مَدَنِيَّةٌ وَآيَاتُهَا تِسْعٌ وَعِشْرُونَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
٢١ / ٢٣٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا وَيَنصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا﴾ [الفتح: ٢] يَعْنِي بِقَوْلُهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ ﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا﴾ [الفتح: ١] يَقُولُ: إِنَّا حَكَمْنَا لَكَ يَا مُحَمَّدُ حُكْمًا لِمَنْ سَمِعَهُ أَوْ بَلَغَهُ عَلَى مَنْ خَالَفَكَ وَنَاصَبَكَ مِنْ كُفَّارِ قَوْمِكَ، وَقَضَيْنَا لَكَ عَلَيْهِمْ بِالنَّصْرِ وَالظَّفَرِ، لِتَشْكُرَ رَبَّكَ، وَتَحْمَدَهُ عَلَى نِعْمَتِهِ بِقَضَائِهِ لَكَ عَلَيْهِمْ، وَفَتْحِهِ مَا فَتَحَ لَكَ، وَلِتُسَبِّحَهُ وَتَسْتَغْفِرَهُ، فَيَغْفِرَ لَكَ بِفِعَالِكَ ذَلِكَ رَبُّكَ، مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ قَبْلَ فَتْحِهِ لَكَ مَا فَتَحَ، وَمَا تَأَخَّرَ بَعْدَ فَتْحِهِ لَكَ ذَلِكَ مَا شَكَرْتَهُ وَاسْتَغْفَرْتَهُ. وَإِنَّمَا اخْتَرْنَا هَذَا الْقَوْلَ فِي تَأْوِيلِ هَذِهِ الْآيَةِ لِدِلَالَةِ قَوْلِ اللَّهِ عز وجل ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا﴾ [النصر: ١] عَلَى صِحَّتِهِ، إِذْ أَمَرَهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَنْ يُسَبِّحَ بِحَمْدِ رَبِّهِ إِذَا جَاءَهُ نَصْرُ اللَّهِ وَفَتْحُ مَكَّةَ، وَأَنْ يَسْتَغْفِرَهُ، وَأَعْلَمَهُ أَنَّهُ تَوَّابٌ عَلَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ، فَفِي ذَلِكَ بَيَانٌ وَاضِحٌ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ
٢١ / ٢٣٦
: ﴿لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ﴾ [الفتح: ٢] إِنَّمَا هُوَ خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ نَبِيَّهُ عليه الصلاة والسلام عَنْ جَزَائِهِ لَهُ عَلَى شُكْرِهِ لَهُ، عَلَى النِّعْمَةِ الَّتِي أَنْعَمَ بِهَا عَلَيْهِ مِنْ إِظْهَارِهِ لَهُ مَا فَتَحَ، لِأَنَّ جَزَاءَ اللَّهِ تَعَالَى عِبَادَهُ عَلَى أَعْمَالِهِمْ دُونَ غَيْرِهَا وَبَعْدُ فَفِي صِحَّةِ الْخَبَرِ عَنْهُ ﷺ أَنَّهُ كَانَ يَقُومُ حَتَّى تَرِمَ قَدَمَاهُ، فَقِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ تَفْعَلُ هَذَا وَقَدْ غُفِرَ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ؟ فَقَالَ: «أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا؟»، الدِّلَالَةُ الْوَاضِحَةُ عَلَى أَنَّ الَّذِيَ قُلْنَا مِنْ ذَلِكَ هُوَ الصَّحِيحُ مِنَ الْقَوْلِ، وَأَنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى، إِنَّمَا وَعَدَ نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا ﷺ غُفْرَانَ ذُنُوبِهِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَتْحَ مَا فَتَحَ عَلَيْهِ، وَبَعْدَهُ عَلَى شُكْرِهِ لَهُ، عَلَى نِعَمِهِ الَّتِي أَنْعَمَهَا عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ كَانَ يَقُولُ ﷺ: «إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِئَةَ مَرَّةٍ» وَلَوْ كَانَ الْقَوْلُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ مِنْ خَبَرِ اللَّهِ تَعَالَى نَبِيَّهُ أَنَّهُ قَدْ غَفَرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَا، لَمْ يَكُنْ لَأَمْرِهِ إِيَّاهُ بِالِاسْتِغْفَارِ بَعْدَ هَذِهِ الْآيَةِ، وَلَا لِاسْتِغْفَارِ نَبِيِّ اللَّهِ ﷺ رَبَّهُ ﷻ مِنْ ذُنُوبِهِ بَعْدَهَا مَعْنًى يُعْقَلُ، إِذِ الِاسْتِغْفَارُ مَعْنَاهُ: طَلَبُ الْعَبْدِ مِنْ رَبِّهِ عز وجل غُفْرَانَ ذُنُوبِهِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ ذُنُوبٌ تُغْفَرُ لَمْ يَكُنْ لِمَسْأَلَتِهِ إِيَّاهُ غُفْرَانَهَا مَعْنًى، لِأَنَّهُ مِنَ الْمُحَالِ أَنْ يُقَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبًا لَمْ أَعْمَلْهُ وَقَدْ تَأَوَّلَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ بِمَعْنَى: لِيَغْفِرَ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ قَبْلَ الرِّسَالَةِ، وَمَا تَأَخَّرَ إِلَى الْوَقْتِ الَّذِي قَالَ: ﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ
٢١ / ٢٣٧
مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ﴾ [الفتح: ١] وَأَمَّا الْفَتْحُ الَّذِي وَعَدَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ نَبِيَّهُ ﷺ هَذِهِ الْعِدَةَ عَلَى شُكْرِهِ إِيَّاهُ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ فِيمَا ذُكِرَ الْهُدْنَةُ الَّتِي جَرَتْ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَبَيْنَ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ بِالْحُدَيْبِيَةِ وَذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ السُّورَةَ أُنْزِلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مُنْصَرَفَهُ عَنِ الْحُدَيْبِيَةِ بَعْدَ الْهُدْنَةِ الَّتِي جَرَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْمِهِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا﴾ [الفتح: ١] قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢١ / ٢٣٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: ﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا﴾ [الفتح: ١] قَالَ: «قَضَيْنَا لَكَ قَضَاءً مُبِينًا»
٢١ / ٢٣٨
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: ﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا﴾ [الفتح: ١] «وَالْفَتْحُ: الْقَضَاءُ»
٢١ / ٢٣٨
ذِكْرُ الرِّوَايَةِ عَمَّنْ قَالَ: هَذِهِ السُّورَةُ نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي الْوَقْتِ الَّذِي ذَكَرْتُ حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ، قَالَ: ثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثَنَا دَاوُدُ، عَنْ عَامِرٍ، ﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا﴾ [الفتح: ١] قَالَ: «الْحُدَيْبِيَةُ»
٢١ / ٢٣٨
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي ⦗٢٣٩⦘ الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا﴾ [الفتح: ١] قَالَ: «نَحْرُهُ بِالْحُدَيْبِيَةِ وَحَلْقُهُ»
٢١ / ٢٣٨
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَزِيعٍ، قَالَ: ثَنَا أَبُو بَحْرٍ، قَالَ: ثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: ثَنَا جَامِعُ بْنُ شَدَّادٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَلْقَمَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ، يَقُولُ: لَمَّا أَقْبَلْنَا مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ أَعْرَسْنَا فَنِمْنَا، فَلَمْ نَسْتَيْقِظْ إِلَّا بِالشَّمْسِ قَدْ طَلَعَتْ، فَاسْتَيْقَظْنَا وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ نَائِمٌ، قَالَ: فَقُلْنَا أَيْقِظُوهُ، فَاسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: «افْعَلُوا كَمَا كُنْتُمْ تَفْعَلُونَ، فَكَذَلِكَ مَنْ نَامَ أَوْ نَسِيَ» قَالَ: وَفَقَدْنَا نَاقَةَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَوَجَدْنَاهَا قَدْ تَعَلَّقَ خِطَامُهَا بِشَجَرَةٍ، فَأَتَيْتُهُ بِهَا، فَرَكِبَ فَبَيْنَا نَحْنُ نَسِيرُ، إِذْ أَتَاهُ الْوَحْي، قَالَ: وَكَانَ إِذَا أَتَاهُ اشْتَدَّ عَلَيْهِ؛ فَلَمَّا سُرِّيَ عَنْهُ أَخْبَرَنَا أَنَّهُ أُنْزِلَ عَلَيْهِ: ﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا﴾ [الفتح: ١]
٢١ / ٢٣٩
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمِقْدَامِ، قَالَ: ثَنَا الْمُعْتَمِرُ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: لَمَّا رَجَعْنَا مِنْ غَزْوَةِ الْحُدَيْبِيَةِ، وَقَدْ حِيلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ ⦗٢٤٠⦘ نُسُكِنَا، قَالَ: فَنَحْنُ بَيْنَ الْحُزْنِ وَالْكَآبَةِ، قَالَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل: ﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ، وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ، وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا﴾ [الفتح: ٢] أَوْ كَمَا شَاءَ اللَّهُ، فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ: «لَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيَّ آيَةٌ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا جَمِيعًا»
٢١ / ٢٣٩
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا﴾ [الفتح: ١] قَالَ: نَزَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ مَرْجِعَهُ مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَقَدْ حِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ نُسُكِهِمْ، فَنَحَرَ الْهَدْي بِالْحُدَيْبِيَةِ، وَأَصْحَابُهُ مُخَالِطُو الْكَآبَةِ وَالْحَزَنِ، فَقَالَ: «لَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيَّ آيَةٌ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا جَمِيعًا»، فَقَرَأَ ﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ﴾ [الفتح: ٢] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿عَزِيزًا﴾ [النساء: ٥٦] فَقَالَ أَصْحَابُهُ هَنِيئًا لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ بَيَّنَ اللَّهُ لَنَا مَاذَا يَفْعَلُ بِكَ، فَمَاذَا يَفْعَلُ بِنَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ بَعْدَهَا ﴿لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا﴾ [الفتح: ٥] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الفتح: ٥] حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: ثَنَا هَمَّامٌ، قَالَ: ثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ ⦗٢٤١⦘ حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ بِنَحْوِهِ، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ فِي حَدِيثِهِ: فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: هَنِيئًا لَكَ مَرِيئًا يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَقَالَ أَيْضًا: فَبَيَّنَ اللَّهُ مَاذَا يَفْعَلُ بِنَبِيِّهِ عليه الصلاة والسلام، وَمَاذَا يَفْعَلُ بِهِمْ
٢١ / ٢٤٠
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: نَزَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ ﴿لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ﴾ [الفتح: ٢] مَرْجِعَهُ مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «لَقَدْ نَزَلَتْ عَلَيَّ آيَةٌ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا عَلَى الْأَرْضِ»، ثُمَّ قَرَأَهَا عَلَيْهِمْ، فَقَالُوا: هَنِيئًا مَرِيئًا يَا نَبِيَّ اللَّهِ، قَدْ بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لَكَ مَاذَا يَفْعَلُ بِكَ، فَمَاذَا يَفْعَلُ بِنَا؟ فَنَزَلَتْ عَلَيْهِ: ﴿لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾ [الفتح: ٥] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [النساء: ٧٣]
٢١ / ٢٤١
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، وَابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَا: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: «لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ ﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ، وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا﴾ [الفتح: ٢] قَالُوا: هَنِيئًا مَرِيئًا لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَمَاذَا لَنَا؟ فَنَزَلَتْ ﴿لِيَدْخُلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ﴾ [الفتح: ٥]»
٢١ / ٢٤١
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَنَسٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا﴾ [الفتح: ١] قَالَ: «الْحُدَيْبِيَةُ»
٢١ / ٢٤٢
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: «مَا كُنَّا نَعُدُّ فَتْحَ مَكَّةَ إِلَّا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ»
٢١ / ٢٤٢
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ سِيَاهٍ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، قَالَ: تَكَلَّمَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ يَوْمَ صِفِّينَ، فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّهِمُوا أَنْفُسَكُمْ، لَقَدْ رَأَيْتُنَا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ، يَعْنِي الصُّلْحَ الَّذِي كَانَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَبَيْنَ الْمُشْرِكِينَ، وَلَوْ نَرَى قِتَالًا لَقَاتَلْنَا، فَجَاءَ عُمَرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَسْنَا عَلَى حَقٍّ وَهُمْ عَلَى بَاطِلٍ؟ أَلَيْسَ قَتْلَانَا فِي الْجَنَّةِ وَقَتْلَاهُمْ فِي النَّارِ؟ قَالَ: «بَلَى»، قَالَ: فَفِيمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا، وَنَرْجِعُ وَلَمَّا يَحْكُمِ اللَّهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ؟ فَقَالَ: «يَا ابْنَ الْخَطَّابِ، إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ، وَلَنْ يُضَيِّعَنِي أَبَدًا»، قَالَ: فَرَجَعَ وَهُوَ مُتَغَيِّظٌ، فَلَمْ يَصْبِرْ حَتَّى أَتَى أَبَا بَكْرٍ، فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ أَلَسْنَا عَلَى حَقٍّ وَهُمْ عَلَى بَاطِلٍ؟ أَلَيْسَ قَتْلَانَا فِي الْجَنَّةِ، وَقَتْلَاهُمْ فِي النَّارِ؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ: فَفِيمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا، وَنَرْجِعُ وَلَمَّا يَحْكُمِ اللَّهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ؟ فَقَالَ: يَا ابْنَ الْخَطَّابِ إِنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ، لَنْ يُضَيِّعَهُ اللَّهُ أَبْدًا، قَالَ: فَنَزَلَتْ سُورَةُ الْفَتْحِ، ⦗٢٤٣⦘ فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِلَى عُمَرَ، فَأَقْرَأَهُ إِيَّاهَا، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَوَفَتْحُ هُوَ؟ قَالَ: «نَعَمْ»
٢١ / ٢٤٢
حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمَسْعُودِيُّ، قَالَ: ثَنَا أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: «مَا كُنَّا نَعُدُّ الْفَتْحَ إِلَّا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ»
٢١ / ٢٤٣
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا أَبِي، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ، قَالَ: «تَعُدُّونَ أَنْتُمُ الْفَتْحَ فَتْحَ مَكَّةَ، وَقَدْ كَانَ فَتْحُ مَكَّةَ فَتْحًا، وَنَحْنُ نَعُدُّ الْفَتْحَ بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ، كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ خَمْسَ عَشْرَةَ مِئَةً، وَالْحُدَيْبِيَةُ: بِئْرٌ»
٢١ / ٢٤٣
حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ سَهْلِ الرَّمْلِيُّ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، قَالَ: ثَنَا مُجَمِّعُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَنْصَارِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ، عَنْ عَمِّهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَمِّهِ مُجَمِّعِ بْنِ جَارِيَةَ الْأَنْصَارِيِّ، وَكَانَ أَحَدُ الْقُرَّاءِ الَّذِينَ قَرَأُوا الْقُرْآنَ، قَالَ: شَهِدْنَا الْحُدَيْبِيَةَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَلَمَّا انْصَرَفْنَا عَنْهَا، إِذَا النَّاسُ يَهُزُّونَ الْأَبَاعِرَ، فَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ لِبَعْضٍ: مَا لِلنَّاسِ؟ قَالُوا: أُوحِيَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ ﴿إِنَّا فَتَحْنَا ⦗٢٤٤⦘ لَكَ فَتْحًا مُبِينًا لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ﴾ [الفتح: ٢] فَقَالَ رَجُلٌ: أَوَ فَتْحٌ هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «نَعَمْ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهُ لَفَتْحٌ»، قَالَ: فَقُسِمَتْ خَيْبَرُ عَلَى أَهْلِ الْحُدَيْبِيَةِ، لَمْ يَدْخُلْ مَعَهُمْ فِيهَا أَحَدٌ إِلَّا مَنْ شَهِدَ الْحُدَيْبِيَةَ، وَكَانَ الْجَيْشُ أَلْفًا وَخَمْسَ مِائَةٍ، فِيهِمْ ثَلَاثُ مِئَةِ فَارِسٍ، فَقَسَمَهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَهْمًا، فَأَعْطَى الْفَارِسَ سَهْمَيْنِ، وَأَعْطَى الرَّاجِلَ سَهْمًا
٢١ / ٢٤٣
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: «نَزَلَتْ ﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا﴾ [الفتح: ١] بِالْحُدَيْبِيَةِ، وَأَصَابَ فِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ مَا لَمْ يُصِبْهُ فِي غَزْوَةٍ، أَصَابَ أَنْ بُويِعَ بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ، وَغُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، وَظَهَرَتِ الرُّومُ عَلَى فَارِسَ، وَبَلَغَ الْهَدْي مَحِلَّهُ، وَأُطْعِمُوا نَخْلَ خَيْبَرَ، وَفَرِحَ الْمُؤْمِنُونَ بِتَصْدِيقِ النَّبِيِّ ﷺ، وَبِظُهُورِ الرُّومِ عَلَى فَارِسَ»
٢١ / ٢٤٤
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ﴾ [يوسف: ٦] بِإِظْهَارِهِ إِيَّاكَ عَلَى عَدُوِّكَ، وَرَفْعِهِ ذِكْرَكَ فِي الدُّنْيَا، وَغُفْرَانِهِ ذُنُوبَكَ فِي الْآخِرَةِ ﴿وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا﴾ [الفتح: ٢]⦗٢٤٥⦘ يَقُولُ: وَيُرْشِدُكَ طَرِيقًا مِنَ الدِّينِ لَا اعْوِجَاجَ فِيهِ يَسْتَقِيمُ بِكَ إِلَى رِضَا رَبِّكَ ﴿وَيَنصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا﴾ [الفتح: ٣] يَقُولُ: وَيَنْصُرُكَ عَلَى سَائِرِ أَعْدَائِكَ، وَمَنْ نَاوَأَكَ نَصْرًا لَا يَغْلِبُهُ غَالِبٌ، وَلَا يَدْفَعُهُ دَافِعٌ، لِلْبَأْسِ الَّذِي يُؤَيِّدُكَ اللَّهُ بِهِ، وَبِالظَّفَرِ الَّذِي يُمِدُّكَ بِهِ
٢١ / ٢٤٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ يَعْنِي جَلَّ ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الفتح: ٤] اللَّهُ أَنْزَلَ السُّكُونَ وَالطُّمَأْنِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الْإِيمَانِ، وَالْحَقِّ الَّذِي بَعَثَكَ اللَّهُ بِهِ يَا مُحَمَّدُ وَقَدْ مَضَى ذِكْرُ اخْتِلَافِ أَهْلِ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى السَّكِينَةِ قَبْلُ، وَالصَّحِيحُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ بِالشَّوَاهِدِ الْمُغْنِيَةِ، عَنْ إِعَادَتِهَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ ﴿لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ﴾ [الفتح: ٤] يَقُولُ: لِيَزْدَادُوا بِتَصْدِيقِهِمْ بِمَا جَدَّدَ اللَّهُ مِنَ الْفَرَائِضِ الَّتِي أَلْزَمَهُمُوهَا، الَّتِي لَمْ تَكُنْ لَهُمْ لَازِمَةٌ ﴿إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ﴾ [الفتح: ٤] يَقُولُ: لِيَزْدَادُوا إِلَى إِيمَانِهِمْ بِالْفَرَائِضِ الَّتِي كَانَتْ لَهُمْ لَازِمَةٌ قَبْلَ ذَلِكَ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢١ / ٢٤٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ⦗٢٤٦⦘ فِي قَوْلِهِ: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الفتح: ٤] قَالَ: «السَّكِينَةُ: الرَّحْمَةُ» ﴿لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ﴾ [الفتح: ٤] قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بَعَثَ نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا ﷺ بِشَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَلَمَّا صَدَّقُوا بِهَا زَادَهُمُ الصَّلَاةَ، فَلَمَّا صَدَّقُوا بِهَا زَادَهُمُ الصِّيَامَ، فَلَمَّا صَدَّقُوا بِهِ زَادَهُمُ الزَّكَاةَ، فَلَمَّا صَدَّقُوا بِهَا زَادَهُمُ الْحَجَّ، ثُمَّ أَكْمَلَ لَهُمْ دِينَهُمْ»، فَقَالَ ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي﴾ [المائدة: ٣] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «فَأَوْثَقُ إِيمَانِ أَهْلِ الْأَرْضِ وَأَهْلِ السَّمَاوَاتِ وَأَصْدَقُهُ وَأَكْمَلُهُ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ»
٢١ / ٢٤٥
وَقَوْلُهُ: ﴿وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، أَنْصَارٌ يَنْتَقِمُ بِهِمْ مِمَّنْ يَشَاءُ مِنْ أَعْدَائِهِ ﴿وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ [النساء: ١٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَمْ يَزَلِ اللَّهُ ذَا عِلْمٍ بِمَا هُوَ كَائِنٌ قَبْلَ كَوْنِهِ، وَمَا خَلْقُهُ عَامِلُوهُ، حَكِيمًا فِي تَدْبِيرِهِ
٢١ / ٢٤٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرْ عَنْهُمْ سَيِّآتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِندَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا، لِتَشْكُرَ رَبَكَ، وَتَحْمَدَهُ عَلَى ذَلِكَ، فَيَغْفِرَ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ، وَلِيَحْمَدْ رَبَّهُمُ الْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ، وَيَشْكُرُوهُ عَلَى إِنْعَامِهِ عَلَيْهِمْ بِمَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِمْ مِنَ الْفَتْحِ الَّذِي فَتَحَهُ، وَقَضَاهُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَعْدَائِهِمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، بِإِظْهَارِهِ إِيَّاهُمْ عَلَيْهِمْ، فَيُدْخِلْهُمْ بِذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ،
٢١ / ٢٤٦
مَاكِثِينَ فِيهَا إِلَى غَيْرِ نِهَايَةٍ وَلْيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَ أَعْمَالِهِمْ بِالْحَسَنَاتِ الَّتِي يَعْمَلُونَهَا شُكْرًا مِنْهُمْ لِرَبِّهِمْ عَلَى مَا قَضَى لَهُمْ، وَأَنْعَمَ عَلَيْهِمْ بِهِ ﴿وَكَانَ ذَلِكَ عِندَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الفتح: ٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَكَانَ مَا وَعَدَهُمُ اللَّهُ بِهِ مِنْ هَذِهِ الْعِدَةِ، وَذَلِكَ إِدْخَالُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ، وَتَكْفِيرُهُ سَيِّئَاتِهِمْ بِحَسَنَاتِ أَعْمَالِهِمُ الَّتِي يَعْمَلُونَهَا عِنْدَ اللَّهِ لَهُمْ ﴿فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [النساء: ٧٣] يَقُولُ: ظَفَرًا مِنْهُمْ بِمَا كَانُوا تَأَمَّلُوهُ وَيَسْعَوْنَ لَهُ، وَنَجَاةً مِمَّا كَانُوا يَحْذَرُونَهُ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ عَظِيمًا وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ الرِّوَايَةِ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ لَمَّا قَالَ الْمُؤْمِنُونَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ، أَوْ تَلَا عَلَيْهِمْ قَوْلَ اللَّهِ عز وجل ﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ﴾ [الفتح: ٢] هَذَا لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَمَاذَا لَنَا؟ تَبْيِينًا مِنَ اللَّهِ لَهُمْ مَا هُوَ فَاعِلٌ بِهِمْ
٢١ / ٢٤٧
حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾ [الفتح: ٥] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَيُكَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ﴾ [الفتح: ٥] «فَأَعْلَمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ نَبِيَّهُ عليه الصلاة والسلام»
٢١ / ٢٤٧
وَقَوْلُهُ: ﴿لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ﴾ [الفتح: ٥] عَلَى اللَّامِ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ﴾ [الفتح: ٢] بِتَأْوِيلِ تَكْرِيرِ الْكَلَامِ ﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ﴾ [الفتح: ٢] إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ، وَلِذَلِكَ لَمْ تَدْخُلِ الْوَاوُ الَّتِي تَدْخُلُ فِي الْكَلَامِ لِلْعَطْفِ، فَلَمْ يَقُلْ: وَلْيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ
٢١ / ٢٤٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ وَلِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ، وَلِيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ، بِفَتْحِ اللَّهِ لَكَ يَا مُحَمَّدُ، مَا فَتَحَ لَكَ مِنْ نَصْرِكَ عَلَى مُشْرِكِي قُرَيْشٍ، فَيُكْبَتُوا لِذَلِكَ وَيَحْزَنُوا، وَيَخِيبُ رَجَاؤُهُمُ الَّذِي كَانُوا يَرْجُونَ مِنْ رُؤْيَتِهِمْ فِي أَهْلِ الْإِيمَانِ بِكَ مِنَ الضَّعْفِ وَالْوَهَنِ وَالتَّوَلِّي عَنْكَ فِي عَاجِلِ الدُّنْيَا، وَصِلِيِّ النَّارِ وَالْخُلُودِ فِيهَا فِي آجِلِ الْآخِرَةِ ﴿وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ﴾ [الأحزاب: ٧٣] يَقُولُ: وَلِيُعَذِّبَ كَذَلِكَ أَيْضًا الْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ ﴿الظَّانِّينَ بِاللَّهِ﴾ [الفتح: ٦] أَنَّهُ لَنْ يَنْصُرَكَ وَأَهْلَ الْإِيمَانِ بِكَ عَلَى أَعْدَائِكَ، وَلَنْ يُظْهِرَ كَلِمَتَهُ فَيَجْعَلَهَا الْعُلْيَا عَلَى كَلِمَةِ الْكَافِرِينَ بِهِ، وَذَلِكَ كَانَ السُّوءُ مِنْ ظُنُونِهِمُ الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: عَلَى الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ، وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الَّذِينَ ظَنُّوا هَذَا الظَّنَّ دَائِرَةُ السَّوْءِ، يَعْنِي دَائِرَةَ الْعَذَابِ تَدُورُ عَلَيْهِمْ بِهِ وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ ﴿دَائِرَةُ السَّوْءِ﴾ [التوبة: ٩٨] بِفَتْحِ السِّينِ وَقَرَأَ بَعْضُ قُرَّاءِ الْبَصْرَةِ (دَائِرَةُ السُّوءِ) بِضَمِّ السِّينِ
٢١ / ٢٤٨
وَكَانَ الْفَرَّاءُ يَقُولُ: الْفَتْحُ أَفْشَى فِي السِّينِ؛ قَالَ: وَقَلَّمَا تَقُولُ الْعَرَبُ دَائِرَةُ السُّوءِ بِضَمِّ السِّينِ، وَالْفَتْحُ فِي السِّينِ أَعْجَبُ إِلَيَّ مِنَ الضَّمِّ، لِأَنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ: هُوَ رَجُلٌ سَوْءٍ، بِفَتْحِ السِّينِ؛ وَلَا تَقُولُ: هُوَ رَجُلُ سُوءٍ
٢١ / ٢٤٩
وَقَوْلُهُ: ﴿وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ﴾ [الفتح: ٦] يَقُولُ: وَنَالَهُمُ اللَّهُ بِغَضَبٍ مِنْهُ، وَلَعَنَهُمْ: يَقُولُ: وَأَبْعَدَهُمْ فَأَقْصَاهُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ ﴿وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ﴾ [الفتح: ٦] يَقُولُ: وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴿وَسَاءتْ مَصِيرًا﴾ [النساء: ٩٧] يَقُولُ: وَسَاءَتْ جَهَنَّمَ مَنْزِلًا يَصِيرُ إِلَيْهِ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ، وَالْمُشْرِكُونَ وَالْمُشْرِكَاتُ
٢١ / ٢٤٩
وَقَوْلُهُ: ﴿وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْصَارًا عَلَى أَعْدَائِهِ، إِنْ أَمَرَهُمْ بِإِهْلَاكِهِمْ أَهْلَكُوهُمْ، وَسَارَعُوا إِلَى ذَلِكَ بِالطَّاعَةِ مِنْهُمْ لَهُ ﴿وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا﴾ [النساء: ١٥٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَمْ يَزَلِ اللَّهُ ذَا عِزَّةٍ، لَا يَغْلِبُهُ غَالِبٌ، وَلَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ مِمَّا أَرَادَهُ بِهِ مُمْتَنِعٌ، لِعِظَمِ سُلْطَانِهِ وَقُدْرَتِهِ، حَكِيمٌ فِي تَدْبِيرِهِ خَلْقَهُ
٢١ / ٢٤٩
﴿إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا﴾ [الفتح: ٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ﴾ [البقرة: ١١٩] يَا مُحَمَّدُ ﴿شَاهِدًا﴾ [الأحزاب: ٤٥] عَلَى أُمَّتِكَ بِمَا أَجَابُوكَ فِيمَا دَعْوَتَهُمْ إِلَيْهِ، مِمَّا أَرْسَلْتُكَ بِهِ إِلَيْهِمْ مِنَ الرِّسَالَةِ، ﴿وَمُبَشِّرًا﴾ [الأحزاب: ٤٥] لَهُمْ بِالْجَنَّةِ إِنْ أَجَابُوكَ إِلَى مَا دَعَوْتَهُمْ إِلَيْهِ مِنَ الدِّينِ الْقَيِّمِ، وَنَذِيرًا لَهُمْ عَذَابَ اللَّهِ إِنْ هُمْ تَوَلَّوْا عَمَّا
٢١ / ٢٤٩
جِئْتَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ رَبِّكَ. ثُمَّ اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ﴾ [الفتح: ٩] فَقَرَأَ جَمِيعَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ خَلَا أَبِي جَعْفَرٍ الْمَدَنِيِّ وَأَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ، بِالتَّاءِ ﴿لِتُؤْمِنُوا﴾ [الفتح: ٩]، ﴿وَتُعَزِّرُوهُ، وَتُوَقِّرُوهُ، وَتُسَبِّحُوهُ﴾ [الفتح: ٩] بِمَعْنَى: لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ أَنْتُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَقَرَأَ ذَلِكَ أَبُو جَعْفَرٍ وَأَبُو عَمْرٍو كُلَّهُ بِالْيَاءِ: (لِيُؤْمِنُوا) . (وَيُعَزِّرُوهُ وَيُوَقِّرُوهُ وَيُسَبِّحُوهُ) بِمَعْنَى: إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا إِلَى الْخَلْقِ لِيُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَيُعَزِّرُوهُ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ صَحِيحَتَا الْمَعْنَى، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢١ / ٢٥٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا﴾ [الأحزاب: ٤٥] يَقُولُ: «شَاهِدًا عَلَى أُمَّتِهِ عَلَى أَنَّهُ قَدْ بَلَّغَهُمْ وَمُبَشِّرًا بِالْجَنَّةِ لِمَنْ أَطَاعَ اللَّهَ، وَنَذِيرًا مِنَ النَّارِ»
٢١ / ٢٥٠
وَقَوْلُهُ: ﴿وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ﴾ [الفتح: ٩] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِهِ، فَقَالَ ⦗٢٥١⦘ بَعْضُهُمْ: تُجِلُّوهُ، وَتُعَظِّمُوهُ
٢١ / ٢٥٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ﴿وَتُعَزِّرُوهُ﴾ [الفتح: ٩] يَعْنِي: «الْإِجْلَالَ» ﴿وَتُوَقِّرُوهُ﴾ [الفتح: ٩] يَعْنِي: «التَّعْظِيمَ»
٢١ / ٢٥١
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ﴾ [الفتح: ٩] «كُلُّ هَذَا تَعْظِيمٌ وَإِجْلَالٌ» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿وَتُعَزِّرُوهُ﴾ [الفتح: ٩] وَيَنْصُرُوهُ، وَمَعْنَى ﴿وَتُوَقِّرُوهُ﴾ [الفتح: ٩] وَيُفَخِّمُوهُ
٢١ / ٢٥١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿وَتُعَزِّرُوهُ﴾ [الفتح: ٩] يَنْصُرُوهُ ﴿وَتُوَقِّرُوهُ﴾ [الفتح: ٩] «أَمَرَ اللَّهُ بِتَسْوِيدِهِ وَتَفْخِيمِهِ»
٢١ / ٢٥١
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَتُعَزِّرُوهُ﴾ [الفتح: ٩] قَالَ: «يَنْصُرُوهُ، ﴿وَتُوَقِّرُوهُ﴾ [الفتح: ٩]: أَيْ لِيُعَظِّمُوهُ»
٢١ / ٢٥١
حَدَّثَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ الضُّبَعِيُّ، قَالَ: ثَنَا حَرَمِيُّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي وَحْشِيَّةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، ﴿وَتُعَزِّرُوهُ﴾ [الفتح: ٩] قَالَ: «يُقَاتِلُونَ مَعَهُ بِالسَّيْفِ» حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثَنِي هُشَيْمُ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، مِثْلَهُ حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ الْوَلِيدِ، قَالَ: ثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، بِنَحْوِهِ حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا يَحْيَى وَمُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَا: ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، مِثْلَهُ وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَيُعَظِّمُوهُ
٢١ / ٢٥٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ﴾ [الفتح: ٩] قَالَ: «الطَّاعَةُ لِلَّهِ» وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ مُتَقَارِبَاتُ الْمَعْنَى، وَإِنِ اخْتَلَفَتْ أَلْفَاظُ أَهْلِهَا بِهَا وَمَعْنَى التَّعْزِيرِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: التَّقْوِيَةُ بِالنُّصْرَةِ وَالْمَعُونَةِ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إِلَّا بِالطَّاعَةِ وَالتَّعْظِيمِ وَالْإِجْلَالِ وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى ذَلِكَ بِشَوَاهِدِهِ فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا ⦗٢٥٣⦘ الْمَوْضِعِ فَأَمَّا التَّوْقِيرُ: فَهُوَ التَّعْظِيمُ وَالْإِجْلَالُ وَالتَّفْخِيمُ
٢١ / ٢٥٢
وَقَوْلُهُ: ﴿وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا﴾ [الفتح: ٩] يَقُولُ: وَتُصَلُّوا لَهُ يَعْنِي لِلَّهِ بِالْغَدَوَاتِ وَالْعَشِيَّاتِ وَالْهَاءُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَتُسَبِّحُوهُ﴾ [الفتح: ٩] مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَحْدَهُ دُونَ الرَّسُولِ وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي بَعْضِ الْقِرَاءَاتِ: «وَيُسَبِّحُوا اللَّهَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا» وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢١ / ٢٥٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، «(وَيُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا) فِي بَعْضِ الْقِرَاءَةِ» وَيُسَبِّحُوا اللَّهَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا “
٢١ / ٢٥٣
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ فِي بَعْضِ الْحُرُوفِ «وَيُسَبِّحُوا اللَّهَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا»
٢١ / ٢٥٣
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: “(وَيُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا) يَقُولُ: «يُسَبِّحُونَ اللَّهَ رَجَعَ إِلَى نَفْسِهِ»
٢١ / ٢٥٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ [الفتح: ١٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ﴾ [الفتح: ١٠] بِالْحُدَيْبِيَةِ مِنْ أَصْحَابِكَ عَلَى أَنْ لَا يَفِرُّوا عِنْدَ لِقَاءِ الْعَدُوِّ، وَلَا يُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ ﴿إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ﴾ [الفتح: ١٠] يَقُولُ: إِنَّمَا يُبَايِعُونَ بِبَيْعَتِهِمْ إِيَّاكَ اللَّهَ، لِأَنَّ اللَّهَ ضَمِنَ لَهُمُ الْجَنَّةَ بِوَفَائِهِمْ لَهُ بِذَلِكَ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢١ / ٢٥٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ﴾ [الفتح: ١٠] قَالَ: «يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ»
٢١ / ٢٥٤
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ﴾ [الفتح: ١٠] «وَهُمُ الَّذِينَ بَايَعُوا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ»
٢١ / ٢٥٤
وَفِي قَوْلِهِ: ﴿يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ﴾ [الفتح: ١٠] وَجْهَانِ مِنَ التَّأْوِيلِ: أَحَدُهُمَا: يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ عِنْدَ الْبَيْعَةِ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُبَايِعُونَ اللَّهَ بِبَيْعَتِهِمْ نَبِيَّهُ ﷺ؛ وَالْآخَرُ: قُوَّةُ اللَّهِ ⦗٢٥٥⦘ فَوْقَ قُوَّتِهِمْ فِي نُصْرَةِ رَسُولِهِ ﷺ، لِأَنَّهُمْ إِنَّمَا بَايَعُوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَلَى نُصْرَتِهِ عَلَى الْعَدُوِّ
٢١ / ٢٥٤
وَقَوْلُهُ: ﴿فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ﴾ [الفتح: ١٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَمَنْ نَكَثَ بَيْعَتَهُ إِيَّاكَ يَا مُحَمَّدُ، وَنَقَضَهَا فَلَمْ يَنْصُرْكَ عَلَى أَعْدَائِكَ، وَخَالَفَ مَا وَعَدَ رَبَّهُ ﴿فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ﴾ [الفتح: ١٠] يَقُولُ: فَإِنَّمَا يَنْقُضُ بَيْعَتَهُ، لِأَنَّهُ بِفِعْلِهِ ذَلِكَ يَخْرُجُ مِمَّنْ وَعَدَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ بِوَفَائِهِ بِالْبَيْعَةِ، فَلَمْ يَضُرَّ بِنُكْثِهِ غَيْرَ نَفْسِهِ، وَلَمْ يَنْكُثْ إِلَّا عَلَيْهَا، فَأَمَّا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَإِنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى نَاصِرُهُ عَلَى أَعْدَائِهِ، نَكَثَ النَّاكِثُ مِنْهُمْ، أَوْ وَفَّى بِبَيْعَتِهِ
٢١ / ٢٥٥
وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ﴾ [الفتح: ١٠] الْآيَةَ، يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ اللَّهَ عَلَيْهِ مِنَ الصَّبْرِ عِنْدَ لِقَاءِ الْعَدُوِّ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَنُصْرَةِ نَبِيِّهِ ﷺ عَلَى أَعْدَائِهِ ﴿فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ [الفتح: ١٠] يَقُولُ: فَسَيُعْطِيهِ اللَّهُ ثَوَابًا عَظِيمًا، وَذَلِكَ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ جَزَاءً لَهُ عَلَى وَفَائِهِ بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهِ اللَّهَ، وَوَثَّقَ لِرَسُولِهِ عَلَى الصَّبْرِ مَعَهُ عِنْدَ الْبَأْسِ بِالْمُؤَكَّدَةِ مِنَ الْأَيْمَانِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢١ / ٢٥٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ [الفتح: ١٠] «وَهِيَ الْجَنَّةُ»
٢١ / ٢٥٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا﴾ [الفتح: ١١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: سَيَقُولُ لَكَ يَا مُحَمَّدُ الَّذِينَ خَلَّفَهُمُ اللَّهُ فِي أَهْلِيهِمْ عَنْ صُحْبَتِكَ وَالْخُرُوجِ مَعَكَ فِي سَفَرِكَ الَّذِي سَافَرْتَ، وَمَسِيرِكَ الَّذِي سِرْتَ إِلَى مَكَّةَ مُعْتَمِرًا زَائِرًا بَيْتَ اللَّهِ الْحَرَامَ إِذَا انْصَرَفْتَ إِلَيْهِمْ، فَعَاتَبْتَهُمْ عَلَى التَّخَلُّفِ عَنْكَ، شَغَلَتْنَا عَنِ الْخُرُوجِ مَعَكَ مُعَالَجَةُ أَمْوَالِنَا، وَإِصْلَاحُ مَعَايِشِنَا وَأَهْلُونَا، فَاسْتَغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا لِتَخَلُّفِنَا عَنْكَ قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ مُكَذِّبَهُمْ فِي قِيلِهِمْ ذَلِكَ: يَقُولُ هَؤُلَاءِ الْأَعْرَابُ الْمُخَلَّفُونَ عَنْكَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ، وَذَلِكَ مَسْأَلَتُهُمْ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ الِاسْتِغْفَارَ لَهُمْ، يَقُولُ: يَسْأَلُونَهُ بِغَيْرِ تَوْبَةٍ مِنْهُمْ وَلَا نَدَمٍ عَلَى مَا سَلَفَ مِنْهُمْ مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ فِي تَخَلُّفِهِمْ عَنْ صُحْبَةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَالْمَسِيرِ مَعَهُ ﴿قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا﴾ [الفتح: ١١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ: قُلْ لِهَؤُلَاءِ الْأَعْرَابِ الَّذِينَ يَسْأَلُونَكَ أَنْ تَسْتَغْفِرَ لَهُمْ لِتَخَلُّفِهِمْ عَنْكَ: إِنْ أَنَا اسْتَغْفَرْتُ لَكُمْ أَيُّهَا الْقَوْمُ، ثُمَّ أَرَادَ اللَّهُ هَلَاكَكُمْ أَوْ هَلَاكَ أَمْوَالِكُمْ وَأَهْلِيكُمْ، أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا بِتَثْمِيرِهِ أَمْوَالَكُمْ وَإِصْلَاحِهِ لَكُمْ أَهْلِيكُمْ، فَمَنْ ذَا الَّذِي يَقْدِرُ عَلَى دَفْعِ مَا أَرَادَ اللَّهُ بِكُمْ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ، وَاللَّهُ لَا يَعَازُّهُ أَحَدٌ، وَلَا يُغَالِبُهُ غَالِبٌ
٢١ / ٢٥٦
وَقَوْلُهُ: ﴿بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا﴾ [الفتح: ١١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: مَا الْأَمْرُ كَمَا يَظُنُّ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ مَا هُمْ عَلَيْهَا مُنْطَوُونَ مِنَ
٢١ / ٢٥٦
النِّفَاقِ، بَلْ لَمْ يَزَلِ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ خَبِيرًا، لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ أَعْمَالِ خَلْقِهِ، سِرِّهَا وَعَلَانِيَتِهَا، وَهُوَ مُحْصِيهَا عَلَيْهِمْ حَتَّى يُجَازِيَهُمْ بِهَا، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِيمَا ذُكِرَ عَنْهُ حِينَ أَرَادَ الْمَسِيرَ إِلَى مَكَّةَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ مُعْتَمِرًا اسْتَنْفَرَ الْعَرَبَ وَمَنْ حَوْلَ مَدِينَتِهِ مِنْ أَهْلِ الْبَوَادِي وَالْأَعْرَابِ لِيَخْرُجُوا مَعَهُ حَذَرًا مِنْ قَوْمِهِ قُرَيْشٍ أَنْ يَعْرِضُوا لَهُ الْحَرْبَ، أَوْ يَصُدُّوهُ عَنِ الْبَيْتِ، وَأَحْرَمَ هُوَ ﷺ بِالْعُمْرَةِ، وَسَاقَ مَعَهُ الْهَدْيَ، لِيُعْلِمَ النَّاسَ أَنَّهُ لَا يُرِيدُ حَرْبًا، فَتَثَاقَلَ عَنْهُ كَثِيرٌ مِنَ الْأَعْرَابِ، وَتَخَلَّفُوا خِلَافَهُ فَهُمُ الَّذِينَ عَنَى اللَّهُ تبارك وتعالى بِقَوْلِهِ: ﴿سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا﴾ [الفتح: ١١] الْآيَةَ وَكَالَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِسِيَرِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَمَغَازِيهِ، مِنْهُمُ ابْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ بِذَلِكَ
٢١ / ٢٥٧
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا﴾ [الفتح: ١١] قَالَ: «أَعْرَابُ الْمَدِينَةِ: جُهَيْنَةُ وَمُزَيْنَةُ، اسْتَتْبَعَهُمْ لِخُرُوجِهِ إِلَى مَكَّةَ، قَالُوا: نَذْهَبُ مَعَهُ إِلَى قَوْمٍ قَدْ جَاءُوهُ، فَقَتَلُوا أَصْحَابَهُ فَنُقَاتِلُهُمْ فَاعْتَلُّوا بِالشُّغْلِ» ⦗٢٥٨⦘ وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا﴾ [الفتح: ١١] فَقَرَأَتْهُ قُرَّاءُ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ وَبَعْضُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ ﴿ضَرًّا﴾ [المائدة: ٧٦] بِفَتْحِ الضَّادِ، بِمَعْنَى: الضُّرِّ الَّذِي هُوَ خِلَافُ النَّفْعِ وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفِيِّينَ (ضُرًّا) بِضَمِّ الضَّادِ، بِمَعْنَى الْبُؤْسِ وَالسَّقَمِ وَأَعْجَبُ الْقِرَاءَتَيْنِ إِلَيَّ الْفَتْحُ فِي الضَّادِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بِقَوْلِهِ: ﴿أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا﴾ [الفتح: ١١] فَمَعْلُومٌ أَنَّ خِلَافَ النَّفْعِ الضُّرَّ، وَإِنْ كَانَتِ الْأُخْرَى صَحِيحًا مَعْنَاهَا
٢١ / ٢٥٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا﴾ [الفتح: ١٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِهَؤُلَاءِ الْأَعْرَابِ الْمُعْتَذِرِينَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عِنْدَ مُنْصَرَفِهِ مِنْ سَفَرِهِ إِلَيْهِمْ بِقَوْلِهِمْ: ﴿شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا﴾ [الفتح: ١١] مَا تَخَلَّفْتُمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ حِينَ شَخَصَ عَنْكُمْ، وَقَعَدْتُمْ عَنْ صُحْبَتِهِ مِنْ أَجْلِ شُغْلِكُمْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَهْلِيكُمْ، بَلْ تَخَلَّفْتُمْ بَعْدَهُ فِي مَنَازِلِكُمْ، ظَنًّا مِنْكُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ سَيَهْلِكُونَ، فَلَا يَرْجِعُونَ إِلَيْكُمْ أَبْدًا بِاسْتِئْصَالِ الْعَدُوِّ إِيَّاهُمْ وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ، وَحَسَّنَ الشَّيْطَانُ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ، وَصَحَّحَهُ عِنْدَكُمْ حَتَّى حَسُنَ عِنْدَكُمُ التَّخَلُّفُ عَنْهُ، فَقَعَدْتُمْ عَنْ صُحْبَتِهِ ﴿وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوءِ﴾ [الفتح: ١٢] يَقُولُ: وَظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَنْ يَنْصُرَ مُحَمَّدًا ﷺ وَأَصْحَابَهُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى أَعْدَائِهِمْ، وَأَنَّ الْعَدُوَّ سَيَقْهَرُونَهُمْ وَيَغْلِبُونَهُمْ فَيَقْتُلُونَهُمْ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢١ / ٢٥٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: ﴿سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ﴾ [الفتح: ١١] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا﴾ [الفتح: ١٢] قَالَ: «ظَنُّوا بِنَبِيِّ اللَّهِ ﷺ وَأَصْحَابِهِ أَنَّهُمْ لَنْ يَرْجِعُوا مِنْ وُجْهِهِمْ ذَلِكَ، وَأَنَّهُمْ سَيَهْلِكُونَ، فَذَلِكَ الَّذِي خَلَّفَهُمْ عَنْ نَبِيِّ اللَّهِ ﷺ»
٢١ / ٢٥٩
وَقَوْلُهُ: ﴿وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا﴾ [الفتح: ١٢] يَقُولُ: وَكُنْتُمْ قَوْمًا هَلْكَى لَا يَصْلُحُونَ لِشَيْءٍ مِنَ الْخَبَرِ. وَقِيلَ: إِنَّ الْبُورَ فِي لُغَةِ أَذْرِعَاتٍ: الْفَاسِدُ؛ فَأَمَّا عِنْدَ الْعَرَبِ فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ وَمِنْهُ قَوْلُ أَبِي الدَّرْدَاءِ: «فَأَصْبَحَ مَا جَمَعُوا بُورًا أَيْ ذَاهِبًا قَدْ صَارَ بَاطِلًا لَا شَيْءَ مِنْهُ»؛ وَمِنْهُ قَوْلُ حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ:
لَا يَنْفَعُ الطُّولُ مِنْ نُوكِ الْقُلُوبِ وَقَدْ … يَهْدِي الْإِلَهُ سَبِيلَ الْمَعْشَرِ الْبُورِ
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
لَا يَنْفَعُ الطُّولُ مِنْ نُوكِ الْقُلُوبِ وَقَدْ … يَهْدِي الْإِلَهُ سَبِيلَ الْمَعْشَرِ الْبُورِ
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢١ / ٢٥٩
، ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: ﴿وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا﴾ [الفتح: ١٢] قَالَ: «فَاسِدِينَ»
٢١ / ٢٥٩
وَحَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا﴾ [الفتح: ١٢] قَالَ: «الْبُورُ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ مِنَ الْخَيْرِ شَيْءٌ»
٢١ / ٢٦٠
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ: ﴿وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا﴾ [الفتح: ١٢] قَالَ: «هَالِكِينَ»
٢١ / ٢٦٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيرًا وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِهَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ أَيُّهَا الْأَعْرَابُ بِاللَّهِ وَرَسُولُهُ مِنْكُمْ وَمِنْ غَيْرِكُمْ، فَيُصَدِّقُهُ عَلَى مَا أَخْبَرَ بِهِ، وَيُقِرُّ بِمَا جَاءَ بِهِ مِنَ الْحَقِّ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ، فَإِنَّا أَعْدَدْنَا لَهُمْ جَمِيعًا سَعِيرًا مِنَ النَّارِ تَسْتَعِرُ عَلَيْهِمْ فِي جَهَنَّمَ إِذَا وَرَدُوهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ يُقَالُ مِنْ ذَلِكَ: سَعَّرْتَ النَّارَ: إِذَا أَوْقَدْتُهَا، فَأَنَا أُسَعِّرُهَا سِعْرًا؛ وَيُقَالُ: سَعَّرْتُهَا أَيْضًا إِذَا حَرَّكْتُهَا وَإِنَّمَا قِيلَ لِلْمُسَعِّرِ مِسْعَرٌ، لِأَنَّهُ يُحَرِّكُ بِهِ النَّارَ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: إِنَّهُ لَمُسَعِّرُ حَرْبٍ: يُرَادُ بِهِ مُوقِدُهَا وَمُهَيِّجُهَا
٢١ / ٢٦٠
وَقَوْلُهُ: ﴿وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلِلَّهِ سُلْطَانُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، فَلَا أَحَدَ يَقْدِرُ أَيُّهَا الْمُنَافِقُونَ عَلَى دَفْعِهِ عَمَّا أَرَادَ بِكُمْ مِنْ تَعْذِيبٍ عَلَى نِفَاقِكُمْ إِنْ أَصْرَرْتُمْ عَلَيْهِ أَوْ مَنْعِهِ مِنْ عَفْوِهِ عَنْكُمْ إِنْ عَفَا، إِنْ أَنْتُمْ تُبْتُمْ مِنْ نِفَاقِكُمْ وَكُفْرِكُمْ، ⦗٢٦١⦘ وَهَذَا مِنَ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ حَثٌّ لِهَؤُلَاءِ الْأَعْرَابِ الْمُتَخَلِّفِينَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عَلَى التَّوْبَةِ وَالْمُرَاجَعَةِ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فِي طَاعَةِ رَسُولِهِ ﷺ، يَقُولُ لَهُمْ: بَادِرُوا بِالتَّوْبَةِ مِنْ تُخَلِّفِكُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَإِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ لِلتَّائِبِينَ ﴿وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [النساء: ٩٦] يَقُولُ: وَلَمْ يَزَلِ اللَّهُ ذَا عَفْو عَنْ عُقُوبَةِ التَّائِبِينَ إِلَيْهِ مِنْ ذُنُوبِهِمْ وَمَعَاصِيهِمْ مِنْ عِبَادِهِ، وَذَا رَحْمَةٍ بِهِمْ أَنْ يُعَاقِبَهُمْ عَلَى ذُنُوبِهِمْ بَعْدَ تَوْبَتِهِمْ مِنْهَا
٢١ / ٢٦٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُوا لَا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [الفتح: ١٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: سَيَقُولُ يَا مُحَمَّدُ الْمُخَلَّفُونَ فِي أَهْلِيهِمْ عَنْ صُحْبَتِكَ إِذَا سِرْتَ مُعْتَمِرًا تُرِيدُ بَيْتَ اللَّهِ الْحَرَامَ، إِذَا انْطَلَقْتَ أَنْتَ وَمَنْ صَحِبَكَ فِي سَفَرِكَ ذَلِكَ إِلَى مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَعَلَيْهِمْ مِنَ الْغَنِيمَةِ ﴿لِتَأْخُذُوهَا﴾ [الفتح: ١٥] وَذَلِكَ مَا كَانَ اللَّهُ وَعَدَ أَهْلَ الْحُدَيْبِيَةِ مِنْ غَنَائِمِ خَيْبَرَ ﴿ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ﴾ [الفتح: ١٥] إِلَى خَيْبَرَ، فَنَشْهَدَ مَعَكُمْ قِتَالَ أَهْلِهَا ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ﴾ [الفتح: ١٥] يَقُولُ: يُرِيدُونَ أَنْ يُغَيِّرُوا وَعْدَ اللَّهِ الَّذِي وَعَدَ أَهْلَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ جَعَلَ غَنَائِمَ خَيْبَرَ لَهُمْ، وَوَعَدَهُمْ ذَلِكَ عِوَضًا مِنْ غَنَائِمِ أَهْلِ مَكَّةَ إِذَا انْصَرَفُوا عَنْهُمْ عَلَى صُلْحٍ، وَلَمْ يُصِيبُوا مِنْهُمْ شَيْئًا وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢١ / ٢٦١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي ⦗٢٦٢⦘ الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «رَجَعَ، يَعْنِي رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنْ مَكَّةَ، فَوَعَدَهُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً، فَعُجِّلَتْ لَهُ خَيْبَرُ، فَقَالَ الْمُخَلَّفُونَ ﴿ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ﴾ [الفتح: ١٥] وَهِيَ الْمَغَانِمُ لِيَأْخُذُوهَا، الَّتِي قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا﴾ [الفتح: ١٥] وَعُرِضَ عَلَيْهِمْ قِتَالُ قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ»
٢١ / ٢٦١
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ رَجُلٍ، مِنْ أَصْحَابِهِ، عَنْ مِقْسَمٍ، قَالَ: «لَمَّا وَعَدَهُمُ اللَّهُ أَنْ يَفْتَحَ عَلَيْهِمْ خَيْبَرَ، وَكَانَ اللَّهُ قَدْ وَعَدَهَا مَنْ شَهِدَ الْحُدَيْبِيَةَ لَمْ يُعْطِ أَحَدًا غَيْرَهُمْ مِنْهَا شَيْئًا، فَلَمَّا عَلِمَ الْمُنَافِقُونَ أَنَّهَا الْغَنِيمَةُ قَالُوا: ﴿ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ﴾ [الفتح: ١٥] يَقُولُ: مَا وَعَدَهُمْ»
٢١ / ٢٦٢
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ﴾ [الفتح: ١٥] الْآيَةَ، «وَهُمُ الَّذِينَ تَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ» ذُكِرَ لَنَا أَنَّ الْمُشْرِكِينَ لَمَّا صَدُّوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيِ، قَالَ الْمِقْدَادُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، إِنَّا وَاللَّهِ لَا نَقُولُ كَالْمَلَأِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ قَالُوا لِنَبِيِّهِمْ: ﴿اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ﴾ وَلَكِنْ نَقُولُ: اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا مَعَكُمَا مُقَاتِلُونَ؛ فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ أَصْحَابُ نَبِيِّ اللَّهِ ﷺ تَبَايَعُوا عَلَى مَا قَالَ؛ فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ صَالَحَ قُرَيْشًا، وَرَجَعَ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ
٢١ / ٢٦٢
وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عَنَى بِقَوْلِهِ: ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ﴾ [الفتح: ١٥] إِرَادَتَهُمُ الْخُرُوجَ مَعَ نَبِيِّ اللَّهِ ﷺ فِي غَزْوِهِ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تبارك وتعالى ﴿فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِي عَدُوًّا﴾ [التوبة: ٨٣]
٢١ / ٢٦٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ﴾ [الفتح: ١٥] الْآيَةَ، «قَالَ اللَّهُ عز وجل حِينَ رَجَعَ مِنْ غَزْوِهِ»، ﴿فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِي عَدُوًّا﴾ [التوبة: ٨٣] الْآيَةَ «يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ: أَرَادُوا أَنْ يُغَيِّرُوا كَلَامَ اللَّهِ الَّذِي قَالَ لِنَبِيِّهِ ﷺ وَيَخْرُجُوا مَعَهُ، وَأَبَى اللَّهُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَنَبِيُّهُ ﷺ» وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ ابْنُ زَيْدٍ قَوْلٌ لَا وَجْهَ لَهُ، لِأَنَّ قَوْلَ اللَّهِ عز وجل ﴿فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِي عَدُوًّا﴾ [التوبة: ٨٣] إِنَّمَا نَزَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مُنْصَرَفَهُ مِنْ تَبُوكَ، وَعَنَى بِهِ الَّذِينَ تَخَلَّفُوا عَنْهُ حِينَ تَوَجَّهَ إِلَى تَبُوكَ لِغَزْوِ الرُّومِ، وَلَا اخْتِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِمَغَازِي رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّ تَبُوكَ كَانَتْ بَعْدَ فَتْحِ خَيْبَرَ وَبَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ أَيْضًا، فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ عَلَى مَا وَصَفْنَا مَعْنِيًّا بِقَوْلِ اللَّهِ: ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ﴾ [الفتح: ١٥] وَهُوَ خَبَرٌ عَنِ الْمُتَخَلِّفِينَ عَنِ الْمَسِيرِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، إِذْ شَخَصَ مُعْتَمِرًا يُرِيدُ الْبَيْتَ، فَصَدَّهُ الْمُشْرِكُونَ عَنِ الْبَيْتِ، الَّذِينَ تَخَلَّفُوا عَنْهُ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، وَغَزْوَةُ تَبُوكَ لَمْ تَكُنْ كَانَتْ يَوْمَ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، وَلَا كَانَ أُوحِيَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَوْلُهُ: ﴿فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِي عَدُوًّا﴾ [التوبة: ٨٣]
٢١ / ٢٦٣
فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ: مَا قَالَهُ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ عَلَى مَا قَدْ بَيَّنَّا وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ﴾ [الفتح: ١٥] فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ، وَبَعْضُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ ﴿كَلَامَ اللَّهِ﴾ [البقرة: ٧٥] عَلَى وَجْهِ الْمَصْدَرِ، بِإِثْبَاتِ الْأَلْفِ وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ (كَلِمَ اللَّهِ) بِغَيْرِ أَلْفٍ، بِمَعْنَى جَمْعِ كَلِمَةٍ، وَهُمَا عِنْدَنَا قِرَاءَتَانِ مُسْتَفِيضَتَانِ فِي قِرَاءَةِ الْأَمْصَارِ، مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ، وَإِنْ كُنْتُ إِلَى قِرَاءَتِهِ بِالْأَلْفِ أَمْيَلَ
٢١ / ٢٦٤
وَقَوْلُهُ: ﴿قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِن قَبْلُ﴾ [الفتح: ١٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: قُلْ لِهَؤُلَاءِ الْمُخَلَّفِينَ عَنِ الْمَسِيرِ مَعَكَ يَا مُحَمَّدُ: لَنْ تَتَّبِعُونَا إِلَى خَيْبَرَ إِذَا أَرَدْنَا السَّيْرَ إِلَيْهِمْ لِقِتَالِهِمْ ﴿كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِن قَبْلُ﴾ [الفتح: ١٥] يَقُولُ: هَكَذَا قَالَ اللَّهُ لَنَا مِنْ قَبْلِ مَرْجِعَنَا إِلَيْكُمْ، إِنَّ غَنِيمَةَ خَيْبَرَ لِمَنْ شَهِدَ الْحُدَيْبِيَةَ مَعَنَا، وَلَسْتُمْ مِمَّنْ شَهِدَهَا، فَلَيْسَ لَكُمْ أَنْ تَتَّبِعُونَا إِلَى خَيْبَرَ، لِأَنَّ غَنِيمَتَهَا لَغَيْرِكُمْ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢١ / ٢٦٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: ﴿كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ﴾ [الفتح: ١٥] «أَيْ إِنَّمَا جُعِلَتِ الْغَنِيمَةُ لِأَهْلِ الْجِهَادِ، وَإِنَّمَا كَانَتْ غَنِيمَةُ خَيْبَرَ لِمَنْ شَهِدَ الْحُدَيْبِيَةَ لَيْسَ لِغَيْرِهِمْ فِيهَا نَصِيبٌ»
٢١ / ٢٦٤
وَقَوْلُهُ: ﴿فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا﴾ [الفتح: ١٥] أَنْ نُصِيبَ مَعَكُمْ مَغْنَمًا إِنْ نَحْنُ شَهِدْنَا مَعَكُمْ، فَلِذَلِكَ تَمْنَعُونَنَا مِنَ الْخُرُوجِ مَعَكُمْ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢١ / ٢٦٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا﴾ [الفتح: ١٥] «أَنْ نُصِيبَ مَعَكُمْ غَنَائِمَ»
٢١ / ٢٦٥
وَقَوْلُهُ: ﴿بَلْ كَانُوا لَا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [الفتح: ١٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ ﷺ وَأَصْحَابِهِ: مَا الْأَمْرُ كَمَا يَقُولُ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ مِنْ أَنَّكُمْ إِنَّمَا تَمْنَعُونَهُمْ مِنَ اتِّبَاعِكُمْ حَسَدًا مِنْكُمْ لَهُمْ عَلَى أَنْ يُصِيبُوا مَعَكُمْ مِنَ الْعَدُوِّ مَغْنَمًا، بَلْ كَانُوا لَا يَفْقَهُونَ عَنِ اللَّهِ مَا لَهُمْ وَعَلَيْهِمْ مِنْ أَمْرِ الدِّينِ إِلَّا قَلِيلًا يَسِيرًا، وَلَوْ عَقَلُوا ذَلِكَ مَا قَالُوا لِرَسُولِ اللَّهِ وَالْمُؤْمِنِينَ بِهِ، وَقَدْ أَخْبَرُوهُمْ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَنَّهُ حَرَمَهُمْ غَنَائِمَ خَيْبَرَ، إِنَّمَا تَمْنَعُونَنَا مِنْ صُحْبَتِكُمْ إِلَيْهَا لِأَنَّكُمْ تَحْسُدُونَنَا
٢١ / ٢٦٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أَوْلَى بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: ﴿قُلْ﴾ [البقرة: ٨٠] يَا مُحَمَّدُ ﴿لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ﴾ [الفتح: ١٦] عَنِ ⦗٢٦٦⦘ الْمَسِيرِ مَعَكَ، ﴿سَتُدْعَوْنَ إِلَى﴾ [الفتح: ١٦] قِتَالِ ﴿قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ﴾ [الفتح: ١٦] فِي الْقِتَالِ ﴿شَدِيدٍ﴾ [البقرة: ١٦٥] وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَخْبَرَ اللَّهُ عز وجل عَنْهُمْ أَنَّ هَؤُلَاءَ الْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى قِتَالِهِمْ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُمْ أَهْلُ فَارِسَ
٢١ / ٢٦٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا سَلَمَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ﴿أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ﴾ [الإسراء: ٥] «أَهْلُ فَارِسَ»
٢١ / ٢٦٦
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُوسَى الْفَزَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا دَاوُدُ بْنُ الزِّبْرِقَانِ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، فِي قَوْلِهِ: ﴿سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ﴾ [الفتح: ١٦] قَالَ: «فَارِسُ وَالرُّومُ» قَالَ: أَخْبَرَنَا دَاوُدُ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنِ الْحَسَنِ، مِثْلَهُ
٢١ / ٢٦٦
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: قَالَ الْحَسَنُ، فِي قَوْلِهِ: ﴿سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ﴾ [الفتح: ١٦] قَالَ: «هُمْ فَارِسُ وَالرُّومُ»
٢١ / ٢٦٦
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ⦗٢٦٧⦘ قَوْلَهُ: ﴿أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ﴾ [الإسراء: ٥] قَالَ: «هُمْ فَارِسُ»
٢١ / ٢٦٦
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ﴾ [الفتح: ١٦] قَالَ: قَالَ الْحَسَنُ: «دُعُوا إِلَى فَارِسَ وَالرُّومِ»
٢١ / ٢٦٧
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ﴾ [الفتح: ١٦] قَالَ: «فَارِسُ وَالرُّومُ» وَقَالَ آخَرُونَ: هُمْ هَوَازِنُ بِحُنَيْنٍ
٢١ / ٢٦٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَعِكْرِمَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ﴾ [الفتح: ١٦] قَالَ: هَوَازِنُ “
٢١ / ٢٦٧
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَعِكْرِمَةَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ﴿سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ﴾ [الفتح: ١٦] قَالَ: «هَوَازِنُ وَثَقِيفٌ»
٢١ / ٢٦٧
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ﴾ [الفتح: ١٦] قَالَ: «هِيَ هَوَازِنُ وَغَطَفَانُ يَوْمَ حُنَيْنٍ»
٢١ / ٢٦٧
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ﴾ [الفتح: ١٦] «فَدُعُوا يَوْمَ حُنَيْنٍ إِلَى هَوَازِنَ وَثَقِيفٍ ⦗٢٦٨⦘ فَمِنْهُمْ مَنْ أَحْسَنَ الْإِجَابَةَ وَرَغِبَ فِي الْجِهَادِ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ هُمْ بَنُو حَنِيفَةَ
٢١ / ٢٦٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، ﴿أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ﴾ [الإسراء: ٥] قَالَ: «بَنُو حَنِيفَةَ مَعَ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ»
٢١ / ٢٦٨
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ هُشَيْمٍ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَعِكْرِمَةَ، «أَنَّهُمَا كَانَا يَزِيدَانِ فِيهِ هَوَازِنَ وَبَنِي حَنِيفَةَ» وَقَالَ آخَرُونَ: لَمْ تَأْتِ هَذِهِ الْآيَةُ بَعْدُ
٢١ / ٢٦٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، ﴿سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ﴾ [الفتح: ١٦] لَمْ تَأْتِ هَذِهِ الْآيَةُ وَقَالَ آخَرُونَ: هُمُ الرُّومُ
٢١ / ٢٦٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَوْفٍ، قَالَ: ثَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ، قَالَ: ثَنَا صَفْوَانُ بْنُ عَمْرٍو، ⦗٢٦٩⦘ قَالَ: ثَنَا الْفَرَجُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكَلَاعِيُّ، عَنْ كَعْبٍ، قَالَ: ﴿أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ﴾ [الإسراء: ٥] قَالَ: «الرُّومُ» وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَخْبَرَ عَنْ هَؤُلَاءِ الْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنَّهُمْ سَيُدْعَوْنَ إِلَى قِتَالِ قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ فِي الْقِتَالِ، وَنَجْدَةٍ فِي الْحُرُوبِ، وَلَمْ يُوضَعْ لَنَا الدَّلِيلُ مِنْ خَبَرٍ وَلَا عَقْلٍ عَلَى أَنَّ الْمَعْنِيَّ بِذَلِكَ هَوَازِنُ، وَلَا بَنُو حَنِيفَةَ وَلَا فَارِسُ وَلَا الرُّومُ، وَلَا أَعْيَانٌ بِأَعْيَانِهِمْ، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ عَنَى بِذَلِكَ بَعْضَ هَذِهِ الْأَجْنَاسِ، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ عَنَى بِهِمْ غَيْرَهُمْ، وَلَا قَوْلَ فِيهِ أَصَحُّ مِنْ أَنْ يُقَالَ كَمَا قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: إِنَّهُمْ سَيُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ
٢١ / ٢٦٨
وَقَوْلُهُ: ﴿تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ﴾ [الفتح: ١٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ تُقَاتِلُونَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ تُدْعَوْنَ إِلَى قِتَالِهِمْ، أَوْ يُسْلِمُونَ مِنْ غَيْرِ حَرْبٍ وَلَا قِتَالٍ وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي بَعْضِ الْقِرَاءَاتِ «تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُوا»، وَعَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ وَإِنْ كَانَتْ عَلَى خِلَافِ مَصَاحِفِ أَهْلِ الْأَمْصَارِ، وَخِلَافًا لِمَا عَلَيْهِ الْحُجَّةُ مِنَ الْقُرَّاءِ، وَغَيْرُ جَائِزٍ عِنْدِي الْقِرَاءَةُ بِهَا لِذَلِكَ تَأْوِيلُ ذَلِكَ: تُقَاتِلُونَهُمْ أَبَدًا إِلَّا أَنْ يُسْلِمُوا، أَوْ حَتَّى يُسْلِمُوا
٢١ / ٢٦٩
وَقَوْلُهُ: ﴿فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا﴾ [الفتح: ١٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ فَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ فِي إِجَابَتِكُمْ إِيَّاهُ إِذَا دَعَاكُمْ إِلَى قِتَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ الْأُولِي الْبَأْسِ الشَّدِيدِ، فَتُجِيبُوا إِلَى قِتَالِهِمْ وَالْجِهَادِ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ ﴿يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا﴾ [الفتح: ١٦] يَقُولُ:
٢١ / ٢٦٩
يُعْطِكُمُ اللَّهُ عَلَى إِجَابَتِكُمْ إِيَّاهُ إِلَى حَرْبِهِمُ الْجَنَّةَ، وَهِيَ الْأَجْرُ الْحَسَنُ ﴿وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ﴾ [الفتح: ١٦] يَقُولُ: وَإِنْ تَعْصُوا رَبَّكُمْ فَتُدْبِرُوا عَنْ طَاعَتِهِ وَتُخَالِفُوا أَمْرَهُ، فَتَتْرُكُوا قِتَالَ الْأُولِي الْبَأْسِ الشَّدِيدِ إِذَا دُعِيتُمْ إِلَى قِتَالِهِمْ ﴿كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ﴾ [الفتح: ١٦] يَقُولُ: كَمَا عَصَيْتُمُوهُ فِي أَمْرِهِ إِيَّاكُمْ بِالْمَسِيرِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إِلَى مَكَّةَ، مِنْ قَبْلِ أَنْ تُدْعَوْا إِلَى قِتَالِ أُولِي الْبَأْسِ الشَّدِيدِ ﴿يُعَذِّبْكُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا﴾ يَعْنِي: وَجِيعًا، وَذَلِكَ عَذَابُ النَّارِ عَلَى عِصْيَانِكُمْ إِيَّاهُ، وَتَرْكِكُمْ جِهَادَهُمْ وَقِتَالَهُمْ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ
٢١ / ٢٧٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًا﴾ [الفتح: ١٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى مِنْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ ضِيقٌ، وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ ضِيقٌ، وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ ضِيقٌ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنِ الْجِهَادِ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ، وَشُهُودِ الْحَرْبِ مَعَهُمْ إِذَا هُمْ لَقُوا عَدُوَّهُمْ، لِلْعِلَلِ الَّتِي بِهِمْ، وَالْأَسْبَابِ الَّتِي تَمْنَعُهُمْ مِنْ شُهُودِهَا وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢١ / ٢٧٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ﴾ [الفتح: ١٧] قَالَ: «هَذَا كُلُّهُ فِي الْجِهَادِ»
٢١ / ٢٧٠
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: «ثُمَّ عَذَرَ اللَّهُ أَهْلَ الْعُذْرِ مِنَ النَّاسِ، فَقَالَ: ﴿لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ﴾ [الفتح: ١٧]»
٢١ / ٢٧١
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ﴾ [الفتح: ١٧] قَالَ: «فِي الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ»
٢١ / ٢٧١
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ﴾ [الفتح: ١٧] الْآيَةَ، «يَعْنِي فِي الْقِتَالِ»
٢١ / ٢٧١
وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ﴾ [النساء: ١٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَيُجِيبَ إِلَى حَرْبِ أَعْدَاءِ اللَّهِ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ، وَإِلَى الْقِتَالِ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ إِذَا دُعِيَ إِلَى ذَلِكَ، يُدْخِلْهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ﴿وَمَنْ يَتَوَلَّ﴾ [المائدة: ٥٦] يَقُولُ: وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، فَيَتَخَلَّفْ عَنْ قِتَالِ أَهْلِ الشِّرْكِ بِاللَّهِ إِذَا دُعِيَ إِلَيْهِ، وَلَمْ يُسْتَجِبْ لِدُعَاءِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ يُعَذِّبْهُ عَذَابًا مُوجِعًا، وَذَلِكَ عَذَابُ جَهَنَّمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
٢١ / ٢٧١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا﴾ [الفتح: ١٩]
٢١ / ٢٧١
يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ يَا مُحَمَّدُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ ﴿إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ﴾ [الفتح: ١٨] يَعْنِي بَيْعَةَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَرَسُولُ اللَّهِ بِالْحُدَيْبِيَةِ حِينَ بَايَعُوهُ عَلَى مُنَاجَزَةِ قُرَيْشٍ الْحَرْبَ، وَعَلَى أَنْ لَا يَفِرُّوا، وَلَا يُوَلُّوهُمُ الدُّبُرَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ، وَكَانَتْ بَيْعَتُهُمْ إِيَّاهُ هُنَالِكَ فِيمَا ذُكِرَ تَحْتَ شَجَرَةٍ وَكَانَ سَبَبُ هَذِهِ الْبَيْعَةِ مَا قِيلَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ أَرْسَلَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رضي الله عنه بِرِسَالَتِهِ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ قُرَيْشٍ، فَأَبْطَأَ عُثْمَانُ عَلَيْهِ بَعْضَ الْإِبْطَاءِ، فَظَنَّ أَنَّهُ قَدْ قُتِلَ، فَدَعَا أَصْحَابَهُ إِلَى تَجْدِيدِ الْبَيْعَةِ عَلَى حَرْبِهِمْ عَلَى مَا وَصَفْتُ، فَبَايَعُوهُ عَلَى ذَلِكَ، وَهَذِهِ الْبَيْعَةُ الَّتِي تُسَمَّى بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ، وَكَانَ الَّذِينَ بَايَعُوهُ هَذِهِ الْبَيْعَةَ فِيمَا ذُكِرَ فِي قَوْلِ بَعْضِهِمْ: أَلْفًا وَأَرْبَعَ مِئَةٍ، وَفِي قَوْلِ بَعْضِهِمْ: أَلْفًا وَخَمْسَ مِائَةٍ، وَفِي قَوْلِ بَعْضِهِمْ: أَلْفًا وَثَلَاثَ مِئَةٍ
٢١ / ٢٧٢
ذِكْرُ الرِّوَايَةِ بِمَا وَصَفْنَا مِنْ سَبَبِ هَذِهِ الْبَيْعَةِ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا سَلَمَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ دَعَا خِرَاشَ بْنَ أُمَيَّةَ الْخُزَاعِيَّ، فَبَعَثَهُ إِلَى قُرَيْشٍ بِمَكَّةَ، وَحَمَلَهُ عَلَى جَمَلٍ لَهُ يُقَالُ لَهُ الثَّعْلَبُ، لِيُبَلِّغَ أَشْرَافَهُمْ عَنْهُ مَا جَاءَ لَهُ، وَذَلِكَ حِينَ نَزَلَ الْحُدَيْبِيَةَ، فَعَقَرُوا بِهِ جَمَلَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَأَرَادُوا قَتْلَهُ، فَمَنَعَهُ الْأَحَابِيشُ فَخَلُّوا سَبِيلَهُ، حَتَّى أَتَى رَسُولَ اللَّهِ ﷺ
٢١ / ٢٧٢
قَالَ: ثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: فَحَدَّثَنِي مَنْ لَا أَتَّهِمُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ دَعَا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ لَيَبْعَثَهُ إِلَى مَكَّةَ، فَيُبَلِّغُ عَنْهُ أَشْرَافَ قُرَيْشٍ مَا جَاءَ لَهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَخَافُ قُرَيْشًا عَلَى نَفْسِي، وَلَيْسَ
٢١ / ٢٧٢
بِمَكَّةَ مِنْ بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ أَحَدٌ يَمْنَعُنِي، وَقَدْ عَرَفَتْ قُرَيْشٌ عَدَاوَتِي إِيَّاهَا، وَغِلْظَتِي عَلَيْهِمْ، وَلَكِنِّي أَدُلُّكَ عَلَى رَجُلٍ هُوَ أَعَزُّ بِهَا مِنِّي عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عُثْمَانَ، فَبَعَثَهُ إِلَى أَبِي سُفْيَانَ وَأَشْرَافِ قُرَيْشٍ يُخْبِرُهُمْ أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ لِحَرْبٍ، وَإِنَّمَا جَاءَ زَائِرًا لِهَذَا الْبَيْتِ، مُعَظِّمًا لِحُرْمَتِهِ، فَخَرَجَ عُثْمَانُ إِلَى مَكَّةَ، فَلَقِيَهُ أَبَانُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ حِينَ دَخَلَ مَكَّةَ أَوْ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَهَا، فَنَزَلَ عَنْ دَابَّتِهِ، فَحَمَلَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ رَدِفَهُ وَأَجَارَهُ حَتَّى بَلَّغَ رِسَالَةَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَانْطَلَقَ عُثْمَانُ حَتَّى أَتَى أَبَا سُفْيَانَ وَعُظَمَاءَ قُرَيْشٍ، فَبَلَّغَهُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مَا أَرْسَلَهُ بِهِ، فَقَالُوا لِعُثْمَانَ حِينَ فَرَغَ مِنْ رِسَالَةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: إِنْ شِئْتَ أَنْ تَطُوفَ بِالْبَيْتِ فَطُفْ بِهِ، قَالَ: مَا كُنْتُ لِأَفْعَلَ حَتَّى يَطُوفَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَاحْتَبَسَتْهُ قُرَيْشٌ عِنْدَهَا، فَبَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وَالْمُسْلِمِينَ أَنَّ عُثْمَانَ قَدْ قُتِلَ
٢١ / ٢٧٣
قَالَ: ثَنَا سَلَمَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: فَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ حِينَ بَلَغَهُ أَنَّ عُثْمَانَ قَدْ قُتِلَ، قَالَ: «لَا نَبْرَحُ حَتَّى نُنَاجِزَ الْقَوْمَ»، وَدَعَا النَّاسَ إِلَى الْبَيْعَةِ، فَكَانَتْ بَيْعَةُ الرِّضْوَانِ تَحْتَ الشَّجَرَةِ، فَكَانَ النَّاسُ يَقُولُونَ: بَايَعَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلَى الْمَوْتِ فَكَانَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لَمْ يُبَايِعْنَا عَلَى الْمَوْتِ، وَلَكِنَّهُ بَايَعَنَا عَلَى أَنْ لَا نَفِرَّ، فَبَايَعَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ النَّاسَ، وَلَمْ يَتَخَلَّفْ عَنْهُ أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ حَضَرَهَا إِلَّا الْجَدُّ بْنُ قَيْسٍ أَخُو بَنِي سَلَمَةَ، كَانَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: لَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ لَاصِقًا بِإِبِطِ نَاقَتِهِ، قَدِ اخْتَبَأَ إِلَيْهَا، يَسْتَتِرُ بِهَا مِنَ النَّاسِ، ثُمَّ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَنَّ الَّذِي ذُكِرَ مِنْ أَمْرِ عُثْمَانَ بَاطِلٌ
٢١ / ٢٧٣
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَارَةَ الْأَسَدِيُّ، قَالَ: ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا ⦗٢٧٤⦘ مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ، عَنْ إِيَاسِ بْنِ سَلَمَةَ، قَالَ: قَالَ سَلَمَةُ: «بَيْنَمَا نَحْنُ قَائِلُونَ زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ، نَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: أَيُّهَا النَّاسُ الْبَيْعَةَ الْبَيْعَةَ، نَزَلَ رُوحُ الْقُدُسِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ، قَالَ: فَثُرْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَهُوَ تَحْتَ شَجَرَةِ سَمُرَةٍ، قَالَ: فَبَايَعْنَاهُ، وَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ: ﴿لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ﴾ [الفتح: ١٨]»
٢١ / ٢٧٣
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ بَيَانٍ السُّكَّرِيُّ، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ عَامِرٍ، قَالَ: «كَانَ أَوَّلُ مَنْ بَايَعَ بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ رَجُلٌ مِنْ بَنِي أَسَدٍ يُقَالُ لَهُ أَبُو سِنَانِ بْنُ وَهْبٍ»
٢١ / ٢٧٤
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: ثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: «كَانَ جَدِّي يُقَالُ لَهُ حَزْنٌ، وَكَانَ مِمَّنْ بَايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ، فَأَتَيْنَاهَا مِنْ قَابِلٍ، فَعُمِّيَتْ عَلَيْنَا»
٢١ / ٢٧٤
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: ثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الْأَشَجِّ، أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ النَّاسَ، بَايَعُوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَلَى الْمَوْتِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «عَلَى مَا اسْتَطَعْتُمْ» وَالشَّجَرَةُ الَّتِي بُويِعَ تَحْتَهَا بِفَجٍّ نَحْوَ مَكَّةَ، وَزَعَمُوا أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه مَرَّ بِذَلِكَ الْمَكَانِ بَعْدَ أَنْ ذَهَبَتِ الشَّجَرَةُ، فَقَالَ: أَيْنَ كَانَتْ، فَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَقُولُ هُنَا، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: هَهُنَا، فَلَمَّا كَثُرَ اخْتِلَافُهُمْ قَالَ: سِيرُوا هَذَا التَّكَلُّفُ فَذَهَبَتِ الشَّجَرَةُ وَكَانَتْ سَمُرَةً إِمَّا ذَهَبَ بِهَا سَيْلٌ، وَإِمَّا شَيْءٌ سِوَى ذَلِكَ. ذِكْرُ عَدَدِ الَّذِينَ بَايَعُوا هَذِهِ الْبَيْعَةَ: وَقَدْ ذَكَرْنَا اخْتِلَافَ الْمُخْتَلِفِينَ فِي عَدَدِهِمْ، وَنَذْكُرُ الرِّوَايَاتِ عَنْ قَائِلِي الْمَقَالَاتِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
٢١ / ٢٧٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ: عَدَدُهُمْ أَلْفٌ وَأَرْبَعُمِائَةٍ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمَسْعُودِيُّ، قَالَ: ثَنَا أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: «كُنَّا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ أَلْفًا وَأَرْبَعَمِائَةٍ، فَبَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَلَى أَنْ لَا نَفِرَّ، وَلَمْ نُبَايِعْهُ عَلَى الْمَوْتِ، قَالَ: فَبَايَعْنَاهُ كُلُّنَا إِلَّا الْجَدَّ بْنَ قَيْسٍ اخْتَبَأَ تَحْتَ إِبْطِ نَاقَتِهِ»
٢١ / ٢٧٥
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، أَخْبَرَنِي الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ⦗٢٧٦⦘ عُمَرَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، «أَنَّهُمْ كَانُوا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِئَةً، فَبَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وَعُمَرُ آخِذٌ بِيَدِهِ تَحْتَ الشَّجَرَةِ، وَهِيَ سَمُرَةٌ، فَبَايَعْنَا غَيْرَ الْجَدِّ بْنِ قَيْسٍ الْأَنْصَارِيِّ، اخْتَبَأَ تَحْتَ إِبْطِ بَعِيرِهِ» قَالَ جَابِرٌ: «بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَلَى أَنْ لَا نَفِرَّ وَلَمْ نُبَايِعْهُ عَلَى الْمَوْتِ»
٢١ / ٢٧٥
حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى الْقَطَّانُ، قَالَ: ثَنَا هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ وَسَعِيدُ بْنُ شُرَحْبِيلَ الْمِصْرِيُّ، قَالَا: ثَنَا لَيْثُ بْنُ سَعْدٍ الْمِصْرِيُّ قَالَ: ثَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: «كُنَّا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ أَلْفًا وَأَرْبَعَمِائَةٍ، فَبَايَعْنَاهُ وَعُمَرُ آخِذٌ بِيَدِهِ تَحْتَ الشَّجَرَةِ وَهِيَ سَمُرَةٌ، فَبَايَعْنَاهُ عَلَى أَنْ لَا نَفِرَّ، وَلَمْ نُبَايِعْهُ عَلَى الْمَوْتِ، يَعْنِي النَّبِيَّ ﷺ»
٢١ / ٢٧٦
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، وَابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَا: ثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، أَنَّهُ قِيلَ لَهُ: إِنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: «إِنَّ أَصْحَابَ الشَّجَرَةِ كَانُوا أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ» . قَالَ سَعِيدٌ: نَسِيَ جَابِرٌ هُوَ قَالَ لِي كَانُوا أَلْفًا وَأَرْبَعَمِائَةٍ
٢١ / ٢٧٦
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا سَلَمَةُ، قَالَ: ثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: «كُنَّا أَصْحَابَ الْحُدَيْبِيَةِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِئَةٍ»
٢١ / ٢٧٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ: كَانَ عِدَّتُهُمْ أَلْفًا وَخَمْسَ مِئَةٍ وَخَمْسَةً وَعِشْرِينَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ﴿لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ، إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ﴾ [الفتح: ١٨] قَالَ: «كَانَ أَهْلُ الْبَيْعَةِ تَحْتَ الشَّجَرَةِ أَلْفًا وَخَمْسَ مِئَةٍ وَخَمْسَةً وَعِشْرِينَ»
٢١ / ٢٧٧
حَدَّثَنِي بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: «الَّذِينَ بَايَعُوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ تَحْتَ الشَّجَرَةِ، فَجُعِلَتْ لَهُمْ مَغَانِمُ خَيْبَرَ كَانُوا يَوْمَئِذٍ خَمْسَ عَشْرَةَ مِئَةٍ، وَبَايَعُوا عَلَى أَنْ لَا يَفِرُّوا عَنْهُ»
٢١ / ٢٧٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ: كَانُوا أَلْفًا وَثَلَاثَ مِئَةٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى، يَقُولُ: «كَانُوا يَوْمَ الشَّجَرَةِ أَلْفًا وَثَلَاثَ مِئَةٍ، وَكَانَتْ أَسْلَمُ يَوْمَئِذٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ»
٢١ / ٢٧٧
وَقَوْلُهُ: ﴿فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ﴾ [الفتح: ١٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَعَلِمَ رَبُّكَ يَا مُحَمَّدُ مَا فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَصْحَابِكَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ، مِنْ صَدْقِ النِّيَّةِ، وَالْوَفَاءِ بِمَا يُبَايِعُونَكَ عَلَيْهِ، وَالصَّبْرِ مَعَكَ ﴿فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ﴾ [الفتح: ١٨] يَقُولُ: فَأَنْزَلَ ⦗٢٧٨⦘ الطُّمَأْنِينَةَ، وَالثَّبَاتَ عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ دِينِهِمْ وَحُسْنِ بَصِيرَتِهِمْ بِالْحَقِّ الَّذِي هَدَاهُمُ اللَّهُ لَهُ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢١ / ٢٧٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ ﴿فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ﴾ [الفتح: ١٨] «أَيِ الصَّبْرُ وَالْوَقَارُ»
٢١ / ٢٧٨
وَقَوْلُهُ: ﴿وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا﴾ [الفتح: ١٨] يَقُولُ: وَعَوَّضَهُمْ فِي الْعَاجِلِ مِمَّا رَجَوُا الظَّفَرَ بِهِ مِنْ غَنَائِمِ أَهْلِ مَكَّةَ بِقِتَالِهِمْ أَهْلَهَا فَتْحًا قَرِيبًا، وَذَلِكَ فِيمَا قِيلَ: فَتْحُ خَيْبَرَ
٢١ / ٢٧٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، ﴿وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا﴾ [الفتح: ١٨] قَالَ: «خَيْبَرَ»
٢١ / ٢٧٨
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا﴾ [الفتح: ١٨] «وَهِيَ خَيْبَرُ»
٢١ / ٢٧٨
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: ﴿وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا﴾ [الفتح: ١٨] قَالَ: «بَلَغَنِي أَنَّهَا خَيْبَرُ»
٢١ / ٢٧٨
وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَغَانِمُ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا﴾ [الفتح: ١٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَأَثَابَ اللَّهُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ بَايَعُوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ تَحْتَ الشَّجَرَةِ، مَعَ مَا أَكْرَمَهُمْ بِهِ مِنْ رِضَاهُ عَنْهُمْ، وَإِنْزَالِهِ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ، وَإِثَابَتِهِ إِيَّاهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا، مَعَهُ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ يَأْخُذُونَهَا مِنْ أَمْوَالِ يَهُودِ خَيْبَرَ، فَإِنَّ اللَّهَ جَعَلَ ذَلِكَ خَاصَّةً لِأَهْلِ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ دُونَ غَيْرِهِمْ
٢١ / ٢٧٩
وَقَوْلُهُ: ﴿وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا﴾ [النساء: ١٥٨] يَقُولُ: وَكَانَ اللَّهُ ذَا عِزَّةٍ فِي انْتِقَامِهِ مِمَّنِ انْتَقَمَ مِنْ أَعْدَائِهِ، حَكِيمًا فِي تَدْبِيرِهِ خَلْقَهُ وَتَصْرِيفِهِ إِيَّاهُمْ فِيمَا شَاءَ مِنْ قَضَائِهِ
٢١ / ٢٧٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنَكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا﴾ [الفتح: ٢١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِأَهْلِ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ: ﴿وَعَدَكُمُ اللَّهُ﴾ [الفتح: ٢٠] أَيُّهَا الْقَوْمُ ﴿مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا﴾ [الفتح: ٢٠] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي هَذِهِ الْمَغَانِمِ الَّتِي ذَكَرَ اللَّهُ أَنَّهُ وَعَدَهَا هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ أَيُّ الْمَغَانِمِ هِيَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ كُلُّ مَغْنَمٍ غَنَمِهَا اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ بِهِ مِنْ أَمْوَالِ أَهْلِ الشِّرْكِ مِنْ لَدُنْ أَنْزَلَ هَذِهِ الْآيَةَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ ﷺ
٢١ / ٢٧٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ: ﴿وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا﴾ [الفتح: ٢٠] قَالَ: «الْمَغَانِمُ الْكَثِيرَةُ الَّتِي ⦗٢٨٠⦘ وُعِدُوا: مَا يَأْخُذُونَهَا إِلَى الْيَوْمِ» وَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ يَحْتَمِلُ الْكَلَامُ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا بِالْمَغَانِمِ الثَّانِيَةِ الْمَغَانِمُ الْأُولَى، وَيَكُونُ مَعْنَاهُ عِنْدَ ذَلِكَ، فَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا، وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا، وَعَدَكُمُ اللَّهُ أَيُّهَا الْقَوْمُ هَذِهِ الْمَغَانِمَ الَّتِي تَأْخُذُونَهَا، وَأَنْتُمْ إِلَيْهَا وَاصِلُونَ عِدَةً، فَجَعَلَ لَكُمُ الْفَتْحَ الْقَرِيبَ مِنْ فَتْحِ خَيْبَرَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ الثَّانِيَةُ غَيْرَ الْأُولَى، وَتَكُونُ الْأُولَى مِنْ غَنَائِمِ خَيْبَرَ، وَالْغَنَائِمُ الثَّانِيَةُ الَّتِي وَعَدَهُمُوهَا مِنْ غَنَائِمِ سَائِرِ أَهْلِ الشِّرْكِ سِوَاهُمْ وَقَالَ آخَرُونَ: هَذِهِ الْمَغَانِمُ الَّتِي وَعَدَ اللَّهُ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ هِيَ مَغَانِمُ خَيْبَرَ
٢١ / ٢٧٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا﴾ [الفتح: ٢٠] قَالَ: «يَوْمَ خَيْبَرَ، قَالَ: كَانَ أَبِي يَقُولُ ذَلِكَ»
٢١ / ٢٨٠
وَقَوْلُهُ: ﴿فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ﴾ [الفتح: ٢٠] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الَّتِي عُجِّلَتْ لَهُمْ، فَقَالَ جَمَاعَةٌ: غَنَائِمُ خَيْبَرَ وَالْمُؤَخَّرَةُ سَائِرُ فُتُوحِ الْمُسْلِمِينَ بَعْدَ ذَلِكَ الْوَقْتِ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ
٢١ / ٢٨٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ﴿فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ﴾ [الفتح: ٢٠] قَالَ: «عَجَّلَ لَكُمْ خَيْبَرَ»
٢١ / ٢٨٠
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: ﴿فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ﴾ [الفتح: ٢٠] «وَهِيَ خَيْبَرُ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عَنَى بِذَلِكَ الصُلْحُ الَّذِي كَانَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَبَيْنَ قُرَيْشٍ
٢١ / ٢٨١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ﴿فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ﴾ [الفتح: ٢٠] قَالَ: «الصُّلْحُ» وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ بِالصَّوَابِ مَا قَالَهُ مُجَاهِدٌ، وَهُوَ أَنَّ الَّذِيَ أَثَابَهُمُ اللَّهُ مِنْ مَسِيرِهِمْ ذَلِكَ مَعَ الْفَتْحِ الْقَرِيبِ الْمَغَانِمَ الْكَثِيرَةَ مِنْ مَغَانِمِ خَيْبَرَ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَغْنَمُوا بَعْدَ الْحُدَيْبِيَةِ غَنِيمَةً، وَلَمْ يَفْتَحُوا فَتْحًا أَقْرَبَ مِنْ بَيْعَتِهِمْ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ بِالْحُدَيْبِيَةِ إِلَيْهَا مِنْ فَتْحِ خَيْبَرَ وَغَنَائِمِهَا وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً﴾ [الفتح: ٢٠] فَهِيَ سَائِرُ الْمَغَانِمِ الَّتِي غَنِمُهُمُوهَا اللَّهُ بَعْدَ خَيْبَرَ، كَغَنَائمِ هَوَازِنَ، وَغَطَفَانَ، وَفَارِسَ، وَالرُّومِ وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ كَذَلِكَ دُونَ غَنَائِمِ خَيْبَرَ، لِأَنَّ اللَّهَ أَخْبَرَ أَنَّهُ عَجَّلَ لَهُمْ هَذِهِ الَّتِي أَثَابَهُمْ مِنْ مَسِيرِهِمُ الَّذِي سَارُوهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إِلَى مَكَّةَ، وَلَمَّا عَلِمَ مِنْ صِحَّةِ نِيَّتِهِمْ فِي قِتَالِ أَهْلِهَا، إِذْ بَايَعُوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، عَلَى أَنْ لَا يَفِرُّوا عَنْهُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الَّتِيَ عُجِّلَتْ لَهُمْ غَيْرُ الَّتِي لَمْ تُعَجَّلْ لَهُمْ
٢١ / ٢٨١
وَقَوْلُهُ: ﴿وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ﴾ [الفتح: ٢٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِأَهْلِ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ: ⦗٢٨٢⦘ وَكَفَّ اللَّهُ أَيْدِي الْمُشْرِكِينَ عَنْكُمْ ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الَّذِينَ كُفَّتْ أَيْدِيهِمْ عَنْهُمْ مَنْ هُمْ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُمُ الْيَهُودُ كَفَّ اللَّهُ أَيْدِيَهُمْ عَنْ عِيَالِ الَّذِينَ سَارُوا مِنَ الْمَدِينَةِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إِلَى مَكَّةَ
٢١ / ٢٨١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ﴾ [الفتح: ٢٠] «عَنْ بُيُوتِهِمْ، وَعَنْ عِيَالِهِمْ بِالْمَدِينَةِ حِينَ سَارُوا إِلَى الْحُدَيْبِيَةِ وَإِلَى خَيْبَرَ، وَكَانَتْ خَيْبَرُ فِي ذَلِكَ الْوَجْهِ»
٢١ / ٢٨٢
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ﴾ [الفتح: ٢٠] قَالَ: «كَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْ عِيَالِهِمْ بِالْمَدِينَةِ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عَنَى بِذَلِكَ أَيْدِي قُرَيْشٍ إِذْ حَبَسَهُمُ اللَّهُ عَنْهُمْ، فَلَمْ يَقْدِرُوا لَهُ عَلَى مَكْرُوهٍ وَالَّذِي قَالَهُ قَتَادَةُ فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَشْبَهُ بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ، وَذَلِكَ أَنَّ كَفَّ اللَّهِ أَيْدِي الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ عَنْ أَهْلِ الْحُدَيْبِيَةِ قَدْ ذَكَرَهُ اللَّهُ بَعْدَ هَذِهِ الْآيَةِ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ﴾ [الفتح: ٢٤] فَعَلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ الْكَفَّ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ: ﴿وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ﴾ [الفتح: ٢٠] غَيْرُ الْكَفِّ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ بَعْدَ هَذِهِ الْآيَةِ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ ⦗٢٨٣⦘ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ﴾ [الفتح: ٢٤]
٢١ / ٢٨٢
وَقَوْلُهُ: ﴿وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [الفتح: ٢٠] يَقُولُ: وَلِيَكُونَ كَفُّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَيْدِيَهُمْ عَنْ عِيَالِهِمْ آيَةً وَعِبْرَةً لِلْمُؤْمِنِينَ بِهِ فَيَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُتَوَلِّي حِيَاطَتَهُمْ وَكَلَاءَتَهُمْ فِي مَشْهَدِهِمْ وَمَغِيبِهِمْ، وَيَتَّقُوا اللَّهَ فِي أَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ بِالْحِفْظِ وَحُسْنِ الْوَلَايَةِ مَا كَانُوا مُقِيمِينَ عَلَى طَاعَتِهِ، مُنْتَهِينَ إِلَى أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢١ / ٢٨٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [الفتح: ٢٠] يَقُولُ: «وَذَلِكَ آيَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ، كَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْ عِيَالِهِمْ»
٢١ / ٢٨٣
﴿وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا﴾ [الفتح: ٢٠] يَقُولُ: وَيُسَدِّدُكُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ طَرِيقًا وَاضِحًا لَا اعْوِجَاجَ فِيهِ، فَيُبَيِّنُهُ لَكُمْ، وَهُوَ أَنْ تَثِقُوا فِي أُمُورِكُمْ كُلِّهَا بِرَبِّكُمْ، فَتَتَوَكَّلُوا عَلَيْهِ فِي جَمِيعِهَا، لِيَحُوطَكُمْ حِيَاطَتَهُ إِيَّاكُمْ فِي مَسِيرِكُمْ إِلَى مَكَّةَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي أَنْفُسِكُمْ وَأَهْلِيكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، فَقَدْ رَأَيْتُمْ أَثَرَ فِعْلِ اللَّهِ بِكُمْ، إِذْ وَثِقْتُمْ فِي مَسِيرِكُمْ هَذَا
٢١ / ٢٨٣
وَقَوْلُهُ: ﴿وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا﴾ [الفتح: ٢١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ وَوَعَدَكُمْ أَيُّهَا الْقَوْمُ رَبُّكُمْ فَتْحَ بَلْدَةٍ أُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَى فَتْحِهَا، قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا ⦗٢٨٤⦘ لَكُمْ حَتَّى يَفْتَحَهَا لَكُمْ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي هَذِهِ الْبَلْدَةِ الْأُخْرَى، وَالْقَرْيَةِ الْأُخْرَى الَّتِي وَعَدَهُمْ فَتْحَهَا، الَّتِي أَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ مُحِيطٌ بِهَا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ أَرْضُ فَارِسَ وَالرُّومِ، وَمَا يَفْتَحُهُ الْمُسْلِمُونَ مِنَ الْبِلَادِ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ
٢١ / ٢٨٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، قَالَ: ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سِمَاكٍ الْحَنَفِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، يَقُولُ: ﴿وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا﴾ [الفتح: ٢١] «فَارِسُ وَالرُّومُ»
٢١ / ٢٨٤
قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا﴾ [الفتح: ٢١] قَالَ: «فَارِسُ وَالرُّومُ» حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَسْرُوقِيُّ، قَالَ: ثَنَا زَيْدُ بْنُ حُبَابٍ، قَالَ: ثَنَا شُعْبَةُ بْنُ الْحَجَّاجِ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى مِثْلَهُ
٢١ / ٢٨٤
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: ﴿وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا﴾ [الفتح: ٢١] قَالَ: حَدَّثَ عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: «هِيَ فَارِسُ وَالرُّومُ»
٢١ / ٢٨٤
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ⦗٢٨٥⦘ قَوْلَهُ: ﴿وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا﴾ [الفتح: ٢١] «مَا فَتَحُوا حَتَّى الْيَوْمِ»
٢١ / ٢٨٤
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا﴾ [الفتح: ٢١] قَالَ: «فَارِسُ وَالرُّومُ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ هِيَ خَيْبَرُ
٢١ / ٢٨٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ﴿وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا﴾ [الفتح: ٢١] الْآيَةَ، قَالَ: «هِيَ خَيْبَرُ»
٢١ / ٢٨٥
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا﴾ [الفتح: ٢١] يَعْنِي خَيْبَرَ، بَعَثَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَوْمَئِذٍ، فَقَالَ: «لَا تُمَثِّلُوا وَلَا تَغُلُّوا، وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا»
٢١ / ٢٨٥
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا﴾ [الفتح: ٢١] قَالَ: «خَيْبَرُ»، قَالَ: «لَمْ يَكُونُوا يَذْكُرُونَهَا وَلَا يَرْجُونَهَا حَتَّى أَخْبَرَهُمُ اللَّهُ بِهَا»
٢١ / ٢٨٥
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، ﴿وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا﴾ [الفتح: ٢١] «يَعْنِي أَهْلَ خَيْبَرَ» ⦗٢٨٦⦘ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ هِيَ مَكَّةُ
٢١ / ٢٨٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا﴾ [الفتح: ٢١] «كُنَّا نُحَدَّثُ أَنَّهَا مَكَّةُ»
٢١ / ٢٨٦
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا﴾ [الفتح: ٢١] قَالَ: «بَلَغَنَا أَنَّهَا مَكَّةُ» وَهَذَا الْقَوْلُ الَّذِي قَالَهُ قَتَادَةُ أَشْبَهُ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ التَّنْزِيلِ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ أَخْبَرَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ بَايَعُوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ تَحْتَ الشَّجَرَةِ، أَنَّهُ مُحِيطٌ بِقَرْيَةٍ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهَا، وَمَعْقُولٌ أَنَّهُ لَا يُقَالُ لِقَوْمٍ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَى هَذِهِ الْمَدِينَةِ، إِلَّا أَنْ يَكُونُوا قَدْ رَامُوهَا فَتَعَذَّرَتْ عَلَيْهِمْ، فَأَمَّا وَهُمْ لَمْ يَرُومُوهَا فَتَتَعَذَّرُ عَلَيْهِمْ فَلَا يُقَالُ: إِنَّهُمْ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهَا فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَكَانَ مَعْلُومًا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لَمْ يَقْصِدْ قَبْلَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ عَلَيْهِ خَيْبَرَ لِحَرْبٍ، وَلَا وَجَّهَ إِلَيْهَا لِقِتَالِ أَهْلِهَا جَيْشًا وَلَا سَرِيَّةً، عُلِمَ أَنَّ الْمَعْنِيَّ بِقَوْلِهِ: ﴿وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا﴾ [الفتح: ٢١] غَيْرَهَا، وَأَنَّهَا هِيَ الَّتِي قَدْ عَالَجَهَا وَرَامَهَا، فَتَعَذَّرَتْ فَكَانَتْ مَكَّةُ وَأَهْلُهَا كَذَلِكَ، وَأَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ نَبِيَّهُ ﷺ وَالْمُؤْمِنِينَ أَنَّهُ أَحَاطَ بِهَا وَبِأَهْلِهَا، وَأَنَّهُ فَاتِحُهَا عَلَيْهِمْ، وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ مَا يَشَاءُ مِنَ الْأَشْيَاءِ ذَا قُدْرَةٍ، لَا يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ شَيْءٌ شَاءَهُ
٢١ / ٢٨٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ ⦗٢٨٧⦘ اللَّهِ تَبْدِيلًا﴾ [الفتح: ٢٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِلْمُؤْمِنِينَ بِهِ مِنْ أَهْلِ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ: ﴿وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [الفتح: ٢٢] بِاللَّهِ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِمَكَّةَ ﴿لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ﴾ [الفتح: ٢٢] يَقُولُ: لَانْهَزَمُوا عَنْكُمْ، فَوَلُّوكُمْ أَعْجَازَهُمْ، وَكَذَلِكَ يَفْعَلُ الْمُنْهَزِمُ مِنْ قِرْنِهِ فِي الْحَرْبِ ﴿ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا﴾ [الفتح: ٢٢] يَقُولُ: ثُمَّ لَا يَجِدُ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارِ الْمُنْهَزِمُونَ عَنْكُمْ، الْمُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ، وَلِيًّا يُوَالِيهِمْ عَلَى حَرْبِكُمْ، وَلَا نَصِيرًا يَنْصُرُهُمْ عَلَيْكُمْ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ مَعَكُمْ، وَلَنْ يُغْلَبَ حِزْبٌ اللَّهُ نَاصِرُهُ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢١ / ٢٨٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: ﴿وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ﴾ [الفتح: ٢٢] «يَعْنِي كُفَّارَ قُرَيْشٍ، قَالَ اللَّهُ: ﴿ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا﴾ [الفتح: ٢٢] يَنْصُرُهُمْ مِنَ اللَّهِ»
٢١ / ٢٨٧
وَقَوْلُهُ: ﴿سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ﴾ [الفتح: ٢٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: لَوْ قَاتَلَكُمْ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارُ مِنْ قُرَيْشٍ، لَخَذَلَهُمُ اللَّهُ حَتَّى يُهْزِمَهُمْ عَنْكُمْ خُذْلَانَهُ أَمْثَالَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ بِهِ، الَّذِينَ قَاتَلُوا أَوْلِيَاءَهُ مِنَ الْأُمَمِ الَّذِينَ مَضَوْا قَبْلَهُمْ وَأَخْرَجَ قَوْلَهُ: ﴿سُنَّةَ اللَّهِ﴾ [الأحزاب: ٣٨] نَصْبًا مِنْ غَيْرِ لَفْظِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ فِي قَوْلِهِ: ﴿لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا﴾ [الفتح: ٢٢] مَعْنَى سَنَنْتُ فِيهِمُ الْهَزِيمَةَ وَالْخُذْلَانَ، فَلِذَلِكَ قِيلَ: ﴿سُنَّةَ اللَّهِ﴾ [الأحزاب: ٣٨] مَصْدَرًا مِنْ مَعْنَى الْكَلَامِ لَا مِنْ لَفْظِهِ، وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ تَفْسِيرًا لِمَا قَبْلَهَا مِنَ الْكَلَامِ
٢١ / ٢٨٧
وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا﴾ [الأحزاب: ٦٢] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: وَلَنْ تَجِدَ يَا مُحَمَّدُ لِسُنَّةِ اللَّهِ الَّتِي سَنَّهَا فِي خَلْقِهِ تَغْيِيرًا، بَلْ ذَلِكَ دَائِمٌ، لِلْإِحْسَانِ جَزَاؤُهُ مِنَ الْإِحْسَانِ، وَلِلْإِسَاءَةِ وَالْكُفْرِ الْعِقَابُ وَالنَّكَالُ
٢١ / ٢٨٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا﴾ [الفتح: ٢٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِرَسُولِهِ ﷺ: وَالَّذِينَ بَايَعُوا بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ ﴿وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ﴾ [الفتح: ٢٤] يَعْنِي أَنَّ اللَّهَ كَفَّ أَيْدِي الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ كَانُوا خَرَجُوا عَلَى عَسْكَرِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، بِالْحُدَيْبِيَةِ يَلْتَمِسُونَ غِرَّتَهُمْ لِيُصِيبُوا مِنْهُمْ، فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَأَتَى بِهِمْ أَسْرَى، فَخَلَّى عَنْهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، وَمَنْ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يَقْتُلْهُمْ فَقَالَ اللَّهُ لِلْمُؤْمِنِينَ: وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِي هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ عَنْكُمْ، وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ، مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ جَاءَتِ الْآثَارُ
٢١ / ٢٨٨
ذِكْرُ الرِّوَايَةِ بِذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ، أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ وَاقِدٍ، قَالَ: ثَنِي ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ جَالِسًا فِي أَصْلِ شَجَرَةٍ بِالْحُدَيْبِيَةِ، وَعَلَى ظَهْرِهِ غُصْنٌ مِنْ أَغْصَانِ الشَّجَرَةِ فَرَفَعْتُهَا عَنْ ظَهْرِهِ، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه بَيْنَ يَدَيْهِ وَسُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو، وَهُوَ صَاحِبُ الْمُشْرِكِينَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِعَلِيٍّ: «اكْتُبْ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ»، فَأَمْسَكَ سُهَيْلٌ بِيَدِهِ، فَقَالَ: مَا نَعْرِفُ الرَّحْمَنَ، اكْتُبْ فِي قَضِيَّتِنَا مَا نَعْرِفُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «اكْتُبْ بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ»، فَكَتَبَ، فَقَالَ: «هَذَا ⦗٢٨٩⦘ مَا صَالَحَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ أَهْلَ مَكَّةَ»، فَأَمْسَكَ سُهَيْلٌ بِيَدِهِ، فَقَالَ: لَقَدْ ظَلَمْنَاكَ إِنْ كُنْتَ رَسُولًا، اكْتُبْ فِي قَضِيَّتِنَا مَا نَعْرِفُ قَالَ: «اكْتُبْ هَذَا مَا صَالَحَ عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَأَنَا رَسُولُ اللَّهِ»، فَخَرَجَ عَلَيْنَا ثَلَاثُونَ شَابًّا عَلَيْهِمُ السِّلَاحُ، فَثَارُوا فِي وجُوهِنَا، فَدَعَا عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَأَخَذَ اللَّهُ بِأَبْصَارِهِمْ، فَقُمْنَا إِلَيْهِمْ فَأَخَذْنَاهُمْ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «هَلْ خَرَجْتُمْ فِي أَمَانِ أَحَدٍ»، قَالَ: فَخَلَّى عَنْهُمْ، قَالَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ ﴿وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ﴾ [الفتح: ٢٤] ” حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ وَاقِدٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ، قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ بِالْحُدَيْبِيَةِ فِي أَصْلِ الشَّجَرَةِ الَّتِي قَالَ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ، وَكَانَ غُصْنٌ مِنْ أَغْصَانِ تِلْكَ الشَّجَرَةِ عَلَى ظَهْرِ النَّبِيِّ ﷺ، فَرَفَعْتُهُ عَنْ ظَهْرِهِ، ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ
٢١ / ٢٨٨
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا سَلَمَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثَنِي مَنْ لَا أَتَّهِمُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، «أَنَّ قُرَيْشًا، كَانُوا بَعَثُوا أَرْبَعِينَ رَجُلًا مِنْهُمْ أَوْ خَمْسِينَ، وَأَمَرُوهُمْ أَنْ يُطِيفُوا بِعَسْكَرِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، لِيُصِيبُوا مِنْ أَصْحَابِهِ أَحَدًا، فَأُخِذُوا أَخْذًا، فَأُتِيَ بِهِمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، وَخَلَّى سَبِيلَهُمْ، وَقَدْ كَانُوا رَمَوْا فِي عَسْكَرِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِالْحِجَارَةِ وَالنَّبْلِ» قَالَ ابْنُ حُمَيْدٍ: قَالَ سَلَمَةَ: قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَفِي ذَلِكَ قَالَ: ﴿وَهُوَ الَّذِي ⦗٢٩٠⦘ كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ﴾ [الفتح: ٢٤] الْآيَةَ
٢١ / ٢٨٩
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «أَقْبَلَ مُعْتَمِرًا نَبِيُّ اللَّهِ، فَأَخَذَ أَصْحَابُهُ نَاسًا مِنْ أَهْلِ الْحَرَمِ غَافِلِينَ، فَأَرْسَلَهُمُ النَّبِيُّ ﷺ، فَذَلِكَ الْإِظْفَارُ بِبَطْنِ مَكَّةَ»
٢١ / ٢٩٠
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ الْقَزَّازُ، قَالَ: ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَائِشَةَ، قَالَ: ثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، «أَنَّ ثَمَانِينَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، هَبَطُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَأَصْحَابِهِ مِنْ جَبَلِ التَّنْعِيمِ عِنْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ لِيَقْتُلُوهُمْ، فَأَخَذَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَأَعْتَقَهُمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ ﴿وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيكُمْ عَنْهُمْ﴾ [الفتح: ٢٤] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ»
٢١ / ٢٩٠
وَكَانَ قَتَادَةُ يَقُولُ فِي ذَلِكَ مَا: حَدَّثَنَا بِهِ بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: ﴿وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ﴾ [الفتح: ٢٤] الْآيَةَ، قَالَ: بَطْنُ مَكَّةَ الْحُدَيْبِيَةُ يُقَالُ لَهُ رُهْمٌ: اطَّلَعَ الثَّنِيَّةَ مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ، فَرَمَاهُ الْمُشْرِكُونَ بِسَهْمٍ فَقَتَلُوهُ، فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ خَيْلًا، فَأَتَوْهُ بِاثَنَيْ عَشَرَ فَارِسًا مِنَ الْكُفَّارِ، فَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ: «هَلْ لَكُمْ عَلَيَّ ⦗٢٩١⦘ عَهْدٌ؟ هَلْ لَكُمْ عَلَيَّ ذِمَّةٌ؟» قَالُوا: لَا، فَأَرْسَلَهُمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي ذَلِكَ الْقُرْآنَ ﴿وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ﴾ [الفتح: ٢٤] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا﴾ [الأحزاب: ٩] “
٢١ / ٢٩٠
وَقَالَ آخَرُونَ فِي ذَلِكَ مَا: حَدَّثَنَا بِهِ ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا يَعْقُوبُ الْقُمِّيُّ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنِ ابْنِ أَبْزَى، قَالَ: لَمَّا خَرَجَ النَّبِيُّ ﷺ بِالْهَدْيِ، وَانْتَهَى إِلَى ذِي الْحُلَيْفَةِ، قَالَ لَهُ عُمَرُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، تَدْخُلُ عَلَى قَوْمٍ لَكَ حَرْبٌ بِغَيْرِ سِلَاحٍ وَلَا كُرَاعٍ، قَالَ: فَبَعَثَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلَمْ يَدَعْ بِهَا كُرَاعًا وَلَا سِلَاحًا إِلَّا حَمَلَهُ؛ فَلَمَّا دَنَا مِنْ مَكَّةَ مَنَعُوهُ أَنْ يَدْخُلَ، فَسَارَ حَتَّى أَتَى مِنًى، فَنَزَلَ بِمِنًى، فَأَتَاهُ عَيْنُهُ أَنَّ عِكْرِمَةَ بْنَ أَبِي جَهْلٍ قَدْ خَرَجَ عَلَيْنَا فِي خَمْسِ مِئَةٍ، فَقَالَ لِخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ: «يَا خَالِدُ هَذَا ابْنُ عَمِّكَ قَدْ أَتَاكَ فِي الْخَيْلِ»، فَقَالَ خَالِدٌ: أَنَا سَيْفُ اللَّهِ وَسَيْفُ رَسُولِهِ، فَيَوْمَئِذٍ سُمِّيَ سَيْفَ اللَّهِ، يَا رَسُولَ اللَّهِ، ارْمِ بِي حَيْثُ شِئْتَ، فَبَعَثَهُ عَلَى خَيْلٍ، فَلَقِيَ عِكْرِمَةَ فِي الشِّعْبِ فَهَزَمَهُ حَتَّى أَدْخَلَهُ حِيطَانَ مَكَّةَ، ثُمَّ عَادَ فِي الثَّانِيَةِ فَهَزَمَهُ حَتَّى أَدْخَلَهُ حِيطَانَ مَكَّةَ، ثُمَّ عَادَ فِي الثَّالِثَةِ حَتَّى أَدْخَلَهُ حِيطَانَ مَكَّةَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ ﴿وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ﴾ [الفتح: ٢٤] إِلَى قَوْلِهِ ﴿عَذَابًا أَلِيمًا﴾ [النساء: ١٨] . قَالَ: فَكَفَّ اللَّهُ النَّبِيَّ عَنْهُمْ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَهُ عَلَيْهِمْ لِبَقَايَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا بَقُوا فِيهَا مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَهُ عَلَيْهِمْ كَرَاهِيَةَ أَنْ تَطَأَهُمُ الْخَيْلُ بِغَيْرِ عِلْمٍ
٢١ / ٢٩١
وَقَوْلُهُ: ﴿وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا﴾ [الأحزاب: ٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَكَانَ اللَّهُ بِأَعْمَالِكُمْ وَأَعْمَالِهِمْ بَصِيرًا لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهَا شَيْءٌ
٢١ / ٢٩٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلَا رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُّؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَّعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ مِنْ قُرَيْشٍ هُمُ الَّذِينَ جَحَدُوا تَوْحِيدَ اللَّهِ، وَصَدُّوكُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ عَنْ دُخُولِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَصَدُّوا الْهَدْيَ مَعْكُوفًا: يَقُولُ: مَحْبُوسًا عَنْ أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ فَمَوْضِعُ «أَنْ» نَصْبٌ لِتَعَلُّقِهِ إِنْ شِئْتَ بِمَعْكُوفٍ، وَإِنْ شِئْتَ بِصَدُّوا وَكَانَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ يَقُولُ فِي ذَلِكَ: وَصَدُّوا الْهَدْيَ مَعْكُوفًا كَرَاهِيَةَ أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَعَنَى بِقَوْلِهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ﴾ [الفتح: ٢٥] أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّ نَحْرِهِ، وَذَلِكَ دُخُولُ الْحَرَمِ، وَالْمَوْضِعُ الَّذِي إِذَا صَارَ إِلَيْهِ حَلَّ نَحْرُهُ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ سَاقَ مَعَهُ حِينَ خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ فِي سَفْرَتِهِ تِلْكَ سَبْعِينَ بَدَنَةً
٢١ / ٢٩٢
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا سَلَمَةُ، قَالَ: ثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، وَمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ، أَنَّهُمَا حَدَّثَاهُ، قَالَا: «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ يُرِيدُ زِيَارَةَ الْبَيْتِ، لَا يُرِيدُ قِتَالًا، وَسَاقَ الْهَدْيَ مَعَهُ سَبْعِينَ بَدَنَةً وَكَانَ النَّاسُ سَبْعَ مِئَةِ ⦗٢٩٣⦘ رَجُلٍ، فَكَانَتْ كُلُّ بَدَنَةٍ عَنْ عَشَرَةٍ» وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ﴾ [الفتح: ٢٥] قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢١ / ٢٩٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: ﴿هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا﴾ [الفتح: ٢٥] «أَيْ مَحْبُوسًا ﴿أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ﴾ [الفتح: ٢٥] وَأَقْبَلَ نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ وَأَصْحَابُهُ مُعْتَمِرِينَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ، وَمَعَهُمُ الْهَدْي، حَتَّى إِذَا كَانُوا بِالْحُدَيْبِيَةِ، صَدَّهُمُ الْمُشْرِكُونِ، فَصَالَحَهُمْ نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ عَلَى أَنْ يَرْجِعَ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ، ثُمَّ يَرْجِعُ مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ، فَيَكُونُ بِمَكَّةَ ثَلَاثَ لَيَالٍ، وَلَا يَدْخُلُهَا إِلَّا بِسِلَاحٍ الرَّاكِبِ، وَلَا يَخْرُجُ بِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِهَا، فَنَحَرُوا الْهَدْيَ، وَحَلَقُوا، وَقَصَّرُوا، حَتَّى إِذَا كَانَ مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ، أَقْبَلَ نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ وَأَصْحَابُهُ حَتَّى دَخَلُوا مَكَّةَ مُعْتَمِرِينَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ، فَأَقَامَ بِهَا ثَلَاثَ لَيَالٍ، وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ قَدْ فَجَرُوا عَلَيْهِ حِينَ رَدُّوهُ، فَأَقَصَّهُ اللَّهُ مِنْهُمْ فَأَدْخَلَهُ مَكَّةَ فِي ذَلِكَ الشَّهْرِ الَّذِي كَانُوا رَدُّوهُ فِيهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ ﴿الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ﴾ [البقرة: ١٩٤]»
٢١ / ٢٩٣
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُمَارَةَ الْأَسَدِيُّ، وَأَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، وَاللَّفْظُ لِابْنِ عُمَارَةَ، قَالَا: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ، عَنْ إِيَاسَ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: بَعَثَتْ قُرَيْشٌ سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو، وَحُوَيْطِبَ بْنَ عَبْدِ الْعُزَّى، وَحَفْصَ بْنَ فُلَانٍ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ لِيُصَالِحُوهُ فَلَمَّا رَآهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ⦗٢٩٤⦘ فِيهِمْ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: «قَدْ سَهَّلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ، الْقَوْمُ مَاتُّونَ إِلَيْكُمْ بِأَرْحَامِهِمْ وَسَائِلُوكُمُ الصُّلْحَ، فَابْعَثُوا الْهَدْيَ، وَأَظْهِرُوا التَّلْبِيَةَ، لَعَلَّ ذَلِكَ يُلَيِّنُ قُلُوبُهِمْ»، فَلَبُّوا مِنْ نَوَاحِي الْعَسْكَرِ حَتَّى ارْتَجَّتْ أَصْوَاتُهُمْ بِالتَّلْبِيَةِ، فَجَاءُوا فَسَأَلُوهُ الصُّلْحَ؛ قَالَ: فَبَيْنَمَا النَّاسُ قَدْ تَوَادَعُوا وَفِي الْمُسْلِمِينَ نَاسٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، قَالَ: فَقِيلَ بِهِ أَبُو سُفْيَانَ؛ قَالَ: وَإِذَا الْوَادِي يَسِيلُ بِالرِّجَالِ؛ قَالَ: قَالَ إِيَاسُ، قَالَ سَلَمَةُ: فَجِئْتُ بِسِتَّةٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ مُتَسَلِّحِينَ أَسُوقُهُمْ، لَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا، فَأَتَيْتُ بِهِمُ النَّبِيَّ ﷺ، فَلَمْ يَسْلُبْ وَلَمْ يَقْتُلْ وَعَفَا؛ قَالَ: فَشَدَّدْنَا عَلَى مَنْ فِي أَيْدِي الْمُشْرِكِينَ مِنَّا، فَمَا تَرَكْنَا فِي أَيْدِيهِمْ مِنَّا رَجُلًا إِلَّا اسْتَنْقَذْنَاهُ؛ قَالَ: وَغُلِبْنَا عَلَى مَنْ فِي أَيْدِينَا مِنْهُمْ؛ ثُمَّ إِنَّ قُرَيْشًا بَعَثُوا سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو، وَحُوَيْطِبًا، فَوَلُوا صُلْحَهُمْ، وَبَعَثَ النَّبِيُّ ﷺ عَلِيًّا فِي صُلْحِهِ؛ فَكَتَبَ عَلِيٌّ بَيْنَهُمْ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، هَذَا مَا صَالَحَ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قُرَيْشًا، صَالَحَهُمْ عَلَى أَنَّهُ لَا إِهْلَالَ وَلَا امْتِلَالَ، وَعَلَى أَنَّهُ مَنْ قَدِمَ مَكَّةَ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ ﷺ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا، أَوْ يَبْتَغِي مِنْ فَضْلِ اللَّهِ، فَهُوَ آمِنٌ عَلَى دَمِهِ وَمَالِهِ؛ وَمِنْ قَدِمَ الْمَدِينَةَ مِنْ قُرَيْشٍ مُجْتَازًا إِلَى مِصْرَ أَوْ إِلَى الشَّامِ يَبْتَغِي مِنْ فَضْلِ اللَّهِ، فَهُوَ آمِنٌ عَلَى دَمِهِ وَمَالِهِ؛ وَعَلَى أَنَّهُ مَنْ جَاءَ مُحَمَّدًا ﷺ مِنْ قُرَيْشٍ فَهُوَ إِلَيْهِمْ رَدٌّ، وَمَنْ جَاءَهُمْ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ فَهُوَ لَهُمْ فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَنْ جَاءَهُمْ مِنَّا فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ، ⦗٢٩٥⦘ وَمَنْ جَاءَنَا مِنْهُمْ فَرَدَدْنَاهُ إِلَيْهِمْ فَعَلِمَ اللَّهُ الْإِسْلَامَ مِنْ نَفْسِهِ، جَعَلَ لَهُ مَخْرَجًا» فَصَالَحُوهُ عَلَى أَنَّهُ يَعْتَمِرُ فِي عَامٍ قَابِلٍ فِي هَذَا الشَّهْرِ، لَا يَدْخُلُ عَلَيْنَا بِخَيْلٍ وَلَا سِلَاحٍ، إِلَّا مَا يَحْمِلُ الْمُسَافِرُ فِي قِرَابِهِ، يَثْوِي فِينَا ثَلَاثَ لَيَالٍ، وَعَلَى أَنَّ هَذَا الْهَدْيَ حَيْثُمَا حَبَسْنَاهُ مَحِلُّهُ لَا يُقَدِّمُهُ عَلَيْنَا فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «نَحْنُ نَسُوقُهُ وَأَنْتُمْ تَرُدُّونَ وُجُوهَهُ»، فَسَارَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مَعَ الْهَدْيِ وَسَارَ النَّاسُ “
٢١ / ٢٩٣
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُمَارَةَ، قَالَ: ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُوسَى، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو مُرَّةَ، مَوْلَى أُمِّ هَانِئٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: كَانَ الْهَدْيُ دُونَ الْجِبَالِ الَّتِي تَطْلُعُ عَلَى وَادِي الثَّنِيَّةِ عَرَضَ لَهُ الْمُشْرِكُونِ، فَرَدُّوا وُجُوهَهُ؛ قَالَ: فَنَحَرَ النَّبِيُّ ﷺ الْهَدْيَ حِينَ حَبَسُوهُ، وَهِيَ الْحُدَيْبِيَةُ، وَحَلَقَ، وَتَأَسَّى بِهِ أُنَاسٌ حِينَ رَأَوْهُ حَلَقَ، وَتَرَبَّصَ آخَرُونَ، فَقَالُوا: لَعَلَّنَا نَطُوفُ بِالْبَيْتِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «رَحِمَ اللَّهُ الْمُحَلِّقِينَ»، قِيلَ: وَالْمُقَصِّرِينَ، قَالَ: «رَحِمَ اللَّهُ الْمُحَلِّقِينَ»، قِيلَ: وَالْمُقَصِّرِينَ، قَالَ: «وَالْمُقَصِّرِينَ»
٢١ / ٢٩٥
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا الْحَكَمُ بْنُ بَشِيرٍ، قَالَ: ثَنَا عُمَرُ بْنُ ذَرٍّ الْهَمْدَانِيُّ، عَنْ مُجَاهِدٍ، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ «اعْتَمَرَ ثَلَاثَ عُمَرَ، كُلُّهَا فِي ذِي الْقَعْدَةِ، يَرْجِعُ فِي كُلِّهَا إِلَى الْمَدِينَةِ، مِنْهَا الْعُمْرَةُ الَّتِي صُدَّ فِيهَا الْهَدْيَ، فَنَحَرَهُ فِي مَحِلِّهِ، عِنْدَ الشَّجَرَةِ، وَشَارَطُوهُ أَنْ يَأْتِيَ فِي الْعَامِ الْمُقْبِلِ مُعْتَمِرًا، فَيَدْخُلَ مَكَّةَ، فَيَطُوفَ بِالْبَيْتِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، ثُمَّ يَخْرُجَ، وَلَا يَحْبِسُونَ عَنْهُ أَحَدًا قَدِمَ مَعَهُ، وَلَا يَخْرُجُ مِنْ مَكَّةَ بِأَحَدٍ كَانَ فِيهَا قَبْلَ قُدُومِهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ؛ فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ دَخَلَ مَكَّةَ، فَأَقَامَ بِهَا ثَلَاثًا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ؛ فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ قَرِيبًا مِنَ الظُّهْرِ، أَرْسَلُوا إِلَيْهِ: إِنَّ قَوْمَكَ قَدْ ⦗٢٩٦⦘ آذَاهُمْ مَقَامُكَ، فَنُودِيَ فِي النَّاسِ: لَا تَغْرُبُ الشَّمْسُ وَفِيهَا أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ قَدِمَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ»
٢١ / ٢٩٥
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ ﷺ زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ فِي بِضْعَ عَشْرَةَ مِئَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، حَتَّى إِذَا كَانُوا بِذِي الْحُلَيْفَةِ قَلَّدَ الْهَدْيَ وَأَشْعَرَهُ، وَأَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ، وَبَعَثَ بَيْنَ يَدَيْهِ عَيْنًا لَهُ مِنْ خُزَاعَةَ يُخْبِرُهُ عَنْ قُرَيْشٍ، وَسَارَ النَّبِيُّ ﷺ، حَتَّى إِذَا كَانَ بِغَدِيرِ الْأَشْطَاطِ قَرِيبًا مِنْ قُعَيْقِعَانَ، أَتَاهُ عَيْنُهُ الْخُزَاعِيُّ، فَقَالَ: إِنِّي تَرَكْتُ كَعْبَ بْنَ لُؤَيٍّ وَعَامِرَ بْنَ لُؤَيٍّ قَدْ جَمَعُوا لَكَ الْأَحَابِيشَ، وَجَمَعُوا لَكَ جُمُوعًا، وَهُمْ مُقَاتِلُوكَ وَصَادُّوكَ عَنِ الْبَيْتِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «أَشِيرُوا عَلَيَّ أَتَرَوْنَ أَنْ نَمِيلَ عَلَى ذَرَارِي هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَعَانُوهُمْ فَنُصِيبَهُمْ، فَإِنْ قَعَدُوا قَعَدُوا مَوْتُورِينَ مَحْزُونِينَ وَإِنْ لَحُّوا تَكُنْ عُنُقًا قَطَعَهَا اللَّهُ؟ أَمْ تَرَوْنَ أَنَّا نَؤُمُّ الْبَيْتَ، فَمَنْ صَدَّنَا عَنْهُ قَاتَلْنَاهُ؟» فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنَّا لَمْ نَأْتِ لِقِتَالِ أَحَدٍ، وَلَكِنْ مَنْ حَالَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْبَيْتِ قَاتَلْنَاهُ؛ فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «فَرُوحُوا إِذَا» . وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَقُولُ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا قَطُّ كَانَ أَكْثَرَ مُشَاوَرَةً لِأَصْحَابِهِ مِنَ النَّبِيِّ ﷺ، فَرَاحُوا حَتَّى إِذَا كَانُوا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ، قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «إِنَّ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ بِالْغَمِيمِ فِي خَيْلٍ لِقُرَيْشٍ طَلِيعَةً، فَخُذُوا ذَاتَ الْيَمِينِ» فَوَاللَّهِ مَا شَعَرَ بِهِمْ خَالِدٌ حَتَّى إِذَا هُوَ بِقَتَرَةِ الْجَيْشِ، فَانْطَلَقَ يَرْكُضُ نَذِيرًا لِقُرَيْشٍ، وَسَارَ النَّبِيُّ ﷺ، حَتَّى إِذَا كَانَ بِالثَّنِيَّةِ الَّتِي يَهْبِطُ عَلَيْهِمْ مِنْهَا، بَرَكَتْ بِهِ ⦗٢٩٧⦘ رَاحِلَتُهُ؛ فَقَالَ النَّاسُ: حَلْ حَلْ، فَقَالَ: «مَا حَلْ؟» فَقَالُوا: خَلَأَتِ الْقَصْوَاءُ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «مَا خَلَأَتْ وَمَا ذَاكَ لَهَا بِخُلُقٍ، وَلَكِنَّهَا حَبَسَهَا حَابِسُ الْفِيلِ»، ثُمَّ قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَسْأَلُونِي خُطَّةً يُعَظِّمُونَ بِهَا حُرُمَاتِ اللَّهِ إِلَّا أَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا»، ثُمَّ زُجِرَتْ فَوَثَبَتْ فَعَدَلَ عَنْهُمْ حَتَّى نَزَلَ بِأَقْصَى الْحُدَيْبِيَةِ عَلَى ثَمَدٍ قَلِيلِ الْمَاءِ، إِنَّمَا يَتَبَرَّضُهُ النَّاسُ تَبَرُّضًا، فَلَمْ يَلْبَثِ النَّاسُ أَنْ نَزَحُوهُ فَشُكِيَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ الْعَطَشُ، فَنَزَعَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ، ثُمَّ أَمَرَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوهُ فِيهِ، فَوَاللَّهِ مَا زَالَ يَجِيشُ لَهُمْ بِالرِّيِّ حَتَّى صَدَرُوا عَنْهُ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ جَاءَ بُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ الْخُزَاعِيُّ فِي نَفَرٍ مِنْ خُزَاعَةَ، وَكَانُوا عَيْبَةً نُصْحِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِنْ أَهْلِ تِهَامَةَ، فَقَالَ: إِنِّي تَرَكْتُ كَعْبَ بْنَ لُؤَيٍّ، وَعَامِرَ بْنَ لُؤَيٍّ، قَدْ نَزَلُوا أَعْدَادَ مِيَاهِ الْحُدَيْبِيَةِ مَعَهُمُ الْعُوذُ الْمَطَافِيلُ، وَهُمْ مُقَاتِلُوكَ وَصَادُّوكَ عَنِ الْبَيْتِ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «إِنَّا لَمْ نَأْتِ لِقِتَالِ أَحَدٍ، وَلَكِنَّا جِئْنَا مُعْتَمِرِينَ، وَإِنَّ قُرَيْشًا قَدْ نَهَكَتْهُمُ الْحَرْبُ، وَأَضَرَّتْ بِهِمْ، فَإِنْ شَاءُوا مَادَدْنَاهُمْ مُدَّةً، وَيُخَلُّوا بَيْنِي وَبَيْنَ النَّاسِ، فَإِنْ أَظْهَرْ فَإِنْ شَاءُوا أَنْ يَدْخُلُوا فِيمَا دَخَلَ فِيهِ النَّاسُ فَعَلُوا، وَإِلَّا فَقَدْ جَمُّوا وَإِنْ هُمْ ⦗٢٩٨⦘ أَبَوْا فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأُقَاتِلَنَّهُمْ عَلَى أَمْرِي هَذَا حَتَّى تَنْفَرِدَ سَالِفَتِي، أَوْ لَيُنْفِذَنَّ اللَّهُ أَمْرَهُ» فَقَالَ بُدَيْلٌ: سَنُبَلِّغُهُمْ مَا تَقُولُ، فَانْطَلَقَ حَتَّى أَتَى قُرَيْشًا، فَقَالَ: إِنَّا جِئْنَاكُمْ مِنْ عِنْدِ هَذَا الرَّجُلِ، وَسَمِعْنَاهُ يَقُولُ قَوْلًا فَإِنْ شِئْتُمْ أَنْ نَعْرِضَهُ عَلَيْكُمْ فَعَلْنَا؛ قَالَ سُفَهَاؤُهُمْ: لَا حَاجَةَ لَنَا فِي أَنْ تُحَدِّثَنَا عَنْهُ بِشَيْءٍ، وَقَالَ ذَوُو الرَّأْيِ مِنْهُمْ: هَاتِ مَا سَمِعْتَهُ؛ يَقُولُ: قَالَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ كَذَا وَكَذَا، فَحَدَّثَهُمْ بِمَا قَالَ النَّبِيُّ ﷺ، فَقَامَ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيُّ، فَقَالَ: أَيْ قَوْمِ، أَلَسْتُمْ بِالْوَلَدِ؟ قَالُوا: بَلَى؛ قَالَ: أَوَلَسْتُ بِالْوَالِدِ؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: فَهَلْ أَنْتُمْ تَتَّهِمُونِي؟ قَالُوا: لَا؛ قَالَ: أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنِّي اسْتَنْفَرْتُ أَهْلَ عُكَاظَ، فَلَمَّا بَلَّحُوا عَلَيَّ جِئْتُكُمْ بِأَهْلِي وَوَلَدِي وَمَنْ أَطَاعَنِي؟ قَالُوا: بَلَى؛ قَالَ: فَإِنَّ هَذَا الرَّجُلَ قَدْ عَرَضَ عَلَيْكُمْ خُطَّةَ رُشْدٍ فَاقْبَلُوهَا، وَدَعُونِي آتِهِ؛ فَقَالُوا: ائْتِهِ، فَأَتَاهُ، فَجَعَلَ يُكَلِّمُ النَّبِيَّ ﷺ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ نَحْوًا مِنْ مَقَالَتِهِ لِبُدَيْلٍ؛ فَقَالَ عُرْوَةُ عِنْدَ ذَلِكَ: أَيْ مُحَمَّدُ، أَرَأَيْتَ إِنِ اسْتَأْصَلْتَ قَوْمَكَ، فَهَلْ سَمِعْتَ بِأَحَدٍ مِنَ الْعَرَبِ اجْتَاحَ أَصْلَهُ قَبْلَكَ وَإِنْ تَكُنِ الْأُخْرَى فَوَاللَّهِ إِنِّي لَأَرَى وجُوهًا وَأَوْبَاشًا مِنَ النَّاسِ خَلِيقًا أَنْ يَفِرُّوا وَيَدَعُوكَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: امْصُصْ بَظْرَ اللَّاتِ وَاللَّاتِ: طَاغِيَةُ ثَقِيفٍ الَّذِي كَانُوا يَعْبُدُونَ، أَنَحْنُ نَفِرُّ وَنَدَعُهُ؟ ⦗٢٩٩⦘ فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالُوا: أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ: أَمَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْلَا يَدٌ كَانَتْ لَكَ عِنْدِي لَمْ أَجْزِكَ بِهَا لَأَجَبْتُكَ؛ وَجَعَلَ يُكَلِّمُ النَّبِيَّ ﷺ، فَكُلَّمَا كَلَّمَهُ أَخَذَ بِلِحْيَتِهِ، وَالْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِ النَّبِيِّ ﷺ ومَعَهُ السَّيْفُ، وَعَلَيْهِ الْمِغْفَرُ؛ فَكُلَّمَا أَهْوَى عُرْوَةُ إِلَى لِحْيَةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، ضَرَبَ يَدَهُ بِنَصْلِ السَّيْفِ، وَقَالَ: أَخِّرْ يَدَكَ عَنْ لِحْيَتِهِ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: «مُنْ هَذَا؟» قَالُوا: الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ، قَالَ: «أَيْ غُدَرُ أَوَلَسْتُ أَسْعَى فِي غُدْرَتِكَ» وَكَانَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ صَحِبَ قَوْمًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَتَلَهُمْ وَأَخَذَ أَمْوَالَهُمْ، ثُمَّ جَاءَ فَأَسْلَمَ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «أَمَّا الْإِسْلَامُ فَقَدْ قَبِلْنَاهُ، وَأَمَّا الْمَالُ فَإِنَّهُ مَالُ غَدْرٍ لَا حَاجَةَ لَنَا فِيهِ» وَإِنَّ عُرْوَةَ جَعَلَ يَرْمُقُ أَصْحَابَ النَّبِيِّ ﷺ بِعَيْنِهِ، فَوَاللَّهِ إِنْ تَنَخَّمَ النَّبِيُّ ﷺ نُخَامَةً إِلَّا وَقَعَتْ فِي كَفِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ، فَدَلَكَ بِهَا وَجْهَهُ وَجِلْدَهُ، وَإِذَا أَمَرَهُمُ ابْتَدَرُوا أَمْرَهُ، وَإِذَا تَوَضَّأَ كَادُوا يَقْتَتِلُونَ عَلَى وَضُوئِهِ، وَإِذَا تَكَلَّمَ خَفَضُوا أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَهُ، وَمَا يُحِدُّونَ النَّظَرَ إِلَيْهِ تَعْظِيمًا لَهُ، فَرَجَعَ عُرْوَةُ إِلَى أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: أَيْ قَوْمِ، وَاللَّهِ لَقَدْ وَفَدْتُ عَلَى الْمُلُوكِ، وَوَفَدْتُ عَلَى قَيْصَرَ وَكِسْرَى وَالنَّجَاشِيِّ، وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ مَلِكًا قَطُّ يُعَظِّمُهُ أَصْحَابُهُ مَا يُعَظِّمُ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ مُحَمَّدًا؛ وَاللَّهِ إِنْ تَنَخَّمَ نُخَامَةً إِلَّا وَقَعَتْ فِي كَفِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ فَدَلَكَ بِهَا وَجْهَهُ وَجِلْدَهُ، وَإِذَا أَمَرَهُمُ ابْتَدَرُوا أَمْرَهُ، وَإِذَا تَوَضَّأَ كَادُوا يَقْتَتِلُونَ عَلَى وَضُوئِهِ، وَإِذَا تَكَلَّمُوا عِنْدَهُ خَفَوْا أَصْوَاتَهُمْ، وَمَا يُحِدُّونَ النَّظَرَ إِلَيْهِ تَعْظِيمًا لَهُ، وَإِنَّهُ قَدْ عَرَضَ عَلَيْكُمْ خُطَّةَ رُشْدٍ فَاقْبَلُوهَا فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ كِنَانَةَ: دَعُونِي آتِهِ، فَقَالُوا: ائْتِهِ؛ فَلَمَّا أَشْرَفَ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ وَأَصْحَابِهِ، قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «هَذَا فُلَانٌ، وَهُوَ مِنْ قَوْمٍ يُعَظِّمُونَ الْبُدْنَ، فَابْعَثُوهَا لَهُ»، فَبُعِثَتْ لَهُ، وَاسْتَقْبَلَهُ قَوْمٌ يُلَبُّونَ؛ فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ قَالَ: ⦗٣٠٠⦘ سُبْحَانَ اللَّهِ، مَا يَنْبَغِي لِهَؤُلَاءِ أَنْ يُصَدُّوا عَنِ الْبَيْتِ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ مِكْرَزُ بْنُ حَفْصٍ، فَقَالَ: دَعُونِي آتِهِ، فَقَالُوا ائْتِهِ، فَلَمَّا أَشْرَفَ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ وَأَصْحَابِهِ، قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «هَذَا مِكْرَزُ بْنُ حَفْصٍ، وَهُوَ رَجُلٌ فَاجِرٌ» فَجَاءَ فَجَعَلَ يُكَلِّمُ النَّبِيَّ ﷺ، فَبَيْنَمَا هُوَ يُكَلِّمُهُ، إِذْ جَاءَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ أَيُّوبُ: قَالَ عِكْرِمَةُ: إِنَّهُ لَمَّا جَاءَ سُهَيْلٌ، قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «قَدْ سُهِّلَ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ» . قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَجَاءَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو، فَقَالَ: هَاتِ نَكْتُبُ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ كِتَابًا؛ فَدَعَا الْكَاتِبَ فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «اكْتُبْ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ»، فَقَالَ: مَا الرَّحْمَنُ؟ فَوَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا هُوَ، وَلَكِنِ اكْتُبْ: بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ كَمَا كُنْتَ تَكْتُبُ، فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: وَاللَّهِ لَا نَكْتُبُهَا إِلَّا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «اكْتُبْ بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ» ثُمَّ قَالَ: «اكْتُبْ: هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ»، فَقَالَ سُهَيْلٌ: وَاللَّهِ لَوْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ مَا صَدَدْنَاكَ عَنِ الْبَيْتِ، وَلَا قَاتَلْنَاكَ، وَلَكِنِ اكْتُبْ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «وَاللَّهِ إِنِّي لِرَسُولُ اللَّهِ وَإِنْ كَذَّبْتُمُونِي، وَلَكِنِ اكْتُبْ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ»؛ قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ: «وَاللَّهِ لَا يَسْأَلُونِي خُطَّةً يُعَظِّمُونَ بِهَا حُرُمَاتِ اللَّهِ إِلَّا أَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا»؛ فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «عَلَى أَنْ تُخَلُّوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْبَيْتِ، فَنَطُوفَ بِهِ»؛ قَالَ سُهَيْلٌ: وَاللَّهِ لَا تَتَحَدَّثُ الْعَرَبُ أَنَّا أَخَذْنَا ضَغْطَةً، وَلَكِنْ لَكَ مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ، فَكَتَبَ فَقَالَ سُهَيْلٌ: وَعَلَى أَنَّهُ لَا يَأْتِيكَ مِنَّا رَجُلٌ وَإِنْ كَانَ عَلَى دِينِكَ إِلَّا رَدَدْتَهُ إِلَيْنَا، فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَكَيْفَ يُرَدُّ إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَقَدْ جَاءَ مُسْلِمًا؟ فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ، إِذَا جَاءَ أَبُو جَنْدَلِ بْنُ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو يَرْسُفُ فِي قُيُودِهِ، قَدْ خَرَجَ مِنْ أَسْفَلِ مَكَّةَ حَتَّى رَمَى بِنَفْسِهِ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ سُهَيْلٌ: هَذَا يَا ⦗٣٠١⦘ مُحَمَّدُ أَوَّلُ مَنْ أُقَاضِيكَ عَلَيْهِ أَنْ تَرُدَّهُ إِلَيْنَا، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «فَأَجِرْهُ لِي»، فَقَالَ: مَا أَنَا بِمُجِيرُهُ لَكَ، قَالَ: «بَلَى فَافْعَلْ»، قَالَ: مَا أَنَا بِفَاعِلٍ؛ قَالَ صَاحِبُهُ مِكْرَزُ وَسُهَيْلٌ إِلَى جَنْبِهِ: قَدْ أَجَرْنَاهُ لَكَ؛ فَقَالَ أَبُو جَنْدَلٍ: أَيْ مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ، أَأُرَدُّ إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَقَدْ جِئْتُ مُسْلِمًا؟ أَلَا تَرَوْنَ مَا قَدْ لَقِيتُ؟ كَانَ قَدْ عُذِّبَ عَذَابًا شَدِيدًا فِي اللَّهِ. قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: وَاللَّهِ مَا شَكَكْتُ مُنْذُ أَسْلَمْتُ إِلَّا يَوْمَئِذٍ، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ، فَقُلْتُ: أَلَسْنَا عَلَى الْحَقِّ وَعَدُوُّنَا عَلَى الْبَاطِلِ؟ قَالَ: «بَلَى»، قُلْتُ: فَلِمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا إِذَنْ؟ قَالَ: «إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ، وَلَسْتُ أَعْصِيهِ وَهُوَ نَاصِرِي»، قُلْتُ: أَلَسْتَ تُحَدِّثُنَا أَنَّا سَنَأْتِي الْبَيْتَ، فَنَطُوفُ بِهِ؟ قَالَ: «بَلَى»، قَالَ: «فَأَخْبَرْتُكَ أَنَّكَ تَأْتِيهِ الْعَامَ؟» قُلْتُ: لَا، قَالَ: «فَإِنَّكَ آتِيهِ وَمُتَطَوِّفٌ بِهِ»؛ قَالَ: ثُمَّ أَتَيْتُ أَبَا بَكْرٍ، فَقُلْتُ: أَلَيْسَ هَذَا نَبِيُّ اللَّهِ حَقًّا؟ قَالَ: بَلَى، قُلْتُ: أَلَسْنَا عَلَى الْحَقِّ وَعَدُوُّنَا عَلَى الْبَاطِلِ؟ قَالَ: بَلَى، قُلْتُ: فَلِمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا إِذًا؟ قَالَ: أَيُّهَا الرَّجُلُ إِنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ، وَلَيْسَ يَعْصِي رَبَّهُ، فَاسْتَمْسِكْ بِغَرْزِهِ حَتَّى تَمُوتَ، فَوَاللَّهِ إِنَّهُ لَعَلَى الْحَقِّ؛ قُلْتُ: أَوَلَيْسَ كَانَ يُحَدِّثُنَا أَنَّا سَنَأْتِي الْبَيْتَ وَنَطُوفُ بِهِ؟ قَالَ: بَلَى، أَفَأَخْبَرَكَ أَنَّكُ تَأْتِيهِ الْعَامَ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَإِنَّكَ آتِيهِ وَمُتَطَوِّفٌ بِهِ قَالَ الزُّهْرِيُّ: قَالَ عُمَرُ: فَعَمِلْتُ لِذَلِكَ أَعْمَالًا؛ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ قِصَّتِهِ، قَالَ النَّبِيُّ ﷺ لِأَصْحَابِهِ: «قُومُوا فَانْحَرُوا ثُمَّ احْلِقُوا»، قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا قَامَ مِنَّا رَجُلٌ حَتَّى قَالَ ذَلِكَ ⦗٣٠٢⦘ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ؛ فَلَمَّا لَمْ يَقُمْ مِنْهُمْ أَحَدٌ، قَامَ فَدَخَلَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ، فَذَكَرَ لَهَا مَا لَقِيَ مِنَ النَّاسِ، فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتُحِبُّ ذَلِكَ؟ اخْرُجْ، ثُمَّ لَا تُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ كَلِمَةً حَتَّى تَنْحَرَ بُدْنَكَ، وَتَدْعُوَ حَالِقَكَ فَيَحْلِقَكَ، فَقَامَ فَخَرَجَ فَلَمْ يُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ كَلِمَةً، حَتَّى نَحَرَ بُدْنَهُ، وَدَعَا حَالِقَهُ فَحَلَقَهُ؛ فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ قَامُوا فَنَحَرُوا، وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَحْلِقُ بَعْضًا، حَتَّى كَادَ بَعْضُهُمْ يَقْتُلُ بَعْضًا غَمًّا؛ ثُمَّ جَاءَهُ نِسْوَةٌ مُؤْمِنَاتٌ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل عَلَيْهِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ﴾ [الممتحنة: ١٠] حَتَّى بَلَغَ ﴿بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ﴾ [الممتحنة: ١٠] قَالَ: فَطَلَّقَ عُمَرُ يَوْمَئِذٍ امْرَأَتَيْنِ كَانَتَا لَهُ فِي الشِّرْكِ؛ قَالَ: فَنَهَاهُمْ أَنْ يَرُدُّوهُنَّ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَرُدُّوا الصَّدَاقَ حِينَئِذٍ؛ قَالَ رَجُلٌ لِلزُّهْرِيِّ: أَمِنْ أَجْلِ الْفُرُوجِ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَتَزَوَّجَ إِحْدَاهُمَا مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، وَالْأُخْرَى صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ، ثُمَّ رَجَعَ النَّبِيُّ ﷺ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَجَاءَهُ أَبُو بَصِيرٍ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ، وَهُوَ مُسْلِمٌ، فَأَرْسَلَ فِي طَلَبِهِ رَجُلَانِ، فَقَالَا: الْعَهْدُ الَّذِي جَعَلْتَ لَنَا، فَدَفَعَهُ إِلَى الرَّجُلَيْنِ، فَخَرَجَا بِهِ، حَتَّى إِذَا بَلَغَا ذَا الْحُلَيْفَةِ، فَنَزَلُوا يَأْكُلُونَ مِنْ تَمْرٍ لَهُمْ، فَقَالَ أَبُو بَصِيرٍ لِأَحَدِ الرَّجُلَيْنِ: وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرَى سَيْفَكَ هَذَا يَا فُلَانُ جَيِّدًا، فَاسْتَلَّهُ الْآخَرُ فَقَالَ: وَاللَّهِ إِنَّهُ لَجَيِّدٌ، لَقَدْ جَرَّبْتُ بِهِ وَجَرَّبْتُ؛ فَقَالَ أَبُو بَصِيرٍ: أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْهِ، فَأَمْكَنَهُ مِنْهُ، فَضَرَبَهُ بِهِ حَتَّى بَرَدَ وَفَرَّ الْآخَرُ حَتَّى أَتَى الْمَدِينَةَ، فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ يَعْدُو، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «رَأَى هَذَا ذُعْرًا»، فَقَالَ: وَاللَّهِ قُتِلَ صَاحِبِي، وَإِنِّي وَاللَّهِ لَمَقْتُولٌ، فَجَاءَ أَبُو بَصِيرٍ فَقَالَ: قَدْ وَاللَّهِ أَوْفَى اللَّهُ ذِمَّتَكَ وَرَدَدْتَنِي إِلَيْهِمْ، ثُمَّ أَغَاثَنِي اللَّهُ مِنْهُمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «وَيْلُ أُمِّهِ مِسْعَرُ حَرْبٍ لَوْ كَانَ لَهُ أَحَدٌ» فَلَمَّا سَمِعَ عَرَفَ أَنَّهُ سَيَرُدُّهُ إِلَيْهِمْ؛ قَالَ: فَخَرَجَ حَتَّى أَتَى سِيفَ الْبَحْرِ، وَتَفَلَّتَ أَبُو جَنْدَلِ بْنُ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو، فَلَحِقَ بِأَبِي بَصِيرٍ، فَجَعَلَ لَا ⦗٣٠٣⦘ يَخْرُجُ مِنْ قُرَيْشٍ رَجُلٌ قَدْ أَسْلَمَ إِلَّا لَحِقَ بِأَبِي بَصِيرٍ، حَتَّى اجْتَمَعَتْ مِنْهُمْ عِصَابَةٌ، فَوَاللَّهِ مَا يَسْمَعُونَ بِعِيرٍ خَرَجَتْ لِقُرَيْشٍ إِلَى الشَّأْمِ إِلَّا اعْتَرَضُوا لَهُمْ فَقَتَلُوهُمْ، وَأَخَذُوا أَمْوَالَهُمْ، فَأَرْسَلَتْ قُرَيْشٌ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ يُنَاشِدُونَهُ اللَّهَ وَالرَّحِمَ لَمَا أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ، فَمَنْ أَتَاهُ فَهُوَ آمِنٌ فَأَنْزَلَ اللَّهُ ﴿وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ﴾ [الفتح: ٢٤] حَتَّى بَلَغَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ وَكَانَتْ حَمِيَّتُهُمْ أَنَّهُمْ لَمْ يُقِرُّوا أَنَّهُ نَبِيٌّ، وَلَمْ يُقِرُّوا بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَحَالُوا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْبَيْتِ
٢١ / ٢٩٦
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، وَمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ، قَالَا: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ فِي بِضْعَ عَشْرَةَ مِائَةٍ، ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَهُ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ فِي حَدِيثِهِ: قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَحَدَّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ: فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ، فَقُلْتُ: أَلَسْتَ بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ؟ قَالَ: «بَلَى»، قَالَ أَيْضًا: وَخَرَجَ أَبُو بَصِيرٍ وَالَّذِينَ أَسْلَمُوا مِنَ الَّذِينَ رَدَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حَتَّى لَحِقُوا بِالسَّاحِلِ عَلَى طَرِيقِ عِيرِ قُرَيْشٍ، فَقَتَلُوا مَنْ فِيهَا مِنَ الْكُفَّارِ وَتَغَنَّمُوهَا؛ فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ، رَكِبَ نَفَرٌ مِنْهُمْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقَالُوا لَهُ: إِنَّهَا لَا تُغْنِي مُدَّتُكَ شَيْئًا، وَنَحْنُ نُقْتَلُ وَتُنْهَبُ أَمْوَالُنَا، وَإِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تُدْخِلَ هَؤُلَاءِ فِي الَّذِينَ أَسْلَمُوا مِنَّا فِي صُلْحِكَ وَتَمْنَعَهُمْ، وَتَحْجِزَ عَنَّا قِتَالَهُمْ، فَفَعَلَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ﴾ [الفتح: ٢٤] ” ثُمَّ ⦗٣٠٤⦘ سَاقَ الْحَدِيثَ إِلَى آخِرِهِ، نَحْوَ حَدِيثِ ابْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى
٢١ / ٣٠٣
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، وَمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ أَنَّهُمَا حَدَّثَاهُ، قَالَا: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ، يُرِيدُ زِيَارَةَ الْبَيْتِ، لَا يُرِيدُ قِتَالًا، وَسَاقَ مَعَهُ هَدْيَهُ سَبْعِينَ بَدَنَةً، حَتَّى إِذَا كَانَ بِعُسْفَانَ لَقِيَهُ بِشْرُ بْنُ سُفْيَانَ الْكَعْبِيُّ، فَقَالَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذِهِ قُرَيْشٌ قَدْ سَمِعَتْ بِمَسِيرِكَ، فَخَرَجُوا مَعَهُمُ الْعُوذُ الْمَطَافِيلُ قَدْ لَبِسُوا جُلُودَ النُّمُورِ، وَنَزَلُوا بِذِي طُوًى يُعَاهِدُونَ اللَّهَ، لَا تَدْخُلَهَا عَلَيْهِمْ أَبَدًا، وَهَذَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فِي خَيْلِهِمْ، قَدْ قَدَّمُوهَا إِلَى كُرَاعِ الْغَمِيمِ؛ قَالَ: فَقَالَ ﷺ: «يَا وَيْحَ قُرَيْشٍ لَقَدْ أَهْلَكَتْهُمُ الْحَرْبُ، مَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ خَلَّوْا بَيْنِي وَبَيْنَ سَائِرِ الْعَرَبِ فَإِنْ هُمْ أَصَابُونِي كَانَ ذَلِكَ الَّذِي أَرَادُوا، وَإِنْ أَظْهَرَنِي اللَّهُ عَلَيْهِمْ دَخَلُوا فِي الْإِسْلَامِ دَاخِرِينَ» ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ مَعْمَرٍ بِزِيَادَاتٍ فِيهِ كَثِيرَةٍ، عَلَى حَدِيثِ مَعْمَرٍ تَرَكْتُ ذِكْرَهَا
٢١ / ٣٠٤
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ﴾ [الفتح: ٢٥] قَالَ: «كَانَ الْهَدْي بِذِي طُوًى، وَالْحُدَيْبِيَةُ خَارِجَةٌ مِنَ الْحَرَمِ، نَزَلَهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حِينَ غَوَّرَتْ قُرَيْشٌ عَلَيْهِ الْمَاءَ»
٢١ / ٣٠٤
وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبُكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَوْلَا رِجَالٌ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ وَنِسَاءٌ مِنْهُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ أَنْ تَطَئُوهُمْ بِخَيْلِكُمْ وَرَجْلِكُمْ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ بِمَكَّةَ، وَقَدْ حَبَسَهُمُ الْمُشْرِكُونَ بِهَا عَنْكُمْ، فَلَا يَسْتَطِيعُونَ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ الْخُرُوجَ إِلَيْكُمْ فَتَقْتُلُوهُمْ
٢١ / ٣٠٥
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: ﴿وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ﴾ [الفتح: ٢٥] حَتَّى بَلَغَ ﴿بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ [الفتح: ٢٥] هَذَا حِينَ رُدَّ مُحَمَّدٌ ﷺ وَأَصْحَابُهُ أَنْ يَدْخُلُوا مَكَّةَ، فَكَانَ بِهَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ، فَكَرِهَ اللَّهُ أَنْ يُؤْذَوْا أَوْ يُوطَئُوا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَتُصِيبُكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ ” وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمَعَرَّةِ الَّتِي عَنَاهَا اللَّهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَنَى بِهَا الْإِثْمَ
٢١ / ٣٠٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبُكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ قَالَ: «٣٦ إِثْمٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ» وَقَالَ آخَرُونَ: عَنَى بِهَا غُرْمَ الدِّيَةِ
٢١ / ٣٠٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، ﴿فَتُصِيبُكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ
٢١ / ٣٠٥
بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ [الفتح: ٢٥] «فَتَخَرَّجُوا دِيَتَهُ، فَأَمَّا إِثْمٌ فَلَمْ يَحْسُبْهُ عَلَيْهِمْ» وَالْمَعَرَّةُ: هِيَ الْمَفْعَلَةُ مِنَ الْعُرِّ، وَهُوَ الْجَرَبُ وَإِنَّمَا الْمَعْنَى: فَتُصِيبُكُمْ مِنْ قِبَلِهِمِ مَعَرَّةٌ تُعَرُّونَ بِهَا، يَلْزَمُكُمْ مِنْ أَجْلِهَا كَفَّارَةُ قَتْلِ الْخَطَأِ، وَذَلِكَ عِتْقُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ، مَنْ أَطَاقَ ذَلِكَ، وَمَنْ لَمْ يُطِقْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ وَإِنَّمَا اخْتَرْتُ هَذَا الْقَوْلَ دُونَ الْقَوْلِ الَّذِي قَالَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ، لِأَنَّ اللَّهَ إِنَّمَا أَوْجَبَ عَلَى قَاتِلِ الْمُؤْمِنِ فِي دَارِ الْحَرْبِ إِذَا لَمْ يَكُنْ هَاجَرَ مِنْهَا، وَلَمْ يَكُنْ قَاتَلَهُ عَلِمَ إِيمَانَهُ الْكَفَّارَةَ دُونَ الدِّيَةِ، فَقَالَ: ﴿فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ﴾ [النساء: ٩٢] لَمْ يُوجِبْ عَلَى قَاتِلِهِ خَطَأَ دِيَتِهِ، فَلِذَلِكَ قُلْنَا: عَنَى بِالْمَعَرَّةِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ الْكَفَّارَةَ، وَ﴿أَنْ﴾ [الفتح: ٢٥] مِنْ قَوْلِهِ: ﴿أَنْ تَطَئُوهُمْ﴾ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ رَدًّا عَلَى الرِّجَالِ، لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ: وَلَوْلَا أَنْ تَطَئُوا رِجَالًا مُؤْمِنِينَ وَنِسَاءً مُؤْمِنَاتٍ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ، فَتُصِيبُكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لَأَذِنَ اللَّهُ لَكُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ فِي دُخُولِ مَكَّةَ، وَلَكِنَّهُ حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ ذَلِكَ ﴿لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ﴾ [الفتح: ٢٥] يَقُولُ: لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي الْإِسْلَامِ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ مَنْ يَشَاءُ قَبْلَ أَنْ تَدْخُلُوهَا، وَحَذَفَ جَوَابَ لَوْلَا اسْتِغْنَاءً بِدِلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ
٢١ / ٣٠٦
وَقَوْلُهُ: ﴿لَوْ تَزَيَّلُوا﴾ [الفتح: ٢٥] يَقُولُ: لَوْ تَمَيَّزَ الَّذِينَ فِي مُشْرِكِي مَكَّةَ مِنَ الرِّجَالِ الْمُؤْمِنِينَ وَالنِّسَاءِ الْمُؤْمِنَاتِ الَّذِينَ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ مِنْهُمْ، فَفَارَقُوهُمْ وَخَرَجُوا مِنْ بَيْنِ ⦗٣٠٧⦘ أَظْهُرِهِمْ ﴿لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾ [الفتح: ٢٥] يَقُولُ: لَقَتَلْنَا مَنْ بَقِيَ فِيهَا بِالسَّيْفِ، أَوْ لَأَهْلَكْنَاهُمْ بِبَعْضِ مَا يُؤْلِمُهُمْ مِنْ عَذَابِنَا الْعَاجِلِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢١ / ٣٠٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: ﴿لَوْ تَزَيَّلُوا﴾ [الفتح: ٢٥] الْآيَةَ، «إِنَّ اللَّهَ يَدْفَعُ بِالْمُؤْمِنِينَ عَنِ الْكُفَّارِ»
٢١ / ٣٠٧
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ ﴿لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ﴾ [الفتح: ٢٥] «يَعْنِي أَهْلَ مَكَّةَ كَانَ فِيهِمْ مُؤْمِنُونَ مُسْتَضْعَفُونَ: يَقُولُ اللَّهُ لَوْلَا أُولَئِكَ الْمُسْتَضْعَفُونَ لَوْ قَدْ تَزَيَّلُوا، لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا»
٢١ / ٣٠٧
حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿لَوْ تَزَيَّلُوا﴾ [الفتح: ٢٥] «لَوْ تَفَرَّقُوا، فَتَفَرَّقَ الْمُؤْمِنُ مِنَ الْكَافِرِ، لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا»
٢١ / ٣٠٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا﴾ [الفتح: ٢٦] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ ⦗٣٠٨⦘ الْجَاهِلِيَّةِ﴾ [الفتح: ٢٦] حِينَ جَعَلَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو فِي قَلْبِهِ الْحَمِيَّةَ، فَامْتَنَعَ أَنْ يَكْتُبَ فِي كِتَابِ الْمُقَاضَاةِ الَّذِي كَتَبَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَالْمُشْرِكِينَ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَأَنْ يَكْتُبَ فِيهِ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، وَامْتَنَعَ هُوَ وَقَوْمُهُ مِنْ دُخُولِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عَامَهُ ذَلِكَ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢١ / ٣٠٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: «كَانَتْ حَمِيَّتُهُمُ الَّتِي ذَكَرَ اللَّهُ، إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ، أَنَّهُمْ لَمْ يُقِرُّوا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَحَالُوا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْبَيْتِ» حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ بِنَحْوِهِ
٢١ / ٣٠٨
حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ الْعُثْمَانِيُّ، قَالَ: ثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ: ثَنِي أَخِي، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَمَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَقَدْ عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلَّا بِحَقِّهِ وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ» وَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ، فَذَكَرَ قَوْمًا اسْتَكْبَرُوا فَقَالَ: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا ⦗٣٠٩⦘ قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ﴾ [الصافات: ٣٥] وَقَالَ اللَّهُ: ﴿إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا﴾ [الفتح: ٢٦] وَهِيَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، اسْتَكْبَرَ عَنْهَا الْمُشْرِكُونَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ، يَوْمَ كَاتَبَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلَى قَضِيَّةِ الْمُدَّةِ وَ«إِذْ» مِنْ قَوْلِهِ: ﴿إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [الفتح: ٢٦] مِنْ صِلَةِ قَوْلِهِ: لَعَذَّبْنَا وَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ: لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا، حِينَ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ، وَالْحَمِيَّةُ فَعِيلَةٌ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: حَمَى فُلَانٌ أَنْفَهُ حَمِيَّةً وَمَحْمِيَّةً؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الْمُتَلَمِّسِ:
أَلَا إِنَّنِي مِنْهُمْ وَعِرْضِيَ عِرْضُهُمْ … كَذَا الرَّأْسُ يَحْمِي أَنْفَهُ أَنَ يُكَشَّمَا
يَعْنِي بِقَوْلِهِ: «يَحْمِي»: يَمْنَعُ وَقَالَ ﴿حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ﴾ [الفتح: ٢٦] لِأَنَّ الَّذِي فَعَلُوا مِنْ ذَلِكَ كَانَ جَمِيعُهُ مِنْ أَخْلَاقِ أَهْلِ الْكُفْرِ، وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْهُ مِمَّا أَذِنَ اللَّهُ لَهُمْ بِهِ، وَلَا أَحَدٌ مِنْ رُسُلِهِ
أَلَا إِنَّنِي مِنْهُمْ وَعِرْضِيَ عِرْضُهُمْ … كَذَا الرَّأْسُ يَحْمِي أَنْفَهُ أَنَ يُكَشَّمَا
يَعْنِي بِقَوْلِهِ: «يَحْمِي»: يَمْنَعُ وَقَالَ ﴿حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ﴾ [الفتح: ٢٦] لِأَنَّ الَّذِي فَعَلُوا مِنْ ذَلِكَ كَانَ جَمِيعُهُ مِنْ أَخْلَاقِ أَهْلِ الْكُفْرِ، وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْهُ مِمَّا أَذِنَ اللَّهُ لَهُمْ بِهِ، وَلَا أَحَدٌ مِنْ رُسُلِهِ
٢١ / ٣٠٨
وَقَوْلُهُ: ﴿فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الفتح: ٢٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ الصَّبْرَ وَالطُّمَأْنِينَةَ وَالْوَقَارَ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ، إِذْ حَمِيَ ⦗٣١٠⦘ الَّذِينَ كَفَرُوا حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ، وَمَنَعُوهُمْ مِنَ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ، وَأَبَوْا أَنْ يَكْتُبُوا فِي الْكِتَابِ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَمُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ ﴿وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى﴾ [الفتح: ٢٦] يُقَالُ: أَلْزَمُهُمْ قَوْلَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الَّتِي يَتَّقُونَ بِهَا النَّارَ، وَأَلِيمِ الْعَذَابِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ عَلَى اخْتِلَافٍ فِي ذَلِكَ مِنْهُمْ، وَرُوِيَ بِهِ الْخَبَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ
٢١ / ٣٠٩
ذَكَرَ قَائِلِي ذَلِكَ بِمَا قُلْنَا فِيهِ، وَالْخَبَرُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ قَزَعَةَ الْبَاهِلِيُّ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ بْنُ حَبِيبٍ، قَالَ: ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ ثُوَيْر بْنِ أَبِي فَاخِتَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الطُّفَيْلِ، عَنْ أَبِيهِ، سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: ﴿وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى﴾ [الفتح: ٢٦] قَالَ: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ»
٢١ / ٣١٠
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ خِدَاشٍ الْعَتَكِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ سَالِمًا، سَمِعَ شُعْبَةَ، سَمِعَ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، سَمِعَ عَبَايَةَ، سَمِعَ عَلِيًّا، رضي الله عنه فِي قَوْلِهِ: ﴿وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى﴾ [الفتح: ٢٦] قَالَ: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ»
٢١ / ٣١٠
حَدَّثَنِي ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا يَحْيَى وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَا: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سَلَمَةَ، عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِبْعِيٍّ، عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ ⦗٣١١⦘ التَّقْوَى﴾ [الفتح: ٢٦] قَالَ: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ»
٢١ / ٣١٠
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الدَّامِغَانِيُّ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ سُفْيَانَ وَشُعْبَةَ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ»
٢١ / ٣١١
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سَلَمَةَ، عَنْ عَبَايَةَ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه ﴿وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى﴾ [الفتح: ٢٦] قَالَ: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ»
٢١ / ٣١١
حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: ﴿وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى﴾ [الفتح: ٢٦] يَقُولُ: «شَهَادَةَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَهِيَ كَلِمَةُ التَّقْوَى، يَقُولُ: فَهِيَ رَأْسُ التَّقْوَى»
٢١ / ٣١١
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ، يُحَدِّثُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ﴿وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى﴾ [الفتح: ٢٦] قَالَ: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، مِثْلَهُ
٢١ / ٣١١
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ ﴿وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى﴾ [الفتح: ٢٦] قَالَ: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ»
٢١ / ٣١٢
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ﴿وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى﴾ [الفتح: ٢٦] قَالَ: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ»
٢١ / ٣١٢
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى﴾ [الفتح: ٢٦] وَهِيَ: «شَهَادَةَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ»
٢١ / ٣١٢
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى﴾ [الفتح: ٢٦] قَالَ: «هِيَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ»
٢١ / ٣١٢
حُدِّثْتُ عَنِ الحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ ﴿وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى﴾ [الفتح: ٢٦] «هِيَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ»
٢١ / ٣١٢
حَدَّثَنِي سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، قَالَ: ثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: ثَنَا الْحَكَمُ بْنُ أَبَانَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى﴾ [الفتح: ٢٦] قَالَ: «شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ»
٢١ / ٣١٢
حَدَّثَنِي ابْنُ الْبَرْقِيِّ، قَالَ: ثَنَا عَمْرُو بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيُّ، ﴿وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى﴾ [الفتح: ٢٦] قَالَ: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ»
٢١ / ٣١٣
حَدَّثَنِي الصَّوَارِيُّ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَوَّارٍ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ الْمَكِّيِّ، عَنْ عَلِيٍّ الْأَزْدِيِّ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ ابْنِ عُمَرَ بَيْنَ مَكَّةَ وَمِنًى بِالْمَأْزِمَيْنِ، فَسَمِعَ النَّاسَ، يَقُولُونَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، فَقَالَ: «هِيَ هِيَ»، فَقُلْتُ: مَا هِيَ؟ قَالَ: ﴿وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى﴾ [الفتح: ٢٦] الْإِخْلَاصَ ﴿وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا﴾ [الفتح: ٢٦] ” وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ هِيَ كَلِمَةُ التَّقْوَى، الْإِخْلَاصُ
٢١ / ٣١٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ الْأَزْدِيُّ، قَالَ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ﴿وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى﴾ [الفتح: ٢٦] قَالَ: «الْإِخْلَاصُ»
٢١ / ٣١٣
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي ⦗٣١٤⦘ الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ﴿كَلِمَةَ التَّقْوَى﴾ [الفتح: ٢٦] «كَلِمَةَ الْإِخْلَاصِ» وَقَالَ آخَرُونَ: هِيَ قَوْلُهُ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
٢١ / ٣١٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى﴾ [الفتح: ٢٦] قَالَ: «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ» وَقَالَ آخَرُونَ: هِيَ قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
٢١ / ٣١٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ يَمَانٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، وَعَطَاءٍ، ﴿وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى﴾ [الفتح: ٢٦] قَالَ: أَحَدُهُمَا «الْإِخْلَاصُ»
٢١ / ٣١٤
وَقَالَ الْآخَرُ: كَلِمَةُ التَّقْوَى: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ»
٢١ / ٣١٤
وَقَوْلُهُ: ﴿وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا﴾ [الفتح: ٢٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَالْمُؤْمِنُونَ أَحَقَّ بِكَلِمَةِ التَّقْوَى مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلَهَا: يَقُولُ: وَكَانَ ⦗٣١٥⦘ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَالْمُؤْمِنُونَ أَهْلَ كَلِمَةِ التَّقْوَى دُونَ الْمُشْرِكِينَ وَذُكِرَ أَنَّهَا فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ «وَكَانُوا أَهْلَهَا وَأَحَقَّ بِهَا» وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢١ / ٣١٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا﴾ [الفتح: ٢٦] «وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ أَحَقَّ بِهَا، وَكَانُوا أَهْلَهَا: أَيِ التَّوْحِيدُ، وَشَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ»
٢١ / ٣١٥
وَقَوْلُهُ: ﴿وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا﴾ [الأحزاب: ٤٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَمْ يَزَلِ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ ذَا عِلْمٍ، لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ هُوَ كَائِنٌ، وَلِعِلْمِهِ أَيُّهَا النَّاسُ بِمَا يَحْدُثُ مِنْ دُخُولِكُمْ مَكَّةَ وَبِهَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ، لَمْ يَأْذَنْ لَكُمْ بِدُخُولِكُمْ مَكَّةَ فِي سَفْرَتِكُمْ هَذِهِ
٢١ / ٣١٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنَيْنِ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ مُحَمَّدًا رُؤْيَاهُ الَّتِي أَرَاهَا إِيَّاهُ أَنَّهُ يَدْخُلُ هُوَ وَأَصْحَابُهُ بَيْتَ اللَّهِ الْحَرَامَ آمِنَيْنٍ، لَا يَخَافُونَ أَهْلَ الشِّرْكِ، مُقَصِّرًا بَعْضُهُمْ رَأْسَهُ، وَمُحَلِّقًا بَعْضُهُمْ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢١ / ٣١٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ﴿لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنَيْنِ﴾ [الفتح: ٢٧] قَالَ: «هُوَ دُخُولُ مُحَمَّدٍ ﷺ الْبَيْتَ وَالْمُؤْمِنُونِ، مُحَلِّقِينَ رُءُوسَهُمْ وَمُقَصِّرِينَ»
٢١ / ٣١٦
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ﴾ [الفتح: ٢٧] قَالَ: «أُرِيَ بِالْحُدَيْبِيَةِ أَنَّهُ يَدْخُلُ مَكَّةَ وَأَصْحَابُهُ مُحَلِّقِينَ، فَقَالَ أَصْحَابُهُ حِينَ نَحَرَ بِالْحُدَيْبِيَةِ: أَيْنَ رُؤْيَا مُحَمَّدٍ ﷺ»
٢١ / ٣١٦
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ﴾ [الفتح: ٢٧] قَالَ: «رَأَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَأَصْحَابُهُ، فَصَدَقَ اللَّهُ رُؤْيَاهُ، فَقَالَ: ﴿لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنَيْنِ﴾ [الفتح: ٢٧] حَتَّى بَلَغَ ﴿لَا تَخَافُونَ﴾ [الفتح: ٢٧]»
٢١ / ٣١٦
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ﴾ [الفتح: ٢٧] قَالَ: «أُرِيَ فِي الْمَنَامِ أَنَّهُمْ يَدْخُلُونَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ، وَأَنَّهُمْ آمِنُونَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَهُمْ وَمُقَصِّرِينَ»
٢١ / ٣١٦
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ﴾ [الفتح: ٢٧] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ قَالَ: قَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ ﷺ: «إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ أَنَّكُمْ سَتَدْخُلُونَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ» فَلَمَّا نَزَلَ بِالْحُدَيْبِيَةِ وَلَمْ يَدْخُلْ ذَلِكَ الْعَامَ طَعَنَ الْمُنَافِقُونَ فِي ذَلِكَ، فَقَالُوا: أَيْنَ رُؤْيَاهُ؟ فَقَالَ اللَّهُ ﴿لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ﴾ [الفتح: ٢٧] فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ ﴿وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ﴾ [الفتح: ٢٧] إِنِّي لَمْ أَرَهُ يَدْخُلُهَا هَذَا الْعَامَ، وَلَيَكُونَنَّ ذَلِكَ
٢١ / ٣١٧
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، ﴿لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ﴾ [الفتح: ٢٧] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنَيْنِ﴾ [يوسف: ٩٩] «لَرُؤْيَا رَسُولِ اللَّهِ ﷺ الَّتِي أُرِيَهَا أَنَّهُ سَيَدْخُلُ مَكَّةَ آمِنًا لَا يَخَافُ، يَقُولُ: مُحَلِّقِينَ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ»
٢١ / ٣١٧
وَقَوْلُهُ: ﴿فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا﴾ [الفتح: ٢٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَعَلِمَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ مَا لَمْ تَعْلَمُوا، وَذَلِكَ عِلْمُهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ بِمَا بِمَكَّةَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ، الَّذِينَ لَمْ يَعْلَمْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ، وَلَوْ دَخَلُوهَا فِي ذَلِكَ الْعَامَ لَوَطِئُوهُمْ بِالْخَيْلِ وَالرَّجْلِ، فَأَصَابَتْهُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَرَدَّهُمُ اللَّهُ عَنْ مَكَّةَ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢١ / ٣١٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا﴾ [الفتح: ٢٧] قَالَ: «رَدَّهُ لِمَكَانٍ مَنْ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَأَخَّرَهُ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ مَنْ يُرِيدُ أَنْ يَهْدِيَهُ»
٢١ / ٣١٧
وَقَوْلُهُ: ﴿فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا﴾ [الفتح: ٢٧] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْفَتْحِ الْقَرِيبِ، الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ لِلْمُؤْمِنِينَ دُونَ دُخُولِهِمُ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَهُمْ وَمُقَصِّرِينَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ الصُّلْحُ الَّذِي جَرَى بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَبَيْنَ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ
٢١ / ٣١٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ: ﴿مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا﴾ [الفتح: ٢٧] قَالَ: «النَّحْرُ بِالْحُدَيْبِيَةِ، وَرَجَعُوا فَافْتَتَحُوا خَيْبَرَ، ثُمَّ اعْتَمَرَ بَعْدَ ذَلِكَ، فَكَانَ تَصْدِيقُ رُؤْيَاهُ فِي السَّنَةِ الْقَابِلَةِ»
٢١ / ٣١٨
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَوْلَهُ: ﴿فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا﴾ [الفتح: ٢٧] يَعْنِي: «صُلْحَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَمَا فُتِحَ فِي الْإِسْلَامِ فَتْحٌ كَانَ أَعْظَمَ مِنْهُ، إِنَّمَا كَانَ الْقِتَالُ حَيْثُ الْتَقَى النَّاسُ؛ فَلَمَّا كَانَتِ الْهُدْنَةُ وُضِعَتِ الْحَرْبُ، وَأَمِنَ النَّاسُ كُلُّهُمْ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، فَالْتَقَوْا فَتَفَاوَضُوا فِي الْحَدِيثِ وَالْمُنَازَعَةِ، فَلَمْ يُكَلَّمْ أَحَدٌ بِالْإِسْلَامِ يَعْقِلُ شَيْئًا إِلَّا دَخَلَ فِيهِ، فَلَقَدْ دَخَلَ فِي تَيْنِكَ السَّنَتَيْنِ فِي الْإِسْلَامِ مِثْلُ مَنْ كَانَ فِي الْإِسْلَامِ قَبْلَ ذَلِكَ وَأَكْثَرُ»
٢١ / ٣١٨
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، ﴿فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا﴾ [الفتح: ٢٧] قَالَ: «صُلْحَ الْحُدَيْبِيَةِ» ⦗٣١٩⦘ وَقَالَ آخَرُونَ: عَنَى بِالْفَتْحِ الْقَرِيبِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: فَتْحَ خَيْبَرَ
٢١ / ٣١٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا﴾ [الفتح: ٢٧] قَالَ: «خَيْبَرُ حِينَ رَجَعُوا مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ، فَتَحَهَا اللَّهُ عَلَيْهِمْ، فَقَسَمَهَا عَلَى أَهْلِ الْحُدَيْبِيَةِ كُلِّهِمْ إِلَّا رَجُلًا وَاحِدًا مِنَ الْأَنْصَارِ، يُقَالُ لَهُ: أَبُو دُجَانَةَ سِمَاكُ بْنُ خَرَشَةَ، كَانَ قَدْ شَهِدَ الْحُدَيْبِيَةَ وَغَابَ عَنْ خَيْبَرَ» وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ أَخْبَرَ أَنَّهُ جَعَلَ لِرَسُولِهِ وَالَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ مِنْ أَهْلِ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ فَتْحًا قَرِيبًا مِنْ دُونِ دُخُولِهِمُ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ، وَدُونَ تَصْدِيقِهِ رُؤْيَا رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَكَانَ صُلْحَ الْحُدَيْبِيَةِ وَفَتْحُ خَيْبَرَ دُونَ ذَلِكَ، وَلَمْ يَخْصُصِ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ خَبَرَهُ ذَلِكَ عَنْ فَتْحٍ مِنْ ذَلِكَ دُونَ فَتْحٍ، بَلْ عَمَّ ذَلِكَ، وَذَلِكَ كُلُّهُ فَتْحٌ جَعَلَهُ اللَّهُ مِنْ دُونِ ذَلِكَ وَالصَّوَابُ أَنْ يَعُمَّهُ كَمَا عَمَّهُ، فَيُقَالُ: جَعَلَ اللَّهُ مِنْ دُونِ تَصْدِيقِهِ رَؤْيَا رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِدُخُولِهِ وَأَصْحَابِهِ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَهُمْ وَمُقَصِّرِينَ، لَا يَخَافُونَ الْمُشْرِكِينَ صُلْحَ الْحُدَيْبِيَةِ وَفَتْحَ خَيْبَرَ
٢١ / ٣١٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا مُحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ
٢١ / ٣١٩
آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾ [الفتح: ٢٩] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ﴾ [التوبة: ٣٣] الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ مُحَمَّدًا ﷺ بِالْبَيَانِ الْوَاضِحِ، وَدِينِ الْحَقِّ، وَهُوَ الْإِسْلَامُ؛ الَّذِي أَرْسَلَهُ دَاعِيًا خَلْقَهُ إِلَيْهِ ﴿لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ﴾ [التوبة: ٣٣] يَقُولُ: لِيُبْطِلَ بِهِ الْمِلَلَ كُلَّهَا، حَتَّى لَا يَكُونَ دِينٌ سِوَاهُ، وَذَلِكَ كَانَ كَذَلِكَ حَتَّى يَنْزِلَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ، فَيَقْتُلُ الدَّجَّالَ، فَحِينَئِذٍ تَبْطُلُ الْأَدْيَانُ كُلُّهَا، غَيْرَ دِينِ اللَّهِ الَّذِي بَعَثَ بِهِ مُحَمَّدًا ﷺ، وَيَظْهَرُ الْإِسْلَامُ عَلَى الْأَدْيَانِ كُلِّهَا
٢١ / ٣٢٠
وَقَوْلُهُ: ﴿وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا﴾ [النساء: ٧٩] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِنَبِيِّهِ ﷺ: أَشْهَدَكَ يَا مُحَمَّدُ رَبُّكَ عَلَى نَفْسِهِ، أَنَّهُ سَيُظْهِرُ الدِّينَ الَّذِي بَعَثَكَ بِهِ ﴿وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا﴾ [النساء: ٧٩] يَقُولُ: وَحَسْبُكَ بِهِ شَاهِدًا وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢١ / ٣٢٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ قَالَ: ثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْهُذَلِيُّ، عَنِ الْحَسَنِ، ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا﴾ [الفتح: ٢٨] يَقُولُ: «أَشْهَدَ لَكَ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ سَيُظْهِرُ دِينَكَ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ» وَهَذَا إِعْلَامٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى نَبِيَّهُ ﷺ، وَالَّذِينَ كَرِهُوا الصُّلْحَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ مِنْ أَصْحَابِهِ، أَنَّ اللَّهَ فَاتِحٌ عَلَيْهِمْ مَكَّةَ وَغَيْرَهَا مِنَ الْبُلْدَانِ، مُسَلِّيهِمْ بِذَلِكَ عَمَّا نَالَهُمْ مِنَ ⦗٣٢١⦘ الْكَآبَةِ وَالْحُزْنِ، بِانْصِرَافِهِمْ عَنْ مَكَّةَ قَبْلَ دُخُولِهِمُوهَا، وَقَبْلَ طَوَافِهِمْ بِالْبَيْتِ
٢١ / ٣٢٠
وَقَوْلُهُ: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ﴾ [الفتح: ٢٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَأَتْبَاعُهُ مِنْ أَصْحَابِهِ الَّذِينَ هُمْ مَعَهُ عَلَى دِينِهِ، أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ، غَلِيظَةٌ عَلَيْهِمْ قُلُوبُهُمْ، قَلِيلَةٌ بِهِمْ رَحْمَتُهُمْ ﴿رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ﴾ [الفتح: ٢٩] يَقُولُ: رَقِيقَةٌ قُلُوبُ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ، لِينَةٌ أَنْفُسُهُمْ لَهُمْ، هَيِّنَةٌ عَلَيْهِمْ لَهُمْ
٢١ / ٣٢١
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ﴾ [الفتح: ٢٩] «أَلْقَى اللَّهُ فِي قُلُوبِهِمُ الرَّحْمَةَ، بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ» ﴿تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا﴾ [الفتح: ٢٩] يَقُولُ: تَرَاهُمْ رُكَّعًا أَحْيَانًا لِلَّهِ فِي صَلَاتِهِمْ سُجَّدًا أَحْيَانًا ﴿يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ﴾ [الفتح: ٢٩] يَقُولُ: يَلْتَمِسُونَ بِرُكُوعِهِمْ وَسُجُودِهِمْ وَشِدَّتِهِمْ عَلَى الْكُفَّارِ وَرَحْمَةِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا، فَضْلًا مِنَ اللَّهِ، وَذَلِكَ رَحْمَتُهُ إِيَّاهُمْ، بِأَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْهِمْ، فَيُدْخِلَهُمْ جَنَّتَهُ ﴿وَرِضْوَانًا﴾ [المائدة: ٢] يَقُولُ: وَأَنْ يَرْضَى عَنْهُمْ رَبُّهُمْ
٢١ / ٣٢١
وَقَوْلُهُ: ﴿سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ﴾ [الفتح: ٢٩] يَقُولُ: عَلَامَتُهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ فِي صَلَاتِهِمْ ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي السِّيمَا الَّذِي عَنَاهُ اللَّهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: ذَلِكَ عَلَامَةٌ يَجْعَلُهَا اللَّهُ فِي وُجُوهِ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يُعْرَفُونَ بِهَا لِمَا كَانَ مِنْ سُجُودِهِمْ لَهُ فِي الدُّنْيَا
٢١ / ٣٢١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: ثَنِي أَبِي قَالَ: ثَنِي عَمِّي قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، ⦗٣٢٢⦘ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ﴿سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ﴾ [الفتح: ٢٩] قَالَ: «صَلَاتُهُمْ تَبْدُو فِي وُجُوهِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»
٢١ / ٣٢١
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ قَالَ: ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ الْعَتَكِيُّ، عَنْ خَالِدٍ الْحَنَفِيِّ، قَوْلَهُ: ﴿سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ﴾ [الفتح: ٢٩] قَالَ: «يُعْرَفُ ذَلِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ سُجُودِهِمْ فِي الدُّنْيَا، وَهُوَ كَقَوْلِهِ: ﴿تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ﴾ [المطففين: ٢٤]»
٢١ / ٣٢٢
حَدَّثَنِي عُبَيْدُ بْنُ أَسْبَاطِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ: ثَنَا أَبِي، عَنْ فُضَيْلِ بْنِ مَرْزُوقٍ، عَنْ عَطِيَّةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ﴾ [الفتح: ٢٩] قَالَ: «مَوَاضِعُ السُّجُودِ مِنْ وُجُوهِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَشَدُّ وُجُوهِهِمْ بَيَاضًا» حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَارَةَ قَالَ: ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ فُضَيْلٍ، عَنْ عَطِيَّةَ، بِنَحْوِهِ حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ قَالَ: ثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ فُضَيْلٍ، عَنْ عَطِيَّةَ، بِنَحْوِهِ حَدَّثَنَا مُجَاهِدُ بْنُ مُوسَى قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: أَخْبَرَنَا فُضَيْلٌ، عَنْ عَطِيَّةَ، مِثْلَهُ
٢١ / ٣٢٢
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثَنَا الْمُعْتَمِرُ قَالَ: سَمِعْتُ شَبِيبًا، يَقُولُ عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ قَالَ: ﴿سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ﴾ [الفتح: ٢٩] قَالَ: «النُّورُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»
٢١ / ٣٢٢
حَدَّثَنَا ابْنُ سِنَانٍ الْقَزَّازُ قَالَ: ثَنَا هَارُونُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ: سَمِعْتُ غَيْرَ وَاحِدٍ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ﴾ [الفتح: ٢٩] قَالَ: «بَيَاضًا فِي وُجُوهِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ ذَلِكَ سِيمَا الْإِسْلَامِ وَسَمْتُهُ وَخُشُوعُهُ، وَعَنَى بِذَلِكَ أَنَّهُ يُرَى مِنْ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ فِي الدُّنْيَا
٢١ / ٣٢٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا عَلِيٌّ قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ﴾ [الفتح: ٢٩] قَالَ: «السَّمْتُ الْحَسَنُ»
٢١ / ٣٢٣
قَالَ: ثَنَا مُجَاهِدٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ﴾ [الفتح: ٢٩] قَالَ: «أَمَا إِنَّهُ لَيْسَ بِالَّذِي تَرَوْنَ، وَلَكِنَّهُ سِيمَا الْإِسْلَامِ وَسَحْنَتُهُ وَسَمْتُهُ وَخُشُوعُهُ»
٢١ / ٣٢٣
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: ثَنَا أَبُو عَامِرٍ قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ حُمَيْدٍ الْأَعْرَجِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ قَالَ: «الْخُشُوعُ وَالتَّوَاضُعُ» ⦗٣٢٤⦘ حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: ثَنَا مُؤَمَّلٌ قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ حُمَيْدٍ الْأَعْرَجِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
٢١ / ٣٢٣
قَالَ: ثَنَا أَبُو عَامِرٍ قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدِ سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ قَالَ: «الْخُشُوعُ»
٢١ / ٣٢٤
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي هَذِهِ الْآيَةِ سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ قَالَ: «السَّحْنَةُ»
٢١ / ٣٢٤
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: ثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ قَالَ: «هُوَ الْخُشُوعُ، فَقُلْتُ: هُوَ أَثَرُ السُّجُودِ، فَقَالَ: إِنَّهُ يَكُونُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ مِثْلُ رُكْبَةِ الْعَنْزِ، وَهُوَ كَمَا شَاءَ اللَّهُ» وَقَالَ آخَرُونَ: ذَلِكَ أَثَرٌ يَكُونُ فِي وُجُوهِ الْمُصَلِّينَ، مِثْلُ أَثَرِ السَّهَرِ، الَّذِي يَظْهَرُ فِي الْوَجْهِ مِثْلَ الْكَلَفِ وَالتَّهَيُّجِ وَالصُّفْرَةِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا يُظْهِرُهُ السَّهَرُ وَالتَّعَبُ فِي الْوَجْهِ، وَوَجَّهُوا التَّأْوِيلَ فِي ذَلِكَ إِلَى أَنَّهُ سِيمَا فِي الدُّنْيَا
٢١ / ٣٢٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: ثَنَا ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ رَجُلٍ، عَنِ الْحَسَنِ، ﴿سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ﴾ [الفتح: ٢٩] قَالَ: الصُّفْرَةُ “
٢١ / ٣٢٥
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثَنَا الْمُعْتَمِرُ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: زَعَمَ الشَّيْخُ الَّذِي كَانَ يَقُصُّ فِي عُسْرٍ، وَقَرَأَ ﴿سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ﴾ [الفتح: ٢٩] «فَزَعَمَ أَنَّهُ السَّهَرُ يُرَى فِي وُجُوهِهِمْ»
٢١ / ٣٢٥
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: ثَنَا يَعْقُوبُ الْقُمِّيُّ، عَنْ حَفْصٍ، عَنْ شِمْرِ بْنِ عَطِيَّةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ﴾ [الفتح: ٢٩] قَالَ: «تَهَيُّجٌ فِي الْوَجْهِ مِنْ سَهَرِ اللَّيْلِ» وَقَالَ آخَرُونَ: ذَلِكَ آثَارٌ تُرَى فِي الْوَجْهِ مِنْ ثَرَى الْأَرْضِ، أَوْ نَدَى الطُّهُورِ
٢١ / ٣٢٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا حَوْثَرَةُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمِنْقَرِيُّ قَالَ: ثَنَا حَمَّادُ بْنُ مَسْعَدَةَ، وَحَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: ثَنَا جَرِيرٌ، جَمِيعًا عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ سُهَيْلٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي الْمُغِيرَةِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ﴾ [الفتح: ٢٩] قَالَ: «ثَرَى الْأَرْضِ، وَنَدَى الطُّهُورِ»
٢١ / ٣٢٥
حَدَّثَنَا ابْنُ سِنَانٍ الْقَزَّازُ قَالَ: ثَنَا هَارُونُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: ثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ قَالَ: ثَنَا مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ قَالَ: سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ، يَقُولُ: ﴿سِيمَاهُمْ فِي ⦗٣٢٦⦘ وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ﴾ [الفتح: ٢٩] قَالَ: «هُوَ أَثَرُ التُّرَابِ» وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَخْبَرَنَا أَنَّ سِيَّمَا هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ الَّذِينَ وَصَفَ صِفَتَهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ، وَلَمْ يَخُصَّ ذَلِكَ عَلَى وَقْتِ دُونَ وَقْتٍ وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَذَلِكَ عَلَى كُلِّ الْأَوْقَاتِ، فَكَانَ سِيمَاهُمُ الَّذِي كَانُوا يُعْرَفُونَ بِهِ فِي الدُّنْيَا أَثَرُ الْإِسْلَامِ، وَذَلِكَ خُشُوعُهُ وَهَدْيُهُ وَزُهْدُهُ وَسَمْتُهُ، وَآثَارُ أَدَاءِ فَرَائِضِهِ وَتَطَوُّعِهِ، وَفِي الْآخِرَةِ مَا أَخْبَرَ أَنَّهُمْ يُعْرَفُونَ بِهِ، وَذَلِكَ الْغُرَّةُ فِي الْوَجْهِ وَالتَّحْجِيلُ فِي الْأَيْدِي وَالْأَرْجُلِ مِنْ أَثَرِ الْوضُوءِ، وَبَيَاضُ الْوُجُوهِ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي مَعْنَى السِّيمَا قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢١ / ٣٢٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ﴾ [الفتح: ٢٩] يَقُولُ: «عَلَامَتُهُمْ أَوْ أَعْلَمَتْهُمُ الصَّلَاةُ»
٢١ / ٣٢٦
وَقَوْلُهُ: ﴿ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ﴾ [الفتح: ٢٩] يَقُولُ: هَذِهِ الصِّفَةُ الَّتِي وَصَفْتُ لَكُمْ مِنْ صِفَةِ أَتْبَاعِ مُحَمَّدٍ ﷺ الَّذِينَ مَعَهُ صِفَتُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ
٢١ / ٣٢٦
وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ﴾ [الفتح: ٢٩] يَقُولُ: وَصِفَتُهُمْ فِي إِنْجِيلِ عِيسَى صِفَةُ زَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ، وَهُوَ فِرَاخُهُ، يُقَالُ مِنْهُ: قَدْ أَشْطَأَ الزَّرْعُ: إِذَا فَرَّخَ فَهُوَ يُشْطِئُ إِشْطَاءً، وَإِنَّمَا مَثَّلَهُمْ بِالزَّرْعِ الْمُشْطِئِ، لِأَنَّهُمُ ابْتَدَأُوا فِي الدُّخُولِ فِي الْإِسْلَامِ، وَهُمْ عَدَدٌ قَلِيلُونَ، ثُمَّ جَعَلُوا يَتَزَايَدُونَ، وَيَدْخُلُ فِيهِ الْجَمَاعَةُ بَعْدَهُمْ، ثُمَّ الْجَمَاعَةُ بَعْدَ الْجَمَاعَةِ، حَتَّى كَثُرَ عَدَدُهُمْ، كَمَا يَحْدُثُ فِي أَصْلِ الزَّرْعِ الْفَرْخُ مِنْهُ، ثُمَّ الْفَرْخُ بَعْدَهُ حَتَّى يَكْثُرَ وَيَنْمِي وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢١ / ٣٢٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ: ثَنَا مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ﴾ [الفتح: ٢٩] «أَصْحَابُهُ مَثَلُهُمْ يَعْنِي نَعْتُهُمْ مَكْتُوبًا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ»
٢١ / ٣٢٧
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ قَالَ: ثَنَا عُبَيْدٌ، عَنِ الضَّحَّاكِ، ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ﴾ [الفتح: ٢٩] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ﴾ [الفتح: ٢٩] ثُمَّ قَالَ: ﴿وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ﴾ [الفتح: ٢٩] الْآيَةَ “
٢١ / ٣٢٧
حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ﴾ [الفتح: ٢٩] أَيْ «هَذَا الْمَثَلُ فِي التَّوْرَاةِ ﴿وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ﴾ [الفتح: ٢٩] فَهَذَا مَثَلُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي الْإِنْجِيلِ»
٢١ / ٣٢٧
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ﴾ [الفتح: ٢٩] قَالَ ﴿ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ﴾ [الفتح: ٢٩] “
٢١ / ٣٢٨
حُدِّثْتُ عَنِ الحُسَيْنِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ﴾ [الفتح: ٢٩] «يَعْنِي السِّيمَا فِي الْوُجُوهِ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ، وَلَيْسَ بِمَثَلِهِمْ فِي الْإِنْجِيلِ، ثُمَّ قَالَ عز وجل: ﴿وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ﴾ [الفتح: ٢٩] الْآيَةَ، هَذَا مَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ»
٢١ / ٣٢٨
حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ﴾ [الفتح: ٢٩] “
٢١ / ٣٢٨
حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ قَالَ: ثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ﴾ [الفتح: ٢٩] الْآيَةَ قَالَ: «هَذَا مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ، وَمَثَلُ آخَرُ فِي الْإِنْجِيلِ ﴿كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ﴾ [الفتح: ٢٩] الْآيَةَ» وَقَالَ آخَرُونَ: هَذَانِ الْمَثَلَانِ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ مَثَلُهُمْ
٢١ / ٣٢٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ⦗٣٢٩⦘ فِي قَوْلِهِ: ﴿ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ﴾ [الفتح: ٢٩] «وَالْإِنْجِيلِ وَاحِدٌ» وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ، غَيْرُ مَثَلِهِمْ فِي الْإِنْجِيلِ، وَإِنَّ الْخَبَرَ عَنْ مَثَلِهِمْ فِي التَّوْرَاةِ مُتَنَاهٍ عِنْدَ قَوْلِهِ: ﴿ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ﴾ [الفتح: ٢٩] وَذَلِكَ أَنَّ الْقَوْلَ لَوْ كَانَ كَمَا قَالَ مُجَاهِدٌ مِنْ أَنَّ مَثَلَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَاحِدٌ، لَكَانَ التَّنْزِيلُ: وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ، وَكَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ، فَكَانَ تَمْثِيلُهُمْ بِالزَّرْعِ مَعْطُوفًا عَلَى قَوْلِهِ: ﴿سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ﴾ [الفتح: ٢٩] حَتَّى يَكُونَ ذَلِكَ خَبَرًا عَنْ أَنَّ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، وَفِي مَجِيءِ الْكَلَامِ بِغَيْرِ وَاو فِي قَوْلِهِ: ﴿كَزَرْعٍ﴾ [الفتح: ٢٩] دَلِيلٌ بَيِّنٌ عَلَى صِحَّةِ مَا قُلْنَا، وَأَنَّ قَوْلَهُمْ ﴿وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ﴾ [الفتح: ٢٩] خَبَرُ مُبْتَدَأٍ عَنْ صِفَتِهِمُ الَّتِي هِيَ فِي الْإِنْجِيلِ دُونَ مَا فِي التَّوْرَاةِ مِنْهَا وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي قَوْلِهِ ﴿أَخْرَجَ شَطْأَهُ﴾ [الفتح: ٢٩] قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢١ / ٣٢٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمَسْعُودِيُّ قَالَ: ثَنَا أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ خَيْثَمَةَ قَالَ: بَيْنَا عَبْدُ اللَّهِ يُقْرِئُ رَجُلًا عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، إِذْ مَرَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ ﴿كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ﴾ [الفتح: ٢٩] قَالَ: «أَنْتُمُ الزَّرْعُ، وَقَدْ دَنَا حَصَادُكُمْ»
٢١ / ٣٢٩
قَالَ: ثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ قَالَ: قَرَأَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: ﴿كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ﴾ [الفتح: ٢٩] قَالَ: «تَدْرُونَ مَا شَطْأَهُ؟ قَالَ: نَبَاتُهُ»
٢١ / ٣٢٩
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: ثَنِي أَبِي قَالَ: ثَنِي عَمِّي قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: ﴿ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ﴾ [الفتح: ٢٩] قَالَ: «سُنْبُلَهُ حِينَ يَتَسَلَّعُ نَبَاتُهُ عَنْ حَبَّاتِهِ»
٢١ / ٣٣٠
حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ﴾ [الفتح: ٢٩] قَالَ: «هَذَا مَثَلُ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ ﷺ فِي الْإِنْجِيلِ، قِيلَ لَهُمْ: إِنَّهُ سَيَخْرُجُ قَوْمٌ يَنْبُتُونَ نَبَاتَ الزَّرْعِ، مِنْهُمْ قَوْمٌ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ، وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ»
٢١ / ٣٣٠
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، وَالزُّهْرِيِّ، ﴿كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ﴾ [الفتح: ٢٩] قَالَا: «أَخْرَجَ نَبَاتَهُ»
٢١ / ٣٣٠
حُدِّثْتُ عَنِ الحُسَيْنِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ﴾ [الفتح: ٢٩] يَعْنِي: «أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ ﷺ، يَكُونُونَ قَلِيلًا، ثُمَّ يَزْدَادُونَ وَيَكْثُرُونَ وَيَسْتَغْلِظُونَ»
٢١ / ٣٣٠
حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ﴾ [الفتح: ٢٩] «أَوْلَادَهُ، ثُمَّ كَثُرَتْ أَوْلَادُهُ»
٢١ / ٣٣٠
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي ⦗٣٣١⦘ الْحَارِثُ قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ﴾ [الفتح: ٢٩] قَالَ: «مَا يَخْرُجُ بِجَنْبِ الْحَقْلَةِ فَيُتِمُّ وَيَنْمِي»
٢١ / ٣٣٠
وَقَوْلُهُ: ﴿فَآزَرَهُ﴾ [الفتح: ٢٩] يَقُولُ: فَقَوَّاهُ: أَيْ قَوَّى الزَّرْعَ شَطْأَهُ وَأَعَانَهُ، وَهُوَ مِنَ الْمُؤَازَرَةِ الَّتِي بِمَعْنَى الْمُعَاوَنَةِ ﴿فَاسْتَغْلَظَ﴾ [الفتح: ٢٩] يَقُولُ: فَغَلُظَ الزَّرْعُ ﴿فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ﴾ [الفتح: ٢٩] وَالسُّوقُ: جَمْعُ سَاقٍ، وَسَاقُ الزَّرْعِ وَالشَّجَرِ: حَامِلَتُهُ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢١ / ٣٣١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: ثَنِي أَبِي قَالَ: ثَنِي عَمِّي قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ﴿فَآزَرَهُ﴾ [الفتح: ٢٩] يَقُولُ: «نَبَاتُهُ مَعَ الْتِفَافِهِ حِينَ يُسَنْبِلُ ﴿ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ﴾ [الفتح: ٢٩] فَهُوَ مَثَلٌ ضَرَبَهُ لِأَهْلِ الْكِتَابِ إِذَا خَرَجَ قَوْمٌ يَنْبُتُونَ كَمَا يَنْبُتُ الزَّرْعُ فَيَبْلُغُ فِيهِمْ رِجَالٌ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ، وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ، ثُمَّ يَغْلُظُونَ، فَهُمْ أُولَئِكَ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُمْ وَهُوَ مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِمُحَمَّدٍ ﷺ يَقُولُ: بَعَثَ اللَّهُ النَّبِيَّ ﷺ وَحْدَهُ، ثُمَّ اجْتَمَعَ إِلَيْهِ نَاسٌ قَلِيلٌ يُؤْمِنُونَ بِهِ، ثُمَّ يَكُونُ الْقَلِيلُ كَثِيرًا، وَيَسْتَغْلِظُونَ، وَيَغِيظُ اللَّهُ بِهِمُ الْكُفَّارَ»
٢١ / ٣٣١
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ⦗٣٣٢⦘ فِي قَوْلِهِ ﴿فَآزَرَهُ﴾ [الفتح: ٢٩] قَالَ: «فَشَدَّهُ وَأَعَانَهُ»
٢١ / ٣٣١
وَقَوْلُهُ: ﴿عَلَى سُوقِهِ﴾ [الفتح: ٢٩] قَالَ: أُصُولِهِ
٢١ / ٣٣٢
حَدَّثَنِي ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، وَالزُّهْرِيِّ، ﴿فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ﴾ [الفتح: ٢٩] يَقُولُ: «فَتَلَاحَقَ»
٢١ / ٣٣٢
حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿فَآزَرَهُ﴾ [الفتح: ٢٩] «اجْتَمَعَ ذَلِكَ فَالْتَفَّ؛ قَالَ: وَكَذَلِكَ الْمُؤْمِنُونَ خَرَجُوا وَهُمْ قَلِيلٌ ضُعَفَاءُ، فَلَمْ يَزَلِ اللَّهُ يَزِيدُ فِيهِمْ، وَيُؤَيِّدُهُمْ بِالْإِسْلَامِ، كَمَا أَيَّدَ هَذَا الزَّرْعَ بِأَوْلَادِهِ، فَآزَرَهُ، فَكَانَ مَثَلًا لِلْمُؤْمِنِينَ»
٢١ / ٣٣٢
حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ قَالَ: ثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، ﴿كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ﴾ [الفتح: ٢٩] يَقُولُ: «حَبُّ بُرٍّ نُثِرَ مُتَفَرِّقًا، فَتُنْبِتُ كُلُّ حَبَّةٍ وَاحِدَةً، ثُمَّ أَنْبَتَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا، حَتَّى اسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ»؛ قَالَ: يَقُولُ: «كَانَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ ﷺ قَلِيلًا، ثُمَّ كَثُرُوا، ثُمَّ اسْتَغْلَظُوا ﴿لِيَغِيظَ﴾ [الفتح: ٢٩] اللَّهُ ﴿بِهِمُ الْكُفَّارَ﴾ [الفتح: ٢٩]»
٢١ / ٣٣٢
وَقَوْلُهُ: ﴿يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ﴾ [الفتح: ٢٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: يُعْجِبُ هَذَا الزَّرْعُ الَّذِي اسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ فِي تَمَامِهِ وَحُسْنِ نَبَاتِهِ، وَبُلُوغِهِ وَانْتِهَائِهِ الَّذِينَ زَرَعُوهُ ﴿لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ﴾ [الفتح: ٢٩] يَقُولُ: فَكَذَلِكَ مَثَلُ مُحَمَّدٍ ﷺ وَأَصْحَابِهِ، وَاجْتِمَاعِ عَدَدِهِمْ حَتَّى كَثُرُوا وَنَمَوْا، وَغَلُظَ أَمْرُهُمْ كَهَذَا ⦗٣٣٣⦘ الزَّرْعِ الَّذِي وَصَفَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ صِفَتَهُ، ثُمَّ قَالَ: ﴿لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ﴾ [الفتح: ٢٩] فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى مَتْرُوكٍ مِنَ الْكَلَامِ، وَهُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَعَلَ ذَلِكَ بِمُحَمَّدٍ ﷺ وَأَصْحَابِهِ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢١ / ٣٣٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: ثَنِي أَبِي قَالَ: ثَنِي عَمِّي قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ﴾ [الفتح: ٢٩] يَقُولُ اللَّهُ: «مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ زَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ، فَاسْتَغْلَظَ، فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ، حَتَّى بَلَغَ أَحْسَنَ النَّبَاتِ، يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ مِنْ كَثْرَتِهِ، وَحُسْنِ نَبَاتِهِ»
٢١ / ٣٣٣
حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿يُعْجِبُ الزَّرَّاعَ﴾ [الفتح: ٢٩] قَالَ: «يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ حُسْنُهُ» ﴿لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ﴾ [الفتح: ٢٩] «بِالْمُؤْمِنِينَ، لِكَثْرَتِهِمْ، فَهَذَا مَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ»
٢١ / ٣٣٣
وَقَوْلُهُ: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾ [الفتح: ٢٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَّقُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴿وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ [البقرة: ٢٥] يَقُولُ: وَعَمِلُوا بِمَا أَمَرَهُمُ اللَّهُ بِهِ مِنْ فَرَائِضِهِ الَّتِي أَوْجَبَهَا عَلَيْهِمْ وَقَوْلُهُ: ﴿مِنْهُمْ﴾ [البقرة: ٧٥] يَعْنِي: مِنَ الشَّطْءِ الَّذِي أَخْرَجَهُ الزَّرْعُ، وَهُمُ الدَّاخِلُونَ فِي الْإِسْلَامِ بَعْدَ الزَّرْعِ الَّذِي وَصَفَ رَبُّنَا تبارك وتعالى صِفَتَهُ وَالْهَاءُ وَالْمِيمُ فِي قَوْلِهِ ﴿مِنْهُمْ﴾ [البقرة: ٧٥] عَائِدَةٌ عَلَى مَعْنَى الشَّطْءِ لَا عَلَى لَفْظِهِ،
٢١ / ٣٣٣
وَلِذَلِكَ جُمِعَ فَقِيلَ: «مِنْهُمْ»، وَلَمْ يَقُلْ «مِنْهُ» وَإِنَّمَا جُمِعَ الشَّطْءُ لِأَنَّهُ أُرِيدَ بِهِ مَنْ يَدْخُلُ فِي دِينِ مُحَمَّدٍ ﷺ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ بَعْدَ الْجَمَاعَةِ الَّذِينَ وَصَفَ اللَّهُ صِفَتَهُمْ بِقَوْلِهِ: ﴿وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا﴾ [الفتح: ٢٩] وَقَوْلُهُ ﴿مَغْفِرَةً﴾ [البقرة: ٢٦٨] يَعْنِي: عَفْوًا عَمَّا مَضَى مِنْ ذُنُوبِهِمْ، وَسَيِّئِ أَعْمَالِهِمْ بِحُسْنِهَا وَقَوْلُهُ: ﴿وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: ٣٥] يَعْنِي: وَثَوَابًا جَزِيلًا، وَذَلِكَ الْجَنَّةُ