﴾ [الأنعام: ١٥٢]، يَعْنِي حَانَ شِدَّةُ بُدْنِهِ وَقُوَاهُ، وَانْتَهَى ذَلِكَ مِنْهُ. وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْأَشُدِّ فِيمَا مَضَى بِشَوَاهِدِهِ، فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إِعَادَتِهِ فِي ⦗١٨١⦘ هَذَا الْمَوْضِعِ.
١٨ ‏/ ١٨٠
وَقَوْلُهُ: ﴿وَاسْتَوَى﴾ [القصص: ١٤] يَقُولُ: تَنَاهَى شَبَابُهُ، وَتَمَّ خَلْقُهُ وَاسْتَحْكَمَ. وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي مَبْلَغِ عَدَدِ سِنِي الِاسْتِوَاءِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَكُونُ ذَلِكَ فِي أَرْبَعِينَ سَنَةً.
١٨ ‏/ ١٨١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَاسْتَوَى﴾ [القصص: ١٤] قَالَ: أَرْبَعِينَ سَنَةً»
١٨ ‏/ ١٨١
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ: «﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ﴾ [القصص: ١٤] قَالَ: ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ سَنَةً. قَوْلُهُ: ﴿وَاسْتَوَى﴾ [القصص: ١٤] قَالَ: بَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً». حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٨ ‏/ ١٨١
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، «﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ﴾ [القصص: ١٤] قَالَ: بِضْعًا وَثَلَاثِينَ سَنَةً»
١٨ ‏/ ١٨١
قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ﴾ [القصص: ١٤] قَالَ: ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ سَنَةً»
١٨ ‏/ ١٨١
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا أَبُو سُفْيَانَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى﴾ [القصص: ١٤] قَالَ: أَرْبَعِينَ سَنَةً، وَأَشُدُّهُ: ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ سَنَةً»
١٨ ‏/ ١٨٢
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: «﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى﴾ [القصص: ١٤] قَالَ: كَانَ أَبِي يَقُولُ: الْأَشُدُّ: الْجَلَدُ، وَالِاسْتِوَاءُ: أَرْبَعُونَ سَنَةً». وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَكُونُ ذَلِكَ فِي ثَلَاثِينَ سَنَةً
١٨ ‏/ ١٨٢
وَقَوْلُهُ: ﴿آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا﴾ [يوسف: ٢٢] يَعْنِي بِالْحُكْمِ: الْفَهْمَ بِالدَّيْنِ وَالْمَعْرِفَةَ.
١٨ ‏/ ١٨٢
كَمَا: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «﴿آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا﴾ [يوسف: ٢٢] قَالَ: الْفِقْهُ، وَالْعَقْلُ، وَالْعَمَلُ قَبْلَ النُّبُوَّةِ»
١٨ ‏/ ١٨٢
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «﴿آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا﴾ [يوسف: ٢٢] قَالَ: الْفِقْهُ وَالْعَمَلُ قَبْلَ النُّبُوَّةِ»
١٨ ‏/ ١٨٢
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، «﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى﴾ [القصص: ١٤] آتَاهُ اللَّهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَفِقْهًا فِي دِينِهِ وَدِينِ آبَائِهِ، وَعِلْمًا بِمَا فِي دِينِهِ وَشَرَائِعِهِ وَحُدُودِهِ»
١٨ ‏/ ١٨٢
وَقَوْلُهُ: ﴿وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾ [الأنعام: ٨٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: كَمَا جَزَيْنَا ⦗١٨٣⦘ مُوسَى عَلَى طَاعَتِهِ إِيَّانَا وَإِحْسَانِهِ بِصَبْرِهِ عَلَى أَمْرِنَا، كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ مَنْ أَحْسَنَ مِنْ رُسُلِنَا وَعِبَادِنَا فَصَبَرَ عَلَى أَمْرِنَا وَأَطَاعَنَا، وَانْتَهَى عَمَّا نَهَيْنَاهُ عَنْهُ.
١٨ ‏/ ١٨٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ، فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ، قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ، إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ﴾ [القصص: ١٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَدَخَلَ﴾ [يوسف: ٣٦] مُوسَى ﴿الْمَدِينَةَ﴾ [الأعراف: ١٢٣] مَدِينَةَ مَنْفَ مِنْ مِصْرَ ﴿عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا﴾ [القصص: ١٥] وَذَلِكَ عِنْدَ الْقَائِلَةِ نِصْفَ النَّهَارِ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي السَّبَبُ الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ دَخَلَ مُوسَى هَذِهِ الْمَدِينَةَ فِي هَذَا الْوَقْتِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: دَخَلَهَا مُتَّبِعًا أَثَرَ فِرْعَوْنَ، لِأَنَّ فِرْعَوْنَ رَكِبَ وَمُوسَى غَيْرُ شَاهِدٍ؛ فَلَمَّا حَضَرَ عَلِمَ بِرُكُوبِهِ فَرَكِبَ وَاتَّبَعَ أَثَرَهُ، وَأَدْرَكَهُ الْمَقُيلُ فِي هَذِهِ الْمَدِينَةِ.
١٨ ‏/ ١٨٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: «كَانَ مُوسَى حِينَ كَبُرَ يَرْكَبُ مَرَاكِبَ فِرْعَوْنَ، وَيَلْبَسُ مِثْلَ مَا يَلْبَسُ، وَكَانَ إِنَّمَا يُدْعَى مُوسَى بْنَ فِرْعَوْنَ، ثُمَّ إِنَّ فِرْعَوْنَ رَكِبَ مَرْكَبًا وَلَيْسَ عِنْدَهُ مُوسَى؛ فَلَمَّا جَاءَ مُوسَى قِيلَ لَهُ: إِنَّ فِرْعَوْنَ قَدْ رَكِبَ، فَرَكِبَ فِي أَثَرِهِ فَأَدْرَكَهُ الْمَقِيلُ بِأَرْضٍ يُقَالُ لَهَا مَنْفُ، فَدَخَلَهَا نِصْفَ النَّهَارِ، وَقَدْ تَغَلَّقَتْ أَسْوَاقُهَا، وَلَيْسَ فِي طُرُقِهَا أَحَدٌ، وَهِيَ الَّتِي يَقُولُ اللَّهُ: ﴿وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا﴾ [القصص: ١٥]». ⦗١٨٤⦘ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ دَخَلَهَا مُسْتَخْفِيًا مِنْ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ، لِأَنَّهُ كَانَ قَدْ خَالَفَهُمْ فِي دِينِهِمْ، وَعَابَ مَا كَانُوا عَلَيْهِ.
١٨ ‏/ ١٨٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: «لَمَّا بَلَغَ مُوسَى أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى، آتَاهُ اللَّهُ حُكْمًا وَعِلْمًا، فَكَانَتْ لَهُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ شِيعَةٌ يَسْمَعُونَ مِنْهُ وَيُطِيعُونَهُ وَيَجْتَمِعُونَ إِلَيْهِ، فَلَمَّا اسْتَدَّ رَأْيُهُ، وَعَرَفَ مَا هُوَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَقِّ، رَأَى فِرَاقَ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ حَقًّا فِي دِينِهِ، فَتَكَلَّمَ وَعَادَى وَأَنْكَرَ، حَتَّى ذُكِرَ مِنْهُ، وَحَتَّى أَخَافُوهُ وَخَافَهُمْ، حَتَّى كَانَ لَا يَدْخُلُ قَرْيَةَ فِرْعَوْنَ إِلَّا خَائِفًا مُسْتَخْفِيًا، فَدَخَلَهَا يَوْمًا عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا» . وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ كَانَ فِرْعَوْنُ قَدْ أَمَرَ بِإِخْرَاجِهِ مِنْ مَدِينَتِهِ حِينَ عَلَاهُ بِالْعَصَا، فَلَمْ يَدْخُلْهَا إِلَّا بَعْدَ أَنْ كَبُرَ وَبَلَغَ أَشُدَّهُ. قَالُوا: وَمَعْنَى الْكَلَامِ: وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا لِذِكْرِ مُوسَى؛ أَيْ مِنْ بَعْدِ نِسْيَانِهِمْ خَبَرَهُ وَأَمْرَهُ.
١٨ ‏/ ١٨٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا﴾ [القصص: ١٥] قَالَ: لَيْسَ غَفْلَةً مِنْ سَاعَةٍ، وَلَكِنْ غَفْلَةٌ مِنْ ذِكْرِ مُوسَى وَأَمْرِهِ. وَقَالَ فِرْعَوْنُ لِامْرَأَتِهِ: أَخْرِجِيهِ عَنِّي، حِينَ ضَرَبَ رَأْسَهُ بِالْعَصَا، هَذَا الَّذِي قُتِلَتْ فِيهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ، فَقَالَتْ: هُوَ صَغِيرٌ، وَهُوَ كَذَا، هَاتِ جَمْرًا، فَأُتِيَ بِجَمْرٍ، فَأَخَذَ جَمْرَةً فَطَرَحَهَا فِي فِيهِ فَصَارَتْ عُقْدَةٌ فِي لِسَانِهِ، فَكَانَتْ تِلْكُ الْعُقْدَةُ ⦗١٨٥⦘ الَّتِي قَالَ اللَّهُ ﴿وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي. يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾ [طه: ٢٨]، قَالَ: أَخْرِجِيهِ عَنِّي، فَأُخْرِجَ، فَلَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهِمْ حَتَّى كَبُرَ، فَدَخَلَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ ذِكْرِهِ». وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي الصِّحَّةِ بِذَلِكَ أَنْ يُقَالَ كَمَا قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى﴾ [القصص: ١٤] ﴿وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا﴾ [القصص: ١٥] . وَاخْتَلَفُوا فِي الْوَقْتِ الَّذِي عُنِيَ بِقَوْلِهِ: ﴿عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا﴾ [القصص: ١٥] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: ذَلِكَ نِصْفُ النَّهَارِ.
١٨ ‏/ ١٨٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنَّى حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: «﴿وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا﴾ [القصص: ١٥] قَالَ: نِصْفُ النَّهَارِ»
١٨ ‏/ ١٨٥
قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «يَقُولُونَ فِي الْقَائِلَةِ، قَالَ: وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ»
١٨ ‏/ ١٨٥
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: «﴿وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا﴾ [القصص: ١٥] قَالَ: دَخَلَهَا بَعْدَ مَا بَلَغَ أَشُدَّهُ عِنْدَ الْقَائِلَةِ نِصْفَ ⦗١٨٦⦘ النَّهَارِ»
١٨ ‏/ ١٨٥
حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: «دَخَلَ نِصْفَ النَّهَارِ»
١٨ ‏/ ١٨٦
وَقَوْلُهُ: ﴿فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ﴾ [القصص: ١٥] يَقُولُ: هَذَا مِنْ أَهْلِ دِينِ مُوسَى مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ ﴿وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ﴾ [القصص: ١٥] مِنَ الْقِبْطِ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ ﴿فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ﴾ [القصص: ١٥] يَقُولُ: فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي هُوَ مِنْ أَهْلِ دِينِ مُوسَى عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ مِنَ الْقِبْطِ ﴿فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ﴾ [القصص: ١٥] يَقُولُ: فَلَكَزَهُ وَلَهَزَهُ فِي صَدْرِهِ بِجَمْعِ كَفِّهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ ‏/ ١٨٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا حَفْصٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: «أَسَاءَ مُوسَى مِنْ حَيْثُ أَسَاءَ، وَهُوَ شَدِيدُ الْغَضَبِ شَدِيدُ الْقُوَّةِ، فَمَرَّ بِرَجُلٍ مِنَ الْقِبْطِ قَدْ تَسَخَّرَ رَجُلًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، قَالَ: فَلَمَّا رَأَى مُوسَى اسْتَغَاثَ بِهِ، قَالَ: يَا مُوسَى، فَقَالَ مُوسَى: خَلِّ سَبِيلَهُ، فَقَالَ: قَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَحْمِلَهُ عَلَيْكَ ﴿فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ﴾ [القصص: ١٥] قَالَ: حَتَّى إِذَا كَانَ الْغَدُ نِصْفَ النَّهَارِ خَرَجَ يَنْظُرُ الْخَبَرَ قَالَ: فَإِذَا ذَاكَ الرَّجُلُ قَدْ أَخَذَهُ آخَرُ فِي مِثْلِ حَدِّهِ؛ قَالَ: فَقَالَ: يَا مُوسَى، قَالَ: فَاشْتَدَّ غَضَبُ مُوسَى، قَالَ: فَأَهْوَى، قَالَ: فَخَافَ أَنْ يَكُونَ إِيَّاهُ يُرِيدُ، قَالَ: فَقَالَ ⦗١٨٧⦘: ﴿أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ﴾ [القصص: ١٩]؟ قَالَ: فَقَالَ الرَّجُلُ: أَلَا أُرَاكَ يَا مُوسَى أَنْتَ الَّذِي قَتَلْتَ؟»
١٨ ‏/ ١٨٦
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا عَثَّامُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: ثنا الْأَعْمَشُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: «﴿فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ﴾ [القصص: ١٥] قَالَ: رَجُلٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ يُقَاتِلُ جَبَّارًا لِفِرْعَوْنَ فَاسْتَغَاثَهُ. . فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ، اسْتَصْرَخَ بِهِ فَوَجَدَهُ يُقَاتِلُ آخَرَ، فَأَغَاثَهُ، فَقَالَ ﴿أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ﴾ [القصص: ١٩] فَعَرَفُوا أَنَّهُ مُوسَى، فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ». قَالَ عَثَّامٌ: أَوْ نَحْوُ هَذَا
١٨ ‏/ ١٨٧
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ، هَذَا مِنْ شِيعَتَهُ، وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ﴾ [القصص: ١٥] أَمَّا الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ فَمِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَأَمَّا الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَقِبْطِيٌّ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ»
١٨ ‏/ ١٨٧
حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، «﴿فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ، هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ﴾ [القصص: ١٥] يَقُولُ: مِنَ الْقِبْطِ ﴿فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ﴾ [القصص: ١٥]»
١٨ ‏/ ١٨٧
حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْأَصْبَغُ بْنُ زَيْدٍ، قَالَ: ثنا الْقَاسِمُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ، قَالَ: ثني سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «لَمَّا ⦗١٨٨⦘ بَلَغَ مُوسَى أَشُدَّهُ، وَكَانَ مِنَ الرِّجَالِ، لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَخْلُصُ إِلَى أَحَدٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مَعَهُ بِظُلْمٍ وَلَا سُخْرَةٍ، حَتَّى امْتَنَعُوا كُلَّ الِامْتِنَاعِ، فَبَيْنَا هُوَ يَمْشِي ذَاتَ يَوْمٍ فِي نَاحِيَةِ الْمَدِينَةِ، إِذَا هُوَ بِرَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ: أَحَدُهُمَا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَالْآخَرُ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ، فَاسْتَغَاثَهُ الْإِسْرَائِيلِيُّ عَلَى الْفِرْعَوْنِيِّ، فَغَضِبَ مُوسَى وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ، لِأَنَّهُ تَنَاوَلَهُ وَهُوَ يَعْلَمُ مَنْزِلَةَ مُوسَى مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَحِفْظَهُ لَهُمْ، وَلَا يَعْلَمُ النَّاسُ إِلَّا أَنَّمَا ذَلِكَ مِنْ قِبَلِ الرَّضَاعَةِ مِنْ أُمِّ مُوسَى إِلَّا أَنْ يَكُونَ اللَّهُ أَطْلَعَ مُوسَى مِنْ ذَلِكَ عَلَى عِلْمِ مَا لَمْ يُطْلِعْ عَلَيْهِ غَيْرَهُ، فَوَكَزَ مُوسَى الْفِرْعَوْنِيَّ فَقَتَلَهُ، وَلَمْ يَرَهُمَا أَحَدٌ إِلَّا اللَّهُ وَالْإِسْرَائِيلِيُّ، فَقَالَ مُوسَى حِينَ قَتَلَ الرَّجُلَ ﴿هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ﴾ [القصص: ١٥] . . الْآيَةَ»
١٨ ‏/ ١٨٧
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، «﴿فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ، هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ﴾ [القصص: ١٥] مُسْلِمٌ، وَهَذَا مِنْ أَهْلِ دِينِ فِرْعَوْنَ كَافِرٌ ﴿فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ﴾ [القصص: ١٥] وَكَانَ مُوسَى قَدْ أُوتِيَ بَسْطَةً فِي الْخَلْقِ، وَشِدَّةً فِي الْبَطْشِ فَغَضِبَ بِعَدُوِّهِمَا فَنَازَعَهُ ﴿فَوَكَزَهُ مُوسَى﴾ [القصص: ١٥] وَكْزَةً قَتَلَهُ مِنْهَا وَهُوَ لَا يُرِيدُ قَتْلَهُ، فَـ ﴿قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ﴾ [القصص: ١٥]»
١٨ ‏/ ١٨٨
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ: «﴿هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ﴾ [القصص: ١٥] قَالَ: مِنْ قَوْمِهِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَكَانَ فِرْعَوْنُ مِنْ فَارِسَ مِنْ إِصْطَخْرَ». ⦗١٨٩⦘ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، بِنَحْوِهِ
١٨ ‏/ ١٨٨
قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَصْحَابِهِ، «﴿هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ﴾ [القصص: ١٥] إِسْرَائِيلِيُّ ﴿وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ﴾ [القصص: ١٥] قِبْطِيٌّ ﴿فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ﴾ [القصص: ١٥]». وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا أَيْضًا قَالُوا فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿فَوَكَزَهُ مُوسَى﴾ [القصص: ١٥] .
١٨ ‏/ ١٨٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «﴿فَوَكَزَهُ مُوسَى﴾ [القصص: ١٥] قَالَ: بِجَمْعِ كَفِّهِ». حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٨ ‏/ ١٨٩
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿فَوَكَزَهُ مُوسَى﴾ [القصص: ١٥] نَبِيُّ اللَّهِ، وَلَمْ يَتَعَمَّدْ قَتْلَهُ»
١٨ ‏/ ١٨٩
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: «قَتَلَهُ وَهُوَ لَا يُرِيدُ قَتْلَهُ»
١٨ ‏/ ١٨٩
وَقَوْلُهُ: ﴿فَقَضَى عَلَيْهِ﴾ [القصص: ١٥] يَقُولُ: فَفَرَغَ مِنْ قَتْلِهِ. وَقَدْ بَيَّنْتُ فِيمَا مَضَى أَنَّ مَعْنَى الْقَضَاءِ: الْفَرَاغُ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ هَاهُنَا.
١٨ ‏/ ١٩٠
ذِكْرُ أَنَّهُ قَتَلَهُ ثُمَّ دَفَنَهُ فِي الرَّمَلِ، كَمَا: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَصْحَابِهِ، «﴿فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ﴾ [القصص: ١٥] ثُمَّ دَفَنَهُ فِي الرَّمَلِ»
١٨ ‏/ ١٩٠
وَقَوْلُهُ: ﴿قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌ مُبِينٌ﴾ [القصص: ١٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ مُوسَى حِينَ قَتَلَ الْقَتِيلَ: هَذَا الْقَتْلُ مِنْ تَسَبُّبِ الشَّيْطَانِ لِي بِأَنْ هَيَّجَ غَضَبِي حَتَّى ضَرَبْتُ هَذَا فَهَلَكَ مِنْ ضَرْبَتِي ﴿إِنَّهُ عَدُوٌّ﴾ [القصص: ١٥] يَقُولُ: إِنَّ الشَّيْطَانَ عَدُوٌّ لِابْنِ آدَمَ ﴿مُضِلٌّ﴾ [القصص: ١٥] لَهُ عَنْ سَبِيلِ الرَّشَادِ بِتَزْيِينِهِ لَهُ الْقَبِيحَ مِنَ الْأَعْمَالِ، وَتَحْسِينِهِ ذَلِكَ لَهُ ﴿مُبِينٌ﴾ [البقرة: ١٦٨] يَعْنِي أَنَّهُ يُبَيِّنُ عَدَاوَتَهُ لَهُمْ قَدِيمًا، وِإِضْلَالَهُ إِيَّاهُمْ.
١٨ ‏/ ١٩٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ. قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ﴾ [القصص: ١٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُخْبِرًا عَنْ نَدَمِ مُوسَى عَلَى مَا كَانَ مِنْ قَتْلِهِ النَّفْسَ الَّتِي قَتَلَهَا، وَتَوْبَتِهِ إِلَيْهِ مِنْهُ وَمَسْأَلَتِهِ غُفْرَانَهُ مِنْ ذَلِكَ ﴿رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي﴾ [النمل: ٤٤] بِقَتْلِ النَّفْسِ الَّتِي لَمْ تَأْمُرْنِي بِقَتْلِهَا، فَاعْفُ عَنْ ذَنْبِي ذَلِكَ، وَاسْتُرْهُ عَلَيَّ، وَلَا تُؤَاخِذْنِي بِهِ فَتُعَاقِبَنِي عَلَيْهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ ‏/ ١٩٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي﴾ [القصص: ١٦] قَالَ: بِقَتْلِي، مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ أَنْ يَقْتُلَ حَتَّى يُؤْمَرَ، وَلَمْ يُؤْمَرْ»
١٨ ‏/ ١٩١
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: «عَرَفَ الْمَخْرَجَ، فَقَالَ: ﴿ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي، فَغَفَرَ لَهُ﴾ [القصص: ١٦]»
١٨ ‏/ ١٩١
وَقَوْلُهُ: ﴿فَغَفَرَ لَهُ﴾ [القصص: ١٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَعَفَا اللَّهُ لِمُوسَى عَنْ ذَنْبِهِ وَلَمْ يُعَاقِبْهُ بِهِ ﴿إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [يوسف: ٩٨] يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّاتِرُ عَلَى الْمُنِيبِينَ إِلَيْهِ مِنْ ذُنُوبِهِمْ عَلَى ذُنُوبِهِمْ، الْمُتَفَضِّلُ عَلَيْهِمْ بِالْعَفْوِ عَنْهَا، الرَّحِيمُ لِلنَّاسِ أَنْ يُعَاقِبَهُمْ عَلَى ذُنُوبِهِمْ بَعْدَ مَا تَابُوا مِنْهَا.
١٨ ‏/ ١٩١
وَقَوْلُهُ: ﴿قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ﴾ [القصص: ١٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ مُوسَى رَبِّ بِإِنْعَامِكَ عَلَيَّ بِعَفْوِكَ عَنْ قَتْلِ هَذِهِ النَّفْسِ. ﴿فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ﴾ [القصص: ١٧] يَعْنِي الْمُشْرِكِينَ، كَأَنَّهُ أَقْسَمَ بِذَلِكَ، وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ: «فَلَا تَجْعَلْنِي ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ» كَأَنَّهُ عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ دَعَا رَبَّهُ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا وَلَمْ يَسْتَثْنِ عليه السلام حِينَ قَالَ ﴿فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ﴾ [القصص: ١٧] فَابْتُلِيَ.
١٨ ‏/ ١٩١
وَكَانَ قَتَادَةُ يَقُولُ فِي ذَلِكَ مَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ﴾ [القصص: ١٧] يَقُولُ: فَلَنْ أُعِينَ بَعْدَهَا ظَالِمًا عَلَى فُجْرِهِ، قَالَ: وَقَلَّمَا قَالَهَا رَجُلٌ إِلَّا ابْتُلِيَ، قَالَ: فَابْتُلِيَ كَمَا تَسْمَعُونَ»
١٨ ‏/ ١٩٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ﴾ [القصص: ١٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَأَصْبَحَ مُوسَى فِي مَدِينَةِ فِرْعَوْنَ خَائِفًا مِنْ جِنَايَتِهِ الَّتِي جَنَاهَا، وَقَتْلِهِ النَّفْسَ الَّتِي قَتَلَهَا أَنْ يُؤْخَذَ فَيُقْتَلَ بِهَا ﴿يَتَرَقَّبُ﴾ [القصص: ١٨] يَقُولُ: يَتَرَقَّبُ الْأَخْبَارَ: أَيْ يَنْتَظِرُ مَا الَّذِي يَتَحَدَّثُ بِهِ النَّاسُ، مِمَّا هُمْ صَانِعُونَ فِي أَمْرِهِ وَأَمْرِ قَتِيلِهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ ‏/ ١٩٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَصْبَغُ بْنُ زَيْدٍ، قَالَ: ثنا الْقَاسِمُ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ، قَالَ: ثنا سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «﴿فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ﴾ [القصص: ١٨]⦗١٩٣⦘ قَالَ: خَائِفًا مِنْ قَتْلِهِ النَّفْسَ، يَتَرَقَّبُ أَنْ يُؤْخَذَ»
١٨ ‏/ ١٩٢
حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: «﴿فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ﴾ [القصص: ١٨] قَالَ: خَائِفًا أَنْ يُؤْخَذَ»
١٨ ‏/ ١٩٣
وَقَوْلُهُ: ﴿فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ﴾ [القصص: ١٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَرَأَى مُوسَى لَمَّا دَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى خَوْفٍ مُتَرَقِّبًا الْأَخْبَارَ عَنْ أَمْرِهِ وَأَمْرِ الْقَتِيلِ، فَإِذَا الْإِسْرَائِيلِيُّ الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ عَلَى الْفِرْعَوْنِيِّ يُقَاتِلُهُ فِرْعَوْنِيٌّ آخَرُ، فَرَآهُ الْإِسْرَائِيلِيُّ فَاسْتَصْرَخَهُ عَلَى الْفِرْعَوْنِيِّ. يَقُولُ: فَاسْتَغَاثَهُ أَيْضًا عَلَى الْفِرْعَوْنِيِّ، وَأَصْلُهُ مِنَ الصُّرَاخِ، كَمَا يُقَالُ: قَالَ بَنُو فُلَانٍ: يَا صَبَاحَاهُ، قَالَ لَهُ مُوسَى: ﴿إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ﴾ [القصص: ١٨] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: قَالَ مُوسَى لِلْإِسْرَائِيلِيِّ الَّذِي اسْتَصْرَخَهُ، وَقَدْ صَادَفَ مُوسَى نَادِمًا عَلَى مَا سَلَفَ مِنْهُ مِنْ قَتْلِهِ بِالْأَمْسِ الْقَتِيلَ، وَهُوَ يَسْتَصْرِخُهُ الْيَوْمَ عَلَى آخَرَ: إِنَّكَ أَيُّهَا الْمُسْتَصْرِخُ لَغَوِيٌّ: يَقُولُ: إِنَّكَ لَذُو غِوَايَةٍ مُبِينٌ: يَقُولُ: قَدْ تَبَيَّنْتُ غِوَايَتَكَ بِقَتْلِكَ أَمْسِ رَجُلًا، وَالْيَوْمَ آخَرَ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ ‏/ ١٩٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْعَبَّاسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَصْبَغُ بْنُ زَيْدٍ، قَالَ: ثنا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «أُتِيَ فِرْعَوْنُ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ بَنِي ⦗١٩٤⦘ إِسْرَائِيلَ قَدْ قَتَلُوا رَجُلًا مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ، فَخُذْ لَنَا بِحَقِّنَا وَلَا تُرَخِّصْ لَهُمْ فِي ذَلِكَ، قَالَ: ابْغُونِي قَاتِلَهُ وَمَنْ يَشْهَدُ عَلَيْهِ، لَا يَسْتَقِيمُ أَنْ نَقْضِيَ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ وَلَا ثَبْتٍ، فَاطْلُبُوا ذَلِكَ، فَبَيْنَمَا هُمْ يَطُوفُونَ لَا يَجِدُونَ شَيْئًا، إِذْ مَرَّ مُوسَى مِنَ الْغَدِ، فَرَأَى ذَلِكَ الْإِسْرَائِيلِيَّ يُقَاتِلُ فِرْعَوْنِيًّا، فَاسْتَغَاثَهُ الْإِسْرَائِيلِيُّ عَلَى الْفِرْعَوْنِيِّ، فَصَادَفَ مُوسَى وَقَدْ نَدِمَ عَلَى مَا كَانَ مِنْهُ بِالْأَمْسِ، وَكَرِهَ الَّذِي رَأَى، فَغَضِبَ مُوسَى، فَمَدَّ يَدَهُ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَبْطِشَ بِالْفِرْعَوْنِيِّ، فَقَالَ لِلْإِسْرَائِيلِيِّ لِمَا فَعَلَ بِالْأَمْسِ وَالْيَوْمَ ﴿إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ﴾ [القصص: ١٨]، فَنَظَرَ الْإِسْرَائِيلِيُّ إِلَى مُوسَى بَعْدَ مَا قَالَ هَذَا، فَإِذَا هُوَ غَضْبَانُ كَغَضَبِهِ بِالْأَمْسِ إِذْ قَتَلَ فِيهِ الْفِرْعَوْنِيَّ، فَخَافَ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ مَا قَالَ لَهُ: ﴿إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ﴾ [القصص: ١٨] إِيَّاهُ أَرَادَ، وَلَمْ يَكُنْ أَرَادَهُ، إِنَّمَا أَرَادَ الْفِرْعَوْنِيَّ، فَخَافَ الْإِسْرَائِيلِيُّ فَحَاجَّهُ، فَقَالَ ﴿يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ﴾ [القصص: ١٩] وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ مَخَافَةَ أَنْ يَكُونَ إِيَّاهُ أَرَادَ مُوسَى لِيَقْتُلَهُ، فَتَتَارَكَا»
١٨ ‏/ ١٩٣
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ﴾ [القصص: ١٨] قَالَ: الِاسْتِنْصَارُ وَالِاسْتِصْرَاخُ وَاحِدٌ»
١٨ ‏/ ١٩٤
حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: «﴿فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ﴾ [القصص: ١٨] يَقُولُ: يَسْتَغِيثُهُ»
١٨ ‏/ ١٩٤
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: «لَمَّا قَتَلَ مُوسَى الْقَتِيلَ، خَرَجَ فَلَحِقَ بِمَنْزِلِهِ مِنْ مِصْرَ، وَتَحَدَّثَ النَّاسُ بِشَأْنِهِ، وَقِيلَ: قَتَلَ مُوسَى رَجُلًا، حَتَّى انْتَهَى ذَلِكَ إِلَى فِرْعَوْنَ، فَأَصْبَحَ مُوسَى غَادِيًا الْغَدَ، وَإِذَا صَاحِبُهُ بِالْأَمْسِ مُعَانِقٌ رَجُلًا آخَرَ مِنْ عَدُوِّهِ، فَقَالَ لَهُ مُوسَى: ﴿إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ﴾ [القصص: ١٨] أَمْسِ رَجُلًا، وَالْيَوْمَ آخَرَ؟»
١٨ ‏/ ١٩٥
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا حَفْصٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَالشَّيْبَانِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: «الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ: هُوَ الَّذِي اسْتَصْرَخَهُ»
١٨ ‏/ ١٩٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ، إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ، وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ﴾ [القصص: ١٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَلَمَّا أَرَادَ مُوسَى أَنْ يَبْطِشَ بِالْفِرْعَوْنِيِّ الَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُ وَلِلْإِسْرَائِيلِيِّ، قَالَ الْإِسْرَائِيلِيُّ لِمُوسَى وَظَنَّ أَنَّهُ إِيَّاهُ يُرِيدُ ﴿أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ﴾ [القصص: ١٩] . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ ‏/ ١٩٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا قَالَ﴾ [القصص: ١٩]: خَافَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ حِينَ قَالَ لَهُ مُوسَى: ﴿إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ﴾ [القصص: ١٨]»
١٨ ‏/ ١٩٥
حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: «قَالَ مُوسَى لِلْإِسْرَائِيلِيِّ: ﴿إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ﴾ [القصص: ١٨] ثُمَّ أَقْبَلَ لِيَنْصُرَهُ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَى مُوسَى قَدْ أَقْبَلَ نَحْوَهُ لِيَبْطِشَ بِالرَّجُلِ الَّذِي يُقَاتِلُ الْإِسْرَائِيلِيَّ، قَالَ الْإِسْرَائِيلِيُّ، وَفَرَقَ مِنْ مُوسَى أَنْ يَبْطِشَ بِهِ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ أَغْلَظَ لَهُ الْكَلَامَ: ﴿يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ، إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ﴾ [القصص: ١٩] فَتَرَكَهُ مُوسَى»
١٨ ‏/ ١٩٦
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَصْحَابِهِ، قَالَ: «نَدِمَ بَعْدَ أَنْ قَتَلَ الْقَتِيلَ، فَقَالَ: ﴿هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ، إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ﴾ [القصص: ١٥] قَالَ: ثُمَّ اسْتَنْصَرَهُ بَعْدَ ذَلِكَ الْإِسْرَائِيلِيُّ عَلَى قِبْطِيٍّ آخَرَ، فَقَالَ لَهُ مُوسَى: ﴿إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ﴾ [القصص: ١٨] فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالْقِبْطِيِّ، ظَنَّ الْإِسْرَائِيلِيُّ أَنَّهُ إِيَّاهُ يُرِيدُ، فَقَالَ: يَا مُوسَى ﴿أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ﴾ [القصص: ١٩]؟»
١٨ ‏/ ١٩٦
قَالَ: وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، أَوِ ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ، الطَّبَرِيُّ يَشُكُّ، وَهُوَ فِي الْكِتَابِ ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ: «أَنَّ مُوسَى لَمَّا أَصْبَحَ، أَصْبَحَ نَادِمًا تَائِبًا، يَوَدُّ أَنْ لَمْ يَبْطِشْ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَقَدْ قَالَ لِلْإِسْرَائِيلِيِّ: ﴿إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ﴾ [القصص: ١٨] فَعَلِمَ الْإِسْرَائِيلِيُّ أَنَّ مُوسَى غَيْرُ نَاصِرِهِ؛ فَلَمَّا أَرَادَ الْإِسْرَائِيلِيُّ أَنْ يَبْطِشَ بِالْقِبْطِيِّ نَهَاهُ مُوسَى، فَفَرَقَ الْإِسْرَائِيلِيُّ مِنْ مُوسَى، فَقَالَ: ﴿أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ﴾ [القصص: ١٩]؟ فَسَعَى بِهَا الْقِبْطِيُّ»
١٨ ‏/ ١٩٦
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ﴾ [القصص: ١٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُخْبِرًا ⦗١٩٧⦘ عَنْ قِيلِ الْإِسْرَائِيلِيِّ لِمُوسَى: ﴿إِنْ تُرِيدُ﴾ [القصص: ١٩] مَا تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ. وَكَانَ مِنْ فِعْلِ الْجَبَابِرَةِ: قَتْلُ النُّفُوسِ ظُلْمًا، بِغَيْرِ حَقٍّ. وَقِيلَ: إِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِمُوسَى الْإِسْرَائِيلِيُّ لِأَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُمْ: مَنْ قَتَلَ نَفَسَيْنِ مِنَ الْجَبَابِرَةِ.
١٨ ‏/ ١٩٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُجَاهِدُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا هُشَيْمُ بْنُ بَشِيرٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ سَالِمٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: «مِنْ قَتَلَ رَجُلَيْنِ فَهُوَ جَبَّارٌ؛ قَالَ: ثُمَّ قَرَأَ ﴿أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ، إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ، وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ﴾ [القصص: ١٩]»
١٨ ‏/ ١٩٧
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ﴾ [سورة: القصص، آية رقم: ١٩] إِنَّ الْجَبَابِرَةَ هَكَذَا، تُقْتَلُ النَّفْسَ بِغَيْرِ النَّفْسِ»
١٨ ‏/ ١٩٧
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، «﴿إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ﴾ [سورة: القصص، آية رقم: ١٩] قَالَ: تِلْكَ سِيرَةُ الْجَبَابِرَةِ، أَنْ تُقْتَلَ النَّفْسُ بِغَيْرِ النَّفْسِ»
١٨ ‏/ ١٩٧
وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ﴾ [القصص: ١٩] يَقُولُ: مَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يَعْمَلُ فِي الْأَرْضِ بِمَا فِيهِ صَلَاحُ أَهْلِهَا، مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ.
١٨ ‏/ ١٩٧
وَذُكِرَ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ أَنَّهُ قَالَ فِي ذَلِكَ مَا: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: «﴿وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ﴾ [سورة: القصص، آية رقم: ١٩] أَيْ مَا هَكَذَا يَكُونُ ⦗١٩٨⦘ الْإِصْلَاحُ»
١٨ ‏/ ١٩٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى، قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ، فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ﴾ [القصص: ٢٠] ذُكِرَ أَنَّ قَوْلَ الْإِسْرَائِيلِيِّ سَمِعَهُ سَامِعٌ فَأَفْشَاهُ، وَأَعْلَمَ بِهِ أَهْلَ الْقَتِيلِ، فَحِينَئِذٍ طَلَبَ فِرْعَوْنُ مُوسَى، وَأَمَرَ بِقَتْلِهِ؛ فَلَمَّا أَمَرَ بِقَتْلِهِ، جَاءَ مُوسَى مُخْبِرٌ، وَخَبَّرَهُ بِمَا قَدْ أَمَرَ بِهِ فِرْعَوْنُ فِي أَمْرِهِ، وَأَشَارَ عَلَيْهِ بِالْخُرُوجِ مِنْ مِصْرَ بَلَدِ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ ‏/ ١٩٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْعَبَّاسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْأَصْبَغُ بْنُ زَيْدٍ، قَالَ: ثنا الْقَاسِمُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ، قَالَ: ثني سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «انْطَلَقَ الْفِرْعَوْنِيُّ الَّذِي كَانَ يُقَاتِلُ الْإِسْرَائِيلِيَّ إِلَى قَوْمِهِ، فَأَخْبَرَهُمْ بِمَا سَمِعَ مِنَ الْإِسْرَائِيلِيِّ مِنَ الْخَبَرِ حِينَ يَقُولُ ﴿أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ﴾ [القصص: ١٩]؟ فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ الذَّبَّاحِينَ لَقَتْلِ مُوسَى، فَأَخَذُوا الطَّرِيقَ الْأَعْظَمَ، وَهُمْ لَا يَخَافُونَ أَنْ يَفُوتَهُمْ، وَكَانَ رَجُلٌ مِنْ شِيعَةِ مُوسَى فِي أَقْصَى الْمَدِينَةِ، فَاخْتَصَرَ طَرِيقًا قَرِيبًا، حَتَّى سَبَقَهُمْ إِلَى مُوسَى، فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ»
١٨ ‏/ ١٩٨
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: «أَعْلَمُهُمُ الْقِبْطِيُّ الَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا، فَأْتَمَرَ الْمَلَأُ لِيَقْتُلُوهُ، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ، وَقَرَأَ ⦗١٩٩⦘ ﴿إِنَّ﴾ [القصص: ٢٠] . . إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، قَالَ: كُنَّا نُحَدَّثُ أَنَّهُ مُؤْمِنُ آلِ فِرْعَوْنَ»
١٨ ‏/ ١٩٨
حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: «ذَهَبَ الْقِبْطِيُّ، يَعْنِي الَّذِي كَانَ يُقَاتِلُ الْإِسْرَائِيلِيَّ، فَأَفْشَى عَلَيْهِ أَنَّ مُوسَى هُوَ الَّذِي قَتَلَ الرَّجُلَ، فَطَلَبَهُ فِرْعَوْنُ وَقَالَ: خُذُوهُ فَإِنَّهُ صَاحِبُنَا، وَقَالَ لِلَّذِينَ يَطْلُبُونَهُ: اطْلُبُوهُ فِي بُنَيَّاتِ الطَّرِيقِ، فَإِنَّ مُوسَى غُلَامٌ لَا يَهْتَدِي الطَّرِيقَ، وَأَخَذَ مُوسَى فِي بُنَيَّاتِ الطَّرِيقِ، وَقَدْ جَاءَهُ الرَّجُلُ فَأَخْبَرَهُ ﴿إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ﴾ [القصص: ٢٠]»
١٨ ‏/ ١٩٩
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَصْحَابِهِ، قَالُوا: «لَمَّا سَمِعَ الْقِبْطِيُّ قَوْلَ الْإِسْرَائِيلِيِّ لِمُوسَى ﴿أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ﴾ [القصص: ١٩] سَعَى بِهَا إِلَى أَهْلِ الْمَقْتُولِ، فَقَالَ: إِنَّ مُوسَى هُوَ قَتَلَ صَاحِبُكُمْ، وَلَوْ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنَ الْإِسْرَائِيلِيِّ لَمْ يَعْلَمْهُ أَحَدٌ؛ فَلَمَّا عَلِمَ مُوسَى أَنَّهُمْ قَدْ عَلِمُوا خَرَجَ هَارِبًا، فَطَلَبَهُ الْقَوْمُ فَسَبَقَهُمْ». قَالَ: وَقَالَ ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ: سَعَى الْقِبْطِيُّ
١٨ ‏/ ١٩٩
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا أَبُو سُفْيَانَ، عَنْ مَعْمَرٍ، قَالَ: «قَالَ الْإِسْرَائِيلِيُّ لِمُوسَى: ﴿أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ﴾ [القصص: ١٩] وَقِبْطِيٌّ قَرِيبٌ مِنْهُمَا يَسْمَعُ، فَأَفْشَى عَلَيْهِمَا»
١٨ ‏/ ١٩٩
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنَّى حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: «سَمِعَ ذَلِكَ عَدُوٌّ، فَأَفْشَى عَلَيْهِمَا»
١٨ ‏/ ١٩٩
وَقَوْلُهُ: ﴿وَجَاءَ رَجُلٌ﴾ [القصص: ٢٠] ذُكِرَ أَنَّهُ مُؤْمِنُ آلِ فِرْعَوْنَ، وَكَانَ اسْمُهُ فِيمَا قِيلَ: سَمْعَانَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ كَانَ اسْمُهُ شَمْعُونَ.
١٨ ‏/ ٢٠٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي وَهْبُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ شُعَيْبٍ الْجَبَئِيِّ، قَالَ: «اسْمُهُ شَمْعُونَ الَّذِي قَالَ لِمُوسَى: ﴿إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ﴾ [القصص: ٢٠]»
١٨ ‏/ ٢٠٠
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: «أَصْبَحَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ قَدْ أَجْمَعُوا لِقَتْلِ مُوسَى فِيمَا بَلَغَهُمْ عَنْهُ، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى يُقَالُ لَهُ سَمْعَانُ، فَقَالَ: ﴿يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ، فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ﴾ [القصص: ٢٠]»
١٨ ‏/ ٢٠٠
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا أَبُو سُفْيَانَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: «﴿وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى﴾ [القصص: ٢٠] إِلَى مُوسَى ﴿قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ، فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ﴾ [القصص: ٢٠]»
١٨ ‏/ ٢٠٠
وَقَوْلُهُ ﴿مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ﴾ [القصص: ٢٠] يَقُولُ: مِنْ آخِرِ مَدِينَةِ فِرْعَوْنَ ﴿يَسْعَى﴾ [القصص: ٢٠] يَقُولُ: يُعَجِّلُ.

عن معز نوني

متحصّل على شهادة ختم الدروس للمعهد الأعلى لتكوين المعلمين بقفصة دفعة 2000، يعمل حاليًّا أستاذ مدارس إبتدائية

شاهد أيضاً

سُورَةُ الْفَاتِحَةِ

مَكِّيَّةٌ وَآيَاتُهَا سَبْعٌ ١ ‏/ ١١١ ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ [الفاتحة: ١] الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ …