وَكَانَ مُجَاهِدٌ يَقُولُ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ مَا: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ: «﴿وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا﴾ [الفرقان: ٤٧] قَالَ: يُنْشَرُ فِيهِ». حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. وَإِنَّمَا اخْتَرْنَا الْقَوْلَ الَّذِي اخْتَرْنَا فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ عُقَيْبُ قَوْلِهِ ﴿وَالنَّوْمَ سُبَاتًا﴾ [الفرقان: ٤٧] فِي اللَّيْلِ. فَإِذْا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَوَصَفَ النَّهَارَ بِأَنَّ فِيهِ الْيَقَظَةَ وَالنُّشُورَ مِنَ النَّوْمِ أَشْبَهَ إِذْ كَانَ النَّوْمُ أَخَا الْمَوْتِ. وَالَّذِي قَالَهُ مُجَاهِدٌ غَيْرُ بَعِيدٍ مِنَ الصَّوَابِ لِأَنَّ اللَّهَ أَخْبَرَ أَنَّهُ جَعَلَ النَّهَارَ مَعَاشًا، وَفِيهِ الِانْتِشَارُ لِلْمَعَاشِ، وَلَكِنَّ النُّشُورَ مَصْدَرٌ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: نَشَرَ، فَهُوَ ⦗٤٦٧⦘ بِالنَّشْرِ مِنَ الْمَوْتِ وَالنَّوْمِ أَشْبَهُ، كَمَا صَحَّتِ الرِّوَايَةُ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ إِذَا أَصْبَحَ وَقَامَ مِنْ نَوْمِهِ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَحْيَانًا بَعْدَمَا أَمَاتَنَا، وَإِلَيْهِ النُّشُورُ»
١٧ / ٤٦٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ، وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا. لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا﴾ [الفرقان: ٤٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ الْمُلَقِّحَةَ ﴿بُشْرًا﴾ [الأعراف: ٥٧] حَيَاةً أَوْ مِنَ الْحَيَا وَالْغَيْثِ الَّذِي هُوَ مُنْزِلُهُ عَلَى عِبَادِهِ ﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا﴾ [الفرقان: ٤٨] يَقُولُ: وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّحَابِ الَّذِي أَنْشَأْنَاهُ بِالرِّيَاحِ مِنْ فَوْقِكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ مَاءً طَهُورًا. ﴿لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا﴾ [الفرقان: ٤٩] يَعْنِي أَرْضًا قَحِطَةً عَذِيَّةً لَا تُنْبِتُ. وَقَالَ ﴿بَلْدَةً مَيْتًا﴾ [الفرقان: ٤٩] وَلَمْ يَقُلْ مَيْتَةَ، لِأَنَّهُ أُرِيدَ بِذَلِكَ لِنُحْيِيَ بِهِ مَوْضِعًا وَمَكَانًا مَيِّتًا ﴿وَنُسْقِيَهُ﴾ [الفرقان: ٤٩] مِنْ خَلِقْنَا ﴿أَنْعَامًا﴾ [الفرقان: ٤٩] مِنَ الْبَهَائِمِ ﴿وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا﴾ [الفرقان: ٤٩] يَعْنِي الْأَنَاسِيَّ: جَمْعَ إِنْسَانٍ وَجَمْعَ أَنَاسِيٍّ، فَجَعَلَ الْيَاءَ عِوَضًا مِنَ النُّونِ الَّتِي فِي إِنْسَانٍ، وَقَدْ يُجْمَعُ إِنْسَانٌ: أَنَاسِينَ، كَمَا يُجْمَعُ النَّشْيَانُ:
١٧ / ٤٦٧
نَشَايِينَ. فَإِنْ قِيلَ: أَنَاسِيُّ جَمْعٌ وَاحِدُهُ إِنْسِيُّ فَهُوَ مَذْهَبٌ أَيْضًا مَحْكِيُّ، وَقَدْ يُجْمَعُ أَنَاسِي مُخَفَّفَةَ الْيَاءِ، وَكَأَنَّ مَنْ جَمَعَ ذَلِكَ كَذَلِكَ أَسْقَطَ الْيَاءَ الَّتِي بَيْنَ عَيْنِ الْفِعْلِ وَلَامِهِ، كَمَا يُجْمَعُ الْقُرْقُورُ: قَرَاقِيرَ وَقَرَاقِرَ. وَمِمَّا يُصَحِّحُ جَمَعَهُمْ إِيَّاهُ بِالتَّخْفِيفِ قَوْلُ الْعَرَبِ: أَنَاسِيَةُ كَثِيرَةٌ
١٧ / ٤٦٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا، فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كَفُورًا﴾ [الفرقان: ٥٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَقَدْ قَسَمْنَا هَذَا الْمَاءَ الَّذِي أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ طَهُورًا لِنُحْيِيَ بِهِ الْمَيْتَ مِنَ الْأَرْضِ بَيْنَ عِبَادِي لِيَتَذَكَّرُوا نِعَمِي عَلَيْهِمْ، وَيَشْكُرُوا أَيَادِيَّ عِنْدَهُمْ وَإِحْسَانِي إِلَيْهِمْ، ﴿فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كَفُورًا﴾ [الإسراء: ٨٩] يَقُولُ: إِلَّا جُحُودًا لِنِعَمِي عَلَيْهِمْ وَأَيَادِيِّ عَلَيْهِمْ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٧ / ٤٦٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ بْنَ مُسْلِمٍ، يُحَدِّثُ طَاوُسًا، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «مَا عَامٌ بِأَكْثَرَ مَطَرًا مِنْ عَامٍ، وَلَكِنَّ اللَّهَ يُصَرِّفُهُ بَيْنَ خَلْقِهِ؛ قَالَ: ثُمَّ قَرَأَ: ﴿وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ﴾ [الفرقان: ٥٠]»
١٧ / ٤٦٨
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «مَا عَامٌ بِأَكْثَرَ مَطَرًا مِنْ عَامٍ، وَلَكِنَّهُ يُصَرِّفُهُ فِي الْأَرَضِينَ، ثُمَّ تَلَا ﴿وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا﴾ [الفرقان: ٥٠]»
١٧ / ٤٦٩
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ: «﴿وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ﴾ [الفرقان: ٥٠] قَالَ: الْمَطَرُ يُنْزِلُهُ فِي الْأَرْضِ، وَلَا يُنْزِلُهُ فِي الْأَرْضِ الْأُخْرَى، قَالَ: فَقَالَ عِكْرِمَةُ: ﴿صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا﴾ [الفرقان: ٥٠]»
١٧ / ٤٦٩
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا﴾ [الفرقان: ٥٠] قَالَ: الْمَطَرُ مَرَّةٌ هَهُنَا، وَمَرَّةٌ هَهُنَا»
١٧ / ٤٦٩
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ الرَّبِيعِ الرَّازِيُّ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا جُحَيْفَةَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ، يَقُولُ: «لَيْسَ عَامٌ بِأَمْطَرَ مِنْ عَامٍ، وَلَكِنَّهُ يُصَرِّفُهُ، ثُمَّ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: ﴿وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ﴾ [الفرقان: ٥٠]»
١٧ / ٤٦٩
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كَفُورًا﴾ [الإسراء: ٨٩]: فَإِنَّ الْقَاسِمَ حَدَّثَنَا قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ: «﴿فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كَفُورًا﴾ [الإسراء: ٨٩] قَالَ: قَوْلُهُمْ فِي الْأَنْوَاءِ»
١٧ / ٤٦٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا. فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا﴾ [الفرقان: ٥٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَوْ شِئْنَا يَا مُحَمَّدُ لَأَرْسَلْنَا فِي كُلِّ مِصْرٍ وَمَدِينَةٍ نَذِيرًا يُنْذِرُهُمْ بَأْسَنَا عَلَى كُفْرِهِمْ بِنَا، فَيَخِفُّ عَنْكَ كَثِيرٌ مِنْ أَعْبَاءِ مَا حَمَّلْنَاكَ مِنْهُ، وَيَسْقُطُ عَنْكَ بِذَلِكَ مُؤْنَةٌ عَظِيمَةٌ، وَلَكِنَّا حَمَّلْنَاكَ ثِقَلَ نِذَارَةَ جَمِيعِ الْقُرَى لِتَسْتَوْجِبَ بِصَبْرِكَ عَلَيْهِ إِنْ صَبَرْتَ مَا أَعَدَّ اللَّهُ لَكَ مِنَ الْكَرَامَةِ عِنْدَهُ وَالْمَنَازِلِ الرَّفِيعَةِ قِبَلَهُ. فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ فِيمَا يَدْعُونَكَ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ تَعْبُدَ آلِهَتَهُمْ فَنُذِيقَكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضَعُفَ الْمَمَاتِ، وَلَكِنْ جَاهِدْهُمْ بِهَذَا الْقُرْآنِ جِهَادًا كَبِيرًا، حَتَّى يَنْقَادُوا لِلْإِقْرَارِ بِمَا فِيهِ مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ، وَيَدِينُوا بِهِ وَيَذْعَنُوا لِلْعَمَلِ بِجَمِيعِهِ طَوْعًا وَكَرْهًا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي قَوْلِهِ: ﴿وَجَاهِدْهُمْ بِهِ﴾ [الفرقان: ٥٢] قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٧ / ٤٧٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَوْلُهُ «﴿فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ﴾ [الفرقان: ٥٢] قَالَ: بِالْقُرْآنِ»
١٧ / ٤٧٠
وَقَالَ آخَرُونَ فِي ذَلِكَ بِمَا: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا﴾ [الفرقان: ٥٢] قَالَ: الْإِسْلَامُ. وَقَرَأَ: ﴿وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ﴾ [التوبة: ٧٣] وَقَرَأَ: ﴿وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً﴾ [التوبة: ١٢٣] وَقَالَ: ⦗٤٧١⦘ هَذَا الْجِهَادُ الْكَبِيرُ»
١٧ / ٤٧٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ، وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ، وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا﴾ [الفرقان: ٥٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَاللَّهُ الَّذِي خَلَطَ الْبَحْرَيْنِ، فَأَمْرَجَ أَحَدَهُمَا فِي الْآخَرِ، وَأَفَاضَهُ فِيهِ. وَأَصْلُ الْمَرَجِ الْخَلْطُ، ثُمَّ يُقَالُ لِلتَّخْلِيَةِ: مَرَجَ، لِأَنَّ الرَّجُلَ إِذَا خَلَّى الشَّيْءَ حَتَّى اخْتَلَطَ بِغَيْرِهِ، فَكَأَنَّهُ قَدْ مَرَجَهُ؛ وَمِنْهُ الْخَبَرُ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ وَقَوْلُهُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: «كَيْفَ بِكَ يَا عَبْدَ اللَّهِ إِذَا كُنْتَ فِي حُثَالَةٍ مِنَ النَّاسِ، قَدْ مَرَجَتْ عُهُودُهُمْ وَأَمَانَاتُهُمْ، وَصَارُوا هَكَذَا» وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ. يَعْنِي بِقَوْلِهِ: قَدْ مَرِجَتِ: اخْتَلَطَتْ، وَمِنْهُ قَوْلُ اللَّهِ: ﴿فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ﴾ [ق: ٥] أَيْ: مُخْتَلِطٌ. وَإِنَّمَا قِيلَ لِلْمَرْجِ مَرْجٌ مِنْ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ يَكُونُ فِيهِ أَخْلَاطٌ مِنَ الدَّوَابِّ، وَيُقَالُ: مَرَجْتُ دَابَّتَكَ: أَيْ خَلَّيْتُهَا تَذْهَبُ حَيْثُ شَاءَتْ. وَمِنْهُ قَوْلُ الرَّاجِزِ:
[البحر الرجز] رَعَى بِهَا مَرْجَ رَبِيعٍ مَمْرَجَا
وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
[البحر الرجز] رَعَى بِهَا مَرْجَ رَبِيعٍ مَمْرَجَا
وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٧ / ٤٧١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: «﴿وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ﴾ [الفرقان: ٥٣] يَعْنِي أَنَّهُ خَلَعَ أَحَدَهُمَا عَلَى الْآخَرِ»
١٧ / ٤٧٢
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ﴾ [الفرقان: ٥٣] أَفَاضَ أَحَدَهُمَا عَلَى الْآخَرِ». حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٧ / ٤٧٢
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: «﴿وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ﴾ [الفرقان: ٥٣] يَقُولُ: خَلَعَ أَحَدَهُمَا عَلَى الْآخَرِ»
١٧ / ٤٧٢
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا أَبُو تُمَيْلَةَ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿مَرَجَ﴾ [الفرقان: ٥٣] أَفَاضَ أَحَدَهُمَا عَلَى الْآخَرِ»
١٧ / ٤٧٢
وَقَوْلُهُ ﴿هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ﴾ [الفرقان: ٥٣] الْفُرَاتُ: شَدِيدُ الْعُذُوبَةِ، يُقَالُ: هَذَا مَاءٌ فُرَاتٌ: أَيْ شَدِيدُ الْعُذُوبَةِ
١٧ / ٤٧٢
وَقَوْلُهُ ﴿وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ﴾ [الفرقان: ٥٣] يَقُولُ: وَهَذَا مِلْحٌ مَرٌّ. يَعْنِي بِالْعَذْبِ الْفُرَاتِ: مِيَاهَ الْأَنْهَارِ وَالْأَمْطَارِ، وَبِالْمِلْحِ الْأُجَاجِ: مِيَاهَ الْبِحَارِ وَإِنَّمَا عَنَى بِذَلِكَ أَنَّهُ مِنْ نِعْمَتِهِ عَلَى خَلْقِهِ، وَعَظِيمِ سُلْطَانِهِ، يَخْلِطُ مَاءَ الْبَحْرِ الْعَذْبِ بِمَاءِ الْبَحْرِ الْمِلْحِ الْأُجَاجِ، ثُمَّ يَمْنَعُ الْمِلْحَ مِنْ تَغْيِيرِ الْعَذْبِ عَنْ عُذُوبَتِهِ، وَإِفْسَادِهِ إِيَّاهُ بِقَضَائِهِ وَقُدْرَتِهِ، لِئَلَّا يَضُرَّ إِفْسَادُهُ إِيَّاهُ بِرُكْبَانِ الْمِلْحِ مِنْهُمَا، فَلَا يَجِدُوا مَاءً يَشْرَبُونَهُ عِنْدَ حَاجَتِهِمْ إِلَى الْمَاءِ، فَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا﴾ [الفرقان: ٥٣] يَعْنِي حَاجِزًا يَمْنَعُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ إفسادِ الْآخَرِ ﴿وَحِجْرًا مَحْجُورًا﴾ [الفرقان: ٥٣] يَقُولُ: وَجَعَلَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَرَامًا مُحَرَّمًا عَلَى صَاحِبِهِ أَنْ يُغَيِّرَهُ وَيُفْسِدَهُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٧ / ٤٧٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: «﴿هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ﴾ [الفرقان: ٥٣] يَعْنِي أَنَّهُ خَلَقَ أَحَدَهُمَا عَلَى الْآخَرِ، فَلَيْسَ يُفْسِدُ الْعَذْبَ الْمَالِحُ، وَلَيْسَ يُفْسِدُ الْمَالِحَ الْعَذْبُ، وَقَوْلَهُ ﴿وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا﴾ [الفرقان: ٥٣] قَالَ: الْبَرْزَخُ: الْأَرْضُ بَيْنَهُمَا ﴿وَحِجْرًا مَحْجُورًا﴾ [الفرقان: ٥٣] يَعْنِي:»حَجَرَ أَحَدَهُمَا عَلَى الْآخَرِ بِأَمْرِهِ وَقَضَائِهِ، وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ ﴿وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا﴾ [النمل: ٦١] “
١٧ / ٤٧٣
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿⦗٤٧٤⦘ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا﴾ [الفرقان: ٥٣] قَالَ: «مَحْبِسًا» . قَوْلُهُ: ﴿وَحِجْرًا مَحْجُورًا﴾ [الفرقان: ٥٣] قَالَ: «لَا يَخْتَلِطُ الْبَحْرُ بِالْعَذْبِ»
١٧ / ٤٧٣
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا﴾ [الفرقان: ٥٣] قَالَ: حَاجِزًا لَا يَرَاهُ أَحَدٌ، لَا يَخْتَلِطُ الْعَذْبُ فِي الْبَحْرِ». قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: فَلَمْ أَجِدْ بَحْرًا عَذْبًا إِلَّا الْأَنْهَارَ الْعِذَابَ، فَإِنَّ دِجْلَةَ تَقَعُ فِي الْبَحْرِ، فَأَخْبَرَنِي الْخَبِيرُ بِهَا أَنَّهَا تَقَعُ فِي الْبَحْرِ، فَلَا تَمُورُ فِيهِ، بَيْنَهُمَا مِثْلُ الْخَيْطِ الْأَبْيَضِ؛ فَإِذَا رَجَعَتْ لَمْ تَرْجِعْ فِي طَرِيقِهَا مِنَ الْبَحْرِ، وَالنِّيلُ يَصُبُّ فِي الْبَحْرِ “
١٧ / ٤٧٤
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني أَبُو تُمَيْلَةَ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا﴾ [الفرقان: ٥٣] قَالَ: «الْبَرْزَخُ: أَنَّهُمَا يَلْتَقِيَانِ فَلَا يَخْتَلِطَانِ، وَقَوْلُهُ ﴿حِجْرًا مَحْجُورًا﴾ [الفرقان: ٢٢] أَيْ لَا تَخْتَلِطُ مُلُوحَةُ هَذَا بِعُذُوبَةِ هَذَا، لَا يَبْغِي أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ»
١٧ / ٤٧٤
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا﴾ [الفرقان: ٥٣] قَالَ: «هَذَا الْيَبَسُ»
١٧ / ٤٧٤
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا﴾ [الفرقان: ٥٣] قَالَ: «جَعَلَ هَذَا مِلْحًا أُجَاجًا، قَالَ: وَالْأُجَاجُ: الْمُرُّ»
١٧ / ٤٧٥
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ: ﴿مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ، هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ، وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ﴾ [الفرقان: ٥٣] يَقُولُ: «خَلَعَ أَحَدَهُمَا عَلَى الْآخَرِ، فَلَا يُغَيِّرُ أَحَدُهُمَا طَعْمَ الْآخَرِ ﴿وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا﴾ [الفرقان: ٥٣] هُوَ الْأَجَلُ مَا بَيْنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ﴿وَحِجْرًا مَحْجُورًا﴾ [الفرقان: ٥٣] جَعَلَ اللَّهُ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حِجْرًا، يَقُولُ: حَاجِزًا حَجَزَ أَحَدَهُمَا عَنِ الْآخَرِ بِأَمْرِهِ وَقَضَائِهِ»
١٧ / ٤٧٥
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا﴾ [الفرقان: ٥٣] وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا سِتْرًا لَا يَلْتَقِيَانِ. قَالَ: وَالْعَرَبُ إِذَا كَلَّمَ أَحَدُهُمُ الْآخَرَ بِمَا يَكْرَهُ قَالَ: حِجْرًا، قَالَ: سِتْرًا دُونَ الَّذِي تَقُولُ». قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَإِنَّمَا اخْتَرْنَا الْقَوْلَ الَّذِي اخْتَرْنَاهُ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ ﴿وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا﴾ [الفرقان: ٥٣] دُونَ الْقَوْلِ الَّذِي قَالَهُ مَنْ قَالَ مَعْنَاهُ: إِنَّهُ جَعَلَ بَيْنَهُمَا حَاجِزًا مِنَ الْأَرْضِ أَوْ مِنَ الْيَبَسِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَخْبَرَ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ أَنَّهُ مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ، ⦗٤٧٦⦘ وَالْمَرْجُ: هُوَ الْخَلْطُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ عَلَى مَا بَيَّنْتُ قَبْلُ، فَلَوْ كَانَ الْبَرْزَخُ الَّذِي بَيْنَ الْعَذْبِ الْفُرَاتِ مِنَ الْبَحْرَيْنِ وَالْمِلْحِ الْأُجَاجِ أَرْضًا أَوْ يَبَسًا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَرْجٌ لِلْبَحْرَيْنِ، وَقَدْ أَخْبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّهُ مَرَجَهُمَا، وَإِنَّمَا عَرَفْنَا قُدْرَتَهُ بِحَجْزِهِ هَذَا الْمِلْحَ الْأُجَاجَ عَنْ إِفْسَادِ هَذَا الْعَذْبِ الْفُرَاتِ، مَعَ اخْتِلَاطِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِصَاحِبِهِ. فَأَمَّا إِذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي حَيِّزٍ عَنْ حَيِّزِ صَاحِبِهِ فَلَيْسَ هُنَاكَ مَرَجٌ، وَلَا هُنَاكَ مِنَ الْأُعْجُوبَةِ مَا يُنَبِّهُ عَلَيْهِ أَهْلَ الْجَهْلِ بِهِ مِنَ النَّاسِ وَيُذَكَّرُونَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ كُلُّ مَا ابْتَدَعَهُ رَبُّنَا عَجِيبًا، وَفِيهِ أَعْظَمُ الْعِبَرِ وَالْمَوَاعِظِ وَالْحُجَجِ الْبَوَالِغِ
١٧ / ٤٧٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا، وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا﴾ [الفرقان: ٥٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَاللَّهُ الَّذِي خَلَقَ مِنَ النُّطَفِ بَشَرًا إِنْسَانًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا، وَذَلِكَ سَبْعَةٌ، وَصِهْرًا، وَهُوَ خَمْسَةٌ
١٧ / ٤٧٦
كَمَا: حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا﴾ [الفرقان: ٥٤] «النَّسَبُ: سَبْعٌ، قَوْلُهُ: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ﴾ [النساء: ٢٣] . إِلَى قَوْلِهِ ﴿وَبَنَاتُ الْأُخْتِ﴾ [النساء: ٢٣] وَالصِّهْرُ خَمْسٌ، قَوْلُهُ: ﴿وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ﴾ [النساء: ٢٣] . إِلَى قَوْلِهِ ﴿وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ﴾ [النساء: ٢٣]»
١٧ / ٤٧٦
وَقَوْلُهُ: ﴿وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا﴾ [الفرقان: ٥٤] يَقُولُ: وَرَبُّكَ يَا مُحَمَّدُ ذُو قُدْرَةٍ عَلَى خَلْقِ مَا يَشَاءُ مِنَ الْخَلْقِ، وَتَصْرِيفِهِمْ فِيمَا شَاءَ وَأَرَادَ
١٧ / ٤٧٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُهُمْ وَلَا يَضُرُّهُمْ، وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا﴾ [الفرقان: ٥٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَيَعْبُدُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ بِاللَّهِ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَا تَنْفَعُهُمْ
١٧ / ٤٧٦
فَتَجْلِبُ إِلَيْهِمْ نَفْعًا إِذَا هُمْ عَبَدُوهَا، وَلَا تَضُرُّهُمْ إِنْ تَرَكُوا عِبَادَتَهَا، وَيَتْرُكُونَ عِبَادَةَ مَنْ أَنْعَمَ عَلَيْهِمْ هَذِهِ النَّعَمَ الَّتِي لَا كَفَاءَ لِأَدْنَاهَا، وَهِيَ مَا عَدَّدَّ عَلَيْنَا ﷻ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ﴾ [الفرقان: ٤٥] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿قَدِيرًا﴾ [النساء: ١٣٣] . وَمِنْ قُدْرَتِهِ الْقُدْرَةُ الَّتِي لَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ مَعَهَا شَيْءٌ أَرَادَهُ، وَلَا يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ فِعْلَ شَيْءٍ أَرَادَ فِعْلَهُ، وَمِنْ قُدْرَتِهِ إِذَا أَرَادَ عِقَابَ بَعْضَ مَنْ عَصَاهُ مِنْ عِبَادِهِ أَحَلَّ بِهِ مَا أَحَلَّ بِالَّذِينَ وَصَفَ صِفَتَهُمْ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَأَصْحَابِ الرَّسِّ، وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا، فَلَمْ يَكُنْ لِمَنْ غَضِبَ عَلَيْهِ مِنْهُ نَاصِرٌ، وَلَا لَهُ عَنْهُ دَافِعٌ
١٧ / ٤٧٧
﴿وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا﴾ [الفرقان: ٥٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَكَانَ الْكَافِرُ مُعِينًا لِلشَّيْطَانِ عَلَى رَبِّهِ، مُظَاهِرًا لَهُ عَلَى مَعْصِيَتِهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٧ / ٤٧٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا﴾ [الفرقان: ٥٥] قَالَ: «يُظَاهِرُ الشَّيْطَانَ عَلَى مَعْصِيَةِ اللَّهِ بِعَيْنِهِ»
١٧ / ٤٧٧
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ: «﴿عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا﴾ [الفرقان: ٥٥] قَالَ: مَعِينًا». ⦗٤٧٨⦘ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٧ / ٤٧٧
قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: «أَبُو جَهْلٍ مَعِينًا، ظَاهَرَ الشَّيْطَانَ عَلَى رَبِّهِ»
١٧ / ٤٧٨
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا﴾ [الفرقان: ٥٥] قَالَ: عَوْنًا لِلشَّيْطَانِ عَلَى رَبِّهِ عَلَى الْمَعَاصِي»
١٧ / ٤٧٨
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا﴾ [الفرقان: ٥٥] قَالَ: عَلَى رَبِّهِ عَوِينًا. وَالظَّهِيرُ: الْعَوِينُ. وَقَرَأَ قَوْلَ اللَّهِ: ﴿فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِلْكَافِرِينَ﴾ [القصص: ٨٦] قَالَ: لَا تَكُونَنَّ لَهُمْ عَوِينًا. وَقَرَأَ أَيْضًا قَوْلَ اللَّهِ: ﴿وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ﴾ [الأحزاب: ٢٦] قَالَ: ظَاهَرُوهُمْ: أَعَانُوهُمْ»
١٧ / ٤٧٨
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: «﴿وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا﴾ [الفرقان: ٥٥] يَعْنِي: أَبَا الْحَكَمِ الَّذِي سَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ». وَقَدْ كَانَ بَعْضُهُمْ يُوَجَّهُ مَعْنَى قَوْلِهِ ﴿وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا﴾ [الفرقان: ٥٥] أَيْ وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ هَيِّنًا مِنْ قَوْلِ الْعَرَبِ: ظَهَرْتُ بِهِ، فَلَمْ أَلْتَفِتْ إِلَيْهِ، إِذَا جَعَلَهُ خَلْفَ ظَهْرِهِ فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهِ، وَكَأَنَّ الظَّهِيرَ كَانَ عِنْدَهُ فَعِيلٌ صُرِفَ مِنْ مَفْعُولٍ إِلَيْهِ مِنْ مَظْهُورٍ بِهِ، كَأَنَّهُ قِيلَ: وَكَانَ الْكَافِرُ مَظْهُورًا بِهِ.
١٧ / ٤٧٨
وَالْقَوْلُ الَّذِي قُلْنَاهُ هُوَ وَجْهُ الْكَلَامِ وَالْمَعْنَى الصَّحِيحُ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَخْبَرَ عَنْ عِبَادَةِ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارِ مَنْ دُونَهُ، فَأَوْلَى الْكَلَامِ أَنْ يَتْبَعَ ذَلِكَ ذَمَّهُ إِيَّاهُمْ، وَذَمَّ فِعْلِهِمْ دُونَ الْخَبَرِ عَنْ هَوَانِهِمٍ عَلَى رَبِّهِمْ، وَلِمَا يَجْرِ لِاسْتِكْبَارِهِمْ عَلَيْهِ ذَكَرَ؛ فَيُتْبِعُ بِالْخَبَرِ عَنْ هَوَانِهِمْ عَلَيْهِ
١٧ / ٤٧٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا﴾ [الفرقان: ٥٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ﴾ [الإسراء: ٥٤] يَا مُحَمَّدُ إِلَى مَنْ أَرْسَلْنَاكَ إِلَيْهِ ﴿إِلَّا مُبَشِّرًا﴾ [الإسراء: ١٠٥] بِالثَّوَابِ الْجَزِيلِ مَنْ آمَنَ بِكَ وَصَدَّقَكَ، وَآمَنَ بِالَّذِي جِئْتَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِي، وَعَمِلُوا بِهِ ﴿وَنَذِيرًا﴾ [البقرة: ١١٩] مَنْ كَذَّبَكَ وَكَذَّبَ مَا جِئْتَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِي، فَلَمْ يَصَّدَّقُوا بِهِ، وَلَمْ يَعْمَلُوا
١٧ / ٤٧٩
﴿قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ﴾ [الفرقان: ٥٧] يَقُولُ لَهُ: قُلْ لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَرْسَلْتُكَ إِلَيْهِمْ، مَا أَسْأَلُكُمْ يَا قَوْمُ عَلَى مَا جِئْتُكُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ رَبِّي أَجْرًا، فَتَقُولُونَ: إِنَّمَا يَطْلُبُ مُحَمَّدٌ أَمْوَالَنَا بِمَا يَدْعُونَا إِلَيْهِ، فَلَا نَتَّبِعُهُ فِيهِ، وَلَا نُعْطِيهِ مِنْ أَمْوَالِنَا شَيْئًا
١٧ / ٤٧٩
﴿إِلَّا مَنْ شَاءَ أَنْ يتَّخِذَ إِلَى ربِّهِ سَبِيلًا﴾ [الفرقان: ٥٧] يَقُولُ: لَكِنْ مَنْ شَاءَ مِنْكُمُ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا، طَرِيقًا بِإِنْفَاقِهِ مِنْ مَالِهِ فِي سَبِيلِهِ، وَفِيمَا يُقَرِّبُهُ إِلَيْهِ مِنَ الصَّدَقَةِ وَالنَّفَقَةِ فِي جِهَادِ عَدُوِّهِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ سُبُلِ الْخَيْرِ
١٧ / ٤٧٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ، وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا﴾ [الفرقان: ٥٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَتَوَكَّلْ يَا مُحَمَّدُ عَلَى الَّذِي لَهُ الْحَيَاةُ الدَّائِمَةُ الَّتِي لَا مَوْتَ مَعَهَا. فَثِقْ بِهِ فِي أَمَرِ رَبِّكَ، وَفَوِّضْ إِلَيْهِ، وَاسْتَسْلِمْ لَهُ، وَاصْبِرْ عَلَى مَا نَابَكَ فِيهِ
١٧ / ٤٧٩
قَوْلُهُ: ﴿وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ﴾ [الفرقان: ٥٨] يَقُولُ: وَاعْبُدْهُ شُكْرًا مِنْكَ لَهُ عَلَى مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْكَ
١٧ / ٤٨٠
قَوْلُهُ: ﴿وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا﴾ [الفرقان: ٥٨] يَقُولُ: وَحَسْبُكَ بِالْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ خَابِرًا بِذُنُوبِ خَلْقِهِ، فَإِنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْهَا، وَهُوَ مُحْصٍ جَمِيعَهَا عَلَيْهِمْ حَتَّى يُجَازِيَهِمْ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ
١٧ / ٤٨٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ، الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ﴾ [الفرقان: ٥٨]، ﴿الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ﴾ فَقَالَ: ﴿وَمَا بَيْنَهُمَا﴾ [المائدة: ١٧] وَقَدْ ذَكَرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ، وَالسَّمَوَاتُ جِمَاعٌ لِأَنَّهُ وَجَّهَ ذَلِكَ إِلَى الصِّنْفَيْنِ وَالشَّيْئَيْنِ، كَمَا قَالَ الْقُطَامِيُّ:
[البحر الوافر] أَلَمْ يَحْزُنْكَ أَنَّ حِبَالَ قَيْسٍ … وَتَغْلِبَ قَدْ تَبَايَنَتَا انْقِطَاعَا
يُرِيدُ: وَحِبَالَ تَغْلِبَ فَثَنَّى، وَالْحِبَالُ جَمْعٌ، لِأَنَّهُ أَرَادَ الشَّيْئَيْنِ وَالنَّوْعَيْنِ
[البحر الوافر] أَلَمْ يَحْزُنْكَ أَنَّ حِبَالَ قَيْسٍ … وَتَغْلِبَ قَدْ تَبَايَنَتَا انْقِطَاعَا
يُرِيدُ: وَحِبَالَ تَغْلِبَ فَثَنَّى، وَالْحِبَالُ جَمْعٌ، لِأَنَّهُ أَرَادَ الشَّيْئَيْنِ وَالنَّوْعَيْنِ
١٧ / ٤٨٠
وَقَوْلِهِ: ﴿فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ﴾ [الأعراف: ٥٤] قِيلَ: كَانَ ابْتِدَاءُ ذَلِكَ يَوْمَ الْأَحَدِ، وَالْفَرَاغُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ. ﴿ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ﴾ [الفرقان: ٥٩]⦗٤٨١⦘ وَعَلَا عَلَيْهِ، وَذَلِكَ يَوْمَ السَّبْتِ فِيمَا قِيلَ
١٧ / ٤٨٠
وَقَوْلُهُ: ﴿فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا﴾ [الفرقان: ٥٩] يَقُولُ: فَاسْأَلْ يَا مُحَمَّدُ خَبِيرًا بِالرَّحْمَنِ، خَبِيرًا بِخَلْقِهِ، فَإِنَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ، وَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ مَا خَلَقَ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٧ / ٤٨١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَوْلَهُ: «﴿فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا﴾ [الفرقان: ٥٩] قَالَ: يَقُولُ لِمُحَمَّدٍ ﷺ: إِذَا أَخْبَرْتُكَ شَيْئًا، فَاعْلَمْ أَنَّهُ كَمَا أَخْبَرْتُكَ، أَنَا الْخَبِيرُ». وَالْخَبِيرُ فِي قَوْلِهِ: ﴿فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا﴾ [الفرقان: ٥٩] مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ مِنَ الْهَاءِ الَّتِي فِي قَوْلِهِ ﴿بِهِ﴾ [الفرقان: ٥٩]
١٧ / ٤٨١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهُ تَعَالَى: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ، أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا، وَزَادَهُمْ نُفُورًا﴾ [الفرقان: ٦٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَإِذَا قِيلَ لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُهُمْ وَلَا يَضُرُّهُمْ: ﴿اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ﴾ [الفرقان: ٦٠] أَيِ اجْعَلُوا سُجُودَكُمْ لِلَّهِ خَالِصًا دُونَ الْآلِهَةِ وَالْأَوْثَانِ، قَالُوا: ﴿أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا﴾ [الفرقان: ٦٠] . وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ: ﴿لِمَا تَأْمُرُنَا﴾ [الفرقان: ٦٠] بِمَعْنَى: أَنَسْجُدُ نَحْنُ يَا مُحَمَّدُ لِمَا تَأْمُرُنَا أَنْتَ أَنْ نَسْجُدَ لَهُ؟
١٧ / ٤٨١
وَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ: (لِمَا يَأْمُرُنَا)، بِالْيَاءِ، بِمَعْنَى: أَنَسْجُدُ لِمَا يَأْمُرُ الرَّحْمَنُ؟ وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ مُسَيْلِمَةَ كَانَ يُدْعَى الرَّحْمَنُ، فَلَمَّا قَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ ﷺ: اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ، قَالُوا: أَنَسْجُدُ لَمَّا يَأْمُرُنَا رَحْمَنُ الْيَمَامَةِ؟ يَعْنُونَ مُسَيْلِمَةَ بِالسُّجُودِ لَهُ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ، أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مُسْتَفِيضَتَانِ مَشْهُورَتَانِ، قَدْ قَرَأَ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عُلَمَاءُ مِنَ الْقُرَّاءِ، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ
١٧ / ٤٨٢
وَقَوْلُهُ: ﴿وَزَادَهُمْ نُفُورًا﴾ [الفرقان: ٦٠] يَقُولُ: وَزَادَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ قَوْلُ الْقَائِلِ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ مِنْ إِخْلَاصِ السُّجُودِ لِلَّهِ، وَإِفْرَادِ اللَّهِ بِالْعِبَادَةِ بُعْدًا مِمَّا دُعُوا إِلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ فِرَارًا
١٧ / ٤٨٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا، وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا﴾ [الفرقان: ٦١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: تَقَدَّسَ الرَّبُّ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا؛ وَيَعْنِي بِالْبُرُوجِ: الْقُصُورَ فِي قَوْلِ بَعْضُهُمْ
١٧ / ٤٨٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، وَسَلَمُ بْنُ جُنَادَةَ، قَالُوا: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي، عَنْ عَطِيَّةَ بْنِ سَعْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا﴾ [الفرقان: ٦١] قَالَ: قُصُورًا فِي السَّمَاءِ، فِيهَا الْحَرَسُ»
١٧ / ٤٨٢
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثني أَبُو مُعَاوِيَةَ، قَالَ: ثني إِسْمَاعِيلُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ رَافِعٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا﴾ [الفرقان: ٦١] قَالَ: قُصُورًا فِي السَّمَاءِ»
١٧ / ٤٨٣
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ: «﴿جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا﴾ [الفرقان: ٦١] قَالَ: قُصُورًا فِي السَّمَاءِ»
١٧ / ٤٨٣
حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ سَيْفٍ، قَالَ: ثني عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا﴾ [الفرقان: ٦١] قَالَ: قُصُورًا فِي السَّمَاءِ فِيهَا الْحَرَسُ». وَقَالَ آخَرُونَ: هِيَ النُّجُومُ الْكِبَارُ
١٧ / ٤٨٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَ: ثنا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ: «﴿تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا﴾ [الفرقان: ٦١] قَالَ: النُّجُومُ الْكِبَارُ»
١٧ / ٤٨٣
قَالَ: ثنا الضَّحَّاكٌ، عَنْ مَخْلَدٍ، عَنْ عِيسَى بْنِ مَيْمُونٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «الْكَوَاكِبُ»
١٧ / ٤٨٣
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: «﴿بُرُوجًا﴾ [الحجر: ١٦] قَالَ: الْبُرُوجُ: النُّجُومُ». قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: هِيَ قُصُورٌ فِي السَّمَاءِ، لِأَنَّ ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ ﴿وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ﴾ [النساء: ٧٨] وَقَوْلُ الْأَخْطَلِ:
[البحر البسيط] كَأَنَّهَا بُرْجُ رُومِيٍّ يُشَيِّدُهُ … بَانٍ بِحِصٍّ وَآجُرٍّ وَأَحْجَارِ
يَعْنِي بِالْبُرْجِ الْقَصْرَ
[البحر البسيط] كَأَنَّهَا بُرْجُ رُومِيٍّ يُشَيِّدُهُ … بَانٍ بِحِصٍّ وَآجُرٍّ وَأَحْجَارِ
يَعْنِي بِالْبُرْجِ الْقَصْرَ
١٧ / ٤٨٤
قَوْلُهُ: ﴿وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا﴾ [الفرقان: ٦١] اخْتَلَفَ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ: ﴿وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا﴾ [الفرقان: ٦١] عَلَى التَّوْحِيدِ، وَوَجَّهُوا تَأْوِيلَ ذَلِكَ إِلَى أَنَّهُ جَعَلَ فِيهَا الشَّمْسَ، وَهِيَ السَّرَّاجُ الَّتِي عَنِيَ عِنْدَهُمْ بِقَوْلِهِ: ﴿وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا﴾ [الفرقان: ٦١]
١٧ / ٤٨٤
كَمَا: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا﴾ [الفرقان: ٦١] قَالَ: «السِّرَاجُ: الشَّمْسُ». وَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفِيِّينَ: (وَجَعَلَ فِيهَا سُرُجًا) عَلَى الْجِمَاعِ، كَأَنَّهُمْ وَجَّهُوا تَأْوِيلَهُ: وَجَعَلَ فِيهَا نُجُومًا ﴿وَقَمَرًا مُنِيرًا﴾ [الفرقان: ٦١] وَجَعَلُوا النُّجُومَ سُرُجًا إِذْ كَانَ يُهْتَدَى بِهَا. ⦗٤٨٥⦘ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ فِي قِرَاءَةِ الْأَمْصَارِ، لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَجْهٌ مَفْهُومٌ، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ
١٧ / ٤٨٤
وَقَوْلُهُ: ﴿وَقَمَرًا مُنِيرًا﴾ [الفرقان: ٦١] يَعْنِي بِالْمُنِيرِ: الْمُضِيءَ
١٧ / ٤٨٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا﴾ [الفرقان: ٦٢] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: ﴿جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً﴾ [الفرقان: ٦٢] فَقَالُ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: أَنَّ اللَّهَ جَعَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَلَفًا مِنَ الْآخَرِ، فِي أَنَّ مَا فَاتَ أَحَدَهُمَا مِنْ عَمَلٍ يُعْمَلُ فِيهِ لِلَّهِ أُدْرِكَ قَضَاؤُهُ فِي الْآخَرِ
١٧ / ٤٨٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَعْقُوبُ الْقُمِّيُّ، عَنْ حَفْصِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ شِمْرِ بْنِ عَطِيَّةَ، عَنْ شَقِيقٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه، فَقَالَ: فَاتَتْنِي الصَّلَاةُ اللَّيْلَةَ، فَقَالَ: «أَدْرِكْ مَا فَاتِكَ مِنْ لَيْلَتِكَ فِي نَهَارِكَ، فَإِنَّ اللَّهَ جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ، أَوْ أَرَادَ شَكُورًا»
١٧ / ٤٨٥
حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً﴾ [الفرقان: ٦٢] يَقُولُ: «مَنْ فَاتَهُ شَيْءٌ مِنَ اللَّيْلِ أَنْ يَعْمَلَهُ أَدْرَكَهُ بِالنَّهَارِ، أَوْ مِنَ النَّهَارِ أَدْرَكَهُ بِاللَّيْلِ»
١٧ / ٤٨٥
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً﴾ [الفرقان: ٦٢] قَالَ: «جَعَلَ أَحَدَهُمَا خَلْفًا لِلْآخَرِ، إِنْ فَاتَ رَجُلًا مِنَ النَّهَارِ شَيْءٌ أَدْرَكَهُ مِنَ اللَّيْلِ، وَإِنْ فَاتَهُ مِنَ اللَّيْلِ أَدْرَكَهُ مِنَ النَّهَارِ» . وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَاهُ أَنَّهُ جَعَلَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُخَالِفًا صَاحِبَهُ، فَجَعَلَ هَذَا أَسْوَدَ وَهَذَا أَبْيَضَ
١٧ / ٤٨٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ: «﴿اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً﴾ [الفرقان: ٦٢] قَالَ: أَسْوَدُ وَأَبْيَضُ». حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٧ / ٤٨٦
حَدَّثَنَا أَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ عُمَرَ بْنِ قَيْسِ بْنِ أَبِي مُسْلِمٍ الْمَاصِرِ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً﴾ [الفرقان: ٦٢] قَالَ: أَسْوَدُ وَأَبْيَضُ». وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَخْلُفُ صَاحِبَهُ، إِذَا ذَهَبَ هَذَا جَاءَ هَذَا، وَإِذَا جَاءَ هَذَا ذَهَبَ هَذَا
١٧ / ٤٨٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، قَالَ: ثنا قَيْسٌ، عَنْ عُمَرَ بْنِ قَيْسِ الْمَاصِرِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ: «﴿جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً﴾ [الفرقان: ٦٢] هَذَا يَخْلُفُ هَذَا، وَهَذَا يَخْلُفُ هَذَا»
١٧ / ٤٨٧
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً﴾ [الفرقان: ٦٢] قَالَ: «لَوْ لَمْ يَجْعَلْهُمَا خِلْفَةً لَمْ يَدْرِ كَيْفَ يَعْمَلُ، لَوْ كَانَ الدَّهْرُ لَيْلًا كُلُّهُ كَيْفَ يَدْرِي أَحَدٌ كَيْفَ يَصُومُ، أَوْ كَانَ الدَّهْرُ نَهَارًا كُلُّهُ كَيْفَ يَدْرِي أَحَدٌ كَيْفَ يُصَلِّي. قَالَ: وَالْخِلْفَةُ: مُخْتَلِفَانِ، يَذْهَبُ هَذَا وَيَأْتِي هَذَا، جَعَلَهُمَا اللَّهُ خِلْفَةً لِلْعِبَادِ، وَقَرَأَ ﴿لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شَكُورًا﴾ [الفرقان: ٦٢]». وَالْخِلْفَةُ: مَصْدَرٌ، فَلِذَلِكَ وُحِّدَتْ، وَهِيَ خَبَرٌ عَنِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ؛ وَالْعَرَبُ تَقُولُ: خِلْفُ هَذَا مِنْ كَذَا خِلْفَةً، وَذَلِكَ إِذَا جَاءَ شَيْءٌ مَكَانَ شَيْءٍ ذَهَبَ قَبْلَهُ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر المديد] وَلَهَا بِالْمَاطَرُونِ إِذَا … أَكَلَ النَّمْلُ الَّذِي جَمَعَا
⦗٤٨٨⦘ خِلْفَةٌ حَتَّى إِذَا ارْتَبَعَتْ … سَكَنَتْ مِنْ جِلَّقٍ بِيَعَا
وَكَمَا قَالَ زُهَيْرٌ:
[البحر الطويل] بِهَا الْعِينُ وَالْآرَامُ يَمْشِينَ خِلْفَةً … وَأَطْلَاؤُهَا يَنْهَضْنَ مِنْ كُلِّ مَجْثَمِ
يَعْنِي بِقَوْلِهِ: يَمْشِينَ خِلْفَةً: تَذْهَبُ مِنْهَا طَائِفَةٌ، وَتُخَلَّفُ مَكَانَهَا طَائِفَةٌ أُخْرَى. وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنَّ زُهَيْرًا أَرَادَ بِقَوْلِهِ: خِلْفَةً: مُخْتَلِفَاتِ الْأَلْوَانِ، وَأَنَّهَا ضُرُوبٌ فِي أَلْوَانُهَا وَهَيْئَاتِهَا. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ أَنَّهَا تَذْهَبُ فِي مَشْيِهَا كَذَا، وَتَجِيءُ كَذَا
[البحر المديد] وَلَهَا بِالْمَاطَرُونِ إِذَا … أَكَلَ النَّمْلُ الَّذِي جَمَعَا
⦗٤٨٨⦘ خِلْفَةٌ حَتَّى إِذَا ارْتَبَعَتْ … سَكَنَتْ مِنْ جِلَّقٍ بِيَعَا
وَكَمَا قَالَ زُهَيْرٌ:
[البحر الطويل] بِهَا الْعِينُ وَالْآرَامُ يَمْشِينَ خِلْفَةً … وَأَطْلَاؤُهَا يَنْهَضْنَ مِنْ كُلِّ مَجْثَمِ
يَعْنِي بِقَوْلِهِ: يَمْشِينَ خِلْفَةً: تَذْهَبُ مِنْهَا طَائِفَةٌ، وَتُخَلَّفُ مَكَانَهَا طَائِفَةٌ أُخْرَى. وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنَّ زُهَيْرًا أَرَادَ بِقَوْلِهِ: خِلْفَةً: مُخْتَلِفَاتِ الْأَلْوَانِ، وَأَنَّهَا ضُرُوبٌ فِي أَلْوَانُهَا وَهَيْئَاتِهَا. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ أَنَّهَا تَذْهَبُ فِي مَشْيِهَا كَذَا، وَتَجِيءُ كَذَا
١٧ / ٤٨٧
وَقَوْلُهُ ﴿لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ﴾ [الفرقان: ٦٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، وَخُلُوفَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْآخَرَ حُجَّةً وَآيَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذْكُرَ أَمَرَ اللَّهِ، فَيُنِيبُ إِلَى الْحَقِّ ﴿أَوْ أَرَادَ شَكُورًا﴾ [الفرقان: ٦٢] أَوْ أَرَادَ شُكْرَ نِعْمَةِ اللَّهِ الَّتِي أَنْعَمَهَا عَلَيْهِ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٧ / ٤٨٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ: «﴿أَوْ أَرَادَ شَكُورًا﴾ [الفرقان: ٦٢] قَالَ: شُكْرَ نِعْمَةِ رَبِّهِ عَلَيْهِ فِيهِمَا»
١٧ / ٤٨٨
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ: «﴿لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ﴾ [الفرقان: ٦٢] ذَاكَ آيَةً لَهُ ﴿أَوْ أَرَادَ شَكُورًا﴾ [الفرقان: ٦٢] قَالَ: شُكْرَ نِعْمَةِ رَبِّهِ عَلَيْهِ فِيهِمَا». وَاخْتَلَفَ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿يَذَّكَّرَ﴾ [الفرقان: ٦٢] فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ وَبَعْضُ الْكُوفِيِّينَ: ﴿يَذَّكَّرَ﴾ [الفرقان: ٦٢] مُشَدَّدَةً، بِمَعْنَى يَتَذَكَّرُ. وَقَرَأَهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفِيِّينَ: (يَذْكُرَ) مُخَفَّفَةً؛ وَقَدْ يَكُونُ التَّشْدِيدُ وَالتَّخْفِيفُ فِي مِثْلِ هَذَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ. يُقَالُ: ذَكَرْتُ حَاجَةَ فُلَانٍ وَتَذَكَّرْتُهَا. وَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ الصَّوَابَ فِيهِمَا
١٧ / ٤٨٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا، وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا﴾ [الفرقان: ٦٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا﴾ [الفرقان: ٦٣] بِالْحِلْمِ وَالسَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ غَيْرَ مُسْتَكْبِرِينَ، وَلَا مُتَجَبِّرِينَ، وَلَا سَاعِينَ فِيهَا بِالْفَسَادِ وَمَعَاصِي اللَّهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ، غَيْرَ أَنَّهُمُ اخْتَلَفُوا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَنَى بِقَوْلِهِ: ﴿يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا﴾ [الفرقان: ٦٣] أَنَّهُمْ يَمْشُونَ عَلَيْهَا بِالسَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ
١٧ / ٤٨٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا﴾ [الفرقان: ٦٣] قَالَ: بِالْوَقَارِ وَالسَّكِينَةِ»
١٧ / ٤٩٠
قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْوَضَّاحِ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا﴾ [الفرقان: ٦٣] قَالَ: بِالْحِلْمِ وَالْوَقَارِ»
١٧ / ٤٩٠
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ: «﴿يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا﴾ [الفرقان: ٦٣] قَالَ: بِالْوَقَارِ وَالسَّكِينَةِ». حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٧ / ٤٩٠
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا﴾ [الفرقان: ٦٣] بِالْوَقَارِ وَالسَّكِينَةِ»
١٧ / ٤٩٠
حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ طَلْحَةَ الْيَرْبُوعِيُّ، قَالَ: ثنا شَرِيكٌ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ سَعِيدٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ: «﴿الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا﴾ [الفرقان: ٦٣] قَالَا: بِالسَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ»
١٧ / ٤٩٠
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ عَمَّارٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، فِي قَوْلِهِ: «﴿يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا﴾ [الفرقان: ٦٣] قَالَ: بِالْوَقَارِ وَالسَّكِينَةِ». قَالَ: ثنا ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٧ / ٤٩١
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عَمْرٍو الْمُلَائِيِّ: «﴿يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا﴾ [الفرقان: ٦٣] قَالَ: بِالْوَقَارِ وَالسَّكِينَةِ». وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: أَنَّهُمْ يَمْشُونَ عَلَيْهَا بِالطَّاعَةِ وَالتَّوَاضُعِ
١٧ / ٤٩١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: «﴿الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا﴾ [الفرقان: ٦٣] بِالطَّاعَةِ، وَالْعَفَافِ، وَالتَّوَاضُعِ»
١٧ / ٤٩١
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا﴾ [الفرقان: ٦٣] قَالَ: «يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ بِالطَّاعَةِ»
١٧ / ٤٩١
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثني عَمِّي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، قَالَ: كَتَبَ إِلَيَّ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سُوَيْدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ زَيْدَ بْنَ أَسْلَمَ يَقُولُ: “الْتَمَسْتُ تَفْسِيرَ هَذِهِ الْآيَةِ ﴿الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا﴾ [الفرقان: ٦٣] فَلَمْ أَجِدْهَا عِنْدَ أَحَدٍ، فَأُتِيتُ فِي النَّوْمِ، فَقِيلَ لِي: «هُمُ الَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ»
١٧ / ٤٩١
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «لَا يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ»
١٧ / ٤٩٢
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا﴾ [الفرقان: ٦٣] قَالَ: «لَا يَتَكَبَّرُونَ عَلَى النَّاسِ، وَلَا يَتَجَبَّرُونَ، وَلَا يُفْسِدُونَ. وَقَرَأَ قَوْلَ اللَّهِ: ﴿تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا، وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [القصص: ٨٣]». وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: أَنَّهُمْ يَمْشُونَ عَلَيْهَا بِالْحِلْمِ لَا يَجْهَلُونَ عَلَى مِنْ جَهَلَ عَلَيْهِمْ
١٧ / ٤٩٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ أَبِي الْأَشْهَبِ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي: «﴿يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا﴾ [الفرقان: ٦٣] قَالَ: حُلَمَاءُ، وَإِنْ جُهِلَ عَلَيْهِمْ لَمْ يَجْهَلُوا»
١٧ / ٤٩٢
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ عِكْرِمَةَ: «﴿يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا﴾ [الفرقان: ٦٣] قَالَ: حُلَمَاءُ»
١٧ / ٤٩٢
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: «﴿يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا﴾ [الفرقان: ٦٣] قَالَ: عُلَمَاءُ، حُلَمَاءُ، لَا يَجْهَلُونَ»
١٧ / ٤٩٢
وَقَوْلِهِ: ﴿وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا﴾ [الفرقان: ٦٣] يَقُولُ: وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ بِاللَّهِ بِمَا يَكْرَهُونَهُ مِنَ الْقَوْلِ أَجَابُوهُمْ بِالْمَعْرُوفِ مِنَ الْقَوْلِ، وَالسَّدَادِ مِنَ الْخِطَابِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٧ / ٤٩٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا أَبُو الْأَشْهَبِ، عَنِ الْحَسَنِ: «﴿وَإِذَا خَاطَبَهُمْ﴾ [الفرقان: ٦٣] . الْآيَةَ، قَالَ: حُلَمَاءُ، وَإِنْ جُهِلَ عَلَيْهِمْ لَمْ يَجْهَلُوا»
١٧ / ٤٩٣
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ الْمُخْتَارِ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا﴾ [الفرقان: ٦٣] قَالَ: «إِنَّ الْمُؤْمِنِينَ قَوْمٌ ذُلُلٌ، ذَلَّتْ مِنْهُمْ وَاللَّهِ الْأَسْمَاعُ وَالْأَبْصَارُ وَالْجَوَارِحُ، حَتَّى يَحْسَبَهُمُ الْجَاهِلُ مَرْضَى، وَإِنَّهُمْ لَأَصِحَّاءُ الْقُلُوبِ، وَلَكِنْ دَخَلَهُمْ مِنَ الْخَوْفِ مَا لَمْ يَدْخُلْ غَيْرَهُمْ، وَمَنَعَهُمْ مِنَ الدُّنْيَا عِلْمُهُمْ بِالْآخِرَةِ، فَقَالُوا: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ، وَاللَّهِ مَا حُزْنُهُمْ حُزْنُ الدُّنْيَا، وَلَا تَعَاظَمَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا طَلَبُوا بِهِ الْجَنَّةَ، أَبْكَاهُمُ الْخَوْفُ مِنَ النَّارِ، وَإِنَّهُ مَنْ لَمْ يَتَعَزَّ بِعَزَاءِ اللَّهِ، تَقْطَعُ نَفْسُهُ عَلَى الدُّنْيَا حَسَرَاتٍ، وَمَنْ لَمْ يَرَ لِلَّهِ عَلَيْهِ نِعْمَةً إِلَّا فِي مَطْعِمٍ وَمَشْرَبٍ فَقَدْ قَلَّ عِلْمُهُ، وَحَضَرَ عَذَابُهُ»
١٧ / ٤٩٣
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، ⦗٤٩٤⦘ عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا﴾ [الفرقان: ٦٣] قَالَ: سَدَادًا»
١٧ / ٤٩٣
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْوَضَّاحِ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا﴾ [الفرقان: ٦٣] قَالَ: سَدَادًا مِنَ الْقَوْلِ». حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٧ / ٤٩٤
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا﴾ [الفرقان: ٦٣] حُلَمَاءُ»
١٧ / ٤٩٤
قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ، عَنْ أَبِي الْأَشْهَبِ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: «حُلَمَاءُ لَا يَجْهَلُونَ، وَإِنْ جُهِلَ عَلَيْهِمْ حَلِمُوا وَلَمْ يَسْفَهُوا. هَذَا نَهَارُهُمْ فَكَيْفَ لَيْلُهُمْ؟ خَيْرُ لَيْلٍ؛ صَفُّوا أَقْدَامَهُمْ، وَأَجْرَوْا دُمُوعَهُمْ عَلَى خُدُودِهِمْ، يَطْلُبُونَ إِلَى اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي فَكَاكِ رِقَابِهِمْ»
١٧ / ٤٩٤
قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَادَةُ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: «حُلَمَاءُ لَا يَجْهَلُونَ، وَإِنْ جُهِلَ عَلَيْهِمْ حَلِمُوا»
١٧ / ٤٩٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا. وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ، إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا. إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا﴾ [الفرقان: ٦٥]⦗٤٩٥⦘ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ يُصَلُّونَ لِلَّهِ، يُرَاوِحُونَ بَيْنَ سُجُودٍ فِي صَلَاتِهِمْ وَقِيَامٍ. وَقَوْلُهُ: ﴿وَقِيَامًا﴾ [الفرقان: ٦٤] جَمْعُ قَائِمٍ، كَمَا الصِّيَامُ جَمْعُ صَائِمٍ. ﴿وَالَّذينَ يَقُولُونَ رَبَّنا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهنَّمَ﴾ [الفرقان: ٦٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَالَّذِينَ يَدْعُونَ اللَّهَ أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُمْ عِقَابَهُ وَعَذَابَهُ حَذَرًا مِنْهُ وَوَجَلًا
١٧ / ٤٩٤
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا﴾ [الفرقان: ٦٥] يَقُولُ: إِنَّ عَذَابَ جَهَنَّمَ كَانَ غَرَامًا مُلِحًّا دَائِمًا لَازِمًا غَيْرَ مُفَارِقٍ مَنْ عُذِّبَ بِهِ مِنَ الْكُفَّارِ، وَمُهْلِكًا لَهُ. وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: رَجُلٌ مَغْرَمٌ، مِنَ الْغُرْمِ وَالدَّيْنِ. وَمِنْهُ قِيلَ لِلْغَرِيمِ غَرِيمٌ لِطَلَبِهِ حَقَّهُ وَإِلْحَاحَهُ عَلَى صَاحِبِهِ فِيهِ. وَمِنْهُ قِيلَ لِلرَّجُلِ الْمُولَعِ لِلنِّسَاءِ: إِنَّهُ لَمُغْرَمٌ بِالنِّسَاءِ، وَفُلَانٌ مُغْرَمٌ بِفُلَانٍ: إِذَا لَمْ يَصْبِرْ عَنْهُ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الْأَعْشَى:
[البحر الخفيف] إِنْ يُعَاقِبْ يَكُنْ غَرَامًا وَإِنْ يُعْـ … ـطِ جَزِيلًا فَإِنَّهُ لَا يُبَالِي
يَقُولُ: إِنْ يُعَاقِبْ يَكُنْ عِقَابُهُ عِقَابًا لَازِمًا، لَا يُفَارِقُ صَاحِبَهُ مَهْلِكًا لَهُ. وَقَوْلُ بِشْرِ بْنِ أَبِي خَازِمٍ:
[البحر المتقارب] يَوْمَ النِّسَارِ وَيَوْمَ الْجِفَارِ … كَانَ عِقَابًا وَكَانَ غَرَامَا
⦗٤٩٦⦘ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
[البحر الخفيف] إِنْ يُعَاقِبْ يَكُنْ غَرَامًا وَإِنْ يُعْـ … ـطِ جَزِيلًا فَإِنَّهُ لَا يُبَالِي
يَقُولُ: إِنْ يُعَاقِبْ يَكُنْ عِقَابُهُ عِقَابًا لَازِمًا، لَا يُفَارِقُ صَاحِبَهُ مَهْلِكًا لَهُ. وَقَوْلُ بِشْرِ بْنِ أَبِي خَازِمٍ:
[البحر المتقارب] يَوْمَ النِّسَارِ وَيَوْمَ الْجِفَارِ … كَانَ عِقَابًا وَكَانَ غَرَامَا
⦗٤٩٦⦘ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٧ / ٤٩٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ اللَّانِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْمُعَافَى بْنُ عِمْرَانَ الْمَوْصِلِيُّ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا﴾ [الفرقان: ٦٥] قَالَ: إِنَّ اللَّهَ سَأَلَ الْكُفَّارَ عَنْ نِعَمِهِ، فَلَمْ يَرُدُّوهَا إِلَيْهِ، فَأَغْرَمَهُمْ، فَأُدْخِلُهُمُ النَّارَ»
١٧ / ٤٩٦
قَالَ: ثنا الْمُعَافَى، عَنْ أَبِي الْأَشْهَبِ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا﴾ [الفرقان: ٦٥] قَالَ: «قَدْ عَلِمُوا أَنَّ كُلَّ غَرِيمٍ مَفَارِقٌ غَرِيمَهُ إِلَّا غَرِيمَ جَهَنَّمَ»
١٧ / ٤٩٦
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا﴾ [الفرقان: ٦٥] قَالَ: «الْغَرَامُ: الشَّرُّ»
١٧ / ٤٩٦
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا﴾ [الفرقان: ٦٥] قَالَ: لَا يُفَارِقُهُ»
١٧ / ٤٩٦
وَقَوْلُهُ ﴿إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا﴾ [الفرقان: ٦٦] يَقُولُ: إِنَّ جَهَنَّمَ سَاءَتْ مُسْتَقَرَّا وَمُقَامًا، يَعْنِي بِالْمُسْتَقَرِّ: الْقَرَارَ، وَبِالْمُقَامِ: الْإِقَامَةَ؛ كَأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ: سَاءَتْ جَهَنَّمُ ⦗٤٩٧⦘ مَنْزِلًا وَمُقَامًا. وَإِذَا ضُمَّتِ الْمِيمُ مِنَ الْمَقَامِ فَهُوَ مِنَ الْإِقَامَةِ، وَإِذَا فُتِحَتْ فَهُوَ مِنْ: قُمْتُ، وَيُقَالُ: الْمَقَامُ إِذَا فُتِحَتِ الْمِيمُ أَيْضًا هُوَ الْمَجْلِسُ. وَمَنَ الْمُقَامِ بِضَمِّ الْمِيمِ بِمَعْنَى الْإِقَامَةِ، قَوْلُ سَلَامَةَ بْنِ جَنْدَلٍ:
[البحر البسيط] يَوْمَانِ: يَوْمُ مُقَامَاتٍ وَأَنْدِيَةٍ … وَيَوْمُ سَيْرٍ إِلَى الْأَعْدَاءِ تَأْوِيبَا
وَمَنَ الْمَقَامِ الَّذِي بِمَعْنَى الْمَجْلِسِ قَوْلُ عَبَّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ:
[البحر الوافر] فَأَيِّيَ مَا وَأَيُّكَ كَانَ شَرًّا … فَقِيدَ إِلَى الْمَقَامَةِ لَا يَرَاهَا
يَعْنِي: الْمَجْلِسَ
[البحر البسيط] يَوْمَانِ: يَوْمُ مُقَامَاتٍ وَأَنْدِيَةٍ … وَيَوْمُ سَيْرٍ إِلَى الْأَعْدَاءِ تَأْوِيبَا
وَمَنَ الْمَقَامِ الَّذِي بِمَعْنَى الْمَجْلِسِ قَوْلُ عَبَّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ:
[البحر الوافر] فَأَيِّيَ مَا وَأَيُّكَ كَانَ شَرًّا … فَقِيدَ إِلَى الْمَقَامَةِ لَا يَرَاهَا
يَعْنِي: الْمَجْلِسَ
١٧ / ٤٩٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا، وَلَمْ يَقْتُرُوا، وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا﴾ [الفرقان: ٦٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا أَمْوَالَهُمْ لَمْ يُسْرِفُوا فِي إِنْفَاقِهَا. ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي النَّفَقَةِ الَّتِي عَنَاهَا اللَّهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، وَمَا الْإِسْرَافُ فِيهَا وَالْإِقْتَارُ. فَقَالَ بَعْضُهُمُ: الْإِسْرَافُ مَا كَانَ مِنْ نَفَقَةٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ، وَإِنْ قَلَّتْ. قَالَ: وَإِيَّاهَا عَنِيَ اللَّهُ، وَسَمَّاهَا إِسْرَافًا قَالُوا: وَالْإِقْتَارُ الْمَنْعُ مِنْ حَقِّ اللَّهِ
١٧ / ٤٩٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ⦗٤٩٨⦘ قَوْلَهُ: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا، وَلَمْ يَقْتُرُوا، وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا﴾ [الفرقان: ٦٧] قَالَ: «هُمُ الْمُؤْمِنُونَ لَا يُسْرِفُونَ فَيُنْفِقُونَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ، وَلَا يُقْتِرُونَ فَيَمْنَعُونَ حُقُوقَ اللَّهِ تَعَالَى»
١٧ / ٤٩٧
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «لَوْ أَنْفَقْتَ مِثْلَ أَبِي قُبَيْسٍ ذَهَبًا فِي طَاعَةِ اللَّهِ مَا كَانَ سَرَفًا، وَلَوْ أَنْفَقْتَ صَاعًا فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ كَانَ سَرَفًا»
١٧ / ٤٩٨
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَوْلَهُ: «﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا، وَلَمْ يَقْتُرُوا﴾ [الفرقان: ٦٧] قَالَ: فِي النَّفَقَةِ فِيمَا نَهَاهُمْ وَإِنْ كَانَ دِرْهَمًا وَاحِدًا، وَلَمْ يَقْتُرُوا وَلَمْ يُقَصِّرُوا عَنِ النَّفَقَةِ فِي الْحَقِّ»
١٧ / ٤٩٨
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا، وَلَمْ يَقْتُرُوا، وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا﴾ [الفرقان: ٦٧] قَالَ: «لَمْ يُسْرِفُوا فَيُنْفِقُوا فِي مَعَاصِي اللَّهِ. كُلُّ مَا أُنْفِقَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَإِنْ قَلَّ فَهُوَ إِسْرَافٌ، وَلَمْ يَقْتُرُوا فَيُمْسِكُوا عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ. قَالَ: وَمَا أُمْسِكَ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ وَإِنْ كَثُرَ فَهُوَ إِقْتَارٌ»
١٧ / ٤٩٨
قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ نَشِيطٍ، عَنْ عُمَرَ مَوْلَى غُفْرَةَ ⦗٤٩٩⦘ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْإِسْرَافِ، مَا هُوَ؟ قَالَ: «كُلُّ شَيْءٍ أَنْفَقْتَهُ فِي غَيْرِ طَاعَةِ اللَّهِ فَهُوَ سَرَفٌ» . وَقَالَ آخَرُونَ: السَّرَفُ: الْمُجَاوَزَةُ فِي النَّفَقَةِ الْحَدَّ؛ وَالْإِقْتَارُ: التَّقْصِيرُ عَنِ الَّذِي لَا بُدَّ مِنْهُ
١٧ / ٤٩٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ حَرْبٍ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَوْلَهُ: «﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا﴾ [الفرقان: ٦٧] وَلَمْ يَقْتُرُوا قَالَ: لَا يُجِيعُهُمْ، وَلَا يُعْرِيهِمْ، وَلَا يُنْفِقُ نَفَقَةً يَقُولُ النَّاسُ قَدْ أَسْرَفَ»
١٧ / ٤٩٩
حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ خُنَيْسٍ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَخْزُومِيُّ الْمَكِّيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ وهَيْبَ بْنَ الْوَرْدِ أَبِي الْوَرْدِ مَوْلَى بَنِي مَخْزُومٍ قَالَ: «لَقِيَ عَالِمٌ عَالِمًا هُوَ فَوْقُهُ فِي الْعِلْمِ، فَقَالَ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، أَخْبِرْنِي عَنْ هَذَا الْبِنَاءِ الَّذِي لَا إِسْرَافَ فِيهِ مَا هُوَ؟ قَالَ: هُوَ مَا سَتَرَكَ مِنَ الشَّمْسِ، وَأَكَنَّكَ مِنَ الْمَطَرِ، قَالَ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، فَأَخْبِرْنِي عَنْ هَذَا الطَّعَامِ الَّذِي نُصِيبُهُ لَا إِسْرَافَ فِيهِ مَا هُوَ؟ قَالَ: مَا سَدَّ الْجُوعَ وَدُونَ الشِّبَعِ، قَالَ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، فَأَخْبَرَنِي عَنْ هَذَا اللِّبَاسِ الَّذِي لَا إِسْرَافَ فِيهِ مَا هُوَ؟ قَالَ: مَا سَتَرَ عَوْرَتَكَ، وَأَدْفَأَكَ مِنَ الْبَرْدِ»
١٧ / ٤٩٩
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ شُرَيْحٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، فِي هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا﴾ [الفرقان: ٦٧] . الْآيَةَ، قَالَ: «كَانُوا لَا يَلْبَسُونَ ثَوْبًا لِلْجَمَالِ، وَلَا يَأْكُلُونَ طَعَامًا لِلَّذَةِ، وَلَكِنْ كَانُوا يُرِيدُونَ مِنَ اللِّبَاسِ مَا يَسْتُرُونَ بِهِ عَوْرَتَهُمْ، وَيَكْتَنُّونَ بِهِ مِنَ الْحَرِّ وَالْقُرِّ، وَيُرِيدُونَ مِنَ الطَّعَامِ مَا سَدَّ عَنْهُمُ الْجُوعَ، وَقَوَّاهُمْ عَلَى عِبَادَةِ رَبِّهِمْ»
١٧ / ٥٠٠
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الْكَرِيمِ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ مُرَّةَ الْجُعْفِيِّ، قَالَ: «الْعِلْمُ خَيْرٌ مِنَ الْعَمَلِ، وَالْحَسَنَةُ بَيْنَ السَّيِّئَتَيْنِ، يَعْنِي: ﴿إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا، وَلَمْ يَقْتُرُوا﴾ [الفرقان: ٦٧]، وَخَيْرُ الْأَعْمَالِ أَوْسَاطُهَا»
١٧ / ٥٠٠
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا كَعْبُ بْنُ فَرُّوخَ، قَالَ: ثنا قَتَادَةُ، عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: «خَيْرُ هَذِهِ الْأُمُورِ أَوْسَاطُهَا، وَالْحَسَنَةُ بَيْنَ السَّيِّئَتَيْنِ» . فَقُلْتُ لِقَتَادَةَ: مَا الْحَسَنَةُ بَيْنَ السَّيِّئَتَيْنِ؟ فَقَالَ: ﴿الَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا﴾ [الفرقان: ٦٧] . الْآيَةَ». وَقَالَ آخَرُونَ: الْإِسْرَافُ هُوَ أَنْ تَأْكُلَ مَالَ غَيْرِكَ بِغَيْرِ حَقٍّ
١٧ / ٥٠٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا سَالِمُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي مَعْدَانَ، قَالَ: ⦗٥٠١⦘ كُنْتُ عِنْدَ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، فَقَالَ: «لَيْسَ الْمُسْرِفُ مَنْ يَأْكُلُ مَالَهُ، إِنَّمَا الْمُسْرِفُ مَنْ يَأْكُلُ مَالَ غَيْرِهِ» . قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ قَوْلُ مَنْ قَالَ: الْإِسْرَافُ فِي النَّفَقَةِ الَّذِي عَنَاهُ اللَّهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: مَا جَاوَزَ الْحَدَّ الَّذِي أَبَاحَهُ اللَّهُ لِعِبَادِهِ إِلَى مَا فَوْقُهُ، وَالْإِقْتَارُ: مَا قَصُرَ عَمَّا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ، وَالْقَوَامُ: بَيْنَ ذَلِكَ. وَإِنَّمَا قُلْنَا إِنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ، لِأَنَّ الْمُسْرِفَ وَالْمُقْتِرَ كَذَلِكَ؛ وَلَوْ كَانَ الْإِسْرَافُ وَالْإِقْتَارُ فِي النَّفَقَةِ مُرَخَّصًا فِيهِمَا مَا كَانَا مَذْمُومَيْنِ، وَلَا كَانَ الْمُسْرِفُ وَلَا الْمُقْتِرُ مَذْمُومًا، لِأَنَّ مَا أَذِنَ اللَّهُ فِي فِعْلِهِ فَغَيْرُ مُسْتَحِقٍّ فَاعِلُهُ الذَّمَّ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَهَلْ لِذَلِكَ مِنْ حَدٍّ مَعْرُوفٍ تُبَيِّنُهُ لَنَا؟ قِيلَ: نَعَمْ، ذَلِكَ مَفْهُومٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِنَ الْمَطَاعِمِ وَالْمَشَارِبِ وَالْمَلَابِسِ وَالصَّدَقَةِ وَأَعْمَالِ الْبِرِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ، نَكْرَهُ تَطْوِيلَ الْكِتَابِ بِذِكْرِ كُلِّ نَوْعٍ مِنْ ذَلِكَ مُفَصَّلًا، غَيْرَ أَنَّ جُمْلَةَ ذَلِكَ هُوَ مَا بَيَّنَّا، وَذَلِكَ نَحْوُ أَكْلِ آكُلٍ مِنَ الطَّعَامِ فَوْقَ الشِّبَعِ مَا يُضْعِفُ بَدَنَهُ، وَيَنْهَكَ قُوَاهُ، وَيَشْغَلُهُ عَنْ طَاعَةِ رَبِّهِ، وَأَدَاءِ فَرَائِضِهِ، فَذَلِكَ مِنَ السَّرَفِ، وَأَنْ يَتْرُكَ الْأَكْلَ وَلَهُ إِلَيْهِ سَبِيلٌ حَتَّى يُضْعِفَ ذَلِكَ جِسْمَهُ وَيَنْهَكَ قُوَاهُ، وَيُضْعِفَهُ عَنْ أَدَاءِ فَرَائِضِ رَبِّهِ، فَذَلِكَ مِنَ الْإِقْتَارِ، وَبَيْنَ ذَلِكَ الْقَوَامِ عَلَى هَذَا النَّحْوِ، كُلُّ مَا جَانَسَ مَا ذَكَرْنَا. فَأَمَّا اتِّخَاذُ الثَّوْبِ لِلْجَمَالِ، يَلْبَسُهُ عِنْدَ اجْتِمَاعِهِ مَعَ النَّاسِ، وَحُضُورِهِ الْمَحَافِلَ وَالْجُمَعَ وَالْأَعْيَادَ، دُونَ ثَوْبِ مِهْنَتِهِ، أَوْ أَكَلِهِ مِنَ الطَّعَامِ مَا قَوَّاهُ عَلَى عِبَادَةِ رَبِّهِ، مِمَّا ⦗٥٠٢⦘ ارْتَفَعَ عَمَّا قَدْ يَسُدُّ الْجُوعَ، مِمَّا هُوَ دُونَهُ مِنَ الْأَغْذِيَةِ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُعِينُ الْبَدَنَ عَلَى الْقِيَامِ لِلَّهِ بِالْوَاجِبِ مَعُونَتَهُ، فَذَلِكَ خَارِجٌ عَنْ مَعْنَى الْإِسْرَافِ، بَلْ ذَلِكَ مِنَ الْقَوَامِ، لِأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَدْ أَمَرَ بِبَعْضِ ذَلِكَ، وَحَضَّ عَلَى بَعْضِهِ، كَقَوْلِهِ: «مَا عَلَى أَحَدِكُمْ لَوِ اتَّخَذَ ثَوْبَيْنِ. ثَوْبًا لِمِهْنَتِهِ، وَثَوْبًا لِجُمُعَتِهِ وَعِيدِهِ» وَكَقَوْلِهِ: «إِذَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَى عَبْدٍ نِعْمَةً أَحَبَّ أَنْ يَرَى أَثَرَهُ عَلَيْهِ»، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْأَخْبَارِ الَّتِي قَدْ بَيَّنَّاهَا فِي مَوَاضِعِهَا
١٧ / ٥٠٠
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا﴾ [الفرقان: ٦٧] فَإِنَّهُ النَّفَقَةُ بِالْعَدْلِ وَالْمَعْرُوفِ، عَلَى مَا قَدْ بَيَّنَّا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٧ / ٥٠٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا﴾ [الفرقان: ٦٧] قَالَ: الشَّطْرُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ»
١٧ / ٥٠٢
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَوْلَهُ ⦗٥٠٣⦘: «﴿وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا﴾ [الفرقان: ٦٧] النَّفَقَةُ بِالْحَقِّ»
١٧ / ٥٠٢
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا﴾ [الفرقان: ٦٧] قَالَ: «الْقَوَامُ أَنْ يُنْفِقُوا فِي طَاعَةِ اللَّهِ، وَيُمْسِكُوا عَنْ مَحَارِمِ اللَّهِ»
١٧ / ٥٠٣
قَالَ: أَخْبَرَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ نَشِيطٍ، عَنْ عُمَرَ مَوْلَى غُفْرَةَ، قَالَ: قُلْتُ لَهُ: مَا الْقَوَامُ؟ قَالَ: «الْقَوَامُ أَنْ لَا تُنْفِقَ فِي غَيْرِ حَقٍّ، وَلَا تُمْسِكُ عَنْ حَقٍّ هُوَ عَلَيْكَ» . وَالْقَوَامُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، بِفَتْحِ الْقَافِ، وَهُوَ الشَّيْءُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ. تَقُولُ لِلْمَرْأَةِ الْمُعْتَدِلَةِ الْخَلْقِ: إِنَّهَا لَحَسَنَةُ الْقَوَامِ فِي اعْتِدَالِهَا، كَمَا قَالَ الْحَطِيئَةُ:
[البحر البسيط] طَافَتْ أُمَامَةُ بِالرُّكْبَانِ آوِنَةً … يَا حُسْنَهُ مِنْ قَوَامٍ مَا وَمُنْتَقَبَا
فَأَمَّا إِذَا كُسِرَتِ الْقَافُ فَقُلْتَ: إِنَّهُ قِوَامُ أَهْلِهِ، فَإِنَّهُ يَعْنِي بِهِ: أَنَّ بِهِ يَقُومُ أَمَرُهُمْ وَشَأْنُهُمْ. وَفِيهِ لُغَاتٌ أُخَرَ، يُقَالُ مِنْهُ: هُوَ قِيَامُ أَهْلِهِ وَقَيِّمُهُمْ فِي مَعْنَى قَوَامِهِمْ. فَمَعْنَى الْكَلَامِ: وَكَانَ إِنْفَاقُهُمْ بَيْنَ الْإِسْرَافِ وَالْإِقْتَارِ قَوَامًا مُعْتَدِلًا، لَا ⦗٥٠٤⦘ مُجَاوَزَةَ عَنْ حَدِّ اللَّهِ، وَلَا تَقْصِيرًا عَمَّا فَرَضَهُ اللَّهُ، وَلَكِنْ عَدْلًا بَيْنَ ذَلِكَ عَلَى مَا أَبَاحَهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ، وَأَذِنَ فِيهِ وَرَخَّصَ. وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿وَلَمْ يَقْتُرُوا﴾ [الفرقان: ٦٧] فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ: (وَلَمْ يُقْتِرُوا) بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ التَّاءِ مِنْ أَقْتَرَ يُقْتِرُ. وَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفِيِّينَ ﴿وَلَمْ يَقْتُرُوا﴾ [الفرقان: ٦٧] بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّ التَّاءِ مِنْ قَتَرَ يَقْتُرُ. وَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْبَصْرَةِ: (وَلَمْ يَقْتِرُوا)، بِفَتْحِ الْيَاءِ وَكَسْرِ التَّاءِ مِنْ قَتَرَ يَقْتِرُ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ هَذِهِ الْقِرَاءَاتِ عَلَى اخْتِلَافِ أَلْفَاظِهَا لُغَاتٌ مَشْهُورَاتٌ فِي الْعَرَبِ، وَقِرَاءَاتٌ مُسْتَفِيضَاتٌ وَفِي قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، فَبِأَيَّتِهَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ. وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْإِسْرَافِ وَالْإِقْتَارِ بِشَوَاهِدِهِمَا فِيمَا مَضَى فِي كِتَابِنَا فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ. وَفِي نَصْبِ الْقَوَامِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا مَا ذَكَرْتُ، وَهُوَ أَنْ يُجْعَلَ فِي كَانَ اسْمُ الْإِنْفَاقِ بِمَعْنَى: وَكَانَ إِنْفَاقُهُمْ مَا أَنْفَقُوا بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا: أَيْ عَدْلًا، وَالْآخَرُ أَنْ يُجْعَلَ بَيْنَ هُوَ الِاسْمِ، فَتَكُونُ وَإِنْ كَانَتْ فِي اللَّفْظَةِ نَصْبًا فِي مَعْنَى رَفْعٍ، كَمَا يُقَالُ: كَانَ دُونَ هَذَا لَكَ كَافِيًا، يَعْنِي بِهِ: أَقَلُّ مِنْ هَذَا كَانَ لَكَ ⦗٥٠٥⦘ كَافِيًا، فَكَذَلِكَ يَكُونُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا﴾ [الفرقان: ٦٧] لِأَنَّ مَعْنَاهُ: وَكَانَ الْوَسَطُ مِنْ ذَلِكَ قَوَامًا
[البحر البسيط] طَافَتْ أُمَامَةُ بِالرُّكْبَانِ آوِنَةً … يَا حُسْنَهُ مِنْ قَوَامٍ مَا وَمُنْتَقَبَا
فَأَمَّا إِذَا كُسِرَتِ الْقَافُ فَقُلْتَ: إِنَّهُ قِوَامُ أَهْلِهِ، فَإِنَّهُ يَعْنِي بِهِ: أَنَّ بِهِ يَقُومُ أَمَرُهُمْ وَشَأْنُهُمْ. وَفِيهِ لُغَاتٌ أُخَرَ، يُقَالُ مِنْهُ: هُوَ قِيَامُ أَهْلِهِ وَقَيِّمُهُمْ فِي مَعْنَى قَوَامِهِمْ. فَمَعْنَى الْكَلَامِ: وَكَانَ إِنْفَاقُهُمْ بَيْنَ الْإِسْرَافِ وَالْإِقْتَارِ قَوَامًا مُعْتَدِلًا، لَا ⦗٥٠٤⦘ مُجَاوَزَةَ عَنْ حَدِّ اللَّهِ، وَلَا تَقْصِيرًا عَمَّا فَرَضَهُ اللَّهُ، وَلَكِنْ عَدْلًا بَيْنَ ذَلِكَ عَلَى مَا أَبَاحَهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ، وَأَذِنَ فِيهِ وَرَخَّصَ. وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿وَلَمْ يَقْتُرُوا﴾ [الفرقان: ٦٧] فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ: (وَلَمْ يُقْتِرُوا) بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ التَّاءِ مِنْ أَقْتَرَ يُقْتِرُ. وَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفِيِّينَ ﴿وَلَمْ يَقْتُرُوا﴾ [الفرقان: ٦٧] بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّ التَّاءِ مِنْ قَتَرَ يَقْتُرُ. وَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْبَصْرَةِ: (وَلَمْ يَقْتِرُوا)، بِفَتْحِ الْيَاءِ وَكَسْرِ التَّاءِ مِنْ قَتَرَ يَقْتِرُ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ هَذِهِ الْقِرَاءَاتِ عَلَى اخْتِلَافِ أَلْفَاظِهَا لُغَاتٌ مَشْهُورَاتٌ فِي الْعَرَبِ، وَقِرَاءَاتٌ مُسْتَفِيضَاتٌ وَفِي قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، فَبِأَيَّتِهَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ. وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْإِسْرَافِ وَالْإِقْتَارِ بِشَوَاهِدِهِمَا فِيمَا مَضَى فِي كِتَابِنَا فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ. وَفِي نَصْبِ الْقَوَامِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا مَا ذَكَرْتُ، وَهُوَ أَنْ يُجْعَلَ فِي كَانَ اسْمُ الْإِنْفَاقِ بِمَعْنَى: وَكَانَ إِنْفَاقُهُمْ مَا أَنْفَقُوا بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا: أَيْ عَدْلًا، وَالْآخَرُ أَنْ يُجْعَلَ بَيْنَ هُوَ الِاسْمِ، فَتَكُونُ وَإِنْ كَانَتْ فِي اللَّفْظَةِ نَصْبًا فِي مَعْنَى رَفْعٍ، كَمَا يُقَالُ: كَانَ دُونَ هَذَا لَكَ كَافِيًا، يَعْنِي بِهِ: أَقَلُّ مِنْ هَذَا كَانَ لَكَ ⦗٥٠٥⦘ كَافِيًا، فَكَذَلِكَ يَكُونُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا﴾ [الفرقان: ٦٧] لِأَنَّ مَعْنَاهُ: وَكَانَ الْوَسَطُ مِنْ ذَلِكَ قَوَامًا
١٧ / ٥٠٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ، وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ، وَلَا يَزْنُونَ، وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا، يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا. إِلَّا مَنْ تَابَ، وَآمَنَ، وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا، فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ، وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا، وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا﴾ [الفرقان: ٦٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَالَّذِينَ لَا يَعْبُدُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ، فَيُشْرِكُونَ فِي عِبَادَتِهِمْ إِيَّاهُ، وَلَكِنَّهُمْ يَخْلُصُونَ لَهُ الْعِبَادَةَ وَيُفْرِدُونَهُ بِالطَّاعَةِ ﴿وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ﴾ [الفرقان: ٦٨] قَتَلَهَا ﴿إِلَّا بِالْحَقِّ﴾ [الأنعام: ١٥١] إِمَّا بِكُفْرٍ بِاللَّهِ بَعْدَ إِسْلَامِهَا، أَوْ زِنًا بَعْدَ إِحْصَانِهَا، أَوْ قَتْلِ نَفْسٍ فَتُقْتَلُ بِهَا ﴿وَلَا يَزْنُونَ﴾ [الفرقان: ٦٨] فَيَأْتُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ إِتْيَانَهُ مِنَ الْفُرُوجِ ﴿وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ﴾ [البقرة: ٢٣١] يَقُولُ: وَمَنْ يَأْتِ هَذِهِ الْأَفْعَالَ، فَدَعَا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ، وَقَتَلَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ بِغَيْرِ الْحَقِّ، وَزَنَى ﴿يَلْقَ أَثَامًا﴾ [الفرقان: ٦٨] يَقُولُ: يَلْقَ مِنْ عِقَابِ اللَّهِ عُقُوبَةً وَنَكَالًا، كَمَا وَصَفَهُ رَبُّنَا جَلَّ ثَنَاؤُهُ، وَهُوَ أَنَّهُ ﴿يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا﴾ [الفرقان: ٦٩] . وَمَنَ الْأَثَامِ قَوْلُ بَلْعَاءَ بْنِ قَيْسٍ الْكِنَانِيِّ:
[البحر الوافر] جَزَى اللَّهُ ابْنَ عُرْوَةَ حَيْثُ أَمْسَى … عُقُوقًا وَالْعُقُوقُ لَهُ أَثَامُ
يَعْنِي بِالْأَثَامِ: الْعِقَابَ. وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِنْ أَجْلِ قَوْمٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ
[البحر الوافر] جَزَى اللَّهُ ابْنَ عُرْوَةَ حَيْثُ أَمْسَى … عُقُوقًا وَالْعُقُوقُ لَهُ أَثَامُ
يَعْنِي بِالْأَثَامِ: الْعِقَابَ. وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِنْ أَجْلِ قَوْمٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ
١٧ / ٥٠٥
أَرَادُوا الدُّخُولَ فِي الْإِسْلَامِ مِمَّنْ كَانَ مِنْهُ فِي شَرَكِهِ هَذِهِ الذُّنُوبُ، فَخَافُوا أَنْ لَا يَنْفَعُهُمْ مَعَ مَا سَلَفَ مِنْهُمْ مِنْ ذَلِكَ إِسْلَامٌ، فَاسْتَفْتَوْا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فِي ذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تبارك وتعالى هَذِهِ الْآيَةَ، يُعَلِّمُهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَابِلٌ تَوْبَةَ مَنْ تَابَ مِنْهُمْ
١٧ / ٥٠٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: ثني يَعْلَى بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّ نَاسًا مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ قَتَلُوا فَأَكْثَرُوا، فَأَتَوْا مُحَمَّدًا ﷺ، فَقَالُوا: إِنَّ الَّذِي تَدْعُونَا إِلَيْهِ لَحَسَنٌ، لَوْ تُخْبِرُنَا أَنَّ لِمَا عَمِلْنَا كَفَّارَةً، فَنَزَلَتْ: ﴿وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخِرَ، وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ، وَلَا يَزْنُونَ﴾ [الفرقان: ٦٨] وَنَزَلَتْ: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ﴾ [الزمر: ٥٣] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ﴾ [الزمر: ٥٥]»، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَقَالَ مُجَاهِدٌ مِثْلَ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ سَوَاءً
١٧ / ٥٠٦
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفِرْيَابِيُّ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ ﷺ: مَا الْكَبَائِرُ؟ قَالَ: «أَنْ تَدْعُوَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ، وَأَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ مِنْ أَجْلِ أَنْ يَأْكُلَ مَعَكَ، وَأَنْ تَزْنِيَ بِحَلِيلَةِ جَارِكَ»، وَقَرَأَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ: ﴿وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ ⦗٥٠٧⦘ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ، وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ، وَلَا يَزْنُونَ﴾ [الفرقان: ٦٨] “
١٧ / ٥٠٦
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا أَبُو عَامِرٍ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، وَمَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ؟ قَالَ: «أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ»، قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: «أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ خَشْيَةَ أَنْ يَأْكُلَ مَعَكَ»، قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: «ثُمَّ أَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِكَ»، فَأُنْزِلَ تَصْدِيقُ قَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ: ﴿وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ، وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ، وَلَا يَزْنُونَ﴾ [الفرقان: ٦٨] . . الْآيَةَ». حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: ثنا عَلِيُّ بْنُ قَادِمٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطُ بْنُ نَصْرٍ الْهَمْدَانِيُّ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ أَبِي مَيْسَرَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، نَحْوَهُ. حَدَّثَنِي عِيسَى بْنُ عُثْمَانَ بْنِ عِيسَى الرَّمْلِيُّ، قَالَ: ثني عَمِّي يَحْيَى بْنُ عِيسَى، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الذَّنْبِ أَكْبَرُ؟ ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَهُ
١٧ / ٥٠٧
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْأَهْوَازِيُّ، قَالَ: ثنا عَامِرُ بْنُ مُدْرِكٍ، قَالَ: ثنا ⦗٥٠٨⦘ السَّرِيُّ يَعْنِي ابْنَ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: ثنا الشَّعْبِيُّ، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ذَاتَ يَوْمٍ، فَاتَّبَعْتُهُ، فَجَلَسَ عَلَى نَشَزٍ مِنَ الْأَرْضِ، وَقَعَدْتُ أَسْفَلَ مِنْهُ، وَوَجْهِي حِيَالَ رُكْبَتَيْهِ، فَاغْتَنَمْتُ خَلْوَتَهُ، وَقُلْتُ: بِأَبِي وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الذُّنُوبِ أَكْبَرُ؟ قَالَ: «أَنْ تَدْعُوَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ» . قُلْتُ: ثُمَّ مَهْ؟ قَالَ: «أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ كَرَاهِيَةَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ» . قُلْتُ: ثُمَّ مَهْ؟ قَالَ: «أَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِكَ»، ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ﴾ [الفرقان: ٦٨] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ “
١٧ / ٥٠٧
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا طَلْقُ بْنُ غَنَّامٍ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ مَنْصُورٍ، قَالَ: ثني سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، أَوْ حُدِّثْتُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبْزَى أَمَرَهُ أَنْ يَسْأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ الَّتِي فِي النِّسَاءِ: ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا﴾ [النساء: ٩٣] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، وَالْآيَةِ الَّتِي فِي الْفُرْقَانِ: ﴿وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا﴾ [الفرقان: ٦٨] إِلَى ﴿وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا﴾ [الفرقان: ٦٩]، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ فِي الْإِسْلَامِ، وَعَلِمَ شَرَائِعَهُ وَأَمْرَهُ ثُمَّ قَتَلَ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا، فَلَا تَوْبَةَ لَهُ. وَالَّتِي فِي الْفُرْقَانِ لَمَّا أُنْزِلَتْ، قَالَ الْمُشْرِكُونَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ: فَقَدْ عَدَلْنَا بِاللَّهِ، وَقَتَلْنَا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ بِغَيْرِ الْحَقِّ، فَمَا يَنْفَعُنَا الْإِسْلَامُ؟ قَالَ: فَنَزَلَتْ ﴿إِلَّا مَنْ تَابَ﴾ [مريم: ٦٠] قَالَ: فَمَنْ تَابَ مِنْهُمْ قُبِلَ مِنْهُ»
١٧ / ٥٠٨
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، قَالَ: ثني سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، أَوْ قَالَ: حَدَّثَنِي الْحَكَمُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: أَمَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبْزَى فَقَالَ: سَلِ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ، مَا أَمْرُهُمَا، عَنِ الْآيَةِ الَّتِي فِي ⦗٥٠٩⦘ الْفُرْقَانِ: ﴿وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ﴾ [الفرقان: ٦٨] الْآيَةَ، وَالَّتِي فِي النِّسَاءِ: ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ﴾ [النساء: ٩٣]، فَسَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: «لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ الَّتِي فِي الْفُرْقَانِ، قَالَ مُشْرِكُو أَهْلِ مَكَّةَ: قَدْ قَتَلْنَا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ، وَدَعَوْنَا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ، فَقَالَ: ﴿إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا﴾ [الفرقان: ٧٠] الْآيَةَ. فَهَذِهِ لِأُولَئِكَ. وَأَمَّا الَّتِي فِي النِّسَاءِ: ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ﴾ [النساء: ٩٣] . . الْآيَةَ، فَإِنَّ الرَّجُلَ إِذَا عَرَفَ الْإِسْلَامَ ثُمَّ قَتَلَ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا، فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ، فَلَا تَوْبَةَ لَهُ». فَذَكَرْتُهُ لِمُجَاهِدٍ فَقَالَ: «إِلَّا مَنْ نَدِمَ»
١٧ / ٥٠٨
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَوْفٍ الطَّائِيُّ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ الذُّهْنِيُّ، قَالَ: ثنا شَيْبَانُ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ، قَالَ: ثني سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، قَالَ لِي سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى: سَلِ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ، عَنْ قَوْلِ اللَّهِ: ﴿وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ﴾ [الفرقان: ٦٨] إِلَى ﴿مَنْ تَابَ﴾ [مريم: ٦٠] وَعَنْ قَوْلِهِ: ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا﴾ [النساء: ٩٣] . إِلَى آخِرِ الْآيَةِ. قَالَ: فَسَأَلْتُ عَنْهَا ابْنَ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: «أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي الْفُرْقَانِ بِمَكَّةَ إِلَى قَوْلِهِ ﴿وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا﴾ [الفرقان: ٦٩] فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: فَمَا يُغْنِي عَنَّا الْإِسْلَامُ وَقَدْ عَدَلْنَا بِاللَّهِ، وَقَتَلْنَا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ، وَأَتَيْنَا الْفَوَاحِشَ، قَالَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ ﴿إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا ⦗٥١٠⦘ صَالِحًا﴾ [الفرقان: ٧٠] . إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، قَالَ: وَأَمَّا مَنْ دَخَلَ فِي الْإِسْلَامِ وَعَقِلَهُ، ثُمَّ قَتَلَ، فَلَا تَوْبَةَ لَهُ»
١٧ / ٥٠٩
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ، وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ﴾ [الفرقان: ٦٨] . الْآيَةَ، قَالَ: «نَزَلَتْ فِي أَهْلِ الشِّرْكِ» . حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: أَمَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبْزَى أَنْ أَسْأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ ﴿وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ﴾ [الفرقان: ٦٨] فَذَكَرَ نَحْوَهُ
١٧ / ٥١٠
حَدَّثَنِي عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ عُمَيْرٍ، قَالَ: ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، قَالَ: ثنا عِيسَى بْنُ شُعَيْبِ بْنِ ثَوْبَانَ مَوْلًى لِبَنِي الدِّيلِ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، عَنْ فُلَيْحٍ الشَّمَّاسِ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ الْعَتَمَةَ، ثُمَّ انْصَرَفْتُ فَإِذَا امْرَأَةٌ عِنْدَ بَابِي، ثُمَّ سَلَّمْتُ، فَفَتَحْتُ وَدَخَلْتُ، فَبَيْنَا أَنَا فِي مَسْجِدِي أُصَلِّي، إِذْ نَقَرَتِ الْبَابَ، فَأَذِنْتُ لَهَا، فَدَخَلَتْ، فَقَالَتْ: إِنِّي جِئْتُكَ أَسْأَلُكَ عَنْ عَمَلٍ عَمِلْتُ، هَلْ لِي مِنْ تَوْبَةٍ؟ فَقَالَتْ: إِنِّي زَنَيْتُ وَوَلَدْتُ، فَقَتَلْتُهُ، فَقُلْتُ:»لَا، وَلَا نِعْمَتِ الْعَيْنُ وَلَا كَرَامَةَ. فَقَامَتْ وَهِيَ تَدْعُو بِالْحَسْرَةِ، تَقُولُ: يَا حَسْرَتَاهُ، أَخُلِقَ هَذَا الْحُسْنُ لِلنَّارِ؟ قَالَ: ثُمَّ صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ الصُّبْحَ مِنْ تِلْكَ اللَّيْلَةِ، ثُمَّ جَلَسْنَا نَنْتَظِرُ الْإِذْنَ عَلَيْهِ، فَأَذِنَ لَنَا، ⦗٥١١⦘ فَدَخَلْنَا، ثُمَّ خَرَجَ مَنْ كَانَ مَعِي، وَتَخَلَّفْتُ، فَقَالَ: «مَا لَكَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، أَلَكَ حَاجَةٌ؟» فَقُلْتُ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّيْتُ مَعَكَ الْبَارِحَةَ، ثُمَّ انْصَرَفْتُ. وَقَصَصْتُ عَلَيْهِ مَا قَالَتِ الْمَرْأَةُ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «مَا قُلْتَ لَهَا؟» قَالَ: قُلْتُ لَهَا: لَا وَاللَّهِ وَلَا نِعْمَتِ الْعَيْنُ وَلَا كَرَامَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «بِئْسَ مَا قُلْتَ، أَمَا كُنْتَ تَقْرَأُ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ، وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ﴾ [الفرقان: ٦٨] . . الْآيَةَ ﴿إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا﴾ [الفرقان: ٧٠]». فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَخَرَجْتُ، فَلَمْ أَتْرُكْ بِالْمَدِينَةِ حِصْنًا وَلَا دَارًا إِلَّا وَقَفْتُ عَلَيْهِ، فَقُلْتُ: إِنْ تَكُنْ فِيكُمُ الْمَرْأَةُ الَّتِي جَاءَتْ أَبَا هُرَيْرَةَ اللَّيْلَةَ، فَلْتَأْتِنِي وَلْتُبْشِرْ؛ فَلَمَّا صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ الْعِشَاءَ، فَإِذَا هِيَ عِنْدَ بَابِي، فَقُلْتُ: أَبْشِرِي، فَإِنِّي دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ، فَذَكَرْتُ لَهُ مَا قُلْتِ لِي، وَمَا قُلْتُ لَكِ، فَقَالَ: «بِئْسَ مَا قُلْتَ لَهَا، أَمَا كُنْتَ تَقْرَأُ هَذِهِ الْآيَةَ؟» فَقَرَأْتُهَا عَلَيْهَا، فَخَرَّتْ سَاجِدَةً، فَقَالَتِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ مَخْرَجًا وَتَوْبَةً مِمَّا عَمِلْتُ، إِنَّ هَذِهِ الْجَارِيَةَ وَابْنَهَا حُرَّانِ لِوَجْهِ اللَّهِ، وَإِنِّي قَدْ تُبْتُ مِمَّا عَمِلْتُ “
١٧ / ٥١٠
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثنا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الْجَوْزَاءِ، قَالَ: «اخْتَلَفْتُ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَمَا شَيْءَ مِنَ الْقُرْآنِ إِلَّا سَأَلْتُهُ عَنْهُ، وَرَسُولِي يَخْتَلِفُ إِلَى عَائِشَةَ، فَمَا سَمِعْتُهُ، وَلَا ⦗٥١٢⦘ سَمِعْتُ أَحَدًا مِنَ الْعُلَمَاءِ يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ لِذَنْبٍ: لَا أَغْفِرُهُ». وَقَالَ آخَرُونَ: هَذِهِ الْآيَةُ مَنْسُوخَةٌ بِالَّتِي فِي النِّسَاءِ
١٧ / ٥١١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي الْمُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحَرَّانِيُّ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدٍ، أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى أَبِيهِ وَعِنْدَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ، وَهُوَ يَسْأَلُهُ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ الَّتِي فِي تَبَارَكَ الْفُرْقَانِ، وَالَّتِي فِي النِّسَاءِ ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا﴾ [النساء: ٩٣]، فَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: «قَدْ عَرَفْتُ النَّاسِخَةَ مِنَ الْمَنْسُوخَةِ، نَسَخَتْهَا الَّتِي فِي النِّسَاءِ بَعْدَهَا بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ»
١٧ / ٥١٢
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ الضَّحَّاكُ بْنُ مُزَاحِمٍ: «هَذِهِ السُّورَةُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ النِّسَاءِ ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا﴾ [النساء: ٩٣] ثَمَانِ حِجَجٍ»
١٧ / ٥١٢
وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَأَخْبَرَنِي الْقَاسِمُ بْنُ أَبِي بَزَّةَ أَنَّهُ سَأَلَ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ: هَلْ لِمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا تَوْبَةٌ؟ فَقَالَ: لَا، فَقَرَأَ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةَ كُلَّهَا، فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: قَرَأْتُهَا عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ كَمَا قَرَأْتَهَا عَلَيَّ، فَقَالَ: «هَذِهِ مَكِّيَّةٌ، نَسَخَتْهَا آيَةٌ مَدَنِيَّةٌ، الَّتِي فِي سُورَةِ النِّسَاءِ» . ⦗٥١٣⦘ وَقَدْ أَتَيْنَا عَلَى الْبَيَانِ عَنِ الصَّوَابِ مِنَ الْقَوْلِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الَّتِي فِي سُورَةِ النِّسَاءِ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي الْأَثَامِ مِنَ الْقَوْلِ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ، إِلَّا أَنَّهُمْ قَالُوا: ذَلِكَ عِقَابٌ يُعَاقِبُ اللَّهُ بِهِ مَنْ أَتَى هَذِهِ الْكَبَائِرَ بِوَادٍ فِي جَهَنَّمَ يُدْعَى أَثَامًا
١٧ / ٥١٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ الْمِقْدَامِ، قَالَ: ثنا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَزْدِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: «الْأَثَامُ: وَادٍ فِي جَهَنَّمَ»
١٧ / ٥١٣
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: «﴿يَلْقَ أَثَامًا﴾ [الفرقان: ٦٨] قَالَ: وَادِيًا فِي جَهَنَّمَ»
١٧ / ٥١٣
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ ⦗٥١٤⦘ عِكْرِمَةَ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا﴾ [الفرقان: ٦٨] قَالَ: وَادِيًا فِي جَهَنَّمَ فِيهِ الزُّنَاةُ»
١٧ / ٥١٣
حَدَّثَنِي الْعَبَّاسُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ، قَالَ: ثنا شَرْقِيُّ بْنُ قُطَامِيٍّ، عَنْ لُقْمَانَ بْنِ عَامِرٍ الْخُزَاعِيِّ، قَالَ: جِئْتُ أَبَا أُمَامَةَ صُدَيَّ بْنَ عَجْلَانَ الْبَاهِلِيَّ فَقُلْتُ: حَدِّثْنِي حَدِيثًا سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، قَالَ: فَدَعَا لِي بِطَعَامٍ، ثُمَّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لَوْ أَنَّ صَخْرَةً زِنَةَ عَشَرِ عَشْرَاوَاتٍ قُذِفَ بِهَا مِنْ شَفِيرِ جَهَنَّمَ مَا بَلَغَتْ قَعْرَهَا خَمْسِينَ خَرِيفًا، ثُمَّ تَنْتَهِي إِلَى غَيٍّ وَأَثَامٍ» . قُلْتُ: وَمَا غَيٌّ وَأَثَامٌ؟ قَالَ: «بِئْرَانِ فِي أَسْفَلِ جَهَنَّمَ يَسِيلُ فِيهِمَا صَدِيدُ أَهْلِ النَّارِ، وَهُمَا اللَّذَانِ ذَكَرَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ ﴿أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا﴾ [مريم: ٥٩] وَقَوْلِهِ فِي الْفُرْقَانِ: ﴿وَلَا يَزْنُونَ، وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا﴾ [الفرقان: ٦٨]»
١٧ / ٥١٤
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿يَلْقَ أَثَامًا﴾ [الفرقان: ٦٨] قَالَ: «الْأَثَامُ الشَّرُّ، وَقَالَ: سَيَكْفِيكَ مَا وَرَاءَ ذَلِكَ: ﴿يُضَاعَفُ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا﴾ [الفرقان: ٦٩]»
١٧ / ٥١٤
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: «﴿يَلْقَ أَثَامًا﴾ [الفرقان: ٦٨] قَالَ: نَكَالًا؛ قَالَ: قَالَ: إِنَّهُ وَادٍ فِي ⦗٥١٥⦘ جَهَنَّمَ»
١٧ / ٥١٤
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنْ هُشَيْمٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ الْبَاهِلِيَّ، يَقُولُ: «إِنَّ مَا بَيْنَ شَفِيرِ جَهَنَّمَ إِلَى قَعْرِهَا مَسِيرَةَ سَبْعِينَ خَرِيفًا بِحَجَرٍ يَهْوِي فِيهَا أَوْ بِصَخْرَةٍ تَهْوِي عِظَمُهَا كَعَشْرِ عَشْرَاوَاتٍ سِمَانٍ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: فَهَلْ تَحْتَ ذَلِكَ مِنْ شَيْءٍ؟ قَالَ: نَعَمْ غَيٌّ وَأَثَامٌ»
١٧ / ٥١٥
قَوْلُهُ: ﴿يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ [الفرقان: ٦٩] اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَتِهِ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ سِوَى عَاصِمٍ ﴿يُضَاعَفْ﴾ [البقرة: ٢٦١] جَزْمًا ﴿وَيَخْلُدْ﴾ [الفرقان: ٦٩] جَزْمًا. وَقَرَأَهُ عَاصِمٌ: (يُضَعَّفُ) رَفْعًا، (وَيَخْلُدُ) رَفْعًا كِلَاهُمَا عَلَى الِابْتِدَاءِ، وَأَنَّ الْكَلَامَ عِنْدَهُ قَدْ تَنَاهَى عِنْدَ: ﴿يَلْقَ أَثَامًا﴾ [الفرقان: ٦٨] ثُمَّ ابْتَدَأَ قَوْلَهُ: ﴿(يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ)﴾، وَالصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَةِ عِنْدَنَا فِيهِ: جَزْمُ الْحَرْفَيْنِ كِلَيْهِمَا: يُضَاعَفْ، وَيَخْلُدْ، وَذَلِكَ أَنَّهُ تَفْسِيرٌ لِلْأَثَامِ لَا فِعْلًا لَهُ، وَلَوْ كَانَ فِعْلًا لَهُ كَانَ الْوَجْهُ فِيهِ الرَّفْعُ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الطويل] مَتَى تَأْتِهِ تَعْشُو إِلَى ضَوْءِ نَارِهِ … تَجِدْ خَيْرَ نَارٍ عِنْدَهَا خَيْرُ مُوقِدِ
فَرَفَعَ تَعْشُو، لِأَنَّهُ فِعْلٌ لِقَوْلِهِ تَأْتِهِ، مَعْنَاهُ: مَتَى تَأْتِهِ عَاشِيًا
[البحر الطويل] مَتَى تَأْتِهِ تَعْشُو إِلَى ضَوْءِ نَارِهِ … تَجِدْ خَيْرَ نَارٍ عِنْدَهَا خَيْرُ مُوقِدِ
فَرَفَعَ تَعْشُو، لِأَنَّهُ فِعْلٌ لِقَوْلِهِ تَأْتِهِ، مَعْنَاهُ: مَتَى تَأْتِهِ عَاشِيًا
١٧ / ٥١٥
وَقَوْلِهِ: ﴿وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا﴾ [الفرقان: ٦٩] وَيَبْقَى فِيهِ إِلَى مَا لَا نِهَايَةَ فِي هَوَانٍ
١٧ / ٥١٦
وَقَوْلِهِ: ﴿إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا﴾ [الفرقان: ٧٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمَنْ يَفْعَلْ هَذِهِ الْأَفْعَالَ الَّتِي ذَكَرَهَا جَلَّ ثَنَاؤُهُ يَلْقَ أَثَامًا ﴿إِلَّا مَنْ تَابَ﴾ [مريم: ٦٠] يَقُولُ: إِلَّا مَنْ رَاجَعَ طَاعَةَ اللَّهِ تبارك وتعالى بِتَرْكِهِ ذَلِكَ، وَإِنَابَتِهِ إِلَى مَا يَرْضَاهُ اللَّهُ ﴿وَآمَنَ﴾ [مريم: ٦٠] يَقُولُ: وَصَدَّقَ بِمَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ نَبِيُّ اللَّهِ ﴿وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا﴾ [الفرقان: ٧٠] يَقُولُ: وَعَمِلَ بِمَا أَمَرَهُ اللَّهُ مِنَ الْأَعْمَالِ، وَانْتَهَى عَمَّا نَهَاهُ اللَّهُ عَنْهُ
١٧ / ٥١٦
قَوْلُهُ: ﴿فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ﴾ [الفرقان: ٧٠] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: فَأُولَئِكَ يُبَدَّلُ اللَّهُ بِقَبَائِحِ أَعْمَالِهِمْ فِي الشِّرْكِ، مَحَاسِنَ الْأَعْمَالِ فِي الْإِسْلَامِ، فَيُبَدِّلُهُ بِالشِّرْكِ إِيمَانًا، وَبِقِيلِ أَهْلِ الشِّرْكِ بِاللَّهِ قِيلَ أَهْلِ الْإِيمَانِ بِهِ، وَبِالزِّنَا عِفَّةً وَإِحْصَانًا
١٧ / ٥١٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: ﴿فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ﴾ [الفرقان: ٧٠] قَالَ: «هُمُ الْمُؤْمِنُونَ، كَانُوا قَبْلَ إِيمَانِهِمْ عَلَى السَّيِّئَاتِ، فَرَغِبَ اللَّهُ بِهِمْ عَنْ ذَلِكَ، فَحَوَّلَهُمْ إِلَى الْحَسَنَاتِ، وَأَبْدَلَهُمْ مَكَانَ السَّيِّئَاتِ حَسَنَاتٍ»
١٧ / ٥١٦
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: ﴿إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا﴾ [الفرقان: ٧٠] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، قَالَ: «هُمُ الَّذِينَ يَتُوبُونَ فَيَعْمَلُونَ بِالطَّاعَةِ، فَيُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ حِينَ يَتُوبُونَ»
١٧ / ٥١٧
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَعْقُوبُ، عَنْ سَعِيدٍ، قَالَ: «نَزَلَتْ ﴿وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ﴾ [الفرقان: ٦٨] . . إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، فِي وَحْشِيٍّ وَأَصْحَابِهِ، قَالُوا: كَيْفَ لَنَا بِالتَّوْبَةِ، وَقَدْ عَبَدْنَا الْأَوْثَانَ، وَقَتَلْنَا الْمُؤْمِنِينَ، وَنَكَحْنَا الْمُشْرِكَاتِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمْ: ﴿إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا، فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ﴾ [الفرقان: ٧٠] فَأَبْدَلَهُمُ اللَّهُ بِعِبَادَةِ الْأَوْثَانِ عِبَادَةَ اللَّهِ، وَأَبْدَلَهُمْ بِقِتَالِهِمْ مَعَ الْمُشْرِكِينَ قِتَالًا مَعَ الْمُسْلِمِينَ لِلْمُشْرِكِينَ، وَأَبْدَلَهُمْ بِنِكَاحِ الْمُشْرِكَاتِ نِكَاحَ الْمُؤْمِنَاتِ»
١٧ / ٥١٧
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ﴾ [الفرقان: ٧٠] قَالَ: بِالشِّرْكِ إِيمَانًا، وَبِالْقَتْلِ إِمْسَاكًا، وَبِالزِّنَا إِحْصَانًا»
١٧ / ٥١٧
حُدِّثَتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ
١٧ / ٥١٧
الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: «﴿وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ﴾ [الفرقان: ٦٨] وَهَذِهِ الْآيَةُ مَكِّيَّةٌ نَزَلَتْ بِمَكَّةَ ﴿وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ﴾ [البقرة: ٢٣١] يَعْنِي: الشِّرْكَ وَالْقَتْلَ، وَالزِّنَا جَمِيعًا. لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ قَالَ الْمُشْرِكُونَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ: يَزْعُمُ مُحَمَّدٌ أَنَّ مَنْ أَشْرَكَ وَقَتْلَ وَزَنَى فَلَهُ النَّارُ، وَلَيْسَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿إِلَّا مَنْ تَابَ﴾ [مريم: ٦٠] مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، ﴿فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ﴾ [الفرقان: ٧٠] يَقُولُ: يُبَدِّلُ اللَّهُ مَكَانَ الشِّرْكِ وَالْقَتْلِ وَالزِّنَا الْإِيمَانَ بِاللَّهِ وَالدُّخُولَ فِي الْإِسْلَامِ، وَهُوَ التَّبْدِيلُ فِي الدُّنْيَا. وَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي ذَلِكَ ﴿يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ﴾ [الزمر: ٥٣] يَعْنِيهِمْ بِذَلِكَ ﴿لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا﴾ [الزمر: ٥٣] يَعْنِي مَا كَانَ فِي الشِّرْكِ يَقُولُ اللَّهُ لَهُمْ: أَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلَمُوا لَهُ، يَدْعُوهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ، فَهَاتَانِ الْآيَتَانِ مَكِّيَّتَانِ، وَالَّتِي فِي النِّسَاءِ ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا﴾ [النساء: ٩٣] الْآيَةَ، هَذِهِ مَدَنِيَّةٌ، نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ، وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ الَّتِي نَزَلَتْ فِي الْفُرْقَانِ ثَمَانِ سِنِينَ، وَهِيَ مُبْهَمَةٌ لَيْسَ مِنْهَا مَخْرَجٌ»
١٧ / ٥١٨
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا أَبُو تُمَيْلَةَ، قَالَ: ثنا أَبُو حَمْزَةَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ، جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ﴾ [الفرقان: ٧٠]، فَقَالَ:
[البحر الرجز] ⦗٥١٩⦘ بُدِّلْنَ بَعْدَ حَرِّهِ خَرِيفًا … وَبَعْدَ طُولِ النَّفَسِ الْوَجِيفَا
“
[البحر الرجز] ⦗٥١٩⦘ بُدِّلْنَ بَعْدَ حَرِّهِ خَرِيفًا … وَبَعْدَ طُولِ النَّفَسِ الْوَجِيفَا
“
١٧ / ٥١٨
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ﴾ [الفرقان: ٦٨] . . إِلَى قَوْلِهِ (يُخَلَّدُ فِيهِ مُهَانًا) فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: وَلَا وَاللَّهِ مَا كَانَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ مَعَ مُحَمَّدٍ إِلَّا مَعَنَا، قَالَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ﴾ [مريم: ٦٠] . قَالَ: تَابَ مِنَ الشِّرْكِ، قَالَ: وَآمَنَ بِعِقَابِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴿وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا﴾ [الفرقان: ٧٠] قَالَ: صَدَقَ، ﴿فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ﴾ [الفرقان: ٧٠] قَالَ: يُبَدَّلُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمُ السَّيِّئَةَ الَّتِي كَانَتْ فِي الشِّرْكِ بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ حِينَ دَخَلُوا فِي الْإِيمَانِ». وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ، فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَاتٍ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
١٧ / ٥١٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عَمْرٍو الْبَصْرِيُّ، قَالَ: ثنا قُرَيْشُ بْنُ أَنَسٍ أَبُو أَنَسٍ، قَالَ: ثني صَالِحُ بْنُ رُسْتُمَ، عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: ﴿فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ﴾ [الفرقان: ٧٠] قَالَ: «تَصِيرُ سَيِّئَاتُهُمْ حَسَنَاتٍ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»
١٧ / ٥١٩
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ خَازِمٍ أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنِ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنِّي لَأَعْرِفُ آخِرَ أَهْلِ النَّارِ خُرُوجًا مِنَ النَّارِ، وَآخَرَ أَهْلِ النَّارِ دُخُولًا الْجَنَّةَ، قَالَ: يُؤْتَى بِرَجُلٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُقَالُ: نَحُّوا كِبَارَ ذُنُوبِهِ وَسَلُوهُ عَنْ صِغَارِهَا، قَالَ: فَيُقَالُ لَهُ: عَمِلْتَ كَذَا وَكَذَا، وَعَمِلْتَ كَذَا وَكَذَا، قَالَ: فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، لَقَدْ عَمِلْتُ أَشْيَاءَ مَا أَرَاهَا هَا هُنَا، قَالَ: فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ، قَالَ: فَيُقَالُ لَهُ: لَكَ مَكَانَ كُلِّ سَيِّئَةٍ حَسَنَةً». قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَنْ تَأَوَّلَهُ: فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ: أَعْمَالَهُمْ فِي الشِّرْكِ حَسَنَاتٍ فِي الْإِسْلَامِ، بِنَقْلِهِمْ عَمَّا يَسْخَطُهُ اللَّهُ مِنَ الْأَعْمَالِ إِلَى مَا يَرْضَى. وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ، لِأَنَّ الْأَعْمَالَ السَّيِّئَةَ قَدْ كَانَتْ مَضَتْ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ مِنَ الْقُبْحِ، وَغَيْرُ جَائِزٍ تَحْوِيلُ عَيْنٍ قَدْ مَضَتْ بِصِفَةٍ إِلَى خِلَافِ مَا كَانَتْ عَلَيْهِ، إِلَّا بِتَغْيِيرِهَا عَمَّا كَانَتْ عَلَيْهِ مِنْ صِفَتِهَا فِي حَالٍ أُخْرَى، فَيَجِبُ إِنْ فُعِلَ ذَلِكَ كَذَلِكَ أَنْ يَصِيرَ شِرْكَ الْكَافِرِ الَّذِي كَانَ شِرْكًا فِي الْكُفْرِ بِعَيْنِهِ إِيمَانًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِالْإِسْلَامِ وَمَعَاصِيهِ كُلِّهَا بِأَعْيَانِهَا طَاعَةً، وَذَلِكَ مَا لَا يَقُولُهُ ذُو حِجًا
١٧ / ٥٢٠
وَقَوْلُهُ: ﴿وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [النساء: ٩٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَكَانَ اللَّهُ ذَا عَفْوٍ عَنْ ذُنُوبِ مَنْ تَابَ مِنْ عِبَادِهِ وَرَاجَعَ طَاعَتَهُ، وَذَا رَحْمَةٍ بِهِ أَنْ يُعَاقِبَهُ عَلَى ذُنُوبِهِ بَعْدَ تَوْبَتِهِ مِنْهَا
١٧ / ٥٢١
قَوْلُهُ: ﴿وَمَنْ تَابَ﴾ [هود: ١١٢] يَقُولُ: وَمَنْ تَابَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَآمَنَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴿وَعَمِلَ صَالِحًا﴾ [البقرة: ٦٢] يَقُولُ: وَعَمِلَ بِمَا أَمَرَهُ اللَّهُ فَأَطَاعَهُ، فَإِنَّ اللَّهَ فَاعِلٌ بِهِ مِنْ إِبْدَالِهِ سَيِّئَ أَعْمَالِهِ فِي الشِّرْكِ، بِحُسْنِهَا فِي الْإِسْلَامِ، مِثْلَ الَّذِي فَعَلَ مِنْ ذَلِكَ بِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا قَبْلَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٧ / ٥٢١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا﴾ [الفرقان: ٧١] قَالَ: «هَذَا لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ قَالُوا لَمَّا أُنْزِلَتْ ﴿وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ﴾ [الفرقان: ٦٨] . . . إِلَى قَوْلِهِ ﴿وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [النساء: ٩٦] لِأَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: مَا كَانَ هَؤُلَاءِ إِلَّا مَعَنَا، قَالَ: ﴿وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا﴾ [الفرقان: ٧١] فَإِنَّ لَهُمْ مِثْلَ مَا لِهَؤُلَاءِ ﴿فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا﴾ [الفرقان: ٧١] لَمْ تَخْطُرِ التَّوْبَةُ عَلَيْكُمْ»
١٧ / ٥٢١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ، وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا﴾ [الفرقان: ٧٢] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى الزُّورِ الَّذِي وَصَفَ اللَّهُ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ بِأَنَّهُمْ لَا يَشْهَدُونَهُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ الشِّرْكُ بِاللَّهِ
١٧ / ٥٢١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا أَبُو عَامِرٍ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، فِي قَوْلِهِ: «﴿لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ﴾ [الفرقان: ٧٢] قَالَ: الشِّرْكُ»
١٧ / ٥٢٢
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ﴾ [الفرقان: ٧٢] قَالَ: هَؤُلَاءِ الْمُهَاجِرُونِ، قَالَ: وَالزُّورُ قَوْلُهُمْ لِآلِهَتِهِمْ وَتَعْظِيمُهُمْ إِيَّاهَا». وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عُنِيَ بِهِ الْغِنَاءَ
١٧ / ٥٢٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى الْمُحَارِبِيُّ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مَرْوَانَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ﴾ [الفرقان: ٧٢] قَالَ: لَا يَسْمَعُونَ الْغِنَاءَ». وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ قَوْلُ الْكَذِبِ
١٧ / ٥٢٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَوْلَهُ: «﴿وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ﴾ [الفرقان: ٧٢] قَالَ: الْكَذِبَ».
١٧ / ٥٢٢
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَصْلُ الزُّورِ تَحْسِينُ الشَّيْءِ، وَوَصَفُهُ بِخِلَافِ صِفَتِهِ، حَتَّى يُخَيَّلَ إِلَى مَنْ يَسْمَعُهُ أَوْ يَرَاهُ أَنَّهُ خِلَافَ مَا هُوَ بِهِ، وَالشِّرْكُ قَدْ يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ، لِأَنَّهُ مُحَسَّنٌ لِأَهْلِهِ، حَتَّى قَدْ ظَنُّوا أَنَّهُ حَقٌّ، وَهُوَ بَاطِلٌ، وَيَدْخُلُ فِيهِ الْغِنَاءُ، لِأَنَّهُ أَيْضًا مِمَّا يُحَسِّنُهُ تَرْجِيعُ الصَّوْتِ، حَتَّى يَسْتَحْلِيَ سَامِعُهُ سَمَاعَهُ، وَالْكَذِبُ أَيْضًا قَدْ يَدْخُلُ فِيهِ، لِتَحْسِينِ صَاحِبِهِ إِيَّاهُ، حَتَّى يُظِنَّ صَاحِبَهُ أَنَّهُ حَقٌّ، فَكُلُّ ذَلِكَ مِمَّا يَدْخُلُ فِي مَعْنَى الزُّورِ. فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَأَوْلَى الْأَقْوَالِ بِالصَّوَابِ فِي تَأْوِيلِهِ أَنْ يُقَالَ: وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ شَيْئًا مِنَ الْبَاطِلِ، لَا شِرْكًا، وَلَا غِنَاءً، وَلَا كَذِبًا وَلَا غَيْرَهُ، وَكُلُّ مَا لَزِمَهُ اسْمُ الزُّورِ، لِأَنَّ اللَّهَ عَمَّ فِي وَصَفِهِ إِيَّاهُمْ، أَنَّهُمْ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُخَصَّ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ إِلَّا بِحَجَّةٍ يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهَا، مِنْ خَبَرٍ أَوْ عَقْلٍ
١٧ / ٥٢٣
وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا﴾ [الفرقان: ٧٢] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى اللَّغْوِ الَّذِي ذَكَرَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: مَا كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَقُولُونَهُ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَيُكَلِّمُونَهُمْ بِهِ مِنَ الْأَذَى. وَمُرُورُهُمْ بِهِ كِرَامًا إِعْرَاضُهُمْ عَنْهُمْ وَصَفْحُهُمْ
١٧ / ٥٢٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ: «﴿وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا﴾ [الفرقان: ٧٢] قَالَ: صَفَحُوا»
١٧ / ٥٢٣
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا﴾ [الفرقان: ٧٢] قَالَ: «إِذَا أُوذُوا مَرُّوا كِرَامًا، قَالَ: صَفَحُوا». وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَاهُ: وَإِذَا مَرُّوا بِذِكْرِ النِّكَاحِ، كَفُّوا عَنْهُ
١٧ / ٥٢٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْعَوَّامُ بْنُ حَوْشَبٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا﴾ [الفرقان: ٧٢] قَالَ: «إِذَا ذَكَرُوا النِّكَاحَ كَفُّوا عَنْهُ»
١٧ / ٥٢٤
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْأَشْيَبُ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْعَوَّامُ بْنُ حَوْشَبٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا﴾ [الفرقان: ٧٢] قَالَ: «كَانُوا إِذَا أَتَوْا عَلَى ذِكْرِ النِّكَاحِ كَفُّوا عَنْهُ»
١٧ / ٥٢٤
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا الْمُعْتَمِرُ، عَنْ أَبِي مَخْزُومٍ، عَنْ سَيَّارٍ: ﴿وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا﴾ [الفرقان: ٧٢] «إِذَا مَرُّوا بِالرَّفَثِ كَفُّوا» . ⦗٥٢٥⦘ وَقَالَ آخَرُونَ: إِذَا مَرُّوا بِمَا كَانَ الْمُشْرِكُونَ فِيهِ مِنَ الْبَاطِلِ مَرُّوا مُنْكِرِينَ لَهُ
١٧ / ٥٢٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا﴾ [الفرقان: ٧٢] قَالَ: هَؤُلَاءِ الْمُهَاجِرُونَ، وَاللَّغْوُ مَا كَانُوا فِيهِ مِنَ الْبَاطِلِ، يَعْنِي الْمُشْرِكِينَ وَقَرَأَ: ﴿فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ﴾ [الحج: ٣٠]». وَقَالَ آخَرُونَ: عُنِيَ بِاللَّغْوِ هَا هُنَا: الْمَعَاصِيَ كُلَّهَا
١٧ / ٥٢٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا﴾ [الفرقان: ٧٢] قَالَ: «اللَّغْوُ كُلُّهُ الْمَعَاصِي» . قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ عِنْدِي أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ أَخْبَرَ عَنْ هَؤُلَاءِ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ مَدَحَهُمْ بِأَنَّهُمْ إِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا، وَاللَّغْوُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ هُوَ كُلُّ كَلَامٍ أَوْ فِعْلٍ بَاطِلٍ لَا حَقِيقَةَ لَهُ وَلَا أَصْلَ، أَوْ مَا يُسْتَقْبَحُ؛ فَسَبُّ الْإِنْسَانِ الْإِنْسَانَ بِالْبَاطِلِ الَّذِي لَا حَقِيقَةَ لَهُ مِنَ اللَّغْوِ. وَذَكَرَ النِّكَاحَ بِصَرِيحِ اسْمِهِ مِمَّا يُسْتَقْبَحُ فِي بَعْضِ الْأَمَاكِنِ، فَهُوَ مِنَ اللَّغْوِ، وَكَذَلِكَ تَعْظِيمُ الْمُشْرِكِينَ آلِهَتَهُمْ مِنَ الْبَاطِلِ الَّذِي لَا حَقِيقَةَ لِمَا عَظَّمُوهُ عَلَى نَحْوِ مَا عَظَّمُوهُ، وَسَمَاعُ الْغِنَاءِ مِمَّا هُوَ مُسْتَقْبَحٌ فِي أَهْلِ الدِّينِ، فَكُلُّ ذَلِكَ يَدْخُلُ فِي مَعْنَى اللَّغْوِ، فَلَا وَجْهَ إِذْ ⦗٥٢٦⦘ كَانَ كُلُّ ذَلِكَ يَلْزَمُهُ اسْمُ اللَّغْوِ أَنْ يُقَالَ: عَنِيَ بِهِ بَعْضَ ذَلِكَ دُونَ بَعْضٍ، إِذْ لَمْ يَكُنْ لِخُصُوصِ ذَلِكَ دَلَالَةٌ مِنْ خَبَرٍ أَوْ عَقْلٍ. فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ: وَإِذَا مَرُّوا بِالْبَاطِلِ فَسَمِعُوهُ أَوْ رَأَوْهُ، مَرُّوا كِرَامًا؛ مُرُورُهُمْ كِرَامًا فِي بَعْضِ ذَلِكَ بِأَنْ لَا يَسْمَعُوهُ، وَذَلِكَ كَالْغِنَاءِ. وَفِي بَعْضِ ذَلِكَ بِأَنْ يُعْرِضُوا عَنْهُ وَيَصْفَحُوا، وَذَلِكَ إِذَا أُوذُوا بِإِسْمَاعِ الْقَبِيحِ مِنَ الْقَوْلِ. وَفِي بَعْضِهِ بِأَنْ يَنْهَوْا عَنْ ذَلِكَ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَرَوْا مِنَ الْمُنْكَرِ مَا يُغَيَّرُ بِالْقَوْلِ فَيُغَيِّرُوهُ بِالْقَوْلِ. وَفِي بَعْضِهِ بِأَنْ يُضَارِبُوا عَلَيْهِ بِالسُّيُوفِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَرَوْا قَوْمًا يَقْطَعُونَ الطَّرِيقَ عَلَى قَوْمٍ، فَيَسْتَصْرِخُهُمُ الْمُرَادُ ذَلِكَ مِنْهُمْ، فَيُصْرِخُونَهُمْ، وَكُلُّ ذَلِكَ مُرُورُهُمْ كِرَامًا
١٧ / ٥٢٥
وَقَدْ: حَدَّثَنِي ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ، قَالَ: مَرَّ ابْنُ مَسْعُودٍ بِلَهْوٍ مُسْرِعًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنْ أَصْبَحَ ابْنُ مَسْعُودٍ لَكَرِيمًا» . وَقِيلَ: إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مَكِّيَّةٌ
١٧ / ٥٢٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، قَالَ: سَمِعْتُ السُّدِّيَّ، يَقُولُ: «﴿وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا﴾ [الفرقان: ٧٢] قَالَ: هِيَ مَكِّيَّةٌ». وَإِنَّمَا عَنِيَ السُّدِّيُّ بِقَوْلِهِ هَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ، أَنَّ اللَّهَ نَسَخَ ذَلِكَ بِأَمْرِهِ الْمُؤْمِنِينَ ⦗٥٢٧⦘ بِقِتَالِ الْمُشْرِكِينَ بِقَوْلِهِ: ﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ﴾ [التوبة: ٥] وَأَمَرَهُمْ إِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ الَّذِي هُوَ شِرْكٌ أَنْ يُقَاتِلُوا أُمَرَاءَهُ، وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ الَّذِي هُوَ مَعْصِيَةٌ لِلَّهِ أَنْ يُغَيِّرُوهُ، وَلَمْ يَكُونُوا أُمِرُوا بِذَلِكَ بِمَكَّةَ، وَهَذَا الْقَوْلُ نَظِيرُ تَأْوِيلِنَا الَّذِي تَأَوَّلْنَاهُ فِي ذَلِكَ
١٧ / ٥٢٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا﴾ [الفرقان: ٧٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَالَّذِينَ إِذَا ذَكَّرَهُمْ مُذَّكِرٌ بِحُجَجِ اللَّهِ، لَمْ يَكُونُوا صُمًّا لَا يَسْمَعُونَ، وَعُمْيًا لَا يُبْصِرُونَهَا. وَلَكِنَّهُمْ يِقَاظُ الْقُلُوبِ، فُهَمَاءُ الْعُقُولِ، يَفْهَمُونَ عَنِ اللَّهِ مَا يُذَكِّرُهُمْ بِهِ، وَيَفْهَمُونَ عَنْهُ مَا يُنَبِّهُهُمْ عَلَيْهِ، فَيُوَعُّونَ مَوَاعِظَهُ آذَانًا سَمِعَتْهُ، وَقُلُوبًا وَعَتْهُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٧ / ٥٢٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا﴾ [الفرقان: ٧٣] فَلَا يَسْمَعُونَ، وَلَا يُبْصِرُونَ، وَلَا يَفْقَهُونَ حَقًّا»
١٧ / ٥٢٧
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ: «﴿وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا﴾ [الفرقان: ٧٣] قَالَ: لَا يَفْقَهُونَ، وَلَا يَسْمَعُونَ، وَلَا يُبْصِرُونَ»
١٧ / ٥٢٨
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، قَالَ: قُلْتُ لِلشَّعْبِيِّ: «رَأَيْتُ قَوْمًا قَدْ سَجَدُوا، وَلَمْ أَعْلَمْ مَا سَجَدُوا مِنْهُ، أَسْجُدُ؟ قَالَ: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا﴾ [الفرقان: ٧٣]»
١٧ / ٥٢٨
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا﴾ [الفرقان: ٧٣] قَالَ: هَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لَهُمْ، لَمْ يَدَعُوهَا إِلَى غَيْرِهَا، وَقَرَأَ قَوْلَ اللَّهِ: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ [الأنفال: ٢] . الْآيَةَ». فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ ﴿يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا﴾ [الفرقان: ٧٣] أَوَيَخِرُّ الْكَافِرُونَ صُمًّا وَعُمْيَانًا إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ، فَيَنْفِي عَنْ هَؤُلَاءِ مَا هُوَ صِفَةٌ لِلْكُفَّارِ؟ قِيلَ: نَعَمْ، الْكَافِرُ إِذَا تَلَيْتَ عَلَيْهِ آيَاتِ اللَّهِ خَرَّ عَلَيْهَا أَصَمٌّ وَأَعْمَى، وَخَرُّهُ عَلَيْهَا كَذَلِكَ إِقَامَتُهُ عَلَى الْكُفْرِ، وَذَلِكَ نَظِيرُ قَوْلِ الْعَرَبِ: سَبَبْتُ فُلَانًا فَقَامَ يَبْكِي، بِمَعْنَى فَظَلَّ يَبْكِي، وَلَا قِيَامَ هُنَالِكَ، وَلَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ بَكَى قَاعِدًا، وَكَمَا يُقَالُ: نَهَيْتُ فُلَانًا عَنْ كَذَا، فَقَعَدَ يَشْتُمُنِي؛ وَمَعْنَى ذَلِكَ: فَجَعَلَ يَشْتُمُنِي، وَظِلَّ يَشْتُمُنِي، وَلَا قُعُودَ هُنَالِكَ، وَلَكِنْ ذَلِكَ قَدْ جَرَى عَلَى أَلْسُنِ الْعَرَبِ، حَتَّى قَدْ فَهِمُوا مَعْنَاهُ. وَذَكَرَ ⦗٥٢٩⦘ الْفَرَّاءُ أَنَّهُ سَمِعَ الْعَرَبَ تَقُولُ: قَعَدَ يَشْتُمُنِي، كَقَوْلِكَ: قَامَ يَشْتُمُنِي، وَأَقْبَلَ يَشْتُمُنِي؛ قَالَ: وَأَنْشَدَ بَعْضُ بَنِي عَامِرٍ:
[البحر الرجز] لَا يُقْنِعُ الْجَارِيَةَ الْخِضَابُ … وَلَا الْوِشَاحَانِ وَلَا الْجِلْبَابُ
مِنْ دُونِ أَنْ تَلْتَقِيَ الْأَرْكَابُ … وَيَقْعُدَ الْأَيْرُ لَهُ لُعَابُ
بِمَعْنَى: يَصِيرُ، فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا﴾ [الفرقان: ٧٣] إِنَّمَا مَعْنَاهُ: لَمْ يَصَمُّوا عَنْهَا، وَلَا عَمُوا عَنْهَا، وَلَمْ يَصِيرُوا عَلَى بَابِ رَبِّهِمْ صُمًّا وَعُمْيَانًا، كَمَا قَالَ الرَّاجِزُ:
وَيَقْعُدَ الْهَنُ لَهُ لُعَابُ
بِمَعْنَى: وَيَصِيرُ.
[البحر الرجز] لَا يُقْنِعُ الْجَارِيَةَ الْخِضَابُ … وَلَا الْوِشَاحَانِ وَلَا الْجِلْبَابُ
مِنْ دُونِ أَنْ تَلْتَقِيَ الْأَرْكَابُ … وَيَقْعُدَ الْأَيْرُ لَهُ لُعَابُ
بِمَعْنَى: يَصِيرُ، فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا﴾ [الفرقان: ٧٣] إِنَّمَا مَعْنَاهُ: لَمْ يَصَمُّوا عَنْهَا، وَلَا عَمُوا عَنْهَا، وَلَمْ يَصِيرُوا عَلَى بَابِ رَبِّهِمْ صُمًّا وَعُمْيَانًا، كَمَا قَالَ الرَّاجِزُ:
وَيَقْعُدَ الْهَنُ لَهُ لُعَابُ
بِمَعْنَى: وَيَصِيرُ.
١٧ / ٥٢٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ، وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا﴾ [الفرقان: ٧٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَالَّذِينَ يَرْغَبُونَ إِلَى اللَّهِ فِي دُعَائِهِمْ وَمَسْأَلَتِهِمْ بِأَنْ يَقُولُوا: ﴿رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا﴾ [الفرقان: ٧٤] مَا تَقَرُّ بِهِ أَعْيُنُنَا مِنْ أَنْ تُرِينَاهُمْ يَعْمَلُونَ بِطَاعَتِكَ. ⦗٥٣٠⦘ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٧ / ٥٢٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: «﴿هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ﴾ [الفرقان: ٧٤] يَعْنُونَ: مَنْ يَعْمَلُ لَكَ بِالطَّاعَةِ، فَتَقَرُّ بِهِمْ أَعْيُنُنَا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ»
١٧ / ٥٣٠
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ الْمِقْدَامِ، قَالَ: ثنا حَزْمٌ، قَالَ: سَمِعْتُ كَثِيرًا سَأَلَ الْحَسَنَ، قَالَ: يَا أَبَا سَعِيدٍ، قَوْلُ اللَّهِ: ﴿هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ﴾ [الفرقان: ٧٤] فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، قَالَ: “لَا، بَلْ فِي الدُّنْيَا، قَالَ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: «الْمُؤْمِنُ يَرَى زَوْجَتَهُ وَوَلَدَهُ يُطِيعُونَ اللَّهَ» . حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثنا سَالِمُ بْنُ قُتَيْبَةَ، قَالَ: ثنا حَزْمٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ فَذَكَرَ نَحْوَهُ
١٧ / ٥٣٠
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَرَأَ حَضْرَمِيٌّ: ﴿رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ﴾ [الفرقان: ٧٤] أَعْيُنٍ، قَالَ: «وَإِنَّمَا قُرَّةُ أَعْيُنِهِمْ أَنْ يَرَوْهُمْ يَعْمَلُونَ بِطَاعَةِ اللَّهِ»
١٧ / ٥٣٠
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، فِيمَا قَرَأْنَا عَلَيْهِ فِي قَوْلِهِ: ﴿⦗٥٣١⦘ هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٌ﴾ [الفرقان: ٧٤] قَالَ: «يَعْبُدُونَكَ فَيُحْسِنُونَ عِبَادَتَكَ، وَلَا يَجُرُّونَ الْجَرَائِرَ»
١٧ / ٥٣٠
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، قَوْلُهُ: ﴿رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ﴾ [الفرقان: ٧٤] قَالَ: «يَعْبُدُونَكَ يُحْسِنُونَ عِبَادَتَكَ، وَلَا يَجُرُّونَ عَلَيْنَا الْجَرَائِرَ»
١٧ / ٥٣١
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ﴾ [الفرقان: ٧٤] قَالَ: «يَسْأَلُونَ اللَّهَ لِأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ أَنْ يَهْدِيَهُمْ لِلْإِسْلَامِ»
١٧ / ٥٣١
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَوْنٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: جَلَسْنَا إِلَى الْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ، فَقَالَ: «لَقَدْ بُعِثَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلَى أَشَدِّ حَالَةٍ بُعِثَ عَلَيْهَا نَبِيٌّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ فِي فَتْرَةٍ وَجَاهِلِيَّةٍ، مَا يَرَوْنَ دِينًا أَفْضَلَ مِنْ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ، فَجَاءَ بِفُرْقَانٍ فَرَّقَ بِهِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، وَفَرَّقَ بَيْنَ الْوَالِدِ وَوَلَدِهِ، حَتَّى إِنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيَرَى وَلَدَهُ وَوَالِدَهُ وَأَخَاهُ كَافِرًا وَقَدْ فَتَحَ اللَّهُ قُفْلَ قَلْبِهِ بِالْإِسْلَامِ، فَيَعْلَمُ أَنَّهُ إِنْ مَاتَ دَخَلَ النَّارَ، فَلَا تَقَرُّ عَيْنُهُ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ حَبِيبَهُ فِي النَّارِ، وَإِنَّهَا لَلَّتِي قَالَ اللَّهُ: ﴿وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ﴾ [الفرقان: ٧٤] . الْآيَةَ». حَدَّثَنِي ابْنُ عَوْنٍ، قَالَ: ثني عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ الْعَسْقَلَانِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ صَفْوَانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْمِقْدَادِ، نَحْوَهُ. ⦗٥٣٢⦘ وَقِيلَ: هَبْ لَنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ، وَقَدْ ذَكَرَ الْأَزْوَاجَ وَالذُّرِّيَّاتِ وَهُمْ جَمْعٌ، وَقَوْلُهُ: ﴿قُرَّةَ أَعْيُنٍ﴾ [الفرقان: ٧٤] وَاحِدَةٌ، لِأَنَّ قَوْلَهُ: قُرَّةَ أَعْيُنٍ مَصْدَرٌ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: قَرَّتْ عَيْنُكَ قُرَّةً، وَالْمَصْدَرُ لَا تَكَادُ الْعَرَبُ تَجْمَعُهُ
١٧ / ٥٣١
وَقَوْلُهُ: ﴿وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا﴾ [الفرقان: ٧٤] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلَ فِي تَأْوِيلِهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: اجْعَلْنَا أئِمَّةً يَقْتَدِي بِنَا مَنْ بَعْدَنَا
١٧ / ٥٣٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ وَاصِلٍ، قَالَ: ثني عَوْنُ بْنُ سَلَّامٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا بِشْرُ بْنُ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِي رَوْقٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا﴾ [الفرقان: ٧٤] يَقُولُ: أئِمَّةً يُقْتَدَى بِنَا»
١٧ / ٥٣٢
حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: «﴿وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا﴾ [الفرقان: ٧٤] أئِمَّةَ التَّقْوَى وَلِأَهْلِهِ يُقْتَدَى بِنَا»
١٧ / ٥٣٢
قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: «كَمَا قَالَ لِإِبْرَاهِيمَ: ﴿إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا﴾ [البقرة: ١٢٤]». وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَاهُ: وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا: نَأْتَمُّ بِهِمْ، وَيَأْتَمُّ بِنَا مَنْ بَعْدَنَا
١٧ / ٥٣٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا مُؤَمَّلٌ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ ⦗٥٣٣⦘ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا﴾ [الفرقان: ٧٤] أَئِمَّةً نَقْتَدِي بِمَنْ قَبْلَنَا، وَنَكُونُ أَئِمَّةً لِمَنْ بَعْدَنَا»
١٧ / ٥٣٢
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا﴾ [الفرقان: ٧٤] قَالَ: اجْعَلْنَا مُؤْتَمِّينَ بِهِمْ، مُقْتَدِينَ بِهِمْ». قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَاهُ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يَتَّقُونَ مَعَاصِيكَ، وَيَخَافُونَ عِقَابُكَ إِمَامًا يَأْتَمُّونَ بِنَا فِي الْخَيْرَاتِ، لِأَنَّهُمْ إِنَّمَا سَأَلُوا رَبَّهُمْ أَنْ يَجْعَلَهُمْ لِلْمُتَّقِينَ أَئِمَّةً، وَلَمْ يَسْأَلُوهُ أَنْ يَجْعَلَ الْمُتَّقِينَ لَهُمْ إِمَامًا، وَقَالَ ﴿وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا﴾ [الفرقان: ٧٤] وَلَمْ يَقُلْ أَئِمَّةً. وَقَدْ قَالُوا: وَاجْعَلْنَا وَهُمْ جَمَاعَةٌ، لِأَنَّ الْإِمَامَ مَصْدَرٌ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: أَمَّ فُلَانٌ فُلَانًا إِمَامًا، كَمَا يُقَالُ: قَامَ فُلَانٌ قِيَامًا، وَصَامَ يَوْمَ كَذَا صِيَامًا. وَمَنْ جَمَعَ الْإِمَامَ أَئِمَّةً جَعَلَ الْإِمَامَ اسْمًا، كَمَا يُقَالُ: أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ إِمَامٌ، وَأَئِمَّةٌ لِلنَّاسِ. فَمَنْ وَحَّدَ قَالَ: يَأْتَمُّ بِهِمُ النَّاسُ. وَهَذَا الْقَوْلُ الَّذِي قُلْنَاهُ فِي ذَلِكَ قَوْلُ بَعْضِ نَحْوِيِّي أَهْلِ الْكُوفَةِ. وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْبَصْرَةِ مِنْ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ: الْإِمَامُ فِي قَوْلِهِ: ﴿لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا﴾ [الفرقان: ٧٤] جَمَاعَةٌ، كَمَا تَقُولُ: كُلُّهُمْ عُدُولٌ. قَالَ: وَيَكُونُ عَلَى الْحِكَايَةَ، كَمَا يَقُولُ الْقَائِلُ إِذَا قِيلَ لَهُ: مَنْ أَمِيرُكُمْ: هَؤُلَاءِ أَمِيرُنَا. وَاسْتَشْهَدَ لِذَلِكَ بِقَوْلِ الشَّاعِرِ:
[البحر الكامل] ⦗٥٣٤⦘ يَا عَاذِلَاتِي لَا تُرِدْنَ مَلَامَتِي … إِنَّ الْعَوَاذِلَ لَسْنَ لِي بِأَمِيرِ
[البحر الكامل] ⦗٥٣٤⦘ يَا عَاذِلَاتِي لَا تُرِدْنَ مَلَامَتِي … إِنَّ الْعَوَاذِلَ لَسْنَ لِي بِأَمِيرِ
١٧ / ٥٣٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا، وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا﴾ [الفرقان: ٧٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ وَصَفْتُ صِفَتَهُمْ مِنْ عِبَادِي، وَذَلِكَ مِنَ ابْتِدَاءِ قَوْلِهِ: ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا﴾ [الفرقان: ٦٣] . إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا﴾ [الفرقان: ٧٤] . . الْآيَةَ ﴿يُجْزَوْنَ﴾ [الأعراف: ١٤٧] يَقُولُ: يُثَابُونَ عَلَى أَفْعَالِهِمْ هَذِهِ الَّتِي فَعَلُوهَا فِي الدُّنْيَا ﴿الْغُرْفَةَ﴾ [الفرقان: ٧٥] وَهِيَ مَنْزِلَةٌ مِنْ مَنَازِلِ الْجَنَّةِ رَفِيعَةٌ ﴿بِمَا صَبَرُوا﴾ [الأعراف: ١٣٧] يَقُولُ: بِصَبْرِهِمْ عَلَى هَذِهِ الْأَفْعَالِ، وَمُقَاسَاةِ شِدَّتِهَا.
١٧ / ٥٣٤
وَقَوْلُهُ: ﴿وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا﴾ [الفرقان: ٧٥] اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَتِهِ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ: ﴿وَيُلَقَّوْنَ﴾ [الفرقان: ٧٥] مَضْمُومَةَ الْيَاءِ، مُشَدَّدَةَ الْقَافِ، بِمَعْنَى: وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ فِيهَا بِالتَحِيَّةِ. وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ: (وَيَلْقَوْنَ)، بِفَتْحِ الْيَاءِ وَتَخْفِيفِ الْقَافِ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ فِي قِرَاءَةِ الْأَمْصَارِ، بِمَعْنًى وَاحِدٍ، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ، غَيْرَ أَنَّ أَعْجَبَ الْقِرَاءَتَيْنِ إِلَيَّ أَنْ أَقْرَأَ بِهَا (وَيَلْقَوْنَ) فِيهَا، بِفَتْحِ الْيَاءِ وَتَخْفِيفِ الْقَافِ، لِأَنَّ الْعَرَبَ إِذَا قَالَتْ ذَلِكَ بِالتَّشْدِيدِ قَالَتْ: فُلَانٌ يُتَلَقَّى بِالسَّلَامِ وَبِالْخَيْرِ، وَنَحْنُ نَتَلَقَّاهُمْ بِالسَّلَامِ، قَرَنَتْهُ بِالْيَاءِ، وَقَلَّمَا
١٧ / ٥٣٤
تَقُولُ: فُلَانٌ يُلَقَّى السَّلَامَ، فَكَانَ وَجْهُ الْكَلَامِ لَوْ كَانَ بِالتَّشْدِيدِ أَنْ يُقَالَ: وَيُتَلَقَّوْنَ فِيهَا بِالتَّحِيَّةِ وَالسَّلَامِ. وَإِنَّمَا اخْتَرْنَا الْقِرَاءَةَ بِذَلِكَ كَمَا تُجِيزُ: أَخَذْتُ بِالْخِطَامِ، وَأَخَذْتُ الْخِطَامَ. وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى التَّحِيَّةِ وَالسَّلَامِ فِيمَا مَضَى قَبْلُ، فَأَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ
١٧ / ٥٣٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًا وَمُقَامًا. قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ، فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا﴾ [الفرقان: ٧٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا، خَالِدِينَ فِي الْغُرْفَةِ، يَعْنِي أَنَّهُمْ مَاكِثُونَ فِيهَا، لَابِثُونَ إِلَى غَيْرِ أَمَدٍ، حَسُنَتْ تِلْكَ الْغُرْفَةُ قَرَارًا لَهُمْ وَمُقَامًا. يَقُولُ: وَإِقَامَةً
١٧ / ٥٣٥
وَقَوْلُهُ: ﴿قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي﴾ [الفرقان: ٧٧] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِنَبِيِّهِ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أُرْسِلْتَ إِلَيْهِمْ: أَيَّ شَيْءٍ يَعِدُكُمْ، وَأَيَّ شَيْءٍ يَصْنَعُ بِكُمْ رَبِّي؟ يُقَالُ مِنْهُ: عَبَأْتُ بِهِ أَعْبَأُ عَبْئًا، وَعَبَأْتُ الطِّيبَ أَعْبَؤُهُ: إِذَا هَيَّأْتُهُ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الوافر] كَأَنَّ بِنَحْرِهِ وَبِمَنْكِبَيْهِ … عَبِيرًا بَاتَ يَعْبَؤُهُ عَرُوسُ
يَقُولُ: يُهَيِّئُهُ وَيَعْمَلُهُ يَعْبَؤُهُ عَبًا وَعُبُوءًا، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: عَبَأْتُ الْجَيْشَ بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيفِ فَأَنَا أَعْبَؤُهُ: أُهَيِّئُهُ. وَالْعِبْءُ: الثِّقَلُ. ⦗٥٣٦⦘ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
[البحر الوافر] كَأَنَّ بِنَحْرِهِ وَبِمَنْكِبَيْهِ … عَبِيرًا بَاتَ يَعْبَؤُهُ عَرُوسُ
يَقُولُ: يُهَيِّئُهُ وَيَعْمَلُهُ يَعْبَؤُهُ عَبًا وَعُبُوءًا، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: عَبَأْتُ الْجَيْشَ بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيفِ فَأَنَا أَعْبَؤُهُ: أُهَيِّئُهُ. وَالْعِبْءُ: الثِّقَلُ. ⦗٥٣٦⦘ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٧ / ٥٣٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: «﴿قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي﴾ [الفرقان: ٧٧] يَصْنَعُ لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ»
١٧ / ٥٣٦
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ: «﴿قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي﴾ [الفرقان: ٧٧] قَالَ: يَعْبَأُ: يَفْعَلُ»
١٧ / ٥٣٦
وَقَوْلُهُ: ﴿لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ﴾ [الفرقان: ٧٧] يَقُولُ: لَوْلَا عِبَادَةُ مَنْ يَعْبُدُهُ مِنْكُمْ، وَطَاعَةُ مَنْ يُطِيعُهُ مِنْكُمْ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٧ / ٥٣٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: «﴿مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ﴾ [الفرقان: ٧٧] يَقُولُ: لَوْلَا إِيمَانَكُمْ، وَأَخْبَرَ اللَّهُ الْكُفَّارَ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ لَهُ بِهِمْ إِذْ لَمْ يَخْلَقْهُمْ مُؤْمِنِينَ، وَلَوْ كَانَ لَهُ بِهِمْ حَاجَةٌ لَحَبَّبَ إِلَيْهِمُ الْإِيمَانَ كَمَا حَبَّبَهُ إِلَى الْمُؤْمِنِينَ»
١٧ / ٥٣٦
وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي ⦗٥٣٧⦘ الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ: ﴿لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ﴾ [الفرقان: ٧٧] قَالَ: «لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ إِيَّاهُ لِتَعْبُدُوهُ وَتُطِيعُوهُ»
١٧ / ٥٣٦
وَقَوْلُهُ ﴿فَقَدْ كَذَّبْتُمْ﴾ [الفرقان: ٧٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِمُشْرِكِي قُرَيْشٍ قَوْمِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ أَيُّهَا الْقَوْمُ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ وَخَالَفْتُمْ أَمَرَ رَبِّكُمُ الَّذِي أَمَرَ بِالتَّمَسُّكِ بِهِ. لَوْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ، كَانَ يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي؛ فَسَوْفَ يَكُونُ تَكْذِيبُكُمْ رَسُولَ رَبِّكُمْ، وَخِلَافُكُمْ أَمْرَ بَارِئِكُمْ عَذَابًا لَكُمْ مُلَازِمًا، قَتْلًا بِالسُّيُوفِ وَهَلَاكًا لَكُمْ مُفْنِيًا يُلْحِقُ بَعْضَكُمْ بَعْضًا، كَمَا قَالَ أَبُو ذُؤَيْبٍ الْهُذَلِيُّ:
[البحر الوافر] فَفَاجَأَهُ بِعَادِيَةٍ لِزَامٍ … كَمَا يَتَفَجَّرُ الْحَوْضُ اللَّقِيفُ
يَعْنِي بِاللِّزَامِ: الْكَبِيرَ الَّذِي يَتْبَعُ بَعْضُهُ بَعْضًا، وَبِاللَّقِيفِ: الْمُتَسَاقِطَ الْحِجَارَةِ الْمُتَهَدِّمَ، فَفَعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ بِهِمْ، وَصَدَقَهُمْ وَعْدَهُ، وَقَتَلَهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ بِأَيْدِي أَوْلِيَائِهِ، وَأَلْحَقَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ، فَكَانَ ذَلِكَ الْعَذَابُ اللِّزَامُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
[البحر الوافر] فَفَاجَأَهُ بِعَادِيَةٍ لِزَامٍ … كَمَا يَتَفَجَّرُ الْحَوْضُ اللَّقِيفُ
يَعْنِي بِاللِّزَامِ: الْكَبِيرَ الَّذِي يَتْبَعُ بَعْضُهُ بَعْضًا، وَبِاللَّقِيفِ: الْمُتَسَاقِطَ الْحِجَارَةِ الْمُتَهَدِّمَ، فَفَعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ بِهِمْ، وَصَدَقَهُمْ وَعْدَهُ، وَقَتَلَهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ بِأَيْدِي أَوْلِيَائِهِ، وَأَلْحَقَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ، فَكَانَ ذَلِكَ الْعَذَابُ اللِّزَامُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٧ / ٥٣٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مَوْلًى لِشَقِيقِ بْنِ ثَوْرٍ، أَنَّهُ سَمِعَ سَلْمَانَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ ابْنِ ⦗٥٣٨⦘ الزُّبَيْرِ فَسَمِعْتُهُ يَقْرَأُ: (فَقَدْ كَذَّبَ الْكَافِرُونَ)
١٧ / ٥٣٧
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، قَالَ: ثنا سَعِيدُ بْنُ أَدْهَمَ السَّدُوسِيُّ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الْمَجِيدِ، قَالَ: سَمِعْتُ مُسْلِمَ بْنَ عَمَّارٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، يَقْرَأُ هَذَا الْحَرْفَ: (فَقَدْ كَذَّبَ الْكَافِرُونَ) ﴿فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا﴾ [الفرقان: ٧٧] “
١٧ / ٥٣٨
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا﴾ [الفرقان: ٧٧] يَقُولُ: «كَذَّبَ الْكَافِرُونَ أَعْدَاءُ اللَّهِ»
١٧ / ٥٣٨
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا دَاوُدُ، عَنْ عَامِرٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: «فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ لِزَامًا يَوْمَ بَدْرٍ»
١٧ / ٥٣٨
حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ، قَالَ: ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: «خَمْسٌ قَدْ مَضَيْنَ: الدُّخَانُ، وَاللِّزَامُ، وَالْبَطْشَةُ، وَالْقَمَرُ، وَالرُّومُ»
١٧ / ٥٣٨
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: ﴿فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا﴾ [الفرقان: ٧٧]، قَالَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ: «هُوَ الْقَتْلُ يَوْمَ بَدْرٍ»
١٧ / ٥٣٩
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: «اللِّزَامُ يَوْمُ بَدْرٍ»
١٧ / ٥٣٩
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا﴾ [الفرقان: ٧٧] قَالَ: هُوَ يَوْمُ بَدْرٍ»
١٧ / ٥٣٩
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدِ: «﴿فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا﴾ [الفرقان: ٧٧] قَالَ: يَوْمُ بَدْرٍ». حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٧ / ٥٣٩
قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا أَبُو سُفْيَانَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: «اللِّزَامُ الْقَتْلُ يَوْمَ بَدْرٍ»
١٧ / ٥٣٩
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا﴾ [الفرقان: ٧٧] «الْكُفَّارُ كَذَّبُوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، وَبِمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا، وَهُوَ يَوْمُ بَدْرٍ»
١٧ / ٥٣٩
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: «قَدْ مَضَى اللِّزَامُ، كَانَ اللِّزَامُ يَوْمَ بَدْرٍ، أَسَرُوا سَبْعِينَ، وَقَتَلُوا سَبْعِينَ» . وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى اللِّزَامُ الْقِتَالُ
١٧ / ٥٤٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ «﴿فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا﴾ [الفرقان: ٧٧] قَالَ: فَسَوْفَ يَكُونُ قِتَالًا؛ اللِّزَامُ: الْقِتَالُ». وَقَالَ آخَرُونَ: اللِّزَامُ: الْمَوْتُ
١٧ / ٥٤٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «﴿فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا﴾ [الفرقان: ٧٧] قَالَ: مَوْتًا». وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِكَلَامِ الْعَرَبِ: مَعْنَى ذَلِكَ: فَسَوْفَ يَكُونُ جَزَاءً يَلْزَمُ كُلَّ عَامَلٍ مَا عَمِلَ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ وَقَدْ بَيَّنَّا الصَّوَابَ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ. وَلِلنَّصْبِ فِي اللِّزَامِ وَجْهٌ آخَرُ غَيْرَ الَّذِي قُلْنَاهُ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ فِي قَوْلِهِ ﴿يَكُونُ﴾ [الفرقان: ٧٧] مَجْهُولٌ، ثُمَّ يُنْصَبُ اللِّزَامُ عَلَى الْخَبَرِ كَمَا قِيلَ:
[البحر الطويل] ⦗٥٤١⦘ إِذَا كَانَ طَعْنًا بَيْنَهُمْ وَقِتَالَا
وَقَدْ كَانَ بَعْضُ مَنْ لَا عَلْمَ لَهُ بِأَقْوَالِ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ: قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنَ الْآلِهَةِ وَالْأَنْدَادِ، وَهَذَا قَوْلٌ لَا مَعْنَى لِلتَّشَاغُلِ بِهِ لِخُرُوجِهِ عَنْ أَقْوَالِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ
[البحر الطويل] ⦗٥٤١⦘ إِذَا كَانَ طَعْنًا بَيْنَهُمْ وَقِتَالَا
وَقَدْ كَانَ بَعْضُ مَنْ لَا عَلْمَ لَهُ بِأَقْوَالِ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ: قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنَ الْآلِهَةِ وَالْأَنْدَادِ، وَهَذَا قَوْلٌ لَا مَعْنَى لِلتَّشَاغُلِ بِهِ لِخُرُوجِهِ عَنْ أَقْوَالِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ
١٧ / ٥٤٠