سُورَةُ الْإِنْسَانِ

مَكِّيَّةٌ وَآيَاتُهَا إِحْدَى وَثَلَاثُونَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
٢٣ ‏/ ٥٢٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا﴾ [الإنسان: ٢] يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ﴾ [الإنسان: ١] قَدْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ؛ وَهَلْ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ خَبَرُ لَا جَحْدٍ، وَذَلِكَ كَقَوْلِ الْقَائِلِ لِآخَرَ يُقَرِّرُهُ: هَلْ أَكْرَمْتُكَ؟ وَقَدْ أَكْرَمَهُ؛ أَوْ هَلْ زُرْتُكَ؟ وَقَدْ زَارَهُ؛ وَقَدْ تَكُونُ جَحْدًا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، وَذَلِكَ كَقَوْلِ الْقَائِلِ لِآخَرَ: هَلْ يَفْعَلُ مِثْلَ هَذَا أَحَدٌ؟ بِمَعْنَى: أَنَّهُ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ أَحَدٌ. وَالْإِنْسَانُ الَّذِي قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ ﴿هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ﴾ [الإنسان: ١] هُوَ آدَمُ ﷺ.
٢٣ ‏/ ٥٢٩
كَذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ﴾ [الإنسان: ١] آدَمُ أَتَى عَلَيْهِ ﴿حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا﴾ [الإنسان: ١] إِنَّمَا خُلِقَ الْإِنْسَانُ هَاهُنَا حَدِيثًا؛ مَا يَعْلَمُ مِنْ خَلِيقَةِ اللَّهِ خَلِيقَةٌ كَانَتْ بَعْدَ الْإِنْسَانِ
٢٣ ‏/ ٥٢٩
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ: ﴿هَلْ ⦗٥٣٠⦘ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا﴾ [الإنسان: ١] قَالَ: كَانَ آدَمُ ﷺ آخِرَ مَا خُلِقَ مِنَ الْخَلْقِ
٢٣ ‏/ ٥٢٩
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، ﴿هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ﴾ [الإنسان: ١] قَالَ: آدَمُ
٢٣ ‏/ ٥٣٠
وَقَوْلُهُ: ﴿حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ﴾ [الإنسان: ١] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي قَدْرِ هَذَا الْحِينِ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ أَرْبَعُونَ سَنَةً؛ وَقَالُوا: مَكَثَتْ طِينَةُ آدَمَ مُصَوَّرَةً لَا تُنْفَخُ فِيهَا الرُّوحُ أَرْبَعِينَ عَامًا، فَذَلِكَ قَدْرُ الْحِينِ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ؛ قَالُوا: وَلِذَلِكَ قِيلَ: ﴿هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا﴾ [الإنسان: ١] لِأَنَّهُ أَتَى عَلَيْهِ وَهُوَ جِسْمٌ مُصَوَّرٌ لَمْ تَنْفُخْ فِيهِ الرُّوحُ أَرْبَعُونَ عَامًا، فَكَانَ شَيْئًا، غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا.
٢٣ ‏/ ٥٣٠
قَالُوا: وَمَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا﴾ [الإنسان: ١] لَمْ يَكُنْ شَيْئًا لَهُ نَبَاهَةٌ وَلَا رِفْعَةٌ، وَلَا شَرَفٌ، إِنَّمَا كَانَ طِينًا لَازِبًا وَحَمَأً مَسْنُونًا وَقَالَ آخَرُونَ: لَا حَدَّ لِلْحِينِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، وَقَدْ يَدْخُلُ هَذَا الْقَوْلُ مِنْ أَنَّ اللَّهَ أَخْبَرَ أَنَّهُ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ، وَغَيْرُ مَفْهُومٍ فِي الْكَلَامِ أَنْ يُقَالَ: أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ قَبْلَ أَنْ يُوجَدَ، وَقَبْلَ أَنْ يَكُونَ شَيْئًا، وَإِذَا أُرِيدَ ذَلِكَ قِيلَ: أَتَى حِينٌ قَبْلَ أَنْ يُخْلَقَ، وَلَمْ يَقُلْ أَتَى عَلَيْهِ. وَأَمَّا الدَّهْرُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، فَلَا حَدَّ لَهُ يُوقَفُ عَلَيْهِ.
٢٣ ‏/ ٥٣٠
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ﴾ [الإنسان: ٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّا خَلَقْنَا ذُرِّيَّةَ آدَمَ مِنْ نُطْفَةٍ، يَعْنِي: مِنْ مَاءِ الرَّجُلِ وَمَاءِ الْمَرْأَةِ، وَالنُّطْفَةُ: كُلُّ مَاءٍ قَلِيلٍ فِي وِعَاءٍ كَانَ ذَلِكَ رَكِيَّةً أَوْ قِرْبَةً، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، كَمَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ:
[البحر الرجز] هَلْ أَنْتِ إِلَّا نُطْفَةٌ فِي شَنَّهْ
٢٣ ‏/ ٥٣١
وَقَوْلُهُ: ﴿أَمْشَاجٍ﴾ [الإنسان: ٢] يَعْنِي: أَخْلَاطٌ، وَاحِدُهَا: مَشَجٌ وَمَشِيجٌ، مِثْلُ خَدَنٍ وَخَدِينٍ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ رُؤْبَةَ بْنِ الْعَجَّاجِ:
[البحر الرجز] يَطْرَحْنَ كُلَّ مُعْجَلٍ نَشَّاجِ … لَمْ يُكْسَ جِلْدًا فِي دَمٍ أَمْشَاجِ
يُقَالُ مِنْهُ: مَشَجْتُ هَذَا بِهَذَا: إِذَا خَلَطْتُهُ بِهِ، وَهُوَ مَمْشُوجٌ بِهِ وَمَشِيجٌ: أَيْ مَخْلوطٌ بِهِ، كَمَا قَالَ أَبُو ذُؤَيْبٍ:
[البحر الوافر] كَأَنَّ الرِّيشَ وَالْفُوقَيْنِ مِنْهُ … خِلَالَ النَّصْلِ سِيطَ بِهِ مَشِيجُ
وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى الْأَمْشَاجِ الَّذِي عَنَى بِهَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ اخْتِلَاطُ مَاءِ الرَّجُلِ بِمَاءِ الْمَرْأَةِ.
٢٣ ‏/ ٥٣١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
٢٣ ‏/ ٥٣٢
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ وَأَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ قَالَا: ثنا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ الْأَصْبَهَانِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، ﴿أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ﴾ [الإنسان: ٢] قَالَ: مَاءُ الرَّجُلِ وَمَاءُ الْمَرْأَةِ يُمْشَجُ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ
٢٣ ‏/ ٥٣٢
حَدَّثَنَا أَبُو هِشَامٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ الْأَصْبَهَانِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: مَاءُ الرَّجُلِ وَمَاءُ الْمَرْأَةِ يَخْتَلِطَانِ
٢٣ ‏/ ٥٣٢
قَالَ: ثنا أَبُو أُسَامَةَ، قَالَ: ثنا زَكَرِيَّا، عَنْ عَطِيَّةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: مَاءُ الْمَرْأَةِ وَمَاءُ الرَّجُلِ يُمْشَجَانِ
٢٣ ‏/ ٥٣٢
قَالَ: ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: مَاءُ الْمَرْأَةِ وَمَاءُ الرَّجُلِ يَخْتَلِطَانِ
٢٣ ‏/ ٥٣٢
قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، قَالَ: إِذَا اجْتَمَعَ مَاءُ الرَّجُلِ وَمَاءُ الْمَرْأَةِ فَهُوَ أَمْشَاجٌ
٢٣ ‏/ ٥٣٢
قَالَ: ثنا أَبُو أُسَامَةَ، قَالَ: ثنا الْمُبَارَكُ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: مَشْجُ مَاءِ الْمَرْأَةِ مَعَ مَاءِ الرَّجُلِ
٢٣ ‏/ ٥٣٢
قَالَ: ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عُثْمَانُ بْنُ الْأَسْوَدِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: خَلَقَ اللَّهُ الْوَلَدَ مِنْ مَاءِ الرَّجُلِ وَمَاءِ الْمَرْأَةِ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى﴾ [الحجرات: ١٣]
٢٣ ‏/ ٥٣٣
قَالَ: ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي يَحْيَى، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: خُلِقَ مِنْ تَارَاتِ مَاءِ الرَّجُلِ وَمَاءِ الْمَرْأَةِ وَقَالَ آخَرُونَ: أَنَّمَا عُنِيَ بِذَلِكَ: إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَلْوَانٍ يَنْتَقِلُ إِلَيْهَا، يَكُونُ نُطْفَةً، ثُمَّ يَصِيرُ عَلَقَةً، ثُمَّ مُضْغَةً، ثُمَّ عَظْمًا، ثُمَّ كُسِيَ لَحْمًا
٢٣ ‏/ ٥٣٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ﴾ [الإنسان: ٢] الْأَمْشَاجُ خَلْقٌ مِنْ أَلْوَانِ، خُلِقَ مِنْ تُرَابٍ، ثُمَّ مِنْ مَاءِ الْفَرْجِ وَالرَّحِمِ، وَهِيَ النُّطْفَةُ، ثُمَّ عَلَقَةٍ، ثُمَّ مُضْغَةٍ، ثُمَّ عَظْمًا، ثُمَّ أَنْشَأَهُ خَلْقًا آخَرَ، فَهُوَ ذَلِكَ
٢٣ ‏/ ٥٣٣
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، فِي هَذِهِ الْآيَةِ ﴿أَمْشَاجٍ﴾ [الإنسان: ٢] قَالَ: نُطْفَةٌ، ثُمَّ عَلَقَةٌ، ثُمَّ مُضْغَةٌ، ثُمَّ عَظْمًا. ⦗٥٣٤⦘ حَدَّثَنَا الرِّفَاعِيُّ، قَالَ: ثنا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ وَيَعْقُوبُ الْحَضْرَمِيُّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: نُطْفَةٌ، ثُمَّ عَلَقَةٌ
٢٣ ‏/ ٥٣٣
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ﴾ [الإنسان: ٢] أَطْوَارَ الْخَلْقِ، طَوْرًا نُطْفَةً، وَطَوْرًا عَلَقَةً، وَطَوْرًا مُضْغَةً، وَطَوْرًا عِظَامًا، ثُمَّ كَسَى اللَّهُ الْعِظَامَ لَحْمًا، ثُمَّ أَنْشَأَهُ خَلْقًا آخَرَ، أَنَبْتُ لَهُ الشَّعْرَ
٢٣ ‏/ ٥٣٤
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ﴾ [الإنسان: ٢] قَالَ: الْأَمْشَاجُ: اخْتَلَطَ الْمَاءُ وَالدَّمُ، ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً، ثُمَّ كَانَ مُضْغَةً وَقَالَ آخَرُونَ: عُنِيَ بِذَلِكَ اخْتِلَافُ أَلْوَانِ النُّطْفَةِ
٢٣ ‏/ ٥٣٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ﴾ [الإنسان: ٢] يَقُولُ: مُخْتَلِفَةَ الْأَلْوَانِ
٢٣ ‏/ ٥٣٤
حَدَّثَنَا أَبُو هِشَامٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: أَلْوَانُ النُّطْفَةِ
٢٣ ‏/ ٥٣٤
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: أَيُّ الْمَاءَيْنِ سَبَقَ أَشْبَهَ عَلَيْهِ أَعْمَامَهُ وَأَخْوَالَهُ
٢٣ ‏/ ٥٣٥
قَالَ: ثنا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ﴿أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ﴾ [الإنسان: ٢] قَالَ: أَلْوَانُ النُّطْفَةِ؛ نُطْفَةُ الرَّجُلِ بَيْضَاءُ وَحَمْرَاءُ، وَنُطْفَةُ الْمَرْأَةِ حَمْرَاءُ وَخَضْرَاءُ حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ هِيَ الْعُرُوقُ الَّتِي تَكُونُ فِي النُّطْفَةِ
٢٣ ‏/ ٥٣٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ وَأَبُو هِشَامٍ، قَالَا: ثنا وَكِيعٌ، قَالَ: ثنا الْمَسْعُودِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُخَارِقِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَمْشَاجُهَا: عُرُوقُهَا
٢٣ ‏/ ٥٣٥
حَدَّثَنَا أَبُو هِشَامٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ، قَالَ: ثنا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: هِيَ الْعُرُوقُ الَّتِي تَكُونُ فِي النُّطْفَةِ وَأَشْبَهُ هَذِهِ الْأَقْوَالِ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَى ذَلِكَ ﴿مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ﴾ [الإنسان: ٢] نُطْفَةُ الرَّجُلِ وَنُطْفَةُ الْمَرْأَةِ، لِأَنَّ اللَّهَ وَصَفَ النُّطْفَةَ بِأَنَّهَا أَمْشَاجٌ، ⦗٥٣٦⦘ وَهِيَ إِذَا انْتَقَلَتْ فَصَارَتْ عَلَقَةً، فَقَدِ اسْتَحَالَتْ عَنْ مَعْنَى النُّطْفَةِ فَكَيْفَ تَكُونُ نُطْفَةً أَمْشَاجًا وَهِيَ عَلَقَةٌ؟ وَأَمَّا الَّذِينَ قَالُوا: إِنَّ نُطْفَةَ الرَّجُلِ بَيْضَاءُ وَحَمْرَاءُ، فَإِنَّ الْمَعْرُوفَ مِنْ نُطْفَةِ الرَّجُلِ أَنَّهَا سَحْرَاءُ عَلَى لَوْنٍ وَاحِدٍ، وَهِيَ بَيْضَاءُ تَضْرِبُ إِلَى الْحُمْرَةِ، وَإِذَا كَانَتْ لَوْنًا وَاحِدًا لَمْ تَكُنْ أَلْوَانًا مُخْتَلِفَةً، وَأَحْسِبُ أَنَّ الَّذِينَ قَالُوا: هِيَ الْعُرُوقُ الَّتِي فِي النُّطْفَةِ قَصَدُوا هَذَا الْمَعْنَى
٢٣ ‏/ ٥٣٥
وَقَدْ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: إِنَّمَا خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنَ الشَّيْءِ الْقَلِيلِ مِنَ النُّطْفَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَلَدَ إِذَا أُسْكِتَ تَرَى لَهُ مِثْلَ الرَّيْرِ؟ وَإِنَّمَا خُلِقَ ابْنُ آدَمَ مِنْ مِثْلِ ذَلِكَ مِنَ النُّطْفَةِ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ
٢٣ ‏/ ٥٣٦
وَقَوْلُهُ: ﴿نَبْتَلِيهِ﴾ [الإنسان: ٢] نَخْتَبِرُهُ وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ يَقُولُ: الْمَعْنَى: جَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا لنَبْتَلِيهِ، فَهِيَ مُقَدِّمَةٌ مَعْنَاهَا التَّأْخِيرُ، إِنَّمَا الْمَعْنَى خَلَقْنَاهُ وَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا لنَبْتَلِيَهِ، وَلَا وَجْهَ عِنْدِي لِمَا قَالَ يَصِحُّ، وَذَلِكَ أَنَّ الِابْتِلَاءَ إِنَّمَا هُوَ بِصِحَّةِ الْآلَاتِ وَسَلَامَةِ الْعَقْلِ مِنَ الْآفَاتِ، وَإِنْ عُدِمَ السَّمْعُ وَالْبَصَرُ. وَأَمَّا إِخْبَارُهُ إِيَّانَا أَنَّهُ جَعَلَ لَنَا أَسْمَاعًا وَأَبْصَارًا فِي هَذِهِ الْآيَةِ، فَتَذْكِيرٌ مِنْهُ لَنَا بِنِعَمِهِ، وَتَنْبِيهٌ عَلَى مَوْضِعِ الشُّكْرِ؛ فَأَمَّا الِابْتِلَاءُ فَبِالْخَلْقِ مَعَ صِحَّةِ الْفِطْرَةِ، وَسَلَامَةِ الْعَقْلِ مِنَ الْآفَةِ، كَمَا قَالَ ⦗٥٣٧⦘: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: ٥٦] .
٢٣ ‏/ ٥٣٦
وَقَوْلُهُ: ﴿فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا﴾ [الإنسان: ٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَجَعَلْنَاهُ ذَا سَمْعٍ يَسْمَعُ بِهِ، وَذَا بَصَرٍ يُبْصِرُ بِهِ، إِنْعَامًا مِنَ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ بِذَلِكَ، وَرَأْفَةً مِنْهُ لَهُمْ، وَحُجَّةً لَهُ عَلَيْهِمْ.
٢٣ ‏/ ٥٣٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَا وَأَغْلَالًا وَسَعِيرًا﴾ [الإنسان: ٤] يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ﴾ [الإنسان: ٣] إِنَّا بَيَّنَّا لَهُ طَرِيقَ الْجَنَّةِ، وَعَرَّفْنَاهُ سَبِيلَهُ، إِنْ شَكَرَ، أَوْ كَفَرَ. وَإِذَا وُجِّهَ الْكَلَامُ إِلَى هَذَا الْمَعْنَى، كَانَتْ إِمَّا وَإِمَّا فِي مَعْنَى الْجَزَاءِ. وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ ﴿إِمَّا﴾ [الأعراف: ٣٥] وَإِمَّا بِمَعْنَى وَاحِدٍ، كَمَا قَالَ: ﴿إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ﴾ [التوبة: ١٠٦] فَيَكُونُ قَوْلُهُ: ﴿إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا﴾ [الإنسان: ٣] حَالًا مِنَ الْهَاءِ الَّتِي فِي هَدَيْنَاهُ؛ فَيَكُونُ مَعْنَى الْكَلَامِ إِذَا وُجِّهَ ذَلِكَ إِلَى هَذَا التَّأْوِيلِ: إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ، إِمَّا شَقِيًّا وَإِمَّا سَعِيدًا. وَكَانَ بَعْضُ نَحْوِيِّ الْبَصْرَةِ يَقُولُ ذَلِكَ كَمَا قَالَ: ﴿إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ﴾ [مريم: ٧٥] كَأَنَّكَ لَمْ تَذْكُرْ إِمَّا؛ قَالَ: وَإِنْ شِئْتَ ابْتَدَأْتَ مَا بَعْدَهَا فَرَفَعْتَهُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
٢٣ ‏/ ٥٣٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ⦗٥٣٨⦘ قَوْلُهُ: ﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ﴾ [الإنسان: ٣] قَالَ: الشِّقْوَةَ وَالسَّعَادَةَ
٢٣ ‏/ ٥٣٧
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا﴾ [الإنسان: ٣] لِلنِّعَمِ ﴿وَإِمَّا كَفُورًا﴾ [الإنسان: ٣] لَهَا
٢٣ ‏/ ٥٣٨
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ﴾ [الإنسان: ٢] إِلَى ﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ﴾ [الإنسان: ٣] قَالَ: نَنْظُرُ أَيَّ شَيْءٍ يَصْنَعُ، أَيَّ الطَّرِيقَيْنِ يَسْلُكُ، وَأَيَّ الْأَمْرَيْنِ يَأْخُذُ، قَالَ: وَهَذَا الِاخْتِبَارُ
٢٣ ‏/ ٥٣٨
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّا أَعْتَدْنَا لِمَنْ كَفَرَ نِعْمَتَنَا وَخَالَفَ أَمْرَنَا سَلَاسِلَ يُسْتَوْثَقُ بِهَا مِنْهُمْ شَدًّا فِي الْجَحِيمِ. ﴿وَأَغْلَالًا﴾ [الإنسان: ٤] يَقُولُ: وَتُشَدُّ بِالْأَغْلَالِ فِيهَا أَيْدِيهِمْ إِلَى أَعْنَاقِهِمْ.
٢٣ ‏/ ٥٣٨
وَقَوْلُهُ: ﴿وَسَعِيرًا﴾ [الإنسان: ٤] يَقُولُ: وَنَارًا تُسَعَّرُ عَلَيْهِمْ فَتَتَوَقَّدُ.
٢٣ ‏/ ٥٣٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا﴾ [الإنسان: ٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ الَّذِينَ بَرُّوا بِطَاعَتِهِمْ رَبَّهُمْ فِي أَدَاءِ فَرَائِضِهِ، وَاجْتِنَابِ مَعَاصِيهِ، يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ، وَهُوَ كُلُّ إِنَاءٍ كَانَ فِيهِ شَرَابٌ. ﴿كَانَ مِزَاجُهَا﴾ [الإنسان: ٥] يَقُولُ: كَانَ مِزَاجُ مَا فِيهَا مِنَ الشَّرَابِ. ﴿كَافُورًا﴾ [الإنسان: ٥] يَعْنِي: فِي طِيبِ رَائِحَتِهَا كَالْكَافُورِ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ الْكَافُورَ اسْمٌ لِعَيْنِ مَاءٍ فِي الْجَنَّةِ؛ فَمَنْ قَالَ ذَلِكَ، جَعَلَ نَصْبَ الْعَيْنِ عَلَى الرَّدِّ عَلَى الْكَافُورِ، تِبْيَانًا عَنْهُ، وَمَنْ جَعَلَ الْكَافُورَ صِفَةً لِلشَّرَابِ
٢٣ ‏/ ٥٣٨
نَصَبَهَا، أَعْنِي الْعَيْنَ عَنِ الْحَالِ، وَجَعَلَ خَبَرَ كَانَ قَوْلَهُ ﴿كَافُورًا﴾ [الإنسان: ٥] وَقَدْ يَجُوزُ نَصْبُ الْعَيْنُ مِنْ وَجْهٍ ثَالِثٍ، وَهُوَ نَصْبُهَا بِإِعْمَالِ يَشْرَبُونَ فِيهَا فَيَكُونُ مَعْنَى الْكَلَامِ: إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ، مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا. وَقَدْ يَجُوزُ أَيْضًا نَصْبُهَا عَلَى الْمَدْحِ. فَأَمَّا عَامَّةُ أَهْلِ التَّأْوِيلِ فَإِنَّهُمْ قَالُوا: الْكَافُورُ صِفَةٌ لِلشَّرَابِ عَلَى مَا ذَكَرْتُ.
٢٣ ‏/ ٥٣٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿مِزَاجُهَا كَافُورًا﴾ [الإنسان: ٥] قَالَ: تُمْزَجُ
٢٣ ‏/ ٥٣٩
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا﴾ [الإنسان: ٥] قَالَ: قَوْمٌ تُمْزَجُ لَهُمْ بِالْكَافُورِ، وَتُخْتَمُ لَهُمْ بِالْمِسْكِ
٢٣ ‏/ ٥٣٩
وَقَوْلُهُ: ﴿عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ﴾ [الإنسان: ٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: كَانَ مِزَاجُ الْكَأْسِ الَّتِي يَشْرَبُ بِهَا هَؤُلَاءِ الْأَبْرَارِ كَالْكَافُورِ فِي طِيبِ رَائِحَتِهِ مِنْ عَيْنٍ يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ الَّذِينَ يُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ. وَالْعَيْنُ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ نُصِبَ عَلَى الْحَالِ مِنَ الْهَاءِ الَّتِي فِي مِزَاجِهَا وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ: ﴿يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ﴾ [الإنسان: ٦] يُرْوَى بِهَا وَيَنْتَفِعُ. وَقِيلَ: يُشْرَبُ بِهَا وَيَشْرَبُهَا بِمَعْنَى وَاحِدٍ. وَذَكَرَ الْفَرَّاءُ أَنَّ بَعْضَهُمْ أَنْشَدَهُ:
[البحر الطويل] ⦗٥٤٠⦘ شَرِبْنَ بِمَاءِ الْبَحْرِ ثُمَّ تَرَفَّعَتْ … مَتَى لُجَجٍ خُضْرٍ لَهُنَّ نَئِيجُ
وَعُنِيَ بِقَوْلِهِ: مَتَى لُجَجٍ مِنْ، وَمِثْلُهُ: إِنَّهُ يَتَكَلَّمُ بِكَلَامٍ حَسَنٍ، وَيَتَكَلَّمُ كَلَامًا حَسَنًا.
٢٣ ‏/ ٥٣٩
وَقَوْلُهُ: ﴿يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا﴾ [الإنسان: ٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ يُفَجِّرُونَ تِلْكَ الْعَيْنَ الَّتِي يَشْرَبُونَ بِهَا كَيْفَ شَاءُوا وَحَيْثُ شَاءُوا مِنْ مَنَازِلِهِمْ وَقُصُورِهِمْ تَفْجِيرًا، وَيَعْنِي بِالتَّفْجِيرِ: الْإِسَالَةَ وَالْإِجْرَاءَ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
٢٣ ‏/ ٥٤٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا﴾ [الإنسان: ٦] قَالَ: يُعَدِّلُونَهَا حَيْثُ شَاءُوا
٢٣ ‏/ ٥٤٠
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا﴾ [الإنسان: ٦] قَالَ: يَقُودُونَهَا حَيْثُ شَاءُوا
٢٣ ‏/ ٥٤٠
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا﴾ [الإنسان: ٦] قَالَ: مُسْتَقِيدٌ مَاؤُهَا لَهُمْ يُفَجِّرُونَهَا حَيْثُ شَاءُوا
٢٣ ‏/ ٥٤٠
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، ﴿يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا﴾ [الإنسان: ٦] قَالَ: يُصَرِّفُونَهَا حَيْثُ شَاءُوا
٢٣ ‏/ ٥٤١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا﴾ [الإنسان: ٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ الْأَبْرَارَ الَّذِينَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا، بَرُّوا بِوَفَائِهِمْ لِلَّهِ بِالنُّذُورِ الَّتِي كَانُوا يَنْذِرُونَهَا فِي طَاعَةِ اللَّهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
٢٣ ‏/ ٥٤١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿يُوفُونَ بِالنَّذْرِ﴾ [الإنسان: ٧] قَالَ: إِذَا نَذَرُوا فِي حَقِّ اللَّهِ
٢٣ ‏/ ٥٤١
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿يُوفُونَ بِالنَّذْرِ﴾ [الإنسان: ٧] قَالَ: كَانُوا يَنْذُرُونَ طَاعَةَ اللَّهِ مِنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ، وَالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، وَمَا افْتُرِضَ عَلَيْهِمْ، فَسَمَّاهُمُ اللَّهُ بِذَلِكَ الْأَبْرَارَ، فَقَالَ: ﴿يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا﴾ [الإنسان: ٧]
٢٣ ‏/ ٥٤١
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿يُوفُونَ ⦗٥٤٢⦘ بِالنَّذْرِ﴾ [الإنسان: ٧] قَالَ: بِطَاعَةِ اللَّهِ، وَبِالصَّلَاةِ، وَبِالْحَجِّ، وَبِالْعُمْرَةِ
٢٣ ‏/ ٥٤١
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، قَوْلُهُ: ﴿يُوفُونَ بِالنَّذْرِ﴾ [الإنسان: ٧] قَالَ: فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ وَفِي الْكَلَامِ مَحْذُوفٌ اجْتُزِئَ بِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ مِنْهُ، وَهُوَ كَانَ ذَلِكَ. وَذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ: إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا، كَانُوا يُوفُونَ بِالنَّذْرِ، فَتَرَكَ ذِكْرَ كَانُوا لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهَا؛ وَالنَّذْرُ: هُوَ كُلُّ مَا أَوْجَبَهُ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ فِعْلٍ، وَمِنْهُ قَوْلُ عَنْتَرَةَ:
[البحر الكامل] الشَّاتِمَيْ عِرْضِي وَلَمْ أَشْتُمْهُمَا … وَالنَّاذِرِينَ إِذَا لَمَ الْقَهُمَا دَمِي
٢٣ ‏/ ٥٤٢
وَقَوْلُهُ: ﴿وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا﴾ [الإنسان: ٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَيَخَافُونَ عِقَابَ اللَّهِ بِتَرْكِهِمُ الْوَفَاءَ بِمَا نَذَرُوا لِلَّهِ مِنْ بِرٍّ فِي يَوْمٍ كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا، مُمْتَدًّا طَوِيلًا فَاشِيًا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
٢٣ ‏/ ٥٤٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا﴾ [الإنسان: ٧] اسْتَطَارُوا اللَّهَ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ حَتَّى مَلَأَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَمَّا رَجُلٌ يَقُولُ عَلَيْهِ نَذْرٌ أَنْ لَا يَصِلَ رَحِمًا، وَلَا يَتَصَدَّقَ، وَلَا يَصْنَعَ خَيْرًا، فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُكَفِّرَ عَنْهُ، وَيَأْتِيَ ذَلِكَ، ⦗٥٤٣⦘ وَمِنْهُ قَوْلُهُمُ: اسْتَطَارَ الصَّدْعُ فِي الزُّجَاجَةِ وَاسْتَطَالَ: إِذَا امْتَدَّ، وَلَا يُقَالُ ذَلِكَ فِي الْحَائِطِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الْأَعْشَى:
[البحر المتقارب] فَبَانَتْ وَقَدْ أَثْأَرَتْ فِي الْفُؤَا … دِ صَدْعًا عَلَى نَأْيَهَا مُسْتَطِيرَا
يَعْنِي: مُمْتَدًّا فَاشِيًا
٢٣ ‏/ ٥٤٢
وَقَوْلُهُ: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا﴾ [الإنسان: ٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: كَانَ هَؤُلَاءِ الْأَبْرَارُ يُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِمْ إِيَّاهُ، وَشَهْوَتِهِمْ لَهُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
٢٣ ‏/ ٥٤٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ طَلْحَةَ الْيَرْبُوعِيُّ، قَالَ: ثنا فُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ﴾ [الإنسان: ٨] قَالَ: وَهُمْ يَشْتَهُونَهُ
٢٣ ‏/ ٥٤٣
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثنا أَبُو الْعُرْيَانِ، قَالَ: سَأَلْتُ سُلَيْمَانَ بْنَ قَيْسٍ أَبَا مُقَاتِلِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ قَوْلِهِ: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا﴾ [الإنسان: ٨] قَالَ: عَلَى حُبِّهِمْ لِلطَّعَامِ
٢٣ ‏/ ٥٤٣
وَقَوْلُهُ: ﴿مِسْكِينًا﴾ [المجادلة: ٤] يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿مِسْكِينًا﴾ [المجادلة: ٤]: ذَوِي الْحَاجَةِ الَّذِينَ قَدْ أَذَلَّتْهُمُ الْحَاجَةُ ﴿وَيَتِيمًا﴾ [الإنسان: ٨] وَهُوَ الطِّفْلُ الَّذِي قَدْ مَاتَ أَبُوهُ وَلَا شَيْءَ لَهُ ﴿وَأَسِيرًا﴾ [الإنسان: ٨] وَهُوَ الْحَرْبِيُّ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْحَرْبِ يُؤْخَذُ قَهْرًا بِالْغَلَبَةِ، أَوْ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ يُؤْخَذُ فَيُحْبَسُ ⦗٥٤٤⦘ بِحَقٍّ؛ فَأَثْنَى اللَّهُ عَلَى هَؤُلَاءِ الْأَبْرَارِ بِإِطْعَامِهِمْ هَؤُلَاءِ تَقَرُّبًا بِذَلِكَ إِلَى اللَّهِ وَطَلَبَ رِضَاهُ، وَرَحْمَةً مِنْهُمْ لَهُمْ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْأَسِيرِ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ
٢٣ ‏/ ٥٤٣
فَقَالَ بَعْضُهُمْ: بِمَا: حَدَّثَنَا بِهِ بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا﴾ [الإنسان: ٨] قَالَ: لَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ بِالْأُسَرَاءِ أَنْ يُحْسَنَ إِلَيْهِمْ، وَإِنَّ أَسْرَاهُمْ يَوْمَئِذٍ لِأَهْلُ الشِّرْكِ
٢٣ ‏/ ٥٤٤
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿وَأَسِيرًا﴾ [الإنسان: ٨] قَالَ: كَانَ أَسْرَاهُمْ يَوْمَئِذٍ الْمُشْرِكُ، وَأَخُوكَ الْمُسْلِمُ أَحَقُّ أَنْ تُطْعِمَهُ
٢٣ ‏/ ٥٤٤
قَالَ: ثنا الْمُعْتَمِرُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو، أَنَّ عِكْرِمَةَ، قَالَ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا﴾ [الإنسان: ٨] زَعَمَ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ الْأَسْرَى فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ الْمُشْرِكَ
٢٣ ‏/ ٥٤٤
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا حَمَّادُ بْنُ مَسْعَدَةَ، قَالَ: ثنا أَشْعَثُ، عَنِ الْحَسَنِ، ﴿وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا﴾ [الإنسان: ٨] قَالَ: مَا كَانَ أَسْرَاهُمْ إِلَّا الْمُشْرِكِينَ وَقَالَ آخَرُونَ: عُنِيَ بِذَلِكَ: الْمَسْجُونُ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ
٢٣ ‏/ ٥٤٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، ⦗٥٤٥⦘ عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: الْأَسِيرُ: الْمَسْجُونُ
٢٣ ‏/ ٥٤٤
حَدَّثَنِي أَبُو شَيْبَةَ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ: ثنا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، قَالَ: ثني أَبِي عَنْ حَجَّاجٍ، قَالَ: ثني عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا﴾ [الإنسان: ٨] مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ وَغَيْرِهِمْ، فَسَأَلْتُ عَطَاءً، فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ
٢٣ ‏/ ٥٤٥
حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ الرَّمْلِيُّ، ثنا يَحْيَى يَعْنِي ابْنَ عِيسَى، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ﴿وَأَسِيرًا﴾ [الإنسان: ٨] قَالَ: الْأَسِيرَ: هُوَ الْمَحْبُوسُ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ وَصَفَ هَؤُلَاءِ الْأَبْرَارَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا فِي الدُّنْيَا يُطْعِمُونَ الْأَسِيرَ، وَالْأَسِيرُ الَّذِي قَدْ وَصَفْتُ صِفَتَهُ؛ وَاسْمُ الْأَسِيرِ قَدْ يَشْتَمِلُ عَلَى الْفَرِيقَيْنِ، وَقَدْ عَمَّ الْخَبَرُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ يُطْعِمُونَهُمْ، فَالْخَبَرُ عَلَى عُمُومِهِ حَتَّى يَخُصَّهُ مَا يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهُ. وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ: لَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَسِيرٌ يَوْمَئِذٍ إِلَّا أَهْلُ الشِّرْكِ، فَإِنَّ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ، فَلَمْ يُخَصَّصْ بِالْخَبَرِ الْمُوفُونَ بِالنَّذْرِ يَوْمَئِذٍ، وَإِنَّمَا هُوَ خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ عَنْ كُلِّ مَنْ كَانَتْ هَذِهِ صِفَتَهُ يَوْمَئِذٍ وَبَعْدَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَكَذَلِكَ الْأَسِيرُ مَعْنَيٌّ بِهِ أَسِيرُ الْمُشْرِكِينَ وَالْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ، وَبَعْدَ ذَلِكَ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ
٢٣ ‏/ ٥٤٥
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ﴾ [الإنسان: ٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: يَقُولُونَ: إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ إِذَا هُمْ أَطْعَمُوهُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ، يَعْنُونَ طَلَبَ رِضَا اللَّهِ، وَالْقُرْبَةَ إِلَيْهِ.
٢٣ ‏/ ٥٤٦
﴿لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا﴾ [الإنسان: ٩] يَقُولُونَ لِلَّذِينَ يُطْعِمُونَهُمْ ذَلِكَ الطَّعَامَ: لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ عَلَى إِطْعَامِنَاكُمْ ثَوَابًا وَلَا شُكُورًا. وَفِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَا شُكُورًا﴾ [الإنسان: ٩] وَجْهَانِ مِنَ الْمَعْنَى: أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ جَمْعَ الشُّكْرِ كَمَا الْفُلُوسُ جَمْعُ فُلْسٍ، وَالْكُفُورُ جَمْعُ كُفْرٍ. وَالْآخَرُ: أَنْ يَكُونَ مَصْدَرًا وَاحِدًا فِي مَعْنَى جَمْعٍ، كَمَا يُقَالُ: قَعَدَ قُعُودًا، وَخَرَجَ خُرُوجًا.
٢٣ ‏/ ٥٤٦
وَقَدْ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ﴿إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا﴾ [الإنسان: ٩] قَالَ: أَمَا إِنَّهُمْ مَا تَكَلَّمُوا بِهِ، وَلَكِنْ عَلِمَهُ اللَّهُ مِنْ قُلُوبِهِمْ، فَأَثْنَى بِهِ عَلَيْهِمْ لِيَرْغَبَ فِي ذَلِكَ رَاغِبٌ
٢٣ ‏/ ٥٤٦
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ الْقَزَّازُ، قَالَ: ثنا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ أَبِي الْوَضَّاحِ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، ﴿إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا﴾ [الإنسان: ٩] قَالَ: أَمَا وَاللَّهِ مَا قَالُوهُ بِأَلْسِنَتِهِمْ، وَلَكِنْ عَلِمَهُ اللَّهُ مِنْ قُلُوبِهِمْ، فَأَثْنَى عَلَيْهِمْ لِيَرْغَبَ فِي ذَلِكَ رَاغِبٌ
٢٣ ‏/ ٥٤٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا﴾ [الإنسان: ١١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُخْبِرًا عَنْ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ الَّذِينَ وَصَفَ صِفَتَهُمْ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ لِمَنْ أَطْعَمُوهُ مِنْ أَهْلِ الْفَاقَةِ وَالْحَاجَةِ: مَا نُطْعِمُكُمْ طَعَامًا نَطْلُبُ مِنْكُمْ عِوَضًا عَلَى
٢٣ ‏/ ٥٤٦
إِطْعَامِنَاكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا، وَلَكِنَّا نُطْعِمُكُمْ رَجَاءً مِنَّا أَنْ يُؤَمِّنَنَا رَبُّنَا مِنْ عُقُوبَتِهِ فِي يَوْمٍ شَدِيدٍ هَوْلُهُ، عَظِيمٍ أَمْرُهُ، تَعْبَسُ فِيهِ الْوُجُوهُ مِنْ شِدَّةِ مَكَارِهِهِ، وَيَطُولُ بَلَاءُ أَهْلِهِ، وَيَشْتَدُّ. وَالْقَمْطَرِيرُ: هُوَ الشَّدِيدُ، يُقَالُ: هُوَ يَوْمٌ قَمْطَرِيرٌ، أَوْ يَوْمٌ قَمَاطِرُ، وَيَوْمٌ عَصِيبٌ وَعَصَبْصَبٌ، وَقَدْ اقْمَطَرَّ الْيَوْمُ يَقْمَطِرُّ اقْمِطْرَارًا، وَذَلِكَ أَشَدُّ الْأَيَّامِ وَأَطْوَلُهُ فِي الْبَلَاءِ وَالشِّدَّةِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ بَعْضِهِمْ:
[البحر الطويل] بَنِي عَمِّنَا هَلْ تَذْكُرُونَ بَلَاءَنَا … عَلَيْكُمْ إِذَا مَا كَانَ يَوْمٌ قُمَاطِرُ
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ عَلَى اخْتِلَافٍ مِنْهُمْ فِي الْعِبَارَةِ عَنْ مَعْنَاهُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ أَنْ يَعْبَسَ أَحَدُهُمْ، فَيَقْبِضُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ حَتَّى يَسِيلَ مِنْ بَيْنِ عَيْنَيْهِ مِثْلُ الْقَطْرَانِ.
٢٣ ‏/ ٥٤٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا مُصْعَبُ بْنُ سَلَّامٍ التَّمِيمِيُّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا﴾ [الإنسان: ١٠] قَالَ: يَعْبَسُ الْكَافِرُ يَوْمَئِذٍ حَتَّى يَسِيلَ مِنْ بَيْنِ عَيْنَيْهِ عَرَقٌ مِثْلُ الْقَطْرَانِ
٢٣ ‏/ ٥٤٧
حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: ثنا مُؤَمَّلٌ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ هَارُونَ بْنِ عَنْتَرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا﴾ [الإنسان: ١٠] قَالَ: الْقَمْطَرِيرُ: الْمُقْبِضُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ
٢٣ ‏/ ٥٤٧
حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّلْتِ، قَالَ: ثنا أَبُو كُدَيْنَةَ، عَنْ قَابُوسَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، عَنْ قَوْلِهِ: ﴿قَمْطَرِيرًا﴾ [الإنسان: ١٠] قَالَ: يَقْبِضُ مَا بَيْنَ الْعَيْنَيْنِ
٢٣ ‏/ ٥٤٨
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ هَارُونَ بْنِ عَنْتَرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ﴿يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا﴾ [الإنسان: ١٠] قَالَ: يَقْبِضُ مَا بَيْنَ الْعَيْنَيْنِ
٢٣ ‏/ ٥٤٨
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا﴾ [الإنسان: ١٠] قَالَ: يَوْمٌ يَقْبِضُ فِيهِ الرَّجُلُ مَا بَيْنَ عَيْنَيْهِ وَوَجْهِهِ
٢٣ ‏/ ٥٤٨
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا﴾ [الإنسان: ١٠] عَبَسَتْ فِيهِ الْوُجُوهُ، وَقَبَضَتْ مَا بَيْنَ أَعْيُنِهَا كَرَاهِيَةَ ذَلِكَ الْيَوْمِ
٢٣ ‏/ ٥٤٨
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿قَمْطَرِيرًا﴾ [الإنسان: ١٠] قَالَ: تُقْبَضُ فِيهِ الْجِبَاهُ؛ وَقَوْمٌ يَقُولُونَ: الْقَمْطَرِيرُ: الشَّدِيدُ
٢٣ ‏/ ٥٤٨
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ هَارُونَ بْنِ عَنْتَرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: الْمُقْبِضُ مَا بَيْنَ الْعَيْنَيْنِ
٢٣ ‏/ ٥٤٨
قَالَ: وَثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ عُمَرَ بْنِ ذَرٍّ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: هُوَ الْمُقْبِضُ مَا بَيْنَ ⦗٥٤٩⦘ عَيْنَيْهِ
٢٣ ‏/ ٥٤٨
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا الْمُعْتَمِرُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: الْقَمْطَرِيرُ: مَا يَخْرُجُ مِنْ جِبَاهِهِمْ مِثْلَ الْقَطْرَانِ، فَيَسِيلُ عَلَى وُجُوهِهِمْ
٢٣ ‏/ ٥٤٩
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿قَمْطَرِيرًا﴾ [الإنسان: ١٠] قَالَ: يَقْبِضُ الْوَجْهَ بِالْبُسُورِ وَقَالَ آخَرُونَ: الْعَبُوسُ: الضَّيِّقُ، وَالْقَمْطَرِيرُ: الطَّوِيلُ
٢٣ ‏/ ٥٤٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿عَبُوسًا﴾ [الإنسان: ١٠] يَقُولُ: ضَيِّقًا. وَقَوْلُهُ: ﴿قَمْطَرِيرًا﴾ [الإنسان: ١٠] يَقُولُ: طَوِيلًا وَقَالَ آخَرُونَ: الْقَمْطَرِيرُ: الشَّدِيدُ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
٢٣ ‏/ ٥٤٩
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي: ﴿إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا﴾ [الإنسان: ١٠] قَالَ: الْعَبُوسُ: الشَّرُّ، وَالْقَمْطَرِيرُ: الشَّدِيدُ
٢٣ ‏/ ٥٤٩
وَقَوْلُهُ: ﴿فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا﴾ [الإنسان: ١١] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ⦗٥٥٠⦘ فَدَفَعَ اللَّهُ عَنْهُمْ مَا كَانُوا فِي الدُّنْيَا يَحْذَرُونَ مِنْ شَرِّ الْيَوْمِ الْعَبُوسِ الْقَمْطَرِيرِ بِمَا كَانُوا فِي الدُّنْيَا يَعْمَلُونَ مِمَّا يُرْضِي عَنْهُمْ رَبَّهُمْ، لَقَّاهُمْ نَضْرَةً فِي وُجُوهِهِمْ، وَسُرُورًا فِي قُلُوبِهِمْ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
٢٣ ‏/ ٥٤٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا﴾ [الإنسان: ١١] قَالَ: نَضْرَةً فِي الْوُجُوهِ، وَسُرُورًا فِي الْقُلُوبِ
٢٣ ‏/ ٥٥٠
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا﴾ [الإنسان: ١١] نَضْرَةً فِي وُجُوهِهِمْ، وَسُرُورًا فِي قُلُوبِهِمْ
٢٣ ‏/ ٥٥٠
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا﴾ [الإنسان: ١١] قَالَ: نِعْمَةً وَسُرُورًا
٢٣ ‏/ ٥٥٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا﴾ [الإنسان: ١٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا صَبَرُوا فِي الدُّنْيَا عَلَى طَاعَتِهِ، وَالْعَمَلِ بِمَا يُرْضِيهِ عَنْهُمْ جَنَّةً وَحَرِيرًا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
٢٣ ‏/ ٥٥٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً ⦗٥٥١⦘ وَحَرِيرًا﴾ [الإنسان: ١٢] يَقُولُ: وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ، وَصَبَرُوا عَنْ مَعْصِيَتِهِ وَمَحَارِمِهِ، جَنَّةً وَحَرِيرًا
٢٣ ‏/ ٥٥٠
وَقَوْلُهُ: ﴿مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ﴾ [الكهف: ٣١] يَقُولُ: مُتَّكِئِينَ فِي الْجَنَّةِ عَلَى السُّرُرِ فِي الْحِجَالِ، وَهِيَ الْأَرَائِكُ وَاحِدَتُهَا أَرِيكَةٌ. وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ بِشَوَاهِدِهِ، وَمَا فِيهِ مِنْ أَقْوَالِ أَهْلِ التَّأْوِيلِ فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ، غَيْرَ أَنَّا نَذْكُرُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مِنَ الرِّوَايَةِ بَعْضَ مَا لَمْ نَذْكُرْهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَبْلُ.
٢٣ ‏/ ٥٥١
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ﴾ [الكهف: ٣١] يَعْنِي: الْحِجَالَ
٢٣ ‏/ ٥٥١
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ﴾ [الكهف: ٣١] كُنَّا نُحَدِّثُ أَنَّهَا الْحِجَالُ فِيهَا الْأَسِرَّةُ
٢٣ ‏/ ٥٥١
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الْحُصَيْنِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ﴿مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ﴾ [الكهف: ٣١] قَالَ: السُّرُرُ فِي الْحِجَالِ وَنَصَبَ ﴿مُتَّكِئِينَ﴾ [الإنسان: ١٣] فِيهَا عَلَى الْحَالِ مِنَ الْهَاءِ وَالْمِيمِ
٢٣ ‏/ ٥٥١
وَقَوْلُهُ: ﴿لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا﴾ [الإنسان: ١٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: لَا يَرَوْنَ فِيهَا ⦗٥٥٢⦘ شَمْسًا فَيُؤْذِيَهُمْ حَرُّهَا، وَلَا زَمْهَرِيرًا، وَهُوَ الْبَرْدُ الشَّدِيدُ، فَيُؤْذِيَهُمْ بَرْدُهَا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
٢٣ ‏/ ٥٥١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَسَّانِيُّ، قَالَ: ثنا مَالِكُ بْنُ سُعَيْرٍ، قَالَ: ثنا الْأَعْمَشُ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: الزَّمْهَرِيرِ: الْبَرْدُ الْمُفْظِعُ
٢٣ ‏/ ٥٥٢
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ اللَّهُ: ﴿لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا﴾ [الإنسان: ١٣] يَعْلَمُ أَنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ تُؤْذِي، وَشِدَّةَ الْقُرِّ تُؤْذِي، فَوَقَاهُمُ اللَّهُ أَذَاهُمَا
٢٣ ‏/ ٥٥٢
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ مُرَّةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ فِي الزَّمْهَرِيرِ: إِنَّهُ لَوْنٌ مِنَ الْعَذَابِ، قَالَ اللَّهُ: ﴿لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا﴾ [النبأ: ٢٤]
٢٣ ‏/ ٥٥٢
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ النَّبِيِّ ﷺ، قَالَ: «اشْتَكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا، فَقَالَتْ رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا، فَنَفِّسْنِي، فَأَذِنَ لَهَا فِي كُلِّ عَامٍ بِنَفَسَيْنِ؛ فَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الْبَرْدِ مِنْ زَمْهَرِيرِ جَهَنَّمَ وَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الْحَرِّ مِنْ حَرِّ جَهَنَّمَ»
٢٣ ‏/ ٥٥٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا﴾ [الإنسان: ١٥] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا﴾ [الإنسان: ١٤] وَقَرُبَتْ مِنْهُمْ ظِلَالُ أَشْجَارِهَا. وَلِنَصْبِ ﴿دَانِيَةً﴾ [الأنعام: ٩٩] أَوْجُهٌ: أَحَدُهَا: الْعَطْفُ بِهِ عَلَى قَوْلِهِ: ﴿مُتَّكِئِينَ فِيهَا﴾ [الكهف: ٣١] . وَالثَّانِي: الْعَطْفُ بِهِ عَلَى مَوْضِعِ قَوْلِهِ: ﴿لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا﴾ [الإنسان: ١٣] لِأَنَّ مَوْضِعَهُ نَصْبٌ، وَذَلِكَ أَنَّ مَعْنَاهُ: مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ، غَيْرَ رَائِينَ فِيهَا شَمْسًا. وَالثَّالِثُ: نَصْبُهُ عَلَى الْمَدْحِ، كَأَنَّهُ قِيلَ: مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ، وَدَانِيَةً بَعْدُ عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا، كَمَا يُقَالُ: عِنْدَ فُلَانٍ جَارِيَةٌ جَمِيلَةٌ، وَشَابَّةٌ بَعْدُ طَرِيَّةٌ، تُضْمِرُ مَعَ هَذِهِ الْوَاوِ فِعْلًا نَاصِبًا لِلشَّابَّةِ، إِذَا أُرِيدَ بِهِ الْمَدْحُ، وَلَمْ يُرَدْ بِهِ النَّسَقُ؛ وَأُنِّثَتْ دَانِيَةٌ لِأَنَّ الظِّلَالَ جَمْعٌ. وَذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ بِالتَّذْكِيرِ: «وَدَانِيًا عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا» وَإِنَّمَا ذُكِرَ لِأَنَّهُ فِعْلٌ مُتَقَدِّمٌ، وَهِيَ فِي قِرَاءَةٍ فِيمَا بَلَغَنِي: «وَدَانٍ» رُفِعَ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ.
٢٣ ‏/ ٥٥٣
وَقَوْلُهُ: ﴿وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا﴾ [الإنسان: ١٤] يَقُولُ: وَذُلِّلَ لَهُمُ اجْتِنَاءُ ثَمَرِ شَجَرِهَا، كَيْفَ شَاءُوا قُعُودًا وَقِيَامًا ومُتَّكِئِينَ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
٢٣ ‏/ ٥٥٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي ⦗٥٥٤⦘ الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا﴾ [الإنسان: ١٤] قَالَ: إِذَا قَامَ ارْتَفَعَتْ بِقَدْرِهِ، وَإِنْ قَعَدَ تَدَلَّتْ حَتَّى يَنَالَهَا، وَإِنِ اضْطَجَعَ تَدَلَّتْ حَتَّى يَنَالَهَا، فَذَلِكَ تَذْلِيلُهَا
٢٣ ‏/ ٥٥٣
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا﴾ [الإنسان: ١٤] قَالَ: لَا يَرُدُّ أَيْدِيهِمْ عَنْهَا بُعْدٌ وَلَا شَوْكٌ
٢٣ ‏/ ٥٥٤
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ﴾ [الحاقة: ٢٣] قَالَ: الدَّانِيَةُ: الَّتِي قَدْ دَنَتْ عَلَيْهِمْ ثِمَارُهَا
٢٣ ‏/ ٥٥٤
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، ﴿وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا﴾ [الإنسان: ١٤] قَالَ: يَتَنَاوَلُهُ كَيْفَ شَاءَ جَالِسًا وَمُتَّكِئًا
٢٣ ‏/ ٥٥٤
وَقَوْلُهُ: ﴿وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا﴾ [الإنسان: ١٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَيُطَافُ عَلَى هَؤُلَاءِ الْأَبْرَارِ بِآنِيَةٍ مِنَ الْأَوَانِي الَّتِي يَشْرَبُونَ فِيهَا شَرَابَهُمْ، هِيَ مِنْ فِضَّةٍ كَانَتْ قَوَارِيرَ، فَجَعَلَهَا فِضَّةً، وَهِيَ فِي صَفَاءِ الْقَوَارِيرِ، فَلَهَا بَيَاضُ الْفِضَّةِ وَصَفَاءُ الزُّجَاجِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
٢٣ ‏/ ٥٥٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا﴾ [الإنسان: ١٥] يَقُولُ: آنِيَةٌ مِنْ فِضَّةٍ، وَصَفَاؤُهَا وَتَهَيُّؤُهَا كَصَفَاءِ الْقَوَارِيرِ
٢٣ ‏/ ٥٥٥
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ﴿مِنْ فِضَّةٍ﴾ [الزخرف: ٣٣]، قَالَ: فِيهَا رِقَّةُ الْقَوَارِيرِ فِي صَفَاءِ الْفِضَّةِ
٢٣ ‏/ ٥٥٥
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ﴾ [الإنسان: ١٦] قَالَ: صَفَاءُ الْقَوَارِيرِ وَهِيَ مِنْ فِضَّةٍ
٢٣ ‏/ ٥٥٥
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةَ مِنْ فِضَّةٍ﴾ [الإنسان: ١٥] أَيْ: صَفَاءُ الْقَوَارِيرِ فِي بَيَاضِ الْفِضَّةِ
٢٣ ‏/ ٥٥٥
وَقَوْلُهُ: ﴿وَأَكْوَابٍ﴾ [الزخرف: ٧١] يَقُولُ: وَيُطَافُ مَعَ الْأَوَانِي بِجِرَارٍ ضِخَامٍ فِيهَا الشَّرَابُ، وَكُلُّ جَرَّةٍ ضَخْمَةٍ لَا عُرْوَةَ لَهَا فَهِيَ كُوبٌ.
٢٣ ‏/ ٥٥٥
كَمَا: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ﴿وَأَكْوَابٍ﴾ [الإنسان: ١٥] قَالَ: لَيْسَ لَهَا آذَانٌ
٢٣ ‏/ ٥٥٥
وَقَدْ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ بِهَذَا الْحَدِيثِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ عَنْ مُجَاهِدٍ، فَقَالَ: الْأَكْوَابُ: الْأَقْدَاحُ.
٢٣ ‏/ ٥٥٦
وَقَوْلُهُ: ﴿كَانَتْ قَوَارِيرَا﴾ [الإنسان: ١٥] يَقُولُ: كَانَتْ هَذِهِ الْأَوَانِي وَالْأَكْوَابُ قَوَارِيرَ، فَحَوَّلَهَا اللَّهُ فِضَّةً. وَقِيلَ: إِنَّمَا قِيلَ: وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ، لِيَدُلَّ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ أَرْضَ الْجَنَّةِ فِضَّةٌ، لِأَنَّ كُلَّ آنِيَةٍ تُتَّخَذُ، فَإِنَّمَا تُتَّخَذُ مِنْ تُرْبَةِ الْأَرْضِ الَّتِي فِيهَا، فَدَلَّ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِوَصْفِهِ الْآنِيَةَ مَتَى يُطَافُ بِهَا عَلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ أَنَّهَا مِنْ فِضَّةٍ، لِيُعْلِمَ عِبَادَهُ أَنَّ تُرْبَةَ أَرْضِ الْجَنَّةِ فِضَّةٌ. وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿قَوَارِيرَ﴾ [النمل: ٤٤] ﴿وسَلَاسِلَ﴾، فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَالْكُوفَةِ غَيْرَ حَمْزَةَ: ﴿سَلَاسِلًا﴾ [الإنسان: ٤]، ﴿وَقَوَارِيرًا﴾ بِإِثْبَاتِ الْأَلِفِ وَالتَّنْوِينِ وَكَذَلِكَ هِيَ فِي مَصَاحِفِهِمْ؛ وَكَانَ حَمْزَةُ يُسْقِطُ الْأَلِفَاتِ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ، وَلَا يُجْرِي شَيْئًا مِنْهُ؛ وَكَانَ أَبُو عَمْرٍو يُثْبِتُ الْأَلِفَ فِي الْأُولَى مِنْ قَوَارِيرَ، وَلَا يُثْبِتُهَا فِي الثَّانِيَةِ، وَكُلُّ ذَلِكَ عِنْدَنَا صَوَابٌ، غَيْرَ أَنَّ الَّذِيَ ذَكَرْتُ عَنْ أَبِي عَمْرٍو أَعْجَبُهُمَا إِلَيَّ، وَذَلِكَ أَنَّ الْأَوَّلَ مِنَ الْقَوَارِيرِ رَأْسُ آيَةٍ، وَالتَّوْفِيقُ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ سَائِرِ رُءُوسِ آيَاتِ السُّورَةِ أَعْجَبُ إِلَيَّ إِذْ كَانَ ذَلِكَ بِإِثْبَاتِ الْأَلِفَاتِ فِي أَكْثَرِهَا.
٢٣ ‏/ ٥٥٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَوَارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلًا عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿قَوَارِيرَ﴾ [النمل: ٤٤] فِي صَفَاءِ الصَّفَاءِ مِنْ فِضَّةِ الْفِضَّةِ مِنَ الْبَيَاضِ.
٢٣ ‏/ ٥٥٦
كَمَا: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، قَالَ: قَالَ الْحَسْنُ، فِي قَوْلِهِ: ﴿كَانَتْ قَوَارِيرَا قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ﴾ [الإنسان: ١٦] قَالَ: صَفَاءُ الْقَوَارِيرِ فِي بَيَاضِ الْفِضَّةِ
٢٣ ‏/ ٥٥٧
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ كَثِيرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ﴾ [الإنسان: ١٦] قَالَ: بَيَاضُ الْفِضَّةِ فِي صَفَاءِ الْقَوَارِيرِ
٢٣ ‏/ ٥٥٧
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿كَانَتْ قَوَارِيرَا قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ﴾ [الإنسان: ١٦] قَالَ: كَانَ تُرَابُهَا مِنْ فِضَّةٍ
٢٣ ‏/ ٥٥٧
وَقَوْلُهُ: ﴿قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ﴾ [الإنسان: ١٦] قَالَ: صَفَاءُ الزُّجَاجِ فِي بَيَاضِ الْفِضَّةِ.
٢٣ ‏/ ٥٥٧
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا سُلَيْمَانُ، قَالَ: ثنا أَبُو هِلَالٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿قَوَارِيرَا قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ﴾ [الإنسان: ١٦] قَالَ: لَوِ احْتَاجَ أَهْلُ الْبَاطِلِ أَنْ يَعْمَلُوا إِنَاءً مِنْ فِضَّةٍ يُرَى مَا فِيهِ مِنْ خَلْفِهِ، كَمَا يُرَى مَا فِي الْقَوَارِيرِ مَا قَدَرُوا عَلَيْهِ
٢٣ ‏/ ٥٥٧
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ﴾ [الإنسان: ١٦] قَالَ: هِيَ مِنْ فِضَّةٍ، وَصَفَاؤُهَا: صَفَاءُ الْقَوَارِيرِ فِي بَيَاضِ الْفِضَّةِ
٢٣ ‏/ ٥٥٧
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ﴿قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ﴾ [الإنسان: ١٦] قَالَ: عَلَى صَفَاءِ الْقَوَارِيرِ، وَبَيَاضِ الْفِضَّةِ
٢٣ ‏/ ٥٥٧
وَقَوْلُهُ: ﴿قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا﴾ [الإنسان: ١٦] يَقُولُ: قَدَّرُوا تِلْكَ الْآنِيَةَ الَّتِي يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِهَا ⦗٥٥٨⦘ تَقْدِيرًا عَلَى قَدْرِ رِيِّهِمْ لَا تَزِيدُ وَلَا تَنْقُصُ عَنْ ذَلِكَ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
٢٣ ‏/ ٥٥٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا﴾ [الإنسان: ١٦] قَالَ: قُدِّرَتْ لِرِيِّ الْقَوْمِ
٢٣ ‏/ ٥٥٨
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا﴾ [الإنسان: ١٦] قَالَ: قَدْرَ رِيِّهِمْ
٢٣ ‏/ ٥٥٨
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا عُمَرُ بْنُ عُبَيْدٍ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا﴾ [الإنسان: ١٦] قَالَ: لَا تَنْقُصُ وَلَا تَفِيضُ
٢٣ ‏/ ٥٥٨
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ﴿قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا﴾ [الإنسان: ١٦] قَالَ: لَا تُتْرَعُ فَتُهْرَاقُ، وَلَا يَنْقُصُونَ مِنْ مَائِهَا فَتَنْقُصُ فَهِيَ مَلْأَى
٢٣ ‏/ ٥٥٨
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا﴾ [الإنسان: ١٦] لِرِيِّهِمْ
٢٣ ‏/ ٥٥٨
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا﴾ [الإنسان: ١٦] قُدِّرَتْ عَلَى رِيِّ الْقَوْمِ
٢٣ ‏/ ٥٥٩
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا﴾ [الإنسان: ١٦] قَالَ: قَدَّرُوهَا لِرِيِّهِمْ عَلَى قَدْرِ شُرْبِهِمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ
٢٣ ‏/ ٥٥٩
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا﴾ [الإنسان: ١٦] قَالَ: مُمْتَلِئَةً لَا تُهَرَاقُ، وَلَيْسَتْ بِنَاقِصَةٍ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: قَدَّرُوهَا عَلَى قَدْرِ الْكَفِّ
٢٣ ‏/ ٥٥٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ﴿قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا﴾ [الإنسان: ١٦] قَالَ: قُدِّرَتْ لِلْكَفِّ وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا﴾ [الإنسان: ١٦] فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءُ الْأَمْصَارِ: ﴿قَدَّرُوهَا﴾ [الإنسان: ١٦] بِفَتْحِ الْقَافِ، بِمَعْنَى: قَدَّرَهَا لَهُمُ السُّقَاةُ الَّذِينَ يَطُوفُونَ بِهَا عَلَيْهِمْ. وَرُوِيَ عَنِ الشَّعْبِيِّ وَغَيْرِهِ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ أَنَّهُمْ قَرَءُوا ذَلِكَ بِضَمِّ الْقَافِ، بِمَعْنَى: قُدِّرَتْ عَلَيْهِمْ، فَلَا زِيَادَةَ فِيهَا وَلَا نُقْصَانَ. ⦗٥٦٠⦘ وَالْقِرَاءَةُ الَّتِي لَا أَسْتَجِيزُ الْقِرَاءَةَ بِغَيْرِهَا فَتْحُ الْقَافِ، لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَيْهِ
٢٣ ‏/ ٥٥٩
وَقَوْلُهُ: ﴿وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كان مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلًا﴾ [الإنسان: ١٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَيُسْقَى هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ الْأَبْرَارُ فِي الْجَنَّةِ كَأْسًا، وَهِيَ كُلُّ إِنَاءٍ كَانَ فِيهِ شَرَابٌ، فَإِذَا كَانَ فَارِغًا مِنَ الْخَمْرِ لَمْ يُقَلْ لَهُ كَأْسٍ، وَإِنَّمَا يُقَالُ لَهُ إِنَاءٌ، كَمَا يُقَالُ لِلطَّبَقِ الَّذِي تَهْدِي فِيهِ الْهَدِيَّةَ الْمُهْدَى مَقْصُورًا مَا دَامَتْ عَلَيْهِ الْهَدِيَّةُ فَإِذَا فَرَغَ مِمَّا عَلَيْهِ كَانَ طَبَقًا أَوْ خِوَانًا، وَلَمْ يَكُنْ مُهْدَى. ﴿كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلًا﴾ [الإنسان: ١٧] يَقُولُ: كَانَ مِزَاجُ شَرَابِ الْكَأْسِ الَّتِي يُسْقَوْنَ مِنْهَا زَنْجَبِيلًا. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُمْزَجُ لَهُمْ شَرَابُهُمْ بِالزَّنْجَبِيلِ.
٢٣ ‏/ ٥٦٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلًا﴾ [الإنسان: ١٧] قَالَ: تُمْزَجُ بِالزَّنْجَبِيلِ
٢٣ ‏/ ٥٦٠
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلًا﴾ [الإنسان: ١٧] قَالَ: يَأْثُرُ لَهُمْ مَا كَانُوا يَشْرَبُونَ فِي الدُّنْيَا. زَادَ ⦗٥٦١⦘ الْحَارِثُ فِي حَدِيثِهِ: فَيُحَبِّبُهُ إِلَيْهِمْ
٢٣ ‏/ ٥٦٠
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الزَّنْجَبِيلُ: اسْمٌ لِلْعَيْنِ الَّتِي مِنْهَا مِزَاجُ شَرَابِ الْأَبْرَارِ
٢٣ ‏/ ٥٦١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلًا عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا﴾ [الإنسان: ١٨] رَقِيقَةً يَشْرَبُهَا الْمُقَرَّبُونَ صِرْفًا، وَتُمْزَجُ لِسَائِرِ أَهْلِ الْجَنَّةِ
٢٣ ‏/ ٥٦١
وَقَوْلُهُ: ﴿عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا﴾ [الإنسان: ١٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: عَيْنًا فِي الْجَنَّةِ تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا. قِيلَ: عُنِيَ بِقَوْلِهِ: ﴿سَلْسَبِيلًا﴾ [الإنسان: ١٨]: سَلِسَةً مُنْقَادًا مَاؤُهَا.
٢٣ ‏/ ٥٦١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا﴾ [الإنسان: ١٨] عَيْنًا سَلِسَةً مُسْتَقِيدًا مَاؤُهَا
٢٣ ‏/ ٥٦١
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا﴾ [الإنسان: ١٨] قَالَ: سَلِسَةً يَصْرِفُونَهَا حَيْثُ شَاءُوا وَقَالَ آخَرُونَ: عُنِيَ بِذَلِكَ أَنَّهَا شَدِيدَةُ الْجِرْيَةِ
٢٣ ‏/ ٥٦١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ﴿عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا﴾ [الإنسان: ١٨] قَالَ: حَدِيدَةَ الْجِرْيَةِ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا الْأَشْجَعِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. قَالَ: ثنا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ شِبْلٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: سَلِسَةَ الْجِرْيَةِ
٢٣ ‏/ ٥٦٢
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ﴿عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا﴾ [الإنسان: ١٨] حَدِيدَةَ الْجِرْيَةِ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي مَعْنَى السَّلْسَبِيلِ وَفِي إِعْرَابِهِ، فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرةِ، قَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ سَلْسَبِيلًا صِفَةٌ لِلْعَيْنِ بِالتَّسَلْسُلِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّمَا أَرَادَ عَيْنًا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا: أَيْ تُسَمَّى مِنْ طِيبِهَا السَّلْسَبِيلَ: أَيْ تُوصَفُ لِلنَّاسِ، كَمَا تَقُولُ: الْأَعْوَجِيُّ وَالْأَرْحَبِيُّ وَالْمُهْرِيُّ مِنَ الْإِبِلِ، وَكَمَا تُنْسَبُ الْخَيْلُ إِذَا ⦗٥٦٣⦘ وُصِفَتْ إِلَى الْخَيْلِ الْمَعْرُوفَةِ الْمَنْسُوبَةِ كَذَلِكَ تُنْسَبُ الْعَيْنُ إِلَى أَنَّهَا تُسَمَّى، لِأَنَّ الْقُرْآنَ نَزَلَ عَلَى كَلَامِ الْعَرَبِ، قَالَ: وَأَنْشَدَنِي يُونُسُ:
[البحر الكامل] صَفْرَاءُ مِنْ نَبْعٍ يُسَمَّى سَهْمُهَا … مِنْ طُولِ مَا صَرَعَ الصُّيُودِ الصَّيِّبُ
فَرَفَعَ الصَّيِّبُ لِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ أَنْ يُسَمَّى بِالصَّيِّبِ، إِنَّمَا الصَّيِّبُ مِنْ صِفَةِ الِاسْمِ وَالسَّهْمِ. وَقَوْلُهُ: يُسَمَّى سَهْمُهَا أَيْ يُذْكَرُ سَهْمُهَا. قَالَ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا، بَلْ هُوَ اسْمُ الْعَيْنِ، وَهُوَ مَعْرِفَةٌ، وَلَكِنَّهُ لَمَّا كَانَ رَأْسَ آيَةٍ، وَكَانَ مَفْتُوحًا، زِيدَتْ فِيهِ الْأَلِفُ، كَمَا قَالَ: كَانَتْ قَوَارِيرَا. وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ: السَّلْسَبِيلُ: نَعْتٌ أَرَادَ بِهِ سَلِسٌ فِي الْحَلْقِ، فَلِذَلِكَ حَرِيٌّ أَنْ تُسَمَّى بِسَلَاسَتِهَا. وَقَالَ آخَرُ مِنْهُمْ: ذَكَرُوا أَنَّ السَّلْسَبِيلَ اسْمٌ لِلْعَيْنِ، وَذَكَرُوا أَنَّهُ صِفَةٌ لِلْمَاءِ لِسَلَسِهِ وَعُذُوبَتِهِ؛ قَالَ: وَنَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ اسْمًا لِلْعَيْنِ لَكَانَ تَرْكُ الْإِجْرَاءِ فِيهِ أَكْثَرُ، وَلَمْ نَرَ أَحَدًا تَرَكَ إِجْرَاءَهَا وَهُوَ جَائِزٌ فِي الْعَرَبِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ تُجْرِي مَا لَا يُجْرَى فِي الشِّعْرِ، كَمَا قَالَ مُتَمِّمُ بْنُ نُوَيْرَةَ:
[البحر الطويل] فَمَا وَجْدُ أَظْآرٍ ثَلَاثٍ رَوَائِمٍ … رَأَيْنَ مَخَرًّا مِنْ حُوَارٍ وَمَصْرَعَا
فَأَجْرَى رَوَائِمَ، وَهِيَ مِمَّا لَا يُجْرَى. ⦗٥٦٤⦘ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّ قَوْلَهُ: ﴿تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا﴾ [الإنسان: ١٨] صِفَةٌ لِلْعَيْنِ، وُصِفَتْ بِالسَّلَاسَةِ فِي الْحَلْقِ، وَفِي حَالِ الْجَرْيِ، وَانْقِيَادِهَا لِأَهْلِ الْجَنَّةِ يُصَرِّفُونَهَا حَيْثُ شَاءُوا، كَمَا قَالَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ. وَإِنَّمَا عَنَى بِقَوْلِهِ: ﴿تُسَمَّى﴾ [الإنسان: ١٨] تُوصَفُ. وَإِنَّمَا قُلْتُ ذَلِكَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ لِإِجْمَاعِ أَهْلِ التَّأْوِيلِ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ: ﴿سَلْسَبِيلًا﴾ [الإنسان: ١٨] صِفَةٌ لَا اسْمٌ
٢٣ ‏/ ٥٦٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا﴾ [الإنسان: ٢٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَيَطُوفُ عَلَى هَؤُلَاءِ الْأَبْرَارِ وِلْدَانٌ، وَهُمُ الْوُصَفَاءُ، مُخَلَّدُونَ. اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى: ﴿مُخَلَّدُونَ﴾ [الواقعة: ١٧] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى ذَلِكَ: أَنَّهُمْ لَا يَمُوتُونَ.
٢٣ ‏/ ٥٦٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ﴾ [الإنسان: ١٩] أَيْ لَا يَمُوتُونَ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ مِثْلَهُ وَقَالَ آخَرُونَ: عَنَى بِذَلِكَ ﴿وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ﴾ [الواقعة: ١٧] مُسَوَّرُونَ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عَنَى بِهِ أَنَّهُمْ مُقَرَّطُونَ. وَقِيلَ: عَنَى بِهِ أَنَّهُمْ دَائِمٌ شَبَابُهُمْ، لَا
٢٣ ‏/ ٥٦٤
يَتَغَيَّرُونَ عَنْ تِلْكَ السِّنِّ. وَذُكِرَ عَنِ الْعَرَبِ أَنَّهَا تَقُولُ لِلرَّجُلِ إِذَا كَبِرَ وَثَبَتَ سَوَادُ شَعْرِهِ: إِنَّهُ لَمُخَلَّدٌ؛ وَكَذَلِكَ إِذَا كَبِرَ وَثَبَتَتْ أَضْرَاسُهُ وَأَسْنَانُهُ قِيلَ: إِنَّهُ لَمُخَلَّدٌ، يُرَادُ بِهِ أَنَّهُ ثَابِتُ الْحَالِ، وَهَذَا تَصْحِيحٌ لِمَا قَالَ قَتَادَةُ مِنْ أَنَّ مَعْنَاهُ: لَا يَمُوتُونَ، لِأَنَّهُمْ إِذَا ثَبَتُوا عَلَى حَالٍ وَاحِدَةٍ فَلَمْ يَتَغَيَّرُوا بِهَرَمٍ وَلَا شِيبٍ وَلَا مَوْتٍ، فَهُمْ مُخَلَّدُونَ. وَقِيلَ: إِنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿مُخَلَّدُونَ﴾ [الواقعة: ١٧] مُسَوَّرُونَ بِلُغَةِ حِمْيَرَ؛ وَيُنْشَدُ لِبَعْضِ شُعَرَائِهمْ:
[البحر الكامل] وَمُخَلَّدَاتٍ بِاللُّجَيْنِ كَأَنَّمَا … أَعْجَازُهُنَّ أَقاوِزُ الْكُثْبَانِ
٢٣ ‏/ ٥٦٥
وَقَوْلُهُ: ﴿إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا﴾ [الإنسان: ١٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِذَا رَأَيْتَ يَا مُحَمَّدُ هَؤُلَاءِ الْوِلْدَانِ مُجْتَمِعِينَ أَوْ مُفْتَرِقِينَ، تَحْسَبُهُمْ فِي حُسْنِهِمْ، وَنَقَاءِ بَيَاضِ وُجُوهِهِمْ، وَكَثْرَتِهِمْ، لُؤْلُؤًا مُبَدَّدًا، أَوْ مُجْتَمِعًا مَصْبُوبًا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٣ ‏/ ٥٦٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا﴾ [الإنسان: ١٩] قَالَ: مِنْ كَثْرَتِهِمْ وَحُسْنِهِمْ
٢٣ ‏/ ٥٦٥
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ ﴿إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ﴾ [الإنسان: ١٩] مِنْ حُسْنِهِمْ وَكَثْرَتِهِمْ ﴿لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا﴾ [الإنسان: ١٩]
٢٣ ‏/ ٥٦٦
وَقَالَ قَتَادَةُ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: مَا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَيَسْعَى عَلَيْهِ أَلْفُ غُلَامٍ، كُلُّ غُلَامٍ عَلَى عَمَلِ مَا عَلَيْهِ صَاحِبُهُ
٢٣ ‏/ ٥٦٦
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: ﴿حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا﴾ [الإنسان: ١٩] قَالَ: فِي كَثْرَةِ اللُّؤْلُؤِ وَبَيَاضِ اللُّؤْلُؤِ
٢٣ ‏/ ٥٦٦
وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا﴾ [الإنسان: ٢٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: وَإِذَا نَظَرْتَ بِبَصَرِكَ يَا مُحَمَّدُ، وَرَمَيْتَ بِطَرْفِكَ فِيمَا أَعْطَيْتُ هَؤُلَاءِ الْأَبْرَارَ فِي الْجَنَّةِ مِنَ الْكَرَامَةِ. وَعَنَى بِقَوْلِهِ: ﴿ثَمَّ﴾ [البقرة: ٢٨] الْجَنَّةُ ﴿رَأَيْتَ نَعِيمًا﴾ [الإنسان: ٢٠] وَذَلِكَ أَنَّ أَدْنَاهُمُ مَنْزِلَةً مَنْ يَنْظُرُ فِي مُلْكِهِ فِيمَا قِيلَ فِي مَسِيرَةِ أَلْفَيْ عَامٍ، يَرَى أَقْصَاهُ، كَمَا يَرَى أَدْنَاهُ. وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي السَّبَبِ الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ لَمْ يُذْكَرْ مَفْعُولُ رَأَيْتُ الْأَوَّلُ، فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ: إِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ يُرِيدُ رُؤْيَةً لَا تَتَعَدَّى، كَمَا تَقُولُ: ظَنَنْتُ فِي الدَّارِ، أَخْبَرَ بِمَكَانِ ظَنِّهِ، فَأُخْبِرَ بِمَكَانِ رُؤْيَتِهِ. وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ: إِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ لِأَنَّ مَعْنَاهُ: وَإِذَا رَأَيْتَ مَا ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا؛ قَالَ: وَصَلَحَ إِضْمَارُ مَا كَمَا قِيلَ: ﴿لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ﴾ [الأنعام: ٩٤] يُرِيدُ: مَا بَيْنَكُمْ؛ قَالَ: وَيُقَالُ: إِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ يُرِيدُ: إِذَا نَظَرْتَ ثَمَّ، أَيْ إِذَا رَمَيْتَ بِبَصَرِكَ هُنَاكَ رَأَيْتَ نَعِيمًا.
٢٣ ‏/ ٥٦٦
وَقَوْلُهُ: ﴿وَمُلْكًا كَبِيرًا﴾ [الإنسان: ٢٠] يَقُولُ: وَرَأَيْتَ مَعَ النَّعِيمِ الَّذِي تَرَى لَهُمْ ثَمَّ مُلْكًا كَبِيرًا. وَقِيلَ: إِنَّ ذَلِكَ الْمُلْكَ الْكَبِيرَ: تَسْلِيمُ الْمَلَائِكَةِ عَلَيْهِمْ، وَاسْتِئْذَانُهُمْ عَلَيْهِمْ.
٢٣ ‏/ ٥٦٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا مُؤَمَّلٌ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، قَالَ: ثني مَنْ سَمِعَ مُجَاهِدًا، يَقُولُ: ﴿وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا﴾ [الإنسان: ٢٠] قَالَ: تَسْلِيمُ الْمَلَائِكَةِ
٢٣ ‏/ ٥٦٧
قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿مُلْكًا كَبِيرًا﴾ [الإنسان: ٢٠] قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّهُ تَسْلِيمُ الْمَلَائِكَةِ
٢٣ ‏/ ٥٦٧
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا الْأَشْجَعِيُّ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا﴾ [الإنسان: ٢٠] قَالَ: فَسَّرَهَا سُفْيَانُ قَالَ: تُسْتَأْذَنُ الْمَلَائِكَةُ عَلَيْهِمْ
٢٣ ‏/ ٥٦٧
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ ﴿وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا﴾ [الإنسان: ٢٠] قَالَ: اسْتِئْذَانُ الْمَلَائِكَةِ عَلَيْهِمْ
٢٣ ‏/ ٥٦٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿عَالِيَهُمُ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا﴾ [الإنسان: ٢١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَوْقَهُمْ، يَعْنِي فَوْقَ هَؤُلَاءِ الْأَبْرَارِ ثِيَابُ سُنْدُسٍ. وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ التَّأْوِيلِ يَتَأَوَّلُ قَوْلَهُ: ﴿عَالِيَهُمُ﴾ [الإنسان: ٢١] فَوْقَ حِجَالِهِمُ الْمُثَبَّتَةِ عَلَيْهِمْ ﴿ثِيَابُ سُنْدُسٍ﴾ [الإنسان: ٢١] وَلَيْسَ ذَلِكَ بِالْقَوْلِ الْمَدْفُوعِ، لِأَنَّ ذَلِكَ إِذَا كَانَ فَوْقَ حِجَالٍ هُمْ فِيهَا، فَقَدْ
٢٣ ‏/ ٥٦٧
عَلَاهُمْ فَهُوَ عَالِيَهُمُ. وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْقِرَاءَةِ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَالْكُوفَةِ وَبَعْضِ قُرَّاءِ مَكَّةَ: (عَالِيهِمْ) بِتَسْكِينِ الْيَاءِ. وَكَانَ عَاصِمٌ وَأَبُو عَمْرٍو وَابْنُ كَثِيرٍ يَقْرَءُونَهُ بِفَتْحِ الْيَاءِ، فَمَنْ فَتَحَهَا جَعَلَ قَوْلَهُ ﴿عَالِيَهُمْ﴾ [الإنسان: ٢١] اسْمًا رَافِعًا لِلثِّيَابِ، مِثْلُ قَوْلِ الْقَائِلِ: ظَاهِرُهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ.
٢٣ ‏/ ٥٦٨
وَقَوْلُهُ: ﴿ثِيَابُ سُنْدُسٍ﴾ [الإنسان: ٢١] يَعْنِي: ثِيَابَ دِيبَاجٍ رَقِيقٍ حَسَنٍ، وَالسُّنْدُسُ: هُوَ مَا رَقَّ مِنَ الدِّيبَاجِ.
٢٣ ‏/ ٥٦٨
وَقَوْلُهُ: ﴿خُضْرٌ﴾ [يوسف: ٤٣] اخْتَلَفَ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَهُ أَبُو جَعْفَرٍ الْقَارِئُ وَأَبُو عَمْرٍو بِرَفْعِ ﴿خُضْرٌ﴾ [يوسف: ٤٣] عَلَى أَنَّهَا نَعْتٌ لِلثِّيَابِ، وَخَفْضِ ﴿إِسْتَبْرَقٍ﴾ [الرحمن: ٥٤] عَطْفًا بِهِ عَلَى السُّنْدُسِ، بِمَعْنَى: وَثِيَابُ إِسْتَبْرَقٍ. وَقَرَأَ ذَلِكَ عَاصِمٌ وَابْنُ كَثِيرٍ: ﴿خُضْرٍ﴾ [يوسف: ٤٣] خَفْضًا ﴿وَإِسْتَبْرَقٌ﴾ [الكهف: ٣١] رَفْعًا، عَطْفًا بِالْإِسْتَبْرَقِ عَلَى الثِّيَابِ، بِمَعْنَى: عَالِيَهُمُ إِسْتَبْرَقٌ، وَتَصْيِيرًا لِلْخُضْرِ نَعْتًا لِلسُّنْدُسِ. وَقَرَأَ نَافِعٌ ذَلِكَ: ﴿خُضْرٌ﴾ [يوسف: ٤٣] رَفْعًا عَلَى أَنَّهَا نَعْتٌ لِلثِّيَابِ وَإِسْتَبْرَقٌ رَفْعًا عَطْفًا بِهِ عَلَى الثِّيَابِ. وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ: (خُضْرٍ وَإِسْتَبْرَقٍ) خَفْضًا كِلَاهُمَا. وَقَرَأَ ذَلِكَ ابْنُ مُحَيْصِنٍ بِتَرْكِ إِجْرَاءِ الْإِسْتَبْرَقِ: (وَإِسْتَبْرَقَ) بِالْفَتْحِ بِمَعْنَى: وَثِيَابَ إِسْتَبْرَقَ، وَفَتَحَ ذَلِكَ
٢٣ ‏/ ٥٦٨
لِأَنَّهُ وَجَّهَهُ إِلَى أَنَّهُ اسْمٌ أَعْجَمِيٌّ. وَلِكُلِّ هَذِهِ الْقِرَاءَاتِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا وَجْهٌ وَمَذْهَبٌ، غَيْرُ الَّذِي سَبَقَ ذِكْرُنَا عَنِ ابْنِ مُحَيْصِنٍ، فَإِنَّهَا بَعِيدَةٌ مِنْ مَعْرُوفِ كَلَامِ الْعَرَبِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْإِسْتَبْرَقَ نَكِرَةٌ، وَالْعَرَبُ تُجْرِي الْأَسْمَاءَ النَّكِرَةَ وَإِنْ كَانَتْ أَعْجَمِيَّةً، وَالْإِسْتَبْرَقُ: هُوَ مَا غَلُظَ مِنَ الدِّيبَاجِ. وَقَدْ ذَكَرْنَا أَقْوَالَ أَهْلِ التَّأْوِيلِ فِي ذَلِكَ فِيمَا مَضَى قَبْلُ، فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إِعَادَتِهِ هَاهُنَا.
٢٣ ‏/ ٥٦٩
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: الْإِسْتَبْرَقُ: الدِّيبَاجُ الْغَلِيظُ
٢٣ ‏/ ٥٦٩
وَقَوْلُهُ: ﴿وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ﴾ [الإنسان: ٢١] يَقُولُ: وَحَلَّاهُمْ رَبُّهُمْ أَسَاوِرَ، وَهِيَ جَمْعُ أَسْوِرَةٍ مِنْ فِضَّةٍ.
٢٣ ‏/ ٥٦٩
وَقَوْلُهُ: ﴿وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا﴾ [الإنسان: ٢١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَسَقَى هَؤُلَاءِ الْأَبْرَارَ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا، وَمِنْ طُهْرِهِ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ بَوْلًا نَجِسًا، وَلَكِنَّهُ يَصِيرُ رَشْحًا مِنْ أَبْدَانِهِمْ كَرَشْحِ الْمِسْكِ.
٢٣ ‏/ ٥٦٩
كَالَّذِي: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَا: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، ﴿وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا﴾ [الإنسان: ٢١] قَالَ: عَرَقٌ يَفِيضُ مِنْ أَعْرَاضِهِمْ مِثْلُ رِيحِ الْمِسْكِ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا مِهْرَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، مِثْلَهُ
٢٣ ‏/ ٥٦٩
قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، قَالَ: إِنَّ الرَّجُلَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ⦗٥٧٠⦘ يُقْسَمُ لَهُ شَهْوَةُ مِائَةِ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا، وَأَكْلِهِمْ وَهِمَّتِهِمْ، فَإِذَا أَكَلَ سُقِيَ شَرَابًا طَهُورًا، فَيَصِيرُ رَشْحًا يَخْرُجُ مِنْ جِلْدِهِ أَطْيَبَ رِيحًا مِنَ الْمِسْكِ الْأَذْفَرِ، ثُمَّ تَعُودُ شَهْوَتُهُ
٢٣ ‏/ ٥٦٩
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿شَرَابًا طَهُورًا﴾ [الإنسان: ٢١] قَالَ: مَا ذَكَرَ اللَّهُ مِنَ الْأَشْرِبَةِ
٢٣ ‏/ ٥٧٠
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَبَانَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ: إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ إِذَا أَكَلُوا وَشَرِبُوا مَا شَاءُوا دَعُوا بِالشَّرَابِ الطَّهُورِ فَيَشْرَبُونَهُ، فَتَطْهُرْ بِذَلِكَ بُطُونُهُمْ وَيَكُونُ مَا أَكَلُوا وَشَرِبُوا رَشْحًا وَرِيحَ مِسْكٍ، فَتَضْمُرُ لِذَلِكَ بُطُونُهُمْ
٢٣ ‏/ ٥٧٠
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: ثنا حَجَّاجٌ، قَالَ: ثنا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ الرِّيَاحِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَوْ غَيْرِهِ، شَكَّ أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ قَالَ: صَعِدَ جِبْرَائِيلُ بِالنَّبِيِّ ﷺ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، فَاسْتَفْتَحَ، فَقِيلَ لَهُ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: جِبْرَائِيلُ؛ قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قَالُوا: أَوَ قَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالُوا: حَيَّاهُ اللَّهُ مِنْ أَخٍ وَخَلِيفَةٍ، فَنِعْمَ الْأَخُ وَنِعْمَ الْخَلِيفَةُ، وَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ؛ قَالَ: فَدَخَلَ فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ أَشْمَطَ جَالِسٍ عَلَى ⦗٥٧١⦘ كُرْسِيٍّ عِنْدَ بَابِ الْجَنَّةِ، وَعِنْدَهُ قَوْمٌ جُلُوسٌ بِيضُ الْوُجُوهِ أَمْثَالُ الْقَرَاطِيسِ، وَقَوْمٌ فِي أَلْوَانِهِمْ شَيْءٌ، فَقَامَ الَّذِينَ فِي أَلْوَانِهِمْ شَيْءٌ، فَدَخَلُوا نَهْرًا فَاغْتَسَلُوا فِيهِ، فَخَرَجُوا وَقَدْ خَلُصَ مِنْ أَلْوَانِهِمْ شَيْءٌ ثُمَّ دَخَلُوا نَهْرًا آخَرَ فَاغْتَسِلُوا فِيهِ، فَخَرَجُوا وَقَدْ خَلَصَتْ أَلْوَانُهُمْ، فَصَارَتْ مِثْلَ أَلْوَانِ أَصْحَابِهِمْ، فَجَاءُوا فَجَلَسُوا إِلَى أَصْحَابِهِمْ، فَقَالَ: «يَا جِبْرِيلُ مَنْ هَذَا الْأَشْمَطُ، وَمَنْ هَؤُلَاءِ الْبِيضُ الْوُجُوهِ، وَمَنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ فِي أَلْوَانِهِمْ شَيْءٌ، وَمَا هَذِهِ الْأَنْهَارُ الَّتِي اغْتَسِلُوا فِيهَا، فَجَاءُوا وَقَدْ صَفَتْ أَلْوَانُهُمْ؟» قَالَ: هَذَا أَبُوكَ إِبْرَاهِيمُ، أَوَّلُ مَنْ شَمِطَ عَلَى الْأَرْضِ، وَأَمَّا هَؤُلَاءِ الْبِيضُ الْوُجُوهِ، فَقَوْمٌ لَمْ يُلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ. وَأَمَّا هَؤُلَاءِ الَّذِينَ فِي أَلْوَانِهِمْ شَيْءٌ فَقَوْمٌ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا فَتَابُوا، فَتَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ. وَأَمَّا الْأَنْهَارُ، فَأَوَّلُهَا رَحْمَةُ اللَّهِ، وَالثَّانِي نِعْمَةُ اللَّهِ، وَالثَّالِثُ سَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا
٢٣ ‏/ ٥٧٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلًا فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا﴾ [الإنسان: ٢٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: يُقَالُ لِهَؤُلَاءِ الْأَبْرَارِ حِينَئِذٍ: إِنَّ هَذَا الَّذِي أَعْطَيْنَاكُمْ مِنَ الْكَرَامَةِ كَانَ لَكُمْ ثَوَابًا عَلَى مَا كُنْتُمْ فِي الدُّنْيَا تَعْمَلُونَ مِنَ الصَّالِحَاتِ. ﴿وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا﴾ [الإنسان: ٢٢] يَقُولُ: كَانَ عَمَلُكُمْ فِيهَا مَشْكُورًا، حَمِدَكُمْ عَلَيْهِ رَبُّكُمْ، وَرَضِيَهُ لَكُمْ، فَأَثَابَكُمْ بِمَا أَثَابَكُمْ بِهِ مِنَ الْكَرَامَةِ عَلَيْهِ.
٢٣ ‏/ ٥٧١
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا﴾ [الإنسان: ٢٢] غُفِرَ لَهُمُ الذَّنْبُ، وَشَكَرَ لَهُمُ الْحَسَنَ
٢٣ ‏/ ٥٧١
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: تَلَا قَتَادَةُ ﴿وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا﴾ [الإنسان: ٢٢] قَالَ: لَقَدْ شَكَرَ اللَّهُ سَعْيًا قَلِيلًا
٢٣ ‏/ ٥٧٢
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلًا﴾ [الإنسان: ٢٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ هَذَا الْقُرْآنَ تَنْزِيلًا، ابْتِلَاءً مِنَّا وَاخْتِبَارًا. ﴿فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ﴾ [القلم: ٤٨] يَقُولُ: اصْبِرْ لِمَا امْتَحَنَكَ بِهِ رَبُّكَ مِنْ فَرَائِضِهِ، وَتَبْلِيغِ رِسَالَاتِهِ، وَالْقِيَامِ بِمَا أَلْزَمَكَ الْقِيَامَ بِهِ فِي تَنْزِيلِهِ الَّذِي أَوْحَاهُ إِلَيْكَ. ﴿وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا﴾ [الإنسان: ٢٤] يَقُولُ: وَلَا تُطِعْ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ مِنْ مُشْرِكِي قَوْمِكَ آثِمًا يُرِيدُ بِرُكُوبِهِ مَعَاصِيهِ، أَوْ كَفُورًا: يَعْنِي جَحُودًا لِنِعَمِهِ عِنْدَهُ، وَآلَائِهِ قِبَلَهُ، فَهُوَ يَكْفُرُ بِهِ، وَيَعْبُدُ غَيْرَهُ. وَقِيلَ: إِنَّ الَّذِي عُنِيَ بِهَذَا الْقَوْلِ أَبُو جَهْلٍ.
٢٣ ‏/ ٥٧٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا﴾ [الإنسان: ٢٤] قَالَ: نَزَلَتْ فِي عَدُوِّ اللَّهِ أَبِي جَهْلٍ
٢٣ ‏/ ٥٧٢
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ أَبَا جَهْلٍ، قَالَ: لَئِنْ رَأَيْتُ مُحَمَّدًا يُصَلِّي لَأَطَأَنَّ عُنُقَهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا﴾ [الإنسان: ٢٤]
٢٣ ‏/ ٥٧٢
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا﴾ [الإنسان: ٢٤] قَالَ: الْآثِمُ: الْمُذْنِبُ الظَّالِمُ وَالْكَفُورُ، هَذَا كُلُّهُ وَاحِدٌ وَقِيلَ: ﴿أَوْ كَفُورًا﴾ [الإنسان: ٢٤] وَالْمَعْنَى: وَلَا كَفُورًا. قَالَ الْفَرَّاءُ: أَوْ هَهُنَا بِمَنْزِلَةِ الْوَاوِ، وَفِي الْجَحْدِ وَالِاسْتِفْهَامِ وَالْجَزَاءِ تَكُونُ بِمَعْنَى لَا، فَهَذَا مِنْ ذَلِكَ مَعَ الْجَحْدِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
[البحر المنسرح] لَا وَجْدُ ثَكْلَى كَمَا وَجَدْتُ وَلَا … وَجْدُ عَجُولٍ أَضَلَّهَا رُبَعُ
أَوْ وَجْدُ شَيْخٍ أَضَلَّ نَاقَتَهُ … يَوْمَ تَوَافَى الْحَجِيجُ فَانْدَفَعُوا
أَرَادَ: وَلَا وَجْدُ شَيْخٍ، قَالَ: وَقَدْ يَكُونُ فِي الْعَرَبِيَّةِ: لَا تُطِيعَنَّ مِنْهُمْ مَنْ أَثِمَ أَوْ كَفَرَ، فَيَكُونُ الْمَعْنَى فِي أَوْ قَرِيبًا مِنْ مَعْنَى الْوَاوِ، كَقَوْلِكَ لِلرَّجُلِ: لَأُعْطِيَنَّكَ سَأَلْتَ أَوْ سَكَتَّ، مَعْنَاهُ: لَأُعْطِيَنَّكَ عَلَى كُلِّ حَالٍ
٢٣ ‏/ ٥٧٣
﴿وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا إِنَّ هَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا﴾ [الإنسان: ٢٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَاذْكُرْ﴾ [آل عمران: ٤١] يَا مُحَمَّدُ ﴿اسْمَ رَبِّكَ﴾ [الرحمن: ٧٨] فَادْعُهُ بِهِ بُكْرَةً فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ، وَعَشِيًّا فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ. ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ﴾ [الإنسان: ٢٦] يَقُولُ: وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ فِي صَلَاتِكَ، فَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا، يَعْنِي: أَكْثَرَ ⦗٥٧٤⦘ اللَّيْلِ، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا أَوْ زِدْ عَلَيْهِ﴾ [المزمل: ٢] . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
٢٣ ‏/ ٥٧٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا﴾ [الإنسان: ٢٦] يَعْنِي: الصَّلَاةَ وَالتَّسْبِيحَ
٢٣ ‏/ ٥٧٤
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا﴾ [الإنسان: ٢٥] قَالَ: بُكْرَةً: صَلَاةُ الصُّبْحِ وَأَصِيلًا صَلَاةُ الظُّهْرِ الْأَصِيلِ
٢٣ ‏/ ٥٧٤
وَقَوْلُهُ: ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا﴾ [الإنسان: ٢٦] قَالَ: كَانَ هَذَا أَوَّلَ شَيْءٍ فَرِيضَةً. وَقَرَأَ: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا نِصْفَهُ﴾ [المزمل: ٢] ثُمَّ قَالَ: ﴿إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ﴾ [المزمل: ٢٠] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ﴾ إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، ثُمَّ قَالَ: مُحِيَ هَذَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَعَنِ النَّاسِ، وَجَعَلَهُ نَافِلَةً فَقَالَ: ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ﴾ [الإسراء: ٧٩] قَالَ: فَجَعَلَهَا نَافِلَةً.
٢٣ ‏/ ٥٧٤
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّ هَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ﴾ [الإنسان: ٢٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ بِاللَّهِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ، يَعْنِي الدُّنْيَا، يَقُولُ: يُحِبُّونَ الْبَقَاءَ فِيهَا وَتُعْجِبُهُمْ زِينَتُهَا. ﴿وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا﴾ [الإنسان: ٢٧] يَقُولُ: وَيَدَعُونَ خَلْفَ ظُهُورِهِمُ الْعَمَلَ ⦗٥٧٥⦘ لِلْآخِرَةِ، وَمَا لَهُمْ فِيهِ النَّجَاةُ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ؛ وَقَدْ تَأَوَّلَهُ بَعْضُهُمْ بِمَعْنَى: وَيَذَرُونَ أَمَامَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا؛ وَلَيْسَ ذَلِكَ قَوْلًا مَدْفُوعًا، غَيْرَ أَنَّ الَّذِيَ قُلْنَاهُ أَشْبَهُ بِمَعْنَى الْكَلِمَةِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
٢٣ ‏/ ٥٧٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، ﴿وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا﴾ [الإنسان: ٢٧] قَالَ: الْآخِرَةَ
٢٣ ‏/ ٥٧٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلًا إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا﴾ [الإنسان: ٢٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ﴾ [الإنسان: ٢٨] هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ بِاللَّهِ الْمُخَالِفِينَ أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ. ﴿وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ﴾ [الإنسان: ٢٨] وَشَدَدْنَا خَلْقَهُمْ، مِنْ قَوْلِهِمْ: قَدْ أُسِرَ هَذَا الرَّجُلُ فَأُحْسِنَ أَسْرُهُ، بِمَعْنَى: قَدْ خُلِقَ فَأُحْسِنَ خَلْقُهُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
٢٣ ‏/ ٥٧٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ﴾ [الإنسان: ٢٨] يَقُولُ: شَدَّدْنَا خَلْقَهُمْ
٢٣ ‏/ ٥٧٥
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ⦗٥٧٦⦘ قَوْلُهُ: ﴿وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ﴾ [الإنسان: ٢٨] قَالَ: خَلْقَهُمْ
٢٣ ‏/ ٥٧٥
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ﴾ [الإنسان: ٢٨] خَلْقَهُمْ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، مِثْلَهُ. وَقَالَ آخَرُونَ: الْأَسْرُ: الْمَفَاصِلُ
٢٣ ‏/ ٥٧٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، سَمِعْتُهُ يَعْنِي خَلَّادًا، يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ وَكَانَ قَرَأَ الْقُرْآنَ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: مَا قَرَأْتُ الْقُرْآنَ إِلَّا عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ، هُوَ أَقْرَأَنِي، وَقَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ﴿وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ﴾ [الإنسان: ٢٨] قَالَ: هِيَ الْمَفَاصِلُ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ هُوَ الْقُوَّةُ
٢٣ ‏/ ٥٧٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ﴾ [الإنسان: ٢٨] قَالَ: الْأَسْرُ: الْقُوَّةُ ⦗٥٧٧⦘ وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ الْقَوْلُ الَّذِي اخْتَرْنَاهُ، وَذَلِكَ أَنَّ الْأَسْرَ، هُوَ مَا ذَكَرْتُ عِنْدَ الْعَرَبِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الْأَخْطَلِ:
[البحر الكامل] مِنْ كُلِّ مُجْتَنِبٍ شَدِيدٍ أَسْرُهُ … سَلِسِ الْقِيَادِ تَخَالُهُ مُخْتَالًا
وَمِنْهُ قَوْلُ الْعَامَّةِ: خُذْهُ بِأَسْرِهِ: أَيْ هُوَ لَكَ كُلُّهُ
٢٣ ‏/ ٥٧٦
وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلًا﴾ [الإنسان: ٢٨] يَقُولُ: وَإِذَا نَحْنُ شِئْنَا أَهْلَكْنَا هَؤُلَاءِ وَجِئْنَا بِآخَرِينَ سِوَاهُمْ مِنْ جِنْسِهِمْ أَمْثَالَهُمْ مِنَ الْخَلْقِ، مُخَالِفِينَ لَهُمْ فِي الْعَمَلِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
٢٣ ‏/ ٥٧٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلًا﴾ [الإنسان: ٢٨] قَالَ: بَنِي آدَمَ الَّذِينَ خَالَفُوا طَاعَةَ اللَّهِ، قَالَ: وأَمْثَالُهُمْ مِنْ بَنِي آدَمَ
٢٣ ‏/ ٥٧٧
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ﴾ [المزمل: ١٩] يَقُولُ: إِنَّ هَذِهِ السُّورَةَ تَذْكِرَةٌ لِمَنْ تَذَكَّرَ وَاتَّعَظَ وَاعْتَبَرَ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
٢٣ ‏/ ٥٧٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ﴾ [الإنسان: ٢٩] قَالَ: إِنَّ هَذِهِ السُّورَةَ تَذْكِرَةٌ
٢٣ ‏/ ٥٧٧
وَقَوْلُهُ: ﴿فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا﴾ [المزمل: ١٩] يَقُولُ: فَمَنْ شَاءَ أَيُّهَا النَّاسُ اتَّخَذَ إِلَى رِضَا رَبِّهِ بِالْعَمَلِ بِطَاعَتِهِ، وَالِانْتِهَاءِ إِلَى أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ، سَبِيلًا
٢٣ ‏/ ٥٧٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَمَا تَشَاءُونَ﴾ اتِّخَاذَ السَّبِيلِ إِلَى رَبِّكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ ﴿إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ﴾ [الأنعام: ١١١] ذَلِكَ لَكُمْ لِأَنَّ الْأَمْرَ إِلَيْهِ لَا إِلَيْكُمْ؛ وَهُوَ فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ فِيمَا ذُكِرَ: «وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ» .
٢٣ ‏/ ٥٧٨
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ [النساء: ١١] فَلَنْ يَعْدُوَ مِنْكُمْ أَحَدٌ مَا سَبَقَ لَهُ فِي عِلْمِهِ بِتَدْبِيرِكُمْ.
٢٣ ‏/ ٥٧٨
وَقَوْلُهُ: ﴿يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ﴾ [الشورى: ٨] يَقُولُ: يُدْخِلُ رَبُّكُمْ مَنْ يَشَاءُ مِنْكُمْ فِي رَحْمَتِهِ، فَيَتُوبُ عَلَيْهِ حَتَّى يَمُوتَ تَائِبًا مِنْ ضَلَالَتِهِ، فَيَغْفِرُ لَهُ ذُنُوبَهُ، وَيُدْخِلُهُ جَنَّتَهُ. ﴿وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾ [الإنسان: ٣١] يَقُولُ: الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ، فَمَاتُوا عَلَى شِرْكِهِمْ، أَعَدَّ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابًا مُؤْلِمًا مُوجِعًا، وَهُوَ عَذَابُ جَهَنَّمَ. وَنَصَبَ قَوْلَهُ: ﴿وَالظَّالِمِينَ﴾ [الإنسان: ٣١] لِأَنَّ الْوَاوَ ظَرْفٌ لِأَعَدَّ، وَالْمَعْنَى: وَأَعَدَّ لِلظَّالِمِينَ عَذَابًا أَلِيمًا. وَذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ: «وَلِلظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ» بِتَكْرِيرِ اللَّامِ، وَقَدْ تَفْعَلُ الْعَرَبُ ذَلِكَ، وَيُنْشَدُ لِبَعْضِهِمْ:
[البحر الوافر] أَقُولُ لَهَا إِذَا سَأَلَتْ طَلَاقًا … إِلَامَ تُسَارِعِينَ إِلَى فِرَاقِي
٢٣ ‏/ ٥٧٨
وَلِآخَرَ:
[البحر الطويل] فَأَصْبَحْنَ لَا يَسْأَلْنَهُ عَنْ بِمَا بِهِ … أَصَعَّدَ فِي غَاوِي الْهَوَى أَمْ تَصَوَّبَا
بِتَكْرِيرِ الْبَاءِ، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ لَا يَسْأَلْنَهُ عَمَّا بِهِ.

عن معز نوني

متحصّل على شهادة ختم الدروس للمعهد الأعلى لتكوين المعلمين بقفصة دفعة 2000، يعمل حاليًّا أستاذ مدارس إبتدائية

شاهد أيضاً

سُورَةُ الْفَاتِحَةِ

مَكِّيَّةٌ وَآيَاتُهَا سَبْعٌ ١ ‏/ ١١١ ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ [الفاتحة: ١] الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ …