سُورَةُ الْحَجِّ 3

وَقَوْلُهُ: ﴿أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ﴾ [المائدة: ١٠] يَقُولُ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ هَذِهِ صِفَتُهُمْ هُمْ سُكَّانُ جَهَنَّمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَهْلُهَا الَّذِينَ هُمْ أَهْلُهَا
١٦ ‏/ ٦٠٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [الحج: ٥٢] قِيلَ: إِنَّ السَّبَبَ الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، أَنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ أَلْقَى عَلَى لِسَانِهِ فِي بَعْضِ مَا يَتْلُوهُ مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنَ الْقُرْآنِ مَا لَمْ ⦗٦٠٣⦘ يُنْزِلْهُ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَاغْتَمَّ بِهِ، فَسَلَّاهُ اللَّهُ مِمَّا بِهِ مِنْ ذَلِكَ بِهَذِهِ الْآيَاتِ
١٦ ‏/ ٦٠٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا حَجَّاجٌ، عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، وَمُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ، قَالَا: «جَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي نَادٍ مِنْ أَنْدِيَةِ قُرَيْشٍ كَثِيرٍ أَهْلُهُ، فَتَمَنَّى يَوْمَئِذٍ أَنْ لَا يَأْتِيَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْءٌ فَينَفِرُوا عَنْهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ: ﴿وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى﴾ [النجم: ٢]، فَقَرَأَهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، حَتَّى إِذَا بَلَغَ: ﴿أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى﴾ [النجم: ١٩] أَلْقَى عَلَيْهِ الشَّيْطَانُ كَلِمَتَيْنِ: «تِلْكَ الْغَرَانِقَةُ الْعُلَى، وَإِنَّ شَفَاعَتَهُنَّ لَتُرْجَى»، فَتَكَلَّمَ بِهَا. ثُمَّ مَضَى فَقَرَأَ السُّورَةَ كُلَّهَا. فَسَجَدَ فِي آخِرِ السُّورَةِ، وَسَجَدَ الْقَوْمُ جَمِيعًا مَعَهُ، وَرَفَعَ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ تُرَابًا إِلَى جَبْهَتِهِ فَسَجَدَ عَلَيْهِ، وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَقْدِرُ عَلَى السُّجُودِ. فَرَضُوا بِمَا تَكَلَّمَ بِهِ، وَقَالُوا: قَدْ عَرَفْنَا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي وَيُمِيتُ، وَهُوَ الَّذِي يَخْلُقُ وَيَرْزُقُ، وَلَكِنَّ آلِهَتَنَا هَذِهِ تَشَفْعُ لَنَا عِنْدَهُ، إِذْ جَعَلْتَ لَهَا نَصِيبًا، فَنَحْنُ مَعَكَ قَالَا: فَلَمَّا أَمْسَى أَتَاهُ جِبْرَائِيلُ عليهما السلام، فَعَرَضَ عَلَيْهِ السُّورَةَ؛ فَلَمَّا بَلَغَ الْكَلِمَتَيْنِ اللَّتَيْنِ أَلْقَى الشَّيْطَانُ عَلَيْهِ قَالَ: مَا جِئْتُكَ بِهَاتَيْنِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: افْتَرَيْتُ عَلَى اللَّهِ وَقُلْتُ عَلَى اللَّهِ مَا لَمْ يَقُلْ:»فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: ﴿وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ، لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ﴾ [الإسراء: ٧٣] . إِلَى قَوْلِهِ: ﴿ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا ⦗٦٠٤⦘ نَصِيرًا﴾ [الإسراء: ٧٥] . فَمَا زَالَ مَغْمُومًا مَهْمُومًا حَتَّى نَزَلَتْ عَلَيْهِ: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [الحج: ٥٢] . قَالَ: فَسَمِعَ مَنْ كَانَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ قَدْ أَسْلَمُوا كُلُّهُمْ، فَرَجَعُوا إِلَى عَشَائِرِهِمْ وَقَالُوا: هُمْ أَحَبُّ إِلَيْنَا فَوَجَدُوا الْقَوْمَ قَدِ ارْتَكَسُوا حِينَ نَسَخَ اللَّهُ مَا أَلْقَى الشَّيْطَانُ “
١٦ ‏/ ٦٠٣
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ زِيَادٍ الْمَدَنِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، قَالَ: «لَمَّا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ تَوَلِّيَ قَوْمِهِ عَنْهُ، وَشَقَّ عَلَيْهِ مَا يَرَى مِنْ مُبَاعَدَتِهِمْ مَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، تَمَنَّى فِي نَفْسِهِ أَنْ يَأْتِيَهُ مِنَ اللَّهِ مَا يُقَارِبُ بِهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْمِهِ. وَكَانَ يَسُرُّهُ، مَعَ حُبِّهِ وَحِرْصِهِ عَلَيْهِمْ، أَنْ يَلِينَ لَهُ بَعْضُ مَا غَلُظَ عَلَيْهِ مِنْ أَمْرِهِمْ، حِينَ حَدَّثَ بِذَلِكَ نَفْسَهُ وَتَمَنَّى وَأَحَبَّهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى﴾ [النجم: ٢] فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى قَوْلِ اللَّهِ: ﴿أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى﴾ [النجم: ١٩]، أَلْقَى الشَّيْطَانُ عَلَى لِسَانِهِ، لَمَّا كَانَ يُحَدِّثُ بِهِ نَفْسَهُ وَيَتَمَنَّى أَنْ يَأْتِيَ بِهِ قَوْمَهُ: «تِلْكَ الْغَرَانِيقُ الْعُلَى، وَإِنَّ شَفَاعَتَهُنَّ تُرْتَضَى» . فَلَمَّا سَمِعَتْ قُرَيْشٌ ذَلِكَ فَرِحُوا وَسَرَّهُمْ، وَأَعْجَبَهُمْ مَا ذَكَرَ بِهِ آلِهَتَهُمْ، فَأَصَاخُوا لَهُ، وَالْمُؤْمِنُونَ مُصَدَّقُونَ نَبِيَّهُمْ فِيمَا جَاءَهُمْ بِهِ عَنْ رَبِّهِمْ، وَلَا يَتَّهِمُونَهُ عَلَى خَطَإٍ، وَلَا وَهْمٍ وَلَا زَلَلٍ. فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى السَّجْدَةِ مِنْهَا وَخَتَمَ السُّورَةَ، سَجَدَ فِيهَا. فَسَجَدَ الْمُسْلِمُونَ بِسُجُودِ نَبِيِّهِمْ، تَصْدِيقًا لِمَا جَاءَ بِهِ وَاتِّبَاعًا لَأَمْرِهِ، وَسَجَدَ مَنْ فِي الْمَسْجِدِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنْ قُرَيْشٍ وَغَيْرِهِمْ لِمَا سَمِعُوا مِنْ ذِكْرِ آلِهَتِهِمْ، فَلَمْ يَبْقَ فِي الْمَسْجِدِ مُؤْمِنٌ ⦗٦٠٥⦘ وَلَا كَافِرٌ إِلَّا سَجَدَ إِلَّا الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، فَإِنَّهُ كَانَ شَيْخًا كَبِيرًا فَلَمْ يَسْتَطِعْ، فَأَخَذَ بِيَدِهِ حَفْنَةً مِنَ الْبَطْحَاءِ فَسَجَدَ عَلَيْهَا. ثُمَّ تَفَرَّقَ النَّاسُ مِنَ الْمَسْجِدِ، وَخَرَجَتْ قُرَيْشٌ وَقَدْ سَرَّهُمْ مَا سَمِعُوا مِنْ ذِكْرِ آلِهَتِهِمْ، يَقُولُونَ: قَدْ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ آلِهَتَنَا بِأَحْسَنِ الذِّكْرِ، وَقَدْ زَعَمَ فِيمَا يَتْلُو أَنَّهَا الْغَرَانِيقُ الْعُلَى وَأَنَّ شَفَاعَتَهُنَّ تُرْتَضَى وَبَلَغَتِ السَّجْدَةُ مَنْ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَقِيلَ: أَسْلَمَتْ قُرَيْشٌ. فَنَهَضَتْ مِنْهُمْ رِجَالٌ، وَتَخَلَّفَ آخَرُونَ. وَأَتَى جِبْرَائِيلُ النَّبِيَّ ﷺ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، مَاذَا صَنَعْتَ؟ لَقَدْ تَلَوْتَ عَلَى النَّاسِ مَا لَمْ آتِكَ بِهِ عَنِ اللَّهِ، وَقُلْتَ مَا لَمْ يُقَلْ لَكَ فَحَزِنَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عِنْدَ ذَلِكَ، وَخَافَ مِنَ اللَّهِ خَوْفًا كَبِيرًا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تبارك وتعالى عَلَيْهِ وَكَانَ بِهِ رَحِيمًا يُعَزِّيهِ وَيُخَفِّضُ عَلَيْهِ الْأَمْرَ، وَيُخْبِرُهُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَبْلَهُ رَسُولٌ وَلَا نَبِيُّ تَمَنَّى كَمَا تَمَنَّى وَلَا أَحَبَّ كَمَا أَحَبَّ إِلَّا وَالشَّيْطَانُ قَدْ أَلْقَى فِي أُمْنِيَّتِهِ كَمَا أَلْقَى عَلَى لِسَانِهِ ﷺ، فَنَسَخَ اللَّهُ مَا أَلْقَى الشَّيْطَانُ، وَأَحْكَمَ آيَاتِهِ، أَيْ: فَأَنْتَ كَبَعْضِ الْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ؛ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ﴾ [الحج: ٥٢] . الْآيَةَ. فَأَذْهَبَ اللَّهُ عَنْ نَبِيِّهِ الْحُزْنَ، وَأَمَّنَهُ مِنَ الَّذِي كَانَ يَخَافُ، وَنَسَخَ مَا أَلْقَى الشَّيْطَانُ عَلَى لِسَانِهِ مِنْ ذِكْرِ آلِهَتِهِمْ أَنَّهَا الْغَرَانِيقُ الْعُلَى وَأَنَّ شَفَاعَتَهُنَّ تُرْتَضَى. يَقُولُ اللَّهُ حِينَ ذَكَرَ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى، إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى﴾ أَيْ: فَكَيْفَ تُمْنَعُ شَفَاعَةُ آلِهَتِكُمْ عِنْدَهُ. فَلَمَّا جَاءَهُ مِنَ اللَّهِ مَا نَسَخَ مَا كَانَ الشَّيْطَانُ أَلْقَى عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ قَالَتْ قُرَيْشٌ: نَدِمَ مُحَمَّدٌ عَلَى مَا كَانَ مِنْ مَنْزِلَةِ آلِهَتِكُمْ عِنْدَ اللَّهِ، فَغَيَّرَ ذَلِكَ وَجَاءَ بِغَيْرِهِ وَكَانَ ذَلِكَ الْحَرْفَانِ اللَّذَانِ أَلْقَى الشَّيْطَانُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ قَدْ وَقَعَا فِي فَمِ كُلِّ مُشْرِكٍ، فَازْدَادُوا شَرًّا إِلَى مَا كَانُوا ⦗٦٠٦⦘ عَلَيْهِ»
١٦ ‏/ ٦٠٤
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا الْمُعْتَمِرُ، قَالَ: سَمِعْتُ دَاوُدَ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، قَالَ: «قَالَتْ قُرَيْشٌ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ: إِنَّمَا جُلَسَاؤُكَ عَبْدُ بَنِي فُلَانٍ، وَمَوْلَى بَنِي فُلَانٍ، فَلَوْ ذَكَرْتَ آلِهَتَنَا بِشَيْءٍ جَالَسْنَاكَ، فَإِنَّهُ يَأْتِيكَ أَشْرَافُ الْعَرَبِ، فَإِذَا رَأَوْا جُلَسَاءَكَ أَشْرَافَ قَوْمِكَ كَانَ أَرْغَبَ لَهُمْ فِيكَ قَالَ: فَأَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى﴾ [النجم: ٢٠]، قَالَ: فَأَجْرَى الشَّيْطَانُ عَلَى لِسَانِهِ. «تِلْكَ الْغَرَانِيقُ الْعُلَى، وَشَفَاعَتُهُنَّ تُرْجَى، مِثْلُهُنَّ لَا يُنْسَى» . قَالَ: فَسَجَدَ النَّبِيُّ حِينَ قَرَأَهَا، وَسَجَدَ مَعَهُ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ. فَلَمَّا عَلِمَ الَّذِي أُجْرِيَ عَلَى لِسَانِهِ، كَبُرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ. ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ﴾ [الحج: ٥٢] . إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [الحج: ٥٢]»
١٦ ‏/ ٦٠٦
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ: ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ قَالَ: “قَالَتْ قُرَيْشٌ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّمَا يُجَالِسُكَ الْفُقَرَاءُ وَالْمَسَاكِينُ وَضُعَفَاءُ النَّاسِ، فَلَوْ ذَكَرْتَ آلِهَتَنَا بِخَيْرٍ لَجَالَسْنَاكَ فَإِنَّ النَّاسَ يَأْتُونَكَ مِنَ الْآفَاقِ فَقَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ سُورَةَ النَّجْمِ؛ فَلَمَّا انْتَهَى عَلَى هَذِهِ الْآيَةِ ﴿أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَنَّاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى﴾ [النجم: ٢٠]، فَأَلْقَى الشَّيْطَانُ عَلَى لِسَانِهِ: «وَهِيَ الْغَرَانِقَةُ الْعُلَى، وَشَفَاعَتُهُنَّ تُرْتَجَى» . فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهَا سَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ وَالْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ، إِلَّا أَبَا أُحَيْحَةَ سَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ، أَخَذَ كَفًّا مِنْ تُرَابٍ وَسَجَدَ عَلَيْهِ؛
١٦ ‏/ ٦٠٦
وَقَالَ: قَدْ آنَ لِابْنِ أَبِي كَبْشَةَ أَنْ يَذْكُرَ آلِهَتَنَا بِخَيْرٍ، حَتَّى بَلَغَ الَّذِينَ بِالْحَبَشَةِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ قُرَيْشًا قَدْ أَسْلَمَتْ، فَاشْتَدَّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مَا أَلْقَى الشَّيْطَانُ عَلَى لِسَانِهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ. ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ﴾ [الحج: ٥٢] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ “
١٦ ‏/ ٦٠٧
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: «لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى﴾ [النجم: ١٩] قَرَأَهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ: «تِلْكَ الْغَرَانِيقُ الْعُلَى، وَإِنَّ شَفَاعَتَهُنَّ لَتُرْتَجَى» . فَسَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ. فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: إِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ آلِهَتَكُمْ قَبْلَ الْيَوْمِ بِخَيْرٍ فَسَجَدَ الْمُشْرِكُونَ مَعَهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ﴾ [الحج: ٥٢] . إِلَى قَوْلِهِ: ﴿عَذَابَ يَوْمٍ عَقِيمٍ﴾ [الحج: ٥٥]» حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: ثني عَبْدُ الصَّمَدِ قَالَ: ثنا شُعْبَةُ قَالَ: ثنا أَبُو بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: ﴿أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى﴾ [النجم: ١٩]، ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَهُ
١٦ ‏/ ٦٠٧
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ﴾ [الحج: ٥٢] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [الحج: ٥٢] «وَذَلِكَ أَنَّ نَبِيَّ ⦗٦٠٨⦘ اللَّهِ ﷺ بَيْنَمَا هُوَ يُصَلِّي، إِذْ نَزَلَتْ عَلَيْهِ قِصَّةُ آلِهَةِ الْعَرَبِ، فَجَعَلَ يَتْلُوهَا؛ فَسَمِعَهُ الْمُشْرِكُونَ فَقَالُوا: إِنَّا نَسْمَعُهُ يَذْكُرُ آلِهَتَنَا بِخَيْرٍ فَدَنَوْا مِنْهُ، فَبَيْنَمَا هُوَ يَتْلُوهَا وَهُوَ يَقُولُ: ﴿أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى﴾ [النجم: ٢٠] أَلْقَى الشَّيْطَانُ: «إِنَّ تِلْكَ الْغَرَانِيقَ الْعُلَى، مِنْهَا الشَّفَاعَةُ تُرْتَجَى» . فَجَعَلَ يَتْلُوهَا، فَنَزَلَ جِبْرَائِيلُ عليه السلام فَنَسَخَهَا، ثُمَّ قَالَ لَهُ: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ﴾ [الحج: ٥٢] . إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [الحج: ٥٢]»
١٦ ‏/ ٦٠٧
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ﴾ [الحج: ٥٢] الْآيَةَ؛ «أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ وَهُوَ بِمَكَّةَ، أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي آلِهَةِ الْعَرَبِ، فَجَعَلَ يَتْلُو اللَّاتَ وَالْعُزَّى، وَيُكْثِرُ تَرْدِيدَهَا. فَسَمِعَ أَهْلُ مَكَّةَ نَبِيَّ اللَّهِ يَذْكُرُ آلِهَتَهُمْ، فَفَرِحُوا بِذَلِكَ، وَدَنَوْا يَسْتَمِعُونَ، فَأَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي تِلَاوَةِ النَّبِيِّ ﷺ: «تِلْكَ الْغَرَانِيقُ الْعُلَى، مِنْهَا الشَّفَاعَةُ تُرْتَجَى» . فَقَرَأَهَا النَّبِيُّ ﷺ كَذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ﴾ [الأنبياء: ٢٥] . إِلَى: ﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [الحج: ٥٢]»
١٦ ‏/ ٦٠٨
حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، «أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ﴾ [الحج: ٥٢] . الْآيَةَ، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: ثني أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وَهُوَ بِمَكَّةَ قَرَأَ ⦗٦٠٩⦘ عَلَيْهِمْ: ﴿وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى﴾ [النجم: ١]، فَلَمَّا بَلَغَ: ﴿أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى﴾ [النجم: ٢٠] قَالَ: «إِنَّ شَفَاعَتَهُنَّ تُرْتَجَى» . وَسَهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ. فَلَقِيَهُ الْمُشْرِكُونَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ، فَسَلَّمُوا عَلَيْهِ، وَفَرِحُوا بِذَلِكَ، فَقَالَ لَهُمْ: «إِنَّمَا ذَلِكَ مِنَ الشَّيْطَانِ» . فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ﴾ [الحج: ٥٢] . حَتَّى بَلَغَ: ﴿فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ﴾ [الحج: ٥٢]» فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ: وَلَمْ يُرْسَلْ يَا مُحَمَّدُ مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَى أُمَّةٍ مِنَ الْأُمَمِ وَلَا نَبِيٍّ مُحَدَّثٍ لَيْسَ بِمُرْسَلٍ، إِلَّا إِذَا تَمَنَّى وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ ﴿تَمَنَّى﴾ [الحج: ٥٢] فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، وَقَدْ ذَكَرْتُ قَوْلَ جَمَاعَةٍ مِمَّنْ قَالَ: ذَلِكَ التَّمَنِّي مِنَ النَّبِيِّ ﷺ مَا حَدَّثَتْهُ نَفْسُهُ مِنْ مَحَبَّتِهِ مُقَارَبَةَ قَوْمِهِ فِي ذِكْرِ آلِهَتِهِمْ بِبَعْضِ مَا يُحِبُّونَ، وَمَنْ قَالَ: ذَلِكَ مَحَبَّةٌ مِنْهُ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ أَنْ لَا تُذْكَرَ بِسُوءٍ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: إِذَا قَرَأَ وَتَلَا أَوْ حَدَّثَ
١٦ ‏/ ٦٠٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ﴾ [الحج: ٥٢] يَقُولُ: «إِذَا حَدَّثَ أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي ⦗٦١٠⦘ حَدِيثِهِ»
١٦ ‏/ ٦٠٩
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿إِذَا تَمَنَّى﴾ [الحج: ٥٢] قَالَ: «إِذَا قَالَ» حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٦ ‏/ ٦١٠
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿إِلَّا إِذَا تَمَنَّى﴾ [الحج: ٥٢] «يَعْنِي بِالتَّمَنِّي: التِّلَاوَةَ وَالْقِرَاءَةَ» وَهَذَا الْقَوْلُ أَشْبَهُ بِتَأْوِيلِ الْكَلَامِ، بِدَلَالَةِ قَوْلُهُ: ﴿فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ﴾ [الحج: ٥٢] عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْآيَاتِ الَّتِي أَخْبَرَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّهُ يُحْكِمُهَا، لَا شَكَّ أَنَّهَا آيَاتُ تَنْزِيلِهِ، فَمَعْلُومٌ أَنَّ الَّذِيَ أَلْقَى فِيهِ الشَّيْطَانُ هُوَ مَا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَنَّهُ نَسَخَ ذَلِكَ مِنْهُ وَأَبْطَلَهُ ثُمَّ أَحْكَمَهُ بِنَسْخِهِ ذَلِكَ مِنْهُفَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ إِذَنْ: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَلَا
١٦ ‏/ ٦١٠
كِتَابَ اللَّهِ، وَقَرَأَ، أَوْ حَدَّثَ وَتَكَلَّمَ، أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي كِتَابِ اللَّهِ الَّذِي تَلَاهُ وَقَرَأَهُ أَوْ فِي حَدِيثِهِ الَّذِي حَدَّثَ وَتَكَلَّمَ. يَقُولُ تَعَالَى: فَيُذْهِبُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ وَيُبْطِلُهُ
١٦ ‏/ ٦١١
كَمَا: حَدَّثَنِي عَلِيُّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ﴾ [الحج: ٥٢] «فَيُبْطِلُ اللَّهُ مَا أَلْقَى الشَّيْطَانُ»
١٦ ‏/ ٦١١
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ﴾ [الحج: ٥٢] «نَسَخَ جِبْرِيلُ بِأَمْرِ اللَّهِ مَا أَلْقَى الشَّيْطَانُ عَلَى لِسَانِ النَّبِيِّ ﷺ، وَأَحْكَمَ اللَّهُ آيَاتِهِ»
١٦ ‏/ ٦١١
وَقَوْلُهُ: ﴿ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ﴾ [الحج: ٥٢] يَقُولُ: ثُمَّ يُخَلِّصُ اللَّهُ آيَاتِ كِتَابِهِ مِنَ الْبَاطِلِ الَّذِي أَلْقَى الشَّيْطَانُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ. ﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: ٩٥] بِمَا يَحْدُثُ فِي خَلْقِهِ مِنْ حَدَثٍ، لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهُ شَيْءٌ. ﴿حَكِيمٌ﴾ [البقرة: ٢٠٩] فِي تَدْبِيرِهِ إِيَّاهُمْ وَصَرْفِهِ لَهُمْ فِيمَا شَاءَ وَأَحَبَّ
١٦ ‏/ ٦١١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ﴾ [الحج: ٥٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ، ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ، كَيْ يَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّةِ نَبِيِّهِ مِنَ الْبَاطِلِ، كَقَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ: «تِلْكَ الْغَرَانِيقُ الْعُلَى، وَإِنَّ شَفَاعَتَهُنَّ لَتُرْتَجَى» . ﴿فِتْنَةً﴾ [البقرة: ١٠٢] يَقُولُ: اخْتِبَارًا يَخْتَبِرُ بِهِ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مِنَ النِّفَاقِ؛ وَذَلِكَ الشَّكُّ فِي صِدْقِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَحَقِيقَةِ مَا ⦗٦١٢⦘ يُخْبِرُهُمْ بِهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٦ ‏/ ٦١١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَتَمَنَّى أَنْ لَا يَعِيبَ اللَّهُ آلِهَةَ الْمُشْرِكِينَ، فَأَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ، فَقَالَ: «إِنَّ الْآلِهَةَ الَّتِي تَدَّعِي أَنَّ شَفَاعَتَهَا لَتُرْتَجَى وَإِنَّهَا لَلْغَرَانِيقُ الْعُلَى» . فَنَسَخَ اللَّهُ ذَلِكَ، وَأَحْكَمَ اللَّهُ آيَاتِهِ: ﴿أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى﴾ [النجم: ١٩] حَتَّى بَلَغَ: ﴿مِنْ سُلْطَانٍ﴾ [الأعراف: ٧١] قَالَ قَتَادَةُ: لَمَّا أَلْقَى الشَّيْطَانُ مَا أَلْقَى قَالَ الْمُشْرِكُونَ: قَدْ ذَكَرَ اللَّهُ آلِهَتَهُمْ بِخَيْرٍ فَفَرِحُوا بِذَلِكَ، فَذَكَرَ قَوْلُهُ: ﴿لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ﴾ [الحج: ٥٣]» حَدَّثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، بِنَحْوِهِ
١٦ ‏/ ٦١٢
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ﴾ [الحج: ٥٣] يَقُولُ: «وَلِلَّذِينَ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ عَنِ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ، فَلَا تَلِينُ وَلَا تَرْعَوِي، وَهُمُ الْمُشْرِكُونَ بِاللَّهِ» وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٦ ‏/ ٦١٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: ﴿وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ﴾ [الحج: ٥٣] قَالَ: «الْمُشْرِكُونَ»
١٦ ‏/ ٦١٣
وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ﴾ [الحج: ٥٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَإِنَّ مُشْرِكِي قَوْمِكَ يَا مُحَمَّدُ لَفِي خِلَافِ اللَّهِ فِي أَمْرِهِ، بَعِيدٍ مِنَ الْحَقِّ
١٦ ‏/ ٦١٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكِ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [الحج: ٥٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَكَيْ يَعْلَمَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِاللَّهِ أَنَّ الَّذِيَ أَنْزَلَهُ اللَّهُ مِنْ آيَاتِهِ الَّتِي أَحْكَمَهَا لِرَسُولِهِ وَنَسَخَ مَا أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِيهِ، أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِ رَبِّكَ يَا مُحَمَّدُ ﴿فَيُؤْمِنُوا بِهِ﴾ [الحج: ٥٤] يَقُولُ: فَيُصَدِّقُوا بِهِ. ﴿فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ﴾ [الحج: ٥٤] يَقُولُ: فَتَخْضَعَ لِلْقُرْآنِ قُلُوبُهُمْ، وَتُذْعِنَ بِالتَّصْدِيقِ بِهِ، وَالْإِقْرَارِ بِمَا فِيهِ. ﴿وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [الحج: ٥٤] وَإِنَّ اللَّهَ لَمُرْشِدُ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الْحَقِّ الْقَاصِدِ، وَالْحَقِّ الْوَاضِحِ، بِنَسْخِ مَا أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّةِ رَسُولِهِ، فَلَا يَضُرُّهُمْ كَيَدُ الشَّيْطَانِ وَإِلْقَاؤُهُ الْبَاطِلَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِمْوَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٦ ‏/ ٦١٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: ﴿وَلِيَعْلَمَ ⦗٦١٤⦘ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكِ﴾ [الحج: ٥٤] قَالَ: «يَعْنِي الْقُرْآنَ»
١٦ ‏/ ٦١٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ﴾ [الحج: ٥٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِاللَّهِ فِي شَكٍّ. ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْهَاءِ الَّتِي فِي قَوْلِهِ: ﴿مِنْهُ﴾ [البقرة: ٦٠] مِنْ ذِكْرِ مَا هِيَ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ مِنْ ذِكْرِ قَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ: «تِلْكَ الْغَرَانِيقُ الْعُلَى، وَإِنَّ شَفَاعَتَهُنَّ لَتُرْتَجَى»
١٦ ‏/ ٦١٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: “﴿وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ﴾ [الحج: ٥٥] مِنْ قَوْلِهِ: «تِلْكَ الْغَرَانِيقُ الْعُلَى، وَإِنَّ شَفَاعَتَهُنَّ تُرْتَجَى»
١٦ ‏/ ٦١٤
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ﴾ [الحج: ٥٥] قَالَ: «مِمَّا جَاءَ بِهِ إِبْلِيسُ لَا يَخْرُجُ مِنْ قُلُوبِهِمْ زَادَهُمْ ضَلَالَةً» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ هِيَ مِنْ ذِكْرِ سُجُودِ النَّبِيِّ ﷺ فِي النَّجْمِ
١٦ ‏/ ٦١٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ الصَّمَدِ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، قَالَ: ثنا أَبُو بِشْرٍ، عَنْ ⦗٦١٥⦘ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: ﴿وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ﴾ [الحج: ٥٥] قَالَ: «فِي مِرْيَةٍ مِنْ سُجُودِكَ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ هِيَ مِنْ ذِكْرِ الْقُرْآنِ
١٦ ‏/ ٦١٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: ﴿وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ﴾ [الحج: ٥٥] قَالَ: «مِنَ الْقُرْآنِ» وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالُ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ، قَوْلُ مَنْ قَالَ: هِيَ كِنَايَةٌ مِنْ ذِكْرِ الْقُرْآنِ الَّذِي أَحْكَمَ اللَّهُ آيَاتِهِ؛ وَذَلِكَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ ذِكْرِ قَوْلُهُ: ﴿وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ﴾ [الحج: ٥٤] أَقْرَبُ مِنْهُ مِنْ ذِكْرِ قَوْلُهُ: ﴿فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ﴾ [الحج: ٥٢] وَالْهَاءُ مِنْ قَوْلِهِ ﴿أَنَّهُ﴾ [الحج: ٥٤] مِنْ ذِكْرِ الْقُرْآنِ، فَإِلْحَاقُ الْهَاءِ فِي قَوْلِهِ: ﴿فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ﴾ [هود: ١٧] بِالْهَاءِ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ﴾ [الحج: ٥٤] أَوْلَى مِنْ إِلْحَاقِهَا بِـ (مَا) الَّتِي فِي قَوْلِهِ ﴿مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ﴾ [الحج: ٥٢] مَعَ بُعْدِ مَا بَيْنَهُمَا
١٦ ‏/ ٦١٥
وَقَوْلُهُ: ﴿حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ﴾ [الحج: ٥٥] يَقُولُ: لَا يَزَالُ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارُ فِي شَكٍّ مِنْ أَمْرِ هَذَا الْقُرْآنِ إِلَى أَنْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ ﴿بَغْتَةً﴾ [الأنعام: ٣١] وَهِيَ سَاعَةُ حَشْرِ النَّاسِ لِمَوْقِفِ الْحِسَابِ بَغْتَةً، يَقُولُ: فَجْأَةً. ﴿أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ﴾ [الحج: ٥٥] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي هَذَا الْيَوْمِ، أَيُّ يَوْمٍ هُوَ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ
١٦ ‏/ ٦١٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: ثنا شَيْخٌ مِنْ أَهْلِ خُرَاسَانَ مِنَ الْأَزْدِ يُكْنَى أَبَا سَاسَانَ قَالَ: سَأَلْتُ الضَّحَّاكَ، عَنْ قَوْلِهِ: ﴿عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ﴾ [الحج: ٥٥] قَالَ: «عَذَابُ يَوْمٍ لَا لَيْلَةَ بَعْدَهُ»
١٦ ‏/ ٦١٦
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثنا أَبُو تُمَيْلَةَ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ جَابِرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ «أَنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا لَيْلَةَ لَهُ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عُنِيَ بِهِ يَوْمُ بَدْرٍ. وَقَالُوا: إِنَّمَا قِيلَ لَهُ يَوْمٌ عَقِيمٌ، أَنَّهُمْ لَمْ يُنْظَرُوا إِلَى اللَّيْلِ، فَكَانَ لَهُمْ عَقِيمًا
١٦ ‏/ ٦١٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: ﴿عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ﴾ [الحج: ٥٥] «يَوْمُ بَدْرٍ»
١٦ ‏/ ٦١٦
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: ﴿أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ﴾ [الحج: ٥٥] قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: «يَوْمٌ لَيْسَ فِيهِ لَيْلَةٌ، لَمْ يُنْظَرُوا إِلَى اللَّيْلِ. ⦗٦١٧⦘ قَالَ مُجَاهِدٌ: عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ»
١٦ ‏/ ٦١٦
قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثنا أَبُو تُمَيْلَةَ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ مُجَاهِدٌ: «يَوْمُ بَدْرٍ»
١٦ ‏/ ٦١٧
حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ، قَالَ: ثنا ابْنُ إِدْرِيسَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ﴾ [الحج: ٥٥] قَالَ: «يَوْمُ بَدْرٍ»
١٦ ‏/ ٦١٧
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ: ﴿عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ﴾ [الحج: ٥٥] قَالَ: هُوَ «يَوْمُ بَدْرٍ» ذَكَرَهُ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ “
١٦ ‏/ ٦١٧
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: ﴿عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ﴾ [الحج: ٥٥] قَالَ: “هُوَ يَوْمُ بَدْرٍ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَهَذَا الْقَوْلُ الثَّانِي أَوْلَى بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ لِأَنْ يُقَالَ: لَا يَزَالُونَ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً، أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ؛ وَذَلِكَ أَنَّ السَّاعَةَ هِيَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، فَإِنْ كَانَ الْيَوْمُ الْعَقِيمُ أَيْضًا هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَإِنَّمَا مَعْنَاهُ مَا قُلْنَا مِنْ تَكْرِيرِ ذِكْرِ السَّاعَةِ مَرَّتَيْنِ بِاخْتِلَافِ الْأَلْفَاظِ، وَذَلِكَ مَا لَا مَعْنَى لَهُ. فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ بِهِ أَصَحُّهُمَا مَعْنًى، وَأَشْبَهُهُمَا بِالْمَعْرُوفِ فِي الْخِطَابِ، وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا فِي ⦗٦١٨⦘ مَعْنَاهُ. فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ إِذَنْ: وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ، حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً فَيَصِيرُوا إِلَى الْعَذَابِ الْعَقِيمِ، أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ لَهُ، فَلَا يُنْظَرُوا فِيهِ إِلَى اللَّيْلِ، وَلَا يُؤَخَّرُوا فِيهِ إِلَى الْمَسَاءِ، لَكِنَّهُمْ يُقْتَلُونَ قَبْلَ الْمَسَاءِ
١٦ ‏/ ٦١٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾ [الحج: ٥٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: السُّلْطَانُ وَالْمُلْكُ إِذَا جَاءَتِ السَّاعَةُ لِلَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَلَا يُنَازِعُهُ يَوْمَئِذٍ مُنَازِعٌ، وَقَدْ كَانَ فِي الدُّنْيَا مُلُوكٌ يُدْعَوْنَ بِهَذَا الِاسْمِ، وَلَا أَحَدَ يَوْمَئِذٍ يُدْعَى مَلِكًا سِوَاهُ. ﴿يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ﴾ [البقرة: ١١٣] يَقُولُ: يَفْصِلُ بَيْنَ خَلْقِهِ الْمُشْرِكِينَ بِهِ وَالْمُؤْمِنِينَ. ﴿فَالَّذِينَ آمَنُوا﴾ [الأعراف: ١٥٧] بِهَذَا الْقُرْآنِ، وَبِمَنْ أَنْزَلَهُ، وَمَنْ جَاءَ بِهِ، وَعَمِلُوا بِمَا فِيهِ مِنْ حَلَالِهِ، وَحَرَامِهِ، وَحُدُودِهِ وَفَرَائِضِهِ ﴿فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ﴾ [يونس: ٩] يَوْمَئِذٍ. ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [البقرة: ٣٩] بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، ﴿وَكَذَّبُوا﴾ [البقرة: ٣٩] بِآيَاتِ كِتَابِهِ وَتَنْزِيلِهِ، وَقَالُوا: لَيْسَ ذَلِكَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، إِنَّمَا هُوَ إِفْكٌ افْتَرَاهُ مُحَمَّدٌ، وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ ﴿فَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾ [الحج: ٥٧] . يَقُولُ: فَالَّذِينَ هَذِهِ صِفَتُهُمْ لَهُمْ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابٌ مُهِينٌ، يَعْنِي عَذَابٌ مُذِلٌّ فِي جَهَنَّمَ
١٦ ‏/ ٦١٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾ [الحج: ٥٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَالَّذِينَ فَارَقُوا أَوْطَانَهُمْ وَعَشَائِرَهُمْ فَتَرَكُوا ذَلِكَ فِي
١٦ ‏/ ٦١٨
رِضَا اللَّهِ وَطَاعَتِهِ، وَجِهَادِ أَعْدَائِهِ، ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا وَهُمْ كَذَلِكَ، ﴿لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ﴾ [الحج: ٥٨] يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي جَنَّاتِهِ ﴿رِزْقًا حَسَنًا﴾ [هود: ٨٨] يَعْنِي بِالْحَسَنِ: الْكَرِيمَ؛ وَإِنَّمَا يَعْنِي بِالرِّزْقِ الْحَسَنِ: الثَّوَابَ الْجَزِيلَ. وَذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ اخْتَلَفُوا فِي حُكْمِ مَنْ مَاتَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: سَوَاءٌ الْمَقْتُولُ مِنْهُمْ وَالْمَيِّتُ، وَقَالَ آخَرُونَ: الْمَقْتُولُ أَفْضَلُ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ عَلَى نَبِيِّهِ ﷺ، يُعَلِّمُهُمُ اسْتِوَاءَ أَمْرِ الْمَيِّتِ فِي سَبِيلِهِ، وَالْمَقْتُولِ فِيهَا فِي الثَّوَابِ عِنْدَهُ
١٦ ‏/ ٦١٩
وَقَدْ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ شُرَيْحٍ، عَنْ سَلَامَانَ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: كَانَ فَضَالَةُ بِرُودِسَ أَمِيرًا عَلَى الْأَرْبَاعِ، فَخَرَجَ بِجِنَازَتَيْ رَجُلَيْنِ، أَحَدُهُمَا قَتِيلٌ، وَالْآخَرُ مُتَوَفًّى؛ فَرَأَى مِيلَ النَّاسِ مَعَ جَنَازَةِ الْقَتِيلِ إِلَى حُفْرَتِهِ، فَقَالَ: “أَرَاكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ تَمِيلُونَ مَعَ الْقَتِيلِ، وَتُفَضِّلُونَهُ عَلَى أَخِيهِ الْمُتَوَفَّى؟ فَقَالُوا: هَذَا الْقَتِيلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. فَقَالَ: فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا أُبَالِي مِنْ أَيِّ حُفْرَتَيْهِمَا بُعِثْتُ اقْرَءُوا قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا﴾ [الحج: ٥٨] . إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَإِنَّ اللَّهَ لعليمٌ حَلِيمٌ﴾ [الحج: ٥٩] يَقُولُ: وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ مَنْ بَسَطَ فَضْلَهُ عَلَى أَهْلِ طَاعَتِهِ وَأَكْرَمَهُمْ
١٦ ‏/ ٦١٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ ⦗٦٢٠⦘ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ﴾ [الحج: ٥٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: لَيُدْخِلَنَّ اللَّهُ الْمَقْتُولَ فِي سَبِيلِهِ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْمَيِّتَ مِنْهُمْ ﴿مُدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ﴾ [الحج: ٥٩] وَذَلِكَ الْمُدْخَلُ هُوَ الْجَنَّةُ. ﴿وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ﴾ [الحج: ٥٩] بِمَنْ يُهَاجِرُ فِي سَبِيلِهِ مِمَّنْ يَخْرُجُ مِنْ دَارِهِ طَلَبَ الْغَنِيمَةِ أَوْ عَرَضٍ مِنْ عُرُوضِ الدُّنْيَا. ﴿حَلِيمٌ﴾ [البقرة: ٢٢٥] عَنْ عُصَاةِ خَلْقِهِ، بِتَرْكِهِ مُعَاجَلَتَهُمْ بِالْعُقُوبَةِ وَالْعَذَابِ
١٦ ‏/ ٦١٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ﴾ [الحج: ٦٠] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿ذَلِكَ﴾ [البقرة: ٢] لِهَذَا، لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا، وَلَهُمْ مَعَ ذَلِكَ أَيْضًا أَنَّ اللَّهَ يَعِدُهُمُ النَّصْرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ بَغَوْا عَلَيْهِمْ فَأَخْرَجُوهُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ
١٦ ‏/ ٦٢٠
كَمَا: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: ﴿ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ﴾ [الحج: ٦٠] قَالَ: «هُمُ الْمُشْرِكُونَ بَغَوْا عَلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَوَعَدَهُ اللَّهُ أَنْ يَنْصُرَهُ، وَقَالَا فِي الْقِصَاصِ أَيْضًا» وَكَانَ بَعْضُهُمْ يَزْعُمُ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ لَقُوا قَوْمًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ لِلَيْلَتَيْنِ بَقِيَتَا مِنَ الْمُحَرَّمِ، وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يَكْرَهُونَ الْقِتَالَ يَوْمَئِذٍ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ، فَسَأَلَ الْمُسْلِمُونَ الْمُشْرِكِينَ أَنْ يَكُفُّوا عَنْ قِتَالِهِمْ مِنْ أَجْلِ حُرْمَةِ الشَّهْرِ، فَأَبَى الْمُشْرِكُونَ ذَلِكَ، وَقَاتَلُوهُمْ فَبَغَوْا عَلَيْهِمْ، وَثَبَتَ الْمُسْلِمُونَ لَهُمْ، فَنُصِرُوا عَلَيْهِمْ، ⦗٦٢١⦘ فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ﴾ [الحج: ٦٠] بِأَنْ بُدِئَ بِالْقِتَالِ وَهُوَ لَهُ كَارِهٌ، ﴿لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ﴾ [الحج: ٦٠]
١٦ ‏/ ٦٢٠
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ﴾ [الحج: ٦٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ اللَّهَ لَذُو عَفْو، وَصَفْحٍ لِمَنِ انْتَصَرَ مِمَّنْ ظَلَمَهُ مِنْ بَعْدِ مَا ظَلَمَهُ الظَّالِمُ بِحَقٍّ، غَفُورٌ لِمَا فَعَلَ بِبَادِئِهِ بِالظُّلْمِ مِثْلَ الَّذِي فَعَلَ بِهِ، غَيْرُ مُعَاقِبِهِ عَلَيْهِ
١٦ ‏/ ٦٢١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ﴾ [الحج: ٦١] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿ذَلِكَ﴾ [البقرة: ٢] هَذَا النَّصْرُ الَّذِي أَنْصُرُهُ عَلَى مَنْ بُغِيَ عَلَيْهِ عَلَى الْبَاغِي، لِأَنِّي الْقَادِرُ عَلَى مَا أَشَاءُ. فَمِنْ قُدْرَتِهِ أَنَّ اللَّهَ ﴿يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ﴾ [الحج: ٦١] يَقُولُ: يُدْخِلُ مَا يَنْقُصُ مِنْ سَاعَاتِ اللَّيْلِ فِي سَاعَاتِ النَّهَارِ، فَمَا نَقَصَ مِنْ هَذَا زَادَ فِي هَذَا ﴿وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ﴾ [الحج: ٦١] وَيُدْخِلُ مَا انْتَقَصَ مِنْ سَاعَاتِ النَّهَارِ فِي سَاعَاتِ اللَّيْلِ، فَمَا نَقَصَ مِنْ طُولِ هَذَا زَادَ فِي طُولِ هَذَا، وَبِالْقُدْرَةِ الَّتِي يَفْعَلُ ذَلِكَ يَنْصُرُ مُحَمَّدًا ﷺ وَأَصْحَابَهُ عَلَى الَّذِينَ بَغَوْا عَلَيْهِمْ، فَأَخْرَجُوهُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ. يَقُولُ: وَفَعَلَ ذَلِكَ أَيْضًا بِأَنَّهُ ذُو سَمْعٍ لِمَا يَقُولُونَ مِنْ قَوْلٍ، لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهُ شَيْءٌ، بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ، لَا يَغِيبُ عَنْهُ مِنْهُ شَيْءٌ، كُلُّ ذَلِكَ مَعَهُ بِمَرْأًى وَمَسْمَعٍ، وَهُوَ الْحَافِظُ لِكُلِّ ذَلِكَ، حَتَّى يُجَازِي جَمِيعَهُمْ عَلَى مَا قَالُوا وَعَمِلُوا مِنْ قَوْلٍ وَعَمَلٍجَزَاءَهُ
١٦ ‏/ ٦٢١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ﴾ [الحج: ٦٢]⦗٦٢٢⦘ يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ ﴿ذَلِكَ﴾ [البقرة: ٢] هَذَا الْفِعْلَ الَّذِي فَعَلْتُ مِنْ إِيلَاجِي اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ، وَإِيلَاجِي النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ؛ لِأَنِّي أَنَا الْحَقُّ الَّذِي لَا مِثْلَ لِي، وَلَا شَرِيكَ، وَلَا نِدَّ، وَأَنَّ الَّذِي يَدْعُوهُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ إِلَهًا مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى صَنْعَةِ شَيْءٍ، بَلْ هُوَ الْمَصْنُوعُ، يَقُولُ لَهُمْ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَفَتَتْرُكُونَ أَيُّهَا الْجُهَّالُ عِبَادَةَ مَنْ مِنْهُ النَّفْعُ، وَبِيَدِهِ الضُّرُّ، وَهُوَ الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، وَكُلُّ شَيْءٍ دُونَهُ، وَتَعْبُدُونَ الْبَاطِلَ الَّذِي لَا تَنْفَعُكُمْ عِبَادَتُهُ.
١٦ ‏/ ٦٢١

وَقَوْلُهُ: ﴿وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ﴾ [الحج: ٦٢] يَعْنِي بِقَوْلِهِ: ﴿الْعَلِيُّ﴾ [البقرة: ٢٥٥] ذُو الْعُلُوِّ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، هُوَ فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ، وَكُلُّ شَيْءٍ دُونَهُ ﴿الْكَبِيرُ﴾ [الرعد: ٩] يَعْنِي الْعَظِيمَ، الَّذِي كُلُّ شَيْءٍ دُونَهُ، وَلَا شَيْءَ أَعْظَمُ مِنْهُ

وَكَانَ ابْنُ جُرَيْجٍ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ﴾ [الحج: ٦٢]

١٦ ‏/ ٦٢٢
مَا: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ﴾ [الحج: ٦٢] قَالَ: «الشَّيْطَانُ» وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ﴾ [الحج: ٦٢] فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْعِرَاقِ وَالْحِجَازِ: (تَدْعُونَ) بِالتَّاءِ عَلَى وَجْهِ الْخَطَّابِ؛ وَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْعِرَاقِ غَيْرَ عَاصِمٍ بِالْيَاءِ عَلَى وَجْهِ الْخَبَرِ، وَالْيَاءُ أَعْجَبُ الْقِرَاءَتَيْنِ إِلَيَّ، لِأَنَّ ⦗٦٢٣⦘ ابْتِدَاءَ الْخَبَرِ عَلَى وَجْهِ الْخَطَّابِ
١٦ ‏/ ٦٢٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ﴾ [الحج: ٦٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿أَلَمْ تَرَ﴾ [البقرة: ٢٤٣] يَا مُحَمَّدُ ﴿أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً﴾ [الحج: ٦٣] يَعْنِي مَطَرًا، ﴿فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً﴾ [الحج: ٦٣] بِمَا يَنْبُتُ فِيهَا مِنَ النَّبَاتِ. قَالَ: ﴿فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ﴾ [الحج: ٦٣] فَرَفَعَ، وَقَدْ تَقَدَّمَهُ قَوْلُهُ: ﴿أَلَمْ تَرَ﴾ [البقرة: ٢٤٣] وَإِنَّمَا قِيلَ ذَلِكَ كَذَلِكَ لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ الْخَبَرُ، كَأَنَّهُ قِيلَ: اعْلَمْ يَا مُحَمَّدُ أَنَّ اللَّهَ يُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ؛ وَنَظِيرُ ذَلِكَ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
[البحر الطويل] أَلَمْ تَسْأَلِ الرَّبْعَ الْقَدِيمَ فَيَنْطِقُ؟ … وَهَلْ تُخْبِرَنْكَ الْيَوْمَ بَيْدَاءُ سَمْلَقُ؟
لِأَنَّ مَعْنَاهُ: قَدْ سَأَلْتُهُ فَنَطَقَ. ﴿إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ﴾ [الحج: ٦٣] بِاسْتِخْرَاجِ النَّبَاتِ مِنَ الْأَرْضِ بِذَلِكَ الْمَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ ابْتِدَاعِ مَا شَاءَ أَنْ يَبْتَدِعَهُ. ﴿خَبِيرٌ﴾ [البقرة: ٢٣٤] بِمَا يَحْدُثُ عَنْ ذَلِكَ النَّبْتِ مِنَ الْحَبِّ وَبِهِ
١٦ ‏/ ٦٢٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: لَهُ مُلْكُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَيْءٍ، هُمْ ⦗٦٢٤⦘ عَبِيدُهُ وَمَمَالِيكُهُ وَخَلْقُهُ، لَا شَرِيكَ لَهُ فِي ذَلِكَ وَلَا فِي شَيْءٍ مِنْهُ، وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ عَنْ كُلِّ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ خَلْقِهِ، وَهُمُ الْمُحْتَاجُونَ إِلَيْهِ، الْحَمِيدُ عِنْدَ عِبَادِهِ فِي إِفْضَالِهِ عَلَيْهِمْ، وَأَيَادِيهِ عِنْدَهُمْ
١٦ ‏/ ٦٢٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ مَا فِي الْأَرْضِ مِنَ الدَّوَابِّ وَالْبَهَائِمِ، فَذَلِكَ كُلُّهُ لَكُمْ ، تُصَرِّفُونَهُ فِيمَا أَرَدْتُمْ مِنْ حَوَائِجِكُمْ. ﴿وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ﴾ [الحج: ٦٥] يَقُولُ: وَسَخَّرَ لَكُمُ السُّفُنَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ، يَعْنِي بِقُدْرَتِهِ، وَتَذْلِيلِهِ إِيَّاهَا لَكُمْ كَذَلِكَ. وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿وَالْفُلْكَ تَجْرِي﴾ [الحج: ٦٥] فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ: (وَالْفُلْكَ) نَصَبًا، بِمَعْنَى سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ، وَالْفُلْكُ عَطْفًا عَلَى (مَا)، وَعَلَى تَكْرِيرِ (أَنَّ) وَأَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي. وَرُوِيَ عَنِ الْأَعْرَجِ أَنَّهُ قَرَأَ ذَلِكَ رَفْعًا عَلَى الِابْتِدَاءِ. وَالنَّصْبُ هُوَ الْقِرَاءَةُ عِنْدَنَا فِي ذَلِكَ لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَيْهِ. ﴿وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ﴾ [الحج: ٦٥] يَقُولُ: وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ بِقُدْرَتِهِ كَيْ لَا تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ. وَمَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿أَنْ تَقَعَ﴾ [الحج: ٦٥] أَنْ لَا تَقَعَ
١٦ ‏/ ٦٢٤
﴿إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ بِمَعْنَى: أَنَّهُ بِهِمْ لَذُو رَأْفَةٍ وَرَحْمَةٍ؛ فَمِنْ رَأْفَتِهِ بِهِمْ، وَرَحْمَتِهِ لَهُمْ، أَمْسَكَ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ، وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا وَصَفَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ تَفَضُّلًا مِنْهُ عَلَيْكُمْ بِذَلِكَ
١٦ ‏/ ٦٢٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَهُوَ الَّذِي أَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ الْإِنسَانَ لَكَفُورٌ لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ﴾ [الحج: ٦٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَاللَّهُ الَّذِي أَنْعَمَ عَلَيْكُمْ هَذِهِ النِّعَمَ، هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ أَجْسَامًا أَحْيَاءً، بِحَيَاةٍ أَحْدَثَهَا فِيكُمْ، وَلَمْ تَكُونُوا شَيْئًا، ثُمَّ هُوَ يُمِيتُكُمْ مِنْ بَعْدِ حَيَاتِكُمْ فَيُفْنِيكُمْ عِنْدَ مَجِيءِ آجَالِكُمْ، ثُمَّ يُحْيِيكُمْ بَعْدَ مَمَاتِكُمْ عِنْدَ بَعْثِكُمْ لَقِيَامِ السَّاعَةِ ﴿إِنَّ الْإِنسَانَ لَكَفُورٌ﴾ [الحج: ٦٦] يَقُولُ: إِنَّ ابْنَ آدَمَ لَجَحُودٌ لِنِعَمِ اللَّهِ الَّتِي أَنْعَمَ بِهَا عَلَيْهِ مِنْ حُسْنِ خَلْقِهِ إِيَّاهُ، وَتَسْخِيرِهِ لَهُ مَا سَخَّرَ مِمَّا فِي الْأَرْضِ وَالْبَرِّ وَالْبَحْرِ، وَتَرْكِهِ إِهْلَاكَهُ بِإِمْسَاكِهِ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ بِعِبَادَتِهِ غَيْرَهُ مِنَ الْآلِهَةِ وَالْأَنْدَادِ، وَتَرْكِهِ إِفْرَادَهُ بِالْعِبَادَةِ، وَإِخْلَاصَ التَّوْحِيدِ لَهُ
١٦ ‏/ ٦٢٥
وَقَوْلُهُ: ﴿لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا﴾ [الحج: ٦٧] يَقُولُ: لِكُلِّ جَمَاعَةِ قَوْمٍ هِيَ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكَ، جَعَلْنَا مَأْلَفًا يَأْلَفُونَهُ، وَمَكَانًا يَعْتَادُونَهُ لِعِبَادَتِي فِيهِ، وَقَضَاءِ فَرَائِضِي، وَعَمَلًا يَلْزَمُونَهُ. وَأَصْلُ الْمَنْسَكِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الْمَوْضِعُ الْمَعْتَادُ الَّذِي يَعْتَادُهُ الرَّجُلُ وَيَأْلَفُهُ
١٦ ‏/ ٦٢٥
لَخَيْرٍ أَوْ شَرٍّ؛ يُقَالُ: إِنَّ لِفُلَانٍ مَنْسَكًا يَعْتَادُهُ: يُرَادُ مَكَانًا يَغْشَاهُ وَيَأْلَفُهُ لَخَيْرٍ أَوْ شَرٍّ. وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ مَنَاسِكُ الْحَجِّ بِذَلِكَ، لِتَرَدُّدِ النَّاسِ إِلَى الْأَمَاكِنِ الَّتِي تُعْمَلُ فِيهَا أَعْمَالُ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ. وَفِيهِ لُغَتَانِ: (مَنْسِكٌ): بِكَسْرِ السِّينِ وَفَتْحِ الْمِيمِ، وَذَلِكَ مِنْ لُغَةِ أَهْلِ الْحِجَازِ، وَ: (مَنْسَكٌ): بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالسِّينِ جَمِيعًا، وَذَلِكَ مِنْ لُغَةِ أَسَدٍ وَقَدْ قُرِئَ بِاللُّغَتَيْنِ جَمِيعًا. وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمَعْنِيِّ بِقَوْلِهِ: ﴿لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا﴾ [الحج: ٦٧] أَيُّ الْمَنَاسِكِ عُنِيَ بِهِ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عُنِيَ بِهِ: عِيدُهُمُ الَّذِي يَعْتَادُونَهُ
١٦ ‏/ ٦٢٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، «قَوْلُهُ: ﴿لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ﴾ [الحج: ٦٧] يَقُولُ: عِيدًا» وَقَالَ آخَرُونَ: عُنِيَ بِهِ ذَبْحٌ يَذْبَحُونَهُ، وَدَمٌ يُهْرِيقُونَهُ
١٦ ‏/ ٦٢٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ يَمَانٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ﴾ [الحج: ٦٧] قَالَ: «إِرَاقَةُ الدَّمِ بِمَكَّةَ»
١٦ ‏/ ٦٢٦
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثنا عِيسَى وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثنا الْحَسَنُ قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿هُمْ نَاسِكُوهُ﴾ [الحج: ٦٧] قَالَ: «إِهْرَاقُ دِمَاءِ الْهَدْيِ»
١٦ ‏/ ٦٢٧
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿مَنْسَكًا﴾ [الحج: ٣٤] قَالَ: «ذَبْحًا وَحَجًّا» وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: عُنِيَ بِذَلِكَ إِرَاقَةُ الدَّمِ أَيَّامَ النَّحْرِ بِمِنًى؛ لِأَنَّ الْمَنَاسِكَ الَّتِي كَانَ الْمُشْرِكُونَ جَادَلُوا فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَتْ إِرَاقَةَ الدَّمِ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ، عَلَى أَنَّهُمْ قَدْ كَانُوا جَادَلُوهُ فِي إِرَاقَةِ الدِّمَاءِ الَّتِي هِيَ دِمَاءُ ذَبَائِحِ الْأَنْعَامِ، بِمَا قَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ. غَيْرَ أَنَّ تِلْكَ لَمْ تَكُنْ مَنَاسِكَ، فَأَمَّا الَّتِي هِيَ مَنَاسِكُ فَإِنَّمَا هِيَ هَدَايَا أَوْ ضَحَايَا؛ وَلِذَلِكَ قُلْنَا: عُنِيَ بِالْمَنْسَكِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ الذَّبْحُ، الَّذِي هُوَ بِالصِّفَةِ الَّتِي وَصَفْنَا
١٦ ‏/ ٦٢٧
وَقَوْلُهُ: ﴿فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ﴾ [الحج: ٦٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَلَا يُنَازِعُنَّكَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ بِاللَّهِ يَا مُحَمَّدُ فِي ذَبْحِكَ وَمَنْسَكِكَ بِقَوْلِهِمْ: أَتَأْكُلُونَ مَا قَتَلْتُمْ، وَلَا تَأْكُلُونَ الْمَيْتَةَ الَّتِي قَتَلَهَا اللَّهُ؟ فَإِنَّكَ أَوْلَى بِالْحَقِّ مِنْهُمْ، لِأَنَّكَ مُحِقٌّ وَهُمْ مُبْطِلُونَ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٦ ‏/ ٦٢٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ ⦗٦٢٨⦘ مُجَاهِدٍ: «﴿فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ﴾ [الحج: ٦٧] قَالَ: الذَّبْحُ»
١٦ ‏/ ٦٢٧
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ﴾ [الحج: ٦٧] فَلَا تَتَحَامَ لَحْمَكَ»
١٦ ‏/ ٦٢٨
وَقَوْلُهُ: ﴿وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ﴾ [الحج: ٦٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَادْعُ يَا مُحَمَّدُ مُنَازِعِيكَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ بِاللَّهِ فِي نُسُكِكَ وَذَبْحِكَ إِلَى اتِّبَاعِ أَمْرِ رَبِّكَ فِي ذَلِكَ بِأَنْ لَا يَأْكُلُوا إِلَّا مَا ذَبَحُوهُ بَعْدَ اتِّبَاعِكَ، وَبَعْدَ التَّصْدِيقِ بِمَا جِئْتَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَتَجَنَّبُوا الذَّبْحَ لِلْآلِهَةِ وَالْأَوْثَانِ، وَتَبَرَّوْا مِنْهَا، إِنَّكَ لَعَلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ غَيْرِ زَائِلٍ عَنْ مَحَجَّةِ الْحَقِّ، وَالصَّوَابِ فِي نُسُكِكَ الَّذِي جَعَلَهُ لَكَ وَلِأُمَّتِكَ رَبُّكَ، وَهُمُ الضُّلَّالُ عَلَى قَصْدِ السَّبِيلِ، لِمُخَالَفَتِهِمْ أَمْرَ اللَّهِ فِي ذَبَائِحِهِمْ وَمَطَاعِمِهِمْ وَعِبَادَتِهِمُ الْآلِهَةَ
١٦ ‏/ ٦٢٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِنْ جَادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾ [الحج: ٦٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: وَإِنْ جَادَلَكَ يَا مُحَمَّدُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ بِاللَّهِ فِي نُسُكِكَ، فَقُلِ: اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ وَنَعْمَلُ
١٦ ‏/ ٦٢٨
كَمَا حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَإِنْ جَادَلُوكَ﴾ [الحج: ٦٨] قَالَ: “قَوْلُ أَهْلِ الشِّرْكِ: أَمَّا مَا ذَبَحَ اللَّهُ ⦗٦٢٩⦘ بِيَمِينِهِ. ﴿فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ [الحج: ٦٨] لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ
١٦ ‏/ ٦٢٨
وَقَوْلُهُ: ﴿اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾ [الحج: ٦٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَاللَّهُ يَقْضِي بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ مِنْ أَمْرِ دِينِكُمْ تَخْتَلِفُونَ، فَتَعْلَمُونَ حِينَئِذٍ أَيُّهَا الْمُشْرِكُونَ الْمُحِقَّ مِنَ الْمُبْطِلِ
١٦ ‏/ ٦٢٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾ [الحج: ٧٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَلَمْ تَعْلَمْ يَا مُحَمَّدُ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ كُلَّ مَا فِي السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَالْأَرَضِينَ السَّبْعِ، لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ، وَهُوَ حَاكِمٌ بَيْنَ خَلْقِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، عَلَى عِلْمٍ مِنْهُ بِجَمِيعِ مَا عَمِلُوهُ فِي الدُّنْيَا، فَمُجَازِي الْمُحْسِنَ مِنْهُمْ بِإِحْسَانِهِ، وَالْمُسِيءَ بِإِسَاءَتِهِ. ﴿إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ﴾ [الحج: ٧٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ عَلِمَهُ بِذَلِكَ فِي كِتَابٍ، وَهُوَ أُمُّ الْكِتَابِ الَّذِي كَتَبَ فِيهِ رَبُّنَا جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ خَلْقَهُ مَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ
١٦ ‏/ ٦٢٩
كَمَا: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا مُبَشِّرُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ⦗٦٣٠⦘ الْحَلَبِيُّ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنْ عَبْدَةَ بْنِ أَبِي لُبَابَةَ، قَالَ: «عَلِمَ اللَّهُ مَا هُوَ خَالِقٌ وَمَا الْخَلْقُ عَامِلُونَ، ثُمَّ كَتَبَهُ، ثُمَّ قَالَ لِنَبِيِّهِ: ﴿أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾ [الحج: ٧٠]»
١٦ ‏/ ٦٢٩
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني مُيَسَّرٌ، عَنْ أَرْطَأَةَ بْنِ الْمُنْذِرِ، قَالَ: سَمِعْتُ ضَمْرَةَ بْنَ حَبِيبٍ، يَقُولُ: «إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى عَرْشِهِ عَلَى الْمَاءِ، وَخَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ، وَخَلَقَ الْقَلَمَ فَكَتَبَ بِهِ مَا هُوَ كَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ، ثُمَّ إِنَّ ذَلِكَ الْكِتَابَ سَبَّحَ اللَّهَ وَمَجَّدَهُ أَلْفَ عَامٍ، قَبْلَ أَنْ يَبْدَأَ شَيْئًا مِنَ الْخَلْقِ»
١٦ ‏/ ٦٣٠
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَيَّارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، «أَنَّهُ سَأَلَ كَعْبَ الْأَحْبَارِ عَنْ أُمِّ الْكِتَابِ، فَقَالَ: عَلِمَ اللَّهُ مَا هُوَ خَالِقٌ وَمَا خَلْقُهُ عَامِلُونَ، فَقَالَ لَعِلْمِهِ: كُنْ كِتَابًا» وَكَانَ ابْنُ جُرَيْجٍ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ﴾ [الحج: ٧٠]
١٦ ‏/ ٦٣٠
مَا حَدَّثَنَا بِهِ الْقَاسِمُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: «﴿إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ﴾ [الحج: ٧٠] قَالَ: قَوْلُهُ: ﴿اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾ [الحج: ٦٩]» وَإِنَّمَا اخْتَرْنَا الْقَوْلَ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، لِأَنَّ قَوْلُهُ: ﴿إِنَّ ذَلِكَ﴾ [الحج: ٧٠] إِلَى قَوْلِهِ ⦗٦٣١⦘: ﴿أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾ [الحج: ٧٠] أَقْرَبُ مِنْهُ إِلَى قَوْلِهِ: ﴿اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾ [الحج: ٦٩] فَكَانَ إِلْحَاقُ ذَلِكَ بِمَا هُوَ أَقْرَبُ إِلَيْهِ أَوْلَى مِنْهُ بِمَا بَعْدُ
١٦ ‏/ ٦٣٠
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾ [الحج: ٧٠] اخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: إِنَّ الْحُكْمَ بَيْنَ الْمُخْتَلِفِينَ فِي الدُّنْيَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ
١٦ ‏/ ٦٣١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: ﴿إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾ [الحج: ٧٠] قَالَ: «حُكْمُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ قَالَ بَيْنَ ذَلِكَ: ﴿أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ﴾ [الحج: ٧٠]» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: إِنَّ كِتَابَ الْقَلَمِ الَّذِي أَمَرَهُ اللَّهُ أَنْ يَكْتُبَ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ مَا هُوَ كَائِنٌ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ، يَعْنِي: هَيِّنٌ. وَهَذَا الْقَوْلُ الثَّانِي أَوْلَى بِتَأْوِيلِ ذَلِكَ، وَذَلِكَ أَنَّ قَوْلُهُ: ﴿إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾ [الحج: ٧٠] . إِلَى قَوْلِهِ: ﴿إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ﴾ [الحج: ٧٠] أَقْرَبُ وَهُوَ لَهُ مُجَاوِرٌ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ [الحج: ٦٩] مُتَبَاعِدٌ مَعَ دُخُولِ قَوْلُهُ: ﴿أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾ [الحج: ٧٠] بَيْنَهُمَا؛ فَإِلْحَاقُهُ بِمَا هُوَ أَقْرَبُ أَوْلَى مَا وُجِدَ لِلْكَلَامِ، وَهُوَ كَذَلِكَ مُخَرَّجٌ فِي التَّأْوِيلِ صَحِيحٌ
١٦ ‏/ ٦٣١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ﴾ [الحج: ٧١]⦗٦٣٢⦘ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَيَعْبُدُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ بِاللَّهِ مِنْ دُونِهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَهُمْ حُجَّةً مِنَ السَّمَاءِ فِي كِتَابٍ مِنْ كُتُبِهِ الَّتِي أَنْزَلَهَا إِلَى رُسُلِهِ، بِأَنَّهَا آلِهَةٌ تَصْلُحُ عِبَادَتُهَا فَيَعْبُدُوهَا، بِأَنَّ اللَّهَ أَذِنَ لَهُمْ فِي عِبَادَتِهَا، وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ أَنَّهَا آلِهَةٌ. ﴿وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ﴾ [الحج: ٧١] يَقُولُ: وَمَا لِلْكَافِرِينَ بِاللَّهِ الَّذِينَ يَعْبُدُونَ هَذِهِ الْأَوْثَانَ مِنْ نَاصِرٍ يَنْصُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُنْقِذُهُمْ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ، وَيَدْفَعُ عَنْهُمْ عِقَابَهُ إِذَا أَرَادَ عِقَابَهُمْ
١٦ ‏/ ٦٣١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ [الحج: ٧٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَإِذَا تُتْلَى عَلَى مُشْرِكِي قُرَيْشٍ الْعَابِدِينَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا ﴿آيَاتُنَا﴾ [البقرة: ١٥١] يَعْنِي: آيَاتِ الْقُرْآنِ، ﴿بَيِّنَاتٍ﴾ [البقرة: ٩٩] يَقُولُ: وَاضِحَاتٍ حُجَجُهَا وَأَدِلَّتُهَا فِيمَا أُنْزِلَتْ فِيهِ. ﴿تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنكَرَ﴾ [الحج: ٧٢] يَقُولُ: تَتَبَيَّنُ فِي وُجُوهِهِمْ مَا يُنْكِرْهُ أَهْلُ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ مِنْ تَغَيُّرِهَا، لِسَمَاعِهِمْ بِالْقُرْآنِ
١٦ ‏/ ٦٣٢
وَقَوْلُهُ: ﴿يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا﴾ [الحج: ٧٢] يَقُولُ: يَكَادُونَ يَبْطِشُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِ كِتَابِ اللَّهِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ، ⦗٦٣٣⦘ لِشِدَّةِ تَكَرُّهِهِمْ أَنْ يَسْمَعُوا الْقُرْآنَ، وَيُتْلَى عَلَيْهِمْ. وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ ﴿يَسْطُونَ﴾ [الحج: ٧٢] قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٦ ‏/ ٦٣٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿يَكَادُونَ يَسْطُونَ﴾ [الحج: ٧٢] يَقُولُ: يَبْطِشُونَ»
١٦ ‏/ ٦٣٣
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿يَكَادُونَ يَسْطُونَ﴾ [الحج: ٧٢] يَقُولُ: «يَقَعُونَ بِمَنْ ذَكَّرَهُمْ»
١٦ ‏/ ٦٣٣
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَارَةَ، قَالَ: ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي يَحْيَى، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا﴾ [الحج: ٧٢] قَالَ: «يَكَادُونَ يَقَعُونَ بِهِمْ»
١٦ ‏/ ٦٣٣
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿يَكَادُونَ يَسْطُونَ﴾ [الحج: ٧٢] قَالَ: «يَبْطِشُونَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ» حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٦ ‏/ ٦٣٣
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ ⦗٦٣٤⦘ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا﴾ [الحج: ٧٢] يَقُولُ: «يَكَادُونَ يَأْخُذُونَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ أَخْذًا»
١٦ ‏/ ٦٣٣
وَقَوْلُهُ: ﴿قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكُمْ﴾ [الحج: ٧٢] يَقُولُ: أَفَأُنَبِّئُكُمْ أَيُّهَا الْمُشْرِكُونَ بِأَكْرَهَ إِلَيْكُمْ مِنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ تَتَكَرَّهُونَ قِرَاءَتَهُمُ الْقُرْآنَ عَلَيْكُمْ، هِيَ ﴿النَّارُ﴾ [البقرة: ٢٤] وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا. وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إِنَّ الْمُشْرِكِينَ قَالُوا: وَاللَّهِ إِنَّ مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ لَشَرُّ خَلْقِ اللَّهِ فَقَالَ اللَّهُ لَهُمْ: قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ أَيُّهَا الْقَائِلُونَ هَذَا الْقَوْلَ بِشَرٍّ مِنْ مُحَمَّدٍ ﷺ؟ أَنْتُمْ أَيُّهَا الْمُشْرِكُونَ الَّذِينَ وَعَدَهُمُ اللَّهُ النَّارَ. وَرُفِعَتِ (النَّارُ) عَلَى الِابْتِدَاءِ، وَلِأَنَّهَا مَعْرِفَةٌ، لَا تَصْلُحُ أَنْ يُنْعَتَ بِهَا الشَّرُّ وَهُوَ نَكِرَةٌ، كَمَا يُقَالُ: مَرَرْتُ بِرَجُلَيْنِ: أَخُوكَ وَأَبُوكَ، وَلَوْ كَانَتْ مَخْفُوضَةً كَانَ جَائِزًا؛ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ نَصْبًا لِلْعَائِدِ مِنْ ذِكْرِهَا فِي ﴿وَعَدَهَا﴾ [التوبة: ١١٤] وَأَنْتَ تَنْوِي بِهَا الِاتِّصَالَ بِمَا قَبْلَهَا. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَهَؤُلَاءِ هُمْ أَشْرَارُ الْخَلْقِ لَا مُحَمَّدٌ وَأَصْحَابُهُ
١٦ ‏/ ٦٣٤
وَقَوْلُهُ: ﴿وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ [البقرة: ١٢٦] يَقُولُ: وَبِئْسَ الْمَكَانُ الَّذِي يَصِيرُ إِلَيْهِ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ بِاللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
١٦ ‏/ ٦٣٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ
١٦ ‏/ ٦٣٤
شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيُّ عَزِيزٌ﴾ [الحج: ٧٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ جُعِلَ لِلَّهِ مَثَلٌ وَذِكْرٌ. وَمَعْنَى ﴿ضُرِبَ﴾ [إبراهيم: ٢٤] فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: جَعَلَ، مِنْ قَوْلِهِمْ: ضَرَبَ السُّلْطَانُ عَلَى النَّاسِ الْبَعْثَ، بِمَعْنَى: جَعَلَ عَلَيْهِمْ. وَضَرَبَ الْجِزْيَةَ عَلَى النَّصَارَى، بِمَعْنَى جَعَلَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ؛ وَالْمَثَلُ: الشَّبَهُ، يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: جُعِلَ لِي شَبَهٌ أَيُّهَا النَّاسُ، يَعْنِي بِالشَّبَهِ وَالْمِثْلِ: الْآلِهَةَ، يَقُولُ: جَعَلَ لِيَ الْمُشْرِكُونَ الْأَصْنَامَ شَبَهًا، فعَبَدُوهَا مَعِي، وَأَشْرَكُوهَا فِي عِبَادَتِي. يَقُولُ: فَاسْتَمِعُوا حَالَ مَا مَثَّلُوهُ وَجَعَلُوهُ لِي فِي عِبَادَتِهِمْ إِيَّاهُ شَبَهًا وَصَفْتُهُ. ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا﴾ [الحج: ٧٣] يَقُولُ: إِنَّ جَمِيعَ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنَ الْآلِهَةِ وَالْأَصْنَامِ لَوْ جُمِعَتْ لَمْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا فِي صِغَرِهِ وَقِلَّتِهِ، لِأَنَّهَا لَا تَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ وَلَا تُطِيقُهُ، وَلَوِ اجْتَمَعَ لِخَلْقِهِ جَمِيعُهَا. وَالذُّبَابُ وَاحِدٌ، وَجَمْعُهُ فِي الْقِلَّةِ أَذُبَّةٌ، وَفِي الْكَثِيرِ ذُبَّانُ، نَظِيرُ غُرَابٍ، يُجْمَعُ فِي الْقِلَّةِ: أَغْرِبَةٌ، وَفِي الْكَثْرَةِ غِرْبَانُ
١٦ ‏/ ٦٣٥
وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِنَّ يَسْلُبُهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا﴾ [الحج: ٧٣] يَقُولُ: وَإِنْ يَسْلُبُ الْآلِهَةَ وَالْأَوْثَانَ الذُّبَابُ شَيْئًا مِمَّا عَلَيْهَا مِنْ طِيبٍ وَمَا أَشْبَهَهُ مِنْ شَيْءٍ لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ: يَقُولُ: لَا تَقْدِرُ الْآلِهَةُ أَنْ تَسْتَنْقِذَ ذَلِكَ مِنْهُ. وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ﴾ [الحج: ٧٣] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: ⦗٦٣٦⦘ عُنِيَ بِالطَّالِبِ: الْآلِهَةُ، وَبِالْمَطْلُوبِ: الذُّبَابُ
١٦ ‏/ ٦٣٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ،، قَالَ حَجَّاجٌ: عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ،، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿ضَعُفَ الطَّالِبُ﴾ [الحج: ٧٣] قَالَ: «آلِهَتُهُمْ. ﴿وَالْمَطْلُوبُ﴾ [الحج: ٧٣] الذُّبَابُ» وَكَانَ بَعْضُهُمْ يَقُولُ: مَعْنَى ذَلِكَ: ﴿ضَعُفَ الطَّالِبُ﴾ [الحج: ٧٣] مِنْ بَنِي آدَمَ إِلَى الصَّنَمِ حَاجَتَهُ، ﴿وَالْمَطْلُوبُ﴾ [الحج: ٧٣] إِلَيْهِ الصَّنَمُ أَنْ يُعْطِيَ سَائِلَهُ مِنْ بَنِي آدَمَ مَا سَأَلَهُ، يَقُولُ: ضَعُفَ عَنْ ذَلِكَ وَعَجَزَ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا مَا ذَكَرْتُهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ أَنَّ مَعْنَاهُ: وَعَجَزَ الطَّالِبُ وَهُوَ الْآلِهَةُ أَنْ تَسْتَنْقِذَ مِنَ الذُّبَابِ مَا سَلَبَهَا إِيَّاهُ، وَهُوَ الطِّيبُ وَمَا أَشْبَهَهُ؛ وَالْمَطْلُوبُ: الذُّبَابُ. وَإِنَّمَا قُلْتُ: هَذَا الْقَوْلُ أَوْلَى بِتَأْوِيلِ ذَلِكَ، لِأَنَّ ذَلِكَ فِي سِيَاقِ الْخَبَرِ عَنِ الْآلِهَةِ وَالذُّبَابِ؛ فَأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ خَبَرًا عَمَّا هُوَ بِهِ مُتَّصِلٌ أَشْبَهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا عَمَّا هُوَ عَنْهُ مُنْقَطِعٌ. وَإِنَّمَا أَخْبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنِ الْآلِهَةِ بِمَا أَخْبَرَ بِهِ عَنْهَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ مِنْ ضَعْفِهَا وَمَهَانَتِهَا، تَقْرِيعًا مِنْهُ بِذَلِكَ عَبَدَتَهَا مِنْ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ، يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: كَيْفَ يُجْعَلُ مِثْلًا فِي الْعِبَادَةِ، وَيُشْرِكُ فِيهَا مَعِي، مَا لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى خَلْقِ ذُبَابٍ، وَإِنْ أَخَذَ لَهُ الذُّبَابُ فَسَلَبَهُ شَيْئًا عَلَيْهِ لَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْهُ
١٦ ‏/ ٦٣٦
وَلَا يَنْتَصِرَ، وَأَنَا الْخَالِقُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَمَالِكُ جَمِيعِ ذَلِكَ، وَالْمُحْيِي مَنْ أَرَدْتُ، وَالْمُمِيتُ مَا أَرَدْتُ، وَمَنْ أَرَدْتُ. إِنَّ فَاعِلَ ذَلِكَ لَا شَكَّ أَنَّهُ فِي غَايَةِ الْجَهْلِ
١٦ ‏/ ٦٣٧
وَقَوْلُهُ: ﴿مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ﴾ [الحج: ٧٤] يَقُولُ: مَا عَظَّمَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ جَعَلُوا الْآلِهَةَ لِلَّهِ شَرِيكًا فِي الْعِبَادَةِ حَقَّ عَظَمَتِهِ حِينَ أَشْرَكُوا بِهِ غَيْرَهُ، فَلَمْ يُخْلِصُوا لَهُ الْعِبَادَةَ، وَلَا عَرَفُوهُ حَقَّ مَعْرِفَتِهِ؛ مِنْ قَوْلِهِمْ: مَا عَرَفْتَ لِفُلَانٍ قَدْرَهُ، إِذَا خَاطَبُوا بِذَلِكَ مِنْ قَصَّرَ بِحَقِّهِ، وَهُمْ يُرِيدُونَ تَعْظِيمَهُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٦ ‏/ ٦٣٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِنْ يَسْلُبُهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا﴾ [الحج: ٧٣] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ قَالَ: «هَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِآلِهَتِهِمْ. وَقَرَأَ: ﴿ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ﴾ [الحج: ٧٤] حِينَ يَعْبُدُونَ مَعَ اللَّهِ مَا لَا يَنْتَصِفُ مِنَ الذُّبَابِ وَلَا يَمْتَنِعُ مِنْهُ»
١٦ ‏/ ٦٣٧
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّ اللَّهَ لِقَوِيُّ﴾ [الحج: ٤٠] يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ لِقَوِيُّ عَلَى خَلْقِ مَا يَشَاءُ مِنْ صَغِيرِ مَا يَشَاءُ مِنْ خَلْقِهِ وَكَبِيرِهِ. ﴿عَزِيزٌ﴾ [البقرة: ٢٠٩] يَقُولُ: مَنِيعٌ فِي مُلْكِهِ، لَا يَقْدِرُ شَيْءٌ دُونَهُ أَنْ يُسْلُبَهُ مِنْ مُلْكِهِ شَيْئًا، وَلَيْسَ كَآلِهَتِكُمْ أَيُّهَا الْمُشْرِكُونَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الَّذِينَ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى خَلْقِ ذُبَابٍ، وَلَا عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنَ الذُّبَابِ إِذَا اسْتَلَبَهَا ⦗٦٣٨⦘ شَيْئًا ضَعْفًا وَمَهَانَةً
١٦ ‏/ ٦٣٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ﴾ [الحج: ٧٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: اللَّهُ يَخْتَارُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا كَجِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ اللَّذَيْنِ كَانَا يُرْسِلُهُمَا إِلَى أَنْبِيَائِهِ وَمَنْ شَاءَ مِنْ عِبَادِهِ وَمِنَ النَّاسِ، كَأَنْبِيَائِهِ الَّذِينَ أَرْسَلَهُمْ إِلَى عِبَادِهِ مِنْ بَنِي آدَمَ. وَمَعْنَى الْكَلَامِ: اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا، وَمِنَ النَّاسِ أَيْضًا رُسُلًا. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّمَا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ لَمَّا قَالَ الْمُشْرِكُونَ: أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا، فَقَالَ اللَّهُ لَهُمْ: ذَلِكَ إِلَيَّ، وَبِيَدِي دُونَ خَلْقِي، أَخْتَارُ مَنْ شِئْتُ مِنْهُمْ لِلرِّسَالَةِ
١٦ ‏/ ٦٣٨
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّ اللَّهَ سُمَيْعٌ بَصِيرٌ﴾ [الحج: ٧٥] يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ سُمَيْعٌ لِمَا يَقُولُ الْمُشْرِكُونَ فِي مُحَمَّدٍ ﷺ، وَمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ، بَصِيرٌ بِمَنْ يَخْتَارُهُ لِرِسَالَتِهِ مِنْ خَلْقِهِ
١٦ ‏/ ٦٣٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ﴾ [الحج: ٧٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: اللَّهُ يَعْلَمُ مَا كَانَ بَيْنَ أَيْدِي مَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ، مِنْ قَبْلِ أَنْ يَخْلُقَهُمْ ﴿وَمَا خَلْفَهُمْ﴾ [البقرة: ٢٥٥]، يَقُولُ: وَيَعْلَمُ مَا هُوَ كَائِنٌ بَعْدَ فَنَائِهِمْ. ﴿وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ﴾ [البقرة: ٢١٠] يَقُولُ: إِلَى اللَّهِ فِي الْآخِرَةِ تَصِيرُ إِلَيْهِ أُمُورُ الدُّنْيَا، وَإِلَيْهِ تَعُودُ كَمَا كَانَ مِنْهُ الْبَدْءُ
١٦ ‏/ ٦٣٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [الحج: ٧٧]⦗٦٣٩⦘ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ صَدَقُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴿ارْكَعُوا﴾ [الحج: ٧٧] لِلَّهِ فِي صَلَاتِكُمْ ﴿وَاسْجُدُوا﴾ [الحج: ٧٧] لَهُ فِيهَا. يَقُولُ: وَذِلُّوا لِرَبِّكُمْ، وَاخْضَعُوا لَهُ بِالطَّاعَةِ، ﴿وَافْعَلُوا الْخَيْرَ﴾ [الحج: ٧٧] الَّذِي أَمَرَكُمْ رَبُّكُمْ بِفِعْلِهِ؛ ﴿لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [البقرة: ١٨٩] يَقُولُ: لِتُفْلِحُوا بِذَلِكَ، فَتُدْرِكُوا بِهِ طَلِبَاتِكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ
١٦ ‏/ ٦٣٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ﴾ [الحج: ٧٨] وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: ﴿وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ﴾ [الحج: ٧٨] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: وَجَاهِدُوا الْمُشْرِكِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:
١٦ ‏/ ٦٣٩
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالِ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ﴾ [الحج: ٧٨] كَمَا جَاهَدْتُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ، فَقَالَ عُمَرُ: مَنْ أُمِرَ بِالْجِهَادِ؟ قَالَ: قَبِيلَتَانِ مِنْ قُرَيْشٍ: مَخْزُومٌ، وَعَبْدُ شَمْسٍ فَقَالَ عُمَرُ: صَدَقْتَ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: لَا تَخَافُوا فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ. قَالُوا: وَذَلِكَ هُوَ حَقُّ الْجِهَادِ
١٦ ‏/ ٦٣٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: ⦗٦٤٠⦘ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: «﴿وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ﴾ [الحج: ٧٨] لَا تَخَافُوا فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: اعْمَلُوا بِالْحَقِّ حَقَّ عَمَلِهِ. وَهَذَا قَوْلٌ ذَكَرَهُ عَنِ الضَّحَّاكِ بَعْضُ مَنْ فِي رِوَايَتِهِ نَظَرٌ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ: قَوْلُ مَنْ قَالَ: عَنَى بِهِ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؛ لِأَنَّ الْمَعْرُوفَ مِنَ الْجِهَادِ ذَلِكَ، وَهُوَ الْأَغْلَبُ عَلَى قَوْلِ الْقَائِلِ: جَاهَدْتُ فِي اللَّهِ. وَحَقُّ الْجِهَادِ: هُوَ اسْتِفْرَاغُ الطَّاقِةِ فِيهِ
١٦ ‏/ ٦٣٩
وَقَوْلُهُ: ﴿هُوَ اجْتَبَاكُمْ﴾ [الحج: ٧٨] يَقُولُ: هُوَ اخْتَارَكُمْ لِدِينِهِ، وَاصْطَفَاكُمْ لِحَرْبِ أَعْدَائِهِ، وَالْجِهَادِ فِي سَبِيلِهِ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي ذَلِكَ
١٦ ‏/ ٦٤٠
مَا حَدَّثَنِي بِهِ يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿هُوَ اجْتَبَاكُمْ﴾ [الحج: ٧٨] قَالَ: «هُوَ هَدَاكُمْ»
١٦ ‏/ ٦٤٠
وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ [الحج: ٧٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ رَبُّكُمْ فِي الدِّينِ الَّذِي تَعَبَّدَكُمْ بِهِ مِنْ ضِيقٍ، لَا مَخْرَجَ لَكُمْ مِمَّا ابْتُلِيتُمْ بِهِ فِيهِ؛ بَلْ وَسَّعَ عَلَيْكُمْ، فَجَعَلَ التَّوْبَةَ مِنْ بَعْضٍ مَخْرَجًا، وَالْكَفَّارَةَ مِنْ بَعْضٍ، وَالْقِصَاصَ مِنْ بَعْضٍ، فَلَا ذَنْبَ يُذْنِبُ الْمُؤْمِنُ إِلَّا وَلَهُ مِنْهُ فِي دَيْنِ الْإِسْلَامِ مَخْرَجٌ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٦ ‏/ ٦٤٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ⦗٦٤١⦘ ابْنُ زَيْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: «سَأَلَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ عَلِيَّ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ [الحج: ٧٨] فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: الْحَرَجُ: الضِّيقُ، فَجَعَلَ اللَّهُ الْكَفَّارَاتِ مَخْرَجًا مِنْ ذَلِكَ، سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ ذَلِكَ»
١٦ ‏/ ٦٤٠
قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: ثني سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، يُسْأَلُ عَنْ: ﴿مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ [الحج: ٧٨] قَالَ: «مَا هَا هُنَا مِنْ هُذَيْلٍ أحَدٌ؟ فَقَالَ رَجُلٌ: نَعَمْ قَالَ: مَا تَعُدُّونَ الْحَرَجَةَ فِيكُمْ؟ قَالَ: الشَّيْءُ الضَّيِّقُ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَهُوَ كَذَلِكَ»
١٦ ‏/ ٦٤١
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ وَذَكَرَ نَحْوَهُ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: “أَهَا هُنَا أَحَدٌ مِنْ هُذَيْلٍ؟ فَقَالَ رَجُلٌ: أَنَا، فَقَالَ أَيْضًا: مَا تَعُدُّونَ الْحَرَجَ؟ وَسَائِرُ الْحَدِيثِ مِثْلُهُ
١٦ ‏/ ٦٤١
حَدَّثَنِي عِمْرَانُ بْنُ بَكَّارٍ الْكَلَاعِيُّ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: سَمِعْتُ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ، يُحَدِّثُ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ ⦗٦٤٢⦘ حَرَجٍ﴾ [الحج: ٧٨] قَالَ: «هُوَ الضِّيقُ»
١٦ ‏/ ٦٤١
حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ قَالَ: ثنا أَبُو خَلْدَةَ قَالَ: قَالَ لِي أَبُو الْعَالِيَةِ: «أَتَدْرِي مَا الْحَرَجُ؟ قُلْتُ: لَا أَدْرِي. قَالَ: الضِّيقُ. وَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ [الحج: ٧٨]»
١٦ ‏/ ٦٤٢
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا حَمَّادُ بْنُ مَسْعَدَةَ، عَنْ عَوْفٍ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ [الحج: ٧٨] قَالَ: «مِنْ ضِيقٍ»
١٦ ‏/ ٦٤٢
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ بُنْدُقٍ قَالَ: ثنا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِي خَلْدَةَ قَالَ: قَالَ لِي أَبُو الْعَالِيَةِ: «هَلْ تَدْرِي مَا الْحَرَجُ؟ قُلْتُ لَا، قَالَ: الضِّيقُ، إِنَّ اللَّهَ لَمْ يُضَيِّقْ عَلَيْكُمْ، لَمْ يَجْعَلْ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ»
١٦ ‏/ ٦٤٢
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ [الحج: ٧٨] قَالَ: «تَدْرُونَ مَا الْحَرَجُ؟ قَالَ: الضِّيقُ»
١٦ ‏/ ٦٤٢
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنْ يُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «إِذَا تَعَاجَمَ شَيْءٌ مِنَ الْقُرْآنِ، فَانْظُرُوا فِي الشِّعْرِ، فَإِنَّ الشِّعْرَ عَرَبِيُّ. ثُمَّ دَعَا ابْنُ عَبَّاسٍ أَعْرَابِيًّا، فَقَالَ: مَا الْحَرَجُ؟ قَالَ: الضِّيقُ. قَالَ: صَدَقْتَ»
١٦ ‏/ ٦٤٢
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ [الحج: ٧٨] قَالَ: «مِنْ ضِيقٍ» ⦗٦٤٣⦘ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، مِثْلَهُ وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: ﴿مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ [الحج: ٧٨] مِنْ ضِيقٍ فِي أَوْقَاتِ فُرُوضِكُمْ إِذَا التَبَسَتْ عَلَيْكُمْ، وَلَكِنَّهُ قَدْ وَسَّعَ عَلَيْكُمْ حَتَّى تَيَقَّنُوا مَحِلَّهَا
١٦ ‏/ ٦٤٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ بَشَّارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ [الحج: ٧٨] قَالَ: “هَذَا فِي هِلَالِ شَهْرِ رَمَضَانَ إِذَا شَكَّ فِيهِ النَّاسُ، وَفِي الْحَجِّ إِذَا شَكُّوا فِي الْهِلَالِ، وَفِي الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى إِذَا الْتَبَسَ عَلَيْهِمْ، وَأَشْبَاهِهِ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: مَا جَعَلَ فِي الْإِسْلَامِ مِنْ ضِيقٍ، بَلْ وَسَّعَهُ
١٦ ‏/ ٦٤٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ [الحج: ٧٨] يَقُولُ: «مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الْإِسْلَامِ مِنْ ضِيقٍ، هُوَ وَاسِعٌ، وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ فِي الْأَنْعَامِ: ﴿فَمَنْ يُرِدِ ⦗٦٤٤⦘ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا﴾ [الأنعام: ١٢٥] يَقُولُ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يُضِلَّهُ يُضَيِّقْ عَلَيْهِ صَدْرَهُ، حَتَّى يَجْعَلَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامَ ضَيِّقًا، وَالْإِسْلَامُ وَاسِعٌ»
١٦ ‏/ ٦٤٣
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿» وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ [الحج: ٧٨] يَقُولُ: مِنْ ضِيقٍ، يَقُولُ: جَعَلَ الدِّينَ وَاسِعًا، وَلَمْ يَجْعَلْهُ ضَيِّقًا “
١٦ ‏/ ٦٤٤
وَقَوْلُهُ: ﴿مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ﴾ [الحج: ٧٨] نَصَبَ مِلَّةَ بِمَعْنَى: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ، بَلْ وَسَّعَهُ، كَمِلَّةِ أَبِيكُمْ، فَلَمَّا لَمْ يَجْعَلْ فِيهَا الْكَافَ اتَّصَلَتْ بِالْفِعْلِ الَّذِي قَبْلَهَا فَنُصِبَتْ. وَقَدْ يُحْتَمَلُ نَصْبُهَا، أَنْ تَكُونَ عَلَى وَجْهِ الْأَمْرِ بِهَا، لِأَنَّ الْكَلَامَ قَبْلَهُ أَمْرٌ، فَكَأَنَّهُ قِيلَ: ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَالْزَمُوا مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ
١٦ ‏/ ٦٤٤
وَقَوْلُهُ: ﴿هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا﴾ [الحج: ٧٨] . يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: سَمَّاكُمْ يَا مَعْشَرَ مَنْ آمَنَ بِمُحَمَّدٍ ﷺ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٦ ‏/ ٦٤٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ﴾ [الحج: ٧٨] يَقُولُ: «اللَّهُ سَمَّاكُمْ»
١٦ ‏/ ٦٤٤
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: «اللَّهُ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ»
١٦ ‏/ ٦٤٥
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، وَحَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ جَمِيعًا عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ﴾ [الحج: ٧٨] قَالَ: «اللَّهُ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ»
١٦ ‏/ ٦٤٥
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ﴾ [الحج: ٧٨] قَالَ: «اللَّهُ سَمَّاكُمْ» حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٦ ‏/ ٦٤٥
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ، فِي قَوْلِهِ: ﴿هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ﴾ [الحج: ٧٨] يَقُولُ: «اللَّهُ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعَنَاهُ: إِبْرَاهِيمُ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ؛ وَقَالُوا هُوَ كِنَايَةٌ مِنْ ذِكْرِ إِبْرَاهِيمَ ﷺ
١٦ ‏/ ٦٤٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ ﴿هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ﴾ [الحج: ٧٨] قَالَ: «أَلَا تَرَى قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ ﴿وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مَسْلِمَةً لَكَ﴾ [البقرة: ١٢٨] قَالَ: هَذَا قَوْلُ إِبْرَاهِيمَ؛ ﴿هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ﴾ [الحج: ٧٨] وَلَمْ يَذْكُرِ اللَّهُ بِالْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ غَيْرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ، ذُكِرَتْ بِالْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ جَمِيعًا، وَلَمْ نَسْمَعْ بِأُمَّةٍ ذُكِرَتْ إِلَّا بِالْإِيمَانِ» وَلَا وَجْهَ لِمَا قَالَ ابْنُ زَيْدٍ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ لَمْ يُسَمِّ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ مُسْلِمِينَ فِي الْقُرْآنِ، لِأَنَّ الْقُرْآنَ أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِهِ بِدَهْرٍ طَوِيلٍ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا﴾ [الحج: ٧٨] وَلَكِنَّ الَّذِي سَمَّانَا مُسْلِمَينَ مِنْ قَبْلَ نُزُولِ الْقُرْآنِ، وَفِي الْقُرْآنِ، اللَّهُ الَّذِي لَمْ يَزَلْ وَلَا يَزَالُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿مِنْ قَبْلُ﴾ [البقرة: ٢٥] فَإِنَّ مَعْنَاهُ: مِنْ قَبْلِ نُزُولِ هَذَا الْقُرْآنِ فِي الْكُتُبِ الَّتِي نَزَلَتْ قَبْلَهُ. ﴿وَفِي هَذَا﴾ [الحج: ٧٨] يَقُولُ: وَفِي هَذَا الْكِتَابِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٦ ‏/ ٦٤٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ. ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ⦗٦٤٧⦘ قَوْلُهُ: «﴿هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ﴾ [الحج: ٧٨] وَفِي هَذَا»
١٦ ‏/ ٦٤٦
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ مُجَاهِدٌ: «﴿مِنْ قَبْلُ﴾ [البقرة: ٢٥] قَالَ: فِي الْكُتُبِ كُلِّهَا. وَالذِّكْرُ ﴿وَفِي هَذَا﴾ [الحج: ٧٨] يَعْنِي الْقُرْآنَ»
١٦ ‏/ ٦٤٧
وَقَوْلُهُ: ﴿لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ﴾ [الحج: ٧٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: اجْتَبَاكُمُ اللَّهُ وَسَمَّاكُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَآيَاتِهِ، مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ مُسْلِمَينَ، لِيَكُونَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَنَّهُ قَدْ بَلَّغَكُمْ مَا أُرْسِلَ بِهِ إِلَيْكُمْ، وَتَكُونُوا أَنْتُمْ شُهَدَاءَ حِينَئِذٍ عَلَى الرُّسُلِ أَجْمَعِينَ أَنَّهُمْ قَدْ بَلَّغُوا أُمَمَهُمْ مَا أَرْسِلُوا بِهِ إِلَيْهِمْ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٦ ‏/ ٦٤٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ﴾ [الحج: ٧٨] قَالَ: «اللَّهُ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ. ﴿وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ﴾ [الحج: ٧٨] بِأَنَّهُ بَلَّغَكُمْ. ﴿وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ﴾ [الحج: ٧٨] أَنَّ رُسُلَهُمْ قَدْ بَلَّغَتْهُمْ»
١٦ ‏/ ٦٤٧
وَبِهِ عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: «أُعْطَيَتْ هَذِهِ الْأُمَّةُ مَا لَمْ يُعْطَهُ إِلَّا نَبِيُّ، كَانَ يُقَالُ لِلنَّبِيِّ: ⦗٦٤٨⦘ اذْهَبْ فَلَيْسَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَقَالَ اللَّهُ: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ [الحج: ٧٨] وَكَانَ يُقَالُ لِلنَّبِيِّ ﷺ: أَنْتَ شَهِيدٌ عَلَى قَوْمِكَ وَقَالَ اللَّهُ ﴿لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ﴾ [البقرة: ١٤٣] وَكَانَ يُقَالُ لِلنَّبِيِّ ﷺ: سَلْ تُعْطَهْ وَقَالَ اللَّهُ: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ [غافر: ٦٠]»
١٦ ‏/ ٦٤٧
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: «أُعْطِيَتْ هَذِهِ الْأُمَّةُ ثَلَاثًا لَمْ يُعْطِهَا إِلَّا نَبِيُّ، كَانَ يُقَالُ لِلنَّبِيِّ ﷺ: اذْهَبْ فَلَيْسَ عَلَيْكَ حَرَجٌ فَقَالَ اللَّهُ: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ [الحج: ٧٨] قَالَ: وَكَانَ يُقَالُ لِلنَّبِيِّ ﷺ: أَنْتَ شَهِيدٌ عَلَى قَوْمِكَ وَقَالَ اللَّهُ: ﴿لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ﴾ [البقرة: ١٤٣] وَكَانَ يُقَالُ لِلنَّبِيِّ ﷺ: سَلْ تُعْطَهْ وَقَالَ اللَّهُ ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ [غافر: ٦٠]»
١٦ ‏/ ٦٤٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ﴾ [الحج: ٧٨] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ﴾ [الحج: ٧٨] يَقُولُ: فَأَدُّوا الصَّلَاةَ الْمَفْرُوضَةَ لِلَّهِ عَلَيْكُمْ بِحُدُودِهَا، وَآتُوا الزَّكَاةَ الْوَاجِبَةَ عَلَيْكُمْ فِي أَمْوَالِكُمْ. ﴿وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ﴾ [النساء: ١٤٦] يَقُولُ: وَثِقُوا بِاللَّهِ، وَتَوَكَّلُوا عَلَيْهِ فِي أُمُورِكُمْ. ﴿فَنِعْمَ الْمَوْلَى﴾ [الحج: ٧٨] يَقُولُ: فَنِعْمَ الْوَلِيُّ اللَّهُ لِمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْكُمْ، فَأَقَامَ الصَّلَاةَ، وَآتَى الزَّكَاةَ، وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ، وَاعْتَصَمَ بِهِ. يَقُولُ: وَنِعْمَ النَّاصِرُ هُوَ لَهُ عَلَى مَنْ بَغَاهُ بِسُوءٍ
١٦ ‏/ ٦٤٨

عن معز نوني

متحصّل على شهادة ختم الدروس للمعهد الأعلى لتكوين المعلمين بقفصة دفعة 2000، يعمل حاليًّا أستاذ مدارس إبتدائية

شاهد أيضاً

سُورَةُ الْفَاتِحَةِ

مَكِّيَّةٌ وَآيَاتُهَا سَبْعٌ ١ ‏/ ١١١ ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ [الفاتحة: ١] الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ …