مَكِّيَّةٌ وَآيَاتُهَا ثَمَانٍ وَعِشْرُونَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
٢٣ / ٣١٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا﴾ [الجن: ٢] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ أَوْحَى اللَّهُ إِلَيَّ ﴿أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ﴾ [الجن: ١] هَذَا الْقُرْآنَ فَقَالُوا لِقَوْمِهِمْ لَمَّا سَمِعُوهُ ﴿إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا، يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ﴾ [الجن: ١] يَقُولُ: يَدُلُّ عَلَى الْحَقِّ وَسَبِيلِ الصَّوَابِ ﴿فَآمَنَّا بِهِ﴾ [الجن: ٢] يَقُولُ: فَصَدَّقْنَاهُ ﴿وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا﴾ [الجن: ٢] مِنْ خَلْقِهِ. وَكَانَ سَبَبُ اسْتِمَاعِ هَؤُلَاءِ النَّفْرِ مِنَ الْجِنِّ الْقُرْآنَ:
٢٣ / ٣١٠
كَمَا: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرٍ، قَالَ: ثنا أَبُو هِشَامٍ، يَعْنِي الْمَخْزُومِيَّ، قَالَ: ثنا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: مَا قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلَى الْجِنِّ وَلَا رَآهُمْ؛ انْطَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، عَامِدِينَ إِلَى سُوقِ عُكَاظٍ، قَالَ: وَقَدْ حِيلَ بَيْنَ الشَّيَاطِينِ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ، وَأُرْسِلَتْ عَلَيْهِمُ الشُّهُبُ، فَرَجَعَتِ الشَّيَاطِينُ إِلَى قَوْمِهِمْ، فَقَالُوا: مَا لَكُمْ؟ فَقَالُوا: حِيلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ، وَأُرْسِلَتْ عَلَيْنَا الشُّهُبُ، فَقَالُوا: مَا حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ إِلَّا شَيْءٌ حَدَثَ، قَالَ: فَانْطَلِقُوا فَاضْرِبُوا مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا فَانْظُرُوا مَا هَذَا الَّذِي حَدَثَ، ⦗٣١١⦘ قَالَ: فَانْطَلَقُوا يَضْرِبُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا، يَتَتَبَّعُونَ مَا هَذَا الَّذِي حَالَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ؛ قَالَ: فَانْطَلَقَ النَّفَرُ الَّذِينَ تَوَجَّهُوا نَحْوَ تِهَامَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِنَخْلَةَ، وَهُوَ عَامِدٌ إِلَى سُوقِ عُكَاظٍ، وَهُوَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ صَلَاةَ الْفَجْرِ؛ قَالَ: فَلَمَّا سَمِعُوا الْقُرْآنَ اسْتَمَعُوا لَهُ فَقَالُوا: هَذَا وَاللَّهِ الَّذِي حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ؛ قَالَ: فَهُنَالِكَ حِينَ رَجَعُوا إِلَى قَوْمِهِمْ، فَقَالُوا: يَا قَوْمَنَا ﴿إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا﴾ [الجن: ٢] قَالَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ ﷺ: ﴿قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ﴾ [الجن: ١] وَإِنَّمَا أُوحِيَ إِلَيْهِ قَوْلُ الْجِنِّ
٢٣ / ٣١٠
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ وَرْقَاءَ، قَالَ: قَدِمَ رَهْطُ زَوْبَعَةَ وَأَصْحَابُهُ مَكَّةَ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ فَسَمِعُوا قِرَاءَةَ النَّبِيِّ ﷺ ثُمَّ انْصَرَفُوا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا﴾ [الأحقاف: ٢٩] قَالَ: كَانُوا تِسْعَةً فِيهِمْ زَوْبَعَةُ
٢٣ / ٣١١
حُدِّثْتُ، عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: ثنا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمَعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ﴾ [الجن: ١] هُوَ قَوْلُ اللَّهِ
٢٣ / ٣١١
﴿وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ﴾ [الأحقاف: ٢٩] لَمْ تُحْرَسِ السَّمَاءُ فِي الْفَتْرَةِ بَيْنَ عِيسَى وَمُحَمَّدٍ؛ فَلَمَّا بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّدًا ﷺ حُرِسَتِ السَّمَاءُ الدُّنْيَا، وَرُمِيَتِ الشَّيَاطِينُ بِالشُّهُبِ، فَقَالَ إِبْلِيسُ: لَقَدْ حَدَثَ فِي الْأَرْضِ حَدَثٌ، فَأَمَرَ الْجِنَّ فَتَفَرَّقَتْ فِي الْأَرْضِ لِتَأْتِيَهُ بِخَبَرِ مَا حَدَثَ. وَكَانَ أَوَّلُ مِنِ بُعِثَ نَفَرٌ مِنْ أَهْلِ نَصِيبِينَ وَهِيَ أَرْضٌ بِالْيَمَنِ، وَهُمْ أَشْرَافُ الْجِنِّ، وَسَادَتُهُمْ، فَبَعَثَهُمْ إِلَى تِهَامَةَ وَمَا يَلِي الْيَمَنَ، فَمَضَى أُولَئِكَ النَّفَرُ، فَأَتَوْا عَلَى الْوَادِي وَادِي نَخْلَةَ، وَهُوَ مِنَ الْوَادِي مَسِيرَةَ لَيْلَتَيْنِ، فَوَجَدُوا بِهِ نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ يُصَلِّي صَلَاةَ الْغَدَاةِ فَسَمِعُوهُ يَتْلُو الْقُرْآنَ؛ فَلَمَّا حَضَرُوهُ، قَالُوا: أَنْصِتُوا، فَلَمَّا قُضِيَ، يَعْنِي فَرَغَ مِنَ الصَّلَاةِ، وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ، يَعْنِي مُؤْمِنِينَ، لَمْ يَعْلَمْ بِهِمْ نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ وَلَمْ يَشْعُرْ أَنَّهُ صُرِفَ إِلَيْهِ، حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ: ﴿قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ﴾ [الجن: ١]
٢٣ / ٣١٢
وَقَوْلُهُ: ﴿وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا﴾ [الجن: ٣] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: ﴿فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا﴾ [الجن: ٢] وَآمَنَّا بِأَنَّهُ تَعَالَى أَمْرُ رَبِّنَا وَسُلْطَانِهِ وَقُدْرَتِهِ.
٢٣ / ٣١٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثنا مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا﴾ [الجن: ٣] يَقُولُ: فِعْلُهُ وَأَمْرُهُ وَقُدْرَتُهُ
٢٣ / ٣١٢
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ ⦗٣١٣⦘ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا﴾ [الجن: ٣] يَقُولُ: تَعَالَى أَمْرُ رَبِّنَا
٢٣ / ٣١٢
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَا: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا﴾ [الجن: ٣] قَالَ: أَمْرُ رَبِّنَا
٢٣ / ٣١٣
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا﴾ [الجن: ٣] قَالَ: أَمْرُ رَبِّنَا
٢٣ / ٣١٣
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا﴾ [الجن: ٣] قَالَ: تَعَالَى أَمْرُهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَا يَكُونَ الَّذِي قَالُوا: ﴿صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا﴾ [الجن: ٣] وَقَرَأَ: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾ [الإخلاص: ٢] قَالَ: لَا يَكُونُ ذَلِكَ مِنْهُ وَقَالَ آخَرُونَ: عُنِيَ بِذَلِكَ جَلَالُ رَبِّنَا وَذِكْرُهُ
٢٣ / ٣١٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ عِكْرِمَةُ، فِي قَوْلِهِ: ﴿جَدُّ رَبِّنَا﴾ [الجن: ٣] قَالَ: جَلَالُ رَبِّنَا
٢٣ / ٣١٣
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُمَارَةَ، قَالَ: ثني خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ، قَالَ: ثنا أَبُو إِسْرَائِيلَ، عَنْ ⦗٣١٤⦘ فُضَيْلٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا﴾ [الجن: ٣] قَالَ: جَلَالُ رَبِّنَا
٢٣ / ٣١٣
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ قَالَ: قَالَ عِكْرِمَةُ: ﴿تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا﴾ [الجن: ٣] جَلَالُ رَبِّنَا
٢٣ / ٣١٤
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا﴾ [الجن: ٣] أَيْ: تَعَالَى جَلَالُهُ وَعَظَمَتُهُ وَأَمْرُهُ
٢٣ / ٣١٤
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿جَدُّ رَبِّنَا﴾ [الجن: ٣] قَالَ: تَعَالَى أَمْرُ رَبِّنَا تَعَالَتْ عَظَمَتُهُ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: تَعَالَى غِنَى رَبِّنَا
٢٣ / ٣١٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا الْمُعْتَمِرُ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ الْحَسَنُ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿جَدُّ رَبِّنَا﴾ [الجن: ٣] قَالَ: غِنَى رَبِّنَا
٢٣ / ٣١٤
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنِ الْحَسَنِ ﴿تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا﴾ [الجن: ٣] قَالَ: غِنَى رَبِّنَا
٢٣ / ٣١٤
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا﴾ [الجن: ٣] قَالَ: غِنَى رَبِّنَا
٢٣ / ٣١٥
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنِ الْحَسَنِ وَعِكْرِمَةَ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا﴾ [الجن: ٣] قَالَ أَحَدُهُمَا: غِنَاهُ، وَقَالَ الْآخَرُ: عَظَمَتُهُ وَقَالَ آخَرُونَ: عُنِيَ بِذَلِكَ الْجَدُّ الَّذِي هُوَ أَبُو الْأَبِ، قَالُوا: ذَلِكَ كَانَ مِنْ كَلَامِ جَهَلَةِ الْجِنِّ
٢٣ / ٣١٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ، قَالَ: ثني أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَارَّةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ: ﴿تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا﴾ [الجن: ٣] قَالَ: كَانَ كَلَامًا مِنْ جَهَلَةِ الْجِنِّ وَقَالَ آخَرُونَ: عُنِيَ بِذَلِكَ: ذِكْرُهُ
٢٣ / ٣١٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا﴾ [الجن: ٣] قَالَ: ذِكْرُهُ وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: عُنِيَ بِذَلِكَ: تَعَالَتْ عَظَمَةُ رَبِّنَا وَقُدْرَتُهُ وَسُلْطَانُهُ. ⦗٣١٦⦘ وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ لِأَنَّ لِلْجَدِّ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا الْجَدُّ الَّذِي هُوَ أَبُو الْأَبِ، أَوْ أَبُو الْأُمِّ، وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يُوصَفَ بِهِ هَؤُلَاءِ النَّفْرُ الَّذِينَ وَصَفَهُمُ اللَّهُ بِهَذِهِ الصَّفَةِ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ قَدْ قَالُوا: فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا وَمَنْ وَصَفَ اللَّهَ بِأَنَّ لَهُ وَلَدًا أَوْ جَدًّا أَوْ هُوَ أَبُو أَبٍ أَوْ أَبُو أُمٍّ، فَلَا شَكَّ أَنَّهُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ. وَالْمَعْنَى الْآخَرُ: الْجَدُّ الَّذِي بِمَعْنَى الْحَظِّ؛ يُقَالُ: فُلَانٌ ذُو جَدٍّ فِي هَذَا الْأَمْرِ: إِذَا كَانَ لَهُ حَظٌّ فِيهِ، وَهُوَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ بِالْفَارِسِيَّةِ: الْبَخْتُ، وَهَذَا الْمَعْنَى الَّذِي قَصَدَهُ هَؤُلَاءِ النَّفَرُ مِنَ الْجِنِّ بِقِيلِهِمْ: وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ. وَإِنَّمَا عَنَوْا أَنَّ حَظْوَتَهُ مِنَ الْمُلْكِ وَالسُّلْطَانِ وَالْقُدْرَةِ وَالْعَظَمَةِ عَالِيَةٌ، فَلَا يَكُونُ لَهُ صَاحِبَةٌ وَلَا وَلَدٌ، لِأَنَّ الصَّاحِبَةَ إِنَّمَا تَكُونُ لِلضَّعِيفِ الْعَاجِزِ الَّذِي تَضْطَرُّهُ الشَّهْوَةُ الْبَاعِثَةُ إِلَى اتِّخَاذِهَا، وَأَنَّ الْوَلَدَ إِنَّمَا يَكُونُ عَنْ شَهْوَةٍ أَزْعَجَتْهُ إِلَى الْوِقَاعِ الَّذِي يَحْدُثُ مِنْهُ الْوَلَدُ، فَقَالَ النَّفْرُ مِنَ الْجِنِّ: عَلَا مُلْكُ رَبِّنَا وَسُلْطَانُهُ وَقُدْرَتُهُ وَعَظَمَتُهُ أَنْ يَكُونَ ضَعِيفًا ضَعْفَ خَلْقِهِ الَّذِينَ تَضْطَرُّهُمُ الشَّهْوَةُ إِلَى اتِّخَاذِ صَاحِبَةٍ، أَوْ وِقَاعِ شَيْءٍ يَكُونُ مِنْهُ وَلَدٌ. وَقَدْ بَيَّنَ عَنْ صِحَّةِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ إِخْبَارُ اللَّهِ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ إِنَّمَا نَزَّهُوا اللَّهَ عَنِ اتِّخَاذِ الصَّاحِبَةِ وَالْوَلَدِ ⦗٣١٧⦘ بِقَوْلِهِ: ﴿وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا﴾ [الجن: ٣] يُقَالُ مِنْهُ: رَجُلٌ جَدِّيٌّ وَجَدِيدٌ وَمَجْدُودٌ: أَيْ ذُو حَظٍّ فِيمَا هُوَ فِيهِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ حَاتِمٍ الطَّائِيِّ:
[البحر البسيط] اغْزُوا بَنِي ثُعَلٍ فَالْغَزْوُ جَدُّكُمْ … عُدُّوا الرَّوَابِي وَلَا تَبْكُوا لِمَنْ قُتِلَا
وَقَالَ آخَرُ:
[البحر المتقارب] يُرَفَّعُ جَدُّكَ إِنِّي امْرُؤٌ … سَقَتْنِي إِلَيْكَ الْأَعَادِي سِجَالَا
[البحر البسيط] اغْزُوا بَنِي ثُعَلٍ فَالْغَزْوُ جَدُّكُمْ … عُدُّوا الرَّوَابِي وَلَا تَبْكُوا لِمَنْ قُتِلَا
وَقَالَ آخَرُ:
[البحر المتقارب] يُرَفَّعُ جَدُّكَ إِنِّي امْرُؤٌ … سَقَتْنِي إِلَيْكَ الْأَعَادِي سِجَالَا
٢٣ / ٣١٥
وَقَوْلُهُ: ﴿مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً﴾ [الجن: ٣] يَعْنِي زَوْجَةً وَلَا وَلَدًا. وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿وَأَنَّهُ تَعَالَى﴾ [الجن: ٣] فَقَرَأَهُ أَبُو جَعْفَرٍ الْقَارِئُ وَسِتَّةُ أَحْرُفٍ أُخَرُ بِالْفَتْحِ، مِنْهَا: ﴿أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ﴾ [الجن: ١] ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ﴾ [الجن: ١٨] ﴿وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا﴾ [الجن: ٤] ﴿وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ﴾ [الجن: ٦] ﴿وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ﴾ [الجن: ١٩] ﴿وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ﴾ وَكَانَ نَافِعٌ يَكْسِرُهَا إِلَّا ثَلَاثَةِ أَحْرُفٍ: أَحَدُهَا: ﴿قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ﴾ [الجن: ١]، وَالثَّانِيَةُ ﴿وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا﴾، وَالثَّالِثَةُ ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ﴾ [الجن: ١٨] . وَأَمَّا قُرَّاءُ الْكُوفَةِ غَيْرُ عَاصِمٍ،
٢٣ / ٣١٧
فَإِنَّهُمْ يَفْتَحُونَ جَمِيعَ مَا فِي آخِرِ سُورَةِ النَّجْمِ وَأَوَّلِ سُورَةِ الْجِنِّ إِلَّا قَوْلَهُ ﴿فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا﴾ [الجن: ١] وَقَوْلَهُ: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي﴾ [الجن: ٢٠] وَمَا بَعْدَهُ إِلَى آخِرِ السُّورَةِ، وَأَنَّهُمْ يَكْسِرُونَ ذَلِكَ غَيْرَ قَوْلِهِ: ﴿لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ﴾ [الجن: ٢٨] وَأَمَّا عَاصِمٌ فَإِنَّهُ كَانَ يَكْسِرُ جَمِيعَهَا إِلَّا قَوْلَهُ: ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ﴾ [الجن: ١٨] فَإِنَّهُ كَانَ يَفْتَحُهَا، وَأَمَّا أَبُو عَمْرٍو، فَإِنَّهُ كَانَ يَكْسِرُ جَمِيعَهَا إِلَّا قَوْلَهُ: ﴿وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ﴾ فَإِنَّهُ كَانَ يَفْتَحُ هَذِهِ وَمَا بَعْدَهَا؛ فَأَمَّا الَّذِينَ فَتَحُوا جَمِيعَهَا إِلَّا فِي مَوْضِعِ الْقَوْلِ، كَقَوْلِهِ: ﴿فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا﴾ [الجن: ١] وَقَوْلِهِ: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي﴾ [الجن: ٢٠] وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَإِنَّهُمْ عَطَفُوا أَنَّ فِيَ كُلِّ السُّورَةِ عَلَى قَوْلِهِ فَآمَنَّا بِهِ وَآمَنَّا بِكُلِّ ذَلِكَ، فَفَتَحُوهَا بِوُقُوعِ الْإِيمَانِ عَلَيْهَا. وَكَانَ الْفَرَّاءُ يَقُولُ: لَا يَمْنَعَنَّكِ أَنْ تَجِدَ الْإِيمَانَ يُقَبَّحُ فِي بَعْضِ ذَلِكَ مِنَ الْفَتْحِ، وَأَنَّ الَّذِي يُقَبَّحُ مَعَ ظُهُورِ الْإِيمَانِ قَدْ يَحْسُنُ فِيهِ فِعْلٌ مُضَارَعٌ لِلْإِيمَانِ، فَوَجَبَ فَتْحُ أَنَّ كَمَا قَالَتِ الْعَرَبُ:
[البحر الوافر]
[البحر الوافر]
٢٣ / ٣١٨
إِذَا مَا الْغَانِيَاتُ بَرَزْنَ يَوْمًا … وَزَجَّجْنَ الْحَوَاجِبَ وَالْعُيُونَا
فَنَصَبَ الْعُيُونَ لِاتِّبَاعِهَا الْحَوَاجِبَ، وَهِيَ لَا تُزَجَّجُ، وَإِنَّمَا تُكَحَّلُ، فَأَضْمَرَ لَهَا الْكُحْلَ، كَذَلِكَ يُضْمَرُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي لَا يَحْسُنُ فِيهِ آمَنَّا صَدَّقْنَا وَآمَنَّا وَشَهِدْنَا. قَالَ: وَبِقَوْلِ النَّصْبِ قَوْلُهُ: ﴿وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ﴾ فَيَنْبَغِي لِمَنْ كَسَرَ أَنْ يَحْذِفَ أَنْ مِنْ لَوْ لِأَنَّ أَنْ إِذَا خُفِّفَتْ لَمْ تَكُنْ حِكَايَةً. أَلَا تَرَى أَنَّكَ تَقُولُ: أَقُولُ لَوْ فَعَلْتَ لَفَعَلْتُ، وَلَا تَدْخُلُ أَنْ. وَأَمَّا الَّذِينَ كَسَرُوهَا كُلُّهُمْ وَهُمْ فِي ذَلِكَ يَقُولُونَ: وَإِنْ لَوِ اسْتَقَامُوا فَكَأَنَّهُمْ أَضْمَرُوا يَمِينًا مَعَ لَوْ وَقَطَعُوهَا عَنِ النَّسَقِ عَلَى أَوَّلِ الْكَلَامِ، فَقَالُوا: وَاللَّهِ إِنْ لَوِ اسْتَقَامُوا؛ قَالَ: وَالْعَرَبُ تُدْخِلُ أَنْ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مَعَ الْيَمِينِ وَتَحْذِفُهَا، قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الطويل] فَأُقْسِمُ لَوْ شَيْءٌ أَتَانَا رَسُولُهُ … سِوَاكَ وَلَكِنْ لَمْ نَجِدْ لَكَ مَدْفَعَا
قَالُوا: وَأَنْشَدَنَا آخَرُ:
[البحر الوافر] أَمَا وَاللَّهِ أَنْ لَوْ كُنْتَ حُرًّا … وَمَا بِالْحُرِّ أَنْتَ وَلَا الْعَتِيقِ
وَأَدْخَلَ أَنْ مَنْ كَسَرَهَا كُلَّهَا، وَنَصَبَ ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ﴾ [الجن: ١٨] فَإِنَّهُ خَصَّ
فَنَصَبَ الْعُيُونَ لِاتِّبَاعِهَا الْحَوَاجِبَ، وَهِيَ لَا تُزَجَّجُ، وَإِنَّمَا تُكَحَّلُ، فَأَضْمَرَ لَهَا الْكُحْلَ، كَذَلِكَ يُضْمَرُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي لَا يَحْسُنُ فِيهِ آمَنَّا صَدَّقْنَا وَآمَنَّا وَشَهِدْنَا. قَالَ: وَبِقَوْلِ النَّصْبِ قَوْلُهُ: ﴿وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ﴾ فَيَنْبَغِي لِمَنْ كَسَرَ أَنْ يَحْذِفَ أَنْ مِنْ لَوْ لِأَنَّ أَنْ إِذَا خُفِّفَتْ لَمْ تَكُنْ حِكَايَةً. أَلَا تَرَى أَنَّكَ تَقُولُ: أَقُولُ لَوْ فَعَلْتَ لَفَعَلْتُ، وَلَا تَدْخُلُ أَنْ. وَأَمَّا الَّذِينَ كَسَرُوهَا كُلُّهُمْ وَهُمْ فِي ذَلِكَ يَقُولُونَ: وَإِنْ لَوِ اسْتَقَامُوا فَكَأَنَّهُمْ أَضْمَرُوا يَمِينًا مَعَ لَوْ وَقَطَعُوهَا عَنِ النَّسَقِ عَلَى أَوَّلِ الْكَلَامِ، فَقَالُوا: وَاللَّهِ إِنْ لَوِ اسْتَقَامُوا؛ قَالَ: وَالْعَرَبُ تُدْخِلُ أَنْ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مَعَ الْيَمِينِ وَتَحْذِفُهَا، قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الطويل] فَأُقْسِمُ لَوْ شَيْءٌ أَتَانَا رَسُولُهُ … سِوَاكَ وَلَكِنْ لَمْ نَجِدْ لَكَ مَدْفَعَا
قَالُوا: وَأَنْشَدَنَا آخَرُ:
[البحر الوافر] أَمَا وَاللَّهِ أَنْ لَوْ كُنْتَ حُرًّا … وَمَا بِالْحُرِّ أَنْتَ وَلَا الْعَتِيقِ
وَأَدْخَلَ أَنْ مَنْ كَسَرَهَا كُلَّهَا، وَنَصَبَ ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ﴾ [الجن: ١٨] فَإِنَّهُ خَصَّ
٢٣ / ٣١٩
ذَلِكَ بِالْوَحْيِ، وَجَعَلَ وَأَنْ لَوْ مُضْمَرَةً فِيهَا الْيَمِينُ عَلَى مَا وَصَفْتُ. وَأَمَّا نَافِعٌ فَإِنَّ مَا فُتِحَ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ رَدَّهُ عَلَى قَوْلِهِ: ﴿أُوحِيَ إِلَيَّ﴾ [الأنعام: ٩٣] وَمَا كَسَرَهُ فَإِنَّهُ جَعَلَهُ مِنْ قَوْلِ الْجِنِّ. وَأَحَبُّ ذَلِكَ إِلَيَّ أَنْ أَقْرَأَ بِهِ الْفَتْحَ فِيمَا كَانَ وَحْيًا، وَالْكَسْرَ فِيمَا كَانَ مِنْ قَوْلِ الْجِنِّ، لِأَنَّ ذَلِكَ أَفْصَحُهَا فِي الْعَرَبِيَّةِ، وَأَبْيَنُهَا فِي الْمَعْنَى، وَإِنْ كَانَ لِلْقِرَاءَاتِ الْأُخَرِ وُجُوهٌ غَيْرُ مَدْفُوعَةٍ صِحَّتُهَا.
٢٣ / ٣٢٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولُ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادوهُمْ رَهَقًا﴾ [الجن: ٥] يَقُولُ عز وجل مُخْبِرًا عَنْ قِيلِ النَّفَرِ مِنَ الْجِنِّ الَّذِينَ اسْتَمَعُوا الْقُرْآنَ ﴿وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا﴾ [الجن: ٤] وَهُوَ إِبْلِيسُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
٢٣ / ٣٢٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا﴾ [الجن: ٤] وَهُوَ إِبْلِيسُ
٢٣ / ٣٢٠
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ رَجُلٍ مِنَ الْمَكِّيِّينَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ﴿سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا﴾ [الجن: ٤] قَالَ: إِبْلِيسُ
٢٣ / ٣٢٠
ثُمَّ قَالَ سُفْيَانُ: سَمِعْتُ أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا سَجَدَ جَلَسَ، إِبْلِيسُ يَبْكِي يَقُولُ: يَا وَيْلَهُ أُمِرَ بِالسُّجُودِ فَعَصَى، فَلَهُ النَّارُ، ⦗٣٢١⦘ وَأُمِرَ ابْنُ آدَمَ بِالسُّجُودِ فَسَجَدَ، فَلَهُ الْجَنَّةُ
٢٣ / ٣٢٠
حَدَّثَنِي ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، قَالَ: تَلَا قَتَادَةُ: ﴿وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولُ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا﴾ [الجن: ٥] فَقَالَ: عَصَاهُ وَاللَّهِ سَفِيهُ الْجِنِّ، كَمَا عَصَاهُ سَفِيهُ الْإِنْسِ وَأَمَّا الشَّطَطُ مِنَ الْقَوْلِ، فَإِنَّهُ مَا كَانَ تَعَدِّيًا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٣ / ٣٢١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: ثنا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا﴾ [الجن: ٤] قَالَ: ظُلْمًا
٢٣ / ٣٢١
وَقَوْلُهُ: ﴿وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا﴾ [الجن: ٥] يَقُولُ: قَالُوا: وَأَنَا حَسِبْنَا أَنْ لَنْ تَقُولَ بَنُو آدَمَ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا مِنَ الْقَوْلِ؛ وَالظَّنُّ هَهُنَا بِمَعْنَى الشَّكِّ، وَإِنَّمَا أَنْكَرَ هَؤُلَاءِ النَّفَرُ مِنَ الْجِنِّ أَنْ تَكُونَ عَلِمَتْ أَنَّ أَحَدًا يَجْتَرِئُ عَلَى الْكَذِبِ عَلَى اللَّهِ لَمَّا سَمِعَتِ الْقُرْآنَ، لِأَنَّهُمْ قَبْلَ أَنْ يَسْمَعُوهُ ⦗٣٢٢⦘ وَقَبْلَ أَنْ يَعْلَمُوا تَكْذِيبَ اللَّهِ الزَّاعِمِينَ أَنَّ لِلَّهِ صَاحِبَةً وَوَلَدًا، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ مَعَانِي الْكُفْرِ كَانُوا يَحْسِبُونَ أَنَّ إِبْلِيسَ صَادِقٌ فِيمَا يَدْعُو بَنِي آدَمَ إِلَيْهِ مِنْ صُنُوفِ الْكُفْرِ؛ فَلَمَّا سَمِعُوا الْقُرْآنَ أَيْقَنُوا أَنَّهُ كَانَ كَاذِبًا فِي كُلِّ ذَلِكَ، فَلِذَلِكَ قَالُوا: ﴿وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا﴾ [الجن: ٤] فَسَمَّوْهُ سَفِيهًا.
٢٣ / ٣٢١
وَقَوْلُهُ: ﴿وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ﴾ [الجن: ٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُخْبِرًا عَنْ قِيلِ هَؤُلَاءِ النَّفَرِ: ﴿وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ﴾ [الجن: ٦] يَسْتَجِيرُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فِي أَسْفَارِهِمْ إِذَا نَزَلُوا مَنَازِلَهُمْ.
٢٣ / ٣٢٢
وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِمْ فِيمَا ذُكِرَ لَنَا، كَالَّذِي: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ﴾ [الجن: ٦] قَالَ: كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَبِيتُ أَحَدُهُمْ بِالْوَادِي فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَيَقُولُ: أَعُوذُ بِعَزِيزِ هَذَا الْوَادِي، فَزَادَهُمْ ذَلِكَ إِثْمًا
٢٣ / ٣٢٢
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، عَنْ عَوْفٍ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ﴾ [الجن: ٦] قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ إِذَا نَزَلَ الْوَادِي فَبَاتَ بِهِ، قَالَ: أَعُوذُ بِعَزِيزِ هَذَا الْوَادِي مِنْ شَرِّ سُفَهَاءِ قَوْمِهِ
٢٣ / ٣٢٢
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، فِي قَوْلِهِ: وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ كَانُوا إِذَا نَزَلُوا الْوَادِي قَالُوا: نَعُوذُ بِسَيِّدِ هَذَا الْوَادِي مِنْ شَرِّ مَا فِيهِ، فَتَقُولُ الْجِنُّ: مَا نَمْلِكُ لَكُمْ وَلَا ⦗٣٢٣⦘ لِأَنْفُسِنَا ضَرًّا وَلَا نَفْعًا
٢٣ / ٣٢٢
قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ﴾ [الجن: ٦] قَالَ: كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا نَزَلُوا بِالْوَادِي قَالُوا: نَعُوذُ بِسَيِّدِ هَذَا الْوَادِي، فَيَقُولُ الْجِنِّيُّونَ: تَتَعَوَّذُونَ بِنَا وَلَا نَمْلِكُ لِأَنْفُسِنَا ضَرًّا وَلَا نَفْعًا
٢٣ / ٣٢٣
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ﴾ [الجن: ٦] قَالَ: كَانُوا يَقُولُونَ إِذَا هَبَطُوا وَادِيًا: نَعُوذُ بِعُظَمَاءِ هَذَا الْوَادِي
٢٣ / ٣٢٣
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ﴾ [الجن: ٦] ذُكِرَ لَنَا أَنَّ هَذَا الْحَيَّ مِنَ الْعَرَبِ كَانُوا إِذَا نَزَلُوا بِوَادٍ قَالُوا: نَعُوذُ بِأَعَزِّ أَهْلِ هَذَا الْمَكَانِ؛ قَالَ اللَّهُ: ﴿فَزَادُوهُمْ رَهَقًا﴾ [الجن: ٦] أَيْ إِثْمًا، وَازْدَادَتِ الْجِنُّ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ جَرَاءَةً
٢٣ / ٣٢٣
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ﴾ [الجن: ٦] كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا نَزَلُوا مَنْزِلًا يَقُولُونَ: نَعُوذُ بِأَعَزِّ أَهْلِ هَذَا الْمَكَانِ
٢٣ / ٣٢٣
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا مِهْرَانُ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ ﴿وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ﴾ [الجن: ٦] قَالَ: كَانُوا يَقُولُونَ: فُلَانٌ مِنَ الْجِنِّ رَبُّ هَذَا الْوَادِي، فَكَانَ أَحَدُهُمْ إِذَا دَخَلَ الْوَادِي يَعُوذُ بِرَبِّ الْوَادِي مِنْ دُونِ اللَّهِ، قَالَ: فَيَزِيدُهُ بِذَلِكَ رَهَقًا، وَهُوَ الْفَرَقُ
٢٣ / ٣٢٤
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا﴾ [الجن: ٦] قَالَ كَانَ الرَّجُلُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا نَزَلَ بِوَادٍ قَبْلَ الْإِسْلَامِ قَالَ: إِنِّي أَعُوذُ بِكَبِيرِ هَذَا الْوَادِي. فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ عَاذُوا بِاللَّهِ وَتَرَكُوهُمْ
٢٣ / ٣٢٤
وَقَوْلُهُ: ﴿فَزَادُوهُمْ رَهَقًا﴾ [الجن: ٦] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى ذَلِكَ: فَزَادَ الْإِنْسُ بِالْجِنِّ بِاسْتِعَاذَتِهِمْ بِعَزِيزِهِمْ، جَرَاءَةً عَلَيْهِمْ، وَازْدَادُوا بِذَلِكَ إِثْمًا.
٢٣ / ٣٢٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ﴿فَزَادُوهُمْ رَهَقًا﴾ [الجن: ٦] فَزَادَهُمْ ذَلِكَ إِثْمًا
٢٣ / ٣٢٤
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: قَالَ اللَّهُ: ﴿فَزَادُوهُمْ رَهَقًا﴾ [الجن: ٦] أَيْ إِثْمًا، وَازْدَادَتِ الْجِنُّ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ جَرَاءَةً
٢٣ / ٣٢٤
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿فَزَادُوهُمْ رَهَقًا﴾ [الجن: ٦] يَقُولُ: خَطِيئَةً
٢٣ / ٣٢٥
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا مِهْرَانُ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، ﴿فَزَادُوهُمْ رَهَقًا﴾ [الجن: ٦] قَالَ: فَيَزْدَادُونَ عَلَيْهِمْ جَرَاءَةً
٢٣ / ٣٢٥
قَالَ ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ ﴿فَزَادُوهُمْ رَهَقًا﴾ [الجن: ٦] قَالَ: ازْدَادُوا عَلَيْهِمْ جَرَاءَةً وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عُنِيَ بِذَلِكَ أَنَّ الْكُفَّارَ زَادُوا بِذَلِكَ طُغْيَانًا
٢٣ / ٣٢٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ ﴿فَزَادُوهُمْ رَهَقًا﴾ [الجن: ٦] قَالَ: زَادَ الْكُفَّارُ طُغْيَانًا وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عُنِيَ بِذَلِكَ فَزَادُوهُمْ فَرَقًا
٢٣ / ٣٢٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا مِهْرَانُ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، ﴿فَزَادُوهُمْ رَهَقًا﴾ [الجن: ٦] قَالَ: فَيَزِيدُهُمْ ذَلِكَ رَهَقًا، وَهُوَ الْفَرَقُ
٢٣ / ٣٢٥
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿فَزَادُوهُمْ رَهَقًا﴾ [الجن: ٦] قَالَ: زَادَهُمُ الْجِنُّ خَوْفًا وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَى ذَلِكَ: فَزَادَ الْإِنْسَ الْجِنُّ بِفِعْلِهِمْ ذَلِكَ إِثْمًا، وَذَلِكَ زَادُوهُمْ بِهِ اسْتِحْلَالًا لِمَحَارِمِ اللَّهِ. وَالرَّهَقُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ: الْإِثْمُ وَغَشَيَانُ الْمَحَارِمِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الْأَعْشَى:
[البحر البسيط] لَا شَيْءَ يَنْفَعُنِي مِنْ دُونِ رُؤْيَتِهَا … هَلْ يَشْتَفِي وَامِقٌ مَا لَمْ يُصِبْ رَهَقًا
يَقُولُ: مَا لَمْ يَغْشَ مَحْرَمًا
[البحر البسيط] لَا شَيْءَ يَنْفَعُنِي مِنْ دُونِ رُؤْيَتِهَا … هَلْ يَشْتَفِي وَامِقٌ مَا لَمْ يُصِبْ رَهَقًا
يَقُولُ: مَا لَمْ يَغْشَ مَحْرَمًا
٢٣ / ٣٢٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا﴾ [الجن: ٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُخْبِرًا عَنْ قِيلِ هَؤُلَاءِ النَّفَرٍ مِنَ الْجِنِّ ﴿وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا﴾ [الجن: ٧] يَعْنِي أَنَّ الرِّجَالَ مِنَ الْجِنِّ ظَنُّوا كَمَا ظَنَّ الرِّجَالُ مِنَ الْإِنْسِ ﴿أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا﴾ [الجن: ٧] رَسُولًا إِلَى خَلْقِهِ، يَدْعُوهُمْ إِلَى تَوْحِيدِهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
٢٣ / ٣٢٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنِ الْكَلْبِيِّ، ﴿وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ⦗٣٢٧⦘ ظَنَنْتُمْ﴾ [الجن: ٧] ظَنَّ كُفَّارِ الْجِنِّ كَمَا ظَنَّ كَفَرَةُ الْإِنْسِ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ رَسُولًا
٢٣ / ٣٢٦
وَقَوْلُهُ: ﴿وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ﴾ [الجن: ٨] يَقُولُ عز وجل مُخْبِرًا عَنْ قِيلِ هَؤُلَاءِ النَّفَرٍ: وَأَنَّا طَلَبْنَا السَّمَاءَ وَأَرَدْنَاهَا ﴿فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ﴾ [الجن: ٨] يَقُولُ: فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا يَعْنِي حَفَظَةً ﴿وَشُهُبًا﴾ [الجن: ٨] وَهِيَ جَمْعُ شِهَابٍ، وَهِيَ النُّجُومُ الَّتِي كَانَتْ تُرْجَمُ بِهَا الشَّيَاطِينُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
٢٣ / ٣٢٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ زِيَادٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: كَانَتِ الْجِنُّ تَسْتَمِعُ، فَلَمَّا رُجِمُوا قَالُوا: إِنَّ هَذَا الَّذِي حَدَثَ فِي السَّمَاءِ لِشَيْءٍ حَدَثَ فِي الْأَرْضِ؛ قَالَ: فَذَهَبُوا يَطْلُبُونَ حَتَّى رَأَوُا النَّبِيَّ ﷺ خَارِجًا مِنْ سُوقِ عُكَاظٍ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ الْفَجْرَ، فَذَهَبُوا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ
٢٣ / ٣٢٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شَهَابًا رَصَدًا وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا﴾ [الجن: ١٠] يَقُولُ عز وجل: ﴿وَأَنَّا كُنَّا﴾ [الجن: ٩] مَعْشَرَ الْجِنِّ ⦗٣٢٨⦘ نَقْعُدُ مِنَ السَّمَاءِ مَقَاعِدَ لَنَسْمَعَ مَا يَحْدُثُ، وَمَا يَكُونُ فِيهَا ﴿فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ﴾ [الجن: ٩] فِيهَا مِنَّا ﴿يَجِدْ لَهُ شَهَابًا رَصَدًا﴾ [الجن: ٩] يَعْنِي: شِهَابَ نَارٍ قَدْ رُصِدَ لَهُ بِهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
٢٣ / ٣٢٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ﴾ [الجن: ٨] إِلَى قَوْلُهُ: ﴿فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شَهَابًا رَصَدًا﴾ [الجن: ٩] كَانَتِ الْجِنُّ تَسْمَعُ سَمْعَ السَّمَاءِ؛ فَلَمَّا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيَّهُ، حُرِسَتِ السَّمَاءُ، وَمُنِعُوا ذَلِكَ، فَتَفَقَّدَتِ الْجِنُّ ذَلِكَ مِنْ أَنْفُسِهَا وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ أَشْرَافَ الْجِنِّ كَانُوا بِنَصِيبِينَ، فَطَلَبُوا ذَلِكَ، وَضَرَبُوا لَهُ حَتَّى سَقَطُوا عَلَى نَبِيِّ اللَّهِ ﷺ وَهُو يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ عَامِدًا إِلَى عُكَاظٍ
٢٣ / ٣٢٨
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا﴾ [الجن: ٨] حَتَّى بَلَغَ ﴿فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شَهَابًا رَصَدًا﴾ [الجن: ٩] فَلَمَّا وَجَدُوا ذَلِكَ رَجَعُوا إِلَى إِبْلِيسَ، فَقَالُوا: مُنِعَ مِنَّا السَّمْعَ، فَقَالَ لَهُمْ: إِنَّ السَّمَاءَ لَمْ تُحْرَسْ قَطُّ إِلَّا عَلَى أَحَدِ أَمْرَيْنِ: إِمَّا لِعَذَابٍ يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُنْزِلَهُ عَلَى أَهْلِ الْأَرْضِ بَغْتَةً، وَإِمَّا نَبِيٍّ مُرْشِدٍ مُصْلِحٍ؛ قَالَ: فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ: ﴿وَأَنَّا لَا ⦗٣٢٩⦘ نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رُشْدًا﴾ [الجن: ١٠]
٢٣ / ٣٢٨
وَقَوْلُهُ: ﴿وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رُشْدًا﴾ [الجن: ١٠] يَقُولُ عز وجل مُخْبِرًا عَنْ قِيلِ هَؤُلَاءِ النَّفَرِ مِنَ الْجِنِّ: ﴿وَأَنَّا لَا نَدْرِي﴾ [الجن: ١٠] أَعَذَابًا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُنْزِلَهُ بِأَهْلِ الْأَرْضِ، بِمَنْعِهِ إِيَّانَا السَّمْعَ مِنَ السَّمَاءِ وَرَجْمِهِ مَنِ اسْتَمَعَ مِنَّا فِيهَا بِالشُّهُبِ ﴿أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رُشْدًا﴾ [الجن: ١٠] يَقُولُ: ﴿أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمُ﴾ [الجن: ١٠] الْهُدَى بِأَنْ يَبْعَثَ مِنْهُمْ رَسُولًا مُرْشِدًا يُرْشِدُهُمْ إِلَى الْحَقِّ. وَهَذَا التَّأْوِيلِ عَلَى التَّأْوِيلِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنِ ابْنِ زَيْدٍ قَبْلُ.
٢٣ / ٣٢٩
وَذُكِرَ عَنِ الْكَلْبِيِّ فِي ذَلِكَ مَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، عَنِ الْكَلْبِيِّ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رُشْدًا﴾ [الجن: ١٠] أَنْ يُطِيعُوا هَذَا الرَّسُولَ فَيُرْشِدَهُمْ أَوْ يَعْصُوهُ فَيُهْلِكَهُمْ وَإِنَّمَا قُلْنَا الْقَوْلَ الْأَوَّلَ لِأَنَّ قَوْلَهُ: ﴿وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ﴾ [الجن: ١٠] عُقَيْبَ قَوْلِهِ: ﴿وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ﴾ [الجن: ٩] الْآيَةُ، فَكَانَ ذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ مِنْ تَمَامِ قِصَّةِ مَا وَلِيَهُ وَقَرُبَ مِنْهُ أَوْلَى بِأَنْ يَكُونَ مِنْ تَمَامِ خَبَرِ مَا بَعُدَ عَنْهُ
٢٣ / ٣٢٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَبًا وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا﴾ [الجن: ١٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُخْبِرًا عَنْ قِيلِهِمْ: ﴿وَأَنَّا مِنَّا ⦗٣٣٠⦘ الصَّالِحُونَ﴾ [الجن: ١١] وَهُمُ الْمُسْلِمُونَ الْعَامِلُونَ بِطَاعَةِ اللَّهِ. ﴿وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ﴾ [الجن: ١١] يَقُولُ: وَمِنَّا دُونَ الصَّالِحِينَ. ﴿كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا﴾ [الجن: ١١] يَقُولُ: وَأَنَّا كُنَّا أَهْوَاءَ مُخْتَلِفَةً، وَفِرَقًا شَتَّى، مِنَّا الْمُؤْمِنُ وَالْكَافِرُ. وَالطَّرَائِقُ: جَمْعُ طَرِيقَةٍ، وَهِيَ طَرِيقَةُ الرَّجُلِ وَمَذْهَبُهُ. وَالْقِدَدُ: جَمْعُ قِدَّةٍ، وَهِيَ الضُّرُوبُ وَالْأَجْنَاسُ الْمُخْتَلِفَةُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
٢٣ / ٣٢٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ الرَّازِيُّ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿طَرَائِقَ قِدَدًا﴾ [الجن: ١١] يَقُولُ: أَهْوَاءٌ مُخْتَلِفَةٌ
٢٣ / ٣٣٠
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا﴾ [الجن: ١١] يَقُولُ: أَهْوَاءٌ شَتَّى، مِنَّا الْمُسْلِمُ، وَمِنَّا الْمُشْرِكُ
٢٣ / ٣٣٠
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا﴾ [الجن: ١١] كَانَ الْقَوْمُ عَلَى أَهْوَاءٍ شَتَّى
٢٣ / ٣٣٠
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿طَرَائِقَ قِدَدًا﴾ [الجن: ١١] قَالَ: أَهْوَاءٌ
٢٣ / ٣٣٠
حَدَّثَنِي ابْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا﴾ [الجن: ١١] قَالَ: مُسْلِمِينَ وَكَافِرِينَ
٢٣ / ٣٣١
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، ﴿كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا﴾ [الجن: ١١] قَالَ: شَتَّى، مُؤْمِنٌ وَكَافِرٌ
٢٣ / ٣٣١
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا﴾ [الجن: ١١] قَالَ: صَالِحٌ وَكَافِرٌ؛ وَقَرَأَ قَوْلَ اللَّهِ: ﴿وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ﴾ [الجن: ١١]
٢٣ / ٣٣١
وَقَوْلُهُ: ﴿وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ﴾ [الجن: ١٢] يَقُولُ: وَأَنَّا عَلِمْنَا أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ إِنْ أَرَادَ بِنَا سُوءًا ﴿وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَبًا﴾ [الجن: ١٢] إِنْ طَلَبَنَا فَنَفُوتَهُ. وَإِنَّمَا وَصَفُوا اللَّهَ بِالْقُدْرَةِ عَلَيْهِمْ حَيْثُ كَانُوا. ﴿وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ﴾ [الجن: ١٣] يَقُولُ: قَالُوا: وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْقُرْآنَ الَّذِي يَهْدِي إِلَى الطَّرِيقِ الْمُسْتَقِيمِ آمَنَّا بِهِ، يَقُولُ: صَدَّقْنَا بِهِ، وَأَقْرَرْنا أَنَّهُ حَقٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ﴿فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا﴾ [الجن: ١٣] يَقُولُ: فَمَنْ يُصَدِّقْ بِرَبِّهِ ﴿فَلَا يَخَافُ بَخْسًا﴾ [الجن: ١٣]: يَقُولُ: لَا يَخَافُ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَلَا يُجَازَى عَلَيْهَا؛ وَلَا رَهَقًا: وَلَا إِثْمًا يُحْمَلُ عَلَيْهِ مِنْ سَيِّئَاتِ غَيْرِهِ، أَوْ سَيِّئَةٍ يَعْمَلُهَا. ⦗٣٣٢⦘ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
٢٣ / ٣٣١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا﴾ [الجن: ١٣] يَقُولُ: لَا يَخَافُ نَقْصًا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَلَا زِيَادَةً فِي سَيِّئَاتِهِ
٢٣ / ٣٣٢
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا﴾ [الجن: ١٣] يَقُولُ: وَلَا يَخَافُ أَنْ يُبْخَسَ مِنْ عَمَلِهِ شَيْءٌ
٢٣ / ٣٣٢
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿فَلَا يَخَافُ بَخْسًا﴾ [الجن: ١٣] أَيْ ظُلْمًا، أَنْ يُظْلَمَ مِنْ حَسَنَاتِهِ فَيُنْقَصَ مِنْهَا شَيْئًا، أَوْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ ذَنْبُ غَيْرِهِ ﴿وَلَا رَهَقًا﴾ [الجن: ١٣] وَلَا مَأْثَمًا
٢٣ / ٣٣٢
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا﴾ [الجن: ١٣] قَالَ: لَا يَخَافُ أَنْ يُبْخَسَ مِنْ أَجْرِهِ شَيْئًا ﴿وَلَا رَهَقًا﴾ [الجن: ١٣] فَيُظْلَمُ وَلَا يُعْطَى شَيْئًا
٢٣ / ٣٣٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ ⦗٣٣٣⦘ تَحَرَّوْا رَشَدًا وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا﴾ [الجن: ١٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُخْبِرًا عَنْ قِيلِ النَّفَرِ مِنَ الْجِنِّ: ﴿وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ﴾ [الجن: ١٤] الَّذِينَ قَدْ خَضَعُوا لِلَّهِ بِالطَّاعَةِ ﴿وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ﴾ [الجن: ١٤] وَهُمُ الْجَائِرُونَ عَنِ الْإِسْلَامِ وَقَصْدِ السَّبِيلِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
٢٣ / ٣٣٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ﴾ [الجن: ١٤] قَالَ: الْعَادِلُونَ عَنِ الْحَقِّ
٢٣ / ٣٣٣
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿الْقَاسِطُونَ﴾ [الجن: ١٤] قَالَ: الظَّالِمُونَ
٢٣ / ٣٣٣
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: ﴿الْقَاسِطُونَ﴾ [الجن: ١٤] الْجَائِرُونَ
٢٣ / ٣٣٣
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿الْقَاسِطُونَ﴾ [الجن: ١٤] قَالَ: الْجَائِرُونَ
٢٣ / ٣٣٣
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: الْمُقْسِطُ: الْعَادِلُ، وَالْقَاسِطُ: الْجَائِرُ. وَذَكَرَ بَيْتَ شِعْرٍ:
[البحر الطويل] قَسَطْنَا عَلَى الْأَمْلَاكِ فِي عَهْدِ تُبَّعِ … وَمِنْ قَبْلِ مَا أَدْرَى النُّفُوسَ عِقَابَهَا
وَقَالَ: وَهَذَا مِثْلُ التَّرِبُ وَالْمُتْرِبُ؛ قَالَ: وَالتَّرِبُ: الْمِسْكِينُ، وَقَرَأَ: ﴿أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ﴾ [البلد: ١٦] قَالَ: وَالْمُتْرِبُ: الْغَنِيُّ
[البحر الطويل] قَسَطْنَا عَلَى الْأَمْلَاكِ فِي عَهْدِ تُبَّعِ … وَمِنْ قَبْلِ مَا أَدْرَى النُّفُوسَ عِقَابَهَا
وَقَالَ: وَهَذَا مِثْلُ التَّرِبُ وَالْمُتْرِبُ؛ قَالَ: وَالتَّرِبُ: الْمِسْكِينُ، وَقَرَأَ: ﴿أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ﴾ [البلد: ١٦] قَالَ: وَالْمُتْرِبُ: الْغَنِيُّ
٢٣ / ٣٣٤
وَقَوْلُهُ: ﴿فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا﴾ [الجن: ١٤] يَقُولُ: ﴿فَمَنْ أَسْلَمَ﴾ [الجن: ١٤] وَخَضَعَ لِلَّهِ بِالطَّاعَةِ، فَأُولَئِكَ تَعَمَّدُوا وَتَرَجُّوا رَشَدًا فِي دِينِهِمْ. ﴿وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ﴾ [الجن: ١٥] يَقُولُ: الْجَائِرُونَ عَنِ الْإِسْلَامِ، ﴿فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا﴾ [الجن: ١٥] تُوقَدُ بِهِمْ.
٢٣ / ٣٣٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامَ هَؤُلَاءِ الْقَاسِطُونَ عَلَى طَرِيقَةِ الْحَقِّ وَالِاسْتِقَامَةِ ﴿لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا﴾ [الجن: ١٦] يَقُولُ: لَوَسَّعْنَا عَلَيْهِمْ فِي الرِّزْقِ، وَبَسَطْنَاهُمْ فِي الدُّنْيَا ﴿لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ﴾ [طه: ١٣١] يَقُولُ لِنَخْتَبِرَهُمْ فِيهِ. ⦗٣٣٥⦘ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ نَحْوَ الَّذِي قُلْنَا فِيهِ.
٢٣ / ٣٣٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا﴾ يَعْنِي بِالِاسْتِقَامَةِ: الطَّاعَةَ. فَأَمَّا الْغَدَقُ فَالْمَاءُ الطَّاهِرُ الْكَثِيرُ ﴿لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ﴾ [الجن: ١٧] يَقُولُ: لِنَبْتَلِيَهُمْ بِهِ
٢٣ / ٣٣٥
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا مُؤَمَّلٌ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ﴿وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ﴾ طَرِيقَةِ الْإِسْلَامِ ﴿لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا﴾ [الجن: ١٦] . قَالَ: نَافِعًا كَثِيرًا، لَأَعْطَيْنَاهُمْ مَالًا كَثِيرًا ﴿لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ﴾ [الجن: ١٧] حَتَّى يَرْجِعُوا لِمَا كُتِبَ عَلَيْهِمْ مِنَ الشَّقَاءِ. حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ زَيْدٍ الْخَطَّابِيُّ، قَالَ: ثنا الْفِرْيَابِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ
٢٣ / ٣٣٥
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ﴿وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ﴾ قَالَ: طَرِيقَةِ الْحَقِّ ﴿لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا﴾ [الجن: ١٦] يَقُولُ: مَالًا كَثِيرًا ﴿لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ﴾ [الجن: ١٧] قَالَ: لِنَبْتَلِيَهُمْ بِهِ حَتَّى يَرْجِعُوا إِلَى مَا كُتِبَ عَلَيْهِمْ مِنَ الشَّقَاءِ. ⦗٣٣٦⦘ حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِيهِ، مِثْلَهُ
٢٣ / ٣٣٥
قَالَ: ثنا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ﴿وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ﴾ قَالَ: الْإِسْلَامُ ﴿لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا﴾ [الجن: ١٦] قَالَ: الْكَثِيرُ ﴿لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ﴾ [الجن: ١٧] قَالَ: لِنَبْتَلِيَهُمْ بِهِ
٢٣ / ٣٣٦
قَالَ: ثنا مِهْرَانُ، عَنْ أَبِي سِنَانٍ، عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ﴿مَاءً غَدَقًا﴾ [الجن: ١٦] قَالَ الْمَاءُ. وَالْغَدَقُ: الْكَثِيرُ ﴿لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ﴾ [الجن: ١٧] حَتَّى يَرْجِعُوا إِلَى عِلْمِي فِيهِمْ
٢٣ / ٣٣٦
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا﴾ [الجن: ١٦] قَالَ: لَأَعْطَيْنَاهُمْ مَالًا كَثِيرًا، قَوْلُهُ: ﴿لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ﴾ [الجن: ١٧] قَالَ: لِنَبْتَلِيَهُمْ
٢٣ / ٣٣٦
حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ، قَالَ: ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنِ الْمِنْهَالِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ﴾ قَالَ: الدِّينُ ﴿لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا﴾ [الجن: ١٦] قَالَ: مَالًا كَثِيرًا ﴿لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ﴾ [الجن: ١٧] يَقُولُ: لِنَبْتَلِيَهُمْ بِهِ
٢٣ / ٣٣٦
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا ⦗٣٣٧⦘ عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا﴾ قَالَ: لَوْ آمَنُوا كُلُّهُمْ لَأَوْسَعْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ الدُّنْيَا. قَالَ اللَّهُ: ﴿لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ﴾ [الجن: ١٧] يَقُولُ: لِنَبْتَلِيَهُمْ بِهَا
٢٣ / ٣٣٦
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا﴾ [الجن: ١٦] قَالَ: لَوِ اتَّقَوْا لَوُسِّعَ عَلَيْهِمْ فِي الرِّزْقِ ﴿لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ﴾ [الجن: ١٧] قَالَ: لِنَبْتَلِيَهُمْ فِيهِ
٢٣ / ٣٣٧
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا مِهْرَانُ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، ﴿مَاءً غَدَقًا﴾ [الجن: ١٦] قَالَ: عَيْشًا رَغَدًا
٢٣ / ٣٣٧
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا﴾ قَالَ: الْغَدَقُ الْكَثِيرُ: مَالٌ كَثِيرٌ ﴿لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ﴾ [الجن: ١٧] لِنَخْتَبِرَهُمْ فِيهِ
٢٣ / ٣٣٧
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْآمُلِيُّ، قَالَ: ثنا الْمُطَّلِبُ بْنُ زِيَادٍ، عَنِ التَّيْمِيِّ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ رضي الله عنه فِي قَوْلِهِ: ﴿وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا﴾ قَالَ: أَيْنَمَا كَانَ الْمَاءُ كَانَ الْمَالُ وَأَيْنَمَا كَانَ الْمَالُ كَانَتِ الْفِتْنَةُ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الضَّلَالَةِ لَأَعْطَيْنَاهُمْ سَعَةً ⦗٣٣٨⦘ مِنَ الرِّزْقِ لِنَسْتَدْرِجَهُمْ بِهَا
٢٣ / ٣٣٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ عِمْرَانَ بْنَ حُدَيْرٍ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ، قَالَ: وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى طَرِيقَةِ الضَّلَالَةِ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى طَرِيقَةِ الْحَقِّ وَآمَنُوا لَوَسَّعْنَا عَلَيْهِمْ
٢٣ / ٣٣٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: ثنا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمَعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ﴾ قَالَ: هَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ كَقَوْلِهِ: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ﴾ [المائدة: ٦٦] وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾ [الأعراف: ٩٦] وَالْمَاءُ الْغَدَقُ يَعْنِي: الْمَاءَ الْكَثِيرَ ﴿لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ﴾ [الجن: ١٧] لِنَبْتَلِيَهُمْ فِيهِ
٢٣ / ٣٣٨
وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا﴾ [الجن: ١٧] يَقُولُ عز وجل: وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ الَّذِي ذَكَّرَهُ بِهِ، وَهُوَ هَذَا الْقُرْآنُ؛ وَمَعْنَاهُ: وَمَنْ ⦗٣٣٩⦘ يُعْرِضْ عَنِ اسْتِمَاعِ الْقُرْآنِ وَاسْتِعْمَالِهِ. ﴿يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا﴾ [الجن: ١٧] يَقُولُ: يَسْلُكْهُ اللَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا شَاقًّا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
٢٣ / ٣٣٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا﴾ [الجن: ١٧] يَقُولُ: مَشَقَّةً مِنَ الْعَذَابِ يَصْعَدُ فِيهَا
٢٣ / ٣٣٩
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثني أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿عَذَابًا صَعَدًا﴾ [الجن: ١٧] قَالَ: مَشَقَّةً مِنَ الْعَذَابِ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا وَكِيعٌ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
٢٣ / ٣٣٩
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا وَكِيعٌ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ﴿عَذَابًا صَعَدًا﴾ [الجن: ١٧] قَالَ: جَبَلٌ فِي جَهَنَّمَ
٢٣ / ٣٣٩
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا﴾ [الجن: ١٧] عَذَابًا لَا رَاحَةَ فِيهِ
٢٣ / ٣٣٩
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿عَذَابًا صَعَدًا﴾ [الجن: ١٧] قَالَ: صَعُودًا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ لَا رَاحَةَ فِيهِ
٢٣ / ٣٤٠
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا﴾ [الجن: ١٧] قَالَ: الصَّعَدُ: الْعَذَابُ الْمُنْصِبُ. وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿يَسْلُكْهُ﴾ [الجن: ١٧] فَقَرَأَهُ بَعْضُ قُرَّاءِ مَكَّةَ وَالْبَصْرَةِ: (نَسْلُكْهُ) بِالنُّونِ اعْتِبَارًا بِقَوْلِهِ: ﴿لِنَفْتِنَهُمْ﴾ [الجن: ١٧] أَنَّهَا بِالنُّونِ، وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ بِالْيَاءِ، بِمَعْنَى: يَسْلُكْهُ اللَّهُ، رَدًّا عَلَى الرَّبِّ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ﴾ [الجن: ١٧]
٢٣ / ٣٤٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا﴾ [الجن: ١٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: ﴿قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ﴾ [الجن: ١] ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا﴾ [الجن: ١٨] أَيُّهَا النَّاسُ ﴿مَعَ اللَّهِ أَحَدًا﴾ [الجن: ١٨] وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ فِيهَا شَيْئًا، وَلَكِنْ أَفْرِدُوا لَهُ التَّوْحِيدَ، وَأَخْلِصُوا لَهُ الْعِبَادَةَ. ⦗٣٤١⦘ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
٢٣ / ٣٤٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا﴾ [الجن: ١٨] كَانَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى إِذَا دَخَلُوا كَنَائِسَهُمْ وَبِيَعَهُمْ أَشْرَكُوا بِاللَّهِ، فَأَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ أَنْ يُوَحِّدَ اللَّهَ وَحْدَهُ
٢٣ / ٣٤١
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ مَحْمُودٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ﴾ [الجن: ١٨] قَالَ: قَالَتِ الْجِنُّ لِنَبِيِّ اللَّهِ: كَيْفَ لَنَا نَأْتِي الْمَسْجِدَ، وَنَحْنُ نَاءُونَ عَنْكَ، وَكَيْفَ نَشْهَدُ مَعَكَ الصَّلَاةَ وَنَحْنُ نَاءُونَ عَنْكَ؟ فَنَزَلَتْ: ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا﴾ [الجن: ١٨]
٢٣ / ٣٤١
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا﴾ [الجن: ١٨] قَالَ: كَانَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى إِذَا دَخَلُوا كَنَائِسَهُمْ وَبِيَعَهُمْ أَشْرَكُوا بِاللَّهِ، فَأَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ أَنْ يَخْلِصَ لَهُ الدَّعْوَةَ إِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ
٢٣ / ٣٤١
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ ⦗٣٤٢⦘، ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ﴾ [الجن: ١٨] قَالَ: الْمَسَاجِدُ كُلُّهَا
٢٣ / ٣٤١
وَقَوْلُهُ: ﴿وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا﴾ [الجن: ١٩] يَقُولُ: وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَدْعُو اللَّهَ يَقُولُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ﴿كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا﴾ [الجن: ١٩] يَقُولُ: كَادُوا يَكُونُونَ عَلَى مُحَمَّدٍ جَمَاعَاتٍ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ؛ وَاحِدُهَا: لِبْدَةٌ، وَفِيهَا لُغَتَانِ: كَسْرُ اللَّامِ لِبَدَةٌ، وَمَنْ كَسَرَهَا جَمَعَهَا لِبَدٌ؛ وَضَمُّ اللَّامِ لُبَدَةٌ، وَمَنْ ضَمَّهَا جَمَعَهَا لُبَدٌ بِضَمِّ اللَّامِ، أَوْ لَابِدٌ؛ وَمَنْ جَمَعَ لَابِدٌ قَالَ: لُبَّدًا، مِثْلُ رَاكِعٍ وَرُكَّعًا. وَقُرَّاءُ الْأَمْصَارِ عَلَى كَسْرِ اللَّامِ مِنْ لِبَدٍ، غَيْرُ ابْنِ مُحَيْصِنٍ فَإِنَّهُ كَانَ يَضُمُّهَا، وَهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ؛ غَيْرَ أَنَّ الْقِرَاءَةَ الَّتِي عَلَيْهَا قُرَّاءُ الْأَمْصَارِ أَحَبُّ إِلَيَّ، وَالْعَرَبُ تَدْعُو الْجَرَادَ الْكَثِيرَ الَّذِي قَدْ رَكِبَ بَعْضُهُ بَعْضًا لُبَدَةٌ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ رِبْعِيٍّ الْهُذَلِيِّ:
[البحر البسيط] صَابُوا بِسِتَّةِ أَبْيَاتٍ وَأَرْبَعَةٍ … حَتَّى كَأَنَّ عَلَيْهِمْ جَابِيًا لُبَدَا
وَالْجَابِي: الْجَرَادُ الَّذِي يَجْبِي كُلَّ شَيْءٍ يَأْكُلُهُ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الَّذِينَ عُنُوا بِقَوْلِهِ: ﴿كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا﴾ [الجن: ١٩] فَقَالَ
[البحر البسيط] صَابُوا بِسِتَّةِ أَبْيَاتٍ وَأَرْبَعَةٍ … حَتَّى كَأَنَّ عَلَيْهِمْ جَابِيًا لُبَدَا
وَالْجَابِي: الْجَرَادُ الَّذِي يَجْبِي كُلَّ شَيْءٍ يَأْكُلُهُ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الَّذِينَ عُنُوا بِقَوْلِهِ: ﴿كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا﴾ [الجن: ١٩] فَقَالَ
٢٣ / ٣٤٢
بَعْضُهُمْ: عُنِيَ بِذَلِكَ الْجِنُّ أَنَّهُمْ كَادُوا يَرْكَبُونَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لَمَّا سَمِعُوا الْقُرْآنَ.
٢٣ / ٣٤٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا﴾ [الجن: ١٩] يَقُولُ: لَمَّا سَمِعُوا النَّبِيَّ ﷺ يَتْلُو الْقُرْآنَ، وَدَنَوْا مِنْهُ فَلَمْ يَعْلَمْ بِهِمْ حَتَّى أَتَاهُ الرَّسُولُ، فَجَعَلَ يُقْرِئُهُ: ﴿قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ﴾ [الجن: ١]
٢٣ / ٣٤٣
حُدِّثْتُ، عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: ثنا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمَعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا﴾ [الجن: ١٩] كَادُوا يَرْكَبُونَهَ حِرْصًا عَلَى مَا سَمِعُوا مِنْهُ مِنَ الْقُرْآنِ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَمَنْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ جَعَلَ قَوْلَهُ: ﴿وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ﴾ [الجن: ١٩] مِمَّا أُوحِيَ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَيَكُونُ مَعْنَاهُ: ﴿قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ﴾ [الجن: ١]، ﴿وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ﴾ [الجن: ١٩] . وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ هَذَا مِنْ قَوْلِ النَّفَرِ مِنَ الْجِنِّ لَمَّا رَجَعُوا إِلَى قَوْمِهِمْ أَخْبَرُوهُمْ بِمَا رَأَوْا مِنْ طَاعَةِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ لَهُ، وَائْتِمَامِهِمْ بِهِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ
٢٣ / ٣٤٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرٍ، قَالَ: ثنا أَبُو هِشَامٍ، عَنْ أَبِي عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَوْلُ الْجِنِّ لِقَوْمِهِمْ: ﴿لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا﴾ [الجن: ١٩] قَالَ: لَمَّا رَأَوْهُ يُصَلِّي وَأَصْحَابُهُ يَرْكَعُونَ بِرُكُوعِهِ وَيَسْجُدُونَ بِسُجُودِهِ، قَالَ: عَجِبُوا مِنْ طَوَاعِيَةِ أَصْحَابِهِ لَهُ؛ قَالَ: فَقَالَ لِقَوْمِهِمْ ﴿لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا﴾ [الجن: ١٩]
٢٣ / ٣٤٤
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ زِيَادٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا﴾ [الجن: ١٩] قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ نَبِيِّ اللَّهِ ﷺ يَأْتَمُّونَ بِهِ، فَيَرْكَعُونَ بِرُكُوعِهِ، وَيَسْجُدُونَ بِسُجُودِهِ وَمَنْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَسَعِيدٍ فَتَحَ الْأَلِفَ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿وَأَنَّهُ﴾ [الجن: ١٩] عَطْفٌ بِهَا عَلَى قَوْلِهِ: ﴿وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا﴾ [الجن: ٣] مَفْتُوحَةً، وَجَازَ لَهُ كَسْرُهَا عَلَى الِابْتِدَاءِ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ ذَلِكَ مِنْ خَبَرِ اللَّهِ الَّذِي أَوْحَاهُ إِلَى نَبِيِّهِ ﷺ لَعِلْمِهِ أَنَّ الْإِنْسَ وَالْجِنَّ تَظَاهَرُوا عَلَيْهِ، لِيُبْطِلُوا الْحَقَّ الَّذِي جَاءَهُمْ بِهِ، فَأَبَى اللَّهُ إِلَّا إِتْمَامَهُ
٢٣ / ٣٤٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ ⦗٣٤٥⦘ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا﴾ [الجن: ١٩] قَالَ: تَلَبَّدَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى هَذَا الْأَمْرِ لِيُطْفِئُوهُ، فَأَبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يَنْصُرَهُ وَيُمْضِيَهُ، وَيُظْهِرَهُ عَلَى مَنْ نَاوَأَهُ
٢٣ / ٣٤٤
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: ﴿لِبَدًا﴾ [الجن: ١٩] قَالَ: لَمَّا قَامَ النَّبِيُّ ﷺ تَلَبَّدَتِ الْجِنُّ وَالْإِنْسُ، فَحَرِصُوا عَلَى أَنْ يُطْفِئُوا هَذَا النُّورَ الَّذِي أَنْزَلَهُ اللَّهُ
٢٣ / ٣٤٥
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا﴾ [الجن: ١٩] قَالَ: تَظَاهَرُوا عَلَيْهِ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، تَظَاهَرُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَمَنْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ فَتَحَ الْأَلِفَ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿وَأَنَّهُ﴾ [الجن: ١٩] وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ قَوْلُ مَنْ قَالَ: ذَلِكَ خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ عَنْ أَنَّ رَسُولَهُ مُحَمَّدًا ﷺ لَمَّا قَامَ يَدْعُوهُ كَادَتِ الْعَرَبُ تَكُونُ عَلَيْهِ جَمِيعًا فِي إِطْفَاءِ نُورِ اللَّهِ. وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى التَّأْوِيلَاتِ بِالصَّوَابِ لِأَنَّ قَوْلَهُ: ﴿وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ﴾ [الجن: ١٩] عُقَيْبَ قَوْلِهِ: ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ﴾ [الجن: ١٨] وَذَلِكَ مِنْ خَبَرِ اللَّهِ فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ﴾ [الجن: ١٩] وَأُخْرَى أَنَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَتْبَعَ ذَلِكَ قَوْلَهُ: ﴿فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا﴾ [الجن: ١٨] فَمَعْلُومٌ أَنَّ الَّذِيَ يَتْبَعُ ذَلِكَ الْخَبَرُ عَمَّا لَقِيَ الْمَأْمُورُ ⦗٣٤٦⦘ بِأَنْ لَا يَدْعُوَ مَعَ اللَّهِ أَحَدًا فِي ذَلِكَ، لَا الْخَبَرُ عَنْ كَثْرَةِ إِجَابَةِ الْمَدْعُوِّينَ وَسُرْعَتِهِمْ إِلَى الْإِجَابَةِ
٢٣ / ٣٤٥
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا هَوْذَةُ، قَالَ: ثنا عَوْفٌ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ﴾ [الجن: ١٩] قَالَ: لَمَّا قَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَيَدْعُو النَّاسَ إِلَى رَبِّهِمْ كَادَتِ الْعَرَبُ تَكُونُ عَلَيْهِ جَمِيعًا
٢٣ / ٣٤٦
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا﴾ [الجن: ١٩] قَالَ: تَرَاكَبُوا عَلَيْهِ
٢٣ / ٣٤٦
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ﴿كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا﴾ [الجن: ١٩] قَالَ: بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ
٢٣ / ٣٤٦
حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ ﴿كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا﴾ [الجن: ١٩] يَقُولُ: أَعْوَانًا
٢٣ / ٣٤٦
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي ⦗٣٤٧⦘ الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا﴾ [الجن: ١٩] قَالَ: جَمِيعًا
٢٣ / ٣٤٦
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ ﴿كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا﴾ [الجن: ١٩] قَالَ: جَمِيعًا
٢٣ / ٣٤٧
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ ﴿كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا﴾ [الجن: ١٩] وَاللِّبَدُ: الشَّيْءُ الَّذِي بَعْضُهُ فَوْقَ بَعْضٍ
٢٣ / ٣٤٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا﴾ [الجن: ٢١] اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي﴾ [الجن: ٢٠] فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ وَبَعْضُ الْكُوفِيِّينَ عَلَى وَجْهِ الْخَبَرِ وَقَالَ بِالْأَلِفِ؛ وَمَنْ قَرَأَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، جَعَلَهُ خَبَرًا مِنَ اللَّهِ عَنْ نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ أَنَّهُ قَالَ، فَيَكُونُ مَعْنَى الْكَلَامِ: وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ تَلَبَّدُوا عَلَيْهِ، قَالَ لَهُمْ: ﴿إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا﴾ [الجن: ٢٠] . وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ الْمَدَنِيِّينَ وَعَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ عَلَى وَجْهِ الْأَمْرِ مِنَ اللَّهِ عز وجل لِنَبِيِّهِ ﷺ:
٢٣ / ٣٤٧
قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِلنَّاسِ الَّذِينَ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْكَ لِبَدًا: إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ.
٢٣ / ٣٤٨
وَقَوْلُهُ: ﴿قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا﴾ [الجن: ٢١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِمُشْرِكِي الْعَرَبِ الَّذِينَ رَدُّوا عَلَيْكَ مَا جِئْتَهُمْ بِهِ مِنَ النَّصِيحَةِ: إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا فِي دِينِكُمْ وَلَا فِي دُنْيَاكُمْ، وَلَا رَشَدًا أُرْشِدُكُمْ، لِأَنَّ الَّذِي يَمْلِكُ ذَلِكَ، اللَّهُ الَّذِي لَهُ مُلْكُ كُلِّ شَيْءٍ.
٢٣ / ٣٤٨
وَقَوْلُهُ: ﴿قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ﴾ [الجن: ٢٢] مِنْ خَلْقِهِ إِنْ أَرَادَنِي أَمْرًا، وَلَا يَنْصُرُنِي مِنْهُ نَاصِرٌ. وَذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ أُنْزِلَتْ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ، لِأَنَّ بَعْضَ الْجِنِّ قَالَ: أَنَا أُجِيرُهُ.
٢٣ / ٣٤٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: زَعَمَ حَضْرَمِيٌّ أَنَّهُ ذُكِرَ لَهُ أَنَّ جَنِيًّا مِنَ الْجِنِّ مِنْ أَشْرَافِهِمْ ذَا تَبَعٍ، قَالَ: إِنَّمَا يُرِيدُ مُحَمَّدٌ أَنْ نُجِيرَهُ، وَأَنَا أُجِيرُهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ﴾ [الجن: ٢٢]
٢٣ / ٣٤٨
وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا﴾ [الجن: ٢٢] يَقُولُ: وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَلْجَأً أَلْجَأُ إِلَيْهِ.
٢٣ / ٣٤٩
كَمَا: حَدَّثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، ﴿وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا﴾ [الجن: ٢٢] يَقُولُ: وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَلْجَأً أَلْجَأُ إِلَيْهِ
٢٣ / ٣٤٩
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا﴾ [الجن: ٢٢] أَيْ مَلْجَأً وَنَصِيرًا
٢٣ / ٣٤٩
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿مُلْتَحَدًا﴾ [الكهف: ٢٧] قَالَ: مَلْجَأٌ
٢٣ / ٣٤٩
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ ﴿وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا﴾ [الجن: ٢٢] يَقُولُ: نَاصِرًا
٢٣ / ٣٤٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِلَّا بَلَاغًا مِنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِرًا وَأَقَلُّ عَدَدًا﴾ [الجن: ٢٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: قُلْ لِمُشْرِكِي الْعَرَبِ: إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا ﴿إِلَّا بَلَاغًا مِنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ﴾ [الجن: ٢٣] يَقُولُ: إِلَّا أَنْ أُبَلِّغَكُمْ مِنَ اللَّهِ مَا أَمَرَنِي بِتَبْلِيغِكُمْ إِيَّاهُ، وَإِلَّا رِسَالَاتِهِ الَّتِي أَرْسَلَنِي بِهَا إِلَيْكُمْ؛ فَأَمَّا الرَّشَدُ وَالْخِذْلَانُ، فَبِيَدِ اللَّهِ، هُوَ مَالِكُهُ دُونَ سَائِرِ خَلْقِهِ يَهْدِي مَنْ ⦗٣٥٠⦘ يَشَاءُ وَيَخْذُلُ مَنْ أَرَادَ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
٢٣ / ٣٤٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿إِلَّا بَلَاغًا مِنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ﴾ [الجن: ٢٣] فَذَلِكَ الَّذِي أَمْلِكُ بَلَاغًا مِنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ وَقَدْ يَحْتَمِلُ ذَلِكَ مَعْنًى آخَرَ، وَهُوَ أَنْ تَكُونَ إِلَّا حَرْفَيْنِ، وَتَكُونَ لَا مُنْقَطِعَةً مِنْ إِنْ فَيَكُونَ مَعْنَى الْكَلَامِ: قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ إِنْ لَمْ أُبَلِّغْ رِسَالَاتِهِ؛ وَيَكُونَ نَصْبُ الْبَلَاغِ مِنْ إِضْمَارِ فِعْلٍ مِنَ الْجَزَاءِ كَقَوْلِ الْقَائِلِ: إِنْ لَا قِيَامًا فَقُعُودًا، وَإِنْ لَا إِعْطَاءً فَرَدًّا جَمِيلًا، بِمَعْنَى: إِنْ لَا تَفْعَلِ الْإِعْطَاءَ فَرَدًّا جَمِيلًا
٢٣ / ٣٥٠
وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ﴾ [الجن: ٢٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ فِيمَا أَمَرَهُ وَنَهَاهُ، وَيُكَذِّبُ بِهِ وَرَسُولِهِ، فَجَحَدَ رِسَالَاتِهِ، فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا. ﴿خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا﴾ [النساء: ٥٧] يَقُولُ: مَاكِثِينَ فِيهَا أَبَدًا إِلَى غَيْرِ نِهَايَةٍ.
٢٣ / ٣٥٠
وَقَوْلُهُ: ﴿حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ﴾ [مريم: ٧٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِذَا عَايَنُوا مَا ⦗٣٥١⦘ يَعَدُهُمْ رَبُّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ وَقِيَامِ السَّاعَةِ، ﴿فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِرًا وَأَقَلُّ عَدَدًا﴾ [الجن: ٢٤] أَجُنْدُ اللَّهِ الَّذِي أَشْرَكُوا بِهِ، أَمْ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ بِهِ.
٢٣ / ٣٥٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَدًا عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا﴾ [الجن: ٢٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ بِاللَّهِ مِنْ قَوْمِكَ: مَا أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَا يَعِدُكُمْ رَبُّكُمْ مِنَ الْعَذَابِ وَقِيَامِ السَّاعَةِ. ﴿أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَدًا﴾ [الجن: ٢٥] يَعْنِي: غَايَةً مَعْلُومَةً تَطُولُ مُدَّتُهَا.
٢٣ / ٣٥١
وَقَوْلُهُ: ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ﴾ [الجن: ٢٧] يَعْنِي بِعَالِمِ الْغَيْبِ: عَالِمِ مَا غَابَ عَنْ أَبْصَارِ خَلْقِهِ، فَلَمْ يَرَوْهُ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا، فَيُعْلِمُهُ أَوْ يُرِيهِ إِيَّاهُ ﴿إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ﴾ [الجن: ٢٧]، فَإِنَّهُ يُظْهِرُهُ عَلَى مَا شَاءَ مِنْ ذَلِكَ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
٢٣ / ٣٥١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ﴾ [الجن: ٢٧] فَأَعْلَمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ ⦗٣٥٢⦘ الرُّسُلَ مِنَ الْغَيْبِ الْوَحْيَ وَأَظْهَرَهُمْ عَلَيْهِ بِمَا أُوحِيَ إِلَيْهِمْ مِنْ غَيْبِهِ، وَمَا يَحْكُمُ اللَّهُ، فَإِنَّهُ لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ غَيْرُهُ
٢٣ / ٣٥١
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ﴾ [الجن: ٢٧] فَإِنَّهُ يَصْطَفِيهِمْ، وَيُطْلِعُهُمْ عَلَى مَا يَشَاءُ مِنَ الْغَيْبِ
٢٣ / ٣٥٢
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ﴾ [الجن: ٢٧] فَإِنَّهُ يُظْهِرُهُ مِنَ الْغَيْبِ عَلَى مَا شَاءَ إِذَا ارْتَضَاهُ
٢٣ / ٣٥٢
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ﴾ [الجن: ٢٧] قَالَ: يُنْزِلُ مِنْ غَيْبِهِ مَا شَاءَ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ أَنْزَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ الْغَيْبَ الْقُرْآنَ، قَالَ: وَحَدَّثَنَا فِيهِ بِالْغَيْبِ بِمَا يَكُونُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
٢٣ / ٣٥٢
وَقَوْلُهُ: ﴿فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا﴾ [الجن: ٢٧] يَقُولُ: فَإِنَّهُ يُرْسِلُ مِنْ أَمَامِهِ وَمِنْ خَلْفِهِ حَرَسًا وَحَفَظَةً يَحْفَظُونَهُ.
٢٣ / ٣٥٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، ﴿إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا﴾ [الجن: ٢٧] قَالَ كَانَ النَّبِيُّ ﷺ إِذَا بُعِثَ إِلَيْهِ الْمَلَكُ بِالْوَحْيِ بُعِثَ مَعَهُ مَلَائِكَةٌ يَحْرُسُونَهُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ، أَنْ يَتَشَبَّهَ الشَّيْطَانُ عَلَى صُورَةِ الْمَلَكِ
٢٣ / ٣٥٣
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا مِهْرَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، ﴿مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا﴾ [الجن: ٢٧] قَالَ: مَلَائِكَةً يَحْفَظُونَهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ
٢٣ / ٣٥٣
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ طَلْحَةَ يَعْنِي ابْنَ مُصَرِّفٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا﴾ [الجن: ٢٧] قَالَ: الْمَلَائِكَةُ رَصَدٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنَ الْجِنِّ
٢٣ / ٣٥٣
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ ﴿مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا﴾ [الجن: ٢٧] قَالَ: الْمَلَائِكَةُ يَحْفَظُونَهُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ مِنَ الْجِنِّ
٢٣ / ٣٥٣
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا﴾ [الجن: ٢٧] قَالَ: هِيَ مُعَقِّبَاتٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ يَحْفَظُونَ النَّبِيَّ ﷺ مِنَ الشَّيْطَانِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ الَّذِي أُرْسِلَ بِهِ إِلَيْهِمْ، وَذَلِكَ حِينَ يَقُولُ: ﴿لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ﴾ [الجن: ٢٨]
٢٣ / ٣٥٤
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا﴾ [الجن: ٢٧] قَالَ: الْمَلَائِكَةُ
٢٣ / ٣٥٤
وَقَوْلُهُ: ﴿لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ﴾ [الجن: ٢٨] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الَّذِي عُنِيَ بِقَوْلِهِ: ﴿لِيَعْلَمَ﴾ [المائدة: ٩٤] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عُنِيَ بِذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَقَالُوا: مَعْنَى الْكَلَامِ: لِيَعْلَمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ قَدْ أَبَلَغَتِ الرُّسُلُ قَبْلَهُ عَنْ رَبِّهَا.
٢٣ / ٣٥٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ﴾ [الجن: ٢٨] لِيَعْلَمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنَّ الرُّسُلَ قَبْلَهُ قَدْ أَبَلَغَتْ عَنْ رَبِّهَا وَحَفِظَتْ
٢٣ / ٣٥٤
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ﴾ [الجن: ٢٨] قَالَ: لِيَعْلَمَ نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ أَنَّ الرُّسُلَ قَدْ أَبَلَغَتْ عَنِ اللَّهِ، وَأَنَّ اللَّهَ حَفِظَهَا، وَدَفَعَ عَنْهَا وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: لِيَعْلَمَ الْمُشْرِكُونَ أَنَّ الرُّسُلَ قَدْ بَلَّغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ
٢٣ / ٣٥٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ﴾ [الجن: ٢٨] قَالَ: لِيَعْلَمَ مَنْ كَذَّبَ الرُّسُلَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: لِيَعْلَمَ مُحَمَّدٌ أَنْ قَدْ بَلَّغَتِ الْمَلَائِكَةُ رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ
٢٣ / ٣٥٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَعْقُوبُ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا﴾ [الجن: ٢٧] قَالَ: أَرْبَعَةُ حَفَظَةٍ مِنَ الْمَلَائِكَةَ مَعَ ⦗٣٥٦⦘ جِبْرَائِيلَ ﴿لِيَعْلَمَ﴾ [الجن: ٢٨] مُحَمَّدٌ ﴿أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا﴾ [الجن: ٢٨] قَالَ: وَمَا نَزَلَ جِبْرِيلُ عليه السلام بِشَيْءٍ مِنَ الْوَحْي إِلَّا وَمَعَهُ أَرْبَعَةُ حَفَظَةٍ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ عِنْدَنَا بِالصَّوَابِ، قَوْلُ مَنْ قَالَ: لِيَعْلَمَ الرَّسُولُ أَنَّ الرُّسُلَ قَبْلَهُ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ؛ وَذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ: ﴿لِيَعْلَمَ﴾ [الجن: ٢٨] مِنْ سَبَبِ قَوْلِهِ: ﴿فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا﴾ [الجن: ٢٧] وَذَلِكَ خَبَرٌ عَنِ الرَّسُولِ، فَمَعْلُومٌ بِذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ لِيَعْلَمَ مِنْ سَبَبِهِ إِذْ كَانَ ذَلِكَ خَبَرًا عَنْهُ
٢٣ / ٣٥٥
وَقَوْلُهُ: ﴿وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ﴾ [الجن: ٢٨] يَقُولُ: وَعَلِمَ بِكُلِّ مَا عِنْدَهُمْ ﴿وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا﴾ [الجن: ٢٨] يَقُولُ: عَلِمَ عَدَدَ الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا، فَلَمْ يَخْفَ عَلَيْهِ مِنْهَا شَيْءٌ.
٢٣ / ٣٥٦
وَقَدْ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ﴿إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ﴾ [الجن: ٢٧] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا﴾ [الجن: ٢٨] قَالَ: لِيَعْلَمَ الرُّسُلُ أَنَّ رَبَّهُمْ أَحَاطَ بِهِمْ، فَبَلَّغُوا رِسَالَاتِهِمْ
٢٣ / ٣٥٦