حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ الْبَيْرُوتِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ جَابِرٍ، قَالَ: ثني مُحَمَّدُ بْنُ جَابِرٍ الطَّائِيُّ ثُمَّ الْحِمْصِيُّ، ثني عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ ⦗٤٠٤⦘ الْحَضْرَمِيُّ قَالَ: ثني أَبِي أَنَّهُ سَمِعَ النَّوَّاسَ بْنَ سَمْعَانَ الْكِلَابِيَّ يَقُولُ: «ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الدَّجَّالَ، وَذَكَرَ أَمْرَهُ، وَأَنَّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ يَقْتُلُهُ، ثُمَّ قَالَ:»فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ، أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: يَا عِيسَى، إِنِّي قَدْ أَخْرَجْتُ عِبَادًا لِي، لَا يَدَ لِأَحَدٍ بِقِتَالِهِمْ، فَحَرِّزْ عِبَادِي إِلَى الطُّورِ فَيَبْعَثُ اللَّهُ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ، وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ، فَيَمُرُّ أَحَدُهُمْ عَلَى بُحَيْرَةِ طَبَرِيَّةَ، فَيَشْرَبُونَ مَا فِيهَا، ثُمَّ يَنْزِلُ آخِرُهُمْ، ثُمَّ يَقُولُ: لَقَدْ كَانَ بِهَذِهِ مَاءٌ مَرَّةً. فَيُحَاصَرُ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ، حَتَّى يَكُونَ رَأْسُ الثَّوْرِ يَوْمَئِذٍ خَيْرًا لِأَحَدِهِمْ مِنْ مِائَةِ دِينَارٍ لِأَحَدِكُمْ، فَيَرْغَبُ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ إِلَى اللَّهِ، فَيُرْسِلُ اللَّهُ عَلَيْهِمُ النَّغَفَ فِي رِقَابِهِمْ، فَيُصْبِحُونَ فَرْسَى مَوْتَ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ، فَيَهْبِطُ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ، فَلَا يَجِدُونَ مَوْضِعًا إِلَّا قَدْ مَلَأَهُ زُهْمُهُمْ وَنَتَنُهُمْ وَدِمَاؤُهُمْ، فَيَرْغَبُ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ إِلَى اللَّهِ، فَيُرْسِلُ عَلَيْهِمْ طَيْرًا كَأَعْنَاقِ الْبُخْتِ، فَتَحْمِلُهُمْ فَتَطْرَحُهُمْ حَيْثُ شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ يُرْسِلُ اللَّهُ مَطَرًا لَا يُكَنُّ مِنْهُ بَيْتُ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ، فَيَغْسِلُ الْأَرْضَ حَتَّى يَتْرُكَهَا كَالزَّلَفَةِ
١٦ / ٤٠٣
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ﴾ [الأنبياء: ٩٦] فَإِنَّ أَهْلَ التَّأْوِيلِ اخْتَلَفُوا فِي الْمَعْنِي بِهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عُنِيَ بِذَلِكَ بَنُو آدَمَ، أَنَّهُمْ يَخْرُجُونَ مِنْ كُلِّ مَوْضِعٍ كَانُوا دُفِنُوا فِيهِ مِنَ الْأَرْضِ، وَإِنَّمَا عُنِيَ بِذَلِكَ الْحَشْرُ إِلَى مَوْقِفِ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
١٦ / ٤٠٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿مِنْ كُلِّ حَدَبٍ﴾ [الأنبياء: ٩٦] يَنْسِلُونَ قَالَ: «جَمْعُ النَّاسِ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ جَاءُوا مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَهُوَ حَدَبٌ»
١٦ / ٤٠٥
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: ﴿وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ﴾ [الأنبياء: ٩٦] قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قَالَ مُجَاهِدٌ: «جَمْعُ النَّاسِ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ مِنْ مَكَانِ جَاءُوا مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَهُوَ حَدَبٌ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عُنِيَ بِذَلِكَ يَأْجُوجُ، وَمَأْجُوجُ، وَقَوْلُهُ: ﴿وَهُمْ﴾ [الأنبياء: ٩٦] كِنَايَةُ أَسْمَائِهِمْ
١٦ / ٤٠٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ ⦗٤٠٦⦘ كُهَيْلٍ، قَالَ: ثنا أَبُو الزَّعْرَاءِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّهُ قَالَ: “يَخْرُجُ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ فَيَمْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ، فَيُفْسِدُونَ فِيهَا. ثُمَّ قَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ: ﴿وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ﴾ [الأنبياء: ٩٦] قَالَ: ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ دَابَّةً مِثْلَ النَّغَفِ، فَتَلِجُ فِي أَسْمَاعِهِمْ وَمَنَاخِرِهِمْ، فَيَمُوتُونَ مِنْهَا، فَتَنْتُنُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ، فَيُرْسِلُ اللَّهُ عز وجل مَاءً، فَيُطَهِّرُ الْأَرْضَ مِنْهُمْ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ مَا قَالَهُ الَّذِينَ قَالُوا: عُنِيَ بِذَلِكَ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ، وَأَنَّ قَوْلُهُ: ﴿وَهُمْ﴾ [الأنبياء: ٩٦] كِنَايَةٌ عَنْ أَسْمَائِهِمْ، لِلْخَبَرِ الَّذِي:
١٦ / ٤٠٥
حَدَّثَنَا بِهِ ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ، ثُمَّ الظَّفَرِيَّ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ، أَخِي بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «يُفْتَحُ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ، يَخْرُجُونَ عَلَى النَّاسِ كَمَا قَالَ اللَّهُ ﴿مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ﴾ [الأنبياء: ٩٦] فَيَغْشَوْنَ الْأَرْضَ»
١٦ / ٤٠٦
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا هُشَيْمُ بْنُ بَشِيرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْعَوَّامُ بْنُ حَوْشَبٍ، عَنْ جَبَلَةَ بْنِ سُحَيْمٍ، عَنْ مُؤْثِرٍ، وَهُوَ ابْنُ عَفَازَةَ الْعَبْدِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِيمَا يَذْكُرُ عَنْ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ قَالَ: «قَالَ عِيسَى: عَهِدَ إِلَيَّ رَبِّي أَنَّ الدَّجَّالَ خَارِجٌ، وَأَنَّهُ مُهْبِطِي إِلَيْهِ، فَذَكَرَ أَنَّ مَعَهُ قَضِيبَيْنِ، فَإِذَا رَآنِي أَهْلَكَهُ اللَّهُ. قَالَ: فَيَذُوبُ كَمَا يَذُوبُ الرَّصَاصُ، حَتَّى إِنَّ الشَّجَرَ وَالْحَجَرَ لَيَقُولُ: يَا مُسْلِمُ، هَذَا كَافِرٌ فَاقْتُلْهُ، فَيُهْلِكَهُمُ اللَّهُ تبارك وتعالى، وَيَرْجِعُ النَّاسُ إِلَى بِلَادِهِمْ وَأَوْطَانِهِمْ. فَيَسْتَقْبِلُهُمْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ، لَا يَأْتُونَ ⦗٤٠٧⦘ عَلَى شَيْءٍ إِلَّا أَهْلَكُوهُ، وَلَا يَمُرُّونَ عَلَى مَاءٍ إِلَّا شَرِبُوهُ» حَدَّثَنِي عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْهَبَّارِيُّ قَالَ: ثنا الْمُحَارِبِي، عَنْ أَصْبَغَ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ الْعَوَّامِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ جَبَلَةَ بْنِ سُحَيْمٍ، عَنْ مُؤْثِرِ بْنِ عَفَازَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِنَحْوِهِ
١٦ / ٤٠٦
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿مِنْ كُلِّ حَدَبٍ﴾ [الأنبياء: ٩٦] فَإِنَّهُ يَعْنِي: مِنْ كُلِّ شَرَفٍ وَنَشَزٍ وَأَكَمَةٍ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٦ / ٤٠٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ﴾ [الأنبياء: ٩٦] يَقُولُ: «مِنْ كُلِّ شَرَفٍ يُقْبِلُونَ»
١٦ / ٤٠٧
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ﴾ [الأنبياء: ٩٦] قَالَ: «مِنْ كُلِّ أَكَمَةٍ»
١٦ / ٤٠٧
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ﴾ [الأنبياء: ٩٦] قَالَ: الْحَدَبُ: «الشَّيْءُ الْمُشْرِفُ» ⦗٤٠٨⦘ وَقَالَ الشَّاعِرُ: (عَلَى الْحِدَابِ تَمُورُ)
١٦ / ٤٠٧
حَدَّثَني يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ﴾ [الأنبياء: ٩٦] قَالَ: «هَذَا مُبْتَدَأُ يَوْمِ الْقِيَامَةِ»
١٦ / ٤٠٨
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿يَنْسِلُونَ﴾ [الأنبياء: ٩٦] فَإِنَّهُ يَعْنِي: أَنَّهُمْ يَخْرُجُونَ مُشَاةً مُسْرِعِينَ فِي مَشْيِهِمْ كَنَسَلَانِ الذِّئْبِ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الرمل] عَسَلَانُ الذِّئْبِ أَمْسَى قَارِبًا … بَرَدَ اللَّيْلُ عَلَيْهِ فَنَسَلْ
[البحر الرمل] عَسَلَانُ الذِّئْبِ أَمْسَى قَارِبًا … بَرَدَ اللَّيْلُ عَلَيْهِ فَنَسَلْ
١٦ / ٤٠٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ﴾ [الأنبياء: ٩٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ، اقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ، وَذَلِكَ وَعْدُ اللَّهِ الَّذِي وَعَدَ عِبَادَهُ أَنَّهُ يَبْعَثُهُمْ مِنْ قُبُورِهِمْ لِلْجَزَاءِ وَالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ، وَهُوَ لَا شَكَّ حَقٌّ، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٦ / ٤٠٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا الْحَكَمُ بْنُ بَشِيرٍ، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، يَعْنِي ابْنَ قَيْسٍ، قَالَ: ثنا حُذَيْفَةُ: «لَوْ أَنَّ رَجُلًا، افْتَلَى فُلُوًّا بَعْدَ خُرُوجِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ لَمْ يَرْكَبْهُ حَتَّى تَقُومَ الْقِيَامَةُ»
١٦ / ٤٠٩
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ﴾ [الأنبياء: ٩٧] قَالَ: «اقْتَرَبَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ مِنْهُمْ» وَالْوَاوُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ﴾ [الأنبياء: ٩٧] مُقْحَمَةٌ، وَمَعْنَى الْكَلَامِ: حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ اقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ، وَذَلِكَ نَظِيرُ قَوْلِهِ: ﴿فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وَنَادَيْنَاهُ﴾ [الصافات: ١٠٤] مَعْنَاهُ: نَادَيْنَاهُ، بِغَيْرِ وَاو، كَمَا قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:
[البحر الطويل] فَلَمَّا أَجَزْنَا سَاحَةَ الْحَيِّ وَانْتَحَى … بِنَا بَطْنَ خَبْتٍ ذِي حِقَافٍ عَقَنْقَلِ
يُرِيدُ: فَلَمَّا أَجَزْنَا سَاحَةَ الْحَيِّ انْتَحَى بِنَا
[البحر الطويل] فَلَمَّا أَجَزْنَا سَاحَةَ الْحَيِّ وَانْتَحَى … بِنَا بَطْنَ خَبْتٍ ذِي حِقَافٍ عَقَنْقَلِ
يُرِيدُ: فَلَمَّا أَجَزْنَا سَاحَةَ الْحَيِّ انْتَحَى بِنَا
١٦ / ٤٠٩
وَقَوْلُهُ: ﴿فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [الأنبياء: ٩٧] فَفِي (هِيَ) الَّتِي فِي قَوْلِهِ: ﴿فَإِذَا هِيَ﴾ [الأعراف: ١٠٧] وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا أَنْ تَكُونَ كِنَايَةً عَنِ الْأَبْصَارِ، وَتَكُونُ ⦗٤١٠⦘ الْأَبْصَارُ الظَّاهِرَةُ بَيَانًا عَنْهَا، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الطويل] لَعَمْرُو أَبِيهَا لَا تَقُولُ ظَعِينَتِي … أَلَا فَرَّ عَنِّي مَالِكُ بْنُ أَبِي كَعْبٍ
فَكَنَّى عَنِ الظَّعِينَةِ فِي: لَعَمْرُ أَبِيهَا، ثُمَّ أَظْهَرَهَا، فَيَكُونُ تَأْوِيلُ الْكَلَامِ حِينَئِذٍ: فَإِذَا الْأَبْصَارُ شَاخِصَةٌ، أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا. وَالثَّانِي: أَنْ تَكُونَ عِمَادًا، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ﴾ [الحج: ٤٦] وَكَقَوْلِ الشَّاعِرِ:
فَهَلْ هُوَ مَرْفُوعٌ بِمَا هَهُنَا رَأْسُ
[البحر الطويل] لَعَمْرُو أَبِيهَا لَا تَقُولُ ظَعِينَتِي … أَلَا فَرَّ عَنِّي مَالِكُ بْنُ أَبِي كَعْبٍ
فَكَنَّى عَنِ الظَّعِينَةِ فِي: لَعَمْرُ أَبِيهَا، ثُمَّ أَظْهَرَهَا، فَيَكُونُ تَأْوِيلُ الْكَلَامِ حِينَئِذٍ: فَإِذَا الْأَبْصَارُ شَاخِصَةٌ، أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا. وَالثَّانِي: أَنْ تَكُونَ عِمَادًا، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ﴾ [الحج: ٤٦] وَكَقَوْلِ الشَّاعِرِ:
فَهَلْ هُوَ مَرْفُوعٌ بِمَا هَهُنَا رَأْسُ
١٦ / ٤٠٩
وَقَوْلُهُ: ﴿يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا﴾ [الأنبياء: ٩٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَإِذَا أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا قَدْ شَخِصَتْ عِنْدَ مَجِيءِ الْوَعْدِ الْحَقِّ بِأَهْوَالِهِ، وَقِيَامِ السَّاعَةِ بِحَقَائِقِهَا، وَهُمْ يَقُولُونَ: يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا قَبْلَ هَذَا الْوَقْتِ فِي الدُّنْيَا فِي غَفَلَةٍ مِنْ هَذَا الَّذِي نَرَى وَنُعَايِنُ، وَنَزَلَ بِنَا مِنْ عَظِيمِ الْبَلَاءِ. وَفِي الْكَلَامِ مَتْرُوكٌ تُرِكَ ذِكْرُهُ اسْتِغْنَاءً بِدَلَالَةِ مَا ذُكِرَ عَلَيْهِ عَنْهُ، وَذَلِكَ (يَقُولُونَ) مِنْ قَوْلِهِ: ﴿فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [الأنبياء: ٩٧] يَقُولُونَ: ﴿يَا وَيْلَنَا﴾ [الأنبياء: ١٤]
١٦ / ٤١٠
وَقَوْلِهِ: ﴿بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ﴾ [الأنبياء: ٩٧] يَقُولُ مُخْبِرًا عَنْ قِيلِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِاللَّهِ يَوْمَئِذٍ: مَا كُنَّا نَعْمَلُ لِهَذَا الْيَوْمِ مَا يُنْجِينَا مِنْ شَدَائِدِهِ، بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ بِمَعْصِيَتَنا رَبَّنَا، وَطَاعَتِنَا إِبْلِيسَ وَجُنْدَهُ فِي عِبَادَةِ غَيْرِ اللَّهِ عز وجل
١٦ / ٤١٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ﴾ [الأنبياء: ٩٨]⦗٤١١⦘ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّكُمْ أَيُّهَا الْمُشْرِكُونَ بِاللَّهِ، الْعَابِدُونَ مِنْ دُونِهِ الْأَوْثَانَ وَالْأَصْنَامَ، وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنَ الْآلِهَةِ. كَمَا:
١٦ / ٤١٠
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ [الأنبياء: ٩٨] يَعْنِي: «الْآلِهَةَ وَمَنْ يَعْبُدُهَا ﴿حَصَبُ جَهَنَّمَ﴾ [الأنبياء: ٩٨]» وَأَمَّا حَصَبُ جَهَنَّمَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: وَقُودُ جَهَنَّمَ وَشَجَرُهَا
١٦ / ٤١١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿حَصَبُ جَهَنَّمَ﴾ [الأنبياء: ٩٨] «شَجَرُ جَهَنَّمَ»
١٦ / ٤١١
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ﴾ [الأنبياء: ٩٨] يَقُولُ: «وَقُودُهَا» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَاهُ: حَطَبُ جَهَنَّمَ
١٦ / ٤١١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ ⦗٤١٢⦘ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿حَصَبُ جَهَنَّمَ﴾ [الأنبياء: ٩٨] قَالَ: «حَطَبُهَا» حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ، وَزَادَ فِيهِ: وَفَى بَعْضِ الْقِرَاءَةِ: «حَطَبُ جَهَنَّمَ»، يَعْنِي: فِي قِرَاءَةِ عَائِشَةَ
١٦ / ٤١١
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿حَصَبُ جَهَنَّمَ﴾ [الأنبياء: ٩٨] قَالَ: «حَطَبُ جَهَنَّمَ، يُقْذَفُونَ فِيهَا»
١٦ / ٤١٢
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ الْحُرِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَوْلُهُ: ﴿حَصَبُ جَهَنَّمَ﴾ [الأنبياء: ٩٨] قَالَ: «حَطَبُ جَهَنَّمَ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُمْ يُرْمَى بِهِمْ فِي جَهَنَّمَ
١٦ / ٤١٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: ثنا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿حَصَبُ جَهَنَّمَ﴾ [الأنبياء: ٩٨] يَقُولُ: «إِنَّ جَهَنَّمَ إِنَّمَا تُحْصَبُ بِهِمْ، وَهُوَ الرَّمْي، يَقُولُ: يُرْمَى بِهِمْ فِيهَا» وَاخْتُلِفَ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ قُرَّاءُ الْأَمْصَارِ: ﴿حَصَبُ جَهَنَّمَ﴾ [الأنبياء: ٩٨] بِالصَّادِ، وَكَذَلِكَ الْقِرَاءَةُ عِنْدَنَا لِإجْمَاعِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ وَرُوِي عَنْ عَلِيٍّ، وَعَائِشَةَ أَنَّهُمَا كَانَا يَقْرَآنِ ذَلِكَ: «حَطَبُ جَهَنَّمَ» بِالطَّاءِ
١٦ / ٤١٢
وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَرَأَهُ: «حَضَبُ» بِالضَّادِ حَدَّثَنَا بِذَلِكَ، أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: ثنا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَرَأَهَا كَذَلِكَ وَكَأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ إِنْ كَانَ قَرَأَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، أَرَادَ أَنَّهُمُ الَّذِينَ تُسْجَرُ بِهِمْ جَهَنَّمُ، وَيُوقَدُ بِهِمْ فِيهَا النَّارُ، وَذَلِكَ أَنَّ كُلَّ مَا هِيجَتْ بِهِ النَّارُ، وَأُوقِدَتْ بِهِ، فَهُوَ عِنْدَ الْعَرَبِ حَضْبٌ لَهَا. فَإِذَا كَانَ الصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي ذَلِكَ مَا ذَكَرْنَا، وَكَانَ الْمَعْرُوفُ مِنْ مَعْنَى الْحَصْبِ عِنْدَ الْعَرَبِ: الرَّمْي، مِنْ قَوْلِهِمْ: حَصَبْتُ الرَّجُلَ: إِذَا رَمَيْتُهُ، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا﴾ [القمر: ٣٤]، كَانَ الْأُولَى بِتَأْوِيلِ ذَلِكَ قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ تُقْذَفُ جَهَنَّمُ بِهِمْ، وَيُرْمَى بِهِمْ فِيهَا. وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ الْحَصْبَ فِي لُغَةِ أَهْلِ الْيَمَنِ: الْحَطَبُ، فَإِنْ يَكُنْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَهُوَ أَيْضًا وَجْهٌ صَحِيحٌ. وَأَمَّا مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ مَعْنَاهُ الرَّمْي، فَإِنَّهُ فِي لُغَةِ أَهْلِ نَجْدٍ
١٦ / ٤١٣
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ﴾ [الأنبياء: ٩٨] فَإِنَّ مَعْنَاهُ: أَنْتُمْ عَلَيْهَا أَيُّهَا النَّاسُ أَوْ إِلَيْهَا وَارِدُونَ، يَقُولُ: دَاخِلُونَ. وَقَدْ بَيَّنْتُ مَعْنَى الْوُرُودَ فِيمَا مَضَى قَبْلُ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ
١٦ / ٤١٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [الأنبياء: ٩٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ وَصَفَ صِفَتَهُمْ أَنَّهُمْ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ⦗٤١٤⦘ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ، وَهُمْ مُشْرِكُو قُرَيْشٍ: أَنْتُمْ أَيُّهَا الْمُشْرِكُونَ، وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَارِدُو جَهَنَّمَ، وَلَوْ كَانَ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا، بَلْ كَانَتْ تَمْنَعُ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُورِدَكُمُوهَا إِذْ كُنْتُمْ لَهَا فِي الدُّنْيَا عَابِدِينَ، وَلَكِنَّهَا إِذْ كَانَتْ لَا نَفْعَ عِنْدَهَا لِأَنْفُسِهَا، وَلَا عِنْدَهَا دَفْعُ ضُرٍّ عَنْهَا، فَهِيَ مِنْ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عِنْدَهَا لِغَيْرِهَا أَبْعَدُ، وَمَنْ كَانَ كَذَلِكَ كَانَ بَيِّنًا بُعْدُهُ مِنَ الْأُلُوهَةِ، وَأَنَّ الْإِلَهَ هُوَ الَّذِي يَقْدِرُ عَلَى مَا يَشَاءُ وَلَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ شَيْءٌ، فَأَمَّا مَنْ كَانَ مَقْدُورًا عَلَيْهِ فَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ إِلَهًا
١٦ / ٤١٣
وَقَوْلُهُ: ﴿وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [الأنبياء: ٩٩] يَعْنِي الْآلِهَةَ وَمَنْ عَبَدَهَا أَنَّهُمْ مَاكِثُونَ فِي النَّارِ أَبَدًا بِغَيْرِ نِهَايَةٍ، وَإِنَّمَا مَعْنَى الْكَلَامِ: كُلُّكُمْ فِيهَا خَالِدُونَ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٦ / ٤١٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [الأنبياء: ٩٩] قَالَ: “الْآلِهَةُ الَّتِي عَبَدَ الْقَوْمُ قَالَ: الْعَابِدُ وَالْمَعْبُودُ
١٦ / ٤١٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ﴾ [الأنبياء: ١٠١] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿لَهُمْ﴾ [البقرة: ١١] الْمُشْرِكِينَ وَآلِهَتَهُمْ، وَالْهَاءُ، وَالْمِيمُ فِي قَوْلِهِ: ﴿لَهُمْ﴾ [البقرة: ١١] مِنْ ذِكْرِ ﴿كُلٌّ﴾ [البقرة: ٢٠] الَّتِي فِي قَوْلِهِ: ﴿وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [الأنبياء: ٩٩] . يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: لِكُلِّهِمْ فِي جَهَنَّمَ زَفِيرٌ، ﴿وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ﴾ [الأنبياء: ١٠٠] يَقُولُ: وَهُمْ فِي النَّارِ لَا يَسْمَعُونَ وَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يَتَأَوَّلُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ﴾ [الأنبياء: ١٠٠] مَا:
١٦ / ٤١٤
حَدَّثَنَا ⦗٤١٥⦘ الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ الْمَسْعُودِيِّ، عَنْ يُونُسَ بْنِ خَبَّابٍ، قَالَ: قَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ﴾ [الأنبياء: ١٠٠] قَالَ: «إِذَا أُلْقِيَ فِي النَّارِ مَنْ يُخَلَّدُ فِيهَا جُعِلُوا فِي تَوَابِيتَ مِنْ نَارٍ، ثُمَّ جُعِلَتْ تِلْكَ التَّوَابِيتُ فِي تَوَابِيتَ أُخْرَى، ثُمَّ جُعِلَتِ التَّوَابِيتُ فِي تَوَابِيتَ أُخْرَى، فِيهَا مَسَامِيرُ مِنْ نَارٍ، فَلَا يَرَى أحَدٌ مِنْهُمْ أَنَّ فِيَ النَّارِ أَحَدًا يُعَذَّبُ غَيْرُهُ. ثُمَّ قَرَأَ: ﴿لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ﴾ [الأنبياء: ١٠٠]»
١٦ / ٤١٤
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ﴾ [الأنبياء: ١٠١] فَإِنَّ أَهْلَ التَّأْوِيلِ اخْتَلَفُوا فِي الْمَعْنِيِّ بِهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عُنِيَ بِهِ كُلُّ مَنْ سَبَقَتْ لَهُ مِنَ اللَّهِ السَّعَادَةُ مِنْ خَلْقِهِ أَنَّهُ عَنِ النَّارِ مُبْعَدٌ
١٦ / ٤١٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ سَعْدٍ، وَلَيْسَ بِابْنِ مَاهَكٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَاطِبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا، يَخْطُبُ، فَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ﴾ [الأنبياء: ١٠١] . قَالَ: “عُثْمَانُ رضي الله عنه مِنْهُمْ ⦗٤١٦⦘ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عُنِيَ: مَنْ عُبِدَ مِنْ دُونِ اللَّهِ، وَهُوَ لِلَّهِ طَائِعٌ وَلِعِبَادَةِ مَنْ يَعْبُدُهُ كَارِهٌ
١٦ / ٤١٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ﴾ [الأنبياء: ١٠١] قَالَ: «عِيسَى، وَعُزَيْرٌ، وَالْمَلَائِكَةُ» حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قَوْلُهُ: ﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ [الأنبياء: ٩٨] ثُمَّ اسْتَثْنَى فَقَالَ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى﴾ [الأنبياء: ١٠١]
١٦ / ٤١٦
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، عَنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، قَالَا: قَالَ فِي سُورَةِ الْأَنْبِيَاءِ: «﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ﴾ [الأنبياء: ٩٩] ثُمَّ اسْتَثْنَى فَقَالَ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ﴾ [الأنبياء: ١٠١] فَقَدْ عُبِدَتِ الْمَلَائِكَةُ مِنْ دُونِ اللَّهِ، وَعُزَيْرٌ، وَعِيسَى مِنْ دُونِ اللَّهِ»
١٦ / ٤١٦
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدٍ ⦗٤١٧⦘: ﴿أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ﴾ [الأنبياء: ١٠١] قَالَ: «عِيسَى»
١٦ / ٤١٦
حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ سَيْفٍ، قَالَ: ثنا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، قَالَ: ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى﴾ [الأنبياء: ١٠١] قَالَ: «عِيسَى، وَأُمُّهُ، وَعُزَيْرٌ، وَالْمَلَائِكَةُ»
١٦ / ٤١٧
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: “جَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِيمَا بَلَغَنِي يَوْمًا مَعَ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، فَجَاءَ النَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ حَتَّى جَلَسَ مَعَهُمْ، وَفِي الْمَجْلِسِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ رِجَالِ قُرَيْشٍ، فَتَكَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَعَرَضَ لَهُ النَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ، وَكَلَّمَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حَتَّى أَفْحَمَهُ، ثُمَّ تَلَا عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ: ﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [الأنبياء: ٩٩] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ﴾ [الأنبياء: ١٠٠] . ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، وَأَقْبَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزَّبْعَرِيِّ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَدِيٍّ السَّهْمِيُّ حَتَّى جَلَسَ، فَقَالَ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزَّبْعَرِيِّ: وَاللَّهِ مَا قَامَ النَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ لِابْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ آنِفًا وَمَا قَعَدَ وَقَدْ زَعَمَ أَنَّا وَمَا نَعْبُدُ مِنْ آلِهَتِنَا هَذِهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزَّبْعَرِيُّ: أَمَا وَاللَّهِ لَوْ وَجَدْتُهُ لَخَصَمْتُهُ، فَسَلُوا مُحَمَّدًا: أَكُلُّ مَنْ عُبِدَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فِي جَهَنَّمَ مَعَ مَنْ عَبَدَهُ؟ فَنَحْنُ نَعْبُدُ الْمَلَائِكَةَ، وَالْيَهُودُ تَعْبُدُ عُزَيْرًا، وَالنَّصَارَى تَعْبُدُ الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ. فَعَجِبَ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ وَمَنْ كَانَ فِي الْمَجْلِسِ مِنْ قَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزَّبْعَرِيِّ، وَرَأَوْا أَنَّهُ قَدِ احْتَجَّ وَخَاصَمَ. فَذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الزَّبْعَرِيِّ، فَقَالَ:
١٦ / ٤١٧
رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «نَعَمْ، كُلُّ مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَعْبُدَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَهُوَ مَعَ مَنْ عَبَدَهُ، إِنَّمَا يَعْبُدُونَ الشَّيَاطِينَ وَمَنْ أَمَرَهُمْ بِعِبَادَتِهِ» . فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ﴾ [الأنبياء: ١٠١] . إِلَى: ﴿خَالِدُونَ﴾ [الأنبياء: ٩٩] أَيْ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ، وَعُزَيْرًا، وَمَنْ عُبِدُوا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ الَّذِينَ مَضَوْا عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ، فَاتَّخَذَهُمْ مَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ أَهْلِ الضَّلَالَةِ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيمَا ذَكَرُوا أَنَّهُمْ يَعْبُدُونَ الْمَلَائِكَةَ وَأَنَّهَا بَنَاتُ اللَّهِ: ﴿وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ﴾ [الأنبياء: ٢٦] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿نَجْزِي الظَّالِمِينَ﴾ [الأنبياء: ٢٩]
١٦ / ٤١٨
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، قَالَ: يَقُولُ «نَاسٌ مِنَ النَّاسِ ﴿إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ﴾ [الأنبياء: ١٠١] يَعْنِي مِنَ النَّاسِ أَجْمَعِينَ. فَلَيْسَ كَذَلِكَ، إِنَّمَا يَعْنِي مَنْ يَعْبُدُ الْآلِهَةَ وَهُوَ لِلَّهِ مُطِيعٌ، مِثْلُ عِيسَى وَأُمِّهِ، وَعُزَيْرٍ وَالْمَلَائِكَةِ، وَاسْتَثْنَى اللَّهُ هَؤُلَاءِ مِنَ الْآلِهَةِ الْمَعْبُودَةِ الَّتِي هِيَ وَمَنْ يَعْبُدُهَا فِي النَّارِ»
١٦ / ٤١٨
حَدَّثَنَا ابْنُ سِنَانٍ الْقَزَّازُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْأَشْقَرُ، قَالَ: ثنا أَبُو كُدَيْنَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: “لَمَّا نَزَلَتْ: ﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ﴾ [الأنبياء: ٩٨] قَالَ الْمُشْرِكُونَ: فَإِنَّ عِيسَى يُعْبَدُ، وَعُزَيْرٌ، وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ يُعْبَدُونَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا ⦗٤١٩⦘ مُبْعَدُونَ﴾ [الأنبياء: ١٠١] لِعِيسَى وَغَيْرِهِ وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: عَنَى بِقَوْلِهِ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ﴾ [الأنبياء: ١٠١] مَا كَانَ مِنْ مَعْبُودٍ كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَعْبُدُونَهُ، وَالْمَعْبُودُ لِلَّهِ مُطِيعٌ، وَعَابِدُوهُ بِعِبَادَتِهِمْ إِيَّاهُ بِاللَّهِ كُفَّارٌ، لِأَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى﴾ [الأنبياء: ١٠١] ابْتِدَاءُ كَلَامٍ مُحَقَّقٍ لِأَمْرٍ كَانَ يُنْكِرْهُ قَوْمٌ، عَلَى نَحْوِ الَّذِي ذَكَرْنَا فِي الْخَبَرِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَكَأَنَّ الْمُشْرِكِينَ قَالُوا لِنَبِيِّ اللَّهِ ﷺ إِذْ قَالَ لَهُمْ: ﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ﴾ [الأنبياء: ٩٨] مَا الْأَمْرُ كَمَا تَقُولُ، لِأَنَّا نَعْبُدُ الْمَلَائِكَةَ، وَيَعْبُدُ آخَرُونَ الْمَسِيحَ، وَعُزَيْرًا. فَقَالَ عز وجل رَدًّا عَلَيْهِمْ قَوْلَهُمْ: بَلْ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَلَيْسَ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى، هُمْ عَنْهَا مُبْعَدُونَ، لِأَنَّهُمْ غَيْرُ مَعْنِيِّينَ بِقَوْلِنَا: ﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ﴾ [الأنبياء: ٩٨] . فَأَمَّا قَوْلُ الَّذِينَ قَالُوا ذَلِكَ اسْتِثْنَاءً مِنْ قَوْلِهِ: ﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ﴾ [الأنبياء: ٩٨] فَقَوْلٌ لَا مَعْنَى لَهُ، لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ إِنَّمَا هُوَ إِخْرَاجُ الْمُسْتَثْنَى مِنَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى إِنَّمَا هُمْ إِمَّا مَلَائِكَةٌ، وَإِمَّا إِنْسٌ، أَوْ جَانٌّ، وَكُلُّ هَؤُلَاءِ إِذَا ذَكَرَتْهَا الْعَرَبُ فَإِنَّ أَكْثَرَ مَا تَذْكُرُهَا بِـ (مَنْ) لَا بِ (مَا)، وَاللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ إِنَّمَا ذَكَرَ الْمَعْبُودِينَ الَّذِينَ أَخْبَرَ أَنَّهُمْ حَصَبُ جَهَنَّمَ بِـ (مَا) قَالَ: ﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ ⦗٤٢٠⦘ جَهَنَّمَ﴾ [الأنبياء: ٩٨] إِنَّمَا أُرِيدَ بِهِ مَا كَانُوا يَعْبُدُونَهُ مِنَ الْأَصْنَامِ وَالْآلِهَةِ مِنَ الْحِجَارَةِ وَالْخَشَبِ، لَا مَنْ كَانَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَالْإِنْسِ. فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، لِمَا وَصَفْنَا فَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى﴾ [الأنبياء: ١٠١] جَوَابٌ مِنَ اللَّهِ لِلْقَائِلِينَ مَا ذَكَرْنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ مُبْتَدَأٌ. وَأَمَّا الْحُسْنَى فَإِنَّهَا الْفُعْلَى مِنَ الْحُسْنِ، وَإِنَّمَا عُنِيَ بِهَا السَّعَادَةُ السَّابِقَةُ مِنَ اللَّهِ لَهُمْ. كَمَا:
١٦ / ٤١٨
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى﴾ [الأنبياء: ١٠١] قَالَ: «الْحُسْنَى: السَّعَادَةُ. وَقَالَ: سَبَقَتِ السَّعَادَةُ لِأَهْلِهَا مِنَ اللَّهِ، وَسَبَقَ الشَّقَاءُ لِأَهْلِهِ مِنَ اللَّهِ»
١٦ / ٤٢٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ﴾ [الأنبياء: ١٠٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: لَا يَسْمَعُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى حَسِيسَ النَّارِ، وَيَعْنِي بِالْحَسِيسِ: الصَّوْتَ وَالْحِسَّ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَكَيْفَ لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا، وَقَدْ عَلِمْتَ مَا رُوِيَ مِنْ أَنَّ جَهَنَّمَ يُؤْتَى بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَتَزْفُرُ زَفْرَةً لَا يَبْقَى مَلَكٌ مُقَرَّبٌ، وَلَا نَبِيُّ مُرْسَلٌ إِلَّا جَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ خَوْفًا مِنْهَا، قِيلَ: إِنَّ الْحَالَ الَّتِي لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا حَسِيسَهَا هِيَ غَيْرُ تِلْكَ الْحَالِ، بَلْ هِيَ ⦗٤٢١⦘ الْحَالُ الَّتِي:
١٦ / ٤٢٠
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ﴾ [الأنبياء: ١٠٢] يَقُولُ: «لَا يَسْمَعُ أَهْلُ الْجَنَّةِ حَسِيسَ النَّارِ إِذَا نَزَلُوا مَنْزِلَهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ»
١٦ / ٤٢١
وَقَوْلُهُ: ﴿وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ﴾ [الأنبياء: ١٠٢] يَقُولُ: وَهُمْ فِيمَا تَشْتَهِيهِ نُفُوسُهُمْ مِنْ نَعِيمِهَا وَلَذَّاتِهَا مَاكِثُونَ فِيهَا، لَا يَخَافُونَ زَوَالًا عَنْهَا وَلَا انْتِقَالًا عَنْهَا
١٦ / ٤٢١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لَا يَحْزُنُهمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ﴾ [الأنبياء: ١٠٣] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْفَزَعِ الْأَكْبَرِ أَيُّ الْفَزَعِ هُوَ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: ذَلِكَ النَّارُ إِذَا أُطْبِقَتْ عَلَىْ أَهْلِهَا
١٦ / ٤٢١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو هِشَامٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: ﴿لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ﴾ [الأنبياء: ١٠٣] قَالَ: «النَّارُ إِذَا أُطْبِقَتْ عَلَى أَهْلِهَا»
١٦ / ٤٢١
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حجَّاجٌ قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ قَوْلُهُ: ﴿لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ﴾ [الأنبياء: ١٠٣] قَالَ: «حِينَ يُطْبِقُ جَهَنَّمَ، وَقَالَ: ⦗٤٢٢⦘ حِينَ ذَبْحِ الْمَوْتِ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ ذَلِكَ النَّفْخَةُ الْآخِرَةُ
١٦ / ٤٢١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ﴾ [الأنبياء: ١٠٣] «يَعْنِي النَّفْخَةَ الْآخِرَةَ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ ذَلِكَ حِينَ يُؤْمَرُ بِالْعَبْدِ إِلَى النَّارِ
١٦ / ٤٢٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ رَجُلٍ، عَنِ الْحَسَنِ: ﴿لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ﴾ [الأنبياء: ١٠٣] قَالَ: «انْصِرَافُ الْعَبْدِ حِينَ يُؤْمَرُ بِهِ إِلَى النَّارِ» وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: ذَلِكَ عِنْدَ النَّفْخَةِ الْآخِرَةِ، وَذَلِكَ أَنَّ مَنَ لَمْ يَحْزُنْهُ ذَلِكَ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَآمَنَ مِنْهُ، فَهُوَ مِمَّا بَعْدَهُ أَحْرَى أَنْ لَا يَفْزَعَ، وَأَنَّ مَنْ أَفْزَعَهُ ذَلِكَ فَغَيْرُ مَأْمُونٍ عَلَيْهِ الْفَزَعُ مِمَّا بَعْدَهُ
١٦ / ٤٢٢
وَقَوْلُهُ: ﴿وَتَتَلَقَّاهمُ الْمَلَائِكَةُ﴾ [الأنبياء: ١٠٣] يَقُولُ: وَتَسْتَقْبِلُهُمُ الْمَلَائِكَةُ يُهَنِّئُونَهُمْ يَقُولُونَ: ﴿هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ﴾ [الأنبياء: ١٠٣] فِيهِ الْكَرَامَةُ مِنَ اللَّهِ وَالْحِبَاءُ، وَالْجَزِيلُ مِنَ الثَّوَابِ عَلَى مَا كُنْتُمْ تَنْصِبُونَ فِي الدُّنْيَا لِلَّهِ فِي طَاعَتِهِ. ⦗٤٢٣⦘ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ
١٦ / ٤٢٢
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ﴾ [الأنبياء: ١٠٣] قَالَ: «هَذَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلُوا الْجَنَّةَ»
١٦ / ٤٢٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ﴾ [الأنبياء: ١٠٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ، يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ. فَـ (يَوْمَ) صِلَةٌ مِنْ يَحْزُنُهُمْ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى السِّجِلِّ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ اسْمُ مَلَكٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ
١٦ / ٤٢٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ يَمَانٍ، قَالَ: ثنا أَبُو الْوَفَاءِ الْأَشْجَعِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ﴾ [الأنبياء: ١٠٤] قَالَ: «السِّجِلُّ: مَلَكٌ، فَإِذَا صَعِدَ بِالِاسْتِغْفَارِ قَالَ: اكْتُبْهَا نُورًا»
١٦ / ٤٢٣
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا مُؤَمَّلٌ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، قَالَ: سَمِعَ السُّدِّيَّ، يَقُولُ، فِي قَوْلِهِ: ﴿يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ﴾ [الأنبياء: ١٠٤] قَالَ: «السِّجِلُّ: مَلَكٌ» ⦗٤٢٤⦘ وَقَالَ آخَرُونَ: السِّجِلُّ: رَجُلٌ كَانَ يَكْتُبُ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ
١٦ / ٤٢٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: ثنا نُوحُ بْنُ قَيْسٍ، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الْجَوْزَاءِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ﴾ [الأنبياء: ١٠٤] قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: «هُوَ الرَّجُلُ»
١٦ / ٤٢٤
قَالَ: ثنا نُوحُ بْنُ قَيْسٍ قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ كَعْبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الْجَوْزَاءِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «السِّجِلُّ: كَاتِبٌ كَانَ يَكْتُبُ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ هُوَ الصَّحِيفَةُ الَّتِي يُكْتَبُ فِيهَا
١٦ / ٤٢٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ⦗٤٢٥⦘ قَوْلُهُ: «كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكِتَابِ» يَقُولُ: «كَطَيٍّ الصَّحِيفَةِ عَلَى الْكِتَابِ»
١٦ / ٤٢٤
– حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكِتَابِ) يَقُولُ: «كَطَيِّ الصُّحُفِ»
١٦ / ٤٢٥
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «السِّجِلُّ: الصَّحِيفَةُ»
١٦ / ٤٢٥
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: (يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكِتَابِ) قَالَ: «السِّجِلُّ: الصَّحِيفَةُ» وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: السِّجِلُّ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ الصَّحِيفَةُ، لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، وَلَا يُعْرَفُ لِنَبِيِّنَا ﷺ كَاتِبٌ كَانَ اسْمُهُ السِّجِلَّ، وَلَا فِي الْمَلَائِكَةِ مَلَكٌ ذَلِكَ اسْمُهُ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَكَيْفَ تُطْوَى الصَّحِيفَةُ بِالْكِتَابِ إِنْ كَانَ السِّجِلُّ
١٦ / ٤٢٥
صَحِيفَةً؟ قِيلَ: لَيْسَ الْمَعْنَى كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ: يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ عَلَى مَا فِيهِ مِنَ الْكِتَابِ، ثُمَّ جَعَلَ نَطْوِي مَصْدَرًا، فَقِيلَ: (كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكِتَابِ) وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ (لِلْكِتَابِ) بِمَعْنَى: عَلَى. وَاخْتَلَفَ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ، سِوَى أَبِي جَعْفَرٍ الْقَارِئِ: ﴿يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ﴾ [الأنبياء: ١٠٤] بِالنُّونِ. وَقَرَأَ ذَلِكَ أَبُو جَعْفَرٍ: (يَوْمَ تُطْوَى السَّمَاءُ) بِالتَّاءِ وَضَمِّهَا، عَلَى وَجْهِ مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي ذَلِكَ مَا عَلَيْهِ قُرَّاءُ الْأَمْصَارِ، بِالنُّونِ، لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَيْهِ، وَشُذُوذِ مَا خَالَفَهُ. وَأَمَّا السِّجِلُّ، فَإِنَّهُ فِي قِرَاءَةِ جَمِيعِهِمْ بِتَشْدِيدِ اللَّامِ. وَأَمَّا الْكِتَابُ، فَإِنَّ قُرَّاءَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَبَعْضَ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ قَرَءُوُهُ بِالتَّوْحِيدِ: (كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكِتَابِ)، وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ: ﴿«لِلْكُتُبِ»﴾ [الأنبياء: ١٠٤] عَلَى الْجِمَاعِ. وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ عِنْدَنَا فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ: قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَهُ عَلَى التَّوْحِيدِ لِلْكِتَابِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ مَعْنَاهُ، فَإِنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ: كَطَيِّ السِّجِلِّ عَلَى مَا فِيهِ مَكْتُوبٌ.
١٦ / ٤٢٦
فَلَا وَجْهَ إِذْ كَانَ ذَلِكَ مَعْنَاهُ لِجَمِيعِ الْكُتُبِ إِلَّا وَجْهٌ نَتَّبِعُهُ مِنْ مَعْرُوفِ كَلَامِ الْعَرَبِ، وَعِنْدَ قَوْلِهِ: ﴿كَطَيِّ السِّجِلِّ﴾ [الأنبياء: ١٠٤] انْقِضَاءُ الْخَبَرِ عَنْ صِلَةٍ
١٦ / ٤٢٧
قَوْلُهُ: ﴿لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ﴾ [الأنبياء: ١٠٣] ثُمَّ ابْتَدَأَ الْخَبَرَ عَمَّا اللَّهُ فَاعِلٌ بِخَلْقِهِ يَوْمَئِذٍ، فَقَالَ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ﴾ [الأنبياء: ١٠٤] . فَالْكَافُ الَّتِي فِي قَوْلِهِ: ﴿كَمَا﴾ [البقرة: ١٣] مِنْ صِلَةِ ﴿نُعِيدُ﴾ تَقَدَّمَتْ قَبْلَهَا، وَمَعْنَى الْكَلَامِ: نُعِيدُ الْخَلْقَ عُرَاةً حُفَاةً غَرْلًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، كَمَا بَدَأْنَاهُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فِي حَالِ خَلْقِنَاهُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِهِمْ، عَلَى اخْتِلَافٍ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ. وَبِالَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ، وَبِهِ الْخَبَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَلِذَلِكَ اخْتَرْتُ الْقَوْلَ بِهِ عَلَى غَيْرِهِ
١٦ / ٤٢٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ وَالْأَثَرُ الَّذِي جَاءَ فِيهِ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ﴾ [الأنبياء: ١٠٤] قَالَ: «حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا»
١٦ / ٤٢٧
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ﴾ [الأنبياء: ١٠٤] قَالَ: «حُفَاةً غُلْفًا»
١٦ / ٤٢٧
قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَني إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَيْسَرَةَ أَنَّهُ سَمِعَ مُجَاهِدًا يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِإِحْدَى نِسَائِهِ: «يَأْتُونَهُ حُفَاةً عُرَاةً غُلْفًا»، فَاسْتَتَرَتْ بِكُمِّ دِرْعِهَا، وَقَالَتْ: وَاسَوْأَتَاهُ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أُخْبِرْتُ أَنَّهَا عَائِشَةُ، قَالَتْ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، لَا يَحْتَشِمُ النَّاسُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا؟ قَالَ: «لِكُلِّ امْرِئٍ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ»
١٦ / ٤٢٨
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، قَالَ: ثني الْمُغِيرَةُ بْنُ النُّعْمَانِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «يُحْشَرُ النَّاسُ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا، فَأَوَّلُ مَنْ يُكْسَى إِبْرَاهِيمُ»، ثُمَّ قَرَأَ: «﴿كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ﴾ [الأنبياء: ١٠٤]» حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ النُّعْمَانِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِمَوْعِظَةٍ، فَذَكَرَهُ نَحْوَهُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ النُّعْمَانِ النَّخَعِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَذَكَرَهُ نَحْوَهُ. ⦗٤٢٩⦘ حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: ثنا وَكِيعٌ، عَنْ شُعْبَةَ قَالَ: ثنا الْمُغِيرَةُ بْنُ النُّعْمَانِ النَّخَعِيُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، نَحْوَهُ
١٦ / ٤٢٨
حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُوسُفَ بْنِ الطَّبَّاعِ أَبُو يَحْيَى، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَخْطُبُ فَقَالَ: «إِنَّكُمْ مُلَاقُو اللَّهَ مُشَاةً غُرْلًا»
١٦ / ٤٢٩
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَعِنْدِي عَجُوزٌ مِنْ بَنِي عَامِرٍ، فَقَالَ: «مَنْ هَذِهِ الْعَجُوزُ يَا عَائِشَةُ؟»، فَقُلْتُ: إِحْدَى خَالَاتِي. فَقَالَتِ: ادْعُ اللَّهَ أَنْ يُدْخِلَنِي الْجَنَّةَ فَقَالَ: «إِنَّ الْجَنَّةَ لَا يَدْخُلُهَا الْعَجَزَةُ»، قَالَتْ: فَأَخَذَ الْعَجُوزَ مَا أَخَذَهَا، فَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ يُنْشِئُهُنَّ خَلْقًا غَيْرَ خَلْقِهِنَّ»، ثُمَّ قَالَ: «يُحْشَرُونَ حُفَاةً عُرَاةً غُلْفًا»، فَقَالَتْ: حاشَ لِلَّهِ مِنْ ذَلِكَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «بَلَى إِنَّ اللَّهَ قَالَ: ﴿كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا﴾ [الأنبياء: ١٠٤] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ فَأَوَّلُ مَنْ يُكْسَى إِبْرَاهِيمُ خَلِيلُ اللَّهِ»
١٦ / ٤٢٩
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُمَارَةَ الْأَسَدِيُّ، قَالَ: ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ ⦗٤٣٠⦘ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ، قَالَ: «يُجْمَعُ النَّاسُ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، يَنْفُذُهُمُ الْبَصَرُ، وَيَسْمَعُهُمُ الدَّاعِي، حُفَاةً عُرَاةً، كَمَا خُلِقُوا أَوَّلَ يَوْمٍ»
١٦ / ٤٢٩
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ، عَنْ هِلَالِ بْنِ خَبَّابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حُفَاةً عُرَاةً مُشَاةً غُرْلًا» . قُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، مَا الْغُرْلُ؟ قَالَ: الْغُلْفُ، فَقَالَ بَعْضُ أَزْوَاجِهِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيَنْظُرُ بَعْضُنَا إِلَى بَعْضٍ إِلَى عَوْرَتِهِ؟ فَقَالَ: «لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ مَا يَشْغَلُهُ عَنِ النَّظَرِ إِلَى عَوْرَةِ أَخِيهِ» . قَالَ هِلَالٌ: قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: ﴿وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ [الأنعام: ٩٤]، قَالَ: كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ، يُرَدُّ عَلَيْهِ كُلُّ شَيْءٍ انْتُقِصَ مِنْهُ مِثْلَ يَوْمِ وُلِدَ ” وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: كَمَا كُنَّا، وَلَا شَيْءَ غَيْرُنَا، قَبْلَ أَنْ نَخْلُقَ شَيْئًا، كَذَلِكَ نُهْلِكُ الْأَشْيَاءَ فَنُعِيدُهَا فَانِيَةً، حَتَّى لَا يَكُونَ شَيْءٌ سِوَانَا
١٦ / ٤٣٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ﴾ [الأنبياء: ١٠٤] الْآيَةُ، قَالَ: «نُهْلِكُ كُلَّ شَيْءٍ كَمَا كَانَ أَوَّلَ مَرَّةٍ»
١٦ / ٤٣١
وَقَوْلُهُ: ﴿وَعْدًا عَلَيْنَا﴾ [الأنبياء: ١٠٤] يَقُولُ: وَعَدْنَاكُمْ ذَلِكَ وَعْدًا حَقًّا عَلَيْنَا أَنْ نُوفِيَ بِمَا وَعَدْنَا، إِنَّا كُنَّا فَاعِلِي مَا وَعَدْنَاكُمْ مِنْ ذَلِكَ أَيُّهَا النَّاسُ، لِأَنَّهُ قَدْ سَبَقَ فِي حُكْمِنَا وَقَضَائِنَا أَنْ نَفْعَلَهُ، عَلَى يَقِينٍ بِأَنَّ ذَلِكَ كَائِنٌ، وَاسْتَعِدُّوا وَتَأَهَّبُوا
١٦ / ٤٣١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ﴾ [الأنبياء: ١٠٥] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمَعْنِيِّ بِالزَّبُورِ وَالذِّكْرِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَنَى بِالزَّبُورِ: كُتُبَ الْأَنْبِيَاءِ كُلِّهَا الَّتِي أَنْزَلَهَا اللَّهُ عَلَيْهِمْ، وَعَنَى بِالذِّكْرِ: أُمَّ الْكِتَابِ الَّتِي عِنْدَهُ فِي السَّمَاءِ
١٦ / ٤٣١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عِيسَى بْنُ عُثْمَانَ بْنِ عِيسَى الرَّمْلِيُّ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ عِيسَى، عَنِ الْأَعْمَشِ، قَالَ: «سَأَلْتُ سَعِيدًا، عَنْ قَوْلِ اللَّهِ: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ﴾ [الأنبياء: ١٠٥] قَالَ: الذِّكْرُ: الَّذِي فِي السَّمَاءِ»
١٦ / ٤٣١
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ﴾ [الأنبياء: ١٠٥] قَالَ: قَرَأَهَا الْأَعْمَشُ «الزُّبُرِ» قَالَ: «الزَّبُورُ، وَالتَّوْرَاةُ، وَالْإِنْجِيلُ، وَالْقُرْآنُ ﴿مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ﴾ [الأنبياء: ١٠٥] قَالَ: الذِّكْرُ الَّذِي فِي السَّمَاءِ»
١٦ / ٤٣٢
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿الزَّبُورِ﴾ [الأنبياء: ١٠٥] قَالَ: «الْكِتَابُ. ﴿مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ﴾ [الأنبياء: ١٠٥] قَالَ: أُمُّ الْكِتَابِ عِنْدَ اللَّهِ»
١٦ / ٤٣٢
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿الزَّبُورِ﴾ [الأنبياء: ١٠٥] قَالَ: «الْكِتَابُ» ﴿بَعْدِ الذِّكْرِ﴾ [الأنبياء: ١٠٥] قَالَ: «أُمُّ الْكِتَابِ عِنْدَ اللَّهِ»
١٦ / ٤٣٢
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ﴾ [الأنبياء: ١٠٥] قَالَ: «الزَّبُورُ: الْكُتُبُ الَّتِي أُنْزِلَتْ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ. وَالذِّكْرُ: أُمُّ الْكِتَابِ الَّذِي تُكْتَبُ فِيهِ الْأَشْيَاءُ قَبْلَ ذَلِكَ»
١٦ / ٤٣٢
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سَعِيدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَقَدْ ⦗٤٣٣⦘ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ﴾ [الأنبياء: ١٠٥] قَالَ: «كَتَبْنَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ بَعْدِ التَّوْرَاةِ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عُنِيَ بِالزَّبُورِ: الْكُتُبُ الَّتِي أَنْزَلَهَا اللَّهُ عَلَى مَنْ بَعْدَ مُوسَى مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، وَبِالذِّكْرِ: التَّوْرَاةُ
١٦ / ٤٣٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ﴾ [الأنبياء: ١٠٥] الْآيَةُ، قَالَ: «الذِّكْرُ: التَّوْرَاةُ، وَالزَّبُورُ: الْكُتُبُ»
١٦ / ٤٣٣
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: ثنا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ﴾ [الأنبياء: ١٠٥] الْآيَةَ، قَالَ: «الذِّكْرُ: التَّوْرَاةُ، وَيَعْنِي بِالزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ التَّوْرَاةِ: الْكُتُبَ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عُنِيَ بِالزَّبورِ زَبُورُ دَاوُدَ، وَبِالذِّكْرِ تَوْرَاةُ مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمَا
١٦ / ٤٣٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ، قَالَ: ثنا دَاوُدُ، عَنْ عَامِرٍ، أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ﴾ [الأنبياء: ١٠٥] قَالَ: «زَبُورُ دَاوُدَ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ: ذِكْرُ مُوسَى: التَّوْرَاةُ»
١٦ / ٤٣٣
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ دَاوُدَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ﴾ [الأنبياء: ١٠٥] قَالَ: “فِي زَبُورِ دَاوُدَ، مِنْ بَعْدِ ذِكْرِ مُوسَى وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ عِنْدِي بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ مَا قَالَهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَمُجَاهِدٌ، وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِمَا فِي ذَلِكَ، مِنْ أَنَّ مَعْنَاهُ: وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الْكُتُبِ مِنْ بَعْدِ أُمِّ الْكِتَابِ الَّذِي كَتَبَ اللَّهُ كُلَّ مَا هُوَ كَائِنٌ فِيهِ قَبْلَ خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ. وَذَلِكَ أَنَّ الزَّبُورَ هُوَ الْكِتَابُ، يُقَالُ مِنْهُ: زَبَرْتُ الْكِتَابَ وَذَبَرْتُهُ: إِذَا كَتَبْتُهُ، وَأَنَّ كُلَّ كِتَابٍ أَنْزَلَهُ اللَّهُ إِلَى نَبِيٍّ مِنْ أَنْبِيَائِهِ، فَهُوَ ذِكْرٌ. فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ فِي إِدْخَالِهِ الْأَلْفَ وَاللَّامَ فِي الذِّكْرِ، الدَّلَالَةَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ مَعْنِيُّ بِهِ ذِكْرٌ بِعَيْنِهِ مَعْلُومٍ عِنْدَ الْمُخَاطَبِينَ بِالْآيَةِ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ غَيْرَ أُمِّ الْكِتَابِ الَّتِي ذَكَرْنَا لَمْ تَكُنِ التَّوْرَاةُ بِأَوْلَى مِنْ أَنْ تَكُونَ الْمَعْنِيَّةَ بِذَلِكَ مِنْ صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ، فَقَدْ كَانَ قَبْلَ زَبُورِ دَاوُدَ فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ إِذَنْ، إِذْ كَانَ ذَلِكَ كَمَا وَصَفْنَا: وَلَقَدْ قَضَيْنَا، فَأَثْبَتْنَا قَضَاءَنَا فِي الْكُتُبِ مِنْ بَعْدِ أُمِّ الْكِتَابِ، أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ، يَعْنِي بِذَلِكَ: أَنَّ أَرْضَ الْجَنَّةِ يَرِثُهَا عِبَادِيَ، الْعَامِلُونَ بِطَاعَتِهِ، الْمُنْتَهُونَ إِلَى أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ مِنْ عِبَادِهِ، دُونَ الْعَامِلِينَ بِمَعْصِيَتِهِ مِنْهُمُ، الْمُؤْثِرِينَ طَاعَةَ الشَّيْطَانِ عَلَى طَاعَتِهِ
١٦ / ٤٣٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْهِلَالِيُّ، قَالَ: ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، قَالَ: ثنا ⦗٤٣٥⦘ إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي يَحْيَى الْقَتَّاتِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿أَنَّ الْأَرْضَ، يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ﴾ [الأنبياء: ١٠٥] قَالَ: «أَرْضُ الْجَنَّةِ»
١٦ / ٤٣٤
حَدَّثَنِي عَلِيُّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ﴾ [الأنبياء: ١٠٥] قَالَ: «أَخْبَرَ سُبْحَانَهُ فِي التَّوْرَاةِ وَالزَّبُورِ وَسَابِقِ عِلْمِهِ قَبْلَ أَنْ تَكُونَ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ، أَنْ يُوَرِّثَ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ ﷺ الْأَرْضَ، وَيُدْخِلَهُمُ الْجَنَّةَ، وَهُمُ الصَّالِحُونَ»
١٦ / ٤٣٥
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ﴾ [الأنبياء: ١٠٥] قَالَ: «كَتَبْنَا فِي الْقُرْآنِ بَعْدَ التَّوْرَاةِ، وَالْأَرْضُ: أَرْضُ الْجَنَّةِ»
١٦ / ٤٣٥
حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: ثنا حَجَّاجٌ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ: ﴿أَنَّ الْأَرْضَ، يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ﴾ [الأنبياء: ١٠٥] قَالَ: «الْأَرْضُ: الْجَنَّةُ»
١٦ / ٤٣٥
حَدَّثَنِي عِيسَى بْنُ عُثْمَانَ بْنِ عِيسَى الرَّمْلِيُّ قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ عِيسَى، عَنِ الْأَعْمَشِ قَالَ: سَأَلْتُ سَعِيدًا عَنْ قَوْلِ اللَّهِ: ﴿أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ﴾ [الأنبياء: ١٠٥] قَالَ: «أَرْضُ الْجَنَّةِ»
١٦ / ٤٣٥
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿أَنَّ الْأَرْضَ﴾ [الأنبياء: ١٠٥] قَالَ: «الْجَنَّةُ، ﴿يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ﴾ [الأنبياء: ١٠٥]» حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٦ / ٤٣٦
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ﴾ [الأنبياء: ١٠٥] قَالَ: «الْجَنَّةُ. وَقَرَأَ قَوْلَ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ﴾ [الزمر: ٧٤]، قَالَ: فَالْجَنَّةُ مُبْتَدَؤُهَا فِي الْأَرْضِ، ثُمَّ تَذْهَبُ دَرَجَاتٍ عُلُوًّا، وَالنَّارُ مُبْتَدَؤُهَا فِي الْأَرْضِ، وَبَيْنَهُمَا حِجَابُ سُورٍ، مَا يَدْرِي أحَدٌ مَا ذَاكَ السُّوَرُ، وَقَرَأَ: ﴿بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابَ﴾ [الحديد: ١٣]، قَالَ: وَدَرَجُهَا تَذْهَبُ سِفَالًا فِي الْأَرْضِ، وَدَرَجُ الْجَنَّةِ تَذْهَبُ عُلُوًّا فِي السَّمَاوَاتِ»
١٦ / ٤٣٦
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَوْفٍ، قَالَ: ثنا أَبُو الْمُغِيرَةِ، قَالَ: ثنا صَفْوَانُ، سَأَلْتُ عَامِرَ بْنَ
١٦ / ٤٣٦
عَبْدِ اللَّهِ أَبَا الْيَمَانِ: هَلْ لِأَنْفُسِ الْمُؤْمِنِينَ مُجْتَمَعٌ؟ قَالَ: فَقَالَ: «إِنَّ الْأَرْضَ الَّتِي يَقُولُ اللَّهُ: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ﴾ [الأنبياء: ١٠٥] قَالَ: هِيَ الْأَرْضُ الَّتِي تَجْتَمِعُ إِلَيْهَا أَرْوَاحُ الْمُؤْمِنِينَ حَتَّى يَكُونَ الْبَعْثُ» وَقَالَ آخَرُونَ: هِيَ الْأَرْضُ يُوَرِّثُهَا اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ فِي الدُّنْيَا وَقَالَ آخَرُونَ: عُنِيَ بِذَلِكَ بَنُو إِسْرَائِيلَ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ وَعَدَهُمْ ذَلِكَ، فَوَفَى لَهُمْ بِهِ. وَاسْتُشْهِدَ لِقَوْلِهِ ذَلِكَ بِقَوْلِ اللَّهِ: ﴿وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا﴾ [الأعراف: ١٣٧] . وَقَدْ ذَكَرْنَا قَوْلَ مَنْ قَالَ: ﴿أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ﴾ [الأنبياء: ١٠٥] أَنَّهَا أَرْضُ الْأُمَمِ الْكَافِرَةِ، تَرِثُهَا أُمَّةُ مُحَمَّدٍ ﷺ. وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ الَّذِي رَوَى عَنْهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ
١٦ / ٤٣٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء: ١٠٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ فِي هَذَا الْقُرْآنِ الَّذِي أَنْزَلْنَاهُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ ﷺ، لَبَلَاغًا لِمَنْ عَبَدَ اللَّهَ بِمَا فِيهِ مِنَ الْفَرَائِضِ الَّتِي فَرَضَهَا اللَّهُ إِلَى رِضْوَانِهِ، وَإِدْرَاكِ الطَّلِبَةِ عِنْدَهُ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٦ / ٤٣٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنِ الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ أَبِي الْوَرْدِ بْنِ ثُمَامَةَ، عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ الْحَضْرَمِيِّ، قَالَ: ثنا كَعْبٌ، فِي هَذَا الْمَسْجِدِ قَالَ: وَالَّذِي نَفْسُ كَعْبٍ بِيَدِهِ ﴿إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ﴾ [الأنبياء: ١٠٦] «إِنَّهُمْ لَأَهْلُ أَوْ أَصْحَابُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، سَمَّاهُمُ اللَّهُ عَابِدِينَ»
١٦ / ٤٣٨
حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ يَزِيدَ الطَّحَّانُ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ إِيَاسٍ الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ أَبِي الْوَرْدِ، عَنْ كَعْبٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ﴾ [الأنبياء: ١٠٦] قَالَ: «صَوْمُ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَصَلَاةُ الْخَمْسِ، قَالَ: هِيَ مِلْءُ الْيَدَيْنِ وَالْبَحْرِ عِبَادَةً»
١٦ / ٤٣٨
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، عَنِ الْجُرَيْرِيِّ، قَالَ: قَالَ كَعْبُ الْأَحْبَارِ: «﴿إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ﴾ [الأنبياء: ١٠٦] لَأُمَّةِ مُحَمَّدٍ»
١٦ / ٤٣٨
حَدَّثَنِي عَلِيُّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ﴾ [الأنبياء: ١٠٦] يَقُولُ: «عَامِلِينَ»
١٦ / ٤٣٩
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَوْلُهُ: «﴿إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ﴾ [الأنبياء: ١٠٦] قَالَ: يَقُولُونَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ: لَبَلَاغًا» وَيَقُولُ آخَرُونَ: فِي الْقُرْآنِ تَنْزِيلٌ لِفَرَائِضِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، مَنْ أَدَّاهَا كَانَ بَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ قَالَ: عَامِلِينَ
١٦ / ٤٣٩
حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ﴾ [الأنبياء: ١٠٦] قَالَ: «إِنَّ فِي هَذَا لِمَنْفَعَةً وَعِلْمًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ، ذَاكَ الْبَلَاغُ»
١٦ / ٤٣٩
وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء: ١٠٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ يَا مُحَمَّدُ إِلَى خَلْقِنَا إِلَّا رَحْمَةً لِمَنْ أَرْسَلْنَاكَ إِلَيْهِ مِنْ خَلْقِي. ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ، أَجَمِيعُ الْعَالَمِ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ مُحَمَّدٌ أُرِيدَ بِهَا مُؤْمِنُهُمْ وَكَافِرُهُمْ؟ أَمْ أُرِيدَ بِهَا أَهْلُ الْإِيمَانِ خَاصَّةً دُونَ أَهْلِ الْكُفْرِ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عُنِيَ بِهَا جَمِيعُ الْعَالِمِ: الْمُؤْمِنُ وَالْكَافِرُ
١٦ / ٤٣٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ شَاهِينَ، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ الْأَزْرَقُ، عَنِ الْمَسْعُودِيِّ، عَنْ رَجُلٍ يُقَالُ لَهُ سَعِيدٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ فِي كِتَابِهِ: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء: ١٠٧] قَالَ: «مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ كُتِبَ لَهُ الرَّحْمَةُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ عُوفِيَ مِمَّا أَصَابَ الْأُمَمَ مِنَ الْخَسْفِ وَالْقَذْفِ»
١٦ / ٤٤٠
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثنا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنِ الْمَسْعُودِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء: ١٠٧] قَالَ: «تَمَّتِ الرَّحْمَةُ لِمَنْ آمَنَ بِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِهِ عُوفِيَ مِمَّا أَصَابَ الْأُمَمَ قَبْلُ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ أُرِيدَ بِهَا أَهْلُ الْإِيمَانِ دُونَ أَهْلِ الْكُفْرِ
١٦ / ٤٤٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَا
١٦ / ٤٤٠
أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء: ١٠٧] قَالَ: «الْعَالَمُونَ: مَنْ آمَنَ بِهِ وَصَدَّقَهُ. قَالَ: ﴿وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ﴾ [الأنبياء: ١١١] قَالَ: فَهُوَ لِهَؤُلَاءِ فِتْنَةٌ، وَلِهَؤُلَاءِ رَحْمَةٌ، وَقَدْ جَاءَ الْأَمْرُ مُجْمَلًا ﴿رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء: ١٠٧] . وَالْعَالَمُونَ هَهُنَا: مَنْ آمَنَ بِهِ وَصَدَّقَهُ وَأَطَاعَهُ» وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ الْقَوْلُ الَّذِي رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَهُوَ أَنَّ اللَّهَ أَرْسَلَ نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا ﷺ رَحْمَةً لِجَمِيعِ الْعَالَمِ، مُؤْمِنِهِمْ، وَكَافِرِهِمْ. فَأَمَّا مُؤْمِنُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ هَدَاهُ بِهِ، وَأَدْخَلَهُ بِالْإِيمَانُ بِهِ، وَبِالْعَمَلِ بِمَا جَاءَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْجَنَّةَ. وَأَمَّا كَافِرُهُمْ فَإِنَّهُ دَفَعَ بِهِ عَنْهُ عَاجِلَ الْبَلَاءِ الَّذِي كَانَ يَنْزِلُ بِالْأُمَمِ الْمُكَذِّبَةِ رُسُلَهَا مِنْ قَبْلِهِ
١٦ / ٤٤١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [الأنبياء: ١٠٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ: مَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِلَّا أَنَّهُ لَا إِلَهَ لَكُمْ يَجُوزُ أَنْ يُعْبَدَ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا تَصْلُحُ الْعِبَادَةُ إِلَّا لَهُ، وَلَا يَنْبَغِي ذَلِكَ لِغَيْرِهِ ﴿فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [هود: ١٤] يَقُولُ: فَهَلْ أَنْتُمْ مُذْعِنُونَ لَهُ أَيُّهَا الْمُشْرِكُونَ الْعَابِدُونَ الْأَوْثَانَ وَالْأَصْنَامَ بِالْخُضُوعِ لِذَلِكَ، وَمُتَبَرِّئُونَ مِنْ عِبَادَةِ مَا دُونَهُ مِنْ آلِهَتِكُمْ؟
١٦ / ٤٤١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلَى سَوَاءٍ وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ﴾ [الأنبياء: ١٠٩]⦗٤٤٢⦘ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَإِنْ أَدْبَرَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ يَا مُحَمَّدُ عَنِ الْإِقْرَارِ بِالْإِيمَانِ، بِأَنْ لَا إِلَهَ لَهُمْ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ، فَأَعْرَضُوا عَنْهُ، وَأَبَوُا الْإِجَابَةَ إِلَيْهِ، ﴿فَقُلْ﴾ [آل عمران: ٢٠] لَهُمْ: قَدْ ﴿آذَنْتُكُمْ عَلَى سَوَاءٍ﴾ [الأنبياء: ١٠٩] يَقُولُ: أَعْلِمْهُمْ أَنَّكَ وَهُمْ عَلَى عِلْمٍ مِنْ أَنَّ بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ حَرْبٌ، لَا صُلْحَ بَيْنَكُمْ، وَلَا سِلْمَ وَإِنَّمَا عُنِيَ بِذَلِكَ قَوْمُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِنْ قُرَيْشٍ، كَمَا:
١٦ / ٤٤١
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَوْلُهُ: «﴿فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلَى سَوَاءٍ﴾ [الأنبياء: ١٠٩] فَإِنْ تَوَلَّوْا: يَعْنِي قُرَيْشًا»
١٦ / ٤٤٢
وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ﴾ [الأنبياء: ١٠٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ: قُلْ: وَمَا أَدْرِي مَتَى الْوَقْتُ الَّذِي يَحِلُّ بِكُمْ عِقَابُ اللَّهِ الَّذِي وَعَدَكُمْ، فَيَنْتَقِمُ بِهِ مِنْكُمْ أَقَرِيبٌ نُزُولُهُ بِكُمْ؟ أَمْ بَعِيدٌ؟ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٦ / ٤٤٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: ﴿وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ﴾ [الأنبياء: ١٠٩] قَالَ: «الْأَجَلُ»
١٦ / ٤٤٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ﴾ [الأنبياء: ١١١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: قُلْ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ: إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ الْجَهْرَ الَّذِي يَجْهَرُونَ بِهِ مِنَ الْقَوْلِ، وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَهَ فَلَا تَجْهَرُونَ بِهِ، سَوَاءٌ عِنْدَهُ خَفِّيُّهُ وَظَاهِرُهُ، وَسِرُّهُ وَعَلَانِيَتُهُ، إِنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهُ شَيْءٌ، فَإِنْ أَخَّرَ عَنْكُمْ عِقَابَهُ عَلَى مَا ⦗٤٤٣⦘ تُخْفُونَ مِنَ الشِّرْكِ بِهِ، أَوْ تَجْهَرُونَ بِهِ، فَمَا أَدْرِي مَا السَّبَبُ الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ يُؤَخِّرُ ذَلِكَ عَنْكُمْ؟ لَعَلَّ تَأْخِيرَهُ ذَلِكَ عَنْكُمْ مَعَ وَعْدِهِ إِيَّاكُمْ لِفِتْنَةٍ يُرِيدُهَا بِكُمْ، وَلِتَتَمَتَّعُوا بِحَيَاتِكُمْ إِلَى أَجَلٍ قَدْ جَعَلَهُ لَكُمْ تَبْلُغُونَهُ، ثُمَّ يُنْزِلُ بِكُمْ حِينَئِذٍ نِقْمَتَهُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٦ / ٤٤٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ﴾ [الأنبياء: ١١١] يَقُولُ: «لَعَلَّ مَا أُقَرِّبُ لَكُمْ مِنَ الْعَذَابِ وَالسَّاعَةِ، أَنْ يُؤَخِّرَ عَنْكُمْ لِمُدَّتِكُمْ، وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ، فَيَصِيرَ قُولِي ذَلِكَ لَكُمْ فِتْنَةً»
١٦ / ٤٤٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ﴾ [الأنبياء: ١١٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ: يَا رَبِّ افْصِلْ بَيْنِي وَبَيْنَ مَنْ كَذَّبَنِي مِنْ مُشْرِكِي قَوْمِي، وَكَفَرَ بِكَ، وَعَبَدَ غَيْرَكَ، بِإِحْلَالِ عَذَابِكَ، وَنِقْمَتِكَ بِهِمْ، وَذَلِكَ هُوَ الْحَقُّ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ أَنْ يَسْأَلَ رَبَّهُ الْحُكْمَ بِهِ، وَهُوَ نَظِيرُ قَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ﴾ [الأعراف: ٨٩]⦗٤٤٤⦘ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٦ / ٤٤٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ﴿قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ﴾ [الأنبياء: ١١٢] قَالَ: «لَا يَحْكُمُ بِالْحَقِّ إِلَّا اللَّهُ، وَلَكِنْ إِنَّمَا اسْتُعْجِلَ بِذَلِكَ فِي الدُّنْيَا، يَسْأَلُ رَبَّهُ عَلَى قَوْمِهِ»
١٦ / ٤٤٤
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: “أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ إِذَا شَهِدَ قِتَالًا قَالَ: «رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ» وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ: ﴿قَالَ رَبِّ احْكُمْ﴾ [الأنبياء: ١١٢] بِكَسْرِ الْبَاءِ، وَوَصْلِ الْأَلِفِ: أَلِفِ ﴿احْكُمْ﴾ [المائدة: ٤٩]، عَلَى وَجْهِ الدُّعَاءِ وَالْمَسْأَلَةِ، سِوَى أَبِي جَعْفَرٍ، فَإِنَّهُ ضَمَّ الْبَاءَ مِنَ الرَّبِّ، عَلَى وَجْهِ نِدَاءِ الْمُفْرِدِ، وَغَيْرَ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ، فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ ذَلِكَ: «رَبِّي أَحْكَمُ» عَلَى وَجْهِ الْخَبَرِ بِأَنَّ اللَّهَ أَحْكَمُ بِالْحَقِّ مِنْ كُلِّ حَاكِمٍ، فَيُثْبِتُ الْيَاءَ فِي الرَّبِّ، وَيَهْمِزُ الْأَلِفَ مِنْ «أَحْكَمُ»، وَيَرْفَعُ «أَحْكَمُ»، عَلَى أَنَّهُ خَبَرٌ لِلرَّبِّ تبارك وتعالى. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَةِ عِنْدَنَا فِي ذَلِكَ: وَصْلُ الْبَاءِ مِنَ الرَّبِّ وَكَسْرِهَا ⦗٤٤٥⦘ بِـ ﴿«احْكُمْ»﴾ [المائدة: ٤٩]، وَتَرْكُ قَطْعِ الْأَلِفِ مِنِ ﴿«احْكُمْ»﴾ [المائدة: ٤٩]، عَلَى مَا عَلَيْهِ قُرَّاءُ الْأَمْصَارِ، لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَيْهِ، وَشُذُوذِ مَا خَالَفَهُ. وَأَمَّا الضَّحَّاكُ فَإِنَّ فِي الْقِرَاءَةَ الَّتِي ذُكِرَتْ عَنْهُ زِيَادَةُ حَرْفٍ عَلَى خَطِّ الْمَصَاحِفِ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ ذَلِكَ فِيهَا، مَعَ صِحَّةِ مَعْنَى الْقِرَاءَةِ بِتَرْكِ زِيَادَتِهِ. وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿«رَبِّ احْكُمْ بِالْحَق»﴾ [الأنبياء: ١١٢] قُلْ: رَبِّ احْكُمْ بِحُكْمِكَ الْحَقِّ، ثُمَّ حَذَفَ الْحُكْمَ الَّذِي الْحَقُّ نَعْتٌ لَهُ، وَأُقِيمَ الْحَقُّ مُقَامَهُ. وَلِذَلِكَ وَجْهٌ، غَيْرَ أَنَّ الَّذِيَ قُلْنَاهُ أَوْضَحُ وَأَشْبَهُ بِمَا قَالَهُ أَهْلُ التَّأْوِيلِ، فَلِذَلِكَ اخْتَرْنَاهُ، وَقَوْلُهُ: ﴿وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ﴾ [الأنبياء: ١١٢] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَقُلْ يَا مُحَمَّدُ: وَرَبُّنَا الَّذِي يَرْحَمُ عِبَادَهُ، وَيَعُمُّهُمْ بِنِعْمَتِهِ، الَّذِي أَسْتَعِينُهُ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَقُولُونَ، وَتَصِفُونَ مِنْ قَوْلِكُمْ لِي فِيمَا أَتَيْتُكُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ﴿هَلْ هَذَا إِلَّا بِشْرٌ مِثْلَكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ﴾ [الأنبياء: ٣]،، وَقَوْلِكُمْ: ﴿بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ﴾ [الأنبياء: ٥]، وَفِي كَذَبِكُمْ عَلَى اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ وَقِيلِكُمْ: ﴿اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا﴾ [مريم: ٨٨]، فَإِنَّهُ هَيِّنٌ عَلَيْهِ تَغْيِيرُ ذَلِكَ، وَفَصْلُ مَا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ بِتَعْجِيلِ الْعُقُوبَةِ لَكُمْ عَلَى مَا تَصِفُونَ مِنْ ذَلِكَ. آخِرُ تَفْسِيرِ سُورَةِ الْأَنْبِيَاءِ عليهم السلام