سُورَةُ الْعَنْكَبُوتِ

مَكِّيَّةٌ، وَآيَاتُهَا تِسْعٌ وَتِسْعُونَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
١٨ ‏/ ٣٥٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ﴾ [العنكبوت: ٢] قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ﴿الم﴾ [البقرة: ١] وَذَكَرْنَا أَقْوَالَ أَهْلِ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِهِ وَالَّذِي هُوَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ مِنْ أَقْوَالِهِمْ عِنْدَنَا بِشَوَاهِدِهِ فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿أَحْسِبُ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ﴾ [العنكبوت: ٢] فَإِنَّ مَعْنَاهُ: أَظَنَّ الَّذِينَ خَرَجُوا يَا مُحَمَّدُ مِنْ أَصْحَابِكَ مِنْ أَذَى الْمُشْرِكِينَ إِيَّاهُمْ، أَنْ نَتْرُكَهُمْ بِغَيْرِ اخْتِبَارٍ، وَلَا ابْتِلَاءِ امْتِحَانٍ، بِأَنْ قَالُوا: آمَنَّا بِكَ يَا مُحَمَّدُ، فَصَدَّقْنَاكَ فِيمَا جِئْتَنَا بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، كَلَّا، لَنَخْتَبِرَهُمْ لِيَتَبَيَّنَ الصَّادِقَ مِنْهُمْ مِنَ الْكَاذِبِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ ‏/ ٣٥٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ⦗٣٥٦⦘ فِي قَوْلِ اللَّهِ «﴿آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ﴾ [العنكبوت: ٢] قَالَ: يُبْتَلُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ». حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٨ ‏/ ٣٥٥
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ﴾ [العنكبوت: ٢] أَيْ لَا يُبْتَلُونَ»
١٨ ‏/ ٣٥٦
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا مُؤَمَّلٌ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي هَاشِمٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ «﴿وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ﴾ [العنكبوت: ٢] قَالَ: لَا يُبْتَلُونَ». فَأَنِ الْأُولَى مَنْصُوبَةٌ بِحَسِبَ، وَالثَّانِيَةُ مَنْصُوبَةٌ فِي قَوْلِ بَعْضِ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ بِتَعَلُّقِ يُتْرَكُوا بِهَا، وَأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا﴾ [العنكبوت: ٢] لِأَنْ يَقُولُوا آمَنَّا؛ فَلَمَّا حُذِفَتِ اللَّامُ الْخَافِضَةُ مِنْ لِأَنَّ، نُصِبَتْ عَلَى مَا ذَكَرْتُ. وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ غَيْرِهِ فَهِيَ فِي مَوْضِعِ خَفْضٍ بِإِضْمَارِ الْخَافِضِ، وَلَا تَكَادُ الْعَرَبُ تَقُولُ: تَرَكْتُ فُلَانًا أَنْ يَذْهَبَ، فَتُدْخِلُ أَنْ فِي الْكَلَامِ، وَإِنَّمَا تَقُولُ: تَرَكْتُهُ يَذْهَبُ، وَإِنَّمَا أُدْخِلَتْ أَنْ هَاهُنَا لِاكْتِفَاءِ الْكَلَامِ بِقَوْلِهِ ﴿أَنْ يُتْرَكُوا﴾ [العنكبوت: ٢] إِذْ كَانَ مَعْنَاهُ: أَحْسِبُ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ، مِنْ أَجْلِ أَنْ يَقُولُوا ⦗٣٥٧⦘ آمَنَّا، فَكَانَ قَوْلُهُ: ﴿أَنْ يُتْرَكُوا﴾ [العنكبوت: ٢] مُكْتَفِيَةً بِوُقُوعِهَا عَلَى النَّاسِ، دُونَ أَخْبَارِهِمْ. وَإِنْ جَعَلْتَ «أَنْ» فِي قَوْلِهِ ﴿أَنْ يَقُولُوا﴾ [هود: ١٢] مَنْصُوبَةً بِنِيَّةِ تَكْرِيرِ أَحَسِبَ، كَانَ جَائِزًا، فَيَكُونُ مَعْنَى الْكَلَامِ: أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا: أَحَسِبُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ.
١٨ ‏/ ٣٥٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ﴾ [العنكبوت: ٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَقَدِ اخْتَبَرْنَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْأُمَمِ، مِمَّنْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلَنَا، فَقَالُوا مِثْلَ مَا قَالَتْهُ أُمَّتُكَ يَا مُحَمَّدُ بِأَعْدَائِهِمْ، وَتَمْكِينَنَا إِيَّاهُمْ مِنْ أَذَاهُمْ، كَمُوسَى إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَابْتَلَيْنَاهُمْ بِفِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ، وَكَعِيسَى إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَابْتَلَيْنَا مَنِ اتَّبَعَهُ بِمَنْ تَوَلَّى عَنْهُ، فَكَذَلِكَ ابْتَلَيْنَا أَتْبَاعَكَ بِمُخَالِفِيكَ مِنْ أَعْدَائِكَ ﴿فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا﴾ [العنكبوت: ٣] مِنْهُمْ فِي قِيلِهِمْ آمَنَّا ﴿وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ﴾ [العنكبوت: ٣] مِنْهُمْ فِي قِيلِهِمْ ذَلِكَ، وَاللَّهُ عَالِمٌ بِذَلِكَ مِنْهُمْ قَبْلَ الِاخْتِبَارِ، وَفِي حَالِ الِاخْتِبَارِ، وَبَعْدَ الِاخْتِبَارِ، وَلَكِنَّ مَعْنَى ذَلِكَ: وَلَيُظْهِرَنَّ اللَّهُ صِدْقَ الصَّادِقِ مِنْهُمْ فِي قِيلِهِ آمَنَّا بِاللَّهِ مِنْ كَذِبِ الْكَاذِبِ مِنْهُمْ بِابْتِلَائِهِ إِيَّاهُ بِعَدُوِّهِ، لِيَعْلَمَ صِدْقَهُ مِنْ كَذِبِهِ أَوْلِيَاؤُهُ، عَلَى نَحْوِ مَا قَدْ بَيَّنَّاهُ فِيمَا مَضَى قَبْلُ. وَذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَذَّبَهُمُ الْمُشْرِكُونَ، فَفُتِنَ بَعْضُهُمْ، وَصَبَرَ بَعْضُهُمْ عَلَى أَذَاهُمْ حَتَّى أَتَاهُمُ اللَّهُ بِفَرَجٍ مِنْ عِنْدِهِ.
١٨ ‏/ ٣٥٧
ذِكْرُ الرِّوَايَةِ بِذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، يَقُولُ: «نَزَلَتْ، يَعْنِي هَذِهِ الْآيَةَ ﴿الم. أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا﴾ [العنكبوت: ٢] . . إِلَى قَوْلِهِ ﴿وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ﴾ [العنكبوت: ٣] فِي عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، إِذْ كَانَ يُعَذَّبُ فِي اللَّهِ». وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ نَزَلَ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ قَوْمٍ كَانُوا قَدْ أَظْهَرُوا الْإِسْلَامَ بِمَكَّةَ، وَتَخَلَّفُوا عَنِ الْهِجْرَةِ، وَالْفِتْنَةِ الَّتِي فُتِنَ بِهَا هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ عَلَى مَقَالَةِ هَؤُلَاءِ، هِيَ الْهِجْرَةُ الَّتِي امْتُحِنُوا بِهَا.
١٨ ‏/ ٣٥٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ مَطَرٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: «إِنَّهَا نَزَلَتْ، يَعْنِي ﴿الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا﴾ [العنكبوت: ٢] الْآيَتَيْنِ فِي أُنَاسٍ كَانُوا بِمَكَّةَ أَقَرُّوا بِالْإِسْلَامِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِمْ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ نَبِيِّ اللَّهِ ﷺ مِنَ الْمَدِينَةِ: إِنَّهُ لَا يَقْبَلُ مِنْكُمْ إِقْرَارًا بِالْإِسْلَامِ حَتَّى تُهَاجِرُوا، فَخَرَجُوا عَامِدِينَ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَاتَّبَعَهُمُ الْمُشْرِكُونَ فَرَدُّوهُمْ، فَنَزَلَتْ فِيهِمْ هَذِهِ الْآيَةُ، فَكَتَبُوا إِلَيْهِمْ: إِنَّهُ قَدْ نَزَلَتْ فِيكُمْ آيَةُ كَذَا وَكَذَا، فَقَالُوا: نَخْرُجُ، فَإِنِ اتَّبَعَنَا أَحَدٌ قَاتَلْنَاهُ؛ قَالَ: فَخَرَجُوا فَاتَّبَعَهُمُ الْمُشْرِكُونَ فَقَاتَلُوهُمْ ثَمَّ فَمِنْهُمْ مَنْ قُتِلَ، وَمِنْهُمْ مَنْ نَجَا، فَأَنْزَلَهُ اللَّهُ فِيهِمْ: ﴿ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ ⦗٣٥٩⦘ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا، ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا، إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [النحل: ١١٠]»
١٨ ‏/ ٣٥٨
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ «﴿وَلَقَدْ فَتَنَّا﴾ [العنكبوت: ٣] قَالَ: ابْتَلَيْنَا». حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٨ ‏/ ٣٥٩
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا مُؤَمَّلٌ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي هَاشِمٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «﴿وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾ [العنكبوت: ٣] قَالَ: ابْتَلَيْنَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ». حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي هَاشِمٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٨ ‏/ ٣٥٩
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ «﴿وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾ [العنكبوت: ٣] أَيِ ابْتَلَيْنَا»
١٨ ‏/ ٣٥٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا، ⦗٣٦٠⦘ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾ [العنكبوت: ٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يُشْرِكُونَ بِاللَّهِ فَيَعْبُدُونَ مَعَهُ غَيْرَهُ، وَهُمُ الْمَعْنِيُّونَ بِقَوْلِهِ ﴿الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا﴾ [العنكبوت: ٤] يَقُولُ: أَنْ يُعْجِزُونَا فَيَفُوتُونَا بِأَنْفُسِهِمْ فَلَا نَقْدِرَ عَلَيْهِمْ فَنَنْتَقِمَ مِنْهُمْ لِشِرْكِهِمْ بِاللَّهِ؟ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ ‏/ ٣٥٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ «﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ﴾ [العنكبوت: ٤] أَيِ الشِّرْكَ أَنْ يَسْبِقُونَا»
١٨ ‏/ ٣٦٠
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «﴿أَنْ يَسْبِقُونَا﴾ [العنكبوت: ٤] أَنْ يُعْجِزُونَا»
١٨ ‏/ ٣٦٠
وَقَوْلُهُ: ﴿سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾ [الأنعام: ١٣٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: سَاءَ حُكْمُهُمُ الَّذِي يَحْكُمُونَ بِأَنَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ يَسْبِقُونَنَا بِأَنْفُسِهِمْ.
١٨ ‏/ ٣٦٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ ⦗٣٦١⦘ الْعَالَمِينَ﴾ [العنكبوت: ٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: مَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ يَوْمَ لِقَائِهِ، وَيَطْمَعُ فِي ثَوَابِهِ، فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ الَّذِي أَجَّلُهُ لَبَعْثِ خَلْقِهِ لِلْجَزَاءِ وَالْعِقَابِ لَآتٍ قَرِيبًا ﴿وَهُوَ السَّمِيعُ﴾ [البقرة: ١٣٧] يَقُولُ: وَاللَّهُ الَّذِي يَرْجُو هَذَا الرَّاجِي بِلِقَائِهِ ثَوَابَهُ، السَّمِيعُ لِقَوْلِهِ: آمَنَّا بِاللَّهِ ﴿الْعَلِيمُ﴾ [البقرة: ٣٢] بِصِدْقِ قِيلِهِ إِنَّهُ قَدْ آمَنَ مِنْ كَذِبِهِ فِيهِ.
١٨ ‏/ ٣٦٠
وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ﴾ [العنكبوت: ٦] يَقُولُ: وَمَنْ يُجَاهِدُ عَدُوَّهُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ، لِأَنَّهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ الثَّوَابِ مِنَ اللَّهِ عَلَى جِهَادِهِ، وَالْهَرَبِ مِنَ الْعِقَابِ، فَلَيْسَ بِاللَّهِ إِلَى فِعْلِهِ ذَلِكَ حَاجَةٌ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ جَمِيعِ خَلْقِهِ، لَهُ الْمَلِكُ وَالْخَلْقُ وَالْأَمْرُ.
١٨ ‏/ ٣٦١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ، وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [العنكبوت: ٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَصَحَّ إِيمَانُهُمْ عِنْدَ ابْتِلَاءِ اللَّهِ إِيَّاهُمْ وَفِتْنَتِهِ لَهُمْ، وَلَمْ يَرْتَدُّوا عَنْ أَدْيَانِهِمْ بِأَذَى الْمُشْرِكِينَ إِيَّاهُمْ ﴿وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ﴾ [العنكبوت: ٧] الَّتِي سَلَفَتْ مِنْهُمْ فِي شِرْكِهِمْ ﴿وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [العنكبوت: ٧] يَقُولُ: وَلَنُثِيبَنَّهُمْ عَلَى صَالِحَاتِ أَعْمَالِهِمْ فِي إِسْلَامِهِمْ، أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ فِي حَالِ شِرْكِهِمْ مَعَ تَكْفِيرِنَا سَيِّئَاتِ أَعْمَالِهِمْ.
١٨ ‏/ ٣٦١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [العنكبوت: ٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ﴾ [العنكبوت: ٨] فِيمَا أَنْزَلْنَا إِلَى رَسُولِنَا ﴿بِوَالِدَيْهِ﴾ [مريم: ١٤] أَنْ يَفْعَلَ بِهِمَا ﴿حُسْنًا﴾ [البقرة: ٨٣] وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي وَجْهِ نَصْبِ الْحُسْنِ، فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ: نُصِبَ ذَلِكَ عَلَى نِيَّةِ تَكْرِيرِ وَصَّيْنَا. وَكَأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ عِنْدَهُ: وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ، وَوَصَّيْنَاهُ حُسْنًا، وَقَالَ: قَدْ يَقُولُ الرَّجُلُ وَصَّيْتُهُ خَيْرًا: أَيْ بِخَيْرٍ. وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ أَنْ يَفْعَلَ حُسْنًا، وَلَكِنَّ الْعَرَبَ تُسْقِطُ مِنَ الْكَلَامِ بَعْضَهُ إِذَا كَانَ فِيمَا بَقِيَ الدَّلَالَةُ عَلَى مَا سَقَطَ، وَتُعْمِلَ مَا بَقِيَ فِيمَا كَانَ يَعْمَلُ فِيهِ الْمَحْذُوفُ، فَنَصَبَ قَوْلَهُ ﴿حُسْنًا﴾ [البقرة: ٨٣] وَإِنْ كَانَ الْمَعْنَى مَا وَصَفَتْ ﴿وَصَّيْنَا﴾ [النساء: ١٣١]، لِأَنَّهُ قَدْ نَابَ عَنِ السَّاقِطِ، وَأُنْشِدُ فِي ذَلِكَ:
[البحر الرجز] عَجِبْتُ مِنْ دَهْمَاءَ إِذْ تَشْكُونَا
وَمِنْ أَبِي دَهْمَاءَ إِذْ يُوصِينَا
خَيْرًا بِهَا كَأَنَّنَا جَافُونَا
وَقَالَ: مَعْنَى قَوْلِهِ: يُوصِينَا خَيْرًا: أَنْ نَفْعَلَ بِهَا خَيْرًا، فَاكْتَفَى بِيُوصِينَا مِنْهُ، وَقَالَ: ذَلِكَ نَحْوُ قَوْلِهِ ﴿فَطَفِقَ مَسْحًا﴾ [ص: ٣٣] أَيْ يَمْسَحُ مَسْحًا.
١٨ ‏/ ٣٦٢
وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا﴾ [العنكبوت: ٨]⦗٣٦٣⦘ يَقُولُ: وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ، فَقُلْنَا لَهُ: إِنْ جَاهَدَاكَ وَالِدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ أَنَّهُ لَيْسَ لِي شَرِيكٌ، فَلَا تُطِعْهُمَا فَتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِهِمَا، وَلَكِنْ خَالِفْهُمَا فِي ذَلِكَ.
١٨ ‏/ ٣٦٢
﴿إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ﴾ [آل عمران: ٥٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِلَيَّ مُعَادُكُمْ وَمَصِيرُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴿فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [العنكبوت: ٨] يَقُولُ: فَأُخْبِرُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ فِي الدُّنْيَا مِنْ صَالِحِ الْأَعْمَالِ وَسَيِّئَاتِهَا، ثُمَّ أُجَازِيكُمْ عَلَيْهَا الْمُحْسِنَ بِالْإِحْسَانِ، وَالْمُسِيءَ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ. وَذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِسَبَبِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ.
١٨ ‏/ ٣٦٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا﴾ [العنكبوت: ٨] . . إِلَى قَوْلِهِ ﴿فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [العنكبوت: ٨] قَالَ: نَزَلَتْ فِي سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ لَمَّا هَاجَرَ، قَالَتْ أُمُّهُ: وَاللَّهِ لَا يُظِلُّنِي بَيْتٌ حَتَّى يَرْجِعَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي ذَلِكَ أَنْ يُحْسِنَ إِلَيْهِمَا، وَلَا يُطِيعَهُمَا فِي الشِّرْكِ»
١٨ ‏/ ٣٦٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ﴾ [العنكبوت: ٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا﴾ [البقرة: ٩] بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴿وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ [البقرة: ٢٥] مِنَ الْأَعْمَالِ، وَذَلِكَ أَنْ يُؤَدُّوا فَرَائِضَ اللَّهِ، وَيَجْتَنِبُوا مَحَارِمَهُ ﴿لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي ⦗٣٦٤⦘ الصَّالِحِينَ﴾ [العنكبوت: ٩] فِي مَدْخَلِ الصَّالِحِينَ، وَذَلِكَ الْجَنَّةُ.
١٨ ‏/ ٣٦٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكِ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ﴾ [العنكبوت: ١٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ: أَقْرَرْنَا بِاللَّهِ فَوَحَّدْنَاهُ، فَإِذَا آذَاهُ الْمُشْرِكُونَ فِي إِقْرَارِهِ بِاللَّهِ، جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ إِيَّاهُ فِي الدُّنْيَا، كَعَذَابِ اللَّهِ فِي الْآخِرَةِ، فَارْتَدَّ عَنْ إِيمَانِهِ بِاللَّهِ، رَاجِعًا عَلَى الْكُفْرِ بِهِ ﴿وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ﴾ [العنكبوت: ١٠] يَا مُحَمَّدُ أَهْلَ الْإِيمَانِ بِهِ ﴿لَيَقُولُنَّ﴾ [النساء: ٧٣] هَؤُلَاءِ الْمُرْتَدُّونَ عَنْ إِيمَانِهِمْ، الْجَاعِلُونَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ: ﴿إِنَّا كُنَّا﴾ [الأعراف: ٥] أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ ﴿مَعَكُمْ﴾ [البقرة: ١٤] نَنْصُرُكُمْ عَلَى أَعْدَائِكُمْ، كَذِبًا وَإِفْكًا. يَقُولُ اللَّهُ: ﴿أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ﴾ [العنكبوت: ١٠] أَيُّهَا الْقَوْمُ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ ﴿بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ﴾ [العنكبوت: ١٠] جَمِيعِ خَلْقِهِ الْقَائِلِينَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَغَيْرِهِمْ، فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ ارْتَدَّ عَنْ دَيْنِ اللَّهِ فَكَيْفَ يُخَادِعُ مَنْ كَانَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ، وَلَا يَسْتَتِرُ عَنْهُ سِرٌّ وَلَا عَلَانِيَةٌ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ ‏/ ٣٦٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ «﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ﴾ [العنكبوت: ١٠] قَالَ: فِتْنَتُهُ أَنْ يَرْتَدَّ عَنْ دِينِ اللَّهِ إِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ»
١٨ ‏/ ٣٦٤
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ: «﴿فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ﴾ [العنكبوت: ١٠] . . إِلَى قَوْلِهِ ﴿وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ﴾ [العنكبوت: ١١] قَالَ: أُنَاسٌ يُؤْمِنُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ، فَإِذَا أَصَابَهُمْ بَلَاءٌ مِنَ اللَّهِ أَوْ مُصِيبَةٌ فِي أَنْفُسِهِمُ افْتُتِنُوا، فَجَعَلُوا ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا كَعَذَابِ اللَّهِ فِي الْآخِرَةِ»
١٨ ‏/ ٣٦٥
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ: قَوْلُهُ: «﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ﴾ [البقرة: ٨] . . الْآيَةَ، نَزَلَتْ فِي نَاسٍ مِنَ الْمُنَافِقِينَ بِمَكَّةَ كَانُوا يُؤْمِنُونَ، فَإِذَا أُوذُوا وَأَصَابَهُمْ بَلَاءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، رَجَعُوا إِلَى الْكُفْرِ مَخَافَةَ مَنْ يُؤْذِيهِمْ، وَجَعَلُوا أَذَى النَّاسِ فِي الدُّنْيَا كَعَذَابِ اللَّهِ»
١٨ ‏/ ٣٦٥
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ «﴿فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ﴾ [العنكبوت: ١٠] قَالَ: هُوَ الْمُنَافِقُ إِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ رَجَعَ عَنِ الدِّينِ وَكَفَرَ، وَجَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ». وَذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ كَانُوا بِمَكَّةَ، فَخَرَجُوا مُهَاجِرِينَ، فَأُدْرِكُوا وَأُخِذُوا فَأَعْطَوُا الْمُشْرِكِينَ لَمَّا نَالَهُمْ أَذَاهُمْ مَا أَرَادُوا مِنْهُمْ.
١٨ ‏/ ٣٦٥
ذِكْرُ الْخَبَرِ بِذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ شَرِيكٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «كَانَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ أَسْلَمُوا، وَكَانُوا يَسْتَخِفُونَ بِإِسْلَامِهِمْ، فَأَخْرَجَهُمُ الْمُشْرِكُونَ يَوْمَ بَدْرٍ مَعَهُمْ، فَأُصِيبَ بَعْضُهُمْ وَقُتِلَ بَعْضٌ، فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: كَانَ أَصْحَابُنَا هَؤُلَاءِ مُسْلِمِينَ وَأُكْرِهُوا فَاسْتَغْفِرُوا لَهُمْ، فَنَزَلَتْ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ﴾ [النساء: ٩٧] . . إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، قَالَ: فَكُتِبَ إِلَى مَنْ بَقِيَ بِمَكَّةَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بِهَذِهِ الْآيَةِ أَنْ لَا عُذْرَ لَهُمْ، فَخَرَجُوا، فَلَحِقَهُمُ الْمُشْرِكُونَ، فَأَعْطَوْهُمُ الْفِتْنَةَ، فَنَزَلَتْ فِيهِمْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ، فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ﴾ [العنكبوت: ١٠] . . إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، فَكَتَبَ الْمُسْلِمُونَ إِلَيْهِمْ بِذَلِكَ، فَخَرَجُوا وَأَيِسُوا مِنْ كُلِّ خَيْرٍ، ثُمَّ نَزَلَتْ فِيهِمْ: ﴿ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا، ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا، إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدَهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [النحل: ١١٠] فَكَتَبُوا إِلَيْهِمْ بِذَلِكَ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ جَعَلَ لَكُمْ مَخْرَجًا، فَخَرَجُوا، فَأَدْرَكَهُمُ الْمُشْرِكُونَ، فَقَاتَلُوهُمْ، حَتَّى نَجَا مَنْ نَجَا، وَقُتِلَ مَنْ قُتِلَ»
١٨ ‏/ ٣٦٦
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ «﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ﴾ [العنكبوت: ١٠] . . إِلَى قَوْلِهِ ﴿وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ﴾ [العنكبوت: ١١] قَالَ: هَذِهِ الْآيَاتُ أُنْزِلَتْ فِي الْقَوْمِ الَّذِينَ رَدَّهُمُ الْمُشْرِكُونَ إِلَى مَكَّةَ، وَهَذِهِ الْآيَاتُ الْعَشْرُ مَدَنِيَّةٌ ⦗٣٦٧⦘ إِلَى هَهُنَا وَسَائِرُهَا مَكِّيٌّ»
١٨ ‏/ ٣٦٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ﴾ [العنكبوت: ١١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ، وَحِزْبَهُ أَهْلَ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ مِنْكُمْ أَيُّهَا الْقَوْمُ، وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ مِنْكُمْ حَتَّى يَمِيزَ كُلُّ فَرِيقٍ مِنْكُمْ مِنَ الْفَرِيقِ الْآخَرِ بِإِظْهَارِ اللَّهِ ذَلِكَ مِنْكُمْ بِالْمِحَنِ وَالِابْتِلَاءِ وَالِاخْتِبَارِ وَبِمُسَارَعَةِ الْمُسَارِعِ مِنْكُمْ إِلَى الْهِجْرَةِ مِنْ دَارِ الشِّرْكِ إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ، وَتَثَاقُلِ الْمُتَثَاقِلِ مِنْكُمْ عَنْهَا.
١٨ ‏/ ٣٦٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ، وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ، إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ [العنكبوت: ١٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِاللَّهِ مِنْ قُرَيْشٍ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ مِنْهُمْ: ﴿اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا﴾ [العنكبوت: ١٢] يَقُولُ: قَالُوا: كُونُوا عَلَى مِثْلِ مَا نَحْنُ عَلَيْهِ مِنَ التَّكْذِيبِ بِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَمَاتِ وَجُحُودِ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ عَلَى الْأَعْمَالِ ﴿وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ﴾ [العنكبوت: ١٢] يَقُولُ: قَالُوا فَإِنَّكُمْ إِنِ اتَّبَعْتُمْ سَبِيلَنَا فِي ذَلِكَ، فَبُعِثْتُمْ مِنْ بَعْدِ الْمَمَاتِ، وَجُوزِيتُمْ عَلَى الْأَعْمَالِ، فَإِنَّا نَتَحَمَّلُ آثَامَ خَطَايَاكُمْ حِينَئِذٍ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ ‏/ ٣٦٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ: «﴿اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ﴾ [العنكبوت: ١٢] قَالَ: قَوْلُ كُفَّارِ قُرَيْشٍ بِمَكَّةَ لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ، يَقُولُ: قَالُوا: لَا نُبْعَثُ نَحْنُ وَلَا أَنْتُمْ، فَاتَّبِعُونَا إِنْ كَانَ عَلَيْكُمْ شَيْءٌ فَهُوَ عَلَيْنَا»
١٨ ‏/ ٣٦٨
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: «﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [العنكبوت: ١٢] هُمُ الْقَادَةُ مِنَ الْكُفَّارِ، قَالُوا لِمَنْ آمَنَ مِنَ الْأَتْبَاعِ: اتْرُكُوا دِينَ مُحَمَّدٍ وَاتَّبَعُوا دِينَنَا». وَهَذَا: أَعْنِي قَوْلَهُ ﴿اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ﴾ [العنكبوت: ١٢] وَإِنْ كَانَ خَرَجَ مَخْرَجَ الْأَمْرِ، فَإِنَّ فِيهِ تَأْوِيلَ الْجَزَاءِ، وَمَعْنَاهُ مَا قُلْتُ: إِنِ اتَّبَعْتُمْ سَبِيلَنَا حَمَلْنَا خَطَايَاكُمْ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
فَقُلْتُ ادْعِي وَأَدْعُو فَإِنَّ أَنْدَى … لِصَوْتٍ أَنْ يُنَادِيَ دَاعِيَانِ
يُرِيدُ: ادْعِي وَلِأَدْعُ، وَمَعْنَاهُ: إِنْ دَعَوْتِ دَعَوْتُ.
١٨ ‏/ ٣٦٨
وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ، إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ [العنكبوت: ١٢] وَهَذَا ⦗٣٦٩⦘ تَكْذِيبٌ مِنَ اللَّهِ لِلْمُشْرِكِينَ الْقَائِلِينَ لِلَّذِينَ آمَنُوا ﴿اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ﴾ [العنكبوت: ١٢] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَكَذَبُوا فِي قِيلِهِمْ ذَلِكَ لَهُمْ، مَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ آثَامِ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ، إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ فِيمَا قَالُوا لَهُمْ وَوَعَدُوهُمْ، مِنْ حَمْلِ خَطَايَاهُمْ إِنْ هُمُ اتَّبَعُوهُمْ.
١٨ ‏/ ٣٦٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ، وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ﴾ [العنكبوت: ١٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَيَحْمِلُنَّ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ بِاللَّهِ الْقَائِلُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِهِ اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ أَوْزَارَ أَنْفُسِهِمْ وَآثَامَهَا، وَأَوْزَارَ مَنْ أَضَلُّوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَعَ أَوْزَارِهِمْ، وَلَيُسْئَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يُكَذِّبُونَهُمْ فِي الدُّنْيَا بِوَعْدِهِمْ إِيَّاهُمُ الْأَبَاطِيلَ، وَقِيلِهِمْ لَهُمُ: اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ فَيَفْتَرُونَ الْكَذِبَ بِذَلِكَ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ ‏/ ٣٦٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ﴾ [العنكبوت: ١٣] أَيْ أَوْزَارَهُمْ ﴿وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ﴾ [العنكبوت: ١٣] يَقُولُ أَوْزَارَ مَنْ أَضَلُّوا»
١٨ ‏/ ٣٦٩
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ «﴿وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ، وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ﴾ [العنكبوت: ١٣] وَقَرَأَ قَوْلَهُ: ﴿لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ﴾ [النحل: ٢٥]⦗٣٧٠⦘ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ، قَالَ: فَهَذَا قَوْلُهُ ﴿وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ﴾ [العنكبوت: ١٣]»
١٨ ‏/ ٣٦٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ﴾ [العنكبوت: ١٤] وَهَذَا وَعِيدٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ قُرَيْشٍ، الْقَائِلِينَ لِلَّذِينَ آمَنُوا: اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ، يَقُولُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: لَا يَحْزُنَنَّكَ يَا مُحَمَّدُ مَا تَلْقَى مِنْ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ أَنْتَ وَأَصْحَابُكَ مِنَ الْأَذَى، فَإِنِّي وَإِنْ أَمْلَيْتُ لَهُمْ فَأَطَلْتُ إِمْلَاءَهُمْ، فَإِنَّ مَصِيرَ أَمْرِهِمْ إِلَى الْبَوَارِ، وَمَصِيرُ أَمْرِكَ وَأَمْرِ أَصْحَابِكَ إِلَى الْعُلُوِّ وَالظَّفَرِ بِهِمْ وَالنَّجَاةِ مِمَّا يَحِلُّ بِهِمْ مِنَ الْعِقَابِ، كَفِعْلِنَا ذَلِكَ بِنُوحٍ، إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى قَوْمِهِ، فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا يَدْعُوهُمْ إِلَى التَّوْحِيدِ، وَفِرَاقِ الْآلِهَةِ وَالْأَوْثَانِ، فَلَمْ يَزِدْهُمْ ذَلِكَ مِنْ دُعَائِهِ إِيَّاهُمْ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْإِقْبَالِ إِلَيْهِ، وَقَبُولِ مَا أَتَاهُمْ بِهِ مِنَ النَّصِيحَةِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِلَّا فِرَارًا. وَذُكِرَ أَنَّهُ أُرْسِلَ إِلَى قَوْمِهِ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثِ مِائَةٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً
١٨ ‏/ ٣٧٠
كَمَا: حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ، قَالَ: ثنا نُوحُ بْنُ قَيْسٍ، قَالَ: ثنا عَوْنُ بْنُ أَبِي شَدَّادٍ، قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ أَرْسَلَ نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ وَهُوَ ابْنُ خَمْسِينَ وَثَلَاثِ مِائَةِ سَنَةٍ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا، ثُمَّ عَاشَ بَعْدَ ذَلِكَ خَمْسِينَ وَثَلَاثَ مِائَةِ سَنَةٍ»
١٨ ‏/ ٣٧٠
﴿فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ﴾ [العنكبوت: ١٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَأَهْلَكَهُمُ الْمَاءُ الْكَثِيرُ، وَكُلُّ ⦗٣٧١⦘ مَاءٍ كَثِيرٍ فَاشٍ طَامٍ، فَهُوَ عِنْدَ الْعَرَبِ طُوفَانٌ، سَيْلًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ، وَكَذَلِكَ الْمَوْتُ إِذَا كَانَ فَاشِيًا كَثِيرًا، فَهُوَ أَيْضًا عِنْدَهُمْ طُوفَانٌ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الرَّاجِزِ:
أَفْنَاهُمُ طُوفَانُ مَوْتٍ جَارِفِ
وَبِنَحْوِ قَوْلِنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ ‏/ ٣٧٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: «﴿فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ﴾ [العنكبوت: ١٤] قَالَ: هُوَ الْمَاءُ الَّذِي أُرْسِلَ عَلَيْهِمْ»
١٨ ‏/ ٣٧١
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ: «الطُّوفَانُ: الْغَرَقُ»
١٨ ‏/ ٣٧١
وَقَوْلُهُ: ﴿وَهُمْ ظَالِمُونَ﴾ [النحل: ١١٣] يَقُولُ: وَهُمْ ظَالِمُونَ أَنْفُسَهُمْ بِكُفْرِهِمْ.
١٨ ‏/ ٣٧١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ [العنكبوت: ١٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَأَنْجَيْنَا نُوحًا وَأَصْحَابَ سَفِينَتِهِ، وَهُمُ الَّذِينَ حَمَلَهُمْ فِي سَفِينَتِهِ مِنْ وَلَدِهِ وَأَزْوَاجِهِمْ. وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِيمَا مَضَى قَبْلُ، وَذَكَرْنَا الرِّوَايَاتِ فِيهِ، فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إِعَادَتِهِ ⦗٣٧٢⦘ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ.
١٨ ‏/ ٣٧١
﴿وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ [العنكبوت: ١٥] يَقُولُ: وَجَعَلْنَا السَّفِينَةَ الَّتِي أَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَهُ فِيهَا عِبْرَةً وَعِظَةً لِلْعَالَمِينَ، وَحُجَّةً عَلَيْهِمْ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ ‏/ ٣٧٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ «﴿فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ﴾ [العنكبوت: ١٥] . . الْآيَةَ. قَالَ: أَبْقَاهَا اللَّهُ آيَةً لِلنَّاسِ بِأَعْلَى الْجُودِيِّ». وَلَوْ قِيلَ: مَعْنَى: ﴿وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ [العنكبوت: ١٥] وَجَعَلْنَا عُقُوبَتَنَا إِيَّاهُمْ آيَةً لِلْعَالَمِينَ، وَجَعَلَ الْهَاءَ وَالْأَلِفَ فِي قَوْلِهِ ﴿وَجَعَلْنَاهَا﴾ [العنكبوت: ١٥] كِنَايَةً عَنِ الْعُقُوبَةِ أَوِ السَّخَطِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، إِذْ كَانَ قَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ ﴿فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ﴾ [العنكبوت: ١٤] كَانَ وَجْهًا مِنَ التَّأْوِيلِ.
١٨ ‏/ ٣٧٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [العنكبوت: ١٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: وَاذْكُرْ أَيْضًا يَا مُحَمَّدُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلَ الرَّحْمَنِ، إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ: اعْبُدُوا اللَّهَ أَيُّهَا الْقَوْمُ دُونَ غَيْرِهِ مِنَ الْأَوْثَانِ وَالْأَصْنَامِ، فَإِنَّهُ لَا إِلَهَ لَكُمْ غَيْرُهُ، ﴿وَاتَّقُوهُ﴾ [الأنعام: ٧٢] يَقُولُ: وَاتَّقُوا سَخَطَهُ بِأَدَاءِ فَرَائِضِهِ، وَاجْتِنَابِ ⦗٣٧٣⦘ مَعَاصِيهِ ﴿ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [التوبة: ٤١] مَا هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ مِمَّا هُوَ شَرٌّ لَكُمْ.
١٨ ‏/ ٣٧٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا، فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ، وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ، إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [العنكبوت: ١٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُخْبِرًا عَنْ قِيلِ خَلِيلِهِ إِبْرَاهِيمَ لِقَوْمِهِ: إِنَّمَا تَعْبُدُونَ أَيُّهَا الْقَوْمُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا، يَعْنِي مَثْلًا
١٨ ‏/ ٣٧٣
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ «﴿إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا﴾ [العنكبوت: ١٧] أَصْنَامًا». وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: ﴿وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا﴾ [العنكبوت: ١٧] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: وَتَصْنَعُونَ كَذِبًا.
١٨ ‏/ ٣٧٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا﴾ [العنكبوت: ١٧] يَقُولُ: تَصْنَعُونَ كَذِبًا». وَقَالَ آخَرُونَ: وَتَقُولُونَ كَذِبًا.
١٨ ‏/ ٣٧٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، «﴿وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا﴾ [العنكبوت: ١٧] يَقُولُ: وَتَقُولُونَ إِفْكًا»
١٨ ‏/ ٣٧٤
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «﴿وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا﴾ [العنكبوت: ١٧] يَقُولُ: تَقُولُونَ كَذِبًا». وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: وَتَنْحِتُونَ إِفْكًا.
١٨ ‏/ ٣٧٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ «﴿وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا﴾ [العنكبوت: ١٧] قَالَ: تَنْحِتُونَ، تُصَوِّرُونَ إِفْكًا»
١٨ ‏/ ٣٧٤
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا﴾ [العنكبوت: ١٧] أَيْ تَصْنَعُونَ أَصْنَامًا»
١٨ ‏/ ٣٧٤
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا﴾ [العنكبوت: ١٧] الْأَوْثَانُ الَّتِي يَنْحِتُونَهَا بِأَيْدِيهِمْ». وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَاهُ: وَتَصْنَعُونَ كَذِبًا. وَقَدْ
١٨ ‏/ ٣٧٤
بَيَّنَّا مَعْنَى الْخَلْقِ فِيمَا مَضَى، بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ. فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ إِذَنْ: إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا، وَتَصْنَعُونَ كَذِبًا وَبَاطِلًا. وَإِنَّمَا فِي قَوْلِهِ ﴿إِفْكًا﴾ [العنكبوت: ١٧] مَرْدُودٌ عَلَى إِنَّمَا، كَقَوْلِ الْقَائِلِ: إِنَّمَا تَفْعَلُونَ كَذَا، وَإِنَّمَا تَفْعَلُونَ كَذَا. وَقَرَأَ جَمِيعُ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ: ﴿وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا﴾ [العنكبوت: ١٧] بِتَخْفِيفِ الْخَاءِ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿وَتَخْلُقُونَ﴾ [العنكبوت: ١٧] وَضَمِّ اللَّامِ مِنَ الْخَلْقِ. وَذُكِرَ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ أَنَّهُ قَرَأَ: «وَتُخَلِّقُونَ إِفْكًا» بِفَتْحِ الْخَاءِ، وَتَشْدِيدِ اللَّامِ مِنَ التَّخْلِيقِ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا مَا عَلَيْهِ قُرَّاءُ الْأَمْصَارِ، لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَيْهِ.
١٨ ‏/ ٣٧٥
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا﴾ [العنكبوت: ١٧] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: إِنَّ أَوْثَانَكُمُ الَّتِي تَعْبُدُونَهَا، لَا تَقْدِرُ أَنْ تَرْزُقَكُمْ شَيْئًا ﴿فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ﴾ [العنكبوت: ١٧] يَقُولُ: فَالْتَمِسُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ لَا مِنْ عِنْدِ أَوْثَانِكُمْ، تُدْرِكُوا مَا تَبْتَغُونَ مِنْ ذَلِكَ ﴿وَاعْبُدُوهُ﴾ [العنكبوت: ١٧] يَقُولُ: وَذِلُّوا لَهُ ﴿وَاشْكُرُوا لَهُ﴾ [العنكبوت: ١٧] عَلَى رِزْقِهِ إِيَّاكُمْ، وَنِعَمِهِ الَّتِي أَنْعَمَهَا عَلَيْكُمْ. يُقَالُ: شَكَرْتُهُ وَشَكَرْتُ لَهُ، وَالثَّانِيَةُ أَفْصَحُ مِنْ شَكَرْتُهُ.
١٨ ‏/ ٣٧٥
وَقَوْلُهُ: ﴿إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [البقرة: ٢٨] يَقُولُ: إِلَى اللَّهِ تُرَدُّونَ مِنْ بَعْدِ مَمَاتِكُمْ، فَيَسْأَلُكُمْ عَمَّا أَنْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ عِبَادَتِكُمْ غَيْرَهُ، وَأَنْتُمْ عِبَادُهُ وَخَلْقُهُ، وَفِي نِعَمِهِ ⦗٣٧٦⦘ تَتَقَلَّبُونَ، وَرِزْقَهُ تَأْكُلُونَ.
١٨ ‏/ ٣٧٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ [العنكبوت: ١٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَإِنْ تُكَذِّبُوا أَيُّهَا النَّاسُ رَسُولَنَا مُحَمَّدًا ﷺ فِيمَا دَعَاكُمْ إِلَيْهِ مِنْ عِبَادَةِ رَبِّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَرَزَقَكُمْ، وَالْبَرَاءَةِ مِنَ الْأَوْثَانِ، فَقَدْ كَذَّبَتْ جَمَاعَاتٌ مِنْ قَبْلِكُمْ رُسُلَهَا فِيمَا دَعَتْهُمْ إِلَيْهِ الرُّسُلُ مِنَ الْحَقِّ، فَحَلَّ بِهَا مِنَ اللَّهِ سَخَطُهُ، وَنَزَلَ بِهَا مِنْهُ عَاجِلُ عُقُوبَتِهِ، فَسَبِيلُكُمْ سَبِيلُهَا فِيمَا هُوَ نَازِلٌ بِكُمْ بِتَكْذِيبِكُمْ إِيَّاهُ ﴿وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ﴾ [النور: ٥٤] يَقُولُ: وَمَا عَلَى مُحَمَّدٍ إِلَّا أَنْ يُبَلِّغَكُمْ عَنِ اللَّهِ رِسَالَتَهُ، وَيُؤَدِّي إِلَيْكُمْ مَا أَمَرَهُ بِأَدَائِهِ إِلَيْكُمْ رَبُّهُ. وَيَعْنِي بِالْبَلَاغِ الْمُبِينِ: الَّذِي يُبَيِّنُ لِمَنْ سَمِعَهُ مَا يُرَادُ بِهِ، وَيَفْهَمُ بِهِ مَا يَعْنِي بِهِ.
١٨ ‏/ ٣٧٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ﴾ [العنكبوت: ١٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَوَ لَمْ يَرَوْا كَيْفَ يَسْتَأْنِفُ اللَّهُ خَلْقَ الْأَشْيَاءِ طِفْلًا صَغِيرًا، ثُمَّ غُلَامًا يَافِعًا، ثُمَّ رَجُلًا مُجْتَمِعًا، ثُمَّ كَهْلًا. يُقَالُ مِنْهُ: أَبْدَأَ وَأَعَادَ، وَبَدَأَ وَعَادَ، لُغَتَانِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ.
١٨ ‏/ ٣٧٦
وَقَوْلُهُ: ﴿ثُمَّ يُعِيدُهُ﴾ [يونس: ٤] يَقُولُ: ثُمَّ هُوَ يُعِيدُهُ مِنْ بَعْدِ فَنَائِهِ وَبِلَاهُ، كَمَا بَدَأَهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ خَلْقًا جَدِيدًا، لَا يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ ذَلِكَ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ ‏/ ٣٧٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ «﴿أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ﴾ [العنكبوت: ١٩] بِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ» ﴿إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾ [العنكبوت: ١٩] سَهْلٌ كَمَا كَانَ يَسِيرًا عَلَيْهِ إِبْدَاؤُهُ.
١٨ ‏/ ٣٧٧
وَقَوْلُهُ ﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ﴾ [الأنعام: ١١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِمُحَمَّدٍ ﷺ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِلْمُنْكِرِينَ لِلْبَعْثِ بَعْدَ الْمَمَاتِ، الْجَاحِدِينَ الثَّوَابَ وَالْعِقَابَ: سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ اللَّهُ الْأَشْيَاءَ، وَكَيْفَ أَنْشَأَهَا وَأَحْدَثَهَا؛ وَكَمَا أَوْجَدَهَا وَأَحْدَثَهَا ابْتِدَاءً، فَلَمْ يَتَعَذَّرْ عَلَيْهِ إِحْدَاثُهَا مُبْدِئًا، فَكَذَلِكَ لَا يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ إِنْشَاؤُهَا مُعِيدًا ﴿ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ﴾ [العنكبوت: ٢٠] يَقُولُ: ثُمَّ اللَّهُ يُبْدِئُ تِلْكَ الْبَدْأَةَ الْآخِرَةَ بَعْدَ الْفِنَاءِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ ‏/ ٣٧٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقُ﴾ [العنكبوت: ٢٠] خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴿ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ﴾ [العنكبوت: ٢٠] أَيِ الْبَعْثَ بَعْدَ الْمَوْتِ»
١٨ ‏/ ٣٧٧
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ﴾ [العنكبوت: ٢٠] قَالَ: هِيَ الْحَيَاةُ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَهُوَ النُّشُورُ»
١٨ ‏/ ٣٧٨
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [البقرة: ٢٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ اللَّهَ عَلَى إِنْشَاءِ جَمِيعِ خَلْقِهِ بَعْدَ إِفْنَائِهِ، كَهَيْئَتِهِ قَبْلَ فَنَائِهِ، وَعَلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَشَاءُ فِعْلَهُ قَادِرٌ لَا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ أَرَادَهُ.
١٨ ‏/ ٣٧٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ﴾ [العنكبوت: ٢١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ خَلْقَهُ مِنْ بَعْدِ فَنَائِهِمْ، فَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ مِنْهُمْ عَلَى مَا أَسْلَفَ مِنْ جُرْمِهِ فِي أَيَّامِ حَيَاتِهِ، وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ مِنْهُمْ مِمَّنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ﴿وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ﴾ [العنكبوت: ٢١] يَقُولُ: وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ وَتُرَدُّونَ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ﴾ [العنكبوت: ٢٢] فَإِنَّ ابْنَ زَيْدٍ قَالَ فِي ذَلِكَ مَا:
١٨ ‏/ ٣٧٨
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ «﴿وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ﴾ [العنكبوت: ٢٢] قَالَ: لَا يُعْجِزُهُ أَهْلُ الْأَرَضِينَ فِي الْأَرَضِينَ، وَلَا أَهْلُ السَّمَاوَاتِ فِي السَّمَاوَاتِ إِنْ عَصَوْهُ، وَقَرَأَ: ﴿مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾». ⦗٣٧٩⦘ وَقَالَ فِي ذَلِكَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ: وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ مَنْ فِي الْأَرْضِ وَلَا مَنْ فِي السَّمَاءِ مُعْجِزِينَ قَالَ: وَهُوَ مِنْ غَامِضِ الْعَرَبِيَّةِ لِلضَّمِيرِ الَّذِي لَمْ يَظْهَرْ فِي الثَّانِي. قَالَ: وَمِثْلُهُ قَوْلُ حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ:
[البحر الوافر] أَمَنْ يَهْجُو رَسُولَ اللَّهِ مِنْكُمْ … وَيَمْدَحُهُ وَيَنْصُرُهُ سَوَاءُ؟
أَرَادَ: وَمَنْ يَنْصُرُهُ وَيَمْدَحُهُ، فَأَضْمَرَ (مِنْ) . قَالَ: وَقَدْ يَقَعُ فِي وَهْمِ السَّامِعِ أَنَّ النَّصْرَ وَالْمَدْحَ لِـ (مَنْ) هَذِهِ الظَّاهِرَةِ؛ وَمِثْلُهُ فِي الْكَلَامِ: أَكْرِمْ مَنْ أَتَاكَ وَأَتَى أَبَاكَ، وَأَكْرِمْ مَنْ أَتَاكَ وَلَمْ يَأْتِ زَيْدًا. تُرِيدُ: وَمَنْ لَمْ يَأْتِ زَيْدًا، فَيَكْتَفِي بِاخْتِلَافِ الْأَفْعَالِ مِنْ إِعَادَةِ (مَنْ)، كَأَنَّهُ قَالَ: أَمَنْ يَهْجُو، وَمَنْ يَمْدَحُهُ، وَمَنْ يَنْصُرُهُ. وَمِنْهُ قَوْلُ اللَّهِ عز وجل: ﴿وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ﴾ [الرعد: ١٠] . وَهَذَا الْقَوْلُ أَصَحُّ عِنْدِي فِي الْمَعْنَى مِنَ الْقَوْلِ الْآخَرِ، وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ: مَعْنَاهُ: وَلَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ، وَلَا أَنْتُمْ لَوْ كُنْتُمْ فِي السَّمَاءِ بِمُعْجِزِينَ، كَانَ مَذْهَبًا.
١٨ ‏/ ٣٧٨
وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ﴾ [البقرة: ١٠٧] يَقُولُ: وَمَا كَانَ لَكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ يَلِي أُمُورَكُمْ، وَلَا نَصِيرٍ يَنْصُرُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا، وَلَا يَمْنَعُكُمْ مِنْهُ إِنْ أَحَلَّ بِكُمْ عُقُوبَتَهُ.
١٨ ‏/ ٣٧٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَلِقَائِهِ أُولَئِكَ
١٨ ‏/ ٣٧٩
يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [العنكبوت: ٢٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَالَّذِينَ كَفَرُوا حُجَجَ اللَّهِ، وَأَنْكَرُوا أَدِلَّتَهُ، وَجَحَدُوا لِقَاءَهُ، وَالْوُرُودَ عَلَيْهِ يَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ ﴿أُولَئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي﴾ [العنكبوت: ٢٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أُولَئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي فِي الْآخِرَةِ لَمَّا عَايَنُوا مَا أُعِدَّ لَهُمْ مِنَ الْعَذَابِ، وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُوجِعٌ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَكَيْفَ اعْتَرَضَ بِهَذِهِ الْآيَاتِ مِنْ قَوْلِهِ ﴿وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ [العنكبوت: ١٨] إِلَى قَوْلِهِ ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ [النحل: ٧٩] وَتَرَكَ ضَمِيرَ قَوْلِهِ ﴿فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ﴾ [النمل: ٥٦] وَهُوَ مِنْ قِصَّةِ إِبْرَاهِيمَ. وَقَوْلُهُ ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ [العنكبوت: ١٧] إِلَى قَوْلِهِ ﴿فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [العنكبوت: ١٧]؟ قِيلَ: فَعَلَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، لِأَنَّ الْخَبَرَ عَنْ أَمْرِ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَقَوْمِهِمَا، وَسَائِرُ مَنْ ذَكَرَ اللَّهُ مِنَ الرُّسُلِ وَالْأُمَمِ فِي هَذِهِ السُّورَةِ وَغَيْرِهَا، إِنَّمَا هُوَ تَذْكِيرٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ بِهِ الَّذِينَ يَبْتَدِئُ بِذِكْرِهِمْ قَبْلَ الِاعْتِرَاضِ بِالْخَبَرِ، وَتَحْذِيرٌ مِنْهُ لَهُمْ أَنْ يَحِلَّ بِهِمْ مَا حَلَّ بِهِمْ، فَكَأَنَّهُ قِيلَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: فَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ، فَكَذَّبْتُمْ أَنْتُمْ مَعْشَرَ قُرَيْشٍ رَسُولَكُمْ مُحَمَّدًا، كَمَا كَذَّبَ أُولَئِكَ إِبْرَاهِيمَ، ثُمَّ جَعَلَ مَكَانَ: فَكَذَّبْتُمْ: وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ، إِذْ كَانَ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى الْخَبَرِ عَنْ تَكْذِيبِهِمْ رَسُولَهُمْ، ثُمَّ عَادَ إِلَى الْخَبَرِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمِهِ، وَتَتْمِيمِ قِصَّتِهِ، وَقِصَّتِهِمْ بِقَوْلِهِ ﴿فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ﴾ [النمل: ٥٦]
١٨ ‏/ ٣٨٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ [العنكبوت: ٢٤]⦗٣٨١⦘ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَلَمْ يَكُنْ جَوَابَ قَوْمِ إِبْرَاهِيمَ لَهُ إِذْ قَالَ لَهُمُ: اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ، ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ، إِلَّا أَنْ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ بِالنَّارِ، فَفَعَلُوا، فَأَرَادُوا إِحْرَاقَهُ بِالنَّارِ، فَأَضْرَمُوا لَهُ النَّارَ، فَأَلْقَوْهُ فِيهَا، فَأَنْجَاهُ اللَّهُ مِنْهَا، وَلَمْ يُسَلِّطْهَا عَلَيْهِ، بَلْ جَعَلَهَا عَلَيْهِ بَرْدًا وَسَلَامًا.
١٨ ‏/ ٣٨٠
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: “فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِ إِبْرَاهِيمَ ﴿إِلَّا أَنْ قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ، فَأَنْجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ﴾ [العنكبوت: ٢٤] قَالَ: قَالَ كَعْبٌ: «مَا حَرَقَتْ مِنْهُ إِلَّا وَثَاقَهُ»
١٨ ‏/ ٣٨١
﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ [النحل: ٧٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ فِي إِنْجَائِنَا لِإِبْرَاهِيمَ مِنَ النَّارِ، وَقَدْ أُلْقِيَ فِيهَا وَهِيَ تُسَعَّرُ، وَتَصْيِيرِهَا عَلَيْهِ بَرْدًا وَسَلَامًا، لَأَدِلَّةً وَحُجَجًا لِقَوْمٍ يُصَدِّقُونَ بِالْأَدِلَّةِ وَالْحُجَجِ إِذَا عَايَنُوا وَرَأَوْا
١٨ ‏/ ٣٨١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [العنكبوت: ٢٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُخْبِرًا عَنْ قِيلِ إِبْرَاهِيمَ لِقَوْمِهِ: ﴿وَقَالَ﴾ [البقرة: ١١٨] إِبْرَاهِيمُ لِقَوْمِهِ: يَا قَوْمِ ﴿إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا﴾ [العنكبوت: ٢٥] وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ﴾ [العنكبوت: ٢٥] فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَالشَّأْمِ وَبَعْضُ الْكُوفِيِّينَ: (مَوَدَّةً) بِنَصْبِ مَوَدَّةٍ بِغَيْرِ إِضَافَةِ ﴿بَيْنِكُمْ﴾ [البقرة: ١٨٨] بِنَصْبِهَا.
١٨ ‏/ ٣٨١
وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ الْكُوفِيِّينَ: ﴿مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ﴾ [العنكبوت: ٢٥] بِنَصْبِ الْمَوَدَّةِ، وَإِضَافَتِهَا إِلَى قَوْلِهِ ﴿بَيْنِكُمْ﴾ [البقرة: ١٨٨] وَخَفْضِ ﴿بَيْنِكُمْ﴾ [البقرة: ١٨٨] . وَكَأَنَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ قَرَءُوا قَوْلَهُ: ﴿مَوَدَّةَ﴾ [النساء: ٧٣] نَصْبًا وَجَّهُوا مَعْنَى الْكَلَامِ إِلَى: إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ أَيُّهَا الْقَوْمُ أَوْثَانًا مَوَدَّةً بَيْنَكُمْ، فَجَعَلُوا إِنَّمَا حَرْفًا وَاحِدًا، وَأَوْقَعُوا قَوْلَهُ ﴿اتَّخَذْتُمْ﴾ [البقرة: ٥١] عَلَى الْأَوْثَانِ، فَنَصَبُوهَا بِمَعْنَى: اتَّخَذْتُمُوهَا مَوَدَّةً بَيْنَكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، تَتَحَابُّونَ عَلَى عِبَادَتِهَا، وَتَتَوَادُّونَ عَلَى خِدْمَتِهَا، فَتَتَوَاصَلُونَ عَلَيْهَا. وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ قُرَّاءِ أَهْلِ مَكَّةَ وَالْبَصْرَةَ: (مَوَدَّةُ بَيْنِكُمْ) بِرَفْعِ الْمَوَدَّةِ، وَإِضَافَتِهَا إِلَى الْبَيْنِ، وَخَفْضِ الْبَيْنِ. وَكَأَنَّ الَّذِينَ قَرَءُوا ذَلِكَ كَذَلِكَ، جَعَلُوا إِنَّمَا حَرْفَيْنِ، بِتَأْوِيلِ: إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا إِنَّمَا هُوَ مَوَدَّتُكُمْ لِلدُّنْيَا، فَرَفَعُوا مَوَدَّةَ عَلَى خَبَرِ إِنَّ. وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونُوا عَلَى قِرَاءَتِهِمْ ذَلِكَ رَفْعًا بِقَوْلِهِ ﴿إِنَّمَا﴾ [البقرة: ١١] أَنْ تَكُونَ حَرْفًا وَاحِدًا، وَيَكُونَ الْخَبَرُ مُتَنَاهِيًا عِنْدَ قَوْلِهِ ﴿إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا﴾ [العنكبوت: ٢٥] ثُمَّ يَبْتَدِئُ الْخَبَرَ فَيُقَالُ: مَا مَوَدَّتُكُمْ تِلْكَ الْأَوْثَانَ بِنَافِعَتِكُمْ، إِنَّمَا مَوَدَّةُ بَيْنِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا، ثُمَّ هِيَ مُنْقَطِعَةٌ، وَإِذَا أُرِيدَ هَذَا الْمَعْنَى كَانَتِ الْمَوَدَّةُ مَرْفُوعَةً بِالصِّفَةِ بِقَوْلِهِ ﴿فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [البقرة: ٨٥] وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونُوا أَرَادُوا بِرَفْعِ الْمَوَدَّةِ، رَفْعَهَا عَلَى ضَمِيرِ هِيَ. وَهَذِهِ الْقِرَاءَاتُ الثَّلَاثُ مُتَقَارِبَاتُ الْمَعَانِي، لِأَنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْأَوْثَانَ آلِهَةً يَعْبُدُونَهَا، اتَّخَذُوهَا مَوَدَّةً بَيْنَهُمْ، وَكَانَتْ لَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مَوَدَّةً، ثُمَّ هِيَ عَنْهُمْ مُنْقَطِعَةٌ، فَبِأَيِّ ذَلِكَ قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ، لِتَقَارُبِ مُعَانِي ذَلِكَ، وَشُهْرَةِ
١٨ ‏/ ٣٨٢
الْقِرَاءَةِ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ فِي قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ.
١٨ ‏/ ٣٨٣
وَقَوْلُهُ: ﴿ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا﴾ [العنكبوت: ٢٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَيُّهَا الْمُتَوَادُّونَ عَلَى عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ وَالْأَصْنَامِ، وَالْمُتَوَاصِلُونَ عَلَى خَدَمَاتِهَا عِنْدَ وُرُودِكُمْ عَلَى رَبِّكُمْ، وَمُعَايَنَتِكُمْ مَا أَعَدَّ اللَّهُ لَكُمْ عَلَى التَّوَاصُلِ، وَالتَّوَادِّ فِي الدُّنْيَا مِنْ أَلَمِ الْعَذَابِ ﴿يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ﴾ [العنكبوت: ٢٥] يَقُولُ: يَتَبَرَّأُ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ، وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ ‏/ ٣٨٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا﴾ [العنكبوت: ٢٥] قَالَ: صَارَتْ كُلُّ خُلَّةٍ فِي الدُّنْيَا عَدَاوَةً عَلَى أَهْلِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا خُلَّةَ الْمُتَّقِينَ»
١٨ ‏/ ٣٨٣
وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ﴾ [العنكبوت: ٢٥] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَمَصِيرُ جَمِيعِكُمْ أَيُّهَا الْعَابِدُونَ الْأَوْثَانَ وَمَا تَعْبُدُونَ النَّارُ ﴿وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ﴾ [العنكبوت: ٢٥] يَقُولُ: وَمَا لَكُمْ أَيُّهَا الْقَوْمُ الْمُتَّخِذُو الْآلِهَةَ، مِنْ دُونِ اللَّهِ مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ مِنْ أَنْصَارٍ يَنْصُرُونَكُمْ مِنَ اللَّهِ حِينَ يُصْلِيكُمْ نَارَ جَهَنَّمَ، فَيُنْقِذُونَكُمْ مِنْ عَذَابِهِ.
١٨ ‏/ ٣٨٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي ⦗٣٨٤⦘﴾ [العنكبوت: ٢٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَصَدَّقَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلَ اللَّهِ لُوطٌ ﴿وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي﴾ [العنكبوت: ٢٦] يَقُولُ: وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: إِنِّي مُهَاجِرٌ دَارَ قَوْمِي إِلَى رَبِّي، إِلَى الشَّامِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ ‏/ ٣٨٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ﴾ [العنكبوت: ٢٦] قَالَ: صَدَّقَ لُوطٌ ﴿وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي﴾ [العنكبوت: ٢٦] قَالَ: هُوَ إِبْرَاهِيمُ»
١٨ ‏/ ٣٨٤
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ﴾ [العنكبوت: ٢٦] أَيْ فَصَدَّقَهُ لُوطٌ ﴿وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي﴾ [العنكبوت: ٢٦] قَالَ: هَاجَرَا جَمِيعًا مِنْ كَوْثَى، وَهِيَ مِنْ سَوَادِ الْكُوفَةِ إِلَى الشَّامِ. قَالَ: وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ كَانَ يَقُولُ: «سَتَكُونُ هِجْرَةٌ بَعْدَ هِجْرَةٍ، يَنْحَازُ أَهْلُ الْأَرْضِ إِلَى مُهَاجَرِ إِبْرَاهِيمَ، وَيَبْقَى فِي الْأَرْضِ شِرَارُ أَهْلِهَا، حَتَّى تَلْفِظَهُمْ وَتَقْذَرَهُمْ وَتَحْشُرَهُمُ النَّارُ مَعَ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ»
١٨ ‏/ ٣٨٤
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ﴾ [العنكبوت: ٢٦] قَالَ: صَدَّقَهُ لُوطٌ، صَدَّقَ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: أَرَأَيْتَ الْمُؤْمِنِينَ، أَلَيْسَ آمَنُوا ⦗٣٨٥⦘ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ مَا جَاءَ بِهِ؟ قَالَ: فَالْإِيمَانُ: التَّصْدِيقُ. وَفِي قَوْلِهِ: ﴿إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي﴾ [العنكبوت: ٢٦] قَالَ: كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى الشَّامِ»
١٨ ‏/ ٣٨٤
وَقَالً ابْنُ زَيْدٍ فِي حَدِيثِ الذِّئْبِ الَّذِي كَلَّمَ الرَّجُلَ، فَأَخْبَرَ بِهِ النَّبِيُّ ﷺ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «فَآمَنْتُ لَهُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ» وَلَيْسَ أَبُو بَكْرٍ وَلَا عُمَرُ مَعَهُ ” يَعْنِي: آمَنْتُ لَهُ: صَدَّقْتُهُ
١٨ ‏/ ٣٨٥
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، فِي قَوْلِهِ «﴿فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي﴾ [العنكبوت: ٢٦] قَالَ: إِلَى حَرَّانَ، ثُمَّ أُمِرَ بَعْدُ بِالشَّأْمِ الَّذِي هَاجَرَ إِبْرَاهِيمُ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ هَاجَرَ يَقُولُ: ﴿فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ﴾ [العنكبوت: ٢٦] الْآيَةَ»
١٨ ‏/ ٣٨٥
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ «﴿فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي﴾ [العنكبوت: ٢٦] إِبْرَاهِيمُ الْقَائِلُ: إِنَّى مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي»
١٨ ‏/ ٣٨٥
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [العنكبوت: ٢٦] يَقُولُ: إِنَّ رَبِّيَ هُوَ الْعَزِيزُ الَّذِي لَا يَذِلُّ مَنْ نَصَرَهُ، وَلَكِنَّهُ يَمْنَعُهُ مِمَّنْ أَرَادَهُ بِسُوءٍ، وَإِلَيْهِ هِجْرَتُهُ، الْحَكِيمُ فِي تَدْبِيرِهِ خَلْقَهُ، وَتَصْرِيفِهِ إِيَّاهُمْ فِيمَا صَرَّفَهُمْ فِيهِ.
١٨ ‏/ ٣٨٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ﴾ ⦗٣٨٦⦘ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَرَزَقْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِسْحَاقَ وَلَدًا، وَيَعْقُوبَ مِنْ بَعْدِهِ وَلَدَ وَلَدٍ.
١٨ ‏/ ٣٨٥
كَمَا: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ﴾ [العنكبوت: ٢٧] قَالَ: هُمَا وَلَدَا إِبْرَاهِيمَ»
١٨ ‏/ ٣٨٦
وَقَوْلُهُ: ﴿وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ﴾ [العنكبوت: ٢٧] بِمَعْنَى الْجَمْعِ، يُرَادُ بِهِ الْكُتُبُ، وَلَكِنَّهُ خَرَجَ مَخْرَجَ قَوْلِهِمْ: كَثُرَ الدِّرْهَمُ وَالدِّينَارُ عِنْدَ فُلَانٍ.
١٨ ‏/ ٣٨٦
وَقَوْلُهُ: ﴿وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا﴾ [العنكبوت: ٢٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَأَعْطَيْنَاهُ ثَوَابَ بَلَائِهِ فِينَا فِي الدُّنْيَا ﴿وَإِنَّهُ﴾ [البقرة: ١٣٠] مَعَ ذَلِكَ ﴿فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ﴾ [البقرة: ١٣٠] فَلَهُ هُنَاكَ أَيْضًا جَزَاءُ الصَّالِحِينَ، غَيْرَ مُنْتَقِصٍ حَظُّهُ بِمَا أُعْطِيَ فِي الدُّنْيَا مِنَ الْأَجْرِ عَلَى بَلَائِهِ فِي اللَّهِ، عَمَّا لَهُ عِنْدَهُ فِي الْآخِرَةِ. وَقِيلَ: إِنَّ الْأَجْرَ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ عز وجل، أَنَّهُ آتَاهُ إِبْرَاهِيمَ فِي الدُّنْيَا هُوَ الثَّنَاءُ الْحَسَنُ، وَالْوَلَدُ الصَّالِحُ.
١٨ ‏/ ٣٨٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «﴿وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا﴾ [العنكبوت: ٢٧] قَالَ: الثَّنَاءُ»
١٨ ‏/ ٣٨٦
حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ، قَالَ: ثنا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ لَيْثٍ، قَالَ: أَرْسَلَ مُجَاهِدٌ رَجُلًا ⦗٣٨٧⦘ يُقَالُ لَهُ قَاسِمٌ إِلَى عِكْرِمَةَ يَسْأَلُهُ عَنْ قَوْلِهِ «﴿وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ﴾ [العنكبوت: ٢٧] قَالَ: قَالَ: أَجْرُهُ فِي الدُّنْيَا أَنَّ كُلَّ مِلَّةٍ تَتَوَلَّاهُ، وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الصَّالِحِينَ، قَالَ: فَرَجَعَ إِلَى مُجَاهِدٍ، فَقَالَ: أَصَابَ»
١٨ ‏/ ٣٨٦
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ مِنْدَلٍ، عَمَّنْ ذَكَرَهُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، «﴿وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا﴾ [العنكبوت: ٢٧] قَالَ: الْوَلَدُ الصَّالِحُ، وَالثَّنَاءُ»
١٨ ‏/ ٣٨٧
حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، «﴿وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا﴾ [العنكبوت: ٢٧] يَقُولُ: الذِّكْرُ الْحَسَنُ»
١٨ ‏/ ٣٨٧
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ «﴿وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا﴾ [العنكبوت: ٢٧] قَالَ: عَافِيَةً وَعَمَلًا صَالِحًا، وَثَنَاءً حَسَنًا، فَلَسْتَ بِلَاقٍ أَحَدًا مِنَ الْمِلَلِ إِلَّا يَرَى إِبْرَاهِيمَ وَيَتَوَلَّاهُ ﴿وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ﴾ [البقرة: ١٣٠]»
١٨ ‏/ ٣٨٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ﴾ [العنكبوت: ٢٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: وَاذْكُرْ لُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ: إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ ﴿مَا سَبَقَكُمْ بِهَا﴾ [الأعراف: ٨٠] يَعْنِي بِالْفَاحِشَةِ الَّتِي كَانُوا يَأْتُونَهَا، وَهِيَ إِتْيَانُ الذُّكْرَانِ ﴿مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ﴾ [الأعراف: ٨٠] وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ ‏/ ٣٨٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ خِدَاشٍ، وَيَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَا: ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، فِي قَوْلِهِ «﴿إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ﴾ [العنكبوت: ٢٨] قَالَ: مَا نَزَا ذَكَرٌ عَلَى ذَكَرٍ حَتَّى كَانَ قَوْمُ لُوطٍ»
١٨ ‏/ ٣٨٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ﴾ [العنكبوت: ٢٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُخْبِرًا عَنْ قِيلِ لُوطٍ لِقَوْمِهِ ﴿أَئِنَّكُمْ﴾ [الأنعام: ١٩] أَيُّهَا الْقَوْمُ ﴿لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ﴾ [الأعراف: ٨١] فِي أَدْبَارِهِمْ ﴿وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ﴾ [العنكبوت: ٢٩] يَقُولُ: وَتَقْطَعُونَ الْمُسَافِرِينَ عَلَيْكُمْ بِفِعْلِكُمُ الْخَبِيثِ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ فِيمَا ذُكِرَ عَنْهُمْ كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ بِمَنْ مَرَّ عَلَيْهِمْ مِنَ الْمُسَافِرِينَ، وَمَنْ وَرَدَ بِلَادَهُمْ مِنَ الْغُرَبَاءِ.
١٨ ‏/ ٣٨٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ «﴿وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ﴾ [العنكبوت: ٢٩] قَالَ: السَّبِيلُ: الطَّرِيقُ. الْمُسَافِرُ إِذَا مَرَّ بِهِمْ، وَهُوَ ابْنُ السَّبِيلِ قَطَعُوا بِهِ، وَعَمِلُوا بِهِ ذَلِكَ الْعَمَلَ الْخَبِيثَ»
١٨ ‏/ ٣٨٨
وَقَوْلُهُ: ﴿وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ﴾ [العنكبوت: ٢٩] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمُنْكَرِ الَّذِي عَنَاهُ اللَّهُ، الَّذِي كَانَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ يَأْتُونَهُ فِي نَادِيهِمْ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَ ذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَضَارَطُونَ فِي مَجَالِسِهِمْ.
١٨ ‏/ ٣٨٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْأَسْوَدِ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَبِيعَةَ، قَالَ: ثنا رَوْحُ بْنُ عُطَيْفَةَ الثَّقَفِيُّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُصْعَبٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ، فِي قَوْلِهِ «﴿وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ﴾ [العنكبوت: ٢٩] قَالَ: الضُّرَاطُ». وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ كَانَ ذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَخْذِفُونَ مَنْ مَرَّ بِهِمْ.
١٨ ‏/ ٣٨٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، وَابْنُ وَكِيعٍ، قَالَا: ثنا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ حَاتِمِ بْنِ أَبِي صَغِيرَةَ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أُمِّ هَانِئٍ، قَالَتْ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ ﷺ عَنْ قَوْلِهِ ﴿وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ﴾ [العنكبوت: ٢٩] قَالَ: «كَانُوا يَخْذِفُونَ أَهْلَ الطَّرِيقِ وَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ، فَهُوَ الْمُنْكَرُ الَّذِي كَانُوا يَأْتُونَ» . حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ، قَالَ: ثنا أَسَدٌ، قَالَ: ثنا أَبُو أُسَامَةَ، بِإِسْنَادِهِ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، مِثْلَهُ
١٨ ‏/ ٣٨٩
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ الضَّبِّيُّ، قَالَ: ثنا سُلَيْمُ بْنُ أَخْضَرَ، قَالَ: ثنا أَبُو يُونُسَ الْقُشَيْرِيُّ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، مَوْلَى أُمِّ هَانِئٍ، أَنَّ أُمَّ هَانِئٍ سُئِلَتْ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ ” ﴿وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ﴾ [العنكبوت: ٢٩] فَقَالَتْ: سَأَلْتُ عَنْهَا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ: «كَانُوا يَخْذِفُونَ أَهْلَ الطَّرِيقِ، وَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ»
١٨ ‏/ ٣٩٠
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثنا عُمَرُ بْنُ أَبِي زَائِدَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ «﴿وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ﴾ [العنكبوت: ٢٩] قَالَ: كَانُوا يُؤْذُونَ أَهْلَ الطَّرِيقِ، يَخْذِفُونَ مَنْ مَرَّ بِهِمْ»
١٨ ‏/ ٣٩٠
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ قَالَ: «الْخَذْفُ»
١٨ ‏/ ٣٩٠
حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، «﴿وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ﴾ [العنكبوت: ٢٩] قَالَ: كَانَ كُلُّ مَنْ مَرَّ بِهِمْ خَذَفُوهُ، فَهُوَ الْمُنْكَرُ»
١٨ ‏/ ٣٩٠
حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ، قَالَ: ثنا أَسَدٌ، قَالَ: ثنا سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَاتِمُ بْنُ أَبِي صَغِيرَةَ، قَالَ: ثنا سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ، عَنْ بَاذَامَ أَبِي صَالِحٍ مَوْلَى أُمِّ هَانِئٍ، عَنْ أُمِّ هَانِئٍ، قَالَتْ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ ﴿وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ﴾ [العنكبوت: ٢٩] قَالَ: «كَانُوا يَجْلِسُونَ بِالطَّرِيقِ، فَيَحْذِفُونَ أَبْنَاءَ السَّبِيلِ، ⦗٣٩١⦘ وَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ» . وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ كَانَ ذَلِكَ إِتْيَانَهُمُ الْفَاحِشَةَ فِي مَجَالِسِهِمْ.
١٨ ‏/ ٣٩٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «كَانَ يَأْتِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا فِي مَجَالِسِهِمْ، يَعْنِي قَوْلَهُ ﴿وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ﴾ [العنكبوت: ٢٩]»
١٨ ‏/ ٣٩١
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: ثنا ثَابِتُ بْنُ مُحَمَّدٍ اللَّيْثِيُّ، قَالَ: ثنا فُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ «﴿وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ﴾ [العنكبوت: ٢٩] قَالَ: كَانَ يُجَامِعُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فِي الْمَجَالِسِ»
١٨ ‏/ ٣٩١
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «﴿وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ﴾ [العنكبوت: ٢٩] قَالَ: كَانَ يَأْتِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا فِي الْمَجَالِسِ»
١٨ ‏/ ٣٩١
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «كَانُوا يُجَامِعُونَ الرِّجَالَ فِي مَجَالِسِهِمْ»
١٨ ‏/ ٣٩١
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «﴿وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ﴾ [العنكبوت: ٢٩] قَالَ: الْمَجَالِسُ، وَالْمُنْكَرُ: إِتْيَانُهُمُ الرِّجَالَ»
١٨ ‏/ ٣٩٢
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ «﴿وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ﴾ [العنكبوت: ٢٩] قَالَ: كَانُوا يَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ فِي نَادِيهِمْ»
١٨ ‏/ ٣٩٢
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ «﴿وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ﴾ [العنكبوت: ٢٩] قَالَ: نَادِيهُمُ: الْمَجَالِسُ، وَالْمُنْكَرُ: عَمَلُهُمُ الْخَبِيثُ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَهُ، كَانُوا يَعْتَرِضُونَ بِالرَّاكِبِ، فَيَأْخُذُونَهُ وَيَرْكَبُونَهُ. وَقَرَأَ ﴿أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ﴾ [النمل: ٥٤]، وَقَرَأَ ﴿مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ﴾ [الأعراف: ٨٠]»
١٨ ‏/ ٣٩٢
حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ «﴿وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ﴾ [العنكبوت: ٢٩] يَقُولُ: فِي مَجَالِسَكُمْ». وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَاهُ: وَتَحْذِفُونَ فِي مَجَالِسَكُمُ الْمَارَّةَ بِكُمْ، وَتَسْخَرُونَ مِنْهُمْ، لِمَا ذَكَرْنَا مِنَ الرِّوَايَةِ بِذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ.
١٨ ‏/ ٣٩٢
وَقَوْلُهُ: ﴿فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾ [العنكبوت: ٢٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَلَمْ يَكُنْ جَوَابَ قَوْمِ لُوطٍ إِذْ نَهَاهُمْ عَمَّا يَكْرَهُهُ اللَّهُ مِنْ إِتْيَانِ الْفَوَاحِشِ الَّتِي حَرَّمَهَا اللَّهُ إِلَّا قِيلُهُمُ: ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ الَّذِي تَعِدُنَا، إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ فِيمَا تَقُولُ، وَالْمُنْجِزِينَ لِمَا تَعِدُ.
١٨ ‏/ ٣٩٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ﴾ [العنكبوت: ٣١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى﴾ [العنكبوت: ٣١] مِنَ اللَّهِ بِإِسْحَاقَ، وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبُ، ﴿قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ﴾ [العنكبوت: ٣١] يَقُولُ: قَالَتْ رُسُلُ اللَّهِ لِإِبْرَاهِيمَ: إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ، قَرْيَةِ سَدُومَ، وَهِيَ قَرْيَةُ قَوْمِ لُوطٍ ﴿إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ﴾ [العنكبوت: ٣١] يَقُولُ: إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ بِمَعْصِيَتِهِمُ اللَّهَ، وَتَكْذِيبِهِمْ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ.
١٨ ‏/ ٣٩٣
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ «﴿وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى﴾ [العنكبوت: ٣١] إِلَى قَوْلِهِ ﴿نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا﴾ [العنكبوت: ٣٢] قَالَ: فَجَادَلَ إِبْرَاهِيمُ الْمَلَائِكَةَ فِي قَوْمِ لُوطٍ أَنْ يُتْرَكُوا، قَالَ: فَقَالَ: أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ فِيهَا عَشَرَةُ أَبْيَاتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، أَتَتْرُكُونَهُمْ؟ فَقَالَتِ الْمَلَائِكَةُ: لَيْسَ فِيهَا عَشَرَةُ أَبْيَاتٍ، وَلَا خَمْسَةٍ، وَلَا أَرْبَعَةٍ، ⦗٣٩٤⦘ وَلَا ثَلَاثَةٍ، وَلَا اثْنَانِ؛ قَالَ: فَحَزِنَ عَلَى لُوطٍ وَأَهْلِ بَيْتِهِ، فَقَالَ ﴿إِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا، لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ﴾ [العنكبوت: ٣٢] فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ، إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ﴾ [هود: ٧٥]، فَقَالَتِ الْمَلَائِكَةُ: ﴿يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا، إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ، وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ﴾ [هود: ٧٦] فَبَعَثَ اللَّهُ إِلَيْهِمْ جِبْرَائِيلَ ﷺ، فَانْتَسَفَ الْمَدِينَةَ وَمَا فِيهَا بِأَحَدِ جَنَاحَيْهِ، فَجَعَلَ عَالِيَهَا سَافِلَهَا، وَتَتَبَّعَهُمْ بِالْحِجَارَةِ بِكُلِّ أَرْضٍ»
١٨ ‏/ ٣٩٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا، قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا، لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ﴾ [العنكبوت: ٣٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِلرُّسُلِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، إِذْ قَالُوا لَهُ: ﴿إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ، إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ﴾ [العنكبوت: ٣١] فَلَمْ يَسْتَثْنُوا مِنْهُمْ أَحَدًا، إِذْ وَصَفُوهُمْ بِالظُّلْمِ: إِنَّ فِيهَا لُوطًا، وَلَيْسَ مِنَ الظَّالِمِينَ، بَلْ هُوَ مِنْ رُسُلِ اللَّهِ، وَأَهْلِ الْإِيمَانِ بِهِ، وَالطَّاعَةِ لَهُ، فَقَالَتِ الرُّسُلُ لَهُ: ﴿نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا﴾ [العنكبوت: ٣٢] مِنَ الظَّالِمِينَ الْكَافِرِينَ بِاللَّهِ مِنْكَ، وَإِنَّ لُوطًا لَيْسَ مِنْهُمْ، بَلْ هُوَ كَمَا قُلْتَ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ، لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْهَلَاكِ الَّذِي هُوَ نَازِلٌ بِأَهْلِ قَرْيَتِهِ ﴿إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ﴾ [الأعراف: ٨٣] الَّذِينَ أَبْقَتْهُمُ الدُّهُورُ وَالْأَيَّامُ، وَتَطَاوَلَتْ أَعْمَارُهُمْ وَحَيَاتُهُمْ، وَإِنَّهَا هَالِكَةٌ مِنْ بَيْنِ أَهْلِ لُوطٍ مَعَ قَوْمِهَا.
١٨ ‏/ ٣٩٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا﴾ [العنكبوت: ٣٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا﴾ [العنكبوت: ٣٣] مِنَ الْمَلَائِكَةِ ﴿سِيءَ بِهِمْ﴾ [هود: ٧٧] يَقُولُ: سَاءَتْهُ الْمَلَائِكَةُ بِمَجِيئِهِمْ إِلَيْهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ تَضَيَّفُوهُ، فَسَاءَهُ بِذَلِكَ، فَقَوْلُهُ ﴿سِيءَ بِهِمْ﴾ [هود: ٧٧] فَعَلَ بِهِمْ مَنْ سَاءَهُ بِذَلِكَ. وَذُكِرَ عَنْ قَتَادَةَ كَانَ يَقُولُ: سَاءَ ظَنُّهُ بِقَوْمِهِ، وَضَاقَ بِضَيْفِهِ ذَرْعًا.
١٨ ‏/ ٣٩٥
حَدَّثَنَا بِذَلِكَ الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْهُ «﴿وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا﴾ [هود: ٧٧] يَقُولُ: وَضَاقَ ذَرْعُهُ بِضَيَافَتِهِمْ لِمَا عَلِمَ مِنْ خُبْثِ فِعْلِ قَوْمِهِ»
١٨ ‏/ ٣٩٥
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ «﴿وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا﴾ [العنكبوت: ٣٣] قَالَ: بِالضِّيَافَةِ، مَخَافَةً عَلَيْهِمْ مِمَّا يَعْلَمُ مِنْ شَرِّ قَوْمِهِ»
١٨ ‏/ ٣٩٥
وَقَوْلُهُ: ﴿وَقَالُوا لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ﴾ [العنكبوت: ٣٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَتِ الرُّسُلُ لِلُوطٍ: لَا تَخَفْ عَلَيْنَا أَنْ يَصِلَ إِلَيْنَا قَوْمُكَ، وَلَا تَحْزَنْ مِمَّا أَخْبَرْنَاكَ مِنْ ⦗٣٩٦⦘ أَنَّا مُهْلِكُوهُمْ، وَذَلِكَ أَنَّ الرُّسُلَ قَالَتْ لَهُ: ﴿يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقَطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ﴾ [هود: ٨١] ﴿إِنَّا مُنَجُّوكَ﴾ [العنكبوت: ٣٣] مِنَ الْعَذَابِ الَّذِي هُوَ نَازِلٌ بِقَوْمِكَ ﴿وَأَهْلَكَ﴾ [هود: ٤٠] يَقُولُ: وَمُنَجُّو أَهْلَكَ مَعَكَ ﴿إِلَّا امْرَأَتَكَ﴾ [هود: ٨١] فَإِنَّهَا هَالِكَةٌ فِيمَنْ يَهْلِكُ مِنْ قَوْمِهَا، كَانَتْ مِنَ الْبَاقِينَ الَّذِينَ طَالَتْ أَعْمَارُهُمْ.
١٨ ‏/ ٣٩٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ﴾ [العنكبوت: ٣٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُخْبِرًا عَنْ قِيلِ الرُّسُلِ لِلُوطٍ ﴿إِنَّا مُنْزِلُونَ﴾ [العنكبوت: ٣٤] يَا لُوطُ ﴿عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ﴾ [العنكبوت: ٣٤] سَدُومَ ﴿رِجْزًا مِنَ الْسَّمَاءِ﴾ [البقرة: ٥٩] يَعْنِي عَذَابًا.
١٨ ‏/ ٣٩٦
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزًا﴾ [العنكبوت: ٣٤] أَيْ عَذَابًا». وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الرِّجْزِ وَمَا فِيهِ مِنْ أقوالِ أَهْلِ التَّأْوِيلِ فِيمَا مَضَى، بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ.
١٨ ‏/ ٣٩٦
وَقَوْلُهُ: ﴿بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ﴾ [البقرة: ٥٩] يَقُولُ: بِمَا كَانُوا يَأْتُونَ مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ، وَيَرْكَبُونَ مِنَ الْفَاحِشَةِ.
١٨ ‏/ ٣٩٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَقَدْ تَرَكْنَا مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ [العنكبوت: ٣٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَقَدْ أَبْقَيْنَا مِنْ فِعْلَتِنَا الَّتِي فَعَلْنَا بِهِمْ آيَةً، يَقُولُ: ⦗٣٩٧⦘ عِبْرَةً بَيِّنَةً، وَعِظَةً وَاعِظَةً، لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ عَنِ اللَّهِ حُجَجَهُ، وَيَتَفَكَّرُونَ فِي مَوَاعِظِهِ، وَتِلْكَ الْآيَةُ الْبَيِّنَةُ هِيَ عِنْدِي عُفُوُّ آثَارِهِمْ، وَدُرُوسُ مَعَالِمِهِمْ. وَذُكِرَ عَنْ قَتَادَةَ ذَلِكَ
١٨ ‏/ ٣٩٦
مَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿وَلَقَدْ تَرَكْنَا مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ [العنكبوت: ٣٥] قَالَ: هِيَ الْحِجَارَةُ الَّتِي أُمْطِرَتْ عَلَيْهِمْ»
١٨ ‏/ ٣٩٧
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ «﴿مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً﴾ [العنكبوت: ٣٥] قَالَ: عِبْرَةً»
١٨ ‏/ ٣٩٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا، فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾ [العنكبوت: ٣٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَأَرْسَلْتُ إِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا، فَقَالَ لَهُمْ: يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَحْدَهُ، وَذِلُّوا لَهُ بِالطَّاعَةِ، وَاخْضَعُوا لَهُ بِالْعِبَادَةِ ﴿وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ﴾ [العنكبوت: ٣٦] يَقُولُ: وَارْجُوا بِعِبَادَتِكُمْ إِيَّايَ جَزَاءَ الْيَوْمِ الْآخِرِ، وَذَلِكَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ ﴿وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾ [البقرة: ٦٠] يَقُولُ: وَلَا تُكْثِرُوا فِي الْأَرْضِ مَعْصِيَةَ اللَّهِ، وَلَا تُقِيمُوا عَلَيْهَا، وَلَكِنْ تُوبُوا إِلَى اللَّهِ مِنْهَا، وَأَنِيبُوا. وَقَدْ كَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِكَلَامِ الْعَرَبِ يَتَأَوَّلُ قَوْلَهُ: ﴿وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ﴾ [العنكبوت: ٣٦] بِمَعْنَى: وَاخْشَوُا الْيَوْمَ الْآخِرَ.
١٨ ‏/ ٣٩٧
وَكَانَ غَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْعَرَبِيَّةِ يُنْكِرُ ذَلِكَ، وَيَقُولُ: لَمْ نَجِدِ الرَّجَاءَ بِمَعْنَى الْخَوْفِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ إِلَّا إِذَا قَارَنَهُ الْجَحْدُ.
١٨ ‏/ ٣٩٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ﴾ [العنكبوت: ٣٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَكَذَّبَ أَهْلُ مَدْيَنَ شُعَيْبًا فِيمَا أَتَاهُمْ بِهِ عَنِ اللَّهِ مِنَ الرِّسَالَةِ، فَأَخَذَتْهُمْ رَجْفَةُ الْعَذَابِ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ جُثُومًا، بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ مَوْتَى.
١٨ ‏/ ٣٩٨
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ﴾ [العنكبوت: ٣٧] أَيْ: مَيِّتِينَ»
١٨ ‏/ ٣٩٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ، وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ﴾ [العنكبوت: ٣٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَاذْكُرُوا أَيُّهَا الْقَوْمُ عَادًا وَثَمُودَ، وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ خَرَابُهَا وَخَلَاؤُهَا مِنْهُمْ بِوَقَائِعِنَا بِهِمْ، وَحُلُولِ سَطْوَتِنَا بِجَمِيعِهِمْ ﴿وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ﴾ [النمل: ٢٤] يَقُولُ: وَحَسَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ كُفْرَهُمْ بِاللَّهِ، وَتَكْذِيبَهُمْ رُسُلَهُ ﴿فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ﴾ [النمل: ٢٤] يَقُولُ: فَرَدَّهُمْ بِتَزْيِينِهِ لَهُمْ مَا زَيَّنَ لَهُمْ مِنَ الْكُفْرِ، عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، الَّتِي هِيَ الْإِيمَانُ بِهِ وَرُسُلِهِ، وَمَا جَاءُوهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ ⦗٣٩٩⦘ رَبِّهِمْ ﴿وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ﴾ [العنكبوت: ٣٨] يَقُولُ: وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ فِي ضَلَالَتِهِمْ، مُعْجَبِينَ بِهَا، يَحْسِبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى هُدًى وَصَوَابٍ، وَهُمْ عَلَى الضَّلَالِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ ‏/ ٣٩٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ «﴿فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ﴾ [العنكبوت: ٣٨] يَقُولُ: كَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ فِي دِينِهِمْ»
١٨ ‏/ ٣٩٩
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «﴿وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ﴾ [العنكبوت: ٣٨] فِي الضَّلَالَةِ»
١٨ ‏/ ٣٩٩
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ﴾ [العنكبوت: ٣٨] فِي ضَلَالَتِهِمْ، مُعْجَبِينَ بِهَا»
١٨ ‏/ ٣٩٩
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ، فِي قَوْلِهِ «﴿وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ﴾ [العنكبوت: ٣٨] يَقُولُ: فِي دِينِهِمْ»
١٨ ‏/ ٣٩٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ، وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ. فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا، وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ، وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا، وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ، وَلَكِنْ كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ [العنكبوت: ٤٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَاذْكُرْ يَا مُحَمَّدُ قَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ، وَلَقَدْ جَاءَ جَمِيعَهُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ، يَعْنِي بِالْوَاضِحَاتِ مِنَ الْآيَاتِ، فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ عَنِ التَّصْدِيقِ بِالْبَيِّنَاتِ مِنَ الْآيَاتِ، وَعَنِ اتِّبَاعِ مُوسَى صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ ﴿وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ﴾ [العنكبوت: ٣٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمَا كَانُوا سَابِقِينَا بِأَنْفُسِهِمْ فَيَفُوتُونَا، بَلْ كُنَّا مُقْتَدِرِينَ عَلَيْهِمْ.
١٨ ‏/ ٤٠٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنَبِهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا، وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ، وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا﴾ [العنكبوت: ٤٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَأَخَذْنَا جَمِيعَ هَذِهِ الْأُمَمِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا لَكَ يَا مُحَمَّدُ بِعَذَابِنَا ﴿فَمِنْهُمْ مِنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا﴾ [العنكبوت: ٤٠] وَهُمْ قَوْمُ لُوطٍ، الَّذِينَ أَمْطَرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ، وَالْعَرَبُ تُسَمِّي الرِّيحَ الْعَاصِفَ الَّتِي فِيهَا الْحَصَى الصِّغَارُ أَوِ الثَّلْجُ أَوِ الْبَرَدُ وَالْجَلِيدُ حَاصِبًا؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الْأَخْطَلِ:
[البحر الكامل] وَلَقَدْ عَلِمْتُ إِذَا الْعِشَارُ تَرَوَّحَتْ … هَدَجَ الرِّئَالِ يَكُبُّهُنَّ شِمَالَا
تَرْمِي الْعِضَاهَ بِحَاصِبٍ مِنْ ثَلْجِهَا … حَتَّى يَبِيتَ عَلَى الْعِضَاهِ جِفَالَا
١٨ ‏/ ٤٠٠
وَقَالَ الْفَرَزْدَقُ:
[البحر البسيط] مُسْتَقْبِلِينَ شِمَالَ الشَّأْمِ تَضْرِبُنَا … بِحَاصِبٍ كَنَدِيفِ الْقُطْنِ مَنْثُورِ
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ ‏/ ٤٠١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «﴿فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا﴾ [العنكبوت: ٤٠] قَوْمُ لُوطٍ»
١٨ ‏/ ٤٠١
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا﴾ [العنكبوت: ٤٠] وَهُمْ قَوْمُ لُوطٍ»
١٨ ‏/ ٤٠١
﴿وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ﴾ [العنكبوت: ٤٠] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الَّذِينَ عُنُوا بِذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُمْ ثَمُودُ قَوْمُ صَالِحٍ.
١٨ ‏/ ٤٠١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، «﴿وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ﴾ [العنكبوت: ٤٠] ثَمُودُ». وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ هُمْ قَوْمُ شُعَيْبٍ.
١٨ ‏/ ٤٠١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ ⦗٤٠٢⦘ الصَّيْحَةُ﴾ [العنكبوت: ٤٠] قَوْمُ شُعَيْبٍ». وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَخْبَرَ عَنْ ثَمُودَ وَقَوْمِ شُعَيْبٍ مِنْ أَهْلِ مَدْيَنَ أَنَّهُ أَهْلَكَهُمْ بِالصَّيْحَةِ فِي كِتَابِهِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، ثُمَّ قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِنَبِيِّهِ ﷺ: فَمِنَ الْأُمَمِ الَّتِي أَهْلَكْنَاهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا، وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ، فَلَمْ يُخَصِّصِ الْخَبَرَ بِذَلِكَ عَنْ بَعْضِ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ مِنَ الْأُمَمِ دُونَ بَعْضٍ، وَكِلَا الْأُمَّتَيْنِ أَعْنِي ثَمُودَ وَمَدْيَنَ قَدْ أَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ.
١٨ ‏/ ٤٠١
وَقَوْلُهُ: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ﴾ [العنكبوت: ٤٠] يَعْنِي بِذَلِكَ قَارُونَ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ ‏/ ٤٠٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «﴿وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ﴾ [العنكبوت: ٤٠] قَارُونَ ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا﴾ [العنكبوت: ٤٠] يَعْنِي: قَوْمَ نُوحٍ، وَفِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ». وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عُنِيَ بِذَلِكَ: قَوْمُ نُوحٍ عليه السلام.
١٨ ‏/ ٤٠٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ ⦗٤٠٣⦘ ابْنُ عَبَّاسٍ: «﴿وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا﴾ [العنكبوت: ٤٠] قَوْمُ نُوحٍ». وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ هُمْ قَوْمُ فِرْعَوْنَ.
١٨ ‏/ ٤٠٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا﴾ [العنكبوت: ٤٠] قَوْمُ فِرْعَوْنَ». وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ، أَنْ يُقَالَ: عُنِيَ بِهِ قَوْمُ نُوحٍ، وَفِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ، لِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يُخَصِّصْ بِذَلِكَ إِحْدَى الْأُمَّتَيْنِ دُونَ الْأُخْرَى، وَقَدْ كَانَ أَهْلَكَهُمَا قَبْلَ نُزُولِ هَذَا الْخَبَرِ عَنْهُمَا، فَهُمَا مَعْنِيَّتَانِ بِهِ.
١٨ ‏/ ٤٠٣
وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ [العنكبوت: ٤٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيُهْلِكَ هَؤُلَاءِ الْأُمَمَ الَّذِينَ أَهْلَكَهُمْ بِذُنُوبِ غَيْرِهِمْ، فَيَظْلِمَهُمْ بِإِهْلَاكِهِ إِيَّاهُمْ بِغَيْرِ اسْتِحْقَاقٍ، بَلْ إِنَّمَا أَهْلَكَهُمْ بِذُنُوبِهِمْ، وَكُفْرِهِمْ بِرَبِّهِمْ، وَجُحُودِهِمْ نِعَمَهُ عَلَيْهِمْ، مَعَ تَتَابُعِ إِحْسَانِهِ عَلَيْهِمْ، وَكَثْرَةِ أَيَادِيهِ عِنْدَهُمْ، وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ بِتَصَرُّفِهِمْ فِي نِعَمِ رَبِّهِمْ، وَتَقَلُّبِهِمْ فِي آلَائِهِ، وَعِبَادَتِهِمْ غَيْرَهُ، وَمَعْصِيَتِهِمْ مَنْ أَنْعَمَ عَلَيْهِمْ.
١٨ ‏/ ٤٠٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا﴾ [العنكبوت: ٤١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْآلِهَةَ وَالْأَوْثَانَ مِنْ دُونِ ⦗٤٠٤⦘ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ يَرْجُونَ نَصْرَهَا وَنَفْعَهَا عِنْدَ حَاجَتِهِمْ إِلَيْهَا فِي ضَعْفِ احْتِيَالِهِمْ، وَقُبْحِ رِوَايَاتِهِمْ، وَسُوءِ اخْتِيَارِهِمْ لِأَنْفُسِهِمْ، كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ فِي ضَعْفِهَا، وَقِلَّةِ احْتِيَالِهَا لِنَفْسِهَا، اتَّخَذَتْ بَيْتًا لِنَفْسِهَا، كَيْمَا يُكِنَّهَا، فَلَمْ يُغْنِ عَنْهَا شَيْئًا عِنْدَ حَاجَتِهَا إِلَيْهِ، فَكَذَلِكَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ لَمْ يُغْنِ عَنْهُمْ حِينَ نَزَلَ بِهِمْ أَمْرُ اللَّهِ، وَحَلَّ بِهِمْ سَخَطُهُ أَوْلِيَاؤُهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ شَيْئًا، وَلَمْ يَدْفَعُوا عَنْهُمْ مَا أَحَلَّ اللَّهُ بِهِمْ مِنْ سَخَطِهِ بِعِبَادَتِهِمْ إِيَّاهُمْ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ ‏/ ٤٠٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ «﴿مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا﴾ [العنكبوت: ٤١] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، قَالَ: ذَلِكَ مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِمَنْ عَبَدَ غَيْرَهُ، إِنَّ مَثَلَهُ كَمَثَلِ بَيْتِ الْعَنْكَبُوتِ»
١٨ ‏/ ٤٠٤
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ «﴿مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ﴾ [العنكبوت: ٤١] قَالَ: هَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِلْمُشْرِكِ، مَثَلُ إِلَهِهِ الَّذِي يَدْعُوهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَمَثَلِ بَيْتِ الْعَنْكَبُوتِ: وَاهِنٌ، ضَعِيفٌ، لَا يَنْفَعُهُ»
١٨ ‏/ ٤٠٤
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ «﴿مَثَلُ ⦗٤٠٥⦘ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا﴾ [العنكبوت: ٤١] قَالَ: هَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ، لَا يُغْنِي أَوْلِيَاؤُهُمْ عَنْهُمْ شَيْئًا كَمَا لَا يُغْنِي الْعَنْكَبُوتَ بَيْتُهَا هَذَا»
١٨ ‏/ ٤٠٤
وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ﴾ [العنكبوت: ٤١] يَقُولُ: وَإِنَّ أَضْعَفَ الْبُيُوتِ ﴿لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ [العنكبوت: ٤١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ، يَعْلَمُونَ أَنَّ أَوْلِيَاءَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ فِي قِلَّةِ غَنَائِهِمْ عَنْهُمْ، كَغَنَاءِ بَيْتِ الْعَنْكَبُوتِ عَنْهَا، لَكِنَّهُمْ يَجْهَلُونَ ذَلِكَ، فَيَحْسِبُونَ أَنَّهُمْ يَنْفَعُونَهُمْ، وَيُقَرِّبُونَهُمْ إِلَى اللَّهِ زُلْفَى.
١٨ ‏/ ٤٠٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ﴾ [العنكبوت: ٤٢] اخْتَلَفَ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ﴾ [العنكبوت: ٤٢] فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ (تَدْعُونَ) بِالتَّاءِ، بِمَعْنَى الْخِطَابِ لِمُشْرِكِي قُرَيْشٍ ﴿إِنَّ اللَّهَ﴾ [البقرة: ٢٠] أَيُّهَا النَّاسُ يَعْلَمُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ. وَقَرَأَ ذَلِكَ أَبُو عَمْرٍو: (إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ) بِالْيَاءِ، بِمَعْنَى الْخَبَرِ عَنِ الْأُمَمِ، إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُو هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَهْلَكْنَاهُمْ مِنَ الْأُمَمِ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا، قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ بِالتَّاءِ، لِأَنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ خَبَرًا عَنِ الْأُمَمِ الَّذِينَ ذَكَرَ اللَّهُ أَنَّهُ أَهْلَكَهُمْ، لَكَانَ الْكَلَامُ: إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا كَانُوا
١٨ ‏/ ٤٠٥
يَدْعُونَ، لِأَنَّ الْقَوْمَ فِي حَالِ نُزُولِ هَذَا الْخَبَرِ عَلَى نَبِيِّ اللَّهِ لَمْ يَكُونُوا مَوْجُودِينَ، إِذْ كَانُوا قَدْ هَلَكُوا فَبَادُوا، وَإِنَّمَا يُقَالُ: إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَدْعُونَ إِذَا أُرِيدَ بِهِ الْخَبَرُ عَنْ مَوْجُودِينَ، لَا عَمَّنْ قَدْ هَلَكَ. فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ إِذْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا وَصَفْنَا: إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ أَيُّهَا الْقَوْمُ حَالَ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ، وَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَنْفَعُكُمْ وَلَا يَضُرُّكُمْ، إِنْ أَرَادَ اللَّهُ بِكُمْ سُوءًا، وَلَا يُغْنِي عَنْكُمْ شَيْئًا؛ وَإِنَّ مَثَلَهُ فِي قِلَّةِ غَنَائِهِ عَنْكُمْ، مَثَلُ بَيْتِ الْعَنْكَبُوتِ فِي غَنَائِهِ عَنْهَا.
١٨ ‏/ ٤٠٦
وَقَوْلُهُ: ﴿وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [إبراهيم: ٤] يَقُولُ: وَاللَّهُ الْعَزِيزُ فِي انْتِقَامِهِ مِمَّنْ كَفَرَ بِهِ، وَأَشْرَكَ فِي عِبَادَتِهِ مَعَهُ غَيْرَهُ، فَاتَّقُوا أَيُّهَا الْمُشْرِكُونَ بِهِ عِقَابَهُ بِالْإِيمَانِ بِهِ قَبْلَ نُزُولِهِ بِكُمْ، كَمَا نَزَلَ بِالْأُمَمِ الَّذِينَ قَصَّ اللَّهُ قَصَصَهُمْ فِي هَذِهِ السُّورَةِ عَلَيْكُمْ، فَإِنَّهُ إِنْ نَزَلَ بِكُمْ عِقَابُهُ لَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ أَوْلِيَاؤُكُمُ الَّذِينَ اتَّخَذْتُمُوهُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ، كَمَا لَمْ يُغْنِ عَنْهُمْ مَنْ قَبْلَكُمْ أَوْلِيَاؤُهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوهُمْ مِنْ دُونِهِ، ﴿الْحَكِيمُ﴾ [البقرة: ٣٢] فِي تَدْبِيرِهِ خَلْقَهُ، فَمُهْلِكٌ مَنِ اسْتَوْجَبَ الْهَلَاكَ فِي الْحَالِ الَّتِي هَلَاكُهُ صَلَاحٌ، وَالْمُؤَخِّرُ مَنْ أَخَّرَ هَلَاكَهُ مَنْ كَفَرَةِ خَلْقِهِ بِهِ إِلَى الْحِينِ الَّذِي فِي هَلَاكِهِ الصَّلَاحُ.
١٨ ‏/ ٤٠٦
وَقَوْلُهُ: ﴿وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ﴾ [العنكبوت: ٤٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَهَذِهِ الْأَمْثَالُ، وَهِيَ الْأَشْبَاهُ وَالنَّظَائِرُ ﴿نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ﴾ [العنكبوت: ٤٣]، يَقُولُ: نُمَثِّلُهَا وَنُشَبِّهُهَا، وَنَحْتَجُّ بِهَا لِلنَّاسِ، كَمَا قَالَ الْأَعْشَى:
[البحر المنسرح] ⦗٤٠٧⦘ هَلْ تَذْكُرُ الْعَهْدَ مِنْ تَنَمُّصَ … إِذْ تَضْرِبُ لِي قَاعِدًا بِهَا مَثَلَا
﴿وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ﴾ [العنكبوت: ٤٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمَا يَعْقِلُ أَنَّهُ أُصِيبَ بِهَذِهِ الْأَمْثَالِ الَّتِي نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ مِنْهُمُ الصَّوَابَ وَالْحَقَّ فِيمَا ضُرِبَتْ لَهُ مَثَلًا إِلَّا الْعَالِمُونَ بِاللَّهِ وَآيَاتِهِ.
١٨ ‏/ ٤٠٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: خَلَقَ اللَّهُ يَا مُحَمَّدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَحْدَهُ مُنْفَرِدًا بِخَلْقِهَا، لَا يَشْرَكُهُ فِي خَلْقِهَا شَرِيكٌ ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً﴾ [البقرة: ٢٤٨] يَقُولُ: إِنَّ فِي خَلْقِهِ ذَلِكَ لَحُجَّةً لِمَنْ صَدَّقَ بِالْحُجَجِ إِذَا عَايَنَهَا، وَالْآيَاتِ إِذَا رَآهَا.
١٨ ‏/ ٤٠٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ، وَأَقِمِ الصَّلَاةَ، إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾ [العنكبوت: ٤٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ ﴿اتْلُ﴾ [العنكبوت: ٤٥] يَعْنِي اقْرَأْ ﴿مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ﴾ [العنكبوت: ٤٥] يَعْنِي: مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ هَذَا الْقُرْآنِ ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ﴾ [هود: ١١٤] يَعْنِي: وَأَدِّ الصَّلَاةَ الَّتِي فَرَضَهَا اللَّهُ عَلَيْكَ بِحُدُودِهَا ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾ [العنكبوت: ٤٥] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى الصَّلَاةِ الَّتِي ذُكِرَتْ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَنَى بِهَا الْقُرْآنَ الَّذِي يُقْرَأُ فِي مَوْضِعِ ⦗٤٠٨⦘ الصَّلَاةِ، أَوْ فِي الصَّلَاةِ.
١٨ ‏/ ٤٠٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ أَبِي الْوَفَاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، «﴿إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾ [العنكبوت: ٤٥] قَالَ: الْقُرْآنُ الَّذِي يُقْرَأُ فِي الْمَسَاجِدِ». وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عَنَى بِهَا الصَّلَاةَ.
١٨ ‏/ ٤٠٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ «﴿إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ، وَالْمُنْكَرِ﴾ [العنكبوت: ٤٥] يَقُولُ: فِي الصَّلَاةِ مُنْتَهًى وَمُزْدَجَرٌ عَنْ مَعَاصِي اللَّهِ»
١٨ ‏/ ٤٠٨
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَمَّنْ ذَكَرَهُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ «﴿إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ﴾ [العنكبوت: ٤٥] وَالْمُنْكَرِ مَنْ لَمْ تَنْهَهُ صَلَاتُهُ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ لَمْ يَزْدَدْ بِصَلَاتِهِ مِنَ اللَّهِ إِلَّا بُعْدًا»
١٨ ‏/ ٤٠٨
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا خَالِدٌ، قَالَ: قَالَ الْعَلَاءُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: عَنْ سَمُرَةَ بْنِ عَطِيَّةَ، قَالَ: قِيلَ لِابْنِ مَسْعُودٍ: إِنَّ فُلَانًا كَثِيرُ الصَّلَاةِ، قَالَ: «⦗٤٠٩⦘ فَإِنَّهَا لَا تَنْفَعُ إِلَّا مَنْ أَطَاعَهَا»
١٨ ‏/ ٤٠٨
قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: «مَنْ لَمْ تَأْمُرْهُ صَلَاتُهُ بِالْمَعْرُوفِ، وَتَنْهَهُ عَنِ الْمُنْكَرِ، لَمْ يَزْدَدْ بِهَا مِنَ اللَّهِ إِلَّا بُعْدًا»
١٨ ‏/ ٤٠٩
قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا عَلِيُّ بْنُ هَاشِمِ بْنِ الْبَرِيدِ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يُطِعِ الصَّلَاةَ، وَطَاعَةُ الصَّلَاةِ أَنْ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ»
١٨ ‏/ ٤٠٩
قَالَ: قَالَ سُفْيَانُ، «﴿قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ﴾ [هود: ٨٧] قَالَ: فَقَالَ سُفْيَانُ: إِي وَاللَّهِ، تَأْمُرُهُ وَتَنْهَاهُ»
١٨ ‏/ ٤٠٩
قَالَ عَلِيٌّ: وَحَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَنْ صَلَّى صَلَاةً لَمْ تَنْهَهُ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ لَمْ يَزْدَدْ بِهَا مِنَ اللَّهِ إِلَّا بُعْدًا»
١٨ ‏/ ٤٠٩
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: «الصَّلَاةُ إِذَا لَمْ تَنْهَهُ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ، قَالَ: مَنْ لَمْ تَنْهَهُ صَلَاتُهُ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ، لَمْ يَزْدَدْ مِنَ اللَّهِ إِلَّا بُعْدًا»
١٨ ‏/ ٤١٠
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ وَالْحَسَنِ، قَالَا: «مَنْ لَمْ تَنْهَهُ صَلَاتُهُ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ، فَإِنَّهُ لَا يَزْدَادُ مِنَ اللَّهِ بِذَلِكَ إِلَّا بُعْدًا» . وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ، كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ مَسْعُودٍ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَكَيْفَ تَنْهَى الصَّلَاةُ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ إِنْ لَمْ يَكُنْ مَعْنِيًّا بِهَا مَا يُتْلَى فِيهَا؟ قِيلَ: تَنْهَى مَنْ كَانَ فِيهَا، فَتَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ إِتْيَانِ الْفَوَاحِشِ، لِأَنَّ شُغْلَهُ بِهَا يَقْطَعُهُ عَنِ الشُّغْلِ بِالْمُنْكَرِ، وَلِذَلِكَ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: «مَنْ لَمْ يُطِعْ صَلَاتِهِ لَمْ يَزْدَدْ مِنَ اللَّهِ إِلَّا بُعْدًا» وَذَلِكَ أَنَّ طَاعَتَهُ لَهَا إِقَامَتُهُ إِيَّاهَا بِحُدُودِهَا، وَفِي طَاعَتِهِ لَهَا مُزْدَجَرٌ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ.
١٨ ‏/ ٤١٠
حَدَّثَنَا أَبُو حُمَيْدٍ الْحِمْصِيُّ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْعَطَّارُ، قَالَ: ثنا أَرْطَأَةُ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ «﴿إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾ [العنكبوت: ٤٥] قَالَ: إِذَا كُنْتَ فِي صَلَاةٍ، فَأَنْتَ فِي مَعْرُوفٍ، وَقَدْ حَجَزَتْكَ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ، وَالْفَحْشَاءُ: هُوَ الزِّنَا وَالْمُنْكَرُ: مَعَاصِي اللَّهِ، وَمَنْ أَتَى فَاحِشَةً ⦗٤١١⦘ أَوْ عَصَى اللَّهَ فِي صَلَاتِهِ بِمَا يُفْسِدُ صَلَاتَهُ، فَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَا صَلَاةَ لَهُ»
١٨ ‏/ ٤١٠
وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾ [العنكبوت: ٤٥] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: وَلَذِكْرُ اللَّهِ إِيَّاكُمْ أَفْضَلُ مِنْ ذِكْرِكُمْ.
١٨ ‏/ ٤١١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبِيعَةَ، قَالَ: قَالَ لِيَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «هَلْ تَدْرِي مَا قَوْلُهُ ﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾ [العنكبوت: ٤٥]؟ قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ. فَمَا هُوَ؟ قَالَ: قُلْتُ: التَّسْبِيحُ وَالتَّحْمِيدُ وَالتَّكْبِيرُ فِي الصَّلَاةِ، وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ، وَنَحْوُ ذَلِكَ، قَالَ: لَقَدْ قُلْتَ قَوْلًا عَجَبًا، وَمَا هُوَ كَذَلِكَ، وَلَكِنَّهُ إِنَّمَا يَقُولُ: ذِكْرُ اللَّهِ إِيَّاكُمْ عِنْدَمَا أَمَرَ بِهِ أَوْ نَهَى عَنْهُ إِذَا ذَكَرْتُمُوهُ أَكْبَرُ مِنْ ذِكْرِكُمْ إِيَّاهُ»
١٨ ‏/ ٤١١
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنِ ابْنِ رَبِيعَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «ذِكْرُ اللَّهِ إِيَّاكُمْ أَكْبَرُ مِنْ ذِكْرِكُمْ إِيَّاهُ»
١٨ ‏/ ٤١١
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبِيعَةَ، قَالَ: سَأَلَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ «﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾ [العنكبوت: ٤٥] فَقُلْتُ: ذِكْرُهُ بِالتَّسْبِيحِ، وَالتَّكْبِيرِ، وَالْقُرْآنِ حَسَنٌ، وَذِكْرُهُ عِنْدَ الْمَحَارِمِ فَيَحْتَجِزُ عَنْهَا، فَقَالَ: لَقَدْ قُلْتُ قَوْلًا عَجِيبًا، وَمَا هُوَ كَمَا قُلْتَ، وَلَكِنْ ذِكْرُ اللَّهِ إِيَّاكُمْ أَكْبَرُ مِنْ ذِكْرِكُمْ إِيَّاهُ»
١٨ ‏/ ٤١١
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ «﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾ [العنكبوت: ٤٥] قَالَ: ذِكْرُ اللَّهِ لِلْعَبْدِ أَفْضَلُ مِنْ ذِكْرِهِ إِيَّاهُ»
١٨ ‏/ ٤١٢
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، وَابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى: ثني عَبْدُ الْأَعْلَى، وَقَالَ ابْنُ وَكِيعٍ: ثنا عَبْدُ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا دَاوُدُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي مُوسَى، قَالَ: كُنْتُ قَاعِدًا عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَسَأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ «﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾ [العنكبوت: ٤٥]، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الصَّلَاةُ وَالصَّوْمُ، قَالَ: ذَاكَ ذِكْرُ اللَّهِ، قَالَ رَجُلٌ: إِنِّي تَرَكْتُ رَجُلًا فِي رَحْلِي يَقُولُ غَيْرَ هَذَا، قَالَ: ﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾ [العنكبوت: ٤٥] قَالَ: ذِكْرُ اللَّهِ الْعِبَادَ أَكْبَرُ مِنْ ذِكْرِ الْعِبَادِ إِيَّاهُ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: صَدَقَ وَاللَّهِ صَاحِبُكُ»
١٨ ‏/ ٤١٢
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَعْقُوبُ الْقُمِّيُّ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: حَدِّثْنِي عَنْ قَوْلِ اللَّهِ «﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾ [العنكبوت: ٤٥]، قَالَ: ذِكْرُ اللَّهِ لَكُمْ أَكْبَرُ مِنْ ذِكْرِكُمْ لَهُ»
١٨ ‏/ ٤١٢
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ دَاوُدَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، «﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾ [العنكبوت: ٤٥] قَالَ: ذِكْرُ اللَّهِ لِلْعَبْدِ أَفْضَلُ مِنْ ذِكْرِهِ إِيَّاهُ»
١٨ ‏/ ٤١٢
حَدَّثَنَا أَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ، قَالَ: ثنا ابْنُ فُضَيْلٍ، قَالَ: ثنا فُضَيْلُ بْنُ مَرْزُوقٍ، عَنْ عَطِيَّةَ، «﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾ [العنكبوت: ٤٥] قَالَ: هُوَ قَوْلُهُ: ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ﴾ [البقرة: ١٥٢]، وَذِكْرُ اللَّهِ إِيَّاكُمْ أَكْبَرُ مِنْ ذِكْرِكُمْ إِيَّاهُ»
١٨ ‏/ ٤١٢
حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، «﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ﴾ [العنكبوت: ٤٥] لِعِبَادِهِ إِذَا ذَكَرُوهُ ﴿أَكْبَرُ﴾ [العنكبوت: ٤٥] مِنْ ذِكْرِكُمْ إِيَّاهُ»
١٨ ‏/ ٤١٣
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾ [العنكبوت: ٤٥] قَالَ: ذِكْرُ اللَّهِ عَبْدَهُ أَكْبَرُ مِنْ ذِكْرِ الْعَبْدِ رَبَّهُ فِي الصَّلَاةِ أَوْ غَيْرِهَا»
١٨ ‏/ ٤١٣
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي مُوسَى، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «ذِكْرُ اللَّهِ إِيَّاكُمْ إِذَا ذَكَرْتُمُوهُ أَكْبَرُ مِنْ ذِكْرِكُمْ إِيَّاهُ» . حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا أَبُو تُمَيْلَةَ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ أَبِي قُرَّةَ، عَنْ سَلْمَانَ، مِثْلَهُ
١٨ ‏/ ٤١٣
حَدَّثَنَا أَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ، قَالَ: ثنا أَبُو أُسَامَةَ، قَالَ: ثني عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ صَالِحِ بْنِ أَبِي عَرِيبٍ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ مُرَّةَ الْحَضْرَمِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ، يَقُولُ: «أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ، وَأَحَبِّهَا إِلَى مَلِيكِكُمْ، وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ، وَخَيْرٍ مِنْ أَنْ تَغْزُوا عَدُوَّكُمْ، فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ، وَخَيْرٍ مِنْ إِعْطَاءِ ⦗٤١٤⦘ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ؟ قَالُوا: مَا هُوَ؟ قَالَ: ذِكْرُكُمْ رَبَّكُمْ، وَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ»
١٨ ‏/ ٤١٣
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ أَبِي قُرَّةَ، عَنْ سَلْمَانَ، «﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾ [العنكبوت: ٤٥] قَالَ: قَالَ: ذِكْرُ اللَّهِ إِيَّاكُمْ أَكْبَرُ مِنْ ذِكْرِكُمْ إِيَّاهُ»
١٨ ‏/ ٤١٤
قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ عَامِرٍ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا قُرَّةَ عَنْ قَوْلِهِ «﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾ [العنكبوت: ٤٥]، قَالَ: ذِكْرُ اللَّهِ إِيَّاكُمْ أَكْبَرُ مِنْ ذِكْرِكُمْ إِيَّاهُ»
١٨ ‏/ ٤١٤
قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، وَعِكْرِمَةَ، قَالَا: «ذِكْرُ اللَّهِ إِيَّاكُمْ أَكْبَرُ مِنْ ذِكْرِكُمْ إِيَّاهُ»
١٨ ‏/ ٤١٤
قَالَ: ثنا ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ عَطِيَّةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: هُوَ كَقَوْلِهِ: «﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ﴾ [البقرة: ١٥٢]، فَذِكْرُ اللَّهِ إِيَّاكُمْ أَكْبَرُ مِنْ ذِكْرِكُمْ إِيَّاهُ»
١٨ ‏/ ٤١٤
قَالَ: ثنا حَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ: «﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾ [العنكبوت: ٤٥] قَالَ: ذِكْرُ اللَّهِ الْعَبْدَ أَكْبَرُ مِنْ ذِكْرِ الْعَبْدِ لِرَبِّهِ»
١٨ ‏/ ٤١٤
قَالَ: ثنا أَبُو يَزِيدَ الرَّازِيُّ، عَنْ يَعْقُوبَ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، قَالَ: «ذِكْرُ اللَّهِ ⦗٤١٥⦘ لَكُمْ أَكْبَرُ مِنْ ذِكْرِكُمْ لَهُ» . وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: وَلَذِكْرُكْمُ اللَّهَ أَفْضَلُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ.
١٨ ‏/ ٤١٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا عُمَرُ بْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنِ الْعَيْزَارِ بْنِ حُرَيْثٍ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ سَلْمَانَ، أَنَّهُ سُئِلَ: «أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: أَمَا تَقْرَأُ الْقُرْآنَ ﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾ [العنكبوت: ٤٥]؟ لَا شَيْءَ أَفْضَلُ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ»
١٨ ‏/ ٤١٥
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ أَحْمَدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ الْحِمْصِيُّ، قَالَ: ثنا عَلِيُّ بْنُ عَيَّاشٍ، قَالَ: ثنا اللَّيْثُ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ، أَنَّهَا قَالَتْ: «﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾ [العنكبوت: ٤٥] فَإِنْ صَلَّيْتَ فَهُوَ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ، وَإِنْ صُمْتَ فَهُوَ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ، وَكُلُّ خَيْرٍ تَعْمَلُهُ فَهُوَ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ، وَكُلُّ شَرٍّ تَجْتَنِبُهُ فَهُوَ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ، وَأَفْضَلُ ذَلِكَ تَسْبِيحُ اللَّهِ»
١٨ ‏/ ٤١٥
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾ [العنكبوت: ٤٥] قَالَ: لَا شَيْءَ أَكْبَرُ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ، قَالَ: أَكْبَرُ الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا، وَقَرَأَ ﴿أَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي﴾ [طه: ١٤]، قَالَ: لِذِكْرِ اللَّهِ: وَإِنَّهُ لَمْ يَصِفْهُ عِنْدَ الْقِتَالِ إِلَّا أَنَّهُ أَكْبَرُ»
١٨ ‏/ ٤١٥
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: قَالَ ⦗٤١٦⦘ رَجُلٌ لِسَلْمَانَ: «أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ، قَالَ: ذِكْرُ اللَّهِ». وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ مُحْتَمِلٌ لِلْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا، يَعْنُونَ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وَالثَّانِيَ.
١٨ ‏/ ٤١٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ «﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾ [العنكبوت: ٤٥] قَالَ: لَهَا وَجْهَانِ: ذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِمَّا سِوَاهُ، وَذِكْرُ اللَّهِ إِيَّاكُمْ أَكْبَرُ مِنْ ذِكْرِكُمْ إِيَّاهُ»
١٨ ‏/ ٤١٦
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي: «﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾ [العنكبوت: ٤٥] قَالَ: لَهَا وَجْهَانِ: ذِكْرُ اللَّهِ إِيَّاكُمْ أَكْبَرُ مِنْ ذِكْرِكُمْ إِيَّاهُ، وَذِكْرُ اللَّهِ عِنْدَ مَا حَرَّمَ». وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: لَذِكْرُ اللَّهِ الْعَبْدَ فِي الصَّلَاةِ أَكْبَرُ مِنَ الصَّلَاةِ.
١٨ ‏/ ٤١٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ، فِي قَوْلِهِ «﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾ [العنكبوت: ٤٥] قَالَ: ذِكْرُ اللَّهِ الْعَبْدَ فِي الصَّلَاةِ أَكْبَرُ مِنَ الصَّلَاةِ». وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: وَلَلصَّلَاةُ الَّتِي أَتَيْتَ أَنْتَ بِهَا، وَذِكْرُكَ اللَّهَ فِيهَا ⦗٤١٧⦘ أَكْبَرُ مِمَّا نَهَتْكَ الصَّلَاةُ مِنَ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ.
١٨ ‏/ ٤١٦
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ الْحِمْصِيُّ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْعَطَّارُ، قَالَ: ثنا أَرْطَأَةُ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ «﴿إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾ [العنكبوت: ٤٥] وَالَّذِي أَنْتَ فِيهِ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أَكْبَرُ». قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَشْبَهُ هَذِهِ الْأَقْوَالِ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ التَّنْزِيلِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: وَلَذِكْرُ اللَّهِ إِيَّاكُمْ أَفْضَلُ مِنْ ذِكْرِكُمْ إِيَّاهُ.
١٨ ‏/ ٤١٧
وَقَوْلُهُ: ﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾ [العنكبوت: ٤٥] يَقُولُ: وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ أَيُّهَا النَّاسُ فِي صَلَاتِكُمْ مِنْ إِقَامَةِ حُدُودِهَا، وَتَرْكِ ذَلِكَ وَغَيْرِهِ مِنْ أُمُورِكُمْ، وَهُوَ مُجَازِيكُمْ عَلَى ذَلِكَ، يَقُولُ: فَاتَّقُوا أَنْ تُضَيِّعُوا شَيْئًا مِنْ حُدُودِهَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
١٨ ‏/ ٤١٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ﴾ [العنكبوت: ٤٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَلَا تُجَادِلُوا﴾ [العنكبوت: ٤٦] أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى، وَهُمْ ﴿أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [العنكبوت: ٤٦] يَقُولُ: إِلَّا بِالْجَمِيلِ مِنَ الْقَوْلِ، وَهُوَ الدُّعَاءُ إِلَى اللَّهِ بِآيَاتِهِ، وَالتَّنْبِيهُ عَلَى حُجَجِهِ.
١٨ ‏/ ٤١٧
وَقَوْلُهُ: ﴿إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ﴾ [البقرة: ١٥٠] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِهِ؛ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: إِلَّا الَّذِينَ أَبَوْا أَنْ يُقِرُّوا لَكُمْ بِإِعْطَاءِ الْجِزْيَةِ، وَنَصَبُوا دُونَ ذَلِكَ لَكُمْ ⦗٤١٨⦘ حَرْبًا، فَإِنَّهُمْ ظَلَمَةٌ، فَأُولَئِكَ جَادِلُوهُمْ بِالسَّيْفِ حَتَّى يُسْلِمُوا أَوْ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ.
١٨ ‏/ ٤١٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ﴾ [العنكبوت: ٤٦] قَالَ: مَنْ قَاتَلَ وَلَمْ يُعْطِ الْجِزْيَةَ». حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، بِنَحْوِهِ. إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: مَنْ قَاتَلَكَ وَلَمْ يُعْطِكَ الْجِزْيَةَ
١٨ ‏/ ٤١٨
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «﴿وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [العنكبوت: ٤٦] قَالَ: إِنْ قَالُوا شَرًّا، فَقُولُوا خَيْرًا، ﴿إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ﴾ [البقرة: ١٥٠] فَانْتَصِرُوا مِنْهُمْ»
١٨ ‏/ ٤١٨
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ «﴿إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ﴾ [البقرة: ١٥٠] قَالَ: قَالُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهٌ، أَوْ لَهُ وَلَدٌ، أَوْ لَهُ شَرِيكٌ، أَوْ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ، أَوِ اللَّهُ فَقِيرٌ، أَوْ آذَوْا مُحَمَّدًا ﷺ، قَالَ: هُمْ أَهْلُ ⦗٤١٩⦘ الْكِتَابِ»
١٨ ‏/ ٤١٨
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ سَعِيدٍ، «﴿وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ﴾ [العنكبوت: ٤٦] قَالَ: أَهْلُ الْحَرْبِ، مَنْ لَا عَهْدَ لَهُ، جَادِلْهُ بِالسَّيْفِ». وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: ﴿وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ﴾ [العنكبوت: ٤٦] الَّذِينَ قَدْ آمَنُوا بِهِ، وَاتَّبَعُوا رَسُولَهُ فِيمَا أَخْبَرُوكُمْ عَنْهُ مِمَّا فِي كُتُبَهُمْ ﴿إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ﴾ [العنكبوت: ٤٦] فَأَقَامُوا عَلَى كُفْرِهِمْ، وَقَالُوا: هَذِهِ الْآيَةُ مُحْكَمَةٌ، وَلَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ.
١٨ ‏/ ٤١٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [العنكبوت: ٤٦] قَالَ: لَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ، لَا يَنْبَغِي أَنْ تُجَادِلَ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ، لَعَلَّهُمْ يُحْسِنُونَ شَيْئًا فِي كِتَابِ اللَّهِ، لَا تَعْلَمُهُ أَنْتَ، فَلَا تُجَادِلْهُ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ تُجَادِلَ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا، الْمُقِيمَ مِنْهُمْ عَلَى دِينِهِ. فَقَالَ: هُوَ الَّذِي يُجَادَلُ وَيُقَالُ لَهُ بِالسَّيْفِ. قَالَ: وَهَؤُلَاءِ يَهُودُ. قَالَ: وَلَمْ يَكُنْ بِدَارِ الْهِجْرَةِ مِنَ النَّصَارَى أَحَدٌ، إِنَّمَا كَانُوا يَهُودًا، هُمُ الَّذِي كَلَّمُوا وَحَالَفُوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، وَغَدَرَتِ النَّضِيرُ يَوْمَ أُحُدٍ، وَغَدَرَتْ قُرَيْظَةُ يَوْمَ الْأَحْزَابِ». ⦗٤٢٠⦘ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قَبْلَ أَنْ يُؤْمَرَ النَّبِيُّ ﷺ بِالْقِتَالِ، وَقَالُوا: هِيَ مَنْسُوخَةٌ نَسَخَهَا قَوْلُهُ: ﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ [التوبة: ٢٩] .
١٨ ‏/ ٤١٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ «﴿وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [العنكبوت: ٤٦] ثُمَّ نُسِخَ بَعْدَ ذَلِكَ، فَأَمَرَ بِقِتَالِهِمْ فِي سُورَةِ بَرَاءَةَ، وَلَا مُجَادَلَةَ أَشَدُّ مِنَ السَّيْفِ أَنْ يُقَاتَلُوا حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، أَوْ يُقِرُّوا بِالْخَرَاجِ». وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ بِالصَّوَابِ، قَوْلُ مَنْ قَالَ: عُنِيَ بِقَوْلِهِ ﴿إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ﴾ [البقرة: ١٥٠] إِلَّا الَّذِينَ امْتَنَعُوا مِنْ أَدَاءِ الْجِزْيَةِ، وَنَصَبُوا دُونَهَا الْحَرْبَ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: أَوَ غَيْرُ ظَالِمٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، إِلَّا مَنْ لَمْ يُؤَدِّ الْجِزْيَةَ؟ قِيلَ: إِنَّ جَمِيعَهُمْ وَإِنْ كَانُوا لِأَنْفُسِهِمْ بِكُفْرِهِمْ بِاللَّهِ، وَتَكْذِيبِهِمْ رَسُولَهُ مُحَمَّدًا ﷺ، ظَلَمَةً، فَإِنَّهُ لَمْ يَعْنِ بِقَوْلِهِ ﴿إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ﴾ [البقرة: ١٥٠] ظُلْمَ أَنْفُسِهِمْ. وَإِنَّمَا عَنَى بِهِ: إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ أَهْلَ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ مُحَمَّدٍ ﷺ، فَإِنَّ أُولَئِكَ جَادِلُوهُمْ بِالْقِتَالِ. وَإِنَّمَا قُلْنَا: ذَلِكَ أَوْلَى الْأَقْوَالِ فِيهِ بِالصَّوَابِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَذِنَ لِلْمُؤْمِنِينَ ⦗٤٢١⦘ بِجِدَالِ ظَلَمَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ بِغَيْرِ الَّذِي هُوَ أَحْسَنُ، بِقَوْلِهِ ﴿إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ﴾ [البقرة: ١٥٠] فَمَعْلُومٌ إِذْ كَانَ قَدْ أَذِنَ لَهُمْ فِي جِدَالِهِمْ، أَنَّ الَّذِينَ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُمْ فِي جِدَالِهِمْ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ، غَيْرُ الَّذِينَ أُذِنَ لَهُمْ بِذَلِكَ فِيهِمْ، وَأَنَّهُمْ غَيْرُ الْمُؤْمِنِ، لِأَنَّ الْمُؤْمِنَ مِنْهُمْ غَيْرُ جَائِزٍ جِدَالُهُ إِلَّا فِي غَيْرِ الْحَقِّ، لِأَنَّهُ إِذَا جَاءَ بِغَيْرِ الْحَقِّ، فَقَدْ صَارَ فِي مَعْنَى الظَّلَمَةِ فِي الَّذِي خَالَفَ فِيهِ الْحَقَّ. فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، تَبَيَّنَ أَنْ لَا مَعْنَى لِقَوْلِ مَنْ قَالَ: عَنَى بِقَوْلِهِ ﴿وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ﴾ [العنكبوت: ٤٦] أَهْلَ الْإِيمَانِ مِنْهُمْ، وَكَذَلِكَ لَا مَعْنَى لِقَوْلِ مَنْ قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قَبْلَ الْأَمْرِ بِالْقِتَالِ، وَزَعَمَ أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ، لِأَنَّهُ لَا خَبَرَ بِذَلِكَ يَقْطَعُ الْعُذْرَ، وَلَا دَلَالَةَ عَلَى صِحَّتِهِ مِنْ فِطْرَةِ عَقْلٍ. وَقَدْ بَيَّنَّا فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِنَا، أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُحْكُمَ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ فِي كِتَابِهِ بِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ إِلَّا بِحُجَّةٍ يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهَا مِنْ خَبَرٍ أَوْ عَقْلٍ.
١٨ ‏/ ٤٢٠
وَقَوْلُهُ: ﴿وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ [العنكبوت: ٤٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِلْمُؤْمِنِينَ بِهِ وَبِرَسُولِهِ، الَّذِينَ نَهَاهُمْ أَنْ يُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ: إِذَا حَدَّثَكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ أَيُّهَا الْقَوْمُ عَنْ كُتُبِهِمْ، وَأَخْبَرُوكُمْ عَنْهَا بِمَا يُمْكِنُ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونُوا فِيهِ صَادِقِينَ، وَأَنْ يَكُونُوا فِيهِ كَاذِبِينَ، وَلَمْ تَعْلَمُوا أَمْرَهُمْ وَحَالَهُمْ فِي ذَلِكَ، فَقُولُوا لَهُمْ ﴿آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ﴾ [العنكبوت: ٤٦] مِمَّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ ﴿وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ﴾ [العنكبوت: ٤٦]⦗٤٢٢⦘ يَقُولُ: وِمَعْبُودُنَا وَمَعْبُودُكُمْ وَاحِدٌ ﴿وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ [البقرة: ١٣٣] يَقُولُ: وَنَحْنُ لَهُ خَاضِعُونَ مُتَذَلِّلُونَ بِالطَّاعَةِ فِيمَا أَمَرَنَا وَنَهَانَا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، جَاءَ الْأَثَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ.
١٨ ‏/ ٤٢١
ذِكْرُ الرِّوَايَةِ بِذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ يَقْرَءُونَ التَّوْرَاةَ بِالْعِبْرَانِيَّةِ. فَيُفَسِّرُونَهَا بِالْعَرَبِيَّةِ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لَا تُصَدِّقُوا أَهْلَ الْكِتَابِ وَلَا تُكَذِّبُوهُمْ، وَقُولُوا: آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ، وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ، وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ»
١٨ ‏/ ٤٢٢
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: كَانَ نَاسٌ مِنَ الْيَهُودِ يُحَدِّثُونَ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ، فَقَالَ: «لَا تُصَدِّقُوهُمْ وَلَا تُكَذِّبُوهُمْ، وَقُولُوا: آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ»
١٨ ‏/ ٤٢٢
ثنا أَبُو عَامِرٍ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ حُرَيْثِ بْنِ ظُهَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: «لَا تَسْأَلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ عَنْ شَيْءٍ، فَإِنَّهُمْ لَنْ يَهْدُوكُمْ وَقَدْ ضَلُّوا، إِمَّا أَنْ تُكَذِّبُوا بِحَقٍّ، أَوْ تُصَدِّقُوا بِبَاطِلٍ، فَإِنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا وَفِي قَلْبِهِ تَالِيَةٌ تَدَعُوهُ إِلَى دِينِهِ كَتَالِيَةِ الْمَالِ»
١٨ ‏/ ٤٢٣
وَكَانَ مُجَاهِدٌ يَقُولُ فِي ذَلِكَ مَا: حَدَّثَنَا بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: «﴿إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ﴾ [البقرة: ١٥٠] قَالَ: قَالُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهٌ، أَوْ لَهُ وَلَدٌ، أَوْ لَهُ شَرِيكٌ، أَوْ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ. أَوِ اللَّهُ فَقِيرٌ، أَوْ آذَوْا مُحَمَّدًا، ﴿وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ﴾ [العنكبوت: ٤٦] لِمَنْ لَمْ يَقُلْ هَذَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ»
١٨ ‏/ ٤٢٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ، فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ، وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ﴾ [العنكبوت: ٤٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: كَمَا أَنْزَلْنَا الْكُتُبَ عَلَى مَنْ قَبْلَكَ يَا مُحَمَّدُ مِنَ الرُّسُلِ ﴿كَذَلِكَ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ﴾ [العنكبوت: ٤٧] هَذَا ﴿الْكِتَابَ فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ﴾ [العنكبوت: ٤٧] مِنْ قَبْلِكَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ ﴿يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ﴾ [العنكبوت: ٤٧] يَقُولُ: وَمِنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ هُمْ بَيْنَ ظَهَرانِيكَ الْيَوْمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ، وَمَنْ آمَنَ بِرَسُولِهِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ.
١٨ ‏/ ٤٢٣
وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ﴾ [العنكبوت: ٤٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمَا يَجْحَدُ بِأَدِلَّتِنَا وَحُجَجِنَا إِلَّا الَّذِي يَجْحَدُ نِعَمَنَا عَلَيْهِ، وَيُنْكِرُ تَوْحِيدَنَا، وَرُبُوبِيَّتَنَا عَلَى عِلْمٍ مِنْهُ عِنَادًا لَنَا.
١٨ ‏/ ٤٢٤
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ﴾ [العنكبوت: ٤٧] قَالَ: إِنَّمَا يَكُونُ الْجُحُودُ بَعْدَ الْمَعْرِفَةِ»
١٨ ‏/ ٤٢٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ﴾ [العنكبوت: ٤٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَمَا كُنْتَ﴾ [آل عمران: ٤٤] يَا مُحَمَّدُ ﴿تَتْلُو﴾ [يونس: ٦١] يَعْنِي تَقْرَأُ ﴿مِنْ قَبْلِهِ﴾ [البقرة: ١٩٨] يَعْنِي مِنْ قَبْلِ هَذَا الْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلْتُهُ إِلَيْكَ ﴿مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ﴾ [العنكبوت: ٤٨] يَقُولُ: وَلَمْ تَكُنْ تَكْتُبُ بِيَمِينِكَ، وَلَكِنَّكَ كُنْتَ أُمِّيًّا ﴿إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ﴾ [العنكبوت: ٤٨] يَقُولُ: وَلَوْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُوحَى إِلَيْكَ تَقْرَأُ الْكِتَابَ، أَوْ تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ، إِذَنْ لَارْتَابَ: يَقُولُ: إِذَنْ لَشَكَّ بِسَبَبِ ذَلِكَ فِي أَمْرِكَ، وَمَا جِئْتَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ رَبِّكَ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ الَّذِي تَتْلُوهُ عَلَيْهِمُ الْمُبْطِلُونَ، الْقَائِلُونَ: إِنَّهُ سَجْعٌ وَكَهَانَةٌ، وَإِنَّهُ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ ‏/ ٤٢٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ ⦗٤٢٥⦘ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ «﴿وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ﴾ [العنكبوت: ٤٨] قَالَ: كَانَ نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ أُمِّيًّا لَا يَقْرَأُ شَيْئًا وَلَا يَكْتُبُ»
١٨ ‏/ ٤٢٤
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ «﴿وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ﴾ [العنكبوت: ٤٨] قَالَ: كَانَ نَبِيُّ اللَّهِ لَا يَقْرَأُ كِتَابًا قَبْلَهُ، وَلَا يَخُطُّهُ بِيَمِينِهِ، قَالَ: كَانَ أُمِّيًّا، وَالْأُمِّيُّ: الَّذِي لَا يَكْتُبُ»
١٨ ‏/ ٤٢٥
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ إِدْرِيسَ الْأَوْدِيِّ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «﴿وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ﴾ [العنكبوت: ٤٨] قَالَ: كَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ يَجِدُونَ فِي كُتُبِهِمْ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَا يَخُطُّ بِيَمِينِهِ، وَلَا يَقْرَأُ كِتَابًا، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ». وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا أَيْضًا فِي قَوْلِهِ ﴿إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ﴾ [العنكبوت: ٤٨] قَالُوا.
١٨ ‏/ ٤٢٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ﴾ [العنكبوت: ٤٨] إِذَنْ لَقَالُوا: إِنَّمَا هَذَا شَيْءٌ تَعَلَّمَهُ مُحَمَّدٌ ﷺ وَكَتَبَهُ»
١٨ ‏/ ٤٢٥
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ «﴿إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ﴾ [العنكبوت: ٤٨] قَالَ: قُرَيْشٌ»
١٨ ‏/ ٤٢٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ﴾ [العنكبوت: ٤٩] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمَعْنِيِّ بِقَوْلِهِ: ﴿بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ﴾ [العنكبوت: ٤٩] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَنَى بِهِ نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ، وَقَالُوا: مَعْنَى الْكَلَامِ: بَلْ وُجُودُ أَهْلِ الْكِتَابِ فِي كُتُبِهِمْ أَنَّ مُحَمَّدًا ﷺ لَا يَكْتُبُ وَلَا يَقْرَأُ، وَأَنَّهُ أُمِّيُّ، آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِهِمْ.
١٨ ‏/ ٤٢٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثتي عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ «﴿بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ﴾ [العنكبوت: ٤٩] قَالَ: كَانَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْزَلَ شَأْنَ مُحَمَّدٍ ﷺ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ لِأَهْلِ الْعِلْمِ وَعَلَّمَهُ لَهُمْ، وَجَعَلَهُ لَهُمْ آيَةً، فَقَالَ لَهُمْ: إِنَّ آيَةَ نُبُوَّتِهِ أَنْ يَخْرُجَ حِينَ يَخْرُجُ لَا يَعْلَمُ كِتَابًا، وَلَا يَخُطُّهُ بِيَمِينِهِ، وَهِيَ الْآيَاتُ الْبَيِّنَاتُ»
١٨ ‏/ ٤٢٦
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ «﴿وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ﴾ [العنكبوت: ٤٨]⦗٤٢٧⦘ قَالَ: كَانَ نَبِيُّ اللَّهِ لَا يَكْتُبُ وَلَا يَقْرَأُ، وَكَذَلِكَ جَعَلَ اللَّهُ نَعْتَهُ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، أَنَّهُ نَبِيٌّ أُمِّيٌّ، لَا يَقْرَأُ وَلَا يَكْتُبُ، وَهِيَ الْآيَةُ الْبَيِّنَةُ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ»
١٨ ‏/ ٤٢٦
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ﴾ [العنكبوت: ٤٩] مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، صَدَّقُوا بِمُحَمَّدٍ وَنَعْتِهِ وَنُبُوَّتِهِ»
١٨ ‏/ ٤٢٧
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، «﴿بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ﴾ [العنكبوت: ٤٩] قَالَ: أَنْزَلَ اللَّهُ شَأْنَ مُحَمَّدٍ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ لِأَهْلِ الْعِلْمِ، بَلْ هُوَ آيَةٌ بَيِّنَةٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ، يَقُولُ: النَّبِيُّ ﷺ». وَقَالَ آخَرُونَ: عَنَى بِذَلِكَ الْقُرْآنَ، وَقَالُوا: مَعْنَى الْكَلَامِ: بَلْ هَذَا الْقُرْآنُ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بِمُحَمَّدٍ ﷺ.
١٨ ‏/ ٤٢٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا أَبُو سُفْيَانَ، عَنْ مَعْمَرٍ، قَالَ: قَالَ الْحَسَنُ، فِي قَوْلِهِ: «﴿بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ﴾ [العنكبوت: ٤٩] الْقُرْآنُ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ، يَعْنِي الْمُؤْمِنِينَ». وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: عُنِيَ بِذَلِكَ: بَلِ الْعِلْمُ بِأَنَّكَ مَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِ هَذَا الْكِتَابِ كِتَابًا، وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ، آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ. ⦗٤٢٨⦘ وَإِنَّمَا قُلْتُ: ذَلِكَ أَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ بِالْآيَةِ، لِأَنَّ قَوْلَهُ: ﴿بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ﴾ [العنكبوت: ٤٩] بَيْنَ خَبَرَيْنِ مِنْ أَخْبَارِ اللَّهِ عَنْ رَسُولِهِ مُحَمَّدٍ ﷺ، فَهُوَ بِأَنْ يَكُونَ خَبَرًا عَنْهُ أَوْلَى مِنْ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا عَنِ الْكِتَابِ الَّذِي قَدِ انْقَضَى الْخَبَرُ عَنْهُ قَبْلُ.
١٨ ‏/ ٤٢٧
وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ﴾ [العنكبوت: ٤٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: مَا يَجْحَدُ نُبُوَّةَ مُحَمَّدٍ ﷺ وَأَدِلَّتَهُ، وَيُنْكِرُ الْعِلْمَ الَّذِي يَعْلَمُ مِنْ كُتُبِ اللَّهِ الَّتِي أَنْزَلَهَا عَلَى أَنْبِيَائِهِ، بِبَعْثِ مُحَمَّدٍ ﷺ، وَنُبُوَّتِهِ، وَمَبْعَثِهِ إِلَّا الظَّالِمُونَ، يَعْنِي الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ بِكُفْرِهِمْ بِاللَّهِ عز وجل.
١٨ ‏/ ٤٢٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ، قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ، وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ﴾ [العنكبوت: ٥٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَقَالَتِ الْمُشْرِكُونَ مِنْ قُرَيْشٍ: هَلَّا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ تَكُونُ حُجَّةً لِلَّهِ عَلَيْنَا، كَمَا جُعِلَتِ النَّاقَةُ لِصَالِحٍ، وَالْمَائِدَةُ آيَةً لِعِيسَى، قُلْ يَا مُحَمَّدُ: إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ، لَا يَقْدِرُ عَلَى الْإِتْيَانِ بِهَا غَيْرُهُ ﴿وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ﴾ [العنكبوت: ٥٠] وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ لَكُمْ، أُنْذِرُكُمْ بَأْسَ اللَّهِ وَعِقَابَهُ عَلَى كُفْرِكُمْ بِرَسُولِهِ. وَمَا جَاءَكُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ رَبِّكُمْ ﴿مُبِينٌ﴾ [البقرة: ١٦٨] يَقُولُ: قَدْ أَبَانَ لَكُمْ إِنْذَارَهُ.
١٨ ‏/ ٤٢٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ [العنكبوت: ٥١]⦗٤٢٩⦘ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَوَ لَمْ يَكْفِ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ يَا مُحَمَّدُ، الْقَائِلِينَ: لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ ﷺ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ، مِنَ الْآيَاتِ وَالْحُجَجِ ﴿أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ﴾ [العنكبوت: ٥١] هَذَا ﴿الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ﴾ [العنكبوت: ٥١] يَقُولُ: يُقْرَأُ عَلَيْهِمْ ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً﴾ [العنكبوت: ٥١] يَقُولُ: إِنَّ فِي هَذَا الْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ لَرَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ بِهِ، وَذِكْرَى يَتَذَكَّرُونَ بِمَا فِيهِ مِنْ عِبْرَةٍ وَعِظَةٍ، وَذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ مِنْ أَجْلِ أَنَّ قَوْمًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ انْتَسَخُوا شَيْئًا مِنْ بَعْضِ كُتُبِ أَهْلِ الْكِتَابِ.
١٨ ‏/ ٤٢٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ جَعْدَةَ، أَنَّ نَاسًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَتَوْا نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ بِكُتُبٍ قَدْ كَتَبُوا فِيهَا بَعْضَ مَا يَقُولُ الْيَهُودُ، فَلَمَّا أَنْ نَظَرَ فِيهَا أَلْقَاهَا، ثُمَّ قَالَ: «كَفَى بِهَا حَمَاقَةَ قَوْمٍ، أَوْ ضَلَالَةَ قَوْمٍ، أَنْ يَرْغَبُوا عَمَّا جَاءَهُمْ بِهِ نَبِيُّهُمْ، إِلَى مَا جَاءَ بِهِ غَيْرُ نَبِيِّهِمْ، إِلَى قَوْمٍ غَيْرَهُمْ»، فَنَزَلَتْ: ﴿أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ [العنكبوت: ٥١]
١٨ ‏/ ٤٢٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ
١٨ ‏/ ٤٢٩
الْخَاسِرُونَ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِلْقَائِلِينَ لَكَ: لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْكَ آيَةٌ مِنْ رَبِّكَ، الْجَاحِدِينَ بِآيَاتِنَا مِنْ قَوْمِكَ: كَفَى اللَّهُ يَا هَؤُلَاءِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَاهِدًا لِي وَعَلَيَّ، لِأَنَّهُ يَعْلَمُ الْمُحِقَّ مِنَّا مِنَ الْمُبْطِلِ، وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ، لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِيهِمَا، وَهُوَ الْمُجَازِي كُلَّ فَرِيقٍ مِنَّا بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، الْمُحِقَّ عَلَى ثَبَاتِهِ عَلَى الْحَقِّ، وَالْمُبْطِلَ عَلَى بَاطِلِهِ، بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ﴾ [العنكبوت: ٥٢] يَقُولُ: صَدَّقُوا بِالشِّرْكِ، فَأَقَرُّوا بِهِ ﴿وَكَفَرُوا بِاللَّهِ﴾ [العنكبوت: ٥٢] يَقُولُ: وَجَحَدُوا اللَّهَ ﴿أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ [البقرة: ٢٧] يَقُولُ: هُمُ الْمَغْبُونُونَ فِي صَفْقَتِهِمْ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي قَوْلِهِ ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ﴾ [العنكبوت: ٥٢] قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ ‏/ ٤٣٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ﴾ [العنكبوت: ٥٢] الشِّرْكِ»
١٨ ‏/ ٤٣٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلَا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ [العنكبوت: ٥٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَيَسْتَعْجِلُكَ يَا مُحَمَّدُ هَؤُلَاءِ الْقَائِلُونَ مِنْ قَوْمِكَ: لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ بِالْعَذَابِ، وَيَقُولُونَ: ﴿اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ﴾ [الأنفال: ٣٢] وَلَوْلَا أَجَلٌ سَمَّيْتُهُ لَهُمْ ⦗٤٣١⦘ فَلَا أُهْلِكُهُمْ حَتَّى يَسْتَوْفُوهُ وَيَبْلُغُوهُ، لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ عَاجِلًا. وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ [العنكبوت: ٥٣] يَقُولُ: وَلَيَأْتِيَنَّهُمُ الْعَذَابُ فَجْأَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ بِوَقْتِ مَجِيئِهِ قَبْلَ مَجِيئِهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ ‏/ ٤٣٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ «﴿وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ﴾ [العنكبوت: ٥٣] قَالَ: قَالَ نَاسٌ مِنْ جَهَلَةِ هَذِهِ الْأُمَّةِ ﴿اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدَكِ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [الأنفال: ٣٢] الْآيَةَ»
١٨ ‏/ ٤٣١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ﴾ [العنكبوت: ٥٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: يَسْتَعْجِلُكَ يَا مُحَمَّدُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ بِمَجِيءِ الْعَذَابِ وَنُزُولِهِ بِهِمْ، وَالنَّارُ بِهِمْ مُحِيطَةٌ، لَمْ يَبْقَ إِلَّا أَنْ يَدْخُلُوهَا. وَقِيلَ: إِنَّ ذَلِكَ هُوَ الْبَحْرُ.
١٨ ‏/ ٤٣١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ سِمَاكٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ، يَقُولُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ «﴿وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ ⦗٤٣٢⦘ بِالْكَافِرِينَ﴾ [العنكبوت: ٥٤] قَالَ: الْبَحْرُ». أَخْبَرَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا غُنْدَرٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، مِثْلَهُ
١٨ ‏/ ٤٣١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [العنكبوت: ٥٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ﴾ [التوبة: ٤٩] يَوْمَ يَغْشَى الْكَافِرِينَ الْعَذَابُ مِنْ فَوْقِهِمْ فِي جَهَنَّمَ، وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ.
١٨ ‏/ ٤٣٢
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ﴾ [العنكبوت: ٥٥] أَيْ فِي النَّارِ»
١٨ ‏/ ٤٣٢
وَقَوْلُهُ: ﴿وَيَقُولُ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [العنكبوت: ٥٥] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَيَقُولُ اللَّهُ لَهُمْ: ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ فِي الدُّنْيَا مِنْ مَعَاصِي اللَّهِ، وَمَا يُسْخِطُهُ فِيهَا. وَبِالْيَاءِ فِي ﴿وَيَقُولُ ذُوقُوا﴾ [العنكبوت: ٥٥] قَرَأَتْ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ خَلَا أَبِي جَعْفَرٍ، وَأَبِي عَمْرٍو، فَإِنَّهُمَا قَرَآ ذَلِكَ بِالنُّونِ: (وَنَقُولُ) . وَالْقِرَاءَةُ الَّتِي هِيَ الْقِرَاءَةُ عِنْدَنَا بِالْيَاءِ لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَيْهَا.
١٨ ‏/ ٤٣٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ ⦗٤٣٣⦘ فَاعْبُدُونِ﴾ [العنكبوت: ٥٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِلْمُؤْمِنِينَ بِهِ مِنْ عِبَادِهِ: يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ وَحَّدُونِي وَآمَنُوا بِي وَبِرَسُولِي مُحَمَّدٍ ﷺ ﴿إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ﴾ [العنكبوت: ٥٦] وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمَعْنَى الَّذِي أُرِيدَ مِنَ الْخَبَرِ عَنْ سَعَةِ الْأَرْضِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أُرِيدَ بِذَلِكَ أَنَّهَا لَمْ تَضِقْ عَلَيْكُمْ فَتُقِيمُوا بِمَوْضِعٍ مِنْهَا لَا يَحِلُّ لَكُمُ الْمَقَامُ فِيهِ، وَلَكِنْ إِذَا عُمِلَ بِمَكَانٍ مِنْهَا بِمَعَاصِي اللَّهِ فَلَمْ تَقْدِرُوا عَلَى تَغْيِيرِهِ، فَاهْرُبُوا مِنْهُ.
١٨ ‏/ ٤٣٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ﴾ [العنكبوت: ٥٦] قَالَ: إِذَا عُمِلَ فِيهَا بِالْمَعَاصِي، فَاخْرُجْ مِنْهَا»
١٨ ‏/ ٤٣٣
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فِي قَوْلِهِ «﴿إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ﴾ [العنكبوت: ٥٦] قَالَ: إِذَا عُمِلَ فِيهَا بِالْمَعَاصِي، فَاخْرُجْ مِنْهَا»
١٨ ‏/ ٤٣٣
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: «اهْرُبُوا فَإِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ»
١٨ ‏/ ٤٣٣
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: «إِذَا أُمِرْتُمْ بِالْمَعَاصِي فَاهْرُبُوا، فَإِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ»
١٨ ‏/ ٤٣٤
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا شَرِيكٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ عَطَاءٍ، «﴿إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ﴾ [العنكبوت: ٥٦] قَالَ: مُجَانَبَةُ أَهْلِ الْمَعَاصِي»
١٨ ‏/ ٤٣٤
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ «﴿إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ﴾ [العنكبوت: ٥٦] فَهَاجِرُوا وَجَاهِدُوا»
١٨ ‏/ ٤٣٤
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ «﴿يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ﴾ [العنكبوت: ٥٦] فَقُلْتُ: يُرِيدُ بِهَذَا مَنْ كَانَ بِمَكَّةَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ». وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: إِنَّ مَا أُخْرِجُ مِنْ أَرْضِي لَكُمْ مِنَ الرِّزْقِ وَاسِعٌ لَكُمْ.
١٨ ‏/ ٤٣٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ، قَالَ: ثني زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، عَنْ شَدَّادِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ مَالِكٍ أَبِي طَلْحَةَ الرَّاسِبِيِّ، عَنْ غَيْلَانَ بْنِ جَرِيرٍ الْمَعْوَلِيِّ، عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ الْعَامِرِيِّ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: «﴿إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ﴾ [العنكبوت: ٥٦] قَالَ: إِنَّ رِزْقِي لَكُمْ وَاسِعٌ»
١٨ ‏/ ٤٣٤
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا زَيْدُ بْنُ حُبَابٍ، عَنْ شَدَّادٍ، عَنْ غَيْلَانَ بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ الشِّخِّيرِ، «﴿إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ﴾ [العنكبوت: ٥٦] قَالَ: رِزْقِي لَكُمْ وَاسِعٌ». وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَى ذَلِكَ: إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ، فَاهْرُبُوا مِمَّنْ مَنَعَكُمْ مِنَ الْعَمَلِ بِطَاعَتِي لِدَلَالَةِ قَوْلِهِ ﴿فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ﴾ [العنكبوت: ٥٦] عَلَى ذَلِكَ، وَأَنَّ ذَلِكَ هُوَ أَظْهَرُ مَعْنَيَيْهِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْأَرْضَ إِذَا وَصَفَهَا بِسَعَةٍ، فَالْغَالِبُ مِنْ وَصْفِهِ إِيَّاهَا بِذَلِكَ، أَنَّهَا لَا تَضِيقُ جَمِيعُهَا عَلَى مَنْ ضَاقَ عَلَيْهِ مِنْهَا مَوْضِعٌ، لَا أَنَّهُ وَصَفَهَا بِكَثْرَةِ الْخَيْرِ وَالْخَصْبِ.
١٨ ‏/ ٤٣٥
وَقَوْلُهُ: ﴿فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ﴾ [العنكبوت: ٥٦] يَقُولُ: فَأَخْلِصُوا لِي عِبَادَتَكُمْ وَطَاعَتَكُمْ، وَلَا تُطِيعُوا فِي مَعْصِيَتِي أَحَدًا.
١٨ ‏/ ٤٣٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تَرْجَعُونَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ [العنكبوت: ٥٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِلْمُؤْمِنِينَ بِهِ مِنْ أَصْحَابِ نَبِيِّهِ: هَاجِرُوا مِنْ أَرْضِ الشِّرْكِ مِنْ مَكَّةَ، إِلَى أَرْضِ الْإِسْلَامِ الْمَدِينَةِ، فَإِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ، فَاصْبِرُوا عَلَى عِبَادَتِي، وَأَخْلِصُوا طَاعَتِي، فَإِنَّكُمْ مَيِّتُونَ، وَصَائِرُونَ إِلَيَّ، لِأَنَّ كُلَّ نَفْسٍ حَيَّةً ذَائِقَةُ الْمَوْتِ، ثُمَّ إِلَيْنَا بَعْدَ الْمَوْتِ تُرَدُّونَ. ثُمَّ أَخْبَرَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَمَّا أَعَدَّ لِلصَّابِرِينَ مِنْهُمْ عَلَى طَاعَتِهِ، مِنْ كَرَامَتِهِ عِنْدَهُ، فَقَالَ: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا﴾ [البقرة: ٩] يَعْنِي: صَدَّقُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ، فِيمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، ﴿وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ [البقرة: ٢٥] يَقُولُ: وَعَمِلُوا بِمَا أَمَرَهُمُ اللَّهُ
١٨ ‏/ ٤٣٥
فَأَطَاعُوهُ فِيهِ، وَانْتَهَوْا عَمَّا نَهَاهُمْ عَنْهُ ﴿لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا﴾ [العنكبوت: ٥٨] يَقُولُ: لَنُنْزِلَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ عَلَالِيَ. وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ وَبَعْضُ الْكُوفِيِّينَ: ﴿لَنُبَوِّئَنَّهُمْ﴾ [النحل: ٤١] بِالْبَاءِ، وَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ بِالثَّاءِ: (لَنُثَوِّيَنَّهُمْ) . وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ فِي قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ، قَدْ قَرَأَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عُلَمَاءٌ مِنَ الْقُرَّاءِ، مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ، وَذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ: ﴿لَنُبَوِّئَنَّهُمْ﴾ [النحل: ٤١] مِنْ بَوَّأْتُهُ مَنْزِلًا: أَيْ أَنْزَلْتُهُ، وَكَذَلِكَ، لَنُثَوِّيَنَّهُمْ؛ إِنَّمَا هُوَ مِنْ أَثْوَيْتُهُ مَسْكَنًا، إِذَا أَنْزَلْتُهُ مَنْزِلًا، مِنَ الثَّوَاءِ، وَهُوَ الْمُقَامُ.
١٨ ‏/ ٤٣٦
وَقَوْلُهُ: ﴿تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾ [البقرة: ٢٥] يَقُولُ: تَجْرِي مِنْ تَحْتِ أَشْجَارِهَا الْأَنْهَارُ. ﴿خَالِدِينَ فِيهَا﴾ [البقرة: ١٦٢] يَقُولُ: مَاكِثِينَ فِيهَا إِلَى غَيْرِ نِهَايَةٍ ﴿نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ﴾ [العنكبوت: ٥٨] يَقُولُ: نِعْمَ جَزَاءُ الْعَامِلِينَ بِطَاعَةِ اللَّهِ هَذِهِ الْغُرَفُ الَّتِي يُثَوِّيهُمُوهَا اللَّهُ فِي جَنَّاتِهِ، تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ﴿الَّذِينَ صَبَرُوا﴾ [هود: ١١] عَلَى أَذَى الْمُشْرِكِينَ فِي الدُّنْيَا، وَمَا كَانُوا يَلْقَوْنَ مِنْهُمْ، وَعَلَى الْعَمَلِ بِطَاعَةِ اللَّهِ وَمَا يُرْضِيهِ، وَجِهَادِ أَعْدَائِهِ ﴿وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ [الأنفال: ٢] فِي أَرْزَاقِهِمْ وَجِهَادِ أَعْدَائِهِمْ، فَلَا يَنْكِلُونَ عَنْهُمْ ثِقَةً مِنْهُمْ بِأَنَّ اللَّهَ مُعْلِي كَلِمَتِهِ، وَمُوهِنُ كَيْدِ ⦗٤٣٧⦘ الْكَافِرِينَ، وَأَنَّ مَا قَسَمَ لَهُمْ مِنَ الرِّزْقِ فَلَنْ يَفُوتَهُمْ.
١٨ ‏/ ٤٣٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَكَأَيِّنٍ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [العنكبوت: ٦٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِلْمُؤْمِنِينَ بِهِ، وَبِرَسُولِهِ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ ﷺ: هَاجِرُوا وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ أَعْدَاءَهُ، وَلَا تَخَافُوا عَيْلَةً وَلَا إِقْتَارًا، فَكَمْ مِنْ دَابَّةٍ ذَاتِ حَاجَةٍ إِلَى غِذَاءٍ وَمَطْعَمٍ وَمَشْرَبٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا، يَعْنِي: غِذَاءَهَا لَا تَحْمِلُهُ، فَتَرْفَعُهُ فِي يَوْمِهَا لِغَدِهَا لِعَجْزِهَا عَنْ ذَلِكَ ﴿اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ﴾ [العنكبوت: ٦٠] يَوْمًا بِيَوْمٍ ﴿وَهُوَ السَّمِيعُ﴾ [البقرة: ١٣٧] لِأَقْوَالِكُمْ: نَخْشَى بِفِرَاقِنَا أَوْطَانَنَا الْعَيْلَةَ ﴿الْعَلِيمُ﴾ [البقرة: ٣٢] مَا فِي أَنْفُسِكُمْ، وَمَا إِلَيْهِ صَائِرٌ أَمْرُكُمْ، وَأَمْرُ عَدُوِّكُمْ مِنْ إِذْلَالِ اللَّهِ إِيَّاهُمْ، وَنُصْرَتِكُمْ عَلَيْهِمْ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أُمُورِكُمْ، لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ أُمُورِ خَلْقِهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ ‏/ ٤٣٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «﴿وَكَأَيَّنٍ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا﴾ [العنكبوت: ٦٠] قَالَ: الطَّيْرُ وَالْبَهَائِمُ لَا تَحْمِلُ الرِّزْقَ»
١٨ ‏/ ٤٣٧
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ عِمْرَانَ، ⦗٤٣٨⦘ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ، فِي هَذِهِ الْآيَةِ «﴿وَكَأَيِّنٍ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ﴾ [العنكبوت: ٦٠] قَالَ: مِنَ الدَّوَابِّ مَا لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَدَّخِرَ لِغَدٍ، يُوَفَّقُ لِرِزْقِهِ كُلَّ يَوْمٍ حَتَّى يَمُوتَ»
١٨ ‏/ ٤٣٧
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْأَقْمَرِ، «﴿وَكَأَيِّنٍ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا﴾ [العنكبوت: ٦٠] قَالَ: لَا تَدَّخِرُ شَيْئًا لِغَدٍ»
١٨ ‏/ ٤٣٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَئِنْ سَأَلْتَ يَا مُحَمَّدُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ بِاللَّهِ: مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فَسَوَّاهُنَّ، وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لِعِبَادِهِ، يَجْرِيَانِ دَائِبَيْنِ لِمَصَالِحِ خَلْقِ اللَّهِ، لَيَقُولُنَّ: الَّذِي خَلَقَ ذَلِكَ وَفَعَلَهُ اللَّهُ ﴿فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾ [العنكبوت: ٦١] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: فَأَنَّى يُصْرَفُونَ عَمَّنْ صَنَعَ ذَلِكَ، فَيَعْدِلُونَ عَنْ إِخْلَاصِ الْعِبَادَةِ لَهُ؟
١٨ ‏/ ٤٣٨
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾ [العنكبوت: ٦١] أَيْ يَعْدِلُونَ»
١٨ ‏/ ٤٣٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [العنكبوت: ٦٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: اللَّهُ يُوَسِّعُ مِنْ رِزْقِهِ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ خَلْقِهِ، وَيُضَيِّقُ فَيُقَتِّرُ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْهُمْ. يَقُولُ: فَأَرْزَاقُكُمْ وَقِسْمَتُهَا بَيْنَكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ بِيَدِي، دُونَ كُلِّ أَحَدٍ ⦗٤٣٩⦘ سِوَايَ؛ أَبْسُطُ لِمَنْ شِئْتُ مِنْهَا، وَأُقَتِّرُ عَلَى مَنْ شِئْتُ، فَلَا يُخَلِّفَنَّكُمْ عَنِ الْهِجْرَةِ وَجِهَادِ عَدُوِّكُمْ خَوْفُ الْعَيْلَةِ ﴿إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [الأنفال: ٧٥] يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَصَالِحِكُمْ، وَمَنْ لَا يَصْلُحُ لَهُ إِلَّا الْبَسْطُ فِي الرِّزْقِ، وَمَنْ لَا يَصْلُحُ لَهُ إِلَّا التَّقْتِيرُ عَلَيْهِ، وَهُوَ عَالِمٌ بِذَلِكَ.
١٨ ‏/ ٤٣٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ، قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ، بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ﴾ [العنكبوت: ٦٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: وَلَئِنْ سَأَلْتَ يَا مُحَمَّدُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ بِاللَّهِ مِنْ قَوْمِكَ: مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً، وَهُوَ الْمَطَرُ الَّذِي يُنَزِّلُهُ اللَّهُ مِنَ السَّحَابِ ﴿فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ﴾ [البقرة: ١٦٤] يَقُولُ: فَأَحْيَا بِالْمَاءِ الَّذِي نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ الْأَرْضَ، وَإِحْيَاؤُهَا: إِنْبَاتُهُ النَّبَاتَ فِيهَا ﴿مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا﴾ [العنكبوت: ٦٣] مِنْ بَعْدِ جُدُوبِهَا وَقُحُوطِهَا، وَقَوْلُهُ: ﴿لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾ [العنكبوت: ٦١] يَقُولُ: لَيَقُولُنَّ: الَّذِي فَعَلَ ذَلِكَ اللَّهُ الَّذِي لَهُ عِبَادَةُ كُلِّ شَيْءٍ، وَقَوْلُهُ: ﴿قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾ [النمل: ٥٩] يَقُولُ: وَإِذَا قَالُوا ذَلِكَ، فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ ﴿بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ﴾ [العنكبوت: ٦٣] يَقُولُ: بَلْ أَكْثَرُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ بِاللَّهِ لَا يَعْقِلُونَ مَا لَهُمْ فِيهِ النَّفْعُ مِنْ أَمْرِ دِينِهِمْ، وَمَا فِيهِ الضُّرُّ، فَهُمْ لِجَهْلِهِمْ يَحْسِبُونَ أَنَّهُمْ لِعِبَادَتِهِمُ الْآلِهَةَ دُونَ اللَّهِ، يَنَالُونَ بِهَا عِنْدَ اللَّهِ زُلْفَةً وَقُرْبَةً، وَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّهُمْ بِذَلِكَ هَالِكُونَ مُسْتَوْجِبُونَ الْخُلُودَ فِي النَّارِ.
١٨ ‏/ ٤٣٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ، وَإِنَّ الدَّارَ ⦗٤٤٠⦘ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ [العنكبوت: ٦٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا﴾ [العنكبوت: ٦٤] الَّتِي يَتَمَتَّعُ مِنْهَا هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ ﴿إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ﴾ [العنكبوت: ٦٤] يَقُولُ: إِلَّا تَعْلِيلُ النُّفُوسِ بِمَا تَلْتَذُّ بِهِ، ثُمَّ هُوَ مُنْقَضٍ عَنْ قَرِيبٍ، لَا بَقَاءَ لَهُ وَلَا دَوَامَ ﴿وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ﴾ [العنكبوت: ٦٤] يَقُولُ: وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَفِيها الْحَيَاةُ الدَّائِمَةُ الَّتِي لَا زَوَالَ لَهَا، وَلَا انْقِطَاعَ، وَلَا مَوْتَ مَعَهَا.
١٨ ‏/ ٤٣٩
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: «﴿وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ [العنكبوت: ٦٤] حَيَاةٌ لَا مَوْتَ فِيهَا»
١٨ ‏/ ٤٤٠
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَا: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ «﴿لَهِيَ الْحَيَوَانُ﴾ [العنكبوت: ٦٤] قَالَ: لَا مَوْتَ فِيهَا»
١٨ ‏/ ٤٤٠
حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ «﴿وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ﴾ [العنكبوت: ٦٤] يَقُولُ: بَاقِيَةٌ»
١٨ ‏/ ٤٤٠
وَقَوْلُهُ: ﴿لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: ١٠٢] يَقُولُ: لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ يَعْلَمُونَ أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ، لَقَصَرُوا عَنْ تَكْذِيبِهِمْ بِاللَّهِ، وَإِشْرَاكِهِمْ غَيْرَهُ فِي عِبَادَتِهِ، وَلَكِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ذَلِكَ.
١٨ ‏/ ٤٤٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ، فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبِرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ﴾ [العنكبوت: ٦٥]⦗٤٤١⦘ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَإِذَا رَكِبَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ السَّفِينَةَ فِي الْبَحْرِ، فَخَافُوا الْغَرَقَ وَالْهَلَاكَ فِيهِ ﴿دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ [يونس: ٢٢] يَقُولُ: أَخْلَصُوا لِلَّهِ عِنْدَ الشِّدَّةِ الَّتِي نَزَلَتْ بِهِمُ التَّوْحِيدَ، وَأَفْرَدُوا لَهُ الطَّاعَةَ، وَأَذْعَنُوا لَهُ بِالْعُبُودَةِ، وَلَمْ يَسْتَغِيثُوا بِآلِهَتِهِمْ وَأَنْدَادِهِمْ، وَلَكِنْ بِاللَّهِ الَّذِي خَلَقَهُمْ ﴿فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبِرِّ﴾ [العنكبوت: ٦٥] يَقُولُ: فَلَمَّا خَلَّصَهُمْ مِمَّا كَانُوا فِيهِ وَسَلَّمَهُمْ، فَصَارُوا إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ شَرِيكًا فِي عِبَادَتِهِمْ، وَيَدْعُونَ الْآلِهَةَ وَالْأَوْثَانَ مَعَهُ أَرْبَابًا.
١٨ ‏/ ٤٤٠
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: «﴿فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبِرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ﴾ [العنكبوت: ٦٥] فَالْخَلْقُ كُلُّهُمْ يُقِرُّونَ لِلَّهِ أَنَّهُ رَبُّهُمْ، ثُمَّ يُشْرِكُونَ بَعْدَ ذَلِكَ»
١٨ ‏/ ٤٤١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ﴾ [العنكبوت: ٦٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَلَمَّا نَجَّى اللَّهُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ مِمَّا كَانُوا فِيهِ مِنَ الْبَحْرِ مِنَ الْخَوْفِ وَالْحَذَرِ مِنَ الْغَرَقِ إِلَى الْبِرِّ، إِذَا هُمْ بَعْدَ أَنْ صَارُوا إِلَى الْبَرِّ يُشْرِكُونَ بِاللَّهِ الْآلِهَةَ وَالْأَنْدَادَ ﴿لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ﴾ [النحل: ٥٥] يَقُولُ: لِيَجْحَدُوا نِعْمَةَ اللَّهِ الَّتِي أَنْعَمَهَا عَلَيْهِمْ فِي أَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ، ﴿وَلِيَتَمَتَّعُوا﴾ [العنكبوت: ٦٦] اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ: ﴿وَلِيَتَمَتَّعُوا﴾ [العنكبوت: ٦٦] بِكَسْرِ اللَّامِ، بِمَعْنَى: وَكَيْ يَتَمَتَّعُوا آتَيْنَاهُمْ ذَلِكَ. وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفِيِّينَ: (وَلْيَتَمَتَّعُوا)، بِسُكُونِ اللَّامِ عَلَى وَجْهِ الْوَعِيدِ
١٨ ‏/ ٤٤١
وَالتَّوْبِيخِ: أَيِ: اكْفُرُوا، فَإِنَّكُمْ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَاذَا يَلْقَوْنَ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ بِكُفْرِهِمْ بِهِ. وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ عِنْدِي فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ، قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَهُ بِسُكُونِ اللَّامِ عَلَى وَجْهِ التَّهْدِيدِ وَالْوَعِيدِ، وَذَلِكَ أَنَّ الَّذِينَ قَرَءُوهُ بِكَسْرِ اللَّامِ زَعَمُوا أَنَّهُمْ إِنَّمَا اخْتَارُوا كَسْرَهَا عَطْفًا بِهَا عَلَى اللَّامِ الَّتِي فِي قَوْلِهِ: ﴿لِيَكْفُرُوا﴾ [النحل: ٥٥] وَأَنَّ قَوْلَهُ ﴿لِيَكْفَرُوا﴾ [النحل: ٥٥] لَمَّا كَانَ مَعْنَاهُ: كَيْ يَكْفُرُوا كَانَ الصَّوَابَ فِي قَوْلِهِ ﴿وَلِيَتَمَتَّعُوا﴾ [العنكبوت: ٦٦] أَنْ يَكُونَ: وَكَيْ يَتَمَتَّعُوا، إِذْ كَانَ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ: لِيَكْفُرُوا عِنْدَهُمْ، وَلَيْسَ الَّذِي ذَهَبُوا مِنْ ذَلِكَ بِمَذْهَبٍ، وَذَلِكَ لِأَنَّ لَامَ قَوْلِهِ ﴿لِيَكْفُرُوا﴾ [النحل: ٥٥] صَلُحَتْ أَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى كَيْ، لِأَنَّهَا شَرْطٌ لِقَوْلِهِ: إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ بِاللَّهِ، كَيْ يَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ مِنَ النِّعَمِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ ﴿وَلِيَتَمَتَّعُوا﴾ [العنكبوت: ٦٦] لِأَنَّ إِشْرَاكَهُمْ بِاللَّهِ كَانَ يَكْفُرُوا بِنِعْمَتِهِ، وَلَيْسَ إِشْرَاكُهُمْ بِهِ تَمَتُّعًا بِالدُّنْيَا، وَإِنْ كَانَ الْإِشْرَاكُ بِهِ يُسَهِّلُ لَهُمْ سَبِيلَ التَّمَتُّعِ بِهَا، فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَتَوْجِيهُهُ إِلَى مَعْنَى الْوَعِيدِ أَوْلَى وَأَحَقُّ مِنْ تَوْجِيهِهِ إِلَى مَعْنَى: وَكَيْ يَتَمَتَّعُوا. وَبَعْدُ فَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي قِرَاءَةِ أُبَيٍّ: «وَتَمَتَّعُوا» وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ مَنْ قَرَأَهُ بِسُكُونِ اللَّامِ بِمَعْنَى الْوَعِيدِ.
١٨ ‏/ ٤٤٢
وَقَوْلُهُ: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا﴾ [العنكبوت: ٦٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُذَكِّرًا هَؤُلَاءِ ⦗٤٤٣⦘ الْمُشْرِكِينَ مِنْ قُرَيْشٍ، الْقَائِلِينَ: لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ، نِعْمَتَهُ عَلَيْهِمُ الَّتِي خَصَّهُمْ بِهَا دُونَ سَائِرِ النَّاسِ غَيْرَهُمْ مَعَ كُفْرِهِمْ بِنِعْمَتِهِ، وَإِشْرَاكِهِمْ فِي عِبَادَتِهِ الْآلِهَةَ وَالْأَنْدَادَ: أَوَ لَمْ يَرَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ مِنْ قُرَيْشٍ، مَا خَصَصْنَاهُمْ بِهِ مِنْ نِعْمَتِنَا عَلَيْهِمْ دُونَ سَائِرِ عِبَادِنَا، فَيَشْكُرُونَا عَلَى ذَلِكَ، وَيَنْزَجِرُوا عَنْ كُفْرِهِمْ بِنَا، وَإِشْرَاكِهِمْ مَا لَا يَنْفَعُهُمْ وَلَا يَضُرُّهُمْ فِي عِبَادَتِنَا، أَنَّا جَعَلْنَا بَلَدَهُمْ حَرَمًا، حَرَّمْنَا عَلَى النَّاسِ أَنْ يَدْخُلُوهُ بِغَارَةٍ أَوْ حَرْبٍ، ﴿آمِنًا﴾ [البقرة: ٨] يَأْمَنُ فِيهِ مَنْ سَكَنَهُ، فَأَوَى إِلَيْهِ مِنَ السِّبَاءِ وَالْخَوْفِ وَالْحَرَامِ الَّذِي لَا يَأْمَنُهُ غَيْرُهُمْ مِنَ النَّاسِ ﴿وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ﴾ [العنكبوت: ٦٧] يَقُولُ: وَتُسْلَبُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ قَتْلًا وَسِبَاءً.
١٨ ‏/ ٤٤٢
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ «﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ﴾ [العنكبوت: ٦٧] قَالَ: كَانَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ آيَةٌ، أَنَّ النَّاسَ يُغْزَوْنَ وَيُتَخَطَّفُونَ وَهُمْ آمِنُونَ»
١٨ ‏/ ٤٤٣
وَقَوْلُهُ: ﴿أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ﴾ [النحل: ٧٢] يَقُولُ: أَفَبِالشِّرْكِ بِاللَّهِ يُقِرُّونَ بِأُلُوهَةِ الْأَوْثَانِ بِأَنْ يُصَدِّقُوا، ﴿وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ﴾ [العنكبوت: ٦٧] الَّتِي خَصَّهُمْ بِهَا مِنْ أَنْ جَعَلَ بَلَدَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يَكْفُرُونَ؟ يَعْنِي بِقَوْلِهِ ﴿يَكْفُرُونَ﴾ [البقرة: ٦١]: يَجْحَدُونَ.
١٨ ‏/ ٤٤٣
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ «﴿أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ﴾ [العنكبوت: ٦٧] أَيْ بِالشِّرْكِ ﴿وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ﴾ [العنكبوت: ٦٧] أَيْ يَجْحَدُونَ»
١٨ ‏/ ٤٤٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ، أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ﴾ [العنكبوت: ٦٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمَنْ أَظْلَمُ أَيُّهَا النَّاسُ مِمَّنِ اخْتَلَقَ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا، فَقَالُوا إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً: وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا، وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا، وَاللَّهُ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ ﴿أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ﴾ [العنكبوت: ٦٨] يَقُولُ: أَوْ كَذَّبَ بِمَا بَعَثَ اللَّهُ بِهِ رَسُولَهُ مُحَمَّدًا ﷺ مِنْ تَوْحِيدِهِ، وَالْبَرَاءَةِ مِنَ الْآلِهَةِ وَالْأَنْدَادِ لَمَّا جَاءَهُ هَذَا الْحَقُّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ﴿أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ﴾ [العنكبوت: ٦٨] يَقُولُ: أَلَيْسَ فِي النَّارِ مَثْوًى وَمَسْكَنٌ لِمَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ، وَجَحَدَ تَوْحِيدَهُ، وَكَذَّبَ رَسُولَهُ ﷺ؛ وَهَذَا تَقْرِيرٌ، وَلَيْسَ بِاسْتِفْهَامٍ، إِنَّمَا هُوَ كَقَوْلِ جَرِيرٍ:
[البحر الوافر] أَلَسْتُمْ خَيْرَ مَنْ رَكِبَ الْمَطَايَا … وَأَنْدَى الْعَالَمِينَ بُطُونَ رَاحِ
إِنَّمَا أَخْبَرَ أَنَّ لِلْكَافِرِينَ بِاللَّهِ مَسْكَنًا فِي النَّارِ، وَمَنْزِلًا يَثْوُونَ فِيهِ.
١٨ ‏/ ٤٤٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا، وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [العنكبوت: ٦٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَالَّذِينَ قَاتَلُوا هَؤُلَاءِ الْمُفْتَرِينَ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا مِنْ كُفَّارِ قُرَيْشٍ، الْمُكَذِّبِينَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فِينَا، مُبْتَغِينَ بِقِتَالِهِمْ عُلُوَّ كَلِمَتِنَا، وَنُصْرَةَ دِينِنَا ﴿لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾ [العنكبوت: ٦٩] يَقُولُ: لَنُوَفِّقَنَّهُمْ لِإِصَابَةِ الطَّرِيقِ الْمُسْتَقِيمَةِ، وَذَلِكَ إِصَابَةُ دِينِ اللَّهِ الَّذِي هُوَ الْإِسْلَامُ الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ بِهِ مُحَمَّدًا ﷺ ﴿وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [العنكبوت: ٦٩] يَقُولُ: وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ مَنْ أَحْسَنَ مِنْ خَلْقِهِ، فَجَاهَدَ فِيهِ أَهْلَ الشِّرْكِ، مُصَدِّقًا رَسُولَهُ فِيمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ بِالْعَوْنِ لَهُ، وَالنُّصْرَةِ عَلَى مَنْ جَاهَدَ مِنْ أَعْدَائِهِ. ⦗٤٤٥⦘ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا﴾ [العنكبوت: ٦٩] قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ ‏/ ٤٤٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ «﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا﴾ [العنكبوت: ٦٩] فَقُلْتُ لَهُ: قَاتَلُوا فِينَا؟ قَالَ: نَعَمْ»
١٨ ‏/ ٤٤٥

عن معز نوني

متحصّل على شهادة ختم الدروس للمعهد الأعلى لتكوين المعلمين بقفصة دفعة 2000، يعمل حاليًّا أستاذ مدارس إبتدائية

شاهد أيضاً

سُورَةُ الْفَاتِحَةِ

مَكِّيَّةٌ وَآيَاتُهَا سَبْعٌ ١ ‏/ ١١١ ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ [الفاتحة: ١] الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ …